
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب المفخم المعظم ذا الصفات الجليلة والسمات الجميلة اللوزعي الالمعي طالب الحق والرشاد وسالك مسلك الهداية والسداد المغمور في عواطف الملك المنان محمد رحيم خان امده الله بالتوفيق والسداد وايده بالهداية والرشاد ووفقه لمعرفة المبدء والمعاد قد اتى بخمس مسائل كل مسئلة منها مفتاح باب من غوامض ابواب التوحيد وشرح لغاية ( لغات خل ) مراتب التفريد والتجريد وان كانت ابواب التوحيد لا حصر لها الطرق الى الله بعدد انفاس الخلايق وان كان بيت التوحيد لا باب له التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره الا ان في مقام الفرق ظهر في خمسة مقامات ومنها استنطقت الهاء فصارت مبدء هو بالاشباع والتأكيد فكان هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وهو العلي العظيم وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم ومرد تلك المسائل الى هذه الوسائل يا هو يا من هو يا من لا هو الا هو وطلب ايده الله تعالى بصنوف تأييداته من الحقير بيانها وكشف نقابها على ما هو الامر في الواقع الاولي وقد كان ذلك لمثلي في غاية التعسر لكمال اختلال البال وتعارض الاحوال ومعاناة السفر بالحل والارتحال ومع ذلك كله ما كلما اعرف اقدر على التعبير عنه وذلك علامة عدم الاذن للاظهار ولا كلما اقدر على التعبير عنه يتحمله الناس وقد قال مولينا الصادق عليه السلم ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله ولكن لما كان سلمه الله تعالى من اهل الاجابة ما امكنني رد مسئوله واني آت ان شاء الله تعالى بما هو المقدور لانه لا يسقط بالمعسور وملفق بين التلويح الى صريح الحقيقة والاشارة الى ما عليه اصحاب الطريقة والتصريح على ما عليه العامة على الحقيقة ليعلم كل اناس مشربهم ولينال كل احد مطلبهم وقد قال امير المؤمنين عليه السلم ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الى الناس نبذا فان عرفوا فزيدوا والا فامسكوا وقد رتبت المسائل في الذكر والبيان باجوبتها على ما رتب الله سبحانه عليه الوجود وتم به التوحيد والشهود وظهر العابد بالركوع والسجود
وها انا اذكر قبل الشروع في المقصود امورا يعينك على فهم المسائل وامورا كثيرة مما عداها وان كان لا يخلو شيء منها
اعلم اولا ان اختلاف مشاعر الانسان دليل اختلاف مداركه وهما دليلان على اختصاص كل ادراك بما يناسبه من المشعر الخاص به فلا تطلب اذن الابصار بحاسة السمع والعكس ما دمت في هذه الدنيا ولا ادراك الغيوب بالحواس الظاهرية
وثانيا ان الله سبحانه سار بخلقه كرما منه وعطفا عليهم في الف الف عالم بكمال صنعه المتقن وحكمه المبرم وجعل في كل شيء نسخة من كل عالم فكل شيء يصف كل شيء بما جعله الله سبحانه فيه من صفة كينونة ذلك الشيء على طبقه فلا يطلب معرفته الا بصفته المستودعة في ذات العارف او الدليل وظهور هذه الجامعية في الانسان على الوجه الاكمل فلا تطلب اذن صفة كل عالم من صفة عالم آخر فانه حجاب قد قال مولينا الباقر عليه السلم على ما في الخصال ان الله خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين وقال مولينا امير المؤمنين عليه السلم :
دوائك فيك وما تشعر ودائك منك وما تبصر
وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
وقال ايضا عليه السلم على ما في الغرر والدرر ما معناه ان الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار وقال الله عز وجل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة اجمع بين هذه الآيات والاخبار لتفوز بالاسرار وتجد صحوا بلا غبار ان في ذلك لذكرى لاولي الابصار
وثالثا ان ادركت الشيء بذاته فلا تحتاج الى الدليل واذا ( ان خل ) احتجت اليه فليس لك الى ذاته حينئذ سبيل لان العبث لم تجر به كينونة الحق سبحانه فلا تجري به كينونة الخلق لانها صفة تلك الكينونة واسمها والاسم ما انبأ عن المسمى كما قال امير المؤمنين عليه السلم فما فهمته بالدليل من المدلول فهو ما ظهر لك في الدليل فهو اذن عين الدليل اذ لو كان غيره لما عرفته به والشيء لا يعرف الا به اذ الالتفات اليه حال الالتفات الى غيره مستحيل ومعرفتك للشيء توجهك والتفاتك اليه فاذا ( فلو خل ) تخلل بينكما غيره فقد التفتت الى الغير واحتجبت عن الاصل فاذا توجهت الى الاصل والتفت اليه فمانظرت الى الغير وما عرفته حينئذ فقد عرفت الشيء به فالمدلول هو ما ظهر لك في الدليل بعين الدليل مثاله انك اذا نظرت في المرآة ورأيت المقابل فحين التفاتك الى المقابل في المرآة انت ذاهل عن خصوصية المرآة وكونها دليلا للمقابل وغاية نظرك الى المقابل لكن ما عرفته من المقابل هو ما ظهر لك في المرآة وذلك نفس المرآة وكذا ربما تصف المقابل الظاهر في المرآة بخلاف ما هو عليه اذا ( اذ خل ) كانت خارجة عن حد الاعتدال فلو عرفت المقابل الحقيقي في المرآة لما خالف وصفك اياه فما عرفت الا نفس المرآة وهي نفس المقابل للمرآة في المرآة وهذا معنى اتحاد الدليل والمدلول ومعنى تخالفهما فافهم ونزيدك بيانا ان شاء الله تعالى فاذا فهمت هذا فاعلم ان العالم عالمان عالم النهاية وعالم اللانهاية والثاني على قسمين احدهما اللانهاية بحسب الاستمرار والوجود والدوام ويشترك فيه كل من ذاق ثمرة الكون والوجود ودخل بيت الله الحرام فان من دخله كان آمنا لان فيه آيات بينات مقام ابرهيم فهيهات من بر وهام في محبة الملك العلام ان يطرء عليه الاعدام فان الحبيب لا ينفي حبيبه والخليل لا يطرد خليله ففناؤه حينئذ في بقائه ففناؤه بقاء ووجود اذ ليس له بقاء حتى يكون معدم فان وانما هو في بيداء الحب هائم وبمحبوبه بار دائم ومن البر بالمحبوب ان يتجاوز عن الشهود فاذن لا تندرس مقاماته ومعالمه ولا تنطمس آثاره ومراسمه فمن دخل بيته الذي فيه مقامه امن من كل الاذيات وثانيهما اللانهاية بحسب الذات والوجود وهذا على قسمين احدهما اللانهاية بحسب سريان نور الظهور بان يكون صالحا للظهور بكل طور والتشأن بكل شأن ولا ينتهي الى حد لا يتصور له طور اعلى او اسفل او في المتوسطات كالواحد الساري النازل في مراتب الاعداد بحسب الشئون والتطورات لكن لا تجد حدا الا وترى الواحد قبله وبذلك يكون منشأ مرتبة ويظهر فوقه اي تحته ويكون منشأ مرتبة اخرى وهكذا في المراتب السافلة الى ما لا نهاية له ومرادي بالمراتب النازلة الآحاد الى العشرات الى المآت الى الالوف الى اللكوك الى الكرور الى الشئون الى الارادب وهكذا الى ما لا نهاية له وكذلك اذا صعد في المراتب العالية في النصف والثلث والربع والخمس الى ما لا نهاية له وهذا القسم من اللانهاية له على قسمين قسم لا نهاية له بحسب التطور في الصفات والتعين بالحدود والانيات وخلع صورة ولبس اخرى وظهوره في كل الجهات وقسم لا نهاية له بحسب الظهور في الصفات الفعلية والتعلقات العرضية وثانيهما اللانهاية بحسب التنزيه عن كل الحدود والتجريد عن جميع التعين فلا له حد ينتهي اليه من اقتران واتصال وانفصال وايتلاف واختلاف وتميز وافتراق ونسبة وارتباط واسم ومسمى واطلاق وتقييد ووحدة وكثرة وبساطة وتركيب وصفة وموصوف واصل وفرع واستدارة واستقامة وامثالها من الامور التي تنتهي الى جهة وتوصل الى حد وان كان في الصفات الذاتية او الفعلية او الحقيقية او المجازية وهذا غاية سير الامكان وليس قرية وراء عبادان واما عالم النهاية فهو عالم الحدود ومقامات القيود وهي مجموع دائرة الواو كما ان عالم اللانهاية مجموع دائرة الهاء وبهما ظهر هو فكان هو العلي العظيم وهذه الستة تدور على ثلثة ( ثلثة اشياء خل ) اولها وهو اعلاها عالم العقول واصلها ومنشأها العقل الكلي والنور المحمدي صلى الله عليه وآله وهذا العالم على ثلثة اطوار وادوار اعلاها واقصاها العقل المرتفع وهو بالنسبة الى عالم النهاية كمحدب محدد الجهات الى عالم الاجسام واوسطها العقل المستوي وبه ينكشف سر الباطن واثبات الحقايق ونفي المجازات اي بان لا مجاز ومنه رجوع الكثرات الى الواحد وهو الكلي الطبيعي الساري في افراد الموجودات اما بذاته او بظهورات ذاته وبه يعبد الله سبحانه ويكتسب الجنة واسفلها العقل المنخفض وهذا بالنسبة الى ذلك العالم كفلك القمر الظاهر في فلكه الجوزهر بالنسبة الى عالم الاجسام ومنه منشأ الكليات التي ذكرها اهل المنطق على تقدير صحتها وصحة بعضها وثانيها وهو اوسطها عالم النفوس ويسمى عالم الملكوت ولها ايضا ثلثة اطوار وادوار ونسبتها الى عالم النهاية كنسبة العناصر الى عالم الاجسام وثالثها وهو اسفلها عالم الاجسام وذكر احوالها وشرح احكامها لا يناسب هذا المقام فليطلب من ( في خل ) ساير رسائلنا وهذا الذي ذكرنا لك عليه مدار علم العلماء طرا فلا يخلو منها علم من العلوم ورسم من الرسوم وكل هذه المراتب قد اوجدها الله سبحانه بلطيف صنعه في كل المخلوقات وقد خص الانسان بظهور مواقعها ومراتبها المتمايزة فيه منا منه وكرما حيث حكي الكينونة بسر البينونة ( الكينونة خل ) فتشرف بالشرف الاقدم والكرم الاعظم فالانسان بمراتبه الممتازة هو مواقع النجوم اي العلوم الالهية الناشئة من سماء الفيض والجود والكرم فاذا اردت نحوا من انحاء العلوم فاطلب موقعه فيك حتى تجده فان طلبته من غيره فلنتجده فان كان من علوم اللانهاية فاصعد الى ذروة وجودك وحقيقة ذاتك فاعرفها بها وان كان من احكام البواطن والاسرار ومعرفة اغصان سدرة المنتهى بجميع الاوراق والثمار فالتفت الى جانب العقل وهو النور الذائب المتعلق بالعرش الراكع الخاضع لعظمته سبحانه فالتمس منه نيل مطلوبك خاضعا لله تعالى وخاشعا وهو ملي بالاجابة ويفتح لك الباب ومراتب العقل عند الالتفات على حسب مراتب العلم كما اشرت اليه آنفا وان كان من احكام الظواهر فارجع الى النفس فانه شيخ كبير قاعد على كرسي من الدم فيفتح لك الباب اذا اراد الله سبحانه ملهم الصواب وهنا تفصيل غريب لا يسعني الآن بيانه وهذا العلم الظاهر في الحقيقة الاولية وهو الآن عند ابناء هذا الزمان من اغيب الغيوب وابطن البواطن
ورابعا اعلم انك قد نزلت من المكان العالي الفسيح من العالم اللانهاية حتى مررت في نزولك بالعقل الفعال فامرت بتبعيته بالادبار فنزلت بالادبار مدبرا ومقبلا الى غاية مقامات الادبار وهو التراب فتعلق بك اسم الله المميت فاماتك وهو قوله تعالى وكيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ثم ناداك الله سبحانه بالاقبال اليه والادبار عما سواه وسبب لك الاسباب بان القاك في السحاب ثم في المطر ثم في السنبلة ثم في الشجر ثم في صلب ابيك ثم في رحم امك بداعي الشهوة الحيوانية ثم في النطفة ثم في العلقة ثم في المضغة ثم في العظام ثم في الهيكل التام الصورة فظهرت الروح بعد كمال الجسد ثم انزلك الى هذه الدنيا بعد كمال قواك ومشاعرك واعضاك وجوارحك ولكن لما كانت ضعيفة غير ناضجة بقيت الى مضي خمسةعشر سنة فكملت القوى وجودا وقواما ونضجا واعتدالا فكما بلغ جسدك ونضج بدنك وكمل بشريتك ووصلت الى اكمل المقامات والمراتب واعدل الامزجة وصلح البدن لان يكون مركبا للروح لسيرها في مقامات كمالاتها بتنقلات اطوارها وبلوغها الى رتبة الكمال الانسانية كالبدن سبب الله سبحانه لها اسباب صعودها الى ذروة شهودها وتهيئة تلك الاسباب هي تمكين قابليتها لاستماع خطاب اقبل القار المستمر الثابت الدائم ابد الابد فالناس بحسب تعلقها بتلك الاسباب اختلفت مقاماتهم ومراتبهم في الصعود فمنهم من لم يصعد وبقي في مقام الابهام كالارض وهم المستضعفون الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا ومنهم من صعد اي اقبل الى الله سبحانه فحدثت فيه الحرارة الغريزية المعنوية فعرف بذلك الرب في الجملة لضعف الحرارة ثم ظهر اسرافيل فنفخ في روعه نفخة من ريح الجنوب فعرف بذلك النبي صلى الله عليه وآله ثم رماه التقدير الى الارض المقدسة فعرف هنالك الولي ثم مال الى مصر فانغمس في النيل فعرف نفسه انه من الرعايا التابعين ثم لم يزل نظر الى نفسه فغلبت عليه اليبوسة بجمود القريحة وكثرت الرطوبات الفضلية الناشئة من الميل الى الخلق فضعفت الحرارة وغلبت اليبوسة وخفيت الرطوبة المعنوية لكونها من الميل الى السوي مما يرجع الى نفسه فانجمد وركد فصار مقامه مقام الجماد وبقي لا يدرك ولا يفهم شيئا من الاسرار الدقيقة مما يرجع الى العليين او الى السجين الا ما يلتذ به جسمه ويبقى به لحمه ودمه فتوجه عليه ( عليهم خل ) التعبير من العلي الكبير ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة فشبههم بالحجارة وهي رتبة الجماد فتجري عليه كل احكام الجمادات او انهم عين الحجارة حقيقة بناء على ما ذهب اليه المحققون من اهل المعرفة ان المشبه في القرآن واحاديث اهل البيت عليهم السلم عين المشبه به وهؤلاء الذين همتهم ما يدخل في بطونهم فيكون مقدارهم ما يخرج عن بطونهم كما عن النبي صلى الله عليه وآله ومنهم من لم يقف بل صعد وحصل له نضج آخر بتكرار الرياح الاربع كما ذكرنا وبقي واقفا في رتبة النبات وهم الذين اشار اليهم الباقر عليه السلم نحن وشيعتنا الناس وساير الناس غثاء وقال عز وجل واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة وهؤلاء همتهم اكل لطايف الاغذية والاحتراز عن كثايفها ومرادهم التفكه وتجري عليهم احكام النبات من الامور الخاصة لها حرفا بحرف اذ لا فرق بينها وبينهم في هذه الصفة ومنهم من صعد عن هذا المقام ووصل الى مقام الحيوان وشابه مزاجه مزاج باطن جوزهر القمر بزيادة النضج وكثرة الطبخ فبقي واقفا في هذا المقام وهو الذي يحوم حول نفسه على احد الوجوه وهؤلاء شأنهم الظلم والغشم ومحبة الجماع ومحبة الصور الجميلة والعشق ومحبة الغناء ومحبة الرياسة والاستيلاء وامثال ذلك من الامور التي تشترك فيه الحيوانات انظر الى شهوة الدب ومكر الارنب وعشق القرد وتغني البلبل وتراس الاسد وغضب الكلب وسلطنة الزنبور وامثالها مما هو متفرق في ساير الحيوانات لضعف بنيتها عن حمل الصورة ( الصور خل ) الجامعة بخلاف الحصة الحيوانية العرضية التي في الانسان فانها انضج بنية واعدل مزاجا واقوى قواما ودواما فلما كان همهم انفسهم نكست رؤسهم ونظروا الى الاسفل واعرضوا عن الاعلى فصاروا لا يدركون شيئا من الحقايق ولا يعرفون الدقايق ولا يستنشقون رايحة الاسرار ولا ينظرون الى عالم الانوار وهم الذين قال الله تعالى فيهم ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل وقال عز وجل ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون وهؤلاء هم الاغلب ولذا قال مولينا الباقر عليه السلم الناس كلهم بهائم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل وهم الذين قال عليه السلم المؤمن اعز من الكبريت الاحمر وهل رأى احدكم الكبريت الاحمر ( الاحمر وهكذا اي احدكم الكبريت الاحمر خل ) فلا حظ لهؤلاء من علم الاسرار ولا لمشاهدة الانوار ومنهم من صعد الى الرتبة الانسانية المعنوية فصار ظاهره طبقا لباطنه وباطنه وفقا لظاهره وهو من اهل الجنة حقا وعلامة هؤلاء ظهور النفس المطمئنة فيهم كما قال عز وجل يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي وهؤلاء هم القليلون كما قال عز وجل وقليل من عبادي الشكور وقليل ما هم وماآمن معه الا قليل فشرب منه الا قليل والاسرار تظهر من هؤلاء الانوار وهم اهل بيت العلم ومعدن الحكمة والحلم ابدانهم مع الناس وقلوبهم معلقة بالمحل الاعلى ولهم مراتب كثيرة ومقامات عديدة حسب تفاوت مراتبهم في الجنة فمنهم من هو واقف على الكثيب الاحمر في الجنة ومنهم من هو واقف في مقام الرفرف الاخضر ومنهم من هو في ارض الزعفران ومنهم من هو في مقام الاعراف ومنهم من هو في مقام الرضوان ولهم هناك مقامات واحوال ودرجات واطوار يقصر اللسان عن بيانها والجنان عن حملها
