رسالة في جواب عبد الله بيك - ۱ (صفات واسماء الله، جبر وتفويض...)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب عبد الله بيك

عن تسع عشرة مسألة حكمية

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين

اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الجاني كاظم بن قاسم الحسيني ان الاخ السديد والولي الرشيد الزكي اللوذعي واللبيب الالمعي الموفق بتأييد الله تعالى عبد الله ‌بيك ابن المكرم المعظم المقدم المفخم نصر الله‌ بيك وفقه الله لمراضيه وجعل مستقبل حاله خيرا من ماضيه وامده بما يحبه ويرضيه قد اتى بمسائل عويصة جليلة صعبة المنال وبعيدة الوصال وهي بعدد قوى الواحد من قوله عز وجل قل انما اعظكم بواحدة وقد جرى ذلك منه على مقتضى الفطرة الطيبة والطبيعة الصافية واراد من الفقير جوابها وكشف نقابها وانا في غاية الاشتغال وتبلبل البال وتعارض الاحوال ولكنه لما كان اهلا للجواب وطالبا للحق والرشد والصواب اجبت مسئوله ولكني متعذر من بسط المقال وشرح حقيقة الحال لما انا فيه من غاية الكلال والملال وآت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الاولى - ما التوحيد وادلته ومراتبه واركانه

اقول اعلم انه سئل مولينا الصادق عليه السلم عن التوحيد بعبارة مختصرة قال عليه السلم التوحيد الا تتوهمه انتهى

ومعنى التوحيد ان تنزهه سبحانه عن كل شيء مستقل سواه وترى كل ما سواه آثار افعاله وظهورات صفاته كما ترى زيدا مع صفاته وافعاله واحواله من قيامه وقعوده وحركاته وسكناته وتجد كل هذه الافعال فانية باطلة مضمحلة عند ذات زيد ولا قوام لها الا بها وكذلك ( كذا خ‌ل ) الموجودات والكائنات والمكونات والامكانات كلها بالنسبة الى فعله تعالى نسبة قيامك الى فعلك فلا تذكر معه كما اني اذا سئلتك من في البيت تقول زيد ولا تقول زيد مع قعوده وحركته وكلامه وساير احواله لانها لا تجتمع ( لا تجمع خ‌ل ) معه حتى تذكر عند ذكره وكذلك الخلق مع الله سبحانه فهو سبحانه واحد ابدا ولا يذكر الخلق معه في رتبة ذاته ولا عند ظهور افعاله بل الخلق في مقامات الاثر واني هو مع المؤثر واين الثريا من يد المتناول واين التراب ورب الارباب

واما ادلة التوحيد فهي ( فهو خ‌ل ) موجودة في الآفاق ( الافعال خ‌ل ) وفي انفس الخلايق بل لا تجد ذرة من ذرات الوجود الا وهي ناطقة له بالتوحيد والتفريد كما قال مولينا الصادق عليه السلم :

فوا عجبا كيف يعصى الالهام كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد

واما دليل المجادلة بالتي هي احسن كما هو مراد جنابك فاعلم انه لو كان اله آخر لوجب ان يكون في الازل اذ لا واسطة بين الازل والامكان فاذا جعلت الازل ظرفا يشملهما ويسعهما فكان محيطا بهما وكان اوسع من كل منهما وكل ما هو محيط على شيء واوسع من شيء فلا شك انه اشرف واعظم من ذلك الشيء فاذا ثبتت ( ثبت خ‌ل ) الاشرفية للاعلى بطلت الالوهية لهما فلا يكونا ( فلا يكونان خ‌ل ) الهين لوجود ما هو اشرف منهما واوسع منهما

فان قلت : ليسا في الازل فكانا في الامكان

فان قلت : ان الازل عين حقيقة واحد منهما فتفرد بالازلية فيكون الآخر حادثا في الامكان

وان قلت : ان الازل هو عين حقيقتهما

قلت : بماذا افترقا

فان قلت : بنفس الازلية

قلت : يلزم ان يكون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك وفيه تناقض بين لانهما اذا كانا متمايزين بالذات فلا معنى للقول بالاشتراك في الازلية ولا يكون هذا التمايز الذاتي الا ان يكون احدهما فاقدا للازلية فيكون الفاقد ممكنا حادثا والواجد هو ربا قديما

وان كان كلاهما واجدين للازلية فثبت الاشتراك فان فرضت الاثنينية والتمايز فيجب ان يكون التمايز بامر آخر فيكون كل منهما مركبا من جهة الاشتراك ومن جهة الامتياز والتركيب نقص لانه موقوف على الاجزاء ومحتاج اليها فاذا كان محتاجا فيضطر الى آخر يسد فقره ويغني حاجته فلو كان ذلك ايضا مركبا لاحتاج الى آخر فثبت ان الغني الذي يسد فقر كل فقير يجب ان لا يكون مركبا فاذا بطل التركيب بطلت الاثنينية لانها مستلزمة له لا محالة فاذا ( اذا خ‌ل ) فرضتهما في رتبة واحدة

واما اذا كانا في رتبتين كالواجب والممكن فلا يلزم التركيب اذ امتياز كل واحد ( منهما خ‌ل ) بنفس ذاته ومعنى ذلك انه لا اشتراك هناك حتى يحتاج الى التمييز وقد اشتهر عندهم ما لا جنس له لا فصل له وذلك معلوم بين ان شاء الله تعالى

ثم ان طلب الدليل على التوحيد عند فرض تصور الشريك والا لكان الطلب غير معقول بالضرورة واني للممكن وتصور الواجب سيما على جهة الامتياز لان كل شيء لا يدرك ما وراء ذاته وحقيقته فلا يدرك الاعلى منه الا بالآية والدليل وآية العلة حقيقة ذات المعلول من حيث هي وذات كل شيء من حيث هي واحدة وحدة حقيقية فلا يتوجه بها الا الى الواحد وليست في ذاته جهة اخرى حتى يدرك بها القديم الآخر ويميزه فاذا بطل ادراك الاله الآخر وتصوره بطل الاستدلال على نفيه لان نفي الشيء فرع ادراك فرض ثبوته وهو في هذا المقام فرع تعدد حقيقة ذات كل شيء لان ادراك الواجب لا يكون الا بوجه منه وذلك لا يكون في المراتب السافلة فوجب ان يكون في اعلى المراتب وليس اعلى من مقام ذات الشيء مقام ولا مرتبة فيكون ذلك وجها للواجب وآية ودليلا لمعرفته حيث امتنعت معرفة كنه حقيقته تعالى فيتوجه اليه تعالى بذلك الوجه فلو كان اله آخر لوجب ان يكون في الحقيقة والذات تعدد ذاتي ليكون كل وجها لمبدئه فيدركه به ولا تعدد في الذات لانك تجد نفسك وتلاحظها مع قطع النظر عن جميع الكثرات والاضافات والقرانات فلو كانت ذاتك متعددة للزم ان لا يمكن لك ادراك الوحدة لان المدارك كلها ظهورات الحقيقة والذات وشئوناتها واطوارها وهي انزل رتبة منها فاذا امتنعت الوحدة في الذات التي هي اعلى المقامات ففي المقامات السافلة بالطريق الاولى فيجب ان لا يدرك الوحدة ابدا ولا يمكن لاحد ان يقول انا وانما يجب ان يقول نحن لما في ذاته من التعدد واللوازم كلها باطلة بالضرورة فبطل ادراك القديم الآخر بكل جهة فبطل طلب الدليل عليه اصلا في الحقيقة

وقول اهل المنطق في تعريف الكلي والجزئي ان الكلي ما لا يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة فيه

والجزئي ما يمنع نفس تصوره عن وقوعها

وقالوا انما قيدنا نفس التصور لدخول مفهوم الواجب في الكلي وخروجه عن الجزئي لان مفهوم الواجب لا يمنع وقوع الشركة فيه من حيث نفسه وانما يمنع بدليل خارج

قالوا ولولا ذلك لما احتاج احد الى اثبات التوحيد وهذا القول فاسد لان المفهوم المدعي لا يخلو اما ان يكون مطابقا للمصداق ام لا والثاني لم يكن مفهوما ولا فائدة في الكلام فيه والاول فهل عدم منعه عن الشركة صدق او كذب فان كان صدقا كيف يبطله الدليل الخارجي وان كان كذبا فهو

فان ( وان خ‌ل ) قيل ان الدليل يمنع عن تحقق الافراد غير الفرد الواحد الذي هو الحق سبحانه فالواجب حقيقة كلية تصلح لافراد غير متناهية ولكنها امتنعت الا الواحد فطلب الدليل لاجل صلوح المفهوم الكلي لكثرة الافراد والدليل يكشف عما الواقع عليه قلت اذا جعلت الحق ( جعلته خ‌ل ) سبحانه فردا من مفهوم الواجب ولا شك ان الفرد مركب من الكلي والقيد الخارجي بالضرورة فكان الحق سبحانه على زعمهم مركبا فقد خرجوا على زعمهم من كثرة الافراد ودخلوا في كثرة التركيب

فان قيل ان تركيب الحق سبحانه عما به الاشتراك وما به الامتياز تركيب عقلي وهو يصح على الله كما ذهب اليه جماعة من اهل الاسلام

قلت ان مناط استحالة التركيب على الله تعالى لزوم الفقر والحاجة الى الاجزاء وهو في الحالتين ثابت الا ان تقول ان التركيب في الذهن والعقل والخارج ليس فيه تركيب فانا نقول قد كان قولك هذا ونسبته الى الله تعالى حينئذ كذبا فيكون هذا المفهوم باطلا كما اني فلا تركيب في الواجب فان ما تصورته غير الواجب الحق الذي مرادنا فوقع تصورك وفهمك على غير المراد فان كان على المراد فلزم ما ذكرنا فبطل ما كانوا يعملون

واما الاحتياج الى الاستدلال في التوحيد على الظاهر فليس كما توهموا من اقتضاء مفهوم الواجب اياه وانما هو مكنسة لغبار الاوهام فان الوهم المشوب بخلط ظلمة المعصية والادبار عن الله سبحانه يصور شيئا ممكنا ذا حدود واعراض ويسميه شريكا لله سبحانه افكا والحادا كما انهم صنعوا الاصنام على صور شتى وسموها شركاء لله تعالى وهذا التصور الباطل لما كان يفسد عليهم امرهم في توجههم واقبالهم وسير حقايقهم وكينوناتهم قيل لهم لا اله الا الله ولا شريك له

وذكروا بعض الادلة اذهابا لتلك الواهمة وازالة لذلك الغبار والا فكيف يمكن التصور والادراك لان شريك الله يجب ان يكون جامعا لصفات القدس فوجب ان لا يكون له صورة ولا كم ولا كيف ولا جهة ولا حد ولا اقتران والا لكان محدودا مركبا حادثا وليس ( فليس خ‌ل ) في التصور الا الصورة فكيف يمكن ان يكون تلك الصورة صورة الشريك لله سبحانه فاذا نظروا الى العين التي لا كيف فيها ولا حد ولا صورة ولا جهة فهناك يرتفع التمايز وتبطل الكثرة فلا يشاهد الا الوحدة ( الواحد خ‌ل ) فاين ادراك الشريك ولذا تجد اهل المعرفة والصديقين المخلصين لا يحتاجون الى الدليل ولا يطلبونه بوجه من الوجوه حتى يؤل امرهم الى ان لا يشاهدوا في الوجود سواه كما قال مولينا الحسين روحي فداءه وعليه السلم في الدعاء كيف يستدل عليك ( عليه خ‌ل ) بما هو في وجوده مفتقر اليك ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا الدعاء فافهم وفقك الله لما يحب ويرضى

واما مراتب التوحيد فاعلم انها من حيث نفس التوحيد اربعة وهي

توحيد الذات كما قال تعالى لا تتخذوا الهين اثنين وانما هو اله واحد

وتوحيد الصفات كما قال تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

وتوحيد العبادة كما قال عز وجل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا

وتوحيد الافعال كما قال عز وجل قل الله خالق كل شيء وقال تعالى اروني ماذا خلقوا في الارض

ومن حيث الموحد بكسر الحاء اثنتان

احديهما التوحيد الذاتي وهو توحيد الله سبحانه نفسه لنفسه بنفسه كما قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو وهذا التوحيد لا يتيسر لاحد من المخلوقين وفي هذا المقام قالوا ما عرفناك حق معرفتك انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك

والثانية التوحيد الصفاتي وهو توجه الخلق الى توحيده سبحانه ومعرفته بظهور آياته وصفاته كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق

فكل الخلق يتوجهون الى الله سبحانه بما تعرف لهم به اي بما وصف نفسه لهم اذ لا تمكنهم معرفة ذاته تعالى على الحقيقة فيجب ان يعرفهم نفسه بوصفه لهم اياها فلولا ذلك الوصف لا يمكن لاحد ان يعرفه تعالى كما قال سيد الساجدين عليه السلم بك عرفتك وانت دللتني عليك ولولا انت لم ادر ما انت

ومعنى ان الله عز وجل وصف نفسه لهم انه تعالى خلق فيهم صفة معرفته وهيكل توحيده بحيث اذا عرفوا تلك الصفة عرفوا الله سبحانه بمقدار ما ظهر لهم مما يمكن في حقيقة ذاتهم والخلق كلهم يتوجهون الى الله عز وجل ويوحدونه بتلك الصفة المودعة في حقايقهم وهو قول امير المؤمنين عليه السلم بل تجلى لها بها وبها امتنع منها ولذلك سمينا توحيد المخلوقين بالتوحيد الصفاتي

وهذا التوحيد على اربع مراتب بحسب مراتب الشخص في وقوفه في العوالم

المرتبة الاولى توحيد العوام اهل التقليد الذين لا يعرفون الا الرسم والاسم لا الحقيقة ويسمى توحيدهم توحيد العبادة حيث ظهر لهم الحق بصفة المعبودية وصدقوا الانبياء والرسل والكتب وآمنوا بمضمون ما قالوا من غير ان يذوقوا بقلوبهم ويدركوا بسرائرهم وكينوناتهم

والثانية توحيد العوام ايضا لكنهم في مقام اعلى وهم الذين عرفوا الاثر واستدلوا به على المؤثر فكان استدلالهم انيا ويسمى ذلك التوحيد بتوحيد الذات لعدم خصوصية صفة خاصة واسم خاص كالاولى وهذا شأن المتكلمين والحكماء المشائين والرواقيين

والثالثة توحيد الخواص وهم كما قال امير المؤمنين عليه السلم ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه

وهؤلاء يستدلون على الاثر بالمؤثر ودليلهم في معرفة الاشياء وحقايق الموجودات كلها لمي ويرون الحق سبحانه اظهر من كل شيء بل لا يرون ظهورا الا ظهوره ولا يشاهدون نورا الا نوره كما قال عليه السلم في الدعاء ولا يسمع فيه ( فيها خ‌ل ) صوت الا صوتك ولا يرى فيه ( فيها خ‌ل ) نور الا نورك وهذا التوحيد يسمى بالتوحيد الشهودي وهو شأن اهل القلوب في ( وخ‌ل ) الاشراقيين والربانيين

والرابعة توحيد الخصيصين وهم اخص الخواص وهم الذين عرفوا الله بالله فنسوا انفسهم ونسوا غيرهم ولم يجدوا ولم ينظروا الا الى الله صانعهم وبارئهم ودكوا جبل انيتهم وهو المسمى بالتوحيد الحقيقي وهو شأن اولي الافئدة من الحكماء الالهيين

وتلك المراتب الاربع الاول تلحظ في هذه المراتب فتحصل ستة ‌عشر مرتبة وهذا المجموع يلحظ في ثمانية مراتب مرتبة الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ومرتبة الانبياء ومرتبة الانسان ومرتبة الجن ومرتبة الملك ومرتبة الحيوان ومرتبة النبات ومرتبة الجماد والحاصل من ضرب المراتب الستة ‌عشرة مع الثمانية هو كليات مراتب التوحيد

ولها مراتب اخر لا يسع الوقت لبيانها وقد شرحت هذه المراتب بما لا مزيد عليه في تفسيرنا على آية الكرسي ومن ارادها مفصلا فليطلب هناك عند بيان قوله تعالى لا اله الا هو

واما اركان التوحيد فهم قصبة الياقوت اي محمد وآله الطاهرون عليه وعليهم السلم

وانما كانوا اركانا للتوحيد لان التوحيد لا يتحقق الا بهم وفيهم وعنهم لانهم عليهم السلم آيات الله العظمى التي اراها الله في الآفاق وفي انفس الخلايق كما قال الصادق عليه السلم واي آية اراها الله في الآفاق وفي انفس الخلايق غيرنا

وقال امير المؤمنين عليه السلم واي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وهم معاني صفاته تعالى كما قال الباقر عليه السلم عن عليّ عليه السلم نحن معاني الله ونحن علمه ونحن حكمه ونحن حقه الحديث

وهم ابواب الله الى خلقه وابواب خلقه الى الله كما قال عليه السلم في الزيارة من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم الزيارة وهم عليهم السلم حملة علمه ومفاتيح غيبه وخزان سره وحفظة امره ونهيه فلا يظهر التوحيد للخلق الا بهم (ع) ولا يصدر الا عنهم ولا يتحقق الا فيهم وسنزيدك بيانا ان شاء الله تعالى فيما بعد

قال ايده الله تعالى : المسئلة الثانية - ما معنى الصفات الذاتية والفعلية

اقول اعلم ان المراد من الصفة ( بالصفة خ‌ل ) في هذا المقام هو الكمال والكمال المطلق للشيء هو ذاته لا غيره اذ كل ما سوى ذاته ليس له غاية الكمال واصله وينبوعه ومنشائه الوحدة والبساطة وكل ما سوى الوحدة والبساطة نقصان لرتبة الذات فتكون الكثرة والتعدد والاختلاف من لواحق الآثار والشئونات والاطوار لان الكثرة والوحدة بينهما تضاد فلا تجتمعان ( فلا يجتمعان خ‌ل ) لان الكثرة علامة الحدوث والامكان والوحدة آية القديم فيستحيل فرض اجتماعهما في رتبة واحدة فلا كثير الا الممكن ولا واحد الا القديم الازلي او آية القديم فعلى هذا فمقتضى الكمال المطلق القديم ان يكون احدي الذات واحدي المعنى والكثرة والتعدد هناك نقص يستحيل فرض تحققها هناك

فالصفات ان اريد بها الجمع والتعدد يمتنع ان تكون في ذات الحق القديم تعالى وتقدس ولذا قال مولينا امير المؤمنين عليه السلم كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث انتهى

وان اريد بها الوحدة بلا فرض المغايرة والمخالفة لا في المفهوم ولا في المصداق لا في الوهم ولا في الخارج ولا في نفس الامر فصحيح

وانما يراد بها الذات البحت الكامل المطلق الذي لا نقص فيه بوجه وقد علمت ان الكمال المطلق في حق الواجب سبحانه هو الوحدة المطلقة الغير المشوبة بشيء من شوب الكثرة وخلط التعدد ولو بالفرض والاعتبار

ومعنى الصفة الذاتية ليس الا الكمال المطلق الذي هو عين الذات يعني هو الذات من غير فرض المغايرة بوجه ولكن لما كان الكامل المطلق له آثار وافعال وانوار وتلك الآثار مختلفة اختلفت ظهورات ذلك الكمال المطلق بحسب اختلاف الآثار فكل اثر منبئ عن صفة وتلك الصفة انما امتاز عن غيرها في رتبة الاثر لا في ذات المؤثر لكن هذا الانباء على قسمين انباء عن اتصاف الذات بها يعني ان ذلك الاثر يحكي عن اتصاف الذات بها لا من حيث تلك الصفة الظاهرة في الاثر فانها صفة رسم وحدوث ولا من حيث التعدد والتكثر فانه انما كان في الحدوث والكثرة في رتبة الاثر بل من جهة الوحدة لكن لا من حيث جهة تخالف ( يخالف خ‌ل ) جهة الذات بل من حيث انها عين الذات

وعين الصفة الاخرى لما قلنا لك ان امتياز الصفات انما كان من جهة المتعلق لا من جهة اصل الصفة التي هي الكمال المطلق مثلا اذا رأيت زيدا في مرايا متعددة مختلفة بحسب الالوان والاحوال ترى امثلة مختلفة وتلتفت بتلك الامثال ( الامثلة خ‌ل ) والصفات الى زيد الخارجي المقابل وتصف زيدا بتلك الاوصاف لكن لا من جهة ان تلك الاوصاف الظاهرة في المرايا هي الموجودة في المقابل ولا ان المقابل مقترن بها ولا انه مختلف متكثر بتكثر المرايا واختلافها في الالوان وساير الصفات فتحكم على زيد بتلك الصفات منزها له عنها وعالما بانها انما اختلفت في المرايا لا في اصل الذات

وكذلك حين تقول الله عالم وقادر لا تلتفت بهما الا الى الذات الواحدة وتعلم ان العلم والقدرة انما امتاز بحسب المتعلق اي المعلوم والمقدور وتعلم ايضا بان هذا العلم الظاهر في المعلوم والقدرة الظاهرة في المقدور ليسا هو الذات البحت والا اختلفت الذات وجاءت ( جاء خ‌ل ) الكثرة فيما تمتنع فيه

