رسالة في جواب بعض الاخوان - ۳ (۱۱ مسألة)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب بعض الاخوان

عن احدى عشرة مسألة

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثالث

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير خلقه ومظهر لطفه محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض الاخوان في الدين وحلفاء اليقين الذين ميزوا الغث من السمين وفرقوا بين التراب والماء المعين بعث الى مسائل وانا في كمال اختلال البال وتعارض الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال ولكني لم‌ يسعني الا اجابته واتيت بما هو الميسور لأنه لا يسقط بالمعسور وجعلت سؤاله بالفاظه متنا وجوابي كالشرح له حرصا للتطابق وصونا عن عدم التوافق

قال سلمه الله تعالى بعد البسملة : النور اللامع من ضياء شمس النبوة المحمدية الهاشمية والبدر الطالع في سماء الامامة العلوية والدرة المنيرة الخارجة من الصدفة الفاطمية والثمرة الجنية الناتجة من الدرجة الحسنية والحسينية اطال الله حياته واكرم ذاته وعظم صفاته واسعد اوقاته ورفع منزلته وجاهه اعني به سيدنا ومولينا ومن نتكل عليه في امور ديننا السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني من لا زال يعرج في اوج المنقول والمعقول ولا برح يركض في رد الفروع الى الاصول ولا برحت مهمات المسائل تبسم بين يديه في وجه المسؤل والسائل بحرمة جده وابيه وامه وذويه آمين وبعد فالمملوك يلتمس من جناب السيد سلمه الله وابقاه بمحمد على مولاه رد جواب مسائل :

منها ما يقول سيدنا في ام المعصوم هل هي بتول ام لا

اقول اما الزهراء ام الحسن والحسين عليها وعليهما السلام فلا شك انها البتول لطهارة ذاتها وبشريتها عن الفضول الردية وعن الاذى والكثافة البشرية فهي معتدلة المزاج منزهة عن الانحراف والاعوجاج وحكمها حكم الاكسير في التسخين والتبريد والترطيب والتيبيس وساير الاحوال المتضادة لعدم التضاد والمنافرة والمناكرة والمضادة لأجل الذنوب قال عليه السلام ماتناكرتم الا لما بينكم من الذنوب وهي طاهرة طيبة معصومة فأين الفضول فهي اذن البتول ولا شك في ذلك واما ام باقي الائمة عليهم السلام فحيث انهن وعاء فلا يشترط طهارتهن الا حين كونهن وعاء للمعصوم عليه السلام فهن حين حملهن للائمة عليهم السلام طاهرات معصومات لاشراق نور الامام عليهن وعلى جميع ظواهرهن فليس هناك موضع للظلمة حتى تقضي ( تقتضي ظ ) المعصية فأم الامام عليه السلام حين حملها اياه روحي له الفداء طيبة طاهرة معصومة عن جميع الذنوب والمعاصي طاهرة عن درك جميع الاخباث والارجاس لا في كل الحالات اذ لا حاجة اليها الا حين كونها وعاء لا غير فطهارتها حين الحمل لا غير والى هذا المعنى اشير في قوله عليه السلام في الزيارة اشهد انك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة والمراد بطهارة الارحام حالة حملها اياه عليه السلام لأنها في تلك الحالة يكون رحما له عليه السلام لا في باقي الحالات واما ابوه عليه السلام فيجب ان يكون مؤمنا طيبا لأنه حامل النطفة في صلبه مدة مديدة فيعظم عليه الاشراق ويذهب الظلمات فلا يبق للكفر والفسق موضع هناك بخلاف الأم فان حملها اياه في وقت دون آخر وذلك معلوم انشاء الله تعالى فعلى هذا ما سوى سيدتنا الزهراء على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف التحية والثناء لا يجب ان يكون باقي امهات الائمة عليهم السلام بتولا لما ذكرنا فافهم راشدا موفقا

قال سلمه الله تعالى : منها معنى قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه

اقول لما دلت الادلة العقلية والنقلية على ان الادراك لا يمكن الا ان يكون المدرك محيطا على المدرك بفتح الراء او غيره (كذا) امتنع ادراك الازل الواجب الحق سبحانه وتعالى فانسدت باب معرفته ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما وقد دلت الادلة العقلية والنقلية ايضا على انه سبحانه وتعالى انما خلقنا لنعرفه ونعبده كما في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وقال تعالى وما خلقت الجن الانس الا ليعبدون ولما استحالت معرفة الازل بذاته لم ‌يبق الا معرفته بوصفه ولما كان الازل صمدا لم يدخل فيه شيء ولم يخرج منه شيء ليس لأحد سبيل الا توصيفه وتعريفه سواه وجب ان يصف نفسه لخلقه ويعرفهم اياها ليعرفوه بما وصف نفسه لهم ويعبدوه كذلك ولما كان فعل الله سبحانه يجب ان يحمل على اكمل ما ينبغي في الوجود وجب ان يكون وصفه نفسه لخلقه اجلى ما يمكن من التوصيف والتعريف لئلا يكون لأحد حجة ويكون اكمال نعمة للمؤمنين واتمام حجة للكافرين المعاندين ولما كان الوصف قسمين حالي ومقالي وكان الحالي اجلى من المقالي وجب ان يصف سبحانه نفسه لهم بالوصف الحالي يعني يخلق لهم امثاله وآياته وصفاته ليعرفوه بها ولما كان الوصف كلما هو اقرب الى من وصف له كان ابلغ واكمل واقطع للحجة وليس شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه جعل سبحانه وله الحمد والمنة ذوات الخلائق وانفسهم امثالا وصفاتا لمعرفته في كل المقامات في توحيده وفي اسمائه وصفاته وفي آثاره وافعاله وفي عبارته ( عبادته ظ ) فأبان عن هذه الحقيقة بقوله الحق سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الا انه بكل شيء محيط وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون فهو سبحانه عرف نفسه لك بك فلولاه ما عرفته فهو تعالى بنفسه عرف نفسه لنفسك بنفسك والى العبارة الاولى اشار اليه في الدعاء يا من دل على ذاته بذاته وفي دعاء السحر بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم‌ادر ما انت فكان الدعاء الثاني بيانا وشرحا للدعاء الاول بأن المراد انه هو الذي دل على نفسه بنفسه بما وصف للخلق من امثال توحيده وآيات تفريده في انفس الخلق ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه اي من عرف نفسه بما جعل الله سبحانه فيها من ادلة توحيده واسرار اسمائه وصفاته وكيفية عبارته ( عبادته ظ ) وظهور آثاره فقد عرف ربه بما يمكن له ان يعرف لا انه يعرفه على ما هو عليه في ذاته حاشاه عن ذلك وانما هي المعرفة الكاملة الممكنة في حقه مما يجد من الصفات الالهية التي فطرت طويته وجبلته عليها وحقايق الخلايق هي هيكل التوحيد ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه ولما كانت مراتب الخلائق متفاوتة في العلو والسفل والتجرد والمادية والعلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية والقرب والبعد كان وصف الحق سبحانه نفسه للخلق ايضا على حسب مراتب الموجودات ولذا قيل الطرق الى الله بعدد انفس الخلائق فوصف سبحانه نفسه للقوي بما هو عليه وللضعيف بما هو عليه ولا يعرف احد الا ما انتقش في لوح حقيقة (كذا) من صفة توحيد ربه ومعرفة معبوده حتى قالت النملة ان لله زبانيتين وقال النبي صلى الله عليه وآله يا علي ما عرف الله الا انا وانت الحديث ولا عرف علي عليه السلام من معرفة الله سبحانه ما عرفه النبي صلى الله عليه وآله والنبي صلى الله عليه وآله يقول ما عرفناك حق معرفتك فالادراك الذاتي الازلي مما سده الغني المطلق عن كل مبروء ومذروء والادراك الوصفي تختلف مراتب الخلق فيه في القوة والضعف حتى كان ادراك الضعيف في التوحيد شركا بالنسبة الى ادراك القوي الا انه توحيد بالنسبة اليه لأنه الذي اعطاه الله سبحانه حسب مسئلته ولا يكلف الله نفسا الا ما آتيها معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فعلى هذا نفهم معنى قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وهجم له الفحص على العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس الطريق مسدود والطلب مردود دليله ( آياته ظ ) ووجوده اثباته نقلت معنى الحديث بتقديم وتأخير في اللفظ وهو قول مولينا الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاتضح الامر لمن طلب الرشد والحق واعلم انك لا تتوجه الا الى الحق القديم الازلي ولا تعبد الا الله الحي القيوم لكنه بقي الكلام في كيفية معرفة النفس التي هي معرفة الرب فقالت كل طائفة حسب ما وجدوا مقدار ما وصلوا لأنهم لما نزلوا في القوس النزولي وفي الصعودي اختلفت مراتبهم فكل من وقف مقاما حسب انه وصل وصعد الى المنزل الاصلي والموطن الواقعي لكنه ليس كذلك ونعم ما قال :

خليلي قطاع الفيافي الى الحمى كثير واما الواصلون قليل

لأن لهم علامات وحالات بها يعرفون انهم ممن اشهدهم الله خلق انفسهم وخلق السموات والارض فمنهم من قال في كيفية المعرفة انه يعرف نفسه اي روحه بأنه ليس في الجسد داخلا دخول الممازجة ولا خارجا عنه خروج المفارقة وليس في مكان خاص في الجسد ولا يخلوا منه مكان فيه وهو المقوم للجسد والمحصل الممد له فاذا عرف هذا في نفسه عرف ربه بالنسبة الى العالم الكلي هذا معرفة اولي العلم اصحاب عالم النفوس مقام الرسوم والنقوش ومنهم من قال يعرف نفسه بالعجز فيعرف ربه بالقدرة ويعرف نفسه بالذل فيعرف ربه بالعز ويعرف نفسه بالفناء فيعرف ربه بالبقاء ويعرف نفسه بالجهل فيعرف ربه بالعلم وامثال ذلك من الامور والاحوال وهذا معرفة اولي الالباب اصحاب عالم العقول ومنهم من قال يعرف نفسه المنسوب اليها كل الاحوال وهي غيرها فيعرف ربه بذلك كما انه يقول جسدي وجسمي وخيالي ونفسي وروحي وعقلي وذاتي وكلي وجزئي واحوالي واعراضي وهو منزه ومبرء عن ذلك كله لضرورة المغايرة بين المنسوب والمنسوب اليه كما هي شرط الاضافية كذلك الله عز وجل يقول عبدي وملكي وسمائي وارضي واسمي وصفتي وهويتي وماهيتي وهو سبحانه منزه عن الكل والكل منسوب اليه وهذا اعلي المعاني معرفة اولي الافئدة اصحاب الحقائق واهل المشاهدة واصحاب الاذواق يقولون ان كيفية معرفة النفس كما سئل كميل عن امير المؤمنين عليه السلام قال يا امير المؤمنين ما الحقيقة قال عليه السلام ما لك والحقيقة قال اولست بصاحب سرك قال عليه السلام بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني قال اومثلك يخيب سائلا قال عليه السلام الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة قال زدني بيانا قال عيه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم قال زدني بيانا قال عليه السلام هتك الستر لغلبة السر قال زدني بيانا قال عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد قال زدني بيانا قال عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا قال عليه السلام اطفأ السراج فقد طلع الصبح ه‍ والمراد بالحقيقة المسؤل عنها هو النفس التي معرفتها هي عين معرفة الرب فبين عليه السلام انها بالمحو والصحو ولو اردنا شرح هذه الكلمات لطال بنا المقال وانا النوام المكسال ومرادي الاشارة الى حقيقة المراد وقد كتب مولانا واستادنا اعلى الله مقامه رفع في الخلد وفي الدارين اعلامه مبسوطا كافيا وافيا لهذا الحديث الشريف

