رسالة في جواب بعض الديانين من اصفهان (النبوة الخاصة، الاجتهاد والتقليد،...)(٢٠ سؤال)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب بعض الديانين من اصفهان

النبوة الخاصة وغيرها من المسائل

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الرابع عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة على خير خلقه محمد وآله اجمعين ولعنة الله على اعدائهم الى يوم الدين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض الديانين الذين ميزوا الماء من السراب وفرقوا بين القشور واللباب وطلبوا لذلك الحق والصواب على ما عند الائمة الاطياب عليهم سلام الله في كل باب من الذي خصوا به شيعتهم المخلصين من اولي الافئدة واولي الالباب سلمه الله وابقاه وسلك به مسلك رضاه قد عرض عليّ مسائل اغلبها من غوامض المسائل قد انحطت دونها عقول الحكماء وعجزت عن حلها افهام العلماء واراد جوابها على الاستعجال وانا في غاية اشتغال البال لعروض الامراض المانعة من استقامة الحال وحمل اعباء السفر ومعاناة الحل والارتحال فلم‌اتمكن من تعجيل الجواب الى ان مضت برهة من الزمان تقرب ( بقرب خ‌ل ) ستة اشهر حتى وفقني الله تعالى لزيارة ثامن الائمة روحي له الفداء وعليه السلم وبعد المراجعة من ذلك السفر المقرون بالسعادة والظفر وعزمي للعود الى وطني المعروف ومسكني المألوف مشهد مولينا وسيدنا الحسين روحي فداءه خطر ببالي ان املي جواب تلك المسائل في اثناء السفر في المنازل على ما يمدني الله سبحانه البيان على جهة الاشارة والتلويح لان في مثل هذه الحالة وعدم اجتماع القلب لا يمكن استقصاء الكلام ودفع ما يرد من النقض والابرام وآت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وقد جعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الاولى - ان تبين لنا اثبات النبوة الخاصة المطلقة المحمدية والولاية الخاصة العلوية والذرية الطيبة بالدليل القطعي العقلي الغير المشوب بشيء من الدليل النقلي وساير الامور الخارجية من خوارق العادات وظهور المعجزات وساير القواعد والكلمات التي عند المتكلمين فانها لعمري ما ترفع الشبهات ولا توصل الى مقام القطع البات فلئن رفعت به الشبهات لا تطمئن بها النفس ولا تصل الى مقام الاطمينان لانه وان كان تحقيقا لكنه نوع تقليد فاوضح لنا هذا السبيل باقامة الدليل

اقول هذه المسئلة قد استصعب على العلماء حتى احالها بعضهم زعما منهم بان الجزئي ليس بكاسب ولا مكتسب والعقل شانه ادراك الكليات واثبات الخصوصية لا دخل للعقل فيها نعم للعقل اثبات النبوة العامة الكلية واما الخصوصية فانما تعرف بالخارج من تحقق المعجزة الخارقة للعادة الممتازة من السحر وساير انواع الشعبذة وهذا القول اي القول باستحالة اقامة البرهان العقلي على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية عليّ والائمة من ذريته عليهم السلم باطل فاسد عند اهل المعرفة والبصيرة لانه قد ثبت بالادلة القطعية ( القطعية من العقلية والنقلية خ‌ل ) ان الله سبحانه خلق العقول من شعاع العقل الكلي الذي هو عقل محمد واهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم بل عقول الخلق من شعاع اجسامهم وقد قال الشاعر ونعم ما قال وقد اجاد في المقال :

ستعرف ان العقل والنقل واحد وذلك معلوم بحكم الضرورة

ببرهان ان العقل نور نبينا وذلك كلي باصل الحقيقة

وان عقول الانبياء وحزبهم واشياعهم من شمسه كالاشعة

ولا شك ان الشعاع شبح المنير وظل كينونته وهو مرآة يرى المنير فيها على ما هو عليه على ما هي عليه فالشعاع اذن صفة المنير واسمه وحقيقة رسمه فتكون ( فيكون خ‌ل ) عقول الخلايق اظلة كينونة نور محمد وآله عليهم السلم ورسوم تنبئ عن تلك الديار على ما هي عليه واسماء دالة عليهم فلا تدل العقول الا على الاربعة عشر قصبة الياقوت وحجاب الملك والملكوت ووجه الحي الذي لا يموت الا ترى الاشعة الواقعة على المرايا هل تجد فيها شيئا غير الشمس ووجهها وصفتها واسمها وكذلك في العقول والاحلام والافهام لا يوجد شيء غير ذكر محمد وآله عليه وعليهم السلم لان العكس لا يدل الا على العاكس والصورة الا على المقابل والشعاع الا على المنير وذلك واضح الا ان المرايا منها ما هي معوجة يظهر النور فيها على جهة الاعوجاج ومنها ما هي مصبوغة ملونة يظهر فيها على وفق ذلك الصبغ فيظن المنير والمقابل متلونا او معوجا ومنها ما هي متحركة غير مستقرة فلا يستقر ظهور النور المتجلي من الخارج فيها فلا تحكي حينئذ المقابل على ما هو عليه ومنها ما هي صافية مستقيمة نورانية مشرقة ثابتة تحكي المقابل الخارجي على ما هو عليه والناظر في المرآة ايضا مرة ينظر الى نفس المرآة من حيث هي هي مع قطع النظر عن الخارجي المقابل وهذا نظره الى الاسفل والى الاختلاف ونسيان المقابل والذهول عن الاصل والالتفات الى الفرع نظره نظر الاجتثاث وادراكه وعلومه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه والله سريع الحساب ومرة ينظر الى تجلي المقابل في المرآة فله نظر الكثرة والحجاب الا ان حجابه رقيق والكثرة مضمحلة لكنها قد تمنع عن الصواب ودائما تمنع عن اللقاء فلا يعرف المقابل كما ينبغي حين النظر الى المرآة ومرة ينظر الى المقابل من حيث هو هو في المرآة بل ينظر اليه فيها من غيرها ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فاذا نظر هكذا في المرآة الصافية المستقيمة الثابتة فلا يجد الا المقابل ولا يقع على الخطا ابدا فاذا عرفت هذا المثال الذي ضرب الله سبحانه لك علمت سر كون العقول كلها شعاع نور محمد وعلى وآلهما صلى الله عليهما وآلهما مع ذهولها ( ذهولها عنهم خ‌ل ) واعراضها عن تصديقهم ومشاهدتهم عليهم السلم في سر هويتهم وذلك لاقبال الخلق الى الدنيا ونسيانهم الله والاشتغال بالشهوات وذلك اقتضت اختلاف الميولات وصار الناس كما ترى

ولكل رأيت منهم مقاما ذكره في الكتاب مما يطول

فظهر لك مما ذكرنا ان المنقطعين الى الله سبحانه والمخلصين في ولاية اولياء الله يبقون العقل على الفطرة الاولية التي خلق الله سبحانه الخلق عليها فيقرؤن في حقيقة ذاتهم والواح صدورهم جميع صفات الولي المطلق والنبي المطلق عليهما السلم على ما هما عليه في هيئاتهم الذاتية والعرضية والعلوية والسفلية وقراناتهم من الزوجات والاماكن والازمان والاعداد وغير ذلك من ساير الحالات والعلامات بل لا يجد في العالم سوى ذكرهم ولا يرى غير نورهم وظهورهم صلى الله عليهم الاسمعت الاخبار الواردة في ان اسماء آل محمد عليهم السلم مكتوبة على ساق العرش والكرسي والسموات والارض والكواكب ورؤس الجبال وكل شيء خلقه الله وليس هذا الاسم هو الاسم اللفظي وان كان هو ايضا كذلك ولا الكتابة هي الكتابة الرقمية وان كانت هي ايضا كذلك وانما الاسم اثبات الرسم والبيان الحالي المقرون بالبيان المقالي كنقش اسمك في مرآتك حرفا بحرف ولا احب تطويل المقال في ذكر هذه الاحوال وهل يبقى مع هذا المقال الثابت بالعقل والنقل كما بينا في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل مجال للقول بان اثبات النبوة الخاصة للنبي الخاص والولاية الخاصة للولي الخاص محال لان الجزئي ليس بكاسب ولا مكتسب واين الجزئي من مقام آل محمد عليهم السلم بل المخلوق الاول المقصود لذاته هم عليهم السلم وما عداهم اشعة عكوسات انوارهم واشراقات ظهورات ( ظهور خ‌ل ) آثارهم والشعاع والاثر يدلان على المنير والمؤثر بالأنّ كما يدل المنير المؤثر عليهما باللّم ثم انا نقول ان محمدا وآله صلى الله عليهم لما خضعوا لله سبحانه بسر حقيقتهم وحقيقة ذاتهم وهويتهم البسهم الله سبحانه لباس عظمته وكبريائه وغشاهم بنور بهائه وعزته واقامهم في جميع العوالم مقام نفسه في عز قدسه فكان حكمهم حكم الله وامرهم امر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله فدليلهم هو وجه دليل الله ونهج الاستدلال في المقامين واحد فكما ان الله سبحانه يستدل عليه بالعقل بالان ويستدل على الخلق بالله سبحانه بالفؤاد باللم كذلك آل محمد عليهم السلم يستدل عليهم بالعقل بجميع احوالهم الظاهرة في المخلوقين بما نقش الله سبحانه في حقايق العالم من صفة كينونتهم ويستدل على الرعية وساير المخلوقين بهم بالفؤاد بما سبقوا الخلايق في سر حقايقهم فكانوا اقرب الى الخلق منهم فيرون قبلهم ويعرفون دونهم ثم هم يعرفون بهم قالوا عليهم السلم نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن‌تبلغوا وهذا الذي ذكرنا لك نوع تنزيلهم عن الربوبية واذا اردت بيانا اوضح مما ذكرنا لاهل العلوم واصحاب الرسوم فاعلم ان الله سبحانه لما وجب ان تكون نعمته شاملة ( الشاملة خ‌ل ) وحكمته بالغة ( البالغة خ‌ل ) وفعله يجري على احسن الوجوه واتم النظام وخلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه وكانت معرفته لا تحصل الا ببيانه وتوصيفه اذ الخلق جاهلون ما هو عليه في عز قدسه وما يليق لجنابه من انحاء التوجهات وجب في الحكمة ان يعرفهم نفسه وما يريد منهم من طرق العبادات والطاعات الموصلة الى قربه ورضاه ولما وجب ان يكون لتلك ادلاء يوصلون الخلق اليها لجهل الخلق بالسبيل والدليل وجب ان يعرفهم الدليل الموصل الى ذلك السبيل ولما كان تعريف الله سبحانه وجب ان يكون ظاهرا جليا بحيث لا يكون اجلى واظهر واوضح منه والا لم تكن الحجة بالغة والسبل واضحة والطريق مهيعا وكان البيان والتعريف على قسمين بيان حالي وبيان مقالي والبيان الحالي اجلى وقرانه بالبيان المقالي اكمل وجب ان يجمع الامرين لترتفع الحجة من البين ولئلا يكون للناس على الله حجة ولما كان الوصف كلما كان اقرب الى من وصف له كان اقرب لاتمام الحجة واكمال النعمة وليس شيء اقرب الى الشيء من نفسه جعل انفس الخلايق ذلك الوصف وتلك الكتابة والنقش وجعل في ذات كل احد كلما يطلب ويريد منه من صفة توحيده في الذات والصفات والافعال والعبادة ويستلزم هذا الوصف توصيف صفة معرفة الانبياء والاوصياء والاولياء والنبي المطلق والولي المطلق باعيانهم واشخاصهم وهيئاتهم واسمائهم وصفاتهم وساير الاحوال الظاهرة بها في العالم ونحن بعون الله تعالى قد شرحنا ذلك كله في اجوبة مسائل بعض فضلاء الرشت حيث سئل عن ما سئلت عنه بعينه وذكرت هناك بالدليل العقلي لزوم كون الخلق الاول اربعة عشر وان واحدا منهم القطب الممد للمجموع والآخر حاملا جامعا حاويا للمجموع ويستلزم كونه امراة انثي واثني عشر منهم الاصول وعليهم تدور الفصول وان واحدا من الاثني عشر هو الاصل والشجرة والباقي فروعه واغصانه ولزوم كون القطب هو النبي المطلق والولي المطلق في مقام الاجمال وان الاصل في الاثني عشر هو الولي المطلق في مقام التفصيل ومقام اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه ولزوم كون الانبياء بالعدد المعلوم الذي هو مائة ‌الف واربعة وعشرون ‌الفا مخلوقين من شعاع الاربعة عشر وساير الخلق من شعاع الانبياء ولزوم سبق الاربعة عشر في الخلق الاول وتأخرهم في عالم الصعود ولزوم ظهور الانبياء قبلهم وكون الطبقة الانسانية في بدو الظهور الصعودي واحدا من الانبياء المتوسطين ولزوم كون اسمه آدم ووجوب خلق زوجته من ضلعه الايسر ووجوب كون اسمها حوا ولزوم كون الشرايع ستة ( الستة خ‌ل ) هي الدائرة في هؤلاء الانبياء عليهم السلم ووجوب نسخ خمسة منها وبقاء الشريعة السادسة ووجوب عدم نسخها الى انقراض العالم وذكرنا زمان وجوب ظهور الشريعة السادسة وتعيين امتداد الوقت من بدو ظهور الشريعة الاولي الى السادسة ووجوب كون حامل السادسة هو القطب في الاربعة عشر ووجوب كون اسمين له اسم في السماء وهو احمد والآخر في الارض وهو محمد صلى الله عليه وآله واسرار الحروف المقتضية بعد التركيب هذين الاسمين الشريفين ووجوب كون بعثته يوم النيروز بعد مضي اربعين سنة من عمره الشريف ووجوب كونه يتيما بلا اب ولا ام وان يكون يومه الجمعة وكوكبه الزهرة وشكله المربع وكنيته ابو القاسم ووجوب الوزير له وكونه هو الولي المطلق وكون اسمه عليا وابيه ابا طالب وكون اسم اب النبي عبد الله وامه آمنة بنت وهب ووجوب بقاء البنت للنبي صلى الله عليه وآله ووجوب كون اسمها فاطمة ووجوب تزويجها من عليّ عليه السلم لا سواه ووجوب ان يكون له منها ولدين ذكرين ووجوب كون اسم الاكبر منهما الحسن واسم الاصغر منهما الحسين عليهما السلم وان يكون الاكبر ظاهرا بالصمت والكف عن القتال والاصغر بالعكس وان يكون نصيبه الشهادة الكبرى والرزية العظمى التي تندك منها الجبال وتقطع لها الاوصال وان يكون الذرية الطيبة عليهم السلم من نسله عليه السلم وهكذا ساير الاحوال والاوضاع مما جرت عليهم كل ذلك بالدليل القطعي العقلي الغير المشوب بشيء من النقل وساير الامور الخارجية من الاجماع والتواتر والمعجزات وخوارق العادات وساير ما هو عند العلماء على طور انيق وطرز رشيق لم يسمح به فكر احد قبلي فاذا اردت حقيقة الامر فيما ذكرنا فارجع الى تلك الرسالة فان فيها ما يشفي العليل ويبرد الغليل وليس الآن لي اقبال ذكرها كلها في هذا المقام لما بي من الكسل والملل واعباء السفر

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثانية - ان تبين لنا اسرار الصلوة والزكوة والحج والخمس على جهة التوضيح والتبيين سيما تفصيل مقامات الصلوة ومراتبها من اول الشرايط والمقدمات الى آخر التسليم وساير الفرايض والواجبات وتفسير سورة الحمد والتوحيد بتفسير الباطن والتاويل على ما هو المروي من اهل البيت عليهم السلم

اقول اما اسرار العبادة فهي عظيمة جليلة كثيرة في كل عالم ظهرت كانت سر ذلك العالم لانها سر بدء عند ظهور الالوهية المطلقة وسري في كل ذرات الكائنات والمكونات والحوادث الغير المتناهية فهي جزء حقيقة العبد واصل قابليته ووعاء فيضان النور الالهي من مبدء المبادي وهو قوله عز وجل وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون لانه عز وجل خلقهم لايصالهم الغاية القصوى من نور الفيض والكرم والجود والعطية فلهم السؤال والطلب والاستعداد والقابلية ولله العطية والفيض فما يسئلون يعطيهم وبذلك ينالون نصيبهم من الكتاب امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء فخلقهم سبحانه ليخضعوا له بالسؤال ويقفوا على باب الكرم ويقرعوا الباب بانامل الفقر والفاقة ويطلبوا الاستغناء لغاية فقرهم وشدة فاقتهم وذلك حقيقة العبادة وسرها وهي في كل عالم بحسبها وهي الارض الطيبة والبلد الطيب وجداول لجريان الماء الذي به حيوة كل شيء لوصوله الى كل الذرات فالعبادة لصفة الالوهية والله هو المعبود المطلق لا سواه والعبادة جزء حقيقة العبد واصل نفسه وحقيقة سره وهي اصل للعبد والعبد على الحقيقة هو الحائز لجميع مقامات العبادة ومراتبها لان سرها هو اصلها والمراتب فروعها فالحائز للاصل يلزمه حيازة الفرع ولما كان بينات العبد هو زبر محمد صلى الله عليه وآله دل على ان العبد اصل له ولجميع كمالاته المطوية كلها في اسمه الشريف الذي هو محمد صلى الله عليه وآله لكونه مشتقا من الحمد الذي هو ظهور البسملة التي هي سر الاسم الاعظم الجامعة لكلما في القرآن الذي لا رطب ولا يابس الا وقد جمع الله سبحانه فيه وكون كمالاته كلها انما هي فرع نشأ من العبودية التي هي الاصل شرح ان الله سبحانه ليس بينه وبين خلقه نسبة وقرابة وما نال احد مقاما ولا مرتبة الا بذلة الخضوع للمعبود بسر العبودية ولذا كان العبد اشرف القابه واعظم مفاخره فوجب ان يكون ذلك اسما لابيه في كل عالم بحسبه ولما كانت البينات صفة الزبر وفرعه وبينات العبد هو زبر محمد صلى الله عليه وآله هو ظهر للمؤمن الممتحن ان العبد هو حقيقة محمد صلى الله عليه وآله وهو حامل العبادة فكان بذلك حامل جميع اسرار الربوبية وهو قوله تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو صلى الله عليه وآله العبد المؤمن حقيقة لا سواه قال عز وجل الذين يتبعون النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته الآية وساير الخلق اما نفسه كالائمة عليهم السلم او حكاية رسمه وحقيقة اسمه صلى الله عليه وآله كساير الخلايق فان اطلاق العبد عليهم لكونهم حاكين نور تلك الحقيقة المقدسة المنورة فافهم

فالعبادة اصلها وحقيقتها عندهم سلام الله عليهم اي حدود ذاتهم وهيئات هياكلهم الشريفة المقدسة وما في ساير الخلايق اشعة انوار تلك الحدود واظلة آثار تلك القيود وسر العبادة واصلها وينبوعها وقلبها ووجهها من مبدئها وحامل وجودها وتأصلها هي الصلوة التي هي خير موضوع وهي التي عمود الدين ان قبلت قبلت ما سواها وان ردت ردت ما سواها وهي كالقلب وباقي العبادات كلها لها بمنزلة الرأس والدماغ والصدر والكبد والعروق والاعصاب والشراسيف والعضلات والاوردة وساير الاعضاء والجوارح والمتممات والمكملات وها انا اصف لك مجمل اسرار حقيقتها من بدو ذاتها ونزولها من عالمها الى هذا العالم وعودها وتشعبها الى هذه الحدود المعينة والاركان المشخصة ولزوم هذه المقدمات لها وضرر حكم المنافيات على جهة الاختصار والاقتصار على اقل ما يحصل به المطلوب ولو بالاشارة والتلويح

فاقول اعلم ان الصلوة كانت نورا مكنونا مخزونا تحت حجاب الواحدية في قعر بحر القدر وهو الشمس المضيئة تحت ذلك البحر وهو اول من لبى لداعي الحق بالعبودية وسر الخضوع والخشية ولكن لقربها من عالم الوحدة واضمحلال الكثرة واحتراقها كانت نورا شعشعانيا في غاية البساطة والاجمال وحاملة لاسم الله الحي المتعال ومعلنة بالثناء على الله عز وجل بالغدو والآصال على المعاني كلها في كل الاحوال فلما اقتضت الحكمة الالهية اظهار متعلقات الاسم الله لاظهار كمال قدرته العامة وحكمته التامة البالغة ونعمته السابغة اظهر ذلك الامر الوحداني الحامل لذلك الاسم الاعظم الواحد على اربعة عشر هيكلا او قل جعل تلك الشجرة على اربعة عشر غصنا وهي الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وتلك النار هي من تلك الشجرة الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا كما ان الزيت منها فافهم الاشارة وسميت تلك الشجرة صلوة فالصاد تنبئ عن الشجرة لانها مقام الاجمال واندراج الكثرة في كينونة الوحدة لانها هي الصاد في كهيعص فالاصل هو الهاء فلما تكررت اربع مرات نطقت الكاف ولما تكررت مرة واحدة نطقت الياء ولما ظهرت الهاء في الياء نطقت النون والكاف والنون اذا اجتمعتا ونطقتا ظهرت العين فالعين علة الوجود وكلمة المعبود وبها سكنت السواكن وتحركت المتحركات فالكاف مقام الاجمال والنون مقام التفصيل ولما كان اول متعلقات الكلمة التي هي الفعل والمشية يجب ان يكون في غاية الاجمال والسعة والاحاطة والبساطة لبطلان الطفرة وجب ان يكون في اول المتعلق حكاية الكاف لكونه الاشرف مقامها مقام الاجمال اكثر من النون التي هي مقام الكثرة والتفصيل فزيد عدد الكاف على ( على العدد خ‌ل ) العين الذي هو عدد المجموع فنطقت الصاد فكانت هي على شكل المربع فالصاد اول متعلق المشية وهو بحر تحت العرش قال الله عز وجل ليلة المعراج ادن يا محمد من صاد وتوضا لصلوة الظهر وهذه الصاد الثانية التي هي الاولى في عالم الوجود المقيد هي على طبق الاولى في عالم الوجود المطلق فان العالم الاسفل صفة وحكاية عن العالم الاعلى قال مولينا الرضا عليه السلم ما معناه قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فافهم فظهر لك ان الصاد هي حقيقة الشجرة المتطورة باطوار الغصون والافنان والفروع قد ظهرت في المبدء اذا لوحظ معها غيرها كالواحد الذي بعده الثاني والثالث وهكذا مع ان الواحد هو اصل الاعداد وينبوعها وذلك في مقام الاجمال واذا عد معه غيره كان في عالم التفصيل واللام تنبئ عن اصل الشجرة المفصلة بالاغصان لان اللام مقامه التفصيل ولذا كان القمر الذي عليه العدد والحساب ومعرفة تفاصيل الامور وهو اصل البرودة والرطوبة ومنه الصور والهيئات والحدود وبه التمايز واسم الله المربي له المبين لا تتم دورته ولا يظهر تمام اثره الا بعد ثلثين يوما فاللام مقامها القمر كما ان الصاد مقامها الشمس واصل الشجرة يستمد عن الشجرة كما ان القمر يستمد من الشمس فالشمس هي مقام النبوة والقمر رتبة الولاية والنبي صاحب مقام الاجمال والولي صاحب مقام التفصيل ولما كانت المقامات ثلثة احدها مقام النبوة وثانيها مقام الولاية الاجمالية البسيطة وثالثها مقام الولاية التفصيلية وكل منها احد اضلاع المثلث ولما كان النبي صلى الله عليه وآله جامعا للمقامين وللولي الثالث كان له احد اضلاع المثلث ولما كان الصاد تنبئ وتحكي عنه صلى الله عليه وآله فوجب ان يكون اللام تحكي عن الوزير الولي صلى الله عليه وآله لان اللام ثلث الصاد واحد اضلاعها والواو تنبئ عن الاغصان الاثني عشر بالتكرير والتثنية وذلك تمام الاربعة عشر المتشعبة من الاصل الواحد الحامل للاسم الاعظم الله والهاء سر الكل واصله واصل الاسم الاعظم فان الله اذا حذفت منه الالف يبقى لله ما في السموات والارض واذا حذفت منه اللام يبقى له ما في السموات والارض واذا حذفت منه اللام الثانية يبقى الهاء فاذا اشبعت كانت هو فالهاء هي اصل التوحيد وميادينه الخمسة الحقة وحقيقة الاسم الاعظم فدل لفظ الصلوة على حقيقة الحامل والمحمول والداعي والاسم المدعو به مع جميع احوالهما وصفاتهما الذاتية والعرضية والحقيقية والمجازية وقد اشرنا الى بعضها ولو تصدينا لشرح الجميع لطال بنا الكلام ولادي الى ذكر ما لا ينبغي ذكره وقد اراد الله سبحانه بهذا الترتيب كشف سر آخر لاولي المعرفة والبصيرة وهي ان لكل من الاربعة عشر المدلول عليهم بالصاد واللام والواو خمسة مقامات مقام الامام ومقام الابواب ومقام المعاني ومقام الاسماء ومقام التوحيد ومقام انا الذي لا يقع على اسم ولا صفة فاذا لوحظ الاربعة عشر في الخمسة استنطقت كلمة كن التي انزجر لها العمق الاكبر فهم عليهم السلم تلك الكلمة وهم حاملها ومظهر امرها ولذا كانوا يد الله فان اليد اربعة عشر عقدا فاذا ضربت في الخمسة الاصابع كانت سبعين وهو تمام كلمة كن وهو قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وقال عز وجل ينزل الملئكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره ولذا قلنا ان حقيقة الصلوة انما كانت مخزونة تحت حجاب الواحدية او ان الواو والهاء اشارتان الى الاحدعشر الذرية الطيبة من الولي عليهم السلم وتمام الكلمة اشارة الى الصديقة الطاهرة عليها السلم لانها الحاملة لظهورات الجميع ومقامها في الكلمة العليا والكلمة التامة تمام الكلمة المؤلفة كما ان مقام بنيها عليهم السلم الحروف العاليات المقطعات ومقام بعلها عليهما السلم مقام الالف المبسوطة ومقام ابيها عليهما السلم مقام النقطة وقد شرحنا تفاصيل هذه المجملات في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل فالصلوة اما من الوصل فهم الذين وصلوا الى مقام قربه ورضاه بما لا يمكن لاحد من المخلوقين سواهم واتصلوا به تعالى الى ان صار قولهم قوله وحكمهم حكمه وامرهم امره وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ومحبتهم محبته وبغضهم بغضه قال مولينا الصادق عليه السلم لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن واما من الصلة والعطية فهم عطاء الله سبحانه وفيضه وكرمه وجوده واحسانه الى كل مخلوقاته من انفسهم ومن غيرهم وهم النعم التي انعم الله عز وجل بها على انفسهم وعلى كل من سويهم لان ما ( من خ‌ل ) سويهم من اشعة انوارهم وعكوسات آثارهم قال عز وجل وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقال عز وجل واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فالنعم الظاهرة هو الامام الظاهر المشهور والباطنة هو الامام الغايب المستور عجل الله فرجه واما من الصلوان وهم عليهم السلم الذين اتبعوا الحق عز وجل بحيث لا يذكر الله الا ويذكرون معه فعلى ساق العرش مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله على امير المؤمنين ولي الله وعلى الكرسي مكتوب كذلك وعلى اللوح والقلم والسموات السبع والارضين السبع وما بينهما من المتولدات من المعادن والنباتات والحيوانات والليل والنهار والبراري والقفار والبحار والانهار وكل شيء خلقه الجبار القهار كذلك فلا يذكر الله الا ويذكرون معه لانهم مع الله سبحانه كما في قوله تعالى ولله يسجد من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون قال الصادق عليه السلم الذين في السموات هم الملائكة والذين في الارض الجن والانس ونحن الذين عنده فاذا كانوا عنده على المعنى الحق فيكون ذكرهم تالي ذكر الله وهم ايضا وجه الله فلا يذكرون الا ويذكر الله سبحانه حين ذكرهم فالصلوة بكل معنى وبكل اشتقاق وبكل قاعدة لا تصدق اولا وبالذات الا عليهم عليهم السلم ولذا قال امير المؤمنين عليه السلم انا صلوة المؤمنين وصيامهم وقال مولينا الصادق عليه السلم في مكاتبته لمفضل على ما رواه في بصائر الدرجات نحن الصلوة ونحن الزكوة فهذه الالفاظ في الحقيقة انما وضعت لهم عليهم السلم لا غير لما ثبت بالبرهان القطعي ان الله سبحانه هو الواضع للاسماء لمسمياتها وان بين الالفاظ ومعانيها مناسبة ذاتية ومرابطة حقيقية وان الطفرة في الوجود باطلة وان الله سبحانه لا يخل بالحكمة وقد شرحنا هذه المسئلة باكمل بيان في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا فلما انهم صلى الله عليهم تمت خلقتهم وكملت هياكلهم وخضعوا لله سبحانه بذل العبودية في سرهم وعلانيتهم سطع نورهم وتشعشع ظهورهم الحاكي لحدود هيئاتهم وهياكلهم فخلق الله سبحانه من ذلك النور وسطوع ذلك الظهور حقايق الانبياء عليهم السلم ثم حقايق ساير شيعتهم ومواليهم ولما ان الشعاع يستحق اسم المنير من باب الحقيقة بعد الحقيقة ومن باب الوضع الخاص والموضوع له العام الذي اتفق علماء الاصول على بطلانه فاستحقت تلك الحقايق والذوات ذلك الاسم بالتبعية وذلك عند ظهورهم في التكوين ثم ظهر نورهم عليهم السلم بسر عبوديتهم في التشريع ظهر نورا ساطعا وبدرا لامعا حكي كينونتهم وانبأ عن حدود ذاتهم وهياكلهم التي هي نفس الخضوع والخشوع والذلة لله عز وجل فاستحق اسمهم وهو الصلوة وبقي مكنونا ومخزونا تحت العرش الاعظم الاعلى قبل ان يخلق الله السموات والارض والكواكب والبروج والعرش الثاني والكرسي والواح المحو والاثبات وكانت نورا اجماليا وحدانيا يسبح الله سبحانه بسر ذاته وحقيقته فلما اراد الله سبحانه ان يمن على خلقه بها انزلها من عالم الى عالم آخر ليفصلها وليكمل اهل ذلك العالم باشراق نورها وسطوع ظهورها ووكل على حفظها ونزولها ملكا اسمه لقائيل وهو اعظم الملئكة قدرا وكبرا وعظمة وجعل تحته جنودا من الملائكة لا يحصي عددهم الا الله تعالى وهؤلاء الملئكة اقرب الملائكة الى الله تعالى واخضعهم له وهم اعظم من حملة العرش والطائفين حوله وقد روي عن الصادق عليه السلم ان الله سبحانه خلق العرش وجعل له ثلثمائة وستين‌الف ركن وخلق عند كل ركن ثلثمائة وستين ‌الف ملك اصغرهم لو امر بان يبلع السموات السبع والارضين وما فيهن وما بينهن كانت في فمه كالخردلة في فلاة وسيعة ثم امرهم بان يحملوا العرش ماقدروا عليه فخلق عند كل ركن ضعف ما كان سابقا فلم يقدروا ايضا على حمل العرش فخلق عند كل ركن عشرة اضعاف ما كانوا هذا ملخص معنى بعض الحديث والملائكة الذين تحت الملك الموكل بالصلوة اكثرهم عددا واجنحة واقويهم قوة واشدهم عبادة واعظمهم عند الله قربا ومكانة فاول ما نزلت الصلوة على مقتضي قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وماننزله الا بقدر معلوم نزلت الى بلدة بسم الله الرحمن الرحيم وهي قبة دخلها النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج ولها اربعة اركان تجري فيها اربعة انهار الركن الاول يجري منه ( فيه خ‌ل ) الماء الغير الآسن من الميم في بسم الله الرحمن الرحيم والركن الثاني يجري منه اللبن الذي لم يتغير طعمه من الهاء في بسم الله الرحمن الرحيم والركن الثالث يجري منه الخمر من ميم الرحمن والركن الرابع يجري منه العسل المصفى من ميم الرحيم والملك الموكل بتلك البلدة اسمه وحدائيل فلما نزلت الصلوة الى هذه البلدة الطيبة تلقوها الملئكة الموكلين بها وكانت نورا ذائبا انجمدت وتفصلت على اربعة اركان فركن التكبير بازاء الركن الرابع فمن اقام ( اقامها خ‌ل ) بحدوده واقبل اليه بكله سقاه الله من العسل المصفى فيصفو ظاهره ويكون محبوبا لاولياء الله وشفاء من كل داء للناس وركن القيام بازاء الركن الثالث فمن اقام بحدوده وشرايطه سقاه الله من ذلك الشراب وركن الركوع بازاء الركن الثاني فمن اقام بحدوده وشرايطه سقاه الله من ذلك اللبن بكل احواله ومراتبه ومقاماته ودرجاته المترتبة المتنزلة وركن السجود بازاء الركن الاول وهو بازاء الركن الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار والنية انما هي روح مقرونة بذات الصلوة بل هي الاصل الواحد وهذه الاربعة تفاصيلها وظهوراتها فالنية للصلوة كالروح للانسان فليست بشرط خارج ولا هي بجزء داخل لان الروح ليس بداخل في البدن كدخول شيء في شيء ولا خارج عنه كخروج شيء عن شيء فليست النية في صقع الاركان الاربعة ولا في مرتبتها بل لها الرتبة العليا والمرتبة القصوى ولذا قلنا انها بسيطة ليست بمركبة وهي العلة الموجبة الظاهرة بنورها او بذاتها او بصفتها الذاتية في كل مراتب المعلول الاصطلاحي فافهم ولما كانت هذه الاركان هي الاصول الاولية والمقامات الذاتية التي لا تتم حقيقة الممكن الا بها كانت تبطل الصلوة اذا اخل بركن منها سهوا كان او عمدا فان الله سبحانه خلق كل شيء من زوجين وهذه هي الاربعة والهيئة التركيبية الخامسة وكذلك التوحيد الذي هو اصل سبب ايجاد الامكان والاكوان انما ظهر في مقامات التفصيل في خمس مقامات بعدد قوي الهاء في هو وكل ركن من هذه الاركان الخمسة مظهر ظهور من ظهورات التوحيد فاذا فقد مظهر من تلك المظاهر بطلت الصلوة لانها مظهر الكل ولذا كانت عمود الدين ان قبلت قبلت ما سواها وان ردت ردت ما سواها ثم انزلها الله سبحانه من تلك البلدة المباركة الى العرش الثاني ثم منه الى الكرسي ففصلها هناك اي باطن الكرسي في كتاب الابرار في عليين الى هذه الحدود المشخصة كما ياتي الاشارة الى بيان سر تلك الخصوصيات اجمالا ولما انها امر عظيم وخطب جسيم وبها نجاة الخلايق وهي ظاهر صفات الخالق وباطنها علة الذوات والحقايق اراد الله سبحانه ان يبين للخلق عظيم منزلتها ورفيع شانها ومرتبتها فاقام الخلايق في ارض عالم الذر في البدو كما انها ارض عالم المحشر في العود ثم عرضها على الخلايق على جهة التكليف ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة والى هذا المعنى اشار الحق سبحانه على احد التفاسير بقوله عز من قال انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا فالامانة هي الصلوة كما ورد عنهم عليهم السلم باطنا وظاهرا والانسان هم المؤمنون الذين ادوا حقها وراعوا حرمتها ويحتمل ان يكون المضيعين لحقها وحرمتها اما الاول فان من عرف حقها واحبها بقلبه واداها بجميع جوارحه وصافي طويته وخالص سريرته اشرق الله في قلبه نور اليقين وفي صدره نور العلم وفي فؤاده نور المحبة واناره الله بالانوار القدسية وافاض عليه من العلوم الدينية فصار متوجها اليه سبحانه بكله وانغمس في بحر لاهوتيته بشهود لبه وقلت منه الظلمات وذهبت عنه درن السيئات فكان نورا لامعا وبدرا ساطعا من الذين قال الله سبحانه في حقه الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والناس اهل الهوى وطلبة الدنيا في ظلمة دهماء يهيمون وفي لجة عمياء يعمهون وفي غيهم وضلالتهم يترددون فلا يلتفتون الى اولئك الاخيار ويسعون في اطفاء تلك الانوار جهلا منهم بمقامهم ومرتبتهم ونسيانا لربهم بسوء حظهم وقصور معرفتهم فاولئك الاخيار المصلون الذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلوتهم يحافظون هم المظلومون المجهولوا القدر لانهم انوار قدسية الهية بين ظهراني الخلايق وهم عنهم غافلون وعن طريق رشدهم معرضون وهم رضوان الله عليهم على بصيرة من دينهم وهداية من ربهم قد ملات قلوبهم نورا وابصارهم نورا وحواسهم نورا فهم مع الله في شغل عن الناس واما الثاني فان الذين لم يراعوا حرمة الصلوة وضيعوها ولم يحافظوا اوقاتها واهملوها ولا اعتنوا بشانها وعظيم قدرها عند الله فهم الظلوم الجهول اي الظالمون الجاهلون الذين ظلموا انفسهم وتركوا ما به نجاتهم وسلكوا ما به هلاكهم ونسوا حظهم مما ذكروا به فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء فلما حمل الانسان الامانة وقبلها فمنهم من اضمر محافظتها ومنهم من اضمر ضياعها على ما فصلنا لك انزل الله سبحانه اياها الى هذه الدنيا فكانت الصلوة بنورها تشرق على اهل السموات والارضين الى ان اهبط الله سبحانه آدم الى الارض من العليين فكانت به شامة سوداء عرضته للادبار والنزول من قرنه الى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فاتاه جبرئيل عليه السلم فقال له ما يبكيك يا آدم فقال من هذه الشامة التي ظهرت بي قال قم يا آدم فصل فهذا وقت الصلوة الاولى فقام فصلى فانحطت الشامة الى عنقه فجاء في الصلوة الثانية فقال قم وصل يا آدم فهذا وقت الصلوة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة الى سرته فجاء في الصلوة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلوة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة الى ركبتيه فجاء في الصلوة الرابعة وقال له يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلوة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة الى قدميه فجاء في الصلوة الخامسة فقال له يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلوة الخامسة فقام فصلي فخرج منها فحمد الله واثنى عليه فقال جبرئيل يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوة كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة ولما كانت الصلوة هي توجه الكينونة من الظاهر والباطن والسر والعلانية الى الله سبحانه كان لها الفضل على كل الاعمال سيما اذا دخل العبد فيها بكمال الاقبال كما في الفقيه عن الصادق عليه السلم احب الاعمال الى الله عز وجل الصلوة وهي آخر وصايا الانبياء عليهم السلم فما احسن بالرجل ان يغتسل او يتوضا فيسبغ الوضوء ثم يتنحي حيث لا يراه انيس فيشرف الله عز وجل عليه وهو راكع او ساجد فالعبد اذا سجد واطال سجوده نادى ابليس يا ويلاه اطاع وعصيت وسجد وابيت وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله مثل الصلوة مثل عمود الفسطاط اذا ثبت العمود ثبت الاطناب والاوتاد والغشاء واذا انكسر العمود لم ينفع وتد ولا طنب ولا غشاء وقال عليه السلم انما مثل الصلوة فيكم كمثل السري وهو النهر على باب احدكم يخرج اليه في اليوم والليل يغتسل فيه خمس مرات فلم يبق الدرن على الغسل خمس مرات ولم تبق الذنوب على الصلوة خمس مرات وفيه عن الصادق عليه السلم انه قال من قبل الله منه صلوة واحدة لم يعذبه ومن قبل الله منه حسنة لم يعذبه وقال عليه السلم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من حبس نفسه على صلوة فريضة ينتظر وقتها فصلاها في اول وقتها فاتم ركوعها وسجودها ثم مجد الله عز وجل وعظمه وحمده حتى يدخل وقت صلوة اخرى لم يلغ بينهما كتب الله له كاجر الحاج المعتمر وكان من اهل عليين انتهى فظهر لك مما لوحنا واشرنا ان الصلوة على طبق الكينونة والحقايق والذوات فهي جامعة لجميع مقامات العبودية المطلقة وهي مقام اول الفرق في قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين وهي اول ما يفرض على العاقل حين عرف نفسه وعرف ربه ولا تتوقف على شيء سوى هذه المعرفة ولا ترتفع بحال من الاحوال بخلاف ساير العبادات كالحج يرتفع عند عدم الاستطاعة ويكتفي به مرة والزكوة عند عدم المال والصوم عند عدم الاقتدار والجهاد عند العمي والعرج والمرض وهكذا غيرها بخلاف الصلوة فانها ثابتة مستقرة ما دام النفس والمعرفة وان كانت اوضاعها تتغير وتختلف بحسب الموضوعات الا انها لا ترتفع اصلا وما قالوا في فاقد الطهورين كما هو احد الاقوال في المسئلة فالاقوى والاصح وجوب الصلوة عليه والاعادة اذا وجد الطهور

واما القول في الشرايط والاجزاء فاعلم ان شرايطها كثيرة وآدابها عظيمة اكثر من ان تحصى الا ان الشارع عليه السلم اظهر للخلق اصول تلك الشرايط واركانها تسهيلا عليهم ورعاية لما بهم من الضعف والفتور لعدم نضج الكينونات وعدم ظهور سر الصلوات الزاكيات المباركات الطيبات لانا قد ذكرنا ان الصلوة هي حدود الولاية وهيئاتها وصفاتها وجهة توجه الولي المطلق الى الله سبحانه بكل جهاته واعتباراته واحواله وهي لا تحصى ولا تتناهى وهي مقام اجماع ظهور الربوبية المطلقة الظاهرة للمخلوقين لا التي هي الذات البحت فانها متعالية عن الاجتماع والاقتران وحقيقة العبودية المطلقة كما هو مقتضى قوله واشهد ان محمدا عبده ورسوله فاثبت بالاولى حقيقة العبودية وبالثانية تمام ظهور الربوبية لان الرسول لا يكون كذلك الا ان يكون عنده من آثار الربوبية الالهية ليكون بها الواسطة والسفير وبها يهدي الخلايق الى سواء الطريق وذلك هو الكتاب الذي يجعله عنده كما قال تعالى انا انزلناه في ليلة القدر الى آخر السورة ولقد اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء الى صراط مستقيم ولقد ثبت ان الوحي التشريعي مطابق للوحي التكويني والكتابان متطابقان فكان الكتاب المنزل عليه صلى الله عليه وآله هو الاكبر الجامع للكل لقوله تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فالصلوة حيث كانت معراج المؤمن هي الوصال كما يشهد عليه اسمها والركوع والسجود والقيام هي الخضوع والتذلل والابتهال فهي اذن الواقفة بين الطتنجين والبرزخ بين العالمين والناظرة في المغربين والمشرقين وها انا اشير الى اسرار بعض شرايطها ومقدماتها بالاجمال :

اما الطهارة فاعلم ان العبد لما كان حال الصلوة متوجها الى جلال العزة ونور العظمة وجمال القدس والبهاء والنور والكبرياء وتلك الساحة طيبة طاهرة منزهة عن جميع شوائب النقصان ودرن القصور والامكان فوجب ان يكون المصلي طاهرا حتى يقبل اليه الملا الاعلى والكروبيون وتتوجه اليه الملائكة المقربون والا كان بعيدا عن حرم الكبرياء ومبغوضا ومنكرا عند الملا الاعلى فلا تشمله الرحمة بل يستوجب النقمة ولان النجاسة انما حصلت من كثافة الادبار الناشي عن مشاهدة الاغيار فاذا صحبت ( صحب خ‌ل ) المصلي حين التوجه والمسير اليه كدورة الاغيار اصابته الرحمة الواسعة فرمت به الى النار الا ترى كيف يظهر نتن الجيفة وعطر الورد وساير الازهار عند مقابلة الشمس فالشمس اشراقها واحد وتربي القوابل السفلية على حسب ما فيها من الصفاء والكدورات فتربي السكر والحنظل باشراق واحد فافهم ولان المتوجه حين التوجه وجه المتوجه اليه فوجب الطهارة لبيان انه سبحانه مطهر من كل الصفات الامكانية واللوازم الخلقية فالطهارة اشارة الى عصمة الولي عليه السلم كما قال عز وجل انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فهم عليهم السلم الذين طهروا سرهم وحقيقتهم وساير مراتبهم الظاهرية والباطنية عن لوث الاغيار وكثافة الاكدار فتوجهوا الى الله سبحانه بكل كينونتهم بالعشي والابكار فتطهير الكينونة شرط للتوجه لا جزء لان الطهارة ازالة الاعراض والاوساخ الظاهرية والباطنية وتلك الاوساخ انما هي بالعرض فازالتها مقدمة لا ذاتية فافهم والمطهرات عشرة في مقابلة النجاسات لان الله سبحانه خلق الخلق من عشر قبضات وهي قبضة القلب والصدر والعقل والعلم والوهم والوجود اي المادة والخيال والفكر والحيوة والجسد وكل قبضة حين التوجه الى الله سبحانه والخضوع والانقياد لجلال عظمته مطهرة وطاهرة لانه سبحانه نور محض فاشراق جلال عظمته يطهر كلما يقابله وينقيه فيظهر فيه مثاله كما قال امير المؤمنين عليه السلم فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وكل قبضة حين الاعراض عنه تعالى نجاسة ومنجسة اذ لا واسطة بين الاقبال والادبار والطهارة والنجاسة وهذا معلوم وكما ان المطهرات متفاوتة في الشدة والضعف فكذلك النجاسات وذلك باعتبار وقوف الخلق في مقام كل قبضة لان الخلق في القوس الصعودي لهم وقوف في مقام من المقامات على حسب اعمالهم اما صاعدون او نازلون فما جمع المقامات الصعودية كلها علما وعملا الا الكامل المطلق كما انه ماجمع المقامات النازلة السفلية كلها علما وعملا الا الشقي المطلق ابو الدواهي ابو الشرور والمراد بجمع المقامات ظهورها والا فهي مجتمعة في كل شيء فمنهم من هو واقف في مقام القلب ومنهم من هو واقف في مقام الصدر ومنهم من هو واقف في مقام العقل ومنهم من هو واقف في مقام العلم ومنهم من هو واقف في مقام الوهم ومنهم من هو واقف في مقام المادة ومنهم من هو واقف في مقام الخيال ومنهم من هو واقف في مقام الفكر ومنهم من هو واقف في مقام الحيوة ومنهم من هو واقف في مقام الجسد فطهارة كل مقام على حسب ما يقتضيه ذلك المقام من الشدة والضعف وقد اشار الى نوع ما ذكرنا مولينا الصادق عليه السلم في قوله تعالى ثم اورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات قال عليه السلم ما معناه السابق بالخيرات هو الذي يحوم حول ربه والمقتصد هو الذي يحوم حول قلبه والظالم هو الذي يحوم حول نفسه وهذه المقامات المذكورة من حيث الطهارة لما تنزلوا من الخزاين الغيبية الى الهياكل الجسدية ظهرت على هذه المطهرات المعروفة في هذا العالم الجسماني فالماء الذي به حيوة كل شيء هو من القلب الذي به حيوة الجسد والروح كله وهو النافذ في كل الاعضاء والجوارح والعضلات فالماء الجاري وماء المطر وماء البئر آية الخصيصين من الشيعة ودليل لهم اي اخص الخواص وهم الاعلون على تفاوت مقاماتهم فالاوسط للاعلى منهم لان الفيض الاقدس من المبدء الاعلى دائم الورود والنزول عليهم حتى صاروا نفس ذلك الفيض النازل للمستعدين والمتعلمين والاول للاوسط منهم لكونهم حملة علوم حقايق الاشياء حسب ما اراهم الله سبحانه في الآفاق والانفس فهم نهر يجري ( انهار جارية خ ) من تحت جبل الازل الى ما لا نهاية له من البداء ( المداد خ‌ل ) والفرق بين الاول والثاني ان الاولين عندهم من اسرار التوحيد والاسماء والصفات والآخرين عندهم اسرار حقايق الكائنات من قول النبي صلى الله عليه وآله اللهم ارني الاشياء كما هي مع اشتراك الفريقين من الاستمداد والجريان من المبدء فافهم والآخر ( الاخير خ‌ل ) للاسفل منهم لانهم اصحاب العقل المرتفع ينبع لهم العلوم من القلب باذن الله سبحانه وتوفيقه وهؤلاء الذين لا يتنجسون بملاقاة نجاسة كيد الشيطان ومكره كما قال عز وجل ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون وقال تعالى انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله وذلك اذا اعتقد ( اعتقدوا خ‌ل ) حقية مكر الشيطان فهنالك استولته النجاسة على الاوصاف الثلثة او واحد منها فيتنجس حينئذ ويحتمل ان تكون المياه الثلثة آية ودليل للامام عليه السلم بحسب مقاماته عليه السلم فهم عليهم السلم الغيث الهاطل من سماء المجد والعزة والعظمة وهم النهر الجاري من اللانهاية الى اللانهاية وهم البئر المعطلة والقصر المشيد كما قال الشاعر :

بئر معطلة وقصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى والبئر علمهم الذي لا ينزف