وانما العلم هو عين القدرة وهما عين الذات والمتعلق هو الظهور وكذلك حكم ساير الصفات وهذا القسم من الصفة ليس منحصرا في الثمانية كما زعموا وتوهموا ان الصفات الثبوتية ثمانية وانما هي كل صفة يصح اثباتها لله سبحانه ولا يجوز سلبها واثبات نقيضها له عز وجل فكما تقول انه عالم ولا تقول انه جاهل وانه قادر ولا تقول انه عاجز وانه حي ولا تقول انه ميت وامثالها من الصفات الكمالية التي تثبتها ولا يصح اثبات ضدها ونقيضها

ولتكن على بصيرة على انها تثبت للذات عز وجل لا من جهة ملاحظة الخصوصيات والاعتبارات بل تثبت باعتبار ان كل واحد منها عين الآخر لا من جهة ان هناك امتياز ليكون احدهما عين الآخر ولا ان هذه الصفات الاضافية الرابطية المتعلقة عينه تعالى والا لزم ان يكون الله عز وجل امرا اضافيا نسبيا وقد اجمع المسلمون على بطلانه ولا ان مدلول قولك الله عالم ان ( اي خ‌ل ) هذه القضية الحملية التي فيها موضوع ومحمول ونسبة حكمية وحكم ثابت في ذات الله عز وجل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

ولا ان هذا الحمل من باب الحمل المتعارف كما ذكرنا ولا الحمل الغير المتعارف كما في حمل الشيء على نفسه فان في الحمل لا بد فيه من المغايرة ولو بالفرض والاعتبار ولا يصح الحمل من غير فرض ( غيره بفرض خ‌ل ) المغايرة مطلقا سواء كان مفيدا ام لا ولا ان مفهوم هذه الصفات متغايرة والمصداق واحد فان هذا القول مزخرف فاسد فان المفهوم اذا كان مخالفا للمصداق لم يكن ذلك مصداقا له فاذن فالقدرة المتعلقة بالمقدور والسمع المتعلق بالمسموع والبصر المتعلق بالمبصر والعلم المتعلق بالمعلوم ليس عين الذات وانما هو ظهورات افعاله وشئونات آثاره اذ لا ربط للاشياء مع الذات القديمة والا لكانت الذات حادثة والاشياء قديمة لان المنتسبين مهما لم يكونا في رتبة واحدة استحالت النسبة لانها تعدم في رتبة احديهما ( احدهما خ‌ل ) ولا تزال كذلك فاين الارتباط وذلك ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد

ومثال ما ذكرنا هو ان السراج حقيقة واحدة ثابتة مستقلة نوره عين ذاته وهو ذاته بلا فرض المغايرة فاذا لم يكن جسم كثيف كان السراج نورا ولا مستنيرا ( منيرا ونيرا ولا منيرا خ‌ل ) لان وجود النور في السراج لا يشترط ان يكون هنا مستنيرا فاذا وجد ( وقع خ‌ل ) المستنير وقع نور السراج عليه

ولا شك ان هذا الواقع على المستنير من جدار وغيره ليس عين النور الذي هو حقيقة ذات السراج وانما هو اثره لكنه مثاله وصفته للمستنير

وذات السراج منزه عن الجدار وعن النور الواقع عليه وهذا معنى ما قال امامنا ومولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلم على ما في الكافي كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر فلما وجدت الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والقدرة على المقدور وهذا معنى بعض الحديث

ولا شك ان هذا الواقع ليس هو عين الذات والا لاختلفت ( لاختلف خ‌ل ) حالتاه

والقسم الآخر هو ان الآثار تنبئ عن الصفات الكمالية المنسوبة الى المبدء لكن فيها اقتران وارتباط ونسبة والاقتران والنسبة والارتباط تستلزم الكثرة فحيث امتنعت الكثرات بكل الجهات في الذات البحت البات تعين ان تكون تلك الصفات للفعل على انها تثبت مرة وتنفي اخرى وتثبت الضد اخرى وما هذا شأنه يمتنع ان يكون في الذات القديمة الازلية فتكون تلك الصفات ثابتة للفعل وذلك كالمشية والارادة كما تقول سافعل كذا ان شاء الله وان اراد الله

وقولك هذا دليل على انه لم يشأ ولم يرد كما قال تعالى وما تشاءون الا ان يشاء الله ولم يرد الله ان يطهر قلوبهم للتقوى

وقد قال مولينا الرضا عليه السلم كما في التوحيد ان المشية والارادة من صفات الافعال فمن ( ومن خ‌ل ) زعم ان الله لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد وكذلك ساير الصفات كالخالق والرازق والمحيي والمميت وامثالها مما تثبت وتنفى

وهذه الصفات كلها للفعل ولكن لما كان الفعل مضمحلا عند الذات وفانيا باطلا لديها ما نسبت اليه الا في مقام العلم والا فهي منسوبة الى الله سبحانه لكن على المعنى الذي ذكرنا واوضحنا

ثم اعلم ان الصفات على ثلثة اقسام

احدها صفات القدس وهي صفات لا تعتبر في مفهومها الانتساب الى الغير والارتباط بالآخر كالقدوس والسبحان والعزيز وامثال ذلك

وثانيها صفات الاضافة وهي التي تعتبر في مفهومها النسبة والارتباط والاضافة الى الغير كالعلم والقدرة والسمع والبصر وامثالها ( امثال ذلك خ‌ل )

وثالثها صفات الخلق وهي التي لها اقتران بالخلق وتعلق كوني وجودي به كالخالق والرازق والمحيي والمميت وامثالها فصفات القدس هي ذات الله عز وجل على المعنى الذي ذكرنا وصفات الاضافة مهما اعتبرت فيها النسبة والاضافة فهي من صفات الافعال كالعلم المتعلق والقدرة المتعلقة وامثالها واذا قطعت النظر عن النسبة والاضافة فهي عين الذات كالعلم اذ لا معلوم والقدرة اذ لا مقدور والسمع اذ لا مسموع والبصر اذ لا مبصر وغير ذلك فافهم واما صفات الخلق فهي حادثة خارجة عن حقيقة الذات البحت سبحانه وتعالى وانما هي اسماء في رتبة الفعل والخلق والاثر والفعل وصفاته حادثة والذات وصفاتها قديمة تدبر فيما ذكرت طويلا فتجد صحوا بلا غبار وشربا بلا اكدار وفقك الله لما يحب ويرضى

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثالثة - ما اسماء الله واقسامها

اقول قد قال مولينا امير المؤمنين عليه السلم الاسم ما انبأ عن المسمى الحديث والصفة هي الاسم كما قال مولانا الرضا عليه السلم الاسم صفة لموصوف فكل صفة اسم وبالعكس والاسم هو المنبئ عن الشيء مطلقا ذاتا كان او صفة لفظا كان او معنى فعلى هذا يتضح لك ان الاسماء على قسمين اسماء لفظية واسماء معنوية لان الانباء كما يكون باللفظ يكون بالمعنى فنور الشمس اسم لها لدلالته عليها والدخان اسم للنار كذلك

ولما كان الخلق كلهم اجمعون بما هم فيه من ذات وصفة دالة على الله سبحانه باكمل الدلالة واوضحها بحيث لا دلالة اعظم منها اذ ما عرف الله سبحانه الا بظهوره في الخلق اي بايجاده لهم واحداثه اياهم كانت الموجودات كلها اسماء لله عز وجل وصفات له فعلية فلا تجد الا ذاتا واحدة وهو الواجب القديم تعالى وتقدس وكل ما سواه اسماءه وصفاته كما قال الرضا عليه السلم ليس شيء الا الله واسمائه وصفاته وهذا على معاني التوحيد الصفاتي بان لا يرى الموحد ذاتا لها صفات غير الله حتى يكون بذلك مشركا بل لا يرى الا ذاتا واحدة وكلما سواه من الذوات والصفات والقرانات والاضافات كلها صفات واسماء دالة عليه ومنبئة عنه فكما تدل الاسماء اللفظية على الله سبحانه كالاسم ( كاسم خ‌ل ) الله والرازق وامثالهما مع انها مخلوقة كذلك حقايق المخلوقات كلها دالة على وجوده سبحانه وعلمه وقدرته وحيوته وسمعه فتكون اسماء له تعالى ولذا قالوا عليهم السلم نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها

وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلم السلام على اسم الله الرضي ونور وجهه المضيئ الا ان الاشياء لما كانت مختلفة في العلو والسفل والشرافة والكثافة والنورانية والظلمانية والاجمال والتفصيل والسعة والاحاطة والضيق وامثالها من الاحوال كانت مختلفة ايضا في الدلالة على الله سبحانه وعظمته وجلاله اذ لا شك ان الصنع كلما كان اتقن واحكم كان ظهور جلالة الصانع وكماله فيه اعظم واكثر فكلما يكون الخلق اوسع احاطة واعظم نورا كانت الدلالة اتم فتختلف في الاسمية واليه الاشارة في دعاء سحر في شهر رمضان اللهم اني اسئلك من اسمائك باكبرها وكل اسمائك كبيرة

ولما كان محمد وآله صلى الله عليهم اشرف الخلق وافضل الخلق واصل الخلق ومبدء الخلق فيكونون هم اشرف الاسماء واعظمها واجلها واكبرها فهم المثل الاعلى والدعوة الحسنى واليهم الاشارة بما في الدعاء بعد كل ركعتين من نافلة الليل وباسمائك الحسنى وامثالك العليا ونعمك التي لا تحصى وباكرم اسمائك عليك واحبها اليك واقربها منك وسيلة واشرفها عندك منزلة واجزلها لديك ثوابا واسرعها في الامور اجابة وباسمك المكنون المخزون الاكبر الاعز الاجل الذي تحبه وتهواه الدعاء

فالاسماء الحسنى هم الائمة عليهم السلم من الاسماء المعنوية واكبر الاسماء واعظمها هو مولينا امير المؤمنين عليه السلم

والاسم المكنون المخزون هو رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ملاحظة ما ورد انهم عليهم السلم الاسماء الحسنى ولا تستغرب من ذلك فكما ان الواضع سبحانه وتعالى الف هذه الحروف اي الاسماء من الحروف الهجاء الثمانية والعشرين وركبها وربط بعضها ببعض حتى حصلت من تلك الهيئة التأليفية الدلالة على الله سبحانه وتعالى وصفاته واحواله

ولا شك ان الحروف اضعف تحققا واقل دلالة من الذوات فكذلك الحق سبحانه الف وركب حقيقة الخلق وماهيتهم وكينونتهم وربط بعضها ببعض حتى حصلت من ذلك التأليف الخاص المحكم المتقن الدلالة على التوحيد وعلى ساير المراتب والمقامات الحقية الواجبية

وتلك الخلقة والهيئة هي الفطرة المذكورة في اخبار الائمة الاطهار عليهم السلم كما في قولهم كل مولود ولد على الفطرة ولكن ابواه يهودانه وينصرانه وفي بعض الروايات ويمجسانه

وفي القرآن فطرة الله التي فطر الناس عليها

وقد عقد الصدوق (ره) بابا في كتابه التوحيد ان الفطرة هي التوحيد

فمعنى ان الله خلقهم على الفطرة انه تعالى خلقهم على هيئة تأليف وتركيب تدل على تلك الهيئة على توحيد الله سبحانه كما دلت هيئة تلك الكلمات والالفاظ مثل الحي القيوم وامثالهما على كماله تعالى وتوحيده من غير فرق

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الرابعة - في ان الموضوع له للاسماء الالهية ما هو

اقول ان الاسماء اللفظية لا شك انها حادثة فقبل حدوثها هل كان ذات الله سبحانه مسمى بهذه الاسماء ام لا

فان قلت بلى فهو يحتمل وجهين احدهما انه كان مسمى بها بالفعل

والثاني انه لم يكن مسمى بالفعل ولكن من شأنه ذلك وهو ايضا مسمى بالذكر والصلوح

ولا شك في امتناع اختيار الوجه الاول لانه كذب صريح وكذلك الثاني لانه يستلزم ان لا يكون كل ما لذات الله سبحانه فعليا حاضرا عنده فتكون له حالة الانتظار لانه قبل الاسم يصلح ويمكن ان يكون مسمى بعد وضع الاسم له فبعد ما وضع يكون ذلك الصلوح والامكان بالفعل

وفرض الامكان في الوجوب مما ياباه اولوا الاحلام والعقول فوجب ان لا يكون مسمى قبل وضع الاسم له وقد اتفقت آراء العقلاء واهل اللغة على ان المشتق لا يصدق قبل تحقق المبدء ووجوده وان اختلفوا في اشتراط بقائه عند الصدق وعدمه ولذا قالوا ان اسم الفاعل والمفعول بمعنى المضارع والمستقبل مجاز ولو صح ذلك لجاز ( لصح خ‌ل ) ان يقال لمن لا يزني الزاني ومن لم يسرق السارق ومن لم يظلم الظالم ومن لم يصل المصلي وعلى هذا ينسد باب الكذب وهذا مما ياباه كل ذي عقل سليم وطبع مستقيم وعلى هذا فلم يكن الله مسمى قبل وضع الاسم وحدوثه

فاذا قلت انه تعالى بعد ما وضع له الاسم كان مسمى في ذاته فتثبت له حالتان حالة لم يكن فيها مسمى وهي ( هو خ‌ل ) قبل الوضع وحالة كان مسمى وهي بعد الوضع واختلاف الحالات دليل الحدوث قال امير المؤمنين عليه السلم لم تسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا ومع ذلك يلزم ان يكون الاثر مؤثرا في ذات الله عز وجل فان تغيير الاسم ووضعه ليس لمجرد اللفظ وحده وانما اختلاف الاسماء يدل على حصول تغير في الذات المسمى

فاذا قلت ان ذات الله سبحانه لم يكن مسمى قبل الوضع ثم كان مسمى بعد الوضع

فان قلت ان حالته الاولى هي حالته الثانية بعينها من غير فرق

قلت اذن فلا معنى لنفي كونه مسميا قبل الاسم واثباته بعده فيجب اما ان يكون اثبات مطلق او نفي كذلك

فان قلت بالفرق بين الحالتين قلت ذلك لا يكون الا بتجديد امر في الذات حتى يحصل الفرق وذلك الامر ليس بقديم والا لم يتخلف فيكون حادثا فكان ذات الله محلا للحوادث ثم ان الحادث لا بد له من علة وعلة ذلك الامر لا يصح ان يكون هي الذات من حيث هي والا لم يتأخر اذ لا مانع له مع وجود المقتضى فيكون امرا خارجا عن حقيقة الذات يكون مقتضيا لذلك التغير في الذات حتى صار مقتضيا لتغيير الاسم وتجديده

ومرادي بهذا الاسم هو كونه مسمى وليس هنا امر يقتضي ذلك الا نفس وضع الاسم واحداث اللفظ الخاص على الهيئة الخاصة فكان الاثر مؤثرا في ذات المؤثر وهو في البطلان بمكان فبطل ان يكون الاسم اللفظي موضوعا للذات الاقدس سبحانه وتعالى اي اسم كان من غير استثناء

وايضا قد ثبت عندنا وعند العارفين كما نبين ان شاء الله تعالى ان بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية يعني ان بين كل لفظ ومع معناه نسبة بها تخصص ذلك اللفظ لذلك المعنى دون غيره وهي علة الوضع الخاص فلو فرض وضع الاسم للذات الاقدس لزم مناسبة القديم مع الممكن وذلك باطل اذ لا يناسب القديم الا الوحدة المحضة والغني المطلق الغير المشوب بشيء من الفقر

ولا يناسب الممكن الا الكثرة المحضة ولذا اجمعوا و( بل خ‌ل ) اتفقوا على ان كل ممكن زوج تركيبي والفقر المطلق كما قال تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني ولا منزلة بين الفقر المطلق والغني المطلق والا لكان منزلة بين الواجب والممكن وذلك يستلزم ان لا يكون الشيء مخلوقا بذاته حين كونه مخلوقا بذاته والضرورة قاضية ببطلانه فاذا بطلت النسبة بطل وضع الاسم للذات الاقدس سبحانه وتعالى

وايضا قد اتفق العقلاء على ان الاكوان الاربعة التي هي الحركة والسكون والاقتران والافتراق علامة الحدوث ودلت عليه الادلة العقلية والنقلية

ولا شك ان بين الموضوع والموضوع له ارتباط واقتران ولولا ذلك لامتنعت الدلالة وقد اتفقوا على هذا الارتباط الذي هو الاقتران وان اختلفوا في ان هذا الارتباط انما حصل بمجرد وضع الواضع او للمناسبة الواقعية فاذا كان الموضوع له هو ذات الله سبحانه لزم اقتران القديم بالحادث قال امير المؤمنين عليه السلم وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فاذا بطل الاقتران بطل الوضع لان الوضع ليس الا جعل الواضع للموضوع له قرينا مع الموضوع وبالعكس حتى تؤثر تلك المقارنة الدلالة على الموضوع له وذلك ظاهر مع ان الاسم صفة للمسمى وقال امير المؤمنين عليه السلم لشهادة كل الصفة والموصوف بالاقتران ( بالاقتران وشهادة الاقتران خ‌ل ) الخ

وايضا قد اتفقت كلمتهم ان وضع الاسماء والالفاظ انما هي لاجل المعرفة والافادة والاستفادة ولا شك ان المعرفة لا تتعلق بالذات البحت من حيث هي هي وانما تتعلق بجهة ظهوراته في آثاره وافعاله وساير احواله فلا فائدة اذن للوضع للذات اذ امتنعت معرفتها وافادتها واستفادتها

فان قلت فعلى هذا يكون الموضوع له هو الذات من جهة ظهورها في الاعتبار

قلت فحينئذ فالموضوع له بسيط او مركب ومعنى البسيط ان يكون الموضوع له هو الذات وحدها مع قطع النظر عن الظهور فيكون الموضوع له هو الذات من حيث هو هو وذلك خلاف المفروض

ومعنى المركب ان تكون الذات مع ملاحظة الظهور فالمجموع المركب هو الموضوع له وحينئذ فهل هذا الظهور الذي جعلتموه مع الذات في رتبة واحدة وجزء آخر للموضوع له هو عين الذات ام غيره فان كان هو عين الذات بطل التركيب ورجع الكلام الى الاول وان كان غير الذات فهل هو حادث ام قديم فان كان قديما تعدد القدماء وقد بينا في المسئلة الاولى ما يدل على بطلانه

وان كان حادثا فيلزم تركب الشيء من الحادث والقديم وذلك باطل لان الحادث معدوم في رتبة القديم فكيف يجتمع معه في رتبته حتى يكون المتحصل من الامرين امرا وحدانيا وهذا لا يمكن الا عند اجتماع الامرين في صقع واحد حتى يتحقق بينهما النسبة والارتباط فاذا عدم احدهما في رتبة الآخر تبطل النسبة فيفقد التركيب ويلزم ايضا ان يكون ذات الله حينئذ مركبا ضرورة ان التركيب لا يتحقق الا بامور اربعة ذات الاجزاء ونسبة احدهما الى الآخر ولذا قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين ولم يقل فردين والزوجان اربعة فاذا ثبت بالدليل القطعي ان ذات الله سبحانه لا يصح ان يكون لها من حيث هو اسم مطلقا سواء كان لفظيا او معنويا ظهر لك ان الموضوع له للاسماء هي الظهورات الخاصة المتعلقة بالتعلقات لان الاسم للظاهر وليس الا بالظهور وليس الظهور الا نفس الامر ( الاثر خ‌ل )

والظهور على قسمين ظهور عام وظهور خاص فالعام هو المسمى بالاسم العام والخاص هو المسمى بالاسم الخاص

فزيد اسم للظهور العام الكلي الساري في كل الظهورات والاحوال فاذا ظهر بالكتابة مثلا قلت كاتب واذا ظهر بالقيام قلت قائم واذا ظهر بالقعود قلت قاعد وهكذا ساير الصفات والاسماء وكل ذلك انما حصل حين الظهور والتعلق فقبل الظهور والتعلق انقطع الاسم والرسم والدلالة التي هي مفاد الاسم انما هي حين الظهور والتعلق كما هو المعلوم البين

فالقيام ( فالقائم خ‌ل ) حينئذ اسم لظهور زيد بالقيام وليس اسما لذاته والا لم يكن القائم صفة بل كان مسمى والقيام صفة

ولا شك ان القيام ليس صفة لزيد والا لصح التوصيف به ولا يجوز ان تقول ( يقال خ‌ل ) زيد قيام وانما يقال زيد قائم فالقائم هو مثال زيد وظهوره بالقيام لا ذات زيد نعم لا فرق بينه وبين زيد في التعريف والتعرف والمعرفة فمن عرف القيام ( القائم خ‌ل ) عرف زيدا