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
وهؤلاء هم حملة الاسرار وهم الابواب الذين اليهم تشد الرحال واياهم تقصد الرجال فان كنت من سنخهم وصقعهم فهنيئا لك وان لم تكن منهم فاستمسك بعروة محبتهم واعتصم بحبل مودتهم فانهم الابواب الى الائمة الطاهرين وهم القرى الظاهرة التي اعدت للسير الى القرى المباركة ليالي واياما آمنين وقال الباقر عليه السلم نحن القري التي بارك الله فيها والقري الظاهرة شيعتنا وهم الذين قال الصادق عليه السلم انظروا الى رجل قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله والراد على الله على حد الشرك بالله ولكن لا تغرنك الاباطيل ولا تضلنك الاضاليل ولا تغتر باقوال اهل السوء فان المدعين لهذا المقام كثير سيما في هذا الزمان والصادقين قليلون قال الشاعر ونعم ما قال :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكا ممن تباكى
وامر الله سبحانه ظاهر وحجته بالغة ودلايله واضحة وجعل لاهل الحق والباطل والامتياز بينهما ادلة وعلامة ليميز الله به الخبيث عن الطيب وقد استوفينا الكلام عن هذا المرام وذكر العلامات والدلائل الفارقة في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل خصوصا في الجلد الثاني من شرح الخطبة الطتنجية وجواب مسئلة اتانا من ارض الغري ( النجف ) على مشرفها آلاف التحية والثناء من الرب العلي فمن اراد ان يظهر له حقيقة الامر فليراجع هناك ولو اردنا ان نذكر شيئا منها في هذا المقام لفات عنا المقصود لضيق المجال وكوني على اهبة السفر وكذلك السائل اطال الله بقائه
فاذا عرفت ما سطرنا وذكرنا تبين لك اشياء كثيرة لا يمكن التفوه بها خوفا من اشباه الناس وعلمت ايضا ان الذين يعرفون الحق الذي اراد الله عز وجل في المسائل النظرية من الامور الظاهرية من عالم النهاية قليلون فما ظنك في المسائل الحقيقية من عالم اللانهاية وحيث ظهر لك ان دليل كل شيء من سنخ ذلك الشيء بل عين ذلك الشيء فمن كان في عالم النهاية من الرتبة الانسانية لا يسعه ادراك ما في عالم اللانهاية من تلك الرتبة الا اذا صعد اليها ولا يمكن للعالم ان يعرفه الا ان يصعد به الى تلك الرتبة وذلك لا يمكنه دفعة واحدة لعدم نضج القابلية وتهيئة الاستعداد وانما ذلك شيء فشيء بالتدريج الى ان يوصله الى مقام اوائل جواهر العلل انظر الى الحكيم المدبر كيف يدبر هذا الحقير الذليل الموضوع على المزابل الذي لا يلتفت اليه احد ويرقيه بالتدريج الى ان يوصله الى رتبة الاكسير حتى يحيي العظام وهي رميم فيصبر على النار ويثبت له القرار نعم على العالم ان يثبت المسئلة ويحققها بحيث يتبين تحققها كالشمس في رابعة النهار وليس عليه ان يعرفها كما انك اذا بينت ( قلت خل ) للاعمى وقررت له ان الشمس طالعة واوضحت له حتى عرف وقطع بوجودها وليس عليك ان تريها اياه ولا يمكنك ذلك الا اذا كنت تبرئ الاكمه الا ترى ان العلماء حكموا بان الحسن والقبح عقليان فترد عليه مسائل من الاحكام الفقهية لا يعرفون حقيقتها ولا اصلها ولا يدركون شيئا منها يقرون بها ويعتقدون انها مما يحسنها العقل ويقبحها وان لم يدركها ويدرك حقيقتها وكذلك الكلام على القول بالمناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى وحقيقة الامر ان كل سافل دليل على العالي والدلالة على قسمين دلالة الوجود ودلالة المعاينة والشهود فدلالة الوجود اقرب الى الكينونات من دلالة الشهود ولذا تجد الخلق كلهم يقرون بان لهم خالقا ولكنهم مختلفون في معرفته وصفاته وكينونته فمن قايل بانه جسم وهم فيه ايضا مختلفون ومن قايل بانه مثال وصورة ومن قايل بانه مادة وهيولي ومن قايل بانه طبيعة ودهر ومن قايل بانه نفس وروح وحيوة ومن قايل بانه معنى من المعاني ومن قايل بانه ليس كمثله شيء فمااختلفوا في الوجود وانما اختلافهم في العيان والشهود وان كان ذلك الباب مسدودا فاذن فاعلم ( فاعلم ان خل ) في كل مسئلة مقامان احدهما مقام الاثبات والثاني مقام الفهم والمعرفة والاول لا يستلزم الثاني كما ان الثاني يستلزم الاول فلا تطلب الثاني الا بعد ان حققت الاول فاذا حققته فابن امرك عليه واستعن بالله في معرفته فان عرفك فله الفضل والمنة والا فلا تفسد عليك رأيك بانكار المسئلة حيث لم تعرفها ومن جهة اشتباه اكثر الطلاب هذه الدقيقة وقعت في افهامهم اضطرابات والله الموفق والمعين
وخامسا اعلم ان كل شيء له ثلث جهات
الجهة الاولى وجهه الى الله سبحانه وهو بهذا الوجه خير ونور والمراد بهذا الوجه جهة تلقيه المدد من الله سبحانه وقبوله الافاضة وكونه محلا لتعلق فعل الله الخاص به وحيث ان الفعل من حيث الذات واحد والاختلاف انما هو بالعرض من جهة التعلق يكون اختلافه العرضي على حسب اختلاف المتعلقات فتكون الاحوال الثابتة في المفعول على جهة التركيب والتعدد والاختلاف ثابتة في الفعل من جهة الوجه المتعلق بالمفعول على جهة الوحدة والبساطة والشرافة فالناظر الى هذه الجهة ناظر الى كل الجهات والاحوال على جهة التفصيل من حيث استنادها الى القادر المتعال واضمحلالها عند جلال قدرته وفنائها عند ظهور سطوع نوره وللناظر الى هذه الجهة مذاقات وعادات فمرة ينظر اليها من حيث انها اشعة آثار فعله وتشعشع ظهور جماله فينادي بلسان حاله ومقاله لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيه صوت الا صوتك ومرة يشاهد الحق سبحانه بآثار فعله باضمحلال تلك الاثار من حيث نفسها فيقول ليس الا الله وصفاته واسمائه كما عن الرضا عليه السلم ومرة ينظر الى فنائها وبطلانها وعدم تحققها وتذوتها عند ظهور الجمال الاعظم فيقول ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك كما عن الحسين عليه السلم ومرة ينظر الى ان الخلق آثار ومعلولات والاثر لا قوام له الا بالمؤثر بل ظهور الاثر بفاضل ظهور المؤثر فيقول ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله وبعده و( او خل ) معه كما عن امير المؤمنين عليه السلم ومرة ينظر الى ان الخلق فيض من الله سبحانه والكريم لا ينقطع جوده ولا ينفصم عطيته ولا كرمه معلول من غيره حتى يتوقع وجوده فيقول سبحان من هو ملكه دائم لا يزول اللهم اني اسألك باسمك العظيم وملكك القديم ولم يكن خلوا من الملك قبل انشائه كما عن الباقر عليه السلم ومرة ينظر الى ان بالخلق ظهرت عظمة الله وكبريائه فحقايقهم تلك الحكاية اذ بينهم وبين خالقهم بينونة صفة لا بينونة عزلة فيقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ويرى حينئذ ان الملئكة غذائهم التسبيح والتقديس والانسان اعظم من الملائكة فيكون الخطب هنا اعظم ومرة ينظر الى ان الاشياء كلها واقفة بباب احسانه سبحانه ولائذة بجناب عزه ومعتصمة بذمامه المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول فتطلب منه المدد وتصفه بانه الحي القيوم الصمد فيقول يسبح الله باسمائه جميع خلقه كما في الزيارة الجامعة الصغيرة ومرة ينظر الى ان الاشياء في كل احوالها واطوارها واكوارها وادوارها لا تقوم الا بمشية الله سبحانه فيقول ما من ذرة في الوجود الا وموكل عليه ملك من قبل الله عز وجل يدبره له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله وامثال هذه الانظار الواقعية كثيرة والمراد الاشارة الى نوع المسئلة وبالجملة الناظر الى هذه الجهة لا يفقد ربه ابدا بحال من الاحوال ولا ينظر الى شيء من الاشياء وجهة من الجهات بجميع اطوار النظر الا ويجد ربه سبحانه ظاهرا بفعله فيه ويجعل مرد جميع العلوم مما يتعاطى به الناس وغيره كلها الى فيضه تعالى وهذا هو الذي يذكر اسم الله عند كل شيء وهو الممتثل ( المتمثل خل ) لقوله عز وجل وكلوا مما ذكر اسم الله عليه والمنزجر عن قوله عز وجل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق والاكل اعم من الاكل المعنوي الذي هو العلم والاكل الصوري وقد روي عن الصادق عليه السلم في قوله تعالى افلا ينظر الانسان الى طعامه قال عليه السلم اي الى علمه ممن يأخذ وهذا ذكر بعض احوال الجهة الاولى
الجهة الثانية هي وجه الشيء من نفسه وهو حجاب الجهة الاولى وبه يقول الانسان انا وانت وهو ونحن وذلك حين تجد نفسك وتذهل عن ربك وهذه الجهة هي جهة الضيق والحرج لانه مقام الاختلاف والانجماد والبرودة واليبوسة ومنشأ الفساد والضلال وكل ذلك منشأه الغفلة عن ذكر الله عز وجل لان النور انما يحصل بالله تعالى والاقبال اليه اذا ادبروا عنه تعالى نسوا ذكره كان ظلمة غاسقة مدلهمة فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وذلك مثل ما عند اهل النجوم والهيئة والحساب وساير الرياضيين وعلم الحروف والاوفاق وعلم السيميا والهيميا والريميا والليميا والعلوم الادبية ( الآلية خل ) مما هو معروف عند الناس لا كما عليه اولئك الاشخاص السالمون عن شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس لانهم يبحثون عن كل العلوم لكن بعد ذكر اسم الله وها انا امثل لك مثالا تعرف به نوع المراد مثلا اهل الهيئة يقولون في الليل والنهار ان الارض جسم كروي والشمس ايضا كذلك فمهما تقابل الشمس جزء من الارض ينعكس الظل من الجانب الآخر فيحدث الظل المخروطي في المقابلة فالذي يحيط به الظل عنده ليل والذي على الجانب المقابل عنده نهار فلا يزال نهار عند طايفة او بالنسبة الى مكان وليل بالنسبة الى مكان آخر هذا محصل ما ذكروا واما ما ورد عن ائمتنا الصادقين عليهم السلم في هذا المرام ان الله سبحانه خلق الشمس ووكل عليها سبعين الف ملك يجرونها بالكلاليب فاذا آن وقت الغروب سجدت الشمس تحت العرش وينزع عنها النور فلما انقض الليل ينادي ( فنادى خل ) اولئك الملئكة يا ربنا هل نكسها ( نكسوها خل ) حلة النور ام لا فيأتيهم النداء بذلك ثم ينادون يا ربنا من اين نطلع بها امن مغربها او من مشرقها فيأتيهم النداء بالذي يريد سبحانه ثم يكسونها حلة من ضوء العرش على مقدار طول ذلك اليوم وقصره نقلت معنى الحديث انظر الآن الى هذا الكلام وكلام اهل الهيئة والمراد في ( من خل ) كلا القولين والمحصل واحد الا ان هذا الكلام قد ذكر عليه اسم الله بخلاف كلامهم فصار هذا بذلك نورا وذلك ( ذاك خل ) بهذا ظلمة مع ان محصل الكلامين واحد يشتمل كلام الامام عليه السلم على رموز غريبة واسرار دقيقة يقصر اللسان عن بيانها وقد ذكرنا في المجلد الاول من شرح الخطبة بيانا لهذا الحديث والاشارة الى بعض اسراره ومن اراده فليراجع اليه ويكفيك ما ذكروا في الفرق بين الحكمة والكلام ان الحكمة يبحث فيها عن احوال المبدء والمعاد عن ( من خل ) غير ملاحظة مطابقتها على نهج قانون الاسلام بخلاف علم الكلام فاذن اي نور يرجي من هذا البحث والسر في ذلك هو ما ذكرنا لك من انهم انما نظروا الى الجهة السفلى للشيء وحكموا عليه بها ولذلك تشتت العلوم عندهم واختلفت كلمتهم وصارت العلوم بعضها حجابا للآخر لان نظرهم الى الاختلاف والله سبحانه يقول ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فثبت ان الاختلاف خلاف محبة الله سبحانه وخلاف مشيته العزمية واما اولئك الابرار فلم يزل نظرهم الى الله وبه يعرفون الاشياء واستدلالاتهم كلها لمية على اصطلاحهم و مرجع العلوم كلها عندهم الى واحد وهو قول سيدهم ومولاهم امير المؤمنين عليه السلم العلم نقطة كثرها الجاهلون وهذا شرح بعض احوال الجهة الثانية
والجهة الثالثة هي الحقيقة بين الحقيقتين والواقف بين الطتنجين ولما كان مرجعه الى الجهتين المذكورتين فمن كان الى جهة الثانية اميل فيجري ( فتجري خل ) عليه احكامها وكذلك الحكم بالعكس ومعنى كلامي انهم يريدون في اصل المسئلة وجه الله ولكن حين النظر والاستدلال غافلون عنه تبارك وتعالى وذلك كما يقولون في اصول ( اصل خل ) الفقه ان الامر مثلا حقيقة في الوجوب والدليل عليه العرف لان السيد اذا قال لعبده افعل ولم يفعل عد عاصيا وذلك معنى الوجوب ويرجع كلامهم هذا الى قول الامام عليه السلم حيث قال انا لا نخاطب الناس الا على ما يعرفون ولكنهم حين الاستدلال ليس في نظرهم ذلك واما المقتصرون نظرهم الى الجهة العليا الاولى فعندهم ايضا ان الامر للوجوب ولكن لا لما قالوا بل لان الامر يحكي سلطنة الله وحكمه وسلطانه وحكمه لازم لان الامر عندهم هو قول كن في كن فيكون كما قال عز وجل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون والامر التكويني والتشريعي واحد لا اختلاف بينهما الا من جهة المتعلق لا بل من جهة الظهور لا بل من جهة الاجمال والتفصيل كما شرحناه وفصلناه في شرح الخطبة فعلى ما ذكرت ظهر لك مراتب العلماء واقدارهم فاذا كان كذلك فلا يجري نمط استدلالات الطايفة الاولي المقتصرين نظرهم على الجهة العليا على نمط استدلالات الآخرين بل بينهما فرق بين وتفاوت بعيد آه آه