فحينئذ لا يجوز فرض استيلاء النجاسة على احد اوصاف المياه الثلثة على هذا التقدير الا على ضرب من التاويل بملاحظة ايام التقية وظهور دولة الظلمة الفسقة وباقي المطهرات وجه من وجوههم عليهم السلم او وجه من وجوه شيعتهم سلام الله عليهم من الواقفين في مقام من مقامات وجودهم وتكوينهم وتفصيل الامر في هذا المقام يفضي الى التطويل والنجاسات اضداد المطهرات حرفا بحرف على ما ذكرت لك في كل مقام وكل مرتبة والكر هو آية ودليل لخواص الشيعة وهم الذين قد نفذ الماء الطهور الذي هو العلم والمعرفة والايمان في مقاماتهم الثلثة المعبر عنها بالطول والعرض والعمق وهي عالم الجبروت اي العقول وعالم الملكوت اي النفوس وعالم الملك اي الاجسام ويعبر في كل من الاحوال الثلثة ثلثة اشبار كما هو المروي في صحيحة اسمعيل بن جابر وهو اقوى الروايات سندا واعتبارا واما روايات النصف فهي محمولة على الاستحباب لتحصل القدر الواجب على القدر المتيقن والا لزم طرح الروايات الصحيحة المعتبرة مع عدم داع اليه من عقل او اجماع او نص قاطع او امثال ذلك وليس هذا المقام مقام بيان امثال هذه الكلمات فالثلثة الاشبار اشارة الى المقامات الثلثة التي في كل مقام وهي الوجه الاعلى والاوسط والاسفل في كل من هذه العوالم الثلثة المذكورة فاذا استولى ماء الفيض الالهي ونور المعرفة على كل هذه المراتب المجتمعة في الشخص الانساني فقد بلغ حد الكرية فلا ينجس بملاقاة كيد الشيطان ومكره وخدعه وامانيه وغروره الا ان يستولي عليه الشيطان فينجسه كما قال تعالى واتل عليهم نبا الذي اتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين نستجير بالله من ذلك وهذا الذي ذكرنا هو سر الكر وحقيقته بحسب المساحة واما بحسب الوزن فهو الف ومائتا رطل بالعراقي فان الله سبحانه خلق الخلق من عشر قبضات كما تقدم فاذا لوحظت نسب تلك القبضات بعضها مع بعض كانت مائة وهي قد ظهرت في ستة اطوار عالم الغيب وهي عالم الفؤاد والعقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض والروح والنفس وفي ستة اطوار عالم الشهادة وهي الطبيعة والمادة والمثال والجسم والجسد والعرض والمجموع الف ومائتان والرطل اربعة امداد وهي العناصر والطبايع والاركان والقوى الاربعة النار والهواء والماء والتراب الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة والمرة الصفراء والدم والبلغم والمرة السوداء الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة فاذا ظهر الماء الذي هو نور المعرفة في هذه الحدود والمقادير واستقر فهو الكر الذي لا ينجسه شيء الا عند الاستيلاء كما ذكرنا فافهم والماء القليل هو مثال عوام الشيعة وضعفائهم فانهم اذا اصابهم كيد من مكائد الشيطان هووا ولم يعرفوا وجه المخلص فتنجسوا ونجسوا واما قبل الاصابة فلا بل على حكم الطهارة لانهم على الحق وعلى صراط مستقيم وان كان ماء معرفتهم قليلا واما ماء المضاف فهم الغير المخلصين وهم عصاة الشيعة فهم طاهرون لكنهم غير مطهرين لما بهم من درن المعاصي والحسنات والشكوك والشبهات واما الاسئار فهي العلوم التي تأتي اليك من غيرك فطهارتها ونجاستها تابعتان للحيوان الذي باشرها فان كان من اهل الحق فحق والا فباطل كما قال مولينا الصادق عليه السلم من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله فان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فافهم ثم ان النجاسة ان كانت في ظاهر الجسد والثوب وغيرها من الامور المحسوسة بالبصر الظاهري واللمس الظاهري فهي الخبث ولا يحتاج ازالتها الى النية لان المطلوب الذي هو الازالة ورفع النجاسة بالكلية يحصل بالغسل بالماء فلا يحتاج حينئذ الى معين خارجي لتلاقي العينين عيانا وقوة الماء وعدم غلبته ( عينية خ‌ل ) النجاسة وان كانت النجاسة في باطن الجسد وداخله الخارجة بالمسامات اللاحقة الى الجسد اي ظاهره فهي المسماة عند اهل الشرع عليهم السلم بالحدث فيحتاج لازالتها الى الماء المطلق ليجريه على الجسد ويدخل من طريق المسامات والمنافذ الى داخل الجسد فيغسل داخله فيطهر كما طهر ظاهره ولما كانت المسامات البدنية ومنافذها ضيقة لا يصل الماء الى الباطن الا شيئا يسيرا قليلا ولذا يستحب دلك الاعضاء حتى يكثر النفوذ فلا يحصل الغسل المطلوب من ازالة العين ولذا جعل الشارع عليه السلم للماء معينا للازالة وهو نية التقرب الى الله تعالى والاخلاص في عبادته وطاعته فان هذا اذا اقترن بالماء يقويه ويقوي تأثيره وان كان قليلا بحسب الكم والوزن فيكون حينئذ شانه شان الاكسير الذي ينفذ قيراطه في قنطار من النحاس فيطهره ويجعله ذهبا صافيا خالصا كما ان الرجل اذا اخلص في محبة الله وطاعته يتقوى بحيث يهزم الصفوف ولا يكترث من الالوف لما به من القوة الالهية فهذه الطهارة التي يحتاج الى النية هي الطهارة عن الحدث وهي الطهارة اذا اطلقت عند الفقهاء والاطلاق حقيقة شرعية بل لغوية من باب التشكيك وجهل اهل اللغة من باب الجهل بالموضوع لا باصل الوضع والا فالوضع واحد وليس المقام مقام استيفاء هذا الكلام وقد ذكرنا مشروحا في اكثر مباحثاتنا ثم ان النجاسة كلما كان نضجها وطبخها اعظم واشد وصفائها اقوى كانت نجاستها اغلظ فتاثيرها اشد واكثر واصل النجاسات الجسمانية وحقيقتها هي ما اعرض عنه المبدء باعراضه عنه فان كان الاعراض قبل النضج والاعتدال لم يكن نجسا وسبيله حينئذ سبيل الاطفال والذين لم يبلغ الحلم او الرشد والتميز ( التمييز خ‌ل ) اذا صدر عنهم المعاصي وكلمات الكفر فانه لا يحكم عليهم بالنجاسة والكفر وذلك كالرطوبات الفضلية العرضية من المواد البلغمية كالقيح وان كان من المواد الاخر وكالمذي والودي والوذي وامثالها مما يخرج عن الانسان وان كان الاعراض بعد النضج والاعتدال فان كان في النضج الاول والهضم الاول كالغائط والبول على الخلاف مع الاطباء في البول فانه عندهم من الهضم الثاني فيحكم عليه بالنجاسة فعند الخروج والدفع يتلوث باطن الجسد كما يتلوث ظاهره ( بظاهره خ‌ل ) بعد الخروج فلا بد من تطهيرهما ولما كان تأثيرها لم يكن قويا حتى يؤثر في كل الجسد اي باطنه لم يحتج الى غسل كل الجسد والريح الخارج من السبيلين يؤثر في باطن الجسد بخلاف ظاهره لمكان اليبوسة وشرح حقيقة هذه الاحوال وذكر الشبهات والجواب عنها يحتاج الى بسط عظيم في المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال الا ان من له اطلاع على كتب الاطباء يعرف حقيقة الامر في ما اقول في الجملة وسبيل هذه النجاسات سبيل من عصى وكفر من العوام والجهال والحمقاء بعد البلوغ والعقل فانهم وان كانوا محكومين بالكفر والنجاسة والمؤاخذة والعقوبة لكنه لا يشد عليهم في ذلك ولا يلامون كثيرا كما هو المعروف عند العوام والخواص انظر كيف يعظم على الناس معصية العالم ولو بترك الاولى ولا يعظم عليهم معصية الجاهل وان كانت كبيرة عظيمة خطيرة وان كان الاعراض في النضج الثاني والهضم الثاني الذي ينقلب به الغذاء دما كالحيض والنفاس فتكون نجاسة اشد واغلظ وتأثيرها اعظم واقوى فهو وان كان له مجرى واحد الا ان نتنه وخبثه يصل الى الجسد كله ولكنه في طريقه لما كان يمر على مخرج البول او انه يصحب معه شيئا من البول كان معه سببان سبب يقتضي غسل كل الجسد وسبب يقتضي غسل بعضه ولا يكفي احدهما عن الآخر لان كل واحد منهما في جهة غير الاخرى كالتوبة عن ذنب لا يغسل درن الذنب الآخر فيحتاج له الى توبة اخرى واما الاستحاضة فلما كانت تحدث عن استرخاء في عروق الرحم وليست مثل الحيض في الحرارة والنتن والسواد لان الحيض وجه الماهية الخبيثة المدبرة عن نور الحق ولما كانت هذه الجهة في النساء غالبة ظهرت آثارها في العالم الجسماني فيهن واما المعصومة الطيبة الطاهرة التي طهر الله سبحانه باطنها وظاهرها وسرها وعلانيتها بما اقتضته كينونتها من عدم الاعراض عن الله سبحانه ولو بترك الاولى فهي منزهة عن الحيض كما كانت سيدتنا ومولاتنا الزهراء على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف التحية والثناء وكانت مريم عليها السلم كذلك لانها مثالها ودليلها وآيتها في الزمان المتقدم واما حوا عليها السلم فلما تركت الاولي وكانت هي الداعية لآدم الى ذلك رأت الدم وقد روي ان اول دم وقع على وجه الارض دم حوا لما ان حاضت والحاصل ان دم الاستحاضة لما كانت البرودة والرطوبة فيها غالبة فتكون نجاستها خفيفة بالنسبة الى الحيض فهي في النضج برزخ بين البول والحيض فلا ترفع بها الصلوة لكنها اذا كانت قليلة يجري عليه حكم البول ويزاد عليه بان يتوضا لكل صلوة لان نجاستها اقوى وان كانت متوسطة يزاد على الكل غسل في الصبح وان كانت كثيرة فعليها ثلثة اغسال وتصلي مع الوضوء وذلك حكم البرزخ فكلما قرب الى البول جرى عليه حكمه وكلما قرب الى الحيض اشتدت النجاسة وجرى عليه حكم الحيض لا كله والا كان حيضا والنفاس دم الحيض بعينه فيخرج مع الولد ما فضل غذائه من دم الحيض وسبيل هذه النجاسات سبيل من عصي او كفر من العلماء العارفين من الخواص فان عذابهم اشد وعقوبتهم اعظم نستجير بالله من ذلك قال الله تعالى يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا وذلك لزيادة النضج والاعتدال في الروح والجسم الحامل له وان كان الاعراض في الهضم الثالث والرابع كالمني فتكون نجاسته اقوى واغلظ ولما كان الداعي والباعث لخروج المني استلذاذ النفس بكل البدن واقبال كل الجسد الى الشهوة واللذة فيتحرك الكل وتتقوي الحرارة الغريزية وتسري في كل البدن فتدفع وتسيل بها الرطوبات الاصلية ولذا يضعف البدن ويفتر عند خروجه ويختلف قوام المني في الرقة والغلظة ولونه في البياض والصفرة والحمرة بحسب قلة الرطوبة في المزاج وكثرتها وذكر تفاصيل هذه الاحكام لا يناسب المقام ولما كان الانبعاث في كل البدن وخروج المني من كل البدن قال عليه السلم تحت كل شعرة جنابة ويحتاج كل جزء الى الغسل ولذا قلنا بجواز التبعيض في غسل الجنابة بمعنى ان كل جزء اصابه ماء الغسل طاهر يجري عليه احكام ما اذا غسل الكل مثل مس المصحف وادخاله في المسجد ومس جسد الامام عليه السلم وامثالها من الاحكام وقد قلنا سابقا ان مدار الطهارة والنجاسة اعراض المبدء الاعلى عن الادنى الاسفل في كل مقام بحسب ذلك المقام والروح الحيوانية في الجسم الحيواني والقالب العنصري ما دامت ملتفتة اليه وناظرة ومدبرة له بوجهها التي هي الحرارة الغريزية فالبدن حي طاهر ما لم يكن الروح معرضة عن الحق سبحانه كالكلب والخنزير والكافر فاذا اعرضت الروح الحيوانية عن البدن لفساد فيه بكله او بجزئه كالجزء المبائن عن الحي وكالدم المسفوح الخارج قليلا كان او كثيرا وامثال ذلك وسواء كان الاعراض كليا او جزئيا يتنجس البدن ان كان في الاصل اي في عالم الذر حين قوله تعالى الست بربكم طاهرا والا فهو نجس العين كالكافر وامثاله فان كان الاعراض كليا يقع ميتا فيخرج نطفته التي خلق منها ولما كان الاعراض عن كل جزء من اجزاء البدن سرت النجاسة في كل جزء من اجزائها وتلك النطفة هي الحرارة الغريزية والمني وجه لها وحامل لاثرها فاذا وجب الغسل للحامل والفرع فلخروج الاصل بالطريق الاولى لانا قلنا ان الغسل تطهير للبدن من حيث الباطن والظاهر ولما كان الروح على ثلثة اقسام روح حيواني مقره القلب اللحم الصنوبري وروح نفساني مقره الدماغ به الادراك والحواس وروح طبيعي مقره الكبد وبه النمو والذبول وكل هذه الثلثة يخرج من البدن ويبقى معلقة نجسا فاسدا وجب على الميت ثلثة اغسال للتنقية التامة والتصفية المطلقة فغسل السدر وهو الاول من قبل الروح الطبيعي لازالة الاوساخ والاعراض الحاصلة من فساد الاخلاط الحاصلة في الكبد من الروح الطبيعي وغسل الكافور وهو الثاني من قبل الروح النفساني لان الدماغ بارد رطب فلما فارقت الروح غلبت الرطوبة الغريبة وكانت سبب تناثر الاعضاء والجوارح وتقطعها استلزمت الروايح المنتنة الخبيثة فجعل الكافور لما فيه من قوة البرودة الموجبة للانجماد وقوة اليبوسة الموجبة للامساك وعدم التناثر سريعا وقوة الرايحة الشديدة لازالة الروايح الخبيثة التي في الميت لاجل مفارقة الروح وغسل ماء القراح وهو الثالث من قبل الروح الحيواني الذي في القلب وهو الجامع للكل لازالة ما في الميت من لطخ ورق السدر ورغوته واجزاء الكافور ووسخه ولان يكون طيبا طاهرا من جميع الاوساخ فغسل السدر بازاء الظهور الملكي والكافور بازاء الظهور الملكوتي وغسل القراح بازاء الظهور الجبروتي فهذه العوالم الثلثة التي ظهرت في القوى الثلثة وذكر تفصيل الامر في ذلك يحتاج الى بسط كلمات وتمهيد مقدمات لا يسعني الآن شرحها وبيانها وعند المشافهة والمواجهة ربما تحظى ببعض المطلوب ولما كان الميت الآدمي للطافة بدنه ورقة قواه واجزائه وشدة نجاسته وفضلاته كان سريع النفوذ وشديد التاثير في غيره فاذا لاقاه حي تنفذ برودة جسده في جميع المسامات والمنافذ فيتاثر البدن والجسد بذلك وكذلك الروح لما بينهما من شدة المنافرة والمضادة فوجب عليه الغسل لازالة ذلك الدرن الساري في كل اقطار البدن ولا كذلك في الحيوانات لان نجاسة كل شيء على حسب شرافته فكلما كان اشرف كان المعرض عنه انجس ولذا كان صنما قريش انجس الخلايق وارذلهم واما بدن الامام عليه السلم والنبي فهو حي عند مفارقة الارواح ولذا اذا ارادوا تحركوا وتكلموا وكان النبي صلى الله عليه وآله يتقلب في السرير عند الغسل الحاصل احوالهم لا تقاس بساير الخلق لانهم وجه الله الباقي وستر الله الواقي فافهم ولما كانت البرودة والتبريد هي المطلوبة في الميت لاجل المناسبة ولما قلنا يكره غسل الميت بالماء الحار لان الحرارة طبع الحيوة وتكون ايضا سببا لتناثر الاعضاء ولما كانت برودة الكافور كيبوسة ( ليبوسته خ‌ل ) قوية ماحرم الغسل بالماء الحار لانه لا يعارض برودة الكافور ويبوسته نعم يكره للتاثير المذكور وعدم المناسبة هذا اذا كان اعراض الروح كليا واما اذا كان جزئيا عرضيا لفساد البدن كما اذا غلبت الرطوبات وتحركت باشراق شمس الحرارة الغريزية ووصلت في صعودها الى الدماغ واصابتها البرودة فتراكمت وانعقدت سحابا منع نفوذ الماء الحرارة في كل الجسد فيجتمع ( فتجتمع خ‌ل ) الروح في القلب ويضعف تأثيره في اقطار البدن فيقع البدن الظاهري والحواس الظاهرية ميتا ويتعطل عن الادراك والاحساس وهذا هو النوم وحقيقته وهو قوله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى فبرد البدن وذبل واظلمت اقطاره وتنجس بالاضافة ولما كانت هذه الظلمة ضعيفة غير قوية وتأثيرها كاصلها ضعيفا لبقاء الروح والتفاته لا يلزم غسل كل الاعضاء والجوارح كالميت وخروج المني وامثالهما فيكتفي ببعض الاجزاء كما ياتي ان شاء الله وكذلك القول في المغمي عليه وشارب المسكر ( الخمر خ‌ل ) المزيل للعقل وامثال ذلك فظهر لك مما بينا ان النجاسة التي يجب ازالتها للصلوة والاقبال على الله سبحانه وتعالى على انحاء وانواع منها ما هي على ظاهر الجسد واللباس وهذا يغسل بالماء المطلق ( المطلق او بغيره خ‌ل ) على ما هو عليه وهو التطهير عن نجاسة الخبث وهي المعاصي الصغيرة من باب اللمم الذي تصيب المؤمن من جهة اللطخ العرضي الجزئي وهذه تكفر بالآلام والمحن الدنيوية ولا تبقى الى البرزخ ولا الى يوم القيمة وان لم يتب عنها قال تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ومنها ما هي على باطن الجسد لا على ظاهره وهذه على قسمين احدهما ما هي سارية في كل الجسد والبدن وهذه هي الحدث الاكبر ويحتاج تطهيرها الى غسل البدن كله مع النية القربة الى الله تعالى لما ذكرنا وهذه هي المعاصي الكبيرة لا عن القلب اي القلب يكرهها ويراها قبيحة وهي التي لا تكفرها الآلام الدنيوية ومحنها بل لا بد من التوبة القلبية او عذاب البرزخ ولا تبقى الى يوم القيمة وهذه النجاسات ستة انواع فتكون الاغسال الواجبة ستة ولما كان الغسل لتطهير درن النجاسة الحاصلة من المعصية الحاصلة من النفس الامارة بالسوء وكانت النفس في المراة ضعف ما كان في الرجل لان الله سبحانه خلقها من جزء واحد من العقل وجزئين من النفس والرجل خلقه بالعكس على ما فصلنا في ساير مباحثاتنا واجوبتنا اختصت المراة بثلثة اغسال لم يشاركها الرجل وهي بازاء الجزء المختص بها من النفس وهي غسل الحيض والنفاس والاستحاضة وشاركت الرجل في الثلثة الاخرى وهي الجنابة وغسل الميت وغسل مس الميت وهي بازاء الجزء المشترك وانما كانت الاغسال ستة لانها تطهير مقتضى الماهية الخبيثة وحدودها ستة وهي الكم والكيف والجهة والرتبة والزمان والمكان فغسل الميت دليل لمعصية الكفر فان الكافر ميت والمؤمن حي قال الله تعالى افمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا الآية يخرج الحي من الميت الآية وهو قلبه نجس وصدره نجس وجسمه نجس فله ثلثة اغسال اي ادخال الايمان ورسوخه في المقامات الثلثة وغسل الجنابة للتطهير عن الكبائر التي تستقل بها النفس كالحسد وحب الرياسة وامثالهما فله غسل واحد لان قلبه طاهر وجسده ذاهل او تابع وساير الاغسال للتطهير عن الكبائر التي للنفس والجسد له مدخلية كالزنا وشرب الخمر وامثال ذلك فله الغسل للنفس لانها الكبرى والوضوء للجسد لانه الوجه الاضعف والجهة الصغرى فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وثانيهما ما ليست بسارية في كل الجسد اي باطنه لضعفها وضعف تأثيرها وهي الحدث الاصغر ولا يحتاج تطهيرها الى غسل البدن كله بل يكفي غسل البعض ولا يرتفع الحدث الاصغر والاكبر الا بالماء المطلق اما غير الماء فلعدم نفوذه الى الباطن والمراد تطهيره لا الظاهر واما الماء المضاف فللخلط والغلظة ايضا لا ينفذ في المسامات الضيقة اذا نفذت ايضا كالادهان الحادة او غيرها لا يطهر لضعفه وتكدره بخلط الغير وبعده عن السماء لان الماء كله قد نزل من السماء كالعيون والآبار والانهار وغيرها فافهم وما قال الصدوق بجواز الغسل بماء الورد فساقط عن الاعتبار عند اولي الابصار والحديث المروي فانما هو مما تفرد به عيسى بن عن يونس بن عبدالرحمن وكان لا يعمل الصدوق بمتفرداته وفاقا لشيخه ابن ‌الوليد ولكنه قد عمل هناك ولم يعمل به احد من الاصحاب فالحديث وارد مورد التقية فيراد منه التاويل ولا يناسب الآن ذكر تأويله لارتياب الملحدين واما الاسئار فيكره استعمالها في الوضوء والغسل للبعد المذكور وعدم بقائها على صرافة الطهارة والماء المشمس يورث البرص وما سوى ذلك فهو المختار المباح لرفع الحدث الاكبر والاصغر واذا فقد الماء ولم يوجد جعل بدله التمسح بالتراب لما فيه من كمال الخضوع والذلة والمسكنة للمعبود اذ ليس ادنى من التراب شيء فيكون جهة الخضوع والذلة في التمسح به اكثر واعظم ولذا كان السجود افضل اركان الصلوة كما ياتي الاشارة اليه ان شاء الله واما مسحه بالجبهة لانها اشرف المواضع الظاهرة في الانسان وبيان انه يسم ناصيته بوسم العبودية والذلة والافتقار وان نواصي الخلق بيده يديرها حيث يشاء كما قال تعالى وما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ولان التراب الطيب هو ظل ارض الجرز والبلد الطيب وهو الحامل لماء الوجود وهو علة التكوين والتكون وليس اقرب الى الماء شيء سوى التراب فكان بدله البتة ويمسح به ناصيته لما عرفت ويديه من الزندين لان اليد هي ظهور القدرة التامة فيذلل عنده تعالى اشرف اعضائه واعظم ما فيه من القوة والقدرة والشوكة فمع هذا التذلل الزايد يسوغ له الدخول في الصلوة مع الحدث الباطني الذي اشرنا اليه فاذا وجد الماء وتمكن من استعماله وجب عليه الوضوء او الغسل ولا يعيد الصلوة فافهم واما خصوصية غسل الاعضاء المعلومة ومسحها في الوضوء فقد روى الصدوق في الفقيه انه جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله فسالوه عن مسايل وكان في ما سئلوه اخبرنا يا محمد صلى الله عليه وآله لاي علة توضي هذه الجوارح الاربعة وهي انظف المواضع في الجسد قال النبي صلى الله عليه وآله لما ان وسوس الشيطان الى آدم عليه السلم دني من الشجرة فنظر اليها فذهب ماء وجهه ثم قام ومشى اليها وهي اول قدم مشت الى الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها واكل فطار الحلى والحلل عن جسده فوضع آدم يده على راسه وبكى فلما تاب الله عز وجل عليه فرض عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الاربع فامر الله عز وجل بغسل الوجه لما نظر الى الشجرة وامره بغسل اليدين الى المرفقين لما تناول بهما وامره بمسح الراس لما وضع يده على ام راسه وامره بمسح القدمين لما مشي الى الخطيئة انتهى وكتب ابو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلم الى محمد بن سنان في ما كتب من جواب مسايله ان علة الوضوء التي من اجلها صار على العبد غسل الوجه والذراعين ومسح الراس والرجلين والقدمين لقيامه بين يدي الله عز وجل واستقباله اياه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بها الكرام الكاتبين فيغسل الوجه للسجود والخضوع ويغسل اليدين ليقلبهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ويمسح الراس والقدمين لانهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما على كل حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين انتهى

واما خصوصية الغسل الترتيبي فلان الراس هو الطف المواضع الظاهرة واشرفها وفيه وجه القلب الذي به يعرف الشخص لا بغيره فيجب تقديم غسله على كل الاعضاء والرقبة تابعة للراس او جزء منه فتدخل في الغسل معه واما الشق الايمن فهو يحكي عن يمين العرش وهو اشرف من الشق الايسر فيجب تأخير الايسر عن الايمن فالراس بازاء عالم الجبروت والايمن بازاء عالم الملكوت والايسر بازاء عالم الملك ولما كان الفم لاجل صعود الابخرة والحرارة لا يخلو في الغالب من الاوساخ والكثافات وكذلك الانف لما ينحدر منه من النخامة وغيرها من الاعراض والغرائب كاليد التي يباشر بها الاشياء الجيدة والردية لا تخلو من الوسخ والكثافة امر الشارع عليه السلم وندب المكلفين الى غسل اليدين من الزندين في الوضوء لطهارة الغائط مرتين ولغيرها مرة والتمضمض والسواك والاستنشاق وقراءة الادعية الماثورة ليبلغ الكمال في التصفية وليتوجه الى الله سبحانه ببدن طاهر زكي فليستشعر المصلي ان الله سبحانه اذا كان اعتناؤه لتطهير البدن الظاهري للصلوة هذا المقدار فما ظنك باعتنائه تعالى لتطهير القلب فان به قوام الجسد والاعتناء بتطهيره عن رذائل الاخلاق ومذام الصفات والمعاصي الكبيرة والصغيرة والغفلات الظاهرة والباطنة اكثر واعظم بل هذه الطهارة بيان وصفة ودليل لتلك الطهارة ومن اراد معرفة كيفية تطهير القلب وتخليته عن الرذائل وتحليته بالفضايل فليرجع الى الرسالة التي كتبناها لبعض العلماء من الاذكياء في هذا الشان وذكرها هنا يوجب التطويل هذا مجمل القول في الطهارة واسرارها وهي المقدمة الاولى للصلوة

اما المقدمة الثانية فهي ستر العورتين في الصلوة فلا تجوز عريانا الا عند الضرورة فحينئذ يصلي قاعدا ويؤمي للركوع والسجود واما سره وحقيقته فاعلم ان الله سبحانه واحد في الذات والصفات والافعال والعبادة فالعابد يجب ان يرى معبوده واحدا لا يشاركه شيء في المعبودية ولا يكون كذلك الا ويرى الاشياء مضمحلة باطلة فانية لا استقلال لها ولا تذوت والا لوجد مستقلا سواه فلا يكون هو المعبود دون ماعداه ولما كان بين المدرك وجهة الادراك لا بد من المناسبة وجب ان يجعل الله سبحانه في العبد قوة الهية بسيطة وحدانية يدرك الواحد المضمحل عنده سواه والباطل عنده ماعداه ليصح له التوجه الكامل البالغ الى الواحد المغيب لظهوره كلما عداه والا لا يمكنه ذلك وتلك القوة التي بها تقام مراسم العبودية هي العقل وهي الذي عبد به الرحمن واكتسب به الجنان وهي قوة الهية تدرك معاني الاشياء واسرارها اي الامر الواحد الذي له الشئون المتكثرة والاضافات المختلفة وهي الناظرة الى شجرة طوبي وسدرة المنتهى وبها تعبد الله سبحانه اذ لا ترى هذه القوة امورا متكثرة مختلفة ليجعل له تعالى الشريك والوزير ولذا ترى العبادة والصلوة تدور مدار العقل فمن بلغ حد ظهور العقل والرشد فهو المكلف العابد لله ومن لم يبلغ او طرء له الجنون وزال عقله فليس بمكلف ولا يجوز له التكليف اذ ليس له ذلك النور الوحداني الذي به يوحد الله سبحانه ويعبده ويعرض عمن سواه ولكن الله سبحانه جعل لظهور آثار هذه القوة مراكب وهي النفس والجسم وهما له بمنزلة المركب ويحمل اثقاله الى بلد لم يكن بالغه الا بشق الانفس وهما لدناءتهما وبعدهما عن المبدء لا يدركان الا الامور المختلفة المتكثرة ولا يميلان الا الى الشهوات المخالفة لارادة الحق سبحانه فيجب سترهما واخفاء شهواتهما والاعراض عما يقتضيان من اللذات الراجعة الى انفسهما في كل وقت سيما في اوقات الصلوات والوقوف للمناجاة بين يدي خالق السموات وباري المسموكات ويجب التوجه والالتفات الى العبادة بنظر العقل فانه لا يرى سوى الله سبحانه ولا يرى مستقلا غيره فتخلص عبادته عن شوب الريا وغرض من اغراض الدنيا وهذا تأويل ان العصير العنبي والتمري لا يطهران الا اذا ذهب ثلثاه وهما نصيبا الشيطان ومحل بوله فان الانسان مثلث احد اضلاعه العقل والثاني النفس والثالث الجسم فلا يؤمن ولا يطهر الا اذا ذهب ثلثاه اي مقتضيات النفس والجسد وشهواتهما وبقي مقتضي العقل وحده فانه لا يحب الا الخير ولا يميل الا اليه فالنفس والجسد هما العورتان اللتان يجب سترهما ولا يستعملان الا في ما امر الله سبحانه فالجسد هو مخرج الغائط للغلظة والكثافة وكونه من فضول الهضم الاول بالاتفاق والنفس هو مخرج البول لرقة البول ولطافته وكونه من الهضم الثاني عند الاطباء ولذا يصب الماء لتطهير البول مرتين بخلاف غيره ولا يجزي عنه الا الماء بخلاف الغائط فان الاحجار يجزي عن الماء بالشروط المعلومة الا ان الهيئة اختلفت في الرجال والنساء لان النساء لما كانت جهة النفس فيهن غالبة ومقتضاها عندهن اكثر من الرجال ظهر المخرج على هيئة ورق الآس كهيئة الارواح في العالم الاول فان الروح جهة الربط بين العقل والنفس مثل ذلك الموضع واما الرجال فلما كانت جهة العقل فيهم اعظم ومقتضاه عندهم اكثر ولهم الهيمنة على النساء ظهر المخرج على هيئة ظهور العقل وهو الالف القائم لبيان ان النفس في الرجال وهم المؤمنون كالكلب المعلم او انها اطمانت في طاعة العقل حتى تزيت بزيه وتلبست بلباسه قال الشاعر ونعم ما قال :

رق الزجاج ورقت الخمر فتشاكلا وتشابه الامر

فكانما خمر ولا قدح وكانما قدح ولا خمر

فافهم والمؤمن رجل والكافر انثي قال تعالى وان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم ولما كانت جهة النفس في المراة اكثر لما قلنا من انها خلقت من جزئين من النفس الامارة بالسوء فجهة المهية فيها اغلب والظلمة فيها اغلظ كان كل جسدها عورة لان النفس قد صرت بظهورها في كل الجسد بخلاف الرجل فان جهة النفس فيه ضعيفة فصار ظهور النفس عند التجرد والتجسد في المخرجين خاصة فالمراة كل بدنها عورة يجب سترها الا الوجه وظهر القدمين والكفين اما الوجه فلتوجهها به الى الله سبحانه ولتوجه الله اليها به لانه وجه القلب والقلب محل نظر الله فتاثير النفس فيه ضعيف واما الكفان لتقلبهما الى الله سبحانه بالتضرع والابتهال والخضوع والخشوع ومدهما للسؤال واما القدمان لتسعى بهما الى طاعة الله سبحانه وتمشي بهما الى محل قربه ورضاه واما الساتر فيجب الا يكون نجسا ولا مغصوبا اما النجاسة فلما قلنا سابقا من انها جهة الاعراض عنه سبحانه فتضاد حال الاقبال اليه فيجب رفعها وازالتها واما الغصب فلانه ظلم والظلم غير جهة الحق سبحانه فلا يصح ان يكون في الصلوة التي هي جهته سبحانه ويجب ايضا الايكون من جلد ما لا يؤكل لحمه ولا من صوفه ولا من شعره ولا من وبره ولا ان يكون ملطوخا بشيء من روثه وبوله لان الحيوانات التي لا تؤكل لحومها انكرت ولاية اولياء الله ومعاداة اعدائه وهذا الانكار ان كانت في الظاهر والباطن فهي نجسة كالكلب والخنزير وان كان الانكار في الباطن دون الظاهر فان كان الاقرار الظاهر قويا بظهور آثاره بحيث غلب نوره العرضي على ظلمته الذاتية فهذا يكون في الباطن نجسا حراما يظهر ذلك اذا رد كل فرع الى اصله ويكون ظاهره طاهرا حلالا وذلك كما ورد في العصفور من انها عمري مع ان لحمه حلال وهو طاهر وان كان الانكار في الباطن والظاهر الا انه اصابه لطخ من فاضل طينة المقرين فهذا القسم حرام لحومها ولكنها طاهرة لمكان ذلك اللطخ فاذا عرفت هذا عرفت ان شيئا من اجزائها ولحومها وفضلاتها لا يجوز ان يكون مع المصلي لان الصلوة صرف التوجه الى الله سبحانه بخلوص الظاهر والباطن عن شوب كل ماعداه سبحانه كما قال فاعبدوا الله مخلصين له الدين والصلوة راس العبادة واصلها وذروتها وسنامها فكيف يكون في حال الصلوة يصحب معه شيئا يكرهه الله سبحانه وتعالى وقد عرفت ان ما لا يؤكل لحمه مااخلصت لله سبحانه وتعالى العبودية وما اذعنت له بالطاعة فصار باطنها كظاهرها كما قال تعالى ناكسوا رؤسهم عند ربهم وقد استثني من هذا القسم الخز والسنجاب لقوة اللطخ العرضي النوراني فيهما حتى تنورا فطهر جلدهما بذلك النور وضعف ظهور ظلمة الادبار فيهما فصح للمصلي ان يلبسهما وان كانا في الباطن ظلمة الادبار مستولية عليهما وسبيلهما سبيل التمر والعنب فان ابليس قد بال عليهما واستجن بوله في باطنهما يظهر نتنه ونجاسته اذا اصابتهما النار واما قبلها فهما طاهران حلالان يؤكلان وذلك لما ذكرنا لك من غلبة حكم الظاهر على حكم الباطن ويحتمل ان يكون الخز والسنجاب في الباطن مؤمنين وانكارهما في الظاهر الا ان حكم الباطن مااضمحل بالكلية في حكم الظاهر كما اضمحل في كلب اصحاب الكهف واقسام الحيوانات في الحلية والحرمة والطهارة والنجاسة ليست منحصرة اصولها وعللها بما ذكرنا وانما هنا تفاصيل عجيبة واسرار غريبة لا يسعني الآن بيانها اذ ما ( لا خ‌ل ) كلما يعلم يقال فان من الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل ومن العلم ما تحتمل ومنها ما لا تحتمل نعم ما ذكرنا وجه مما لم نذكر فافهم ولا يجوز للرجال لبس الحرير والذهب في الصلوة خلاف المراة فان ما عدا ما ذكرنا يجوز لها ان تلبس كيف شائت وحقيقة الامر في ذلك ما ذكرنا سابقا من ان الرجل خلقه الله سبحانه من جزئين من العقل وحكم العقل عليهم مستول غالب ولما كان العقل هو اول مؤمن بالله واول مقر له بملكة الربوبية ورقة العبودية كان اشد الاشياء واعظمهم خضوعا لله سبحانه وذلة بين يديه فكان مسكنه التراب وذلك ابوتراب ولذلك كان طبيعته باردة يابسة وزحل الذي هو النجم الثاقب هو الكوكب المنسوب اليه وهو نحس على اهل الدنيا يامر بالزهد والخضوع والخشوع والاعراض عن الدنيا والاراضي والحبوب والنباتات منسوبة اليه فاذا كان كذلك فالعقل لا يطلب الا ما يناسبه من لباس الخضوع والخشوع والذلة وهي ما ينسج من نبات الارض بلا واسطة كالقطن والكتان وامثالهما او ما يقوم مقامهما ( مقامها خ‌ل ) في الذلة والمسكنة والبرودة واليبوسة كالجلود والاصواف والاوبار والاشعار مما يؤكل لحمه من الحيوانات اذا كانت ذكية ولا تكون ( لا يكون خ‌ل ) ميتة لانها طيبة طاهرة خاضعة لله سبحانه بسر العبودية ناظرة الى التراب حياء وخوفا من الجبار قهار البرية فليس في جلودها واصوافها واوبارها شيء ينافي الاخلاص والعبودية فيتلائم العقل ويناسبه واما الحرير فانه ماخوذ من الابريسم وهو تكون من الدودة المعروفة وهي مما لا يؤكل لحمه فيكون الابريسم في المعنى والحقيقة فضلة منها مع ان الابريسم والحرير زينة اهل الدنيا فلا يلائم العقل والدودة قيل روي انها من الديدان التي كانت في بدن ايوب عليه السلم لما ابتلاه الله سبحانه حين شك وبكى فقال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله تعالى اليه اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول امر عظيم وخطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب الى بالطاعة لامير المؤمنين فتكون تلك الديدان قد تكونت من ظلمة الادبار الجزئي الاضافي فالابريسم فضلة منها ولذا كان زينة الدنيا فلا يصحب الحرير الكامل في الخضوع والاقبال والمتمحض في الاخلاص المتوجه اليه تعالى بالغدو والآصال كما هو شان العقل في جميع الاحوال واما الذهب فلانه وان كان من المعادن وهي ادنى من النبات ( النباتات خ‌ل ) الا انه لا يلائم العقل في الطبيعة والاقتضاء اما الطبيعة فلان الذهب حار رطب على القول المختار وهي ضد طبيعة العقل البرودة واليبوسة واما الاقتضاء فلان مقتضي الذهب الزينة والتجمل والتفاخر ولذا كان في هذه الدنيا محبوب اعداء الله ومعظما عندهم كما اشير اليه في قوله تعالى حكاية عن فلان فلولا القى عليه اسورة من ذهب او جاء معه الملائكة مقترنين ومقتضى العقل الزهد والاعراض عن زخارف الدنيا وزبرجها ولذا منع من تزخرف المساجد والمصاحف فلا يجتمع المقتضيان ابدا فلا يصح للرجل الغالب عليه حكم العقل ومقتضاه ان يلبس حال الصلوة الحرير ولباس الذهب الا اذا اضمحل الحرير في غيره مما يصح فيه الصلوة واما المراة فلما كان حكم النفس عليها غالبا وهي انما اعدت للزينة والتجمل وطبعها في هذا اللحاظ حار رطب ولذا كان كوكبها الزهرة ميالة الى اللهو واللعب ما دام استيلاء حكم النفس الامارة فيناسب كينونتها ويلائم طبيعتها لبس الحرير والذهب فابيح لها ذلك ولما كان العقل هو النور الابيض ويستمد من حجاب اللؤلؤ عن يمين العرش الاعظم الاعلى فاللباس البيض هو اولى بمقامه ولذا استحب للمصلي ذلك فاذا عرفت ان النفس هي العورة كالجسد فاللباس الذي يستر هذه العورة هو لباس التقوى وبها تستر قبايح النفس وعيوبها يوم القيمة يوم يقوم الناس لرب العالمين فانها يوم يؤتي بالاعمال كهيئتها في الدنيا فياتون بالزاني حال زنائه وباللاطي في تلك الحالة وبالسارق حين يمد يده الى السرقة وهكذا ساير الاحوال والاوضاع فمن تلبس بلباس التقوى فعورته مصونة وعيوبه وسوأته مغطاة مخفية ومن ليس عليه ذلك اللباس فعنده الفضيحة الكبرى والشناعة العظمى نستجير بالله من ذلك فلباس هذه الدنيا دليل وآية للباس التقوى فالمتوجه الى الله سبحانه والمقبل عليه كيف يواجهه تعالى بصلوته التي هي معراجه بعورة مكشوفة بادية وهي وجه الغير وعلة الكدورة واصل الاعراض وفي تحقيق هذا اللباس لنا كلمات عجيبة ليس لي الآن اقبال لذكرها فتركها اولى

المقدمة الثالثة في الاوقات وخصوصياتها لفعل الصلوة في الفقيه عن الحسن بن عليّ بن ابيطالب روحي لهما الفداء وعليهما السلم انه قال جاء نفر من اليهود الى النبي صلى الله عليه وآله فسئله اعلمهم عن مسائل وكان مما سئله اخبرني عن الله عز وجل لاي شيء فرض هذه الخمس صلوات في خمس اوقات على امتك في ساعات الليل والنهار فقال النبي صلى الله عليه وآله ان الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فاذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شيء دون العرش بحمد ربي جل جلاله وهي الساعة التي يصلي عليّ فيها ربي جل جلاله ففرض الله سبحانه عليّ وعلى امتي فيها الصلوة وقال اقم الصلوة لدلوك الشمس الى غسق الليل وهي الساعة التي يؤتي فيها بجهنم يوم القيمة فما من عبد مؤمن يوافق تلك الساعة ان يكون ساجدا وراكعا وقائما الا حرم الله جسده على النار واما صلوة العصر فهي الساعة التي اكل آدم فيها من الشجرة فاخرجه الله عز وجل من الجنة فامر الله عز وجل ذريته بهذه الصلوة الى يوم القيمة واختارها لامتي فهي من احب الصلوات الى الله عز وجل واوصاني ان احفظها من بين الصلوات واما صلوة المغرب فهي الساعة التي تاب الله عز وجل فيها على آدم عليه السلم وكان ما بين ما اكل من الشجرة وبين ما تاب الله عز وجل عليه ثلثمائة سنة من ايام الدنيا وفي ايام الآخرة يوم كالف سنة ما بين العصر والعشاء وصلى آدم عليه السلم ثلث ركعات ( ركعات ركعة لخطيئته وخ‌ل ) ركعة لخطيئة حوى عليها السلم وركعة لتوبته ففرض الله عز وجل هذه الثلث ركعات على امتي وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء فوعدني ربي عز وجل ان يستجيب لمن دعاه فيها وهي الصلوة التي امرني ربي بها في قوله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون واما صلوة العشاء الآخرة فان القبر ( للقبر خ‌ل ) ظلمة ويوم القيمة ظلمة امرني ربي عز وجل بهذه الصلوة لينور القبر وليعطيني وامتي النور على الصراط وما من قدم مشت الى صلوة العتمة الا حرم الله عز وجل جسدها على النار وهي الصلوة التي اختارها الله تقدس ذكره للمرسلين قبلي واما صلوة الفجر فان الشمس اذا طلعت تطلع على قرني شيطان ( الشيطان خ‌ل ) فامرني ربي عز وجل ان اصلي قبل طلوع الشمس صلوة الغداة وقبل ان يسجد لها الكافر لتسجد امتي لله عز وجل وسرعتها احب الى الله عز وجل وهي الصلوة التي تشهدها ملئكة الليل وملئكة النهار انتهى اعلم ان الكلام على المواقيت واحد تكونها ومنشأ حقيقتها طويل الا اني اشير اليها اشارة كافية حسب ما اشير اليه في هذا الحديث الشريف صلى الله على قائله اعلم ان الظهر هو اول وقت خلقه الله سبحانه في العالم لم يسبقه وقت ابدا كما عن الرضا عليه السلم ان الله سبحانه لما خلق العالم كان طالع الدنيا السرطان والكواكب كانت في اشرافها وشرف الشمس في التاسع ‌عشر من برج الحمل فاذا كان الطالع السرطان كان الرابع الحمل فيكون الحمل هو وتد السماء اشرف الاوتاد الاربعة وشرف الشمس في الحمل والشمس في شرفها فيكون الشمس في اول الانحراف عن دائرة نصف النهار وهو وقت فريضة الظهر وهو اول وقت المبدء ولذا سمي ظهرا لكون الشمس في غاية الظهور في اقطار العالم لانها اذا لا شرقية ولا غربية نور على نور وهو الوقت الذي يسبح الله كل شيء وتفتح ابواب الخير لفوران فوارة النور على حدود المقادير في ذلك الوقت وترد الافاضات على قوابل الكائنات ولذا يستحب ان يقول العبد في ذلك الوقت سبحان الله لا اله الا الله الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ولما كانت الصلوة اشرف الوصلات الى الله تعالى واعلى مهابط فيضه ومنار قدرته لانها التوجه الكامل الى الله عز وجل بكل الكينونة وجبت في ذلك الوقت الذي هو منشأ الخيرات وينبوع الافاضات وهي اول صلوة فرضت في الوجود ولذا كان الابتداء في القضاء من صلوة الظهر لمن جهل ترتيب فوات الصلوات منه ولما ان الله سبحانه نفذت مشيته وسبقت كلمته واقتضت حكمته ان يقدم الليل على النهار ويستولي الظلمات على النور ويجعل للباطل دولة اتماما للحجة عليهم واكمالا للنعمة على المؤمنين وكل على الشمس سبعين ‌الف ملك يجذبونها اخذ بكل شعاع منها خمسة ‌آلاف من الملئكة فامرهم ان يميلوا بها نحو المغرب انفاذا لمشيته واعلانا لكلمته فلما مالوا بها نحو المغرب ظهر الفتور والضعف في ظهور نور الشمس واشراقها وتلألأها ولمعانها فخلق الله سبحانه الظن في ذلك الوقت كما انه خلق اليقين في وقت الظهر وهو وقت منشأ ظهور الظلمات وهو الوقت الذي خلق الله فيه المراة معتصرة من الرجل ولذا سمي عصرا او لانه من الاعصار الذي فيه نار وهو يناسب الوجه الاول وهو خلق الظن ومبدء ظهور الظلمة والوجهان متناسبان بل مؤد الكل الى واحد فاوجب الله سبحانه الصلوة في هذا الوقت لتكون جابرة لكسر ما يقع في ذلك الوقت من الظلمات ومقوية لما ظهر من الضعف والفتور في حقايق الكائنات ولتكون وصلة في طلب الخيرات ورفع الظنون والخيالات والاهتداء الى سواء الصراط ولما ان الله سبحانه ( سبحانه لما ذكرنا خ‌ل ) قضى غلبة الظلمة على النور امر الله الملئكة الموكلين على الشمس ان يجروها بكلاليب النور حتى واروها في الحجاب فغمسوها في عين حمئة فغلبت الظلمة واستولت على النور مع بقاء حكم النور وعدم اضمحلاله بالمرة وهو يوم الايلاج واول تقارن النور والظلمة وتكافؤهما فخلق الله سبحانه بهذا التكافؤ والاقتران الشك وهو وقت المغرب ويعرف بذهاب الحمرة المشرقية المنبئ عن سقوط القرص بالكلية ولما كان مقام تساوي النور والظلمة وغروب مبدء النور وظهور مبدء الظلمة وعنده فساد الكائنات ووقوع الشك والشبهات اوجب الله سبحانه الصلوة في ذلك الوقت لتكون مقوية لما انهدم من البنية ومتمما لما نقص من نضج الطبيعة فلما غربت الشمس بالكلية ونقص سلطانها عن وجه الارض ونزعت الملئكة عنها نورها وخرت ساجدة تحت عرش ربها ومنعت عن التصرف النوري في عالم الاكدار عند استيلاء الاغيار وذلك عند ذهاب الحمرة المغربية وهو وقت العشاء ويوم الغشيان وهو قوله تعالى يغشي الليل النهار وهو مقام تراكم الظلمات وتصادم الشهوات وتلاطم امواج بحر الانيات وهو الوقت الذي خلق الله فيه الجهل فاوجب الله سبحانه في هذا الوقت الذي هو اشد الاوقات على المؤمن في الكون الثاني واعلى الاوقات واشرفها في الكون الاول فاوجب الله سبحانه الصلوة للحالتين في الكونين لتكون بنورها مذهبة لتلك الظلمات وبحرارة ذاتها محرقة ومفنية لتلك الكثرات ان في ذلك لآيات لاولي الالباب ثم لما قضت الظلمة وطرها وعادت الطيور الى وكرها وآن للقوابل السفلية ان تبطل وتضمحل لاستيلاء البرودة وانتقل ( ان تقل خ‌ل ) نضجها لضعف الحرارة قضى الله سبحانه اجابة لطلبات القابليات رفع تلك الظلمات لكونها من الشجرة الخبيثة المجتثة التي ليست لها ثبات ولا قرار فانشق عمود الفجر وعادت الملئكة الى الذكر ورجع الشفع الى الوتر وظهر النور على جبل الطور في الليل الديجور فاوجب الله سبحانه الصلوة في ذلك الوقت شكرا لانعمه واظهارا لكرمه ومننه وقطعا لدابر الظلمة وهو قوله تعالى ان قرآن الفجر كان مشهودا تشهده ملائكة الليل والنهار لان ذلك يوم الايلاج ايلاج النهار في الليل وفي ذلك اليوم خلق الله الجوزهر في فلك القمر وظهرت العقدتان وهما الجنتان المدهامتان فظهر لك من هذا البيان التام والكلام الشامل العام ان هذه الاوقات الخمسة هي مبادي الوجود والشارح لاحوال عالم الغيبة والشهود ومحل ظهور الله سبحانه في الخلق بكلتا يديه اليمنى واليسرى وان كان كلتا يديه يمين ولذا وجبت فيها الصلوة الخمس التي هي اقوى الوسائل واعلى الاسباب الموصلة الى قدرة الله سبحانه وفيضه وقربه ولذا سمي صلوة لانها مشتقة اما من الوصلة او من الصلة اي العطية او من الصلوان والمعاني الثلثة كلها مطابقة لمدلول الصلوة كما سبق فراجع ثم ان الاوقات الخمسة كل منها دليل عالم من العوالم الخمسة التي بها تم الوجود كما ان كل يوم بليلته دليل تمام كل العوالم فالظهر دليل عالم الجبروت وآية ظهور المعاني ومبدء الخلق في الوجود المقيد وعالم العقل وسر النقل وهو اول الزوال اي زوال الشمس الوجود الى مغرب الحدود والقيود والعصر دليل عالم الارواح الوجه الاعلى المتصل بالعقل في كمال السعة والنورانية والوجه الاسفل المتصل بالنفس عالم الكثرة في كمال الضيق فكان على هيئة ورق الآس والعصر ايضا كذلك لان الوجه المتصل بالظهر في كمال الحرارة وقوة النور والوجه الاسفل المتصل بالمغرب في كمال البرودة وضعف النور والمغرب دليل عالم النفس لغروب النور الوحداني الاجمالي فيها وبقاء النور الشخصي المدبر للمقامات الشخصية فلااضمحل النور بالكلية فيها ولا استولي كذلك بل هي كهيئة المغرب و( في خ‌ل ) عالمها بالاضافة الى العالم الاعلى وان كان في عالمها كوقت الظهر فافهم والعشاء دليل عالم الطبيعة لانه مقام كسر الانوار وموت الاحياء واضمحلال الاشباح كما في ما بين النفختين بالنسبة الى عالم الجسماني فلا حس ولا محسوس كما كان في وقت العشاء الآخرة قد سكنت الحواس وهدات الاصوات وتراكمت الظلمة التي هي طبع الموت واستولت على النور الذي هو طبع الحيوة وماتت الاشياء بموت النوم او الحقيقي ولذا كان الموت غالبا في الليل دون النهار الا اذا كان المقتضى قويا فان قلت لم كان وقت صلوة العشاء من ذهاب الحمرة المغربية الى نصف الليل بل كان ينبغي على الوصف الذي ذكرت ان يكون من ذهاب الحمرة الى الصبح قلت لان من ذهاب الحمرة تأخذ الظلمة في الاستيلاء والقوة والشدة الى نصف الليل وبعد ذلك تميل قاعدة المخروط الظلماني عن سمت الراس وتأخذ في الاضمحلال والفناء شيئا فشيئا الى ان تفنى وتعدم فكان وقت العشاء الى حد الاستيلاء لا غير فان قلت فعلى ما ذكرت وجب ان يكون وقت المغرب بين ذهاب الحمرتين المغربية والمشرقية مع ان وقت صلوة المغرب يمتد مقدار اداء صلوة العشاء من نصف الليل او مقدار اداء اربع ركعات من نصف الليل قلت ذلك وقت الفضيلة حتى قال بعضهم يتعين الوقت في ذلك وساعدته اخبار كثيرة وهو الاحوط الا ان المشهور الاول لكمال القرب بين العالمين ووقوع الموت بالمعنى الباطني في عالم النفس ايضا اذا كانت النفس امارة بالسوء ومعرضة عن ذكر الحق عز وجل فكان يجري ما يجري في الموت الاعظم في عالم الطبيعة الا ان عالم الطبيعة متاخر وعالم النفس متقدم كما حكم الشارع عليه السلم في صلوتهما من الترتيب والتوزيع والصبح دليل عالم المثال واقترانه بالاجسام فانه اول وقت الظهور والحيوة بعد الموت والبعث بعد النفخة ولما كانت هذه العوالم هي اصول العوالم ومبادي الموجودات وفي كل عالم يعبد الله سبحانه وتعالى فيه والعبادات كلها مطوية في الصلوة جعل الشارع عليه السلم في الاوقات الخمسة الصلوة بيانا وشرحا لعبادة كل عالم بحسبه فافهم ونزيدك ان شاء الله تعالى في ما بعد من هذا الكلام شيئا يسيرا عند عدد الركعات فترقب اما معرفة الزوال فقد روي عن ابي عبد الله عليه السلم انه قال تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف من آب على قدمين ونصف وفي النصف من ايلول على ثلثة اقدام ونصف وفي النصف من تشرين الاول على خمسة ونصف وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من كانون الاول على تسعة ونصف وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من اذار على ثلثة ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من ايار على قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم انتهى وهذا التحديد يكون في بلاد يكون العرض اكثر من الميل الكلي واما البلاد التي عرضها يساوي الميل او اقل منه لا يجري عليها ما ذكره اذ في الاول ينعدم الظل في النصف من حزيران وهو اول السرطان وهو مقام غاية بعد الشمس عن معدل النهار وفي الثاني ينعدم الظل يومين يوم قبل النصف من حزيران ويوم بعده وفي النصف من حزيران قد يكون اقل من نصف قدم وقد يكون اكثر على حسب الدرجات ثم ان هذا التحديد لا يجري ايضا في كل البلاد التي عرضها اكثر من الميل الاعظم وانما هي في اطراف العراق التي بعدها اقل والتفاوت منه الى تمام الميل اقل كما في عراق العرب وقد نقل المجلسي عن البهائي (ره) انه قال اني جربت هذا التحديد في النجف الاشرف وجدته تقريبيا وذكر المجلسي انه في اصفهان ايضا تقريبي انتهى والظاهر ان التقريبي يكفي في هذا المقام لبيان الامام عليه السلم وسكوته عن التفصيل الا المواضع التي يكون التفاوت فاحشا بينا يعرفه الاغلب فان المدار في امثال هذه المقامات العرف سيما مع بيانه عليه السلم واهماله التفصيل لانهم قالوا عليهم السلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر باشياء ونهي عن اشياء وسكت عن اشياء وليس سكوته عنها جهلا فاسكتوا عما سكت الله وابهموا ما ابهمه الله وقال الصادق عليه السلم تبيان زوال الشمس ان تأخذ عودا طوله ذراع واربع اصابع فتجعل اربع اصابع في الارض فاذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس وتفتح ابواب السماء وتهب الرياح وتقضي الحوائج العظام انتهى وبطريق آخر هو انك اذا عرفت قبلة البلد وعرفت مقدار قوس انحرافه عن القطب اما الجنوبي او الشمالي الى المشرق او المغرب تنحرف بقدر تلك القوس الى تلك الجهة وتجعل لكل درجة اصبعا فاذا كانت قوس الانحراف اثني عشر درجة كما في الكوفة وبغداد تقريبا مثلا وانحرافهما من الجنوب الى المغرب فتنحرف شبرا عن القبلة من موضع سجودك الى موضع قدمك وتنظر الى الشمس فاذا كانت على ( على الحاجب خ‌ل ) الايمن فقد زالت الشمس ووجبت الصلوة انتهى وهذه القاعدة تعين الزوال لمن عرف القبلة وتعين القبلة لمن عرف الزوال وان لم يعرفهما ينظر الى الجدي حال ارتفاعه او حال انخفاضه بالليل فيقابله بحيث يحاذيه اي يجعله بين العينين ثم يرسم خطا بازائه في الارض او يضع علامة اخرى ثم يستدبر عنه ويقابل العلامة فانه يقابل نقطة الجنوب ثم بقدر قوس الانحراف ينحرف عنه يمينا او شمالا فذلك سمت القبلة ثم ينظر على تلك العلامة الشمس في النهار فاذا كانت على الحاجب الايمن فهو وقت الزوال وهذا لا اشكال فيه فان العلماء ذكروا قسي الانحرافات وعينوها وضبطوها فمن عرف طول البلد وعرضه يمكنه استخراج قوس الانحراف بقياس طول البلد وعرضه الى طول مكة وعرضها وكيفية الاستخراج مذكورة في كتب علماء الهيئة وربما اشرنا هنا في مبحث القبلة وربما لم نشر لان المطلوب من وضع هذا الكتاب ثبت ما لم يكتبه غيري واما الذي كتبوه ورسموه فلا فائدة اذن في ثبته لان الوقت اضيق من ذلك الا ان يكون من باب التصحيح او الجرح او امثالهما