ولا شك ان حقيقة القائم صفة زيد وظهوره لا ذاته ولذا قال النحاة في المشتقات انها اسم الفاعل واسم المفعول ولم يقولوا اسم الذات فان الفاعل ليس في رتبة الذات لانه ليس من الصفات الذاتية وانما هو في رتبة الفعل من حيث ظهور الذات لا نفس الذات

ولما كان الظهور ليس ذاتا كان مقامه مقام الفعل والخلق اذ لا واسطة بين الذات والفعل ولذا ترى الائمة عليهم السلم يعبرون عن مثل هذه الاسماء بالاسماء الافعال لان الظهور منحصر في رتبة الفعل لكن لا من حيث هو فعل بل من حيث الدلالة على الذات ولذا ترى اسم الفاعل كالضارب لا يدل الا على الذات مع ان الفعل عامل فيه ومقوم له ومقدم عليه وليس هذا العمل والتقدم ( التقديم خ‌ل ) لمجرد اللفظ وحده بل باعتبار مناسبات حقيقية واشارات غيبية معنوية من نوع ما اشرنا اليه فالذي وضعت الاسماء الالهية كلها له انما هو تلك الظهورات المتحققة في رتبة الفعل وتلك الظهورات هي المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان كما في دعاء رجب عن الحجة عليه السلم وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك

فان قلت فعلى هذا كانت الاسماء كلها للافعال فما معنى الصفات الذاتية اذن

قلت الفرق حينئذ فيما يراد من الالفاظ والاسماء لان الذات البحت القديمة سبحانه وتعالى لما كانت لا تدرك لذاتها فانما تتوجه اليها بآياتها وعلاماتها فتلتفت اليها مع قطع النظر عن تلك الآيات في نفسها كما اني ما اذا اردت ان اخاطبك اقول يا قائم مثلا ولا اريد حين الخطاب ظهورك بالقيام ولا يخطر ببالي ذلك ابدا وانما اتوجه الى ذاتك واقصدها

وانما جعلت هذه اللفظة الدالة بالوضع على صفة من صفاتك وصلة ودليلا عليك وحدك اذ لا يمكنني الوصول الى ذاتك من حيث هي

فالمقصود من قولي يا قائم انما هو الذات وحدها وان لم يكن اللفظ موضوعا لها ولكن لما كان ( كانت خ‌ل ) موضوعا للصفة وهي باطلة مضمحلة عند ظهور الذات فالتفت باللفظ وبالاسم الى الذات التي قد غيبت كل الصفات من غير ملاحظتي لمدلول ( مدلول خ‌ل ) اللفظ الذي هو تلك الصفة كما انك حين ما تنظر الى المرآة تلتفت الى المقابل الخارجي ولا تلتفت الى المرآة ولا الى خصوص الصورة بحدودها وهيئتها واعوجاجها واستقامتها

ولا يخطر ببالك حين الاستدلال على المقابل هذه الامور ابدا مع انك لا تنظر الا الى المرآة ولا تجد سواها ولا تصل غيرها ولكن من جهة انها صفة للغير ومثال له فغيب ذلك الغير بظهوره اياها فالناظر حين ظهور ذلك الغير وارادة مشاهدته لا يلتفت الى نفس المرآة بوجه من الوجوه فكذلك القائم لا يدل الا على صفة زيد وظهوره بالقيام ولكن لما كان الصفة مضمحلة عند الذات وانما هي سبيل وآية ودليل عليها تلفت اليها مع قطع النظر عن خصوص مدلول اللفظ الذي هو الصفة فافهم هذا البيان المردد بالفهم المسدد

فاذا نظرنا في الاسماء والالفاظ بهذا النظر قلنا انها الاسماء الذاتية وصفاتها مع قطع النظر عن الخصوصيات الاسمائية والصفاتية كما ذكرنا في المسئلة المتقدمة

فان قلت فعلى هذا كانت الاسماء كلها ذاتية فما معنى تقسيمها الى الذاتية والفعلية

قلت نعم اذا نظرت في الاسماء كلها وما قصدت منها خصوصيات التعلقات ( التعلقات ولا المتعلقات خ‌ل ) والاضافات والقرانات بل جعلتها آية ودليلا لمعرفة الذات والتوجه اليها من طريق الاسماء والصفات كما قال عليه السلم واسمائه تعبير وصفاته تفهيم وذاته احقاقه وكنهه تفريق بينه وبين خلقه الحديث رواه الصدوق في التوحيد والعيون

واما التقسيم فذلك من جهة الملاحظات اذ قد تطلق ويراد بها خصوص المدلولات الوضعية في مقام الاضافة والارتباط والتعلق فحينئذ هي الصفات الفعلية الحادثة المتحققة في مقام الفعل والارادة وليست هي من الصفات الذاتية كما اذا قلت عالم واردت به العلم الاضافي النسبي المتعلق بالاشياء المنطبقة عليها ضرورة وجوب تطابق العلم مع المعلوم وكذلك القدرة المتعلقة الواقعة فان ذلك يستحيل ان يجعل حينئذ من الصفات الذاتية لان التعلق والاقتران من صفات الحدوث وسمات الممكن فلا يجري عليه ما هو اجراه

فاذا قطعت النظر عن الاقتران والتعلق والارادة والارتباط وتوجهت الى صرف الذات مع قطع النظر عن التعلقات فحينئذ يقال انها اسم للذات اي هي المقصودة منها وان لم تكن موضوعة بازائها كما ذكرت لك من قولك يا قائم وارادتك للذات مع قطع النظر عن الهيئة الخاصة التي هي الصفة وهي الموضوع له اللفظ

فعلى ما ذكرنا لك تبين ان المسمى يطلق على معنيين مرة يطلق ويراد منه المقصود والمراد من الاسم لا الموضوع له والمدلول عليه وهذا يطلق عليه سبحانه كما في الحديث من عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد المسمى والاسم فقد اشرك ومن عبد المسمى دون الاسم وفي رواية بايقاع الاسماء عليه فذلك التوحيد

فالمسمى في هذا المقام يراد به ما يقصد من الاسم والمراد منه وهو الله سبحانه اذ لا تصح العبادة الا له تعالى وليس المراد منه الموضوع له اللفظ فان القول به كفر وزندقة كما سمعت

ومرة يطلق المسمى ويراد به المدلول والموضوع له وهذا لا يصح ان يطلق على الله سبحانه ولذا نفاه الامام عليه السلم كما في الكافي الى ان قال عليه السلم ان الله ليس المسمى ( بمسمي خ‌ل ) الحديث اي بمقترن وموضوع له وهذا اقصى ما يعبر عنه في هذا المقام في ظاهر المقال

واما مقامات الباطن وشرح حقيقة الاحوال من جهة الحقيقة فذلك مما يجب كتمانه الا عن اهله وما هذا شأنه فلا يسطر في الكتاب والدفاتر وانما تخزن في الضماير فلو شافهتني وفقك الله لمراضيه بعد ما اتقنت ما زبرت في هذه الكلمات ربما تحظى بالنصيب الاوفى من الرقيب والمعلى والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الخامسة - ما معنى ظهور آيات الله تبارك وتعالى في ائمة الهدى عليهم الصلوة والسلام

اقول اعلم ان الله عز وجل لما كان صمدا ازليا لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء ولا يحيط به شيء ولما كان الممكن في مقام الامكان والفقر لا يصل الى القديم سبحانه وهو لتعالي ذاته المقدسة لا ينزل الى الامكان امتنع ادراك معرفة الذات سبحانه لان الشيء لا يتجاوز ما وراء مبدئه وذاته لانه هناك ليس بشيء فكل احواله من ادراكاته ومدركاته وصفاته وتوصيفاته كلها في مقام ذاته وما تحتها من المقامات والمراتب من الاحكام التفصيلية

ولما كانت الغاية في ايجاد الاكوان والاعيان هي معرفته تعالى كما قال في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وقال عز وجل وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون والعبادة ثمرة المعرفة التي هي ثمرة المحبة او بالعكس وكلاهما يصح وقد عرفت استحالة معرفة الذات الاقدس وجب عليه سبحانه ان يعرف نفسه للخلق ويصف لهم توحيده واسمائه وصفاته وما اراد منهم مما يرقيهم الى غاياتهم ومراتبهم المقصودة من ايجادهم والا لزم ان يكون الخلق قد خلق عبثا وترك سدى فلا تتم حكمة الايجاد وهو سبحانه حكيم عليم فوصف سبحانه نفسه للخلق وعرفها اياهم وعلى الله قصد السبيل بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك وقال امير المؤمنين عليه السلم في الدعاء يا من دل على ذاته بذاته

ولما كان لله الحجة البالغة فوصف الله سبحانه يجب ان يكون اوضح واجلى ما يمكن في الايجاد في عالم الامكان لئلا يكون للناس على الله حجة وليجري سبحانه وتعالى فعله على اكمل الاستقامة

والوصف والبيان ينحصر في امرين

احدهما الوصف الحالي الشهودي العياني

وثانيهما الوصف المقالي الحاصل بالالفاظ والعبارات والوصف الحالي هو الوصف بالامثال والصفات لا بالمقال والعبارات ولا يستريب عاقل ان الوصف الحالي اجلى واوضح من الوصف المقالي فيجب ان يصف الله سبحانه توحيده وصفاته واسمائه وخلقه لخلقه بالتوصيف الحالي اي يخلق لهم ادلتها وامثلتها وصفاتها

ولما كان الوصف كلما يكون اقرب الى من وصف له لئلا يحول بينهما حائل احسن واولى وليس شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه فجعل سبحانه انفس الخلايق وحقايقهم صفة ( صفة لصفة خ‌ل ) لجميع ما اراد منهم ان يعرفوه فحقايق الخلايق صفة توحيده واسمائه وافعاله واحكامه وجميع ما يريد منهم بحيث اذا عرفوا انفسهم على كمال ما ينبغي فقد عرف ربهم لانه سبحانه تعرف لهم بهم وتجلى لهم بهم فحقيقتهم آية معرفة الله سبحانه ودليل توحيده وهو قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقول النبي صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقول امير المؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه وقول مولينا الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث

وتلك الخلقة على النمط المذكور هي الفطرة التي فطر الناس عليها وقد قالوا عليهم السلم كل مولود ولد على الفطرة ولكن ابواه يهودانه وينصرانه

وقد عقد الصدوق (ره) بابا في التوحيد ان المراد من الفطرة هي التوحيد واورد احاديث كثيرة عديدة على ذلك وذكرها يؤدي الى التطويل ومن ارادها فليطلب ذلك الكتاب المستطاب فاذا فهمت ما ذكرنا علمت ان كل شيء قد فطر على التوحيد ففي كل شيء حينئذ ظهور آيات الله سبحانه كما قال مولينا الحسين عليه السلم في دعاء عرفة على ما رواه في الاقبال والمصباح وغيرهما من الكتب المعتبرة تعرفت الى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فانت الظاهر في كل شيء بكل شيء

واما ائمتنا الطاهرون وساداتنا المعصومون سلام الله عليهم فهم اعلى مظاهر تلك الآيات واعلى تلك الامثال بل هم مظاهر تلك الآيات والعلامات وساير الخلق مظاهرهم فمظاهر المظاهر مظاهر لان الله سبحانه خلقهم في حجاب العظمة والقدس ولم يكن هناك خلق فقد تحملوا عن الله سبحانه في العالم الاول جميع المعارف والظهورات ومراتب التوحيد فحكوا المثال على الحقيقة كما قال الله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن والعبد المؤمن هو رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك حيث استخلصه الله في القدم على سائر الامم وانتجبه آمرا وناهيا واقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار كما قاله ( قال خ‌ل ) عليّ عليه السلم على ما رواه الشيخ في المصباح في خطبة عليّ ( خطبته خ‌ل ) عليه السلم يوم الغدير ويوم الجمعة

فلما خلق الله الخلق من شعاع انوارهم وظهورات آثارهم فوصل الى الخلق بواسطة ذلك الشعاع نور ما عندهم عليهم السلم من سر التوحيد والمعرفة والاسماء والصفات فما عندهم عليهم السلم الظهور الاولي الاصلي والتوحيد الحقيقي الامكاني وما عند غيرهم ظهور الظهور ومثل المثل بضم ( بفتح خ‌ل ) الميم والثاء المثلثة بل هم آيات الله سبحانه في ساير الخلق لان ما سواهم من فاضل شعاعهم فلا يحكون الا نورهم عليهم السلم ولا يصلون في اعلا مقاماتهم الا الى ظهورهم كالشعاع فانه لا حظ له الا معرفة نور السراج فيجعله دليلا للنار الموجدة للسراج فالنار الغايبة في السراج مثال فيض الله سبحانه فيهم عليهم السلم والسراج مثال حقيقتهم في هذا المقام والاشعة مثال ساير الخلق من المؤمنين فاذا تأملت وجدت ان الشعاع مايصل الا الى نور السراج لا الى ذات السراج فلا يصل الى النار بالطريق الاولي والسراج لا يصل الى حقيقة النار ابدا لكن علمه بالنار وظهورها له اعلى واعظم مما عند الشعاع بل لا نسبة بينهما فالشعاع وان كان يحكي النار ويتوجه اليها لكنه ( ولكن خ‌ل ) مايصل الا الى السراج في مقامات ظهوره لا في مقام ذاته فعلى هذا فاجمع بين قوله صلى الله عليه وآله ما عرفناك حق معرفتك وقوله صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت وقوله عليه السلم اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وقول مولانا الصادق عليه السلم اي آية اراها الله سبحانه في الآفاق وفي انفس الخلايق غيرنا انتهى

فاعلم من ذلك ان الخلق مثل المثل واسم الاسم وصفة الصفة وظهور الظهور وهم عليهم السلم الاصل وما عداهم فروع واشعة واظلة قال عليه السلم انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا فافهم

والله سبحانه ما ظهر للخلق وما ظهرت آياته الا بهم عليهم السلم فهم اركان التوحيد

وفي دعاء رجب فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت وقال الجواد عليه السلم في الزيارة لابيه عليهما السلم السلم على اقبال الدنيا وسعودها ومن سئل عن كلمة التوحيد فقال انا والله من شروطها السلم على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات وفي هذا المقام غرايب من المعرفة يضيق الصدر باظهارها ولا يضيق بكتمانها كما قال الشاعر :

ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين

يقولون خبرنا وانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين

والسلم

وفيما ذكرت جواب جميع ما سئلت على جهة الوضوح

قال سلمه الله تعالى : المسئلة السادسة - فسر لنا بعض الرموزات الحرفية

اقول اعلم ان الحروف عالم مثل عالم الذوات وفيها جميع ما في العالم من الاحوال والاوضاع والقرانات والطبايع والصفات وساير الامور وها انا انبئك ما يجمع الكل فان بيان الكل على جهة التفصيل يؤدي الى التطويل ولا يمكن الاستقصاء ايضا اذ لا نهاية لاحوالها ولا غاية لاطوارها فمن وصل الى بعض الرمز فاز بالكنز

فاعلم ان الله سبحانه لما خلق الذوات وكينونات الحقايق في مقام التفاصيل ( التفصيل خ‌ل ) جعل لكل ذات صفة ولكل معنى صورة والحروف صفات الذوات وحاملة آثارها وترجمان احكامها ومرآة شئوناتها فلولاها لم تظهر صفات الذوات واحكام الكينونات الغيبية في عالم الشهادة بل في كل عالم لان الحروف لها مراتب اذ لا تنحصر في الالفاظ الحسية الجسمانية او النقشية بل لها مراتب اربعة فعددية وفكرية ولفظية ورقمية

فالعددية هي القوى المستجنة في كل حرف

والفكرية هي الحروف الغيبية المجردة فبرزخية مثالية ونفسية ملكوتية وروحية رقايقية وعقلية معنوية

واللفظية هي المؤلفة المقطعة من الهواء المصاغة بالضغط والقرع والقلع

والرقمية هي الصور المكتوبة المنقوشة

ولكل منها احكام وآثار يترتب عليها

ولما كانت الصفة على طبق الموصوف وكانت مراتب الذوات ثمانية وعشرين تقررت الحروف ايضا على ثمانية وعشرين حرفا فبازاء كل رتبة ( مرتبة خ‌ل ) حرف لوجوب المناسبة والمرابطة بين الصفة والموصوف ولما كان كل مرتبة لها جهات ثلثة جهة الى صرف مبدئه فهو حينئذ صرف اسم مبدئه لما ذكرنا سابقا من جهة كونها صرف الدلالة عليه

وجهة كونه اثرا للمبدء ومتلقيا الفيض من المبدء وجهة صرف الانية والماهية المظلمة المدلهمة فالجهة العليا نور محض وخير بحت من جهة الاضافة

والجهة الثانية لما كانت مشوبة بالعليا والسفلى فما قربت الى العليا قوية فيها جهة النور وما بعدت عنها قويت فيها جهة الظلمة

واما الجهة السفلى فهي منكسة الرأس بعيدة عن الخير والنور والسرور والحبور ظهرت الحروف على هذه الجهات الثلثة

فاول المراتب في الوجه الاعلى للعالم هو اسم الله البديع فبازائه الالف من الحروف التي هي الاعلى واولها في الجهة الوسطى العقل وبازائه الالف ايضا في الوجه الاوسط واولها في الوجه الاسفل الشر المحض الجهل الكلي وبازائه الالف المنكوسة هكذا صورتها 46

وثاني المراتب في الوجه الاعلى الباعث وبازائه الباء من الحروف في الوجه الاعلى وثانيها في الوجه الاوسط النفس الكلية وبازائها الباء في الاوسط وثانيها في الوجه الاسفل الباطل الثرى وبازائها الباء المنكوسة هكذا 36

وثالث المراتب في الاعلى اسم الله الباطن وبازائه الجيم في الاعلى وثالثها في الاوسط الطبيعة وبازائها الجيم في الاوسط وثالثها في الوجه الاسفل الباطل الطمطام وبازائها ( بازائه خ‌ل ) الجيم المنكوسة 25

ورابع المراتب في الاعلى اسم الله الآخر وبازائه الدال في الاعلى ورابعها في الاوسط المادة الكلية جوهر الهباء وبازائها الدال في الاوسط ورابعها في الاسفل الباطل الفاسد جهنم في الطبقات السبعة وبازائها الدال المنكوسة هكذا 42

وخامس المراتب في الاعلى اسم الله الظاهر وبازائها الهاء في الاعلى وخامسها في الاوسط مثال شكل الكل وبازائها الهاء في الاوسط وخامسها في الاسفل الباطل ريح العقيم وبازائها الهاء المنكوسة هكذا 74

وسادس المراتب في الاعلى اسم الله الحكيم وبازائها الواو في الاعلى وسادسها في الاوسط جسم الكل وبازائها الواو في الاوسط وسادسها في الاسفل البحر ( المجرة خ‌ل ) وبازائها الواو المنكوسة هكذا 34

وسابع المراتب اسم الله المحيط وبازائها الزاء في الاعلى وسابعها في الاوسط العرش محدد الجهات وبازائها الزاء في الاوسط وسابعها في الاسفل الحوت وبازائها الزاء المنكوسة هكذا 26

وثامن المراتب في الاعلى اسم الله الشكور وبازائها الحاء في الاعلى وثامنها في الاوسط الكرسي وبازائها الحاء في الاوسط وثامنها في الاسفل الباطل الثور وبازائها الحاء المنكوسة 87

وتاسع المراتب في الاعلى اسم الله الغني وبازائها الطاء في الاعلى وتاسعها في الاوسط فلك البروج وبازائها الطاء في الاوسط وتاسعها في الاسفل الصخرة وبازائها الطاء المنكوسة هكذا 30

وعاشر المراتب اسم الله المقتدر وبازائها الياء في الاعلى وعاشرها في الاوسط فلك المنازل وبازائها الياء في الاوسط وعاشرها في الاسفل بهموت وبازائها الياء المنكوسة 8

وحادي ‌عشر المراتب اسم الله الرب وبازائها الكاف في الاعلى وحادي‌عشرها في الاوسط فلك زحل وبازائها الكاف في الاوسط وحادي ‌عشرها في الاسفل الباطل ارض الشقاوة وبازائها الكاف المنكوسة 10

وثاني‌ عشر المراتب في الاعلى اسم الله العليم وبازائها اللام في الاعلى وثاني ‌عشرها في الاوسط فلك المشتري وبازائها اللام في الاوسط وثاني‌عشرها في الاسفل ارض الالحاد وبازائها اللام المنكوسة 84

وثالث ‌عشر المراتب في الاعلى اسم الله القاهر وبازائها الميم في الاعلى وثالث ‌عشرها في الاوسط فلك المريخ وبازائها الميم في الاوسط وثالث ‌عشرها في الاسفل ارض الطغيان وبازائها الميم المنكوسة 41

ورابع ‌عشر المراتب اسم الله النور وبازائها النون في الاعلى ورابع ‌عشرها في الاوسط فلك الشمس وبازائها النون في الاوسط ورابع‌ عشرها في الاسفل ارض الشهوة وبازائها النون المنكوسة 103