قال سلمه الله تعالى : ومنها معنى قوله عليه السلام كلما في العالم في القرآن وكلما في القرآن في الحمد وكلما في الحمد في البسملة ( وكلما في البسملة ظ ) في الباء وكلما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء

اقول اما ان كلما في العوالم في القرآن فلأن العالم كتاب تكويني والقرآن كتاب تدويني ويجب التطابق بين الكتابين لأنهما من الله وما منه ليس فيه اختلاف وهو قوله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فوجب اشتمال كل منهما على كل منها وهو قوله تعالى وكل شيء احصيناه كتابا ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وفيه تفصيل كل شيء وفيه تبيان كل شيء ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل وامثالها من الآيات فجميع احوال العالم من الذوات والصفات كلها مشروحة مفصلة في القرآن واما ان كلما في القرآن في الحمد فاعلم ان العلماء ذكروا ان الوجود يدور على حق مطلق وخلق مطلق ورابطة بين الحق والخلق فالحق المطلق هو الظاهر بالاسماء الخمسة في قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وللرابطة والواسطة قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين وللخلق المطلق قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم الى قوله ولا الضالين فجميع مراتب الموجودات تنتهي الى هذه الوجوه الثلثة مما ينسب الى الحق سبحانه والى الخلق والى الواسطة والباب والوجه والجناب ولا يشذ من هذه الوجوه الثلثة شيء اصلا فالمعاني القرآنية كلها تدور على وتنتهي اليها ولنا في هذا المقام بحث شريف وكلام لطيف لا اقبال لي لذكره ولا توجه لنشره (ظ) وقد ذكرته في شرح القصيدة مشروحا مفصلا وربما يخطر ببعض الخواطر ان ظاهر قول امير المؤمنين عليه السلام ان كلما في القرآن في الحمد بعمومه يعطي ان كلما في القرآن من الالفاظ والمعاني كلها في الحمد والقرآن قد ذكر فيه والحروف الثمانية والعشرون ولين ( وليس ظ ) في الحمد من الحروف الا واحد والعشرون من الغير المكررة والجواب ان الحروف على اربعة اقسام قسم منها بازاء لا اله الا الله وهي سبعة احرف والقسم الثاني بازاء محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والقسم الثالث بازاء امير المؤمنين واولاده الاحد عشر وفاطمة الصديقة اولياء الله والقسم الرابع بازاء اعداء الله واعداء الاولياء آل الله ولما كانت الاعداء يجب ان تترك وتنسي كما انهم نسوا الله وهو قوله تعالى نسوا الله فنسيهم يعني تركهم وذكرهم بالكتابة ( بالكناية ظ ) ولم يذكرهم بالتصريح لأن الكتابة ( الكناية ظ ) ابلغ من التصريح لأن ذكر الاولياء الاحباء يستلزم ذكر الاعداء فتلك السبعة مذكورة ولو بالكناية من غير تصريح ولذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فافهم الدقيقة واما ان البسملة جامعة لما في الفاتحة فان البسملة من حسب اللفظ ثمانية‌ عشر حرفا فيستنطق منها الاسم الحي ومن حيث المكتوب تسعة‌ عشر يستنطق منها الواحد الذي هو مبدء الاشياء ومحققها ومذوتها وهو القيوم وهما الاسم الاعظم كما ورد عن اهل البيت عليهم السلام وهذا غير الاسم الاعظم الذي تكون البسملة اقرب اليه من سواد العين الى بياضها واذا حسبت الملفوظ والمكتوب يكون واحدا وعشرين وذلك يطابق عدد الفاتحة فالسبعة المنسية تذكر بالكناية التي هي ابلغ من التصريح واما ان الباء جامعة ما في البسملة فلأن الباء هي الالف المبسوطة مقام النفس الكلية واللوح المحفوظ من الزمردة الخضراء المكتوبة فيها ما كان الى يوم القيامة وما بعدها وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم واما النقطة فهي سر الاسرار ونور الانوار نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار قد تحركت فحصلت من حركتها الالف اللينة وانعطفت اي اللينة فكانت عنها الحروف الثمانية والعشرون والالف اللينية ابوها واصلها واسها واسطقصها والحروف الثمانية والعشرون تألفت منها الكلمات القرآنية الحاملة لمعانيها واما ان امير المؤمنين عليه السلام هو النقطة تحت الباء فالمراد بها النقطة الكونية فان الحروف اللفظية كما انها تشعبت وتكونت من الالف اللينية وهي انما تحصلت من النقطة فهي مدار الالفاظ والكلمات والحروف كلها وهي منها تحققت واليها تنتهي كذلك الحروف والكلمات التكوينية والذوات الغيبية والشهودية كلها خلقت ووجدت من نور مولينا امير المؤمنين واخيه واهل بيته الغر الميامين عليهم سلام الله ابد الآبدين ودهر الداهرين ولا شك ان مرجع الشعاع المنير فانتهت الاشياء اليه كانتهاء الكلمات القرآنية الى النقطة فافهم

قال سلمه الله تعالى : وفي معنى قوله عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها

اقول المراد بالاوهام ليس هي القوة الواهمة خاصة التي تدرك المعاني الجزئية بالمراد ( بل المراد ظ ) بالاوهام المشاعر كلها من الفؤاد والقلب والصدر والدما (كذا) وما اشتمل عليه من القوى فمراده عليه السلام ان القوى والمشاعر لا تحيط بذات الله سبحانه ولا تدركها وهذه المعرفة الحاصلة لها انما هي من وصفه سبحانه نفسه لتلك المشاعر بنفسها يعني جعل فيها من آثار قدرته وآيات حكمته ما يستدل بها عليه ويعرفه سبحانه بها كما في الدعاء بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك وفي الدعاء ايضا يا من دل على ذاته بذاته حيث ان التعريف بذاته لا يمكن فقد عرفها نفسه سبحانه بنفسها لا بغيرها يعني جعل نفسها آية معرفته بما نقش فيها من آيات حكمته وهو معنى تجلى لها بها اي ظهر لها بها بما جعل عندها من صفة التوحيد وآية التفريد والتجريد فان الشيء لا يدرك ما وراء ذاته واما قوله عليه السلام وبها امتنع عنها فمعناه انه سبحانه احتجب عن الخلق بالخلق بانفسهم يعني جعل لهم جهتين فبجهة يستدلون بها عليه تعالى ويتوجهون بها اليه وبها تجلى لها بها وجهة اخرى جهة انفس الخلق وجهة ميولاتهم وشهواتهم وانظروا (كذا) اليها وتوجهوا بها نسو ربهم ومالوا الى شهواتهم وانياتهم وميولاتهم فاحتجب الحق سبحانه عنهم بهم وهو قوله عليه السلام في الدعاء وانك لا تحتجب عن خلقك بل تحجبهم الآمال دونك وبهذا المعنى امتنع الحق سبحانه عن الظهور لهم لما جعلوا انفسهم حجبا مانعة عن مشاهدة آيات ربهم التي هي جهة تجلية سبحاته ( تجليه سبحانه ظ ) لهم بهم فالخلق هم الادلاء على الله واسماء تدل عليه بجهتهم العليا وانفسهم المحدودة بحدود اعراضهم واغراضهم هي المانعة عن مشاهدتهم لنور الحق سبحانه وظهوره فهم الحجب وهم السبل فبهم تجلى لهم وبهم امتنع عنهم وهذا الذي ذكرنا احد وجوه تفسير هذه الفقرة الشريفة وله وجوه اخر تركتها لما بي من الكسل والملل واما قوله عليه السلام واليها حاكمها فمعناه ان الله سبحانه جعل في حقيقة الانسان الظاهرة بالمشاعر والمدارك المعبر عنها بالاوهام كلما يريد من تلك الحقيقة من حيث ظهورها في افرادها وبالمشاعر والمدارك من احكام العبودية من معرفتهم بتوحيد ربهم وباسمائه وصفاته وبمعرفة احكام النبوة والولاية وما يتفرع عليهما ومعرفة الاحكام الشرعية والحدود الالهية وساير ما يتوقف عليه من العلوم والرسوم كلها جعلها عنده وجعل قلب الانسان خزانة لهذه العلوم والمعارف فجعله سبحانه حكما على نفسه اذا قصر عن حكم ربه بما جعله سبحانه عنده من معرفته فجعله قاضيا على نفسه وهو قوله تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فهو سبحانه يحاكمه عند نفسه اذا اراد ان يجري عليه مقتضى عدله

قال سلمه الله تعالى : وفي معنى قوله عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها

اقول لما كانت المناسبة واجبة بين الدرك والمدرك ( المدرك والمدرك ظ ) والا لجاز ادراك كل شيء كل شيء والبديهة تنادي بخلاف ذلك ذلك ضرورة ان المبصرات لا تدرك بالسمع والمسموعات لا تدرك بالبصر والارواح والنفوس والقوى الباطنية الغيبية لا تدرك بالحواس الظاهرة ولا يكون ذلك الا لفقد (ظ) المناسبة وجب ان يكون كل شيء انما يدرك ما هو من سنخه وجنسه فالمجردات تدرك الحقايق المجردة والماديات تدرك الطبايع المادية والقوى البرزخية كعالم المثال والارواح تدرك البرازخ الغيبية والشهودية فلا يدرك الشيء الا ما كان من جنسه وسنخه ونوعه وهو معنى قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها اي تميز وتشخص القوى المدركة ما هو من نفسها ومن سنخها كما تقول ان امير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله اي من سنخه وجنسه لا انه عينه (ظ) بل المراد انهما نور واحد قد انقسم قسمين نبي وولي والدليل على ما ذكرنا الفقرة التي بعدها وهي قوله عليه السلام وتشير الآلات الى نظايرها وهذه الفقرة عبارة اخرى للاولى اي الآلات المدركة انما تشير الى ما يناسبها وهو النظاير انما عبر عن الاولى بما عبر لبيان ان النظاير لا يتوهمن متوهم انها هي الاشباح والامثال والآثار المنفصلة كالصورة في المرآة فانها لا تدرك الا محض الشبح لا حقيقة الشاخص وهو ادراك رسمي لا حقيقي والادراك الحقيقي لا يكون الا ان يكون المدرك والمدرك من جنس واحد فالجواهر لا تدرك الا الجواهر والاعراض لا تدرك الا الاعراض والارواح لا تدرك الا الارواح والاشباح لا تدرك الا الاشباح والعقول لا تدرك الا العقول والافئدة لا تدرك الا الافئدة وهكذا وما يرى من ادراك العين المحسوسات فان المدرك هو الذي انطبع في الجليدية من الشبح لا حقيقة الجسم الموجود في الخارج ولذا تختلف احوال الادراك بحسب اختلاف الجليدية في الصفا والكدورة والقوة والضعف فان قلت انكم تقولون ان في الجنة يدرك الارواح الاجسام بدون الارواح والاجسام تدرك الارواح بدون الارواح وهل هذا الا القول بعدم المناسبة بين المدرك والمدرك وقد نفيته كما هو مضمون (ظ) الحديث المذكور الشريف قلت وحيث ان الدار الآخرة هي الحيوان ترتفع الغرائب والاعراض هناك فتتروح الاجسام ان شائت وتتجسد الارواح ان ارادت فتلك الجهة ترى ما تناسبها لا انها ترى من حيث الاخرى فان ذلك محال فالاجسام بوجهها الاعلى تدرك الارواح للمناسبة لأنهما من سنخ واحد وبوجهها الاسفل تدرك انفسها كالارواح بوجهها الاسفل تدرك الاجسام لما ذكرنا من انتفاء الغرائب والاعراض الغريبة واما ما دامت الارواح والاجسام في هذه الدنيا حيث انها قد اتصلت بها ثاء الثقيل (ظ) وهاء الهبوط وميم المركز ونزل آدم عليه السلام من الجنة الى هذه الدنيا حصلت الاغشية والحجب واختص كل بجهة دون الاخري واما عند رفع الحجاب وظهور قوله تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يظهر المعنى الذي ذكرنا ولذا قال عليه السلام ان طعام اهل الجنة اسفله طعام واعلاه علم ه‍ والعلم شأن الارواح الغيبية والطعام شأن الاجسام الشهودية فانظر ماذا ترى ولذا كان امير المؤمنين عليه السلام بطينا لامتلاء بطنه الشريف بالعلم كما نص عليه عليه السلام مع ان العلم امر غيبي كيف يؤثر في الجسم الشهودي وذلك لأن جسمه عليه السلام في هذه الدنيا كاجسام اهل الجنة روحاني قد تجسد وجسماني قد تروح فتؤثر زيادة الروح في الجسم كالعكس فادراك الجسم للروح بما عنده من مجانسته مع الروح لأنهما من حقيقة واحدة وكذلك بالعكس وقد بينا في ساير رسائلنا ومباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ان الفؤاد حقيقة واحدة قد نزلت الى هذه المراتب والكل حدود حقيقة واحدة وصبح ( فصح ظ ) اشارة الآلات الى نظايرها فافهم ولهذا الحديث الشريف معاني اخر تركت ذكرها لتبلبل البال وتعارض الاحوال وفيما ذكرناه كفاية