المقدمة الرابعة في القبلة واسرارها اعلم ان القبلة هي وجه العبد الى الله تعالى اي جهة توجهه اليه تعالى اي جهة يتوجه بها الى الله سبحانه لما علم بالضرورة ان ذات الحق سبحانه وتعالى لا يتوجه اليها من حيث نفسها لاحتراق الاشياء لديها بل لدي ظهور نور عظمتها كما احترقت بنو اسرائيل وخر موسى لما تجلى لهم نور بقدر سم الابرة من نور رجل من الكروبيين الذين هم ادنى العبيد بالنسبة اليه تعالى وهو نور رجل من شيعة آل محمد عليهم السلم كما في البصائر عن الصادق عليه السلم فلا يتوجه اليه سبحانه بذاته وانما التوجه به اليه بنور قدسه وتجلي كلمته وظهور صنعه وآثار قدرته واشباح عظمته والعبد له حالتان لا يخلو منهما احديهما حالة الفناء والاضمحلال عند سطوع اشعة انوار الجلال والجمال فلا يجد نفسه ابدا وانما يشاهد ربه بنفسه التي هي وجه ربه له به قال امير المؤمنين عليه السلم بل تجلى لها بها فلا كلام عن هذا المقام لانه ليس مقصودنا هنا وثانيهما حالة الفرق ومشاهدة النفس فانه حينئذ ( حينئذ يجد خ‌ل ) نفسه ويجد ربه فيعبده ولا يشرك به شيئا فيجب حينئذ ان يكون له رابطة فيض من مبدئه اليه وان كانت في الصورة الاولي هذه الرابطة موجودة الا انها غير منظور فيها ولا ملتفت اليها فيلتفت اليها من غير الالتفات اليها كما قال مولينا الحسين عليه السلم حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وتلك الرابطة والواسطة هي وجه مبدئه اليه يصل الفيض بها اليه حيث لا يقدر على التلقي منه تعالى بلا واسطة لكمال دناءته وكمال عزته ومنعته وتلك الواسطة لا تكون الا مبدء وجوده لبطلان الطفرة فذلك الوجه هو القبلة التي بها يتوجه العبد الى الله تعالى وقد ثبت بالادلة القطعية ان محمدا وآله عليهم السلم هم مبدء الوجود وقد خلقهم الله سبحانه قبل ان يخلق الخلق بمائة ‌الف دهر كل دهر مائة ‌الف سنة وكل سنة مائة ‌الف شهر وكل شهر مائة‌ الف جمعة وكل جمعة مائة‌ الف يوم وكل يوم مائة‌ الف ساعة وكل ساعة كالف سنة مما تعدون واستغفر الله عن التحديد بالقليل ثم خلق الخلق من فاضل نورهم وشعاعهم كما قال النبي صلى الله عليه وآله ما معناه ان الله خلق العرش والكرسي من نوري فنوري والله اشرف من العرش والكرسي وخلق الملئكة من نور عليّ عليه السلم فنور عليّ عليه السلم والله اشرف من الملئكة وخلق السموات السبع والارضين السبع من نور فاطمة عليها السلم فنورها والله اشرف من السموات والارض وخلق الشمس والقمر من نور الحسن عليه السلم فنور الحسن والله اشرف من الشمس والقمر وخلق الجنة والحورالعين من نور الحسين عليه السلم فنور الحسين والله اشرف من الجنة والحورالعين انتهى فاذا تدبرت وجدت ان هذه المذكورات هي كل الوجود او مباديه التي وجدت باقي الاكوان وتكونت باقتران بعضها ببعض فاذا كان كذلك فهم مهابط فيض الله ومعادن حكمته وينابيع قدرته ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليهم ويصدر من بيوتهم الصادر لما فصل من احكام العباد فهم قبلة الآفاق وباب الله للخلايق على الاطلاق فلا يتوجه متوجه الى الله تعالى الا بهم وفي الزيارة من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وقالوا عليهم السلم نحن وجه الله الذي به يتوجه اليه الاولياء وهم المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان فكانوا عليهم السلم قبلة اهل كل عالم بحسبه الى ان ظهروا في العالم الجسماني بالهياكل البشرية ولما كانت الصلوة هي جهة توجه العبد الى الله تعالى بكل كينونته ومنها الآلات الجسمانية فوجب ان تكون وجه الاجسام وقبلتها ومبدءها منها فوجب التوجه اليه تعالى في الصلوة بذلك المبدء ولما كانت اجسامهم المطهرة المنورة عليهم السلم هي مبدء الاجسام والعناصر والاسطقسات وجب ان تتعين للقبلة لكنها ما تعينت لوجهين احدهما لو امر الناس بان يتخذوهم عليهم السلم قبلة كانوا يعبدونهم ويتخذونهم اربابا من دون الله كما عبدوهم واتخذوهم من دون ذلك فكان جعلهم القبلة اعانة لاهل الباطل في باطلهم فكانوا سبب اضلال الخلايق بعد ما جاؤا لهدايتهم وكان فيه توهم الناس انهم يريدون ان يعبدوا من دون الله فجعلوا انفسهم قبلة وكانوا يتمسكون به في تكذيبهم عليهم السلم وكيف كانوا يرضون بذلك مع انه عليه السلم لما امر الخلق بطاعة عليّ عليه السلم والايتمار لاوامره والانتهاء عن معصيته ارتدوا على اعقابهم كفارا حائدين عن الحق فكيف اذا جعلهم قبلة لهم لاكانوا يرضون به ولا تثبت للاسلام كلمة ابدا وثانيهما انهم عليهم السلم لما ظهروا بالهياكل ( في الهياكل خ‌ل ) البشرية جرت عليهم مقتضياتها من الاكل والشرب ( الماكل والمشرب خ‌ل ) والجماع والتنقل عن مكان الى ( الى مكان خ‌ل ) آخر فما كانوا يستقرون في مكان معين حتى يتوجه اليهم الخلق في ذلك المكان وعند الاستقرار واللبث في المكان الواحد لم تنتشر كلمة الاسلام والتوحيد ولم تثبت للدين دعامة كما هو المعلوم مع ما في الاستقرار في المكان الواحد دائما خروج عن مقتضى البشرية فكان في ذلك توهيم وتلبيس على الناس ولو كانوا في امكنة شتى لم يتمكن الخلق من التوجه اليهم حيث كانوا اذ ليست لهم تلك البصيرة ليشاهدونهم عيانا اين كانوا واعطاء هذه البصيرة بكشف الغطاء خلاف ما جرى عليه نظام الخلق وتدبير العالم فلم يبق الا ان يكون جسم من المبادي من سنخ اجسامهم عليهم السلم في الارض وقد قالوا عليهم السلم ان طينتنا خلقت من عشر قبضات خمسة من الجنة وخمسة من الارض فاما الخمسة التي من الارض هي بيت‌ المقدس وارض مكة والمدينة والكوفة وحاير الحسين (ع) وكل من هذه الاراضي صالحة لان تكون قبلة لكونها وجها من وجوههم عليهم السلم الا ان الحاير اشرفها ثم الكوفة ثم المدينة ثم مكة ثم بيت‌المقدس فادناها بيت‌المقدس واعلاها حاير المقدس ( الحسين خ‌ل ) على ساكنه آلاف التحية والشرف فالحاير والكوفة والمدينة لم تقتض المصلحة ان تكون قبلة لوجوه كثيرة منها ما ذكرنا في عدم تعين ابدانهم المقدسة لاشتراك المحذور فان تلك الاماكن كانت منسوبة اليهم من حيث هم ولذا قال الصادق عليه السلم لما قيل له ان ارض كربلا مع كونها اشرف من ارض مكة واعلى منها لم ما صارت قبلة ومقصدا للحجاج والعباد وصارت ارض مكة كذلك مع انها ادنى منها قال عليه السلم كان عليّ عليه السلم يقول لولا ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر بمسح ظاهر القدم كان مسح باطن القدم اولى وهذا الجواب كما ترى اشارة الى ان كربلا كانت اولى بان تكون قبلة ومقصدا للحجاج لان الله سبحانه خلقها قبل خلق الخلق باربعة وعشرين ‌الف عام وانها لم تزل طيبة طاهرة مقدسة وهي اعلى طبقات الجنة لم يسكنها الا الصديقون الا ان الحكم الالهية والمصالح الربانية اقتضت ان تكون القبلة ارض مكة وحقيقة الامر في ذلك ان ارض كربلا بمنزلة القلب وارض الكوفة بمنزلة الصدر في الانسان وارض المدينة بمنزلة الدماغ وارض مكة بمنزلة الوجه وظهور القلب انما كان بالوجه لانه دليله وآيته ولذا لا يعرف الشخص والقلب الا بالوجه ( بالوجه ولا يتوجه الى القلب الا بالوجه خ‌ل ) فهو ظاهر القلب والتوجه اليه هو التوجه الى القلب وكذلك مكة ظاهر كربلا ووجهها ودليلها فالتوجه الى مكة هو التوجه الى كربلا اذ لا يؤتي الى القلب الا من جهة الوجه فلا تؤتي كربلاء لاقامة اداء المناسك وقيام مراسم العبودية الا من جهة ارض مكة فالاتيان الى مكة هو الاتيان الى كربلاء فكانت كربلا هي القبلة لانها اشرف القبضات الا ان ظهورها بمكة ولذا كانت مكة ام القري لان الارض انما دحيت من تحتها لانها حامل ظهور الاصل الذي هو كربلاء لانها اول بقعة خلقها الله سبحانه قبل خلق العالم ولما ان مكة حكت مثالها وظهورها فكانت الارض في مقام الظهور والتفصيل وبروز الاجمال الى التفصيل انما دحيت من مكة فكانت مكة هي القبلة والمطاف ما دامت الدنيا موجودة وبعد خراب الدنيا وقيام القيمة وذهاب القشور وفناء الظواهر ( الظاهر خ‌ل ) ورجوع العالم من عالم القشر الى عالم اللب كان المقصود والمطاف هو ارض كربلاء لدلالة الاخبار على انها اشرف طبقات الجنان التي فيها محمد وآله عليه وعليهم السلم واهل الجنة كل جمعة ياتون لزيارة الرب عندهم عليهم السلم لان من زارهم كان كمن زار الله كما ان الخلق الآن ياتون لزيارة الرب الى مكة فافهم ثم ان كربلاء هي ذكر الحسين ونسبته والكوفة هي ذكر مولينا عليّ عليه السلم ونسبته والمدينة هي ذكر النبي صلى الله عليه وآله ونسبته ومكة هي ذكر الله ونسبته فكان كربلاء واخواتها نسبتها الى مكة كنسبة قرآن كلام الله اليهم عليهم السلم فانهم وان كانوا افضل من القرآن لانهم الذين حملوا القرآن واظهروه في هذا العالم الا ان في القرآن ذكر الله اعظم فكان القرآن يحكي عن الله سبحانه مع انه منهم واليهم عليهم السلم مثلا اذا قلت انا قال الله عز وجل كذا وكذا وقال النبي صلى الله عليه وآله كذا وكذا وقال امير المؤمنين عليه السلم كذا وكذا وقلت انا كذا وكذا فهذه الاقوال الاربعة كلها منسوبة الى ومتقومة بي وصادرة عني الا انك حين التفاتك الى قول الامام عليه السلم ملتفت اليه ذاهل عني فكان ترى صفاته كلها عند الالتفات الى قوله الذي انا حكيت لك لا عند ذاتي ولا عند قولي وكذا حين التفاتك الى قول النبي صلى الله عليه وآله وقول الله عز ذكره فترى ذكرهما عند قولهما الذين حكيتهما عنهما لا غير فتجري كل صفة عند ذكر موصوفها وهكذا الكلام في الاراضي المذكورة فكانت ارض مكة ذكر الله الذي حكاه الحسين عليه السلم بمقامه في ارض كربلاء فلنقبض العنان فللحيطان آذان فما اسعدك لو وفقت لفهم ما ذكرنا من السر الحق والكبريت الاحمر مع انا نقول لو جعلت تلك الاراضي قبلة ما اطاعت الناس لما ذكرنا من معاداة صاحبها والحال فيها فان بين الحال والمحل مناسبة لا تخفى واما بيت ‌المقدس لكونه ضعيفا في القوة والشدة في النورانية لم تصلح لاستمرار القبلة فكان قبلة قبل البعثة وقبل نضج الكينونة لما فيه من رشح طينتهم عليهم السلم فصلح لان تكون قبلة لهم واما بعد نضج البدن وصفاء القلب وقوة المعرفة وجب نسخ كونها قبلة وجعل الكعبة قبلة مستقرة الى فناء الدنيا وبعد ذلك وحصول النضج التام والنور العام والادراك الكامل والعقل الشامل يستقر الامر على الاصل ( الامر خ‌ل ) الواقعي الاولي ويرجع العود كالبدو ويظهر قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصارهم وذلك الساق ساق عليّ بن ابيطالب امير المؤمنين روحي له الفداء كما دلت عليه الروايات وشهد بصحته العقل فرجعت القبلة الى اصلها وحقيقتها لما ذهبت الاغيار وصفت المدارك عن الاكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار ونزيدك ان شاء الله تعالى عن هذا المرام في الحج ولا يجوز استدبار القبلة اختيارا لما ذكرنا واما حال الاضطرار فيبطل حكم الظاهر ويغلب حكم الباطن فيصلي كيف ( حيث خ‌ل ) ما تمكن اينما تولوا فثم وجه الله فافهم واتقن فاذا عرفت ان القبلة الجسمانية وجه من وجوه آل محمد عليهم السلم فلا يصح الصلوة الى الفرع اذا لم يكن التوجه الى الاصل لانهم القبلة الواقعية والسبل الحقيقية فالعبد اذا لم يتوجه بهم الى الله فلا ينفعه التوجه الى القبلة الظاهرية ولهذا نقل المخالف والموالف عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال قال الله تعالى لو ان عبدا عبدني حتى يصير كالشن البالي وحج الف حجة واعتمر الف عمرة وغزا الف غزوة وقتل بين الركن والمقام مظلوما شهيدا ثم ياتيني غير موال لعلي بن ابيطالب عليه السلم مانالته رحمتي واكببته على منخريه في نار جهنم انتهى فانظر ماذا ترى ثبتك الله وايانا بالقول الثابت

المقدمة الخامسة في المكان اعلم ان المصلي حقيقة هو العقل لان مقامه مقام العبادة وهو اول واقف في مقام اياك نعبد واياك نستعين لانه اول مقام الصحو وما قبله مقام السكر والفناء والزوال وفقدان النفس ووجدان الرب ودخوله المدينة على حين غفلة من اهلها فالمصلي هو العقل ولذا ترى المجنون والصبي والنائم والسكران والمغمى عليه لا يصلون فمنهم من ( من لا يمكنهم ومنهم من خ‌ل ) لا يكلفون وان قدروا على تحصيل ( تحصل خ‌ل ) الصورة لان الاصل الذي عليه مدار الصلوة وساير التكاليف مفقود فيهم وهو المكلف بالاصالة حين قال له الحق سبحانه اقبل وادبر وغيره انما كان تكليفه بالتبع والعرض والعقل مكانه ومحله القلب الذي هو عرش الرحمن وبه يقول الشخص انا وظهور العقل الذي في القلب في الدماغ ولما كانت الصلوة هي التوجه الى الله سبحانه بالكينونة فيكون المسجد ومحل الصلوة والعبادة هو القلب فيجب ان يكون طاهرا عن لوث الكفر واضمار ما لا يحبه الله تعالى من الحسد والعجب والكبر وحب الرياسة وامثال ذلك مما مقره الركن الايسر من القلب فانها كلها نجاسات تبطل بها الصلوة لانها معراج المؤمن فلا يعرج القلب مع ما عليه من ظلمات الكفر او الفسق او مطلق ما لا يحبه الله سبحانه ولا يرضاه ولما ان الصورة الانسانية في الهيكل البشري في الجسم الظاهري انما ظهرت على هيئة العقل وكينونته لان شكله الاستقامة والخضوع والتذلل والفناء في البقاء والنعيم في الشقاء والعز في الذل وامثالها مما حكته الصورة الانسانية الظاهرية فالامكنة الظاهرية مما يستقر عليه البدن الظاهري الحامل للصورة الحاكية للعقل وصورته وصفته وهيئته يجب ان تكون طاهرة عن النجاسات وصافية عن درن الظلمات ولما وجب ان تكون الصلوة وساير العبادات صادرة عن قلب خالص مؤمن متقن على بصيرة تامة ومعرفة كاملة عامة في الله سبحانه وصفاته واسمائه ومعرفة انبيائه واوليائه ومعاداة اعداءه ومنكريه والايمان بكلما جاءت به انبيائه واتت به رسله عليهم السلم ولا يصح صدورها عن قلب كافر غير بصير وغير مؤمن بالله سبحانه وتعالى واوليائه ومعاداة اعدائه فيجب ان تكون الصلوة وساير العبادات عن ( على خ‌ل ) قلب مخلص طاهر مؤمن في العالم الاول عن بصيرة حقيقية ومعرفة كاملة في ولاء آل الله ولا تصح اذا كانت عن قلب كافر منافق في العالم الاول ولكنه اصابه لطخ من سنخ قلوب اولياء الله المقتضي للايمان وحسن الاخلاق العرضي الغير الذاتي كالصورة الانسانية التي لغير المؤمن فانها ليست له وانما هي غصب اغتصبها الكافر لحصول مآربه ومقاصده من التعيش والتلذذ في هذه الدنيا واغواء ساير الخلق كما حكي عنهم سبحانه وتعالى ولامنينهم ولآمرنهم اه فما عندهم من النور والخير والصلاح والسداد وفعل اعمال البر كل ذلك من مقتضيات لباس التقوى التي هي مختصة بالمؤمنين قد اغتصبها الكافرون فاعمال هؤلاء عمل على المكان المغصوب لا ينفعهم وانما يضرهم ونفعه يرجع الى صاحب اللطخ واصله اذا رجع كل فرع الى اصله كمن زرع في الارض المغصوبة واتجر بالمال المغصوب وما عند المؤمن من سوء الخلق وسوء الافعال والاعمال فانما هو من لطخ اصاب المؤمن حين اتيانه الى هذه الدنيا فهو من ظلم المنافقين والكافرين واعداء الائمة الطاهرين الا لعنة الله على الظالمين وعلى ما شرحت لك وفصلت ظهرت حقيقة الامر في الايمان المستقر والمستودع والكفر المستقر والمستودع ولا بد ان يزول المستودع ويرجع الامر الى المستقر من الطرفين ولذا تجد الرجل مؤمنا صالحا في كل اوقات عمره بحيث ظن الناس انه من اهل الجنة ثم يختم له بالسوء فيموت على ولاية اعداء الله ومعاداة اولياء الله فيدخل جهنم وبئس المصير اعاذنا الله من ذلك وتجد الرجل كافرا او فاسقا طول عمره حتى ظن الناس انه من اهل النار فيختم له بالخير والسعادة ويموت على ولاية اولياء الله ومعاداة اعداءه فيكون مصيره الى الجنة وهي خير مستقرا واحسن مقيلا وهذا هو مضمون الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله فنور المؤمن عند الكافر غصب وعليه مقر افعاله الحسنة وظلمة المنافق عند المؤمن ظلم وعليها مقر افعاله الخبيثة اعلم ان الاجماع قد حصل على ان الصلوة في الارض المغصوبة والمكان المغصوب فاسدة باطلة واما في غير الغصب مما ورد النهي عن ذلك فعلى القول بان الامر بالشيء يقتضى النهي عن ضده العام وان اجتماع الامر والنهي في الشيء الواحد جائز على اعتبارين يقتضى صحة الصلوة عليه مثل الصلوة في المسجد قبل ازالة النجاسة عنه اذا كان المسجد نجسا ووقت الصلوة متسعا لصحة الاجتماع على القول الاصح وعدم اقتضاء الامر والنهي للضد الخاص قطعا وعلى القول بعدم الجواز لا يجوز فالفريقان اتفقا في المنع عن الصلوة في المكان المغصوب واختلفوا في غيره والسر في ذلك ما اشرنا اليه لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد من ان الغصب في الحقيقة شيء لا اصل ( اصل له خ‌ل ) لذاته وانما هو لغيره والى غيره واما غيره كالصلوة في المسجد قبل ازالة النجاسة فالصلوة قد وقعت على المكان اللايق بها وغاية ما في الباب ان المصلي ترك امرا آخر مهما ليس جزءا للصلوة ولا شرطا وذلك يورث كدورة اخرى في الشخص لا للصلوة وقد يمحيها نور الصلوة اذا اراد الله وشاء التفضل عليه وقد لا يمحيها لانه خارج لا دخل له فيها بوجه بخلاف الغصب وان كانت قاعدة الاجتماع في الامر والنهي وعدم اقتضاء الامر النهي بالوجه الذي ذكرنا تقتضي جواز الصلوة الا انك اذا نظرت الى حقيقة الامر وباطنه وجدت عدم الجواز هنا فان القلب اذا كان مغصوبا يرجع الى اصله فلا ينفع الشخص الحامل ابدا بوجه من الوجوه الا بالامور العرضية الدنياوية وذلك لا يكون مؤسس حكم ومؤصل اصل وكذلك الحكم اذا كان نجسا واما اذا كان الشخص طائعا وفاعلا الخير في مقام وعاصيا فاعلا الشر في مقام آخر فان اعمال هذا الشخص لا ترد عليه ولا تحكم بالبطلان لان الشر لا يحبط الخير ولا يبطله لقوة الخير واجتثاث الشر والاحباط ليس من مذهبنا فاذا عرفت ان المصلي والعابد هو العقل وحده ومحله ومكانه القلب وساير القوي آلات ومراكب للعقل فيكون المسجد في الحقيقة هو القلب لانه محل العبادة ومنه تنشا الى غيره بالعرض ولما كان الرجال فيهم جهة العقل اقوى واكثر وقلبهم اوسع واشرف ولما كان القلب هو الشيء وهو المعبر عنه بانا فكان الرجال هم المساجد وهم البيوت التي تعبد فيها الله ويذكر فيها اسمه وقد قال عز وجل اشارة الى هذا المعنى في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله على قراءة المبني للمجهول في يسبح فيكون الرجال هم البيوت التي اذن الله ان ترفع لان الرجل هو محل العقل لا سواه كما ان النساء محل النفس لا سواهن ومرادي بالمحل في المقامين محل الغالب حتى يكون المغلوب المضمحل في حكم العدم كما يقال ان فلانا صفراوي المزاج وذلك معلوم فاذا كان الرجال هم المساجد فلا شك ان كل من غلب عليه حكم الرجولية ويكون اشرف اي يكون مخلصا في الطاعة لله تعالى يكون هذا المعنى فيهم اظهر ولما كان آل محمد صلى الله عليهم هم المخلصين في توحيد الله والتامين في محبته ( محبة الله خ‌ل ) والمولعين في طاعته فيكونون سلام الله عليهم هم المساجد وهم اشرفها واليهم يرجع قوله تعالى في التاويل وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وهم الذين كانوا لله بحيث قطعوا عن انفسهم وفنت ارادتهم ومشيتهم عليهم السلم في ارادة الله ومشيته ثم بعدهم الانبياء عليهم السلم مساجد لله تعالى يعبد الله عز وجل فيها لان قلوبهم هي محل عبادة العقل وجنوده من الملئكة الصافين المسبحين المهللين المقدسين المستغفرين ثم بعدهم المؤمنون والاتقياء والصلحاء مساجد لله عز وجل ولما كان العالم الاسفل حكاية للعالم الاعلى كما قال مولينا الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فحكى كل ذرة من ذرات العالم السفلي ظهورا من ظهورات العالم العلوي فصار شرفها على مقدار حكاية ذلك الظهور فان كانت الحكاية عن الاعلى في العالم الاول العلوي كان الحاكي اشرف المقامات في العالم الثاني السفلي وان كانت عن الاسفل كان اسفل فالمساجد الثلثة وتوابعها لما كانت منسوبة الى محمد وآله صلى الله عليه وآله كانت اشرف المساجد واعلاها واقربها الى الله عز وجل وادناها وهي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة فالاول منسوب اليهم من حيث باطنهم وسرهم الذي هم فيه آيات الله وكلماته ومقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان فكان المسجد لهذه الجهة منسوب الى الله عز وجل بهم لكن في مقام الاسم الفاعل والاسم عند ظهور الذات مضمحل كما اذا قلت يا قائم لا تتوجه الا الى الذات ولا تلتفت الى الصفة ولا الى جهتها ومن هذه الجهة كانت الصلوة فيه يعادل الف ‌الف صلوة كما عن النبي صلى الله عليه وآله على ما رواه في الفقيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصلوة في مسجدي كالف صلوة في غيره الا المسجد الحرام فان الصلوة في المسجد الحرام تعدل الف صلوة في مسجدي انتهى وذلك لان تلك النسبة في مقام الذات والفؤاد وهي جامعة لجميع المراتب الوجودية من العشر قبضات المذكورة التي لوحظت في نفسها لنسبة بعضها مع بعض وظهور العوالم والمقامات الحاصلة بالقرانات فكان الحاصل بعد اللحاظ مائة ثم ملاحظة هذه المائة في الاطوار العشرة المتنزلة المترتبة وهي الفؤاد والعقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم فكان الحاصل الفا فاذا لوحظ قران هذا الالف بعضه مع بعض ونسبته كان الحاصل الف‌الف وهذه المراتب كلها متوجهة الى الله ومستغرقة لنسبة المسجد الحرام فكان لكل مقام ثواب فيبلغ ادنى الثواب هذا المبلغ ويضاعف الله لمن يشاء من فضله وكرمه وقد ورد ايضا ان الصلوة في المسجد الحرام تعدل مائة ‌الف صلوة وهنا ملاحظة كليات المقامات وهي بعد التفصيل والتشخيص يبلغ الف ‌الف والثاني اي مسجد النبي صلى الله عليه وآله منسوب الى مقام النبوة المطلقة الخاصة بالحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والنبوة في مقام العقل الرسول الى كافة الخلق بالاقبال والادبار وهو اول مقام النهاية تحت مقام الفؤاد الذي هو عالم اللانهاية فيكون بينهما هذه النسبة فان الالف ‌الف في المقام الاعلى الف في المقام الاسفل لسعة تلك الدائرة وضيق الاخرى مع وقوعها بحذاء الاولى فافهم ولهذا ورد ان الصلوة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله تعدل الف صلوة كما ذكرنا وورد ايضا انها تعدل عشرة‌آلاف صلوة لان مراتب عالم اللانهاية ومقامات الفؤاد منتفية في ذلك العالم فينقص والثالث اي مسجد الكوفة منسوب الى مقام الولاية المطلقة التفصيلية وهي مقام النفس الظاهرة بالتدبير والولاية في البدن والعالم بامر الله تعالى واذنه وحكمه ومشيته وارادته وقدرته وتقديره وقضائه وامضائه فتكون الصلوة فيها تعدل الف صلوة لكونها انزل من مقام العقل برتبة واحدة والعشرات اذا تنزلت برتبة كانت آحادا ورواية الالف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله محمولة الى كليات المقامات التي تفصيلها يبلغ عشرة ‌آلاف انما كان التنزل من الالف‌ الف الى عشرة ‌آلاف مع كون الرتبة نازلة بمرتبة واحدة في المسجد الحرام بالنسبة الى مسجد النبي صلى الله عليه وآله والقاعدة ان يكون في مسجد النبي صلى الله عليه وآله مائة‌ الف اذا كانت في المسجد الحرام الف‌ الف وكان النزول في الاخيرين بمرتبة واحدة نزول عشرة آلاف الى الالف لان في مقام الفؤاد ومحل نسبة المسجد الحرام مقامين احدهما الوجه الاعلى من الفؤاد وهو في ذلك المقام آية ودليل للتوحيد والنسبة في هذا المقام وثانيهما مقام الفؤاد اي الحقيقة والوجود واقترانه بالمهية ثم مقام العقل فيكون التنزل هنا في مقامين فكان الالف‌ الف عشرة‌ آلاف بخلاف العقل والنفس فان بينهما برزخ لا يبغيان والبرزخ لا يترتب عليه حكم مستقل فكان نزول العشرة الى الواحد وقولي لا يترتب عليه حكم اي في هذا المقام وهذا اللحاظ والا فالاحكام المترتبة عليه كثيرة ليس الآن موضع ذكرها وتفصيلها واما مسجد السهلة فهو وجه من وجوه مسجد الكوفة وان كان وجهه الاعظم كنسبة الدماغ الى الصدر فان فيه القوى المنشعبة عن النفس في الصدر كالمتخيلة والمتوهمة والمتفكرة وامثالها وكلها وجوه النفس وتفاصيل آلاتها وكذلك الحكم هنا ايضا ولذا ورد ان تحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل نبي خلقه الله عز وجل ومن تحته اخذت طينة كل نبي وهو موضع الراكب فقيل له وما الراكب قال عليه السلم الخضر (ع) انتهى والخضر وجه من الخضر الاعظم الاول الذي موضعه مسجد الكوفة الحامل للنور الاخضر فافهم فان بالبيان ( في البيان خ‌ل ) يطول الكلام وقوله الراكب اشارة الى ما ذكرنا فان النور الاخضر بذاته ليس راكبا للمواد الجسمية وانما ركوبه بآلاته وقواه ومشاعره وتفاصيل ظهوراته التي محلها الدماغ وتحته صورة الوجه الانساني الذي به يعرف الشخص لا بغيره من الاعضاء والجوارح وهو قوله عليه السلم وتحته صخرة خضراء فيها صورة ( صورة وجه خ‌ل ) كل نبي فان الانبياء عليهم السلم تفاصيل ظهورات الولي المطلق فظهرت خاصية المتمكن في المكان لما بينهما من المناسبة الذاتية والمرابطة الحقيقية ولما كان المسجد هو محل السجود وحقيقة ( حقيقة السجود خ‌ل ) الخضوع والخشوع والذلة والمسكنة لله سبحانه كان الحاير المقدس على ساكنه آلاف التحية والشرف من اعظم المساجد واشرفها لان الحسين روحي له الفداء وعليه السلم وقع هناك جديلا صريعا ساجدا خاضعا خاشعا لله سبحانه فاديا نفسه واهله وولده وعياله واخوانه واصحابه وامواله كلها في محبة الله ( محبته خ‌ل ) تعالى وطلب رضاه واظهار الخضوع والذلة والمسكنة له تعالى حتى صار خضوع كل خاضع بفاضل خضوعه وخشوع كل خاشع بفاضل خشوعه ولم يكن له مراد سوى محبة الله سبحانه وحفظ نظام حكمته فكان مقتله الشريف مسجدا عظيما خضع وسجد لله فيه ولذا قارنه الله سبحانه بالمساجد الثلثة ونسبها الى نفسه واختارها وشرفها على جميع المساجد على وجه الارض والسماء وجعل للمسافر خيارا في القصر والاتمام في هذه المواضع المقدسة المشرفة لعظم الانوار الالهية النازلة في هذه الاماكن المشرفة فتزيد الصلوة فيها نورا وبهاء وشرفا وسناء فاذا اكملها المصلي كان اعظم في نورانيتها واكمل في شرافتها وارفع لدرجاته بها فاحب الله سبحانه ان لا يحرم المصلي المؤمن بالله الكافر بالجبت والطاغوت عن تلك الفيوضات العظيمة والانوار الجسيمة التي بها ينال اشرف الدرجات واسنى الكرامات ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولذا ورد عن مولينا الصادق عليه السلم ان من مكنون علم الله اتمام الصلوة للمسافر في هذه المواضع الاربعة ومازاد شرف هذه المساجد الا لعظم شرف المساجد الحقيقية الاولية التي هذه المساجد رشحة من رشحات امطارها ( مظاهرها خ‌ل ) ولمعة من لمعات اسرارها ( انوارها خ‌ل ) ولو كان لي قلب مجتمع واقبال وفراغ بال لبينت لك في هذه المقامات امورا عجيبة وذكرت لك تفصيل الامر في سر ان المسجد الحرام مع كونه اسفل وادنى من مسجد النبي صلى الله عليه وآله وهو من مسجد الكوفة وهو من الحاير المقدس يكون ثواب الصلوة فيه اكثر واصل شرافة هذه المواضع والتفاضل الحاصل لبعضها على بعض وان اشرت الى كل ذلك وربما ازيدك ان شاء الله في مبحث الحج واما المسجد الاقصى اي البيت المقدس فهو يحكي ظهور الانبياء عليهم السلم وخضوع عقلهم بجنوده في قلبهم لله تعالى والمسجد الاعظم الجامع في كل بلدة ( بلد خ‌ل ) يحكي ظهور عدل من العدول الذين لهم عليهم السلم في كل خلف ينفون عن دينهم تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهم الذين قال عليه السلم هم حجتي عليكم وانا حجة الله على الخلق كما عن الحجة عليه السلم وهؤلاء هم المسجد الاعظم في كل بلد وهم المرجع لاهل ذلك البلد ومسجد المحلة والسوق اشارة الى ساير الشيعة من الخواص ممن لم يبلغ مبلغ اولئك الاشخاص فافهم

المقدمة السادسة ما يسجد عليه اعلم ان السجود لا يجوز الا على الارض او ما نبت منها غير ماكول ولا ملبوس لان السجود على ما ياتي ان شاء الله تعالى خضوع وخشوع وذلة لله تعالى بوضع جبهته التي هي اشرف مواضعه الظاهرة على اذل الاشياء واخضعها وليس الا التراب لانه طبع الموت والفناء والاضمحلال والذلة والمسكنة والفقر والفاقة وكذلك ما نبت منها اذا لم يبلغ النضج التام والاعتدال العام الذي يصل الى حد يليق للاكل واللباس ولما روي هشام بن الحكم قال قلت لابي عبد الله عليه السلم اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز قال عليه السلم السجود لا يجوز الا على الارض او على ما انبتت الارض الا ما اكل ولبس فقلت له جعلت فداك ما العلة في ذلك قال عليه السلم لان السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لان ابناء الدنيا عبيد ما ياكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود ابناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها والسجود على الارض افضل لانه ابلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل والسجود على التربة المقدسة الشريفة الحسينية على ساكنها آلاف الثناء والتحية افضل من الكل واشرف كما قال عليه السلم السجود على طين قبر الحسين عليه السلم ينور الى الارضين السابعة ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلم كتب مسبحا وان لم يسبح انتهى لانها تربة الخضوع والخشوع والاستكانة لله سبحانه وقد خضعت وذلت واقرت لله تعالى بالعبودية والرقية قبل ان يخلق الله الخلق باربعة وعشرين ‌الف سنة مع انها طيبة طاهرة مصفاة عن جميع الاكدار وهي المراد من قوله تعالى وفي الارض قطع متجاورات وهي القطع الطاهرة المجاورة الغير المتخلل بين تلك القطعات قطعات ملعونة واراضي خبيثة او غبار خارجي خرج من الاراضي الممسوخة والسبخة كيف لا وقد اشرق عليها نور الشمس الكبرى وخر عليها اعظم اركان العرش الاعظم الاعلى وتجلى عليها نور قد كان النور المتجلي على الطور جزء من مائة‌ الف‌ الف الف ‌الف ‌الف جزء من راس الشعير من ذلك النور الواضح الاجلى وقد روي في الكروبيين انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا انتهى فاذا كان مقدار سم الابرة من نور شيعة الحسين عليه السلم قد دك به الجبل وتخلل النور في كل جزء من اجزاءه وصفاه عن جميع الكدورات ثم جعله اربع قطع قطعة منها وقعت في البحر وكان غذاء للحيوانات البحرية وقطعة منها ساخت في الارض وكانت غذاء للجن وساير الحشرات وقطعة منها طارت في الهواء وكانت غذاء للحيوانات البرية وهي الهباء المبثوث وقطعة منها بقيت على الارض كما عن امير المؤمنين عليه السلم فما ظنك بما يقع عليه اصل نور الحسين عليه السلم الظاهر بالخضوع لما وقع من جواده صلوات الله عليه فتزلزلت الارض وخرت الملئكة وتخلل النور في كل اجزاء الارض فطهرها طهارة لم يوجد مثلها في الدنيا فلم يبق عليها وسخ حتى تكون بذلك مضرة لشيء من الاشياء بوجه من الوجوه فكانت تلك التربة المطهرة من هذه الجهة شفاء من كل داء وسقم على جهة العموم في كل نوع من انواع الآلام والاسقام انظر الى الاكسير فانه ارض تطهر بانواع المعالجات فاذا طهرت كانت شفاء من كل مرض وذهاب لكل هم وغم وتصفي ساير المعادن والفلزات عن الكدورات كما جرب واين طهارة الاكسير وصفائه من طهارة ارض كربلا وصفائها واين نورانية جبل طور سيناء من نورانية ارض كربلا فان هذا شيء لا يقاس ولا يدرك التفاضل بالحواس بل الاكسير عند تلك الارض الطيبة مكدر وطور سيناء عند هذه الارض المباركة ظلمانية فان قلت فعلى هذا يجب ان يكون السجود على تربة النجف الاشرف والمدينة المنورة افضل وتكون شفاء من كل داء ويجوز اكلهما كما في تربة الحسين عليه السلم مع انه ليس كذلك قلت انهما عليهما السلم لم يظهرا بما ظهر به الحسين عليه السلم لمصالح فلم يظهر نورهما على تربتهما كما ظهر نور الحسين عليه السلم وعم ظهوره الا ترى ان نور التجلي قد تجلى على النبي صلى الله عليه وآله في جبل فاران فلم يتقطع الجبل ولم يندك كما اندك جبل الطور وليس ذلك لان النور الواقع على الطور اعظم كلا وحاشا بل النسبة كما ذكرنا وانما المتجلي لم يكن على الجبل بل على الواقف عليه في العرش فافهم ولذا كانت التربة ( التربة المقدسة خ‌ل ) الحسينية مسجدا للخلق كلهم وشفاء لهم من كل داء دون غيرها في الثاني والافضلية في الاول واما المعادن فلما كانت اصلها ومادتها الكبريت وهو من احجار جهنم فلا تصلح لان تكون مسجدا مع ان الفلزات وغيرها كلها من اصل تركيبها وتكوينها ارادت ان تكون ذهبا كما هو المقرر في محله فعاقها عائق عن ذلك كشدة البرودة واليبوسة في الالماس والحرارة في الياقوت والبرودة والرطوبة في اللؤلؤ وهكذا والذهب معبود اهل الدنيا فلا يجوز السجود على معبود ابناء ( اهل خ‌ل ) الدنيا كما تلونا عليك من الحديث واما الزجاج فقد ورد ان مادته الرمل والملح وهما ممسوخان وهكذا البلور ايضا وشرح حقيقة هذه الاحوال لا يناسب هذا المقام فليطلب في غيره في مظانه وهذه مجمل اسرار مقدمات الصلوة وعللها ذكرتها مع قلب مغشوش مضطرب ولا قوة الا بالله

واما كيفية الصلوة وحدودها واسرارها وعللها فانا نذكر حديثا جامعا لاسرارها واحوالها ونبين ما عسى ان يخفي من المعاني لغموض مأخذ هذا الحديث الشريف ونبين ايضا بعض الوجوه التي لم يذكر في هذا الحديث وذكر في غيره ليتم تمام اسرارها باتمام الحديث الشريف :

ذكر الشيخ الفقيه محمد بن عليّ بن بابويه باسناده عن محمد بن ابي ‌عمير ومحمد بن سنان عن الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان ومؤمن الطاق ( محمد بن النعمان مؤمن الطاق نسخة ) وعمر بن اذينة عن ابي عبد الله عليه السلم انهم حضروه فقال عليه السلم يا محمد ( يا نسخة ) عمر بن اذينة ما ترى هذه الناصبة في اذانهم وصلوتهم فقلت جعلت فداك انهم يقولون ان ابي بن كعب الانصاري رآه في النوم فقال عليه السلم كذبوا والله ان دين الله تبارك وتعالى اعز من ان يرى في النوم وقال ابو عبد الله عليه السلم ان الله العزيز الجبار عرج بنبيه صلى الله عليه وآله سمواته السبع اما اوليهن فبارك عليه صلوات الله عليه وآله والثانية علمه فيها فرضه الثالثة انزل الله العزيز عليه محملا من نور فيه اربعون نوعا من انواع النور كانت محدقة حول العرش عرشه تبارك وتعالى تغشي ابصار الناظرين اما واحد منها فاصفر فمن اجل ذلك اصفرت الصفرة وواحد منها احمر فمن اجل ذلك احمرت الحمرة وواحد منها ابيض فمن اجل ذلك ابيض البياض والباقي على عدد ساير ما خلق الله من الالوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضة فجلس فيه ثم عرج به الى السماء الدنيا فنفرت الملئكة الى اطراف السماء ثم خرت سجدا فقالت سبوح قدوس ربنا ورب الملئكة والروح ما اشبه هذا النور بنور ربنا فقال جبرئيل الله اكبر الله اكبر

اقول اعلم ان هذا الحديث الشريف صلى الله على قائله يتضمن على اسرار شريفة دقيقة من اسرار المعراج وغيره ولو تصدينا لشرح جميعها او بعضها لطال بنا الكلام فلنقتصر على ما يتعلق بالصلوة واسرارها واعلم انه يستفاد من هذا الحديث ومن غيره من الاحاديث الكثيرة ان الصلوة وساير العبادات انما شرعت ليلة المعراج مع انه كان بعد البعثة بسنتين او سبع على الخلاف مع ان الامة اتفقت على ان النبي صلى الله عليه وآله في اول البعثة كان يصلي بهذه الصلوة وكان يصلي معه عليّ عليه السلم وخديجة وفي بعض الاخبار ايضا ان آدم عليه السلم امر بالصلوة والوضوء في الاوقات الخمسة لزوال الشامة السوداء عنه كما سبق فراجع ووجه الجمع بين المقامين في كمال الصعوبة ويحتاج بيانه الى ذكر مقدمات وشرح احوال الا اني اشير اشارة ما الى المؤمن ( للمؤمن خ‌ل ) الممتحن وهي انه قد ثبت بالادلة القطعية ان محمدا صلى الله عليه وآله علة لوجود الكائنات والمكونات وما سواه واوصياؤه انما خلقوا من شعاع نوره وفاضل ظهوره صلى الله عليه وآله فحيث كان كذلك فله الهيمنة الكبرى والولاية العظمى والاحاطة على الكل فحين ما يصعد في مقامه صلى الله عليه وآله الى جناب مبدئه ويتوجه الى جناب باريه يشاهد الاشياء كلا في مقامات وجوده وامكنة حدوده ويطلع عليها حين ما خلقه الله تعالى في البدو الاصلي الكوني الى ان يمر عن مقاماتها ويصعد عن رتبتها الى مقام لا يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل ففرض الله عليه الصلوة قبل ان يخلق الله الخلق بمائة الف دهر في ليلة المعراج ففرض على آدم عليه السلم حين خلقه وانزله الى الارض اياها وهكذا على الانبياء من بعد آدم (ع) الى ( الى زمان خ‌ل ) بعثته المباركة الشريفة فلا منافاة بين الاخبار الا ان معرفتها حظ اولي الافئدة من المؤمنين الممتحنين ولما كان الامام عليه السلم في هذا المقام بصدد بيان الاذان والاقامة فلا باس بالاشارة الى مراده عليه السلم وذكر وجه آخر اقرب الى الافهام اعلم ان علة المعراج هو اقامة الصلوة اي الاتصال وما يقربه تعالى وبمناجاته وذكره او نفسه الظاهرة في المخلوقين لا عين ذاته فان ذلك محال وبالايدي لا تنال ولما كان الوصال في مقام الذات فلا بد من اسقاط الاضافات ولما كان اسقاط الاضافات انما هو من تأييده ومدده كما في قوله عليه السلم جذب الاحدية لصفة التوحيد انزل الله تعالى عليه نورا كما وصف عليه السلم ذا الوان مختلفة وطبايع متفاوتة ومحملا ذا حلق وسلاسل على مقتضي مقام الكثرة فصعد عن مقام العناصر اي الجسد بما فيه من القوى الى السماء الدنيا سماء ذاتها وصفتها فالاولى سماء السابعة وهي فلك زحل فلك العقل والثانية فلك القمر وهي السماء الاولى فلك الحيوة التي مقرها القلب اللحم الصنوبري ولما كانت الملئكة قد خلقوا من شعاع نوره صلى الله عليه وآله والشعاع لا يتجاوز المنير فلما تجلى لهم ذلك النور الاعظم والضياء الاقوم ظنت الملئكة ان ذلك هو نور الذات جل وعلا اذ لا يدركون نورا ومقاما اعظم من ذلك وهو قوله عليه السلم حكاية عنهم ما اشبه هذا النور بنور ربنا جل وعلا فابان عليه السلم عن عبوديته وانه ليس بالذي توهمته الملئكة فقال بلسانه وهو جبرئيل الله اكبر الله اكبر اي الله اكبر واجل ان يوصف بهذا النور ويعرف بهذا الظهور بل انما انا عبد مربوب حقير فقير والله اكبر من ان ينسب اليه مثلي سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا انما ذكر التكبير لان مقام الكبرياء دون مقام العظمة والجلال والبهاء وذلك اول المقامات الصعودية وانما كرر التكبير لما ذكرنا من ارادة الذات والصفات في السماء الاولي والسابعة والفلك الرابع اي السماء الرابعة هي الاصل يستمد من ذات العرش ويمد السماء السابعة ويستمد من صفة العرش ويمد ( يمد من خ‌ل ) فلك الاول وهو السماء الاولى ويستمد من ذات الكرسي ويمد السماء السادسة ومن صفته يمد السماء الثانية ويستمد من ذات الطبيعة ويمد السماء الخامسة ويستمد من صفة الطبيعة الكلية ويمد السماء الثالثة والسماء الرابعة هي محل البيت المعمور كما ياتي ان شاء الله هي القطب والاصل وباقي السبعة فروع لها وتفاصيلها فلما ابان صلى الله عليه وآله للملائكة عبوديته وان الله تعالى اكبر من ان يوصف بالرؤية او بانوار المخلوقين وصفات المحدثين اطمانت الملئكة وسكنت وعرفت انه نور المخلوقين

فاراد الامام عليه السلم بيان احوالهم بعد ذلك فقال عليه السلم فسكت الملئكة وفتحت ابواب السماء واجتمعت الملئكة ثم جاءت فسلمت على النبي صلى الله عليه وآله افواجا ثم قالت يا محمد صلى الله عليه وآله كيف اخوك قال بخير قالت فان ادركته فاقرءه منا السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله اتعرفونه فقالوا كيف لانعرفه وقد اخذ الله عز وجل ميثاقك وميثاقه منا وانا لنصلي عليك وعليه ثم زاده اربعين نوعا من انواع النور لا يشبه شيء منه ذلك النور الاول وزاده في محمله حلقا وسلاسل ثم عرج به الى السماء الثانية فلما قرب من باب السماء تنافرت الملئكة الى اطراف السماء وخرت سجدا وقالت سبوح قدوس رب الملئكة والروح ما اشبه هذا النور بنور ربنا فقال جبرائيل اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان لا اله الا الله فاجتمع الملائكة وفتحت ابواب السماء وقالت يا جبرائيل من هذا الذي معك فقال هذا محمد صلى الله عليه وآله قالوا وقد بعث قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجوا الى شبه المعانيق فسلموا على فقالوا اقرء اخاك السلام فقلت هل تعرفونه قالوا نعم كيف لانعرفه وقد اخذ الله ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته الى يوم القيمة علينا وانا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم خمسا يعنون وقت كل صلوة

اقول الكلام في بيان هذه الكلمات كما تقدم وانما كان هذا المقام مقام الشهادة بالتوحيد دون ساير الاذكار لان السماء الثانية سماء الفكر وهي فلك الكاتب عطارد وعنده الصور وترتيب التصورات في القضايا وفي هذا المقام يتصورون الشريك بدعوى كاذبة لكونه مقام التعدد والكثرة وتزاحم الصور المتكثرة ومقام الحجب عن الوحدة فيجوز تعدد الآلهة تعالى الله عن ذلك فاتى بهذه العبارة في هذا المقام مكنسة لغبار الاوهام ولو حصل الصعود عن هذا المقام اي مقام الصور لم يبق مجال لتصور الشريك وهذا الحكم جار في مقابل هذه السماء اي السادسة فانها فلك المشتري محل العلم وماوى الحلم ابن الكرسي القاضي القاعد على كرسي الحكم في الامور المختلفة والاهواء المتشتتة وباقي الكلمات ظاهرة ان شاء الله تعالى

فقال عليه السلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ثم زادني ربي عز وجل اربعين نوعا من انواع النور لا تشبه الانوار الاول وزادني حلقا وسلاسل ثم عرج بي الى السماء الثالثة فنفرت الملئكة الى اطراف السماء وخرت سجدا وقالت سبوح قدوس رب الملئكة والروح ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا فقال جبرئيل اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فاجتمعت الملئكة وفتحت ابواب السماء فقالت مرحبا بالاول ومرحبا بالآخر مرحبا بالحاشر مرحبا بالناشر محمد خاتم النبيين وعلى خير الوصيين صلى الله عليهما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليّ وسئلوني عن عليّ اخي فقلت هو في الارض خليفتي اوتعرفونه فقالوا نعم وكيف لا نعرفه وقد نحج البيت المعمور في كل سنة مرة وعليه رق ابيض فيه اسم محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلم وشيعتهم الى يوم القيمة وانا لنبارك على رؤسهم بايدينا

اقول انما خص اسمه الشريف بالذكر لان السماء الثالثة مقر الزهرة وهي كوكبه صلى الله عليه وآله كما فصلنا في رسالتنا في اثبات النبوة الخاصة بدليل العقل فاطلبها والتكرار كما ذكرنا واما ساير المطالب فلا يتعلق بها غرضنا

قال ( فقال (ع) خ‌ل ) ثم زادني عز وجل اربعين نوعا من انواع النور لا تشبه شيئا من تلك الانوار الاول وزادني حلقا وسلاسل ثم عرج بي الى السماء الرابعة فلم تقل الملئكة شيئا وسمعت دويا كأنه في الصدور واجتمعت الملئكة ففتحت السماء وخرجت الى معانيق فقال جبرئيل حي على الصلوة حي على الصلوة حي على الفلاح حي على الفلاح فقالت الملئكة صوتين ( صوتين مقرونين خ‌ل ) بمحمد صلى الله عليه وآله تقوم الصلوة وبعليّ الفلاح فقال جبرئيل قد قامت الصلوة قد قامت الصلوة فقالت الملئكة هي لشيعته اقاموا بها الى يوم القيمة ثم اجتمعت الملئكة فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله اين تركت اخاك وكيف هو فقال لهم اتعرفونه فقالوا نعم نعرفه وشيعته وهو نور حول عرش الله وان في البيت المعمور لرقا من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد وعليّ والحسن والحسين والائمة عليهم السلم وشيعتهم لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل انه لميثاق الذي اخذ علينا وانه ليقرء علينا في كل يوم جمعة

