
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه كلمات امليتها جوابا لمسائل بعض الاخوان صانه الله عن عوارض الزمان مع كمال اختلال البال وتشويش الحال وتوفر الكلال والملال نسئل الله سبحانه ان يلهم الصواب ويجعلها ذخرنا ليوم المآب
قال سلمه الله تعالى : يا سيدي اطال الله بقاكم تفضل عليّ بكشف الحجاب والاستار عن هذه المسئلة وهي ان المفاعيل قائمة بفعل الله تعالى بالقيام الصدوري وبالحقيقة المحمدية بالقيام الركني فما حال الفعل نفسه فهل يلاحظ فيه ايضا جهة المفعولية ام لا وهل هو قائم بذاته ام بذات الله تعالى
اقول اما قيام المفاعيل بفعل الله تعالى بالقيام الصدوري فذلك معلوم لانها منتسبة الى الفعل ومنتهية اليه ودالة عليه الا ترى ان حسن الخط وقبحه لا يدلان على حسن الكاتب اي ذاته وقبحه وانما يدلان على اعتدال حركة يد الكاتب وحسنها وعدم اعتدالها وقبحها والاثر يدل على المؤثر بالضرورة فلو كان هو الذات لدلا ( لدل خل ) عليها هذا خلاف وليس مرادي انها قائمة بالفعل قيام صدور ان الفعل مستقل في ذلك والذات معزولة عنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل كلما سواه سبحانه قائم به تعالى لكنه لا على وجه الصدور وحصول النسبة بين المصدر بكسر الدال والمصدر بفتحها كما بين الفعل والمفعول ومن المناسبة المصححة لصدور ذلك الاثر منه دون غيره الا ترى حركة اليد المتعلقة بالالف مثلا مستقيمة وبالجيم معوجة ففي ( وفي خل ) الحالة الاولى امتنع صدور الجيم وغيرها منها وفي الثانية امتنع صدور الالف وغيرها منها ولا كذلك نسبة الاشياء الى الذات الاقدس تعالى كما زعموا وفرعوا عليه انه لا يمكن ان يصدر من الواحد الا الواحد فلولا اعتقادهم وجود النسبة بين المؤثر بذاته والاثر لما امكن هذا القول ونحن نسبنا المفاعيل الى الفعل من حيث هذه النسبة والكثرة المستدعية للحدوث والامكان وقلنا ان قولهم لا بد ان يكون بين المفعول والفاعل مناسبة تصحح صدور ذلك المفعول الخاص دون غيره والا لصدر كل شيء عن كل شيء وهو بديهي البطلان وقولهم ان مباين الشيء لايصدر عنه اذ لا يعقل صدور الحرارة من الماء البارد والحرارة ( البرودة خل ) من النار وامثالها كله حق لكن المناسبة بين فعل الذات ومفعولها لا بينها وبينه واقمنا عليها براهين ليس هنا محل ذكرها ان لم تكتف بما ذكرنا واشرنا واما الذات الاقدس سبحانه وتعالى فهو محقق الحقايق ومذوت الذوات ومؤصل الاصول لكنه بلا نسبة مباينة ولا موافقة ولا مساوية ولا عامة ولا خاصة ولا مطلقة ولا مقيدة ولا جميع انحاء النسب لانها تستلزم الاثنينية اذ النسبة لا تكون الا بين الاثنين ولا تعقل في الواحد الا باعتبار الاثنين وما زاد بل هو سبحانه مقيم الاشياء بلا كيف ولا اشارة واما قيام الاشياء بالحقيقية المحمدية صلى الله عليه وآله بالقيام الركني ففيه اجمال لا بد من تفصيله وتوضيحه فانه قد اشتبه على جماعة ممن يدعون العلم حيث لميعرفوا المراد ولم ينظروا بنظر الانصاف والوداد فوقعوا في ما وقعوا اعاذنا الله منه وبيان هذا الاجمال هو ان القيام الركني في الحقيقة هو قيام جزء الشيء بالآخر وقيام الجزء بالكل وقيام الصورة بالمادة والماهية بالوجود وقيام الشيء الكل باجزائه ويستعمل ايضا ويراد به قيام المادة بالصورة وعلى كل حال يلزم من هذه العبارة في مقابلة القيام الصدوري ان يكون الحقيقة المقدسة ( المقدسة صلى الله عليه وآله مادة الاشياء خل ) كلها في الاستعمال الحقيقي او صورتها في الاستعمال الثاني وهذا القول لا ينطبق على مذاهب المسلمين الا على قول طايفة قالوا بوحدة الوجود