قال سلمه الله تعالى : وفي معنى قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم بينوا لنا الاقسام الاربعة من الشهادة والسر في قوله تعالى لا اله الا هو ولم يقل لا اله الا الله وتقديم الملائكة على اولي العلم

اقول شهادة الله لنفسه عين نفسه فلا يعرفها احد ولا يصل اليها احد ولا يدانيها احد فمن رام معرفتها والوصول اليها فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا لأن ذات الله سبحانه لا تدرك ولا يصل اليها احد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن وذلك معلوم بالضرورة من الدين واما شهادة الله سبحانه نفسه لخلقه فهي عين خلقه كما ذكرنا في معنى حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه فشهادته لنفسه بنفسه عين نفسه وشهادته لخلقه عين خلقه قد تجلى لهم بهم وحقا يقينا (كذا) تلك الشهادة وهي الآية المرئية في الآفاق وفي انفس الخلايق كما مر مشروحا واما البعير ( الضمير ظ ) فلذكر الاسم الاعظم الاعظم الاعظم فان لفظ الجلالة وان كان اسما اعظم لكن الاسم هو اعظم واعظم لدلالته على الهوية المطلقة الغيبة ودلالة لفظ الجلالة على الالوهية الظاهرة بالاسماء والصفات واين مقام الوحدة من الكثرة والغيب من الشهود فافهم واما تقديم الملائكة على اولي العلم لأن الملائكة من حيث النوع والدلالة والطهارة اشرف وان كان من حيث الوجود انزل كاسم الفاعل فانه مشتق من المصدر والمشتق فرع لمبدء الاشتقاق مع انه اشرف في الدلالة فانه يدل على الذات والمصدر يدل على الحدث والملائكة حيث انهم روابط الفيض وليست فيهم جهة المخالفة وجهة الظلمة والمعصية فيهم مضمحلة مقهورة لا ظهور لها بحال من الاحوال فهم انوار محضة من حيث الظهور وان كانت حقايقهم مركبة لكن جهة النور فيهم غالبة بحيث لا ظهور للظلمة فهم ابدا الا الاولى وهو قوله تعالى في تنزيل قوله تعالى بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وقال تعالى عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون فهم بالنوع اطهر ولذا قدمهم في الذكر ويحتمل ان يكون المراد بالملائكة في هذا المقام هم العالون والكروبيون وهم اقدم وافضل واما العالون فهم في مقام مراتب الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ولذا قال عليه السلام نحن العالون واما الكروبيون فهم في اعلا مقامات مراتب حقايق الانبياء وقد قال الصادق عليه السلام ان الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الاول لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض فكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلي له بقدرتهم ( بقدر سم ظ ) الابرة من نوره فدك الجبل وخر موسى صعقا والذي يخر موسي صعقا لعدم تحمل مقدار سم الابرة من نوره فهو في مقام عظيم وخطب جسيم وهؤلاء هم حملة الفيض من الواقفين على فوارة القدر الى الانبياء ولا ريب ان هؤلاء الملائكة مقدمون على كل احد من الخلق لانهم ليسوا من الملائكة الذين هم حملة التدبير والتقدير باذن اللطيف الخبير ولذا ورد في روح القدس انه خلق اعظم من جبرئيل وميكائيل وانه بشر وليس بملك وقد قال مولينا الصادق عليه السلام في العقل انه اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش والعالون هم الارواح المقدسة روح القدس والروح من امر الله ونفس لا يعلم ما فيها عيسى وغيره من الانبياء والروح على ملائكة الحجب وبالجملة فهؤلاء رتبتهم التقديم والتكريم فقدمهم الله سبحانه وقولكم بينوا لنا الاقسام الاربعة ما عرفت المراد منه فان ما ذكرتم ثلثة قد بينا الوجد ( الوجه ظ ) فيها

قال سلمه الله تعالى : في معنى قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وهذا المخاطب موجود حين الخطاب او وجد بالخطاب

اقول المخاطب مشتق من الخطاب ولا شك ان المشتق فرع للمبدء فانهم قالوا ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل وقد بينا بالادلة القاطعة من العقل والنقل في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا ان اللفظ على طبق المعنى وبينهما مناسبة والله سبحانه حكيم يضع الاشياء في مواضعها واذا كان الخطاب اشتق منه الخاطب فكيف يتقدم عليه وذلك محال بل سر ( بين ظ ) الخطاب والمخاطب والمخاطب تضايف لا يظهر كل منها الا مع الآخر كالابوة والبنوة والمراد بالمخاطب اسم الفاعل الاسم لا الذات فانها اتوصف ( لا توصف ظ ) بالوصف الاقتراني كما هو المعلوم بالضرورة من الدين فيكون المخاطب انما وجد بالخطاب لا قبل ولا بعد كالمفعول المطلق والمفعول به بالنسبة الى الفعل فانهما مشتقان منه فلايتقدمان عليه وقولهم ان المفعول به مقدم على الفعل كلام ضعيف لا يلتفت اليه واشكالهم في خلق الله السموات والارض على هذا الاصل غير وارد لبطلان اصل القاعدة من لزوم تقدم المفعول به على الفعل وما اجاب عنه بن هشام على التزام اصلهم باطل فانا لو جعلنا السموات والارض بدلا عن خلق الذي هو المفعول المطلق فالمفعول به اي شيء اذن اذ لا ريب ان خلق فعل متعد ليس بلازم وكلما كان كذلك لا بد له من مفعول به ولا يجب ذكره في الكلام وذلك المفعول به قديم او حادث والاول ينافي كونه المفعول به والثاني سبق الفعل او تأخر والاول ينافي الحدوث لأن كل حادث مسبوق بالفعل والمشية وبالجملة فهذا القول في غاية السقوط فظهر من هذا البيان ان المخاطب انما تحقق حين الخطاب لا قبله ولا بعده فعلى هذا بطلت الاقوال الموحشة التي قالوها في هذا المقام من جواز الخطاب على العدوم ومن ان هذه الفقرة عبارة عن الحدوث والايجاد لا تعلق بها بالخطاب والمخاطب ومن ان المخاطب هو الاعيان الثابتة في العلم دون الكون وامثالها من الامور التي قد ابطلناها في كثير من المباحث لا سيما في كتابنا اللوامع

قال سلمه الله تعالى : وفي معنى قوله عليه السلام ان اناسا من ضعفاء شيعتنا يزعمون انا نعلم الغيب الحديث بتمامه

اقول هذا الحديث الشريف رواه ثقة الاسلام في الكافي ومعناه ان مولينا الصادق عليه السلام دخل المجلس فاذا هو غاص بأهله فقال عليه السلام ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا يزعمون انا نعلم الغيب والله لقد هممت بضرب جارية مني فانحادت ولم ‌ادري في اي زاوية من البيت هي ثم ان حمران بن اعين جلس حتى فرغ المجلس ثم قال يا سيدي انا لا ننسبك الى الغيب ولكنا نعلم انك تعلم علما جما فقال عليه السلام يا حمران هل قرأت القرآن قال بلى قال عليه السلام هل قرأت قوله تعالى قال الذي عنده علم من الكتاب قال نعم قال عليه السلام ذاك آصف بن برخيا اتى بعرش ملكة سبا من اليمن الى الشام بأقل من طرفة عين وعنده حرف من الكتاب ثم قال عليه السلام هل قرأت قوله تعالى وكفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال نعم وقال عليه السلام يا حمران ايهما اعظم الذي عنده حرف من الكتاب او الذي عنده علم الكتاب كله قال حمران ما اقل ذاك بالنسبة الى هذا فقال عليه السلام يا حمران علم الكتاب كله واشار الى صدره الشريف هذا معنى الحديث بتمامه فقلته ( نقلته ظ ) بالمعنى ولم‌احفظ لفظه وهو موجود في الكافي ولا ريب ان عجز هذا الحديث الشريف ينافي صدره لأن في الاول يقول اني لم‌اعلم الغيب ثم فسره عليه السلام بأنه لم يعلم موضع الجارية المنهزمة ويقول عليه السلام في آخره علم الكتاب الذي من تاثير بعض حرف منه ان يؤتى بعرش بلقيس من اليمن الى الشام في اقل من طرفة عين كله عنده والله سبحانه يقول ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وفيه تفصيل كل شيء وفيه تبيان كل شيء وما فرطنا في الكتاب من شيء وكل شيء احصيناه كتابا وكل شيء احصيناه في امام مبين وامثالها من الآيات المحكمة فاذا كان كل شيء في الكتاب وعلم الكتاب كل عنده فما يجهل عن موضع الجارية ومكانها واحوالها وقد قال عليه السلام في احاديث مختلفة متكثرة بل ربما متواترة انهم عليهم السلام يعلمون كلما يقع في المغرب والمشرق والجنوب والشمال والسماء والارض فعرفنا ان صدر الحديث تقية منه عليه السلام فمعنى كلامه عليه السلام ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا يعني الاعداء يؤذوننا فيهم يعني اذيتهم فان اذيتهم اذيتنا ودخول الاذى فيهم دخول الاذى فينا قال ( فان ظ ) مرجع العبد الى سيده ومقوله ( معوله ظ ) علي مولاه واذية العبد اذية المولى واضح يزعمون انا نعلم الغيب وهو حكاية عن المخالفين يعني انهم يزعمون انهم تعلمون الغيب باقاويلهم الكاذبة وافتراءاتهم الباطلة كما تدعيه الصوفية منهم والمعنى الآخر ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا باعتقادهم فينا اعتقادا يزرينا وينقص في حقنا كما قال عليه السلام على ما رواه في الكافي من الشيعة انهم يعتقدون فينا ان طاعتنا واجبة عليهم لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكرون ( يكسرون ظ ) حجتهم ويخصمون انفسهم ويقولون انا لا نعلم كل شيء وكيف يجعل الله سبحانه شخصا حجة على اهل المشرق والمغرب ثم يخفي علمهم عليه وبالجملة فالاخبار بهذا المعنى كثيرة وائمتنا عليهم السلام دائما يشكون منهم من جهة ضعف اعتقادهم في ائمتهم عليهم السلام وهؤلاء يزعمون انهم يعلمون الغيب والزعم ركوب مطية الكذب ثم قال عليه السلام اني هممت بضرب جارية مني فانحادت وكان عنده عليه السلام جارية مخالفة لطريقته ومذهبه عليه السلام اراد ان يجعلها من ضربهم يعني من نوعهم وقسمهم فان الضرب بمعنى النوع يعني هممت بضرب جارية يعني بأن يجعلها من نوعهم وجنسهم وقسمهم فانحادت يعني ما قبلت ولم ‌ادر في اي زاوية من البيت هي يعني لا ابالي في اي زاوية من زوايا جهنم وهذا المعنى وان كان خلاف الظاهر لكنه يجب ان يحمل كلامه عليه لئلا ينافي حجر ( عجز ظ ) الحديث والاحاديث الاخر والآيات والمذهب والادلة العقلية وقد بسطنا القول في ذلك في شرحنا على الخطبة الطتنجية واستوفينا القول في ذلك الشرح باكمل بيان واوضح تبيان واما الغيب الذي لا يعلمونه عليهم السلام فذلك الغيب الذي هو العدم الامكاني والا فكلما دخل في الوجود في اي خزينة من الخزاين الغيبية والشهودية من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فانهم عليهم السلام يعلمونه ويحيطون به علما لأن كل ذلك في الكتاب الحفيظ وعندهم علم الكتاب واما الغيب الذي موجود في احدى الخزاين ولم يبرز في الوجود الشهودي فعندهم عليهم السلام علمه والى الغيب الاول اشار سبحانه بقوله قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله والى الغيب الثاني اشار سبحانه بقوله ذلك من انباء الغيب نوحيها اليك وقوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وقوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء والغيب الاول اذا دخل في الكون فيكون من الغيب الثاني الذي يطلعهم الله عليه او من الشهادة وبالجملة فهم عليهم السلام يحيطون بكلما دخل في الكون وليس جملة الوجود وتفصيل هذا المطلب يطلب في ساير مصنفاتنا

قال سلمه الله تعالى : وفي معنى قوله عليه السلام لجابر اتدري المعرفة قال لا قال عليه السلام المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الامام رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا

اقول شرح هذه الفقرات والامور السبعة طويل ودقيق عميق ولكنا لضيق المجال وتبلبل البال نقتصر على قصر تندفع به الضرورة في الجملة فنقول اما التوحيد فظاهر واما معرفة المعاني الاسماء واركانها وهي مبدء اشتقاق اسماء الله سبحانه كالعظمة للعظيم والرحمة للرحمن الرحيم والجلال للجليل والجمال للجميل والعلم للعالم والقدرة للقادر والسمع للسميع والبصر للبصير وهكذا باقي مبادي الاشتقاقات وهي التي فصل بعضها مولانا الباقر عليه السلام في دعاء سحر شهر رمضان واجمل اكثرها في آخر الدعاء وهو قوله عليه السلام اللهم اني اسئلك من بهائك بأبهاه وكل بهائك بهي اللهم اني اسئلك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل ثم اخذ عليه السلام في التفصل الى قوله في آخر الدعاء اللهم اني اسئلك بما انت فيه من الشأن والجبروت واسئلك بكل شأن وحده وجبروت وحدها الدعاء وهذه هي المعاني ويلزمها الاسماء لأن كل معنى من هذه المعاني التي هي بازاء اسماء الاعيان مبدء اشتقاق اسم للذات الظاهرة بالفعل والاثر والمراد معرفة توحيد الذات ومعرفة الاسماء والصفات ومعرفة مبدء اشتقاقاتها ليعلم ان الاسماء فرع لتلك المعاني مع دلالتها على الذات وهذه دقيقة شريفة هي اعلي مقامات المعرفة واما الابواب فهم الرسل والوسايط في الافاضات التكوينية والتشريعية والاصل ذلك الحقيقة المحمدية صلى الله عليها في مقام الظهور الاول واما الامام فهو الواسطة في تبليغ الاحكام الشرعية التكليفية واما الاركان فهم افاضل رعية الامام عليه السلام وهم في هذا الزمان اربعة عيسى روح الله وادريس والياس والخضر عليهم السلام وهؤلاء الاركان يتلقون عن الامام عليه السلام ما يناسب كل منهم من مقتضى كينونتهم من الاحكام الاولية او الثانية واما النقباء فهم الثلثون الذين يتشرفون برؤية الامام عليه السلام ويتلقون عنه ما يناسب مقامهم وكينونتهم وهم حملة الاسم الاعظم والنور الاقدم يتصرفون به كيفما يشاؤن مما يأمرهم الامام عليه السلام ويأذن لهم واما النجباء فهم العدول الذين ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال (ظ) المبطلين وهم حملة العلوم الواقفون المطلعون على نقطة العلم التي كثرها الجاهلون وهم الرابطون على الثغر الذي يلي ابليس وجنوده وليس لهم عدد خاص وان قالت طائفة انهم اربعون لكن عددهم لم يثبت من الاخبار وقد فصلت القول في النقباء والنجباء بما لا مزيد عليه الا ان يشاء الله في شرح القصيدة الكاظمية على مشرفها آلاف الثناء والتحية ومن اراد تمام التفصيل فليطلب ذلك الشرح فان فيه ما يشفي الغليل ومعرفة السبعة لأجل كمال الايمان ورسوخه لا ان الايمان لا يتم (ظ) الا بها والا يلزم كفر اكثر الناس نعم كمال الايمان وثباته والاطلاع على بهائه ومراتبه ومقاماته موقوفة على معرفة هذه السبعة بشر ( بشرط ظ ) التسليم والتصديق قال عليه السلام على ما في الكافي انكم لن تؤمنوا حتى تعرفوا ولن تعرفوا حتى تصدقوا ولن تصدقوا حتى تسلموا ابوابا (ظ) اربعة لا يصلح آخرها الا بأولها ضل اصحاب الثلثة وتاهوا تيها بعيدا

قال سلمه الله تعالى : وفي بيان الايمان المستقر والمستودع

اقول ان الخلق لما اقامهم الله في عالم الذر في ارض المحشر عرض عليهم التكليف وقال لهم الست بربكم فمن قائل بلى قلبا ولسانا وظاهرا وباطنا وسرا وعلانية ظهر نور التوحيد في سرائرهم واستجن الحب في ضمايرهم وانشرحت بالعلوم صدورهم وانغمست في بحر النور افئدتهم وساير قربهم ( قويهم ظ ) فاستقر الايمان في حقيقهم ( حقايقهم ظ ) وقلوبهم وسرايرهم وضمايرهم ومن قائل نعم اجابة للنفي لا المنفي قلبا ولسانا وظاهرا وباطنا وسرا وعلانية اعرضوا عن نور اليقين ولم يردوا شرايع المعرفة والمحبة فلعنهم الله وطردهم وابعدهم واستقرت الظلمة في سرايرهم واستجن النفاق في ضمايرهم والمستضعفون يرجعون الى الامرين اي الصفين في المآل وهو قوله سبحانه هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فأهل الايمان جعلهم الله سبحانه في عليين واهل النفاق في سجين ثم لما اراد الله سبحانه انزالهم الى هذه الدنيا جعل ارواح اهل الايمان في بحر المزن وجعل ارواح اهل النفاق في طمطام ثم خلق سبحانه شجرة تحت بحر المزن اسمها شجرة المزن وخلق شجرة فوق بحر الطمطام اسمها شجرة الزقوم فانزل قطرات من بحر المزن على الشجرة وكل قطرة حاملة روح مؤمن من الاخيار الابرار الذين استقر الايمان في قلوبهم وتلك القطرة نزلت وخرقت السموات الى ان وصلت الى الارض فلم ‌تقع على بقلة او ثمرة اكلها مؤمن او كافر الا وخرج من صلبه مؤمن وبالعكس صورة ابخرة من بحر الطمطام ووقعت على شجرة الزقوم وتفصلت وصار كل بخار ودخان من تلك الابخرة والادخنة حامل روح كافر من الكفار ومنافق من المنافقين الاشرار الى ان صورت وخرقت الارضين السبع الى ان وصلت ارض الممات ارض الدنيا ولم تقع على بقلة وثمرة اكلها مؤمن او كافر الا وخرج من صلبه كافر منافق وهو قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فاذا اتفقت ان القطرة الحاملة لروح المؤمن جاورت البخار الحامل لروح الكافر حصل لكل منهما لطخ على حسب ما يجاور ويناسب في القوة والضعف فيكثر اللطخ من نور المؤمن في الكافر الى ان يظهر الايمان والصلاح والتقوى والخير ويكثر اللطخ من الكافر في المؤمن ويظهر الكفر والفسق والفجور والمعاصي واما القلوب فلا توافق ما يظهر وان لم يكن لها قابلية المنع فالكفر في المؤمن صاحب اللطخ مستودع والايمان في الكافر صاحب اللطخ مستودع فيذهب الكفر بذهاب اللطخ ما في الدنيا او عند الموت ويرجع الى الايمان الاصلي ويذهب الايمان المستودع في الكافر الاصلي بذهاب اللطخ اما في الدنيا او عند الموت وعلامة الايمان المستودع ان لا يجد لنفسه في قلب طمأنينة فيما يظهر من العقايد الحقة بعكس الكفر المستودع وقد رويت عن شيخنا العلامة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال ايها الناس اتدرون ما في يدي اليمنى قال الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وآله في يدي اسماء اهل الجنة واسماء آبائهم وما يتوالدون الى يوم القيمة وان من الناس من يعمل اعمال اهل النار حتى تظن الناس انه من اهل النار ثم يختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال صلى الله عليه وآله ايها الناس اتدرون ما في يدي اليسرى قالوا الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وآله ان في يدي اليسرى اسماء اهل النار وآبائهم وما يتوالدون الى يوم القيمة وان من الناس من يعمل عمل اهل الجنة حتى تظن الناس من اهل الجنة ثم يختم بالسوء فيدخل النار ه‍ وهذا هو الايمان المستودع كما ان الاول هو الكفر المستودع فافهم

قال سلمه الله تعالى : وفي حال المعصوم عليه السلام في بطن امه من جهة الغذاء

اقول المعصوم عليه السلام لا يتغذي الا من الطيبات وهو قوله تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات والخطاب عام لهم في كل الحالات والاطوار فغذائهم سلام الله عليهم يأتي من عالم القدس ويظهر بصورة المآكل والمشارب وكذا في البطن يتغذون من الانوار ولا يتدنسون بالاغتذاء بدم الحيض وما يشابهه حاشاهم ثم حاشاهم هم الطاهرون ولا يتغذون الا بالطاهر تحمله لهم الملائكة من ذلك العالم الاقدس اليهم سلام الله عليهم من غير ان يتلون بكثافات البطن نجاساته وفي الزيارة لم تنجسك الجاهلية بانجاسها ولم‌ تلبسك من مدلهمات ثيابها

المصادر
المحتوى