وخامس ‌عشر المراتب في الاعلى اسم الله المصور وبازائها السين في الاعلى وخامس ‌عشرها في الاوسط فلك الزهرة وبازائها السين في الاوسط وخامس ‌عشرها في الاسفل ارض الطبع وبازائها السين المنكوسة 108

وسادس‌عشر المراتب في الاعلى اسم الله المحصي وبازائها العين في الاعلى وسادس‌ عشرها في الاوسط فلك عطارد وبازائها العين في الاوسط وسادس ‌عشرها في الاسفل الباطل ارض العادات وبازائها العين المنكوسة 31

وسابع ‌عشر المراتب في الاعلى اسم الله المبين وبازائها الفاء في الاعلى وسابع ‌عشرها في الاوسط فلك القمر وبازائها الفاء في الاوسط وسابع ‌عشرها في الاسفل الباطل ارض الممات وبازائها الفاء المنكوسة 86

وثامن‌ عشر المراتب في الاعلى اسم الله القابض وبازائها الصاد في الاعلى وثامن ‌عشرها في الاوسط كرة النار وبازائها الصاد في الاوسط وثامن ‌عشرها في الاسفل الباطل كمثل القلب وبازائها الصاد المنكوسة 24

وتاسع ‌عشر المراتب في الاعلى اسم الله الحي وبازائها القاف في الاعلى وتاسع ‌عشرها في الاوسط كرة الهواء وبازائها القاف في الاوسط وتاسع ‌عشرها في الاسفل الباطل السموم وبازائها القاف المنكوسة 115

والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله المحيي وبازائها الراء في الاعلى والعشرون منها في الاوسط كرة الماء وبازائها الراء في الاوسط والعشرون منها في الاسفل الباطل بحر الاجاج المالح وبازائها الراء المنكوسة 17

والحادي والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله المميت وبازائها الشين في الاعلى والحادي والعشرون منها في الاوسط كرة الارض وبازائها الشين في الاوسط والحادي والعشرون منها في الاسفل الباطل ارض السبخة وبازائها الشين المنكوسة 7

والثاني والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله العزيز وبازائها التاء في الاعلى والثاني والعشرون منها في الاوسط المعدن وبازائها التاء في الاوسط والثاني والعشرون منها في الاسفل الحجارة والحديد وبازائها التاء المنكوسة 51

والثالث والعشرون من المراتب اسم الله الرازق وبازائها الثاء في الاعلى والثالث والعشرون منها في الاوسط النبات وبازائها الثاء في الاوسط والثالث والعشرون منها في الاسفل النبات المر وبازائها الثاء المنكوسة 82

والرابع والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله المذل وبازائها الخاء المعجمة في الاعلى والرابع والعشرون منها في الاوسط الحيوان وبازائها الخاء المعجمة في الاوسط والرابع والعشرون منها في الاسفل المسوخ وبازائها الخاء المنكوسة 49

والخامس والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله القوي وبازائها الذال في الاعلى والخامس والعشرون منها في الاوسط الملك وبازائها الذال في الاوسط والخامس والعشرون منها في الاسفل الشياطين وبازائها الذال المنكوسة 110

والسادس والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله اللطيف وبازائها الضاد في الاعلى والسادس والعشرون منها في الاوسط الجن وبازائها الضاد في الاوسط والسادس والعشرون منها في الاسفل شياطين الجن وبازائها الضاد المنكوسة 81

والسابع والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله الجامع وبازائها الظاء في الاعلى والسابع والعشرون منها في الاوسط الانسان وبازائها الظاء في الاوسط والسابع والعشرون منها في الاسفل شياطين الانس وبازائها 107 الظاء المنكوسة

والثامن والعشرون من المراتب في الاعلى اسم الله رفيع الدرجات والثامن والعشرون منها في الاوسط الجامع عليه السلم وبازائها الغين في الاوسط والثامن والعشرون منها في الاسفل ابليس لعنه الله تعالى وبازائها الغين المنكوسة 99

فهذه هي مراتب الموجودات وبازاء كل موجود في كل مرتبة حرف تؤثر تأثيره وتعمل عمله وتفعل فعله اذا قدرت بالميزان الطبيعي فكل حرف بازائها الخواص المختصة بكل مرتبة فيشار بها اليها فكما ان العوالم والمراتب الغير المتناهية انما حصلت من قرانات هذه المراتب بعضها مع بعض كذلك اللغات والاوضاع

والكلمات الغير المتناهية انما حصلت من قرانات هذه الحروف بعضها مع بعض وهذا الذي ذكرت لك مفتاح كل مشكل والله الهادي الى الصواب وبه يظهر اسرار السنة والكتاب

واعلم ان في الحروف حروف متحابية وحروف متصادقة وحروف فكرية وحروف رقمية وحروف متواخية ومفردة وصامتة وناطقة وظاهرة وباطنة ومتصلة ومنفصلة وخاصة وعامة وروحانية وجسمانية وعلوية وسفلية وجمالية وجلالية وليلية ونهارية وغربية وشرقية وشمالية وجنوبية وثابتة وساقطة ومتحركة وساكنة وبسيطة ومركبة ومذكرة ومؤنثة وشمسية وقمرية وعقلية وحسية وغالبة ومغلوبة وسعدية ونحسية وفاتحة وخاتمة ووترية وشفعية ولطيفة وكثيفة وحيوانية ونباتية ومعدنية ونارية وهوائية ومائية وترابية

فاما المتحابية : ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق وعدتها ٢٠ وكل حرف لها نتايج وبسايط وقد يطلق عليها المتصادقة

واما المتصادقة فهي حروف : ا ه‍ ط م ف ش ذ مع حروف : ب وي ن ص ت ( ت ص خ‌ل ) ظ وحروف : ج ز ك س ق ث ض

واما المتعادية فهي الاحرف الاول مع : د ح ل ع ر خ غ والاحرف الثانية مع الاحرف الثالثة فتدبر

واما الحروف الفكرية فهي التي تكون في حديث النفس في اختراع امر من الامور الكلية وتجمعها ( يجمعها خ‌ل ) الثلثة والثلثون حرفا كما ورد في الحديث عن الرضا عليه السلم على ما رواه في عيون الاخبار والتوحيد

واما الحروف الرقمية فهي على نوعين وذلك باعداد جملي للحروف واعداد رقم الهندي بقلم اهل الهند ويسمونه بقلم الانوار ومثال الاول الالف احد والباء اثنان والجيم ثلثة الى آخر الحروف ومثال الثاني الالف ١ الباء ٢ ج ٣ د ٤ وهكذا الى آخرها

واما الحروف المتواخية فهي ( فهو خ‌ل ) المزدوجة مثل : ب ت ث ج ح وامثالها

واما المفردة فهي التي لا يكون لها حرف بين الحروف يماثلها ( تماثلها خ‌ل ) مثل : ا ه‍ م وك

واما الصامتة فهي : ا ح د ر س ص ط ع ك ل م

واما الناطقة فهي مثل : م ن وو هذا مذهب اهل المغرب واما اهل المشرق فانهم يقولون ( يقولون انها خ‌ل ) هي الحروف ذوات النطق

واما الظاهرة فهي التي يتلفظ الشخص عند النطق

واما الباطنة فهي التي تظهر في النطق لا في الخط كالالف في الله والرحمن وتطلق ايضا على تكسير الحروف

واما المتصلة فهي التي ( التي تكررت خ‌ل ) اذا كسرت وبسطت الحروف تجمع كل حرف على طبيعته وتنظم المناسب

واما المنفصلة فهي التي تكررت وقت التكسير

واما الخاصة فهي حروف المراتب مثل : ا ب ج د

واما العامة فهي حروف الدقايق وما بعدها الى آخر مراتبها مثل : ذ ض ظ غ

واما الروحانية مثل الالف وما شاكلها في المرتبة

واما الجسمانية فمثل : ح ص ض اصحاب اجسام في تشكيلها

واما العلوية فهي حروف المراتب

والسفلية هي حروف الدقايق

واما النهارية فهي النورانية وهي : ص ر ا ط ع ل ي ح ق ن م س ك ه

واما الشرقية فهي : ايقنع بكر جلش دمت هنث وسخ زعذ حفص طصظ ( صعظ خ‌ل )

واما الغربية فهي : اعهطنفش الى آخرها

واما الجنوبية فهي : منصع ثخذ

واما الشمالية وهي : ابجد هوز حط وهي اصل في الاعداد

واما المتحركة فمثل الخاء وما شاكلها

واما البسيطة فهي الحروف الهيجائية والمكسرة ومعنى التكسير تفكيك الاسم وبسطه وتفصيله بالحروف المقطعة

واما المركبة فهي الحروف المؤلفة المجتمعة من البسط والتكسير

والمذكرة فهي اصول الحروف من الالف الى الطاء

والمؤنثة مثل : فهي (كذا) حروف يتلفظ بحرف الهاء

واما الشمسية فهي الحروف الحارة

واما القمرية فهي الحروف الباردة

والعقلية هي ( فهي خ‌ل ) حروف المراتب والدرج

والحسية هي الحروف الشفوية كما ان العقلية هي حروف الحلق

والغالبة ما كان عددها وترا

والمغلوبة ما كان عدد بسايطها زوجا

والسعيدة في اوايل السور

والنحسية : ق ش ج ث ظ ح ذ ه‍

والفاتحة مثل : ا ل وت ي

والخاتمة مثل : م ا ي ن

والوترية ما كان بسايطه ثلثة احرف او خمسة

والشفعية ما كان اربعة او ستة

واللطيفة هي النورانية

والكثيفة هي الظلمانية وهي الليلية

والنباتية : ب ه‍ ح ن ر ق ت د ع

والحيوانية : ف ج ه ك ن ر د ت ض

والمعدنية : ح وط ل س ص ش خ لا

واما حروف الطبايع والمراتب والدرجات فانظر في هذا الجدول فاعرفها

70

ونسبة المرتبة الى الدرجة وهي الى الدقيقة وهكذا الى آخرها

قيل انها ثلثون

وقيل عشرة

وللكل وجه فزن مقادير الحروف بهذا الميزان فاذا وقع التعارض والتنافي بين الحروف المتعادية فاعرف مراتبها من هذا الجدول ثم عدلها بما يناسب مقامها ومرتبتها من الحروف المصلحة لها كما هو المقرر عندهم

واما الحروف الساقطة فهي التي تسقط عند الطرح او عند البسط او غير ذلك من الاحوال والثابتة تقابلها

واعلم ان الحروف على ثلثة اقسام مكتوب وملفوظ ومسرود فما كان من الحروف ثنائية تسمي مسرودة

وما كان ثلاثية فان كان اولها عين آخرها كالميم والنون والواو فهي ملفوظة والا فمكتوبة

ولها تقسيم آخر لانها تنقسم الى جبروتية وملكوتية وملكية فما كان من حروف الحلق فهي جبروتية وما كان من حروف الوسط فملكوتية وما كان من حروف الشفة فملكية ولها تقسيمات اخر

ويتفرع على كل منها تصاريف واحكام وتأثيرات غريبة عجيبة يطول بذكرها الكلام والاطلاع عليها موكول الى كتب اهل الجفر الا ان الذي ذكرت كليات العلم فالمتفطن يلتفت الى الرمز ويستخرج الكنز والله الهادي للصواب وعليه المعول في المبدء والمآب

قال سلمه الله تعالى : المسئلة السابعة - ما المراد من الحروف المقطعة في القرآن

اقول اعلم ان جل العلوم بل كلها من تفاصيل احوال الخلق اغلبها على جهة الواقع

والحقيقة انما يستفاد من الحروف المقطعة القرآنية من جهة ذاتها وصفاتها وقراناتها واتصالاتها وانفصالاتها وطبايعها واوضاعها وعلويها وسفليها ومجردها وماديها وحارها وباردها ورطبها ويابسها ومرتبتها ودرجاتها ودقايقها وثوانيها وثوالثها وروابعها وخوامسها ونورانيها وظلمانيها وافلاكها وعناصرها ونجومها وبروجها ومنازلها وملائكتها وشياطينها وساير احوالها من اعرابها من ضمها وفتحها وكسرها ورفعها ونصبها وجرها وجزمها وسكونها وبنائها وغيرها وساير شئوناتها بساير قراناتها فان لكل واحد من هذا المجموع له نسبة الى المجموع وتؤثر كل نسبة مع المجموع استخراج حكم خاص من الاحكام الوجودية

ولا نهاية لهذه القرانات والاحوال فلا غاية اذن للاسرار القرآنية والى نوع ما ذكرنا ينظر قول مولينا الباقر عليه السلم على ما رواه في التوحيد الى ان قال عليه السلم لو شئت لاستخرجت جميع ما يحتاج اليه الخلق من لفظة الصمد وقول مولينا امير المؤمنين عليه السلم ان كل ما في القرآن في الحمد وكل ما في الحمد في البسملة وكل ما في البسملة في الباء وكل ما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء

ونوع كيفية الاستخراج والاستنباط ما اشرنا اليك من ملاحظة نسبة هذه الحروف والكلمات بعد التقطيع ومشاهدة ما قبلها من الحروف اي يمينها ويسارها وفوقها وتحتها فان لكل حرف لها يمين ويسار وفوق وتحت مثل الالف فان يمينها الغين ويسارها الباء وفوقها الياء وتحتها القاف والباء يمينها الالف ويسارها الجيم وفوقها الكاف وتحتها الراء

فاذا اردت وضعها عند نسبة هذه الجهات فارسمها

هكذا 67

فاذا لوحظت هذه النسبة التي اشرنا الى قليل من انواعها تستنبط العلوم والمعارف والاخبار بالمغيبات وما تكنه الضماير وتستجنه السرائر ووقوع الحادثات المستقبلة وتحقيق الاحوال الماضية والواردات الخالية مما عندك والمشرق والمغرب فان الحروف مظاهر الابتداع والاختراع وبها جرى التأثير والفعل في العوالم العلوية والسفلية كما قال مولينا الرضا عليه السلم على ما رواه في العيون ان اول خلق الله الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون

والقرآن هو اعلى مظاهر الفعل الظاهر في الكينونات بسر الحروف فيكون بتلك الحروف مشتملا على جميع اسرار الفعل ولذا قال تعالى وفيه تفصيل كل شيء ما فرطنا في الكتاب من شيء وفيه تبيان كل شيء

ولا يطلع على تلك الاسرار بتلك الاطوار الا محمد وآله الاطهار الابرار عليه وعليهم سلم الله ما دام الليل والنهار اذ لا تقتضي كينونات الخلايق ان يدركوها ويعرفوها ويحيطوا بها نعم قد علموا بعض خواص الشيعة نوعها وشرذمة من بعض تفاصيل احوالها وذلك مما يصعب بيانه ويعسر برهانه فطيها اولى من شرحها وان كانت قد ذكرت بالنوع يدركها من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وهذا هو الحكم في الحروف المقطعة في جميع القرآن اذا قطعت الكلمات وفصلتها حروفا

واما الحروف المقطعة في اوائل السور فاعلم انه اختلفت اقوال المفسرين فيها اختلافا فلا نتعرض لذكرها اذ لا فائدة فيها واما ما ورد التصريح به في الاخبار فقد ورد في تفسير الم انا الله اعلم وفي تفسير المر انا الله اعلم وارى

وورد ايضا ان الالف اشارة الى الله وان اللام اشارة الى جبرئيل وان الميم اشارة الى محمد صلى الله عليه وآله يعني ان هذا القرآن نزل من الله سبحانه بواسطة جبرئيل الى محمد صلى الله عليه وآله

وورد ايضا انها حروف الاسم الاعظم الذي اذا دعي الله به اجاب وهو الاسم اللفظي لا الاسم الاعظم المعنوي فان تأثير الثاني لاناس مخصوصين والاول لكل احد فاذا اراد الامام عليه السلم ان يدعو الله سبحانه بذلك الاسم يؤلف من هذه الحروف اسما كيف يشاء فيدعو الله به وذلك مكتوم يتفردون به سلام الله عليهم لا يشاركه سواهم

وورد ايضا انها بيان التواريخ كما في حديث ابي‌ لبيد المخزومي عن الباقر عليه السلم ان الم تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وآله والم الله (كذا) تاريخ خروج الحسين عليه السلم والمص تاريخ خروج الفويسق المهدي العباسي لعنه الله والمر تاريخ خروج المهدي مولينا صاحب الزمان عجل الله فرجه وعليه السلم وذلك بالحكم الوضعي ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب

وورد ايضا عن العسكري عليه السلم ما وجد بخطه الشريف روحي فداه ان طه والطواسين ايضا اشارة الى ذلك كما قال عليه السلم بعد كلام له وشيعتنا الفئة الناجية وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظي النيران لتمام الم وطه والطواسين

وورد في تفسير كهيعص انه الاشارة الى الاسماء الالهية اي الكافي والهادي والولي والعالم والصادق

وورد ايضا عن الحجة عليه السلم ان الكاف اشارة الى كربلاء والهاء اشارة الى هلاك العترة الطاهرة عليهم السلم والياء اشارة الى يزيد لعنه الله تعالى والعين اشارة الى عطش اهل بيت الرحمة جعلني الله فداءهم

والصاد اشارة الى صبرهم على تلك المصايب الجليلة والرزايا العظيمة

وورد في تفسير طه انه اسم من اسماء النبي صلى الله عليه وآله

ولما كان صلى الله عليه وآله يتعبد لله سبحانه ويقوم قايما بابهامي رجليه الشريفة حتى تورمت قدماه نزلت الآية طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى اي طأها ولا تجعل نفسك في المشقة

وورد في تفسير يس عن ابن ‌عباس يا انسان او يا سيد الاولين والآخرين

وورد انه اسم من اسماء النبي صلى الله عليه وآله وآل يس اي آل محمد صلى الله عليه وآله وهو قلب القرآن

وورد في تفسير الصاد انه بحر تحت العرش وهو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض

وعن امير المؤمنين عليه السلم لو صب خردل حتى ملأ الفضاء وسد ما بين الارض والسماء وانت لو عمرت وكلفت مع ضعفك ان تنقل حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائة ‌الف جزء من رأس الشعير مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله عن التحديد بالقليل انتهى

وورد في تفسير حم انه اسم محمد صلى الله عليه وآله كما ورد في قوله تعالى حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم ان حم هو رسول الله صلى الله عليه وآله والكتاب المبين مولينا امير المؤمنين عليه السلم انا انزلناه اي عليا عليه السلم في ليلة مباركة وهي الصديقة الطاهرة فيها يفرق كل امر حكيم اي يمتاز كل امام حكيم بعد امام حكيم

وورد في تفسير حمعسق ان حم اسم محمد صلى الله عليه وآله وعلم على كله في حم عسق انتهى

فالعين اشارة الى عقله عليه السلم والسين اشارة الى نفسه والقاف اشارة الى جسمه الشريف عليه السلم

وهذه المراتب هي مواقع العلوم على الاطلاق ولا يشذ علم عن هذه المراتب

وورد في تفسير ق انه جبل من زمردة خضراء محيط بالدنيا وعليه اطراف السماء ومنه خضرة السماء

وورد في تفسير ن والقلم وما يسطرون ان النون ملك يؤدي الى القلم وهو ملك يؤدي الى اللوح وهو ملك انتهى وهذا ما وقفت عليه من تفاسير هذه الحروف المقطعة عن اهل البيت عليهم السلم من جهة التصريح

واما التلويح والاشارة فيظهر من تلويحات الاخبار واشاراتها وبواطنها تفاسير غريبة عجيبة لهذه الحروف المقطعة وذكر الجميع يؤدي الى التطويل وليس لي الآن ذلك الاقبال لتوفر الاشغال ( الاشتغال خ‌ل ) لكنك اعلم مجملا انك اذا حذفت مكررات هذه الحروف تخلص اربعة ‌عشر حرفا كلها من الحروف النورانية وهي ص ر ا ط ع ل ي ح ق ن م س ك ه ويجمعها قولك صراط علي حق نمسكه وفيها اشارة الى سر القرآن وانه ماظهر وما تم وما وضع الا بالهياكل الاربعة‌ عشر ثم اشار الى اسرار هذه الهياكل النورانية التي هذه الحروف صفاتها ومظاهرها بذكر مراتب الحروف ففيها من الحروف الملفوظة اثنان احديهما الميم والثانية النون

فجعل الميم في الاول والنون في الآخر للاشارة الى الاول والآخر والظاهر والباطن لاظهار سر بكم فتح الله وبكم يختم ودلالة كون محمد صلى الله عليه وآله خاتم الانبياء وهم عليهم السلم خاتم الاوصياء انهم الفاتح لما دل الدليل القطعي على ان كل خاتم هو الفاتح واليه الاشارة بما في حديث الشمس حين سلمت على عليّ عليه السلم بمحضر من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وقالت السلام عليك يا اول يا آخر ويا ظاهر ويا باطن الحديث والحديث معروف مشهور

فابتدء بالميم للاشارة الى البدو اذ بدو ظهور الكون في اربعين مقاما ثلثون لاتمام القابليات وعشرة لظهور المقبول كما في قوله تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فقد اشار باللام الى الثلثين المراتب المتقدمة في القوس الصعودي وبالميم الى اجتماع المراتب وبالالف الى المبدء الفاتح فان البسملة اذا عددتها هي تسعة‌ عشر حرفا وهي قوى الواحد والواحد استنطاقه الالف المتحركة