اقول ولما كانت الملائكة في السماء الرابعة اشد ادراكا واعظم معرفة بالله وباسمائه وصفاته ما ظنت في نور محمد صلى الله عليه وآله كما ظنت اولئك الملئكة لقصورهم بالنسبة الى اهل البيت المعمور فان قلت ان العالي اذا اشرق نوره على السافل فلا بد للسافل من ذلك التوهم لانه فوق مقامه وادراكه فيظن ان هذا هو الذي لا يحاط به علما كما قالت الملئكة لما راوا انوارهم سلام الله عليهم في عالم الانوار فظنوا كلهم ان هذا هو نور الله عز وجل قد تجلى لهم فقالوا لا اله الا الله لتعلم الملئكة انهم عليهم السلم عباد مربوبون فكيف صار في هذا المقام توهمت ملئكة السموات الثلث بخلاف الرابعة قلت اذا كان الاشراق في مرتبة ذات العالي بطل السافل واحترق واذا كان في مرتبة ذات السافل من حيث العالي ظن السافل انه العالي وان كان الاشراق في مقام المعنى اي عقل السافل فالواقفون مقام الاجمال لا يتوهمون ذلك لان لهم نظرا اعلى يرون به تعالى العالي عن ذلك واما الواقفون مقام الصورة والكثرة والاختلاف ويشرق عليهم ظهور من عالم الوحدة والاجمال يسري فيهم ذلك التوهم لانهم لا يرون مقام الخلق حينئذ الا مقام الكثرة والاختلاف فاذا ظهرت لهم الوحدة وان كانت شمولية انبساطية يتوهمون ان ذلك هو الرب عز وجل ولما كان النبي صلى الله عليه وآله قاصدا مقام الصلوة وهو مقام العقل مقام الاجمال مقام الوحدة بالاضافة اشرق نوره صلى الله عليه وآله على الملئكة حسب ( من خ‌ل ) مقامها لا مقامه على ذلك الطور فلم يثبت له الا الملئكة الواقفون مقام الاجمال وهو اهل السماء الرابعة لانها مقر الشمس وهي ابن العرش الذي هو ظهور العقل فافهم انما قال جبرئيل الذي هو لسانه صلى الله عليه وآله في هذا المقام حي على الصلوة حي على الصلوة الى قد قامت الصلوة لان ذلك مبدء مقام الصلوة لما ذكرنا من ان الشمس وجه من العقل فالاعلام للصلوة انما يكون اوله ومبدئه هناك وانما ذكر في هذه السماء الفصول الثلثة بالتكرار لان في الشمس ثلثة وجوه ذاتية وثلثة وصفية كما تقدم ان الشمس تستمد من ذات العقل وصفته ومن ذات النفس وصفتها ومن ذات الطبيعة وصفتها ونسبت الصلوة الى النبي صلى الله عليه وآله والفلاح الى الولي عليه السلم حيث قالوا بمحمد تقوم الصلوة وبعليّ الفلاح لان الصلوة في مقام العقل وهو صلى الله عليه وآله ظاهر بمقتضى مقامه من رتبة الاجمال فالفلاح حينئذ بعليّ عليه السلم لان العبد لا يفلح بعد الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله الا بعد الايمان بعليّ عليه السلم وان صلى وصام واتى بجميع الفرايض والنوافل وذلك ظاهر ان شاء الله ثم لما اقترن الايمان بالنبي بالايمان بالوصي عليهما السلم تم ركن الدين وقد قامت الصلوة ثم لما اثبت حكم النبوة والولاية توجه الى الله سبحانه وانه الاصل لا سواه ثم قال الله اكبر الله اكبر ثم اشار الى فناء الكل واضمحلاله واثبات التوحيد وانه لا يقصر النظر الا اليه ولا يعتمد الا عليه اذ ليس ما سواه شيء ولا ماعداه موجود فقال لا اله الا الله واعلم ان ما ذكره الامام عليه السلم وان كان على الظاهر بيان علة الاقامة وحدها دون الاذان مع انه عليه السلم بصدد بيان الاذان ويشهد عليه قوله عليه السلم ما تقول هذه الناصبة في اذانهم وصلوتهم ولكنه عليه السلم اشار الى الاذان وعلته وسره ايضا لمن القى السمع وهو شهيد لان كل سماء لها ظاهر وباطن وروح وجسم فالاذان مقام الظاهر واعلام الجسد والجسم للتوجه الى الصلوة ولذا يستحب جهر الصوت فيه وادائه بالثاني لاسماع الظواهر لغلظتها وقلة انتباهها ولذا كان التكبير هناك اربع مرات والاقامة لاسماع البواطن واعلام اهل عالم الغيب من الروح والنفس للتوجه الى الصلوة ولذا يستحب فيه الادراج والاسراع وعدم التوقف لرقة البواطن وسرعة انتباهها وتوجهها لذوي النفوس المطمئنة فمقام اجسام الافلاك مقام الاذان وارواحها مقام الاقامة والعرش محل الصلوة والعبادة لانها لا تكون الا بعد خرق الحجب وابطال ما سوى المعبود جل وعلا حتى لا يرى نورا سوى نوره ولا يشاهد ظهورا غير ظهوره وترك قد قامت الصلوة في الاذان لانه بعد ليس مقام الصلوة وزادوا التكبير فيه حرصا للاسماع وكون الظاهر معجونا من اربع طبايع الظاهرة باحكامها وزادوا التهليل في الاذان في آخره لما ذكرنا من وقوع الكثرة في انفسها وفي روابطها وقراناتها واما الاقامة فهي وان كانت مشتملة على الروابط والقرانات الا انها ضعيفة يكتفي لها بتهليل واحد فحيث بلغ بنا الكلام الى هذا المقام فلا باس بالاشارة الى تفسير الاذان والاقامة على ما رواه الصدوق (ره) في التوحيد باسناده عن زيد بن الحسن قال حدثنا موسى بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن عليّ عن ابيه عليّ بن الحسين عن ابيه الحسين بن عليّ عليهم السلم قال كنا جلوسا في المسجد وصعد المؤذن المنارة فقال الله اكبر الله اكبر فبكى امير المؤمنين عليه السلم وبكينا ببكائه فلما فرغ المؤذن قال عليه السلم اتدرون ما يقول المؤذن قلنا الله ورسوله ووليه اعلم فقال لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فلقوله الله اكبر معان كثيرة منها ان قول المؤذن الله اكبر يقع على قدمته وازليته وابديته وعلمه وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه فاذا قال المؤذن الله اكبر فانه يقول الله الذي له الخلق والامر وبمشيته كان الخلق ومنه كل شيء للخلق واليه يرجع الخلق وهو الاول قبل كل شيء لم يزل والآخر بعد كل شيء لا يزال والظاهر فوق كل شيء لا يدرك والباطن دون كل شيء لا يحد فهو الباقي وكل شيء دونه فاني والمعنى الثاني الله اكبر اي العليم الخبير علم ما كان وما يكون قبل ان يكون والثالث الله اكبر اي القادر على كل شيء يقدر على ما يشاء القوي بقدرته المقتدر على خلقه القوي لذاته قدرته قائمة على الاشياء كلها اذا قضي امرا فانما يقول له كن فيكون والرابع الله اكبر على معنى حلمه وكرمه فحلم كأنه لا يعلم ويصفح كأنه لا يرى ويستر كأنه لا يعصي لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما والوجه الآخر في معنى الله اكبر اي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال والوجه الآخر الله اكبر فيه نفي كيفيته كأنه يقول الله اجل من ان يدرك الواصفون قدر صفته الذي هو موصوف به وانما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله تعالى الله عن ان يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا والوجه الآخر الله اكبر كأنه يقول الله اعلى واجل وهو الغني عن عباده لا حاجة به الى اعمال خلقه واما قوله اشهد ان لا اله الا الله فاعلام بان الشهادة لا يجوز الا بمعرفته من القلب كأنه يقول اعلم ان لا معبود الا الله وان كل معبود باطل سوى الله عز وجل واقر بلساني بما في قلبي من العلم بانه لا اله الا الله واشهد ان لا ملجا من الله الا اليه ولا منجا من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة الا بالله وفي المرة الثانية اشهد ان لا اله الا الله معناه اشهد ان لا هادي الا الله ولا دليل لي الا الله واشهد الله باني اشهد ان لا اله الا الله واشهد سكان السموات وسكان الارضين وما فيهن من الملئكة والناس اجمعين وما فيهن من الجبال والاشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس باني اشهد ان لا خالق الا الله ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر الا الله له الخلق والامر وبيده الخير كله تبارك الله رب العالمين واما قوله واشهد ان محمدا رسول الله يقول اشهد الله اني اشهد انه لا اله الا هو وان محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه ارسله الى كافة الناس اجمعين بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون واشهد من في السموات والارضين من النبيين والمرسلين والملئكة والناس اجمعين اني اشهد ان محمدا سيد الاولين والآخرين وفي المرة الثانية اشهد ان محمدا رسول الله يقول اشهد ان لا حاجة لاحد الى احد الا الى الله الواحد القهار مفتقرة اليه سبحانه وانه الغني عن عباده والخلايق اجمعين وانه ارسل محمدا الى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فمن انكره وجحده ولم يؤمن به ادخله الله عز وجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها ابدا واما قوله حي على الصلوة اي هلموا الى خير اعمالكم ودعوة ربكم وسارعوا الى مغفرة من ربكم واطفاء ناركم التي اوقدتموها على ظهوركم وفكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ذنوبكم ويبدل سيئاتكم حسنات فانه ملك كريم ذو الفضل العظيم وقد اذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم الى بين يديه وفي المرة الثانية حي على الصلوة اي قوموا الى مناجاة ربكم وعرض حاجاتكم على ربكم وتوسلوا اليه بكلامه وتشفعوا به واكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع وارفعوا اليه حوايجكم فقد اذن لنا في ذلك واما قوله حي على الفلاح فانه يقول اقبلوا الى بقاء لا فناء معه ونجاة لا هلاك معها وتعالوا الى حيوة لا موت معها والى نعيم لا نفاد له والى ملك لا زوال عنه والى سرور لا حزن معه والى انس لا وحشة معه والى نور لا ظلمة معه والى سعة لا ضيق معها والى بهجة لا انقطاع لها والى غني لا ذلة معه والى صحة لا سقم معها والى عز لا ذل معه والى قوة لا ضعف معها والى كرامة يا لها من كرامة وعجلوا الى سرور الدنيا والعقبي ونجاة الآخرة والاولى وفي المرة الثانية حي على الفلاح فانه يقول سابقوا الى ما دعوتكم اليه والى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسنى النعمة والفوز العظيم ونعيم الابد في جوار محمد صلى الله عليه وآله في مقعد صدق عند مليك مقتدر واما قوله الله اكبر الله اكبر فانه يقول الله اعلى واجل من ان يعلم احد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد اجابه واطاعه واطاع امره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره واحبه وانس به واطمان اليه ووثق به وخافه ورجاه واشتاق اليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به وفي المرة الثانية الله اكبر فانه يقول الله اكبر واعلى واجل من ان يعلم احد مبلغ كرامته لاوليائه وعقوبته لاعدائه ومبلغ عفوه ورضوانه ونعمته لمن اجابه واجاب رسوله ومبلغ عذابه ونكاله وهوانه لمن انكره وجحده واما قوله لا اله الا الله معناه لله الحجة البالغة عليهم بالرسول والرسالة والبيان والدعوة وهو اجل من ان يكون لاحد عليه حجة فمن اجابه فله النور والكرامة ومن انكره فان الله غني عن العالمين وهو اسرع الحاسبين ومعنى قد قامت الصلوة في الاقامة اي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المني والوصول الى الله عز وجل والى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه انتهى انما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر حي على خير العمل للتقية وقد روي في خبر آخر ان مولينا الصادق عليه السلم سئل عن معنى حي على خير العمل فقال خير العمل الولاية وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها عليها وعليهم السلم انتهى فظهر لك مما بينا وفصلنا ان الاذان انما هو اعلام في عالم الشهادة على الولاية واقامة حدودها التي حددها الله تعالى وهي الصلوة والاقامة اعلام في عالم الغيب على الولاية واجمال لما اشتمل عليها الصلوة بحدودها بل هي عبارة اخرى لنداء المنادي في العالم الاول الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ والائمة من ولده وفاطمة الصديقة اوليائكم والصلوة ايضا تلك النداء واجابة المنادي فافهم فلنرجع الى ما كنا فيه من ذكر الحديث

قال عليه السلم حكاية عن النبي صلى الله عليه وآله فسجدت لله شكرا فقال يا محمد ارفع راسك فرفعت راسي فاذا اطناب السماء قد خرقت والحجب قد رفعت ثم قال لي طاطا راسك وانظر ما ترى فطاطات راسي فنظرت الى بيتكم هذا وحرمكم هذا فاذا هو مثل حرم ذلك البيت يتقابل لو القيت شيئا من يدي لم يقع الا عليه فقال لي يا محمد صلى الله عليه وآله هذا الحرم وانت الحرام ولكل مثل مثال ثم قال لي ربي عز وجل يا محمد صلى الله عليه وآله مد يدك فيتلقاك ما يسيل من ساق العرش الايمن فنزل الماء فتلقيت باليمين فمن اجل ذلك صار اول الوضوء باليمنى ثم قال لي يا محمد صلى الله عليه وآله خذ هذا الماء فاغسل به وجهك وعلمه غسل الوجه فانك تريد ان تنظر الى عظمتي وانت طاهر ثم اغسل ذراعيك اليمين واليسار وعلمه ذلك فانك تريد ان تتلقا بيديك كلامي وامسح بفضل ما في يديك من الماء راسك ورجليك الى كعبك وعلمه المسح براسه ورجليه وقال اني اريد ان امسح راسك وابارك عليك فاما المسح على رجليك فاني اريد ان اوطئك موطأ لم يطأه احد قبلك ولا يطأه احد غيرك فهذا علة الوضوء والاذان

اقول قد سبق الكلام عن علة الوضوء مفصلا مشروحا فراجع

قال عليه السلم ثم قال تعالى استقبل الحجر الاسود وهو بحيالي وكبرني بعدد حجبي فمن اجل ذلك صار التكبير سبعا لان الحجب سبعة وافتتح القراءة عند انقطاع الحجب فمن اجل ذلك صار الافتتاح سنة والحجب متطابقة ثلثا بعدد النور الذي انزل على محمد ثلث مرات فلذلك كان الافتتاح ثلث مرات فمن اجل ذلك كان التكبير سبعا والافتتاح ثلث مرات

اقول اعلم ان الامام عليه السلم لم يصرح بذكر النية لبيان انها ليست امرا جسمانيا ملفوظا حتى يامره صلى الله عليه وآله بالتلفظ به ولا امرا محدودا تصوريا حتى يامره بتصورها واخطارها بالبال بل انما هي قصد بسيط صرف التوجه الى الله عز وجل بسر العبودية وهو قد حصل عند الامر باستقباله الحجر وفي حديث آخر قال يا محمد صلى الله عليه وآله ادن من صاد وتوضا لصلوة الظهر فالنية لا تفارق الفعل ابدا الا اذا لم يكن ذلك الفعل عن شعور وهي سارية في الفعل من البداية الى النهاية الا ان الفاعل حين الفعل مرة دائم اللحاظ لذلك الداعي والسبب فيكون الفعل بذلك حيا تام التاثير ومرة ربما يلتفت الى الغير لا بقصد الاعراض بل لدواعي الاغراض والشهوات كامثالنا في صلوتنا وساير عبادتنا لعدم التفاتنا دائما الى الوجه الذي له امرنا بالفعل فيكون الفعل حينئذ حيا لكنه غير تام التاثير كالنائم فانه حي لكنه مطروح لا يؤثر شيئا والنية هي عقد العزيمة على العبودية والانقياد والتسليم والخضوع والخشوع والذلة والفقر والمسكنة وامثالها من احوال الامكان المستودعة في سر الانسان وانما خص الحجر الاسود بالاستقبال لانه اشرف مواضع البيت نسبته اليه كنسبة الفص الى الخاتم والحجر الاسود وهو القلب سواده لعلة الادبار وقوله انا والا فهو نوراني كما ياتي ان شاء الله تعالى في مبحث الحج وتوجه العبد الى الله انما هو بقلبه لا غير قال تعالى انا عند المنكسرة قلوبهم اي بذلة العبودية والاعتراف بالفقر والمسكنة والفاقة واما المتكبر المعرض عن الحق سبحانه لما نسوا الله فنسيهم والتكبير هو الاعتراف بان لا مستقل الا هو ولا موجود في الحقيقة سواه فمع هذا الاعتقاد والنظر يحرم عليك كلما يشغلك عن ربك فانما هو صنمك فكلما ذكر الشارع عليه السلم من المنافيات ومبطلات الصلوة من الحدث والكلام بغير القرآن وذكر الله والانحراف عن القبلة والفعل الكثير والقهقهة والبكاء لامور الدنيا والشك وامثالها مما هو مذكور في الكتب الفقهية كلها شواغل عن الله وعن ذكره وهي منافية للولاية التي اصلها ومبناها ومقتضاها ومادتها ابتغاء وجه الله وعدم نسيانه في حال من الحالات والمصلي حين الصلوة صفة الولي في كل الاوقات وذكر كل واحد من المنافيات وبيان كونه شاغلا مما يطول به الكلام والاشارة الاجمالية كافية لاهلها ان شاء الله ولذا سمي التكبير بعد النية اي مساوقا لها بتكبيرة الاحرام والواجب الركن هو واحد لجريان الحكم الاجمالي في كل المقامات ولكن لما كانت الحجب سبعة وهي حجاب اللؤلؤ وحجاب الذهب وحجاب الزمرد وحجاب الياقوت وحجاب العقيق وحجاب الزبرجد وحجاب الالماس ولا بد من خرق هذه الحجب السبعة فالانسب والاليق ان يكبر لخرق كل حجاب ليكون ابلغ في التوجه ومشاهدة ظهور الكبرياء لنفي الاغيار وتصفية الاكدار ان ذلك لذكري لاولي الابصار ولما كان هذه الحجب السبعة تجمعها باجمعها ثلثة مقامات وعوالم عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك صارت الادعية ادعية الافتتاح ثلثة وقد سئل هشام بن الحكم ابا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلم عن علة التكبيرات السبع قال عليه السلم يا هشام ان الله تبارك وتعالى خلق السموات سبعا والارضين سبعا والحجب سبعا فلما اسري بالنبي صلى الله عليه وآله وكان من ربه كقاب قوسين او ادنى رفع له حجاب من حجبه فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يقول الكلمات التي تقال وجعل في الافتتاح فلما رفع له الثاني كبر فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب وكبر سبع تكبيرات الحديث وقد روى لتكبيرات السبع وجه آخر وعلة اخرى عن ابي ‌جعفر عليه السلم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله الى الصلوة وقد كان الحسين بن عليّ عليهما السلم ابطأ عن الكلام حتى تخوفوا ان لا يتكلم وان يكون به خرس فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله حامله على عنقه وصف الناس خلفه فاقامه رسول الله صلى الله عليه وآله على يمينه فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله الصلوة فكبر الحسين عليه السلم حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبع تكبيرات وكبر الحسين عليه السلم فجرت السنة بذلك قال زرارة فقلت لابي ‌جعفر عليه السلم فكيف نصنع قال تكبر سبعا وتحمد سبعا وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرء ه‍ فان كان المصلي قد جعل التكبيرة الاولى هي تكبيرة الاحرام فتكون الحجب مقامات فوق العقل وهي المفعول به والمفعول المطلق والمصدر والمراتب الاربع للفعل من النقطة والالف والحروف والكلمة وهذه حجب لا بد ان ترفع وتخرق ليحصل للمصلي مقام الوصول ويكون حينئذ لسان الله حتى يقرء

ولذا قال عليه السلم فلما فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عز وجل الآن وصلت فسم باسمي فقال صلى الله عليه وآله بسم الله الرحمن الرحيم فمن اجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في اول السورة ثم قال له احمد لي فقال الحمد لله رب العالمين وقال النبي صلى الله عليه وآله في نفسه شكرا فقال الله يا محمد اقطعت حمدي فسم باسمي من اجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين فلما بلغ ولا الضالين قال النبي صلى الله عليه وآله الحمد لله رب العالمين شكرا فقال العزيز الجبار قطعت ذكري فسم باسمي فمن اجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم بعد الحمد في استقبال السورة الاخرى فقال له اقرء قل هو الله احد كما انزلت فانها نسبتي ونعتي

اقول فلما فرغ صلى الله عليه وآله من التكبير بالتحريم على نفسه التوجه الى غير جنابه الاقدس والافتتاح اي افتتاح باب الوصال برفع الحجب المانعة والغواشي الحائلة والاعراض الواردة والانيات المتراكمة الى ان وصل مقام كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق وهو الحجاب بالنسبة الى مقام التوحيد والا بالنسبة الى مقام الاسماء والصفات ورتبة الواحدية فهو وصال لا حجاب ومن هذه الجهة قال عز وجل الآن وصلت الى فسم باسمي فهو صلى الله عليه وآله اذ ذاك لسان الله سبحانه حيث يتكلم بذلك اللسان او المتكلم اي الاسم لان فاتحة الكتاب هي كتاب الله قد امر بقراءتها في مفتتح الصلوة فهو لا يخلو من الحالتين او انها كلام الله في مقام الابرار وكلام الحبيب مع المحبوب في مقام المقربين كما هو المستفاد من ظاهر الحديث المبارك والوجوه الثلثة كلها متحققة في المقامات الثلثة فافهم ولما كان ذلك المقام مقام الاسماء امره سبحانه بالابتداء بالاسم فقال فسم باسمي فقال عليه السلم وصلى الله عليه وآله بسم الله الرحمن الرحيم ولما كان الاسم ليس مقام الذات وانما هو مقام الظهور بالاثر ولم يكن في ذلك المقام غير الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله صاحب الولاية المطلقة فيكون هو صلى الله عليه وآله حامل ذلك الظهور ومهبط ذلك النور فتكون الباء في البسملة اشارة الى سر الولي والسين الى صدره والميم الى جسمه وهو قوله عليه السلم في تفسيرها الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله انتهى فاذا لم يكن في ذلك المقام غيره صلى الله عليه وآله فيكون هو بهاء الله اي النور الانور في المقام الاعلى وهو سناء الله اي النور المقتبس من البهاء في المقام الاوسط وهو ملك الله اي تملكه اي قدرته او ملكه اي خلقه وحدثه في المقام الاسفل فبقي هو صلى الله عليه وآله ظاهرا في المقام الاعلى وظهر مولينا وسيدنا عليّ بن ابيطالب في المقام الثاني اي الصدر والنفس او محل الابتداع ومرتبة الظهورات التفصيلية بالاسماء المتقابلة فهو عليه السلم الظاهر بالولاية والتدبير ( التدبر خ‌ل ) والتصرف وان كانت الولاية لله الحق ولرسوله قال تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ومولاتنا وسيدتنا الزهراء سلام الله عليها هي الظاهرة في المقام الثالث ولذا كانت حاملة للانوار ومظهرة للآثار والمدة بين السين والميم اشارة الى الالف المبسوطة التي هي مقام الولاية الظاهرة من السين المنقطعة الى احدى ‌عشرة قطعة فصار الجميع اربعة عشر وتم باتمامها الاسم فهم الاسم لا سويهم الا من باب الاخذ عنهم والاقتداء بهم صلى الله عليهم وهو قول مولينا الصادق عليه السلم نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها فهم الاسماء في مقام الفرق والتفصيل وهم الاسم في مقام الجمع والاجمال ولما كان هناك مقام الوحدة افرد الاسم بما جمع الكل وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلم المروي عن الصادق عليه السلم السلام على اسم الله الرضي ونور وجهه المضيء فهم الاسماء لا سويهم وما عداهم اسماء لهم وشئون لاطوارهم فعلي هذا فان شئت سميت البسملة الاسم الاعظم فعلت وان شئت جعلتها اقرب الى الاسم الاعظم من سواد العين الى بياضه فعلت وصدقت كما عن الرضا عليه السلم فعلى الاول تكون البسملة عبارة عنهم عليهم السلم وهم البسملة في الكتاب التكويني المصدرة فيه وتلك البسملة غيب في هذه البسملة اللفظية في الكتاب التدويني واصل لها وتلاحظها فيها من دون مشاهدة الثانية وملاحظتها كما اذا توجهت الى نفس المقابل في المرآة من دون التفات اليها اصلا وعلى الثاني تجعل الثانية محلا لظهور الاولي وحاكية لها وهي اقرب من سواد العين الى بياضه لان ذلك قرب الملاصقة وهنا قرب المداخلة لا كدخول شيء في شيء فافهم والله اسم للذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية من صفات القدس والاضافة والخلق وهذه الذات هي المعتبرة في المشتقات عند اشتقاق الاسماء وليست رتبة الاحدية وانما هي رتبة الواحدية وقد شرحنا حقيقة هذا المطلب في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل على كمال التفصيل وقال مولانا الصادق عليه السلم على ما رواه في التوحيد في تفسير الله الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا انتهى والآلاء جمع مضاف يفيد العموم والخلق مصدر مضاف يفيد العموم ايضا فانظر ماذا ترى فان بالبيان يرتاب الجاهلون ويسلك سبيل الانكار الملحدون فاخفائه في الصدور خير من ابرازه في السطور والرحمن هي الرحمة العامة الواسعة الشاملة لجميع الموجودات مما ظهرت على العرش فاعطى الرحمن بها كل ذي حق حقه وساق بها الى كل مخلوق رزقه والرحمن اسم للذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية من صفات الاضافة والخلق دون القدس فيكون انزل من الاسم الله بمرتبة واحدة فالرحمة ( والرحمة خ‌ل ) الواسعة هي الواو المحيط بكل ذرات الوجود وحقايق الاشياء من الغيب والشهود وهي مقام الربوبية اذمربوب المقترنة بالاشياء المربوبة وهي التي هي كنه العبودية كما في مصباح الشريعة العبودية جوهرة كنهها الربوبية اه وتعالى الله سبحانه عن الاقتران والاتصال علوا كبيرا وهي الوصف الذي رجع الاشياء منه اليه كما في قول امير المؤمنين عليه السلم في الخطبة اليتيمية رجع من الوصف الى الوصف وهي الملك الذي دامت الاشياء فيه كما في قوله عليه السلم فيها ودام الملك في الملك وهي المخلوق الذي انتهت الاشياء اليه كما في قوله عليه السلم فيها وانتهى المخلوق الى مثله والجاه الطلب الى شكله وهي ظاهرة في كل ذرات الوجود في الاشقياء والسعداء واهل الجنة واهل النار وظهورها في الاشياء في جميع مراتبها بحسبها حتى في عالم الالفاظ الا ترى ظهور الاسم الاعظم العلي الذي هو اول الاسماء وظاهر الله كما في معاني الاخبار عن مولينا الرضا عليه السلم ان اول ما اختار الله لنفسه العلي العظيم لانه عليّ على كل شيء فاسمه العلي ومعناه الله وهذا الاسم المبارك حامل لتلك الرحمة وبه ظهرت فكانت الاشياء تحكيها بحاملها الحاصل ان هذا الاسم المقدس يظهر في سر كل اسم من الحق والباطل ظهور سر الايجاد واسم الموجد في كل شيء شريف وكثيف والقاعدة في ذلك اذا اردت استخراج اسم العلي من كل اسم فاحسب عدد ذلك الاسم فضاعفه ست مرات ثم زد واحدا على الحاصل واضرب الحاصل بعد الزيادة في العشرة واجمع الحاصل ثم اطرحه عشرين عشرين فاضرب الباقي في احد عشر يستنطق اسم عليّ والسر كله في ضربه في احدعشر الذي هو عدد الاسم الاعظم هو فبذلك ظهر سر السريان واما في ما عدا ذلك العدد فخارج عن الاستقامة الحقيقية فافهم فاني في ذكر هذه الكلمات واداء هذه الاشارات كما قال الشاعر ونعم ما قال وقد اجاد في المقال :

تعرضت في قولي بليلى وتارة بهند فلا ليلى عنيت ولا هندا

ولا يمكنني ان اصرح ما افهم فان ذلك غير ماذون فيه قال مولينا الصادق عليه السلم ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله والرحيم هو الظاهر بالرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين الذين هم المقصودون في اصل الخليقة اي ظهروا بما هو المقصود بالذات في اصل الايجاد بحقيقة الانوجاد فعلى هذا فبهم يدور الفلك ولاجلهم قرنت الاسباب مسبباتها ولهم انزلت السماء بركاتها ومنهم نشرت الامدادات والافاضات الى كل الخلق وبهم سكنت السواكن وتحركت المتحركات وهؤلاء هم شيعة آل محمد عليهم السلم اذ لولاهم ماامطرت السماء ومااخرجت الارض نباتها ولولا الشيعة لم يبق لهم سلام الله عليهم نظر الى هذه الارض فساخت اذن باهلها الا ترى في الامم الماضية بالنسبة الى انبيائهم وشاهد ما ذكرنا من الاحاديث لا يستقصى ولا يحصى وهو ايضا معلوم بالضرورة والوجدان لمن راجع وجدانه فلا نطول الكلام بذكر ما هو واضح ظاهر قال تعالى اشارة الى الرحمتين ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يؤمنون اه ولما كانت البسملة هي مقام الاسماء وهي مقدمة في الوجود والتحقق على كل الاشياء من الذوات والصفات والافعال لانها علل ومبادي لمتعلقاتها من الآثار كما ورد في الادعية الكثيرة وباسمك الذي خلقت كذا وكذا وقولي الاسماء علل ليس على اجماله بل لتحقيق الحق في المسئلة لا بد من ذكر تفصيل تركنا ذكره لئلا نخرج عما نحن فيه وان كان ذلك التفصيل نافعا وقد ذكرناه في كثير من مباحثاتنا ولما كانت الاسماء في الوجود متقدمة تقدمت البسملة في الذكر فامر صلى الله عليه وآله ان يقول بسم الله الرحمن الرحيم وقد شرحت البسملة في رسالة منفردة شرحا مبسوطا وان كانت الرسالة ما تمت الى الآن واقتصرت هنا بذكر اشياء لم‌اذكرها في تلك الرسالة ولما كان الاسم لا بد له من التعلق بالاثر وهو الثناء على المؤثر بما عنده من الجميل والكمالات الاختيارية فان الاثر يدل على ما منه بدئ وهو الفعل وصفاته والكل اختياري فالاثر هو نفس الثناء وحقيقة الصفة الكمالية واللسان المثني على المؤثر في كل مقام بطور من الاطوار ولما كان البسملة اذا عددت حروفها كانت تسعة‌عشر واذا استنطقتها كان في النطق واحد وهو حرف الالف اي الهمزة وهي لما تحركت وانبسطت كان عنها الباء وهي لما تكررت وانبسطت كانت عنها الدال وسر هذا التكرير بالاجمال هو ان فعل الفاعل هو الاصل الواحد لما تعلق بالاثر اي باحداثه وايجاده بالله سبحانه وتعالى حدث امران هما مدلولا الباء فعل ومفعول مطلق اي المصدر وهما لما انبسطا وتحركا اي نظر كل منهما الى صاحبه بالامداد والاستمداد حدثت اربعة امور بها تمام كون الشيء من حيث هو وهي مدلول الدال فالدال عن الباء وهي من الالف عن النقطة وما ذكرنا احد الوجوه في معنى هذا التكرير والانبساط وان كان مرجع الكل الى هذا الوجه فبالدال تم الاثر وظهر معلنا بالثناء على المؤثر ثم ان الاثر له مقامان مقام اجمال وهو في الحل والعقد الاولين وهو محل انمحاق الاثر من حيث هو وغلبة ظهور حكم المؤثر عليه لا غلبة اضمحلال وفناء بالكلية بل مع ذكر له في الجملة ولذا كانت الرطوبة التي هي دليل السريان والسعة والنفوذ والاحاطة اربعة اجزاء واليبوسة الارضية التي هي دليل الانجماد وعدم السريان والنفوذ والاحاطة جزء واحدا في الحل والعقد الاولين ومقام تفصيل وهو في الحل والعقد الثانيين وهو محل غلبة حكم الاثر على المؤثر لا غلبة اضمحلال واستهلاك ولذا كانت اليبوسة هنا غالبة وحكم الانجماد وعدم السعة والاحاطة ظاهرا ولما كان الاثر لا بد له من هذين المقامين حتى يتم ويكون بذلك مختارا جامعا مملكا وحقيقة الاثر مؤلفة من اربعة اجزاء واشياء كما في قوله عز وجل ومن كل شيء خلقنا زوجين وكل زوج فردان فالزوجان اربعة وهي مدلول الدال ومعناها وجب تكرير الدال لاستنطاق الحاء ولما كان الاثر له وجهان وجه الى مؤثره ووجه الى نفسه وفي كل وجه لا بد له من السباحة في خمسة ابحر اما في الوجه الاول يسبح في ابحر التوحيد الخمسة اي بحر الباطن وبحر الباطن من حيث هو باطن وبحر الظاهر وبحر الظاهر من حيث هو ظاهر وبحر الظهور وفي الوجه الثاني يسبح في بحر الطبايع الاربع والبحر الخامس هو البحر المحيط الحاوي الجامع لهذه الابحر فيكون كل من هذه الاربعة خليج وطتنج من ذلك البحر الاعظم المحيط وهو عبارة عن الطبيعة الخامسة البسيطة المتحققة اي الظاهرة بعد مزج هذه الطبايع الاربع واقتران بعضها ولما كان يمتنع النظر الى الوجهين بنظر واحد والتفات غير متعدد امتنع ايضا السباحة في هذه الابحر كذلك فهو دايما سابح في خمسة فعند النظر في الاعلى في ابحر اللاهوت وعند النظر الى السفلي في ابحر الناسوت وهذا شان الكامل في المقامين واما الناقص ففي بحر واحد اما الاعلى او الاسفل وان كانت فيه الابحر الاخر فحينئذ وجب ان يتكرر الاثر بمقاميه الاجمالي والتفصيلي خمس مرات وان كان عند سباحته في الابحر الاول لا يجد نفسه في وجدانه اما في وجوده فهو جامع للمقامات الثمانية واما عند السباحة في الابحر الاخر فهو يشاهد نفسه بمراتبه الثمانية فيها والحاصل بعد التكرير هو مدلول الميم ( الميم عند استنطاقها خ‌ل ) فيتم الاثر حينئذ جامع المقامات وحاوي المراتب معلنا بثناء خالقه وباريه بصفاته الجميلة واسمائه الحسنة في كل مرتبة ومقام فالدال هي الآخر لانها هي الاول والحاء هي الاول لانها هي الآخر والميم في الوسط لان لها نسبة الى الاول الذي هو الآخر والى الآخر الذي هو الاول فالدال كانت طائفة حول جلال القدرة ثمانين ‌الف سنة الى ان وصل الى جلال العظمة فظهرت الحاء وخلقت ووجدت فكانت الحاء تطوف حول جلال القدرة فتقدمت في الظهور والدال تطوف حول جلال العظمة فتاخرت والميم في الوسط لانها بالنسبة الى الطرفين يكون الحاصل منها ثمانين وهي المدة بين الجلالين فظهر الحمد ونطق واضاء نوره واشرق ثم عرف بلام التعريف لبيان ان الاثر الاول والمجعول الاول هو الذي القى الله تعالى فيه مثاله فاظهر عنه افعاله فصار بتعريف الله سبحانه معرفا بحيث ماجهله احد فكان بذلك وجه الله الذي لا تعطيل له في كل مكان فاينما تولوا فثم وجه الله

فاعرف الآن معنى قوله عليه السلم ثم قال تعالى احمد لي اي بعد البسملة فانها في مقام الاسم والحمد في مقام الاثر الذي هو متعلق الاسم لان العبادة اي الصلوة في مقام الفرق دون الجمع فقال صلى الله عليه وآله الحمد لله رب العالمين فالحمد هو الثناء باللسان على قصد التعظيم على الجميل الاختياري سواء كان في مقابلة النعمة ام لا فالثناء هو المصدر وهو المفعول المطلق واللسان هو عند غلبة حكم المؤثر على الاثر في الحل والعقد الاولين ان قلنا بان المثني والحامد هو الله سبحانه او نفس الاثرية ان قلنا ان الحامد هو العبد على قصد التعظيم وذلك عند ملاحظة كونه اثرا فحينئذ يكون خاضعا للمؤثر وهو معظم لديه دائما فلا يقصد في ذلك المقام غيره سواء كان في مقابلة النعمة ام لا لان الحمد في مقام المفعول المطلق الناظر الى ربه باسمائه وصفاته وهو الاكمل والى نفسه وملاحظة نعمة الله تعالى فيها المستلزم ( يستلزم خ‌ل ) لمزيد الشكر ولما كان الحمد اصله الدال المكررة وهي اصلها الالف كما ذكرنا فاذا ظهر الاصل الاول مع الفروع كان احمد وهو اسم الاثر والمجعول الاول الذي به تحقق الحمد الذي هو الثناء على الله فان الثناء عليه تعالى في الامكان بالاثر والحدوث فاول الآثار واشرفها واعظم الانوار وانورها هو اللائق للتسمية بالحمد فعلى هذا يكون احمد اسمه في العالم الاعلى المعبر عنه بالسماء واذا تكررت الميم لظهور المراتب والمقامات باجمعها فيه كان محمد صلى الله عليه وآله وهو اسمه في العالم الاسفل المعبر عنه بالارض ولما كان الحمد هو الثناء على الله تعالى مطلقا سواء كان في مقابلة النعمة ام لا فيكون متعلق الحمد هو الاسم الاعظم الله لانه هو الجامع لصفات القدس والاضافة والخلق ففي مقام القدس لا تعتبر ( لا يعبر عنه خ‌ل ) في متعلقه الافاضة والنعمة كاعتبارها في متعلق صفات الخلق ولما كان محمد صلى الله عليه وآله اضمحلت مشيته في مشية الله بل لا مشية له تعالى سوى مشيته ولا مشية له صلى الله عليه وآله سوى مشية الله كما قال تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله جعل الحمد لله مقترنا بلام الملكية والاختصاص فهو صلى الله عليه وآله مع اوصيائه الصديقين عليهم السلم الذين لله سبحانه في وجودهم ووجدانهم واما ساير الخلايق فليسوا كذلك لانهم وان كانوا لله في وجودهم وحقايقهم وذواتهم وصفاتهم وكينوناتهم الا انهم لا يجدون ولا يستشعرون بذلك دائما والا لماعصوا ولو كان بترك الاولى فلا يصدق للاختصاص التام بكل وجه الا محمد وآله صلى الله عليه وآله ولذا قال الحمد لله فالحمد مادته الشكل المربع وصورته وهيئته الشكل المثلث فعند الاجتماع هو السبعة ولذا اشتملت على سبع آيات وهو السبع المثاني ليكون اربعة عشر وعند الضرب وملاحظة كل النسب يكون اثني عشر وهم الاصول التي تدور عليها الفصول ولما كان الاثر لا يقوم ولا يتحقق الا بالمؤثر وحالة العبادة وجدان الاثر والتوجه به الى المؤثر بحيث يكون ظهور المؤثر اقوى واغلب على ظهور الاثر ولما كان في مقام الاثر لا يظهر المؤثر بذاته وانما ظهوره باسمائه وصفاته ولذا بعد الحمد لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله شكرا لما شاهد من عظم آلائه ونعمائه عليه وشاهد الاثر قال له تعالى اقطعت حمدي فسم باسمي توجه اليه تعالى باسمه فقال رب العالمين جمع العالم لبيان تعدد انواعه ومراتبه واختلفت الاخبار في تعدادها ففي بعضها العوالم ثلثة وفي بعضها اربعة وكذا خمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة وعشرون وثلثون واربعون وخمسون وستون وسبعون وثمانون وتسعون ومائة والف والف‌الف والذي عددنا من العوالم تسعة وثلثون‌ الف ‌الف وتسعمائة ‌الف وتسعمائة وثمانون عالما وليس هذا مقام شرحها وبيان احوالها والربوبية على اوجه ثلثة اولها هي الربوبية اذ لا مربوب وهي ربوبية الذات البحت رتبة الاحدية المحضة ثانيها الربوبية اذ مربوب ذكرا واذ لا مربوب عينا وكونا وهي مقام الواحدية مبدء الاسماء والصفات ( الصفات الصفات خ‌ل ) الفعلية وهي النبوة التي هي باطن الولاية وثالثها الربوبية اذمربوب ذكرا وعينا وهي مقام الرحمانية وتفاصيل الاسماء المتقابلة المختلفة وهي مقام الولاية التي هي باطن النبوة الظاهرة فالنبوة الظاهرة مثالها الشمس وهي مستمدة من الكرسي الذي هو مثال الولاية المطلقة التفصيلية وهو مستمد من العرش الذي هو مثال النبوة الحقيقية الاجمالية فافهم ضرب المثل وانما ذكر الربوبية بعد ذكر الالوهية لكونها تفاصيل الالوهية ثم اشار الى تفاصيل الربوبية الثالثة بدوا وعودا بقوله الرحمن الرحيم فالرحمن اشارة الى الرحمة الواسعة العامة المطلقة التي بها يعطي الرحمن كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه وهي رتبة الربوبية اذ مربوب ذكرا وعينا فلها وجهان وجهتان حسب المتعلق احديهما الفضل وهو رحمة الرحيم فاشار اليها به كما سبق في البسملة والثانية رحمة العدل وقد اشار اليها بقوله تعالى مالك يوم الدين ويوم الدين يوم الجزاء يوم ترتب المسببات على اسبابها والمقتضيات على مقتضياتها ورد الفروع الى اصولها وذلك عند ما استوى الرحمن على العرش الا ان الظهور العام والبروز التام لهذا المعنى عند وصول الخلق في صعودهم الى عالم الذر الاول او الثالث او الثاني المعبر عنه بالعود والقيمة الصغرى والكبرى ولتفصيل هذه الكلمات مقام آخر ولما كان العبادة في مقام الفرق والفصل والتمييز لا في مقام الجمع اي التوجه الى الحق سبحانه باسمائه والاعراض عن نفسه وذاته بالكلية اذن يرتفع الشعور الغيري والادراك الظاهري وياتي مقام اطفأ السراج فقد طلع الصبح ولذا عطف الكلام عن مقام الربوبية المطلقة وذكر الاسماء وشاهد نفسه مضمحلا عند ربه ومقهورا تحت هيمنة سلطانه فابتدء بالرب عز وجل وخاطبه لما شاهده بعين سره وحقيقته من نور عظمته فقال اياك نعبد واياك نستعين ومن هنا الى تمام السورة ذكر متعلقات الاسماء المتقدمة لان كل اسم له متعلق يختص به فالعبادة خاصة له تعالى بازاء الاسم الله القاهر بهيمنته وجبروته كلما سواه وهو الاسم الخاص بالنور الابيض يدعو الله سبحانه بذلك الاسم الاعظم الاجل الاكرم فيفنى عنده كلما سواه فيقف خاضعا ذليلا بين يديه معترفا بانه الله فيحصر العبادة له اذ لا غيره قال في الدعاء لا يرى نور الا نورك ولا يسمع صوت الا صوتك فاذا وجد نفسه انها الفانية الباطلة الفقيرة المحتاجة ويجد ربه انه المستقل الثابت منه الجود والكرم والفيض فيقصد بابه ويتوجه اليه بسر ذلة عبوديته ويستمد منه بفقره وفاقته فيقول اياك نستعين فيحصر الاستعانة منه تعالى لا من سواه لانه مثله في الفقر والفاقة فكيف يطلب محتاج محتاجا واني يرغب معدم الى معدم ولما كان هو سبحانه رب العالمين فوجب منه الاستعانة ثم لما كان التوجه اليه تعالى وسلوك السبيل الموصل اليه هو مبدء كل خير واصل كل فيض طلب من الله اولا ان يهديه الى ذلك فقال اهدنا الصراط المستقيم اي دلنا وارشدنا بمددك وعونك التكويني والتشريعي الى الصراط المستقيم الغير المايل عن الحق وعن النهج القويم في الطريقين اي طريق النزول الصعود وقطع مسافة القوسين قوس الادبار وقوس الاقبال ولما كان الصراط المستقيم هو متعلق اسم الرحمن لاشتماله على صراط الجنة والنار والخير والشر كما قال عز من قائل فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد الى السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما ولما كان الصراط المستقيم هذا حاله والمطلوب هو الصراط المستقيم الذي قال عز وجل وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وهو متعلق اسم الرحيم صاحب الرحمة المكتوبة كما سبق قال صراط الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهو صراط على واولاده الطاهرين عليه وعليهم سلام الله اجمعين كما يشهد عليه فواتح السور بعد حذف المكرر فيستنطق : صراط علي حق نمسكه وهي الحروف النورانية وما سواها كلها ظلمانية ثم اشار الى متعلق الوجه الاسفل للرحمن اي مالك يوم الدين فقال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فالاولون هم الرؤساء المتبوعون الائمة الذين يدعون الى النار والآخرون هم التابعون القائلون ومااضلنا الا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم اذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب ولو اردنا الاشارة الى باطن هذه السورة وتأويلها لادى الى تطويل المقال وذكر ما لا يجوز اظهاره ويجب كتمانه صونا عن الجهال من اصحاب القيل والقال وما ذكرنا كفاية لمن اعرض عن المراء والجدال ولما بلغ النبي صلى الله عليه وآله باتمام هذه السورة المباركة مقام الجامعية المطلقة الجامعة لمقامات الربوبية او ظهور الاسماء الالهية الكلية وظهور المقامات البرزخية واطوار العبودية لان نفسه الشريفة المقدسة عبارة اخرى لسورة الحمد وهو الحمد التكويني وهذه السورة شرح صفته وبيان رسمه ( اسمه خ‌ل ) فاعطاه الله سبحانه بذلك ما لم يعطه احدا من العالمين بحيث طاطا كل شريف لشرفه وبخع كل متكبر لطاعته وخضع كل جبار لفضله وذل كل شيء له فنظر الى هذه النعمة العظيمة والمنقبة الجسيمة وعرف ان الله سبحانه هو الذي اعطاه وهداه فقال بعد تمام السورة الحمد لله رب العالمين او قال هذه الكلمة الحاقا بالآخر للاول وتبيينا ان الاول هو عين الآخر ولما كان هذا النظر واللحاظ انما نشا من مشاهدة نفسه وان كان على جهة الخضوع والذلة ومقام العبادة مقام تساوي النظرين بل الغلب للنظر الى جانب المبدء واستمداده منه قال تعالى له عند ذلك اقطعت ذكري فسم باسمي

فقال ايضا صلى الله عليه وآله بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم ثم امره تعالى بان يتوجه الى التوحيد الشهودي دون الحقيقي المانع المنافي للعبادة لان النظر كلما قوي اليه تعالى قوي النور في العبد لان النظر الى جانبه الاقدس نظر الى الحرارة والنظر الى النفس وفقرها وفاقتها فنظر الى البرودة واين البرودة من الحرارة فقال عز وجل اقرء قل هو الله احد كما انزلت فانها نسبتي ونعتي فقرء قل هو الله احد قل فعل امر نتج من كن وهو السر الوجودي والنور الالهي والخطاب الشفاهي الذي هو مادة الحادث المجعول الاول اولا وبالذات وساير الخلايق ثانيا وبالعرض وهو قول الهي وخطاب يشتمل على بيان معرفة الحق سبحانه والوصف الحالي الكوني الحامل لظهوره فاول مرتبة الوصف توصيفه بالهوية اي الذات المتاصلة القائمة بذاتها المستغنية عما عداها ثم توصيف الهوية بالالوهية صاحب الهيمنة والظاهرة بصفات القدس وصفات الاضافة والخلق ثم توصيف الالوهية اي الذات بالاحدية المحضة الصرفة التي ليس فيها شوب كثرة ولو فرضا ووهما واعتبارا انعدم فيها ذكر الكثرة فضلا عن وجودها وهي الوجه الاعلى من الالوهية ولما كانت القرائة في ليلة المعراج كان من الاعلى الى الاسفل لا العكس لانه شان الصاعدين وهو صلى الله عليه وآله الصاعد الواصل فيقطع المسافات النازلة على ترتيب الاقدم فالاقدم فبقل وجد كينونته وذاته اي مادة وجوده فنظر الى الوجه الاعلى منها فشاهد الهوية الالهية بالمشاهدة الرسمية ثم نزل الى مقام ظهور الالوهية ثم منها الى مقام الاحدية ثم نظر الى حقايق الامكان وشاهد مع فقرها دعويها الربوبية فتوجه اليه سبحانه فنزهه عن الصفات الامكانية باثبات ونفي اما الاثبات ففي قوله الله الصمد هذه الالوهية هي الظاهرة بصفة الواحدية فهو الصمد المصمت لا مدخل فيه للاوهام والعقول والاحلام ولا شيء مما خلقه جل وعلا فهو المتعالي عن ان تصل اليه الادراك كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم واذا لم تنله المدارك فغيرها بالطريق الاولى ولا يخرج منه شيء لتغير حالته وتزول ابديته فاذن هو المستغني عن كل ما عداه وكلما عداه محتاج ومفتقر اليه فغناه الذاتي يستلزم استجماعه لجميع الكمالات وبيان هذه الخصوصيات والاشارات مما يطول فالاقتصار على الاشارة باخصر العبارة اولى واما النفي ففي قوله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وذلك تفصيل للصمدية لان الصمد هو السيد المطاع المصمود اليه الخلايق كلهم اجمعون وفي التوحيد عن وهب بن وهب القرشي قال سمعت الصادق عليه السلم يقول قدم وفد من اهل فلسطين على الباقر عليه السلم فسئلوه عن مسائل فاجابهم ثم سئلوه عن تفسير الصمد فقال عليه السلم تفسيره فيه الصمد خمسة احرف فالالف دليل على انيته وهو قوله عز وجل شهد الله انه لا اله الا هو وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواس واللام دليل على الهيته بانه هو الله والالف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على ان الهيته بلطف خافية لا تدرك بالحواس ولا يقع في لسان واصف ولا اذن سامع لان تفسير الاله هو الذي اله الخلق عن ادراك مائيته وكيفيته بحس او بوهم لا بل هو مبدع الاوهام وخالق الحواس وانما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على ان الله سبحانه اظهر ربوبيته في ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما ان لام الصمد لم يتبين ولم يدخل في حاسة من الحواس الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي فمتى تفكر العبد في مائية الباري وكيفيته اله وتحير ولم يحط فكرته بشيء يتصور له لانه عز وجل خالق الصور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انه عز وجل خالقهم ومركب ارواحهم في اجسادهم واما الصاد فدليل على انه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده على اتباع الصدق بالصدق ووعد الصدق دار الصدق واما الميم فدليل على ملكه وانه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه واما الدال فدليل على دوام ملكه وانه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال هو الله عز وجل مكون الكائنات الذي كان بتكوينه كل كائن ثم قال عليه السلم لو وجدت لعلمي الذي اتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والدين والاسلام والايمان والشرايع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدي امير المؤمنين عليه السلم حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر سلوني قبل ان تفقدوني فان بين الجوانح مني علما جما هاه هاه الا لا اجد من يحمله الا واني عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور ثم قال الباقر عليه السلم الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادة الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وجنبنا عبادة الاوثان حمدا سرمدا وشكرا واجبا في قوله عز وجل لم يلد ولم يولد يقول لم يلد عز وجل فيكون له ولد يرثه في ملكه ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه ولم يكن له كفوا احد فيعاونه في سلطانه وفي العلل عن مولينا الرضا عليه السلم فان قال قائل فلم بدء بالحمد في كل قراءة دون ساير السور قيل لانه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد وذلك ان قوله الحمد لله انما هو اداء لما اوجب الله على خلقه من الشكر وشكر لما وفق عبده للخير رب العالمين تمجيد له وتحميد واقرار بانه هو الخالق المالك لا غير الرحمن الرحيم استعطاف وذكر لربه ونعمائه على جميع خلقه مالك يوم الدين اقرار له بالبعث والحساب والمجازاة وايجاب له ملك الآخرة كما اوجب له ملك الدنيا اياك نعبد رغبة وتقربا الى الله واخلاصا بالعمل له دون غيره واياك نستعين استزادة من توفيقه وعبادة واستدامة لما انعم الله عليه ونصره اهدنا الصراط المستقيم استرشادا لادبه ومعتصما بحبله واستزادة في المغفرة لربه ولعظمته على اوليائه ورغبة في مثل ذلك النعم غير المغضوب عليهم استعاذة من ان يكون من المعاندين الكافرين المستخفين بامره ونهيه ولا الضالين اعتصاما من ان يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في امر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الاشياء الحديث ولان الحمد فاتحة وجامع لجميع ما في القرآن كله بجميع اسراره كما قال امير المؤمنين عليه السلم كلما في القرآن في الحمد وكلما في الحمد في البسملة وكلما في البسملة في الباء وكلما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء انتهى فقراءة الحمد مع ايجازه واختصاره واشماله على البسملة والباء والنقطة قراءة جميع الكتب المنزلة السماوية والسور الالهية فانظر ماذا ترى وقد ورد ان قل هو الله احد ثلث القرآن لان القرآن جامع لبيان احوال الحق سبحانه وصفاته وتوحيده وبيان احوال الخلق وصفاتهم وحقايقهم وذواتهم وبيان النسبة بين اسمائه تعالى عند اقترانها بالخلق وكيفية سلوك الحق مع الخلق والاشارة الى الاول في الحمد من الاول الى قوله تعالى مالك يوم الدين والى الثاني فيه من قوله اهدنا الصراط المستقيم الى الآخر والى الثالث فيه اياك نعبد واياك نستعين ولذا قيل ان في الحمد ثلثة مقامات مقام حق لا خلق فيه ومقام خلق لا حق فيه ومقام حق وخلق وجميع العلوم والاحوال المفصلة في القرآن وفي ساير الكتب المنزلة ترجع الى هذه المقامات الثلثة فصار الحمد اجمال ما فصل في كل القرآن وقل هو الله احد لما كان فيها محض بيان التوحيد الذي هو مقام الحق الذي لا خلق فيه كانت بمنزلة ثلث القرآن فاذا كررها ثلث مرات فقد ختم القرآن كله اذ كل مرة تصير بازاء ظهور من ظهورات التوحيد في عالم من العوالم الثلثة التي عليها بني الوجود المقيد كله عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك والحاصل ان السورة انها كانت تفصيل اجمال الحمد وانما وجبت السورة في الصلوة بعد الحمد لوجوب ظهور التفصيل بعد الاجمال وقران المفصل بالمجمل الا ترى اقتران العرش بالكرسي والكرسي بالعرش الا ان سورة التوحيد لاشتمالها على اشرف المراتب واسنى المقامات التي هي التوحيد كانت افضل ولا ينبغي للمصلي تركها وان كانت السور الاخر تؤدي مؤداها لكن لا بصراحتها وظهورها في الخلق ( الحق خ‌ل ) كصراحة ساير السور وظهورها في الخلق ( الخلق فافهم خ‌ل )

وانما وجبت قراءة القرآن في الصلوة حالة القيام لبيان ان العبد القائم بخدمة مولاه لا علم له الا ما علمه الله ولا يعرف شيئا الا ما عرفه الله واذكروه كما هديكم لعلكم تفلحون ولبيان ان الله سبحانه هو المتجلي لخلقه بخلقه فالخلق لسانه وعلى الله بيانه فحين ما يقرء القرآن هو لسان الله وحين التكبير والركوع والسجود اثبات عبوديته ومقام خضوعه وذلته كما يأتي ان شاء الله

اما الجهر والاخفات وعلتهما فاعلم ان الصلوة في النهار اخفاتية لانها بازاء عالم الانوار فهناك مقام اندكاك الانية وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا فصلوة الظهر لاهل عالم الجبروت عالم العقول والعقل مقهور تحت جلال العظمة ومضمحل عند سطوع اشعة انوار الجلال والقدرة فشانه الاخفات وصلوة العصر لاهل عالم الارواح اصحاب الرقايق وهؤلاء وان كان عندهم كثرة الا انها لقربها الى عالم العقول متلاشية فجري عليها حكم اهل ذلك العالم كانت اخفاتية واما صلوة المغرب فلاهل عالم النفوس في الوجه الاعلى لظهور الكثرة في النفس وقربها من الروح القريب من العقل المقتضي للوحدة فظهر هناك وقت المغرب الممتزج نوره بظلمة الكثرة وحجاب الانية فوجب الجهر في الصلوة والقراءة لبعد اهل ذلك العالم عن المبدء وتمكن الظلمة فيهم فكانوا لا يسمعون ولا يلتفتون الا بجلى البيان وواضح الاداء كما ذكرنا في الاذان واما صلوة العشا فلاهل عالم الطبيعة المبتلين بظلمة الكسر وظلمة الموت وظلمة جوهر الهباء ظلمات متراكمة بعضها على بعض فلا يتوجهون بذاتهم وكينونتهم الى الله سبحانه ولا يطلبون قربه ورضاه الا بمنبه عظيم صوته بالغ حجته واضح محجته يظهر النور في ذلك الليل الديجور فوجب الجهر البتة واما صلوة الصبح فلاهل عالم الصوغ الثاني بعد الكسر في الطبيعة ومقام ظهور الانوار العقلية والاسرار الحقية في العالم الجسماني في البدن الانسان فهو بين ظلمة الاجسام ونور ظهور الارواح ولما كان نور الظهور في الزيادة ويتعقبه النور باذهاب ظلمة الديجور كان له حكم النهار ولما كان في مقام اول ظهور النور واول مقام اقتران الارواح بالاجسام والاجساد ليست المراتب والقوي والمشاعر ناضجة نضج التام لتكون متمحضة في التوجه الى الله سبحانه لياتي الاخفات فوجب الجهر فللصبح حكم البرزخية ولذا سئل مولينا الباقر عليه السلم عن الساعة التي ليست من النهار ولا من الليل قال عليه السلم هي الساعة بين الطلوعين وهي من ساعات الجنة وفي علل ابن شاذان عن الرضا عليه السلم فان قيل فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولا يجهر في بعض قيل لان الصلوة التي يجهر فيها انما هي صلوات في اوقات مظلمة توجب ان يجهر فيها لان يمر المار فيعلم ان هيهنا جماعة فاذا اراد ان يصلي صلى لانه ان اتى جماعة يصلي فيها سمع وعلم ذلك من جهة السماع والصلوتان اللتان لا يجهر فيهما فانما هي صلوة تكون في النهار وفي اوقات مضيئة فهي تعلم من جهة الرؤيا فلا يحتاج فيها الى السماع الحديث وما ذكره عليه السلم هو معنى ما ذكرته لك حرفا بحرف فتفطن فصلوة الظهر عند مبدء الوجود قال تعالى في حديث المعراج يا محمد صلى الله عليه وآله ادن من صاد وتوضا لصلوة الظهر وصلوة العصر عند ذكر الماهية ونسبة ربطها بالوجود وصلوة المغرب عند اقتران الوجود بالمهية اول الظلمة وصلوة العشاء عند تمام الاقتران واستيلاء حكم المهية والحدود وترتب احكامها عليه في نسبة الشهوات والافعال والميولات اليه وصلوة الصبح عند وجدان نفسه انه عبد ومربوب لله عز وجل وذلك بعد قتل سيدالشهداء سيد شباب اهل الجنة عليه السلم وروحي له الفداء فافهم راشدا واشرب صافيا