لا بمعنى ان الوجود هو ذات الله سبحانه السارية في الاشياء كلها كما هو زعم طايفة عظيمة من الصوفية بل بمعنى ان فعله سبحانه واحد وهو الوجود المنبسط والوجود المطلق الساري في اطوار الكاينات وحقائق الموجودات وقالوا ان الحضرة المحمدية (ص) هو الفعل وفرعوا عليه هذا القول الشنيع والمذهب الفظيع ومن نظر الى هذا الكلام اي قيام الاشياء بالحقيقة المقدسة بالقيام الركني عرف ( وعرف خل ) المعنى المراد منه على مصطلحنا يذهب الى ان صاحب هذا القول هو صاحب ذلك المذهب كلا وحاشا وهذا القول في البطلان بمكان وليس المراد منه ما يترائى من ظاهر العبارة بل المقصود ان الله سبحانه وتعالى ( تعالى لما خل ) خلق محمدا وآله صلى الله عليه وعليهم تشعشعت انوارهم وتلألأت اشراقاتهم لقربهم من مبدئهم وملأت انوارهم الاكوار والادوار والاصقاع فخلق الله سبحانه من ذلك النور ومن نوره نور ومن نور نوره حقايق ساير الموجودات على تفاوت درجاتهم فحقايق الموجودات مادتها نورهم وصورتها اجابتهم على وفق المحبة وخلافها والاحاديث والاخبار في هذا المعنى تكاد تبلغ حد التواتر المعنوي لقولهم ( كقولهم خل ) عليهم السلام انما سموا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا ومدخول من في مقام الصنع والايجاد هو المادة كما هو المعلوم عند اهل اللسان كافة كقولك صنعت السرير من الخشب وصنعت الخاتم من الفضة ( فضة خل ) وامثالها ولما كان الشعاع عند المنير مضمحلا فانيا باطلا فلا يلحظ معه فينسب الى المنير ولذا قال الاستاد العلامة قدس الله نفسه الزكية ان الاشياء قائمة بالحقيقة المحمدية قيام ركن اي باشعتها واشراقاتها لا بذاتها وحقيقتها
فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فلنرجع الى جواب المسئلة فنقول ان الفعل ايضا تلاحظ فيه جهة المفعولية قطعا لانه حادث ( حادث قطعا وكل حادث خل ) مصنوع مفعول قد تعلق به الفعل فهو فيه لحاظان احدهما لحاظ فعليته وثانيهما لحاظ مفعوليته ولما كان المفعول يتعلق به الفعل وليس ثمة فعل آخر فكان مفعوليته بنفسه وفاعليته بنفسه والفعل الذي اوجده بنفسه وهو سبحانه اقامه بنفسه كما اقام غيره به كما قال مولينا الصادق عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فهو قائم بنفسه قيام صدور كقيام الاشياء به اي ليس فعل آخر يكون واسطة في صدوره كما كان بنفسه واسطة في صدور الاشياء عن الله تعالى فالفاعلية التي تعتبر فيها الفعل لنفس الفعل ليس الا الفعل نفسه لا شيء آخر فمدده بنفسه ( بنفسه اي امده الله سبحانه بنفسه خل ) لا بفعل آخر حتى يلزم التسلسل او الدور فقولك هل هو قائم بذاته ام بذات الله سبحانه جوابه انك ان اردت بالقيام القيام الرابطي والنسبي ( النسبي المعبر خل ) في الصدور بين الصادر وفعل المصدر فذلك بنفسه لا بفعل آخر لانقطاع الربط والنسبة في ذاته سبحانه ولذا قلنا في الفعل والمشية انه الكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي مثاله في الجملة السراج فان النار احدثت الاشعة والاضواء بالشعلة اي بمناسبة بينهما واحدثت نور الشعلة بنفسها لا بشعلة اخرى ( اخرى اي خل ) كما ان الاشعة منتسبة الى الشعلة في النور ليست الشعلة منتسبة الى غيرها في استمداد النور وان كانت متقومة بالنار بحيث اذا اعرضت عنها فنيت واضمحلت وبطلت وكذلك الفعل حادث ( حادث مفعول خل ) احدثه الله سبحانه واقامه بنفسه وامسكه بظله واقام الاشياء به وان اردت بالقيام انه متحقق موجود بالله سبحانه لا غناء له عنه فالفعل وغيره في هذا المعنى على حد سواء فكل شيء قائم به تعالى لا يستغني