والبسملة هي الاسم الاعظم كما دلت عليه الاخبار وشهد له صحيح الاعتبار والله سبحانه خلق الخلق باسمائه كما في الدعاء وباسمك الذي خلقت به كذا وكذا الى آخر الدعاء

فالالف هي الاشارة الى المبدء لفظا ومعنى واللام الى ظهور القابليات والميم الى اجتماع القوابل مع المقبولات فبالميم تم الكون الاول فاقتضى ان يكون الم في الاول اشارة الى الاصل والفرع والنون هي الاشارة الى العود لان النون هي بحر الصاد وذلك نهاية مقام المعراج حين ما نودي يا محمد صلى الله عليه وآله ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر فافهم

وفيها من الحروف المكتوبة سبعة وهي الصاد والالف والعين واللام والقاف والسين والكاف وهي الاشارة الى السبع المثاني كما في قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم وقال مولينا الباقر عليه السلم نحن المثاني الذي اعطانا الله نبينا واسمائهم صلى الله عليهم سبعة بعد حذف المكرر وفيها من الحروف المسرودة خمسة وهي الطاء والياء والحاء والراء والهاء وهي الاشارة الى التوحيد لان الخمسة استنطاقها هاء والهاء اذا اشبعت تتولد منها الواو فيتم اسم هو الذي هو من الاسم الاعظم وهو ( هو من خ‌ل ) ميادين التوحيد لانها احد عشر خمسة منها فيها ظلمة وهلاك وخمسة منها فيها نور ونجاة وواحدة فيها ظلمات ورعد وبرق

فاشار بالخمسة الى المقامات النورية التي استبطنت في اسم الله فلما ذكرت الستة التي هي مقامات الواو ظهرت كلمة التوحيد التي هي لا اله الا الله

وفي دعاء رجب فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت وفي الزيارة وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات فلنقبض العنان فللحيطان آذان فافهم وفقك الله لما يحب ويرضى ولولا خوفي من اشباه الناس لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ولكن لكل شيء اجل مقدر

قال ايده الله تعالى : المسئلة الثامنة - وكم مقدار فضل محمد صلى الله عليه وآله على عليّ عليه السلم

اقول هذا سر غامض فان التفاضل بين ائمتنا المعصومين عليهم السلم شيء لا تصل اليه افهامنا ولا تدركه عقولنا واحلامنا ولا تعه ( لا تعيه خ‌ل ) اسماعنا لان احوالهم فوق ذكرنا وذاتنا والشيء لا يجاوز ما وراء ذاته فاني للرعية ومعرفة ذوات الائمة عليهم السلم حتى يعرف مقادير تفاضل بعضها على بعض فنسبتنا اليهم كما قال تعالى حكاية عنا لا نفرق بين احد من رسله

ونسبتهم عليهم السلم الينا كما قال امير المؤمنين عليه السلم كلنا محمد صلى الله عليه وآله اولنا محمد وآخرنا محمد صلى الله عليه وعليهم السلم اجمعين فلا فرق بينهم في جميع العلوم والاسرار والاحوال المتعلقة بالمخلوقين باسرهم باسرها وهو قولهم عليهم السلم كلنا في العلم سواء وقوله عليه السلم حتى لا يكون آخرنا اعلم من اولنا الحديث ولكن لهم عليهم السلم مراتب ومقامات في المراتب الذاتية حسب اختلافهم في تقدم الاجابة لما سئلهم سبحانه الست بربكم فكان رسول الله صلى الله عليه وآله اول من اجاب داعي الحق ولبي نداءه كما قال صلى الله عليه وآله اني فضلت النبيين لاني كنت اول من اجاب داعي ربي حين قال الست بربكم

ثم بعد اجابته صلى الله عليه وآله اجاب عليّ عليه السلم وهذا الاختلاف في اجابتهم انما وصل الينا باخبارهم عليهم السلم والا فنحن قاصرون لادراكه

والتفاوت بين الاجابتين هو مقدار الفضيلة وقد حدد هذا التفاوت في بعض الاخبار كما في رواية جابر عنه صلى الله عليه وآله حين سئله عن اول المخلوقات

قال صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر فكان يطوف حول جلال القدرة ثمانين ‌الف سنة فلما وصل الى جلال العظمة خلق منه نور عليّ عليه السلم فكان نوري يطوف حول جلال العظمة ونور عليّ عليه السلم يطوف حول جلال القدرة انتهى

فبين صلى الله عليه وآله مقدار التفاضل وهو ثمانون ‌الف سنة فحيث لا زمان هناك ولا تقدير هذه الليالي والايام ترجع السنة الى المرتبة فيكون محمد صلى الله عليه وآله افضل من علي عليه السلم بثمانين ‌الف مرتبة وبذلك التأخر تحققت العبودية في قوله عليه السلم انا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وهذا لا ينافي كونها حقيقة واحدة لان المراد هو الظهور بالتعين والتشخص في مقام الامتياز لان مقام النبي صلى الله عليه وآله هو مقام الاجمال وهو مقام النقطة ومقام عليّ عليه السلم مقام التفصيل وهو الالف وقد تقدم مراتب وجوده على مراتب وجود عليّ عليه السلم في المقامين مقام الغيب والشهادة

والمراتب اربعون وهي القبضات العشر المأخوذة من افلاك ذلك العالم اي عالم النقطة الظاهرة في اربعة ادوار دورة المعدن ودورة النبات ودورة الحيوان ودورة الانسان بحسب ذلك العالم البسيط على جهة البساطة والشرافة والوحدة ودلت على الاعلى مقامات الاسفل لقول الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق

وقال مولينا الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فاذا اعتبرت مقام نشو النقطة في باطنها عن بارئها وجدتها على هذه المراتب ونشوها في ظاهرها بذكر المتعلقات فيها وجدتها على هذه المراتب وكل مرتبة تقابل الف مرتبة مما عندنا فان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون فكان ثمانون ‌الف رتبة وهي مقامات فضل محمد صلى الله عليه وآله على عليّ عليه السلم وقد ظهر ذلك في اسمه الشريف حيث زيد الميمان للاشارة الى هذه الدقيقة والا فهما صلى الله عليهما يتفقان ويجتمعان بحسب الاسم بملاحظة ظهور المبدء في مادة الحمد

والفرق اما بزيادة الالف ليكون احمد او بزيادة الميمين ليكون محمد صلى الله عليه وآله فلك ان تقول ان النبي صلى الله عليه وآله افضل من عليّ عليه السلم لكونه اعلم منه في معرفة ( مرتبة خ‌ل ) التوحيد بحرف واحد في مقام احمد او ثمانون‌الف حرف في مقام الاسم محمد او قل اعلم منه بحرف واحد مشتملة على ثمانين ‌الف جهة او قل بكلمة واحدة مشتملة على ثمانين ‌الف حرف

واعلم ان التفاضل انما هو منحصر في العلم بالله لا سواه والعلم بالله انما يتصور للعالم في مقام ذاته لا في مرتبة صفاته وشرح ذلك يطول به الكلام وكأنه ظاهر يقرب حد الضرورة ولا منافاة في ذلك مع قوله صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت فانه صلى الله عليه وآله يريد ان غاية المعرفة الممكنة بعده منحصرة ( ينحصر خ‌ل ) فيه عليه السلم لا انهما متساويان في العلم بالله والا لما كان احدهما افضل من الآخر ضرورة وجوب تساويهما في كل ما سواه من الاحوال المتعلقة بالخلق

ثم ان تلك الاحوال معرفتها لا تورث شرفا اذ لا شرافة لغير الله ولا فخر لما سواه فالمتعلق بغير الافضل لا يكتسب فضلا اصلا كمن عنده الخزف مع من عنده جوهرة فافهم هذا ظاهر الكلام من اقصى ما يمكن عنه التعبير بالكتابة لاهل العموم

يقولون خبرنا وانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال وفقه الله تعالى لمراضيه : المسئلة التاسعة - ما معنى الجبر والتفويض والامر بين الامرين

اقول اما الجبر فهو جعل الشيء على خلاف ما يقتضيه ويلزمه القول بانه الخلق على غير ما هو عليه فالاختلاف في الاشياء على القول بالجبر ينسب الى نفس ارادة الخالق الجاعل لا الى شيء سواه وفيه لزوم الترجيح من غير مرجح وهم يلتزمون بذلك فيجعلون نسب الاشياء بعضها ببعض من الامور الاتفاقية حسب جعل الجاعل لا لاقتضاء بينهما ونسبة حقيقية بينهما وقالوا ان الله سبحانه اجرى عادته ان يخلق شيئا بعد شيء وان سئلوا عن سبب جريان هذه العادة واختصاصها يقولون ان ذلك بلا سبب وترجيح من غير مرجح وهو تعالى لا يسئل عما يفعل وقالوا ان الله تعالى خلق الافعال من الخير والشر ولا دخل للعبد فيه فحين ما يخلق الزنا في زيد ويخلق الصلوة في عمرو لا خبث في زيد اقتضى ذلك ولا حسن في عمرو يقتضي ذلك فاذن لا مدح يرجع الى عمرو ولا ذم الى زيد وتشبثوا في ذلك ببعض الآيات والاخبار المتشابهة التي اوردت كذلك لاستنطاق سرايرهم الخبيثة واستعلام بواطنهم الفاسقة المدلهمة

وفي الحقيقة هذا القول يقرب الى السوفسطائية بل هو قولهم حقيقة والادلة الثلثة من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن مع شرايطها الاربعة ومتمماتها ومكملاتها التي هي الكتاب المحكم والسنة المعلومة والعقل المستنير والعالم من الآفاق والانفس التي ارى الله سبحانه آياته فيها ايانا ناصة ( ناطقة خ‌ل ) على بطلانه وفساده لضرورة ان الله سبحانه ذم المسيئين ومدح المحسنين وليس ذلك الا لقبح السيئة ومدح الحسنة فاذا كان هو سبحانه الفاعل لذلك قبح الذم والمدح بالضرورة ولكان المحسن اولي بالاسائة من المسيئ لان الاحسان انما اجري فيه من غير اقتضائه وطلبه بل كان يطلب الاسائة ويقتضيها والا لم يكن الجبر ولكان المسيئ اولى بالاحسان من المحسن لما ذكرنا ولا ظلم اعظم من ان يجعل الشخص كافرا ثم يحرقه بالنار ويعذبه بانواع العذاب لانه كفر

ويجعل الشخص مؤمنا ثم يثيبه ويمدحه ويدخله الجنة وينعم عليه بانواع النعم ولا جهل اعظم من ان يكلف احدا ما ليس في وسعه او ( وخ‌ل ) يكلف ما لا يسعه خلاف ( خلافه خ‌ل ) ولا كذب اعظم من القول بعد ذلك لا يكلف الله نفسا الا وسعها وقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون فان نسبة الفعل الى غيره وهو الفاعل لذلك الفعل كذب وافتراء تعالى الله سبحانه عما يقوله الملحدون والمشبهون علوا كبيرا

واذا نظرت الى دليل الموعظة الحسنة وجدت فساد هذا القول لان الله سبحانه كامل مطلق وقادر مطلق يجب ان يجري فعله على احسن ( حسن خ‌ل ) الكمال لئلا يقول احد لو كان كذا لكان احسن فاذا كان كذلك فلا شك

ولا ريب ان اجراء فعله على جهة الاختيار وجعل المخلوقين مختارين ذووا شعور وادراك واختيار وارادة اولى واحسن من ان يجعلهم مجبورين ولا ريب ان المختار اشرف من المضطر المجبور فيجب ان يختار المختار لا المضطر ويجري فعله ومفعوله على جهة الاختيار اذ لا شك انه قادر على ذلك ومتمكن منه

واما دليل الحكمة فاعلم ان الجبر لا يمكن تصوره والتعبير عنه لان الايجاد يستحيل من غير الانوجاد

فاذا قلت ان الله سبحانه اوجد هذا الشيء فهل هو انوجد ام لا فاذ لم ينوجد لم يوجد واذا انوجد وجد

والضمير في الانوجاد يرجع الى الشيء المخلوق لا الى الفاعل الخالق كما في قوله تعالى كن فيكون فان الضمير الفاعل في يكون يرجع الى الشيء ولا يرجع الى المكون ضرورة اذ لا ريب ان الشيء حين حدوثه يكون له جهتان جهة الى نفسه وبها تحكم عليه وتشير اليه وتقول هو وجهة الى ربه وبها تسنده الى خالقه وتجعله اثرا ولا تجري عليه حكم التمييز ( المتميز خ‌ل ) ومن نسبة هاتين الجهتين واقترانهما حصل الاختيار للشيء المركب من هاتين الجهتين وهما الضدان في قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون

وقول مولينا الرضا عليه السلم ان الله لم يخلق فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه فخلق لكل شيء ضدا وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون الحديث

فاذا حصل الاختيار بطل الاضطرار لان الانوجاد من باب المطاوعة لا المكروهة فبطل الجبر اذن

واما التفويض فهو ( وهو خ‌ل ) القول بان الله سبحانه خلق الخلق وهيأ لهم الاسباب والآلات والاختيار والشعور والادراك والقدرة على الفعل وعدمه ثم فوض الامر اليه يعني رفع يده عن المكلف كالوكيل فانه يجعل الموكل له كلما يحتاج اليه ثم يرفع يده عنه فهو يفعل وان كان فعله بامر الآمر لكن حال الفعل ليس للآمر تسلط عليه اي ليس حين الفعل بيده وانما هو معزول عنه كما في مثال الوكيل والموكل وذلك في البطلان بمكان لانه يستلزم اعتزال الحق سبحانه عن ملكه واستغناء الممكن حين الفعل عن خالقه وان كانت آلات الفعل كلها به لان الوكيل حين الفعل ليس في يد الموكل وانما هو مستقل وان كان بامره وحكمه ومثل العبد حين يقول له سيده افعل الامر الفلاني فانه حين فعله له ( لم يكن خ‌ل ) خارج عن يد السيد واحاطة قدرته كما هو المعلوم واذا صح استغناء الممكن عن الله سبحانه في حالة صح في كل الاحوال

واما سر الامر بين الامرين فهو وان كان من اصعب ما يرد على العلماء الا ان الاشارة اليه في قوله تعالى في الحديث القدسي وذلك انا ( اني خ‌ل ) اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني انتهى وذلك ان الطاعة نور مقصود لذاته فيتعلق به الجعل الالهي بالذات والمعصية ظلمة مقصودة بالعرض فيتعلق به الجعل بالعرض لقوام الطاعة وتحققها فالطاعة من العبد بالذات قائمة بمشية الله لها بالذات والمعصية من العبد بالذات قائمة بمشية الله تعالى لها بالعرض يعني ان الله سبحانه حافظ لفعل العبد في كلتا الحالتين اي في حالة الطاعة وحالة المعصية فلو رفع حفظه عنه انعدم وفني لا يقدر على الطاعة ولا على المعصية فيبطل ( فبطل خ‌ل ) اختياره فالله سبحانه يحفظ فعله اذا اطاع ويوافق ذلك الفعل محبة الله سبحانه

ولما كانت الطاعة هي النور والخير فكانت منسوبة الى الله سبحانه لانه المقصود بذاته في الايجاد ولكنه لا يظهر الا بالعبد فالطاعة والنور من الله واليه لكنهما بالعبد وكذلك يحفظ فعله حين المعصية لكن بالتخلية والخذلان ليبقي الاختيار فهي راجعة الى العبد ح ومنه واليه لكنها بالله سبحانه فكان الله سبحانه اولى بالطاعة والعبد اولى بالمعصية وان كان لكل منهما مدخلية

ومثال ذلك الشمس لما اشرقت على الجدار ظهر النور ووجد خلفه الظل فلولا الشمس لم يكن النور ولا الظل فهما موجودان بها ومتحققان بفاضل ظهورها لكن النور من الشمس وهو المقصود لذاته في احداث الشمس اياه ولو لم يكن الجدار لم يظهر ذلك النور ابدا فكان الجدار له مدخلية في الاستضاءة ويرجع المدح اليه حيث انه قبل ( قيد خ‌ل ) عطية الشمس على ما ينبغي ولكن الشمس حين ما اعطته النور لم ترفع يدها عنه فالنور في الجدار ايضا متقوم بالشمس حال كونه فيه ولكن قابلية الظهور من الجدار حسب ما اعطته الشمس

واما الظل فهو وان كان متقوما بالشمس ومحفوظا بها لكنه لا ينسب الا الى الجدار ولا يرجع الا اليه

والشمس انما حفظته بحكم التخلية والخذلان حسب ما سئل الجدار بلسان فقره اياها لتحدث له ذلك فالجدار اولى بالظل من الشمس فتقول الشمس للجدار انا اولى بالنور منك وانت اولى بالظل مني

والمراد بالجدار نفس قابلية النور المتشعشع من الشمس الظاهرة في هذا الجسم الكثيف فافهم ان كنت تفهم

والذي ذكرنا اشارة يسيرة وشرح حقيقة الحال ما يمكن في هذه العجالة مع ان هذه المسئلة من اسرار القدر الذي امرنا بالكف عنه ولو يسر الله لنا مشافهتكم لالقينا اليكم من هذه الجواهر المكنونة المخزونة اغلاها واثمنها الا ان فيما ذكرت بالاشارة كفاية لمن طلب الهداية وجانب العناد واللجاج والله الموفق للصواب

قال سلمه الله تعالى : المسئلة العاشرة - ما اول الوجود ومراتبه ومحله

اقول قال مولينا الرضا عليه السلم ما معناه ان الله اول ما خلق الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها ( فجعلا خ‌ل ) فعلا منه يقول للشيء كن فيكون

اعلم ان كل ما سوى الله سبحانه مخلوق به وصادر عنه وليس شيء سواه لم يكن مخلوقا بالضرورة فاذا كان كذلك فالله سبحانه يقول له الخلق والامر وهو جامع لكل الموجودات سواه تعالى والامر هو عالم الاختراع لانه هو الخلق لا عن مادة وصورة فلو سبقه خلق لكان السابق مادة له اما بذاته او بنوره فلم يصح الاختراع حينئذ

والامر هو الارادة والمشية لقول مولينا الرضا عليه السلم ارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون بلا لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له رواه في الكافي

وقال سبحانه انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فجعل الامر هو قول كن وبه قامت السموات والارضون كما قال عز وجل ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره على احد المعاني وقال مولينا الصادق عليه السلم كل شيء سواك قام بامرك فليس فوق امره تعالى شيء اذ كان كل ما سواه قائم ( قام خ‌ل ) به والا لماصحت الكلية

والمشية والارادة هما الاختراع والابتداع كما قال مولينا الرضا عليه السلم المشية والارادة والابداع معناها واحد واسماؤها ثلثة

فصح ان اول الصادر منه تعالى واول الحوادث المشية فلما كانت اقرب الاشياء الى المبدء حتى كانت واسطة في ايجاد الكاينات وهويات الموجودات وجبت ان تكون اشرف الذوات واقويها واعلاها واعظمها لان الذوات انما تذوتت والاشياء انما تأصلت بها فنسبة الاشياء اليها نسبة القيام والقعود اليك فلا يتوهمن متوهم انها امر اعتباري او نسبة اضافية ضرورة ان كل ما قرب الى المبدء اقوى واعظم وانور مما بعد عنه فاذا كانت هي اول الاشياء كانت اقرب فكانت انور واعظم تحققا وتأصلا ووجودا وانما هي ذات الهية وحقيقة صمدانية خلقها بنفسها واقامها بنفسها وامسكها بظلها

ولها اسماء حسب جهات ظهوراتها واطوارها في شئوناتها والا فهي من حيث هي اعلى من الاسم والرسم والصفة

وقد استعمل ائمتنا عليهم السلم لها اسماء بحسب تلك الاضافات ولا بأس بالاشارة الى بعضها ووجه التسمية بالوجه الاخصر فنقول ان تلك الذات المقدسة من حيث انها جهة الله سبحانه وذكره ومذكوريته في الامكان سميت ظهورا وتجليا اوليا

ومن حيث انها ظهوره سبحانه لغيره وموصل فيضه الى ما يريد من خلقه سميت فعلا وحركة ايجادية

ومن حيث انها ظهوره لها بها ولغيرها سميت فاعلا

ومن حيث انها اول الذكر والمذكور وبها نشأت الاشياء وتأصلت سميت مشية

ومن حيث انها مبدء الصور والاعيان سميت ارادة

ومن حيث انها تكونت لا من شيء سميت اختراعا ولا لشيء ولا على احتذاء مثال سميت ابتداعا

ومن حيث انها اول مظاهر الحق سبحانه وظهوراته في الامكان سميت التعين الاول

ومن حيث انه الاصل المتشعب عنه الحدود والجهات والحيثيات سميت شجرة مباركة زيتونة

ومن حيث انها مبدء الايجاد وعلته واول الميل سميت محبة

ومن حيث انه بها الاحسان والامتنان او من اثرها الماء الذي به كل شيء حي سميت رحمة

ومن حيث انها تدبير الحق للخلق في الخلق والآخذة بزمام كل شيء وبناصية كل دابة سميت ولاية مطلقة

ومن حيث انها لا غاية لاولها ولا نهاية لامدها وهي منقطعة ومضمحلة لها اول وآخر عند بارئها سميت ازلا ثانيا

ومن حيث انها اول ظهور الحق سبحانه سميت صبحا وهو صبح الازل

ومن حيث انها اول الاصول واصلها وغايتها سميت ادم الاول

ومن حيث انها لا تتوقف في تكونها وانصدارها على شرط وسبب سوى ذاتها سميت الوجود المطلق

ومن حيث ان كل الظهورات والتجليات الالهية انما هي بفاضل تجليه لها سميت الاسم الاعظم

ومن حيث انها متممة لحقايق الامكان والاكوان ومتممة لنفسها بنفسها بالله سبحانه سميت الكاف المستديرة على نفسها

ومن حيث انها علة العلل ومبدء المبادي سميت السر المقنع بالسر والمجلل به

ومن حيث ان الماء الواقع على ارض الجرز انما نشا منها وصدر عنها وتأصل بها سميت سحابا

ومن حيث انها اللفظ الصادر عن فعله بنفسها سميت كلمة

ومن حيث انها حكم الله على الموجودات سميت امرا

ومن حيث انها المادة الظاهرة بمحلها وصورتها الظهورية سميت الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله

ومن حيث انها المستديرة على نفسها وقطب لما سواها سميت فلك الولاية المطلقة

ومن حيث انها الذكر الاول للاشياء سميت علما

ومن حيث انها بها استولى الله سبحانه على الاشياء كلها واستطال عليها سميت قدرة

ومن حيث انها بها ظهور مواد الخلق وتأييداتهم من عند الله سبحانه سميت عرشا وغيرها من الاسماء والصفات التي يطلع عليها الفطن الماهر في استعمالات حفظة الشريعة عليهم السلم

وبالجملة فهذه الحقيقة المقدسة بهذه الاسماء المباركة وغيرها من امثالها هو اول الوجود على جهة الاطلاق في عالم الخلق والحدوث لان العالم يقوم بفعل ومفعول

والمقصود من الفاعل هو الله سبحانه والفعل هو هذه الحقيقة المشار اليها والمفعول حقايق الموجودات وذوات الكائنات من العقل الاول الكلي الى آخر المراتب السفلية من مراتب الوجود ( الوجود ومقام النقطة خ‌ل )

ولما كان الفعل لا يظهر بل لا يوجد الا بالمتعلق والمحل وهو المعبر عنه بالانفعال والانوجاد وكان ذلك المحل والمتعلق هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فيكون بها تمام الفعل والمشية كانت الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله اول الوجودات والموجودات والمحل يجب ان يكون من سنخ الحال والا ارتفعت المناسبة فامتنعت المحلية فافهم

ولهذه الحقيقة المقدسة اطلاقان في مقامين مقام الاجمال ومقام التفصيل

ففي المقام الاول يراد بها مجموع قصبة الياقوت وهم الاربعة ‌عشر المعصومون عليهم السلم وفي المقام الثاني يراد بها خصوص نبينا صلى الله عليه وآله

ففي المقام الاول لما كانوا عليهم السلم هم الكلمة العليا وكلمة التقوى وكلمة التوحيد كانت لهم اربع مراتب

الاولى مقام النقطة في الكلمة وهي اصلها ( هم هي اصلها خ‌ل ) وبدؤها منها نشأت الكلمة واليها تعود وهي مقام السر المقنع بالسر ومقام الباطن وحق الحق والظهور المطلق والعلم الاطلاقي والنور الاشراقي مقام العزة والقدس والسبحان وهو مقام نبينا صلى الله عليه وآله

الثانية مقام الالف في الكلمة وهي بدو انتشارها وانبعاثها وظهورها بالدلالة ومقام السر المستسر بالسر ومقام الباطن من حيث هو باطن ومقام حق الحق ومبدء التفصيل ومظهر التقدير ومحل الارادة ورتبة الحمد لله وهو مقام مولينا امير المؤمنين عليه السلم ولذا ( لهذا خ‌ل ) اختص هذا الاسم به دون الخلق كلهم اجمعين

الثالثة مقام الحروف العاليات في الكلمة وهي تمام ( مقام خ‌ل ) القدر وظهور الهندسة وبروز الاحكام التفصيلية وسر الامر بين الامرين وسر الامر بين الكاف والنون ومقام الظاهر ومرتبة سر السر وباطن الظاهر ومقام التكبير وظهور القول لا اله الا الله وهو مقام ساير الائمة عليهم السلم ما عدا عليّ عليه السلم

والرابعة مقام تمام الكلمة ومبدء ظهور الدلالة ومقام الظاهر من حيث هو ظاهر ومبدء القضا وينبوع علل الاشياء آخر المبادي ومقام الله اكبر وهو مقام فاطمة الصديقة الطاهرة على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف الثناء والتحية

فالاولى مقام المشية

والثانية مقام الارادة

والثالثة مقام القدر

والرابعة مقام القضاء

والاولى مقام النقطة من بسم الله الرحمن الرحيم

والثانية مقام الباء منها

والثالثة مقام حروفها

والرابعة مقام تمام الكلمة المباركة

ولهم ايضا عليهم السلم مراتب اخرحسب اجابتهم لداعي ربهم وترتبهم في ذلك

فاول المراتب واعلاها واشرفها واسناها مقام نبينا صلى الله عليه وآله لانه اول من اجاب حين قال له الست بربكم

والثانية مقام مولينا امير المؤمنين عليه السلم لانه عليه السلم ثاني من اجاب فكان للنبي لواء الحمد وعليّ عليهما السلم حامل اللواء فله مقام الالف وله مقام الباء صلى الله عليهما قال النبي صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم

والثالثة مقام مولينا وسيدنا الحسن عليه السلم فشابه جده صلى الله عليهما في الظهور الاجمالي

والرابعة مقام مولينا وسيدنا ابي‌ عبد الله الحسين الشهيد عليه السلم فشابه اباه في الظهور التفصيلي فاظهر الدين وكان من نسله الائمة الميامين سلام الله عليهم اجمعين

والخامسة مقام سيدنا ومولينا حجة الله القائم بالحق عجل الله فرجه وسهل مخرجه ولذا كان هو عليه السلم الآخذ بثاره لانه حامل ظهور الله تعالى للخلق بعده والمجيب لداعي ربه حين قال الست بربكم

والسادسة مقام الائمة الثمانية الآخرين سلام الله عليهم اجمعين لانهم في مقام واحد ورتبة ( مرتبة خ‌ل ) واحدة على ما يستفاد من الاخبار

والسابعة مقام الصديقة الطاهرة عليها السلم لانها آخر مراتب المبادي

ولما كانت مقاماتهم ومراتبهم الذاتية سبعة كانت اسمائهم الشريفة سبعة فلما ثنيت صارت اربعة‌ عشر وهو قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم

ولهم عليهم السلم في المقام الثاني اي مقام التفصيل مراتب ومقامات اذ لكل منهم عليهم السلم اربع مقامات

الاولى مقام البيان وهو مقام التوحيد وهم عليهم السلم في هذا المقام اسماء الله الحسنى وصفاته العليا والمثل الاعلى كما قالوا عليهم السلم نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وفي الزيارة السلام على اسم الله الرضي كما تقدم وفي الدعاء فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت

الثانية مقام المعاني كما قال الباقر عليه السلام اما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حكمه ونحن امره ونحن حقه الحديث وكذلك ساير معاني الصفات كالعظمة والقدرة والرحمة والجلال والجمال والكبرياء وامثالها

الثالثة مقام الابواب مقام الترجمة ( الرحمة خ‌ل ) والوساطة من الله الى الخلق في الوجودات الشرعية والشرعيات الوجودية والذوات والصفات والالفاظ والمعاني وغيرها ومن الخلق الى الله سبحانه في استمداداتهم واستفاضاتهم وجهات افتقارهم اليه سبحانه كما قالوا عليهم السلم في عدة اخبار نحن ابواب الله وخزان علمه ومفاتيح رحمته ومقاليد مغفرته

الرابعة مقام البشرية الظاهرية ومقام انما انا بشر مثلكم يوحي الى يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون فاذا لوحظت هذه الاربعة في اربعة ‌عشر تبلغ ستة وخمسين

ولهم ايضا عليهم السلم مراتب ومقامات في ظهور التوحيد لهم ولغيرهم حين كونهم مقامات الله وآياته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان وقد علمت ان الحوادث كلها يجمعها الفعل والمفعول والفعل قد عرفت ان له اربع مراتب كما تقدم

والمفعولات كلها تدور على امر واحد كما قال عز وجل خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وقال وما امرنا الا واحدة وقال وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فتكون مراتب الخلق كلها خمسة اربعة مراتب الفعل وواحد رتبة المفعول

وظهور الحق سبحانه للخلق بالخلق فيكون ظهور التوحيد في كل مرتبة على حسبها كما قال عز وجل ولكل وجهة هو موليها فيكون ظهور التوحيد ايضا خمسة

الاول ظهور الباطن

والثاني ظهور الباطن من حيث هو باطن

والثالث ظهور الظاهر

والرابع ظهور الظاهر من حيث هو ظاهر

والخامس نفس الظهور

ولما كانت الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله محل جميع المظاهر وحامل كل الظهورات كما قال عز وجل في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن كانت هذه المراتب مجتمعة في كل من الائمة عليهم السلم فترتقى المراتب باضافة هذه المراتب الخمسة الى الاربعة‌ عشر الى السبعين ولذا وضعت لهم كلمة كن فافهم

ولهم ايضا عليهم السلم مراتب بحسب الظهورات الفعلية التي هم عليهم السلم محلها ومعدنها واصلها وينبوعها يطول الكلام بذكرها وذكر احوالها وفيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية

واما محل تلك الذات المقدسة ورتبتها بمراتبها ففي المقام الاعلى محلها الامكان الراجح وفي المقام الاسفل الاعلى محلها الوجود الراجح من قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور وهو يشمل المقامين ويعم المنزلتين ولذا ظهروا عليهم السلم في كل ذرة من ( في خ‌ل ) ذرات الامكان والاكوان والاعيان

واذا ( فاذا خ‌ل ) سئلت عن الوقت فاعلم ان وقتهم الاولي السرمد المحيط بكل الدهر والزمان وهو الازل الثاني في قوله عليه السلم انا صاحب الازلية الاولية وفي رواية انا الازلية الثانية وهذا الازل بالنسبة الى الازل الآزال فاني باطل مضمحل وهو سبحانه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى فافهم

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الحادية‌ عشرة - هل الكليات الثلثة من المنطقي والعقلي والطبيعي موجودة في الخارج ام لا

اقول اعلم ان القوم اتفقوا على ان الكلي المنطقي والعقلي لا يوجدان في الخارج وانما هما في العقل فحسب

اما الكلي المنطقي فلانه هو المفهوم اي ما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين وكلما في الخارج محدود متناه

واما العقلي فلانه مجموع العارض والمعروض فلا يمكن وجوده في الخارج اذ لا يمكن وجود احد اجزائه فيه ولذا قالوا ان المركب من الداخل والخارج خارج

وانما اختلفوا في الكلي الطبيعي فقال قوم بوجوده في ضمن الافراد

وقال الآخرون بعدمه

وانما الموجود افراده واشخاصه لا ذاته وانما هو امر اعتباري انتزاعي فلا وجود له ولهم على ذلك ادلة اخترعوها بل اقترحوها

اقول اما على القول بان الكلي الطبيعي موجود في الخارج فلا مناص عن القول بوجود اخويه لان الكلي الطبيعي هو الحقيقة الساذجة لا بشرط الغير الملحوظة فيها العموم والخصوص والكلي المنطقي ملاحظة صلاحيته للعموم وللكثرة والعقلي اثبات هذه الصلاحية له فلو لم يكن هذه الصلاحية ثابتة لتلك الطبيعة كان اثباتها لها كذبا ومنه يلزم ان يكون القول بالكلي ( بالكلي الطبيعي خ‌ل ) المنطقي كذبا والضرورة تقضي ببطلانه مثلا اذا اردت ان تقول زيد قائم فتلاحظ زيدا اولا مع قطع النظر عن جميع خصوصيات الصفات ثم تلاحظ القائم ( القيام ظ ) صفة ثانية ثم تلاحظ نسبة القيام بزيد ثم تحكم على زيد بالقيام فلو لم يكن زيد صالحا للقيام قبل ملاحظتك كانت ملاحظتك اياه كذبا وباطلا وكان اخبارك بذلك ايضا كذلك

فاذا قلت الانسان كلي بمعنى لا يمتنع فرض صدقه على الكثيرين ( كثيرين خ‌ل ) فقد لاحظت تلك الطبيعة اولا مجردة عن كل القيود من العموم والخصوص والكلية والجزئية ثم لاحظت معنى صدقه على كثيرين ثم لاحظته فوجدته صالحا لذلك في الواقع سواء لاحظته ام لا كما في القيام ثم حكمت عليه بذلك فان كان قولك الانسان كلي بهذا المعنى صدقا يجب ان لا يكون منوطا بذهنك وبعقلك بل يكون موجودا وموصوفا بالكلية سواء فرضه الفارض او اعتبره المعتبر ام لا والا فيجب ان لا يكون الانسان كليا اذا لم يتصوره متصور ولم يتعقله متعقل فحينئذ يكون القول بان الانسان كلي في الواقع كذبا فيكون هذه القضية من القضايا الكاذبة مثل الخمسة زوج اذ ليس لها وجود واقعي الا ما اخترعه في الذهن فانتقش في الخارج للحكم الوضعي عند اهل الاصول فيجب ان يصدق ان الانسان ليس بكلي في الواقع

والفرق بين القضايا الذهنية والواقعية على ما قالوا هو ان النسبة الحاصلة الثابتة بين المنتسبين ان كانت حاصلة ثابتة سواء فرضها الفارض واعتبرها المعتبر ام لا فالقضية واقعية وان لم يكن ( لم تكن خ‌ل ) لها تحصل الا في الذهن ارتفع الذهن بطلت القضية كانت ذهنية

ولا شك ان حقيقة الانسان وطبيعة ذاته وكونه صالحا للتقييد بالقيود الكثيرة لو لم تكن موجودة ثابتة وانما هي محض اختراع الذهن كان الحكم عليه بالكلية الواقعية باطلا فاسدا كالحكم على الخمسة بانها زوج والبديهة تحكم بفساد هذا القول

والحق في المسئلة ان الكلي الطبيعي موجود في الخارج وجودا حقيقيا ثابتا مستقلا لكن في مقام ورتبة فوق رتبة الافراد والاشخاص وله ظهور في الافراد كظهور الماء في الاشجار والاحجار وساير المعادن والحيوانات والانسان

وكذلك الكلي المنطقي والعقلي بل هذه الكليات اشد تحققا وتأصلا من الافراد والجزئيات لكن لما كان جهة الانجماد والكثرة في الافراد غالبة تأصلت عند اهل الانجماد وخفيت تلك الحقايق والكليات في ابصارهم واعينهم لان الاشياء كلها انما صدرت من المبدء الحق سبحانه وتعالى بجميع مراتبها وقد دل الدليل العقلي والنقلي ان كل اثر يشابه صفة فعل مؤثره وفعل الله سبحانه في كمال الشمول والانبساط والاحاطة والقيومية فوجب ان يكون اول ما يتعلق به الفعل في كمال الانبساط والاحاطة والشمول ثم ذلك الامر الواحد العام الكلي بحسب تلاحق الصور والاعراض والحدود والمشخصات تتقيد وتتخصص الى ان يصير شخصا واحدا لا يشمل غيره فينجمد بعد ما كان ذائبا فاول ما يبرز عن المبدء هو طبيعة ساذجة وذات بلا اعتبار وشرط وبها تحكي ظهور التوحيد الالهي الغير المشوب بشيء من انحاء الكثرات وحدود الانيات ثم بعد ذلك يذكر فيها صلوحه للتعين بالحدود المشخصة الغير المتناهية ثم بعد ذلك تلاحظ تلك الطبيعة من حيث صلوحها للكثرات ثم بعد ذلك تلاحظ تلك الطبيعة مع حد واحد من تلك الحدود والمشخصات فتتشخص بالتشخص الخاص ولذا تجد كلما هو اقرب الى المبدء كان انبساطه وشموله اكثر مما هو ابعد انظر الى بسائط العناصر كيف لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين فتصدق على كل مذروء ومبروء من العناصر وهي موجودة في الخارج بل في الاجسام

والذهن مرآة وعين بها تدرك الاشياء الغيبية كالعين الحسية فلا تدرك الا ما هو موجود في الخارج في خزاين الله تعالى كما قال عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه كما انك ما ترى ببصرك الا الموجود في الخارج كذلك ما ترى بذهنك فانه في الخارج بحسب عالمه لان الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظايرها

والعالم عالمان عالم الغيب والشهادة فكما ان الله سبحانه جعل لك لادراك عالم الشهادة آلات واسبابا بها تنظر اليها وتدركها كذلك جعل لعالم الغيب اسبابا وآلات فما تدركه بذهنك وهو ( بذهنك هو خ‌ل ) موجود في الخزاين الغيبية كالحواس الظاهرية فلا تتوهم انك لا تدرك ( تدرك خ‌ل ) شيئا وليس لها وجود في الخارج في الخزاين الا ان الخزاين على قسمين غيبية وشهودية والحسنى والسوءي فكل الكواذب في الخزاين السوءي فالاعدام والممتنعات التي تدركها كلها امكانات ووجودات امكانية تسميها اعداما في الكون وقد قال مولينا الصادق عليه السلم كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم وقال الرضا عليه السلم لم يتصور احد شيئا الا وقد خلقه الله قبل ذلك حتى لا يقال لم لم يخلق ذلك

وقال الصادق عليه السلم عند اختلاف زرارة وهشام في النفي فقال هشام النفي شيء وقال زرارة النفي ليس بشيء

قال عليه السلم لزرارة قل بقول هشام في هذه المسئلة

وقال امير المؤمنين عليه السلم انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها وامثال ذلك من الاخبار كثيرة

فاعرف مما ذكرنا واشرنا الى نوع الدليل ان كل شيء مما حوته دائرة الامكان مما تعقله وتدركه وتخيله وتصوره وتتوهمه وتحسه كل ذلك موجود بوجود مغاير لوجودك وانت انما انتزعته الى ذهنك كانتزاع المرآة الصورة عن المقابل وقد اقمنا على ذلك براهين قطعية من العقلية والنقلية في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا واشرنا الى نوعها هيهنا فخذه وكن من الشاكرين وقس عليه حال الكليات الثلثة مع ان تلك الكليات على ما ذكرنا لك هي اشد تحققا وتأصلا من الاشخاص والافراد

والكلي مادة بحصة وظهور حقيقته للجزئي والجزئي جزء والكلي كل فافهم راشدا

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثانية ‌عشرة - ما تعريف العقل وكيف ادراكه

اقول العقل نور الهي بدا من الاختراع الاول جوهر مجرد عن المادة الملكوتية والجسمانية والشبحية البرزخية وعن المدة المقدارية المثالية والمدة الزمانية اول نور مشرق من صبح الازل وآدم الثالث واول ولد تولد من آدم الثاني الذي هو الوجود المقيد اعني الماء النازل من سحاب المشية الذي به كل شيء حي ومن حواءه ارض الجرز ارض القابلية اي الماهية الاولى وهو اول غصن اخذ من شجرة الخلد وهو القلم في قوله تعالى ن والقلم وما يسطرون وهو الطور وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وهو النور الابيض الذي منه ابيض البياض وهو روح القدس وهو الملك المسدد للانبياء وهو العمود من النور الذي به يرى الامام عليه السلم احوال الخلايق وهو النفس الرحماني الثالثي وهو عبد من عباد الله قائم في طاعة الله صورته هيكل التوحيد وصفته الرضا والتسليم ومقامه الركوع وطبيعته البرودة واليبوسة في ظاهر ذاته وعمله والبرودة والرطوبة في ظاهر فعله والحرارة واليبوسة في اصل ذاته وادراكه المعاني الكلية المجردة عن الصور النفسية والمثالية والجسمية ودليله الموعظة الحسنة وسبيله اليقين وطريقته التقوى وعلم الطريقة وصفته الاستقامة ومكانه كل الممكن المكون الموجود بالوجود الكوني ووقته الدهر وهو الوقت الثابت ( الثالث خ‌ل ) المستمر الذي يجمع المختلفات ويفرق المجتمعات الزمانية ولونه البياض في صفته والسواد في ظاهر ذاته والحمرة في باطن حقيقته مقبل على الله عز وجل فلما خلقه الله سبحانه قال له اقبل فاقبل فاظهر الله سبحانه باقباله الذي هو ادباره عنه حقايق الاكوان ومستجنات غيوب الاعيان ففي كل مرتبة نازلة اظهر قشره واستتر في لبه الى ان ظهرت القشور المتراكمة وخفي اللب المقصود بالحقيقة ثم امره سبحانه بالاقبال فكان اقباله بحسب الاسباب الظاهرية والباطنية فظهر بظهور الاسباب عند بلوغ الولد اوان الحلم فهناك اول ظهوره ومقام كمال الولد فيتكلف ( فيكلف خ‌ل ) ليكون سببا لكمال الظهور ومستشرقا بشوارق النور والظهور فهو في اول ظهوره عقل بالملكة اي بالاستعداد والتهيؤ القريب الى الفعل بكمال الظهور والا فهو فعلي فاذا قوي في العلم والعمل كان عقلا بالفعل اي يكون جميع مداركه واحواله حاضرة لديه وهو ناظر الى جميع ( بجميع خ‌ل ) الاحوال ( الاسباب خ‌ل ) السفلية ومطلع على جميع مراتب الوجودات المقيدة واذا قوي ايضا بالعلم والعمل كان عقلا مستفادا فيعود الى بدئه ويحصل له الاتصال بعالم اللانهاية فيقف حينئذ على باب فوارة النور فلا غاية لادراكاته ولا نهاية لظهوراته وهذا هو العقل الكلي في العالم الاكبر والعقل الجزئي في كل فرد وشخص من افراد الانسان او ( وخ‌ل ) ما هو يعم الكل من افراد الموجودات كما هو الحق وهذا عليه مدار التكليف والسعادة والشقاوة والثواب والعقاب

ولما كان كل شيء مركبا من النور والظلمة متعادلان متعاكسان ( متعادلين متناكسين خ‌ل ) في الفعل وكان للعقل ايضا ضد وهي ماهيته لكنها ضعيفة مغلوبة لتراكم الانوار فيه لكونه من الخلق الاول ولكن العبد اذا انهمك في المعاصي واعرض عن الله عز وجل وخالف اوامره ونواهيه وبادره ( بارزه خ‌ل ) بالعصيان والطغيان يضعف ذلك النور ويخفى وبقدره يقوى ( تقوى خ‌ل ) تلك الظلمة وتظهر الى ان تذهب النور بالكلية ولم يبق له اثر وتأثير الا بقدر ما يمسك الوجود وتستقل الظلمة وتقوى ويكون لها التأثير والاثر فينقلب ذلك النور الذي به عبد الرحمن واكتسب الجنان الى النكراء والشيطنة يعني يخفى ذلك ويظهر هذه فيبقى للشخص حينئذ ادراك وتمييز ويدرك الكليات ويفهم الدقايق ويقع عليه التكليف لكنه لا يميل الى الخير ولا يحبه ولا يقبل على الله عز وجل ولا على اوليائه وانما هو يبغضهم ويكرههم وهذا معنى قوله عليه السلم لما سئل عن العقل

قال عليه السلم ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان

قال والذي في معوية

قال عليه السلم تلك النكراء والشيطنة وليست بعقل ولكنها شبيهة بالعقل انتهى وهو ما ذكرنا لك من ان الضدين متعادلان ومتعاكسان في الاحوال كلها فضد النور الكلي ظلمة كلية فافهم وقد يطلق العقل على ما سوى الخارج من الحواس الباطنية سواء كانت تدرك الكليات او الجزئيات وهذا اذا قالوا المعقول في مقابلة المحسوس وكما قال المنطقيون في تفسير العلم انه الصورة الحاصلة في العقل او عند العقل ويريدون به الذهن ما سوى الخارج ليكون تفسيرهم جامعا ومانعا وهذا الاطلاق يرجع حقيقة الى ما ذكرنا لكنه على طور دقيق رشيق كتمانه اولي من بيانه لان من الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل وقد قال سيد الساجدين عليه السلم لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثالثة‌ عشرة - هل بين الالفاظ ومعانيها مناسبة ذاتية بها حصلت الدلالة ام لا بل بمجرد الوضع

اقول الذي تقتضيه ادلة التوحيد بعد ثبوت القول بان الواضع للالفاظ كلها هو الله سبحانه هو اثبات المناسبة بين الالفاظ ومعانيها ليخرج فعله تعالى عن العبث اذ القول بان الله تعالى جعل بعض الالفاظ لبعض المعاني حرفا واحدا كهمزة الاستفهام والباء للصلة وللقسم وللتعدية وغيرها والتاء والواو وامثالها وبعضها ثنائية كقد ولا وما وان وامثالها وبعضها ثلاثية وهي كثيرة وبعضها رباعية وبعضها خماسية واختص بعض الحروف بكونها اصلية وبعضها بكونها زوايد وغير الاوضاع الحرفية في الرسوم اللفظي وامثالها من القرانات والاوضاع والاحوال كل ذلك عبثا وهباء من غير داع وخصوصية لا يصدر عن ( من خ‌ل ) عاقل والله سبحانه نص في كتابه العزيز وقال عز من قائل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى وما امرنا الا واحدة وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت

ولما نظرنا في الذوات والقرانات الوجودية الذاتية ووقوعها على هيئة مخصوصة واقتضاءاتها لخواص وآثار معينة وجدنا كلها لنسبة مقتضية لذلك القران انظر الى ترتيب الفصول الاربعة واحوالها واوضاعها وما يترتب عليها ووجود الاثمار في اماكن وفصول معينة وعدمها في غيرها وكذلك المعادن وتوفر الثلوج والامطار في بعض الاماكن وقلتها في بعضها وعدمها في الآخر هل تجوز ان يكون هذه الاختلافات كلها عبثا وهباء فتبطل اذن الحكمة ويستلزم الظلم والبخل حيث امد بعض الاشياء بالمدد والفيض ومنعهما عن الآخر وثبوت الحكمة ووجود المناسبة المقتضية لترتب تلك الآثار والمقتضيات امر ضروري بديهي سيما على مذهب الامامية الاثني‌ عشرية الفرقة الناجية فكيف يراعي سبحانه المناسبة في الاكوان العنصرية الوجودية ولا يراعيها في الالفاظ والاحوال الوضعية وهو سبحانه يقول وما امرنا الا واحدة فكما ان اصول الموجودات اربعة وكل الكليات ( الكائنات خ‌ل ) خصوصا العالم الجسماني انما حصلت من قرانات هذه الاربعة على نظم طبيعي محكم متقن كذلك اصول الحروف ثمانية وعشرون والاسماء والالفاظ كلها انما هي مركبة من قرانات هذه الحروف بعضها مع بعض

والقول بان الارادة مخصصة غلط فان العبث هو ارادة الشيء من غير موجب وداع الى ذلك مع ان ارادة هذا الشيء مثلا وعدمها في نفسها ممكن وهو لا يوجد الا بمرجح خارجي اذ لو كان ذلك نفسه لزم التسلسل فثبت ان ترجيح احدى الجهتين يحتاج الى مرجح آخر غير الارادة فوجب القول بان الله سبحانه خلق ثمانية وعشرين حرفا هي مواد الالفاظ والاسماء فاذا اراد وضع لفظ لمعنى خاص اخذ حروفا يناسب ذلك المعنى والفها بهيئة مناسبة سواء كانت المناسبة نوعية او شخصية فان المعنى روح اللفظ كما قال امير المؤمنين عليه السلم المعنى في اللفظ كالروح في الجسد

ولا شك ان بين الروح والجسد مناسبة خاصة يقتضي تعلق تلك الروح بذلك الجسد فاذا اراد الله ان يخلق روحا ويظهرها في الوجود خلق لها جسدا يناسبها حتى اذا تم ولجته الروح كما هو المعلوم

والواضع انما وضع هذه الالفاظ وخصصها للمعاني الخاصة لما بينهما من المناسبة في الصفات والذوات وجهات المناسبة مختلفة والاشياء لها جهات متضادة فمن هذه الجهة لا يمكننا ادراك جميع المناسبات في الالفاظ كلها ويصح ان يوضع لفظ واحد لمعنيين متضادين لان كل شيء له ضد ولا يتركب الا من ضده فيناسب كل ضد بالجهة الخاصة به كما ان الانسان يناسب النار لذاته ويناسب الماء كذلك ويناسب الهواء ويناسب الارض وكلها متضادة ويصح ايضا النقل واختلاف اللغات لما ذكرنا

ولما كانت المناسبة تختلف بالشدة والضعف جاز الحقيقة والمجاز ولما كانت المناسبة اعم من ان تكون شخصية ونوعية جاز وضع الاعلام الشخصية والناس لما لم يعثروا على هذه الحقايق انكروا المناسبة واذا لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم وانت اذا تتبعت الاخبار وامعنت النظر فيها وجدت ( وجدت ان خ‌ل ) هذه المناسبة من الامور المعلومة عندهم عليهم السلم الا ترى كيف افحم الامام عليه السلم ذلك الزنديق لما سئله عن اسمه قال اسمي عبد الملك فسئله عن كنيته قال ابو عبد الله قال عليه السلم من هذا الملك الذي انت عبد له امن ملوك الارض ام ( او خ‌ل ) من ملوك السماء واخبرني عن ابنك هل هو عبد اله الارض ام اله السماء فانقطع الرجل ولم يحر جوابا

فلو لم يكن بين الالفاظ والمعاني مناسبة لجاز للرجل ان يقول كون اسمي عبدالملك لا يدل على ان يكون لي مولي ارجع اليه لانه اسم وضعه لي ابي ليدل على ولا نسبة بين اللفظ والمعنى او تجوز ان الامام عليه السلم اراد افحامه وان كان على الباطل حاشاهم عن ذلك

وقال عليه السلم في العبد انه ثلثة احرف العين علمه بالله والباء بونه عن الخلق والدال دنوه من الخالق من غير كيف

وقال عليه السلم في الله الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا

وقال عليه السلم في بسم الله ان الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله

وفي رواية مجد الله

وقال في قل هو الله ان الهاء اشارة الى تثبيت الثابت والواو اشارة الى الغايب عن درك الحواس

ولمس الناس وامثالها من الاخبار كثيرة يقف عليها الفطن الماهر وقد افردت رسالة منفردة في هذا الباب وذكرت فيها جميع ايرادات الواردة التي اوردوها وحققت المسئلة فيها كما ينبغي فمن اراد الاطلاع على حقيقة الامر فعليه بمطالعة تلك الرسالة فان ما فيها غنية للطالب الصادق

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الرابعة ‌عشرة - ما الوجه في تركيب الاشياء من الضدين وكيف لا يمكن تركيبها من المتوالفين او المتخالفين الذين لم يبلغا حد التضاد

اقول قال مولينا الرضا عليه السلم على ما رواه الصدوق في التوحيد والعيون ما معناه ان الله عز وجل لم يخلق فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه فخلق كل شيء من ضدين وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون انتهى الحديث

ويريد عليه السلم ان صفات المخلوق من حيث هو مخلوق يجب ان يكون بخلاف صفة الخالق حتى لا يشبهه شيء ولا يوافقه شيء ولان الممكن فقير محض وصفاته كلها من مقتضيات ذاته بل اقل رتبة منها فان الصفات تحت رتبة الذوات فصفات الممكن بالفقر اولى فلا يصح توصيف الممكن بصفات الوجوب الذي هو الغناء المحض

ولما كان الواجب سبحانه غني مطلق وكامل مطلق وبسيط مطلق ليس فيه سبحانه جهة تضاد واختلاف واراد ان يصف نفسه للخلق بذواتهم وكينوناتهم خلقهم سبحانه على جهة التركيب والتضاد وركبهم من اشياء متضادة ليعلموا ان صانعهم منزه عن ذلك وهو قوله عليه السلم بمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له وبتجهيره الجواهر علم ان لا جوهر له

ولما كان صنعه متصلا وامره واحدا خلق كل شيء على هيئة كل شيء وجعل في الجزء ما جعل في الكل وجعل في السافل ما جعل في العالي فيجب ان يكون كل شيء مركبا من ضدين ليعلم ان لا ضد له

وايضا قدرة الله سبحانه تامة كاملة فوق التمام والكمال فيجب ان يجري سبحانه فعله وايجاده على اكمل ما يمكن في القدرة ويكون بذلك دالا على كمال قدرته البالغة ونعمته الكاملة

ولا شك ان التركيب والجمع بين الضدين بحيث يكون في عين التركيب والامتزاج متمايزين في الفعل والاثر على صرافة حال البساطة شيء لا يطيقه احد من المخلوقين وهذا دليل على كمال قدرته سبحانه فيجب ان يخلق هكذا وان يركب الاشياء من الاضداد

وايضا قد سبق منا ان الاثر كلما كان اشرف يدل على كمال شرف المؤثر ولا شك ان الاثر المختار اشرف واعظم من الاثر المضطر والله سبحانه لا يؤثر الاشرف على الاخس لسعة قدرته وعموم علمه وكمال استغنائه عن ما عداه فوجب ان يكون اثره مختارا ذا شعور وادراك والاختيار لا يكون الا ان يكون في الشيء جهتان متضادتان ليقتضي بجهة حكما وامرا وبالجهة الاخرى عدمه وضده حتى يمكن ان يكون موردا للامر والنهي فلو كان له جهة واحدة لا يقتضي الا حكما واحدا فيكون مجبورا

ولا يصح ان يكون الايجاد على مقتضاه كما تقدم فوجب ان يخلق الاشياء كلها من قبضة من النور وقبضة من الظلمة فالنور يقتضي الحرارة والظلمة يقتضي البرودة فمن امتزاجهما حصلت الرطوبة واليبوسة وجميع الاشياء انما حصلت من هذين الاصلين الحقيقيين فافهم

وايضا كل شيء لما بدا من المبدء الفياض حصلت له جهتان جهة الى ربه وجهة الى نفسه كما في الحديث يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي

فاذا تحقق لكل شيء جهتان فلا شك انهما متمايلتان ( متقابلتان خ‌ل ) في الاقتضاء والميل والاثر لان جهة نفس الشيء ظلمة وجهة ربه نور تلك شجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار وهذه شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فيكون كل شيء مركبا من ضدين وهو قولهم المتفق عليه كل ممكن زوج تركيبي

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الخامسة‌ عشرة - ما وجه تقسيم الاشياء الى الكثيف واللطيف والالطف

اقول اما الكثيف فهو الاجسام بمراتبها واحوالها واوضاعها اي الجواهر المقترنة بالمادة العنصرية الفلكية والوسيطة ( الوسطية خ‌ل ) والمدة الزمانية

واما اللطيف فهو النفوس اي الجواهر المجردة عن المادة الجسمانية والمثالية والمدة الزمانية والبرزخية الشخصية ( الشبحية خ‌ل )

واما الالطف فهو العقول اي الجواهر المجردة عن المادة النفسانية والمثالية البرزخية والجسمانية والمدة الزمانية

فالاول له اقتران بالمواد

والثاني لا اقتران له بها الا من جهة العقل و

الثالث لا اقتران له بها اصلا لا في الذات ولا في الفعل وقد يراد من الالطف الحقيقة المجردة عن السبحات الفعلية وان كانت مع السبحات الذكرية اي محل اسم الرحمن وموضع سر الديان

ووجه حصول هذه الاقسام اختلاف اجابتهم لقول بلى حين كلفهم الله سبحانه بسر كينونتهم بلسان حقايقهم الست بربكم فتقدم العقول فتحلى بحلية الوجود وصار اقدم والطف واشرف من كل المراتب لانه اول من وقع عليه فعل الفاعل وجعل الجاعل

ثم بعد ذلك اجابت النفس فكانت من الروحانيات لكنها اغلظ من العقل واكثف وان كانت هي مجردة بسيطة ثم بعد ذلك اجابت الاجسام ولبت لداعي الحق سبحانه الملك العلام فصارت كثيفة لانها آخر من لبي لذلك النداء وآخر من سمع نداء اني انا الله

ثم هذه المراتب المجتمعة في كل شخص تختلف مراتبها ومقاماتها باللطافة والكثافة والشرافة والغلظة واشرفها واعلاها والطفها وارقها الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فان اجسامهم عليهم السلم علة لوجود ذوات الانبياء وهم عليهم السلم اشرف والطف من الانسان طبقة الرعية وهم الطف من الملئكة والجن وهم الطف من الحيوانات اي البهايم وهم الطف من النباتات وهي الطف من الجمادات واليها انتهت الكثافات

وهذا الترتيب لاختلاف اجابتهم حين سئلهم الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ امير المؤمنين واولاده الطيبون الطاهرون وفاطمة الصديقة الطاهرة عليها وعليهم السلم اوليائكم فاجابت الهياكل الاربعة‌ عشر هذا النداء اولا فتقدموا على كل البريات وصاروا (ع) محلا للمشية وموضعا للرسالة قال تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته

وكيفية السؤال والاجابة مما نعتذر عن بيانها لصعوبة برهانها فانها تدرك بعين الفؤاد واني للواقفين مقام الاجسام والنفوس بل العقول ذلك الاستعداد

قال سلمه الله تعالى : المسئلة السادسة ‌عشرة - ما الوجه في بطلان كون المفهوم للواجب سبحانه

اقول المفهوم هو الذي يحصل في الذهن مما انتزع من الخارج على ما هو التحقيق عندنا او مطلقا على ما هو عند القوم وهم يريدون بمفهوم الواجب المعنى الكلي العام الذي يصلح لافراد غير متناهية لكنه ما وجد من افراده الا الفرد الواحد الذي هو الله سبحانه فيكون مفهوم الواجب كليا منحصرا في الفرد ويمتنع الافراد الاخر للمانع وقد تقدم الكلام عليه في اول المسائل لكنا نقول هذا المفهوم كذب او صدق فان كان الاول فلا كلام وان كان الثاني فيكون الله سبحانه ذا اجزاء لان الفرد مركب من الكلي والحدود المشخصة فان لم تعتبر الحدود المشخصة فهو كلي على صرافته

فان قلت هذه الحدود بذاته

قلت اذن بطلت الكلية لاستحالة ان يكون الشيء خاصا حين كونه عاما جزئيا حين كونه كليا الا باعتبارين فاذا تحقق الاعتباران تحققت الجهتان فجاء التركيب

ثم على ما اخترنا ان الكلي الطبيعي موجود في الخارج وكذا غيره فاين يوجد هذا المفهوم هل هو في الازل ام في الامكان فان كان في الازل فهو مقدم على الله لانه فرد والكلي مقدم على فرده بالضرورة فيكون هو الله سبحانه لكونه سابقا ولا يصح ان يسبقه شيء وان كان في الامكان فلم يكن واجبا لاستحالة اجتماع الوجوب والامكان وان كان ليس شيئا الا في الاذهان فالله سبحانه قبل خلق الخلق لم يكن فردا ولم يكن الواجب حينئذ مفهوما كليا وانما صار كذلك حين ايجاد الخلايق فان كان كما ذكرنا كانت له سبحانه حالتان حالة قبل الخلق كان ذاتا بسيطة ولم يكن تحت مفهوم كلي وبعد الخلق صار كذلك هل هذا كلام العقلاء

فظهر لمن له عين وقلب ان هذا المفهوم امر باطل وكذب وافك فاسد زايل مما قال سبحانه وتخلقون افكا والا فهو جل وعلا اعز واجل من ان يكون تحت مفهوم او يشمله كلي اذن يكون وجوده زايدا على ذاته

وفصل القول ان لهذا المفهوم ان كان تأصل في غير الاذهان وله تحقق وثبات فلا يخلو اما ان يكون واجبا او ممكنا فان كان واجبا فلا يخلو اما ان يكون هو عين ذات الله سبحانه من غير مغايرة او غيرها فان كان الاول فبطلت الكلية والفردية وانما هما شيء واحد بكل اعتبار

وعلى القول بان اسماء الله توقيفية كما هو الحق يمنع اطلاق المفهوم عليه تعالى لعدم وروده من الشارع

وان كان الثاني فلا شك ان المفهوم لكونه كليا صادقا على كثيرين مقدم على الفرد بالذات فقد تقدم حينئذ شيء على الله سبحانه ذاتا وقد اجمع المسلمون على بطلانه مع ما يلزم من تعدد القدماء واختلاف الحالتين وامثال ذلك

وان كان المفهوم ممكنا فلا يشمل الواجب فلا يكون الله سبحانه احد افراده وان لم يكن له تأصل وتحقق الا في الاذهان فلا ذكر له قبل الاذهان وبعدها فلا يوصف الحق سبحانه في القبل والبعد بانه فرد للمفهوم ولا يوصف الواجب بانه مفهوم كلي فعند الاذهان وتحققه فيها فهل يؤثر في ذات الله سبحانه شيئا اي يورث له حكما وصفة لم يكن قبل ذلك ام لا فان كان الاول فاختلفت حالتاه وكان للاثر الممكن تأثير في المؤثر الواجب سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا

وان كان الثاني فيكون كذبا وافكا كما قال عز وجل وتخلقون افكا

ثم الخطب الاعظم جعلهم المفهوم امرا مقسما للواجب والممتنع والممكن وجعل الثلثة اقساما لحقيقة واحدة مع اتفاقهم على ان المقسم يجب ان يكون معتبرا في الاقسام فان كان المفهوم شيئا فكيف يكون احد اقسامه اللاشيء البحت الذي عدمه ضروري وشيئيته محال

وان كان ليس بشيء ( لشيء خ‌ل ) فكيف يكون احد اقسامه الشيء البحت الثابت الذي لاشيئية لغيره بالنسبة اليه واتفقوا والواسطة بين الشيء واللاشيء والقديم والحادث ممتنعة لاستلزام كون الشيء الواحد مخلوقا حين كونه غير مخلوق وغير مخلوق حين كونه مخلوقا وهذا لا يعقل لان التعقل انما هو باحداث الصورة في القوة العاقلة ولا يمكن ان تحدث النفس في الخيال صورة حين عدم تلك الصورة او حين احداث صورة عدمها او حين عدمها ولذا قال مولينا الصادق عليه السلم اذ ليس بين النفي والاثبات منزلة

وقد اتفقوا ايضا على ان كل قسم قسيم للقسم الآخر والقسيم هو الضد فيكون على هذا لله تعالى ضد وان يكون الممكن ضدا للواجب

واتفقوا ايضا ان ضد الشيء من حيث هو لم يصدر من ضده فلم يكن الله تعالى خالقا للممكن حينئذ

واتفقوا ايضا على ان المقسم غير الاقسام فيجب ان يكون المفهوم على هذا لا واجبا ولا ممتنعا ولا ممكنا

واتفقوا على بطلان القسم الرابع انظر الى هذه التناقضات وكيف يخالفون ما هم متفقون عليه

فان قيل ان هذا التقسيم في الذهن وليس في الخارج

قلنا هل هو كذب او صدق فان كان كذبا فهو المطلوب وان كان صدقا فهل يطابق الواقع ام لا فان كان يطابق فجاء ما قلنا وان لم يطابق فهو المراد

والاصل في هذه المغالطات كلها عدولهم عن القرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة وقالوا ربنا باعد بين اسفارنا وظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق

شعر :

ولو قلدوا الموصى اليه امورهم لزمت بمأمون عن العثرات

وقد اجرينا الكلام في هذا المقام على مقتضي دليل المجادلة بالتي هي احسن واما دليل الحكمة فالناظر اليه في هذا المقام يشاهد سرا غريبا وامرا عجيبا لكنا تركنا ذكره لعدم الاقبال وتطويل المقال وعدم الاعتدال في طبايع الرجال وعلى الله التوكل في المبدء والمآل

قال ايده الله تعالى ووفقه لمراضيه : المسئلة السابعة ‌عشرة - ما معنى قول امير المؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه

اقول لما دلت الادلة العقلية والنقلية على ان الادراك لا يمكن الا ان يكون المدرك محيطا على المدرك بفتح الراء او عينه امتنع ادراك الازل الواجب الحق سبحانه وتعالى فانسدت باب معرفته ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما

وقد دلت الادلة العقلية والنقلية ايضا على انه سبحانه وتعالى انما خلقنا لنعرفه ونعبده كما في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وقال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون

ولما استحالت معرفة الازل بذاته لم يبق الا معرفته بوصفه ولما كان الازل صمدا لم يدخل فيه شيء ولم يخرج منه شيء ليس لاحد سبيل الى توصيفه وتعريفه سواه وجب ان يصف نفسه لخلقه ويعرفهم اياها ليعرفوه بما وصف نفسه لهم ويعبدوه كذلك

ولما كان فعل الله سبحانه يجب ان يحمل على اكمل ما ينبغي في الوجود وجب ان يكون وصفه نفسه لخلقه اجلى ما يمكن من التوصيف والتعريف لئلا يكون لاحد حجة ويكون اكمال نعمة للمؤمنين واتمام حجة للكافرين المعاندين

ولما كان الوصف قسمين حالي ومقالي وكان الحالي اجلى من المقالي وجب ان يصف سبحانه نفسه لهم بالوصف الحالي يعني يخلق لهم امثاله وآياته وصفاته ليعرفوه بها

ولما كان الوصف كلما هو اقرب الى من وصف له كان ابلغ واكمل واقطع للحجة وليس شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه جعل سبحانه وله الحمد والمنة ذوات الخلايق وانفسهم امثالا وصفاتا لمعرفته في كل المقامات في توحيده وفي اسمائه وصفاته وفي آثاره وافعاله وفي عبادته فابان عن هذه الحقيقة بقوله الحق سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الا انه بكل شيء محيط وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون فهو سبحانه عرف نفسه لك بك فلولاه ما عرفته فهو تعالى بنفسه عرف نفسه لنفسك بنفسك

والى العبارة الاولى اشار عليه السلم في الدعاء يا من دل على ذاته بذاته وفي دعاء السحر بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم ادر ما انت

فكان الدعاء الثاني بيانا وشرحا للدعاء الاول بان المراد انه هو الذي دل على نفسه بنفسه بما وصف للخلق من امثال توحيده وآيات تفريده في انفس الخلق ولذا قال امير المؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه اي من عرف نفسه بما جعل الله سبحانه فيها من ادلة توحيده واسرار اسمائه وصفاته وكيفية عبادته وظهور آثاره فقد عرف ربه بما يمكن له ان يعرف لا انه يعرفه على ما هو عليه في ذاته حاشاه عن ذلك وانما هي المعرفة الكاملة الممكنة في حقه مما يجد من الصفات الالهية التي فطرت طويته وجبلته ( جبليته خ‌ل ) عليها

فحقايق الخلايق هي هيكل التوحيد ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه

ولما كانت مراتب الخلايق متفاوتة في العلو والسفل والتجرد والمادية والعلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية والقرب والبعد كان وصف الحق سبحانه نفسه للخلق ايضا على حسب مراتب الموجودات ولذا قيل ان الطرق الى الله بعدد انفس ( انفاس خ‌ل ) الخلايق

فوصف سبحانه نفسه للقوي بما هو عليه وللضعيف بما هو عليه ولا يعرف احد الا ما انتقش في لوح حقيقته من صفة توحيد ربه ومعرفة معبوده حتى قالت النملة ان لله زبانيتين

وقال النبي صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت الحديث ولا عرف عليّ عليه السلم من معرفة الله سبحانه ما عرفه النبي صلى الله عليه وآله والنبي صلى الله عليه وآله يقول ما عرفناك حق معرفتك

فالادراك الذاتي الازلي مما سده الغني المطلق عن كل مبروء ومذروء والادراك الوصفي تختلف مراتب الخلق فيه في القوة والضعف حتى كان ادراك الضعيف في التوحيد شركا بالنسبة الى ادراك القوي الا انه توحيد بالنسبة اليه لانه الذي اعطاه الله سبحانه حسب مسئلته ولا يكلف الله نفسا الا ما آتيها معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فعلى هذا تفهم معنى قول امير المؤمنين عليه السلم انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها انتهى المخلوق الى مثله والجاه الطلب الى شكله رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وهجم له الفحص على العجز والبلاغ على الفقد والجهد على الياس الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته نقلت معنى الحديث بتقديم وتأخير في اللفظ

وقول مولينا الصادق عليه السلم كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاتضح الامر لمن طلب الرشد والحق

واعلم انك لا تتوجه الا الى الحق القديم الازلي ولا تعبد الا الله الحي القيوم لكنه بقي الكلام في كيفية معرفة النفس التي هي معرفة الرب فقالت كل طائفة حسب ما وجدوا مقدار ما وصلوا لانهم لما نزلوا في القوس النزولي ففي ( ففي القوس خ‌ل ) الصعودي اختلفت مراتبهم فكل من وقف مقاما حسب انه وصل وصعد الى المنزل الاصلي والموطن الواقعي لكنه ليس كذلك ونعم ما قال :

خليلي قطاع الفيافي الى الحمي كثير واما الواصلون قليل

لان لهم علامات وحالات بها يعرفون انهم ممن اشهدهم الله خلق انفسهم وخلق السموات والارض فمنهم من قال في كيفية المعرفة انه يعرف نفسه اي روحه بانه ليس في الجسد ولا داخلا دخول الممازجة ولا خارجا عنه خروج المفارقة وليس في مكان خاص في الجسد ( جسد خ‌ل ) ولا يخلو منه مكان فيه وهو المقوم للجسد والمحصل الممد له فاذا عرف هذا في نفسه عرف ربه بالنسبة الى العالم الكلي هذا معرفة اولي العلم اصحاب عالم النفوس مقام الرسوم والنقوش

ومنهم من قال يعرف نفسه بالعجز فيعرف ربه بالقدرة ويعرف نفسه بالذل ويعرف ربه بالعز ويعرف نفسه بالفناء فيعرف ربه بالبقاء ويعرف نفسه بالجهل فيعرف ربه بالعلم وامثال ذلك من الامور والاحوال وهذا معرفة اولي الالباب اصحاب عالم العقول

ومنهم من قال يعرف نفسه المنسوب اليها كل الاحوال وهي غيرها فيعرف ربه بذلك كما انه يقول جسدي وجسمي وخيالي ونفسي وروحي وعقلي وذاتي وكلي وجزئي واحوالي واعراضي وهو منزه ومبرء عن ذلك كله لضرورة المغايرة بين المنسوب والمنسوب اليه كما هي شرط الاضافة كذلك الله عز وجل يقول عبدي وملكي وسمائي وارضي واسمي وصفتي وهويتي وماهيتي وهو سبحانه منزه عن الكل والكل منسوب اليه وهذا على اعلى المعاني معرفة اولي الافئدة اصحاب الحقايق واهل المشاهدة

واصحاب الاذواق يقولون ان كيفية معرفة النفس كما سئل كميل عن امير المؤمنين عليه السلم وقال يا امير المؤمنين (ع) ما الحقيقة

قال عليه السلم ما لك والحقيقة

قال اولست بصاحب سرك

قال عليه السلم بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني

قال اومثلك يخيب سائلا

قال عليه السلم الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة

قال زدني بيانا قال عليه السلم محو الموهوم وصحو المعلوم

قال زدني بيانا قال عليه السلم هتك الستر لغلبة السر

قال زدني بيانا قال عليه السلم جذب الاحدية لصفة التوحيد

قال زدني بيانا قال عليه السلم نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره

قال زدني بيانا قال عليه السلم اطفأ السراج فقد طلع الصبح انتهى

والمراد بالحقيقة المسئول عنها هو النفس التي معرفتها هي عين معرفة الرب فبين عليه السلم انها بالمحو والصحو

ولو اردنا شرح هذه الكلمات لطال بنا المقال وانا النوام المكسال ومرادي الاشارة الى حقيقة المراد وقد كتب مولانا واستادنا اطال الله بقاه وجعلني في ( من خ‌ل ) كل محذور فداه شرحا مبسوطا كافيا وافيا لهذا الحديث الشريف فمن اراد ان يطلع حقيقة الاطلاع فعليه بمطالعة تلك الرسالة الشريفة

قال وفقه الله تعالى : المسئلة الثامنة ‌عشرة - كيف كان ظهور المعجزات وخوارق العادات عن مولينا امير المؤمنين عليه السلم وما معنى كونه عليه السلم آية للنبي صلى الله عليه وآله

اقول الجزء الاول من السؤال له وجهان : احدهما السؤال عن كيفية ظهور اصل المعجز عنه عليه السلم وعن غيره

والثاني عن ( من خ‌ل ) وجه شيوع ظهور المعجزات عن امير المؤمنين عليه السلم دون غيره من النبي والائمة عليهم السلم حتى ان الناس قالوا فيه بالالوهية لعظم ما يجدون منه ( يجدونه خ‌ل ) من الكرامات وخوارق العادات وبيان الخطب البليغة ووصف نفسه الشريفة بانه خالق الارضين والسموات باذن الله سبحانه مع ان ساير الائمة عليهم السلم ( السلم كانوا خ‌ل ) مشتركين معه في تلك المزايا والخواص وكان يثبت لهم ما كان يثبت له (ع) فاذن ما الوجه في ظهورها فيه (ع) وعدمه في غيره صلى الله عليهم

الجواب اما عن الاول فاعلم ان الاشياء على ثلثة اقسام منها ما لطيفته ( لطيفه خ‌ل ) انقص من ذاته يعني لا يقدر على اظهار ما استجن في امكان ذاته من الانوار فضلا عن غيره الا بمعونة الخارج

ومثاله في الظاهر الصخر وما اشبهها ليست هي نورانية ولا تنور غيرها

ومنها ما لطيفته ( لطيفه خ‌ل ) يساوي ذاته مثاله الجمرة فانها تضيء نفسها ولا يتعدى ضوءها الى غيرها فيضيء ذلك الغير ومنها ما لطيفته ( لطيفه خ‌ل ) زائدة على ذاته يعني يضيء ذاته ويضيء غيره وذلك كالاجسام المضيئة مثل الشمس والسراج وامثالهما

والامام عليه السلم لما كان منغمسا في بحر الاحدية وسابحا في لجة الواحدية ومصباحا موقدا من نار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية كان له عليه السلم نور زايد يستضيء به العالم فاذا اراد اظهار معجزة وخوارق عادة اتم بفاضل نوره ما كان في ذلك الشيء من النقصان حتى ظهر بكمال مرتبته عند اعتدال فطرته كما امر الشجرة بالكلام وامرها بالحركة والسكون والتقطع واظهار الثمرة المونعة وامره للحصى بالتسبيح والتهليل وامثال ذلك او بفاضل نوره يسد ما قد كان يحصل الخلل في العالم اذا تغير ذلك الشيء عما هو عليه وذلك كشق القمر ورد الشمس بعد غروبها وعروجه صلى الله عليه وآله في المعراج وخرقه الافلاك عليه السلم عند عروجه بجسده الى العرش

وربما يرقون السافل الى الاعلى كما رقوا الحمامة والغزال حتى تكلما باللغة العربية يعرفها كل من سمع وربما ينزلون في مقام اسفل كما تكلم مولينا الباقر عليه السلم مع تلك الحمامة حيث تكلم عليه السلم بكلامها معها وهذا هو الحكم الجامع في كل معجز لكل نبي او ولي او وصي او عبد صالح فانهم بفاضل نورهم يجبرون كل كسير ويصلحون كل شيء ثم يمدونه للاظهار كما فعل عليه السلم بصورتي الاسد المنقوشتين على مسند مأمون و

كذلك الهادي عليه السلم مع ذلك الهندي

واما الجواب عن الثاني فلما ذكرنا كثيرا في مباحثاتنا ورسائلنا خصوصا في الشرح على الخطبة الشريفة الطتنجية ان مقام رسول الله صلى الله عليه وآله مقام الاجمال ومقام عليّ عليه السلم مقام التفصيل فنسبة رسول الله (ص) نسبة العرش الفلك الاطلس الخالي عن الكوكب ( من الكواكب خ‌ل ) ونسبة مولينا امير المؤمنين عليه السلم نسبة الكرسي الفلك المكوكب مع ان الكرسي مستمد من العرش ترى الكواكب والآثار والتأثيرات انما هو في الكرسي بقرانات الكواكب بعضها مع بعض

ونسبة ساير الائمة عليهم السلم نسبة الافلاك السبعة وهي تستمد من الكرسي والكرسي يستمد من العرش لكن مبدء التفاصيل وظهور الامر انما هو في الكرسي حتى نسبوا التأثيرات الى الكواكب المركوزة في الكرسي ولا ينسبونها الى العرش مع انها كلها به ومنه وعنه

فنسبته صلى الله عليه وآله نسبة النقطة ونسبة عليّ عليه السلم نسبة الالف الممتد من النقطة ونسبة الائمة عليهم السلم نسبة الحروف فعلي عليه السلم امير المؤمنين والمؤمنون هم الائمة عليهم السلم وهو عليه السلام يميرهم العلم والحكمة ولذا كان ظهور المعجزات والخوارق من عليّ عليه السلام دون النبي وساير الائمة عليهم السلم وهو قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا المنذر وعليّ الهادي والهادي هو الموصل الى المطلوب من خير وشر ونفع وضر ( ضرر خ‌ل ) ونور وظلمة لانه الواقف في حجاب الرحمانية التي بها ظهر الله على العرش فاعطي كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فافهم راشدا موفقا ان شاء الله تعالى

واما كونه عليه السلم آية للنبي صلى الله عليه وآله لانه عليه السلم سبب ظهوره واظهار نوره وانتشار امره واعلاء ذكره وافشاء خبره اما في الظاهر فلان بسيفه عليه السلم ظهر الدين وباعانته قوي الاسلام والمسلمون اذ ما انتشر امر النبي صلى الله عليه وآله الا بعد الغزوات في جهاد الكفار وما حصل الفتح فيها الا بعليّ عليه السلم فكان هو آية للنبي صلى الله عليه وآله به اقام الدين واعز الاسلام والمسلمين

واما في الحقيقة والواقع فلما ذكرنا آنفا ان مقامه عليه السلم مقام التفصيل ولا يظهر المجمل الا في مقام التفصيل لان النقطة لا تظهر الا بالالف والعرش لا يتبين الا بالكرسي ولذا كان عليه السلم هو حامل لواء الحمد ومقامه مقام النفس الكلية ومقام النبي صلى الله عليه وآله مقام العقل الكلي ولا يظهر آثار العقل في مقام التفصيل وعالم الظهور الا في النفس فكانت النفس آية للعقل ولا يظهر الا بها فلولا النفس لم يكن للعقل ظهور ولو لم يكن الكرسي لم يكن للعرش ظهور فالكرسي آية للعرش ومحل لظهوراته كذلك عليّ عليه السلم آية للنبي صلى الله عليه وآله ولولاه لم يظهر آثار النبوة اذن يقبح بعث النبي (ص) لعدم الآية وهو معنى ما ورد لولاك لما خلقت الافلاك ولولا على لما خلقتك

قال ايده الله تعالى : المسئلة التاسعة ‌عشرة - لم كان الثواب على الطاعة عشرة والجزاء على المعصية بمثلها كما قال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها

اقول اعلم ان الله سبحانه وتعالى خلق الخلق من عشر قبضات من الافلاك التسعة ومن الارض فخلق من العرش قلبه ومن الكرسي صدره ومن فلك زحل عقله ومن فلك المشتري علمه ومن فلك المريخ وهمه ومن فلك الشمس وجوده ومن فلك الزهرة خياله ومن فلك عطارد فكره ومن فلك القمر حياته ومن العناصر الاربعة جسده فخلق من كرة النار مرته الصفراء ومن الهواء دمه ومن الماء البلغم ومن الارض مرة السوداء وبها تم هيكل الجسد فلما كانت الطاعة جهة النور والخير وقد خلقت مقصودة لذاته فاذا اقبلت على المؤمن اقبل المؤمن عليها بكله فكل جهة من جهاته تتوجه بالاقبال الى الطاعة لانها خلقت للخير والنور فتميل تلك الجهات بميل المؤمن الى الطاعة ميلا غريزيا فتستحق طاعة واحدة عشر مثوبات بعدد كل مرتبة وهذا اقل ما في الباب

وقد يكون الجزاء والثواب في بعض الطاعات اكثر كما في الانفاق كما قال تعالى مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء

ووجه المائة من جهة ملاحظة تلك العشرة معها في نفسها وقد يكون اكثر على حسب اقبال المؤمن او قوة تلك الطاعة اما من جهة الذات او من جهة القرانات والانتسابات

واما المعصية فمن جهة انها خلقت بالعرض فلا يقبل اليها المؤمن بالذات فاذا وردت على هذه المراتب ما قبلت الى ان وصلت الى الجسد فتستقر لمناسبة ظلمة الجسد بظلمة المعصية فيواقع الرجل المعصية وقلبه وساير قواه الباطنية منكر لها معرض عنها فاذا تاب وندم في تلك الحالة او بعد الفراغ من غير مهلة او مع المهلة قبل ان تمضي سبع ساعات فلا يكتب شيء لانها لطخ جزئي يسير زال قبل الاستقرار فاذا لم يتب حتى صعدت الابخرة المنتنة الى الخيال بعد الحس المشترك وخرقت القبضات السبعة الفلكية واستقرت في النفس فيظلم الرجل فيكتب بعد مضي سبع ساعات معصية واحدة لانها ليست باقبال المؤمن اليها بكله ولذا كانت جزاء المعصية واحدا

الى هنا تمت المسائل جعلنا الله واياكم ممن يقبل الى الطاعات ويجتنب المعاصي والسيئات

ثم يا اخي اني معتذر اليك من بسط المقال فاني في غاية الاختلال من ضعف البنية والقوى وتفرق الحواس من كل جهة وعدم الاقبال وعدم التمكن على الاستقرار والله يعلم اني كتبت هذه الوريقات في كمال الضيق والاستعجال ومع ذلك طالت هذه المدة والعذر عند كرام الناس مقبول

والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين وكتب منشيها كاظم بن قاسم الحسيني في عصر يوم السبت الخامس‌ عشر من شهر محرم الحرام في سنة ١٢٣٧ حامدا

*********

*****

*

المصادر
المحتوى