قال عليه السلم ثم طاطا يدك واجعلها على ركبتيك فانظر الى عرشي قال رسول الله صلى الله عليه وآله فنظرت الى عظمة ربي ذهبت لها نفسي وغشي عليّ فالهمت ان قلت سبحان ربي العظيم وبحمده لعظيم ما رأيت فلما قلت ذلك تجلى الغشي عني حتى قلتها سبعا الهم ذلك فرجعت الى نفسي كما كانت فمن اجل ذلك صار في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده فقال ارفع راسك فرفعت راسي فنظرت الى شيء ذهب منه عقلي فاستقبلت الارض بوجهي ويدي فالهمت ان قلت سبحان ربي الاعلى وبحمده لعلو ما رايت فقلتها سبعا فرجعت الى نفسي كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي فقعدت فصار السجود فيه سبحان ربي الاعلى وبحمده وصارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي فالهمني ربي عز وجل وطالبتني نفسي ان ارفع راسي فرفعت ونظرت الى ذلك العلو فغشي عليّ فخررت لوجهي واستقبلت الارض بوجهي ويدي وقلت سبحان ربي الاعلى وبحمده فقلتها سبعا ثم رفعت راسي فقعدت قبل القيام لاثني النظر في العلو فمن اجل ذلك صارت سجدتين وركعة ومن اجل ذلك صار القعود قبل القيام قعدة خفيفة

اقول بعد ما فرغ عليه السلم عن الانتصاب والقيام وقراءة كلام الملك العلام والقيام بخدمته في اوامره ونواهيه امره الله سبحانه بالخضوع التام والخشوع العام وفقدان نفسه والرجوع الى ربه والتذلل بين يديه والاذعان بانه في جميع طاعته وعبادته وخدمته مقهور ذليل بين يديه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا فمال الى الانحطاط وافناء نفسه عند سطوع ظهور ربه فالركوع حالة متوسطة بين الفناء المطلق المناسب لحال السجود والشعور المطلق المناسب لحال القيام ولذا كان الركوع اشرف واعلى من القيام كالسجود منه لان المناط في الصلوة اظهار الخضوع والخشوع وابراز العبودية المحضة لمقام الالوهية فما تمحض في الخضوع كان اقرب الى الله تعالى لانه سبحانه عند المنكسرة قلوبهم فاذا جعلنا الصلوة شرحا لظاهر الوجود يكون التكبيرة مقام الاجسام مقام ظهور الكبرياء والقيام مقام النفوس الظاهرة بالكثرات والشئون واظهار الخضوع والخشوع وسريان نور العظمة في جميع اطوار الكاف والنون والركوع مقام العقول وعالم الجبروت ورتبة الجلال واضمحلال الكثرات ورجوع الامر الى حق وخلق لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما والى عابد ومعبود وبطلان استقلال كلما سوى الله والسجود مقام الفؤاد وباب المراد ورتبة الاتحاد والاضمحلال عن شهود نفسه ووجدان حقيقته وذاته وسره وهو اقرب الاحوال الى الله تعالى واذا جعلنا الصلوة مفتتحها مقام العقل لما ذكرنا من ان العاقل هو المصلي لا سواه فتكون تكبيرة الافتتاح اشارة الى مقام العقل المنخفض والقيام اشارة الى مقام العقل المستوي والركوع اشارة الى مقام العقل المرتفع والسجود اشارة الى مقام الحقيقة والنور ومرتبة المشاهدة والسرور وذلك لا يكون الا بفناء السريرة وان جعلنا الصلوة شرحا لباطن الوجود فتكون تكبيرة الاحرام اشارة الى توحيد العبادة لان المصلي بها يحرم على نفسه الالتفات والنظر الى غير جهة المعبود الواحد الحق لان العبادة هي التوجه والانقطاع الى جهة المعبود لا غير والقيام اشارة الى توحيد الافعال وارجاع المبادي كلها الى مبدء واحد فان الحمد والسورة هما كلام الله التدويني وهو على طبق الكلام التكويني حرفا بحرف انظر الى نسبة الكلام الى المتكلم في التدوين والصفات واعتبر وقس عليها حال نسبة الكلام الى المتكلم في التكوين لا يسمع فيه صوت الا صوتك ولا يرى فيه نور الا نورك والركوع اشارة الى توحيد الصفات بوجدان ذات واحدة جميع ما عداها صفاتها واسمائها ولا يرى الغير ابدا لان الاثر يكون منشأ اشتقاق اسم المؤثر مطلقا فالناظر الى الاثر ناظر الى الاسم وهذه الاسماء هي اسماء الافعال لا اسماء الذات والى هذا المعنى اشار الشاعر بقوله :

لو اقسم المرء بالرحمن خالقه بان كل الورى لا شيء ماحنثا

ان كان شيء فغير الله خالقه الله اكبر من ان يخلق العبثا

والسجود اشارة الى توحيد الذات وعدم مشاهدة الصفات كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلم كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث في مصباح الشريعة عن مولينا جعفر بن محمد الصادق عليه السلم في باب الركوع لا يركع عبد لله تعالى ركوعا على الحقيقة الا زينه الله بنور بهائه واظله في ظلال كبريائه وكساه كسوة اصفيائه والركوع اول والسجود ثان فمن اتى بمعنى الاول صلح للثاني وفي الركوع ادب وفي السجود قرب ومن لا يحسن الادب لا يصلح للقرب فاركع ركوع خاشع لله بقلبه ومتذلل وجل تحت سلطانه خافض له بجوارحه خفض خائف حزن على ما يفوته من فائدة الراكعين وحكي ان ربيع بن خشيم كان يسهر بالليل الى الفجر في ركعة واحدة فاذا اصبح تزفر قال سبق المخلصون وقطع بنا واستوف ركوعك باستواء ظهرك وانحط عن همتك في القيام بخدمته الا بعونه وفر بالقلب من وساوس الشيطان وخدايعه ومكايده فان الله يرفع عباده بقدر تواضعهم له ويهديهم الى اصول التواضع والخشوع والخضوع بقدر اطلاع العظمة على سرائرهم الحديث فاذا ظهر نور العظمة في القلب خضع واذا خضع وخشع بظاهره وباطنه وسره وعلانيته كان نظره الى نور العظمة اكثر واوفر واعلى ولذا قال صلى الله عليه وآله فنظرت حالة الركوع الى عظمة ربي بعد ما امره الله سبحانه بالنظر الى العرش فالعرش هو تلك العظمة قال صلى الله عليه وآله فذهبت لها نفسي وغشي عليّ وهذا الغشي عن مشاهدة احوال الخلق وكينوناتهم وجهات تلقياتهم الفيض عن الله سبحانه وانظر الى الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي تحترق معه الاسماء وتسقط عنده الصفات والاضافات ولذا الهم صلى الله عليه وآله ان قال سبحان ربي العظيم وبحمده فان التسبيح مقام التنزيه وفيه ذكر الغير فان النفي فرع الاثبات واما التسبيح في السجود فليس كما في الركوع وانما هناك قال عليه السلم كشف سبحات الجلال من غير اشارة وبينهما فرق واضح ليس الآن موضع ذكره وبيانه لادائه الى التطويل الممل واسم العظيم هو اعظم الاسماء بعد العلي كما قال مولينا الرضا عليه السلم على ما رواه في معاني الاخبار ان الله سبحانه اول ما اختار لنفسه العلي العظيم فالعلي العظيم اسمان مقرونان اختارهما الله سبحانه قبل خلق الخلق والاسماء والصفات الا ان الاول اول والثاني ثاني ولما كان الركوع ثاني السجود وتاليه والسجود اوله جعل الاعلى في السجود والعظيم في الركوع فالتسبيح في مقام العظمة تنزيه مع الاشارة وهو مقام الواحدية ومقام ظهور الالوهية وفي مقام العلو في السجود تنزيه من غير اشارة وهو مقام الاحدية وظهور الوجه الاعلى من الهوية وانما قاله سبع اي ذكر الركوع سبع مرات لظهور ذلك التسبيح في سبعة هياكل تثني بتثنية الركوع في كل صلوة فيتم بذلك الاربعة عشر يد الله ووجه الله واسما الجواد والوهاب هذا في الوجه الباطني المراد في الحقيقة اما الوجه الظاهري فلظهور نور التسبيح في سبع مراتب الشيء الحاصلة من اجتماع شكلي المثلث والمربع فيه كما شرحناه في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل وانما لم تجب السبعة لضعف كينونة الخلق عن ملاحظة السبعة على التفصيل وسريان نور التسبيح فيها بل اكتفي بالمرة الواحدة للملاحظة الاجمالية فافهم واتقن ولما كان الركوع هو الخضوع لاجل ما راى المصلي في قيامه انه قام بنفسه فيركع بجميع اعضائه ويخفض بجميع ( بتمام خ‌ل ) جوارحه لازالة ذلك فجازاه الله سبحانه بان يظهر له ان الله هو الذي قواه واقام نشاته فقال ارفع راسك لبيان ان الخضوع لله والانكسار له يعقبه الارتفاع كما ان القيام بالامر يعقبه الخضوع والانكسار ولذا قال صلى الله عليه وآله فرفعت راسي فنظرت الى شيء ذهب منه عقلي لبيان ( لبيان ان خ‌ل ) الخضوع والخشوع لله عز وجل يوجب الارتفاع الى الدرجات العالية والمقامات المتعالية ومشاهدة انوار الجمال الموصلة الى مقام الوصال الناشئة عن كمال المحبة المقتضية لفناء المحب عن نفسه في مشاهدة المحبوب ولذا وقع صلى الله عليه وآله وخر على الارض وقال صلى الله عليه وآله فاستقبلت الارض بوجهي ويدي الارض هي الموت وطبعها البرودة واليبوسة وخاصيتها العدم ولذا كان اسم الله المربي للارض المميت وانما استقبل بها بوجهه ويده اما الوجه فلانه محل معروفيته ومقام جريان الاحكام عليه واما اليد فمقام قدرته وتأثيراته وآثاره وشئونات آثاره وجميع احوال الشيء تدور على الاصلين وهما الوجه واليد ومعنى استقباله بهما الى الارض ميله صلى الله عليه وآله اياهما الى العدم اي الفناء والاضمحلال لانه مقام ظهور الوصال وسطوع نور العالي الظاهر بالجلال والجمال وذلك مقام السجود فالسجود مقام المحبين والركوع مقام المتقين العابدين والقيام مقام العالمين العاملين والتكبير مقام الزاهدين السالكين وقد اشار الله سبحانه الى السجود بعد الركوع اي رفع الراس منه بقوله عز وجل في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم قال مولينا الصادق عليه السلم في مصباح الشريعة ماخسر والله من اتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرة واحدة وماافلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال نسبتها بمخادع نفسه غافل لاه عما اعد الله للساجدين من البشر العاجل وراحة الاجل ولابعد عن الله ابدا من احسن تقربه ( بقربه خ‌ل ) في السجود ولاقرب اليه من اساء ادبه وضيع حرمته بتعلق قلبه لسواه وفي حال سجوده فاسجد سجود متواضع له ذليل عالم انه خلق من تراب تطاه الخلق وانه ركب من نطفة يستقذرها كل احد وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب اليه بالقلب ( بالقرب خ‌ل ) والسر والروح فمن قرب منه بعد عن غيره الا ترى في الظاهر انه لا يستوي حال السجود الا بالتواري عن جميع الاشياء والاحتجاب عن كلما تراه العيون كذلك امر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلوته بشيء دون الله فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما اراد الله منه في صلوته قال الله عز وجل ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله تعالى لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعة وجهي وابتغاء مرضاتي الا لوليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه مكتوب اسمه في ديوان الخاسرين الحديث ولما كان السجود هو الخضوع والاضمحلال بكله وكليات المراتب انما هي سبعة فوجب ان يضع الاعضاء السبعة على الارض ولما كان بكل خضوع وفناء يظهر نور من انوار التوحيد وكان التوحيد الاعلى قد ظهر في سبعة هياكل وتكررت في عالمي الغيب والشهادة والظهور والمظهر الى ان صار الوجه اربعة عشر وجب تكرار السجود اما ذكر التسبيح فلما مر لما نظر الى ربه الاعلى جعل نفسه اسفل او بالعكس والسجود اشارة الى مقام محمد صلى الله عليه وآله لكونه اخضع الخلق لله عز وجل ولذا كان هو الملقب بالحبيب وينصرف اليه عند الاطلاق وذلك حين طوافه على جلال القدرة فكان هو الذكر الاعلى والركوع اشارة الى مقام امير المؤمنين عليه السلم حين طوافه حول جلال العظمة فكان هو الذكر العظيم قال تعالى وهو العلي العظيم فصار العلي اسما لامير المؤمنين عليه السلم حين طوافه حول جلال القدرة فافهم والقيام اشارة الى مقام الحسن عليه السلم لكونه تالي الركوع والتكبيرة اشارة الى مقام الحسين عليه السلم اذ به ظهر التوحيد والكبرياء وحرمة النظر الى ما سوى الله والنية الجامعة الحاوية من حيث الحواية والجامعية اشارة الى مقام فاطمة عليها السلم او قل ان النية اشارة الى مقام النبي صلى الله عليه وآله والتكبيرة اشارة الى مقام فاطمة عليها السلم والقيام اشارة الى مقام مولينا امير المؤمنين عليه السلم لانه القائم على كل نفس بما كسبت وهو لسان الله الناطق بالكلام التكويني والتدويني على جميع الانام والركوع اشارة الى مقام سيدنا الحسن عليه السلم والسجود اشارة الى مقام مولينا الحسين عليه السلم وللكل وجه مناسبة لا يخفي على المتامل الفطن قيل لما احترق عالم الخلق في نظر الساجد من اجل الدعاوي التي كانت من اول الصلوة الى حين السجود ومنه يرتفع الحجب والاستار ويحرق سبحات وجهه سبحانه وهو عالم الانوار ما ادركه البصر من عالم الخلق والآثار فحينئذ يستغرق المصلي العارف في نور الله تعالى ويتقلب فيه حيث يشاء فيرفع راسه من السجود اشارة الى ان المحترق منه هو الدعوي ووصل الى عالم الانوار الذي ليس فيه دعوى اصلا فيستغفر من الدعوى ويتوب الى ربه الاعلى برجوعه الى عالم النور والضيا اما الطمانينة فالمراد بها الثبات لتحقيق ما يتجلى به في المقامات السابقة عليها او الملابسة لها من الانوار المختصة بكل من المقامات فاذا شرع واتى بقدر ما اطلق عليه الاسم فقد فاته علم كثير ومن ثبت فاستقر بالاطمينان يتمكن من ان يناله شان من الشان انتهى

قال عليه السلم ثم قمت فقال يا محمد صلى الله عليه وآله اقرء الحمد فقرءتها مثل ما قرءتها اولا ثم قال لي اقرء انا انزلناه في ليلة القدر فانها نسبتك ونسبة اهل بيتك الى يوم القيمة ثم ركعت فقلت في الركوع والسجود مثل ما قلت اولا وذهبت ان اقوم فقال يا محمد صلى الله عليه وآله اذكر ما انعمت عليك وسم باسمي فالهمني الله ان قلت بسم الله وبالله لا اله الا الله والاسماء الحسنى كلها لله فقال لي يا محمد صل عليك وعلى اهل بيتك فقلت صلى الله على وعلى اهل بيتي وقد فعل

اعلم ان العالم عالمان عالم البدو وعالم العود وهما وان كانا واحدا لان البدو هو العود كالعكس ويشير اليه قوله تعالى كما بدءكم تعودون على ما تقرر عندنا ان المشبه في القرآن عين المشبه به وما مصدرية فيكون الكلام بدؤكم عودكم الا ان العود لما كان صعودا بعد النزول ووصولا بعد الذهول وهما متطابقان في الظهور والصفات والشئونات ولذا كانت الصلوة ركعتين فالاولى تشير الى ظهور العظمة على مواقع الخضوع والخشوع في العالم الاول البدوي والثانية تشير الى ظهورها في العالم العودي وكلاهما متطابقان بل متحدان ولذا كان صلى الله عليه وآله لما احياه الله تعالى من ظلمة العدم الامكاني الى عالم الوجود الكوني قام بخدمة المعبود ثم ركع مفنيا عن نفسه الشهود ثم سجد مستغرقا في بحر الاسماء او فانيا نفسه عند مشاهدة تجلي الاسم الاعظم ثم رفع راسه اثباتا لمقام الاسماء القاهرة جميع الاشياء ومستغفرا عن ذنب مشاهدتها لان فيها ذكر الاغيار وذلك مستلزم للاكدار فسجد ثانيا لتلافي ما فات وادراك مقام المحبة التي وعده الله سبحانه للتوابين حيث قال ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فاستغرق في بحر توحيد الذات معرضا عن جميع الاسماء والصفات التي هي السبحات فدخل في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية وذلك عند نفخة الجذب الذي هي نفخة الصعق فتجذب الروح الامري والنور الفعلي الالهي الى مبدئها وبارئها ومنشئها ومكونها لا باشارة ولا كيف ولا باتصال ولا انفصال فهو دائم التلذذ باللقاء الناسي لكلما سواه فيبقى السوي ميتا لا حراك له فلا حس ولا محسوس فتبطل الحركات وتندك الانيات فلم يبق الا وجه الله باري النسمات كل شيء هالك الا وجهه فهو الموت الاعظم لكل العالم ثم نفخ في الصور نفخة اخرى وهي نفخة الدفع وذلك عند توجه النور الى عالم الغيور ورفع الراس من السجدة الثانية اشارة الى ذلك فاذا هم قيام ينظرون واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وآله ثم قمت اي للقيامة الكبرى فقال تعالى لي يا محمد اقرء الحمد كما قرأتها وذلك لحكم التطابق والتوافق في العالمين وهو قوله تعالى كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها الا ان العالم الثاني لما كان مقام الكمال الذي اكتسبه الكامل الاول المطلق في المبدء كان يجري فيه سر قوله تعالى يا بن آدم اطعني اجعلك مثلي انا اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون انا حي لا اموت اجعلك حيا لا تموت الحديث فامره الله تعالى ان يقرء انا انزلناه في ليلة القدر لانها نسبة محمد وآله صلى الله عليه وعليهم فقال صلى الله عليه وآله بسم الله الرحمن الرحيم اي انا انزلنا القرآن بمعناه العام الشامل للصامت والناطق متلبسا باسم الله اي الاسم الاعظم اي التجلي الاعظم الاعلى كما في دعاء ليلة المبعث المدلول عليه بلفظ الجلالة الجامع لجميع التجليات والظهورات الخاصة والعامة في مقام التفصيل في رتبة المعارف هو هذا القرآن وفي سلسلة الحقايق امام كافة اهل الاكوان والاعيان فباقتضاء ذلك الاسم الجامع وطلب اسمي الرحمن الظاهر بالولاية الكبرى والسلطنة العظمى والرياسة العليا واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه والرحيم المرتب لنعيم الجنة وحورها وقصورها لاهلها من المؤمنين ( انا انزلناه خ‌ل ) في ليلة القدر اي انزلنا عليا عليه السلم لانه في العالم التفصيلي عليّ عليه السلم عند الاشباع وقد اشار اليه بقوله تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم هذا بلا اشباع واما مع الاشباع ففي قوله تعالى وهو العلي العظيم فان عليا عليه السلم سماء عالم الولاية وفاطمة ارضها وساير الائمة عليهم السلم نباتها واشجارها ورسول الله صلى الله عليه وآله عرشها وسقفها فلولا ان السماء تنزل ماءها واشعتها على وجه الارض ما نبت شيء وكذلك لولا ان عليا عليه السلم انزله الله تعالى في فاطمة الصديقة عليها السلم ماظهرت الائمة عليهم السلم في عالم الوجود التفصيلي وتزويجهما صلى الله عليهما آيته ودليله جوزهر القمر الفلك الحاصل من تقاطع الشمس الذي هو عليّ عليه السلم مع القمر الذي هي فاطمة عليها السلم ومن هذا التقاطع ظهرت العقدتان تدلان على الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة وليلة القدر هي فاطمة عليها السلم اما انها ليلة فلانها الباردة الرطبة التي هي طبع الانثى ولان الزوجة مسكن للزوج كالليل قال تعالى وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها ولان الزوجة لباس للزوج كالليل قال تعالى وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا ولان الزوجة لما كانت محل الصور والحدود والهيئات وهي تستلزم الكثرة المستلزمة للظلمة الاضافية واما القدر فلكونها ذات قدر عظيم عند الله عز وجل حتى ان الله تعالى فطمها وفطم محبيها ومحبي محبيها الى سبعة عن النار او لكونها محل التقدير اي تحديد الائمة عليهم السلم وتصويرهم في رحمها كما قال عز وجل وفيها يفرق كل امر حكيم وهي في الظاهر احدى ليالي شهر رمضان المبارك تقدر فيها الآجال والارزاق وما ادريك ما ليلة القدر ذكر هذه العبارة اعظاما لشانها وتفخيما لمكانها واثباتا لعظم ( لعظيم خ‌ل ) قدرها وقرب منزلتها عند الله تعالى والخطاب من قبيل اياك اعني واسمعي يا جارة والا فرسول الله صلى الله عليه وآله هو اعلم بها وبمنزلتها من كل احد من المخلوقين و ليلة القدر خير من الف شهر كرر الليلة ثلث مرات اشارة الى ظهورها صلوات الله عليها في الايام الثلثة الدنيا والرجعة والقيمة والف شهر هي مراتب الوجود وقد شرحته في ساير رسائلنا واجوبتنا ومباحثاتنا وذكره هنا موجب للتطويل والف شهر ثمانون سنة وهو تمام دولة بني‌ امية تنزل الملئكة والروح فيها الملئكة هم الائمة عليهم السلم لان الملئكة هم العبيد كما يقال ان فلانا سيء الملئكة وفلانا حسن الملئكة اي سيء الصنع بعبيده وهم سلام الله عليهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون او ان الملئكة مشتقة من الالوكة بمعنى الرسالة وهم سلام الله عليهم وسايط الفيض بين الله عز وجل وبين عبيده والروح هو امير المؤمنين عليه السلم قال عليه السلم انا الروح من امر ربي وهم الذين قد نزلوا في فاطمة عليها السلم من الغيب الاول نزول الآحاد في التسعة وذلك واضح ظاهر ان شاء الله تعالى باذن ربهم من كل امر سلام اي من كل امر من متعلقات الامر الفعلي في قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون او من قرانات الامر المفعولي الذي على هيئة الامر الفعلي بل هو عينها في قوله تعالى وكان امر الله مفعولا هي اي هذه الليلة المباركة من زمان غيبة النبي صلى الله عليه وآله اي غروب شمس النبوة تمتد حتى مطلع الفجر فجر طلوع القائم عليه السلم او الحسين عليه السلم فلما اتم السورة ظهر تأويل قوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فثبت لهم الاستقلال والتذوت فاراد صلى الله عليه وآله بيان عبوديتهم واضمحلالهم وعدم استقلالهم وانهم ليسوا باشياء الا بالله جل جلاله وهم الاذلاء بين يديه فركع انمحاقا لمشيته واعداما لارادته ليظهر قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله ثم سبح الله تعالى وقدسه ونزهه لان يكون مستقلا ومتذوتا سواه اظهارا لقوله تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وكذلك نجزي الظالمين ثم رفعه الله تعالى برفعته وجعله محلا لمشيته ولسانا لارادته وحاكما على بريته وهو قوله تعالى في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما فازداد خضوعا وانكسارا وتذوتا الى ان اقترن بالتراب وعفر جبينه وخديه وناصيته لرب الارباب ومالك الرقاب وهو سجوده صلى الله عليه وآله تحت العرش يوم القيمة فسبح ربه الاعلى عن مقارنة الاشياء باستغراقه في بحر الصفات والاسماء فرفعه الله سبحانه وجعله اسمه الاعظم الاجل الاعلى الاعلى الاعلى المكنون المخزون الذي يحبه ويرضاه ثم وضع له حلما فازداد خضوعا وذلة فخر مغشيا عليه وسكن التراب وامات نفسه في كل باب فرفعه الله سبحانه وناداه يا محمد صلى الله عليه وآله ارفع راسك سل تعط واشفع تشفع فرفع صلى الله عليه وآله راسه امتثالا لامر ربه فاقامه الله سبحانه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار فليس بعد ذلك مقام للقيام ولذا قال صلى الله عليه وآله وذهبت ان اقوم اثباتا لقوله عليه السلم خلق ساكن لا يدرك بالسكون فلما اعطاه الله سبحانه هذه النعمة الجليلة والمنقبة العظيمة والمرتبة الرفيعة بحيث لا يلحقها لاحق ولا يطمع في ادراكها طامع ذكره الله تعالى نعمته بان جعله في مقام الصحو بعد السكر والبقاء بعد الفناء فامره ان يسمى باسمه تعالى لانه اول مقام من مقامات الفرق ويتشهد بالشهادتين لانهما بعد ظهور الاسماء وهو علة وجوب التشهد وهو حالة بقاء العبد ببقاء الله ورؤية ان الامر بيد الله والملك لله الواحد القهار قال الصادق عليه السلم في مصباح الشريعة التشهد ثناء على الله فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل كما انك عبد له بالقول والدعوي وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فانه خلقك عبدا وامرك ان تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وان تحقق عبوديتك له بربوبيته لك وتعلم ان نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظة الا بقدرته ومشيته وهم عاجزون عن اتيان اقل شيء في مملكته الا باذنه وارادته قال عز وجل وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة من امرهم سبحان الله وتعالى عما يشركون فكن لله عبدا ذاكرا بالقول والدعوي وصل صدق لسانك بصفاء سرك فانه خلقك فعز وجل ان يكون ارادة ومشية لاحد الا بسابق ارادته ومشيته واستعمل العبودية والرضا بحكمه وبالعبادة في اداء اوامره وقد امرك بالصلوة على نبيه محمد صلى الله عليه وآله فاوصل صلوته بصلوته وطاعته بطاعته وشهادته بشهادته وانظر ان لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلوته وامره بالاستغفار والشفاعة فيك ان اتيته ( اتيت خ‌ل ) بالواجب في الامر والنهي والسنن والآداب وتعليم جليل مرتبته عند الله

قال عليه السلم ثم التفتت فاذا انا بصفوف من الملئكة والنبيين والمرسلين فقال لي يا محمد سلم فقلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال يا محمد اني انا السلام والتحية والرحمة والبركات انت وذريتك ثم امرني ربي العزيز الجبار ان التفت يسارا واول سورة سمعتها بعد قل هو الله احد انا انزلناه في ليلة القدر فمن اجل ذلك كان السلام مرة تجاه القبلة ومن اجل ذلك صار التسبيح في السجود والركوع شكرا وقوله سمع الله لمن حمده لان النبي صلى الله عليه وآله قال سمعت ضجة الملئكة فقلت سمع الله لمن حمده بالتسبيح والتهليل فمن اجل ذلك جعلت الركعتان الاولتان كلما حدث فيهما حدث كان على صاحبها اعادتها وهي الفرض الاول وهي اول ما فرضت عند الزوال يعني صلوة الظهر انتهى

اقول لما فرغ من التشهد بعد ذكر الاسماء واكمل السفر الثالث الذي هو السفر من الحق الى الخلق القى الله سبحانه في هويته مثاله فاظهر منه افعاله وسلم اليه امر الخلق وملكه شفاعة الرزق واعطاه الوسيلة وهي المنبر المعروف الذي له الف مرقاة ومن كل مرقاة الى مرقاة عدو الفرس الف سنة او خمسمائة او خمسمائة‌الف سنة يصعد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ويقعد اعلاه فيسلم الله سبحانه اليه مفاتيح الجنة والنار ولواء الحمد فالتسليم يومئذ اي تسليم كل ذرة من الذرات حقها من النعيم والاليم في الجنة والنار عليه صلى الله عليه وآله فيدخل الجنة من يشاء ويعطيه اي مرتبة يشاء ويدخل النار من يشاء فاليه مسلم امر الخلايق ولذا قال عز وجل خطابا له صلى الله عليه وآله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته اي تسليم ما اعد الله سبحانه للمتقين في عليين على تفاوت مراتبهم ودرجاتهم ومقاماتهم وما اعد للكافرين من الحميم والعذاب الاليم في السجين على تفاوت مراتبهم ودركاتهم ومقاماتهم وتسليم كل ملك الامر الموكل عليه وكل شجرة في الجنة وفي النار ما تقتضيه من اثمار الطيبة والخبيثة وغيرها من ساير الاحوال كل ذلك عليك لانك الولي المطلق والحاكم الحق هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا فهو صلى الله عليه وآله ولي الاعطاء والمنع بامر من الله عز وجل فلما شرفه الله سبحانه بهذه الشرافة الكاملة اراد صلى الله عليه وآله ان يشرك معه في هذه المرتبة الكاملة والمنقبة العظيمة اهل بيته الطيبين الطاهرين حيث انهم اصحاب الولاية الظاهرة وعندهم الاحكام الاقترانية الخاصة فقال صلى الله عليه وآله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اي هذا التسليم المذكور الذي هو ولاية الله سبحانه الظاهرة في المخلوقين علينا وهو نفسه المقدسة مقترنة بهم صلى الله عليه وعليهم وعباد الله الصالحين هم الائمة الطاهرون عليهم السلم لان ولاية النبي صلى الله عليه وآله انما ظهرت فيهم وهم اصحاب الحشر والنشر وان اليهم اياب هذا الخلق ثم ان عليهم حسابهم كما قال مولينا الباقر عليه السلم او ان نا هو عليّ امير المؤمنين عليه السلم فانا قد ذكرنا في الجزء الثاني من شرح الخطبة الطتنجية ان ضمير المتكلم وحده موضوع لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو مؤلف من حروفه الخاصة به صلى الله عليه وآله وضمير المتكلم معه غيره موضوع لعليّ عليه السلم وهو الاسم الخاص به مؤلف من الحروف الخاصة به عليه السلم والعباد الصالحون هم باقي الائمة عليهم السلم ( السلم ولذا ياتون بلواء الحمد خ‌ل ) ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعلى حاملها واعطيت الجنة والنار وعلى قسيمهما واعطيت الحوض وعلى ساقيه فلما طلب رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك من الله عز وجل فاجاب سبحانه دعوته واعطاه مضمون طلبته وشركهم في الامر معه صلى الله عليه وعليهم فقال عز وجل بلسانه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اي تسليم كل ذي حق حقه اياه عليكم يا اهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملئكة لانكم مهابط وحيي ومخازن علمي ومواقع امري ونهيي ومحال مشيتي ومواضع ارادتي ورحمة الله وبركاته اي نشر الرحمة وايصالها الى كافة الموجودات من اهل الجنة والنار واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه منوط وموقوف عليكم فحينئذ صعدوا الى منبر الوسيلة ووقف كل احد منهم صلى الله عليهم على المرقاة المناسبة لمقامه ومرتبته ووقف مولينا امير المؤمنين عليه السلم بمرقاة انزل من موقف النبي صلى الله عليه وآله فاتاه الرضوان خازن الجنان وسلم رسول الله ( سلم اليه خ‌ل ) صلى الله عليه وآله مفاتيحها فامره صلى الله عليه وآله ان يسلمها عليا عليه السلم واتاه مالك خازن النيران بمفاتيحها فامره صلى الله عليه وآله ان يسلمها الى عليّ (ع) واتى بلواء الحمد له صلى الله عليه وآله فامر عليا عليه السلم ان يحملها ثم ان الخلق اهل المحشر كلهم اجمعين من الانبياء والمرسلين والملئكة المقربين وساير الخلق من الجن والانس اجمعين وقوف عن يمين المنبر ويسارها وصحايف اعمالهم بيمينهم او بشمالهم وهم قعود كهيئة المتشهد ينظرون صحايفهم فيقول عليّ عليه السلم الحامل لللواء كلمة واحدة وكل الخلق ينظر صحايفهم وكل احد منهم يرى انه عليه السلم يقرء صحيفته لا غير على اختلاف الصحايف والاعمال وتباينها وتضادها وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون لان الاعمال كل يوم تعرض على الامام عليه السلم فالمتشهد ( فالمستشهد خ‌ل ) حين قعوده يستشهد ( يستشعر خ‌ل ) انه في معرض الحساب جاث بين يدي ولي الحساب فيقول اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد ثم يلتفت الى التسليم ويطلب من صاحب الامر والحكم النجاة والدخول الى دار السلام وبه تمام الامر ولما كانت الركعتان بيان حكم البدو والعود وهما الاصلان اللذان بهما قامت الكائنات وسكنت السواكن وتحركت المتحركات صارت الركعتان هما الاصلان ولا بد ان تؤديا بكمال الشرايط والاركان فاذا وقع فيهما شك او سهو فلا بد من اعادتهما ولذا كانت الركعتان فريضتان من الله عز وجل وفرضت الصلوة مثني مثني الا ان رسول الله صلى الله عليه وآله زاد في كل من الظهر والعصر ركعتين لبيان قيام القائم عليه السلم والرجعة واما في المغرب زاد ركعة واحدة لبيان اتحاد الامرين في الحقيقة ولان صلوة المغرب منسوبة الى فاطمة عليها السلم كانتساب الظهر برسول الله صلى الله عليه وآله وانتساب العصر بامير المؤمنين عليه السلم والعشاء بالحسن عليه السلم والصبح بالحسين عليه السلم وكان للذكر مثل حظ الانثيين فزيد لها ركعة واحدة وما زاد في الصبح لان صلوة الصبح تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فتكتب اربعا فلو زاد لزاد على ساير الصلوات ولم يجز ذلك وهو قوله تعالى ان قرآن الفجر كان مشهودا اي تشهده ملئكة الليل وملائكة النهار ثم اعلم ان ما فرض على رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة المعراج خمسون صلوة كما رواه في الفقيه عن الصادق عليه السلم في قوله ( قول الله خ‌ل ) عز وجل ان الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال مفروضا وقال عليه السلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري به امره ربه بخمسين صلوة فمر على النبيين نبي نبي لا يسئلونه عن شيء حتى انتهى الى موسى بن عمران فقال باي شيء امرك ربك فقال بخمسين صلوة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فسئل ربه فحط عنه عشرا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسئلونه عن شيء حتى مر بموسى بن عمران عليه السلم فقال باي شيء امرك ربك قال باربعين صلوة فقال اسئل التخفيف فان امتك لا تطيق على ذلك فسئل ربه فحط عنه عشرا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسئلونه عن شيء حتى مر بموسي عليه السلم فقال باي شيء امرك ربك فقال بثلثين صلوة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فسئل ربه عز وجل فحط عنه عشرا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسئلونه عن شيء حتى مر بموسى بن عمران فقال باي شيء امرك ربك فقال بعشرين صلوة فقال اسئل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فسئل ربه عز وجل فحط عنه عشرا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسئلونه عن شيء حتى مر بموسى فقال باي شيء امرك ربك فقال صلى الله عليه وآله بعشر صلوات فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فاني جئت الى بني ‌اسرائيل بما افترض الله عز وجل عليهم فلم ياخذوا به ولم يقروا عليه فسئل النبي صلى الله عليه وآله ربه عز وجل فخفف عنه فجعلها خمسا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسئلونه عن شيء حتى مر بموسى فقال باي شيء امرك ربك فقال بخمس صلوات فقال سل ربك التخفيف عن امتك فان امتك لا تطيق ذلك فقال اني لاستحيي ان اعود الى ربي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس صلوات وقال رسول الله صلى الله عليه وآله جزا الله موسى بن عمران عن امتي خيرا وقال الصادق عليه السلم جزا الله موسى عنا خيرا وروي عن زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلم انه قال سئلت ابي سيد العابدين عليه السلم فقلت له يا ابه اخبرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله لما عرج به الى السماء وامره ربه عز وجل بخمسين صلوة كيف لم يسئله التخفيف عن امته حتى قال له موسى عليه السلم ارجع الى ربك فاسئله التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فقال يا بني ان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقترح على ربه عز وجل ولا يراجعه في شيء يامره به فلما سئله موسى ذلك وصار شفيعا لامته اليه لم يجز له رد شفاعة اخيه موسى فرجع الى ربه عز وجل فسئله التخفيف الى ان ردها الى خمس صلوات قال فقلت له يا ابه فلم لم يرجع الى ربه عز وجل ولم يسئله التخفيف عن خمس صلوات وقد سئله موسى ان يرجع الى ربه عز وجل ويسئله التخفيف فقال يا بني اراد عليه السلم ان يحصل لامته التخفيف مع اجر خمسين صلوة لقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر امثالها الا ترى انه عليه السلم لما هبط الى الارض نزل عليه جبرائيل فقال يا محمد (ص) ان ربك يقرئك السلام ويقول لك انها خمس بخمسين ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد قال فقلت له يا ابه اليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان فقال بلى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قلت فما معنى قول موسى لرسول الله صلى الله عليه وآله ارجع الى ربك فقال معناه معنى قول ابرهيم اني ذاهب الى ربي سيهدين ومعنى قول موسى عليه السلم وعجلت اليك رب لترضى ومعنى قوله عز وجل ففروا الى الله يعني حجوا الى بيت الله يا بني ان الكعبة بيت الله فمن حج الى بيت الله فقد قصد الى الله والمساجد بيوت الله فمن سعى اليها فقد سعى الى الله وقصد اليه والمصلي ما دام في صلوته فهو واقف بين يدي الله عز وجل وان لله تبارك وتعالى بقاعا في سمواته فمن عرج به الى بقعة منها فقد عرج به اليه الا تسمع الله عز وجل يقول تعرج الملئكة والروح اليه ويقول عز وجل في قصة عيسى بن مريم بل رفعه الله اليه ويقول عز وجل اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه انتهى وانما خص موسى بن عمران عليه السلم للسؤال عن التخفيف دون ساير الانبياء لان امته عليه السلم اشد الامم عنادا ولجاجا واعراضا عن الحق اذا اتى لهم بشيء يثقل عليهم

واعلم ان ما ذكرنا من اسرار الصلوة وعللها وما يتعلق بها كل ذلك بدليل الحكمة الا ما قل في بعض الاحوال وقد روى الفضل بن شاذان (ره) عن مولينا الرضا عليه السلم علل الطهارة والصلوة وما يتعلق بها بدليل الموعظة الحسنة الا ما قل في بعض الاحوال وانا احب ان اذكر الحديث بطوله ليكون كتابنا هذا جامعا للمقامات عن الائمة البررة السادات عليهم الف آلاف الصلوات والتحيات ليعلم كل اناس مشربهم وينال كل احد مطلبهم فلنشرع في ذكر الحديث عن موضع الحاجة :

قال فان قيل فلم امروا بالصلوة قيل لان في الصلوة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الانداد بالقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والاعتراف والطلب في الاقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الارض كل يوم وليلة يكون ذاكرا لله غير ناس له ويكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا مع الدين والدنيا بالزيادة مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جدا وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسي العبد مدبره وخالقه فيبطر ويطغى وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا عن انواع الفساد فان قال قائل فلم امر بالوضوء وبدء به قيل لان يكون العبد طاهرا اذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته اياه مطيعا له في ما امره نقيا من الادناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار عند مناجاته اياه مطيعا له فان قال قائل فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ومسح الراس والرجلين قيل لان العبد اذا قام بين يدي الجبار قائما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء وذلك بانه يستقبل بوجهه ويسجد ويخضع وبيده يسئل ويرغب ويرهب ويتبتل وبراسه يستقبل ( يستقبله خ‌ل ) في ركوعه وسجوده وبرجليه يقوم ويقعد فان قيل فلم وجب الغسل على الوجه واليدين والمسح على الراس والرجلين ولم يجعله غسلا كله ولا مسحا كله قيل لعلل شتى منها ان العبادة العظمى انما هي الركوع والسجود وانما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالراس والرجلين ومنها ان الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الراس والرجلين يشتد عليهم ذلك في البرد والسفر والمرض والليل والنهار وغسل الوجه واليدين اخف عن غسل الراس والرجلين وانما وضعت الفرايض على قدر اقل الناس طاقة من اهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف ومنها ان الراس والرجلين ليس هما كل وقت باديان وظاهران كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك فان قال قائل فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون ساير الاشياء قيل لان الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الا منهما فامروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من انفسهم واما النوم فان النائم اذا غلبه النوم يفتح كل شيء منه واسترخي فكان اغلب الاشياء كله في ما يخرج منه فوجب عليه الوضوء بهذه العلة فان قال قائل فلم لا يامروا بالغسل من هذه النجاسات كما امروا بالغسل من الجنابة قيل لان هذا شيء دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه مما يصيب ذلك ولا يكلف الله نفسا الا وسعها والجنابة ليست هي امرا دائما انما هي شهوة يصيبها اذا اراد ويمكنه تعجيلها وتأخيرها للايام الثلثة والاقل والاكثر وليس ذا منك هكذا فان قال قائل فلم امروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء وهو انجس من الجنابة واقذر قيل من اجل ان الجنابة من نفس الانسان وهو شيء يخرج من جميع جسده والخلا ليس هو من نفس الانسان انما هو غذاء يخرج من باب ويدخل من باب فان قال قائل فلم صار الاستنجاء بالماء فرضا قيل لانه لا يجوز للعبد ان يقوم بين يدي الجبار وشيء من ثيابه وجسده نجس فان قال قائل اخبرني عن الاذان لما امروا به قيل لعلل كثيرة منها ان يكون تذكرة للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه وداعيا الى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن يتساهى وانما يقال مؤذنا لانه المؤذن بالصلوة فان قيل فلم بدء بالتكبير قبل التسبيح والتهليل والتحميد قيل لانه اراد ان يبدء بذكره واسمه لان اسم الله في التكبير في اول الحرف ( الحروف خ‌ل ) وفي التسبيح والتهليل والتحميد في آخر الحرف فبدء بالحرف الذي اسم الله في اوله لا في آخره فان قيل فلم جعل مثني مثني قيل لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سهي احد عن الاول لم يسه عن الثاني ولان الصلوة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الاذان مثني مثني فان قال قائل فلم جعل التكبير في اول الاذان اربعا قيل لان الاذان انما يبدء غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الاولتين تنبيها للمستمعين لما بعده في الاذان فان قيل فلم جعل بعد التكبيرتين الشهادتين قيل لان الاول اكمال الايمان وهو التوحيد والاقرار لله بالوحدانية والثاني الاقرار للرسول بالرسالة لان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ولان اصل الايمان ( الايمان انما خ‌ل ) هو الشهادة فجعلت شهادتين شهادتين كما جعل في ساير الحقوق شهادتين فاذا اقر لله بالوحدانية واقر للرسول بالرسالة فقد اقر بجملة الايمان لان اصل الايمان انما هو الاقرار بالله ورسوله فان قيل فلم جعل بعد الدعاء الى الصلوة قيل لان الاذان انما وضع لموضع الصلوة وانما هو نداء للصلوة فجعل النداء للصلوة في وسط الاذان فقدم قبلها اربعا التكبيرتين والشهادتين واخر بعدها اربعا يدعو الى الفلاح حثا على البر والصلوة ثم دعا الى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وادائها ثم نادي بالتكبير والتهليل ليتم بهذه اربعا كما تم قبلها اربعا وليختم كلامه بذكر الله وتحميده فان قيل فلم جعل في آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في اولها التكبير قيل لان التهليل اسم الله في آخر الحرف منه فاحب الله ان يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه فان قيل فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح واسم الله في آخر الحرف من هذين الحرفين قيل لان التهليل اقرار له بالتوحيد وخلع الانداد من دون الله وهو اول الايمان واعظم من التسبيح والتحميد فان قيل فلم بدء في الاستفتاح والركوع والسجود والقيام والقعود بالتكبير قيل للعلة التي ذكرناها في الاذان فان قيل فلم جعل الدعاء في الركعة الاولي قبل القراءة ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة قيل لانه احب ان يفتح قيامه لربه وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك ليكون في القيام عند القنوت بعض الطول فاحري ان يدرك المدرك للركوع فلا يفوته الركعتين في الجماعة فان قيل فلم امروا بالقراءة في الصلوة قيل لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا بل يكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل فان قال قائل فلم بدء بالحمد في كل قراءة دون ساير السور قيل لانه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد وذلك ان قوله الحمد لله انما هو اداء الى قوله عليه السلم فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في امر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الاشياء اقول وقد ذكرنا الحمد في ما قبل فراجع فلنرجع الى الحديث : فان قيل فلم جعل التسبيح في الركوع والسجود قيل لعلل منها ان يكون العبد مع خضوعه وتعبده وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه الى ربه مقدسا له ممجدا مسبحا معظما شاكرا لخالقه ورازقه ولا يستعمل التسبيح والتهليل وليشغل قلبه وذهنه بذكر الله ولم يذهب به الفكر والاماني الى غير الله فان قيل فلم جعل اصل الصلوة ركعتين ركعتين ولم زيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتين ولم يزد على بعضها شيء قيل لان اصل الصلوة انما هي ركعة واحدة لان اصل العدد واحد فاذا نقصت من واحد فليس هي صلوة فعلم الله ان العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلوة اقل منها بكمالها وتمامها والاقبال عليها فقرن اليها ركعة اخرى لتتم بالثانية ما نقص من الاولى وفرض الله اصل الصلوة ركعتين ثم علم رسول الله صلى الله عليه وآله ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما امروا به وبكمالها فضم الى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون فيها تمام الركعتين الاولتين ثم علم ان صلوة المغرب يكون شغل الناس في وقتها اكثر لانصراف الناس الى الافطار والاكل والوضوء والتهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة ليكون اخف عليهم ولان تصير ركعات الصلوة في اليوم والليلة فردا ثم ترك الغداة على حالها لان الاشتغال في وقتها اكثر والمبادرة الى الحوائج فيها اعم لان القلوب فيها اخلى من الفكر لقلة معاملات الناس بالليل وقلة الاخذ والعطاء والانسان فيها اقبل على صلوته منه في غيره من الصلوات لان الفكر اقل لعدم العمل من الليل فان قيل فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات قيل لان الفرض منها واحدة وسايرها سنة وانما جعل ذلك لان التكبير في الصلوة في الركعة الاولى التي هي الاصل كله سبع تكبيرات تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجود وتكبيرة ايضا للركوع وتكبيرتين للسجود فاذا كبر الانسان في اول صلوته سبع تكبيرات فقد علم اجزاء التكبير كله فان سهي في شيء منها او تركها لم يدخل عليه نقص في صلوته كما قال ابوجعفر وابو عبد الله عليهما السلم من كبر اول صلوته سبع تكبيرات اجزاه ويجزي تكبيرة واحدة ثم وان لم يكبر في شيء من صلوته اجزاه عنه ذلك وانما عنى بذلك اذا تركها ساهيا او ناسيا اقول قد وهم الفضل فان التكبيرة الواحدة واجبة تبطل الصلوة بتركها عمدا وسهوا رجعنا الى كلام الفضل : فان قيل فلم جعل ركعة وسجدتين قيل ان الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلوة القاعد على النصف من صلوة القائم فضوعف السجدة ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لان الصلوة انما هي ركوع وسجود فان قيل فلم جعل التشهد بعد الركعتين قيل لانه كما قدم قبل الركوع والسجود من الاذان والدعاء والقراءة فكذلك ايضا اخر بعدها التشهد والتحميد فان قيل فلم جعل التسليم تحليل الصلوة ولم يجعل بدلها التكبير او التسبيح او الضرب الآخر قيل لانه لما كان الدخول في الصلوة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه الى الخالق فان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وانما بدء بالمخلوقين في الكلام اولا في التسليم فان قيل فلم جعل القراءة في الركعتين الاولتين والتسبيح في الاخيرتين قيل للفرق بين ما فرضه الله عز وجل من عنده وما فرضه من عند رسوله فان قيل فلم جعلت الجماعة قيل لئلا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام والعبادة لله الا ظاهرا مكشوفا مشهورا لان في اظهاره حجة على اهل المشرق والمغرب لله وحده ولا يكون المنافق المستخف مؤديا لما اقر به بظهر الاسلام والمراقبة ولان تكون شهادات الناس بالاسلام من بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله فان قيل فلم جعل الجهر في بعض الصلوة ولا يجهر في بعض اقول قد ذكرنا علة الجهر والاخفات عن هذا الحديث في ما تقدم فلا نذكرها هنا رجعنا الى ذكر الحديث : فان قيل فلم جعلت الصلوة في هذه الاوقات ولم تقدم ولم تؤخر قيل لان الاوقات المشهورة المعلومة التي تعم اهل الارض فيعرفها الجاهل والعالم اربعة غروب الشمس مشهور معرفتها فوجب عندها المغرب وسقوط الشفق مشهور فوجب عنده العشاء وطلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة وزوال الشمس وايفاء الفيء مشهور معلوم فوجب عنده الظهر ولم يكن للعصر وقت مشهور مثل هذه الاوقات الاربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلوة التي قبلها الى ان يصير الظل من كل شيء اربعة اضعافه وعلة اخرى ان الله عز وجل احب ان يبدء في كل عمل اولا بطاعته وعبادته فامروا اول النهار ان يبدؤا بعبادته ثم ينشروا في ما احبوا من مؤنة دنياهم فاوجب صلوة الفجر عليهم فاذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطاعتهم وقيلولتهم فامرهم ان يبدؤا بذكره وعبادته فاوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما احبوا فاذا قضوا ظهرهم وارادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدؤا ايضا بعبادته ثم صاروا الى ما احبوا من ذلك فاوجب عليهم العصر ثم ينشرون في ما شاؤا من مؤنة دنياهم فاذا جاء الليل وضعوا زينتهم وعادوا الى اوطانهم بدؤا اولا بعبادة ربهم ثم يتفرغون لما احبوا من ذلك فاذا جاء وقت النوم وفرغوا مما كانوا به مشتغلين احب ان يبدؤا اولا بعبادته وطاعته ثم يصيرون الى ما شاؤا ان يصيروا من ذلك فيكونون قد بدؤا في كل وقت عمل بطاعته وعبادته فاوجب عليهم العتمة فاذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولا تقل رغبتهم فان قال قائل فلم لم يكن اذن للعصر وقت مشهور مثل تلك الاوقات اوجبها بين الظهر والمغرب ولم يوجبها بين العتمة والغداة وبين الغداة والظهر قيل لانه ليس وقت على الناس اخف ولا ايسر ولا احرى اثر فيه للضعيف والقوي بهذه الصلوة من هذا الوقت وذلك لان الناس عادتهم يشتغلون في اول النهار بالتجارات والمعاملات والذهاب في الحوائج واقامة الاسواق فاراد ان لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشتغلون به ولا يتنبهون لوقته لو كان واجبا ولا يمكنهم ذلك فخفف الله عنهم ولم يجعلها في اشد الاوقات عليهم كما قال الله عز وجل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر فان قال قائل فلم يرفع اليدين في التكبير قيل لان رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فاحب الله ان يكون في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في وقت رفع اليدين احضار النية واقبال القلب على ما قال وقصد لان الفرض من الذكر انما هو الاستفتاح وكل سنة انما تؤدي على جهة الفرض فلما ان كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين احب ان يؤدي السنة على جهة ما يؤدي الفرض فان قال قائل فلم جعل صلوة السنة اربعا وثلثين ركعة قيل لان الفريضة سبعة ‌عشر ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة اكمالا للفريضة فان قال قائل فلم جعل صلوة السنة في اوقات مختلفة ولم تجعل في وقت واحد قيل لان افضل الاوقات ثلثة عند زوال الشمس وبعد الغروب وبالاسحار فاوجب ان يصلوا ( يصلي له خ‌ل ) في هذه الاوقات الثلثة لانه اذا فرضت السنة في اوقات شتى كان اداءها ايسر واخف من ان يجتمع كله في وقت واحد فان قال قائل فلم صارت صلوة الجمعة اذا كان مع الامام ركعتين واذا كان بغير امام ركعتين وركعتين قيل لعلل شتى منها ان الناس يتخطون الى الجمعة من بعد فاوجب الله ان يخفف عنهم لموضع النصب الذي صاروا اليه ومنها ان الامام يحبسهم الى الخطبة وهم منتظرون الى الصلوة ومن انتظر الى الصلوة فهو في الصلوة في حكم التمام ومنها ان الصلوة مع الامام اتم واكمل بعلمه ( لعلمه خ‌ل ) وفقهه وفضله وعدله ومنها ان الجمعة عيد وصلوة العيد ركعتين ولم تقصر لمكان الخطبتين فان قال قائل فلم جعلت ( جعل خ‌ل ) الخطبة قيل لان الجمعة مشهد عام فاراد ان يكون للامير سبب الى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية وتوفيقهم على ما ارادوا من مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم بما ورد عليهم من الاهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة ولا يكون الصابر في الصلوة متفضلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة فان قيل فلم جعلت ( جعل خ‌ل ) الخطبتين قيل لان تكون واحدة للثناء والتحميد والتقديس لله عز وجل والاخرى للحوائج والاعذار والانذار والدعاء ولما يريد ان يعلمهم من امره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد فان قيل فلم جعلت الخطبة في يوم الجمعة في اول الصلوة وجعلت في العيدين بعد الصلوة لان الجمعة امر دائم ويكون في الشهور والسنة كثير واذا كثر ذلك على الناس ملوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرقوا عنه فجعلت قبل الصلوة ليحتبسوا على الصلوة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا واما العيدين فانما هو في السنة مرتين وهو اعظم من الجمعة والزحام فيه اكثر والناس فيه ارغب وان تفرقوا بعض الناس بقي عامتهم وليس هو كثير فيملوا ويستحفظوا به فان قيل فلم وجبت الجمعة على من يكون على راس فرسخين لا اكثر من ذلك قيل ان ما يقصر فيه الصلوة بريدان ذاهبا وجائيا والبريد اربعة فراسخ فوجب الجمعة على من هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير وذلك انه يجيء في فرسخين ويذهب فرسخين وذلك اربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر فان قيل فلم زيد في صلوة السنة يوم الجمعة اربع ركعات قيل تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين ساير الايام فان قيل فلم قصرت الصلوة في السفر قيل لان الصلوة المفروضة اولا انما هي عشر ركعات والسبع انما زيدت فيها بعد فخفف الله عز وجل تلك الزيادة لموضع السفر وتعبه ونصبه واشتغاله بامر نفسه وضعفه واقامته لئلا يشتغل عما لا بد له من معيشته رحمة من الله وتعطفا عليه الا صلوة المغرب فانها لم تقصر لانها صلوة مقصورة في الاصل فان قيل فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا اقل من ذلك ولا اكثر قيل لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والاثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم فان قيل فلم وجب التقصير في مسيرة يوم قيل لانه لو لم يجب في مسيرة اليوم لما وجب في مسيرة الف سنة وذلك ان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فانما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في اليوم لما وجب في نظيره اذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما فان قيل قد يختلف المسير وذلك ان سير البقر انما هو اربعة فراسخ وسير الفرس عشرين فرسخا فلم جعلت انت مسيرة يوم ثمانية فراسخ قيل لان ثمانية فراسخ هو سير للجمال والقوافل وهو الغالب على السير وهو اعظم السير الذي يسيره الجمالون والمكارون فان قيل فلم ترك في السفر تطوع النهار ولم يترك تطوع الليل قيل كل صلوة لا يقصر فيها لا يقصر في تطوعها وذلك ان المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر في ما بعدها من التطوع وكذلك الغداة لا يقصر في ما قبلها من التطوع فان قيل فما بال العتمة مقصورة وليس تترك ركعتيها قيل ان تلك الركعتين ليس هي من الخمسين وانما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع فان قيل فلم وجب على المسافر والمريض ان يصليا صلوة الليل في اول الليل قيل لاشتغاله وضعفه لتحرز صلوته فيشرع للمريض في وقت راحته ويشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره فان قال قائل فلم امروا بالصلوة على الميت قيل ليشفعوا له ويدعوا له بالمغفرة لانه لم يكن في وقت من الاوقات احوج الى الشفاعة فيه وطلب الدعاء والاستغفار من تلك الساعة فان قال قائل فلم جعلت خمس تكبيرات مفروضة دون ان تصير اربعا او ستا قيل انما الخمس اخذت من الخمس صلوات في اليوم والليلة وذلك لانه ليس في الصلوة تكبيرة مفروضة الا تكبيرة الافتتاح فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة فجعلت صلوة على الميت فان قيل فلم لم يكن فيها ركوع ولا سجود قيل لانه لم يكن يريد بهذه الصلوة التذلل والخضوع وانما اريد بها الشفاعة لهذا العبد الذي تخلى مما تخلف واحتاج الى ما قدم فان قيل فلم امر بغسل الميت قيل لانه اذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والاذى فاحب ان يكون طاهرا اذا باشر اهل الطهارة من الملئكة الذين يلونه ويماسونه في ما بينهم نظيفا موجها به الى الله عز وجل فقد روي عن بعض الائمة عليهم السلم انه قال ليس من ميت يموت الا خرجت منه الجنابة فلذلك وجب الغسل فان قيل فلم امر ان يكفن الميت قيل لانه يلقى ربه طاهر الجسد ولئلا تبدو عورته لمن يحمله او يدفنه ولئلا يظهر للناس على بعض حاله وقبح منظره ولئلا يقسوا القلب من كثرة النظر الى مثل ذلك للعاهة والفساد لان يكون اطيب لنفس الاحياء ولئلا يبغضه حميم فبلغ ذكره ومودته ولا يحفظه في ما خلف واوصاه وامره واجب فان قيل فلم امر بدفنه قيل لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغيير ريحه ولا يتاذى به الاحياء وبريحه ولم يدخل عليهم من الآفة والدنس والفساد وليكون مستورا عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدو ولا يحزن ولي صديق فان قيل فلم امر من يغسله بالغسل قيل لعلة الطهارة مما اصابه من نضح الميت لان الميت اذا خرج منه الروح بقي منه اكثر آفته ولئلا يلهج الناس به وبمماسته اذ قد غلبت النجاسة والآفة فان قيل فلم لا يجب الغسل على من مس شيئا من الاموات من غير الانسان كالطير والبهايم والسباع وغير ذلك قيل لان هذه الاشياء كلها ملتبسة ريشا وصوفا وشعرا ووبرا وهذا كله ذكي لا يموت وانما يماس منه الشيء الذي هو ذكي من الحي والميت الذي قد البسه وعلاه فان قيل فلم جوز الصلوة على الميت بغير وضوء قيل لانه ليس فيها ركوع ولا سجود وانما هي دعاء ومسئلة وقد يجوز ان يدعو الله ويسئله على اي حال كنت وانما يجب الوضوء في الصلوة التي فيها ركوع وسجود فان قيل فلم لاجوزتم الصلوة عليه قبل المغرب وبعد الفجر قيل ان هذه الصلوة انما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كساير الصلوات فانما هي صلوة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للانسان فيه اختياره وانما هو حق يؤدي وجائز ان تؤدي الحقوق في اي وقت كان اذا لم يكن الحق موقتا فان قيل فلم جعلت للكسوف صلوة قيل انه آية من آيات الله الرحمة ظهرت ام لعذاب فاحب النبي صلى الله عليه وآله ان يفزع امته لخالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا الى الله فان قيل فلم جعلت عشر ركعات فجمعت قيل ان الصلوة التي نزلت من السماء اولا في اليوم والليلة انما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات هيهنا وانما جعل فيها سجود لانه لا يكون صلوة فيها ركوع الا وفيها سجود ولان يختموا ايضا صلوتهم بالخشوع والخضوع وانما جعلت اربع سجدات لان كل صلوة نقص سجودها من اربع سجدات لا تكون صلوة لان اقل الفرض من السجود في الصلوة لا يكون الا على اربع سجدات فان قيل فلم لم يجعل بدل الركوع سجود قيل لان الصلوة قائما افضل من الصلوة قاعدا لان القائم يرى الكسوف والاعلى والساجد لا يرى فان قيل فلم غيرت عن اصل الصلوة التي قد افترضها الله قيل لانها صلوة لعلة تغير امر من الامور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول فان قيل فلم جعل يوم الفطر العيد قيل لان يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه ويبرزون لله ويحمدونه على ما من عليهم فيكون يوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكوة ويوم رغبة ويوم تضرع ولانه اول يوم من السنة يحل فيه الاكل والشرب لان اول شهور السنة عند اهل الحق شهر رمضان فاحب الله عز وجل ان يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه فان قيل فلم جعل التكبير فيها اكثر منه في غيرها من الصلوات قيل لان التكبير انما هو تعظيم لله وتحميد على ما هدى وعافى كما قال الله لتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون فان قيل فلم جعل اثني عشر تكبيرة فيها قيل لانه يكون في ركعتين اثني عشر تكبيرة فلذلك جعل فيها اثني عشر تكبيرة فان قيل فلم جعل في الاولى سبع وفي الثانية خمس ولم يسو بينهما قيل لان السنة في صلوة الفريضة ان تستفتح بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات لان التحريم في اليوم والليلة خمس تكبيرات وليكون التكبير في الركعتين ( الركعتين جميعا خ‌ل ) وترا وترا الحديث

وقد ذكرناه بطوله لما فيه من الاسرار وان كانت مغطاة بغطاء الظواهر والقشور فلو اردنا كشفها وبيان المراد منها لطال علينا الكلام وان كان لا يخلو من المنافع الجليلة والمطالب العظيمة الا اني من جهة عدم اقبال القلب وتوزع الخاطر وضعف الدماغ والبنية لا يمكنني اظهار ما في البال الا ان ما ذكرته كفاية لاولي الدراية والحمد لله

اما الزكوة واسرارها بمختصر المقال فاعلم ان الله سبحانه لما كلف محمدا وآله الصلوة في العالم الاول فاقاموها ( فاقاموها وقاموا خ‌ل ) بكمال الخضوع والخشوع والذلة بين يدي الجبار حتى سلم اليهم مفاتيح الجنة والنار واعطاهم لواء الحمد وملكهم الدنيا والآخرة وفوض اليهم امر كل شيء واقامهم مقامه في الاداء والاعطاء حين قال في آخر الصلوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جعل العالم ملكهم ومالهم وجعل في اموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم ولذا فرض عليهم الزكوة بعد الصلوة فاموالهم هي ما قسم الله لهم من فيضه وخيره فمن اموالهم ما شيئهم بمشيته ومن اموالهم ما امكنهم بقدرته ومن اموالهم ما اوجدهم بفضله ورحمته ومن اموالهم ما الهمهم من معرفته ومن اموالهم ما علمهم من اسرار خليقته ومن اموالهم ما اشهدهم من بديع صنعه ومن اموالهم ما اقدرهم عليه من مقتضيات فمن اموالهم عالم الفؤاد وباب المراد ومقام الاتحاد اعلاه عين التوحيد واسفله بحر الصاد وهو المداد للامداد والقوام للاستمداد وهو مقام المحبة في ظاهره المشتق منها ( فيها خ‌ل ) الحب الظاهر بالحنطة عند النزول الى عالم التفصيل والاختلاف ومقام سكر المعرفة في باطنه المشتق منها الزبيب والعنب المستخرج منها المسكر فهو حرام ونجس في الدنيا لمكان الخلط والمزج مع الهوى واصول اهل الدنيا وهو الشراب الطهور في الآخرة اذا خلص عن مزج الاغيار المستلزم للاكدار والجلوس على سرير الانس مع المحبوب عند قطع النظر عن المحبة التي هي حجاب بين المحب والمحبوب كما قال الصادق عليه آلاف التحية والثناء قال عليه السلم ان المحبة حجاب بين المحب والمحبوب ففي هذا العالم الذي هو من اموالهم مقامان مقام المعرفة وهو منبت العنب ومقام المحبة وهو مقام مزرع الحب والحنطة هي المقام الاول توحيد وتنزيه وتجريد وفي المقام الثاني اسم وصفة ورسم وشهود ومن اموالهم عالم الجبروت وحجاب اللاهوت عالم التراب محل الخضوع والخشوع والتذلل لمالك الرقاب ورب الارباب وفيه منبت الشعير ومزرعة اكل الزهاد والعباد وقوت خالصي العباد واصله بارد يابس يستمد منه فلك زحل وماء الشعير بارد رطب يستمد منه فلك القمر في الجوزهر ومن اموالهم عالم الرقايق ومصدر تمايز الذوات والحقايق وهو عالم الارواح ومقام ورق الآس ومنبت شجرة طوبي وسدرة المنتهى وماوي المؤمنين وهي النخل اول شجرة نزلت من الجنة وخلقت من فاضل طينة آدم الاول في الوجود المقيد ونخالته ومن اموالهم عالم النفوس والاشباح وعالم الكثرة ومقام الولاية الظاهرة في الاطوار الكونية وهي نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وصاحب الولاية اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين ومثاله في العالم السفلي الابل الظاهر بالشكل المهيب والطور العجيب والوضع الغريب المشتمل على بدايع الصنعة وله مقام في الهيبة بحيث من يراه يهابه ولذا يؤتي بجهنم يوم القيمة على هيئة بعير هائج وهو الظاهر ايضا بالذل والخضوع بحيث يقوده اضعف الناس بل اضعف الخلق وينيخه ويحمل عليه ويستخدمه وهو ايضا الظاهر بالخدمة والمنافع الجليلة العظيمة بحيث ينتفع الخلق من لحمه ومن حليبه ومن نسله ومن وبره ومن ظهره حيث يحمل الاحمال الثقيلة الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس وهو ايضا الظاهر بالصبر على الجوع والاذي والعطش واكل الخشن والشوك بما لا يمكن لاحد من افراد الحيوانات وهو قوله تعالى افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت وهو في الباطن اشارة الى امير المؤمنين عليه السلم والتاويل الى النفس الكلية ومآلهما الى واحد ومن اموالهم عوامل الذات والصفات والاعمال والحارث لارض القابليات الزارع فيها الزروع والنبات في الوجوديات والتكوينيات والتشريعيات الظاهر في المقامات السفلية والعوالم النزولية بالبقر ومن اموالهم اصول المنافع واركانها في العوالم المذللة المسخرة لبني آدم في الباطن والظاهر تتقوم باصولها وبواطنها وتتزيل وتتردى وتأزر بقشورها وفروعها وهو قوله تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين والغنم مظهر تلك الاصول ومصدر تلك الفروع ومن اموالهم احكام النبوة الاصلية الاولية الظاهرة في مقام الاجمال والواقفة مقام الوحدة والبساطة السابحة في بحر الجلال والجمال ويدخل فيها البشرى وافعال الحسن والتاييد والتسديد والذهب مظهر ذلك الاصل ووصف تلك الحقيقة بالرسم ومن اموالهم احكام الامامة الاولية والثانوية الظاهرة في مقام التفضل المعطية لكل ذي حق حقه والسائقة الى كل مخلوق رزقه ويدخل فيها علم الكشف وعلم الاحاطة وزكاء المؤمن والفراسة والكرسي ظهور تلك الرتبة ووصفها وهو الظاهر في القمر الظاهر في الفضة وهذه هي اصول الاموال الوجودية والتكوينية والتشريعية وكلياتها فاذا بلغت حد النصاب وهو الاربعون وهو اتمام ميقات موسى واتمام تخمير طينة آدم بيد الله سبحانه يخرج منه واحدا فان فاضل الشيء واثره واحد بالنسبة الى الاصل والمؤثر فانت اذا تتبعت وجدت القدر المخرج من الزكوة ربع العشر في الاغلب الا في الغلات فان فيها العشر او نصفه وان اختلفت مقادير النصاب لحكم ومصالح تخفي اكثرها علينا ويطول الكلام بذكر بعض ما عرفنا منها لادائه الى ذكر مقدمات وبسط كلمات ولا يسعني الآن ذلك فالذهب حده عشرون دينارا يخرج منها النصف وهو ربع العشر والفضة حد نصابها مائتي درهم يخرج منها خمسة دراهم وهو ربع العشر والغنم اول نصابها اربعون يخرج منها شاة وهو ربع العشر والبقر كمال الاستقرار فيها ايضا اربعون الا ان اول نصابها ثلثون فيكون فيه ثلث العشر لان البقر دليل مقام القابليات وهي تتم في ثلثين ويكمل في اربعين والله سبحانه اعلم والابل في كل خمسة شاة الظاهر ان كل خمسة منها يعادل اربعين شاة فتكون فيها ايضا ربع العشر واما الغلات فلما كانت الحاجة اليها اكثر ونضجها اقل فهي اكثر فروعي فيها العشر القبضات التي هي اصول الاربعين ولا يشق ذلك على المكلفين والحاصل انهم عليهم السلم بعد ما ملكهم الله سبحانه هذه الاموال بعد اكمالهم الصلوات زكوا اموالهم فمن زكوة اموالهم ما صبغوا من الصورة في الانشاء ومن زكوة اموالهم ما ترجموا للقابليات من المقبولات ومن زكوة اموالهم ما اعدوا من التكوينيات ومن زكوة اموالهم ما كلفوا من التشريعيات ومن زكوة اموالهم ما اوردوا واصدروا ومن زكوة اموالهم ما قبلوا ورفعوا وما ردوا وابطلوا ( ابطلوا وما صنعوا خ‌ل ) واحدثوا وما احيوا وما اماتوا وما رزقوا وما حرموا وما اصحوا وامرضوا باذن الله سبحانه وكذلك جميع ما يتعلق بالنظام فانهم يؤدون الى كل محتاج ما يحتاج اليه من اموالهم مما وجب عليهم فيها او استحب او ابيح والمستحقون كلياتهم ثمانية اصناف وهم العلماء والعاملون بطاعة الله والمنتصبون لمصالح المؤمنين واصحاب البرازخ واللطخ الذين جعلوا انسا للمؤمنين ليانسوا بلغتهم ويستقروا بصورتهم وخصيص شيعتهم المستشهدون في سبيلهم وفقهاء شيعتهم من اهل القضاء والفتوى والمحبون المتكلمون على حبهم واهل الزهد والورع المستعدون للرحيل عن دار الغرور وما نقص عنهم من جهة الاستحقاق انفقوا عليهم من جهة الفضل لانهم عليهم السلم قد التزموا بتتميم ما اعوز رعيتهم قال بعض العلماء واما الزكوة فهي تكون على السالك ومنه لان فيه اصناف لهن العالم ( العوالم خ‌ل ) فاهل السمع العلماء واهل البصر الحكماء واهل الشم السالكون واهل الذوق المكاشفون واهل اللمس الخلاصة في عالم الغيب والحس المشترك اهل العلوم العلوية والسفلية والخيال اهل الاستعداد والذاكرة اهل النبوة والحافظة اهل الولاية والمفكرة اهل الاستغراق في الحقايق وبحار فنون الملك والمصورة اهل المطالب على اختلاف تقرباتها والعقل اهل الرياسة والتدبير والسياسة للخلق فعلى السالك اخراج الزكوة من ربعه الى اهل الاستحقاق عنده وياخذ ما عندهم عن المعاملة التي استحق لها الزكوة منهم عليه فزكوته من العين شغلها بالاعتبار وعليها بتحقيق الاعتبار من غير هوي ومن السمع اعداده للوعي وعليها الاصغاء للحكم الربانية والمعارف الالهية ومن الشم تصفيته من غير الملايمات وعليه ان يملا جوفه بما حمل عليه من اللطايف الربانية ومن الذوق حفظ الشاني ولفظ النائي وغلبة التحفظ والمراعاة لهما ومن اللمس الانبعاث في اللطف الحركات لاشرف المطلوبات وعليه سرعة الانفعال ومن الحس المشترك اعداد طوارد الحواس وعليه صحة الملاقاة ومن الخيال تجريد صقله وحضوره وعليه قبول ما يرد عليه من الحس المشترك يقظة ونوما ومن الحافظة اتساعها للقبول وحسن الترصيف وعليها النصرة في ساير المسالك بسرعة الاستحضار ومن الذاكرة دوام الذكر ولطف التذكر وعليها ان لا يخجل اللسان في البيان ومن المفكرة حسن التصور واستزال صور الجمال الالهي في حلل البهاء الروحاني وعليها الاستغراق بالعلوم من تيار الفكر واحضاره الى ساحل الذكر ومن النفس احكام النقل بما وجب من العقل وعليها القبول للاوامر الواردة من فوقها لتندرج الى العقل ومن العقل رضاه وعليه الامتثال في الاقبال على الله والادبار عما سواه واذا تدبرت هذا المقال عرفت ان حقوق المال قد اندرجت تحت هذا الحال انتهى في مصباح‌الشريعة قال مولينا الصادق عليه السلم على كل جزء من اجزاءك زكوة واجبة لله بل على كل منبت شعر بل على كل لحظة من لحظاتك فزكوة العين النظر بالعبرة والغض عن الشهوات وما يضاهيها وزكوة الاذن استماع العلم والحكمة والقرآن وفوايد الدين من الموعظة والنصيحة وما فيه نجاتك بالاعراض عما هو ضده من الكذب والغيبة واشباهها وزكوة اللسان النصح للمسلمين والتيقظ للغافلين وكثرة التسبيح والذكر وغيره وزكوة اليد البذل والسخاء بما انعم الله به عليك وتحريكها بكتب العلوم ومنافع ينتفع بها المسلمون في طاعة الله والقبض عن الشرور وزكوة الرجل السعي في حقوق الله من زيارة الصالحين ومجالس الذكر واصلاح الناس وصلة الرحم والجهاد وما فيه من صلاح قلبك وسلامة دينك هذا ما لا يحتمل ( ما يحتمل خ‌ل ) القلوب فهمه والنفوس استعماله وما لا يحتمل عليه الا عباده المخلصون اكثر من ان يحصى وهم اربابه وهو شعارهم دون غيرهم صدق ولي الله وابن رسوله صلى الله عليه وعلى جده وجدته وآبائه وابنائه وفي العلل عن محمد بن سنان عن ابي الحسن الرضا عليه السلم كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله ان علة الزكوة من اجل قوت الفقراء وتحصين اموال الاغنياء لان الله تبارك وتعالى كلف اهل الصحة بالقيام بشان اهل الزمانة والبلوى كما قال عز وجل لتبلون في اموالكم وانفسكم في اموالكم اخراج الزكوة وفي انفسكم توطين النفس على الصبر مع ما في ذلك من اداء شكر نعم الله والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة والرافة والرحمة لاجل الضعيف والعطف على اهل المسكنة والحث لهم على المساواة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على امر الدين وموعظة لاهل الغني وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم ومالهم من الحث على ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم واعطاهم من الدعاء والتضرع والخوف ان يصيروا مثلهم في امور كثيرة في اداء الزكوة والصدقات وصلة الارحام واصطناع المعروف وفيه ايضا عن القسم عن ابي عبد الله عليه السلم قال قلت له جعلت فداك اخبرني عن الزكوة كيف صارت من كل الف خمسة وعشرون درهما لم يكن اقل منها او اكثر قال عليه السلم ان الله عز وجل خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وعلم غنيهم وفقيرهم فجعل من كل الف انسان خمسة وعشرين فقيرا ومسكينا فلو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم لانه خالقهم وهو اعلم بهم انتهى

واما الخمس واسراره بمختصر الكلام فاعلم ان الخمس سهم جعله الله سبحانه لنفسه ولخاصته في الاموال التي بيد الناس وليس ذلك السهم من مال الناس ولا يملكونه وذلك احسن واصفى ما في الاموال حتى ان الله سبحانه خص نفسه المقدسة به تشريفا وتكريما وتعظيما له وحتى لا يتوهم انه مثل الزكوة فانها اوساخ ما في ايدي الناس وحاشا ربنا الكريم ان يجعل لخاصة اوليائه تلك الاوساخ ولذا حرم عليهم الزكوة فالزكوة شيء يملكه الناس والخمس لا يملكونه ولذا قيل له الخمس وما قيل للزكوة العشر او ربع العشر او نصف العشر او ثلث العشر فالخمس ذات الهية اصلية والزكوة صفة لطخية عرضية ويجب على العبد التزكي والتطهر عنها ولذا ربما يراد من الزكوة في الباطن البراءة من الاعداء كما يراد من الصلوة ولاية الاحباء فهما جناحان يطير بهما المؤمن الى فضاء القدس ومحال الانس واما الخمس فهو صفة الشيء وخالصته لان الله سبحانه خص به نفسه ولا يكون ذلك الا الاشرف والاصفى والاحسن من كل شيء لان ما له سبحانه اطيب من كلما لغيره وحقيقة الامر في ذلك على جهة الاجمال ان محمدا وآله صلى الله عليه وعليهم لما صلوا الصلوة التي كلفهم الله سبحانه وتعالى اياها في العالم الاول التي هي نتيجة اقبالهم وادبارهم الذي هو عين اقبالهم الذي هو عين ادبارهم خلق الله سبحانه الخلق بهم باتمام صلوتهم في الاوقات الخمسة فكملت بها العوالم وهي وان كانت كثيرة لا تحصى ولا تتناهى الا ان كلياتها التي تترتب عليها الاحكام والآثار وتظهر فيها المشاعر والمدارك خمسة عالم الفؤاد وباب المراد وعالم العقل وعالم النفس وعالم المثال وعالم الجسم وفي هذه العوالم الخمسة تظهر المشاعر والمدارك المتمايزة الخاصة بمدركاتها وآثارها وكلما سويها مما تظهر المشاعر فيها ترجع اليه واما عالم الطبيعة وعالم المادة فهما عالم الموت والكسر لا تتميز فيهما المشاعر والمدارك والآثار واما عالم الارواح فله حكم البرزخية المحضة بحيث لا تكاد تتميز مداركه وآثاره فهو ملحق بالعقل في الوجه الاعلى والنفس في الوجه الاسفل واما عالم المثال فهو وان كان له حكم البرزخية الا ان آثاره ظاهرة واحكامه متمايزة لغلظته وترتب الحكم عليه وبالجملة فاصول العوالم الكونية الوجودية المتاصلة هذه الخمسة لا غير والاربعة من هذه العوالم تختص بالخلق في معرفة الاحوال الخلقية واوضاعها وحدودها وقراناتها واحكامها واطوارها وعلوياتها وسفلياتها ومجرداتها ومادياتها وبسايطها ومركباتها وما اشبهها من ساير احوالها واوضاعها واما عالم الفؤاد فقد جعله الله سبحانه في العبد ليتوجهوا به اليه سبحانه ويصفوه بما وصف نفسه لهم فيه فهو عين الله سبحانه في خلقه اعارهم اياها ليروه بها كما قال الشاعر :

اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها

قال تعالى اعرفوا الله بالله فهناك وما هناك يخص بالله سبحانه وبما ينسب اليه تعالى من اسمائه وصفاته وافعاله والوسايط التي بينه وبين عبيده وبالجملة ذلك العالم لله ولخاصته ليس لاحد فيه نصيب وذلك لان عالم الفؤاد له وجهان احدهما الاعلى وفيه ثلث مراتب الاولى مرتبة التوحيد ومقام التجريد ومظهر الاحدية مقام لا اسم ولا رسم ولا عبارة ولا اشارة كما قال امير المؤمنين عليه السلم كشف سبحات الجلال من غير اشارة وقال الصادق عليه السلم في العبد العين علمه بالله والباء بونه عن الخلق والدال دنوه من الخالق بلا كيف ولا اشارة وهذا السدس من الخمس لله تعالى خاص به لا يذكر معه غيره الثانية مرتبة الاسم الاعظم الجامع الكلي المحيط المهيمن على كل الاسماء والصفات والاضافات وهو مقام الهوية والاسم الاعظم الاجل الاعلى الاعلى الاعلى هو وهذا السدس الثاني من الخمس لرسوله صلى الله عليه وآله لانه محل ذلك الاسم ومفتاح ذلك الطلسم وهو قوله عليه السلم في الخطبة اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وذلك مقام النبوة المطلقة لا من حيث هي هي او من حيث هي هي لكن لا على ما تعرفه العوام بل الخواص الثالثة مرتبة الاسماء والصفات والاضافات والقرانات اي مقام الربوبية اذ مربوب وهذا السدس الثالث من الخمس لذي القربى وهم على واولاده وزوجته الصديقة عليهم الف ‌آلاف التحية والثناء والسلام قال مولينا الصادق عليه السلم نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وهذه الثلثة للوجه الاعلى من الفؤاد واما الثاني الذي هو الوجه الاسفل منه فيه ثلث مراتب ايضا الاولى ظهور الفعل اي هيئة ظهوره وهي التي في المفعول للاستدلال على الفعل وبها يقع تأكيدا للفعل في قولك ضربت ضربا اي ضربت ضربت وهذا السدس الرابع من الخمس لليتامى فان الفعل هو اليتيم الذي لا كفو له ولا نظيره ولا اب ولا ام له غير نفسه قال الصادق عليه السلم خلق الله المشية بنفسها فهذا السدس لها اي لمعرفة ظهورها في الوصف والخطاب الشفاهي والثانية ظهور الاثر اي المفعول المطلق الذي هو المصدر في نفسه وهو من غير ملاحظة شيء سوى نفسه مما تقدم عليه او تأخر عنه وهذا السدس الخامس للمسكين الفقير من السادة المتولدين من الاسماء المتولدة من الاسم الاعظم الكلي وهو فقير بل محض الفقر الى مبدئه اذ لا يجد لنفسه تحقق ولا تذوت في آن من الآنات وحال من الحالات ولا وجود له الا بذلك السهم من الخمس والثالثة ظهور صلوح الاثر للتعلق بالمتعلقات لان يظهر المفعول المطلق في المفعول به قبل تحقق المفعول به وهو قبل ان يكون يكون بعد وقوع كن وهو الواو المستتر في كن الظاهر في يكون وهو السدس الآخر وهو سهم ابن السبيل من تلك الذرية الطيبة اي المتولدة من الاسماء وهو قبل صلوح التعلق كان نورا ذائبا في عين الاستغناء ولما سافر للاقبال الادباري الى مقام التعلق انجمد بالاضافة فافتقر فاذا بلغ الى مسكنه وموطنه يزول هذا الانجماد وياتي الذوبان وهذه الاسهم الستة التي هي للخمس في قوله تعالى واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربيى واليتامى والمساكين وابن السبيل هي لله تعالى وخاصته وخالصته والظاهر انه في الصلوات هي صلوة الظهر وهي الصلوة الوسطى على اكثر الروايات لان وقتها وسط الوجود وقطبه فمن ملك هذه المراتب فيجب عليه اداء الخمس اي يجعل ذلك المشعر لله تعالى ولاوليائه اي ينظر مرة الى التوحيد المحض والاخرى الى الاسم الاعظم الكلي والاخرى الى الاسماء والصفات والرابعة الى صدور الفعل من الحق سبحانه والى مشيته وارادته وان الاشياء لا تقوم الا بها والخامسة الى محل المشية ومتعلق الفعل والسادسة الى تعلق ذلك المحل ليكون حالا فمن عمل بما قلنا وذكرنا فقد ادى خمس المال والا فقد خرج عن حد الايمان لانه سبحانه شرط الايمان في الآية الشريفة باخراج الخمس على الحدود المعينة فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم

واما الصيام واسراره : فعن النبي صلى الله عليه وآله انه قال اصل الاسلام الصلوة وفرعه الزكوة وذروته الصيام وسنامه الجهاد وعنه صلى الله عليه وآله زكوة الابدان الصيام وقال صلى الله عليه وآله الصوم يسود وجه الشيطان وجاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله فسئله اعلمهم لاي شيء فرض الله الصوم على امتك بالنهار ثلثين يوما فقال صلى الله عليه وآله ان آدم لما اكل من الشجرة بقي في بطنه ثلثين يوما ففرض الله على ذريته ثلثين يوما الجوع والعطش والذي ياكلونه بالليل بفضل من الله وكذلك كان على آدم ففرض الله على امتي ثم تلا صلى الله عليه وآله قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم وفي ما كتب مولينا الرضا عليه السلم الى محمد بن سنان علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ويكون ( ليكون خ‌ل ) ذليلا مسكينا ويكون دليلا له على شدايد الآخرة مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات وليعلم شدة منع ذلك من اهل الفقر والمسكنة وفي مصباح ‌الشريعة قال الصادق عليه السلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصوم جنة اي ستر من آفات الدنيا وحجاب عن عذاب الآخرة فاذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة من خطرات الشيطان وانزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهي طعاما ولا شرابا متوقعا في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب وطهر باطنك من كل كدر وغفلة وظلمة يقطعك عن معنى الاخلاص لوجه الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله تعالى الصوم لي وانا اجزي به فالصوم يميت مواد النفس وشهوة الطبع وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والاحسان الى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وجعل الالتجاء الى الله وبسبب انكسار الهمة وتخفيف الحساب وتضعيف الحسنات وفيه من الفوايد ما لا يحصى وكفى بما ذكرنا لمن عقل ووفق انتهى قال شيخنا واستادنا اطال الله بقاه وجعلني في كل مكروه فداه ان الله سبحانه كتب على المكلفين الصيام ليجوعوا فتخفف ( فتخف خ‌ل ) اجسادهم وليعطشوا فتنشف اجسادهم فاذا نشفت وخفت ذهب عنها الكسل المانع من العبادة وكثرة النوم التي تدع الرجل فقيرا يوم القيمة لقلة حسناته لانه يمنعه من التهجد في الليل ويقلل الرزق فيكثر همته بتحصيل المعاش واذا صام وجاع قويت روحه لان الجوع ادام الروح وذهبت الامراض من بدنه لان اكثر الامراض من الشبع فلذا كانت المعدة بيت الداء وورد صوموا تصحوا واذا عطش جفت الرطوبات التي هي علة النسيان والبلادة وقلة الفهم وعلة كثير من الامراض فاذا صام وجاع وعطش زاد فهمه وحفظه وذهبت الرياح وساير الامراض من جسده وذهب عنه الكسل في العبادة وخف جسده لفعل الطاعات وانكسرت نفسه عن الشهوات والخصال الذميمة كالحسد والغضب والشهوة والتكبر والبغي والعدوان وطول الامل ونسيان الموت والآخرة بل تكون دائما ذاكرا للموت والحساب والجنة والنار والدار الآخرة متجافيا عن دار الغرور وما فيها مما ليس لله وللدار الآخرة وكل ذلك وامثاله نتيجة العطش والجوع ولاجل ما اشرنا اليه لوحوا عليهم السلم لمن يفهم الاشارة من طي الكلام فقالوا ما معناه ان الشياطين تقيد وتغل في شهر رمضان وليس ذلك الا عن المؤمنين الذين يجوعون ويعطشون تقربا الى الله سبحانه بصيامهم واما غير هؤلاء فلا تقيد عنهم انا ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا اي تزعجهم ازعاجا انتهى كلامه اطال الله بقائه واعلى الله مقامه ورفع اعلامه ويؤيد ما ذكره سلمه الله تعالى ما ورد عن احدهم عليهم السلم ان الشياطين يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق فسدوا مجاريه بالجوع والعطش وقول النبي صلى الله عليه وآله للصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عز وجل والذي نفس محمد (ص) بيده لخلوف فم الصائم عند الله اطيب من ريح المسك انتهى وذلك لعدم وجود الشيطان الموجب للنتن والكدورة اعلم ان الصلوة لما كانت هي الخضوع والخشوع والتذلل والاقبال الى الله سبحانه بالذات والكينونة ترتبت عليها امساك النفس عن كلما يرجع الى النفس من الدواعي والشهوات والا لم يتحقق الاقبال التام فهذا الامساك هو اعظم فروع الصلوة ولما كان هذا التنزه والاجتناب والاعراض عن المفطرات اي مما يلتذ به النفس او يتقوى به في مقام المبدء اي مقام المفعول المطلق والمصدر اذ ذلك هو الذي لم يشبه شيء من القيودات والحدودات التي في المفعول به وان كان صالحا لذلك ولما كانت شمس الافاضة انما قطعت دائرة عالم الوجود بعد سيرها في اثني عشر مرتبة وهي الفؤاد والعقل والنفس الظاهرة في عشرة حواس ظاهرية وباطنية وكان العالم الاسفل دليلا على العالم الاعلى قسمت الافلاك على اثني ‌عشر قسمة كل قسمة تحكي مرتبة من المراتب وصار مقدار قطع الشمس في كل مرتبة من هذه المراتب المصطلح عليها بالبروج شهرا تاما فتمت السنة في اثني ‌عشر شهرا دليلا على اتمام السنة الكاملة الاولية الالهية على تلك الشهور التي هي الحقايق كما قال عز وجل ان عدة الشهور عند الله اثناعشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السموات والارض في الباطن والتاويل او هي الافلاك التسعة والمواليد الثلثة فالشهور الزمانية حكايات لتلك الذوات الالهية فتكون اصول الاشهر ثلثة وهي بازاء الفؤاد والعقل والنفس وباقي المراتب ظهورات هذه الثلثة الظاهرة في النفس وشئوناتها واطوارها والاشهر التسعة بمنزلة المقدمات وهذه الثلثة بمنزلة النتايج وتلك بمنزلة الافلاك التسعة التي هي اسباب ومقدمات لتكوين المواليد ونشوها فتكون تلك الثلثة اشرف الاشهر ( الثلثة خ‌ل ) وافضلها واحسنها وليس في الشهور اشرف ولا افضل من الاشهر الثلثة التي هي شهر رمضان وشعبان ورجب المرجب المعظم فيكون شهر رمضان شهر المبدء ودليل الفؤاد لكونه اشرف الثلثة واحسنها وافضلها واعلاها فوجب الصوم والامساك فيه لانه مقام المبدء الغير المقترن بالحدود والتعينات المقتضية للشهوات والارادات واللذات ولذا ورد ان رمضان اسم الله فلا تقولوا رمضان بل قولوا شهر رمضان فاذا كان هو شهر الله كان في التوجه الى الله كف وامساك عن السوي والا لم يحصل التوجه الى الله وفي هذا الشهر يظهر عظمة الله سبحانه وسلطانه وقدرته فكان وقوف الخلايق في البدو في عالم الذر انما هو في هذا الشهر وعودهم اليه تعالى يوم القيمة انما يكون في هذا الشهر ففيه قوله تعالى والملك يومئذ لله مع ان في كل الازمان يكون الملك له سبحانه لكن الازمنة الباقية لما كانت مقام القشور والاعراض وظهور الكدورات ما ظهرت عظمة الله سبحانه وقهاريته واستهلاك الاشياء واضمحلالها لعامة الناس وانما يظهر تلك يوم القيمة ومعنى نسبة شهر رمضان الى الله تعالى ظهور سلطانه تعالى في ذلك الشهر والظهور التام انما يكون في ذلك اليوم في الدار الآخرة فيكون ذلك شهر رمضان قطعا ولذا اشتق من الرمضاء لاشتداد الحرارة في ذلك اليوم وضم بعضهم ببعض وعرقهم كما هو المعروف وفي ذلك اليوم يحصل الامساك التام عن المفطرات والشهوات الراجعة الى النفس والبدن وهذا الشهر في الدنيا مثال ذلك وحكايته ان لم نقل عينه فيجب تذكر الآخرة والعمل لله تعالى والتوجه الى جناب قدسه ولما كان عالم الذر ويوم القيمة في يوم واحد وشهر واحد وفي ذلك اليوم قدرت الآجال والارزاق والفقر والغني والعز والذل والموت والحيوة وامثال ذلك وهو في الثلث الاخير من ذلك اليوم لانهم وجدوا وصلحوا فكلفوا فقدرت لهم المقادير على حسب قبولهم واذعانهم وانكارهم واعراضهم وفي يوم القيمة ايضا تقدر لهم منازلهم ويعطي كل ذي حق حقه ايضا في الثلث الاخير لانهم يحشرون فيعرضون على ولي الحساب ويحاسبون فيدخلون منازلهم في الجنة بمراتبها والنار بمراتبها اعاذنا الله من النار بفضله وادخلنا الجنة ( جنته خ‌ل ) برحمته فمن هذه الجهة كانت ليلة القدر في الثلث الاخير من شهر رمضان وانما كانت في الليل لانها مقام الكثرة ونفي الوحدة وهي ليلة حقيقية واما يوم ( يوم القيمة ويوم خ‌ل ) عالم الذر فهو انما هو لعظم اشراق نور الجبار ذو العظمة والقدس بحيث محق الظلمات واما شهر شعبان فهو شهر محمد صلى الله عليه وآله كما دلت الروايات اي يظهر فيه آثار ظهوراته صلى الله عليه وآله وعلامات اشراقات نوره وذلك الظهور والسلطان والعظمة والامتنان والاستيلاء والهيمنة انما هو في الرجعة اي رجوع محمد صلى الله عليه وآله مع اهل بيته الطيبين الطاهرين فانك في ذلك الوقت تعرف سلطان محمد صلى الله عليه وآله واستيلائه واجراء حكمه ونفاذ امره في كل ذرة من الذرات الوجودية في جميع العوالم التكوينية والتشريعية والذاتية والعرضية والحقيقية والمجازية وذلك المقام مقام ظهور العقل الكلي وهو وان كان مقام صوم لتنزه ذلك العالم ايضا عن الحدود والصور الشخصية المقتضية للشهوات والدواعي الا ان فيه صلوح التعلق القريب بالمتعلق ولذا استحب صومه مؤكدا كما قال امير المؤمنين عليه السلم ما تركت صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وآله واما شهر رجب فهو شهر القائم من آل محمد عليه وعليهم السلم وقد فسر شهر رجب به عليه السلم ووجه الاختصاص به مع اشتراك كلهم سلام الله عليهم في ذلك لقيامه بالامر واظهاره للحق ظاهرا مكشوفا فيكون القيام واستيلاء امره عليه السلم اي ظهور النفس الكلية الظاهرة بالامر والتدبير والتصرف انما هو في شهر رجب فتكون الشهور كلها تنتهي الى هذه الشهور الثلثة وهي الايام الثلثة في قوله تعالى وذكرهم بايام الله اي يوم قيام القائم عليه السلم ويوم الرجعة ويوم القيمة اي اليوم القمري فانه شهر من يوم العرش ويوم الشمس سنة ويوم زحل ثلثون سنة ويوم الكرسي اربعة وعشرون‌الف سنة ويوم العرش اربعة وعشرون ساعة فافهم فالاشهر تنتهي الى هذه الشهور وشهر رجب الذي هو مظهر قيام القائم عليه السلم ينتهي الى شعبان اي الرجعة وهو ينتهي الى شهر رمضان فهو نهاية النهاية وغاية الغاية وهو عند شرب اهل الجنة قبل دخولهم فيها من شراب الكافور ليلة العيد واول دخولهم الجنة ومكثهم في مقام الكثيب الاحمر ومقام الرفرف الاخضر ومقام ارض الزعفران ومقام الاعراف الى وصولهم مقام الرضوان تنقضي اثني عشرة ساعة لتوقفهم في كل مقام ثلث ساعات الى مرتبة الرضوان فعند وصولهم اليه اول يوم العيد وذلك يوم لا ليلة له ونور لا ظلمة فيه وايقاظ لا حلم فيه وانما هو نور موجود وظل ممدود فانتهت الشهور الى شهر رمضان وهو الى ليلة العيد وهو ( هي خ‌ل ) الى يوم العيد وذلك اليوم هو المدار وهو النقطة للدوائر الوجودية كلها والمقامات باسرها وهو غاية الغايات ونهاية النهايات فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال واما صوم ثلثين يوما فلان المبدء مظهره الثلثون الا ترى ان الالف مايمسكها في الظهور الا اللام كما في حرف التعريف وحرف النفي والثلثون هي مقام القابليات فظهور المبدء فيها عبارة عن الاعراض والامساك عن مقتضاها وشهواتها وذلك الاعراض التام والامساك العام هو عبارة عن الصيام ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله كما في الحديث المتقدم ان آدم لما اكل من الشجرة بقي في بطنة ثلثين يوما لان كدورة الاعراض بترك الاولى سرت في كل اطوار القابليات فوجب الامساك ومقابلة ارض القابليات باشراق شمس العناية الازلية الالهية لتحرق حرارة المبدء تلك الكثافات وتطهرها عن كل الرذايل والدناءات ولاجل ذلك استحب الغسل في اول يوم من شهر رمضان في الماء الجاري وان يصب على راسه ثلثين كفا من الماء لئلاتؤثر فيه الحرارة حرارة الصوم وحرارة ظهور المبدء ويستحب الوقاع في اول الليلة منه لاخراج الحرارة وتسكينها لئلاتتهيج الصفراء وتحترق السوداء وتتولد منها الامراض المهلكة فافهم ولنذكر في هذا المقام تتمة الحديث المروي عن الرضا عليه السلم الذي رواه الفضل بن شاذان وقد ذكرنا ما يتعلق بالصلوة في مبحثها ونذكر هنا ما يتعلق بالصيام قال ابن ‌شاذان عنه عليه السلم فان قيل فلم امروا بالصوم قيل لكي يعرفوا الم الجوع والعطش ويستدلوا على فقراء الآخرة وليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا ماجورا محتسبا عارفا صابرا على ما اصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الامساك عن الشهوات وليكون ذلك واعظا لهم على ما كلفهم ودليلا لهم في الآجل مثبتا وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على اهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا اليهم ما افترض الله لهم في اموالهم فان قيل فلم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون ساير الشهور قيل لان شهر رمضان هو الشهر الذي انزل الله فيه القرآن وفيه فرق الله بين اهل الحق والباطل كما قال الله تعالى شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدى والفرقان وفيه نبئ محمد صلى الله عليه وآله وفيه ليلة القدر التي خير من الف شهر وفيها يفرق كل امر حكيم وهو راس السنة ويقدر فيه ما يكون في السنة من خير او شر او مضرة او منفعة او رزق او اجل ولذلك سميت ليلة القدر فان قيل فلم امروا بالصوم شهر رمضان لا اقل من ذلك ولا اكثر قيل لان قوة العباد الذي تعم فيها القوي والضعيف وانما اوجب الله الفرايض على اغلب الاشياء واعم القوم ثم رخص لاهل الضعف وانما اوجب الله ورغب اهل القوة في الفضل ولو كانوا يصلحون على اقل من ذلك نقصهم ولو احتاجوا الى اكثر من ذلك لزادهم فان قيل فلم اذا حاضت المراة لا تصوم ولا تصلي قيل لانها في حد نجاسة فاحب ان لا تتعبد الا طاهرة ولانه لا صوم لمن لا صلوة له فان قيل فلم صارت تقضي الصيام لا الصلوة قيل لعلل شتى فمنها لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها واصلاح بيتها والقيام بامورها والاشتغال بمرمة معيشتها والصلوة تمنعها من ذلك كله لان الصلوة تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك والصوم ليس كذلك ومنها ان الصلوة فيها عناء وتعب واشتغال للاركان وليس في الصوم شيئا من ذلك انما هو ترك الطعام والشراب وليس في اشتغال الاركان ومنها انه ليس من وقت يجيء الا ويحدث عليها فيه صلوة جديدة في يومها وليلتها وليس الصوم كذلك فان قيل فلم اذا مرض الرجل او سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره او لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه رمضان آخر وجب عليه الفداء للاول وسقط القضاء واذا افاق بينهما واقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء قيل لان ذلك الصوم انما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر فاما الذي لم يفق فانه لما مرت عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل الى اداءها سقط عنه وكذلك كلما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه كل يوم وليلة فلا تجب عليه قضاء الصلوة كما قال الصادق عليه السلم كلما غلب الله على العبد فهو اعذر له لانه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه ووجب الفداء عليه لانه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع اذا فوجب عليه الفداء كما قال الله تعالى فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا وكما قال ففدية من صيام او صدقة او نسك فاقام الصدقة مقام الصيام اذا عسر عليه فان قيل فان لم يستطع اذ ذاك فهو الآن يستطيع قيل لانه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء واذا وجب عليه الفداء المسقط للصوم فالصوم ساقط والفداء لازم فان افاق في ما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته فان قيل فلم جعل صوم السنة قيل ليكمل به صوم الفرض فان قيل فلم جعلت في كل شهر ثلثة ايام في كل عشر يوما قيل لان الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر امثالها فمن صام في كل عشرة ايام يوما واحدا فكانما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسي (ره) صوم ثلثة ايام في الشهر تعدل صوم الدهر فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه فان قيل فلم جعل اول خميس في العشر الاول وآخر خميس في العشر الآخر واربعا في العشر الاوسط قيل اما الخميس فانه قال الصادق عليه السلم يعرض كل خميس اعمال العباد على الله تعالى واحب ان يعرض عمل العبد على الله وهو صائم فان قيل فلم جعل آخر خميس قيل لانه اذا عرض عمل العبد ثلثة ايام والعبد صائم فانه اشرف وافضل من ان يعرض عمله يومين وهو صائم وانما جعل الاربعا في العشر الاوسط لان الصادق عليه السلم قد اخبر ان الله عز وجل خلق النار في ذلك اليوم وفيه اهلك الله القرون الاولى وهو يوم نحس مستمر فاحب ان يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه فان قيل فلم اوجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلوة وغيرهما من الانواع قيل لان الصلوة والحج وساير الفرايض مانعة للانسان من التقلب في امر دنياه مصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحايض التي تقضي الصوم ولا تقضي الصلوة فان قيل فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون ان تجب عليه شهر واحد او ثلثة اشهر قيل لان الفرض الذي فرضه الله على الخلق فهو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة تأكيدا وتغليظا عليه فان قيل فلم جعلت متتابعين قيل لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به لانه اذا قضي منفردا هان عليه القضاء او استخف بالايمان الحديث

اما الحج واسراره فاذكر فيه ما ورد عن الائمة الاطهار عليهم السلم في هذا الباب ونعرض عن استخراج ما فيها من الكنوز والانوار لعدم اقبال القلب وسعة الوقت وتحمل الناس روى الصدوق (ره) في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله سميت الكعبة كعبة لانها وسط الدنيا وقد روي انها سميت كعبة لانها مربعة وصارت مربعة لانها بحذاء البيت المعمور وهو مربع وصار البيت المعمور مربعا لانه بحذاء العرش وهو مربع وصار العرش مربعا لان الكلمات التي بني عليها الاسلام اربع وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وسمي بيت الله الحرام لانه حرام على المشركين ان يدخلوه وسمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق وروي انه سمي العتيق ( العتيق لانه بيت عتيق خ‌ل ) من الناس ولم يملكه احد ووضع البيت في وسط الارض لانه الموضع الذي من تحته دحيت الارض وليكون الفرض لاهل المشرق والمغرب في ذلك سواء وانما يقبل الحجر الاسود ويستلم ليؤدي الى الله عز وجل العهد الذي اخذ عليهم في الميثاق وانما وضع الله عز وجل الحجر الاسود في الركن الذي هو فيه ولم يضعه في غيره لانه تبارك وتعالى حين اخذ الميثاق اخذه في ذلك المكان وجرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفاء لانه لما نظر آدم عليه السلم من الصفاء وقد وضع الحجر في الركن كبر الله عز وجل وهلله ومجده وانما جعل الميثاق في الحجر لان الله عز وجل لما اخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ولعليّ عليه السلم بالوصية اصطكت فرايص الملئكة واول من اسرع الى الاقرار بذلك على الخلايق الملك الذي هو الحجر ولذلك اختاره الله عز وجل والقمه الميثاق وهو يجيء يوم القيمة وله لسان ناطق وعين ناظرة ه‍ يشهد لكل من وافا الى ذلك المكان وحفظ الميثاق وانما اخرج الحجر من الجنة ليذكر آدم ما نسي من العهد والميثاق وصار الحرم مقدار ما هو لم يكن اقل ولا اكثر لان الله تبارك وتعالى اهبط على آدم ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت وكان يطوف بها آدم عليه السلم وكان ضوءها يبلغ موضع الاعلام فعملت الاعلام على ضوءها فجعله الله عز وجل حرما وانما يستلم الحجر لان مواثيق الخلايق فيه وكان اشد بياضا من اللبن فاسود من خطايا بني آدم ولولا ما مسه من ارجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة الا برء وسمي الحطيم حطيما لان الناس يحطم بعضهم بعضا هنالك وصار الناس يستلمون الحجر والركن اليماني ولا يستلمون الركنين الاخيرين لان الحجر والركن اليماني عن يمين العرش وانما امر الله عز وجل ان يستلم ما عن يمين عرشه وانما صار مقام ابرهيم عليه السلم عن يساره لان لابرهيم عليه السلم مقاما في القيمة ولمحمد صلى الله عليه وآله مقاما فمقام محمد صلى الله عليه وآله عن يمين عرش ربنا ومقام ابرهيم عن يسار عرشه فمقام ابرهيم عليه السلم في مقامه يوم القيمة وعرش ربنا تبارك وتعالى مقبل غير مدبر وصار الركن الشامي متحركا في الشتا والصيف والليل والنهار لان الريح مسجونة تحته وانما صار البيت مرتفعا يصعد اليه بالدرج لانه لما هدم الحجاج الكعبة فرق الناس ترابها فلما ارادوا ان يبنوها خرجت اليهم حية فمنعت الناس البنا فاتي الحجاج فاخبر فسئل عليّ بن الحسين عليهما السلم عن ذلك فقال مر الناس ان لا يبقى احد منهم اخذ شيئا الا رده فلما ارتفعت حيطانه امر بالتراب فالقى في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد اليه بالدرج وصار الناس يطوفون حول الحجر ولا يطوفون فيه لان ام اسمعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها فطيف لكي لا يوطي قبرها وروي ان فيه قبور الانبياء عليهم السلم وما في الحجر شيء من البيت ولا قلامة ظفر وسميت بكة لان الناس يبك بعضهم بعضا بالايدي فيها وروي انها سميت بكة لبكاء الناس حولها وفيها وبكة هو موضع البيت والقرية مكة وانما لا يستحب الهدى الى الكعبة لانه يصير الى الحجبة دون المساكين والكعبة لا تشرب ولا تاكل وما جعل هديا لها فهو لزوارها وروي انه ينادي على الحجر الا من انقطعت به النفقة فليحضر فيدفع اليه وانما هدمت قريش الكعبة لان السيل كان ياتيهم من اعلى مكة فيدخلها فانصدعت وسئل الصادق عليه السلم عن قول الله عز وجل سواء العاكف فيه والباد فقال عليه السلم لم يكن ينبغي ان يوضع على دور مكة ابواب لان الحجاج ( للحجاج خ‌ل ) ان ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم وان اول من جعل لدور مكة ابوابا معوية ويكره المقام بمكة لان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج عنها والمقيم بها يقسو قلبه حتى ياتي فيها ما ياتي في غيرها ولم يعذب ماء زمزم لانها بغت على المياه فاجرى الله عليها عينا من صبر وانما صار ماء زمزم يعذب في وقت دون وقت لانه يجري اليها ( عليها خ‌ل ) عين من تحت الحجر فاذا غلبت ماء العين عذب ماء زمزم وانما سمي الصفا صفا لان المصطفى آدم عليه السلم هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم لقوله ( لقول الله خ‌ل ) عز وجل ان الله اصطفى آدم ونوحا وهبطت حوا على المروة وسميت مروة لان المراة هبطت عليه فقطع للجبل من اسم المراة وحرم المسجد لعلة الكعبة وحرم الحرم لعلة المسجد ووجب الاحرام لعلة الحرم وان الله تعالى جعل الكعبة قبلة لاهل المسجد وجعل المسجد قبلة لاهل الحرم وجعل الحرم قبلة لاهل الدنيا وانما جعلت التلبية لان الله عز وجل لما قال لابرهيم عليه السلم واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا فنادي فاجيب من كل فج يلبون وفي رواية ابي الحسن الاسدي رضي الله عنه عن سهل بن زياد عن جعفر بن عثمن الدارمي عن سليمن بن جعفر قال سئلت اباالحسن عليه السلم عن التلبية وعلتها فقال عليه السلم ان الناس اذا احرموا ناداهم الله عز وجل عبادي وامائي لاحرمنكم النار كما احرمتم لي فقولهم لبيك اللهم لبيك اجابة لله عز وجل على ندائهم وانما جعل السعي بين الصفا والمروة لان الشيطان تراى لابرهيم عليه السلم في الوادي فسعى وهو منازل الشيطان وانما صار المسعي احب البقاع الى الله عز وجل لانه يذل فيه كل جبار وانما سمي يوم التروية لانه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء ريهم وكان يقول بعضهم لبعض ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك وسميت عرفة عرفة لان جبرائيل قال لابرهيم عليه السلم هناك اعترف بذنبك واعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة وسمي المشعر مزدلفة لان جبرئيل عليه السلم قال لابرهيم عليه السلم بعرفات ازدلف الى المشعر الحرام فسميت المزدلفة لذلك وسميت مزدلفة جمعا لانه يجمع فيها بين المغرب والعشا باذان واحد واقامتين وسمي مني مني لان جبرئيل عليه السلم اتى ابرهيم فقال له تمن يا ابرهيم فكانت تسمي مني فسماها الله مني وروي انها سميت مني لان ابرهيم تمني هناك ان يجعل مكان ابنه كبشا يذبحه فدية له وسمي الخيف خيفا لانه مرتفع عن الوادي وكلما ارتفع عن الوادي سمي خيفا وانما صير الموقف بالمشعر ولم يصير بالحرم لان الكعبة بيت الله والحرم حجابه والمشعر بابه فلما قصده الزايرون اوقفهم بالباب يتضرعون حتى اذن لهم بالدخول ثم وقفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفة فلما نظر الى طول تضرعهم امرهم بتقرب قربانهم فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا لهم دونه امرهم بالزيارة على طهارة وانما كره الصيام في ايام التشريق لان القوم زوار الله عز وجل فهم في ضيافته ولا ينبغي للضيف ان يصوم عند من زاره واضافه وروي انها ايام اكل وشرب وبعال ومثل التعلق باستار الكعبة مثل الرجل يكون بينه وبين الرجل جناية فيتعلق بثوبه ويستحذي له رجاء ان يهب له جرمه وانما صار الحاج لا يكتب عليه ذنب اربعة اشهر من يوم يحلق راسه لان الله عز وجل اباح للمشركين الاشهر الحرم الاربعة الاشهر اذ يقول فسيحوا في الارض اربعة اشهر وانما يكره الاحتذاء في المسجد الحرام تعظيما للكعبة وانما سمي الحج الاكبر لانها سنة كانت حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد ذلك السنة وانما صار التكبير بمني في دبر خمس‌عشر صلوة وفي الامصار في دبر عشر صلوات لانه اذا نفر الناس في النفر الاول امسك اهل الامصار عن التكبير وكبر اهل مني ما داموا في مني الى النفر الاخير وانما صار في الناس من يحج حجة وفيهم من يحج اكثر ومنهم من لا يحج لان ابرهيم عليه السلم لما نادي هلم الى الحج اسمع من في اصلاب الرجال وارحام النساء الى يوم القيمة فلبي الناس في اصلاب الرجال وارحام النساء لبيك داعي الله لبيك داعي الله فمن لبى عشرا حج عشرا ومن لبى خمسا حج خمسا ومن لبى اكثر فبعدد ذلك ومن لبى واحدة حج واحدة ومن لم يلب لم يحج وسمي الابطح ابطحا لان آدم عليه السلم امر ان ينبطح في بطحاء جمع فانبطح حتى انفجر الصبح وانما امر الله تعالى آدم بالاعتراف ليكون سنة في ولده واذن رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس ان يبيت بمكة ليالي مني من اجل سقاية الحاج وانما احرم رسول الله صلى الله عليه وآله من الشجرة لانه لما اسري به الى السماء وكان بالموضع الذي بحذاء الشجرة نودي يا محمد قال لبيك قال الم ‌اجدك يتيما فاويت ووجدتك ضالا فهديت فقال النبي صلى الله عليه وآله الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك فلذلك احرم من الشجرة دون المواضع كلها واما تقليد البدن فليعرف انها بدنه ويعرفها صاحبها بنعله الذي يقلدها به والاشعار انما امر به ليحرم ظهرها على صاحبها من حيث اشعرها ولا يستطيع الشيطان ان يتسمنها وانما امر برمي الجمار لان ابليس اللعين كان يتراى لابرهيم في موضع الجمار فرجمه ابرهيم فجرت بذلك السنة وروي ان اول من رمى الجمار آدم (ع) ثم ابرهيم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انما جعل الله هدي هذا الاضحى ليشبع مساكينهم من اللحم فاطعموهم والعلة التي تجزي البقرة عن خمسة نفر لان الذين امرهم السامري بعبادة العجل كانوا خمسة انفس وهم الذين ذبحوا البقرة التي امر الله تبارك وتعالى بذبحها وهم اذينونة واخوه ميذونة وابن اخيه وابنته وامراته وانما يجزي الجذع من الضان في الاضحية ولا يجزي الجذع من المعز لان الجذع من الضان يلقح والجذع من المعز لا يلقح وانما يجوز ( يجزي خ‌ل ) للرجل ان يدفع الضحية الى من يسلخها بجلدها لان الله عز وجل قال فكلوا منها واطعموا والجلد لا يؤكل ولا يطعم ولا يجوز ذلك في الهدى ولم يبت امير المؤمنين عليه السلم بمكة بعد ان هاجر منها حتى قبض لانه كان يكره ان يبيت بارض قد هاجر منها واعلم ان لي في اسرار الحج وافعاله ومقاماته كلمات عجيبة غريبة ماخوذة من كلمات اهل بيت النبوة عليهم السلم قد ذكرت بعضا منها في اثناء المباحثات وطويت اكثرها صونا لاصحاب الجهالات ولو اردت ذكر جملة منها في هذه الوريقات لطال الكلام لادائه الى تمهيد مقدمات وبسط مقالات وفي ما ذكرت كفاية لمن نظر واعتبر واستبصر والله الهادي الى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله

قال سلمه الله تعالى : ما الحكمة في غيبة امام زماننا عليه السلم وعجل الله فرجه مع ان في ظهوره عليه السلم رفع الفساد واستلزام قطعية الاحكام الواقعية الالهية وغيبته تستلزم العمل بالظن والشك وعدم الاطمينان بصحة العمل

اقول اعلم ان الله سبحانه خلق الخلق على الحق وابى الا ان يظهر حكمه ويعلن امره ويبين حجته ويعرف الخلق اسرار حكمته كما قال عز وجل وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يتبين لهم ما يتقون وقال عز وجل وعلى الله قصد السبيل وقال عز وجل لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه فلذلك بعث سبحانه رسلا وحججا مبشرين ومنذرين واختار لنفسه خلفاء راشدين وهداة مهتدين ( مهديين خ‌ل ) اذ تلقى الفيض والامر والنهي منه سبحانه بلا واسطة ممتنع على اليقين وذلك لئلا يكون للناس على الله حجة وليعرفوا موصولهم ومفصولهم ويكونوا على بصيرة في امر معبودهم وكيفية التوجه اليه تعالى بصافي سريرتهم وخالص طويتهم ولكنه سبحانه حكم ايضا على نفسه حكما حتما ان لا يجبر احدا ولا يلجاه الى التكليف والايمان ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة كما قال عز وجل لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فهذان الاصلان لا يتخلفان ولا يختلفان ابدا فاذا بعث الله سبحانه الداعي بالحق الى الحق على الامم فرعيته لا يخلون عن حالات ثلثة احديها انهم يطيعونه اجمعين بصافي طويتهم وخالصي سريرتهم ولا يخالفونه ابدا والثانية انهم يعصونه ويخالفونه اجمعين ولا يطيعونه ابدا في حال من الاحوال والثالثة ان بعضهم يطيعونه والآخرون يعصونه ويخالفونه وهذا القسم على قسمين اما ان يكون المطيعون اغلب واكثر ام العاصون والمطيعون ايضا على قسمين اما انهم يطيعونه في كلما امر ونهي ام لا بل يطيعونه في البعض ويعصونه في البعض الآخر والمعصية لا تخلو عن ( من خ‌ل ) حالتين اما ان تكون لغلبة شهوة النفس لا لانه يراها حسنة واما ان تكون للعناد والجحود ومشاهدة كونها حسنة فهذه حالات كل واحدة منها تكون منشأ تأسيس حكم وجودي وتشريعي اما في الحالة الاولى فيجب على الداعي الخليفة من الله سبحانه ان يظهر لرعيته ويبين لهم احكام شريعته الواقعية الاولية التي اختار الله سبحانه لبريته بمقتضى كينونتهم الصافية المقتضية للعبودية المحضة فيوردهم الى محض الحق وصريح الحكم بغير اختلاف ولا تعدد ولا تناقض ولا تشابه ولا تغير ولا نسخ ولا نفي ولا اثبات ويربي الرعايا ويبلغهم الى غاية الكمالات ومنتهى الدرجات من تصفية بواطنهم وتعليمهم العلوم الالهية الغيبية الحقيقية من معرفة سر الخليقة وباطن الحقيقة وبواطن مقامات التوحيد ومراتب التفريد والتجريد اما في الحالة الثانية فيجب ان يهلكهم الله سبحانه ويبطل النظام لانه لا بد للامام عليه السلم ان يكون له شيعة يقول بقوله ويعمل بعمله ليكون ذلك موضع نظره وتوجهه الى العالم ولما كان ذلك لا يقوم لكونه مدنيا بالطبع الا بساير ( ساير خ‌ل ) الخلق من السموات والارض والجبال والبحار وساير اصناف الكائنات من الاشخاص والافراد والانواع والاجناس فلذلك الواحد المؤمن يقيم الله سبحانه الوجود وينزل المطر من السماء وينبت النبات ويدير الافلاك فاذا لم يكن احدا يتبع الامام عليه السلم فيعود الى مركزه ويعبد ربه ويعرض عن غيره فيفسد الحركات ويبطل السموات كما ان القلب المعنوي اذا اعرض عن هذا البدن الجسمي الحسي يبطل ويفسد فيموت ولا يعرض عن البدن الا اذا فسد البدن وليس له محلا للظهور والامام عليه السلم قلب العالم كما دل عليه العقل والنقل ولذا لما اراد الله سبحانه خراب هذه الدنيا واتيان يوم القيمة يامر محمدا وآله صلى الله عليه وآله ان يرفعوا الى السماء ويقطعوا التفاتهم ونظرهم عن اهل الارض والسماء فتنفطر السموات وتموت الكائنات واما في الحالة الثالثة ففي الحالة الاولي منها اي يكون المطيعون اكثر واغلب من العاصين يجب على الامام عليه السلم ان يظهر لرعيته المطيعين ولا يعبؤ بالعاصين لكونهم شرذمة قليلين بل عليه ان يدعوهم الى الحق ويتمم حجته عليهم فان اطاعوا فهو المطلوب والا طهر وجه الارض عن لوث خبثهم ان كانوا كما قال تعالى حكاية عن نوح ولا يلدوا الا فاجرا كفارا والا فان كان اصلابهم النطف الطيبة الطاهرة فيدعهم اذلة صاغرين ويبين للمؤمنين الاحكام القطعية الواقعية الاولية على القطع واليقين ولا يتركهم سدى مهملين كما يفعله الامام عليه السلم وعجل الله فرجه عند قيامه واوان استيلاء سلطانه واما في الحالة الثانية من الثالثة كما في هذا الزمان والزمان المتقدم والمتاخر كما اخبر الله سبحانه عنهم وقال ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل وقال عز وجل ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها الآية وقال عز وجل وقليل من عبادي الشكور وقال وما آمن معه الا قليل وامثالها من الآيات الواردة في ذم الكثرة ومدح القلة وهو المحسوس المشاهد فانا نجد اهل الحق المتمسكين به بالنسبة الى اهل الباطل المتمسكين به كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء بل ربما اقل وقد قال مولينا الباقر عليه السلم الناس كلهم بهايم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل وفي رواية اخرى المؤمنة اعز من المؤمن والمؤمن اعز من الكبريت الاحمر وهل راى احدكم الكبريت الاحمر فاذا كثر اهل الباطل وغلب عليه فلا شك انه يبذل كل جهده في ابطال الحق واهله واطفاء نور الله ومحو كلمة الله فاذا ظهر الامام عليه السلم في مثل هذه الحالة لا يخلو اما ان يظهر بالقوة والبطش الشديد والقهر والغلبة او يظهر بالسكوت والامهال والاهمال ففي الصورة الاولى يلزم قبيحان احدهما الالجاء والاكراه المنفيان في الدين بحكم العقل والنقل فان الامام اذا ظهر وقهر كل من يخالفه فلا شك ان المخالفين لا يقدرون حينئذ على المخالفة خوفا على انفسهم من القتل والهلاك فيتبعون وقلوبهم كارهة فاذا بقي هؤلاء على هذه الحالة الى ان يدركهم الاجل ويقطع بهم الامل فاين يسكنون في الآخرة هل في الجنة ام النار والاول قبيح لان الجنة دار طيبة طاهرة مصفاة عن جميع الكدورات والشبهات فلا تكون مسكنا للارجاس الانجاس المعاندين لله ولرسوله والثاني ايضا كذلك لانه لم يظهر منهم شيء يؤدي الى النار فيكون لهم حجة على الله سبحانه وهو سبحانه لا يعامل الخلق بعلمه والا لما جاز بعث الرسل وانزال الكتب لانه تعالى بالمطيع والعاصي من غير التكليف الظاهري وهذا في الحكمة قبيح والديانة به باطلة فاسدة والثاني ان النطف قد اختلطت فصارت من النطف الخبيثة في اصلاب المؤمنين ومن النطف الطيبة في اصلاب الكافرين والمنافقين كما قال عز وجل يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وهذا ظاهر معلوم فاذا قتل الكفار باجمعهم فقد قطع الفيض عن تلك النطف الطيبة والذوات الطاهرة فكانت لها حجة على الله واذا بقي المؤمنون فقد يحصل منهم الكفار ويعود المحظور واذا قتل المؤمن الذي في صلبه الكافر لم يجز ولا تزر وازرة وزر اخرى وفي الصورة الثانية اي ظهور الامام عليه السلم بالسكوت والاهمال والمداراة لا يخلو اما ان يكون بعده امام يقوم مقامه ويجري حكمه وامره ام لا بل الامر قد انتهى اليه ولا تقتضي الحكمة الالهية والمصالح الربانية وجود امام غيره فعلى الاول يجب ان يظهر بلا غلبة وقهر ويظهر الحق مهما يمكنه بالمداراة واعلان كلمة الحق باي وجه يمكن بحيث لا يلزم الالجاء الى ان يقتل روحي له الفداء وهنا تفصيل شريف في كيفية ظهور الائمة عليهم السلم واحدا بعد واحد الى ان قتلوا وسر قتل بعضهم بالسيف وبعضهم بالسم وقد اشرت الى شيء من ذلك في رسالتنا اسرار الشهادة فمن اراد حقيقة الامر فليرجع هناك وعلى الثاني كما في هذا الزمان فان الادلة القطعية من العقلية والنقلية قد دلت على ان اولياء ( اوصياء خ‌ل ) محمد صلى الله عليه وآله يجب ان يكون اثني عشر لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون وهذا حكم قد كتب الله سبحانه بقلم الصنع والاختراع والابتداع على الواح حقايق الكائنات وذوات الموجودات قد ذكرنا الدليل على ذلك في ما كتبنا من الدليل العقلي على اثبات النبوة الخاصة المحمدية صلى الله عليه وآله والولاية الخاصة العلوية والذرية الطيبة الطاهرة وامامنا صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين هو تمام الاثني عشر فيه يقوم الوجود ويعبد المعبود ويظهر الركوع والسجود فلو ظهر كما ظهر آباؤه الطاهرون سلام الله عليهم لقتل كما قتلوا اذ لا يجوز ان يظهر بالغلبة والقهر لئلا يلزم الالجاء وقطع الفيض فاذا ظهر بغير ذلك لهموا بقتله كما هموا والاحاديث والتواريخ مشحونة بذلك فاذا منع عن نفسه القتل بان يرفع التاثير عن السيف والسم وساير الآلات والمعالجات التي بها يكون القتل لاختلف الناس فيه فهم بين قائل بانه رب كما قالوا في جده امير المؤمنين عليه السلم وآبائه الطاهرين مع عدم منعهم القتل عن انفسهم بل بمجرد الظهور واظهار خوارق العادات فما ظنك فيه لو ظهر ومنع عن نفسه القتل فيكون الخطب اعظم والداعي اقوى وبين قائل بانه ساحر كما قالوا في جده وآبائه وبين قائل بامامته مع الكراهة اذا لم يقدر على رده بكل حيلة ودفعه بكل وجه وبين متحير واقف لتشابه الامور ووقوع الاختلاف فكان بذلك سبب ضلال الخلق بعد ان اتى لهدايتهم فان قلت ان هذه الاختلافات قد وقعت في آبائه عليهم السلم فلم تمنعهم الظهور باشخاصهم الشريفة قلت لكنهم عليهم السلم لما قتلوا ارتفعت عنهم شبهة الربوبية اذ لو كانوا اربابا لدفعوا عن انفسهم القتل ورضوا لانفسهم البقاء فعلم بذلك ان تلك الافعال وخوارق العادات انما هي بامر قادر حكيم كان يجريها في ايديهم لا انهم مستقلون بذلك والا لدفعوا عن انفسهم الموت والقتل وكذلك شبهة السحر بتكرر ظهور الائمة عليهم السلم وبياناتهم واخلاقهم وعاداتهم يظهر بطلانها ومجمل القول ان كل واحد منهم صلى الله عليهم كان يظهر على مقتضى كينونة ذلك الزمان واشخاصه فاذا حصلت شبهة وواهمة في الخلق على مقتضى ذلك الظهور فيرفعها الامام اللاحق عليه السلم مثلا قام النبي صلى الله عليه وآله بالسيف اذ لولا ذلك لما علت كلمة الاسلام ولما بلغت النبوة الى جميع الانام ولكن كان في قيامه صلى الله عليه وآله بالسيف والقهر والغلبة توهم الالجاء وغيره مع انه عليه السلم سن الجزية وقبل الفدية رفعا لهذه الواهمة ولكنها ما ارتفعت عن امر وصيه امير المؤمنين عليه السلم بالسكوت وعدم القيام لتخرج ضغاين الصدور فلو كان النبي صلى الله عليه وآله مستمرا ما ظهرت خباثة الامة وكانوا موسومين بالامة المرحومة ولو كان امير المؤمنين عليه السلم يعمل كعمله عليهما السلم عاد المحذور الاول فسكت فاصلح بسكوته تلك الثلمة التي وقعت بحربه صلى الله عليه وآله ثم لما راى عليه السلم ان الناس بطول المدة انكبوا على النفاق واستحكمت علائق الشقاق والدين كاد ان يندرس والاسلام آن ان ينطمس قام بالامر والسيف فقتل الناكثين والقاسطين والمارقين فصار في رعيته ما صار في امة ابن عمه عليهما السلم فلو كان عليه السلم دائما مستمرا على تلك الحالة كانت رعيته في الباطن كفارا وفي الظاهر مسلمين كما قال الصادق عليه السلم ان عسكر امير المؤمنين عليه السلم كان يوم صفين خمسين ‌الفا ولم يكن فيهم خمسون يعرفون حقه وحقه امامته انتهى فبعد ما قتل عليه السلم امر وصيه وولده الحسن عليه السلم بالكف عن القتال فخرجت ضغاين الصدور واظهر ما كان مكنونا في مستجنات الضمير ثم بصلح الحسن عليه السلم دخلت الشبهة شبهة حقية المخالفين في قلوب المخالف والموالف ولم يبق مؤمن الا وقد شك امر عليه السلم وصيه واخاه الحسين عليه السلم بالقتال وتوطين النفس للشهادة فلو ان الحسن عليه السلم كان باقيا على الدوام ولم يكن بعده الا قيام القيامة لم تزل ( لم يزل خ‌ل ) الخلق على تلك الحالة فلم يتبين للناس الغي من الهدى والبصيرة من العمى وذلك خلاف ما اجرى الله سبحانه عادته عليه من اعلان ( باعلان خ‌ل ) امره وابلاغ حجته واعلاء كلمته فقام الحسين عليه السلم فقتل وظهرت العلامات وبرزت الآيات وتبين للخلق انهم الحق واهله وان اعدائهم الباطل واهله وتبين لهم عذر الحسن عليه السلم للصلح فتنورت القلوب المطيعة وشرحت الصدور المنيرة ( الستنيرة خ‌ل ) وعرفوا حقية آل محمد عليهم السلم فجحدها الاكثرون وثبت عليها الاقلون ولكن من جهة غلبة سلطان الظلم والجور لم يعرف الخلق عبادة ربهم والخضوع بين يديه وامتثال اوامره واول ما يجب للخلق كمال الخضوع والانقياد والاعتراف بالذنب والمداومة على العمل ولما كان اظهار هذا المعنى بطريق الامر والبيان الواضح لم يمكن لاستيلاء الظلمة الفسقة امر وصيه وولده عليّ بن الحسين عليهما السلم باظهار العبادة والخضوع والخشوع والمناجاة والتوجه والانقياد والبكاء من جهة خوفه تعالى ومحبته والشوق اليه والى لقاء حضرته فعلم عليه السلم الناس بذلك حقيقة العبودية والتوجه لدي جناب الربوبية ولما كان محض الخضوع والخشوع لا يكفي بل لا بد من العمل والطاعة على وفق محبة الله سبحانه ظهر الصادقان عليهما السلم بذلك فاظهرا للخلق طريقة العبادة والطاعة وكيفيات الاعمال من الفرايض والمستحبات فلما انتشر نورهما وعلت كلمتهما وثبت علومهما امر مولينا الكاظم عليه السلم بالكف عن الكلام وتحمل محنة السجن لتبين الذين انتفعوا بعلمهما عن غيرهم فتفرقت الناووسية والفطحية والاسمعيلية والخطابية وغيرهم وكذلك اندرست الاصول التي كتبوها في عصر الباقر والصادق عليهما السلم لمصالح عظيمة لا يسعني الآن بيان شرذمة منها ثم من جهة اختفاء سيدنا الكاظم عليه السلم اجتمعت عنده اموال كثيرة ولم يتمكن من انفاقها على شيعته فجعلها في يد اناس ليظهر منهم ما لم يظهر منهم لو لم تكن تلك الاموال في ايديهم كعلي بن ابي ‌حمزة البطائني وعثمان بن عيسى الرواسي وامثالهما من الكلاب الممطورة امر وصيه وولده عليّ بن موسى عليهما السلم ان يطالب منهم تلك الاموال حتى يظهر باطنهم ويعلم خبث سريرتهم الحاصل كل واحد من الامام اللاحق يصلح ويزيل ما كان يحدث في الرعية باعتبار ظهور الامام السابق على الوجه الاكمل المقتضي للظهور في ذلك الزمان الى ان انتهى الامر الى امام زماننا روحي له الفداء وعجل الله فرجه وليس بعده امام حتى يزيل الشبهات التي حصلت من جهة ظهوره ولا يرتفع تلك الواهمة والشبهة الا برفع العلة وكل هذه الاختلافات انما حصلت لاجل منع الامام عليه السلم القتل والموت عن نفسه الشريفة فلا تزول الا برفع المنع وهو يستلزم القتل والموت وليس بعده من يقوم مقامه فيختل النظام ويفسد العالم ويهلك الخلق قبل النضج والاعتدال ويمنع الفيض عن النفوس الكاملة المستعدة للكمال ولا تقوم الحجة على الناقصين اذا قالوا واحتجوا لو كنا في الدنيا ولنا امام يهدينا لكنا نعبد الله ونوحده فلم يبق الا ان يقتل عليه السلم او يخفي نفسه الشريفة عنهم ولا شك ان بقتله تبطل السموات والارض وتندك الجبال وتغور المياه وبحياته وخفائه عليه السلم تبقى الدنيا ويبقى الخلايق ويعتدل نضج كينونتهم الى ان تثمر اما ثمرة طيبة او حنظلة مرة فهنالك يقوم فيعطي كل ذي حقه حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه فافهم وهذا هو سر الغيبة والحكمة فيها ووجه آخر نقول ان الاصل الثانوي قد اقتضي غيبة جميع اهل الحق خصوصا آل محمد عليهم السلم وذلك لامور استحكمت في العالم الاول عالم الذر لان الله سبحانه جعل للحق دولة وللباطل دولة في الدنيا ولما كان الباطل مجتثا زائلا والحق اصيلا ثابتا قدم دولة الباطل واهله على الحق واهله فقال تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور فتقدمت الظلمة على النور والليل على النهار والنطفة والعلقة والمضغة على الصورة الانسانية وحالة الصبي على البلوغ وهكذا في المراتب كلها فاذا كانت هذه الايام والازمان لدولة الظالمين فلا بد لاهل الحق من الخفاء والاختفاء والغيبة ولكن الله سبحانه لما ابي الا ان يقيم الحجة على الخلق من المؤمن والكافر يظهر اهل الحق بقدر الضرورة اللازمة التي تبقى بها اسم الاسلام والايمان على الوجه الظاهر المعروف المتعارف اتماما للحجة على الكافرين واكمالا للنعمة على المؤمنين فاذا حصل هذا المدعا اخفاهم الله عن اعين الظالمين ما دام دولة الفاسقين تنزيها لهم عن ملاقاة تلك الفسقة ومعاشرة اولئك الظلمة كما قال الشاعر :

لله تحت قباب الارض طائفة اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

فغيبة الامام عليه السلم لا تحتاج الى دليل وانما المحتاج الى الدليل ظهور باقي الائمة عليهم السلم وقد اشرت الى شيء من ذلك فراجع تفهم وقد سئلني بعض الناس عن الدليل على حياة الامام عليه السلم وبقائه فان البدن العنصري لا يتحمل هذا الدوام عادة قلت له انا لا نحتاج الى الدليل على بقاء القائم عليه السلم وحياته فان الامام عليه السلم خلق من مادة الحياة وعين الحيوان وليس عنده ما يقتضي التفكيك والتفريق من الاعراض والغرايب مثل اجسام المؤمنين في الجنة فبدن الامام عليه السلم في هذه الدنيا مثل ابدان الخلق في الجنة بل العكس فلا يحتاج حياته عليه السلم الى اقامة الدليل نعم اذا انت لا بد لك من السؤال عن الدليل فاسئل عن موت ساير الائمة عليهم السلم كيف ماتوا مع انه ليس عندهم ما يقتضي الموت فسكت واذعن لما سمع الحق وكذلك امر الغيبة وهنا وجوه اخر من دليل الحكمة وسر الخليقة في علة الغيبة طويت ذكرها خوفا من التطويل وصونا لها عن اصحاب القال والقيل واما ما ذكرت من ان في ظهوره عليه السلم رفع الفساد وقطعية الاحكام فغلط باطل لان في ظهوره عليه السلم في هذه الصورة اي غلبة المخالفين العاصين على المطيعين المؤمنين عين الفساد لاستلزامه قتله المستلزم لفساد العالم وخرابه ودثوره او لوقوع الخلق في شبهة الربوبية والسحر ووقوعهم في الالجاء ولم يكن لها رافع الا ازالة العلة التي صارت سببا لها وهي منع القتل عن نفسه ورفعه لا يكون الا بالتمكين من قتله وفيه الفساد الاعظم الاكبر ورفع الفساد انما يكون اذا كان مطاعا نافذ الحكم وهو خلاف المفروض بل الفساد المترتب على وجوده وظهوره من تهجم المخالفين عليه لقتله وقتل شيعته وانصاره واعوانه اعظم مما اذا كان غايبا فانهم حينئذ لا يلتفتون الى الشيعة والضعفة كما قال الحسين عليه السلم لاصحابه ليلة عاشوراء ان القوم مايريدون غيري وانتم في حل من بيعتي فتفرقوا فانهم اذا اصبحوا ووجدوني لا يلتفتون اليكم ولا يتعاقبونكم وهو كما قال روحي له الفداء ونجده عيانا فان المخالفين انما يخافون من استيلاء الرئيس واخذ الرياسة عنهم فاذا اختفي الرئيس وهم آمنون من خروجه عليهم فلا يتعرضون ولا يلتفتون الى التبعة واما الفساد الواقع في الدين وفي الشريعة التي بيد شيعته عليه السلم فاذا اراد ان يزيله ويدفعه وراي الصلاح في ذلك ازاله ودفعه ولا يمنعه الغيبة عن ذلك لانه اذا غاب عن الخلق فالخلق غير غائبين عنه كما قال عليه السلم في توقيعه للمفيد (ره) انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لاصطلمتكم اللاواء واحاطت بكم الاعداء الحديث فهو عليه السلم المانع لرعيته وشيعته التابعين له ما راى صلاحهم في ذلك من المضار والمفاسد بل لا يوقعهم الا في ما يصلحهم واما قطعية الاحكام وظنيتها فلا تتعلق بظهوره عليه السلم وغيبته فانه اذا اراد ان يوصل الرعية الى مقام القطع واليقين اوصله ولا تضره الغيبة بل مبنا امر القطع والظن سر آخر نذكره ان شاء الله في المسئلة الرابعة فمن طلب الحق والصدق بخلوص النية وصافي الطوية وحسن السريرة اوصله اليه وان لم ير شخصه ومن لم يكن صادقا في الطلب او طالبا للحق لا ينفعه وان شاهده عليه السلم وخاطبه مشافهة وفي الدعاء ماضرني غيبتي ولانفعهم حضورهم قال عليه السلم ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة وقال الله سبحانه وتعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الحاصل ان الامام عليه السلم ناظر عليك وشاهد وانت بمرءي منه ومسمع فما وجدك اهلا له اعطاك من الاحكام الوجودية والتشريعية وما هو على الغيب بظنين ورؤيتك ليست شرطا في تدبيره لك كما ان الله سبحانه يدبرك ويفيض عليك من خزائنه من جوده وكرمه وانت لا تراه والملائكة يدبرونك بامر الله وحكمه ومشيته وانت لا تراهم والجن يتصرف فيك ما تشاء وانت لا تراهم والامام عليه السلم وجه الله وبابه وعينه وجنبه والملائكة خدامه والجن في حيطة تصرفه وتملكه يعطي ما يشاء ( يشاء كما يشاء خ‌ل ) بما ( بمن خ‌ل ) يشاء ويمنع ما يشاء بما يشاء كما يشاء لمن يشاء والله سبحانه ملكه خزائن رحمته واعطاه مقاليد حكمته فخيره بالمن والعطاء فقال سبحانه وتعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ثم امر الخلق بان يقبلوا منهم ما يعطيهم ولا يعترضوا عليه فقال عز من قائل ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا فمن طلبه وجده ومن اعرض عنه لم يخرج عن حيطة تصرفه وحكمه

قال : المسئلة الرابعة - ما الحكمة في انسداد باب العلم مع ان وجوب اللطف على الحكيم الفياض يقتضي انفتاحه لتكون ( ليكون خ‌ل ) العباد عملهم على القطع واليقين لا على الظن والتخمين

اقول اعلم ان الله سبحانه وتعالى خلق الخلق في العالم الاول بعد ما عرض عليهم التكليف بالاقرار له بالربوبية ولمحمد وآله صلى الله عليه وآله بالطاعة خلقهم على هيكلين هيكل التوحيد وهو هيئة الايمان والطاعة والتقوى والخير والنور والجامع لها الصورة الانسانية طينة عليين وذلك بمقتضى اقرارهم واجابتهم بالاخلاص والخضوع وهيكل النفاق والشرك وهو هيئة الكفر والمعصية واضداد ما ذكر وما لم يذكر والجامع لها الصورة الشيطانية الابليسية ثم جعل للطائفة الاولى اعمالا واحكاما يترقون بها الى المقامات العالية والدرجات المتعالية ويصلون بها غاية ما خلقوا لاجله وجعل للطائفة الثانية اضداد ما للاولي بحقيقة ما هم اهله وهذه الاحكام هي الاحكام الواقعية الاولية التي لا تتغير ولا تتبدل لانها على مقتضي الكينونة والمساوقة للخليقة فلا تفارق ما دامت الذات موجودة ثم بعد ما قضى الله سبحانه نزول الخلق الى هذه الدنيا فانزلهم اليها حصل بين الطائفتين قران واقتران ومزج وامتزاج وخلط واختلاط فحصل لصاحب هيكل التوحيد الذاتي الذي به يوحد الله تعالى ويحب الخير واهله ويبغض الشر والباطل واهله هيكل النفاق العرضي الذي به يعصى الله سبحانه ويتجرء عليه ويخالفه ويميل الى الباطل ويوافقه الا المعصومون الباقون على الهيكل الاول ولم يتلوثوا بالهيكل الثاني العرضي وحصل لصاحب هيكل الكفر الذاتي الذي به يعاند الله سبحانه ويشرك معه غيره ويبغض الخير واهله ويكره الحق واهله ويحب الفساد والباطل والشر واهله هيكل التوحيد العرضي الذي به يفعل بعض افعال الخير كصلة الرحم والرحم على الفقراء والمساكين الا المنافقون الذين مااطاعوا الله طرفة عين وهم ليس عندهم الهيكل الثاني العرضي فبعد هذا المزج والاختلاط لم يمكن اجراء تلك الاحكام الصرفة لان الموضوعات التي هي مواقع الاحكام ما بقيت على صرافتها واختلطت بغير جنسها وسنخها وقد قال سبحانه وتعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ولما كانت تلك الهياكل العرضية غير ثابتة لعرضيتها ودوام تجددها وعدم استقرارها واستمرارها فتختلف احكامها واعمالها فثبت لك ان الاحكام على قسمين احكام اولية واقعية لكل شيء عند الله سبحانه على طبق الكينونات الحقة الاولية واحكام الثانوية واقعية على طبق الكينونات الثانوية فما دام حكم الخلط واللطخ والمزج باقيا كانت الاحكام مختلفة ولم يتعين العمل بالاحكام الاولية في الكل الا في بعض المواضع عند ضعف العرضيات في المواد المخصوصة الا انه يجب حفظ تلك الاحكام في الفرقة الناجية اي يكون واحد منهم يقول به ويعمل عليه لئلا يبطل النظام ويدور الفلك على الدوام وان كان ذلك القائل نادرا شاذا غير معروف ولا مشهور قال النبي صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة ولا يلزم ظهور تلك الاحكام في واحد بل يكفي في الكل فاذا فهمت هذا القدر من الكلام فاعلم ان الذي يقول بان باب العلم مسدود ما الذي اراد بالعلم فان كان مراده سد باب العلم بالاحكام الواقعية الاولية فهو صحيح ولكن زمان انسداده كان الوقت الذي خرج ابونا آدم عليه السلم من الجنة وقتل قابيل هابيل وتلك الباب ماانفتحت ابدا الى زماننا ولذا ترى نسخ الشرايع ومحوها والاحكام المتبدلة المتغيرة في كل شريعة مع ان الحكم الاولي الواقعي لم يتغير ولا يتبدل ( لم يتبدل خ‌ل ) ولا يزيد ولا ينقص ولا يطرء عليه حكم النسخ فاذا اخبر نبي من الانبياء امته بحكم من الاحكام كانت الامة يقطعون ويجزمون ان هذا هو حكم الله في حقهم ولكنهم ماكانوا قاطعين بانه هو الحكم الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يختلف لجواز ناسخ وماح له نعم قد يحصل لهم الظن بذلك وقد لا يحصل لهم ذلك ايضا وماكانوا متعبدين الا بما ياتيهم من الحكم الخاص بهم وان كان مختلفا لان الموضوعات مشوبة بالمزج وهي دائمة التغير فالاحكام تابعة لها في ذلك كالمصلي حال الصحة يصلي قائما وفي حال المرض جالسا ومضطجعا وايماء والحاضر يصلي اربعا والمسافر اثنين وهكذا وبالجملة العلم بتعين الحكم الواقعي الالهي في غير الضروريات لا يتيسر لكل احد وذلك باب مسدود لا يفتحها الا القائم المنتظر عجل الله فرجه لانه روحي له الفداء لا يخرج الا بعد ان تصفو الهياكل عن شوب المزج والخلط واللطخ فيجري عليه الحكم الواقعي الاولى واما قبل ظهوره فلا وكذلك نبينا صلى الله عليه وآله قد اتى وظهر بالاحكام الثانوية وجعل الاحكام الاولية عند خلفائه ونوابه يظهرون منها ما يشاؤن ويخفون منها ما يشاؤن حسب ما يعلمهم النبي صلى الله عليه وآله بتعليم الله سبحانه وان اراد بالعلم المسدود بابه العلم بالاحكام الواقعية الثانوية المختلفة المعبر عنها بالاحكام الظاهرية فهو باطل فاسد فان الله سبحانه وتعالى اجل واعظم من ان يخلق الخلق لغايات عظيمة وكلفهم للبلوغ الى تلك الغايات والوصول الى تلك السعادات ويجعل لهم حججا بالغة وحكاما قوية ثم يخفي عليهم تكاليفهم واعمالهم ويبهم عليهم امور دينهم ودنياهم ولا يبين لهم ما يتقون ويجعلهم سدى عميانا في عماءهم يترددون ويجعل لهم ادلة ظنية مايعلمون ان هذا هل هو الدين ام لا وهل هذا هو المنجي في المعاد ام لا فاين اذن حجته البالغة واين حكمته العامة الشاملة واين رحمته الواسعة والمكتوبة ما هكذا ربنا ولا هكذا حججنا وخلفاؤنا وهو سبحانه يقول وعلى الله قصد السبيل ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ولما كان الخلق جهالا ناقصين لا يعرفون ما ينفعهم عما يضرهم وما يصلحهم عما يفسدهم عند الخلط والمزج جعل الله سبحانه لهم اطباء ماهرين شاهدين عليهم يوردونهم ما هو صلاح معاشهم ومعادهم ولما كانت الطبايع مختلفة والغرايز متفاوتة وحكم اللطخ ليس على نهج واحد فيجعلون الاختلاف في الاحكام نظرا الى ما هو الاصلح للنظام كما قال مولينا الصادق عليه السلم راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم وان شاء فرق بينها لتسلم ولذا تريهم عليهم السلم في مسئلة واحدة يجيبون باجوبة مختلفة لاشخاص مختلفة بل لشخص واحد ايضا كما في الحديث المشهور سؤال عليّ بن يقطين عن مولينا الكاظم عليه السلم عن الوضوء فاجابه بالامر على ما تصنعه العامة ثم بعد ذلك نهاه عن ذلك وامره بان يتوضا كما هو المعروف عند الشيعة القصة مشهورة وكل ذلك نظرا الى ما هو الصلاح لاختلاف الاوضاع والموضوعات وهذا الذي ذكرنا لا اشكال فيه ولا احد يخالفه عند حضور الامام عليه السلم وانما الاشكال في غيبته عليه السلم اما مطلقا كما هو في هذا الزمان او عن الذين لم يحضروا كزمان ائمتنا سلام الله عليهم بالنسبة الى اقصي بلاد الصين والفرنج وامثالهما فنقول قد دلت الادلة العقلية والنقلية كما ذكرناها مشروحة في الجزء الثاني من شرح الخطبة الطتنجية ان الامام عليه السلم هو وجه الله الذي لا تعطيل له في كل مكان وهو عين الله الناظرة وكل الخلق مما دخل عالم الكون والوجود عنده عليه السلم كالدرهم بين يدي احدكم لانهم الاشهاد والاعضاد والحفظة والرواد وبهم ملا الله السموات والارض حتى ظهر ان لا اله الا الله فالعالم الفقيه المستوضح اذا كان صادقا في محبتهم اي عادلا طالبا لرضاء الله سبحانه معرضا عن هواه اذا نظر في احاديثهم اي الاحاديث المنسوبة اليهم عليهم السلم فلا شك انهم عليهم السلم يرونه ويعرفون مراده فان كان ما نسب اليهم ليس منهم فوجب عليهم ان يردوه ويردعوه لانه من رعيتهم وعليهم رعايته وحمايته والحماية والرعاية لا تستلزم المشاهدة والرؤية وهم عليهم السلم قادرون على ذلك بانحاء كثيرة باظهار حديث آخر او آية من القرآن او اجماع او شهرة او دليل عقل معارض لذلك مؤيد باخبار اخر او الهام في القلب او ضرب مثال او بيان حال او تلويح او اشارة او عموم او خصوص او غير ذلك من الانحاء والامور التي يجدها الفقيه اذا راجع في الفقه عند الاستنباط وقد دلت الاخبار المتكثرة المتظافرة المتواردة ان الارض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم ولا ريب ان الجمع المحلى باللام يفيد العموم الافرادي لا الجمعي كما اذا قلت اكرم العلماء فان المراد به كل فرد فرد لا مجموع العلماء فاذا ثبت هذا بالتلويح والاشارة فالمستوضح المستنبط حين طلب الحق منهم ووجد خبرا وحديثا منهم عليهم السلم فلا يخلو ان ذلك الحديث منهم ام لا بل موضوع عليهم وعلى الاول هل هو من الحكم المراد من رعيتهم وشيعتهم ام جرى ذلك منهم عليهم السلم مجرى التقية وعلى كل التقادير فالمناسب الموافق لمصلحة العالم الناظر وجميع من ياخذ منه هل هو ذلك ام لا اذ قد يكون ذلك الخبر منهم ومن احكامهم ولكن الناظر ليست مصلحته العمل بذلك الحكم لما قلنا من سر الخلط واللطخ في ذلك الوقت وقد تكون المصلحة لغيره ان يعمل عليه وقد تكون المصلحة له لكن في غير ذلك الوقت كنسبة الطبيب مع المرضي وتبدل معالجاته وتغيرها واختلافها بحسب تبدل مزاج المرضي وتغيره كما هو المعروف ( المعلوم خ‌ل ) المشاهد وقد قال مولينا الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فالامراض الجسمانية دليل الامراض الروحانية والمعالجات دليل تلك المعالجات والاطباء دليل اولئك الاطباء حرفا بحرف فاذا كان كذلك فاذ لم يكن ذلك الخبر مناسبا لحال ذلك الفقيه يظهرون له القراين الحالية والمقالية والمرجحات على ترك العمل بذلك الخبر والاعراض عنه فيردعونه عن ذلك الحكم وان كان هو المراد منه على ما يفهم يسكتون عنه فسكوتهم دليل على تقريرهم اذ لا يتصور جهلهم عليهم السلم بذلك الفقيه وذلك النظر والفهم وذلك الحديث لما اقمنا عليه من البراهين القطعية من العقلية والنقلية ولا يتصور القول بعدم اقتدارهم على المنع والردع اذ لا شك انهم عليهم السلم اقدر من الملئكة وكل الخلق في اصلاح رعاياهم وهم لا يشعرون باحداث القراين من اظهار كتاب او اصل او قول قائل او الهام او غير ذلك مما اشرنا الى شيء من ذلك ولا يتصور ايضا اغراءهم عليهم السلم ( السلم جهال خ‌ل ) رعاياهم وضعفاء شيعتهم على الباطل لانهم اتوا لهداية الخلق لا لاضلالهم اين اذن قوله عليه السلم انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لاصطلمتكم اللاواء واحاطت بكم الاعداء فلم يبق الا القول بانهم عليهم السلم اقروه على ذلك وهو التقرير الذي اجمع العلماء على حجيته وليس للتقرير معنى غير ذلك ولا احد شرط في التقرير كون المقرر له مشاهدا للمقرر ولا فرق بين مجلس الامام واقصي بلاد الفرنج لان العالم كله بيت له عليه السلم وجميع الوجود مجلسه القريب والبعيد عنده على حد سواء انظر الى الشمس فانها في السماء الرابعة وتشرق على الارض والسماء فاذا قربت اليها جسما كثيفا اشرقت عليه واذا بعدت عنها في الارض السابعة من غير حجاب اشرقت عليه ولا يتفاوت للشمس على الظاهر في القرب والبعد فافهم ضرب المثل فما لا يجد الفقيه محيصا عنه هو الحكم الواقعي الثانوي له قطعا يقينا ولا يقطع على انه هو الحكم الاولى قد يكون وقد لا يكون فاين الظن بالحكم الظاهري واين العلم بالحكم الواقعي الاولى وتخصيص المجتهد بالاستيضاح مع اشتراك المكلفين كلهم في ذلك لاجل انهم يحكون المثال وصالحون لان يكونوا السنة للامام عليه السلم بخلاف غيرهم وان كان نورهم يشرق على الكل على حد سواء مثال ذلك الشمس فانها تشرق على جميع الاجسام الكثيفة باشراق واحد الا ان المرايا والبلور وساير الاجسام الصيقلية تحكي مثال الشمس بخلاف الاحجار الغاسقة والاجسام الكدرة وهذا بعينه مثال المجتهد العالم مع المقلد الجاهل فافهم فاذا سمعت الفقهاء يقولون نحن نعمل بالظن فيريدون به الظن بالحكم الاولى واذا سمعتهم يقولون نحن نعمل بالعلم والقطع فمرادهم به العلم بالحكم الثانوي الظاهري فمن يقول غير ما ذكرنا فقد اخطا الصواب وقولهم ان بعد غيبة الامام عليه السلم انسد باب العلم فغلط واضح لما ذكرنا وبينا وهنا تفاصيل عجيبة ومقامات ( بيانات خ‌ل ) غريبة لولا خوفي التطويل لاجلت القلم في هذا الميدان الا ان في ما ذكرنا لمن له قلب او القى السمع وهو شهيد

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الخامسة - ما التوفيق والجمع بين قوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعي وان سعيه سوف يرى وقوله تعالى لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه والحديث النبوي صلى الله عليه وآله اذا جاء القدر عمي البصر

اقول اعلم ان الله سبحانه حكم حكما باتا ( تاما خ‌ل ) حتما وقضى قضاء لازما ان لا يجبر العباد وان يجريهم في كل شؤناتهم واحوالهم وذواتهم وصفاتهم وافعالهم واعمالهم على مقتضى ميولاتهم وشهواتهم الذاتية والعرضية واللازمة والمفارقة ويحفظ لهم اختياراتهم وشهواتهم ويرتب على تلك الشهوات مقتضاءاتها من السعادة والشقاوة والخير والشر والنعيم والاليم وامثالها من الثمرات والنتايج ولولا ذلك لجبرهم وبذلك ظلمهم وما ربك بظلام للعبيد فعلى ما ذكرنا تكون لله سبحانه مشيتين وارادتين مشية حتم وهي ما ذكرنا من فعله المتعلق بايجاد الكينونات الوجودية والشرعية على مقتضى القوابل الناشئة من الاختيار ومشية عزم ومحبة وهي محبته سبحانه الخير والنعيم لعباده وان يفعلوا الطاعات ليستحقوا بها معالي الدرجات فربما يشاء بمشية عزم ومحبة فيامر بالفعل لذلك ولا يشاء بمشية حتم وهي الجارية في الاشياء على مقتضياتها وذلك اذا مال العبد باختياره الى خلاف ما يحب الله سبحانه محبة اولية لانه اذا مال الى جهة المخالفة فاذا ( واذا خ‌ل ) اراد الله سبحانه ان يمنعه ويصرفه الى ما يريد فعل ولكنه حينئذ كان مجبرا فلا يكون العبد حينئذ مختارا فلا ثواب له ولا عقاب عليه بل العقاب اقرب اليه من الثواب كما قال امير المؤمنين عليه السلم لكان المحسن اولى بالاسائة من المسيء ولكان المسيء اولى بالاحسان من المحسن فاذا ثبت انه تعالى يجب ان يجري العبد على اختياره ومال العبد الى مخالفة رضاه خلاه وخذله وامده من جهة الخذلان لعدم استغناء الممكن عن المدد وهو قوله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فحينئذ لا تقع الطاعة الموافقة لرضاه سبحانه فما شاء وقوع تلك الطاعة بمشية حتم وشاءه بمشية عزم ولو لم يشا عدم وقوع الطاعة بان يمنع المدد من الوصول اليه لانعدم العبد او يجبره الى الطاعة لظلمه وهو قوله تعالى ولو شئنا لا تينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لاملئن جهنم من الجنة والناس اجمعين والى هذا المعنى يشير قول الامام عليه السلم ان لله مشيتين وارادتين ارادة حتم وارادة عزم يامر ولم يشا وينهي وهو يشاء نهي آدم عن اكل الشجرة وشاء ان ياكلها ولو لم يشا لما غلبت مشية آدم مشية الله وامر ابليس بالسجود لآدم وشاء الا يسجد ولو لم يشا لماغلبت مشية ابليس مشية الله فاذا فهمت هذا تبين لك ان لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه لانه سبحانه قضي وحكم ان لا يعطي احدا شيئا من الخير والشر والنفع والضر الا بقدر سعيه وميله وشهوته وان ليس للانسان الا ما سعي وان سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الاوفى ولا راد لهذا الحكم ولا معقب لهذا القضاء لان رد هذا الحكم يستلزم الجبر المستلزم للظلم وهو سبحانه وتعالى اكرم من ذلك فلا يرده واما غيره سبحانه فلا يقدر على تغيير ما اصل واهدام ما شيد واسس واما الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم فبيانه في قوله تعالى في الحديث القدسي ان من عبادي من لا يصلحه الا الفقر فلو اغنيته لفسد عليه دينه وان من عبادي من لا يصلحه الا الغناء فلو افقرته لفسد عليه دينه وان من عبادي من لا يصلحه الا الصحة فلو امرضته لفسد عليه دينه وان من عبادي من لا يصلحه الا المرض ( المرض فلو صححته لفسد عليه دينه خ‌ل ) فقدر الله سبحانه عليه ذلك وهذا بعض معنى الحديث فاذا كان العبد بسوء اختياره عمل اعمالا لا يصلحه الا المرض فقدر الله سبحانه عليه ذلك بعمله فيحول سبحانه بينه وبين الادوية والعقاقير التي ينفعه ويعمي بصره عنها ويواقع الاشياء التي تضره كل ذلك بسعيه انظر اذا كان الرجل مريضا فالطبيب ما يعطيه ما يشتهي ولو بذل المريض كل مجهوده الا اذا طاب وهكذا الحكم في الطبيب الحقيقي سبحانه وتعالى كل ذلك اصلاحا للخلق وايصالا الى كل احد ما سعى واراءته سعيه والا فهو سبحانه وتعالى غني عن الخلق فكيف يمنع فيضه عن بعض دون بعض ويعطي بعضا دون بعض وذلك واضح ظاهر ان شاء الله تعالى وهو قوله عليه السلم لو كشف لكم الغطاء لمااخترتم الا الواقع وقال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وقال تعالى يهديهم ربهم بايمانهم

قال سلمه الله تعالى : المسئلة السادسة - في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلم تعلق القلب بالموجود شرك وبالمفقود كفر ما معناه

اقول مختصر الجواب عن معنى هذا الحديث الشريف انه يجب ان يعتقد ان الله سبحانه وتعالى لا تدركه الحواس والخواطر والافهام والعقول والاوهام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم قال امير المؤمنين عليه السلم في الخطبة اليتيمية ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص الى العجز والبلاغ على الفقد والجهد على الياس الطريق مسدود والطلب مردود الحديث فاذا كان كذلك فليس هو سبحانه بموجود عند الخلق وفي مشاعرهم وحواسهم ولا تجده المشاعر ولا تحده فمن تعلق قلبه بشيء موجود عنده مدرك في ذهنه وفهمه او شيء من قواه ومشاعره وتوهم ان ذلك هو المعبود جل وعلا فقد اشرك لانه سبحانه لا تجده الحواس بالادراك ولا يعرف بالقياس فقد جعل ما تعلق ادراكه عليه ربا معه سبحانه وهو الشرك فليس هو سبحانه بموجود عند الخلق ولكنه سبحانه ليس بمفقود ليكون معدوما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فاذا تعلق القلب بالمفقود المعدوم فهو كفر وزندقة فهو سبحانه وتعالى ليس بمفقود ولكنه ليس بموجود حسب ما تدركه العقول والافهام والخواطر والاحلام فهو الموجود والمفقود فانت حين التوجه توجه اليه سبحانه لا بنظر التحديد ( التحديد والتمييز خ‌ل ) والتشخيص ليكون وجوده مقابلا لفقدانه وفقدانه مقابلا لوجوده ووجدانه فتتوجه اليه بالوجه الذي جعله فيك وهو نفسك بلا كيف كما تتوجه الى الكاتب عند النظر الى الكتابة والى البناء حين النظر الى البناء والى المقابل حين نظرك الى المرآة والى الشمس حين نظرك الى الشعاع وهو قوله عليه السلم مارايت شيئا الا ورايت الله معه او قبله لان المؤثر اظهر من الاثر من نفس الاثر لانه انما تحقق بفاضل ظهوره وسنا اشراقات نوره في الدعاء لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيه صوت الا صوتك فهو في عين خفائه ظاهر وفي عين ظهوره مخفي فهو الموجود بجهة مفقوديته والمعلوم بجهة مجهوليته ولا يدري كيف هو الا هو سبحانه وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فلا يوصف سبحانه بوجدان ولا فقدان ولا نفي ولا ايجاب ولا سلب ولا اثبات قال الشاعر بالفارسية ونعم ما قال وقد اجاد في المقال في هذا المنوال:

در هويت نيست نه نفي ونه اثبات ونه سلبز انكه از اينها همه آن بي گمان بالاستي

قال سلمه الله تعالى : المسئلة السابعة - ما الدنيا الملعونة المذمومة وما الدنيا المحمودة