عنه شيء ابدا بحال من الاحوال لا بمعنى ان الاشياء قائمة بالفعل وهو مقومها ومحققها وساد فقرها والفعل قائم بالله سبحانه بل الاشياء كلها فعلا كان او ( وخل ) غيره قائمة بالله سبحانه بلا نسبة ولا ارتباط ولا كيف ولا اشارة ولا جهة ولا بقيام من احد القيامات الاربعة من الصدوري والركني والظهوري والعروضي بل على وجه ( وجه آخر خل ) لاتدركه الحواس ولا يناله القياس وكل من قال بالربط بين الحادث والقديم فقد خبط خبط عشواء فانه سبحانه وحده ليس معه شيء آخر تسمى ( يسمى خل ) بالربط فان لم يكن هذا المسمى عندهم بالربط في ذات الله سبحانه فلا ربط في القديم وان كان فقد وجد في القديم آخر او شيء ليس بقديم ولا حادث وهو قديم وحادث والالتزام به يشبه قول السوفسطائية فاذا بطل الربط والنسبة بين ذات القديم سبحانه وتعالى والحادث فلا فرق في تقوم الاشياء به تعالى بين الفعل وغيره فكلها قائمة به سبحانه بلا كيف ولا اشارة الا ان الموجودات حين انجعالاتها تختلف احوالها فمنها ما لا يحتاج في تقومه الا الى المبدء الفاعل ( الفاعل فحسب خل ) ومنها ما يحتاج الى غيره ايضا من شرط ومتمم ومكمل كاللون مثلا من حيث هو يحتاج في تحققه الى جوهر ومحل زائدا عن احتياجه الى الفاعل وليس ذلك من نقص في الفاعل وانما هو من جهة نفس اللون والعرض وليس هذا الاختلاف والتفاوت من جهة الاعيان الثابتة القديمة بل من جهة التقدم والتأخر في الجعل والانجعال ولا شك ان اول ما تعلق به الجعل لبطلان الطفرة في الغاية من الشرف والبساطة والاحاطة وذكرنا ما ( ذكر ما خل ) سواه فيه وكلما سواه يتعلق الجعل به به والا لتساويا فلم يكن لتعلق ( لمتعلق خل ) الجعل ( الجعل اولا خل ) نور وجمال واحاطة وشرافة فلم يكن الجاعل حكيما كاملا اذ لم يكن لمجعوله جمال ولجماله جمال وهكذا وهو خلاف مقتضى ظهور قدرة القادر المطلق فالمتقدم اولا الواحد المنبسط على غيره هو المسمى بالفعل وهو كالواحد للاعداد وكلما سواه مخلوق به ( به مجعول خل ) بواسطته ولا يمكن انجعاله الا به لا لاجل نسبة خاصة بين الله سبحانه وبين فعله ليست بينه وبين غيره فان النسبة هناك منتفية والرابطة ممتنعة والكل عنده سبحانه على حد سواء واليه الاشارة في الدعاء لا يشغله خلق شيء عن خلق شيء ولا علم شيء عن علم شيء فافهم راشدا واشرب صافيا
قال سلمه الله تعالى : وايضا حقق لي ان الاختلاف في الاجابة والانكار وظهور المراتب للوجود وتقدم بعضها على بعض هل هو بفعل الله سبحانه ام لا وعلى الثاني فالاشياء كانت شاعرة بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة قبل الكون والشعور لا يكون الا بعد الكون ام لا
اقول ان ظهور المراتب وتقدم بعضها على بعض وتحقق الاختلاف يكون على قسمين احدهما في السلسلة الطولية وهي المراتب الحاصلة بالاثرية والمؤثرية فان السافل اثر ومعلول وشعاع منفصل ( منفصل للعالي خل ) كالنور بالنسبة الى المنير من الشمس والسراج وامثالهما وكالقيام والقعود وساير الآثار الحاصلة من الشخص بواسطة حركته بالنسبة الى ذات الشخص وكالمرايا اي الصور المنطبعة عن الشاخص في الزجاجة والماء الصافي وامثالها بالنسبة الى الشاخص والاختلاف في هذه المراتب وامثالها في المادة وهو ليس بالاجابة والانكار الا بتأويل سبق الوجود وتأخره ولا يقع السؤال في هذا المقام عن علة تقدم السراج على شعاعه وتقدم الشخص على آثاره كقيامه وقعوده وكلامه وتقدم الشاخص على المرآة اي الصورة لان السؤال عن الترجيح انما يكون اذا امكن ان يكون احدهما في رتبة الآخر فيسئل حينئذ عن المرجح والحكمة اذا كان الفاعل