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان اخي جابر
فاذا سمع الآخرون شيئا من ذلك النمط انكروهم ونسبوهم الى القول بغير الدليل والله سبحانه يقول واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمايأتهم تأويله ولذا ترى ان كلمات الائمة عليهم السلم لم تجر على ما جرت به كلمات اهل المنطق وغيرهم وانحاء استدلالاتهم ولم يذكروا عليهم السلم في محاوراتهم مع الخصوم وغيرهم من المقدمات التي عندهم كالكليات الخمس والكليات الست والكبرى والصغرى والمقدم والتالي وامثالها مما تداول عندهم ولم يتفوهوا عليهم السلم بها ولم يدلوا عليها لا لان كلما ذكر اهل المنطق وغيرهم من كيفية الدليل والاستنباط والقواعد والقوانين باطل بل لان مقامهم عليهم السلم لا يقتضي ذلك لانهم وجه الله والسفير بينه وبين خلقه فيجب ان لا يغفلوا عنه في جميع محاوراتهم واستدلالاتهم وكلماتهم وساير اوضاعهم في كل احوالهم في الفاظهم ومعانيها الصادرة منهم عليهم السلم وعلى الشيعة ان يتبعوهم ولا يخالفوهم ولقد امر الله سبحانه بذلك حيث قال ولكم في رسول الله اسوة حسنة وقد اجمع الفرقة المحقة على ان حكم الرسول والائمة صلى الله عليه وعليهم واحد في كل الاحوال الا ما اختص به النبي صلى الله عليه وآله وليس هذا من المختصات فاذا ( فان خل ) كان كذلك فلا يطلب من الشيعة المخلصين الا اقتفاء آثارهم وسلوك منهجهم في الالفاظ والمعاني ولما كانت تلك القواعد والقوانين المعروفة عند اهل الرسوم مبعدة عن ذكر الحق سبحانه كما مثلت لك وجب على المنصف المتدين صرف النظر في ما يذكره الله عز وجل اذ كل لذة بغير ذكره وكل راحة بغير انسه باطل فاسد مضمحل وكلما يشغلك عن ذكر الله فهو صنمك ومرادي بذكر الله ان يكون ذلك البيان وذلك الاستدلال بصرافته يدل على الله سبحانه لا من جهة الاصل والمنشأ بحسب الادعاء كما مثلت لك بقول اهل الاصول فانهم احسن استقامة من غيرهم ومع ذلك فهو كما ترى فنحن ان شاء الله تعالى نجري كلامنا على ما جرى عليه النظام الطبيعي في خلق الله سبحانه في كل المسائل سواء كانت من عالم النهاية او عالم اللانهاية الا ان الكلام اذا كان من قبيل الاول يسهل تناوله وفهمه واما اذا كان من قبيل الثاني فيصعب تناوله لانه سر ولا يفيده الا سر وقد قال الصادق عليه السلم ان امرنا سر وسر لا يفيد الا سر وسر مستسر وسر مقنع بالسر والمسائل التي نحن بصدد بيانها كلها من قبيل الثاني لا الاول كما نبين ان شاء الله تعالى فمن استقام على الفطرة وترك العصبية والقي سمعه وهو شهيد ينال حظه الاوفى والا فلا ونعم ما قال الشاعر :
ومن حضر السماع بغير قلب ولم يطرب فلا يلم المغني
المسئلة الاولى : في شرح ما روي عن مولينا الصادق عليه السلم على ما في مصباح الشريعة العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك الحديث
اقول هذا اول المسائل واول الوسائل وفيه تمام اسرار التوحيد بمراتبه كلها وهي وان كانت ( كادت خل ) لا تحصى الا ان كلياتها مائة وثمانية وعشرون وفيه شرح الاسماء والصفات وجهات التعلقات ومقامات الواحدية وفيه شرح اسرار القيومية وظهورات الرحمانية وفيه شرح اعرفوا الله بالله وفيه سر التكليف ووقوع العبادات وتحقق الارشادات ( الاشارات خل ) وفيه تمام سورة الحمد الا انها تتم على التفصيل بتمام المسايل واما ما يتعلق بهذا المقام هو بسم الله الرحمن الرحيم بل من هذه المسئلة يظهر سر المسائل الاخر كما قال مولينا الصادق عليه السلم ان الله اجل ان يعرف بخلقه وانما خلقه يعرفون به وشرح هذه الاحوال كلها يؤدي الى بسط في المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال مع ضيق المجال والاشارة الى بعض الاحوال على سبيل الاجمال هي ان الربوبية وان كان لها معان واطلاقات الا ان الاغلب يطلق على ثلثة مقامات الاول مقام الربوبية اذ لا مربوب ابدا لا ذكرا ولا عينا وهو مقام الذات البحت التي انقطعت عنده الاشارات والعبارات بل والدلالات كما قال عليه السلام له معنى الربوبية اذ لا مربوب ومعنى الخالقية اذ لا مخلوق وحقيقة الالوهية اذ لا مألوه وذلك مقام الاحدية ولا يقع النفي هناك على سبيل الاشارة وانما كان من غير اشارة كما قال عليه السلم في هذا المقام كشف سبحات الجلال من غير اشارة وهذا معنى التنزيه الصرف عند العارفين بالله لا كما قالوا بسيط الحقيقة كل الاشياء الثاني مقام الربوبية اذ لا مربوب عينا لا ذكرا وهو مقام الواحدية ورتبة الامكان الراجح ومقام الفعل ومتعلق الاعيان الثابتة العلمية الامكانية لا الازلية كما زعموا ومرتبة الفيض الاقدس ومقام الاسم الاعظم وهو اول الظهور باول الظاهر في اول المظهر وهو ذكر الاشياء في الفعل قبل التعلق بالمفعولات وهو قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال الصادق عليه السلم كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا الثالث مقام الربوبية اذمربوب ذكرا وعينا وهو مقام القيومية المطلقة الثانية ورتبة الرحمانية ومقام استواء الرحمن على العرش ومقام اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه وهو مرتبة تعلق الفعل بالمفعولات والمشية بالمشآت وبين هذه المقامات الثلثة مراتب كثيرة ودرجات غريبة عجيبة وحيث ان المخلوقين باسرها من آثار فعله تعالى ولا شك ان الاثر لا يلحق المؤثر في رتبة ذاته والا لم يكن اثرا هف فلا يتأتي للاثر ادراك ذات المؤثر ولا ادراك فعله لكونه عندهما معدوما لا ذكر له هناك وانما وجوده وذكره في الرتبة الثانية اللاحقة فاذا اراد الصعود الى الاعلى احترق وانعدم وهو معنى قوله عليه السلم ان لله سبعينالف حجاب من نور وظلمة ولو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق فاذا امتنعت معرفة الخلق لذات الحق وفعله ولا شك انه سبحانه انما خلق الخلق لان يعرفوه كما قال كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون والعبادة لا تتحقق الا بعد المعرفة فما بقي الا ان يعرفهم سبحانه وتعالى نفسه ويصف لهم معرفته حتى يعرفوه بما وصف لهم به نفسه ولما كان الوصف على قسمين وصف حالي ووصف مقالي والوصف الحالي لا شك انه اجلي من الوصف المقالي والوصفان لا شك انهما اكمل من كل واحد منهما ولما كان امر الله سبحانه وفعله يجب ان يجري على اكمل الاستقامة واحسن الاطوار بحيث لا يمكن لاحد ان يقول لو كان كذا لكان احسن على الواقع وجب ان يصف الله سبحانه نفسه لخلقه بالوصفين حتى تكمل نعمته وتتم حجته وتكون له الحجة البالغة والقدرة الشاملة ولما كان الوصف الحالي اجلى وجب تقديمه على الوصف المقالي ولما كان الوصف للمعرفة ولا شك انه كلما كان اقرب الى من وصف له كان اكمل واتم لتحقق كمال المعرفة وليس شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه وجب على الله سبحانه ان يجعل حقايق الخلق صفة معرفته وهيكل توحيده وبيان ربوبيته ففعل سبحانه وله المنة والفضل وخلق صفة توحيده في حقيقة ذوات الخلق بحيث اذا وصلوا اليها عرفوا ربهم بما وصف لهم به نفسه وهو معنى قوله عليه السلم يا من دل على ذاته بذاته وقوله عليه السلم في الدعاء بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم ادر ما انت اذ لولا تلك الصفة الالهية المستودعة فيك ماعرفته سبحانه وتلك الصفة هو الذي جعلها فيك لتعرفه بها فقد عرفته به كما قال الصادق عليه السلم اعرفوا الله بالله وتلك الصفة هي الربوبية الظاهرة للمربوبين وهي كنه ذات العبد ومثاله بالتقريب ولله المثل الاعلى المرآة فان المقابل اذا تجلى فيها القى في هويتها مثاله اي صفته وهذه الصفة هي صفة رسم حدثت بفعله فانت اذا نظرت الى المرآة عرفت المقابل بالصفة التي جعلها لك لتعرفه بها فلولا تلك ماعرفته وهذه الصفة لا فرق بينها وبين المقابل في التعريف والمعرفة الا انها عبده وخلقه فلا طريق لك الى معرفة المقابل عند عدم المواجهة حين المقابلة بالمرآة الا بتلك الصفة التي هي المثال فتعرفه بها مع انها غيرها بل لا شيء عندها وبينها وبين المقابل بينونة صفة لا بينونة عزلة ومعنى بينونة الصفة ان يكون الاثر صفة دالة على المؤثر والمغايرة بينهما مغايرة الصفة والموصوف اذ الصفة لا شك انها غير موصوفها ولما كانت هذه الصفات كلها صفات فعلية لا ينافي ما ذكرنا قول امير المؤمنين عليه السلم كمال التوحيد نفي الصفات عنه فاذا فرضت نفسك الزجاجة المنطبعة فيها الصورة عرفت انك لنتعرف المقابل الا بتلك الصورة واذا فرضت نفسك تلك الصورة كما ان الحق ان المرآة هي نفس الصورة لا الزجاجة علمت انك لنتعرف المقابل الا بمعرفة نفسك التي هي عين المثال والصفة وهو قوله عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه وهو قوله صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وفي الانجيل يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا والضمير هو الظاهر بالكلام لا الذات البحت وذلك هو الذي تجلى لموسى على الجبل وذلك هو قول اني انا الله الذي حكي امير المؤمنين عليه السلم عن الله تعالى لموسى فالمتجلي لموسى هو نفس تلك الحكاية و هذا التجلي يكون لساير الرعايا لكنه حكاية الحكاية نسبة حكاية موسى عن امير المؤمنين عليه السلم حكاية الصدا عن الصوت وكذلك نسبته عليه السلام حين تلقيه عن الله عز وجل بواسطة النبي صلى الله عليه وآله فحكايته عليه السلم صدا ذلك الصوت لا يسمع فيه صوت الا صوتك ولا يرى فيه نور الا نورك فافهم فقوله عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية يريد بالعبودية حقيقة ذات العبد ولذا قال عليه السلم جوهرة وانما عبر عنها بالمصدر لبيان ان المصادر ذوات مستقلة وان كانت معاني بالنسبة الى الفاعل وان حقايق الخلق كلها اسماء معان بالنسبة الى فعله تعالى كما ان القيام اسم معنى للقائم والقعود اسم معنى للقاعد والعلم اسم معنى للعالم والحيوة اسم معنى للحي وكذلك حقايق الخلق بالنسبة الى فعله تعالى كالقيام والقعود بالنسبة الى الشخص والقيام كنهه القائم وقد دلت الادلة العقلية والنقلية كما شرحناها وفصلناها في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ان القائم في زيد قائم ليس عين ذات زيد ولا يرجع ضميره اليها والا لما كان قاعدا فان الصفة الذاتية لا تنفك عن الذات ما دامت الذات والا لم يكن ( لم تكن خل ) ذاتية ولا تتغير الذات بتغيير ( بتغير خل ) الآثار حتى تستحق عند ايجاد كل اثر اسما في ذاته لان الاسم القايم قبل القيام لم يكن ثابتا في رتبة الذات فلما قام ثبت له اسم القيام فان كان هذا الاثبات في رتبة ذاته لتغيرت الذات حيث عرضها ما لم يكن عندها وذلك العروض انما كان باثرها وهذا قول لم يتفوه به عاقل فضلا عن فاضل عارف حكيم فاذن مرجع هذه الصفات هي الظهورات فالقائم هو ظهور الذات بالقيام لا نفس الذات والقاعد هو الظهور بالقعود ولا شك انه حين القيام لا ظهور له الا نفس القيام وحين القعود لا ظهور له الا نفس القعود ولما كان جهة الظهور اعلى من جهة القيام كان الظهور باطن القيام والقعود ولما كان الظاهر انما هو في رتبة الظهور لا في رتبة الذات والا لم يكن ظاهرا هف اذ الذات من حيث هي اي في رتبة مقامها لم تكن ظاهرة والا لمااحتجنا في ظهورها الى اثر هف لانها حينئذ اما عين ذاتنا او ظهور من ظهوراتنا كان الظاهر باطن الظهور وذلك الظاهر هو انا في قوله وباطنك انا وهو الكينونة في قوله تعالى خطابا لآدم وطبيعتك خلاف كينونتي وهو الروح في حديث آدم روحك من روحي وبروحي نطقت وهو الربوبية في هذا الحديث المبارك لان الربوبية معنى مصدري وهو صفة الرب وتلك الصفة هي حقيقتك وهو قول امير المؤمنين عليه السلم فالقى في هويتها مثاله اي صفته وتلك هي الربوبية في المقامات الثلثة كما بينا اعلم انك اذا نظرت في المرآة لك فيها ملاحظتان ونظران احدهما انها صفة وآية ودليل لمعرفة المقابل الخارجي وصفة استدلال عليه بوجه من وجوهه وثانيهما مشاهدة المقابل فيها والحكم عليه بها مع قطع النظر عن نفس المرآة وعن كونها آية ودليلا ففي النظر الاول يكون الحكم على نفس المرآة التي هي الصورة من حيث اضمحلالها وفنائها ونسبتها الى الغير وفي النظر الثاني يكون الحكم على المقابل الخارجي من حيث هو من حيث استقلاله وتذوته فعند ملاحظة النظر الثاني يكون الاول نازلا منزلة الاثر او الظهور ولا يبقى له مقام الظاهر والمؤثر ولما علم الامام عليه السلم ان بعض ( بعض اصحاب خل ) الضلال واولي الافهام المغيرة بالنكراء والشيطنة لتشيد باطلهم وتلبيس كذبهم وزورهم على العوام يتشبثون بهذا الحديث لو اقتصر على هذه الفقرة خاصة ويدعون ان كنه الخلق وحقيقتهم هو ذات الله عز وجل كما قال انا الله بلا انا وسبحان من اظهر الاشياء وهو عينها وان كانت هذه الفقرة وحدها ترد ادعائهم وتبطل دعويهم اذ الربوبية معنى حدثي وصفي لا يصح ان يكون عين الذات البحت لكنه اراد عليه السلم تثبيت الامر وتحقيق الحق واكمال النعمة على المؤمنين واتمام الحجة على الكافرين فقال عليه السلم ابانة لرفع الواهمة ودحضا للشبهة الباطلة واثباتا للحجة البالغة واعلاء للكلمة العالية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية وهذه الربوبية هي المنظور اليها بالربوبية التي هي كنه العبد وان كان النظر في هذه الربوبية وهي الربوبيات الثلث التي حقيقة العبد وكنهه تجليها ودليلها والعبودية حينئذ نفس حقيقة العبد التي ذكرنا انها الربوبية الظاهرة كما مثلنا لك بالمرآة وتعدد اللحاظ في النظر ( بالنظر خل ) اليها فالحكم حينئذ على المقابل الخارجي الاصل الذي تلك الحقايق شئونات آثاره وظهورات افعاله ولما كانت الربوبية التي هي كنه العبد التي هي نفس العبودية صفة ومثالا للرب الفاعل الخالق وكانت الصفة ليست الا محض الحكاية والدلالة وجب ان يفقد فيها الاستقلال والتذوت والتحقق والا لما كانت صفة بل كانت ذاتا فتكون البينونة بينونة عزلة لا بينونة الصفة فما فقد في الصفة من الاستقلال وعدم الاستناد وعدم الغناء والحاجة وكونه منشأ للآثار ومهيجا للنار الكامنة في الاسرار مما دلت عليه الصفة التي هي العبودية والا لكانت مستقلة كل ذلك موجود في الربوبية المنظور اليها بهذه العبودية فصارت هذه العبودية شبحا لا روح له وانما قوامه وتأصله وتحققه بغيره وهو قول مولينا الحسين عليه السلم لما سئله حبيب بن مظاهر اي شيء كنتم قبل خلق السموات والارض قال عليه السلم كنا اشباح نور ندور حول العرش قال وما الشبح قال عليه السلم ظل النور وفي رواية آخر كنا ابدانا نورانية لا ارواح لها يريد عليه السلم بقوله هذا المعنى الذي ذكرنا فقوله عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية اشارة الى ما في الدعاء ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها اذ هذه الربوبية التي هي كنه العبد لا فرق بينها وبين الربوبية الحقيقية الالهية في التعريف والتعرف والمعرفة من عرف نفسه فقد عرف ربه وقوله عليه السلم فما فقد في العبودية الخ اشارة الى تتمة هذا الدعاء لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك وقد اثبت عليه السلم بكلامه هذا فيما نسب اليه الجمع بلا تفرقة زندقة والتفرقة بلا جمع تعطيل والجمع بينهما توحيد فلو قال العبودية جوهرة كنهها الربوبية فاكتفى كان جمعا بلا تفرقة فاثبت الفرق روحي فداءه في قوله فما فقد اه ولو قال عليه السلم وما فقد في العبودية وجد في الربوبية من غير قوله العبودية جوهرة كنهها الربوبية كان تفرقة بلا جمع والجمع هو الذي ذكره بقوله عليه السلم وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية اي الربوبية التي هي كنه العبودية فانها صفة وعلامة تدل على الخارج على حسب مقامه انظر الى المرآة التي يسمونها بالفارسية آئينه جهاننما فانك اذا نظرت فيها وجدت بحار الهند مثلا وقصورها وابنيتها ودورها وبساتينها ومزارعها وسواقيها وامثالها مما هو مخفي عنك وانت في بلاد العجم مثلا ولا شك ان الآثار المترتبة على تلك الحقايق الموجودة الخارجة لا تترتب على تلك الصور والهيئات ( تلك الهياكل خل ) وكلها مفقودة فيها الا ان كلما خفي فيها من الاحوال والاوضاع والامور ظاهرة في هذه المرآة فحقايق العباد هي تلك المثل والهياكل وتلك ( تلك هي خل ) الفطرة التي فطر الله الناس عليها وقال عليه السلم كل مولود ولد على الفطرة ولكن ابواه يهودانه وينصرانه وقد دلت الروايات ان المراد بها التوحيد فما خفي في الربوبية من الصفات والاحوال الالهية من قيوميته ووحدته والوهيته ورحمانيته وساير صفاته كلها اصيب من الاصابة وهي الوصول والاتصال في العبودية وهي تلك الحقيقة المثالية والخطاب الشفاهي والنقش الفهواني واما وجه بطلان قول القائلين بوحدة الوجود على ما يزعمون في معتقداتهم من هذا الحديث الشريف فهو ان العبودية في قوله عليه السلم فما فقد في العبودية وجد في الربوبية لا تخلو اما ان تكون عين الربوبية المذكورة في هذه الفقرة ام لا والاول باطل جدا لاستحالة الفقدان والوجدان في شيء واحد سيما بالنسبة الى ذات الله عز وجل اذ لا يصح نسبة فقدان شيء اليه ( اليها خل ) سبحانه وتعالى فوجب التغاير وهو الشق الثاني مح فما هذه العبودية هل هي جهات الحدود والعوارض والقيود على ما يزعمون في الفرق بين الواجب والممكن الاطلاق والتقييد كما قال شاعرهم :
وما الناس ( الخلق خل ) في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
ام لا فان كان الاول لم ينطبق مع قوله الثاني وكلما خفي في الربوبية اصيب في العبودية وهو صريح في ان العبودية آية ودليل ومظهر والحدود حجاب ومانع ومبعد فلا يصح ان تكون جهة الحدود وانما هي جهة الذات وهي تلك الربوبية الظاهرة كالقائم في القيام والقاعد في القعود وكزيد في المرآة والربوبية التي فيها ما فقد في العبودية هي الربوبية الاصلية التي نظرت اليها بمرآة ذاتك وهي مرآة ذاتك وهي مرئية في ذاتك الا انك حين نظرك هذا ذاهل عن ذاتك فافهم فقد كررت العبارة ورددتها لسهولة التفهيم فان خفي لك بعد هذا فاعلم انه لصعوبة المسلك ودقة المأخذ لا لقصور في فهمك ثم استشهد عليه السلم لقوله من ان حقايق الخلق امثال وآيات لمعرفة الله سبحانه لا ذات مستقلة بقوله تعالى تأكيدا للامر وتوضيحا للحق فقال عليه السلم وروحي فداه قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكفي بربك انه على كل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك وهذه الآيات هي تلك الربوبية التي جعلها الله في الآفاق في حقيقة العالم وفي انفس الخلايق حتى يتبين للخلق انه الحق وحده ولا سواه وبها تظهر الآثار عن الخلق كما قال امير المؤمنين عليه السلم في شأن الملأ الاعلى فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وبذلك المثال حيي الخلق وصدر عنهم الفعل ولما كان المثال مثاله كان الفعل فعله وهو قول امير المؤمنين عليه السلم انا الآمل والمأمول فلنقبض العنان فللحيطان آذان وانما جمع الآيات لان تلك الصفة التي هي الربوبية آية توحيد الذات وآية توحيد الصفات وآية توحيد العبادة وآية توحيد الافعال وآية معاني الصفات كالبهاء والجلال والجمال والعظمة والقدرة والعلم والرحمة والكرم والجود والعطاء والكلمة والاسم والسلطان والفخر والملك والمجد والكبرياء وامثالها من معاني الصفات وقد اشير الى نوع بيانها في دعاء السحر من شهر رمضان المبارك اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي الدعاء ومجموع هذه الخمسة هي كلمة التوحيد في عالم الفرق والتمييز ( التميز خل ) اذ كل كلمة لا تتم الا في اربع مراتب الاولى النقطة وهي آية توحيد الذات لان النقطة عارية عن جميع الاضافات والنسب والكثرات لكونها لا تقبل القسمة بجهة من الجهات وحيثية من الحيثيات الثانية الالف وهي امتداد النقطة وظهورها بشؤنها واطوارها وهي آية توحيد الصفات لان الصفة كما قدمنا ظهور الذات المنبئ عنها قال امير المؤمنين عليه السلم الاسم ما انبأ عن المسمى الثالثة الحروف المقطعة من الالف لغاية التأليف في الكلمة وهي آية توحيد الافعال لان تعدد الظهور الاسمي وانما هو بالاثر ومبدءها الافعال ومبدء الافعال الاسماء وفي الدعاء وباسمك الذي اشرقت به السموات والارضون وباسمك الذي صلح به الاولون والآخرون ومع هذا كله فالاسم مشتق من المصدر وهو مشتق من الفعل وهو مشتق من نفسه بالله عز وجل فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم والرابعة الكلمة التامة وهي آية توحيد العبادة لتأخرها عن الافعال وقد قال تعالى فخلقت الخلق لكي اعرف واما مقام معاني الصفات وهي دلالة الكلمة فالاولي هي النقطة في بسم الله الرحمن الرحيم والثانية هي الباء فيها والثالثة هي الاسم الله والرابعة هي مقام الاسم الرحمن والخامسة هي مقام الاسم الرحيم فلما تنزل الكتاب التكويني الى الكتاب التدويني صار البسملة هي اول هذا الكتاب على طبق ذلك وهذه المراتب هي الآيات المستودعة في كل الذرات ولما كان مرجع الكل الى امر واحد كانت آية واحدة فالربوبية في الحديث هي معنى الآيات في القرآن واما كيفية ارائة هذه الآيات في المخلوقات مع كمال تركيبها وحدوثها فكما ترى في الكتاب التدويني فان كلمة لا اله الا الله مع كونها الفاظا حادثة مشتملة على معنى حادث الفها الله سبحانه تأليفا اذا قلتها تدلك على توحيده تعالى وتنزيهه من ( عن خل ) كل صفات المحدثات فكذلك خلقك والفك على هيئة وصفة تدل بذاتك على توحيده وتنزيهه عن كل صفات المحدثات مع انك محدث فانت كلمة لا اله الا الله في التكوين كما ان هذه الكلمة كلمة التوحيد في التدوين والتشريع فافهم واما كيفية وصفه سبحانه نفسه لك بك فبان وصف نفسه لك بلسانك التكويني وهو قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو فشهادته سبحانه لنفسه بالتوحيد بنفسه هو عين نفسه وشهادته لغيره بنفسه عين غيره فحقيقة ذلك الغير هي تلك الشهادة فتلك الحقيقة شهادة وشاهدة ومن شهد له مثاله ايضا في الكتاب التدويني فانك حين تقرأ القرآن لسان الله سبحانه فهو يخاطبك بلسانك ولذا اذا قرأت قوله تعالى اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى لا يلزم منه كفر لانه حينئذ قول الله عز وجل بلسانك ومن هذه الجهة وردت الاخبار بان القاري اذا وصل الى قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا يقول لبيك وسعديك ففي المرة الاولى لسان الله وخطابه لنفسه وفي المرة الثانية قابل ومخاطب فالاولى فيها سر كن والثانية فيها سر فيكون والظاهر على طبق الباطن والتكوين على وفق التدوين ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا سبحان من هو امره واحد وحكمه واحد وقوله واحد وصراطه واحد ووليه واحد ونبيه واحد ودعائه واحد لانه واحد ولما كانت العبودية كنهها الربوبية لا ظاهرها كما قال امير المؤمنين عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك اتى سبحانه بالسين الاستقبالية لبيان ان تلك الآيات ليست مشرعة لكل خائض ومنهلا لكل وارد وانما هي لمن قطع المسير وقطع مسافة الزمان ويسير في الدهر ويسبح في لجة السرمد ليصل الى لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية وذلك لا يكون الا بكشف السبحات وازالة الحجب والانيات على ما قال امير المؤمنين عليه السلم في الحديث المشهور عن كميل بن زياد النخعي (ره) وقد سئله عن الحقيقة قال ما لك والحقيقة قال اولست بصاحب سرك قال عليه السلم بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني قال اومثلك يخيب سائلا قال عليه السلم كشف سبحات الجلال من غير اشارة قال زدني بيانا قال عليه السلم محو الموهوم وصحو المعلوم قال زدني بيانا قال عليه السلم هتك الستر لغلبة السر قال زدني بيانا قال عليه السلم جذب الاحدية لصفة التوحيد قال زدني بيانا قال عليه السلم نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا قال عليه السلم اطفأ السراج فقد طلع الصبح ومن اراد ان يطلع على حقيقة الامر في هذا الحديث فليطلب ما كتب شيخي جعلني الله فداه في شرح هذا الحديث الشريف وقد شرحته ايضا بالفارسية في اجوبة المسائل الاصفهانية وقوله عليه السلم في تفسير قوله تعالى اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك معناه ان الشهود التام هي الاحاطة و( الاحاطة وان الاحاطة خل ) هي الاستدارة التامة بحيث تكون جميع النسب متساوية بين المحيط والمركز ولا تكون بينهما جهة تختلف بها النسبة او تكون لكل واحد منهما جهة خارجة عن الحد الآخر ولما كان الخلق بادين عنه تعالى بالاستدارة الصحيحة التامة وعائدين اليه كذلك ومستمدين منه كذلك ومقبلين عليه كذلك فكان هو سبحانه محيطا بهم بالقيومية ناظرا اليهم بسر الصمدانية ومطلعا عليهم بعزة الوحدانية فكانوا ابدا بين يديه سبحانه بمرأي منه ومسمع وهو قوله تعالى وما كنا عن الخلق غافلين فالخلق سواء كانوا حاضرين اي متوجهين اليه تعالى بالتشريعي ومقبلين عليه او غائبين عن وجدانهم وغافلين عن ربهم في خواطرهم وسرائرهم فلا يفوتونه ( فلا يفوته خل ) سبحانه في حال من الاحوال كما قال عز وجل ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون فهو سبحانه موجود وحاضر وناظر اليك في حضرتك اي ما دمت حاضرا ومتوجها اليه وغيبتك اي ما دمت غافلا وذاهلا عنه تعالى ومعنى اخر ان كل شيء حاضر عنده كلما هو تحت ذاته وما هو فوق ذاته غائب عنه وظهوره سبحانه محيط وثابت وموجود في حضرتك اي مراتب ذاتك وتنزلاتها وظهوراتها وغيبتك اي المراتب التي هي اعلى من رتبة ذاتك وحقيقتك فكلما يغيب عنك وعن احد من المخلوقين لا يغيب عنه سبحانه اذ كل شيء في ملكه وهو على كل شيء محيط ولم يكن خلوا من الملك قبل انشائه فافهم ولهذا الحديث وجوه اخر تركت ذكرها ( تركناها خل ) خوفا للتطويل وصونا عن اصحاب القال والقيل
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
حفظه في الصدور اولى من ابرازه في السطور
المسئلة الثانية : في شرح ما روي عن جابر ما معناه انه سئل النبي صلى الله عليه وآله عن اول ما خلق الله قال صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وكان يطوف حول جلال القدرة فلما انتهى الى جلال العظمة بعد ثمانين الف سنة خلق الله نور عليّ عليه السلم فكان نوري يطوف حول جلال العظمة ونور عليّ يطوف حول جلال القدرة الحديث
اقول الكلام في هذا الحديث الشريف يتم ببيان امور الاول ما معنى جلال القدرة وجلال العظمة الثاني ما معنى طوفه حول جلال القدرة وانتهاؤه الى جلال العظمة الثالث كيف كانت المدة بين الجلالين وما معناها الرابع ما الوجه في خصوص الثمانين الف الخامس ما معنى هذا التقديم بهذه المدة المتطاولة مع ان الاخبار والآيات دلت على انهما عليهما السلم حقيقة واحدة وطينة واحدة السادس ما معنى طوف النبي صلى الله عليه وآله بعد خلق عليّ عليه السلم حول جلال العظمة مع انه اشرف مع انها انزل والعكس كذلك السابع هل هذا التفاوت كما ثبت بينهما صلى الله عليهما ثابت بالنسبة الى ساير الائمة عليهم السلم ام لا ولكل من هذه الامور السبعة بيان ظاهري وبيان باطني وشرح غيبي وشرح شهودي وذلك اربعة عشر وهي عدد الحروف النورانية والمنازل النورانية ولذا قلنا ان المسائل الخمس تشتمل على اسرار فاتحة الكتاب فالمسئلة الاولي كانت مشتملة على اسرار البسملة بتمامها كما اشرت الى مجمل بعض انواعها كذلك هذه المسئلة مشتملة على اسرار الحمد لان البسملة اذا عددتها كانت تسعةعشر واذا استنطقتها كان الواحد وهو عدده تسعة عشر والواحد حرفه الالف واذا كررتها كان الباء واذا كررت الباء كانت الدال وهي اصل الحمد واذا كررتها كانت الحاء وهي الفرع واذا كررت الحاء خمس مراتب كانت الميم وهي النتيجة منهما وهو تمام الحمد ولذا افتتح الكتاب الكريم به فمادته مربعة وصورته مثلثة فاذا جمعت بين الثلثة والاربعة كانت سبعة واذا ثنيتها كانت اربعة عشر وهذه الاربعة عشر هي المبدء الذي يدور عليه العالم من الاصول والفروع ثم زادوا الميمين على الحمد ليكون محمد وليكون اشارة الى هذه المراتب المذكورة في هذا الحديث الشريف وبيان هذه المراتب صعب يحتاج الى تمهيد مقدمات ليقرب الى الاذهان وتقبله العقول والاحلام الا اني لضيق المجال وكثرة الاستعجال اشير الى كل مقام اشارة اجمالية لانها الميسور والى الله ترجع الامور اما الاول فاعلم ان الجلال مقام القهر والغلبة والاستيلاء والتمنع والجمال مقام الانس والمشاهدة والمحبة وقد يطلق احدهما على الآخر كما يظهر لمن تتبع في الاخبار والادعية واذا اجتمعا افترقا ولما جعل في الجلال حرف من اسم عليّ عليه السلم دل على القهر والغلبة وجعل في الجمال حرف من اسم محمد صلى الله عليه وآله دل على الانس والايتلاف سيما الميم التي لها مخرج الربع الحاكي عن الشكل المربع المقرون بالاتحاد والايتلاف واللام التي لها مخرج الثلث الحاكي عن الشكل المثلث الذي هو شكل الفناء والافتراق فافهم واما القدرة فهي اول ما يظهر من القادر من الفعل الاولي الذي به يصدر جميع افاعيله وآثاره وشئونات اسمائه وهو قوله عليه السلم اللهم اني اسألك بقدرتك التي استطلت بها على كل شيء وكل قدرتك مستطيلة فالقدرة والعلم هما اول ما يظهران من الكامل وكل الصفات دونهما فتكون جلال القدرة هي الولاية المطلقة الاولية وهي التي استطال الله بها على كل شيء وهو مقام الربوبية اذ لا مربوب عينا لا ذكرا وهي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والنور الذي استضاء منه كل شيء والرحمة التي وسعت كل شيء والعلم الذي احاط بكل شيء واليد التي في قبضتها السموات والارض وملكوت كل شيء وآخذة بناصية كل شيء واما العظمة فهي تحت القدرة وبها قد حصلت ومقامها الكثرة ومقتضاها الخوف وهي مقام الربوبية اذمربوب ذكرا وعينا وهنا محل ظهور النبوة الظاهرة المعروفة عند العوام التي هي تحت مقام الولاية فالقدرة محل ظهور المشية والعظمة محل ظهور الارادة والقدرة مقام الكاف والعظمة مقام النون والقدرة مقام الاجمال والعظمة مقام التفصيل والقدرة مقام الاختراع والعظمة مقام الابتداع والقدرة الاصل القديم والعظمة الفرع الكريم واما الامر الثاني فاعلم ان الحضرة المحمدية صلى الله عليه وآله هي اول ظاهر باول ظهور خلقه الله سبحانه في ظل كينونته واقامه بنفسه وطوافه استدارته على جلال القدرة التي هي باطنه اي استدارة ظاهره بباطنه وعلانيته بسره وهذه الاستدارة استمدادية وجلال القدرة يستدير عليه استدارة امدادية ولما كان بكل الجهات مستمدا ومقبلا ومتوجها الى وجه المبدء اي القطب الذي هو الواسطة بينه وبين المفيض كان ( وذلك خل ) القطب هو نفسه لان الله عز وجل اقامه بنفسه وامسكه بظله فاستخلصه في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء وانتهاؤه الى مقام العظمة هي عبارة عن انتهاء مراتب الكاف واول ظهور التعلق بالنون وهو اول مقام ظهور عليّ عليه السلم لانه القمر الذي عليه العدد والحساب ومعنى انتهاء المراتب ان المقام الاول الذي هو مقام الولاية المطلقة ومقام الالوهية بل ومقام الهوية على ما اعرف من الاخبار له مراتب واقلها ثلثة مقام المقام الاعلى والاوسط والاسفل والاسفل هو اعلى مقامات العظمة ولذا جرت الكاف على ثلثة احرف كالنون في كن فيكون وان كان كل شيء على هذا النمط ( بنمط خل ) الا ان المقامات تختلف من ملاحظة التفصيل وعدمه وملاحظة التفصيل في الاجمال او العكس وملاحظة الاجمال في التفصيل وشواهد ما ذكرنا في الكتاب والسنة وعلم الحروف موجودة تركت ذكرها لضيق المجال واغتشاش البال واما الامر الثالث فاعلم ان كل شيء بدأ من فعل الله سبحانه اقتضى كل شيء من جهة ظهور اللانهاية في اطوار النهاية فاذا تعقب شيء شيئا وكان بينهما ترتيب لا يظهر بل لا يوجد الشيء الثاني الا بعد تمام الشيء الاول بجميع مراتبه وان كان لا مراتب هناك بنظر العقل وانما المراتب هناك بتزييل الفؤاد فالمراد بالمدة هي المراتب المتوسطة التي هي بين مبدء الشيء ومنتهاه وهي شيء واحد تختلف احواله واطواره بحسب الحدود اللاحقة والعوارض السانحة من جهة اقباله وادباره اذ لا يكمل الشيء ولا يكمل غيره الا بعد قطع الاسفار الاربعة السفر من الخلق الى الحق والسفر في الحق بالحق والسفر عن الحق الى الخلق والسفر في الخلق بالحق وكل شيء ذو هوية لا بد له من هذه الاسفار الاربعة وان اختلفت بحسب سرعة سير السالكين وبطؤهم وقصر المسافة وطولها وهذه المراتب هي المدد وكل مرتبة مدة لانها حد الشيء في استمرار كونه فيها وليس المراد من المدة هي الزمان السيال الغير القار على ما هو المعروف اذ ليس ذلك المقام مقام المضي والحال والاستقبال ولا مقام التصرم والفناء والتجدد وان كان لا يخلو من الفناء والتجدد مخلوق حادث بل كل شيء ما سوى الله هالك فان مضمحل محتاج فقير كما يرشد اليه قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد الا ان فناء تلك الرتبة العالية وتصرمها عين البقاء والاستقلال بالنسبة الى غيرها كما قال امير المؤمنين عليه السلم في وصف النبي صلى الله عليه وآله استخلصه في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ( الافكار الى خل ) ان قال عليه السلم اذ لا يختص من يشوبه التغيير ( التغير خل ) وقال ايضا عليه السلم اني لا تقلب في الصور كيف شاء الله ولولا ذلك لقيل انه لم يزل ولا يزول انتهى وفي وصف الله لهم غني عن وصف الواصفين حيث قال في الشجرة المحمدية انها لا شرقية ولا غربية اي لا حادثة كساير الحوادث ولا قديمة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فاين المدة الزمانية والانتقالات الدهرية هناك فافهم واما الامر الرابع فاعلم ان الله سبحانه لما ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها وكل شيء بدء من فعله تعالى تحققت له ثلث جهات جهة الى الاعلى وجهة الى الاسفل وجهة متوسطة بينهما ولا شك ان الطفرة لما بطلت يستمد الاسفل بواسطة الاعلى والاعلى لما نظر الى نفسه ونظر الى امداده للاسفل كان تسعة لانه كان واحدا فبالنظر الاول تطور في ثلثة وهي لما نظرت الى نفسها ظهر اول مجذورها وهو التسعة فكانت هي الافلاك المدبرة فصار مبدء الاكوان عشرة وهي الافلاك التسعة والارض وما يتعلق بها وهي الوجه الاسفل في نفسه وباعتبار استمداده من الاعلى وامداد الاعلى اياه بالنظر اليه وبايجاد المدد من الله عز وجل فيه ولهذا كانت العناصر اربعة والشيء انما تشيء بقران هذه الاعالي بالاسافل واتصال الاسافل بالاعالي بنزول الاعالي ( الاعلى خل ) بتطوراتها الى اعلى مراقي الاسافل فكان اصل مبدء وجود الشيء من عشر قبضات كما ذكرنا لك وتلك القبضات ظهرت في عالم الاجسام بهذه التفاصيل المعروفة من العرش والكرسي والافلاك السبعة ولا تكمل هذه المبادي الواقعة على الارض الميتة والبلد الطيب الا بعد تمام اربعة ادوار فالدورة الاولى على مقتضى نفس السافل البرودة واليبوسة وهي المسماة بالدورة الجمادية وقد ظهرت في عالم الحس والاجسام على ذلك المقتضى من غلبة البرودة واليبوسة كما يشاهد في الجمادات والدورة الثانية على مقتضى ميل السافل الى العالي البرودة والرطوبة وهي المسماة بالدورة النباتية كما هو المعلوم والدورة الثالثة على مقتضى ميل العالي الى السافل الحرارة والرطوبة وهي المسماة بالدورة الحيوانية والدورة الرابعة على مقتضى نفس العالي الحرارة واليبوسة وهي المسماة بالدورة الانسانية ولو اردنا شرح ( ان نشرح خل ) حدود هذه الكلمات لاحتجنا الى بسط في المقال وليس لنا الآن ذلك المجال لكنك اعلم ان مرادنا بهذه الطبايع النوع وان اختلفت الاشخاص فافهم وهذا تمام الاربعين ولما كان لكل شيء غيب وشهادة وفي كل مرتبة تمام هذه المراتب فيكون مراتب وجود كل شيء ثمانين فاهل الزمان انتهاء مراتبهم في ثمانين سنة واهل الدهر في ثمانية آلاف ( ثمانين آلاف خل ) سنة واهل السرمد في ثمانين الف سنة وهو قوله تعالى وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون ومحمد واهل بيته الطاهرون عليهم السلم هم عند الله عز وجل فيكون اليوم عندنا الف سنة عندهم وقد قال مولينا الصادق عليه السلم في تفسير قوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار ولا يفترون قال عليه السلم نحن الذين عنده واما الامر الخامس فاعلم ان الاخبار والآيات واجماع الفرقة المحقة وان دلت على انهم عليهم السلم نور واحد وطينة واحدة وحقيقة واحدة الا ان الاخبار دلت على تقديم بعضهم لبعض وذلك يعرف من جهة الافضلية وعدمها اذ لا شك ان النبي صلى الله عليه وآله افضل من عليّ عليه السلم وهو افضل من ابنيهما الطيبين الطاهرين صلى الله عليهما وعلى جدهما وابيهما وامهما وابناهما وهما افضل من باقي الائمة عليهم السلم وقد قال امير المؤمنين عليه السلم انا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وقال صلى الله عليه وآله تاسعهم قائمهم افضلهم وفي رواية اخرى اعلمهم وافضلهم ومعنى هذا التقدم كما قال عليه السلم انا من محمد كالضوء من الضوء و لا شك ان السراجين من طينة واحدة وحقيقة واحدة الا ان الاول مقدم والثاني قد اشعل منه واليه الاشارة بما في الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله في كيفية خلقهم الى ان قال عليه السلم كنا نورا واحدا ننتقل ( انتقل خل ) من الاصلاب الطاهرة الى الارحام المطهرة حتى انتقلنا الى صلب عبد المطلب فجعل ذلك النور نصفين فقيل لنصف كن محمدا وللنصف الآخر كن عليا الحديث ولا يصح العكس بان قيل لنصف كن عليا وللنصف الآخر كن محمدا صلى الله عليهما وآلهما وكتقدم العرش على الكرسي مع انهما حقيقة واحدة الا ان العرش اول ما تعلق به الفعل والكرسي بالعرش وهما بابان من العلم مقرونان وهما اخوان وكتقدم النقطة على الالف فان الالف انبساط النقطة وظهورها باطوارها واحوالها وكتقدم المشية على الارادة والاختراع و( على خل ) الابتداع والكاف على النون والمجمل على المفصل والعقل على النفس والقلب على الصدر وبهذا التقدم ادرك مقاما من التوحيد لا يدركه عليّ عليه السلم وبذلك وسع الحق سبحانه كما قال سبحانه في حديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو صلى الله عليه وآله العبد المؤمن الذي وسع قلبه جميع مظاهر الحق وبذلك كان قائما مقام الله كما في الحديث المتقدم اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء وكون حقيقتهم واحدة لا ينافي تقديم بعضهم على بعض مثل السموات والارض حقيقتهما واحدة لانهما انشعبا من البحر المنشعب من الجوهرة وذلك واضح ظاهر ومحصل الكلام ان لهم عليهم السلم مقامان احدهما مقام نسبتهم الى ما سواهم من المخلوقين وكلهم في هذه النسبة سواء وعليه يحمل الاخبار الدالة على ان امرنا ( مرادنا خل ) واحد وحكمنا واحد وعلمنا واحد وثانيهما مقام نسبتهم الى ربهم في الاجابة وتقدمها وتأخرها وذلك مختلف فمن تقدم في الاجابة والتلبية كان افضل فكان علمه بالله اعظم واشد ومن تأخر كان اقل بنسبة تأخره ففي معرفة الله مختلفون وفي معرفة الخلق كلهم متساوون لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون وهم سلام الله عليهم كلمة التوحيد وكلمة الله العليا وقد ذكرنا ان الكلمة انما تتم في اربع مراتب الاولى مقام النقطة وهي مقام الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والثانية مقام الالف المنبسطة من النقطة وهي مقام مولينا امير المؤمنين عليه السلم والثالثة مقام الحروف العاليات وهي مقام الائمة الاحد عشر عليهم السلم والرابعة مقام الكلمة التامة الجامعة الحاوية للمراتب كلها فهي اللب وهي قشرها وهي مقام فاطمة الصديقة صلوات الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها ولذا قال عز وجل حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم فحم هو محمد صلى الله عليه وآله في كتاب هود والكتاب المبين هو عليّ امير المؤمنين عليه السلم وهو انبساط المجمل وانتشار الوحدة وظهور المفصل انا انزلناه اي عليا عليه السلم في ليلة مباركة وهي فاطمة الزهراء عليها السلم فيها يفرق كل امر حكيم اي يمتاز كل امام حكيم بعد امام حكيم واما السادس فاعلم ان الولاية لله كما قال عز وجل هنالك الولاية لله الحق ولما كان ذات الله سبحانه لا تباشر الاشياء لتكرمها وقدوسيتها فيكون التعلقات انما هو بالظهورات الفعلية فكل من هو اقرب اليه سبحانه بكمال التوجه الكوني والشرعي هو اولى بهذه الولاية وكل من اشتد مقامه في القرب من التكويني والتشريعي يكون سر ظهور القدس والجلال والتنزه والوحدة والبساطة اكثر واشد وذلك بعينه يستلزم تعاليه وتقدسه عن التعلق بالحوادث الكونية والتأخر ( المتاخر خل ) عن هذه الرتبة لما ظهر فيه سر الكينونة مع تراكم اطوار التنزل النوري الانية المسلمة النورانية التي هي حجاب الزبرجد استقرت فيه تلك الظهورات وتحققت به تلك النسمات انظر الى النار فان لها القيومية والتأثير بالنسبة الى آثارها اذا تعلقت بالهواء لم يكن لها ظهور ابدا لكمال صفاء الهواء وتنزهها عن الكدورات لم يستقر له ( لها خل ) الظهور فانه فرع الانية وهو قد شابهها فلا فرق بينها وبينها كما قال الشاعر :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشاكلا وتشابه الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
ولما تعلقت هذه النار بالدهن الزيتوني من الشجرة المباركة التي ليست شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار مع كونها ( كونهما خل ) في الزجاجة التي كأنها كوكب دري وكون الزجاجة في المشكوة يظهر منها ضياء عظيم واشعة قوية وآثار عجيبة وذلك لصفاء قابلية الدهن وكثافتها بالنسبة الى الهواء وحفظها اثر النار ولا شك ان النار من دون توسط الهواء لا تتعلق بالدهن فالنار مثال ولاية الله سبحانه والهواء مثال حقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والدهن الصافي على ما وصفه الله سبحانه في كتابه مثال الحقيقة العلوية فولاية الله هي الربوبية اذ لا مربوب لا ذكرا ولا عينا وولاية النبي صلى الله عليه وآله هي الربوبية اذ مربوب ذكرا وولاية عليّ عليه السلم هي الربوبية اذ مربوب عينا فكان بذلك حامل اللواء فجلال القدرة التي هي الولاية الحقيقة للنبي صلى الله عليه وآله لكنها قد ظهرت في عليّ عليه السلم كما ظهرت الكواكب المدبرات والبروج والمنازل وساير المبادي في الكرسي دون العرش مع انه اعظم فالكرسي حينئذ طائف حول جلال القدرة في عالم الظهور لان الفيوضات الواردة في العالم والمنتشرة في اقطار الارض كلها من الكرسي وان كان الكرسي لا يستمد الا من العرش فمحمد وعليّ صلى الله عليهما نسبتهما في عالم الباطن نسبة العرش والكرسي لكن العرش صمت اي لم يسمع كلامه احد والا قد نطق بخلاف الكرسي فانه قد نطق وقد سمع كلامه كل احد ولذا ترى الناس قد غلوا في عليّ بين قائل بانه هو الله وقائل بانه اشرف من رسول الله صلى الله عليه وآله وما غلوا في محمد صلى الله عليه وآله اذ لم يظهر منه ما ظهر من عليّ عليه السلم من المعجزات وخوارق العادات واظهار تلك الخطب التي تذهل عندها العقول مثل خطبة الافتخار وخطبة البيان والخطبة الطتنجية وحديث طارق وامثالها مع ان ما ظهر من عليّ عليه السلم انما كان من محمد صلى الله عليه وآله ولولا ان عليّا عليه السلم قال انا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله ولولا انه عليه السلم اظهر له صلى الله عليه وآله من الخضوع والانكسار والتذلل ولولا ما قال انا من محمد صلى الله عليه وآله كالضوء من الضوء لم يعرف الخلق محمدا صلى الله عليه وآله ولم يشكوا بان عليا عليه السلم افضل منه صلى الله عليه وآله بل لا يجدون بينهما نسبة كما ان الكرسي فلك الثوابت وافلاك الكواكب السيارة لو لم تتحرك بخلاف التوالي ولم تتبع العرش في حركاته ولم تظهر له الانكسار والخضوع بمتابعتها اياه على خلاف مجراها واظهار عجزها عن الانفراد عنه لم يعرف احد ان الفلك الاعظم هو العرش وان هنا فلكا يحيط بهذه الافلاك الثمانية يدبرها ويسخرها فظهر في جلال القدرة امير المؤمنين عليه السلم وحمل ولاية الله الظاهرة للخلق بمحمد صلى الله عليه وآله فسمي عليّا لانه اسم تلك المرتبة ولذا كان ذكر السجدة التي تحكي تلك الرتبة سبحان ربي الاعلى فباطنهما صلى الله عليهما كما مثلنا لك مثل العرش والكرسي وظاهرهما في عالم الظهور مثل الشمس والقمر فالشمس تستمد من الكرسي ولذا كانت لا عرض لها لان فلكها الخارج المركز في سطح منطقة البروج ولم يفارقها والقمر يستمد من الشمس فالنبوة الظاهرة تستمد من الولاية الظاهرة في الخلق كما ان الولاية الظاهرة التي هي الباطنة تستمد من النبوة الباطنة والامامة الظاهرة من النبوة الظاهرة فعليّ عليه السلم في مقام الظهور جرى عليه حكم البطون ومحمد صلى الله عليه وآله جرى عليه حكم الظهور وهو ابطن البطون واغيب الغيوب
واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
ولي في هذا المقام كلمات غريبة واسرار عجيبة لم تذكر في كتاب ولم تجر في خطاب وقد ذكرت شرذمة مما يمكن اظهاره في هذا الباب في شرح الخطبة ومن اراد الاستبصار فعليه بتهذيب مسالك تلك القواعد فانها منتهى المطلب واما السابع فاعلم ان هذا التفاوت ثابت في كل من ثبتت له الفضيلة بالنسبة الى غيره وهم سبعة اولهم محمد صلى الله عليه وآله ثم عليّ عليه السلم لانه خير الخلق لقوله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة فاثبت لهما الفضيلة على كل الخلق لان اهل الجنة خير من اهل النار وكلما في الجنة شباب اذ ليس فيها كهل فسيدهم خيرهم ثم استثنى عليّا عليه السلم فقال وابوهما خير منهما ثم الحسن عليه السلم كما في الدعاء العديلة المنسوب الى امير المؤمنين عليه السلم ثم من بعده سيد اولاده الحسن بن عليّ ثم اخوه السبط الدعاء ثم الحسين عليه السلم لانه سيد شباب اهل الجنة ثم القائم المنتظر عجل الله فرجه لقوله صلى الله عليه وآله قائمهم افضلهم اعلمهم ثم من بعده الائمة الثمانية صلى الله عليهم اذ لم يتبين لنا من الاخبار ما يدل على فضيلة بعضهم على بعض وليس لنا ذلك المقام حتى ندرك التفاضل بينهم بعقولنا واحلامنا فنرجع الى تساويهم في الرتبة ثم من بعدهم الزهراء الصديقة صلى الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها لان الرجال في كل رتبة اشرف من النساء فيها وهؤلاء يحتمل ان يكون هذا التفاوت ثابتا بينهم بل لا بد ان يكون كذلك اذ كل واحد من الآخر كما عليّ من محمد صلى الله عليه وآله واشهد ان انواركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض وعلى من يفهم الكلام السلام
المسئلة الثالثة : في شرح احاديث الطينة
اقول ان احاديث الطينة مختلفة متشتتة من جهة المضمون والدلالة الا اني اورد في هذا المقام اصعب الاحاديث واغمضها في هذا الباب واشير الى بعض بيانها لتبيين المقصود روى الصدوق باسناده الى اسحق القمي عن ابي جعفر محمد الباقر عليه السلم حديث طويل يقول فيه لما كان الله متفردا بالوحدانية ابتدء الاشياء لا من شيء فاجرى الماء العذب على ارض طيبة طاهرة سبعة ايام مع لياليها ثم نضب الماء عنها فقبض قبضة من صفاء ذلك الطين وهي طينة اهل البيت عليهم السلم ثم قبض قبضة من اسفل تلك الطينة وهي طينة شيعتنا ثم اصطفانا لنفسه فلو ان طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى احد منهم ولاسرق ولالاط ولاشرب المسكر ولا ارتكب شيئا مما ذكرت ولكن الله عز وجل احرى الماء المالح على ارض ملعونة سبعة ايام ولياليها ثم نضب الماء عنها ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة من حما مسنون وهي طينة خبال وهي طينة اعدائنا فلو ان الله عز وجل ترك طينتهم كما اخذها لم تروهم في خلق الآدميين ولم يقروا بالشهادتين ولم يصوموا ولم يصلوا ولم يزكوا ولم يحجوا البيت ولم ير واحد منهم بحسن خلق و لكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين طينتكم وطينتهم فخلطهما وعركهما عرك الاديم ومزجهما بالمائين فما رأيت من اخيك المؤمن من شر لواط وزناء او شيء مما ذكرت من شرب مسكر او غيره فليس من جوهريته ولا من ايمانه وانما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت وما رأيت من الناصب من حسن وجهه وحسن خلق او صوم او صلوة او حج بيت الله او صدقة او معروف فليس من جوهريته وانما ذلك الافاعيل من مسحة الايمان اكتسبها وهو اكتساب مسحة الايمان اقول هذه المسئلة فيها سر اياك نعبد واياك نستعين وهي تفضي الى سر القضاء والقدر وقد امر ائمتنا عليهم السلم في صعوبة هذه المسئلة مما لا مزيد عليه والسبب ان العقل يقصر عن فهم ادراكها على الحقيقة لان العقل اول زوج تركب من الوجود المقيد فادراكه بعد تحققه وتحققه بعد تركيبه وتركيبه انما كان بالقضاء والقدر فاني له وادراك ما هو وراء ذاته نعم من شتت جمعه وتركيبه ونثر نظمه وتأليفه ووقف في مقام البساطة الامكانية ونظر بعين الله وتكلم بلسان الله فهو ممن يعرف هذا الكلام ويطلع على هذا النظام وعلامته ان يدع عنه المفاهيم المنطقية والتصورات الذهنية والمقدمات الجدلية والخطابيات الاستحسانية والقياسات البرهانية لانها كلها مما هو تحت العقل وينظر الى العالي بعين نظره الى الداني والى البعيد بعين نظره الى القريب والى المجتمع بعين المتفرق والى المتفرق بعين المجتمع ويجمع بين المختلفات ويفرق بين المؤتلفات المجتمعات و يعرف المراد من العبارة من غير اقتصاره على العبارة ويصل الى التلويحات من غير الاشارة ويميز بين ادراك العقل والفؤاد فهو ممن يفهم المراد واما من سوى ذلك فليس له الى فهم هذه الدقايق سبيل ولا يسوغ له التكلم فيها اذ المطلوب منهم ان يعتقدوا ان الله حكيم لا يجور ولا يظلم ولا استغناء للخلق عنه تعالى في حال من الاحوال فكل افعاله ( احواله خل ) تعالى مبنية على وفق الحكمة والمصلحة ولا يسئل عما يفعل لانه لا يفعل الا الاحسن وهم يسئلون ولا يجوز لهم ان يتوغلوا في اصل هذه المسائل ومنشأها ومبدءها والفقير احببت ان تأتيني هذه المسائل في غير هذا الوقت لا تفرع لها وابسط في المقال بتقديم بعض المقدمات وتكثير الامثال والآيات فاذا كثرت الشواهد والامثال وكرر البيان يرجي فهم المرام وان كان صعبا على الافهام ولكن الآن جناب السائل وفقه الله ضايقني والح عليّ تعجيل الجواب كتبت على قدر المقدور واختصر في العبارة واقتصر على الاشارة اعلم ان الله سبحانه يقول انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون هذا في الخلق التكويني وضمير الخطاب في كن الى من يرجع والضمير الفاعل في فيكون الى من يرجع ان قلت يرجع الى الله فقد اخطأت ضرورة انه لا يرجع اليه وان قلت الى المخلوق ولم يكن قبل وان قلت كان مستجنا في غيب الهوية كما هو زعم طائفة فيلزم ما يلزم من الكفر كما قررنا في كثير من مباحثاتنا فان قلت ان هذا الكلام بظاهره لا يراد قلت هل عبر الله تعالى عن هذا المطلب بتعبير غير هذا التعبير من الذي يوافق المراد واحد من الائمة عليهم السلم او اخبر الله ورسوله صلى الله عليه وآله ان ظاهر هذه الكلمات لا يراد ولم يمكننا التعبير بغيرها فعبرنا بها ولو فرضنا ان هذا التعبير مايراد بظاهره هل يمكنك ان تتعقل غير هذا الست تقول انه هو وتشير الى المخلوق وتغفل عن الخالق فلو كان المفعول في كل احواله مستندا الى الله سبحانه لما دل ابدا الا على الله لان الفرع دائما يدل على الاصل ولو احتجب الاصل به في حال من الاحوال لم يكن في ذلك الوقت وتلك الحالة فرعا وانما هو اصل وان كان بالادعاء وهذا لا شك فيه وحقيقة الامر ان الايجاد لا يتحقق بدون الانوجاد كما ان الكسر لا يكون الا بالانكسار والمراد بالانوجاد هو الانية التي بها يكون الشيء هو فان الاشياء من حيث صدورها عنه تعالى صدرت كعموم قدرته تعالى من غير تقييد وتحديد بجهة من الجهات فلا يقال للشيء ( لشيء خل ) حينئذ هو ولا يقال خلق وحادث لانه صرف الظهور وحقيقة النور فلا يقال الا الله وحده لا شريك له وبالانية تحققت الشيئية ولذا يقال لها ماهية لانها ما به الشيء هو هو وهذه الانية التي هي القابلية التي هي المهية هي جهة الاختلاف لانه هو المفروض ولما نظرنا الى الاختلافات الواقعة في الوجود رأينا كلها منسوبة الى الصورة بعد ما وجدنا ان كل شيء مركب من المادة والصورة ولما تتبعنا الصور ودققنا فيها النظر وجدنا انها اعراض اصلية لا قوام لها الا بالمادة ولما تفحصنا عن حقيقة الصورة وجدناها غير خالية عن الحدود الستة التي هي الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف ووجدنا ( ووجدناها خل ) ان هذه الستة ليست بسايط لا تقبل القسمة بوجه كالمادة وانما هي متجددة سيالة متعددة متداخلة ووجدنا ان المادة تظهر في كل مقام عند المتعدد والمختلف على حسبه ولما نظرنا الى تلك الحدود وجدنا ان لا استقلال لها الا بالمادة وهي لا استقلال لها الا بفعله تعالى ومشيته فالمادة من حيث هي هي تصلح للسعادة والشقاوة والحدود الخارجية التي هي الزمان والمكان وغيرهما مما ذكرنا اسباب لظهور تلك المادة على نهج السعادة والشقاوة مثلا لما خلق الله سبحانه الخلق الاول فلا شك ان له زمانا ومكانا ورتبة فظهر ذلك النور على مقتضي تلك الحدود بالله سبحانه وفي الزمان الثاني وفي المكان الثاني والجهة الاخرى يقتضي ( تقتضي خل ) ظهور ذلك النور بطور آخر كما هو المحسوس المشاهد وتلك الحدود المقترنة بتلك المادة هي الطينة وبعبارة اخرى ان الله سبحانه خلق الخلق بفعله فتحقق شيئان فعل ومفعول والفعل له ارتباط بالمفعول والمفعول له ارتباط بالفعل فتحققت اربعة اشياء ولما ان الله سبحانه لا يحب ان يجبر العباد وان يخلق على جهة الظلم ولما اراد ان يخلق الخلق لا بد ان يفرق بين المفعول والفعل ولما فرق بينهما لا بد ان يعرف الفعل المفعول والمفعول الفعل وهذا التعريف يستدعي ان يخلق فيهما شيء يرتبط به احدهما بالآخر فخلق اربعة اشياء فعل ومفعول وارتباط الفعل بالمفعول وارتباط المفعول بالفعل فخلق لانتظام وجود هذه الاربعة اربعة اخرى وهي الطبايع الاربع فخلق من الفعل الحرارة واليبوسة لان الفعل اشرف لكون انتسابه اليه تعالى اكثر من انتساب المخلوق المفعول به لان انتساب المفعول بالفعل وقد يحتجب الفاعل بالمفعول بخلاف الفعل فالحكمة تقتضي ان يخلق الحرارة التي هي اشرف من الفعل وخلق الحرارة والرطوبة من ارتباط الفعل بالمفعول اما الحرارة فلانتسابه الى الفعل واما الرطوبة فلميل الفعل المقتضي للسيلان والرطوبة وخلق من المفعول البرودة واليبوسة لانه محل وقوف ( توقف خل ) الفعل وهو سكون المكون وهو منشأ البرودة ولحفظه فعل الفاعل واثره وخلق من ارتباط المفعول بالفعل البرودة والرطوبة اما البرودة والرطوبة فلانتسابه الى المفعول واما الرطوبة فلمكان الميل فاذا لوحظت هذه الاربعة في تلك الستة ظهرت اربعة وعشرون وعلى نهجها دارت ساعات الليل والنهار وهي العوالم وباقي المراتب والعوالم خلقها الله سبحانه باقتران هذه الجهات بعضها مع بعض فاذا ظهر ذلك النور الواحد الساري في هذه الحدود واقترن بها بتقدير من الله عز وجل فيحدث الله سبحانه بمقتضي ذلك القران خيرا من الخيرات و( او خل ) شرا من الشرور وبقران ذلك النور بذلك الليل الديجور حدث الاختيار العام ان كان القران العام وهو صلوح تصور ذلك الامر الواحد بالصور المختلفة من صور السعادة والشقاوة وذلك الاختيار العام يترجح بالاسباب الخارجية من القرانات القريبة والموالفة والمناسبة والمخالفة والمباينة وامثالها من الاحوال والاوضاع والجهات والتعلقات فظهر لك ان الخلق خلقان الخلق الاول والخلق الثاني ففي الخلق الاول خلق الله سبحان موادا صالحة شاعرة قابلة للسعادة والشقاوة فكلفها سبحانه بمقتضى علمه بهم لما سئلوه ان يسئلهم باختيارهم فسئلهم بلسان حقايقهم وكينوناتهم الست بربكم قالوا بلى كل واحد على حسب ما عنده من المرجحات من انحاء القرانات والاوضاع فمن قال بلى مصدقا فهي القابلية الطيبة وهي الارض الطيبة والماء العذب المذكور في الحديث السابق هو ذلك النور المطلق المفاض من اشراق صبح الازل وجريان ذلك الماء على تلك الارض تعلق النور اي الوجود بتلك القابلية الطيبة والايام السبعة هي يوم المادة ويوم الصورة ويوم اقتران المادة بالصورة ويوم اقتران الصورة بالمادة ويوم الاتصال ويوم الحكم والاتمام ويوم التأثير والاظهار مشروح العلل مبين الاسباب وهي يوم الاحد ويوم الاثنين ويوم الثلثا ويوم الاربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت فلما تمت هذه الطينة الطيبة في الايام السبعة من ايام الشأن خلق الله سبحانه من صفائها طينة اهل البيت عليهم السلم وهذا يحتمل وجوها كثيرة كلها مرادة للامام عليه السلم واني اكتم بعضها واذكر البعض الآخر وهو ان الامام عليه السلم قد قال بلى ولم يكن خلق ابدا غيرهم وليس معهم عليهم السلم غيرهم والآن على ما عليه كان فلما وجدوا وظهر ذلك النور في اول الحدود وتحدد بحدود الموافقة استنارت تلك الطينة بنور الكينونة وظهر فيها سر الربوبية تشعشعت منها الانوار وظهرت عنها الآثار وتلك الانوار والآثار المحدودة بحدود الاقبال هي حقايق طينة شيعتهم عليهم السلم وهو معنى قوله عليه السلم في الحديث المتقدم ثم قبض قبضة من اسفل تلك الطينة والاسفل هو الاثر كما ان الله سبحانه خلق قيامك وقعودك بك ولم يكونا شيئا في رتبة ذاتك ولا احد يعترض ان الله سبحانه لم خلق القيام بعد الشخص لانه لا يساوي الشخص ولا يذكر معه حتى يطلب الترجيح فاذا قلت لك من في البيت تقول زيد ولا تقول زيد وقعوده وشعاعه من اكله وشربه ونومه ويقظته وكذلك نسبة غير آل محمد سلام الله عليهم اليهم نسبة قيامك اليك فافهم وكن به ضنينا قوله عليه السلم في الحديث المتقدم فلو ان طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا يريد عليه السلم ان تلك الطينة شعاع لطينتهم النازلة الى رتبة اجسامهم وهم عليهم السلم وان كانت حدود انيتهم مصفات من كل الكدورات لكنها بعد زبرجدي اللون فاذا تنزلت بشعاعها كانت الظلمة في شعاعها امكن منها فيها ولو كان على صفاء الاصل كانت اياه ولم تكن اثرا هف ولذا ما تركت طينة الشيعة وذلك الخلط على حقيقة ما هم اهله الا ان الخلط فيها عرضي لا ذاتي ولذا يتفق بعض الشيعة لا يعصون كما لم يعص الانبياء وكان يحصل منهم ترك الاولى وكذلك بعض من نزل في الرتبة الثانية ولما كانت تلك الطينة هي شعاع الطينة الطيبة الاصلية كانت بذاتها لا تقتضي ما لا تجانسها لكمال المناقضة فان المانع لا يكون مقتضيا لما هو المانع عنه كما هو المعروف الظاهر لمن له ادنى روية في العلم فافهم وقوله عليه السلم ولكن الله عز وجل اجرى الماء المالح على ارض الملعونة الخ هذا الكلام على مذاق العارفين هو ان الماء واحد الا ان ملوحته من جهة وقوعه على الارض الملعونة كما في قول الشاعر :
ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
وعندي هذا الكلام ليس على تمام الحكمة بل هذا الماء ظل ذلك الماء العذب وهو ظله كظل الشمس لنور الشمس فان الظل قد صعد من السجين كما ان النور قد نزل من العليين وذلك في خلق الثاني فمن انكر بقابلية المتحصلة من الحدود المذكورة بالمرجحات الخارجية وقال بلى بلسانه وقلبه منكر مستهزئ خلقه الله سبحانه في الخلق الثاني من هذا الماء الجاري على الارض الملعونة التي هي قابلية الانكار وطينة الاشرار وذلك الجريان كان في سبعة ايام بلياليها وهي يوم الشقاوة ويوم الالحاد ويوم الطغيان ويوم الشهوة ويوم الطبع ويوم العادات ويوم الممات وهي يوم الاحد والاثنين والثلثا والاربعاء والخميس والجمعة والسبت في الظل المنكوس والمؤلفة من هذا الماء والارض المسقاة في السبعة الايام المذكورة هي طينة خبال جهنم وهي طينة الاعداء وذوات الاشقياء وهي طينة لا تقتضي الصورة الانسانية ولا ما تقتضيه تلك الصورة الطيبة لكمال المناقضة والمنافرة بين الاقتضائين في الحقيقة ولكن الله عز وجل لما امر العقل بالادبار فاخذ ينزل في المراتب السفلية وامر الجهل بالادبار فاخذ يصعد فالتقيا في التراب حين نزول العقل وصعود الجهل ثم امر الله سبحانه العقل بالاقبال فاخذ يصعد وامر الجهل بالاقبال فاخذ ينزل فالتقيا في هذه الدنيا وهنا حصل اللطخ بينهما والمناسبة العرضية جرت احد الطرفين الى الميل الى الآخر واما المعصومون عليهم السلم فقد بقوا على ما هم عليه من كمال المنافرة وعدم الميل واما المنافقون من المعاندين فهم وان كانوا على كمال المنافرة لكنهم دخلوا بطن الحية باعانة الطاووس ليدخلوا الجنة ويخرجوا آدم وذريته منها والجنة هي صورة الانسانية والمرتبة ( الرتبة خل ) الانسانية فانها هي الجنة حقيقة وما تجد يوم القيمة كله ظهور نور هذه الصورة الطيبة والطاووس هي العناصر الاربعة المشتملة على الالوان المختلفة والحية هي الحيوة الواردة على هذه العناصر من جوزهر القمر والجوزهر هي الحية التي لها رأس وذنب فتصوروا بهذه الصورة بالعرض ليتمكنوا من اغواء الشيعة الذين اصلهم الجنة وخلقوا فيها ولها نعم ذلك يستلزم خروجهم من الجنة الا انهم سيعودون اليها ويتوبون عما اقترفوا باغواء اولئك الطغاة البغاة وخروجهم منها عند عصيانهم ورجوعهم اليها اذا تابوا عنها وهو قوله عز وجل والذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون واخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وحكم شيعة هؤلاء الاعداء ضد حكم شيعة الائمة عليهم السلم حرفا بحرف كما ذكرنا فقايس حكمهم على حكمهم المذكور وهنا مقامات عجيبة واسرار غريبة طويت ذكرها لكمال الاستعجال وبلبال البال وقد ذكرت فيه ما يكفي للمؤمن المنصف اذا ( الذي خل ) خرج عن حد التقليد وايده التسديد
المسئلة الرابعة : في بيان سر الامر بين الامرين
اقول قد تقدم الكلام فيما مضي ما يشير الى هذا المعنى وهذه المسئلة لما كانت فوق العقول والاحلام اذا صرحنا بالامر يفهم منه خلاف المرام ولكنك اذا اتقنت ما تقدم من سر كن فيكون من ان كن هو الوجود وهو امر الله الكوني وفيكون هو كن مع زيادة الواو التي هي الايام الستة والحدود الستة المذكورة وتلك الحدود انما وجدت مساوقة لذلك الامر بحيث ما تحقق امر كن الا بيكون وما تحقق يكون الا بكن لان تلك الحدود اوجدها الله سبحانه بمقتضى الوجود الذي هو الامر اي امر كن والوجود اقتضى ذلك بما جعله الله سبحانه فيه وانما جعله الله كذلك ليخلقه على ما هو عليه وليكون الاثر اثرا والمؤثر مؤثرا فاقتضى الوجود الحدود واقتضت الحدود الشهود والوجود في الحدود اقتضى من الله سبحانه الحكم الخاص وذلك الحكم موكول ومتعلق بمشية الله سبحانه وارادته وقدره وقضائه واذنه واجله وكتابه فالمشية للوجود والارادة للحدود والقدر للنسب والقضاء للاتصال والاذن للتحقق ورفع الموانع والاجل للحد المنتهى اليه والكتاب للحفظ عن الدثور والفناء وهو قوله تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ فلولا فعل الله سبحانه لماتحقق الوجود وهو الامر والقدر المفعولي في كلام عليّ بن الحسين عليهما السلم ان القدر في افعال العباد كالروح في الجسد فلولا الروح لم يكن للجسد حراك ولولا الجسد لم تظهر آثار الروح انتهى وذلك القدر هو الوجود امر الله الذي به قامت السموات والارضون وصلح به الاولون والآخرون فلولاه لم يكن الحدود ولولا الحدود لم يظهر الوجود بل لم يوجد ولولا اقتران الوجود بالحدود لم يختلف حكم من الاحكام ولو لم يحفظ الحق سبحانه كل هذه المذكورات كل شيء في مكانه وحاله على ما هو عليه لفسدت وبطلت وعدمت واضمحلت ولولا انه سبحانه يفعل بهذه الامور لانتفت حكمته ولم تظهر معدلته بل ما كان يمكن الايجاد على ما نعرفه فالله الحافظ والعبد الفاعل والجنة والنار المأوي وكما اوجد سبحانه ذوات الاشياء ( الاشياء بالاشياء خل ) كذلك اوجد افعالها بها لا فرق في الحالين وامره سبحانه كما ذكرنا انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وهذا السر هو الجاري في كل ذرة من الذرات من الافعال والصفات والذوات لان امره واحد وحكمه واحد وفقر الخلق الى الله سبحانه على نمط واحد ولا يقوم الخلق من غير المدد في آن واحد انظر الى المرآة اي نفس الصورة فانها لا تقوم الا بك ولا تتحقق الا بتجليك وظهورك لكنها لا تجري دائما على ما تحب وتلك الامور الباعثة على عدم جريانها على ما تحب لا تتوهم انها امور ثابتة من غير المرآة ولا تتوهم ان ثبوتها كان بغيرك اذ لا غيرك ولا تتوهم ان ثبوتها بك انما هو ( كان خل ) بقصدك الاولى الذاتي فان ( وان خل ) ما منك اولا وبالذات هو نفس التجلي والاشراق وذلك التجلي من حيث الحدود المتحققة عند التجلي المتقومة به اختلف حكمه بالنسبة اليك فباقي ( فما في خل ) الحدود من نور التجلي فهو لك واليك وما فيها من نفسها من جهة الاختلاف بك وليس اليك وان كان الامران لا يشذان عنك وما به الاختلاف هو الحدود الستة التي هي الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف وليست هذه الامور ( امورا خل ) متحققة قبل ظهورك وتجليك وانما هي امور وحدود ذاتية للشيء وعرضية للنور احدثتها به حين وجودها بطلبه فكانت المرآة بذلك معوجة ومستقيمة وحاكية لك على ما هو الواقع كما تحب وحاكية لك بخلاف ما هو الواقع كما تبغض وهي تتحرك بتلك الاحوال التي لا قوام لها الا بك وانت ساكن فانت الحافظ لها في كل احوالها واوضاعها عند موافقتها لك ومخالفتها معك فانت اولى بالنور والاستقامة والاعتدال الثابت فيها منها لان النور والاعتدال صفتك ومنك واليك وان كان لم يظهر الا في تلك الحدود فلها المدخلية في الظهور والثبوت وهي اولى بالاعوجاج والظلمة وعدم الاستقامة منك وان كان لا يمكن ثبوتها باطوارها الا بك فانت في الحالتين تمدها اما بالاستقامة والنور واما بالاعوجاج والظلمة وهو قوله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا وقوله تعالى في الحديث القدسي يا بن آدم بنعمتي قويت على معصيتي الى ان قال وذلك انا اولي بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني ولا يمكن ظهور فعل من الافعال واثر من الآثار الا بمشيتك الظاهرة بنور تجليك في حقيقتها في احوالها كلها وهو قوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله وقوله تعالى ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون والمرآة هي نفس الصورة لا الزجاجة فاذن ظهر حقيقة المقال في قوله عليه السلم لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك فافهم وابن امرك عليه واستعن بالله في فهمه ولا تنظر الى المفاهيم الذهنية وانظر في الآيات والامثال الوجودية فانك لنتجد ذرة من الذرات الا وقد وجد بسر الامر بين الامرين ولو لم اخف من الجهال لبينت صريح المقال في توحيد الافعال ولكن الامور مرهونة باوقاتها قال امير المؤمنين عليه السلم في الشعر المنسوب اليه :
وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدرينكتت الارض بالكف وابديت لها سري
فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري
المسئلة الخامسة : في الاشارة الى حقيقة المعاد وحشر الارواح والاجساد
اقول قال الله سبحانه كما بدءكم تعودون واذا جعلنا ما في كما مصدرية يكون المعنى كبدءكم تعودون واذا جعلنا المشبه عين المشبه به في القرآن والاخبار كما ذهب اليه العارفون المحققون يكون المعنى بدءكم عودكم اعلم ان الله سبحانه كامل على الاطلاق فيجب ان يجري فعله على الكمال على الاطلاق مما يناسب رتبة الامكان ولما كان ظهور فعله بمفعوله ( بمفعوله وجب ان يكون مفعوله خل ) كاملا على الاطلاق والكمال على الاطلاق ان يكون جامعا مملكا ليكون حاكيا لكمال تملكه سبحانه وجامعيته لجميع مراتب الكمال ولا يكون كذلك الا ان يكون حاويا لجميع المراتب وجامعا لجميع المقامات حيث امتنعت له رتبة القدم حتى يشمل الكل بلا كيف ولا جهة فلما صح فيه التركيب فيشغله جهة عن الاخرى فلا يكمل الا باجتماع المراتب فيه و الجهات عنده ولما كانت الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظايرها فلا يمكن ادراك عالم الا بوجود نوع ذلك العالم فيه ومن هذه الجهة اقتضت حكمة الحكيم جل شأنه ان يكون في كل شيء معنى كل شيء ولما كانت المراتب متفاوتة في النزول في القرب والبعد والشرافة والكثافة والتجرد والمادية والخفاء والظهور ولما كان المخلوق في الخلق الاول في اشرف المواضع واجلى الفسحات وكان ذلك وجها واحدا اقتضت الحكمة ان ينزله الى المقامات السافلة ليأخذ نصيبه منها ويعود وهو يحكي جلال الربوبية وهيمنة الالوهية حتى يعود فعله سبحانه وخلقه على احسن الاطوار واشرف الاحوال لتنادي السنة الكينونات بكل الجهات تبارك الله احسن الخالقين فلذا لما خلق الله سبحانه ذلك النور الرباني والسر الصمداني والنقش الفهواني والخطاب الشفاهي امره بالادبار فادبر ودخل بلد الهوية ومنه سافر الى بلد الالوهية ومنه الى المأوى ( ماوى خل ) الاسماء الكلية ومنه ( فيه خل ) الى مسكن الصفات النوعية والشخصية ومنه الى معدن المعاني اي معاني الصفات كالجلال والجمال والكبرياء ومنه الى مقر اهل المحبة واصحاب الذوق والمودة ومنه الى مقام دليل اهل الحكمة وينبوع الاسرار الذوقية ومنه الى مقام قاب قوسين ومنه الى رتبة العقل المرتفع ثم منه الى المستوي ثم منه الى المنخفض ثم منه الى مقام السدرة المنتهى وتغرد على اغصانها باوراقها اذ يغشى السدرة ما يغشى ثم منه الى مقام الروح ارض الزعفران ثم منه الى شجرة طوبى ثم منه الى الجنة العليا ثم الى الرفرف الاخضر ومنه الى مقام النفس ومحل الانس ورتبة الايتلاف وهيهنا مبدء الذر الاول والثاني والثالث وهناك محل الاختلاف ثم الى مقام الطبيعة الكثيب الاحمر ثم الى رتبة الهيولي والمواد الجسمانية ثم الى عالم المثال وجنة هورقليا وجابلقا وجابلصا ثم الى العرش محدب محدد الجهات ثم الى مقعره ثم الى فلك الكرسي ثم الى فلك البروج ثم الى فلك المنازل ثم الى فلك زحل ثم الى فلك المشتري ثم الى فلك المريخ ثم الى فلك الشمس ثم الى فلك الزهرة ثم الى فلك عطارد ثم الى فلك القمر واما الذي عندنا ثم من فلك المنازل الى فلك الشمس ثم منه الى زحل والقمر ثم منه الى المشتري وعطارد ثم منه الى المريخ والزهرة ثم منه الى كرة النار ثم منه الى كرة الهواء ثم منه الى كرة الماء ثم منه الى كرة الارض بمراتبها الثلث وهذا نهاية الادبار ولما كان مقام الادبار عن النور فلا شك ان مقام التنزل يورث الظلمة وهي تحدث البرودة واليبوسة وضعف بها الحرارة والرطوبة شيئا فشيئا الى ان تغلب البرودة واليبوسة فتخفى المراتب كلها في التراب وتموت فيه ولذا كان الاسم المربي لهذا العالم اسم الله المميت ولما كان سر التنزل كون الشيء جامعا مملكا من جهة اظهار الاسماء والصفات والعظمة والكبرياء وذلك لا يمكن الا بهذه الاطوار والا اما ان يكون السافل عاليا والعالي سافلا او يكون الممكن بسيطا وكلاهما محالان اولم يكن كل شيء فيه معنى كل شيء وقد اقمنا براهين قطعية على بطلان هذه الشقوق كلها في محلها فلما تحققت المراتب وغلبت الكثرات وخفي ذلك النور اراد الله سبحانه امضاء ما اراد واظهار ما احكم وابرام ما اتقن امره بالاقبال ولما كان سبب التنزل اثبات المراتب فيجب ان لا يكون الصعود على طريق النزول والا لكان النزول خاليا عن الثمرة اذ بصعوده كل مرتبة يعدم مرتبة الى ان يعود الى ما كان ولم يترتب ثمرة على ما كان فوجب ان يصعد بحيث تكون المراتب كلها محفوظة ويعود كل مرتبة الى صفاءها الاصلية فاخذ في الصعود بما يحفظ به المقامات فاول صعوده كان في مقام الجماد والمراتب كلها مجتمعة فيه غير متميزة بل متهيئة للظهور بالقوة البعيدة ثم ترقي الى مقام النبات باسباب حركات الافلاك وتعاقب الليل والنهار ووقوع اشعة الكواكب ونضجه بالحرارة المعتدلة والرطوبة السائلة والبرودة الحافظة ولو اردنا ان نشرح كيفيتها لطال بنا الكلام ففي هذه المرتبة ظهرت العناصر الاربعة التي كانت كامنة مستجنة فيه بآثارها فالحرارة والرطوبة التي هي الهواء مالت به الى النضج والهضم والتعفين والتقطير والبرودة والرطوبة التي هي الماء مالت به الى دفع الغرائب والاعراض والفضلات فالماء يدفع الفضلات الغريبة والنار لطفت الاجزاء وصعدت بها الى الاعلى والهواء دبر الاجزاء وناسب بين احوالها الى ان جعلها صالحة للغذاء وان يكون جزء للبدن والارض حفظت الاجزاء وماسكتها عن الاضمحلال والدثور وبهذه الاسباب وجد النبات وظهرت العناصر معلنة بآثارها وبقيت المراتب الاخر في مقام الخفاء والاستجنان ثم بعد النضج الآخر صعد الى مقام الحيوان واعتدلت الطبايع ونضج البدن حتى شابه جوهر جوزهر القمر ظهر سر الحيوة وظهرت فيه ما كان كامنا ومستجنا فيه من قوى الافلاك والكواكب والسيارات والثوابت والعرش والكرسي ثم صلح البدن بكثرة النضج والطبخ في بطن الام الى ان خرج منها وقوى التأثير بتدبير الشمس والقمر بمعونة الحرارة الغريزية وعمل الملائكة المدبرات كل ذلك باذن الله تبارك وتعالى الى ان كمل وظهر العقل في الجملة فخرجت النسمات معلنة بالثناء على خالق السموات وتميزت المراتب والدرجات الا ان ظهور تلك المراتب صارت بالسنة الطلبات والقابليات ولذا اختلفت في الظهور في الاعتدال وعدمه وغلبة طبيعة من الطبايع على حسب تلقيها لتلك الاسباب لكن هذه النسمات لما خرجت من الكثافات والظلمات الادبارية جهلت ما تقتضي كينوناتهم من التمسك بالاسباب الموصلة الى مقاماتهم الاصلية من الدرجات والنكبات حسب قبولهم وانكارهم في الذرات فكلفها الله سبحانه بالتكاليف التي هي الاسباب الموصلة كالشمس والقمر في الوصول الظاهري ( الظاهر خل ) وتلك الاسباب هي الشريعة المعروفة والاخذ بها سبب الوصول كالاعراض عنها فلما نالوا نصيبهم من الكتاب وتمت هياكلهم بتلك الاسباب اراد الله سبحانه كشف الغطاء عن بصائرهم وابصارهم ليرون مقامهم واطوارهم واحوالهم ودرجاتهم وما خلقوا لاجله وما بلغوا اليه بالاسباب التي اعد الله سبحانه لهم ولما كانت تلك الحجب والاغشية والكثافات الخارجية تمكنت لاجل ادبارهم في كل مراتبهم من اجسادهم واجسامهم وارواحهم ونفوسهم وعقولهم ورسخت في كل ذرة من ذرات وجودهم واخراج تلك الكدورات والحجب لا يمكن الا بذوبان كل الاجزاء ليحترق الفاسد ويبقى الاصل الثابت كما قال عز وجل واما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فالخلق بعد بلوغهم رتبة التكليف اما الى الجنة واما الى النار الا ان بينه وبين ادراك ملاذها وآلامها حجاب يمنعه عن الالتفات وذلك الحجاب هو تلك الاوساخ الراسخة في مراتبه وذاتياته فالله سبحانه يكشف ذلك الغطاء فيجد نفسه في القيمة قبل التصفية البالغة عن الخلط واللطخ فيجد حينئذ الصراط والميزان وتطاير الكتب فاذا خلص عن ذلك كله يجد نفسه اما الى الجنة واما الى النار نستجير بالله من النار وهو قوله تعالى فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد وقوله تعالى كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين وقوله تعالى يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وقوله تعالى الذين يأكلون اموال اليتامي انما يأكلون في بطونهم نارا وقال الصادق عليه السلم لمن قال اللهم ادخلني الجنة انتم في الجنة فاسئلوا الله ان لا يخرجكم منها فاذا وجب كشف الغطاء وذلك لا يمكن الا بذوبان الاجزاء كالذهب المغشوش وكاللبن اذا ارادوا ان يستخرجوا منه الزبد والدهن وجب كسر الصيغة في كل من فيه خلط وكدورة خارجية وذلك الكسر هو عبارة عن الموت ولما كانت المراتب متمايزة فمن تمايزت مراتبه كلها في هذه الدنيا ينكسر اولا جسده وجسمه لانه الادنى وكل ادنى في القوس الصعودي يظهر اولا فتنكسر صيغة هذا الجسد وتنهدم بنيته و تبقي الروح في عالم المثال ساهرة لا تنام اما الى النعيم او الى الجحيم ويبقى الجسد مندكا منهدما لان يطهر من الاوساخ ويعود الى اصله الذي كان قد برء منه من الصفاء والنورانية ويكون اصفى والطف واقوى من جسم العرش محدد الجهات واما الروح فتبقى في عالمها منعمة او معذبة وذلك هو عالم البرزخ وشرح احواله يطول به الكلام وهي كذلك الى ان يأتي اوان تصفية الروح وساير المراتب وذلك يكون كليا عند نفخة الصور عند موت العالم الكلي فانه ايضا رجل عبد لله ( الله خل ) مكلف لا بد له من التصفية وهو لما كان اقوى بنية وانضج طبيعة يكون كسر جسده مع كسر ارواح ساير المخلوقات ممن لم يدركوا زمان الرجعة ودولة الكرة فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات والارض ومات الخلق كلهم من النفوس والارواح والعقول فبقي لا حس ولا محسوس الا من شاء الله وهم الذين لم يتطرق في ذواتهم ولا في مراتبهم الاصلية من اجسادهم وارواحهم وعقولهم خلط ولطخ وكدورة واعراض وظلمة فلا موجب حينئذ لكسر بنيتهم واهدام صيغتهم وفعل ذلك يورث العبث والفساد والله سبحانه منزه عن ذلك وهؤلاء هم محمد وآله الاربعة عشر المعصومون صلوات الله عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم واجسامهم وظاهرهم وباطنهم فيبقى الخلق امواتا غير احياء ومايشعرون ايان يبعثون فيأتيهم النداء من الملك الاعلى اين الجبارون اين المتكبرون لمن الملك اليوم فيجيب نفسه لله الواحد القهار وفي الحديث عن الصادق عليه السلم قال نحن السائلون ونحن المجيبون و بالجملة فالخلق ( والخلق خل ) يبقون امواتا الى اربعمائة سنة ولما كانت الارواح وغيرها من المراتب تطرق الخلل فيها اقل فيكتفي بهذه المدة المعلومة بخلاف الجسم فان تطرق الخلل والفساد فيه اعظم وقولي فمن تمايزت مراتبه كلها في هذه الدنيا مرادي ان من لم يتميز جميع مراتبه وماحيي الا جسده من ساير المستضعفين فهؤلاء لهم ميتة واحدة فاذا مات جسدهم وكانت ارواحهم ميتة قبل فلا يكون لهم برزخ ولا يحيى ( فلا يحيى خل ) هؤلاء الاشخاص الا بعد النفخة الثانية فبعد هذه المدة التي ذكرناها ينزل من البحر الذي تحت العرش واسمه المزن والصاد والنون ماء رايحته رائحة المني فيمطر اربعين صباحا بحيث يكون وجه الارض كله ماء واحدا فتنبت ( فينبت خل ) اللحوم المصفاة والاجزاء المنقاة من كل كثافة ورذالة وهي صافية نقية لطيفة اصفى من محدب محدد الجهات بل اصفى من غيبه لان لبه وصافيه بالنسبة الى ظاهره كلب اجسامنا وصافيها بالنسبة الى ظاهر القشور فتذهب تلك الاعراض عن الجسد بكثرة الحل والدك والبقاء في الارض كما تذهب الاوساخ بكثرة الدلك في الحمام والماء الحار ويبقى الجسم الحقيقي الذي خلقه الله عليه ليصح قوله تعالى كما بدءكم تعودون وكذلك الارواح بعد ان يتصفى بذهاب الاوساخ عنها مما لحقتها في حال الادبار والتنزل فينفخ في الصور نفخة اخرى فاذا هم قيام ينظرون فيرد كل روح ويتصل ببدنه اتصال المحب بالمحبوب والعاشق بالمعشوق فلا مفارقة بينهما ولا زوال لارتفاع الموانع وكشف الغطاء ووجود المقتضى وكون الترقي الى الاعلى فتحشر هذه الارواح الدنياوية في هذه الاجساد الدنياوية الا انها ( انهما خل ) على كمال اللطافة اما في النورانية او في الظلمانية فلو لم تتلطف لم يكن فرق بين الدنيا والآخرة ولما صح قوله تعالى فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد فافهم فظهر لك ان شاء الله ان العود لا يكون الا بهذا الجسم واما ما اوردوا في هذا المقام من شبهة الآكل والمأكول فعلى ما قررنا لك لا يبقى لها ( لك خل ) مجال فان من اكل آدميا وصار غذائه ونبت لحمه ودمه منه فاذا رجع كل شيء الى اصله فرجع ما اكل الى التراب واما الجسم الحقيقي لذلك الآدمي المأكول فليس بمأكول ولا تهضمه القوة الهاضمة الدنياوية فانها اعلى من صفو الافلاك فكيف تهضمه القوى المركبة من هذه العناصر الا ترى ان الرجل اذا سمن سمنا زايدا عن الحد لا يخرجه عما هو عليه من كونه ذلك الرجل واذا هزل كذلك كذلك فصار المعلوم ان مدار الشخص الجسماني الذي تدور عليه روحه ليس الا تلك اللطيفة الصافية التي تبقي في القبر مستديرة ولا تراها الابصار ولا تغيرها الليل والنهار وهو الجسم الحقيقي اذ لا يلزم ان يكون جسم كثيف الا ترى الافلاك هي اجسام حقيقية ولا كثافة فيها وهذا جسم النبي صلى الله عليه وآله جسم حقيقي ولكنه الطف من الافلاك فلا يكون له ظل اذا استشرق به الشمس واما رؤية الخلق لذلك الجسم المطهر فهي انما كانت بارادة منه صلى الله عليه وآله اما بان يرقي ( يقوي خل ) الخلق ويقوي ابصارهم حتى يتمكنوا من النظر اليه او بان يتنزل الى مقامهم بحكم وللبسنا عليهم ما يلبسون فالجسم الحقيقي لكل شيء لا يكون غذاء لشيء آخر فاذا اكل اجسام كل الناس ماصار جزء بدنه الاصلي شيء من تلك اللحوم وانما صار اعراضها جزء لاعراضه كما اذا تراكمت الاوساخ والتئمت ونضجت تحركت وصار لها روح جزئي عرضي الا ترى الفئران المتكونة من الطين وتتفق ( يتفق خل ) ان تكون ( يكون خل ) النصف طينا والنصف الآخر فارة وكذلك العقارب تتكون ( يتكون خل ) اذا نديت اللبنتين وجعلت احديهما على الاخرى الا ترى القمل والبراغيث وبالجملة تلك الاجزاء الاصلية تبقى غيبا في الاجزاء العرضية التي صارت جزء بهذه ( لهذه خل ) الاوساخ العرضية كبرادة الذهب في دكان الصايغ ولا يفنى ولا يكون جزء لشيء الى ان تعود كما كانت وكيف ( فكيف خل ) يكون جزء للآخر وانه نزل من سدرة المنتهى بل كان نورا ذائبا كان في حجاب العز يسبح الله بالف لسان وفي كل لسان الف لغة فلما استشعر بنفسه وشاهد عظمة ربه استبطن الخوف وغلبت عليه برد الخوف فانجمد ( فانجمدت خل ) فكان الماسا فانغمس في بحر الهيبة وتردى بالخشوع وتأزر بالخضوع فقام منتصبا للقيام بالخدمة فظهر له مقام القدرة والقهر فبكى من هيبة القهار اربعمائةالف عام دما عبيطا بقوة حرارة قلبه ومزجها ببرودة خوفه المتحصل منهما الدم العبيط حتى غرق في ذلك البحر ومات من شدة الوجد ثم افاق من غشوته دخل في حوصلة الطير الاخضر من طير القدس فطار به الى عالم الانس فلما استوفى حظه فخرج يطلب مركزه فالتقمه الحوت فصار به في ظلمات ثلث حتى اتى به الى ساحل البحر الاخضر اطلعه من بطنه فتناثرت اعضاؤه فصادته الطيور ولحقت ( لحقته خل ) به الى الطاير الاول الاخضر فرمى به في ارض الزعفران فتقوى واستقام فحكى صنع الملك العلام فظهر يحكي آية ( ان خل ) الله سبحانه في ملكه وملكوته حتى ظهرت مفصلة في النفوس فظهرت في الافلاك ووجدت على هيكلها وهذا هو حقيقة الشيء من روحه وجسمه فكيف يكون جزء لحقيقة اخرى ( جزئي خل ) مثله مع ان تلك الحقيقة ايضا كاملة في نفسها ومكملة لقوسي الاقبال والادبار ولكن لما انجمدت القرايح والطبايع وغلبت البرودة واليبوسة والرطوبة وتولدت منها ( منهما خل ) الامراض المزمنة وظهر المرض في كل جزء من اجزاء الاكوان الارضية السفلية فكانوا لا يبصرون ولا يعقلون ويتوهمون ان الآدمي حقيقة يكون غذاء لآدمي آخر وذلك معلوم ان شاء الله تعالى والسلام على تابع الهدى