اقول اعلم ان الله سبحانه قد انزل الخلق من العالم الاعلى الى العالم الاسفل لتنفذ مشيته تعالى فيهم وفي ايجادهم على اكمل ما ينبغي واحسن ما يقتضيه النظام ثم لما استوفوا حظهم من هذا النزول وحصل المطلوب المقصود للنزول امرهم بالصعود الى مقامهم الاصلي والرجوع الى مسكنهم الواقعي فصارت الخلايق خصوصا الانسان الذي هو الاشرف يمر من منزل الى منزل ويصعد من مقام اسفل الى مقام اعلى ليصلوا الى الاماكن الحقيقية التي قدرها الله سبحانه لهم اما الى الجنة او النار فعالم التراب منزل والبخار منزل آخر والسحاب آخر والمطر والارض والنبات وغذاء الاب والمعدة والكيموس والعروق والنطفة وصلب الاب ورحم المراة فالنطفة والعلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم وانشاء الخلق الآخر والجنين وبطن الام وهذا العالم اي الدنيا وكل هذه المنازل ولما كان الشخص في غير العالم الجسماني الدنياوي وكان فاقد الشعور والادراك والتمييز لم يظهر ركونه وقصد مقامه في تلك المنازل بالشعور النفساني وان كان بالشعور الجسداني واما اذا جاء في هذه الدنيا وادرك الرشد والتميز فان اتخذ هذا العالم منزلا من منازله يريد قطعه والانتقال اليه وهو نظره الى موطنه الحقيقي ومسكنه الواقعي وهو هنا مشغول بتحصيل الزاد لسفره وتعمير بيته ومنزله ويسكن في الدنيا مسكن الراحل عنها القادم اليها للرحيل كما قال عليه السلم في الدعا اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتي وعند الموت كربتي فدنيا هذا الشخص تسمي دنيا بلاغ لانها بلاغ الى الآخرة ودار رضاه سبحانه وهي التي هي مزرعة الآخرة والموصلة اليها باحسن الوصول ولا ينافي هذا النظر جمع المال من الحلال ولبس اللباس الفاخرة والمآكل الطيبة وبنيان القصور العالية اذا كانت كلها من الحلال ثم هو غير راكن اليها ولا قلبه متعلق بها كمن صادف في اثناء سفره ومنازله بيتا عالية يسكن فيها ويرتحل بعد يوم عنها وكذلك الاكل واللباس في اثناء الطريق ويكون وجودها وعدمها على السواء بمعني انها اذا وجدت حمد الله وشكره وصرفه في ما امره الله به واذا فقدت حمد الله وشكره ولا ينكسر قلبه ولا ينزجر خاطره ولا يتعلق قلبه بشيء من ذلك وهو قوله تعالى لا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم وقول الصادق عليه السلم ليس الزهد ترك الحلال ولا تضييع المال بل هو ان لا تكون بما عندك اوثق منك بما عند الله ومجمل القول ان يسلك في الدنيا وجميع احوالها مسلك المسافر في المنازل قبل الوصول الى منزله الاصلي ومسكنه وهذا هو البيان الجامع الذي جمع جميع التفاصيل في هذا الباب واما الذي ركن الى الدنيا ونظر اليها نظر من لا يتوقع الرحيل عنها يلتذ بلذائذها ويشكو ويتاذى عند شدائدها همه الدنيا وهمته ادراك شهواتها والاغترار بزخرفها وزبرجها ودنيا هذا الشخص هي الدنيا الملعونة المذمومة قال تعالى انما الحيوة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر في الاموال والاولاد الآية وهذا كمن جعل المنزل مسكنا والسفر موطنا ودليل هذا انه اذا اقبل عليه الدنيا فرح واستبشر واذا ادبرت عنه ضاق صدره وتكدر فالذي عنده هذه الخصلة فهو اهل الدنيا الملعونة ولا يلزم ان يكون صاحب اموال كثيرة واسباب عظيمة بل وان كان صاحب درهم واحد اذا ضاق صدره وتغير حاله عند فقدانه واستبشر عند وجدانه وهو قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمان وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين فعلى هذا فقد يكون الرجل فقيرا وهو من اهل الدنيا الملعونة وقد يكون غنيا ذا ثروة عظيمة وهو من اهل الدنيا المحمودة دنيا بلاغ وهو قوله تعالى ولئن شكرتم لازيدنكم وقوله تعالى اليس الله باعلم بالشاكرين فالاعتبار بالقصد والنية والعمل تابع فمن الناس من ترك الدنيا للدنيا وهو الذي خسر الدنيا والآخرة ومن الناس من طلب الدنيا للآخرة وهو قوله تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ومنهم من طلب الدنيا للدنيا وهو قوله تعالى من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا لهم جهنم يصليها مذموما مدحورا ومنهم من طلب الآخرة للدنيا وهو قوله تعالى ومنهم من يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون وهؤلاء كلهم هم الضالون المضلون فاعرف حينئذ مقادير الناس ومقاصدهم ولا يغرنك اعراضهم عن شهوات الدنيا وزينتها وتتوهم انهم اهل الخير ولا يمنعك ( لا تمنعك خ‌ل ) ثروة الرجل ودولته واساسه ان لا تظن به الميل الى الدنيا وتتوهم انه من اهل الباطل من اهل الدنيا فاعرفهم بالعلامة التي ذكرتها لكم عند اقبال الدنيا وادبارها فصاحب الحالة الواحدة في المقامين هو من اهل الخير ومختلف الحالة فيهما اي المسرور عند الاقبال والمحزون عند الادبار هو من اهل الدنيا واما العكس فهو للابدال المتقين نظرا الى ان زينة الدنيا لاهل الباطل واليه ينظر قوله تعالى في ما اوحى الى عبده موسى على نبينا وآله وعليه السلم يا موسى اذا اقبل عليك الفقر قل مرحبا بشعار الصالحين واذا اقبل عليك الغنا فقل ذنب عجلت عقوبته وفي الحديث كلما يشغلك عن فعل مستحب فهو الدنيا انتهى اي يكون الشاغل محض شهوة النفس لا امر آخر مستحب فافهم فقد جمعت لك بمختصر المقال جميع الاحوال وليس الآن موضع ( موقع خ‌ل ) البسط والتفصيل فاكتفينا بالاجمال اللهم اخرج حب الدنيا من قلبي بمحمد وآله

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثامنة - في قوله تعالى كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين كيف يكون الكفر العارضي المجتث اشد من الكفر الاصلي الذاتي

اقول اعلم ان حقيقة كل شيء مركب من الوجود والمهية ولا حقيقة للشيء من حيث هو سواهما ولا يقوم الحادث الا بجزئين متضادين يؤلف منهما ولا يمكن فرض بساطة حادث من الحوادث والا لكان قديما والوجود جهة الميل الى الخير والنور والمهية جهة الميل الى الشر والقبيح فان مال احدهما الى مقتضاه مال الآخر بضد ذلك الاقتضاء فان غلب احدهما على الآخر تبعه الآخر بالعرض فداعي الخير جزء ذات الشخص كداعي الشر فالكافر حين كفر كان كفره حين كفر ذاتيا لا عرضيا كالسرير فان ذاته مركب من الخشب والهيئة فاذا كسر وصنع صنما تغيرت تلك الهيئة فصارت ذاته الثانية مؤلفة من الخشب والهيئة الصنمية فالسعادة والشقاوة جزءان لمهية الشيء في الخلق الثاني واما الكفر العرضي فبان يكون الشخص في حد ذاته وخلقته في العالم الذر قد قبل النور والهداية والايمان ثم بعد ذلك لما اماته الله تعالى ورجعه الى طين الطبيعة صار له لطخ وخلط مع الكفار فاظهر الكفر لما فيه من ذلك اللطخ والفساد فلما خلص عن تلك الغرائب وتصفي عن تلك الاعراض اظهر الايمان الاصلي وكذلك الحكم في الكفر والايمان فالايمان قد يكون مستقرا وقد يكون مستودعا كالكفر فالانسان في هذه الآية ان كان هو ابوجهل كما في بعض التفاسير في وقعة بدر هو الكفر الاصلي لانه لعنه الله مااظهر الايمان بوجه ابدا وان كان هو ذلك الراهب المسمي ببرصيصا فكذلك ايضا لكنه كان عنده الايمان العرضي المستودع فصار الشيطان سببا لاظهار ما كان كما كان وليس للشيطان تسلط على اعظم من ذلك كما حكي الله سبحانه عنه وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي اني كفرت بما اشركتموني من قبل الآية فليس الشيطان علة للكفر بل انما هو داع اليه فاجابه ولو شاء ان لا يجيب لمافعل واما قوله اني بريء منك فهو الاشارة الى قوله تعالى واذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب لان الداعين الى الباطل كانوا يوعدون التابعين بالنصر والظفر في الدنيا والآخرة فلما اتاهم ما يوعدون من العذاب والهلاك طلب التابعين ( التابعون خ‌ل ) النجاة والنصر من المتبوعين تبرؤا منهم اذ لا يقدرون على حيلة ولا يهتدون سبيلا فتبرء كل واحد منهم عن صاحبه وهو قوله تعالى الاخلاء يومئذ عدو الا المتقين لان الايتلاف والمحبة والوفاء والنصر والظفر انما يكون اذا كان الشخص متعلقا بغصن الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء وهو قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واما اذا كان متعلقا بغصن الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الارض فلا تستقر فيقع المتشبث بها في الهلاك والدثور فلا نجاة ولا ظفر بالمراد فيكون ذلك سببا للعداوة والشحناء والبغضاء فيتبرء كل منهم عن الآخر كلما دخلت امة لعنت اختها اما المتبوعون فهم وان كانوا عالمين في اول الامر انهم لا يقدرون على شيء فهم المتبرءون في الباطن ولكنهم لما انقطعت حيلتهم اظهروا التبرئ ولكونهم قد نالوا مرادهم من التابعين في اضلالهم واغواءهم وادخالهم النار واما التابعون فلما يجدون مما حل بمتبوعيهم من الدثور والهلاك والعذاب وذلك واضح ظاهر واما قوله اني اخاف الله رب العالمين فعلى ظاهره لان الخبيث وعد ذلك الراهب بان ينجيه من تلك المهلكة اذا سجد له فلما سجد له وكفر وحل ساحته العذاب والهلاك فقال مااقدر على تخليصك وما يمكنني مقاومة ما قدر الله تعالى لك من العذاب والنكال في الدنيا والآخرة فلو رمت ( رمت ذلك خ‌ل ) لهلكت واخاف من ذلك فلا انال بذلك حظي من الخلود الدائم في الدنيا لاغواء عباد الله وخوفه من الله تعالى مما يحل به ما يقطعه عن الدنيا لا انه يخاف من نكال الآخرة وهو وان كان يخاف لكنه آثر لذة الدنيا على تلك البليات نعوذ بالله منها لعنه الله فما اصبره على النار وكذلك الحكم والمعنى لو كان المراد ابا جهل الملعون فان مقصوده لعنه الله في الكل واحد ولا يريد الا الدنيا

قال سلمه الله تعالى : المسئلة التاسعة - لو بطلت صلوة الطواف للجهل باحكامها ولم يتفطن حتى رجع الى محله ومكانه فهل يجب عليه الرجوع الى مكة والصلوة خلف المقام او يقضي حيثما ذكر

اقول روى ابن‌ بابويه في الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج عن احدهما عليهما السلم ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابرهيم عليه السلم بمنزلة الناسي انتهى ولا فرق بين ان يتركهما عمدا جاهلا او يفسدهما جهلا فان الفاسدة هي الجارية مجرى المتروكة قطعا واما الناسي ففرضه الرجوع الى مكة والصلوة عند المقام لان ذلك هو مقتضى الامتثال لقوله تعالى واتخذوا من مقام ابرهيم مصلي والامر حقيقة في الوجوب ولما في صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلم عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء ولم يصل الركعتين حتى ذكر وهو بالابطح فصلي اربعا قال عليه السلم يرجع فيصلي عند المقام اربعا وعن احمد بن عمر الحلال قال سالت اباالحسن عليه السلم عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى الى مني قال يرجع الى مقام ابرهيم عليه السلم فيصليهما وعن ابن‌ مسكان في حديث آخر ان كان جاوز ميقات اهل ارضه فليرجع وليصلهما فان الله تعالى يقول واتخذوا من مقام ابرهيم مصلي وهذه الاخبار كما ترى صريحة في المراد وموافقة لكتاب الله سبحانه فوجب اتباعها والقول على مقتضاها واما اذا لم يتمكن وشق له الرجوع فليصليهما حيث يذكرهما يدل على ذلك ما رواه ابو بصير قال سئلت اباعبد الله عليه السلم عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى واتخذوا من مقام ابرهيم مصلي حتى ارتحل فقال عليه السلم ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه ولا امره ان يرجع ولكن يصلي حيث يذكره وعن معوية بن عمار قال قلت لابي عبد الله عليه السلم رجل نسي الركعتين خلف مقام ابرهيم فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال عليه السلم يصليهما حيث ذكر وان ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما وعن هشام بن المثني قال نسيت ركعتي الطواف خلف مقام ابرهيم حتى انتهيت الى مني فرجعت الى مكة فصليتهما فذكرنا ذلك لابي عبد الله عليه السلم فقال افلاصلي حيث ما ذكر انتهى وهذه الاخبار كما ترى صريحة الدلالة في عدم وجوب العود الى المقام والصلوة فيه فيحمل على ما اذا شق عليه ولم يتمكن من الرجوع كما يشير اليه قوله عليه السلم في الحديث المتقدم لا اشق عليه ولا امره بالرجوع وذلك ظاهر ان شاء الله تعالى قال في المدارك وشرط الشهيد (ره) في الدروس في الصلوة في غير المقام تعذر العود اليه واوجب العود الى الحرم عند تعذر العود الى المقام وجعل صلوتهما حيث شاء من البقاع انما هو مع تعذر العود الى الحرم ولم نقف على مستنده اقول الظاهر ان مستنده ان تعين الصلوة في المقام ووجوبها قد ثبت بنص الكتاب والسنة كما اشرنا اليه سابقا فلا يعدل عنه الا لعذر يمنع الوصول الى ذلك المكان فاذا تعذر ذلك يتعين اقرب المواضع اليه فالاقرب والا لم يحصل القطع ببراءة الذمة قطعا ويؤيده قوله عليه السلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم وقوله عليه السلم لا يسقط الميسور بالمعسور وقوله تعالى واتقوا الله حق تقاته وقوله تعالى واتقوا الله ما استطعتم فاذا لم يتمكن من الوصول الى ذلك المكان فيتعين اقرب المواضع اليه كالمسجد ثم الحرم ثم في غيره من البقاع وقاعدة اصالة البراءة لا تجري في هذا المقام والمستفاد من الاخبار السالفة وغيرها غايته الاذن في غير المقام ولعل ذلك عند التعذر بل هو الظاهر في قوله عليه السلم ولا اشق فلا يحصل حينئذ القطع بالبراءة الا على هذه الصورة ونقل عن الشيخ في المبسوط انه اوجب الاستنابة في صلوة الركعتين اذا شق الرجوع ورواه في التهذيب عن عبد الله بن مسكان قال حدثني من سئله عن الرجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج فقال يوكل قال في المدارك وهذه الرواية ضعيفة بالقطع والارسال ومن رجالها محمد بن سنان وهو ضعيف اقول اما محمد بن سنان فالاصح انه ثقة عدل جليل الشان عظيم المنزلة كما ذكرنا في كثير من مباحثاتنا واما القطع والارسال فلا يضران لكونه مؤيدا ومنجبرا بالخبر الصحيح المروي في الفقيه عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه السلم ان كان قد مضي قليلا فليرجع وليصليهما او يامر بعض الناس فليصليهما عنه ولكن الظاهر من الخبرين التخيير لا الترتيب كما ذهب اليه الشيخ الا بمعونة ما ذكرناه مستندا للشهيد (ره) الحاصل من تصفح اخبار هذا الباب بنظر الاعتبار وجد ان من لم يشق عليه الرجوع ليصليهما عند المقام ومن شق عليه ذلك فليصليهما حيث ذكر ولا يظهر منها الترتيب الذي ذكره الشهيد والشيخ الا ان الاحوط والاولى مراعاة الترتيب كما ذكره الشهيد والاستنابة عند عدم التمكن من الرجوع والصلوة حيث ذكر وحيث شاء عند عدم التمكن من الاستنابة كما ذكره الشيخ (ره) وبذلك افتي شيخنا ومولينا وسندنا واستادنا الشيخ احمد بن المقدس الشيخ زين‌الدين الاحسائي ولا شك ان هذا هو الاحوط وبه يحصل القطع ببراءة الذمة واما كونه هو المتعين فلي فيه تأمل والله العالم بحقايق احكامه

قال سلمه الله تعالى : المسئلة العاشرة - في الشخص كان اول بلوغه ذاهلا عن انه يجب عليه اخذ مسائله ( مسائل خ‌ل ) اما بطريق التقليد او الاجتهاد وان الناس صنفان مجتهد ومقلد وكان يعمل الاعمال حسب ما يسمع من الناس الى بلوغه اثنين وعشرين سنة فسمع بعد ذلك ان العمل يجب ان يكون بطريق الاجتهاد او التقليد ولكنه كان ذاهلا وغافلا عن انحصار الامر في ذلك الى بلوغه الى ستة وعشرين سنة ثم بعد ذلك لقي المجتهد وعرف الانحصار واخذ منه كتاب فتواه وبنى على تقليده وعزم على انه اذا احتاج الى مسئلة من المسائل بل ينظر في ( الى خ‌ل ) كتابه ويعمل عليه وفي هذه الصورة هل يجب عليه قضاء الاعمال التي اوقعها قبل التقليد ام لا وعلى الاول يقضي كم سنة من سني عمره لانه الآن قد بلغ الى اربعين سنة ثم هل يكفي اخذ الكتاب معه والنظر اليه مهما احتاج ام يجب عليه حفظ المسائل كلها لتصح عباداته وساير اعماله ام لا

اقول قال شيخنا ومولينا واستادنا اطال الله بقاه وجعلني في كل مكروه ومحذور فداه ان الرجل اذا عمل برهة من الزمان غير مقلد للفقيه فان كان علم بوجوب التقليد على غير المجتهد في جميع تكاليفه العملية فاعماله باطلة ان خالفت المعروف من المذهب بلا خلاف وان وافقت فكذلك على الاصح الاحوط وان لم يعلم واوقعها مخالفة لظاهر الشرع فهي باطلة وعليه الاعادة وان كانت موافقة لظاهر الشرع فالمشهور ان عليه الاعادة والذي يظهر لي ويقوى في نفسي انها مجزية لانه هو المعروف من آثار اهل العصمة عليهم السلم فانهم قد اثنوا على من اصاب وان لم يأخذ ذلك عن اجتهاد او تقليد فان الرجل يأتيهم عليهم السلم ويقول فعلت كذا فان وافق قالوا احسنت واقروه ولم يأمروه بالاعادة وقد انزل الله في البراء بن معرور ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين لما استنجي بالماء وقال صلى الله عليه وآله بعمار حين اراد التيمم ولم يعلم كيفية التيمم وتمعك تمعكت كما تتمعك الدابة واعادة صلوة المسيء في صلوته وان وقوع ذلك في زمن الائمة عليهم السلم كثير ولم يامروا احدا بالاعادة او القضاء ولم ينقل عن احد منهم ذلك انتهى كلامه رفع الله اعلامه وهذه المسئلة وان اختلفت فيها العلماء وصارت معركة للآراء الا ان ما ذكره اطال الله بقاه هو المختار المنصور وتفصيل المقال في هذه الاحوال يؤدي الى الاطناب ولا يسعني الآن بيانه فاقتصرت بالاشارة وعلى هذا في المثال المفروض يجب على الرجل قضاء الصلوة والصيام وساير الاعمال مما بين البلوغ الى حدود ستة وعشرين ان لم توافق ما هو المعروف المشهور من المذهب في الفرقة المحقة لانه الى حدود اثنين وعشرين وان تنبه لكنه لم يتنبه الى انحصار الامر والله سبحانه لا يؤاخذ الا بعد البيان وعلى الله قصد السبيل ثم ان علينا بيانه فيكون حكمه حكم من لم يسمع واما الذي سمع وعلم الانحصار وعلم فقره وحاجته في المسائل الى غيره ومع ذلك تكاهل فهو كالمعاند فعليه القضاء وافق ام خالف لانه قد اتى البيت من غير بابه وعمل العمل وهو غير موقن بصحته وغير عالم بانه ممتثل اذ لم يأخذ عمن يعتقد انه يجب الاخذ عنه فلا يدري حين يفعل ان ما يفعل صحيح ام فاسد حق ام باطل فهو حين العمل غير معتقد ببراءة الذمة والامتثال فتقع اعماله كلها باطلة بخلاف الغافل المحض فانه حين العمل مطمئن القلب ساكن الخاطر عالم بانه ممتثل امر الله وعامل بقول الله فان كان موافقا تم ركنا عمله فصح وان كان مخالفا انهدم احد ركنيه لان صحة العمل منوطة بموافقة مراد الشارع وطمانينة القلب انه من الله سبحانه وانه عامل بقوله وماش بحكمه فمن نظر في الاخبار وجاس خلال تلك ( هذا خ‌ل ) الديار وجد ان طمانينة القلب وسكون الخاطر في الاعمال والعبادات من اعظم المهمات وعناية الشارع عليه ما ( عليها خ‌ل ) اكثر واشد من غيرها كما في الحديث ( حديث خ‌ل ) المشق وغيره وليس لي الآن اقبال تفصيل هذه الاحوال فاذا بطل احد الركعتين ( الركنين خ‌ل ) لا يقوم العمل وحده فيفسد لعدم حصول القابلية فانه له مادة وصورة مادته امر الله وصورته قبوله بسكون القلب واطمينان الخاطر فعند فقدان احدهما يفقد الشيء فافهم وقولكم وهل يكفي اخذ الكتاب جوابه انه يكفي ذلك لان المراد معرفة المسائل مهما احتاج اليها غير المسائل الضرورية التي لا بد منها في كيفية صورة العمل واما غيرها من المسائل التي ترد احيانا فلا يجب استحضارها جميعا لان الملة الحنفية السهلة السمحاء تأبي عن ذلك وكذا قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وما جعل عليكم في الدين من حرج مع ان سيرة المسلمين جرت على خلاف ذلك ولا اظن احدا من المجتهدين قد استحضر جميع المسائل كلها في خاطره فضلا عن المقلدين فضلا عن اهل هذا الزمان لغلبة تفرق حواسهم وكثرة شئوناتهم وتكليف ذلك عليهم لا شك انه عسر شديد وحرج بعيد

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الحادية‌ عشرة - في الرجل اذا قلد المجتهد في حيوته فبعد موته هل يجب عليه العدول عنه الى الحي وان كان الميت اعلم وافضل ام يبقى على تقليده حتى يجد الاعلم فيعدل او يستمر ابدا ولا يجوز له العدول وان وجد الاعلم بينوا توجروا ادامكم الله واعزكم وابقاكم

اقول العلماء قد اختلفوا في هذه المسئلة فهم بين مانع لتقليد الميت مطلقا بدوا واستمرارا وبين ناف بدوا وموجب استمرارا الى ان يجد الاعلم فيوجب العدول اليه وبين موجب للاستمرار مطلقا وان وجد الاعلم وغير ذلك من الآراء المختلفة والاقوال المتشتة والذي انا عليه وادين الله به ما عليه جمع كثير من العلماء وجم غفير من الفقهاء هو القول الاول بالمنع من تقليده مطلقا ووجوب العدول الى الحي سواء كان الحي اعلم ام لا والعلماء قد ادعوا عليه الاجماع حتى قال بعضهم ان حرمة تقليد الميت كان مما يتفرد به الشيعة عن مخالفيهم ولا يزالون يعرفون بذلك وجواز تقليد الميت كان من متفردات مذهب العامة وكانوا يعرفون به ولولا في ذلك الا تفرد العامة به واتفاقهم عليه وعدم ورود نص قاطع وتحقق اجماع من الفرقة المحقة بالجواز لكان كافيا ومستقلا في المنع من تقليد الميت مطلقا لان الرشد في خلافهم مع ورود الاخبار المصرحة بالمنع وان العلم يموت بموت حامليه كما في البحار عن روضة‌الواعظين قال النبي صلى الله عليه وآله ان الله تعالى لا ينتزع العلم انتزاعا ولكن ينتزعه بموت العلماء وفيه ايضا عن تفسير الامام قال ابو محمد الحسن العسكري عليه السلم حدثني ابي عن جدي عن ابيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء فاذا لم ينزل عالم الى عالم تصرف عنه طلاب حطام الدنيا الحديث وفيه وفي الكافي في حديث كميل عن امير المؤمنين عليه السلم الى ان قال عليه السلم كذلك يموت العلم بموت حامليه الحديث ولا شك ان التقليد خلاف الاصل ولذا اوجب الحلبيون الاجتهاد عينا ولم يرخصوا لاحد التقليد وعلى فرض ثبوت التقليد وكون وجوب الاجتهاد كفائيا وجب الوقوف في ما خالف الاصل على حد ما دل عليه الدليل القاطع ولا يطرد في جميع الاحوال وكل الافراد كما هو الظاهر المعلوم وما دل عليه الدليل وغاية ما ثبت به واستفيد منه هو ثبوت تقليد الاحياء وما سوى ذلك فلم يقع عليه دليل لا من اجماع لبداهة الخلاف وكون المشهور على المنع ولا من نص من كتاب او سنة يخصص الاصل الاول او يعمم الاصل الثاني في كل افراده بل المستفاد منه المنع كما سمعت الاشارة اليها ولا من عقل مقطوع به وما ذكروا من حصول الظن بقول الميت والظن عند فقدان العلم حجة وان الميت كان يجوز الرجوع اليه حال حياته فكذا بعد موته بحكم الاستصحاب باطل للمنع من حجية الظن مطلقا الا ما قام عليه الدليل القاطع وهو الظن الحاصل من الكتاب والسنة واقوال اهل اللغة وامثالها واما ماعداه فلا يجوز التعويل عليه والركون اليه لان الظن لا يغني من الحق شيئا وليس هنا موضع اجراء الاستصحاب لتغير الموضوع المستدعي لتغير الحكم يقينا والقول بانه يستلزم العسر والحرج المنفيين في الشرع ممنوع لانه بعد موت المجتهد يحضر عند الآخر ويعرض عليه عمله الذي كان يعمله سابقا فما يوافق رايه يقره عليه وما يخالفه ينبهه عليه وليست المخالفة اكثر من الموافقة ليصعب عليه التعلم واذا لم يتمكن من الحضور ياخذ من الواسطة الثقة او من كتابه فاذا لم يتمكن من الحي بنفسه او بواسطته او بكتابه فليرجع الى الاحتياط ان تمكن منه لقوله عليه السلم عليك بالحايطة من دينك وان اشتغال الذمة يستدعي البرائة اليقينية وان لم يتمكن من الاحتياط يعمل بما هو المشهور بين الفقهاء في المسئلة لقوله عليه السلم خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فالمجمع ( فان المجمع خ‌ل ) عليه لا ريب فيه والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد والمحل وحكم المقلد عند فقد المجتهد مثل حكم المجتهد عند فقد ظهور الامام عليه السلم وان لم تكن المسئلة مشهورة بل كانت خلافية فان كان يمكنه التاخير وليس موضع الحاجة وجب لقوله عليه السلم فارجه حتى تلق امامك وان لم يمكنه التاخير فان كان من باب المعاملات يرجع الى الصلح والتراضي وجوبا والا فعليه ( فعليه التخيير والاخذ بايهما شاء واراد من باب التسليم لقوله (ع) ما معناه بايهما اخذت خ‌ل ) من باب التسليم وسعك ثم انك ان اتقنت ما ذكرنا سابقا في سر الغيبة ولزوم حاجة الناس للعمل بالظن وانسداد باب العلم عرفت ان المجتهد ليس الا لسان الامام عليه السلم ومرآة تحكي الامام عليه السلم وان الاحكام تابعة لصفات المكلفين بل هي صفات المكلفين وتختلف بحسب الاوقات والازمان والاماكن والقرانات والاوضاع وخلط الكفار بالمؤمنين والمنافقين بالمسلمين واستيلاء سلطان الجور وغلبته وعدم الاستيلاء وعدم الغلبة والامام عليه السلم هو الناظر العالم بهذه الصفات وهذه الاحوال فيجري رعاياه وغنمه على حكم تلك الاقتضاءات وهي تختلف وقد قال تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وهذا هو علة اختلاف المجتهدين وتشتت آراءهم وتبدلها وتغيرها وهو عليه السلم يجري تلك الاحكام على الرعايا بالسنة المجتهدين من اهل الاستيضاح والبيان فاذا مات المجتهد انقطع ذلك اللسان فلا يصلح لان يكون محلا لظهور الامام عليه السلم فتبطل حكايته واخباره فلا بد من العدول اليه والاصغاء لحكم الامام عليه السلم بلسانه وهو الفقيه الحي وعلى هذا استقر الوجود واتسق النظام فان الاحكام كلها تكوينية كانت ام تشريعية من الله سبحانه الحي القيوم الدائم فلا تصح ان تكون الوسايط بينه وبين عباده في ما يؤدي اليه امواتا فان الميت يضاد الحي وجهته تخالف جهته وسيره يخالف سيره فاتي مع ذلك الاتفاق الا ترى ان الامام عليه السلم اذا مات لو لم يكن مكانه امام آخر يحفظ حكم الله ووحيه لساخت الارض وبطلت الاحكام وهلكت الخلايق فلو جاز ان يكون الميت واسطة يجب ان لا يخرب العالم اذا مات الامام عليه السلم وليس المجتهد في ما فيه اليه الوساطة باقوى من الامام عليه السلم حتى ان ما دخل وظهر في الوجود بمقتضى وساطة الامام ينهدم ويفنى ويعدم بخروجه عن الدنيا ويحتاج الى مثله حي حافظ ولا يبطل ما كان المجتهد فيه واسطة ان هي الا قسمة ضيزي بل لا ينطبق القول بتقليد الميت الا على مذهب العامة المنكرين للوسايط الاحياء واما على مذهب الشيعة فلا اذ لو يبقى ما اتى به المجتهد محفوظا بعد موته لكان محفوظية ما اتى به النبي صلى الله عليه وآله من الاحكام الوجودية والشرعية بالطريق الاولى فلماذا تسيخ الارض باهلها وتبطل الحركات والسكنات وتضمحل العلوم والموضوعات فضلا عن الاحكام والشرعيات اذا لم يكن امام ووصي يقوم مقامه ويحل محله وحكم الله سبحانه في الجميع واحد وحكم المجتهد بالنسبة الى الامام مثل حكم الامام بالنسبة الى الله سبحانه قال عليه السلم شيعتنا آخذون بحجزتنا ونحن آخذون بحجزة ربنا والحجزة النور وقال عليه السلم انا لاشد اتصالا بالله من شعاع الشمس بالشمس فافهم واتقن فاذن فالقول بتقليد الميت ساقط من راسه سواء كان ابتداء او استمرارا ويجب العدول عنه سواء وجد الاعلم ام لم يوجد ولا يقال ان العدول عن الاعلم الى غيره يستلزم تفضيله عليه والله سبحانه مارضي بالتساوي حيث يقول قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لانا نقول ان المجتهد اذا مات انقطع علمه الذي يصل الينا لانه كان حاملا حاكيا لا اصلا مؤسسا فبعد موته لم يصح ان يكون لسانا فلا يصح الرجوع اليه لان الرجوع اليه من حيث كونه حاكيا لا من حيث هو هو فلا دلالة للآية على المراد اصلا فافهم وكأني بك تستهزئ بي وتقول ان هذه كلمات لم يذكرها احد من العلماء وانا اقول كما قال المتنبي :

وهب اني اقول الصبح ليل ايعمى الناظرون عن الضياء

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثانية ‌عشرة - ما تقولون في رجل لم يتمكن من اقامة الادلة العقلية والنقلية لاثبات العقايد الخمسة ولكنه غير معاند للكلام الحق ولا منكر لضروري من ضروريات الدين ولو ان آخر يذكر الدليل يعرفه ويقر به لكنه لا يبذل جهده ليكون راسخا في نفسه ومتمكنا من ادائه حيث شاء فلو انه يبذل جهده ويستفرغ وسعه لوصل الى حد الرسوخ في النفس والاطمينان وتمكن من اقامة الدليل لنفسه ولغيره هل هذا الشخص في ظاهر الاسلام نجس ام طاهر وهل الدليل الاقناعي كاف في معرفة الاعتقادات ام لا بد من دليل يفحم الخصم

اقول المناط في المعارف والعقايد القطع واليقين واطمينان القلب بحيث يكون ثلج الفؤاد مطمئن القلب في ما يعتقده ويدين به ولم يكن في ذلك مستند الى تقليد والى قول احد ولا يلزم اقامة الادلة المفصلة بحيث يفحم الخصم ويلزمه مثلا اذا سئلت عنه عن الله سبحانه يقول اومن به واعتقد عليه وان ( اذا خ‌ل ) سئلت عن الدليل يقول هكذا قطعت وعلمت ولا يقول ان فلانا مثلا هكذا قال وهذا المقدار يكفي في صحة اسلامه وايمانه فان كثيرا من الناس عارفون بالمسائل وقاطعون بها ولا يشكون فيها كما لا يشكون في وجود الشمس في رابعة النهار ولكنهم اذا سئلوا عن الدليل عجزوا عن ذلك وكذا بالعكس والى الفريقين اشار مولينا الصادق عليه السلم كما في الكافي ما معناه ان من الناس من لا يمر بالف ولا واو الا وتجده خطيبا مصقعا وهو في قلبه اشد ظلمة من الليل الدامس ومن الناس من لا يقدر على التعبير عما في قلبه بلسانه وفي قلبه سراج يزهر انتهى وليس شرط الايمان والاسلام الزام الغير والا لا يكاد يوجد مؤمن ولا مسلم الا نادرا قليلا والله سبحانه يقول عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم فقولكم لا يتمكن من اقامة الادلة فان كان مطلقا وان كان دليلا اقناعيا تطمئن به نفسه ويقطع به فيكون في عقايده شاكا او ظانا واذا سئلته عن ذلك يقول لا ادري او يقوى في نفسي ولم‌اقطع به مما يعم به البلوى ولا يثبت الاسلام بدونه وهذا لا شك بانه كافر نجس في ظاهر الاسلام ان كان مما يتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد او ضال خارج عن الفرقة الناجية المحقة ان كان مما يتعلق بالامامة والولاية والعدل لان الله سبحانه لا يعبد بالظن لان الظن لا يغني من الحق شيئا وهو سبحانه يقوله فاعلم انه لا اله الا هو فان العابد بالظن لا يستحق شيئا من الخير لانه ليس بثقة من ربه ولا بنبيه فلمن يعمل وعلى قول من يتكل وعلى اي شيء يعتمد فتقع اعماله كلها مجتثة فوق الارض ما لها من قرار فيجب على الله سبحانه في الحكمة ان يجعل ادلة التوحيد والنبوة والمعاد واضحة ظاهرة جلية بحيث لا يكون لاحد العذر في تركها لعدم البيان فان قوام امور المعاش والمعاد كلها مبنية على تلك المعرفة فالذي لا يقطع بها مع اقامة البرهان وايضاح السبيل فهو حينئذ مقصر غير معذور والقول بمعذورية الظان في العقايد بعد تمام بذل جهده واستفراغ وسعه فاسد فان الله تعالى يقول الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وهي محكمة مقيدة بالتاكيدات الكثيرة وهو سبحانه لا يخلف الميعاد وقال عز وجل وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر وقال تعالى ثم ان علينا بيانه والحاصل ان الله سبحانه حجته بالغة لم يدع لاحد العذر في معرفته وعبادته ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة واما الاكتفاء بالظن في الفرعيات فهو ايضا راجع الى القطع لان العامل يعلم قطعا ان الله سبحانه راض عنه بذلك واذا لم يفعله قد فعل حراما مخالفا لمحبة الله سبحانه وارادته واما اذا لم يعلم ذلك بل هو شاك او ظان فيه ولا يدري هل فعله هذا يخالف محبته تعالى او يوافقها ليكون مثبتا للظن بظن آخر او بشك فهذا مما اجمع المسلمون بل المليون بل العقلاء كلهم اجمعون على فساده فظهر لك ان الدين الحق لا يبتني على الظن والتخمين وكذا غيره من الامور فاذا لم يحصل المكلف ذلك فهو خارج عن الدين وكافر بما اتى به سيد المرسلين ويجب الاجتناب عنه على اليقين واما اذا كان عدم تمكنه من اقامة الدليل بالاضافة الى الغير او الادلة التفصيلية فقد ذكرنا لك انه مسلم موحد وعدم بذل الجهد ان كان لاجل الرسوخ في نفسه والاطمينان عند قلبه مضر ( يضر خ‌ل ) في دينه واسلامه ان كان في المسائل الضرورية مثل معرفة الله وانه لا يدرك وانه كامل ليس بناقص وانه واحد ليس بمتكثر وامثال ذلك واما اذا كان في المسائل النظرية التي دق ماخذها واختلف فيها الآراء وتصادمت عندها الاقوال مثل حدوث المشية وقدمها ومثل كيفية تعلق علم الله سبحانه بالمعلومات وغيرها هذا الباب فلا يضر في اسلامه ودينه اذا اخطا فيها او توقف عندها ولم يعرفها مع معرفته ان الله سبحانه كامل مطلق وواحد مطلق لا كثرة فيه بوجه من الوجوه

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثالثة ‌عشرة - هل يجوز ان يصلي الاعرف الاعلم في العقايد والاصول خلف من هو دونه فيها وان كان اعلم بالمسائل الفقهية الفرعية ام لا

اقول لولا ظهور الاجماع وعدم العثور والوقوف على قائل لكان القول بالمنع وعدم الجواز متجها لقوله عليه السلم لا تصل خلف من انت اعرف منه وقوله عليه السلم من ام في قوم وفيهم من هو اعلم منه لم يزل امرهم الى سفال وامثالهما من الاحاديث والاخبار والاعتبارات العقلية الا انا حيث لم نجد قائلا بالمنع مع قوله صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى يقوم الساعة مع ورود الاخبار الدالة على المنع من غير معارض لها سوى العمومات قلنا بالجواز مع الكراهة جمعا بين الادلة والاحتياط لا يخفى

قال سلمه الله تعالى : هل الاذكار والادعية بقول مطلق افضل ام قرائة القرآن وتلاوته وهل تأذن لنا قرائة الادعية الموجودة في كتب الشيعة او تخصص الاذن ببعض الكتب دون بعض

اقول الاخبار في هذا الباب على الظاهر متعارضة فقد روي بتفضيل الدعاء على القرآن كما رواه احمد بن فهد في عدة الداعي قال قال الباقر عليه السلم لبريد بن معوية وقد سئله كثرة القرآن افضل ام كثرة الدعاء فقال عليه السلم كثرة الدعاء افضل ثم قرء قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم قال وعن النبي صلى الله عليه وآله افضل العبادة الدعاء واذا اذن الله عبدا في الدعاء فتح له ابواب الرحمة انه لن‌يهلك مع الدعاء احد في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلم في حديث قال افضل العبادة الدعاء وفيه عن سدير قال قلت لابي ‌جعفر عليه السلم اي العبادة افضل فقال ما من شيء افضل عند الله من ان يسئل ويطلب مما عنده الحديث وفيه عن ابي عبد الله عليه السلم عن امير المؤمنين عليه السلم احب الاعمال الى الله عز وجل في الارض الدعاء وامثالها من الاحاديث الدالة على تفضيل الدعاء على القرآن بالعموم والخصوص كثيرة وقد روي ما يدل على تفضيل القرآن على الدعاء وعلى كل عمل وعبادة كما رواه ابن ‌فهد في عدة الداعي عن النبي صلى الله عليه وآله قال قال الله تبارك وتعالى من شغل بقرائة القرآن عن دعائي ومسئلتي اعطيته افضل ثواب الشاكرين وفي الكافي بالاسناد عن الزهري قال قلت لعليّ بن الحسين عليهما السلم اي الاعمال افضل قال الحال المرتحل قلت وما الحال المرتحل قال فتح القرآن وختمه كلما جاء باوله ارتحل في آخره وقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اعطاه الله القرآن فراى ان رجلا اعطي افضل مما اعطى فقد صغر عظيما وعظم صغيرا وفي مجمع‌البيان عن النبي صلى الله عليه وآله قال افضل العبادة قراءة القرآن وعن الحسن العسكري عليه السلم عن آبائه عليهم السلم في حديث قال ان فاتحة الكتاب اشرف ما في كنوز العرش الى ان قال الا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين منقادا لامرهما بظاهرها وباطنها اعطاه الله بكل حرف منها حسنة كل واحدة منها افضل له من الدنيا وما فيها من اصناف خيراتها واموالها ومن استمع الى قاري يقرأها كان له قدر ما للقاري فليستكثر احدكم من هذا الخير انتهى وامثالها من الاحاديث الدالة على فضيلة القرآن على الدعاء وعلى كل شيء كثيرة والعلماء قد جمعوا بين هذه الاخبار بان الدعاء ان كان قد صدر عن قلب طاهر تقي نقي خاضع خاشع مع كمال التوجه والاقبال والالتفات الى جهة ذي الجلال واستشعار فقره وفاقته واضمحلاله ومشاهدة عظمة الله سبحانه وجلاله وكبريائه واستغنائه وان لا قاضي لحاجته غيره ولا مستقل سواه ولا تذوت وتحقق لشيء من الاشياء دونه فلا شك ان هذا اعظم وافضل من كل عمل ومن قراءة القرآن فان فيه ذكر القصص والاحكام والوعد والوعيد وساير القرانات والاحوال والاوضاع الوجودية الكونية ( التكوينية خ‌ل ) والتشريعية ولا ريب ان التمحض في التوجه الى جناب الحق سبحانه والاستمداد منه خاصة اعظم واشد من الالتفات الى الغير وان كان به كالحضور في خدمة الملك الاعظم من السير في مملكته وقراءة طومار امره ونهيه باذنه وبامره وان كان الدعاء بغير تلك الحالة من خلوص التوجه والاقبال فلا شك ان الاشتغال بقرائة القرآن افضل واعظم لانه حينئذ ذكر الله ونوره وفيه احكامه وعلومه فالذي يقابل النور يستنير وهذا الوجه هو المشهور المعروف عندهم بل لا تكاد تجد غيره وهنا وجوه اعلى وادق واشرف اخفاؤها في الصدور احسن من ابرازها في السطور ثم ان مقتضي الحديث المشهور المتكرر المتردد في الكتب المعمول عند الاصحاب من بلغه ثواب فعمل التماس ذلك الكتاب كان له ذلك وان لم يكن كما بلغه وبمعناه احاديث اخر بعضها صحيحة جواز العمل بما في كتب الشيعة من الاعمال الفقهية ( الفقهية المستحبة المنتسبة الى ائمتهم عليهم السلام وان كانت خ‌ل ) الطرق ضعيفة ولذا تراهم يتسامحون في ادلة السنن والمستحبات الا ان الاخذ من الكتب المعتبرة مثل كتب المجلسي (ره) ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي والاقبال وساير كتب الادعية لابن‌ طاوس (ره) هو الاولى والاحسن واما في غير الادعية والاوراد وساير المستحبات من الاعمال الواجبة او المحرمة فلا يجوز التعويل على كتاب من كتب الاموات بوجه من الوجوه لان تقليد الميت حرمته قد دل عليها العقل والنقل كما ذكرنا شرذمة منه من ان ذلك هو اجماع الفرقة المحقة والقول بالجواز بحال من الاحوال قول مستحدث قد حصل من الخلط واللطخ مع المخالفين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الخامسة ‌عشرة - هل يجوز للرجل ان يلبس المسح العربي في حال السعي بين الصفا والمروة ام لا وعلى الثاني هل سعيه صحيح ام لا

اقول لا يحل المحرم الا بعد التقصير وهو بعد السعي فاذن لا يجوز له فعل ما كان حراما عليه بعد الاحرام والمسح في زماننا هذا في اطراف العراق يطلق على شيئين احدهما الخف الخاص بالنساء وثانيهما الجورب المصنوع من الجلد وهو خاص بالرجال بحسب الاغلب المتداول وكيف كان فلبس الخف والجورب حرام على الرجال اختيارا حال الاحرام وقد وقع عليه التصريح في عدة اخبار فلو لبسه اختيارا لا يبطل سعيه وعليه الفدية بدم شاة ولو لبس الخف او الجورب اضطرارا فالاقرب الاولي ان يشق ظاهر القدم لرواية ابي ‌بصير عن ابي عبد الله عليه السلم في رجل هلك نعلاه ولم يقدر على نعلين قال له ان يلبس الخفين اذا اضطر الى ذلك وليشق عن ظهر القدم ورواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلم في المحرم يلبس الخف اذا لم يكن له نعل قال نعم لكن يشق ظهر القدم وهاتان الروايتان تقيدان الخبر الوارد على الرخصة عند الاضطرار وان كان في سندهما ضعف اذ لا دليل على بطلانهما من كتاب ولا من سنة ولا اجماع ولا دليل عقل مع انهما مؤسستان والتاسيس خير من التاكيد واولى به كما حقق في محله واما الفدية في حال الاضطرار فالظاهر انه لا تجب ويستفاد من التذكرة الاجماع عليه حيث قال واذا لم يجد النعلين لبس الخفين باجماع العلماء ثم قال واذا لم يجد لبس الخف للضرورة لم يكن عليه فدية عند علمائنا وبه قال عطا وعكرمة والثوري والشافعي واسحق لاصالة البرائة الى ان يثبت الاشتغال

قال سلمه الله تعالى : المسئلة السادسة ‌عشرة - لو ان الرجل بذل جهده وجعل همه لتحصيل مبلغ معين من الفلوس لاجل التوسعة على نفسه او عياله فهل يعد هذا الرجل من اهل الدنيا الملعونة ام لا

اقول التوسعة على العيال امر مرغوب شرعا وعرفا فلا يكون من اهل الدنيا الملعونة الا ان يكون مراده العجب والبطر ونسيان الآخرة فهو حينئذ من اهل الدنيا المذمومة الملعونة كما ذكرنا سابقا فراجع

قال سلمه الله تعالى : وبين لنا الطريقة الصحيحة المجربة في الاستخارة بالسبحة وكذلك بالقرآن وان ايهما افضل وارجح

اقول الطريقة ( الطرق خ‌ل ) المروية كلها صحيحة ومن اخذ بواحدة منها فقد اخذ بحظ وافر الا ان عملنا في الاستخارة بالسبحة ما روي عن القائم عجل الله فرجه يقرء الفاتحة عشرا واقله ثلثا وادون منه واحدة والقدر عشرا وهذا الدعاء اللهم اني استخيرك لعلمك بعواقب الامور واستشيرك لحسن ظني بك في المامول والمحذور اللهم ان كان هذا الامر الفلاني قد نيطت ( نيلت خ‌ل ) بالبركة اعجازه وبواديه وحفت بالكرامة ايامه ولياليه فخر لي اللهم فيه خيره ترد شموسه ذلولا وتقعض ايامه سرورا اللهم اما امر فائتمر واما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك خيرة في عافية ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته فان كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وان كان فردا فهو لا تفعل انتهى وقراءة هذا الدعاء والسور من المكملات ويجزيك الصلوة على محمد وآل محمد ثلث مرات والقبض على السبحة واما الاستخارة بالقرآن فقد روي لها طرق مختلفة منها ما رواه صاحب كتاب الشفاء في اخبار آل المصطفى عن كتاب الغايات لجعفر القمي صاحب كتاب العروس والمكارم عن ابي‌عليّ اليسع وعبد الله القمي قال قلت لابي عبد الله عليه السلم اني اريد الشيء فاستخير الله فيه فلا يفي ولي فيه الراي افعله او ادعه فقال عليه السلم انظر اذا قمت الى الصلوة فان الشيطان ابعد ما يكون من الانسان اذا قام الى الصلوة اي شيء يقع في قلبك فخذ به وافتح المصحف فانظر الى اول ما ترى فيه فخذ به ان شاء الله تعالى ومثله روي الشيخ عن محمد بن عليّ بن محبوب عن احمد بن الحسن بن فضال عن ابيه عن الحسن بن الجهم عن اليسع القمي وفيه عن السراير نقلا من كتاب ابي‌ القاسم بن قولويه قال روي بعض اصحابنا قال كنت عند عليّ بن الحسين عليهما السلم فكان اذا صلى الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس فجاءه يوم ولد فيه زيد فبشروه به بعد صلوة الفجر قال فالتفت الى اصحابه وقال اي شيء ترون ان اسمي هذا المولود قال فقال كل رجل منهم سمه كذا سمه كذا قال فقال يا غلام على بالمصحف قال فجاؤا بالمصحف فوضعه على حجره قال ثم فتحه فنظر الى اول حرف في الورقة واذا فيه وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما قال ثم طبقه ثم فتحه ثانيا فنظر فاذا في اول الورقة ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم الآية قال هو والله زيد فسمي زيدا وفيه عن البحار للفاضل المجلسي قال وجدت بخط شيخنا البهائي الشيخ شمس الدين محمد بن عليّ بن الحسن الجباعي قدس الله روحه نقلا عن خط الشيخ الشهيد نور الله ضريحه نقلا من خط محمد بن احمد بن الحسين بن عليّ بن زياد قال اخبرنا الشيخ الاوحد محمد بن الحسن الطوسي اجازة عن الحسين بن عبيد الله عن ابي ‌محمد هرون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام بن سهيل عن محمد بن جعفر المؤدب عن احمد بن خالد البرقي عن عثمان بن عيسى عن سيف عن المفضل بن عمر قال بينما نحن عند ابي عبد الله عليه السلم اذ تذاكرنا ام الكتاب فقال رجل من القوم جعلني الله فداك انا ربما هممنا بالحاجة فنتناول المصحف فنتفكر في الحاجة التي نريدها ثم نفتح في اول الورقة فنستدل به على حاجتنا فقال ابو عبد الله عليه السلم وتحسنون والله ما تحسنون قلت جعلت فداك وكيف نصنع قال اذا كان لاحدكم حاجة وهم بها فليصل صلوة جعفر وليدع بدعائها فاذا فرغ من ذلك فلياخذ المصحف ثم ينوي فرج آل محمد صلى الله عليهم بدوا وعودا ثم يقول اللهم ان كان في قضاءك وقدرك ان تفرج عن وليك وحجتك في خلقك في عامنا هذا او في شهرنا هذا فاخرج لنا آية من كتابك نستدل بها على ذلك ثم يعد سبع ورقات ويعد عشرة اسطر من خلف الورقة السابعة وينظر ما ياتيه في الاحدعشر من السطور فانه يبين لك حاجتك ثم تعيد الفعل ثانيا لنفسك وعن البحار انه قال روي مرسلا عن الصادق عليه السلم قال ما لاحدكم اذا ضاق بالارض ذرعا ان يتناول المصحف بيده عارفا على امر يقتضيه من عند الله ثم يقرء فاتحة الكتاب ثلثا والاخلاص ثلثا وآية الكرسي ثلثا وعنده مفاتح الغيب ثلثا والقدر ثلثا والجحد ثلثا والمعوذتين ثلثا ثلثا ويتوجه بالقرآن قاعدا فيقول اللهم اتوجه اليك بالقرآن العظيم من فاتحته الى خاتمته وفيه اسمك الاكبر وكلماتك التامات يا سامع كل صوت ويا جامع كل فوت ويا بارئ النفوس بعد الموت يا من لا تغشاه الظلمات ولا تشتبه عليه الاصوات اسئلك ان تخير لي بما اشكل على به فانك عالم بكل معلوم غير معلم بحق محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعليّ الرضا ومحمد الجواد وعليّ الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة من آل محمد عليهم السلم ثم تفتح المصحف وتعد الجلالات التي في الصفحة اليمنى ثم تعد بعددها اوراقا ثم تعد بعددها اسطرا من الصفحة اليسرى ثم تنظر آخر سطر تجده كالوحي في ما تريد ان شاء الله وهذه الطرق كلها تتخير العمل على كل منها بحسب سعتك واهتمامك بالحاجة وعدمها ويجزيك الصلوة على محمد وآله وافتح المصحف والاخذ بما في اوله من آيات البشارة والانذار واما الارجح والافضل فلا شك ان القرآن هو الاولى والافضل لمن يعرفه ويعرف اسراره وبواطنه ولطائفه واشاراته والا فعليك بالسبحة فانها مفتاح باب الخير وسر من اسرار آل محمد عليهم السلم

قال سلمه الله تعالى : وهل يجب العمل بحكم الاستخارة اذا كان امرا او يحرم العمل اذا كان نهيا ام لا وهل يجب في الاستخارة ان يقصد محض رضاء الله سبحانه وطاعته ومحبته او يجوز في ما يتعلق باصلاح احواله

اقول لا يجب العمل بحكم الاستخارة ولا يحرم تركه نعم يصيبه ضرر كما وقع كثيرا من اصحاب الائمة عليهم السلم ولم يصر سبب قدح في وثاقتهم وطعن في جلالتهم مع اصالة البرائة واجماع الفرقة المحقة واما القصد فاعلم ان الافعال التي تريد ان تفعلها لا تخلوا اما ان تكون راجحة باصل الشرع او مرجوحة فان كانت مرجوحة فلا استخارة لان الله سبحانه اختار لك تركها حين نهاك عنها تحريميا كان ام تنزيهيا وان كانت راجحة فان كان الرجحان رجحانا وجوبيا الزاميا فلا استخارة ايضا لانه لا يسع لاحد تركه الا في الواجبات المخيرة التي اليك التعيين فحينئذ لك ان تستخير منه سبحانه وتجعل اليه خيرة التعيين وان كان الرجحان رجحانا ندبيا فان كان منحصرا ولا يعارضه مانع شرعي آخر فلا استخارة ايضا لان تركه مرجوح وقد اخبرك الله سبحانه بذلك فلا معنى لتكرار المسئلة وان كانت جهات الرجحان كثيرة ولا تعرف ايها اقرب الى صلاحك مقرونا برضاء الله سبحانه ويحصل بذلك التحير والتردد فتستخير الله سبحانه قاصدا اصلاح حالك ونفسك مقرونا برضاه سبحانه ومحبته العزمية اذ كلما يخالف رضاه ومحبته تعالى يجب الاعراض عنه وكذلك القول في المباحات الظاهرة فافهم راشدا

قال سلمه الله تعالى : المسئلة التاسعة عشرة - ان تمن علينا بتعليم ذكر خاص مجرب لجميع الحوائج لجميع الاشخاص ويكون له حكم برء الساعة

اقول لا اعلم ذكرا احسن ولا اخص ولا اجمع للحوائج كلها ولا اقرب الى الله تعالى من الصلوة على محمد وآل محمد فعليك بمواظبتها في كل يوم مائة مرة وفي يوم الجمعة الف مرة فانك تشاهد من خواصها وتأثيراتها امورا عظيمة يقصر اللسان عن بيانها وادائها فاذا كان لك حاجة الى الله سبحانه فابدء بالصلوة على محمد وآل محمد عليهم السلم بعدد اسمك عارفا بحقهم موقنا بعظيم منزلتهم عند الله تعالى وان ليس لله تعالى باب اليه من خلقه ولا باب منه الى خلقه بجميع المعاني كلها سويهم ثم تذكر حاجتك ثم تصلي بذلك العدد عودا ليكون البدو والختم بهم تصديقا لقوله ( بقوله خ‌ل ) عليه السلم في الزيارة بكم فتح الله وبكم يختم فان الله تعالى يقضي حاجتك ان شاء الله البتة لان لهم عند الله مقاما عظيما وجاها منيعا

قال سلمه الله تعالى : المسئلة العشرون - ان تذكر لنا كيفية السلوك الى الله تعالى في الاعمال والاقوال والاحوال وكيفية تهذيب الاخلاص ولو كان على جهة التلويح والاشارة وان اكمل الاعمال المستحبة اي شيء وان اي ذكر افضل الاذكار كلها

اقول اما بيان كيفية السلوك وتهذيب الاخلاق فقد ذكرته في الرسالة التي كتبناها للاخ الاعز الصادق الموافق العالم الموفق الملا عبد الرزاق وما ذكرت فيها كفاية للطالب السالك ولا بيان اعظم من ذلك فعليك بتحصيلها ومطالعتها وظني ان نسختها موجودة عندكم واما افضل الاعمال المستحبة كلها فليس شيء الا زيارة مولينا وسيدنا ابي ‌عبد الله الحسين روحي له الفداء وعليه السلم وزيارة جده وابيه وامه واخيه وبنيه والبكاء عليّ عظيم رزيته وجليل مصيبته واما افضل الاذكار فقد ذكرنا انه الصلوة على محمد وآل محمد عليه وعليهم السلم ومن تتبع الاخبار وجاس خلال تلك الديار وجد ما ذكرنا صحوا بلا غبار وصلى الله على محمد وآله الاطهار

المصادر
المحتوى