المرجح حكيما واما اذا امتنع حلول كل منهما في رتبة الآخر فالسؤال عن وجه الرجحان قبيح لان الشعاع اذا فرض كونه عن ( في خل ) مقام السراج لميكن شعاعا وانما كان سراجا منيرا لا بد له من نور وشعاع والشعاع ( السراج خل ) اذا فرضته في مقام الشعاع لم يكن سراجا وانما كان نورا وشعاعا يحتاج الى السراج فلم يبق لاحدهما وجود اصلا اذا فرض كونه في رتبة الآخر فالكامل لا بد له من كمال وهو اثر فان خلقه الخالق من غير كمال كان نقصا في حكمة الايجاد فاذا خلقه كاملا فلا بد له من اثر فلا يمكن فرض كون الاثر في رتبة المؤثر فاذا امكن هذا السؤال امكن ان يسئل ان الحادث لم لم يكن قديما او القديم حادثا والجواب الجواب والكلام الكلام وهذا السؤال ساقط عن اصله ورأسه فالاختلاف في السلسلة الطولية في المادة وذلك بجعل الجاعل اي من مقتضياته لبطلان الطفرة ولزوم كون اول ما تعلق به الجعل لكونه المبدء له نور وشعاع وجمال فاذا فرضت هذا الشعاع والنور ( النور والشعاع خل ) اول متعلق الجعل كان هو المنير والمبدء فلا بد له من نور وشعاع وذلك ظاهر معلوم ان شاء الله تعالى وليس هذا هو الجبر فانه جعل ما امكن ان يكون شيئا بخلاف مقتضى ميله وشهوته وهذا لا يمكن ان يكون ( يكون ذلك الشيء خل ) بحال من الاحوال كامتناع كون الممكن قديما والماضي مستقبلا والذي وقع ان لا يقع وامثال ذلك وثانيهما في السلسلة العرضية وهي ما اذا كانت المادة واحدة والاختلاف في الصور وهنا يقع السؤال عن صيرورة حصة من مادة على صورة وهيئة مخصوصة دون ساير الصور مثل الحصة التي تصورت بصورة زيد لماذا ماتصورت بصورة عمرو مثلا ( مثلا وهكذا خل ) في كل متحد المادة والمقام ومختلف الصورة والهيئة فهنا محل السؤال والجواب ان علة الاختلاف الاجابة والانكار والتقدم في الاجابة والتأخر والمبادرة اليها وعدمها والاخلاص في الاجابة وعدمه والنفاق فيها و عدمه واختلافها في الظاهر والباطن والعرضي والذاتي وامثال ذلك وبيان هذا الاجمال بالعبارة الظاهرة انه سبحانه وتعالى خلق مادة واحدة في كل مرتبة على حسبها ( حسب مقامها خل ) وهي من جهة قربها الى المبدء بالنسبة الى صورها وهيئاتها فانها حدود واعراض تعرض تلك المادة كانت في الغاية من الشعور والادراك فهي من حيث وحدتها وبساطتها الاضافية عين الشعور والادراك ولكنها لا تلتفت الا الى بارئها ومبدئها ولا تتوجه الى غيره سبحانه وهي النفس التي من عرفها فقد عرف ربه لان معرفتها عبارة عن التوجه اليها وهي عين التوجه الى الله سبحانه فالتوجه اليها هو عين التوجه الى الله سبحانه ثم خلق الله سبحانه فيها ذكر الموجودات وصلاحية التصور بالصور والهيئات والحدود والجهات فنظرت اليها واشتغلت بها فتحصصت بتلك الجهات المذكورة واختلفت شهواتها وميولاتها واقتضاءاتها ثم لما دعاهم داعي الحق سبحانه بلسان نفسه بلسان انفسهم الست بربكم فمن مقدم في الاجابة بقوله بلى ومن مقدم فيها بقوله نعم فالاول استحق المقام في عليين والثاني استحق الهبوط الى السجين وقد اشار الامام عليه السلام الى تلك الاقتضاءات لقوله عليه السلام في جواب القائل كيف اجابوا وهم ذر جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا وهو تلك الشؤن والاقتضاءات الموجبة للاختيار والقبول والادبار فالذر هي تلك المادة المتحصصة بتلك الحدود والجهات في الصلوح والذكر القابلة لكل صورة وهيئة من صور السعادة والشقاوة والانسانية والشيطانية وهي في تلك الحالة شاعرة عالمة بتلك الاقتضاءات والمقتضيات وهي المصححة لتحقق الاختيار والاختبار واحداثها في عالم الكون لا بد منه لاقتضاء الفيض ذلك والتحقق في الكون لا بد له من صورة لها ( بها خل ) تتميز عما عداها واختلاف الصور معلوم لانه مأخوذ في حقيقتها فجعل الكل من نوع صورة واحدة ان كان على جهة الالجاء والجبر قبيح لايصدر عن الحكيم والاختلاف من دون داع ترجيح من غير ( بلا خل ) مرجح فاهلهم الله سبحانه للاختلاف واعطاهم قوة التميز واركز فيهم الاختيار واراهم ما يحبه الله سبحانه وما يكرهه من الحدود والصور والاعمال ومقتضياتها ثم كلفهم وقال الست بربكم فاختلفوا وهو قوله تعالى وكان الناس امة واحدة فاختلفوا في الاجابة والانكار فقدمهم الله تعالى واخرهم والبسهم صور طاعته ومعصيته بحقيقة ما هم اهله وهو قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وقوله تعالى يهديهم ربهم بايمانهم وقوله تعالى بكفرهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه الآية فتبين لك من هذا البيان التام ان التأهل والقابلية لاختلاف الاجابة والانكار بفعله سبحانه فلولا اهلهم سبحانه ماقدروا على شيء وحيث ما اهلهم الله سبحانه فليس هو الذي اوقعهم في الاجابة او ( وخل ) الانكار اي حتم عليهم احدي الصورتين وجبرهم عليها تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا واما تقدم بعضهم على بعض فهو بفعله سبحانه باختيارهم واقبالهم وادبارهم لا ابتداء حتى يلزم الجبر او الترجيح من غير مرجح وهم كانوا شاعرين بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة اذ لو لم يكونوا شاعرين امتنع ( لامتنع خل ) تكليفهم والخطاب عليهم فانه محال وقولكم والشعور لا يكون الا بعد الكون صحيح لا شك فيه الا ان الكون على قسمين كون اجمالي وهذا في المادة المطلقة الصالحة للسعادة والشقاوة قبل وقوع احدهما عليها كالخشبة الصالحة للصنم والسرير والباب والضريح وفي هذه المرتبة تحقق الشعور والادراك فحصلت الاجابة والانكار في الخلق الثاني بذلك الشعور واما قبل الكون بمعنى قبل الوجود مطلقا فهناك لا يصح لانه صفة الوجود فاذا فقد الموصوف فالصفة بطريق اولى نعم تحقق الشعور قبل الكون الثاني المعبر عنه بالخلق الثاني مقام التميز وتمام الامر والحكم بالسعادة والشقاوة فافهم وفقك الله تعالى لخير الدارين
قال سلمه الله تعالى : وارشدني الى عمل وذكر يورث فتح النور ورفع الشك والاوهام والخطورات القلبية لعل الله سبحانه يوفقني للعمل به والمواظبة عليه
اقول اعلم ان الذي يورث فتح النور ورفع الشكوك والاوهام هو الاخلاص المسبب للاعتصام بحبل آل محمد صلى الله عليه وعليهم والتمسك بهم والانقطاع اليهم والاعراض عما عداهم واعتقاد ان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم وعنهم ومنهم وعندهم وان الخير لهم ومعهم وفيهم وهم معدنه ومأويه وميراث النبوة عندهم واياب الخلق اليهم وحسابهم عليهم فتكثر الصلوة عليهم في آناء ليلك واطراف نهارك فان من صلى عليهم مرة صلى الله عليه في الف صف من الملئكة طول كل صف ما بين المشرق والمغرب وتعرض عن كل شيء لا ينسب اليهم من كل شيء فاذا كنت هكذا فتح الله مسامع قلبك للخير والرشد ويدفع عنك كل شك وشبهة فان الظنون والشكوك والشبهات ليست منهم ولا يرجع اليهم صلى الله عليهم وانما هي من شؤن اعدائهم ومعاكيسهم في عالم الظلال فاذا استشرق قلبك بنورهم وقابلت مرآة قابليتك الى جنابهم فتذهب بنورهم كل الظلمات وترفع كل الشكوك والشبهات وكن دائم الفكر في هذا العالم فهناك يؤثر كل ذكر تذكر الله به ويفعل كل اسم تدعو الله سبحانه به فتكون حينئذ كالسراج تضيء نفسك وغيرك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته