
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
الحمد لله الظاهر لخلقه بخلقه المحتجب عنهم بهم في مستسرات حجب الغيوب القريب المتداني في علو ارتفاع بعده بلا حيث فعميت عن ادراكه القلوب القاهر سلطان جبروته شوائب الكثرات والاضافات في كينونة الوجود والوجوب الدائم الثابت الباقي الازلي الاحدي فكل شيء دون جلال جمال بهاء ذاته اعدام وسلوب والصلوة على اول ظاهر باول ظهور في عين كينونة استتار ذاته بغيب الغيوب كيف لا وهو السر المقنع بالسر المستسر به في الحجاب الابيض الاول الاعلى غاية كل مطلوب النور الالهي والفيض الابداعي الازلي الثانوي الذي استخلصه الله في القدم على ساير الامم فعنده كل مرضي ومرغوب صلى الله عليه وآله ذوي الجنان الصاقورة الذائق روح القدس من حدائقهم الباكورة النابتة في ارض الجرز البلد الطيب من تلك الحبوب الاصل والاسطقس لكل مبروء ومذروء فبهم سكنت السواكن وتحركت المتحركات واليهم كل شيء يؤب ولعنة الله على اعدائهم ومخالفيهم ما تهوى اليهم الافئدة وتسكن عندهم القلوب
اما بعد فاعلموا يا اخواني الروحانيين واخلائي الايمانيين انكم ما خلقتم عبثا وما تركتم سدى وانكم مطلوبون لامر عظيم ومسئولون عن خطب جسيم وما اوتى بكم الى هذه الدنيا لتشتغلوا بزخارفها وتلتفتوا الى زينتها وزبرجها وتعتكفوا باكلها وشربها ولبسها وقد ترون باعينكم ان كنتم تبصرون وتفهمون بقلوبكم ان كنتم تفقهون ان مآل اكلها وشربها اما الى عذرة مذرة اردى ما عندكم من يشتغل بها ويجعلها الى ما يحصل منها لذيذ المآكل او الى جيفة قذرة منتنة مسلوبة النفع لا يطمع فيها الا الكلاب الاراذل فبئس ما يؤل اليه امر الاكل والشرب وحاشا ربي ان يجعلهما غاية للايجاد ويصيرهما علة للانوجاد وانما العناية الالهية فيهما حفظ ما يظهر به النور الخفي والسر الجلي العلم الالهي الذي هو العلة الغائية في الخلق والانخلاق وبه يصل الى ما يصل اليه الانسان اذ التفت الساق بالساق وجاء يوم التلاق الى ربك يومئذ المساق فخذوا منهما بقدر الحاجة وهو سد الجوع اعلموا يقينا ان الجوع غذاء الروح وقد قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام في تحصيل اشرف ما يتحلى به الانسان من الكمالات الالهية فيما ينسب اليه عليه السلام :
ارى العلم في ذل وجوع ومحنة وبعد عن الآباء والاهل والوطن
ويكفيك فعلهم مصدقا لقولهم صلى الله عليهم وازيد من مقدار الحاجة تجيئ مضاهئة الحيوانات والبهائم والحشرات فتكون موجودا بما انت حيوان دون ان تكون موجودا بما انت انسان وبالجملة ما جئتم في هذه الدنيا متوطنين بل مسافرين فتزودوا لوطنكم واستعدوا للرحل الى مقركم فانكم كنتم في فضاء وسيع ومحل فسيح اراد الله تعالى ان يكملكم ويتم ما لاجله خلقكم ويريكم آياته ويشهدكم شواهد صنعه وملكه لتشرفوا بالعلوم ولا يحجبنكم الرسوم فتصلوا الى ما تسئلون بعد ان كنتم تعلمون اذ لولا العلم لم تحصل اللذة المطلوبة ولولا المسافرة لم يحصل العلم لكونه لا يحصل الا بالمعلوم فمن هذه الجهة نوديتم بالادبار لكن بشرط ان لا يحجبنكم الاغيار فان الاغيار يستلزم الاكدار ولذا كان الادبار عين الاقبال واليه يشير ما قال مولانا الحسين سلام الله عليه في دعاء عرفة الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير فالمسافر لا ينسى الوطن والا لم يكن مسافرا هف وعلامة ذلك ان لا يشتغل بتعمير منزل من منازل سفره وبناء الابنية المحكمة فيها اذ لا يفعل ذلك الا سفيه جاهل باطل او من لا يحب الوطن ولا يريد المسكن بل يجعل المنزل موطنا لكن سيساق الى موطنه ويؤدي الى مسكنه ويوقف موقفه فينادي بلسان التوبيخ افلم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم فيقال لهم اذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا واطمأننتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ومن هذه الجهة قال عليه السلام حب الوطن من الايمان فبين ان الذي لا يحب الوطن فليس فيه من علامة الايمان شيء والدنيا آخر منزل من منازل سفركم وعن قريب ترتحلون وتنتقلون الى اول بيت من بيوت الوطن فلا تشتغلوا فيها بما لا ينفع لوطنكم فانها من مزرعة الآخرة فلا يغرنكم زينتها وزبرجها ولا يحجبنكم غرورها وزخرفها فانها علامة الساكنين المتوطنين الاموات المدفونين في قبور طبايعهم وعاداتهم حيث يقول الله سبحانه الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم آه واغفلتاه من اعمار صرفناها في زخارف الدنيا آه واسوأتاه كم سلكنا مسلك الجهل في متابعة الهوى آه وا اسفاه من اوقات ضيعناها فيها ولم نسلك فيها مسلك التقى آه واخجلتاه كم عصينا ربنا في متابعة النفس والهوى لكن يا اخواني زمن الربيع لم يفقد من العالم وانكم واردون على رب كريم فلا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم واجتهدوا ان لا تضيعوا مستقبل اوقاتكم واسئلوا الله من فضله التوفيق والسداد والعصمة والهداية والرشاد فانه سبحانه تعبدكم بذلك ودعاكم لما هنالك وقال عز من قائل واسئلوا الله من فضله انه كان بكم رحيما وليس من صفاته ان يامر بالسؤال ويمنع العطية وهو الذي انعم قبل الاستحقاق واعطى ورزق قبل الاسترزاق واعلموا ان اوقاتكم وساعاتكم ثلثة ساعة ماضية فلا تلحقكم فلا تشتغلوا بها بالاسف والفرح فان الاول يورث الحزن المنهى عنه والثاني يورث الغضب والسخط وساعة مستقبلة فلا تدرون بم تلاقها وساعة حاضرة وهي التي تنفعكم وتصحبكم وترافقكم فارفقوا بها لئلا تفارقكم وهي شاهدة عليكم بالسوء فان انفاسكم معدودة ولحظاتكم وخطراتكم محدودة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الا ان ربكم متفضل بالاعطاء وجواد بالعطية والحباء فاتوه بالذلة والمسكنة واعترفوا بالفقر والفاقة وتقربوا اليه بالعجز والضعف والانابة فانه يرحمكم ويمدكم وينصركم ويذكركم ويثبت اقدامكم انه ذو الفضل العظيم والمن الجسيم وانه ارحم الراحمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
واعلموا يا اخواني انه لا خير الا بيد الله ولا حق الا من عند الله ولا حول ولا قوة الا بالله يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني فلا كمال الا من عنده ولا خير الا بيده ولا رغبة الا فيما لديه ولا توكل الا عليه ولا ركون الا اليه ولا ملجأ ولا ملاذ الا هو ولا طاقة الا به ولا حكم الا له كلكم صائرون الى حكمه واموركم آئلة الى امره فانا لله وانا اليه راجعون فانقطعوا اليه والتجأوا به وتوكلوا عليه وارغبوا فيما لديه واعرضوا عن كل ما سواه واقطعوا كل ما عداه ولا تنظروا الى الاسباب ولا تجمدوا عليها يا اولي الالباب فانه سبب عادم السبب ومسبب الاسباب من غير سبب فانه شيء بيده وهو القادر القاهر على اهل مملكته فلا تطلبوا الا منه ولا ترغبوا الا اليه فان طلب المحتاج الى المحتاج سفه من رايه وضلة من عقله فكم قد رأيت من اناس طلبوا العز بغيره فذلوا وراموا الثروة من سواه فافتقروا وحاولوا الارتفاع فاتضعوا اليس الله بكاف عبده بلي فان من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا فاسمعوا يا اخواني وعوا فسيذكرون ما اقول لكم وافوض امري الى الله ان الله بصير بالعباد جعلنا الله واياكم ممن توكل عليه وانقطع اليه وطلب ما لديه فانه على كل شيء قدير وما ذلك عليه بعزيز
واعلموا ان الله سبحانه واحد احد صمد لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء ولا يساويه شيء ولا يدانيه شيء ولا يعادله شيء ولا يضاده شيء ولا يناده شيء ولا هو كشيء ولا لشيء ولا من شيء ولا على شيء ولا في شيء ولا عن شيء ولا منه شيء ولا عليه شيء ولا فيه شيء ولا بشيء وليس كمثله شيء ولا يشابهه شيء ولا يماثله شيء ولا يجاوره شيء ولا يساوقه شيء ولا يحاويه شيء ولا يناسبه شيء ولا يعانده شيء بل هو الفرد القديم الازلي الابدي الذي حارت العقول في بيداء كبرياء جلال عظمته فضلا عن ادراك جمال بهاء وجهه وانقطعت الافئدة دون السير في مجالي مظاهر اسمائه المستقرة في ظله فضلا عن اتصال ذاته واكتناهه ومشاهدة قدسه وعلاه فما ظنكم بساير المشاعر والمدارك تعالى ربي وتقدس عن مجانسة المخلوقين المصنوعين وعن مناسبة المقدورين المربوبين فلا يعرف ولا يدرك وهو هو فلا يعلم ما هو الا هو فانقطع السبيل وضل الدليل وعدم الكثير والقليل فتباين المناسب وخابت المئارب ووقف كل طالب وراغب فانتفى الاتصال فلا جواب في محل المقال فمن اين تطلب الوصال والى م القيل والقال وحتى م المراء والجدال تنبه لعلك تقول اذن كيف ما امرتنا به سابقا من الرغبة الى الله وطلب ما لديه والانقطاع اليه وتحصيل ما عنده اليس هذا طلب المحال والخلاف في المقال لكني اقول الامر كما ذكرت والحكم كما وصفت الا انه تبارك وتعالى لطفا منه وتحننا وتفضلا على عباده وتعميرا لبلاده خلق اناسا اقوياء امناء نجباء فاصطفاهم واختصهم واجتباهم ومن الرذايل الامكانية وقاهم وكل حق وخير حباهم وكلما سئلوه اتاهم بحقيقة ما هم اهله لان الله تعالى اعلم حيث يجعل رسالته فجعلهم خزنة لعلمه وحفظة لسره وقيما بامره واركانا لتوحيده وشهداء في عباده ومنارا في بلاده واشهدهم خلق السموات والارض فاتخذهم اعضادا لخلقه وامناء في بريته وبابا لحكمته ونورا وانوارا لاهل طاعته وباسا لاهل طغيانه وعرشا لاستوائه ونورا لاحتوائه وحافظا وحفظة لوحييه التكويني والتشريعي فجعلهم مبدء لكل خير واصلا لكل حق واساسا لكل صدق ان ذكر الخير هم اصله وفرعه ومعدنه وماويه ومنتهاه فجعل عندهم كلما اراد الحق سبحانه او يصل الى الخلق حيث كانوا ابوابا لفيوضاته وامداداته الى انفسهم والى الخلق من احكام الخلق والحيوة والموت والرزق بوجهيه الكوني والشرعي وابواب الخلق الى الله سبحانه في تصعيد اعمالهم واعطاء كل ذي حق من المراتب الكونية والشرعية حقه وسوقهم الى كل مخلوق رزقه وهم القوام في البلاد وعين الله في العباد ووجهه الى طريق الرشاد وهم عناصر الابرار ودعائم الاخيار وذات الذوات والذات في الذوات للذات وهم الخزائن الغيبية التي مفتاحها عند الله سبحانه وهم البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه وهم العباد المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وحيث كان الحق سبحانه وتعالى كما وصفت لك من علو ذاته المقدسة عن ان يصل اليها شيء او يخرج منها شيء او يدخل فيها شيء خلق الخلق كرما وجودا وجعل كلما يحتاج اليه المخلوقات الممكنات باي نحو منها ذواتها وصفاتها وجواهرها واعراضها وعلوياتها وسفلياتها وملكوتها وملكها وافلاكها وعناصرها واضافاتها وارتباطاتها واقتراناتها وجهاتها وحيثياتها واعتباراتها وكلما لها وبها ومنها واليها وفيها وعنها مما يحتاجون اليه في اصل الخلقة وفي اصل الدوام والبقاء واسباب الترقي والتوقع والتنزل والتسافل والامداد والافاضة في المواد والصور وغير ذلك عند تلك الحقايق المقدسة التي هي في الحقيقة شيء واحد وحقيقة واحدة وخزنها عندها وهي الخزانة الاولية للشيء من الخزاين في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه فيفيض الحق سبحانه من تلك الخزائن المنشعبة من الخزينة العليا على المستحقين والسائلين الطالبين المحتاجين ما يربها (كذا) فقرهم في ابقائهم لا في اصل ذواتهم فانها فقير لا يربها (كذا) شيء بتسخير الملائكة المسخرات وتدبير المدبرات وحفظ المعقبات وكل ذلك بيد الله سبحانه لاستقلالهم في انفسهم ولا في شيء مما هم عليه ولذا قال تعالى عباد مكرمون الى ان قال ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين والمراد بادعائهم الالوهية النظر في انفسهم من جهة الاستقلال والتذوت وانا في هذه الافعال مستقلون لادعاء الربوبية الظاهرة كما اتفق لفرعون واحزابه وهذا معنى التفويض الصحيح الواردة في الاخبار المتكثرة فاين امرك في هذه المذكورات على حد ما قال الله تعالى وبينه في القرآن لمن يعقل ويفهم من الآية المتقدمة عباد مكرمون الى آخرها ومن قوله تعالى انا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون وقوله تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله تعالى الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم الآية فاذا عرفت وجه الجمع بين هاتين الآيتين علمت معنى التفويض الحق والباطل فكل شيء خاضع لله وخاشع له منقاد لامره ونهيه وكل شيء بيده وكل خير وحق من عنده وكل مطلوب ومرغوب لديه لا اله الا هو لكنه ليس في ذاته كما زعمه بعض الضالين المضلين تعالى ربي وتقدس بل انما هو في ملكه وخلقه وخزائنه الغيبية والشهودية فاذا اقلبت اليه تعالى وطلبت ما لديه بقلب خاشع وجنان خاضع وانقطعت اليه يفتح لك بابا من تلك الابواب فيفيض عليك من رحمته الواسعة والمكتوبة ما يناسب مقامك ويليق مرتبتك واضعاف ما سئلت وطلبت ويزيدك من فضله انه متفضل كريم وجواد حليم
ثم اعلموا يا اخواني بلغكم الله اقصى الاماني انه لا سبيل الى ان يكون فعل الحق الحكيم القادر العليم الغني الكريم خاليا عن الفائدة والغرض ولا يدعيه الا من في قلبه مرض ولا سبيل الى ان يكون الفائدة عائدة وراجعة الى ذاته سبحانه لتعاليه عن الاستكمال وتقدسه عن الاهمال فتعين عودها الى المخلوقين المربوبين المصنوعين الفقراء المحتاجين ولما كان الانتفاع هو الامر الثانوي المترتب على اصل الخلقة والحقيقة وان كان على حد المساوقة ومقدما من حيث العلم والمقصودية وتأملنا في الثواني الراجعة الى الاوايل والمترتبة عليها رايناها بين الامرين اما كمال او نقصان او نور او ظلمة او خير او شر او لذة او شدة والثواني كلها باطلة لا سبيل للحق اليها فتعين الاوايل صارت غاية الايجاد والانوجاد وفائدة الخلق والانخلاق هو تحلي المخلوقات بالكمالات وترقيهم بها الى الدرجات ولما كان المقتضي لا يترتب اثره الا بعد رفع الموانع فوجب التخلي والتنزه عن النقايص وعن اراذل الصفات وسوء القابليات ولما كان فعل الحق القادر الحكيم الغني العليم يجب ان يكون على احسن ما يتصوره الانسان بحيث لا يقول احد لامتناعه فيه لو كان كذا لكان احسن ارتفعت الموانع والا يلزم ترجيح المرجوح المنافي لحكمة الحكيم وكان الايجاد لا يتصور الا على امرين اما بالاجبار والاضطرار واما بالعناية والاختيار والاول لا يليق بالاختيار لمن له اعتبار وفي دقايق الامور اختبار فتعين الثاني لكونه اشرف المباني واعلى المعاني وبه ينال اقصى الاماني ما فطرهم على الكمالات التي خلقهم لاجلها وان كان فطرهم عليها بالجعل فيهم ما اذا طلبوا وجدوا واذا سئلوا اجابوا واذا نظروا ابصروا واذا التفتوا (ظ) طلبوا وهو من معاني قوله عليه السلام كل مولود ولد على الفطرة لكن ابواه يهودانه وينصرانه وفي بعض الروايات ويمجسانه فجعل الحق سبحانه وتعالى في الخلق سيما في الانسان المكرم المقدم على كل مخلوق ومذروء ومبروء مادة كل كمال واصل كل بهاء وجمال وسبب كل بينونة واتصال وعلة كل ميل واقبال الذي به يصل ما يصل اليه الانسان من المراتب والدرجات وبه يرقى اقصى المقامات وبه يسفل الى ادنى الدركات ويتصل بارذل النكبات وذلك هو العلم اذ هو الحيوة الاصلية لكل الكمالات بل السعادة الابدية لكل من في الارضين والسموات فماوصل احد الى مقام الامن الا من جهة العلم وما بلغ شخص الى رتبة وكمال الا بالعلم وماحاز حسنا وجمالا الا بالعلم وما نال مقصدا ومراما الا بالعلم وما ادرك قربا ومقاما الا بالعلم وما تنبى نبي الا بالعلم وما ارسل رسول الا بالعلم وما تقرب ملك الا بالعلم وما امتحن مؤمن الا بالعلم وما طرد فاجر وفاسق الا بالعلم فمراتب الموجودات ذوي الشعور والاختيار انما تعالت وتسافلت وتلطفت وتغلظت وجلت ودقت واشرفت واختلفت وائتلفت وتصاغرت وتكبرت بالعلم وبيان هذه الجملة على التفصيل حسب وسعي وطاقتي ولا حول ولا قوة الا بالله يجئ فيما بعد ان شاء الله تعالى سبحانه من حليم كريم خلق من غير استحقاق وجاد بالانفاق من غير استرزاق ووفق للكمال ودل على الوصال ومن هذه الجهة تكثرت الروايات بل وتواترت في شرافة العلم وفضيلته ونبالة مكانه ومحله وهي كما علمت للعلم من حيث هو هو لا من حيث المعلوم الخاص كما توهمه جماعة الا ان الكلام الحق الرافع للاختلاف الباعث للايتلاف ووجهه حرمة بعض العلوم ووجوب الاعراض عنها مع شرافة حقيقة العلم يجئ ان شاء الله تعالى في احدى مقامات هذا الكتاب فترصد
ثم اعلموا يا اخواني ان كل شريف صعب المنال وكل عظيم عزيز الوصال ومنيع الاتصال وكثير الطلاب وعظيم الآداب وقليل الاصحاب ونادر الاحباب لم يكثر طلابه ولكل مقصد ويزيد اصحابه ولكل مطلب وان كان مخالفا لما هو لاجله فان من قرب السراج استنار وان كان يبغضه والشريف الكامل في الشرافة ينتفع منه كل احد باغراضهم المختلفة ومن الناس من يكتفي بالاسم ومنهم من يكفيه الرسم ومن هذه الجهة ترى العلم قد كثر طلابه وتزايدت خطابه وتوفرت منتحلوه وتكثرت حاملوه لكن من جهة عظم شانه ونبالة مكانه ومطلوبيته الحقيقية ومرغوبيته الرافعية له شرايط وآداب ولوازم واسباب ومتممات ومكملات ومقومات ومقتضيات وطريقة انيقة ودقيقة لا بد من رعايتها وحقيقة خفية شريفة لا بد من ملاحظتها اذ كلما يكثر شرفه ومقداره ويعلو مقامه واعتباره تزيد شرائط الوصول اليه وتبعد مسافة الاتصال به اذ الظهور لا يكون الا في مقام الصعود والفعل بعد النزول والقوة فكل ما هو اعلى مرتبة واسنى درجة لا يظهر الا بعد ظهور المراتب التحتية المتحققة فلا تصل اليه الا بعد قطع تلك الدرجات فكلما الاعلى فالاعلى والامثل فالامثل ولذا ترى الدرجة الحيوانية والمرتبة الانسانية والمنزلة الالهية الملكوتية لا تظهر الا بعد تمام مرتبة النطفة والعلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم ثم الانشاء الخلق الآخر الذي هي المرتبة الاولى ثم حتى يبلغ الشخص ليظهر المرتبة الثانية في اغلب الاحوال ثم الى اربعين سنة ليظهر المرتبة الثالثة في الامام المعصوم عليه السلام وهذا تمثيل يمكنك تستخرج منه حقيقة الامر فيما ذكرناه وكذلك العلم فانه اشرف الدرجات والمقامات في المراتب الوصفية والدرجات الثانوية فتكثرت شرائطه واسباب وجوده ومتممات ظهوره ومكملات شروقه ومقومات بقائه واستمراره ومقتضيات وجوده وطريقة طلبه وتحصيله والحقيقة المخفية التي هي لبه واصله واسه واسطقسه وحيث كانت الطلبة ذات اغراض مختلفة وميولات متشتتة واذهان وعقول غير مؤتلفة واوهام وتخيلات غير متحدة فماراعوه حق رعايته وما سلكوه حق مسلكه وما اتوا البيت من بابه وما جاؤوا بشرائطه وآدابه فاختلت عليهم الامور فاخذ ذلك البناء المحكم المتقن في الانهدام والدثور فتشعبت طرق العلم واختلفت سبله وظهر في كل حسب ما اتى به من الشرايط والآداب الصحيحة او السقيمة المستقيمة او المعوجة فاخذ نصيبا من ذلك المقابل حسب مرآة ذاته وحقيقته او كسبه وطلبه فمن اتى بالمرآة العوجاء اخذ نصيبه من الصورة المعوجة لانه مقتضي ما اتى به من الشرائط ومن اتى بالمرآة المتزلزلة الغير الثابتة اخذ نصيبه من الصورة كذلك وعلى هذا القياس وليس المقابل الا شيء واحد وهذا الاختلاف ليس حقيقيا بل انما هو من اجل اختلاف الناس في تحصيل طلب العلم واختلاف اوهامهم وافهامهم وعقولهم وادراكهم حسب ما اجابوا في عالم الذر وحسب ما غيروا فطرة الله التي فطر الناس عليها وقد قال تعالى في هذا المقام ما ابينه واوضحه وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فالماء انما هو شيء واحد وقال ايضا وانزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها وقد قال الشاعر في هذا المقام :
ارى الاحسان عند الحر زينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
ومن هذه الجهة كثر الاختلافات المتضادة والمتناقضة والمتباينة وامثالها في شيء واحد بحيث يقطع ان ليس الحق الا واحدا منها وكل ما سواه باطل وهو مخفي فيها كليلة القدر في الليالي واسم الاعظم في الاسماء الى ان زال الامر الى ان لا تجد اثنين متفقين في شيء واحد ولذا قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثرها الجاهلون وسنزيدك البيان ان شاء الله تعالى بحيث يغنيك عن الكلام وينجلي الظلام ويكشف عن وجه المقصود اللثام وترى الامر واضحا لايحا باعانة الله الملك العلام
ثم اعلموا يا اخواني بلغكم الله تعالى اقصى الآمال والاماني ويعرفكم الامور كما هي ان الفقير الحقير المعترف بالقصور والتقصير في خدمة مولاه العلي الكبير الضايع عمره بالاشتغال بالسوء الصارف اوقاته بما لا يعنيه من الهوى اصغر الناس جرما وعملا واكبرهم جرما وزللا العبد المذنب الجاني الفاني الغريق في بحار الآثام والمعاصي محمدكاظم بن محمد قاسم الهاشمي النبوي العلوي الفاطمي الحسيني الموسوي حشرهم الله تعالى مع آبائهم الكرام وساداتهم العظام انه خير مصير ومقام في اوايل بلوغي الى سبعة عشر سنة لما خضت في اغلب العلوم وسبحت في لجة تلك الرسوم المتداولة بين اهل العموم وجدت فيها من كثرة الاختلافات ووقوع المعارضات والمناقضات والمباينات شيئا متجاوز الحد والغاية ومتعدي المقدار والنهاية حتى ان شخصا واحدا يناقض نفسه في مقامات ويدور اختلافهم مع الدقايق والساعات ولهم في كل مقام مقال وفي كل وقت تبدل احوال وكل ذلك سريع الزوال وشديد الانتقال مدعيا بان المدار مع القطع فندور معه حيثما دار وان لم يكن له ثبات وقرار كالشبح المرئي من بعيد هذا حالهم في كل مسئلة مسئلة في كل علم واما العلوم فالخطب فيها اعظم والامر فيها اشد حتى انهم زعموا ان العلوم لا ارتباط بين بعضها مع بعض ولا اقتران ولا اتصال ولا يصدق هذا بشيء من ذاك ولا ذاك بشيء من هذا وجعلوا العلوم بعضها اختراعيا وجعليا لا اثر له في الواقع الا بحمل الجاعل اذ لو لم يجعله كذا لم يكن كذا وبعضها امورا وهمية خيالية اخترع بالعقول المستقلة الغير الثابتة فلا يعتنون اليها بوجه ابدا وبعضها مادة الضلال والتضليل فيحرمون الاشتغال بها وجملة تلك العلوم يرونها في بعض الاحوال امورا متحققة ثابتة يحرمون النظر في غيرها لاصالتها وثباتها وبقائها ويطعنون على ما في يد الآخرين الى ان ( آل ظ ) الامر الى اني ما وجدت اثنين يصوب احدهما الآخر ويصدق الآخر له بل الكل يرى الحق لنفسه ويطعن ويرد ما عند غيره ولا يزالون مختلفين وكنت اتأمل في نفسي واتدبر مع شخصي ان هذه العلوم لا يخلو اما ان تكون حكاية عما في الواقع ونفس الامر ام لا فان كان الثاني فلا فائدة فيها بوجه ابدا وان كان الاول فليس في الواقع الا شيء واحد وحقيقة واحدة فما هذه الكثرات العظيمة والاختلافات الشديدة وربما يفضي هذا الى الافتراء بالله سبحانه وتعالى فاذن الجهل احسن من العلم بدليل الموعظة الحسنة لانك ان سكتت وماحكمت فلا عليك باس قطعا وان تكلمت مع هذه الاختلافات العظيمة والقطع بان الحق ليس الا واحد منها ربما تتكلم بخلاف الحق فاذن اين تهرب من توبيخ قوله تعالى قل آلله اذن لكم ام على الله تفترون اذ ليست هذه المسائل ضرورية لمكان الاختلاف فكيف تعتمد على عقلك مع ان مخالفك ايضا يدعي مثل ما تدعي ولا يثبت حقيتك قطع حجة المخالف اذ يتفق كثيرا ما ان جملة الحق لا يقدرون على اثبات ما عندهم الا ان يكون عندك ميزان متفق عليه بين الكل حتى يمكنك الركون اليه والوقوف عنده ويقطع كل حجة دونه والعقل لا يصلح لذلك لما عرفت من ان هذه الاختلافات انما نشأت منه لا ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان بل التميز المطلق في الانسان الصالح لذلك وللنكراء والشيطنة والكتاب كذلك ايضا لما ستعلم ان شاء الله من عظمته ودقته وخفائه واحتجاج كل الطوائف ومنتحلي كل المذاهب به حتى اليهود والنصارى في مقام الالزام والامر في السنة اعظم واعظم واعظم لانها تزيد على الكتاب بتطرق الاختلافات في الالفاظ والمتون والمتواترات لا تفي بالكل والمحفوفات بقرائن القطع كذلك والاجماع لو حصل فانه تمام الامر لكنه اني يحصل مع هذه الاختلافات العظيمة والمناقضات الشديدة الا في مواضع عديدة وهي لا تفي لادراك العلوم واستخراج الحقايق والرسوم والتثبت عنده بغير المعصوم والمجموع من حيث المجموع لا شك ولا ريب انها لا تنهض بمحية (كذا) كل العلوم او اغلبها على قدر الطاقة الانسانية والبشرية وهذا لا يستريبه عاقل ولذا ترى الفقهاء والمجتهدين رضوان الله عليهم مع تمسكهم بهذه الاربعة تمسكا كليا ما اوصلتهم الى جميع الاحكام الالهية الشرعية وما اوصلتهم الى مقام القطع الثابت الجازم الواقعي ولا عندهم الا بما هو تكليفهم في زمان الحيرة والقطع اليه في عالم الشدة فكيف الامر في علوم العقلية ومعرفة احوال الموجودات الغيبية واحوال السموات والارضين والعرش والكرسي واحوال الآخرة ونعيمها واليمها وكيفية ترتيبها وصراطها وميزانها وكيفية الجواهر العلوية والجواهر المفارقة والعوالم الغيبية والخزائن الالهية بل وكيفية الالفاظ والصفات ونسبتها الى الذوات وانشعاب العلوم منها بحيث يقف الانسان موقف القطع بينه وبين الله اذ ليس فيها وفي غيرها مما لم يذكر تصريحات كتابية ولا معصومية بحيث تركن اليها ولا الاجماعات المحصلة بحيث تقع عندها المتر ان هذه العلوم المتداولة بين الناس والمشتهرة بين العوام والخواص من النحو والصرف وامثال ذلك كم وقع الاختلاف فيها فمن اين يحصل الاجماع في جميعها فما ظنك بغيرها من العلوم الدقيقة الخفية التي لا يطلع عليها في نفسها الا الاوحدي فكيف علا برهانها ودليلها ولو فرض تحقق الاجماع في الكل لم تحصل البصيرة التامة في العلم وان قطع بحقيته للاجماع الا انه ليس بصيرا خبيرا محيطا بحقيقة الامر والواقع بحيث يرد الشكوك الواردة والشبهات العارضة والموانع الواقعة وهو في الحقيقة نوع تقليد الا ترى الناس كيف ملجأون في اثبات المعاد الجسماني وخلود الكفار في النار الى الاجماع واذا اوردت عليهم الشبهات المذكورة في تلك المقامات يلجئون ايضا الى الاجماع وهو قاصر في عقله بل مجوز ومحتمل عند عقله لكنه مايقدر برد الاجماع الى ان تقوي الشبهة وتجويز عقله شيئا فشيئا الى ان يخدش في الاجماع كما اتفق لبعض العلماء من الشيعة الاثني عشرية بعد ما حكم بعدم الخلود في العذاب بعد ما حكم بالخلود في النار قال واما اجماع العلماء الظاهريين من الفقهاء والمتكلمين فلا يقاوم كشف اهل الباطن لاختلاف المسلكين الى آخر كلامه انظر كيف خدش في الاجماع بعد ما حكم بحقيته وذلك للجهل بالواقع ونفس الامر فلو انه علم مبدء العذاب وسبب دخول النار واقتضاء كينونات اهل النار العذاب الدائمي مع تحقق الاجماع فلا يزيله شيء فاذن هو كالجبل لا تحركه العواصف للعلم بجهات الشيء واعتباراته وحيثياته وعلله واسبابه وشرائطه واجرائه وموانعه ومتمماته ومكملاته من جهة العقل والعلم والبصيرة واعتقاد الحقية مع اعتضاده بالميزان القويم والقسطاس المستقيم الذي هو الاجماع ففي هذه الحالة يقال له انه على بصيرة من امره فاذا فقد واحد من الامرين ترتفع البصيرة الا ان لكل واحد جهة مزية فان العقل اولى بالبصيرة كما ان الاجماع وامثاله من الموازين القسط اولى باعتقاد الحقية وهذا ظاهر معلوم لمن له عينان ولسان وشفتان وهذا كله لو فرضنا الاجماع في كل مسئلة في كل علم وبطلانه ضروري وفساده بديهي اذ غاية ما تحصل الاجماعات في الامور العامة البلوى في بعض مواضعها ومواردها فمن اين يعرف الباقي من العلوم المتداولة فكيف العلوم الغير المتداولة والامور المخفية التي بيد الناس ان قلت بالكتاب فانت الذي تقول لا يظهر لغير المعصوم من احكامه الا قليل ان قلنا بحجيته وقد منعها جماعة متمسكين بادلة عقلية ونقلية فما الذي يرفع اولا هذا الخلاف هل هو الكتاب وهو المصادرة على المطلوب او غيرها والغير هل هو السنة قد اتفقوا باعتبار المتواترات وحجيتها والركون عندها واتفقوا ايضا بانه لا يوجد الا قليل اما اللفظي فظاهر واما المعنوي فهو بالنسبة الى غيره من الاخبار كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء واختلفوا في اخبار الآحاد فمنهم من اعتبرها ومنهم من لم يعتبرها فاي شيء يرفع هذا الخلاف اولا ان قلتم بالكتاب فليس فيه نص على زعمكم وان قلتم بالسنة فليس في المتواترات ما يدل على ذلك والا فلا معنى للاختلاف وان قلتم بالآحاد فقد اتيتم بالمصادرة وهذا كله لو فرضنا دلالة الكتاب والسنة بالدلالة الظاهرة على كل العلوم من العقليات ومعرفة اعيان الموجودات مع انهم منعوها منعا كليا مستدلا بان المعصوم ليس شانه بيان غير الاحكام الشرعية الفرعية حتى انهم منعوا استنباط الاحكام اللغوية منها لما ذكر فما ظنك بساير العلوم الدقيقة المآخذ الخفية المطلب حتى اني سمعتهم يقولون ان الانبياء والمرسلين مابعثوا الا لبيان الاحكام الشرعية الفرعية وليس شانهم عليهم السلام بيان الحقايق الوجودية والاعيان الغيبية والشهودية والعلوم الادبية والنكات البيانية والدقايق المنطقية والحكمية فان الناس مستغنون في هذه الامور عنهم عليهم السلام لاستقلال عقولهم فيها واستبداد آرائهم فيها فان تكلم المعصوم عليه السلام في غير الاحكام الفرعية فانما هو من قبيل الندرة والبيان انهم عالمون بها فاذا كان كذلك فكيف يمكنهم استناد علومهم جزئيها وكليها الى الكتاب والسنة فانحصر الامر بالعقل والعقل لا يأمن من الخطاء لعدم العصمة وكثرة المعارضات من استحكام سلطان الهوى في القلب الذي جل ادراكه الباطل اذ العقل الذي هو مدار العلوم والمدارك ومدار التكليف ليس ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان بل هو التميز المطلق الذي يصلح ان يكون كذلك وان يكون نكراء وشيطنة والاول انما يتحقق بمتابعة الحق والاعراض عن الباطل فما يدريك ان الذي انت عليه من الاعتقاد والعلم هل من العقل الذي هو ما عبد به الرحمن او من النكراء والشيطنة فان الثاني يشابه الاول تشابها كليا كما ورد به النص ويشهد بذلك الاعتبار والتفرقة بينهما في غاية الصعوبة والدقة ولا يمكن لافراد الناس الا لآحادهم ومن هذه الجهة ترى كلمات اهل الحق والباطل متشابهة لكن الفرق في المعنى والحقيقة من العليين والسجين ولولا خوف الاطالة لكنت اقرء عليك من ذلك شطرا عظيما فاذا كان العقل في نفسه مشتبها امره وملتبسا شانه كيف يجعل المدار والميزان ولعمري ان هذا ميزان مستقيم لكل احد وينقطع الكلام والبحث مع كل احد ويلزم منه اعتبار كل دين لان الكل يدعي ذلك ولعمري انه مع ذلك لا يكون احد على بصيرة من امره ودينه لانه بعد ما تحقق عنده ان الذي يدرك لا ينحصر بالحق بل قد يدرك الباطل بل هو اظهر من غيره فكيف يعتمد بعلمه مع انه يجوز ان يكون جهلا مركبا فاذا قام الاحتمال لم يبق الاعتماد لا يقال ان هذا باطل لان ذلك الاحتمال لا يعارض حجية هذا القطع فان القول بان الاحتمال اذا قام بطل الاستدلال انما يستقيم اذا كان الاحتمال المساوي والا فلا يلتفت اليه لانه سفسطة الا ترى ان الذي يرى الشيء بالعين ويقطع به قطعا عيانيا فلا يلتفت الى احتمالات بعيدة بان يقول لعله حصل لي مرض في العين او بعد ذلك الشيء انما هو شبح من غير اصل وامثال ذلك لانا نقول لانريد بالاحتمال مطلقا بل المعتبر فان الذي ما تحقق بصره هل هو صحيح او مريض وهل هو سالم او احول والامر مشتبه عليه هذا لا يمكن الركون الى ما يرى والقطع بانه مطابق للواقع وان كان يرى شيئا ويقطع به احتمال ان يكون مريض العين بالاحتمال المساوي بل له ان يقول اني اري كذا والله اعلم بالواقع كما قال ذلك الرجل واما اذا تحقق بصره وعلم اما من جهة اصل الخلقة او بموافقة الاكثر والاغلب او غير ذلك من الامور الخارجية وقطع حقيقة انه سالم من المرض والعيب فحينئذ اذا ابصر شيئا لا يلتفت الى الاحتمال فانه لا يقاوم القطع الذي عنده بصحة بصره وهذا بخلاف الاولى فانه يجب عليه السكوت والصمت وكذلك حال العقل فانك بعد ما قطعت انه ينقلب نكراء ويتكدر صفاءه وجودة ادراكه ويبقى ايضا على حاله من الصفاء وادراك الحق وقطعت بان غير المعصوم يجوز له هذا وذاك وان اختلفت مراتبه شدة وضعفا ماتحققت ان عقلك من ايهما في كل الاوقات وفي كل وقت اذ الانسان لا يبقى على حالة واحدة وانما هو دائم السيلان والانتقال من حال الى حال فكيف تعتمد عليه وتركن اليه وتسكن لديه وتقول هذا هو الحق وانت ماتحققت وما تيقنت ان كلما يدركه هو حق بل يجب ان يقول عندي كذا وهو متزلزل في الواقع هل الحق معه او مع غيره فاصطلح الكل وآل امر الكل الى الحق فليس عليك ان تطعن على الآخر وترد قوله وتبطله في الواقع ومع ذلك كله والكل حياري والمقيد بقيد الجهل والشك اساري وحاشا ربي ثم حاشا ثم حاشا ان يجعل الخلق على هذه الحيرة فان قلت انا نحقق عقولنا ونستبصره ونقطع بانها سالمة عن الكدورات او النكراء وهي باقية على الصفاء الاصلية والجودة الدانية فيبقى لنا الاعتماد عليها قلت بم حققته أبالعقل او بالآخر والاول يستلزم الدور او التسلسل في غير الامور الضرورية اذ ليس الكلام فيها فتامل والثاني ما ابقيت شيئا فان قلت وعلى الله ان يسدد العقل عن الخطاء حفظا لدينه قلت ولو سلمنا ذلك نقول يجب على الله تسديد الكل او البعض فالاول في محل المنع جدا والثاني هذا البعض المعين او الغير المعين والثاني لا يفيد لرفع الاختلاف لصلوحية الدعوى للكل واشتراك الكل في عدم البصيرة وان اختار البعض الواقع من حيث لا يشعر لان شعوره ان كان العقل فهو ممنوع وان كان بغيره من نوع الالهام او الوحي فهو الخارج عما نحن فيه مع انه لا يرفع الاختلاف الا اذا اتى بقراين صحة قبول قوله والاعتماد على عقله من خوارق العادات وما جرت عادة الحق سبحانه في هذه الازمنة على هذا لغير المعصوم والاول كالثاني في بعض الصور ويحتاج الى معرفتهم لعله يكون عندهم ميزان لرفع الاختلاف بالنسبة الى كل العلوم لمن طلب ذلك لان الله على كل شيء قدير وما ذلك عليه بعزيز فان قلت ان الذي زعمت وذكرت مخالف للاجماع الضروري القائم باعتبار هذه الاربعة اي الكتاب والسنة والاجماع والعقل ولا يعتبر ما يخالف الاجماع قلت ما انكرت حجية هذه الاربعة فيما تحققت ولا احد اثبت حجيتها فيما لم تتحقق فان قلت لا مطلب الا وفيه احد هذه الاربعة قلت ينبغي ان يكون كذلك الا انه على ما هو المعروف وسيجئ تحقيق هذه المقامات على اكمل تنقيح وتفصيل ان شاء الله في احدى مقدمات هذا الكتاب عند ذكر الميزان المستقيم والقسطاس القويم والحاصل اني لما نظرت الى هذه الاختلافات الشديدة والمناقضات العظيمة والمعارضات القديمة والحديثة ورأيت ان الذي في يدهم لو كان الامر كما يزعمون لا يرفع خلافا ولا يثبت وفاقا بل يقوي شبهة المتخالفين ويصلح التمسك بهم في كل امورهم بحيث صار الجهل احسن للناس من العلم واسلم بهم واقوم اذ في العلم المصطلح لا يزيد الا التحير والاضطراب بل يؤل الى ما لا ينبغي بخلاف الجهل فانه طريق السلامة وغايته عدم الصورة وهذا وان كان نقصا الا انه اولى بالاختيار من غيره لتضمنه الضرر الكلي الذي هو الافتراء على الله سبحانه كما عرفت والتقول عليه وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين والحكم بما ليس له علم قطعي واقعي وان كان عنده علم قطعي ظاهري الا في الامور العلاجية المحتاج اليها المستحيل علمها وقطعها لافراد الناس الا المخصوصين عند الله سبحانه وتعالى بالقوى القدسية والنفس الملكوتية الالهية كالاحكام التكليفية الشرعية الفرعية اذ لا سبيل للقطع بها وادراك حسنها وقبحها الا للمعصوم عليه السلام واما غيره فلم يبق له الا تقليده والاخذ عنه فيقطع بالواقع لانه عليه السلام لا يميل الى الهوى ولا يعصي ربه ابدا فهو ابدا ( مؤيد ظ ) بالروح القدس منزه عن السهو والنسيان بل الانسان على ما هو الحق ولا يقطع لانه ادرك الواقع فانه محال في حقه لما سنذكره وهذا اذا ادرك المعصوم عليه السلام وسمع منه فهو قاطع بالواقع غير شاك ولا مرتاب وان غاب عنه عليه السلام فلو حصل له القطع في بعض المواضع بالقراين لا يحصل له في كثيرها والتكليف اذا كان باقيا وادراك الواقع في حقه محال وكذا ادراك ما يوصله الى الواقع والمحال لا يجوز نحوه الاقبال فلم يبق لهم الا الاعتماد بما يعرفون ويدركون حيث ما بلغ ادراكهم ولذا صح اختلافهم وجاز العمل فيما يختلفون بما يختلفون لانهم في ضنك وضيق ومخمصة شديدة فيحل لهم ما حرم عليهم لادائه الى اقبح القبيحين واكثرهما فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه لمن اتقي كما سنفصله ان شاء الله تعالى وهؤلاء لا اثم عليهم ولا لوم لوجود الاضطرار واما غيرهم في غير العلم الذي اضطروا اليه لا يجوز لهم التكلم والتفوه الا ان يكونوا على بصيرة من امرهم وهداية من ربهم وان يجانبوا التقليد ويقفوا على الرأي السديد ولولاها فالسكوت لهم اولي والصمت لهم احسن والبقاء على الجهل اقوم حتى يعلمهم الله سبحانه من فضله والبصيرة التامة والمعرفة الكاملة بحيث يدرك الشيء كانه يراه لا تحصل الا بامرين احدهما الاسباب الموجودة المعروفة المشهورة بين الناس وهي الادلة الاربعة وقد عرفت بعض احوالها حسب ما بينوها ونقحوها من انها على هذا لو اوصلت على بعض العلوم في بعض مسائلها لم توصل الى كلها في كل مسائلها سيما العلوم الدقيقة والمسائل الغامضة وثانيهما الاعانة الخارجية من التأييدات الالهية والعنايات الربانية والافاضات السبحانية وهذه تمام الامر لو حصلت فيتحقق في صدره نور العلم فيدرك صور الاشياء واشباحها النورية كما هي عليه ويشرق في قلبه نور اليقين فيحيط على صورها ومعانيها وظاهرها وباطنها وقشرها ولبها ويتجلى في فؤاده نور المعرفة فينكشف له حقايق الاشياء واسرارها وانوارها ولب لبها وحقيقة حقايقها ولطيفة ظواهرها فيعرف الحيث والكيف والكم ويعرف مفصوله وموصوله وما يؤل اليه اموره فهو على بصيرة من امره وهداية من ربه وهنالك يعرف القرآن وما اودع الله في سر الانسان فيعرف اللطيفة في قوله الحق سبحانه الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان فيجد اذن كمال الايتلاف وينقطع عنده الاختلاف فيصدق بقوله الحق ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وبالجملة يظهر له من خفيات الامور وخبيات الاسرار ما لو ذكرت قليلا منها لطال الكلام فنخرج عن المقام ويفوتنا المراد وان كان في ذكره الفوائد العظام وسنذكرها ان شاء الله تعالى في خلال الكلام والحقير الفقير الى الله الكبير لما فطنت في الامر الاول ودققت النظر فيها وتعمقت الفكر فيما ذكروا في معناها كما ذكروا ماوجدتها الا مثل ما سمعت قليلا منها فحار قلبي وطار لبي واضطرب جناني وارتعدت اركاني من فقدان اشرف الكمالات واعلى الصفات واحسن الاخلاق بل اصل كل كمال على الاطلاق ومن المقام على الجهل اذ لو تكلفت فيه كما يتكلفون من الحكماء الذين هم اجهل الجهلاء واحمق الحمقاء المعتمدين على عقولهم الناقصة فجاؤا بخسران الدنيا والآخرة او الصوفية الملاحدة اعداء الدين ومخربي شريعة سيد المرسلين تاركي الدنيا للدنيا شبكة للاضلال والاغواء مستعمل الرياضات الغير المشروعة ومظهر العقايد الفاسدة الباطلة الغير المأثورة او كالمتكلمين الذين ماميزوا الغث من السمين واقتصروا على الاصول التي اكثرها باطلة على اليقين واكتفوا بالعثر والظاهر وما عثروا على الحقيقة والواقع بالبرهان الباهر او كالفقهاء المستعملين للرأي والقياس الموسوسين في صدور الناس واكتفوا بالاستحسان وجعلوا ذلك وصلة الى الملك الديان فعمت قلوبهم عن حقيقة البرهان وتاهوا في تيه الضلالة والجهالة مع العميان او كالذين اعرضوا عن الاجماع والعقل واكتفوا بصرف القول والنقل وانت قد عرفت حاله وعلمت مبدئه ومآله على ما زعموا في بيانه وذكروا في تبيانه واني لو تكلفت في العلم كما تكلفوا لكنت في الاثبات مصداق قوله تعالى ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون وقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وفي النفي مصداق قوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وفي الكل مصداق قوله تعالى قل آلله اذن لكم ام على الله تفترون
واما الفقه الذي عند فقهائنا رضوان الله عليهم فهو وان كان حقا في زمان الغيبة وخفاء الحجة وظلمة المحجة الا انه لا يوصل الانسان الى المراتب العالية من المعرفة المستلزمة لكمال المحبة المستلزمة للاخلاص الذي لا يقبل عملا الا به ولا تعلو درجة ولا تنقص الا به والا ففي فعل الاعمال الصالحة الظاهرية العالي والسافل متشاركان ولذا وردت الاحاديث بل وتواترت معنى ان عمل العالم افضل من الف عمل العابد او ازيد كما نذكرها في مقامها وليس المراد بالعابد الذي لا يصح عمله وعبادته على الظاهر المفسر عمله بالاخلال في الاركان او الاجزاء او الشرايط او المتممات اذ حينئذ ليس بعابد وقد دل العقل والنقل والاجماع على ان الثواب بقدر المعرفة المورثة للاقبال وغيره وان نوم العالم افضل من عبادة السنة للعابد ولا يشك فيه العامي فضلا عن العالم وفضل العارف بالله المنقطع عما سوى الله المخلص العمل لله الناظر في الاشياء على جهة الاضمحلال الغير الواثق الا بالله والعالم بالاحكام الشرعية المستنبط لها عن الادلة التفصيلية على الفقيه الصرف المصطلح العالم بعلمه كفضل العالم على العابد لجمع الاول الفضلين اللذين هما شرف الدنيا والآخرة وفقدان الثاني اشرفهما وليس المراد بالمعرفة المعرفة الاجمالية المشترك فيها العوام بل المراد التفصيلية حسب الطاقة الامكانية البشرية ومن انكر ذلك فليسئل الله ان يصلح وجدانه فاذا صح هذا فالمعرفة التامة الكاملة القابلة للرتبة الانسانية لا تحصل الا بمعرفة حقايق الاشياء وكينوناتها ولوازمها وشرايطها وذواتها وصفاتها وغيبها وشهادتها وعلويها وسفليها وغيرها منها لان الله تعالى ابي ان يعرف الا منها لانه ارى آياته فيها من الآفاق والانفس وضرب الامثال للناس ليسلموا بعد معرفتها من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس وهو قول مولينا الحسين عليه السلام في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير الدعاء ولا شك ان الموجودات مختلفة فكلما كان اشرف والطف فيه آثار جلال الله وعظمته وجبروته وملكه وصنعه وآياته اعظم واشد ولا شبهة ان الموجودات الغيبية الغيبة ( العلية ظ ) فيها من الشواهد الربوبية الظاهرة للمشاعر الصافية الزكية ما لو وصل احد الى حكمها العرشية فاز بالسفر الى الاسفار الحقيقية وصعد في البدء والمعاد بالاطلاع على المبدء والمعاد فيرسخ في الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فيكون من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الاتخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ولما كانت العوالم الغيبية لا تدرك الا بالمشاعر الغيبية وهي قد تختل وتمرض وتفسد او تعوج ويحسبها صاحبها صحيحا سليما مستقيما فتشتبه الامور وتبهم وذلك لامور نذكرها ان شاء الله تعالى في مقامها ويصير ذلك سببا للاختلاف في معرفة الله سبحانه وصفاته واسمائه الواحدة الغير المتعددة ولا المختلفة ولا المتكثرة وربما يؤدي ذلك الى توصيف الحق تعالى بالصفات الغير اللايقة حسب قابلية المرتبة الانسانية لان المرآة حيث ما اعوجت تعوج صورة المقابل فيريه معوجا وليس هو كذلك فينقلب الفوز العظيم بالعذاب الاليم فتنحت الدرجة الى اسفل السافلين ولو كان حقا تكون درجته في اعلى عليين فوجب البرهان الموصل الى الحق المبين والمميز الغث من السمين وحيث فقد ذلك فلا يصح الكلام الا بما قد قام عليه الاجماع الضروري ولكنه قد فات عنه امر عظيم وحرم عن خطب جسيم فجدير ان يبقى على الاسف والحزن مقيما لانه قد ادركه حرمانا عظيما واصابه بلاء اليما ومن هذه الجهة قد كثر قلقي واضطرابي وعظمت غصتي واختصاري (كذا) فاستغثت الله وابتهلت اليه واعترفت بذلي وعجزي لديه وتوكلت في جميع الامور عليه وسئلته النجاة عن هذه المهلكة والخلاص من هذه الوعرة المستنكرة والبلوغ الى درجات المعرفة والوصول الى مقامات المحبة لان الراحل اليه قريب المسافة وانه سبحانه لا يحتجب عن خلقه الا ان تحجبهم الآمال دونه حتى استجاب لي ومن علي وله الحمد والفضل باسباب يطول بذكرها بتوفيق التوسل الى الائمة الهادية والتمسك بالعترة الطاهرين والوصول الى القرية المباركة بواسطة القرية الظاهرة والاخلاص في محبتهم والاقرار بولايتهم والانقطاع اليهم والاعراض عن كل ما عداهم وتفويض الامور اليهم والدخول في شدايد الامور عليهم والتبري عن اعدائهم ومخالفيهم ومعرفة ان العلم هم معدنه واصله وفرعه ومبدءه ومنتهاه وان لا يخرج الى احد حق الا من عندهم ولا يظهر لاحد خير الا منهم وانهم المتصرفون في امور العباد والمدبرون لاحوال البلاد وانهم حجج الله حيا وميتا وانهم نور الله ظاهرا وباطنا لا يخفى انوارهم وان غابت اجسادهم وهم المعلمون للشيعة وموصلوهم الى احسن الطريقة لمن انقطع اليهم واعرض عن اعدائهم على نهج يجيء بيانه وياتي برهانه والا
فكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
فلما حصل لي الانقطاع ولله الحمد والشكر وانست باخبارهم واقتفيت آثارهم وطلبت الهداية من الله بهم وسئلت النور الالهي لديهم رأيت انه ما من علم الا وقد نبهوا عليه وما من حق الا دلوا اليه وما من خير الا وارشدوا لديه وتكلموا للناس على تفاوت درجاتهم من العوام والخواص والخصيص بما ينال به كل احد مطلبهم ويعرف كل اناس مشربهم فتكلموا على تفاسير السبعة بل السبعين وتكلموا بلفظ وارادوا منه معاني سبعين وادوا المطالب كلها من الظاهرية والباطنية وباطن باطنيه في كلماتهم الشريفة بتعبيرات لطيفة في مقام بالتلويح وفي الآخر بالاشارة والآخر بالتصريح والآخر بالاختلاف والآخر بالايتلاف والآخر بالسكوت والآخر بالفعل والآخر بالكناية وبلغات اخرى غير هذه اللغة العربية المعروفة فان العربية على سبعين وجها والذي عند الناس هو وجه واحد منها وقد تكلموا عليهم السلام بجميع الوجوه كيف لا وهم الحجج البالغة على الخلق اجمعين واللسان الناطق بالحق على الخلق باوضح الدلايل والبراهين فاتوا بكل حق وجاؤا بكل صدق ونطقوا بكل وفق وما بقوا شيئا مما يحتاج اليه الخلق في امر معادهم ومعاشهم من المعارف الالهية واحوال العوالم اللاهوتية والجبروتية والملكوتية من الغيبة واحوال البرازخ الشبحية المقدارية والعوالم الملكية الجسمية من الشهودية واحوال الدنيا والآخرة والظاهر والباطن لئلا يكون للناس على الله حجة باوضح بيان واشرف تبيان لمن عرف سياقهم وورد ماءهم وادرك العل والنهل فرأيت ان كل ذلك تفسير للقرآن وتبيان لما نزل على سيد الانس والجان وكشف لاسراره باوضح بيان فعلمت مع قصوري وضعفي ان لا اختلاف في الدين ولا تناقض فيما اتى به سيد المرسلين ولا في كلمات عترته الطاهرين واحفاده الميامين عليه وعليهم سلام الله ابد الآبدين ودهر الداهرين فعرفت معنى كلام مولينا امير المؤمنين عليه صلوات المصلين ما معناه العلم نقطة كثرها الجهال ه من اصحاب القيل والقال والمراء والجدال فاطمانت ولله الحمد نفسي وسكن قلبي واستقر لبي باعطاء مسؤلي وادراك مأمولي ورفع الشكوك والشبهات الواردة على معرفة الميزان القويم والقسطاس المستقيم الذي هو في الثبات كانه بنيان مرصوص او كالجبل لا تحركه العواصف وكنت ملازما للاخبار ومعزما بمطالعة آثار الائمة الاطهار وقرائة القرآن بالعشي والابكار لانهما اصل كل علم ونور ومادة كل خير وحق وقد استمر بي الحال على هذا المنوال بعون الله الملك المتعال من اول بلوغي الى تسعة عشر الى العشرين فوفقني الله سبحانه من غير استحقاق مني ولا استيجاب لحج بيته الحرام والوقوف في المشاعر العظام والمواقف الكرام ولزيارة قبر سيد النبيين وائمة البقيع وفاطمة الطاهرة عليهم سلام الله ما دامت الدنيا والآخرة وبعد التشرف بذلك التشريف رحلنا من ذلك المكان الشريف ورجعنا نحو المسكن واردنا الاهل والوطن الى ان ساقنا التقدير في اثناء الطريق الى البلدة الميشومة الملعونة المسماة ببريدة وحاصرتنا فيها الطائفة الخبيثة الشريرة الجماعة الوهابية ومنعونا عن الخروج والسفر حتى بقينا فيها ثلثة اشهر فضاق علينا الامر وادركنا كمال العسر حتى ايسنا نظرا الى الاسباب الظاهرية عن اليسر فنذرت لله سبحانه وعاهدته بانه تعالى بعد ما نجانا من تلك الورطة المهلكة اكتب اربعين حديثا من احاديث اهل البيت عليهم السلام واكشف فيها اسرارها وتلويحاتها واشاراتها واستخرج لبابها من قشورها وابين باطنها من ظاهرها واخرق اصداف الالفاظ واظهر لئالي المعاني المستورة فيها بحيث يرتفع الاختلاف ويتبين الايتلاف ويظهر الحق الصراح الصافي باعانة الله الملك الكافي واظهر شطرا من خفايا اسرار آل محمد عليهم السلام وما اكرمهم الله وما انعم عليهم من النعم الجسام والفضايل العظام كل ذلك على مقدار وسعي وطاقتي وحسب استعدادي وقابليتي واني لي ذلك وكيف لي ادراك ما هنالك وكل اناء بالذي فيه ينضح لان كل كلام على حسب مقدار عقل المتكلم وان كان يلاحظ المخاطب وادراك الوصف المختص بهم اللايق لهم متوقف على معرفتهم حقيقة واني للانسان الضعيف هذه الدرجة والمرتبة بل لا يدعيها احد على الحقيقة من المخلوقين وان ادعوا كذبا وافتراء كما بينوا ذلك وقالوا في الزيارة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين واعلى درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع اذن كيف يكن ( يمكن ظ ) التوصيف فصح ما قالوا عليهم السلام بعد هذه الفقرة موالي لا احصي ثناءكم ولا ابلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم فاذن اني لي ووصفهم فوالله لو صب خردل بحيث سد الفضاء وملأ ما بين الارض والسماء ثم بعد ذلك عمرت مع ضعفي وعجزي سيما بعد مرضي وكلفت ان انقل ذلك الخردل حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد فلو صرفت مقدار هذا العمر في ذكر فضايلهم ومناقبهم صلوات الله عليهم لا بل فضيلة منها وان اجدد التوصيف وابلغ في المدح والتعريف ماقدرت على ذكر جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما هم عليه من الفضائل والمناقب واستغفر الله عن التحديد بالقليل كيف وهم كلمات الله التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله الا ان السافل يوصف العالي بما فيه من مثاله الملقى في هويته فيعرف العالي حسب مقامه بمثاله الذي هو عليه عينه الذي اعطاها اياه ليدركه بحسب مقامه كما قال الشاعر:
اذا رام عاشقها نظرة فلميستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا قد رآها به فكان البصير بها طرفها
وبالجملة لما نذرت هذا النذر وعهدت الله سبحانه هذا العهد سهل الله علينا العسير وقرب البعيد وجعل لنا من حفظه ونصر عيناه عاصمة عصمتنا عن ان يصل الينا من هؤلاء الملاعين اعداء الدين سوءا واذية حتى وصلنا الى مشهد مولينا امير المؤمنين وتشرفنا بزيارته والحمد لله رب العالمين وتشرفنا ايضا بزيارة ساير المشاهد المشرفة على ساكنيها آلاف الثناء والتحية وكان في عزمي ان اكتبها في المشاهد المشرفة مستمدا من ساداتي وموالي الهداية والرشاد والعصمة عن الخطاء فعاقني عن ذلك التقدير بحيث عجز عنده التدبير حتى خرجنا وعزمنا الوطن مسقط رأسنا الجسماني والا موطني فيها ومابقيت فيه الا مدة قليلة وهي ثلثة اشهر حتى وفقني الله سبحانه وتعالى بالرجوع الى المشاهد المشرفة ومجاورة سيد الشهداء والصديقين على جده وابيه وامه واخيه وعليه وبنيه صلوات المصلين ابد الآبدين ودهر الداهرين وعزمت على الكتابة فعاقتني العوائق حتى مضت سنة كاملة واجتمعت مع بعض الطلاب بل فضلاء الاصحاب الذين انار الله قلوبهم بانوار الهداية وحباهم كمال الفهم والدراية بحيث عرفوا ان الرافع للاختلاف والواصل الى مقام الايتلاف ليس الا الاتصال بالائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وذلك الاتصال لا يحصل الا بالتوغل في آثارهم واخبارهم ومعرفة حقايقها واسرارها اذ السبيل من الحق الى الخلق ومن الخلق الى الحق منحصر فيهم اذ هم الابواب الى ذلك الجناب الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك ورأوا وفقهم الله وسلك بهم الى مسالك الرضا هذا السراب فظنوه ماء وسئلوا هذا الفقير المعترف بالقصور والتقصير ان القي اليهم غوالي اللآلي من معاني الاخبار المخزونة في بحار انوار آثار الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك المختار المكنونة في اصداف الكتب والدفاتر اثمنها واغلاها واظهر لهم من غوامض اسرارهم وظواهر آثارهم اشرفها واعلاها واذلل بكمال التحقيق والتدقيق صعابها واستخرج بجوامع التبيين من قشورها لبابها وانبه على بعض ما ارادوا من اشاراتها واشير الى بعض ما لوحوا في عباراتها والفقير مع قصور باعي وقلة اطلاعي لعلمي بنفسي باني لست من السفن التي يسار بها في هذا البحر المتلاطم مع هذا الموج المتعاظم ما امكنني ردهم وعدم اسعاف مطلوبهم ومأمولهم لان من ظن بحجر خيرا يلقي الله اليه الحكمة بسببه ولما نذرت سابقا فاغتنمت الفرصة وسئلت الله التوفيق والاعانة والتسديد عن الخطاء والعصمة وشرعت في شرح اربعين حديثا على نحو يدركون مأمولهم ويصلون مطلوبهم ان شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ولكنهم لما طلبوا مني بيان معرفة علم الحديث وكيفية استنباط العلوم منه وبيان رفع الاختلاف في العلوم وتحقيق كشفه عن كل العلوم ووقوع التعارض ورفعه وان الاخبار والاحاديث لا تناقض ولا تعارض ولا اختلاف فيها بل مرجع الكل الى شيء واحد بل هي طبق القرآن وذكر بعض احوال السند والدلالة وامثال ذلك من الامور التي اختلفوا فيها العلماء وصاروا فرقا متعددة وتحزبوا احزابا مختلفة غير مؤتلفة وجب ان نقدم على الشروع مقدمة تحتوي على اربعة عشر فائدة بعدد المنازل النورية والحروف النورانية ومثناة العدد الكامل وطبق وجود الوهاب بيد القدرة في المنازل ثم نشرع في المقصود باعانة الله الملك الودود مفيض الخير والجود
فاقول واثقا بالله الملك العلام وجاعلا نفسي هدفا لسهام طعن اغاليط الاوهام :
مقدمة مهمة فيها اربعة عشر فائدة وقد دعانا الى ذلك اظهار الحق الصافي القراح الغير المشوب بشيء من الباطل بوجه ابدا لانهما متشابهان في الظاهر والصورة بكمال التشابه ونهاية التوافق واكثر الاشتباهات والاختلافات انما هي باعتبار الشبهة في موضع الحكم وعدم الاطلاع على حقيقة الامر ومبدئه ومنتهاه وقد تبين في المقدمة بعون الله تعالى شطرا من ذلك مما يجوز بيانه ولا يعسر برهانه ونرجو من الله سبحانه ان يحقق بها الحق ويميت بها الباطل بفضله وكرمه بجاه محمد وآله الطاهرين فانه ليس عنده سبحانه من هو اوجه منهم وليس الحق والخير الا من عند الله المكنون المخزون عندهم صلوات الله عليهم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الفائدة الاولى في حقيقة العلم ومبدئه ومنتهاه وعوالمه السافل وعوالمه العالية وعوالمه في نفسه وفائدة ايجاده واللطف فيه وشرفه وانه اصل كل خير وكمال وبهجة وجمال وبعض الاسرار المودعة في لفظ العلم بالاجمال وجملة من صفات العالم
الفائدة الثانية في سر اختلاف العلوم وتكثرها وتشتتها وتشعبها بالشعب المختلفة مع وحدة العلم وعدم تعدده وتكثره ووجه اختلافه في عين ايتلافه وسر تكثره في عين وحدته
الفائدة الثالثة في بيان اقسام العلوم وانحائها وتفاصيل كلياتها وحصرها باعانة الله سبحانه
الفائدة الرابعة في سر اختلاف العلماء ومنتحلي العلم فيه مع وحدته وبيان قول امير المؤمنين عليه صلوات المصلين العلم نقطة كثرها الجاهلون ووجه كونه نقطة وكيفية تكثيرها الجاهلون ومبدء هذا الاختلاف ومنشأه على جهة الاجمال
الفائدة الخامسة في اثبات العلم الواجب على المكلف تحصيله والمحرم وتعيين العلم الوارد في قوله عليه السلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة واطلبوا العلم من المهد الى اللحد وتحقيق القول في شرافة نفس العلم من حيث هو وقبح بعض العلوم
الفائدة السادسة في سر اختلاف علماء اهل الحق المتمسكين بالعلم المطلوب والواثقين بالركن الشديد ووجه ميلهم الى الاعداء وحد الميل والسر في ذلك الامور العقلية ونستطرد ايضا كيفية اختلافهم في الامور النقلية والوجه في ذلك والقول بانهم المعذورون في هذا الاختلاف مطلقا او ليسوا بمعذورين كذلك او في العقلية خاصة مطلقا او على التفصيل وتقسيم العلماء الى اقسام اربعة وتحقيق القول فيها بمعونة الله سبحانه
الفائدة السابعة في كيفية التخليص عن هذه الاختلافات ووجدان الحق الصحيح الصريح مع هذه الاختلافات الشديدة التي يقطع العاقل بل الجاهل بان الحق ليس الا في واحد منها وذكر الميزان القويم والقسطاس المستقيم والقاعدة في معرفة الاشياء كما هي بحيث يكون على بصيرة من امره وهداية من ربه ويزول معه عنه كل الشكوك والشبهات بحيث يدرك الشيء كانه يراه ولا يزال وان خالفه المخالفون وكثر المعاندون ولا يشك ولا يرتاب ابدا ولعمري ان هذا امر عظيم اعاننا الله واياكم في ادراكه والوصول اليه فانه ذو الفضل العظيم والمن الجسيم
الفائدة الثامنة في سر وقوع الاختلاف في احاديث اهل بيت محمد سلام الله عليهم اجمعين وتحقيق القول في ذلك
الفائدة التاسعة في سر ايقاع الاختلاف بحيث يعارض بعض الاخبار بعضا او ينافيه وسر تحقيق القول في المحكم والمتشابه وبيان ان القرآن والاخبار يشملان على الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والخاص والعام والظاهر والباطن وظاهر الظاهر الى غيرها وبيان ان الاختلاف ظاهري صوري لا حقيقي ومعنوي
الفائدة العاشرة في كيفية استنباط الاحكام واستخراج العلوم من الاخبار وكيفية ارجاع هذه الاختلافات الى امر واحد وكيفية اخذ الحقيقة او المجاز او المطلق او المقيد وامثال ذلك
الفائدة الحادي عشر في ان اهل البيت عليهم السلام اجروا كلماتهم الشريفة حسب الادلة الثلثة من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن وبيان هذه الادلة الثلثة وذكر شرطها ومستندها على الاجمال
الفائدة الثاني عشر في ان احاديث اهل البيت عليهم السلام مذكورة فيها كل العلوم سيما معرفة الحقايق الكونية من الحكمة الالهية والرياضية والطبيعية وعلم الحروف والاحكام الالهية التكليفية لاصحاب الحقيقة والطريقة والشريعة وانها حجة في كل العلوم من العقلية والنقلية وان ما خرج عنهم من العلوم باطل فاسد زايل والوجه في انهم عليهم السلام ما صرحوا بتلك العلوم وانما رمزوا رمزا واشاروا اشارة ولوحوا تلويحا وان السبب في ضلالة الحكماء الموجودين في هذه الازمنة ما هو وتاويل قوله تعالى فخلف من بعدهم خلفاء اضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا الا من تاب الآية وتحقيق القول في ذلك ان شاء الله
الفائدة الثالثة عشر في ان الشرائط المعتبرة في العمل بالاحكام الشرعية الفرعية واستنباطها من الاحاديث المعصومية هي المعتبرة في العمل بالاحكام النقلية وجعلها حجة في الاعتقادات ام لا بل كل منها شرائط مخصوصة لا يشتركان الا في مواضع مخصوصة
الفائدة الرابعة عشر في تحقيق ما اصطلحوا عليه في تقسيم الحديث الى اقسام اربعة من الصحيح والحسن والموثق والضعيف وبيان ان لهذا التقسيم هل مأخذ صحيح يعتمد عليه ام لا وذكر شرذمة من اقوال الاخباريين والاصوليين وتحقيق القول فيهما
واما الفائدة الاولى ففيها اربعة مطالب بعدد انوار الاربعة : الاول في فائدة ايجاد العلم وذكر فضله من شرفه من حيث هو الثاني في حقيقة العلم وعوالمه السافلة وعوالمه العالية وعوالمه الحقيقية ومعرفة ان العلم يجد ام لا وانه ضروري ام اكتسابي الثالث في خزائن العلم وحملته وحفظته الرابع في بعض اسرار المودعة في لفظ العلم على الاجمال حسب ما يحضرني بالبال حال الكتابة على الاعجال
لكنك يا اخي ينبغي ان تعلم اولا قبل الشروع في المقدمة ان المطالب ليست كلها على نهج واحد وطريق خاص غير متعدد بل المطالب بعضها بل جلها خفية دقيقة جدا يخفى بيانه ويعسر برهانه ولا يدرك بالظاهر الجلي بل لا يزيد الاستدلال بالمجادلة بالتي هي احسن الا خفاء وغموضا اذ النتيجة تتبع المقدمتين بل اخسهما وكثيرا من المطالب يحتاج الى المقدمات الطويلة يطول بذكرها الكلام ويخرج عن المقام فاختصرها واشير الى لبها وبعضها ارمزها والوح بها لئلا يعثر عليها الجاهل ليستريب فينقص ايمانه او ينكر فيكفر وبعضها لا يفيها العبارة فيجب الاقتصار على الاشارة ومن هذه الجهة كانت الادلة ثلثة كما قال تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن كما سيجيئ بيانه ان شاء الله تعالى
فاوصيك ايها الناظر في هذا الكتاب ان تنظر اليه بعين الانصاف واعرض عن الجور والاعتساف فان عرفت مطالبه وادركت مقصودك منه فاحمد الله واشكره وان رأيت شيئا مخالفا لنظرك فلاحظه من بعد اخرى فان تم دليله بالمجادلة بالتي هي احسن فخذه وكن من الشاكرين والا فاطلبه بدليل الموعظة الحسنة الذي هو دليل الخواص وان لم يحصل لك المطلوب فاطلبه بدليل الحكمة التي لاخص الخواص ان كنت منهما وعرفت كيفية الاستدلال بهما والا فاعزل نفسك عن النقض والابرام وجانب اللجاج في الكلام ولا تقف ما ليس لك به علم فان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا ولا تمش في الارض مرحا انك لنتخرق الارض ولنتبلغ الجبال طولا كل ذلك كانت سيئة عند ربك مكروها لانكم ما اوتيتم من العلم الا قليلا وفوق كل ذي علم عليم
علي نحت القوافي من مواقعها وما علي اذا لم يفهم البقر
وهذا سبب اكثر اختلافات التي من العلماء فانهم ما ميزوا بين المطالب تمييزا صحيحا وما نقحوها تنقيحا مليحا ووقعوا فيما وقعوا من الاختلاف وقطعوا طرق الايتلاف فان كثيرا من المطالب لا تتم الا بدليل الموعظة وهم يحاولون اتمامها بدليل المجادلة فلن يجدوها وكثيرا منها لا تتم الا بالحكمة ويطلبونها بالموعظة الحسنة او المجادلة فلن يصلوا اليها وح اما ان يطرحوها ويحكموا بفسادها وبطلانها لعدم الدليل واما ان يتكلفوا في تنزيلها الى المجادلة فيغيرون خلقة الله فيصفون الشيء بخلاف ما جعله الله عليه فيغيرون ( فيفترون ظ ) على الله كذبا وهم لا يعلمون وكل ذلك لاستكبارهم عن الاعتراف بالعجز والاقرار بالذل والفقر وارعائهم الامر لانفسهم وانحصارهم الدراية والمعرفة لهم فطبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على ابصارهم غشاوة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك عليهم بما صبروا اللهم ارحمنا وسددنا واعصمنا واجعلنا من الذين هديتهم لما اختلفوا الى صراط مستقيم ومن الذين تمت كلمتك عليهم صدقا وعدلا فانا عبيدك وناصيتنا بيدك لا امر لنا مع امرك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك ولا حول ولا قوة الا بك وافوض امري الى الله ان الله بصير بالعباد
وليعلم اني اجر الكلام بحول الله وقوته على النمط الاوسط لا الايجاز المخل ولا الاطناب الممل واجمع ان شاء الله تعالى بين الظاهر والباطن والتنزيل والتاويل ليعلم كل اناس مشربهم ولينال كل احد مطلبهم وتكلمي في الباطن ليس كما زعمته الصوفية الملاحدة خذلهم الله فانهم عاندوا الدين وبنوا امرهم على المكابرة مع سادتنا الاطيبين الاطهرين بل على ما وصل الينا منهم صلى الله عليهم واخذنا عنهم من انوار فيوضاتهم المتشعشعة من لمعات آثارهم واخبارهم فان لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نور والى الله ترجع الامور وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومخالفيهم اجمعين الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين وها انا اشرع في المقصود
فنقول اما الاول - فاعلم ان الله تبارك وتعالى لما تقدس وتنزه عن الافتقار والاستكمال بطل ان يخلق الخلق ليعين ( ليستعين ظ ) بهم او للحاجة اليهم فلم يبق الا ان يخلقهم للتكميل ويوصلهم من مقام الاجمال الى التفصيل فوجب ان يسبب لهم سببا للوصول الى ذلك ويجعل لهم وصلة الى ما هنالك لضرورة بطلان الاجبار والاضطرار لاستلزامه الفضيحة والعار كما لا يخفى على اولي البصائر والابصار ومن هذه الجهة ورد النص في هذا الباب عمن عندهم فصل الخطاب ان الله ابى ان يجري الاشياء الا بالاسباب وهي لما كان العالم عالم الاختيار المستدعي لوجود الشيء ونقيضه عند الابرار والاشرار يجب ان تكون الاسباب الموصلة كذلك اذ ايجاد الداعي المقتضي مع عدم ما يدعو اليه ويقتضيه لا ريب في قبحه لكونه عدم الاجابة للسائل المضطر فلا يفعله الحكيم القادر العليم وعدم الداعي والمقتضي عند عدم جعله اذ ما لم يتعلق به جعله فهو باطل عدم فلا يبقى لمن قال بخلافه ثبات قدم باطل قبيح اما في الكمال فيلزم الاهمال في خلق الخلق من التفصيل والاجمال وهو محال على القادر الحكيم المتعالي اما في ضده ونقيضه فلعدم تحقق الاول ولا تمام قابلية ظهوره ولئلا يلزم الالجاء والاضطرار فاذن لكان المحسن اولى بالاساءة من المسيئ ولا يستحق شيئا اصلا اذ لم ينسب اليه شيء قطعا فاذا صح هذا فجعله الله سبحانه وله الحمد والمنة تلك الاسباب سلما يرتقى به الى اعلى درجات الرشد والكمال ويسفل عند عدمه الى ادنى دركات الضلال لئلا يكون للناس على الله حجة في المبدء والمآل وليتميز بين الرشد والوبال فوجب على المكلف المخلوق التمسك بتلك الاسباب ليفوز بالفضل الى ذلك الجناب وليحصل له الاستكمال ويتحقق له الاتصال ولا يمكن ذلك التمسك والاتصاف الا بالفعل والا يلزم ما سبق منا من المفاسد والفعل ويجب ان يكون بالاختيار لما بينا من قبح الاضطرار فلذا جعله الله سبحانه امداده وقوام وجوده وضعف بنيته وقوتها بالفعل فلذا اختلفت احواله وتفاوتت اطواره وهو سر المحو والاثبات والاجلين المحتوم والمقدر ولما كان الانسان وغيره من المكلفين لامكانهم وفقرهم وعجزهم وجهلهم وقصورهم جاهلين بتلك الاسباب التي تصلحهم وتفسدهم وجب على الحق سبحانه ان يبينها لهم وان كان بالحال فان الوصف منحصر في الحال والمقال فعلمهم الحق ذلك وابان لهم عما هنالك ولما كانت الاسباب على قسمين قسم يتعلق بلفظ البنية الظاهرية الجسدانية وباصلاح نظام ما بين الشخص وغيره مطلقا من السياسة المدنية وتدبير المنزل المسمى بامر المعاش والقسم الآخر ما يتعلق بايصال ما خلق لاجله ووجد لغايته من اصلاح النفس وتصفية القلب وتزكية السر والنواميس الالهية الشرعية المسمى بامر المعاد والاول لوجود الثاني ولظهوره وتحققه فانحصر الامر في كل مكلف بهذين الاثنين وقوام هذين الاثنين ومنشئهما ومبدئهما لا يكون الا العلم وبه اذ لولاه لاختلت الغاية المستلزمة لجهالة الصانع وسفاهة الممتنعة على القادر الحكيم فاذن العلم اصل وقوام لكل مكلف بل موجود وكل مستكمل صالح لكسب الكمالات وكل متسافل ومتعال وكل لطيف وكثيف ولولا العلم لقبح الايجاد ولبطل الانوجاد لكونه القبول ولا يكون الا بالعلم بالمقبول فعلة الكون ومداره انما هو العلم ولولاه لم يحسن فوجب على الحق سبحانه ايجاد ( العلم ظ ) بعد ايجاد الذات بل العلم والايجاد متساوقان ولذا ترى الحق سبحانه ذكر العلم بعد خلق الذوات من غير فصل وتراخ بل قدمه عليه ليدل على ما ذكرنا من حكم المساوقة في قوله الحق الرحمن علم القرآن ثم قال خلق الانسان علمه البيان وقال ايضا سبحانه وتعالى اقرء باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم وهذا سر ايجاد العلم ومنه يظهر لك شرفه وعظمه وسبقه على كل شيء في المراتب الوصفية وان كان في بعض المراتب بل كلها يجري حكم المساوقة كما لا يخفى على من له ادنى دراية وروية والوجه الآخر تفريعا على هذه المقدمة انه لماامتنع التمسك بتلك الاسباب والاتصاف بها الا بالفعل وكان المكلفون خصوصا الانسان ذا عالمين عالم الغيب والشهادة لا ريب ان العالمين مرتبطين فكل عالم له فعل مخصوص والا لم يكن ولا شك ان عالم الغيب اشرف والطف واعظم واكرم من عالم الشهادة فعالم الشهادة انما وجد بعالم الغيب فقوامه به وهو من اسباب وجوده التي جعله الله سببا له حيث انه تعالى جعل كل عال سببا لوجود السافل لبطلان الطفرة الباطلة الا عند المسفسطين (ظ) فكما ان الذوات الغيبية بيدها قوام الذوات الشهودية كذلك الافعال الشهودية منوطة بالافعال الغيبية وهي المهيجة لها والداعية اليها حسنا كان او قبيحا ولما نظرنا الى الذوات الغيبية المتحققة في العوالم الانسانية وجدناه كثيرة شتى ولبيانها محل آخر الا انه مجمع كلياتها ثلث مراتب : المرتبة الاولى مقام لبها وسرها ولطيفتها الذي هو اول ما خلق الله منها وهو الاصل والاس (ظ) فيها المرتبة الثانية مقام قلبها ومظهر سرها المرتبة الثالثة مقام صدرها ومحل تشخصها وظهورها الصورية النورية وهنا مرتبة اخرى مقام الحس المشترك البرزخ بين العالمين والملتقى للبحرين والمراتب الاخر تتبع هذه المراتب من غير اشكال ولما نظرنا في افعالها رأينا ان ليس لها فعل الا العلوم والادراكات اما المرتبة الاولى ففعلها معرفة الله سبحانه خاصة لكونها المقصود بالذات وهي اول ما برز عن فعل الحق بلا واسطة والاثر يشابه صفة مؤثره فمعرفة الله التامة الكاملة لا تعرف ولا تدرك الا بذلك المشعر الذي هو اعلى مشاعر الانسان ولذا قال تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف واما المراتب الاخر ففعلها العلم بالاشياء وادراك حقايقها لادراك عظمة الله وجلاله ونعمه وآلائه واسمائه وصفاته وتلك الاشياء لها حالات معاني وصور وجسم والبرزخ بين الصورة والجسم فالمرتبة الثانية فعلها ادراك المعاني الكلية للاشياء والنظر اليها بعين الوحدة مع كثرتها المعنوية على جهة اليقين بحيث لا يخالجها الشك والظن والتخمين والمرتبة الثالثة فعلها ادراك الصور المجردة النورية الذهنية المسمى بالعلم عند العلماء واما الحس المشترك فمعلوم ان فعلها الاشباح النورية البرزخية المتحققة بين عالم الحس والخيال وليس لهذه المراتب الغيبية فعل الا هذه العلوم المذكورة فهي الاسباب لايصالها علة الغائية ولا شك ان عالم الغيب اعلى واشرف من عالم الشهادة فالسبب الموصل لها الى ما خلق لاجله اعلى واشرف من السبب الموصل لعالم الشهادة الى ما خلق لاجله والذي ( لاجله الذي ظ ) هو الافعال البدنية وذلك بمقتضى الحكمة الالهية والفطرة الوجودية الظاهر المعلوم لمن له فكر وروية ويجيئ ان شاء الله زيادة توضيح لهذا المطلب وقد علمت ان السبب الموصل لاهل عالم الغيب الى ما خلق لاجله انما هو العلم على اختلاف مراتبه ودرجاته كما سيوضح لك عن قريب ان شاء الله فيجب ان يكون اشرف واعلى من السبب الموصل لاهل عالم الشهادة الذي هو الحركات والسكنات البدنية الجسمية بل العلم هو المهيج لهذه الافعال والاعمال والباعث لها والداعي اليها بحيث لولاه لم يكن للبدن فعل اصلا فصح ان المرقي للمكلفين الى مراتبهم العالية ودرجاتهم الرفيعة ومقاماتهم السنية انما هو العلم وهو الاصل لكل اختلاف فمن علم ومشى على وفق علمه ولم يكابره فقد تمسك بالاسباب وفاز الى ذلك الجناب وادرك كل الصواب ومن علم وكابر علمه ولم يمش على وفقه فقد هبط الى اسفل السافلين وتنزل في سجين ومن لم يعلم اما مطلقا فلم يحسن ايجاده او النظرية او الضرورية في بعض الاحوال فهو موكول امره ومرجو حكمه حتى يعلم والمتمسك بالاسباب يزيد درجته ومقامه ومرتبته حسب زيادة علمه ونقصانه وكماله وتمامه بل لا ترى احدا ازيد من الآخر درجة ولو شبرا الا وتريه ازيد منه علما بذلك القدر ومن العلم نشأ اختلاف الموجودات بالاجناس والانواع والفصول وبالانسانية والحيوانية والنباتية والجمادية والمعدنية وبالاستقامة والاعوجاج والحركة والسكون والحموضة والحلاوة والمرارة والصفاء والكدورة والقرب والبعد وحسن الخلقة وسوئها والطهارة والنجاسة والحرارة والبرودة والشرافة والدنائة وامثال ذلك من الاختلافات الكثيرة وكل ذلك حال العرض في التكليف الاول والثاني والثالث ولو اطلت الكلام في هذا المقام لادي الى ما لا ينبغي لانه كشف اسرار القدر واعلم ان الذي ذكرنا ان العلم اصل كل اختلاف وسبب كل هداية وضلال وعلة كل صحة واختلال ليس لان العلم له جهتان جهة يستدعي الخير والنور واخرى يستدعي الظلمة والشر كما هو المترائي من ظاهر الكلام بل هو خير محض للممكن ونور صرف وحاشا ان يستدعي هو في ذاته شيئا من الشرور والنقايص بل هذه الاختلافات انما نشأت بموافقته ومخالفته ومكابرته وعدم مكابرته فالشرور انما نشأت من مخالفته ومقابلته للمرآة السوداء والعوجاء والا فهو خير محض ونور بحت من حيث ذاته لانه سبب الوصول الى الله والجلوس معه على سرير الانس والاستقرار في محل القرب الا ان ضد كل شريف يكون في كمال الدنائة والشريف كل الشريف يكون رحمة لقوم وغضب لآخرين اماقرأت القرآن قوله تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا هل في القرآن نقص وقصور ابدا وقوله تعالى فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وقوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب المفسر السور برسول الله صلى الله عليه وآله والباب بعلي امير المؤمنين عليه السلام وامثال ذلك من الآيات والروايات المعضدة لما قلنا كثيرة جدا (ظ) حمل على هذا قولنا العلم سبب كل اختلاف كما ان عليا عليه السلام كان كذلك ولذا قال تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون المكني به ( علي ظ ) عليه السلام وقال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه عليه السلام ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا علي فتدبر ذلك وكن على بصيرة من امرك
ثم اعلم ان بعض الفضلاء ذكر في مقام فضيلة العلم وشرافته كلاما لا باس بذكره هنا قال في شرحه على اصول الكافي :
واما طريق العقل فاعلم ان العلم عبارة عن حضور الصور المجردة عن المواد والاجسام عند العقل ولا شك ان اشرف الممكنات واعلاها وانورها هو الموجود الذي لا تعلق له بالامور الجسمانية وايضا قد تقرر في علم النفس ان النفس في اول الفطرة امر بالقوة في باب العقل والمعقول كالهيولي التي لا صورة لها في ذاتها في باب الحس والمحسوس فاذا ادركت اوايل العلوم والضروريات حصل لها استعداد ادراك النظريات وصارت عقلا بالملكة ثم اذا تكررت (ظ) منه الافكار والانظار فصارت باشراف النور العقلي على ذاتها من المبدء الاعلى عقلا بالفعل وعاقلة ومعقولة فيصير وجودها وجودا آخر عقليا بعد ما كان وجودها وجودا حسيا حيوانيا فتكون احد سكان عالم الجبروت بعد ما كانت احد سكان العالم الادنى فاي فضيلة وكمال اشرف واعلى من فضيلة العلم وكماله الذي يجعل الاموات احياء والظلمات انوارا اعني الاموات بالقياس الى الحيوة العقلية واعني بالظلمات ظلمات الجهل والعمى
اقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان هذا الكلام ان قلنا بحقيته وسلمنا صحته لا يوصل الا الى عالم الصورة والظاهر الحاصل من دليل المجادلة بالتي هي احسن لكنا لا نسلمه ولانقبل صحته مطلقا فان قوله " العلم عبارة عن حضور الصورة " فيه ان العلم ليس منحصرا فيما ذكر وان اصطلحوا عليه فان كلام الله وكلام المعصوم عليهم السلام ليس جاريا على ما اصطلح عليه القوم من الطوائف المخصوصة من الحكماء المشائين ومن تبعهم بل كلامهم جار على الحقيقة والواقع والاعتبار يقتضي ذلك على العموم فاذن اين المعاني الكلية المجردة عن الصورة النفسية والمثالية والجسمية عن العلم مع ان مدركها العقل الذي هو اشرف من النفس المدرك للصورة كما اعترف واذا موهت بتنزيل المعالي الكلية الى الصورة بان الصورة اعم من ان تكون كلية او جزئية قلت هل للعقل ادراك ام لا فان قلت نعم قلت هل ادراك العقل بعينه هو ادراك النفس فان قلت نعم قلت اذن لا فرق بين العقل والنفس فان الاثر كاشف عن قوة المؤثر وضعفه ووحدته وكثرته فاذا كان الاثران متشابهان من كل الوجوه دل على اتحاد المؤثر وانت قد قلت بان العقل اشرف من النفس واعلى وهو من عالم الجبروت وهي من عالم الملكوت والفرق بينهما في القوة سبعون درجة فكلما كان اشرف واعلى جدير ان يكون اثره اعلى واشرف والنفس لا شك انها تدرك الصور فيجب ان يدرك العقل المعاني فادراكه احق بان يكون علما فلا اختصاص للعلم بالصورة المجردة فان ابيت ان يكون ادراك العقل المعاني مع انكم قد اعترفتم به في كتبكم وان المعاني تدركه القوة العاقلة وقلت من جهة ان المعاني فيها الصور النوعية المعنوية تدخل في ادراك النفس قلت لك اذن ليس للعقل ادراك ام له ادراك فان قلت بالاول فقد كذبت نفسك وكابرت وجدانك فان قلت بالثاني فلمنضايق عليك بالتعيين ويثبت المطلوب ويبطل قولك ان اردت حصر العلم فيما ذكرت او اردت حصر العلم الذي هو شريف فيما ذكرت فان قلت العقل الذي هو اشرف واعظم واعلى هو الذوات النورية والكلمات الالهية الموجودة في صقع الربوبية المعدودة من عالم القدم واما الذي في الانسان فليس الا مرتبة من مراتب النفس اذا ترقت كما هو المشهور المعروف عندهم قلت قد دل العقل والنقل والوجدان والمشاهدة وقام البرهان على بطلان هذا القول كما برهنا عليه غير مرة في ساير رسائلنا ومباحثاتنا وليس هذا مقام البرهان عليه لادائه الى الاطناب والتطويل ويخرجنا عما كنا فيه وايضا على هذا يلزم ان يكون العلم بالحقايق اللاهوتية المجردة عن المواد والصور والمدة الجبروتية والبرزخية والملكوتية النفسية والشبحية المقدارية والصورة الجسمية التي لا كيف لها ولا جهة ولا تدرك الا بعد كشف سبحات الجلال من غير اشارة التي هي محل المعارف الالهية والفيوضات الخاصة السبحانية خارجا عن العلم الشريف اذ ليس فيه صورة ضرورة وجوب تطابق العلم بالمعلوم وانطباقه عليه مع ان هو العلم حقيقة وغيره بالنسبة اليه جهل صرف وبالجملة ليس العلم مطلقا عبارة عما ذكر وان كان في بعض مراتبه عبارة عما ذكر اي العلم النفسي وان كان قد اشتهر به وورد في الاخبار تعبير عنه الا ان ذلك كله حسب مقدار المخاطبين من العوام اهل المجادلة بالتي هي احسن لوفورهم وكثرتهم واكثر احتجاجات الائمة عليهم السلام معهم لانهم يتكلمون مع الناس مقدار عقولهم كما لا يخفى على اولي النهيى وقوله « ولا شك ان اشرف الممكنات واعلاها وانورها هو الموجود الذي لا تعلق له بالامور الجسمانية » فيه انه ان اراد ان المجردات اشرف من الماديات فلا شك فيه ولا ريب يعتريه لكن هذا لا يدل على ان العلم اشرف كل كمال وجمال وبهاء في الممكن اذ قصاراه ان العلم الذي هو عبارة عن حصور الصور المجردة اه اشرف من الصور المقدارية والصور الجسمية وهذا ينال في المراد فان الكمال ليس في الاجسام ولا في الجسمانيات ولا فيها خير يعتني به ويعتمد عليه فالقول بان العلم اشرف من الاجسام في الحقيقة نقص له لمن يعقل ويفهم وليس هذا فضل له ولا شرف له كما قال الشاعر :
يقولون لي فضل عليا عليهما وكيف اقول الدر خير من الحصى
الم تر ان السيف يذري بحاله اذا قيل ان السيف خير من العصا
واما اذا ادعيت بان الصور المجردة احسن ما في الامكان فلا نسلمه ولانقبله ضرورة ان المعاني المجردة اعلى واشرف منها وكذا الحقيقة المطلقة اللطيفة الربانية آية الله ونوره وصفة معرفته المجردة عن المواد والصور مطلقا اشرف منها بل مقام العلم المصطلح آخر المراتب المجردة وادنى المقامات واول مقام دليل المجادلة وبعده عشرون مقاما كلها دركات الهالكين فيها ظلمات ورعد وبرق يجعلون اي الواقفون فيها اصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين بل المراد ان العلم اشرف من كل كمال وابهي من كل جمال بحيث لا كمال ولا جمال لاحد الا بعلمه والزيادة بالزيادة كما اشرنا سابقا وبرهنا عليه اشارة
قوله ( قد تقرر في علم النفس ان النفس في اول الفطرة امر بالقوة ) الى ان قال ( كالهيولي في باب الحس والمحسوس ) فيه انه لا اختصاص لهذه القوة الحاصلة للنفس في النطفة وقبلها من الاشجار والسحاب والماء والهواء والنار والافلاك وعند الملائكة المدبرات والمسخرات وبعدها من العلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم وتمام الخلقة واحوال الرضاع والفطم والصبي وغير ذلك من الاحوال بين النفس وساير المراتب الغيبية العالية مما قبلها من الحقيقة الوجودية اللطيفة الالهية الخلقية والعقل والروح ومما بعدها من الطبيعة والمادة والمثال فانها كانت موجودات غيبية اولية خلقها الله تعالى بلطيف صنعه وفعله فعلا اوليا في كمال الشعور والادراك والاختيار فهي كانت امورا فعلية متحققة وما كانت فيها من القوة من شيء نظرا الى قاعدتهم كما هي الحق من ان كل مجرد اشرف من المادي وكل شريف اقدم في الوجود من الوضيع بقاعدة امكان الاشرف ولا شك ان العقول والنفوس والارواح من المجردات فهي اقدم في الوجود من الماديات فاذن خلقها قبلها بل خلق الاجسام بها وهو سر ما ورد ان الارواح قد خلقت قبل الاجسام باربعة آلاف سنة ولما اراد الحق سبحانه بلطف صنعه ومقتضي حكمته ان ينزلها الى عالم الناسوت وحوزة الملك بهموت فلما تنزلت مايمكن ان يكون العالي ظاهرا بعد التنزل الى السافل حال التنزل وحيثيته فغابت الانوار كلها في المواد الجسمية والهيولي الثانية قبل ان يمتاز محال ظهورها كالارض للشمس والمرآة للصورة بل كلما كان اشرف كان ظهوره ابطأ لان غيبوبته وقوته كان اول واقدم وهذه الغيبوبة وعدم ظهور آثارها سموه بالقوة وقالوا جهلا بحقيقة الحال ان القوة مقدمة على الفعل وما بالقوة قبل ما بالفعل بل سهوا سهوا بينا وخبطوا خبط عشواء والحق ان ما بالفعل مقدم بالوجود على ما بالفعل ( بالقوة ظ ) وان كان ظهوره متأخر عنه وذلك لما قلنا واقمنا عليه الحجة بما قالوا بل الحصولي ايضا مقدمة على الصورة بالذات وان كانت متأخرة عنها في الظهور الا انهم لما اقتصروا على الظاهر والتفتوا الى ظاهر الحال وذهلوا عن الحقيقة وما التفتوا اليها تكلموا بالامور القشرية ولو كشفت لك حقيقة الامر لرأيت الحق ورأيت بطلان ما قالوا صريحا وان كان قد ظهر الامر في الحقايق الغيبية والذوات المجردة النورية ووجه تقدمها على قوتها وبطلان القول بالانحصار كما ادعى ادعاه المدعي وامر الهيولي وتقدمها محجوب (ظ) عليهم لقصورهم عن معرفة حقيقة الهيولي والصورة وسينكشف لك الامر في خلال الكلام بعون الله الملك العلام
قوله ( فصارت باشراق النور العقلي على ذاتها من مبدء الاعلى عقلا بالفعل وعاقلة ومعقولة فيصر وجودها وجودا آخر عقليا بعد ما كان وجودها وجودا حسيا حيوانيا ) فيه ان الشيء لا يجاوز محله ومقامه وما منا الا له مقام معلوم فلا يكون الجسم روحا ابدا ولا الروح جسما ابدا ولا العقل نفسا ابدا بل كل شيء في مقامه يحصل له الترقي في رتبته وقد اطلنا الكلام في هذا المقام في تفسير آية الكرسي فالنفس ان ترقت في الادراك فهو لاعتدال النسبة الانسانية والصدر الجسماني في النضج والصلاحية لا لنقص في ذاتها وان كان فيها نقص ليست كمالاتها فعلية لكنها بمعنى آخر كما ان الشمس اذا اشرقت على الحجرة الصماء لا تجد ظهورا لنورها فيها الا قليلا واذا اشرقت على الزجاجة كان ظهور نورها اكثر وازيد واذا اشرقت على البلور كان ظهور نورها فيها ضعف ما كان في الزجاجة بحيث يحرق ما يقابله وليس هذا التفاوت لاجل تفاوت في ذات الشمس بالنسبة الى اشراقها في الاشياء الثلاثة وان كان لها تفاوت في ازدياد النور ونقصانها بالنسبة الى ذاتها وذلك حكم ثاني وكذلك النفس بالنسبة الى البدن حرفا بحرف وان ترقت النفس في النورية وطلب الخير والاقبال الى الله فهو باعتبار اكتسابها من نور العقل واستمدادها من نوره واطاعتها له فتترقى الى النفس اللوامة بعد ما كانت امارة بالسوء ثم منها الى الملهمة ثم منها الى المطمئنة ثم منها الى الراضية ثم منها الى المرضية ثم منها الى الكاملة ثم تترقى في تلك المرتبة الى ما شاء الله حسب اعمالها من الادراكات الحقة والتصورات النورية فلا يخرج عن مقامها ابدا فان اردت ان تعرف صدق ما ذكرنا بعين اليقين فقابل مرآة الحكماء فان فيها تمام الامر ثم العقل ايضا يترقى الى مقاماتها الاربعة فلا يخرج عنها ابدا ولا يصل الى مقام الفؤاد نور الله الذي به يعرف والفؤاد وان ترقى بكل ما هو عليه فلا يصل الى مقامات المشية والارادة وهما وان ترقتا فلا يصلان الى مقام الذات سبحانه وتعالى ولعمري ان خروج الشيء عن مقامه ومرتبته كلام لا يتفوه به العاقل اللبيب وكل هذه الاغلاط والاشتباهات انما هو لاعراضهم عن ائمة الدين وعدم الاستضاءة من مشكوة اخبارهم وعدم الانتفاع بضياء آثارهم صلى الله عليهم
وبالجملة حق القول ان العلم اشرف كل كمال وابهى كل بهاء وجمال واعظم كل عظمة وجلال فلا فخر الا بالعلم ولا شرف لشيء من الاشياء لا الملائكة المقرب ولا النبي المرسل الا بالعلم فاذا كان شرف الشيء بالغير بحيث اذا اخذ منه ذلك الغير سلب الشرافة فذلك الغير اولى بالشرافة مما يتشرف به وهذا ظاهر معلوم ان شاء الله تعالى ومن هذه الجهة ورد في القرآن تعظيم العلم وتبجيله وشرفه في مواضع عديدة :
منها قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم فانه تعالى بدء بنفسه اولا وثنى بالملئكة وثلث باهل العلم وان كان المجموع ينبئ عن العلم لان الشهادة لا يكون الا بالعلم وناهيك بهذا شرفا وفضلا وجلالة
ومنها قوله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات اعلم ان الله تعالى ذكر الدرجات لاربعة اصناف : اولها للمؤمنين من اهل بدر في قوله تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم الى قوله تعالى لهم درجات عند ربهم والثانية للمجاهدين قال تعالى فضل الله المجاهدين باموالهم وانفسهم على القاعدين درجة والثالثة من عمل الصالحات قال تعالى من يات ربه مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى الرابعة للعلماء قال تعالى والذين اوتوا العلم درجات ولا ريب ان الدرجات ثلاثة يرجع الى العلم اذ لولاه لم يتحقق الايمان ولا المجاهدة ولا الاعمال الصالحة ولكن المراتب الثلاثة خصوصيات ما اطلق في الرابع فهو يشمل الجميع فتفهم وقد روي عن ابن عباس للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام وهو حق لا شك فيه وبيانه وبيان هذا التحديد الخاص يطول به الكلام
منها قوله تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون اعلم انه عز وجل قد فرق في كتابه بين امور واضدادها فرق بين الطيب والخبيث فقال هل يستوي الخبيث والطيب وفرق بين الاعمى والبصير قال تعالى هل يستوي الاعمى والبصير وفرق بين الجنة والنار قال تعالى لا يستوي اصحاب النار واصحاب الجنة وفرق بين النور والظلمة وبين الظل والحرور وبين الاحياء والاموات قال تعالى ما يستوي الاعمى والبصير ولا الظلمات والنور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الاحياء ولا الاموات ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور واذ تاملت وامعنت النظر وجدت كل ما جوز (ظ) من الفرق بين العلم والجهل اما بالحقيقة في الكل او على التشبيه والتمثيل في بعض والاول يطول بذكره الكلام تركته للاختصار وامتحانا لاذهان الاذكياء فاذن العلم هو اصل كل خير ومخالفه اصل كل شر
منها قوله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء اعلم ان الله تعالى وصف العلماء بمناقب عديدة بحيث كل واحد منها مستقلة في الايصال الى الحق سبحانه وهي التوحيد والشهادة والاقرار له بالوحدانية كما في قوله تعالى شهد الله الآية ووصفهم بالسجود على وجه التذلل والانكسار الذي هو احب احوال الخلق الى الحق وبالتصديق لوعده الذي هو علامة الرجال للخواص بالخشوع كما في قوله تعالى ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا تتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ووصفهم بالخشية كما في الآية انظر في هذه الخصال فصدق ما قلنا فانها كلها آثار العلم فاذن اين المؤثر في المقام
منها قوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
منها قوله تعالى قال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير
منها قوله تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون
منها قوله تعالى وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم على قرائة الوصل
منها قوله تعالى ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق
وامثالها من الآيات كثيرة جدا
واما الاحاديث والاخبار الدالة لهذا المطلب والمؤيد لها والمعضدة اياه فكثيرة :
منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي نوم العالم افضل من عبادة العابد يا علي ركعتان يصليهما العالم افضل من الف ركعة يصليها العابد يا علي لا فقر اشد من الجهل ولا عبادة مثل التفكر وعن الصادق عليه السلام اذا كان يوم القيمة جمع الله الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء وقال صلى الله عليه وآله العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا تزيده سرعة السير من الطريق الا بعدا وقال صلى الله عليه وآله الانبياء قادة والعلماء سادة ومجالستهم عبادة وقال صلى الله عليه وآله الا ان الله يحب بغاة العلم وقال صلى الله عليه وآله ان الله وملائكته واهل السموات والارض حتى النملة في جحرها والحوت في البحر ليصلون على معلم الناس بالخير وقال ايضا صلى الله عليه وآله اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث علم يتنفع به او صدقة جارية او ولد صالح يدعو له وقال صلى الله عليه وآله لا حسد الا في اثنين رجل آتاه الله الحكمة فهي يقضي بها ويعلمها الناس ورجل آتاه الله مالا فسلطه على انفاقه في الحق فهو ينفق منه سرا وجهرا ه وعن مولينا علي بن الحسين عليهما السلام قال لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج ان الله تبارك وتعالى اوحي الى دانيال ان امقت عبيدي الى الجاهل المستخف بحق اهل العلم التارك للاقتداء بهم وان احب عبيدي الى التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحكماء القابل عن الحكماء وعن ابي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الى الجنة وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم وما به وانه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على ساير النجوم ليلة البدر وان العلماء ورثة الانبياء ان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر ه وقال مولينا علي عليه السلام يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك وانت تحرس المال والعلم حاكم والمال محكوم عليه والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالانفاق وقال عليه السلام العالم افضل من الصائم القائم المجاهد واذا مات العالم ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها الا خلف مثله وقال ايضا نظما وقيل انه لابنه الحسين عليه السلام :
الناس من جهة التمثال اكفاء ابوهم آدم والام حواء
فان يكن لهم في علمهم شرف يفاخرون به لا الطين والماء
ما الفخر الا لاهل العلم انهم على الهدى لمن استهدى ادلاء
وقدر كل امرء ما كان يحسن هو الجاهلون لاهل العلم اعداء
ففز بعلم تحز طيب الحيوة به فالناس موتى واهل العلم احياء
قال بعض العلماء مناسبا لهذا المقام كلاما احب ان اذكره لما فيه من الفوائد وترغيب الطلاب وتحريصهم الى التشبث باذيال العلم والعلماء فانه ركن الدنيا والدين والآخرة والعقبى قال : ( ومن الدلائل على فضيلة العلم ان يوسف على نبينا وآله وعليه السلام مع ما له من الملك والمال والجاه وحسن الخلق والخلق ذكر منة الله على نفسه بالعلم حيث قال وعلمتني من تاويل الاحاديث فانت يا عالم اما تذكر نعمة الله عليك حيث جعلك من تاويل الاحاديث فضلا عن تفسير ظاهرها ومن العارفين اهل اسرار الحقيقة واليقين فضلا عن الواقفين على الظواهر والقشور من فروع الشريعة والدين وجعلك سميا لنفسه وهو العليم الحكيم وجعل شهادتك قرينا بشهادته وشهادة ملائكته في باب التوحيد حيث قال شهد الله انه لا اله الا هو الآية وجعلك وارثا لنبيه لقوله صلى الله عليه وآله العلماء ورثة الانبياء وداعيا لخلقه وسراجا لاهل بلاده ومنارا في عباده لقوله تعالى وجعلنا له نورا وقوله نورهم يسعي بين ايديهم وبايمانهم وقوله صلى الله عليه وآله فضل العالم على العبد كفضل القمر ليلة البدر على ساير الكواكب وشفيعا يوم القيمة لما روي عنه صلى الله عليه وآله تشفع يوم القيمة ثلثة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء وامينا في ارضه لقوله صلى الله عليه وآله العالم امين الله في الارض وسيدا وقائدا للخلق الى جنته وثوابه وزاجرا لهم عن ناره وعقابه كما قال صلى الله عليه وآله العلماء سادة والفقهاء قادة ومجالستهم عبادة وخليفة لنبيه صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله اللهم ارحم خلفائي فقيل يا رسول الله من خلفاؤك قال الذين ياتون من بعدي يروون حديثي وسنتي )
وبالجملة فضايل العلم وشرافته وعلوه والحكم المستدعية لايجاده واحداثه وامتنان الخلق به مما لا يمكن لامثالي من القاصرين فاكتفينا بالاشارة الى بعض الوجوه تنبها ( تنبيها ظ ) للغافلين وارشادا للمسترشدين والحمد لله رب العالمين
المطلب الثاني - في حقيقة العلم وذكر عوالمه السافلة والعالية وذكر مبدئه ومنتهاه اعلم ان المحجوبين عن مشاهدة نور اليقين والقاعدين عن انسلاك الطريق المورد على الماء المعين من حوض ولاية امير المؤمنين واولاده الطيبين الطاهرين عليهم سلام الله ابد الآبدين لما لم ينفتح ابصار قلوبهم لمشاهدة الحق المبين والوحدة السارية في الموجودات على جهة الاجمال والتبيين لتشتت اقوالهم حسب ما رأوا مما ظهر لهم من ذلك النور الالهي في مقاماتهم العلوية والسفلية فقال كل ما رآى حسب ما شاهد او من جهة شدة جلائه وظهوره قد اختفى وافتقد واختلفوا في العلم اختلافا شديدا مع ان الحق مع واحد منهم وهو كلهم من حيث اجمعهم فقيل انه حضور المعلوم عند العالم بعد ما انكروا الوجود الذهني وقيل هو حصول الصورة في الذهن فيكون على كلا القولين من مقولة الاضافة وقيل هو الصورة الحاصلة من الشيء في العقل وقيل كذا عند العقل فيكون على القولين من مقولة الكيف وقيل هو قبول النفس لانتقاش الصورة وهو المعنى الثاني للادراك على زعمهم فيكون العلم من مقولة الانفعال وقيل انه صفة توجب لمحلها تميز لا يحتمل النقيض ( وقيل ظ ) انه صفة ينجلي بها امر معنوي لمن قامت به وقيل هو نفس الانكشاف اي انكشاف معلومات للعالم وقيل هو عين المعلومات وامثال ذلك من الاقوال الكثيرة وارادوا في كل ذلك مبدء ما اشتق منه لفظ العام الموضوع للمفهوم الكلي اي قام به هذا المبدء صحيح الصدق على الواجب سبحانه وعلى الممكن ومن هذه الجهة وغيرها من الامور التي لا فائدة كثيرا في ذكرها فانقضوا كل هذه التعاريف واوردوا عليها ايرادات وابحاث واعتراضات بحيث ملئوا الدفاتر ولم يجدوا منها حاصلا ظاهرا ولو اردنا ان نبين ما تكلفوا من النقض والابرام لطال علينا الكلام ويخرجنا عن المرام والاختصار احب الى في كل مقام
فنقول ما تحقق عندنا في هذا المطلب وما ادركنا الذوق من هذا المشرب ان هذه التعاريف المذكورة والغير المذكورة انما هي عبارات نشأت من اختلاف مقامات العلماء في العلم فتكلم كل حسب مقامه ولما كانت المقامات الانسانية مضبوطة محدودة لا يبعد ان يقال ان مرجع كل هذه الكلمات الى شيء واحد وان لا اختلاف بينها باعتبار كل تعريف وبيان في مقام من المقامات ومرتبة من المراتب اذا جمعت الكل ورتبتها ينتج لك المطلوب وشرح ذلك وبيانه يطول الا اني اقتصر على الاشارة حسب ما يسعني من تأدية العبارة فنقول انا لما تأملنا وتدبرنا في انفسنا وجدنا ان المشاعر والمدارك التي للانسان كلها غير خالية عن حالتين :
الاول قدرة ذاتية وقوة غريزية (ظ) يقتدر بها وان كانت بنفسها عن ادراك ما يقابلها ويحاذيها اما من الامور المحسوسة في الحواس الخمسة الظاهرية او المعقولة فان السمع مثلا ليس الذي يدرك المسموع بحيث اذا فقد المسموع اقتضى صدق اسم ضده وهو الاصمية وكذا البصر والشم والذوق واللمس والا يلزم ان يصدق ضده ونقيضه عند عدم المقابل والضرورة قضت ببطلانه فيجب ان تكون تلك القدرة ذاتية لا فعلية اذ المفروض وجودها عند عدم الفعل فلك ان تقول ان تلك القوة وجودها مساوق لوجود ذلك المشعر والمدرك بل لك ان تقول انها هي ليست شيئا غيرها لكنها بنسبة مقامها فقوة العالي بحسبه والسافل بحسبه لئلايتوهم المخالف ليلومك (كذا) المؤالف فاذن قد يحجب لها مانع يمنعه عن ابراز ما في ضميره وذاته وقد لا يحجبها فيصل مبلغها وتحوم حول مركزها ولا تتعدي مجريها ولا تتجاوز مأواها فعلى الاول قد يمكنه ان يزول المانع وقد لا يمكنه بامور واسباب يطول بذكرها الكلام وسنذكرها ان شاء الله فيما ياتي فيما يناسب المقام ومعنى ذاتيتها ان الله تعالى لما خلق خلقه على هذه الفطرة والجبلة اظهارا لكمال النعمة واتماما لبلاغ الحجة ويجري هذا الحكم في المشاعر الغيبية كما يجري في الشهودية حرفا بحرف بل جريانه هنالك اظهر واوفق كما لا يخفى
الثانية ادراك ما يناسب تلك القوة فعلا على حسبها فالصورة في الصورية والمعنى في المعنوية والحقيقة في الحقيقية والمقدار في المقدارية والجسم في الجسمية ولا يتوهمن متوهم ان الاول الاولى كانت تلك القوة بالقوة والآن صارت بالفعل فليس هنا شيئان بل شيء واحد قوة وفعل لانا نقول ليس هنا قوة وفعل بل ذات وفعل لان ما بالقوة لا يكون كذلك الا لنقص في ذات الشيء من عدم النضج والاعتدال المناسب لذلك الذي صار بالقوة وهو يحتاج الى اصلاح ذلك الشيء شيئا فشيئا حتى يظهر المحل ويناسب ظهور ما بالقوة كمراتب الجنين من النطفة والعلقة والمضغة والعظام وتكسى لحما وانشاء الخلق الآخر اي الروح القديمة وهذا هو ما بالقوة الذي صار بالفعل على الظاهر واما ما كان ذاته كاملة تامة الاقتضاء للفعل اما منعه عن اظهار فعل عدم ما يتعلق فعله به او عدم شرائط ظهوره وعدم توفر اسباب بروزه حتى اذا ارتفعت ظهر فعله وقد صح ان رفع الموانع ليس من تتمة المقتضى وما هذا شانه لا يقال له انه كان بالقوة صار بالفعل فلو انفتح هذا الباب فيلزمك ان تقول كل مفعول بالنسبة الى كل فاعل انه كان بالقوة فصار فعليا وهذا من افحش الاغلاط فالفرق بين القوة والفعل والذات والفعل هو ما ذكرنا لك آنفا فان التزمت بهذا وسميت الكل باسم واحد فلا علينا كلام في خصوص التسمية بل في الحقيقة والواقع نفرق بين المعنيين يقينا وان اشركتهما في اسم واحد الحادا في الاسماء ومخالفة للعقلاء بل والفصحاء والبلغاء ولا شك ان ما نحن فيه ليس من القسم الاول بل من القسم الثاني لقضاء وجدان على الفرق اليقيني الواقعي فاذا صح هاتان الحالتان للمشاعر والمدارك الكلية والجزئية فلا علينا ان نطلق العلم على كل الادراكات بقول مطلق على الاجمال ونطلق العلم الذاتي على المرتبة الاولى لكونه عين ذات الشيء ولا يستدعي شيئا ولا يقتضيه غيرها لعدم صحة سلب الاسم عند عدم المقابل وعلى هذا يحمل ما ورد في الحديث كان ربنا عز وجل عالما والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ولما وجدت الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر فاشار الى المرتبة الاولى باثبات العلم ونفي المعلوم من انه هو الذات وهي لا تستدعي شيئا اصلا وذاتية هذا العلم في كل شيء بحسبه في كل محل بحسبه واثبات هذا المعنى لله سبحانه ايضا لا لجهة جامعة وحقيقة مشتركة بينه وبين عباده بل لان الخلق مثال معرفة الحق تعالى وآية توحيده وتفريده قد وصف الله تعالى نفسه لهم بهم على حسب اقتدارهم لملاحظة لا يكلف الله نفسا الا وسعها وان كل شيء لا يجاوز مبدئه وان الادوات انما تحد انفسها فافهم واتقن ونطلق على المرتبة الثانية العلم الفعلي لكونه لا يحصل الا عند فعل ذلك المشعر والمدرك وهذا لا ريب في اقتضائه المعلوم والمسموع والمبصر لان الفعل لا يكون الا بالمفعول يعني لا يظهر الا به لان قبول اثره معه هو المفعول واثره الاولي هو ركنه كما برهن في محله وهذه المرتبة جديرة ان يقال انها نسبي اضافي لا يتحقق بدون المعلوم بل هو مستفاد منه على ظاهر القول وهو الوقوع المشار اليه في الحديث المتقدم فاشار صلى الله عليه وآله الى العلمين اشارة واضحة وهذه التعاريف مما ذكرت ومما لم تذكر اغلبها واكثرها الا قليلها لمن اطلع على هذه الدقيقة الشريفة تجري على التقدير الثاني ولذا اشتهر عندهم ان العلم امر نسبي رابطي يحتاج الى المعلوم كما هو شأن النسبة مع النسبتين فاشكل عليهم الامر في علم الله سبحانه قبل الاشياء حتى اضطروا والتجأوا الى القول بالاعيان الثابتة للصور العلمية الازلية الابدية الغير المجعولة فكفروا من حيث لا يشعرون ويحسبون انهم يحسنون صنعا ولو كان لك بصر حديد وقلب قد القى السمع وهو شهيد يمكنك ان تصحح على هذا الاصل الاصيل الذي اصلنا لك وكل هذه التعاريف بالرد الى المرتبة الاولى والثانية وكل شيء في مقامه ثم لما كان نظرنا الى الحقايق والذوات والصفات والاضافات والنسب والاوضاع الحقيقية النفس الامرية وما اقتصرنا الى المدلولات اللفظية المختلفة والى الاصطلاحات الحديثة والقديمة والى التخصيصات والتعميمات المجازية والحقيقية من الاحكام اللفظية لانها مبعدة عن الوصول الى حقيقة الشيء كما هي على حسب الطاقة البشرية وحاجبة عن مشاهد انوار المعرفة الالهية فان الالفاظ لا توصل الا الى الرسوم والظواهر ولا توصل الى ادراك النور الباهر والدر الفاخر ولذا كان الوصف الحالي اعلى الاوصاف واشرفها واعزها وامنعها وادلها الى المراد واسدها للثبات والتثبيت على الطريق السداد والمنهج الرشاد ولذا بدء به الحق سبحانه اولا دون غيره وضرب الامثال وبين الاحوال وقال سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق في المبدء والمآل وكان الوصف المقالي اخفاها وادناها واقلها واكثرها ولذا قرنه تعالى بالوصف الحالي اكمالا للحق واتماما للحجة لا لاصل التعريف فانها حاصلة على وجه اكمل واتم اي التعريف الحالي واين الالفاظ من الايصال الى حقايق الاشياء وان اشتهر ان الالفاظ دوال وقوالب للمعاني نعم لكنها المستنبطة منها لا مطلقا وكيف المطالب العالية التي لا تتصور في النفس تتجسد في اللفظ فانت ان اقتصرت على القشور والظاهر والاختلاف وعدم الايتلاف فاصعد من اللفظ الى المعنى وان اردت الحق الواقع الثابت الواحد الغير المتعدد الممكن الحصول في حقك فاضرب عن الالفاظ صفحا واطو عنها كشحا وانظر في المعاني والحقايق الوجودية بعين الله الناظرة فادركها واتقنها باعانته تعالى وحسن توفيقه ثم انظر الى الالفاظ الموضوعة للمعاني على ما اشتهر بين اهل اللغة والعرف العام تجدها مطابقة موافقة صافية زاكية نقية عن الاوهام الفاسدة والآراء الكاسدة التي حدثت لاكثر اهل الاصطلاح والاحتمالات الجارية الواقعة في الالفاظ من جهة تكثر استعمالها في خلاف معانيها في بعضها مجازا وفي بعضها الحادا والا فالالفاظ مطابقة مع الذوات مناسبة معها بالمناسبة الذاتية لان وضعها الهي وجعلها رباني لا يتطرق اليها الفساد والاختلاف كما لا تتطرق في الذوات والكينونات وانما تطرق الفساد فيها دون الذوات كثيرا لالحاد الملحدين والجهل المركب والبسيط لبعض الضالين المضلين فاذا اردت ان تحصل الحق من الالفاظ المدونة في الدفاتر والكتب ماتكاد تجده لانك مايمكنك ان تخلص من كثرة ما يرد عليها من الشكوك والشبهات والايرادات فاذا جردت المطلب عن اللفظ ولاحظت المعنى كما ينبغي ح يظهر لك الحق القراح ويبزغ نور شمس الصلاح من افق النجاح ويسمع اذن قلبك منادي حي على الفلاح فان الديك قد صاح ونور الشمس قد لاح لكن هذه المعرفة دقيقة خفية جدا لا كل من رامها وجدها ولا كل من طلبها لحقها ووصل اليها الا من اكتحل عيناه بنور الولاية وتجرع من حوض النبوة بيد خاتم الولاية وبالجملة قد طال الكلام واخرجنا ظاهرا عن المقام فلنرجع ونقول انا نحب ان نشرح تينك الحرفين المتقدمين من ان العلم على قسمين علم ذاتي وعلم فِعلي فانه ماسبقنا ولله الحمد والشكر احد بهذا التعبير والتعميم على هذا الطريق من التحقيق وان كان استادنا الاعظم وملاذنا الاقدم اطال الله بقاه وجعلني من كل مكروه ومحذور فداه قد فتح هذا الباب في علم الله سبحانه وقسمه الى قسمين ذاتي وفعلي والناس من جهة عدم اشتهار هذا التقسيم عندهم وعدم استماعهم من اسلافهم استغربوا في العلم الفعلي في الله سبحانه وحصروه في الذاتي وما التفتوا الى ان ما يقول سلمه الله تعالى لا ينافي ما استقرت عليه عقايدهم لكني عممت الحكم في ذلك في كل علم من كل مشعر واجبت عن نقض الاجتماع والاشتراك بين الحق والخلق سابقا اشارة ولكنهم يستغربون اشد استغراب في ان العلم الذاتي كيف ينسب الى الخلق لان العلم عندهم هو الامر النسبي الغير المتحقق الا بالمعلوم وان علم المخلوق زائد على ذاته فيجب ان نبين هذا الكلام لينكشف اللثام عن وجه المرام ولا قوة الا بالله الملك العلام
فنقول قد قلنا انا لسنا بصدد الاصطلاح في هذا المقام وان نتكلم عليها فنريد بالعلم الفعلي الادراك الثابت على قول مطلق مجمل يصح صدقه على الادراكات الحسية الجسمية ومن الظاهرية كالادراك السمعي والبصري والشمي والذوقي واللمسي والادراكات الشبحية المقدارية الواقعة في بنطاسيا الحس المشترك والادراكات الصورية النفسية المجردة عن المواد الفلكية والعنصرية والادراكات الرقايقية الروحية البرزخية والادراكات المعنوية العقلية الجبروتية والادركات الحقية والحقيقية الفؤادية النورية ولانخص العلم في هذا المقام بادراك من الادراكات المفصلة المجملة المذكورة كما فعله غيرنا وعليه ايضا على الظاهر بل الواقع مدار اللغة فانهم يطلقون على من ادرك شيئا باي نوع من انواع الادركات المذكورة والغير المذكورة لفظ العالم سواء كان ادرك بالبصر او السمع او غيرها وانما قيدنا الادراك بالثابت لنخرج عن المقام عما ليس كذلك كالارتياب والوهم والوسوسة وحديث النفس والشك والظن على اقسامه من الاشعار والناظم بالعلم وغيرهما على ما سيجيئ تفصيله ان شاء الله تعالى فيما بعد
فاذا عرفت موضع البحث لانه المدار في انفسهم والتفهم فاعلم انه قد صح عندنا وعند المحققين من العقلاء دون المسفسطين المكابرين ان الطفرة في الوجود باطلة وان كل ما هو اقرب الى مبدئه اشد نورا واكثر تحققا واشرق بها من غيره وكل ما هو ابعد من مبدئه اضعف تحققا واخفي ظهورا وبروزا من ما هو اقرب منه ولا شك ولا شبهة على ما فصلنا واجملنا وحققنا سابقا ان العلم اشرف من كل شيء لانا نقصد به النور فنقول ان اول ما صدر عن الحق سبحانه هل هو منير او مظلم فان كان الثاني جاءت الطفرة وان يكون الاقرب الى المبدء اخس (ظ) مما هو ابعد منه وان كان الاول فهل هو بنور هو عين ذاته او خارجا عن ذاته فان كان الاول ثبت المطلوب وان كان الثاني فهذا الخارج الذي هو الذات هل هو نور او ليس بنور فان كان الاول فهو عين المدعي لاستغناء النور الذاتي عن الخارجي في اصل الذات والتحقق وان احتاج اليه في بعض من مكملات وجوده او متممات ظهوره وامثال ذلك فان كان الثاني هل هو مقدم على النور ام مؤخر عنه فان كان الاول جاءت الطفرة اذ ليس بين النور والظلمة منزلة فتعين الثاني وهو لا يخلو اما ان يكون حدود النور واعراضه وتعيناته وصوره ومكملات ظهوره ومتمماته فيكون الشيء بقول مطلق هو ذلك النور المخلوق الاول من الشيء وتعينات ذلك النور وحدوده اذ ما من المبدء ليس الا واحدا وهو قوله تعالى وما امرنا الا واحدة وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والتعدد انما هو من نفس المكون ولذا صلح للفاعلية ورجع ضمير الفاعل اليه فالمفعول هو فاعل فعل الفاعل ولذا نقول في كن فيكون ان ضمير الفاعل في فيكون راجع الى الشيء مع ان الشيء قبل كن ماكان شيئا على ما هو الحق من بطلان قدم الماهيات وعدم مجهولية الاعيان الثابتة فالمفعول مركب من امرين وهو الاثر الحاصل من الفعل ومن انفعال ذلك الاثر ولا شك ان الامرين متغايران اذ ما من الفاعل غير ما من المفعول لان ما من الفاعل ليس الا النور وما من المفعول ليس الا الظلمة فباجتماع هذين الضدين كان المخلوق وجاء الاختيار وبطل الاضطرار وصح التكليف فيكون ذات الشيء من نفسه المتاخر عن النور الذي هو ذاته من ربه ومبدئه قائما بالنور قيام ركن وعضد وتحقق او لا يكون كذلك بل يكون النور متقدما على ذات الشيء ومقوما لها وهي في مكانها كالفعل بالنسبة الى المفعول فتكون الذات قائمة بذلك النور قيام صدور كقيام الكتابة بحركة الكاتب وقيام الكلام بالمتكلم وقيام الظل بالشمس لا سبيل الى الثاني والا يلزم ان لا يدرك احد شيئا غير الظلمة ولا يصدر من احد خير ابدا لان كل شيء يحتاج الى مبدء فالظلمة الخارجة عن النور القائمة به قيام صدور لا يحصل منها النور لمكان التضاد الجاري في المخلوقين فاذا صح جريان هذا الحكم يثبت جريان آثاره والحق سبحانه هو الذي تفرد بعدم الضدية وخلق الخلق من الضدين بحكم وخلقنا من كل شيء زوجين للدلالة على هذه اللطيفة الدقيقة قال مولينا الرضا عليه السلام ان الله ماخلق فردا قائما بذاته للدلالة عليه فخلق الشيء وخلق ضده الحديث فاذا جرى هذا الحكم ساق التقدير على هذا التدبير والا فهو على كل شيء قدير ولذا ما يحصل من النار نظرا الى الاسباب التبريد ومن الماء التسخين ومن الليل الذي هو ظل الشمس نور وامثال ذلك مما اجرى الحق سبحانه وكتب بقلم الصنع والابداع الواح المخلوقات الموجودات فاذا راينا الشيء يصدر منه امران متضادان ومتعاكسان حكمنا وقطعنا بان فيه مبدءان بجهتان ( متخالفان ظ ) مبدء يصدر منه الحق ومبدء يصدر منه الباطل او غيرهما من انواع المتخالفين وهذا معلوم لمن له وجدان وعينان ولسان وشفتان وانما اجرينا خلاف الحكم المزبور في الواجب جل شانه خلافا للقوم حيث انهم لم يفرقوا بين الواجب والممكن في هذا الحكم ونحن قد خالفناهم للاصل المحقق الثابت عندنا ان حكم الوجوب بخلاف حكم الامكان ولا ندرك كيفية ذلك بوجه ابدا هذا المقام ليس محلا لاستقصاء هذا الكلام ان قلت ان قولك الظل انما وجد بالشمس والنور ايضا انما وجد بها مع ان الشمس ليس فيها جهة ظلمة ومبدء ظل فصح ان الشيء الواحد يصح ان يصدر منه امران متضادان كما وقع في الشمس ايضا صدر منها النور والظل المتضادان وليس فيها الا النور قلت ان الظل ماصدر من الشمس ابتداء وانما صدر منه بواسطة وهي الجدار الكثافة اي نفس النور (كذا) وتفصيل هذا الحرف سيجيئ ان شاء الله وبالجملة اذا قلنا ليس في المخلوق نور فهو كلام شعري سوفسطائي وان قلنا ان النور متأخر عن الظلمة مطلقا فكذلك ايضا فضلا عن ان نقول ان قوام النور بالظلمة وان قلنا ان النور والظلمة وجدا معا ليس بينهما تقدم وتأخر اصلا فهو وان لم يضر مطلوبنا الا انه باطل ايضا للزوم اتحاد مرتبتي الشريف والكثيف في الايجاد وان كانت المعية حاصلة في الظهور والبروز فلا محيص الا بالقول بان النور مقدم في الايجاد وهو اصل الشيء واول ما تعلق به الجعل الالهي النوري والظلمة المعبر عنها بالماهية هي اعراض ذلك النور وحدوده وتشخصاته والشيء الموجود هو المركب منهما فكل شيء له ثلاث حقايق حقيقة من ربه وهو النور الالهي الذي هو الاصل والمادة والاس والاسطقس وحقيقة من نفسه وهي الحدود المعينة لذلك النور في حد خاص وهي حقيقته لان حقيقته المختصة به انما تحققت بها فهي التي يكون بها الشيء هو هو فلذا سميت بالماهية لانه يجاب عن السؤال عن الشيء بما هو فافهم وحقيقة بين الحقيقتين وهي المجموع المركب منهما فصح لك ان اول ما خلق من الشيء هو النور وانه ذاتي للشيء وهو عين كل كمال ممكن في حقه اذ لا يتصور غير ذلك والا يلزم فساد الطفرة اذ لو قلت ان ذلك النور كامل بالكمال الزايد الخارج كما هو حكم المشتقات بالنسبة الى مباديها فاقول كما قلت اولا في النور والظلمة فان جوزت في نفسك ان يكون ما هو اقرب الى المبدء الكامل المفيض على الاطلاق التام الفيض الكامل الاعطاء ناقصا وما هو ابعد منه كاملا يمكنك فرض غير هذا فانه اذا خلق اولا فاما ان يخلق شيئا غاسقا مظلما معطلا عن جميع الكمالات ثم يخلق نورا آخر فيصفه به فيتحقق من اقترانهما الكامل او يخلق نورا كاملا يكون هو مبدء كل كمال لغيره وكاملية الغير انما هو بالاضافة اليه وكاملية نفسه انما هو بنفسه لا بشيء غيره او يخلق الشيء وكماله معا دفعة واحدة في رتبة واحدة والاول لا يصح للطفرة من وجهين من غير داع اليه ولا استلزام نقص والثالث لا يصح لعدم اجتماع الصفة والموصوف في رتبة واحدة والا لم تكن الصفة صفة ولا الموصوف موصوفا هذا خلف فيتعين الثاني ولا مانع منه مع ما فيه من احكام الصنع واتقان الحكم وجريان الايجاد على نظم واحد وطور غير متعدد وهذا الكلام انما اجريناه على طريق المجادلة بالتي هي احسن لكنك اذا امعنت النظر ودققت الفكر وحددت البصر رأيت ان العالي والسافل ليس حكمهما الى ما ذكرت لان السافل ان كان قائما بالعالي قيام صدور فنصيب السافل منه النقش الفهواني والنور الوصفاني وان كان قائما بنفس والعرق والفاضل والقطرة والشعاع وامثال ذلك من العبارات المتحدة المراد وان كان قائما بالعالي بمعنى التنزل والتعين فهو هو العالي مع كدورة وظلمة بحيث اذا تجرد عن هذه الكدورة يكون هو العالي في صفائه كالماء اذا تعين بالثلج فانه ليس الا الماء مع كدورة الانجماد الطارية للماء باعتبار العوارض الخارجية والا فالماء في ذاته مناقض لها لكونه الجسم البارد السيال واين السيلان من الانجماد فاذا اذهبت عنه هذه الكدورة الخارجية يكون هو الماء حقيقة كما كان اولا فالعالي الذي هو قريب المبدء سما الذي (كذا) لا اقرب منه اذا كان المبدء كاملا على الاطلاق ولم يتحقق في وجود العطية والفيض قبح اعظم من عدمه فيرتكب دفعا للاقبح نظرا الى الاسباب الظاهرية والا فهو سبحانه قادر على مملكته يعطي من يشاء بما يشاء كما يشاء ويمنع من يشاء بما يشاء كيف يشاء وجب اعطاء ذلك الفيض وذلك الكمال حيث ان افعال الحكيم يحمل على احسن ما يمكن بشرط ان يرتفع الموانع ولو فرضنا ايضا وجود المانع حسب ما ينقص من الاقرب ينقص عن الابعد بمرتبة او مرتبتين او بمراتب حسب بعده وقربه فلم يبق الا القول بان اول ما خلق في الشيء هو نور واحد وحقيقة واحدة بوحدته عين كل الكمالات المتصورة في حقه الممكنة في رتبته الا الكمالات التي لا دخل لها في رتبة الذات ابدا فهي تخص برتبة الفعل فذات الانسان مثلا اي لطيفته ولبه الذي خلق اولا قبل ساير مراتب وجوده التي تنزلت وتصعدت فحصلت هذه الامور المختلفة المتعددة المنشعبة الكثيرة ذو الشؤن والاحوال والحركات والسكنات التي (كذا) الى واحد غير الشؤن والافعال والحركات وذلك الامر الواحد الصادر من المبدء الواحد انما هو كل كمال وبهاء وجمال ونور وجلال بالنسبة اليه في رتبة مقامه وهو شيء واحد وامر واحد والكمالات متعددة بحسب المفاهيم الذهنية في اذهانها هي كلها عبارة عن تلك الذات لا ان الذات مركبة ملتئمة عن هذا المجموع حاشا وكلا بل هي في طرفة وحدته بنسبة مقامه يتعلق بالمتعلقات ويظهر في المرايا ويتجلي في المجالي فيظهر بكل تجل اسم من الاسماء مثلا لما ظهر في القوة التي في العينين سمي بالبصر وبالقوة التي في الاذن سمي ظهوره بالسمع وكذا في جميع البدن سمي باللمس وفي الانف سمي بالشم وفي الفم سمي بالذوق وكذلك في القوي الباطنية فليس في الذات امور عديدة في حقيقتها متمايزة تسمي بهذه الاسماء في الواقع وانما هي شيء واحد تختلف ظهوراته وتتعدد بروزاته
وما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
فاذن يصح لك ان تقول السمع هو البصر والقدرة هي العلم والحيوة هي القدرة والعلم هي الحيوة وامثال ذلك من العبارات ومرجع الكل الى واحد وهي آية الله سبحانه وتعالى فيك اريها اياك في نفسك فتبصرها وتفهمها فعلى هذا لو سميت هذا المذكور بالعلم الذاتي والقدرة الذاتية والسمع الذاتي والبصر الذاتي فلا عيب فيه ولا مانع منه اذ لا شك في عدم سلب هذه الاسماء حين فقدان متعلقاتها لو انحصرت فيما قالوا ولا شك ان الادراك فعلي لا يمكن الا عند وجود الطرفين المدرك والمدرك وبدونهما لا يكون ولا يتحقق فلا سبيل الا الى ما قلنا فالعلم الذاتي هو بمنزلة الشمس والسراج والفعلي هو بمنزلة اشراقهما وانوارهما وهذا الذي ذكرنا وان كان عند من يعرف الاشياء ولا يحجبها اختلاف الالفاظ والعبارات من الضروريات الا ان الذين اقتصروا على الظواهر وجمدوا على الالفاظ المختلفة من غير برهان باهر يشكل عليهم الاذعان بما قلنا على العموم لوجوه ثلثة : الاول ان المبدء لا شك انه غير المشتق فلو فرضت ان ذات الشيء وقواه المدركة هي نفس العلم يلزم اتحاد المبدء والمشتق وان لا يكون لفظ المشتق صادقا على الذاتي والفعلي بالاشتراك المعنوي بل اللفظي وهو باطل جدا والملازمة ظاهرة الثاني ان الفرق بين واجب الوجود وممكن الوجود ان الاول جميع كمالاته وصفاته عين ذاته ومن مقتضياته بخلاف الثاني فان كمالاته كلها زائدة على ذاته وليست غير ذاته فعلي ما قلت يلزم انقلاب الممكن بالواجب هذا خلف الثالث انه يختل على هذا توحيد الصفات لتحقق الصفة المختصة في الله من غيبة الصفات ومن ارجاعها الى الذات المنزهة عن كل النقايص والاعتبارات في الممكن المخلوق فاذن اين التوحيد
والجواب اما عن الاول اما اولا فغيرية المشتق للمبدء ان ارادوا مطلقا ولو بوجه ما والغيرية الاعتباري فهو مسلم والملازمة ممنوعة وان ارادوا بها الغيرية الحقيقية الواقعية فلانسلم مع انكم تقولون في علم الشيء بنفسه ان العالم والمعلوم والعلم هناك شيء واحد واما ثانيا فان هذه الالفاظ تعبيرات للتفهيم والتعريف اذ لا يعقل العوام بل الخواص غيره فلا تصل الى الحقيقة بهذه العبارات ابدا فمعني قولنا الذات عالمة ولا معلوم انها عالمة بعلم هو عين ذاته يعني ذات كاملة تصدر عنه الادراكات اذا شاءت كما شاءت فاذا كان ادراكاته المسماة بذلك الاسم فهي حرية ان تسمي بذلك منها لان الاثر لا يكون احق من مؤثره في الاسم ولا يكفيه الذات لانه اسم يعم الكل فان ابيت الا الجمود على الخلاف ومنعت الاسم لا ننازعك فيه بل المراد اثبات الحقيقة ولا ريب في وجود الحقيقتين الذاتية والفعلية فسمها بما شئت لكنك لو تاملت مجرى العرف واللغة تصدق بما قلنا الا ان كيفية الاستنباط دقيقة جدا فافهم واما القول باستلزام نفي الاشتراك المعنوي فنقول بموجبه على الحقيقة والواقع لان الحقيقة الواحدة لا يجمع بين الذات والفعل على القول بان الواضع هو الله سبحانه وكذا على القول بان الموضوع له هو الاعيان الخارجية لا المفاهيم الذهنية ولا الماهيات اللابشرطية الطبايع الكلية كما هو المعروف المشهور من المشهورات التي لا اصل لها وعلى الثانيين مع القول بان الواضع هو الحق مع ضعف المجموع وعدم الاعتماد عليها والاعتناء بها ان اغمضنا عن الحقيقة يمكن التكلف في الاشتراك المعنوي وذلك ايضا يتمشى فيما نحن فيه الا اني ما اقول به لاني لست وما انا من المتكلفين فافهم
واما عن الثاني فبانا لانقول بذاتية العلم والقدرة والسمع والبصر وامثالها انها من مقتضيات ذات الممكن المتاصلة بنفسه من غير اعتبار جعل جاعل وتاثير مؤثر فتكون ازلية وابدية حتى يلزم ما ذكر في الاعتراض بل نقول ان الجاعل الفاعل المؤثر انما جعلها كذلك فهي باقية حسب ما اقتضت مشيته سبحانه نعم انها ليست صفات تعرض الذات وتتصف الذات بها بعد ما كان فاقدا لها وغير موجود فيها بل الفاعل سبحانه وتعالى حين ما اوجد الذات اوجدها منيرة مضيئة نورانية كاملة بحسب ذاتها فاذا وجد المقابل القابل اشرق ذلك النور عليه باشراق حادث جديد خارج عن ذاته فاذا لم يكن المقابل او القابل لم يكن حيث لم يظهر نوره واشراقه لم يكن له نور واشراق وانما حدث نوره في نفسه عند وجود المقابل الا ترى الشمس فانها لا يقال وليس ان نورها وشروقها عرضي لها بمعني ان الشمس وجدت اولا ثم وجد نوره ثم اشرق بل النور في الشمس وكذا في السراج ذاتي لهما لا يوجدان الا كذلك الا ان اشراقهما الذي هو فعلهما حدث عند وجود القابل المتعلق به فليس حيث لم يظهر نورهما لعدم جسم كثيف لم يكن لهما نور فكذلك ايضا علمك اذا لم يكن هنا شيء يلتفت اليه او يكون شيء لكنك لا تلتفت ببصرك اليه فلم يظهر منك الابصار الذي هو فعلك فلا يقال لك اعمي وان اسند اليك عدم الابصار وكما هو الواقع فكذا الاسماع وغيرها وكذا الصور الذهنية فان كل ذلك علوم فعلية بمعزل عن العلوم الحقيقية الواقعية والنفي والاثبات انما يجريان على الفعل مع وجود الذات دون الذات مع وجودها والا يلزم سلب الشيء عن نفسه مع فرض وجوده وهو بديهي البطلان فالمراد بالذاتي في هذا المقام ما يقابل الفعلي لا ما يقابل الحدوث فالفرق واضح والانقلاب غير لازم
واما عن الثالث فبان هذا عين التوحيد الصفاتي اذ ليس الممكن الا عين صفات الحق سبحانه وآية توحيده ودليل تقديسه وتفريده وصف حالي وصف الله نفسه للخلق به وهو حقايقهم وذواتهم وهو قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وقال تعالى وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون قال النبي صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وبيان هذه الآيات وتفسيرها ووجه التمسك بها سيجيئ ان شاء الله تعالى وبالجملة ليس للممكن ذات حتى يكون له صفات يشابه صفات الحق سبحانه حتى يختل التوحيد الصفاتي بل ليس الممكن ذواتها وصفاتها وغيبها وشهادتها واعراضها وجواهرها الا صفة تعرف الحق سبحانه قد وصف نفسه لنا بها بنا كما ستعرف ان شاء الله فاين الاختلال في التوحيد قال عليه السلام :
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
وقال في الدعاء لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع صوت الا صوتك فافهم فهمك الله وايانا من مكنون العلم ومخزون السر بالنبي وآله الطاهرين
تنبيه اعلم ان المحدث والمصدر لم يزل يكون اكمل واشرف واشد وان كان من جهة الشرية والظلمانية فان مبدء الظلمة لا شك انه اشد ظلمة واقبح ذاتا من آثاره وافعاله وتنزلاته ولذا كان ابا الشرور فاذا صح هذا فنقول انه لا شك ولا ريب ان الادراك على جهة العموم فعل المدرك وهو النفس المشار اليها اليه (كذا) بآلاتها وقواها ومشاعرها ولا شك ايضا في شرافة العلم وفضله ومرتبته ومقداره فاذا كان ذلك المدرك اي الادراك هو المسمى بالعلم الشريف فيجب ان يكون المدرك بالكسر بآلاتها وقواها اجدر بذلك في اصل الحقيقة والا يلزم ان يكون الاثر اشرف من المؤثر وهو باطل قبيح وحيث لم يكن ذلك من سنخ الادراك سميناه بالعلم الذاتي فالعلم والعالم في ذلك المقام على حد سواء كما كان الوجود والموجود كذلك وبالجملة التعبير عن الذاتيات بالمشتق ليس الا للتعبير لاجل التفهيم والا فليس فيها الا شيء واحد وجهة واحدة عن (كذا) تعبر عنها بالمبتدء واخرى بالمشتق وهذا معلوم ان شاء الله فالعلم الذاتي عبارة عن النور الالهي الرباني والفيض السرمدي السبحاني القاه الله سبحانه في هويات اولي العلم بالظرفية والمظروفية التعبيرية للعناية الازلية لايصالهم الى الغاية الابدية والفيوضات السرمدية ففطرهم على ذلك كما فطرهم على التوحيد مع ان المفطورية بالتوحيد مسبوق بالمفطورية بالعلم اذ التوحيد صراط والعلم سراج وبهما حكم المساوقة او حكم العينية ولولا خوفي من فرعون وملائه لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ليقطع الزمان وينتهي بالدهر فيتصل بالسرمد لكن مولينا الصادق عليه السلام يقول ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله ه فاقتصر على التلويح والاشارة ليدركها من قطع مسافة العبارة
فاقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان هذا العلم الشريف والعلم المنيف والنور اللطيف لها مراتب كثيرة حسب تنزلاته الى المراتب السافلة حسب امتثاله لقوله تعالى اقبل وادبر فاول ما تنزل تنزل في الحدود المعنوية ولما وصل الى هذا المقام لم يسعه ادراك عالمه الاول الا بعد خلع هذا اللباس فمهما هو مقيد بهذا القيد فهو علم معنوي ونور كلي في حد ذاته بحسب تلك المرتبة من الحدود فلا يصدر منه في هذا المقام من الافعال الا الادراكات المعنوية فحسب فادركاته هي الامور الكلية وان كانت مجردة عن الصور الجزئية الا انها مقارنة بالصور الكلية والحدود المعنوية وعلى هذا في هذا المقام يحمل قول من فسر العلم بحصول الصورة المجردة او الصورة المجردة الحاصلة عند العقل ليشمل العقل نفسه عند ادراكاته للامور الكلية بتعميم الصورة بما يشمل المعنوية او في العقل فيراد به ما هو غير الخارج على تجوز فيشمل الادراكات التحتانية كلها من مدركات الوهم والخيال فيشمل هذا التعريف من العلم الفعلي العقلي الى الحس المشترك وهو صحيح في هذا المقام وليس بصحيح عند الحصر كما لا يخفى ثم تنزل من ذلك العالم وسافر الى الحدود الرقايقية وتعين بها وتلبس بلباسها فكان علما رقايقيا ونورا برزخيا وبدرا شعشعانيا وحيث لم يسعه الصعود الى عالميه الاولين مايصدر منه الا الادراكات البرزخية ليست في صرافة المعنوية ولا في كثافة الصورية بل برزخ بينهما يناسب المعنى بجهته العليا ويناسب الصورة الجزئية بجهته السفلي وذلك ادراك محقق مضبوط معبر الا انه لما لم يكن مستقلا بل هي حالة متوسطة بين المعنى والصورة ينتقل الذهن من المعنى الى الصورة ولم يلتفت اليه وان عبر منه ووقع في طريقه كما لا يلتفت الى الهواء المتوسط بين الرائي والمرئي وذلك لشدة لطافته وسرعة انتقال الذهن بقربه الى المبدء جدا واما اذا كانت الواسطة كثيفة غليظة لم ينفذه البصر الا بصعوبة ومشقة وبعد مدة قد يلتفت الى الواسطة ايضا لصعوبة العبور عنه كما كان في الحس المشترك كما سيظهر لك ان شاء الله ومن هذه الجهة ترى العلماء يذكرون الحس المشترك عند ذكر المدارك والادراكات ولا يذكرون ذلك النور المتوسط بين العقل والنفس مع اعترافهم بان كل اصلين لا بد بينهما من برزخ فافهم ثم تنزل من ذلك العالم وسافر بامر الله تبارك وتعالى الى الحدود الصورية الشخصية المتمايزة وتعين بها فكان نورا مجردا صوريا يدرك بفعل ذاته الصورة المجردة النورية عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وفعله في هذا المقام اذ لم يمكنه الصعود الى المقامات الاولية لاقترانه بحدوده وتقيده بقيوده الصورة المجردة المنتزعة عن الخارج واكثر التعاريف للعلم بل كلها انما هو لهذا المقام ولادراكاته لانه محل وقوف اكثر العلماء الا قليل منهم ممن ترقى وصعد الى المراتب الفوقية وقطع نظره عن الدركات التحتية فقولهم العلم هو قبول النفس لانتقاش الصورة او هو نفس الصورة الحاصلة في الذهن او هو صفة توجب لمحلها تميز لا يحتمل النقيض او هو صفة ينجلي بها امر معنوي لمن قامت به وامثالها من التعاريف انما هو له في هذا المقام في رتبة المخلوق وان امكن التكلف للتعميم الا انهم لا يريدون ذلك فمن تعدي بهذه التعاريف الى العلم الواجب فقد اخطأ الصواب او اراد تعريف العلم مطلقا فقد اخطأ ايضا لانه آخر مراتب المدارك الغيبية في القوس النزولي واولها في الصعودي واين العلوم التي فوقها في ساير المدارك الا انك تحصر الغيب في النفس خاصة ولا يسعك ذلك البراهين القطعية من العقلية والنقلية والشهودية والكشفية والوجدانية واين العلوم التي تحتها في الحواس الظاهرة وفي بنطاسيا الا انه قد جرت اصطلاحات العلماء في اطلاق لفظ العلم على هذه المرتبة وعليها وردت الاحاديث الكثيرة والآيات الظاهرة الدلالة حيث ان هذا المقام اول مقامات الغيبية وآخر الدرجات الشهودية فهو ليس غيبا صرفا لكونه على طبق الشهادة وصورتها وهيئتها من غير فرق ولا شهادة صرفة لكونه من عالم التجرد عن المواد العنصرية فليس هو غيب باطن بل هو غيب ظاهر وباطن الظاهر وعموم الناس مقامهم هذا المقام في الادراك وما اقتصروا على الادراك الحاصل من الحواس الظاهرة اذ كان يحصل لهم مقام فوق مقام الحس فلم يناسب حصر ما به شرفهم وفضلهم وترقيهم على الامور الحسية ولبيان ان الفخر والشرف في الاتصال بعالم الغيب ولذا جعلوا العلم اول عوالمها لما قلنا ولبيان ان الاشرف في الحس والجسم فكانهم ما عدوه شيئا واعرضوا ايضا عن الحس المشترك واذ كان له جهتان جهة الى الجسم وجهة الى النفس فبالاول تتبع الاول وبالثانية تتبع الثانية ولانه قد يخفى ادراكه عن كثير من الناس بل لا يدركه الا الاوحدي الذي يفرق بين الصورة والهيئة والمقدار واني للعوام ذلك وايضا ان البصر اوحدي الحواس الظاهرة اذا ادرك شيئا بالاحساس فما دام هو موجودا في عالم الحس يدركه الحس ويصور مقداره الحس المشترك فاذا غاب ذلك الشيء عن الحس يرتفع ادراك تلك الحاسة فتبقى صورته المنتزعة في الذهن فلا تزال تلك الصورة باقية بهيئتها وصورتها التي كانت في عالم الجسم فلو اقتصر على الحس وان كان الحس المشترك فلشدة تنقله وسيلانه كان يزول العلم دائما سيالا فلو جعل العلم الذي عليه المدار في التكاليف وامور المعاش والمعاد الذي يدركه الحس لاختلت عليهم الامور ولو جعل ايضا ما يدركه المراتب التي فوق النفس فكذلك ايضا اما اولا فمن جهة عدم وصول اكثر الناس اليها والتميز بين ادراكاتها ولم يحصل لعامة الناس ذلك فيشكل عليهم الامر في كل امورهم من احوال الدنيا والآخرة واما ثانيا فمن جهة ان الشيء اذا ادركه المراتب الفوقانية لم تدركه كما كان تدرك النفس من كونه مطابقا للظاهر الجسمي حرفا بحرف بحيث لا يتبين الفرق بوجه من الوجوه لان النفس شانه ادراك الصورة الجزئية بل انما تدركه حسب مقامها ومرتبتها فان الروح الذي هو فوق النفس وبرزخ بينها وبين العقل لا يدرك الا الصورة البرزخية الرقايقية والعقل لا يدرك الا المعنى الكلي الشامل لتلك الصورة وغيرها فلم يكن مطابقا للظاهر الجسم الحسي وان كان مطابقا الا انه لا كما يعرفه الناس فتختل عليهم الامور فمن هذه الجهة ترى الائمة سلام الله عليهم خصوا العلم بما تدركه النفس من الصورة الحاصلة فجعلوا هذا رتبة العوام واما غيرهم سلام الله عليهم فهم انما خصوا العلم بتلك المرتبة لعدم اطلاعهم على غيرها من المراتب ولكنه اذا ذكر العلم وحده في كلماتهم عليهم السلام يشمل الكل بقول مطلق كما سيظهر لك من ذكر الاخبار الدالة على ذلك واذا ذكر العلم واليقين والمعرفة يفرق بينها بما سنذكر مفصلا ان شاء الله واشرنا اليه آنفا فافهم راشدا موفقا ثم تنزل ذلك النور الالهي من عالم النفوس مقام النقوش الى الحدود المقدارية والصورة المثالية والهيئة الشبحية وتعين بها وتلبس بلباسها حتى كان علما مقداريا ونورا شبحيا مثاليا يصدر منه الادراكات المثالية المقدارية البرزخية بين النفس وبين الجسم بظهور ذلك في الحس المشترك ثم تنزل من ذلك العالم ممتثلا لقوله تعالى اقبل وادبر الى الحدود الجسمية والنقوش الرسمية وتعين بها وتنزل في مقامها فكان علما جسميا ونورا رسميا لكنه من جهة بعده من عالم النور ونأيه عن مقام السرور ضعف ضعفا شديدا يكاد يخفى لشدة ما ظهر فكان موته في حياته لكنه اول ما اتى الى العرش والكرسي كان نورا الا انه في العرش اخفى وفي الكرسي اظهر الى ان خرق الافلاك واتى الى العناصر بالاملاك الى ان اتى التراب فمات ودفن فيها في كل باب وغاب ادراكه وعدم احساسه الى ان ناداه الله سبحانه بنداء اقبل وادبر فاقبل الى الله سبحانه لا من طريقه الاول لان ذلك يفضي الى العدم فاقتضى السير دوريا والحركة وضعية ولذا كانت تلك الدورة احسن الدورات او الحركة الوضعية اشرف الحركات فلما كان في السير الصعودي يمر على مراتبها التحتية المتنزل اليها الى ان يصل الى مقامه لبطلان الطفرة كان اول ما يظهر من مراتبها الغيبية ومداركها الغير الظاهرة ما كان اسفلها وانزلها وادناها واخفاها واغلظها واكثفها فلذا كان اول ما يظهر منها الحدود الجسمية والنقوش الرسمية والقوى الجسدانية من الحواس الظاهرة والباطنة ثم ولجت فيه الروح النباتي الى ان كملت البنية واحكمت الصنعة ثم ظهر الروح الحيواني قبل ان يظهر العقل الالهي ولا شك ان النفس الحيوانية قبل اطاعتها من العقل وانقيادها لها هي خبيثة نجسة منتنة امارة بالسوء محلها الراس المنكوس من القلب على اذنه الشمالي الموكل عليه الشيطان المقيض ولذا كان فعلها الظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية على ما قال امير المؤمنين عليه السلام وذلك لاجل ان الشيطان يتمكن منها ويدعوها اليه وهي تجيبه فتستقر في القلب وتستخدم القوي والمشاعر وهي تخدمها وتطيعها فيتصل اليها من الابخرة الصاعدة من سجين اسفل السافلين فتنتقش فيها الصور الباطلة والادراكات الكاذبة والرسوم الغير النفس الامرية فلا خير فيها وفي ادراكاتها الا ان يعصمها الله تعالى برحمته اياها لسابق علمه بها فلما بلغ اشده واعتدلت بنيته وكمل نضجه واستوي استواء كاملا حقيقيا ظهر العقل في الجانب الايمن الاعلى من القلب في وجهه من الراس الذي على جهة العليين الموكل عليه الملك المؤيد وهو اذن فقير غريب مستوحش لا انيس له في هذه البلدة وقد استولت النفس الامارة على القلب وسخرت جميع القوي والمشاعر فيدعوها الى الحق ويامرها بالخير وينهاها عن الشر ويمنعها عن الاستيلاء فان اطاعته وانقادت له اول مرة فهي مطيعة مطمئنة يميل وجهها عن الراس المنكوس الى جهة السجين ويميل الى الوجه من العقل المستقر على الوجه من الراس المرفوع الى اعلى عليين فتكون طيبة طاهرة حاذقة مؤمنة مطمئنة وتدرك العلوم الحقة مما تنزل اليها من الخزائن العقلية فان لم تطعها وبقيت على استيلائها وخبثها وما امنت بالله سبحانه وتعالى فلا يبقى للعقل مقام وقوف ويهرب فيبقي الملك لها مستقلا فلا يزال وجهها على الراس المنكوس الى اسفل السافلين فلا يصعد اليها ولا ينطبع فيها الا الامور الباطلة والصور المعوجة الغير المستقيمة والادراكات الكاذبة وهي النكراء وهي الشيطنة واغلبها ليست بجهل مركب وانما هي انكار وجحود يعاند الحق مع علمه يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون هذا حال من لم يطع العقل بوجه واما النفس التي تميل اليه مرة وتعرض عنه اخرى فاذا مالت الى العقل فتتوجه بوجهها الى جهته فينعكس من ذلك النور فيها واذا مالت الى الراس المنكوس مطيعة للشيطان المقيض تنطبع من تلك الظلمة فيها وقد يتفق انها عكس ذلك النور المنعكس فيها من اعلى عليين فتحصل عندها صورتان متعارضتان تدور كل واحدة منهما الى وجه مركزهما والمركزان كرتان متعاكستان متقابلتا السطوح تدور احديهما على التوالي والاخرى على خلاف التوالي والصورتان لا تخلو اما ان يكون لاحديهما قرار دون الاخرى ام لا والاول لا يخلو اما ان تكون الصورة الثانية الغير المستقرة عنده باطلة عنده اصلا وراسا بحيث لا يلتفت اليها في اعتقاد حقيتها بوجه من الوجوه وان التفت اليها في محض تصورها وذكرها فهذه تسميى وسوسة وحديث النفس الا انهما من جهة الحق وهما عبارتان عن انطباع صورتين متعارضتين يقطع الشخص بحقية احديهما وبباطلية الاخرى فتسمى تلك الصورة الثانية الوسوسة وحديث النفس ونجوى الشيطان انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله او لا يكون كذلك وهو لا يخلو اما ان تكون الصورة الثانية لا تستقر ابدا حتى تلتفت النفس اليها بل انما هي كالبرق الخاطف تجيئ وتذهب والصورة المستقرة هي الثانية التي عليها العمل والثانية تنافيها لكنها لا تستقر ابدا تذكر وتذهب وهذه الصورة هي المسماة بالرتبة او لا يكون كذلك بل الصورة ثابتة غير ذاهبة بل باقية لكنها لا تعتقد حقيتها الا على جهة المرجوحية والاحتمال الضعيف فتسمى تلك الصورة المرجوحة اي ادراك النفس لها كذلك وهما وتلك الصورة القوية الراجحة اي ادراك النفس لها ظنا وتلك الصورة المظنونة بها تختلف في القوة والضعف والخفاء والبروز وكشف الغطاء ووجودها اولها الاشعار وآخرها المتاخم بالعلم والثاني لا يخلو اما ان يكون للصورتين المتعاكستين المتعارضتين قرار واستقلال وثبات عند النفس ام لا بل الاستقرار لهما جميعا بحيث يلتفت النفس الى احديهما وقبل استقرارها تنتقل الى الثانية ولا يزال يتردد بينهما فالاول محال لمكان اجتماع الضدين ولذا اشتهر عندهم كما هو الحق ان لا تعارض في القطعيات والعلميات والثاني هو الشك فهو عبارة عن تعاور وقوع النسبة وعدمه على التعاقب بحيث لا ترتسم صورة احد الطرفين حتى تدافعها الاخرى قبل استقرارها وذلك بسبب توجه الذهن الى كل واحد منهما على التعاقب من غير استقرار وقيل هو سلب الاعتقادين وهو باطل لان الاعتقاد لا يطلق الا على ما يستقر وهو منتف فيهما وسلب الاعتقادين هو الجهل البسيط والجاهل والغافل لا يقال لواحد منهما شاك كما هو الظاهر المعلوم ثم اعلم ان النفس ان كانت مقابلتها للراس المنكوس الى اسفل السافلين من القلب كلية دائمة بحيث استقرت وسكنت عندها واستقلت بها فاذا التفتت الى جهة العقل من الوجه الاعلى بالطبيعة والفطرة غفلة وذهولا يشرق من ذلك النور عليه كما هو شأن النور عند التقابل لكنه متزلزل ومضطرب حسب تزلزل المرآة واضطرابها بالنسبة الى ما يقابلها وان كانت بالنسبة الى غيرها ساكنة فمن جهة اضطراب ذلك النور وتزلزله وثبات تلك الظلمة واستقلالها واستقرارها تحدث الوسوسة والريبة والوهم والشك والظن من جانب الحق والنور حسب اضطراب ذلك النور والثابت المحقق عنده الباطل والظلمة اذ طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على ابصارهم غشاوة وهو النكراء والشيطنة وهذا لاهل الباطل من الكفار والمنافقين واعداء آل محمد سلام الله عليهم اجمعين فانهم يرون الباطل حقا فيعدون ما يتصورون من الصور الحقة والادراكات الصحيحة السليمة عن الاوهام الكدرة وسوسة وريبة وشكا حسب قوة تلك الصور وضعفها يرون اقبح ما ياتونه حسنا نستجير بالله من ذلك وان كانت النفس مطمئنة مؤمنة متوجهة الى الجهة العليا من العقل فهي تنتقش فيها من جهة العلو من العلوم الحقة والصور الصحيحة لكنه قد يتفق لها الالتفات الى الراس المنكوس للمناسبة العرضية باعتبار اللطخ والخلط والمزج العرضي فتنطبع فيها من ذلك الراس المنكوس صورا باطلة وادراكات كاذبة ظلمانية لكنها مضطربة غير ثابتة لكونها اي النفس مؤمنة طيبة معلمة مطيعة فالمستقر فيها هي الصور الحقة والعلوم الصحيحة فتحدث من ذلك الوسوسة والريب والشك والوهم والظن من جانب الباطل والظلمة الصرفة هذا هو الحكم الواقعي والمقابلة الحقيقية النفس الامرية وقد تحصل هذه المراتب بالمقابلة الغير الحقيقية وان كانت حقيقية عنده اذ لا يتصور الا عند صورة حاصلة ثابتة وصورة اخرى تدفع الاول عنده والدافع ليس الا ايجاب النفي او نفي الايجاب واما النفيان والايجابان وليس بينهما تدافع اصلا كما ان عندها صورة ثابتة او غير ثابتة ثم تجيئ اخرى غير دافعة لها فلا يصدق عليها شيء من اسماء هذه المراتب بل هي صورة اخرى ان كانت ثابتة فهي علم آخر وان لم تكن ثابتة ولا معارض لها فهي خطورات وبدوات تخطر وتبدء لكن هذا القسم مجرد الغرض والاعتبار غير ممكن الحصول اذ الصورة قبل ان تحدث في النفس ليست بشيء فبعد ما حصلت ان وجد لها معارض يعارضها او دافع يدفعها فلا يخلو من احد الاقسام المذكورة وان لم يكن لها معارض ولا دافع فهي ثابتة اذ لا تعني بالثابت الا المانع من النقيض سواء لم يكن اصلا لتكون السالبة بانتفاء الموضوع وان كان النفي فرع الاثبات لكنه يكفيه اثبات التصوري الاعتباري الغير النفس الامري كما تقول جاءني القوم الا زيد ولا اله الا الله او كان النقيض لكنه ممنوع ومدفوع وبالجملة لا تحصل هذه المراتب الا بين نفي واثبات وهو قد يكون حقيقيا واقعيا كما ذكرنا من مقابلة النفس للمرآتين وقد لا يكون كذلك وان كان بين النفي والاثبات عنده وهو لا يخلو عن صورتين لكون الصورتين المفروضتين ان كانتا متناقضتين بان يتصور اولا وقوع النسبة وثانيا لا وقوعها مطلقا اي الضد العام فهذا لا شك في كونهما حقيقيين ام لا بل يتصور الدافع في الاضداد الوجودية على زعمه وكثيرا ما يحصل الالتباس في معرفة التضاد في هذه الامور اذ قد تحصل عنده صورة ثابتة ثم ياتيه صورة اخرى وجودية يزعمها دافعة للصورة الاولى ومعارضة لها فتحدث عنده في زعمه احدي تلك الحالات المذكورة من الوسوسة والريبة واخواتها مع ان الامر ليس كذلك اذ قد تكون كلتا الصورتين في الواقع من المنطبعة من الراس المنكوس فاشتبه عليه الامر في احديهما لكون الباطل شبيها بالحق تشابها كليا بحسب الصورة والظاهر وان كانت بينهما مباينة كلية في الحقيقة والباطل كما في الوالدين في قوله تعالى ووصينا الانسان بوالديه احسانا فالانسان هو حسين بن علي سلام الله عليهما والوالدان هما رسول الله وامير المؤمنين عليهما السلام والصلوة ثم قال تعالى مستانفا وان جاهداك والمخاطب هو الشيعة الغير المعصومين لعدم صلاحية الخطاب للحسين عليه السلام والضمير في جاهداك يرجع الى الوالدين وليس هما المذكوران صلى الله عليهما بل هما الاول والثاني عليهما على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وامثال ذلك من تشابه الحق والباطل في القرآن كثير ويشهد به الوجدان ويدل عليه البرهان فاذا كان كذلك وهو في شدة التفاته الى الجهة السفلى وتنطبع في النفس صور خبيثة ومدركات كاذبة لكنه قد يلتفت الى الصورة وهو باطله في الحقيقة لكنها تشابه الحق مشابهة صورية وهو من جهة قلة تعمقه وتدبره يريها معارضة مع ان الامر ليس كذلك بل كلتا الصورتين صحيحتين وهو من جهة تشابه الحق والباطل وعدم توغله في المعرفة يرى الصورتين معارضتين وليس كذلك كما اذا تصور خباثة فلان وفلان وملعنتهما ثم تصور مخاطبة الحق لهما بالوالدين وبالانسان وبالشمس والقمر فيتوهم المعارضة ويتصور انهما لو كانا كذلك كيف يخاطبهما الله بهذه الخطابات الشريفة كما اتفق لكثير من ضعفاء الشيعة وان كان في الظاهر متوغلا في العلم وقد سئلني جماعة وكان فيهم من العلماء وقد كانوا متحيرين كمال التحير في الحديث الوارد في تفسير قوله تعالى والشمس والقمر بحسبان ان الشمس هو الاول والقمر هو الثاني وتوهموا انه كيف يكون ذلك وهما في اشد خبث وبينت لهم حقيقة الامر في ذلك وبالجملة ان امثال هذه المواضع هي التي برهان الشخص متعارضة ولا يعرف حقيقة الامر فيه فتدخل فيه الريبة ثم يتقوى فيصير شكا الى ان يصير ظنا الى ان يصير علما اي جهلا مركبا فينفد عليه دينه وامره بل يكفر في اكثر المواضع وهو قوله صلى الله عليه وآله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا فيجب على الانسان التثبت وعدم التعرض فيما لا يعنيه حتى ينجيه الله من هذه الورطة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة واكثر الشبهات والمعارضات الغير الاصلية والاختلافات الغير النفس الامرية انما تنشأ من عدم المعرفة والبصيرة في الاضداد الوجودية عند الشخص اي امور وجودية متحققة يحسبها الانسان اضدادا لما عنده من العلوم والصور الثابتة فيختلف وساتلو عليك ان شاء الله في باب المعارضات ووقوع الاختلافات من ذلك شطرا عظيما بعون الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ولا تظن ان هذه المراتب من الادراكات الغير الثابتة الغير المعتبرة هي ايضا على قسمين ذاتي وفعلي كما قلنا في العلم اذ ليس الامر فيها كذلك لكونها ليست امورا ثابتة واقعية وحاشا ربي ان يخلق الخلق ويفطرهم على الشك او الظن او غيرهما فانها مذمومة والعمل بمقتضاها قبيح قبحا لا ينكره احد من العقلاء بل انما هي امور حدثت عند اقتران الالتفاتين اما الى المرآتين في الحقيقة والواقع اي في زعمه ثم تعدم وتذهب وليست اصلية ذاتية تكون لها فعل كما كان العلم كذلك وهذان الالتفاتان على سبيل المزج انما حصلا في الارض اي في الجسد الظاهري مجمع البحرين وملتقى العالمين ومحل امتزاج المائين لا كان قبل ذلك حال نزول المسافر الى المراتب التحتية قبل ان يصل الى هذا العالم ولا يكون بعد ذلك حال صعوده الى المراتب العلوية فهذ الجسد وهذا العالم والنفس المقيدة به والملتفتة اليه هي مجمع المائين الماء العذب الفرات والماء المالح الاجاج وبعد الانخلاع عن هذا البدن اما بالمعرفة والموت الحقيقي الذي هو الحيوة الابدية واما بالموت الظاهري اي خلع الروح من هذا البدن العنصري يتميز الماءان باشد تمايز ولذا يتبين عند الموت الخير والشرير وكان متميزا سابقا السعيد سعيد في بطن امه والشقي شقي في بطن امه فافهم فانه من مكنون العلم ومخزون السر لا يهتدي اليه الا الاقلون ثم ان ذلك النور الالهي المتنزل الى المراتب السافلة للكمال والاستكمال والاكمال بعد صعوده الى آخر درجة الهبوط محل الاعراض والغرائب المانعة عن استقامته الحقيقية الظاهرة فيها الادراكات الغير الثابتة ولا القارة صعد الى المقام الاعلى بالنسبة الى هذا الادني مقام النفس في ذاتها من غير تعلقها الى الاجسام الدنية وميلها الى الشهوات الجسدانية وذلك عند اطاعتها وانقيادها للعقل او توغلها في المخالفة وافراطها في الكفران والمعصية حتى ترسخ في النكراء والشيطنة ويثبت عنده الباطل في البراهين القطعية المجتثة بحيث يقطع به ويسكن لديه الا ترى الى كثير من المنافقين وانكبابهم بالباطل واصرارهم عليه حيث قال الرازي في تفسير اهدنا الصراط المستقيم لا شك ان الصراط المستقيم صراط الصديقين ولا شك ان فلان رئيس الصدقين فالله تعالى امرنا بمتابعة فلان وقال في آية انما وليكم الله الآية مثل ذلك واورد خمس ايرادات على القول بان المراد بامير المؤمنين في الآية الشريفة هو علي عليه السلام وامثالهما كثير وامثاله غير عزيز فهذا هو التوغل في النكراء والشيطنة وهي تزيد وتقوى كعكسها الا انا نجري الكلام على الحق وانت قايس به الباطل بالمقايسة وانما ذكرنا ذلك تنبيها الى القاعدة وبالجملة اذا اطاع النفس العقل في ما امرها ونهاها وقبلت منه زالت التفاته عن الشهوات الجسدانية واللوازم البدنية فتلتفت الى صرافة عالمها والى صفائها وبهجتها ونورها وعدم كدورتها فتنطبع فيها الصورة كما هي في نفس الامر لعدم حاجب يحجبها ومانع يمنعها فتكون تلك الصورة ثابتة مانعة من النقيض وهو اول مرتبة العلم ولكن لما كان المنع من النقيض قد يكون مسببا عن ضعف النفس وعدم قوتها واقتدارها عن التصرفات او دفع النقوض والمحتملات كالبليد والغالب عليه الرطوبة الفضلية وكالعوام الذي ليس لهم قدم راسخ في معرفة الاشياء لعدم التفاتهم اليها وهؤلاء تحصل لهم الصور المانعة من النقيض لكنها كثيرا ما ليست بثابتة جازمة بحيث يرى الشيء كما هو في الخارج فيدفع جميع الشكوك والشبهات والمحتملات من النقوض والوجوه بل منعه من النقيض لعدم قدرة النفس عن الاتيات بمعارض لا انها كذلك في الواقع وقد عرفت ايضا منا آنفا ان القطع والتقليد ( اليقين ظ ) كما يكون من طرف الحق والنور يكون ايضا من جهة الباطل والظلمة اي التوغل في النكراء والشيطنة فتحصل في هذا المقام اي مقام العلم في وجود الصورة اربع مقامات حاصلة من ضرب اثنين في مثلهما لان تلك الصورة المانعة من النقيض لا يخلو اما ان يكون جازمة ثابتة قوية دافعة مع الالتفات لجميع ما يعارضها ام لا يكون كذلك بل منعها من النقيض لضعفها وعدم التفاتها الى ما يعارضها لعدم اقتدارها بحيث اذا نبهتها على المعارض قبلته وصدقته وتضعف تلك الصورة الاولي وكلا الامرين لا يخلو اما ان يكون مطابقة لما في الواقع ام لا تكون مطابقة فهيهنا اربع صور :
الاولى كونها ثابتة مطابقة للواقع ونفس الامر وهذا لجماعة اخذ ذلك النور العظيم الذي القي الله تعالى في هوياتهم في الصعود ووصل في صعوده الى مقام صرافة النفس المطمئنة وصفائها ونورها التي هي مرآة صافية طاهرة نقية تقابل الوجه الاعلى من القلب المستقر عليه العقل ولا شك ان ذلك الوجه يقابل جسمه جسم فلك الكرسي وروحه روح فلك الكرسي فتطبع فيها من الصور الموجودة في عليين المفاض عليه من العرش الذي هو سقف الجنة المفاض عليه من الله سبحانه فكانت تلك الصور ح هي الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها وفقنا الله واياكم لادراكها ابدا دائما وراسخا فيها فافهم
الثانية كونها مانعة من النقيض ثابتة جازمة غير مطابقة للواقع وهذه الجماعة غلبت واستولت ظلمة انياتهم المخلوقة لحفظ ذلك النور المقصود بالذات ولا تمام قابلية ظهوره فانعكس الامر وغلبت على ذلك النور بحيث عدم واضمحل ولم يبق لهم فيهم وجود الا مقدار حفظ تلك الظلمة فاخذت في الهبوط الذي هو صعوده الى المراتب الدنية والمقامات الباطلة السفلية الى ان اتصل بارض الممات ملتقي العالمين وبرزخ البحرين فناداها الله تعالى بالاقبال كما في النور فاخذ تهبط هبوطا متعاكسا حتى اتصل باول ابواب سجين اسفل السافلين فقابلته بالمرآة السوداء العوجاء لكنها الصافية النقية والمقابل هي الصور الباطلة المعوجة المغيرة فانظر ما ذا ترى من الصورة الحاصلة من هذه المقابلة هل فيها شائبة حقية وخير ابدا وتلك الصور انما افيضت الى النفس الامارة بالسوء من باطن الطمطام الذي تفاض عليه الصور من الثرى الذي مفاض ( يفاض ظ ) عليها من الجهل الكلي المقابل للعقل الكلي وهو معاند لله ومخالف له وتابع لهواه غير متعرض لرضاه فتكون تلك الصور هي الكلمة الخبيثة التي هي كالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار وهؤلاء كاهل الباطل من اهل الباطن والظاهر وسنفصل الامر ان شاء الله تعالى فيهم في مقام سر وقوع الاختلافات باعانة الله سبحانه وحسن توفيقه لانه لا حول ولا قوة الا بالله سبحانه
الثالثة كونها مانعة من النقيض لعدم التفات النفس الى معارضها وعدم القدرة اليها اما لاصل عدم النضج في البنية كما في الذين غلبت عليهم الرطوبة البلغمية لا الدموية فانها صالحة او لعوارض خارجية من عدم الممارسة وعدم الالتفات او من الصحبة او غيرها مما سنذكر ان شاء الله تعالى كالبليد والعوام فان تلك العوارض تحجب عن مقابل النفس لاعيان الخارجية فتنزع منها صورتها كما هي وان كانت مطيعة تابعة للعقل الا انها مريضة تحتاج الى معالجة قوية وياتي بيانها ان شاء الله تعالى كاهل التقليد من اهل الحق فانهم ياخذون عن من يعتمدون عليهم من اهل الحق ويعتقدونه ويبالغون في حقيته الا انهم في كثير من المواضع غير مستقلين ويزيل ثبات تلك الصورة بادني شبهة واعتراض اذا شكك المشكك واعترض المعترض فهذه الصورة المانعة من النقيض وان لم تكن جازمة لكنها مطابقة للواقع
الرابعة كونها مانعة من النقيض غير جازمة ولا مطابقة للواقع وهؤلاء الحمقاء والبلهاء والعوام والجهال من اهل التقليد من اهل الباطل وهم الذين قلوبهم ناشفة عطاشي لعدم ورودهم على حوض امير المؤمنين عليه السلام فرأوا تلك السراب يلوح كانه ماء فلجأوا اليه فماتوا عطشا وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا وذلك لانهم اعرضوا عن ذكر الرحمن ومن اعرض عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون حتى اذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب
وهذه الصور الاربعة لا شك ولا ريب انها انما حصلت بعد تحقق المنع من النقيض فلا يصح ان تدخلها في مراتب الشكوك والاوهام والظنون لعدم المنع من النقيض فيجب ان يكون من اقسام العلم ومراتبه ومما يطلق عليه لفظ العلم لانا نجدها ( نجد لها ظ ) مراتب فوق مراتب الظن وليس فوق الظن الا العلم فصح التصديق الا انها لما كانت اول مراتب العلم فهي مختلفة في القوة والضعف فاذن يجب ان يكون العلم هو الادراك الحاصل في الذهن المانع من النقيض الا اني ارى العلماء قد اطبقوا على الظاهر على ان العلم هو الثابت الجازم المطابق للواقع فاخرجوا بالجازم الظن وفوقه او تحته واخرجوا بالثابت علم المقلد كما فصلنا واخرجوا بالمطابق للواقع الجهل المركب لكني اسئلهم انهم هل ارادوا بالظن الصورة الغير الثابتة سواء احتمل النقيض بالاحتمال المرجوح ام لا يحتمل لكنها غير ثابتة ام ارادوا بالظن ما يحتمل النقيض بالاحتمال المرجوح فحسب وهل ارادوا بالواقع الواقع الحقيقي النفس الامري ام الواقع عنده في نفس الامر المطابق الحقيقي فان ارادوا بالظن المعنى الاول العام يمكن تصحيح كلامهم الثاني ان بالثابت يخرج علم المقلد لانه ظن في الحقيقة والا يبطل التقليد بالثابت لان علم المقلد من جهة انه ظن خرج بقيد الجازم فاذن هذا القيد لغو لكن على هذا لا يناسب قولهم الاول ان بقيد الجازم خرج الظن وغيره لانه ما خرج لبقاء علم المقلد المانع من النقيض الغير الثابت وهو ظن على ما زعموا لكن هذا المعنى للظن شيء ماسمع قط لاحد ولا يصح بوجه لانهم اجمعوا على ان الظن طرفه المقابل الوهم فكيف يجمع مع هذا المعنى ولعمري انه باطل جدا لا يحتاج الى البيان وان ارادوا بالظن المعنى الثاني المعروف المشهور كما هو الحق وارادوا بعلم المقلد هذا الظن المعروف فهو خارج بقيد الجازم فلا يحتاج الى التقليد بالثابت وكون هذا الظن مما يعتبر شرعا للعمل في الظاهر لا يؤثر في علميته فافهم وفي المطابقة ان اراد المطابقة الحقيقية النفس الامرية في حد العلم فهذا لا شك في بطلانه اذ هذا القطع لا يمكن لاحد الا للذي يحيط بالكل العالي الذي قام كل الوجوه به قيام صدور او قيام تحقق بالنسبة الى العلم مطلقا او العالي بالنسبة الى سافله فيعم علم الشخص بالنسبة الى آثاره وافعاله واما علمه بالنسبة الى غير افعاله من سائر العلوم من احوال عالم العلوي والسفلي والتكليف التكويني والتشريعي وامثال ذلك مما هو ليس بسافل بالنسبة الى العالم فكيف يمكنه القطع بالواقع الحقيقي كيف ولو كان الامر كذلك لا يمكن الاختلاف بين العلماء في العلوم القطعية مثل الاعتقادات وغيرها مع انه ما اتفق فيها اثنان والكل يدعي العلم وتقولون ان الكل اذا لم يقصروا فهم مثابون ومأجورون مع اختلافهم اذ ليس فوق القطع مقام او ليس وراء عبادان قرية ولو كان المناط والمدار في العلم هو تحصيل الامر الواقعي المطابق لما في نفس الامر بحسب الواقع الواحد الغير المتكثر والغير المتعدد فلم ينج من الخلق احد اذ لم يصب الواقع الا واحد هل ترخص لنفسك هذا التجويز ولعمري ان الخلق المكلفين بالعلم في امور معادهم ومعاشهم لو كان بمعنى الاصابة الواقعية النفس الامرية لكان تكليفا بما لا يطيقه الخلق اذ لا يسمع هذا الحكم الا الذي يرى الاشياء بعين المشاهدة العلية لا بالمقابلة المرآتية فانها قد تعوج المرآة فلم يكن الحكم واقعيا واني للانسان الضعيف هذا المقام الا بالنسبة الى آثاره وافعاله مع انا نري انه يختلف علم الشخص الواحد في حالين بالنفي والاثبات وهذا ظاهر معلوم لمن كان له قلب او القي السمع فهو شهيد فاذا بطل الاعتبار الواقعي الوجداني الغير المتعدد صح اعتبار المطابقة الواقعية عند العالم بمعنى ان العالم عنده هذه الصورة مطابقة للواقع بحيث لا يحتمل الخلاف عنده حال تصوره وعلمه وقد يزول هذه الصورة على هذه الكيفية في الوقت الآخر فالواقع المعتبر هو ان يعلم الشخص ان هذا هو الذي خلقه الله سبحانه وعنده ان كل من يخالفه فهو مخطي لا الواقع عند الكل لجواز ان يغير علمه بعد ساعة اخرى فاين الواقعي الحقيقي
فاذا عرفت هذا فاعلم انهم انما اعتبروا المطابقة ليخرجوا الجهل المركب فنقول لا يصح المطابقة الحقيقية والا لم يتحقق عالم الا نادرا في بعض المواضع السفلية بالنسبة الى آثاره وافعاله او ما تراه بالراي العين او بالمشاهدة العينية الكشفية وفيها ايضا ما فيها فيجب المطابقة الواقعية عند العالم فاذن اين الجهل المركب لان الجاهل بالجهل المركب ان كان يعلم ان ما عنده من الصورة بخلاف الواقع الحقيقية وان كانت من الواقع الخبيث المجتث فهذا ليس بجهل مركب وانما هو انكار وجحود لو قطع بحقية تلك الصورة الباطلة عنادا واستكبارا يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعتوا وان لم يقطع بها فهي احد الاقسام المذكورة ويشبه ان تكون وسوسة وان لم يعلم المطابقة بل يعلمها ويقطع بها ويدفع الصور الحاصلة في ذهنه بخلافها ويعارضها ويعلم ان هذا هو المطابق الواقعي الحقيقي ولم يخطر بباله المخالفة وعدم المطابقة وان لم يكن مطابقا في الحقيقة عند الله سبحانه لقصور العالم وعدم عصمته فمن زعم انها ح ليست بعلم بل هي جهل مركب فعليه البرهان ولا اظن يتفوه به من له وجدان فبعد ما بينت المخالفة فهي ليست بعلم اصلا فالجهل المركب لا يدخل في هذا العلم ابدا واصلا اذ قيل ان تتبين المخالفة فليس فيه شائبة جهل لمنعه عن النقيض وبعد ما تبينت فليست الصورة مانعة عن النقيض لوجود نقيض اقوى من الاولى بل الاولى بالنسبة الى الثانية وسوسة حقيقة وان كان يظهر الانكار للعناد والجحود فهو في الواقع لا يقول بها ولا يعتقدها وان لم يظهر ذلك والا للزم المحال فلا يدخل الجهل المركب في العلم اي الثابت الجازم اذ مع وجود المخالفة لم يبق للثبات والجزم مجال فلا يحتاج لاخراجه الى قيد آخر فثبت ان العلم في النفس ليس الا الصورة الحاصلة فيها المانعة عن النقيض فيدخل تلك المراتب الاربعة في العلم بحسب الحقيقة لكن بقي هنا شيء احب ان اوقفك عليه وهو ان الثابت والثبات في مقابلة المضطرب والاضطراب والجزم في مقابلة التزلزل والاضطراب والتزلزل لا تحصلان الا بوجود مخالف مدافع مصادم والا لم يكونا كذلك واذا حصل المعارض المدافع لم تكن الصورة الحاصلة مانعة عن النقيض فكيف يصح المنع عن النقيض بدون الثبات والجزم وكيف يدخل المراتب الثلثة في العلم اي في المنع عن النقيض وما البيان في ذلك فان الامر قد اضطرب اضطرابا حسب ما بينت وكذلك المطابقة للواقع فان عدم المطابقة مع المنع من النقيض من قبيل المتناقضين كما لا يخفى فيكون الثبات والجزم ومطابقته لما في نفس الامر بيان وشرح للمنع من النقيض فلا تكون الصورة مانعة من النقيض الا اذا كانت ثابتة جازمة مطابقة لما في نفس الامر فلا يكون الغير الثابت والغير المطابق داخلا في المانع من النقيض فلا يكون علما فصح ما ذهب اليه المشهور وبطل ما اوردت عليهم من الايراد والاعتراض والجواب انا ما اوردنا عليهم لو قالوا بعدم الفرق بين المانع من النقيض والثابت والجازم والمطابق للواقع بل لو قالوا ان كل عبارة من هذه العبارات الثلث شرح للاخري لم يتوجه عليهم هذا الذي ذكرنا الا انهم قالوا بالفرق فصح ما اوردنا عليهم لكن التحقيق ان يقال ان هنا مقامين مقام تلاحظ تلك الصورة عند الشخص والآخر تلاحظها في الواقع والمقام الثاني فيه مقامان الاول ان تلاحظ تلك الصورة بحسب الواقع مطلقا من غير اعتبار شيء آخر ابدا وفي هذا المقام لا تكون تلك الصورة خالية عن احد الامرين اما ان تكون مطابقة للواقع ام لا وبعبارة اخرى اما ان تكون موجودة في الخزينة العليا او تكون موجودة مجتثة في الخزينة السفلى وانحصر الامر فيهما ولا يتطرق احتمال الثبات وعدمه في الواقع الوجودي مطلقا فان المراد بالواقع ما خلق الله سبحانه سواء تصوره المتصور ام لا فاذن لا معنى للثبات وعدمه فيه الثاني ان تلاحظ في الواقع باعتبار حال الشخص العالم المتصور فانها ح تتصور فيها صورتان غير الاولتين فان تلك الصورة لا تخلو اما ان يكون شان المتصور ان يثبت عليها نظرا الى المقدمات والقياسات واذا التفت الى المخالف المدافع والمصادم حين ما وجدت وحصلت ام لا وبهذا ندفع ما عسى ان يتوهم ان علم العالم المجتهد الغير المقلد قد لا يثبت ويتغير فح يجب ان لا يكون علما حين كونه كذلك يعني قبل ان تتبين المخالفة اذ بعد تبينها ارتفع حكم العلم وكلتا الصورتين لا تخلوان عن المطابقة وعدمها فيتحقق الاربع الصور المذكورة فاذا تحقق لك هذين المقامين فاعلم ان الصورة اذا منعت عن النقيض عند الشخص فهي يجب ان تكون ثابتة عنده وجازمة لديه ومطابقة عنده للواقع اذ لو لم تكن جازمة ولا ثابتة ولا مطابقة لم تكن مانعة فان لاستلزام التزلزل والاضطراب مصادمة الصورة الاخرى كما لا يخفى على من راجع وجدانه فاذن ما قالوا ان العلم هو المانع عن النقيض الثابت الجازم المطابق المواقع ان ارادوا ما ذكرناه في المقام الاول صح ولا يكون الا هكذا لان مع وجود النقيض ليست الصورة الا احد الاقسام المذكورة التي اولها اي آخره الظن وآخرها اي اولها الوسوسة والريبة فلا يكون العلم الا اذا منعت النقيض عن التعارض بعدم النظر والالتفات اليها وهذا ظاهر معلوم رددت العبارة فيه لعدم التفات العلماء اليه ولئلا يصوب ( لئلايشوب ظ ) عليهم الامر اذا التفتوا اليه ثم اعلم يا اخي وفقك الله وايانا لكل ( خير ظ ) انك بعد ما حققت المقامات الاربعة في الصورة المانعة عن النقيض بالنظر الى الواقع مع ملاحظة حال الشخص وان كانت عنده ليست الا الثابتة الجازمة المطابقة للواقع كما علمت فاعلم ان اول الاقسام الاربعة وهي الصورة المانعة عن النقيض الثابتة الجازمة المطابقة للواقع الحاصلة من التفات النفس المطمئنة الى وجه العقلي من القلب المتوجه المقابل الى اعلى عليين بشرط استدامتها في ذلك المقام ورسوخها في ذلك المرام مع التفاتها الى جهات المعارضة وحيثيات المناقضة هي المسمى بعلم اليقين وهو اول مقام الترقي العلمي بعد تنزله فان الترقيات الاولية انما هي ليحصل العلم وكانت مراتبه نازلة عن العلم ودونه ولذا سميناها بالعوالم السافلة للعلم اذ نسبة العلم الى تلك المراتب نسبة الانسان من حيث جسمه وروحه المتعلقة به الملتفتة اليه الى الارضين السابعة السفلي وما تحتها من البحر العظيم والريح العقيم والعذاب الجحيم وكذا نسبة العلم الى المراتب العالية والمقامات الفوقية كما سنذكر ان شاء الله نسبة الانسان الكذائي الى السماء السابعة وفوقها من الكرسي والعرش والحجاب والستر فتحقق لك ان العلم في رتبة الصفات كالانسان في رتبة الذوات كما ان الانسان هي الجامعة للمراتب العالية والسافلة من حيث وحدته وهو الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر ولذا كان مظهر اسم الله الجامع ومربوب لذلك الاسم الشريف كذلك العلم هو الجامع للمراتب العالية والسافلة والمتوسطة بوحدته وشخصيته فلك ان تقول ان تلك المراتب هي العلم او مراتبه والمعنى واحد ولذا كان اشرف كل كمال واعلى كل جمال وابهى كل نور وجلال اذ ما من كمال الا وفيه منه اصل وما من بهاء الا وهو له فرع فهو ظاهر الولاية وباطنه ولذا لما انقسم الوجود والموجود وقع العلم في حصة مولينا امير المؤمنين عليه وعلى اخيه وزوجته وبنيه الصلوة والسلام وكان ذلك قسمته كما قال عليه السلام :
رضينا قسمة الجبار فينا لنا علم وللاعداء مال
فان المال يفني عن قريب وان العلم باق لا يزال
فعلم اليقين هو النفس او ما تدركه في رتبة مقامها بعد الانخلاع عن التعلقات البدنية والانزعاج عن الشهوات الجسمانية الجسدانية وانقيادها للعقل الكامل والتفاتها الى عالمها الاول وتوجهها الى الراس المرفوع من القلب الى اعلى عليين واعراضها كلية او اغلبية واكثرية عن الراس المنكوس الى اسفل السافلين فتنطبع فيها من الانوار الالهية الحقيقية المفاضة على العرش على جهة الوحدة والبساطة الواحدية لا الاحدية المفاضة منه على الكرسي على جهة الكثرة والجزئية والتصور بالصور الشخصية فالمنطبع في النفس ح هي الصور الحقة الشخصية الجزئية المتكثرة المتعددة من الانوار الالهية والحقايق اللاهوتية لكنها على نحو الكثرة المستلزمة للهيبة وظهور العظمة والجلال والقهر والغلبة لربنا الكريم المتعال ولذا كانت مورثة للخشية كما اخبر عنه الحق بقوله الحق بالحصر انما يخشى الله من عباده العلماء وقال السجاد عليه السلام لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم وقال مولينا الصادق عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف وانك لو تاملت علمت وجه حصر العلم في الخشية اذ بعد منع النقض لا يعتبر ولا يعتمد الا على ما هو الثابت الجازم المطابق للواقع ولا يكون كذلك الا اذا اتصلت النفس بالعقل وتكون اختا له وتبيض لونها بعد ما كان اسود حتى يكون كلون السماء ولا يكون كذلك الا بعد ما ظهر له من نور الكبرياء والجلال لمشاهدة تلك الصورة الحقة المنبئة عن عظمة الحق اذ لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نور فيرى مقهوريته ومغلوبية الكل مع كثرتها فيحصل له من تصور ذلك الخوف المستلزم للهرب وهو قوله عليه السلام ومن خاف هرب ومن هرب نجى والكلام في هذا المقام طويل وبالجملة ان مدعي العلم ان وجدت فيه الخشية بعلامة التي هي الهرب فهو ممن ادرك ظاهر العلم والحق والنور والا فان وجدت فيه الاهمال والكسالة وعدم الميل والرغبة وعدم التوغل في المخالفة فهو من العوام والمقلدين وان ادرك شيئا فانه لم يدركه كما هو الواقع عن بصيرة بحيث يقف على اليقين في مقام الظاهرة والصورة وان خالفه المخالف فهو والعوام على حد واحد الا ان عنده من الصور الغير الثابتة اكثر مما عند غيره من العوام وان وجدت فيه المخالفة والتوغل في المعصية وعدم المبالات بالشريعة المصطفوية على ما هو عليه عامة الشيعة من الفرقة المحقة الناجية فهو من الذين نكست رؤسهم عند ربهم فانطبعت فيها من الخزينة السفلى ما يعاند الاولى العليا ويضادها ويناقضها وتعرف ذلك من علمه الا ان معرفة ذلك وتميزه ومعرفة مراتبه ومقاماته (كذا) اذ ليس الكل من اهل هذا المقام على نهج واحد وطور غير متعدد بل هنا مراتب كثيرة ولكل مرتبة اهل :
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
وسنشرحه ان شاء الله تعالى في احدى الفوائد والحاصل ان المراتب الاربعة المذكورة في مقام العلم في الصدر احدها مرتبة علم اليقين والاخرى يقابلها تقابل التضاد وهي في اسفل السافلين كما ان الاولى في اعلى عليين واطلاق العلم عليها من جهة الضدية اذ من المناسبات مناسبة التضاد كما ان الشمس تطلق على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله والقمر في القران على علي بن ابيطالب امير المؤمنين صلوات الله عليهما ابد الآبدين وكذلك الشمس تطلق على اول المنافقين وصدرهم وفخرهم وسيدهم ابي الشرور عليه لعنة الله ما مر الدهور والقمر يطلق على ثانيهم ومظهر القبايح والمفاسد في قوله تعالى الشمس والقمر بحسبان وحسبان دركة من دركات النيران بشهادة القرآن وامثال ذلك من الالفاظ التي تطلق على الشيء وضده وكذلك العلم اذا اطلق على الصورة الحاصلة الثابتة الجازمة الغير المطابقة للواقع والعلماء يسمونه بالجهل المركب والصورتان الاخريتان مقام المستضعفين من الطرفين فلا يحكم عليهم الا بما عندهم معاذ الله ان ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلا يعد الانسان عالما معتمدا عليه معتبرا علمه الا اذا بلغ مقام علم اليقين وهو كما قلنا عبارة عن الصورة الموصوفة وقبل ذلك فلا يعد عالما ولذا قال الحق سبحانه كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم وهذا اليقين والثبات الجازم المطابق انما هو في الصورة فقط والا فهو في المعنى الوحداني الواقعي الكلي الشامل الجامع لتلك الصورة وغيرها بمعزل عن الوصول اليه والادراك له اذ بعد ما قطع مسافة ذلك العالم وما وصل اليه وان كان يدرك من تلك الصورة معنى الا ان ذلك ليس ما نحن بصدد بيانه بل هو المتنزل الى تلك الصورة والمتقيد بها واين هو مما اردنا من الوحدة الكلية لا الحقيقية ثم ان هذا المقام اي مقام علم اليقين وان كان مقام الظاهر والصورة الحقة الواقعية الا ان له مقامات كثيرة ودرجات عديدة حيث ان الصور الحقة مختلفة بعضها اعلى واشرف من الآخر كما ترى الاختلاف في الاجسام بعد اجتماع الكل في رتبة الجسمية وكذا الامر في الصور المنتزعة عنها اذ النفس مرآة تنطبع فيها صورة ما يحاذيها ويقابلها فالانتقاش اما ان يكون بحسب المقابل كما يكون بحسب المرآة ولا شك ان الصورة المنطبعة من العالي اشرف واعلى واغمض وادق واوسع وازيد من الصورة المنطبعة من السافل ولما كانت المراتب المختلفة بالعلو والسفل كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت تجمعها مراتب ثلثة العالي الذي ليس فوقه في تلك الرتبة والسافل الذي ليس دونه فيها والمتوسطات كما تشاهد في الاجسام فانها مع كثرتها ووفورها غير خالية عن هذه المراتب الثلثة اذ اعلى مراتبها الافلاك وادنى مراتبها المتولدات من حيث هي اي الارض وبينهما المتوسطات كالعناصر كانت مراتب العلم اليقين ايضا على ثلثة وقد اخبر الحق سبحانه عنها بقوله الحق ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين ولا شك ان هذه المراتب انما هي مراتب ظاهر الجلد الذي هو علم الظاهر ولما كانت مراتب العلم مختلفة كانت محاله ومواقعه ايضا كذلك اذ الشيء الواحد من حيث وحدته لم يختلف آثاره وذلك اما بآلاته التي ياخذها عضدا لآثاره وافعاله او بجهاته في ذاته والثاني في هذا المقام لا يخلو عن تكلف بل تعسف فيثبت الاول فللنفس آلات وهي المسماة عند القوم بالقوى الباطنية تدرك المراتب السافلة عن الصور المنطبعة المنتزعة عن الخارج بها وهي تختلف بعضها يدرك القشر المحض والظاهر الخالص اي ظاهر الظاهر والآخر يدرك اللب من القشر كالصوف والآخر الثالث يدرك لب اللب من القشر وهو النفس في ذاتها وجوهرها وحقيقتها وكل تلك مراتب الصورة وعلم الظاهر وتسميتها باللب والقشر اضافي فتفطن لادراك هذه الامور واحفظها واستعد لفهمها فان هنا مقامات اخر وتفاصيل يطول الكلام بذكرها ولذا تركناها ولكنا ربما القينا اليك من هذا الباب زيادة على ما ذكرنا في بيان اقسام العلم وسر اختلافها وتشتتها بعون الله تعالى وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
اعلم ان الشخص مهما هو يلتفت الى الجسد والبدن لا يتعدى ادراكه عن عالم الحس والظاهر ولا يعرف الا ما عرفه بالحواس الظاهرة الحسية فينكر الذي لا يدرك بالحواس الجسمية كما كان كثير من الكفار والمنافقين والزنادقة والدهرية على هذه الطريقة وحديث الاهليلجية لمولينا الصادق عليه السلام اكثره لاثبات هذا المدعي من ان الشيء اعم من ان يكون مدركا بالحواس الظاهرة او الباطنة وذلك لشدة التفاتهم وركونهم الى عالم الحس والجسم بحيث نسوا بالكلية مراتبه الاخرى فاذا التفت الى النفس من جهة العقل واعرض عن النفس الملتفتة الى الجسم يضعف هذا الحجاب الذي كان معدن الظنون والشكوك والوساوس وغيرها ويرق ويلطف حتى يتبين ظهور النفس من ورائها فاذا اشتغل بها والتفت اليها واستقر فيها ورسخ وتمكن منها حصل له مقام علم اليقين وذلك انما كان لشدة التفات الشخص الى النفس وان كان من جهة العقل فاذا قطع نظره عنها والتفت الى العقل وترك ما تقتضيه النفس من الصور والهيئات والكثرات وتوجه الى العقل التفاتا كليا وتوجها اصليا يضعف هذا الحجاب ويرق ويلطف حتى تشبه العقل قال الله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين وقال الشاعر ولنعم ما قال :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشاكلا فتشابه الامر
فكانما خمر ولا قدح وكانما قدح ولا خمر
فاذن يظهر سلطان جبروت العقل بعد مضي جنود النفس ويلوح نوره من افق القلب بعد ذهاب ظلمة الكثرات النفسانية فيشرق في القلب ويملأ بنوره جميع فضائه ويذهب باشراقه كالظلمات من الظنون والشكوك وامثالهما فان الظنون والشكوك لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنايح والمنن فيحصل له علم اوسع من الاول ويتحقق لديه ادراك اشمل فيملأ في قلبه نور اليقين لانه ح يدرك معاني الاشياء على جهة العموم والكلية والانبساط فاذا عرفها من حيث انفسها وحققها ورسخ فيها عرف شيئا واحدا بهذه المثابة فلا يزول علمه بها وان تبدلت عليه الصور واختلفت الجهات والحيثيات والاضافات فانه يعرفه مع كل صورة وبكل اعتبار وجهة وحيثية بل يعرف امورا كثيرة ايضا بتلك المعرفة الاولية لتلك الصور المبتذلة المعتورة عليه التي هي حصة من ذلك المعنى وافراد وتعينات له فاذا عرف ذلك حق معرفته فيعرف بها جميع افراده واجزائه وجزئياته وظهوراته وتطوراته وافعاله في نفسه وافعاله من حيث تعيناته وتشخصاته فيتسع علمه وينفتح قلبه فيشاهد الامور الغيبية التي هي عبارة عن ظهورات الشيء الواحد وتطوراته واليه اشار مولينا رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور من عند الله يقذفه في قلب من يحب فينفتح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ه انظر الى قوله صلى الله عليه وآله في العلامة فانه صريح فيما ذكرنا من تحقق مبدء هذا العلم وكذا قوله صلى الله عليه وآله فينفتح واي انفتاح واتساع اكثر من ذلك فانه يدرك بشيء واحد امورا عديدة بل غير عديدة غير متناهية وهذا العلم الكلي والنور الالهي الذي مقره القلب اي العقل هو المسمى بعين اليقين وهو البيت الذي يأوي اليه الشخص في معرفة العلوم المشار اليها في تاويل قوله تعالى واوحى ربك الى النحل وهم آل محمد سلام الله عليهم اجمعين ان اتخذي من الجبال اي الاجسام الظاهرة مقر الارواح الغيبية او العجم لكونه مطارح اشعة العرب كالاجسام كما هو شان السافل بالنسبة الى العالي بيوتا اي اتخذي من احوالهم واوضاعهم وظواهرهم اي ادرك منها قواعد كلية ومعاني الهية حقية مما يجمع كل تلك الاحوال بجامع واحد فان الامور المتباينة المختلفة مع تباينها واختلافها وعدم ايتلافها يجمعها شيء واحد بسيط وكل هذه الامور المتباينة المتضادة لو تأملتها بالتامل الصادق وجدتها احوال ذلك الشيء الواحد واعراضه واجزائه (ظ) وجزئياته وشئوناته وتطوراته وظهوراته ومكملات وجوده وظهوره ومتمماته كذلك وشرائطه وعلله واسبابه وظواهره وبواطنه وبالجملة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وذلك الشيء الواحد هو البيت الذي يسع كل تلك الامور وتأوى اليه لادراكها فاذا دخلت البيت تطلع على جميع ما فيه لان اهل البيت ادري بالذي فيه ثم قال تعالى ومن الشجر اي من النفوس والارواح المتعلقة بالابدان والمنقطعة عنها المتعلقة بعالم القدس او العرب على ما فسر في الحديث الذي رواه علي بن ابراهيم ومما يعرشون اي من الارتباطات البرزخية بين الجبال والشجر الصور المقدارية والهيئات المثالية او الاعم ليشمل الارتباطات الرقايقية ثم كلي من كل الثمرات وهو استنباط تلك الافراد والجزئيات من ذلك المعنى الواحد الكلي اما بضم صغرى سهلة الحصول اليه لينتج لك الامر بالبداهة كما اذا عرفت الانسان من حيث هو وعرفت انه حيوان ناطق وعرفت الحيوان الناطق فتجعله كبرى كلية وتقول كل انسان حيوان ناطق فاذا اردت استنباط الجزئيات منها فانظر فيها فان وجدت ذلك المعنى فيها فاجعلها صغرى فقل هذا حيوان ناطق وضمها الى الكبرى وقل كل حيوان ناطق انسان فهذا انسان وهكذا تتصرف في جميع جزئياته ذلك (كذا) وافراده فمعرفة تلك الحقيقة الجامعة واستخراج جميع اطوارها منها هو عين اليقين فتلك الحقيقة الجامعة من الابواب التي تنفتح منها الف باب من العلم وكل معنى باب من الابواب لكونه شيء واحد منطو فيه الكثرات وصالح لقبولها كالمداد فانه معنى الحروف ولب الهيئات والحدود وليس فيه في ظاهر الحال شيء من تلك الا انه صالح لها ومندمج تلك الكثرات في وحدته وثابتة فيه ثبوتا ذكريا لكنها معدومة العين فاذا تصور بالصور المختلفة والهيئات المشتتة ترى ظهور المداد في كل تلك بل لا تريها شيئا الا بالمداد بل لا ترى شيئا الا المداد فيتسع علمك وينفتح فهمك وقلبك لمشاهدة تلك الامور الغائبة في ذلك المعنى كالمداد مثلا فانت لا تزال فيه على يقين وبصيرة بل تزداد بصيرة وعلما ويقينا بذلك الشيء اذا رايته يظهر في كل شيء من مظاهره ولا تشك فيه بوجه لان الشك ان كان بالنفي والاثبات في اصل ذلك المعنى انه هل هو كذا ام لا ام هو هو ام لا او باعتبار اختلاف الجهات والحيثيات والاعتبارات يلتبس عليه امر ذلك الشيء غير ذلك من حيث تصوره بالصورة الاخرى او حيثية اخرى معارضا لذلك الشيء من حيثية وجهة اخرى وهو في الحقيقة شيء واحد فيحصل عنده احد الاقسام المذكورة من الريبة والشك والوهم وامثالها فان كان الشك باعتبار الامر الاول فهو خارج عما نحن بصدده لان العالم بعد ما خرج عن مقام علم اليقين ومادخل في رتبة عين اليقين بل هو اول صعوده منه والامر الثاني لا يمكن فرضه لمن دخل ذلك الباب وعرف الشيء من حيث هو لا من حيث الصورة فلا يتحقق الشك اذن ابدا ولا الظن بمراتبه واقسامه ثم قال تعالى فاسلكي سبل ربك ذللا وسبيل الرب هو الذي ذكرنا لك من اتخاذ الامر الجامع الصادق على الكل اما على نحو جمعية الكلي لافراده او الكل لاجزائه او العلة المادية لمعلولاته كذلك او المنير لانواره او الفاعل لافعاله وآثاره او المقابل لصوره المتجلية في مرايا ظهوراته او المطلق لقيوداته او الكلمة لدلالاتها المختلفة حسب افهام المخاطبين فاذا سلك هذا السبيل على هذا الطريق كان سالكا لسبيل الرب ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه اي علوم مختلفة متحدة الحقيقة من احوال العوالم العلوية والسفلية والنورانية والظلمانية والحقيقية والمجازية والخلقيه والامرية اذ ليس العلم الا احوال العالم والاعيان الموجودة والاختلاف انما هو لاختلاف المعاني الكلية المستدعي كل معنى منها علوما من سنخه كالنور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الابيض الذي منه البياض او منه ابيض البياض مثلا اذا علم حقيقة الجسم من حيث هو وما يقتضيه من حيث ذاته وما يصلح لان يعرض عليه ينشعب منه العلم الطبيعي من احوال الاجسام من الفلكي والعنصري والبسيطي والمركبي فاذا عرف حقيقة مقدار الاشكال الشبحية وما يصح عليها وما تقتضيه من حيث ذاتها ينفتح له باب علم الرياضي بجميع انحائه واقسامه وكذلك امثالهما ( امثالها ظ ) من المعاني الكلية الجامعة ويختلف العلماء في معرفة ذلك المعنى الكلي وكذا في كيفية استنباط تلك الجزئيات منه فيه شفاء للناس لانه اذن يدرك الحق ويعرض عن الباطل لانه يرى الشيء ويشاهده على نهج يستخرج منه جميع احواله فيسكن عنده ولا يضطرب اذ الحق يشفي العليل ويبرد الغليل بخلاف الباطل فانه يعلل الفهم ويسقم القلب ويعوج الفطرة ويكدر الصفوة من المشاعر والقوى كما قال مولينا علي بن الحسين عليهما السلام واقشع عن بصائرنا سحاب الارتياب واكشف عن قلوبنا اغشية المرية والحجاب وازهق الباطل عن ضمايرنا واثبت الحق في سرائرنا فان الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنايح والمنن الدعاء فاذا ادركت الحق وعلمت الصواب فاعلم انه شفاء لكل مرض من امراض الجهل والسهو والغفلة والشك والظن وغيرها في كل باب ولعمري ان هذه الآية الشريفة متكفلة لبيان عين اليقين على احسن ما يمكن ولبيان ازيد من ذلك لا يقال ان هذا تاويل يخالف الظاهر والاصل عدمه للزوم ارتكاب مجاز لانا نقول بعد ما فسر النحل بآل محمد سلام الله عليهم والجبال بالعجم والشجر بالعرب او بالعكس ولم يحضرني الآن لفظ الحديث فلا محيص الا ما ذكرنا لا يقال انه من الاخبار الآحاد التي لا يوجب علما ولا عملا لانا نقول اذا كان الخبر الواحد محفوفا بالقرائن القطعية يتعين العمل به سيما عند اعتضاده بالعقل القاطع وانت لو تأملت على حقيقة الامر فيما ذكرنا ينكشف لك الواقع ان شاء الله ولو كشف الغطاء لما اخترتم الا الواقع فافهم
ثم اعلم انه كما كان في مرتبة علم اليقين مراتب ثلث كذلك يكون في مرتبة عين اليقين فان فيها مراتب ثلثة حسب التفات النفس اي الشخص الى المقامات العقلية النورية المحضة اولها وهو ادناها اول ظهور مقام العقل قبل انمحاق جهات النفس الصاعدة الى الروح والتفات العقل النازلة الى الروح ايضا ثانيها وهو اوسطها بل اولها اي مقام العقل في حد ذاته في رتبة ذاته وبلوغه الى مقام قاب قوسين قبل ان يصل الى مقام او ادنى وهو مرتبة الحقيقية وذاته الواقعية من غير نزول وصعود فافهم وثالثها وهو آخرها واعلاها مقام العقل حين التفاته الى الفؤاد النور الذي خلق منه الذي يدرك به المؤمن صاحب الفراسة الاشياء فاذا قطع التفاته عن نفسه فذلك مقام آخر وعالم آخر كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى
ثم اعلم ان الفرق بين هذه المرتبة ومرتبة علم اليقين في غاية الوضوح ونهاية الظهور كالفرق بين الارض والسماء فان النفس هي الارض والسماء هو العقل الا ترى الى قوله عليه السلام كيف فسر قوله تعالى الم تر انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها بموت العلماء الذين يخشون ربهم فافهم فان العلم اليقين فيه ادراك الصور المعينة لذلك المعنى في حد خاص وتعين معين على الوجه الثابت الجازم المطابق للواقع مدركه النفس المطمئنة عند نظرها الى عليين حينما رجعت الى ربها وكانت راضية مرضية ودخلت في عباد الله الصالحين فاستحقت بذلك دخول الجنة القرب والصواب امتثالا لقوله تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي فلا نصيب لاهل هذه المرتبة الادراك ( الا ادراك ظ ) ذلك المعنى من حيث ذلك التعين وتلك الصورة فاذا تعين ذلك المعنى يتعين آخر وقد يلتبس عليه ولا يدركه بل يريه معارضا لذلك المعنى الاول المتعين بالتعين الآخر لجهله بالوحدة لكون مقامه مقام الكثرة فلا يرى الوحدة مهما هو في ذلك المقام بخلاف مقام عين اليقين فان فيه ملاحظة الوحدة والاعراض عن الكثرة ومعرفة الاشياء الكثيرة بمعرفة الشيء الواحد وهذا ظاهر معلوم ان شاء الله تعالى
ثم اعلم يا اخي وفقك الله وايانا لما يحب ويرضى ان ذلك النور الرباني والفيض السبحاني الذي اثبتنا انه هو العلم وهو الكمال المطلق بالنسبة الى حال الشخص وهو اول صادر عن الحق سبحانه بالنسبة الى مراتبه ومقاماته الذي امره الله سبحانه بالادبار والمسافرة من الحق الى الخلق فسافر ممتثلا واقبل الى الخلق مرتبة بعد مرتبة الى ان وصل الى التراب الجماد ثم امره الله سبحانه بالاقبال والمسافرة من الخلق الى الحق اي الرجوع الى الوطن بعد الهجرة فاقبل اليه سبحانه ممتثلا لقوله ومجيبا لدعوة ربه فمر في صعوده كما كان في نزوله الا ( ان ظ ) الثاني كان على جهة الخفاء والاول على جهة الظهور كما هو شان الصعود والهبوط وبالجملة انه مر في صعوده على مقام النبات لم يصر مبدء ادراك على الظاهر الا فعل النمو والذبول فمر على الحيوان فصار في هذا المقام مبدء الشكوك والظنون والاوهام والوساوس والارتياب والنجوى والخيالات الغير المستقلة الباطلة والكاذبة وبعض الادراكات الحقة الجزئية على ما فصلت لك سابقا يعني ان تلك الامور انما ظهرت في هذا المقام لان النور كان سببا للظلمة وان كان كك فبعد ما قطع تلك المسافة اما صاعدا الى اعلى عليين واما هابطا الى اسفل السافلين وصل الى مقام النفس ومر عليه فصار مبدء انشراح الصدر بالايمان والعلوم الحقة والصور الصحيحة النفس الامرية وفي مقابله انشراح الصدر بالكفر والادراكات الثابتة الجازمة الباطلة الغير المطابقة لما في نفس الامر وهو عبارة عن الضيق والحرج قال الله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وهناك مقام علم اليقين كما مر فبعد ما قطع في صعوده مقام النفس ودخل في الباب العقلي فانفتح له ابواب من العلم ينفتح من كل باب الف باب ولذا كان تعليم النبي صلى الله عليه وآله للوصي كذلك كما في الاخبار لان النبي صلى الله عليه وآله النور والقلم والوصي الكتاب المسطور في رق منشور فافهم فصار في هذا المقام مبدء عين اليقين الى هنا كان آخر مقامات التعين والتشخص فبعد ما قطع مسافة هذا العالم مع وسعته وبعده لحق بمركزه وعاد الى عالمه وادرك ذاته بذاته فادرك كل شيء بذلك الادراك اذ الكل من شيء واحد وهو الجنان الصاقورة التي ذاق روح القدس من حدائقه الباكورة فهو يدرك حقيقة الشيء من حيث هي مع قطع النظر عن التعينات والتشخصات باي وجه كانت ويحيط بالاشياء المقيدة احاطة تامة كلية بحيث اذا وصل الشخص الى ذلك المقام لا يشذ منه جهة من جهات الشيء وحال من احواله وحيثية من حيثياته وهو يحيط بكل ذلك علما فهنالك يحصل حق اليقين بل انه الحق اليقين والنور المبين يدرك جميع مراتب الاشياء في اماكنها فيدرك اجسامها بالقوى الجسمية واشباحها بالقوى الشبحية وارواحها بالقوى الروحانية وانوارها بالقوى النورانية واسرارها وحقايقها بذاته وحقيقته فلا يكون شيء في رتبة الا وقد وقع علمه عليه وهذا بخلاف عين اليقين فانه كان يخفى فيه حقيقة الشيء التي هي جهة الاحدية الامكانية وانما كان فيه ظهور الواحدية الامكانية وتمام الواحدية بالاحدية فهي الكاف المستديرة على نفسها وفي هذه المرتبة يعرف الحق سبحانه بكمال المعرفة التامة الحقيقية التي لا اتم منها ولا اكمل مما يتصور في حق الممكن ويمكن له لا كما هو الواقع عليه اي معرفة المثال الذي القاه الله تعالى في هوياتنا لنعرفه به والآية التي ارانا الله اياها اي نور الوصفاني والنقش الفهواني المكنون المخزون في لب الانسان الذي وقع عليه السؤال في حديث كميل لمولينا الولي الملك المتعال ما الحقيقة قال عليه السلام ما لك والحقيقة لعلو شانها ونبالة مكانها ولاختصاص الخصيص من الكملين من الشيعة بها وانت لست منهم وما وردت ماءهم وماشربت شربهم فزعم كميل انها من اسرار التي يخص بها امير المؤمنين عليه السلام وصاحب سره فتعجب من انكاره عليه السلام عليه وطرده عن هذا الباب فقال « اولست بصاحب سرك » فاجابه عليه السلام بما يناسب مقامه ولم يأخذه بما اساء من الادب لانهم عليهم السلام اهل بيت العفو والكرم فقال عليه السلام « بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني » فلما عرف كميل مقامه وعلم انه ليس اهلا لذاك فجاء في مقام العجز والضعف باني وان لم اكن لادراكها قابلا لكن لكل سؤال جواب ورب حامل فقه الى من هو افقه منه فاجابه عليه السلام بقوله الحق « كشف سبحات الجلال من غير اشارة » وكميل وان علم ان هذا المقام عال بعيد المنال ولم يمكنه الوصول اليه الا انه اراد ان يدركه بالوصف المقالي ولما لم يعرف تلك الفقرة فاستزاد البيان فقال زدني بيانا فقال عليه السلام « محو الموهوم وصحو المعلوم » فقال زدني بيانا قال عليه السلام « هتك الستر لغلبة السر » قال زدني بيانا قال عليه السلام « جذب الاحدية لصفة التوحيد آثاره (كذا) » قال زدني بيانا قال عليه السلام « اطفئ السراج فقد طلع الصبح » وهذه المضامين كلها لا يكون الا في مقام حق اليقين وهو لا يكون الا في اعلى المشاعر والمدارك وهو فوق العقل فمقر الحق اليقين هو الفؤاد وهو نور الله الذي خلق منه الشيء وان سبق الى اكثر الاوهام الى ان ليس فوق العقل شيء الا الذات القديمة تبارك وتعالى وبرهانه على جهة الحكمة والموعظة الحسنة من اظهر الاشياء وانما خفاؤه لشدة ظهوره اذ قد يخفى الشيء لاجل شدة الظهور واما على جهة المجادلة بالتي هي احسن فنقول حيث ان الناس من جهة بقائهم في مقام صدر النفس وعدم ترقيهم الى المقامات فوقها لا يدركون غير المجادلة فلو القيت عليهم من دليل الحكمة او دليل الموعظة الحسنة اللذين هما الاصلان والعمدتان في الايصال الى المعرفة واليقين والايفاق عليهما لكنهم من جهة قصورهم يقولون ان هذا المطلب بقي بلا دليل وبرهان ولذا لو اردنا ان نلزم عليهم شيئا فآتيهم بالمجادلة وهي ادنى الدلالات واخفى الاشارات ذلك مبلغهم من العلم فنقول هل العقل شيء موجود ام لا والثاني بديهي البطلان والاول هل هو موجود مستقل بالله من الاعيان الخارجية النفس الامرية ام لا والثاني ايضا باطل لما برهن في محله والاول هل هو اشرف من غيره ام لا والثاني باطل ايضا لاعترافهم بان العقل من صقع الربوبية وهو المجرد عن المادة مطلقا ذاتا وفعلا والاول هل هو مركب او بسيط والثاني باطل لاعترافهم بان كل ممكن زوج تركيبي ولا شك في امكان العقل والاول هل هو مركب من الوجود والماهية او غيرهما والثاني باطل لعدم غيرهما والاول هل الوجود امر متأصل ذا تحقق وتذوت في الغير الخارجي ام لا والثاني باطل لاعتراف محققيهم بذلك ولما اقمنا عليه من البراهين القاطعة في كتابنا اللوامع الحسينية وليس هذا محل استقصاء هذا المرام والاول هل الوجود اشرف ام الماهية والثاني باطل اتفاقا والاول هل له علم وكمال ونور وبهاء وجمال اشرف واعظم من علم العقل وكماله وبهائه ونوره وجماله ام يساوي العقل في الكمالات ام ينقص العقل فيها ام ليس فيه شيء منها والثلثة الاخيرة باطلة جزما اما الاول فللزوم مساوات العالي والسافل من حيث هو سافل في الكمالات والمزايا والفضائل وهو باطل جدا والا لم يكن عاليا من حيث هو كذلك ولا السافل سافلا من حيث هو كذلك وبطلان الاول من الثلاثة يستلزم بطلان القسمين الاخيرين بالطريق الاولي فثبت الاول من الاربعة هو ان يكون للوجود الذي جزء العقل المتعين بالحدود العرضية بالتعين المعنوي في الحد العقلي اعلى واشرف واقدم واكثر بهاء واعظم نورا وسناء واشد تحققا وتذوتا وتأصلا واقرب منه مبدءا واشد نورا واجل خطرا واعلى منزلا واوفر حظا واجزل قسما في كل خير ونور وحق من العقل وعينية تلك الكمالات كلها له مما سبق برهانه وحيث كان العقل مقر العين اليقين للشيء وجب ان يكون مقر الحق اليقين هو الوجود بل هو الحق اليقين لما قد عرفت من ان كمالاته كلها ذاتية وليس له فعل في رتبة ذاتها ويعبر عنه اهل البيت عليهم السلام في اصطلاحاتهم ومحاوراتهم بالفؤاد واعلم انا قد منعنا (ظ) عن ذكر احوال هذا المقام على جهة البسط في الكلام وما فيه من الاسرار بالبيان التام نظرا الى ما قال الامام عليه الصلوة والسلام :
اني لاكتم من علمي جواهره كيلا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابو حسن الى الحسين ووصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
وهذا الكتاب لا يخص به الخصيص بل يعم الخواص والعوام واني يمكن ذلك وقد قال مولينا الصادق عليه السلام لا كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله قال الشاعر :
واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
اعلم يا اخي انه الى هنا ينقطع مقامات العلم وليس فوق هذه المرتبة مقام وادراك وفهم ونور وظهور الشيء في نفسه ولا لغيره له وليس فوق عبادان قرية ولذا قلنا ان مقام الفؤاد اعلى المقامات واشرف الدرجات وظهور الحق سبحانه للشخص في هذه المرتبة اكمل الظهورات بالنسبة اليه في المراتب الامكانية ويسمى (ظ) توحيده للحق سبحانه فيه التوحيد الحقيقي والفناء الواقعي الذي هو البقاء الحقيقي والوصل الى هذا المقام في كل آن ودقيقة بل اقل في الترقي لكنه في هذه المرتبة ولم يصعد من هذه المرتبة ابدا لامتناع ذلك وظهور الحق سبحانه في مقام عين اليقين يسمى التوحيد الشهودي ويرى الموحد في ذلك المقام كل الموجودات باطلة ومضمحلة كما سيظهر لك ان شاء الله وظهور الحق في مقام علم اليقين يسمى بتوحيد الذات وهو يستدل من المعلول على العلة ومن الآثار يعرف المؤثر وليس توحيده في مقام الشك والظن والوهم والخيال فمن زعم ان التوحيد يجتمع مع الظن فقد افسد رايه
هذا ما سنح بالبال في معرفة العلم وعوالمه ومبدئه ومنتهاه وحقيقته وماهيته على جهة المشاهدة والعيان وما اكثر ما طويت ذكره في هذا المقام مما يتعلق به لامور منها اختلال البال بمعروض ( بعروض ظ ) مرض مانع من استقامة الحال ومنها لادائه الى التطويل المورث للكلال والملال ومنها لاحتياجه الى مقدمات يؤدي الى بسط المقال ومنها عدم احتمال الناس فيسارعون اليه بالانكار ويبالغون في الجهل والعناد ومنها عدم اقتداري على التعبير عنه بالعبارة الموضحة والبينة للمراد وهذا الذي ذكرنا كفى لمن استبصر واستهدى الى الطريق المستقيم صراط الذين انعم الله غير المغضوب عليهم ولا الضالين والحمد لله رب العالمين
القول في ان العلم يحد ام لا اعلم انهم اختلفوا في هذه المسئلة ومنعه طائفة كثيرة الظاهر انهم الاكثرون وقالوا بان العلم لا يحد لانه بديهي فهو غني عن التعريف لانه من الكيفيات الوجدانية كالالم واللذة والغم والفرح لان ما يجد العاقل من نفسه لا يحتاج في معرفته الى تحديد وانما يحتاج الى التحديد ما يجهله ولان كل احد له علم بانه موجود وان لم يكن من اهل النظر فكان حاملا له بلا نظر وهو علم خاص والعلم العام اولي بالبداهة واجيب بان الضروري الذي ذكرتم حصول ماهية العلم والمدعي تصوره والتصور غير الحصول وقال بعض منهم انه لا يحد للزوم الدور من تحديده لان غير العلم لا يعرف الا بالعلم فلو عرف العلم بذلك الغير لزم الدور اقول بعد ما عد تعريف الشيء بنفسه بديهي البطلان واستدل بعض على ذلك بانه لو كان معرفا لكان المعرف اما بنفسه او غيره والقسمان باطلان فكونه معرفا باطل اما الملازمة فظاهرة واما بطلان قسم الاول من الثاني لان المعرف للشيء يجب ان يكون متقدما على المعرف في المعرفة واحد عنه والشيء يستحيل ان يكون متقدما على نفسه وان يكون اجلى منه واما بطلان القسم الثاني فلان ذلك الغير لا يعرف الا بالعلم لان حد (ظ) العلم لا يعرف الا به فلو كان معرفا للعلم كان كل واحد منهما معرفا لصاحبه وهو دور محال ويلزم كون كل واحد منهما اعرف وانه محال واجيب عن الكلام الاول بانك ان اردت ان تصور غير العلم يتوقف على تصور حقيقة العلم فهو اذ ليس كل من تصور شيئا عرف حقيقة العلم وتصوره بل يتصور الاشياء الكثير من لا يعرف حقيقة العلم وان اردت انه يتوقف على حصول علم جزئي انتفى الدور لان الحصول غير التصور على تقدير ان حصول ذلك الجزئي يستلزم حصول ماهية الكلي على انا نمنع الاستلزام وعن القسم الاول بان المعتبر في التقدم هو ذات العلم وحصوله والمتاخر هو تصوره فلا محذور في تقدم حصوله وتأخر تصوره وتوقفه عليه وعن القسم الثاني بمعنى ما مر من ان تصور العلم توقف على ذلك الغير وذلك يتوقف على وجود العلم لا على تصوره فلا دور قال استادنا الاعظم وشيخنا الاقدم اطال الله بقاه وامد ظلاله على رؤس رعاياه في الجمع بين القولين كلاما احب ان اثبته في هذا المقام لكونه الحق الحقيق بالتصديق على التحقيق
قال سلمه الله تعالى : « والتحقيق ان يقال ان كان المراد بالتحديد والتصور تحديد نوع العلم وبعضه بان يكون قولهم العلم صورة حاصلة عند المدرك يراد به ان نوع العلم وجنسه هو صورة المعلوم الحاصلة عند المدرك فهو تحديد وبيان لبعض منه في الحقيقة يعرف بذلك ان العلم هكذا فلا اشكال في صحة ذلك ووقوعه وان كان المراد بذلك تحديد جميع ما يصدق عليه العلم فلا شك في استحالته لاستلزامه الدور او التسلسل وبيانه ان العلم صورة المعلوم الذهنية وتحديده صورة ذلك العلم الذي هو تلك الصورة الذهنية وهي من ذلك العلم المحدود وتحديد ذلك صورته الذهنية وهي من المحدود وهكذا فيكون الشيء حادا لنفسه او يترامى الى غير النهاية فيستحيل تحديده الا ان يقال تحدد ذلك التحديد بنفسه كما يقال اوجد الله الوجود بنفسه لا بوجود آخر والا لدار او تسلسل وهذا وان كان صحيحا في الواقع لكنهم لا يريدونه ثم قال اطال الله بقاه وجعلني من كل مكروه وقاه وكفاه شر اعداءه :
بقي شيء احب ان اوقفك عليه ينفعك اذا قلت بتحديد العلم واردت التحديد الحقيقي فان العلماء القائلين بتحديده انما وسموه ببعض خواصه ومن حده بذاتياته ربما لا يدري ما يقول وانما هو كما قال الشاعر :
قد يطرب القمري اسماعنا ونحن لا نفهم الحانه
وبيان ذلك يحتاج الى تقديم كلمات وهي ان الحد التام الحقيقي ان يكون مشتملا على جنس وفصل قريبين وهما مادة المحدود وصورته الذاتيتان فاذا اردت تحديد الانسان قلت حيوان ناطق فاخذت من الجنس الشامل للانسان وغيره وهو حقيقة الحيوان لابشرط على الاصح حصة خاصة بالانسان لانها له بشرط لا وتلك الحصة من الحيوان هي مادة ذات الانسان فهي بالنسبة الى ذات الانسان كالخشب المهيأ الصالح للسرير ولا يكون ذلك الخشب المهيأ سريرا الا بالصورة الشخصية الخاصة به فاذا ركب الخشب على الهيئة المعلومة كان السرير فحقيقة السرير الخشب المصور بتلك الصورة الخاصة به فالخشب والصورة ذاتيان للسرير فتلك الحصة الخاصة من مطلق الحيوان مادة ذات الانسان فاذا اضفت اليه الناطق الذي هو الصورة الانسانية الخاصة تكملت حقيقة الانسان فالشيء لا تتقوم ذاته الا بمادة وصورة فالحصة من الحيوان مادة والناطق صورة فهما ذاتيان للانسان فافهم هذا البيان المكرر المردد بالفهم المسدد فاذا اردت حد العلم الحقيقي التام فحدده بمادته وصورته الذاتيتين فاذا تحقق عندك ذلك فاعلم ان العلم على القول المختار صورة المعلوم المرتسمة في مرآة الخيال وهي صورة انتزعتها تلك المرآة من المعلوم الخارجي او من المعنى المتولد من الفاظ الخطابات وغيرها من الدوال الاربع وغيرها او من المعنى العقلي بعد نزوله الى الخيال وهي ايضا معان خارجية بالنسبة الى ذهن المتصور لانها خارجة عنه فمادة تلك الصور العلمية تخطيط ذلك المعلوم وهيئته وكيفه ووضعه وصورة تلك الصور العلمية ما تقومت به من نور الخيال وهيئته وكيفه ووضعه فتنتقش صورة المعلوم بنسبة الخيال وذلك المعنى على قدر جامع للهيئتين والوضعين والكيفين كما تغاير صورة الوجه في المرآة واختلاف صورة الوجه في المرآة بالطول في الطويلة وبالعرض في العريضة والاعوجاج في المعوجة وكمال الظهور في تامة الصقالة والخفاء في العكس وكذلك اللون لاختلاف هيئة المرآة ونورها ولونها ووضعها واختلاف كيف الوجه في المرآة بالبياض والسواد والصفرة والحمرة لاختلاف كيف المرآة والوجه لم يتغير في كيفه ولم يحكه بتمامه الا المرآة المعتدلة في نورها وهيئتها وكيفها وسعتها بحيث تحيط به كذلك اختلاف العلوم بالنسبة الى العالمين والمعلوم لم يتغير فاذا اردت العبارة عن حد العلم التام الحقيقي المشتمل على الجنس والفصل القريبين قلت ظل ملكوتي ذهني فقولنا ظل يخرج الذات وقولنا ملكوتي يخرج الظل الملكي وقولنا ذهني يخرج الملكوتي الخارجي وهي وان كانت علم على ما نعلم داخلة في المحدود الا ان العبارة جارية على المتعارف والا ففي الحقيقة لا يحتاج الى قيد ذهني فافهم وحيث تعرف ان المراد من تحديد العلم بيان نوعه لتعرف به الكل كالانموذج للشيء لا تحديد جميع ما يصدق عليه العلم كما مر يظهر لك ان الاقوى صحة تحديده كما ان الاقوى امتناع تحديد جميع ما يصدق عليه العلم كله »
انتهى كلامه رفع الله شانه واعلى كلمته بالفاظ الشريفة وما فيه من التحقيق كفاية لاهل الدراية لانه كلام جار على متن الواقع لكنه لا يذهب عليك ان هذا الكلام يجري في العلم على قول مطلق كما ذكرنا بل انما يجري على العلم الصوري الحاصل في الصدر النفسي لا على قول مطلق بل كما افاد واجاد سلمه الله تعالى فانه ادامه الله اجرى اصطلاحه على ما يستفاد من تتبع اخبار اهل البيت عليهم السلام على اطلاق العلم على الادراك الحاصل في النفس المسمى بعلم اليقين واطلاق اليقين على العلم الحاصل المسمى بعين اليقين واطلاق المعرفة على الادراك الحاصل في الفؤاد الوجود المحض نور الله الذي اليه يتوجه الاولياء بل الخلق من السعداء والاشقياء وليس فوق هذه المرتبة مرتبة ولا غير هذه المراتب الا جزئياتها وتنزلاتها وجهاتها والبرازخ الحاصلة بينها والذي يدل على هذا الاطلاق من اخبار الائمة الاطهار عليهم السلام ما ورد في مصباحالشريعة عن مولينا الصادق عليه السلام انه قال عليه السلام في كلام له الى ان قال : اذا تحقق العلم في الصدر خاف ومن خاف هرب ومن هرب نجى واذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل ومن تمكن عن رؤية الفضل رجا ومن رجا طلب ومن طلب وجد واذا انجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستانس في ظلال المحبوب فآثر محبوبه على من سواه وباشر اوامره ونواهيه الحديث وقد نطلق العلم على الصدر واليقين على القلب والقلب على العقل والمعنى على العقل والصورة على النفس والنفس على الصدر والعلم على النفس والخيال عليها ايضا ونطلق ايضا المعرفة والمحبة على ادراك الفؤاد بل الفؤاد على نفس ذلك الادراك كما ستعرف تفاصيلها ان شاء الله ويمكنك ان تجعل من احد اطلاقات الشريعة والطريقة والحقيقة المراتب الثلثة فتخص علم الشريعة بما في النفس من الصور الحقة الالهية وعلم الطريقة بما في القلب من المعاني الجبروتية المجردة عن القيودات الملكوتية فضلا عن الملكية والحقيقة بما في الفؤاد من الحقايق الربانية والتجليات السبحانية وسنتكلم ان شاء الله تعالى في هذا الباب عند تقسيم العلم وبيان اقسامه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
واما القول بان العلم ضروري او نظري فطري او اكتسابي فالتحقيق فيه تصديق الجميع والقول بكل الاقسام فالعلم منه نظري ومنه ضروري وكل منهما فطري واكتسابي والعبارة الحقيقية ان تقول كل اكتسابي فطري من غير عكس كلي ظاهرا والا فالعكس واقع على الواقع والحقيقة ونقول ايضا كل شيء بالفطرة والاكتساب فيخرج منه كلما كان منافيه من القابليات والاستعدادات فيظهر لديه ما كان ممكنا له من المقبولات والاترار (كذا) الغير المتخصصة الا حين التعلق والتخصص وهذا سر شريف لو علمته ينفتح لك ابواب من العلوم والحمد لله رب العالمين
المطلب الثالث - في ذكر خزائن العلم وحملته وحفظته اعلم وفقك الله لما يحب ويرضى وهداك الى الطريقة الوسطى ورزقك خير الآخرة والاولى ان اهل الشعور والادراك والتميز من المخلوق اي مما احاط به الوجود الذي هو نفس الشعور والادراك والعلم فكلما فيه ذلك لم يخل منه لانه منه ولم يخل شيء منه فلم يخل شيء منه وهذا في غير الجمادات والنباتات ظاهر لا يفتقر الى البيان واما فيها مضافا الى ما يدل عليه العقل الصحيح السليم عن النكراء يدل عليه آية عرض الامانة على السموات والارض والجبال وعرض الولاية عليها فالاراضي السبخة انما كانت كذلك لتركها ولاية آل محمد عليهم السلام والطيبة انما طابت واستحلت لقبولها وهما لا يكونان الا بالشعور الا ان مراتب الشعور والادراك متفاوتة حسب اختلاف الذوات وتفاوت مراتبها لكن تلك الامور المختلفة تجمعها امور ثلثة : الاول العلم الحاصل والادراك الثابت للعالي والمراد به هنا ما له مدخلية في تحقيق شيء آخر ووجوده من حيث تقدمه وسبقته للوجود عليه لا من حيث ظهوره وبروزه كالماهية للوجود ولا من حيث شرطية ومعدية للوجود الزماني كالاب للابن الثاني العلم الحاصل للسافل من حيث هو كذلك ان قد يكون الشيء عاليا وسافلا والمراد به هنا مقابل ما سبق في العالي الثالث العلم الحاصل للمتساويين بحسب المرتبة وان كان البعض اقوى من الآخر لكنه ليس من حيث علوه الذاتي بل انما هو لصفاء مرايا مداركهم ومشاعرهم والامر الجامع هو ان تقول ان الشيء اما ان يعلم ما هو اعلى منه واسفله او ما هو في مقامه وذاته وهذه العلوم الثلثة اما يتعلق بذات حاملها ونفسها واما ان يتعلق بغيرها والامر جامع للكل وهو ان تقول ان الشيء اما ان يدرك ذاته او غيره وهو لا يخلو عن حالات ثلثة لكنك تفطن اولا ان ما في الذات عينها اي هي اذ الشيء لا يكون في رتبة شيء آخر الا ان يكون هو لان الرتبة كاخواتها من الكم والكيف والجهة والزمان والمكان من المشخصات فلو تداخلت بعض هذه الامور باعتبار التساوي العرضي فلا بد من التمايز والاختلاف بالبعض الآخر لكونها مدار التمايز فلو جعلتها مناط الاشتراك يلزم الدور او التسلسل فاذا صح ذلك فليس في رتبة ذات الشيء غيره والا لم يكن فرضنا اياه ويلزم ان يكون هو وغيره فلم يثبت لشيء ذات مستقل متفرد به ومتأصل معه ابدا وهذا مما لا شك فيه لمن يعرف وتعرف ذات الشيء ان كان مركبا بما لو فرضت عدم جزء يعدم الكل وتعريف غيره منها بما لو فرضت عدم ذلك الغير تبقي الذات باقية على حالها فاذا صح ذلك فليس العلم بالغير عين ذات الشيء اذ الشيء ليس عبارة عن مجموع ذكر الغير اذ العلم به ليس الا ذكره والا يلزم ان لا يتحقق كونه عندك الا بعد تصور ذكر جميع ما يغايره لان المفروض ان العلم بالغير عين ذاته الا ترى الانسان فانه في رتبة ذاته مركب من الحيوان والناطق فلا يمكنك تدرك حقيقة الانسان الا بعد تصور هذين الجزئين بخلاف ما ليس ذاتيا له ككونه ماشيا او كونه ضاحكا او باكيا وامثال ذلك فانك اذا اردت معرفة حقيقة الانسان من حيث هي لا تستلزم ادراك تلك الامور وتصورها فعلمنا انها ليس بذاتية اي داخلة في حقيقة ذاتها فلو قلنا ان العلم بالغير عين ذات العالم وحقيقته يجب ان لا يتصور ذلك الشيء الا ويتصور علمه اي ذكره لكل ما يغايره في العالي بحسبه والسافل بحسبه والمساوي بحسبه كما انك لا يمكنك تتصور الانسان بدون جزئيه الحيوان والناطق وهذا ضروري البطلان ومدعي ذلك يصادم الضرورة ويزاحم البديهة مع ان القوم اتفقوا على ان العلم صفة للعالم ومتأخر عن ذاته ويدرك الشيء ولا يدرك معه ابدا ولا يذكره ولا يلتفت اليه بوجه مع بقاء الشيء الا ترى انهم عدوا قبول العلم والصفة والكتابة من العوارض الذاتية للانسان ثم ان الغير كما لا يتحقق عند الشخص الا بعد تأصل نفسه وذاته كذلك ذكر الغير لا يكون الا متاخرا عن ذكر نفسه والا يكون ذكره في ذاته ذكر غيره لان ذاته لا تتحقق الا بذكر الغير على هذا الفرض فيكون ذكر نفسه عين ذكر غيره فلا يذكر الشيء نفسه الا بعد ان يذكر غيره او معه لمكان الجزئية والاول عند المشهور والثاني عندنا وهذا بديهي البطلان الا اذا كان حقيقة ذلك الشيء ذكرا لغير المخصوص وهذا لا يتصور الا في السافل للسافل كما ستعرف ان شاء الله تعالى فعلمت بالبرهان ومطابقة الوجدان ان العلم بالشيء الآخر ليس عين ذلك الشيء مع ان العلم عين ذات الاشياء كلها كما عرفت في المطلب الثاني ولا منافاة بين القولين لاستلزام الثاني المعلوم وعدم استلزام الاول اياه فالعلم بالشيء والغير انما هو الذكر الثاني للعالم لا الاول والا يلزم ان يكون الغير اياه فلم يكن هو اياه بل هو غيره وهذا ظاهر ان شاء الله فان قلت على هذا يلزم ان لا يكون العلم بالاشياء عين ذات الحق سبحانه ويلزم من ذلك ان يكون الحق سبحانه جاهلا بها قبل كونها مع قيام الاجماع واتفاق العقول المتبائنة على ان علمه سبحانه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها ولم يكن ذلك الا في ذات الله سبحانه لان العلم عين الذات قلت ما دل عليه الاجماع واتفقت عليه الآراء وسكنت عنده العقول السليمة هو ان العلم عين الذات لا المعلوم وان العلم في ذات الله سبحانه وتعالى لا يقتضي معلوما ان ربنا عز وجل عالما والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور وهذا الوقوع امر حادث لم يكن في مرتبة القديم والعلم بالاشياء قبل كونها انما هو في العلم السابق وهو ليس عين ذات الحق سبحانه والجهل اللازم انما هو اذا كان شيء ولم يتعلق به علمه لا ما لم يكن شيء فان العلم بما لم يكن جهل كما ان نفي العلم فيما لم يكن علم الا ترى اني اذا سئلتك من في الدار ولم يكن هنا احد وقلت لا اعلم في الدار احد فانما هو اثبات لعلمك بخلاف ما اذا قلت اعلم في الدار احد ولم يكن فانه اثبات لجهلك ونفي لعلمك وتصديق ذلك في محكم قوله تعالى ام تنبئونه بما لا يعلم وقوله تعالى ليعلم الله من يخافه بالغيب فذكر الموجودات في رتبة خلقه لا في رتبة ذاته فان كل ما عداه ممتنع فيه كشريك الباري وقد اخبر ان علمه ماتعلق به وكيف لا يكون كذلك فان الموجودات المذكورة في ذاته هل هي مذكورة بذكر ذاته مع ذكر ذاته حين ذكر ذاته بما يذكر ذاته ام متاخرا عنه فان كان الاول يلزم ان يكون ذكر الموجودات هي عين ذكر نفسه لانه سبحانه يذكر نفسه ويذكر غيره فان كان ذكر غيره هو بعينه ذكر نفسه فلم يكن هو اياه بل هو هو ولا تقل انه كذلك وتناقض بالشمس والاشعة فان ذكر الشمس نفسه هو بعينه ذكر الاشعة لانا نقول اما اولا فانه قياس مع الفارق ولا يعرف الله سبحانه بذلك واما ثانيا فنمنع وحدة الذكرين الا اذا قلت ان الاشعة عين الشمس على ظاهر الحال والا نفي الحقيقة لو قلنا بالعينية لم يلزم اتحاد الذكرين لان ذكر الاجمال من حيث هو غير ذكره على التفصيل من حيث هو لا ذكر الاجمال في التفصيل ولا التفصيل في الاجمال فانه لا يمتنع فان قلت اما نحن فيه (كذا) ذكر التفصيل في الاجمال قلت اذن وقعتم بما قد فررتم عنه لان التفصيل من حيث هو لم يكن معلوما فبقي على الجهل بها من تلك الحيثية فان قلت يعلم التفصيل ثانيا فقد وقع التغيير في الذكرين هذا كله اذا التزمنا العينية وهي ممنوعة جدا في الشمس فضلا عن ذات الحق سبحانه تعالى عما يقوله الظالمون المفترون علوا كبيرا بل الحق ان الاشعة اثر الشمس وفعلها متأخرة عن ذاتها مقدار سبعينالف سنة وسبعمائةالف سنة او سبعين مرتبة على اي عبارة تشاء فانك اذا حصرت نور السراج وماخليته ينبسط وجمعتها لم تر زيادة في اصل السراج ونورانية اشد واذا رفعت الحجاب وبسط النور على وجه الارض وتزايد لم تر ضعفا (ظ) في السراج بل هو على ما كان عليه قبل وبعد وكذلك في الشمس فلما لم يتغير السراج ولا الشمس بتغير اشعتها وقلتها وكثرتها علمنا ان لا دخل لها في حقيقة ذاتهما والا لتغير قطعا اذ ليس تغيير الكل الا عبارة عن تغيير الاجزاء فافهم فاذا صحت المغايرة فلم يكن ذكر احد المغايرين عين ذكر الآخر والا لم يكن هو اياه هذا خلف بل الشمس تذكر نفسه ولم تكن هنا اشعة بوجه ابدا وانما تذكر الاشعة في مراتبها واماكنها ذكرا ثانيا وبالجملة فالقول بان الله تعالى يعلم الاشياء ويذكرها بعين ذكر نفسه مما يعلم بطلانه بديهة لمن له فهم مستقيم وطبع صاف سليم فتعين انه تعالى يذكرها بعد ذكر نفسه تعالى فان قلت يذكرها ايضا بذاته تعالى قلت مع انه يستلزم التغيير في عين ذاته تعالى لوجود التقدم والتاخر لا يتصور هذا ابدا لانه تعالى حال ذكر نفسه هل كان مستقلا ومتأصلا ومتحققا ومتذوتا ام لا فان كان كذلك فتحققت الذات بدون ذكر الغير فلم يكن ذكر الغير عين ذاته لمكان التخلف وثباته بدونه ولو كان المجموع عينا واحدا وذاتا واحدة لم يتصور ذلك فثبت بالبرهان المحكم الذي لا يرده الا جاهل بحقيقة الامر ان ذكر الغير خارج عن حقيقة ذاته تعالى وغيره ايضا من سائر الموجودات حيث جعلها آية لتعريفه كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فاذا صح هذا فنقول هل ذكر الغير اي معلومية لله سبحانه الذي هو خارج عن حقيقة ذاته المقدسة هل هو عارض لذاته ام مستقل بنفسه ام موجود بفعله فان قلت بالاول يلزم ان يكون الله سبحانه وتعالى محلا وهو يستلزم الانفعال والقبول السافل وذلك الحال ان كان قديما يلزم ايضا تعدد القدماء ويلزم ان يكون لله تعالى وقتا اوسع من ذاته وهو الازل فالمفروض انه يسع ذلك الحال ايضا فكان الله في شيء ومظروفا ومحاطا فان كان عين احدهما يلزم ان لا يكون الثاني ازليا فلا يكون قديما فان قلت عين المجموع يلزم مع ما لزم التركيب في المجموع فان قلت بالثاني يلزم بعض ما ذكر فتعين الثالث وهو ان يكون ذلك الذكر الثاني بفعل منه واين الفعل من الذات واين الثرى من الثريا واين الثريا من يد المتناول وهذا هو العلم السابق الذي قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق والناس لو عرفوا انفسهم عرفوا ربهم فان من عرف نفسه عرف ربه اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه ولكنهم لما نظروا الى انفسهم رأوا انهم اذا ارادوا ان يعملوا شيئا في الخارج لا يعملونه الا بعد ان تصوروه في الذهن فذلك هي الصور العلمية فقالوا كذلك ربنا قبل ان يخلقنا كانت صور المعلومات حاضرة عنده وحاصلة لديه في ذاته لما وجدوا في انفسهم والامر كما ذكروا ولكنهم غفلوا عن محل تلك الصور التي في انفسهم قبل ان يعملوا شيئا في الخارج فان تلك الصور محدثة متجددة لا في ذات الشخص بل في مرتبة من مراتب الذات وهو مقام النفس وتلك الصور انما حصلت بارادته التي هي الحركة النفسانية اذ لم يكن لها قبل ذلك ذكر في مرتبة من مراتب ذاته ولا تنزلاته فلما شاء وهي عبارة عن الذكر الاول حصلت عنده تلك الصور ولم تكن ابدا فكان وجود تلك الصور دفعة واحدة فلما اراد ان يظهره في الخارج اظهرها فيه مطابقة لما عنده من الصور حسب تحقق الاسباب والشرايط على الترتيب وهذا هو آية (ظ) الحق سبحانه فيك انظر كيف احدثت علما ولم يكن قبل ذلك وماتغيروا ذاتك عن علميتها العينية وعدم ذكر غيرها لديها لكنهم لما عمت ابصارهم عن مشاهدة نور اليقين ارادوا ان يعرفوا الحق بالخلق حسب كيفياتهم فكانوا كما قال مولينا الصادق عليه السلام في الدعاء بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة فشبهوك وجعلوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك يا سيدي فافهم هذا المطلب فانه دقيق دقيق لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين
فاذا عرفت هذه الدقيقة الشريفة فلنرجع الى ما كنا فيه فنقول حيث علمت امتناع كون العلم المتعلق بالغير في ذات الشيء فيجب ان يكون في مرتبة من مراتب فعله والا لزم ما ذكرنا ولما كانت الاشياء لها مراتب كثيرة كمرتبة الصلوح الامكاني ومرتبة الكوني ومرتبة الجوهري وغيرها من المراتب ولا شك ان العلم لاستلزامه المطابقة للمعلوم بكل مرتبة غير العلم المتعلق بمرتبة اخرى والا لم يكن ما فرضناه اياه فيكون للشيء الواحد خزاين كثيرة حسب مذكوريته ومعلوميته باعتبار تلك المرتبة وهو قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وبيان ذلك ان الموجودات الممكنة والمكونة لها مراتب عديدة حسب قبوله للامر الالهي عند قوله تعالى الست بربكم فيكون العلم المتعلق بها ايضا له مراتب ولما كانت كل مرتبة عامة واسعة شاملة للكل كان تلك المرتبة خزينة لتلك العلوم الكثيرة الثابتة فيها ولما كانت الطفرة في الوجود باطلة كانت كل خزينة عند حامل يحملها وحافظ يحفظها والكل بما هو كل عند صاحب الكل وخالق القل والجل ولا يشاركه فيها غيره كما قال عز من قائل قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وقال ايضا سبحانه وتعالى ام تملكون خزائن ربه ام هم المصيطرون ولذا قال عز وجل كما تقدم وعنده مفاتح الغيب الآية ولما كان الامر كما ذكرنا من بطلان الطفرة وعدم مباشرة الحق سبحانه الاشياء بذاته (ظ) المقدسة قال عز وجل ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وقال تعالى وكان عرشه على الماء وقال ايضا الرحمن على العرش استوى وقال الله يتوفى الانفس حين موتها وقال قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم فافهم ولما كان من صنعه المبرم وحكمه المتقن حكم ان يجعل الاشياء على نمط واحد وطور غير متعدد ويخلقهم كنفس واحدة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ويجعلهم متطابقة كان لكل شيء خزائن من حيث العلم حسب وجوده فيها فثبت العموم المدلول عليه بالنكرة في سياق النفي في قوله تعالى وان من شيء الآية بافراد الشيء وجمع الخزائن ولما كان الانسان طبق العالم الكبير وهو الكتاب المبسوط كما قال امير المؤمنين عليه السلام الصورة الانسانية هي اكبر حجة على خلقه وهو الكتاب الذي كتبه بيده الحديث وقال ايضا عليه السلام :
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
ولما كان العالم بمجموعه اعظم بسطا واكثر شرحا وابلغ بيانا واوضح تبيانا من العالم الصغير الانساني وجب علينا ان نذكر اولا ترتيب خزائن العلم وحفظته وحملته في العالم ثم نذكر ما يقابلها في الانسان
فنقول ان اول الخزائن واعلاها العمق الاكبر وهي الخزينة الامكانية وهي العلم الامكاني ومذكورية الاشياء في الامكان وذاكرية الحق لها فيه وهو العلم السابق الذي قبل كون الاشياء وبعد كونها ومع كونها وهو الشيء المذكور العلمي قبل ذكر العيني كما في قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لان النفي انما يتعلق بالقيد الاخير وهي الاعيان الثابتة وهي الفيض الاقدس المتقدم على الفيض المقدس وهو اول الذكر اي ذكر الحق سبحانه للاشياء بذاتها لان عرفت استحالة ذكره تعالى اياها في رتبة ذاته الشريفة المقدسة بل ذكرها في مقام فعله بنفس فعله فذكر الاشياء انما هو محل لفعله ومساوق لوجوده في رتبة وجوده الفعلي الامكاني اذ حيث بطل الذكر الذاتي لم يبق الا الغيري وحيث بطلت الغيرية الازلية القديمة لم يبق الا الامكانية فذكر الاشياء بنفسه الاشياء ليكون علمه الفعلي غير معلوماته اذ لا يتصور الغيري وهذا العلم هو العلم الامكاني اي ذكر جميع الممكنات والمكونات مما وجد ولم يوجد ومما سيوجد ومما يصح ايجاده ويمتنع والاعدام المتصورة والمنفيات المتوهمة والكواذب المصنوعة مما يمكن فرضه ووجوده وتخيله وتوهمه وتصوره وتعقله ووجدانه واحساسه وكلما يصدق عليه اسم الشيئية وكلما يعبر عنه بعبارة او يشار اليه باشارة كل ذلك قد ذكره الله سبحانه في تلك الخزينة اولا بفعله وبرهانه بدليل الحكمة ان فعل الفاعل لما ظهر قبل تعلقه بمفعول معين يظهر ويوجد معه ذكر جميع ما يصح ان يصدر من ذلك الفاعل ولم يبق الا ما يستحيل عليه وذات الفاعل ضرورة بطلان وجود شيء يصح ان يصدر من الفاعل ولم يصح تعلق فعله به فعند ذكر فعله يذكر جميع ما يصدر عنه باللاتعين المخصوص وقد علمت من ذلك ان امكان آثار الفاعل لا يوجد الا حين وجود فعله وكذلك الامر فيما نحن فيه فان الحق سبحانه كان في الازل ولم يكن معه شيء ثم اخترع الممكنات حين احب ان يعرفه العبيد لا من شيء فكان احدث الوجود لا من شيء احدث الامكانات والممكنات لا من شيء فالممكن لم يكن شيئا لذاته وانما كان شيئا بغيره حين اخترعه وامكنه وحبسه في الخزائن العليا ثم كون منه ما شاء كما شاء يخرج من تلك الخزائن اذا شاء فيكسوه حلة الوجود ينفق كيف يشاء فلما امكن الامكان بفعله الذي هو مشيته كان هو وما فيه من جزئيات العامة على هيئة مشيته لما هو المقرر من ان المفعول انما يشابه صفة الفاعل وفعله لا ذاته فالامكان بما فيه على هيئة المشية والمشية خلقت بنفسها وظهرت كعموم قدرته فيما يفعل سبحانه لان قدرته عز وجل ظهرت بمشيته لا بنفسها لان نفس القدرة وذاتها هو الله سبحانه واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلام بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة فشبهوك وجعلوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك يا سيدي فلما بدت قدرته لم تبد بهيئة ذاتية لان ذلك محال وانما بدت بهيئة فعلية وتلك الهيئة هي المشية التي ابدتها قد ابدتها بنفسها اي بنفس المشية فالمشية هيئة القدرة ونفس المشية والامكان هيئة المشية وهي وهيئته عامة واسعة لا غاية لعمومها وسعتها ولا نهاية فلما كان الامكان والممكن بدء على هيئة هذه الهيئة العامة الواسعة التي لا تتناهي كان قابلا لكل ما يحتمل مثلا حقيقة زيد الامكانية يجوز ان تكون زيدا وان تكون جملا وجبلا وماء ومعدنا وحيوانا ونباتا وارضا وسماء وملكا ونبيا وكافرا وشيطانا الى غير ذلك مما لا يتناهى فظهر ان كل امكان من الامكانات الجزئية مشتمل على افراد لا تتناهي ابدا فالحقيقة التي خلق منها زيد يجوز ان تلبس كل صورة من الغيب والشهادة من الحيوان والنبات والجماد وضعا او (ظ) عينا او صفة فاذا امكن في حقيقة واحدة ان تلبسوا صورة من الفالف صورة مثلا كلها متساوية في الامكان واما في الظهور فالصور انما يتحقق بالحدود والهندسة الظاهرة والغائبة من الغيب والشهادة فظهر لك ان الله سبحانه كان في الازل الذي هو ذاته ذاكرا قبل المذكورين وليس ثم مذكور سواه فاول ما ذكر عبده في مشيته ولم يكن ذكر المحدث قبل المشية وكان ذكره له فيها على هيئة المشية هو الذكر العام الواسع الذي لا يتناهى وهذا الذكر الامكاني الواسع هو التعين الكلي الراجح الوجود وحامل هذا العلم هو الحق سبحانه وهو سبحانه المتفرد به ليس لاحد فيه نصيب وهو الاسم المكنون المخزون في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهو العلم الذي لا يحيطون به علما وهو البحر الذي لا ساحل له ولا غاية ولا نهاية وهو الذي امر رسول الله صلى الله عليه وآله منه الاستزادة بقوله تعالى قل رب زدني علما فان الاستزادة عن ذات الله سبحانه كفر وشرك وعما عنده تحصيل الحاصل الباطل القبيح فيكون عما ذكرنا وهذا هو الذي كان سبب تحير رسول الله صلى الله عليه وآله المسؤل عنه في قوله اللهم زدني فيك تحيرا فان التحير لا يحصل فيما يعلم وهو الشمس المضيئة في قول امير المؤمنين عليه السلام على ما رواه في التوحيد عن الاصبغ بن نباتة انه قال عليه السلام الا ان القدر سر من سر الله وحرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله العباد عن علمه ورفعهم فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية لانه بحر مواج خالص لله عز وجل عمقه ما بين السماء والارض عرضه ما بين المشرق والمغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه ونازعه في سلطانه وكشف عن سره وستره وباؤا بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وهذا العلم اول الخزائن وهو مظهر البداء ومبدء المحو والاثبات واليه اشار ما قال مولينا الرضا عليه السلام ان لله علمين علم علمه ملائكته وانبيائه ورسله وحججه من خلقه وعلم لم يعلمه احد وهو مكنون مخزون عنده ومنه البدا والمحو والاثبات نقلت الحديث بالمعنى وهذا هو الغيب الذي خص الله سبحانه به ولم يعلمه احدا من خلقه وهذا هو الذي ورد الاخبار المتكثرة ان علم الغيب خاص بالله سبحانه فمن نسب الى احد من خلقه علم الغيب فقد كفر وورد الطعن واللعن لمن ينسب الى آل محمد سلام الله عليهم علم الغيب مع انهم يعلمون كل شيء من الغيب والشهادة وانما هو هذا العلم وهو منه محتوم مقدر ومنه مشروط والثاني اما هو مشروط في الغيب والشهادة معا او في الغيب وحده او في الشهادة وحده ومنها ما لا يصلح للوجود اصلا فيخبر الحق سبحانه بعض هذه الامور من ارتضى من رسوله على تفصيل لا يمكنني الآن بيانه على حسب مراتبهم ومقدارهم على جهة الحتم وغيره وهو سر الاخبار بما سيكون والتخلف احيانا قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وقد نذكر ان شاء الله مراتب المرتضين
وهذه الخزينة تنقسم الى قسمين احدهما الخزينة العليا وثانيهما السفلى اما الاولى ففيها ذكر الخيرات والطاعات والوجوديات والصور الحسنة والاعتبارات الصحيحة والذوات الطيبة والملكات النورية والافعال المستحسنة والانوار الوجودية الامكانية والالهامات الالهية والقذوف السرمدية والامدادات الوجودية الوحدانية وكلما يدرك ويحس ويجس ويتخيل ويتصور ويتوهم ويتعقل ومما وجد كونه وما لم يوجد سواء يصح ويمكن كونه ام لم يصح بل يمتنع بالنظر الى الامور الخارجية مثل جعل الخلق كلهم انبياء معصومين وامثال ذلك من الامور الحسنة التي يمكن ولا يوجد ومما يقدر على ادراكه البعض او الكل فكل ذلك انما هو من تلك الخزينة منها ( ما ظ ) يكون صورها في الاذهان وان لم يوجد عينها في الاعيان ومنها ما حجب عينها وظلها عن افهام الخلق وادراكاتهم ومبلغ عقولهم ومن هذه الخزينة ينفق كيف يشاء بما يشاء لما يشاء اهلها ومستحقها من الذوات الطيبة والاكوان النورية حسب اقتضاء القابليات واستدعاء الاستعدادات مما اراد ان يظهرها وشاء ان يكونها واحب ان يحاط به علما قال الله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وجعل الاستثناء فافهم هذا الكلام المردد بالفهم المسدد
اما الثانية ففيها ذكر كل الشرور والمعاصي والسيئات والمعوجات (ظ) والصور الباطلة والادراكات القبيحة والاعتبارات الفاسدة والتوهمات الكاسدة والامور الغير النفس الامرية والذوات الخبيثة والملكات الظلمانية والتاييدات الشيطانية والقذوف الافكية والامدادات العدمية والتاييدات الخذلانية وكلما يدرك ويحس ويجس ويتصور ويتخيل ويتوهم ويتعقل ويجد من الادراكات الباطلة والصور الكاذبة والامور العدمية والذوات النفية (كذا) مما وجدت وما لم توجد وسيوجد او لم يصح وجوده وكونه اصلا نظرا الى قبحه الذاتي وعدم استدعاء امر من الامور وجوده ومما يدركه الكل او البعض فكل ذلك انما هو من هذه الخزينة السوءاي منها يكون صورها في الاذهان وان لم يوجد عينها ومنها قولهم انا نتصور شريك الباري والاعيان الثابتة في الازل واجتماع النقيضين وان فرض المحال ليس بمحال وان ارتفاع النقيضين يصح في المرتبة وان الشيء ليس بموجود ولا معدوم ولا حادث ولا قديم وان المفاهيم على خمسة اقسام وان المشية عين ذات الله وان عليا عليه السلام افضل من رسول الله وغيرها من الامور الباطلة فانما هي من تلك الخزينة يدخلها الله سبحانه من رحمته الواسعة حسب سؤال المضطرين في مراتب مشاعرهم ومدركاتهم بالصورة اللايقة له فافهم واتقن المجموع هو علم الحق سبحانه بالاشياء ولما كان هو اول الذكر كما قال مولينا الرضا على جده وجدته وآبائه وعليه وبنيه آلاف التحية والثناء ليونس بن عبد الرحمن اتدري ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول ثم قال اتدري ما الارادة قال لا قال هي العزيمة على ما يشاء اتدري ما القدر قال لا قال هو الهندسة ووضع الحدود من الآجال والارزاق كان في كمال السعة والعموم والشمول كما ذكرنا فلذا اختص بالحق سبحانه لعدم سعة الغير لكونه لا يتناهى والايحيط باللايتناهي الا اللايتناهى فصح الاختصاص وهذا غيب مفتاحه بيد الله سبحانه بمشيته التي هي من الغيب والخزينة لعدم خلوها من الامكان فافهم سر الاستدارة على النفس راشدا موفقا
ثم اعلم ان هذه الخزينة كما عرفت انها تنقسم الى قسمين وهو باعتبار المحل لكنها باعتبار الحال والمحل تنقسم الى قسمين آخرين الاول مقام الحال ورتبتها الثاني مقام المجمل ورتبته وقد علمت انها تنقسم على قسمين عليا وسفلى
اما الاول فاعلم ان المراد به المشية وهي فعل الله سبحانه الكلي عالم فاحببت ان اعرف الوجود المطلق والحق المخلوق والسر المقنع بالسر والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وبها تحقق ووجد ما برء وذرء وتلك الخزينة هي محله وان كان هو منها الا انه على الجهة الاعلى منها فنسبته اليها كنسبة العرش الجسماني اي المحدد الجهات الى الجسم والزمان والمكان فهو طبق هذه الخزينة وهي طبقه لا يزيد احدهما على الآخر اذ لا يكون امكان او ممكن لا بالمشية والفعل ولا يكون الفعل لا في الامكان فهما متساويان متحاويان الا ان الاول على الحد الاعلى من الامكان وهو الامكان الراجح وان كان الكل كذلك الا انه ارجح يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وهو ينقسم على خزائن اربعة لكونه الكلمة التامة وهي اول ما تكلم الحق سبحانه بها فهي اول العلم الغيري اذ معلوم وهو مخزون في اربعة خزائن كل خزينة وسيعة وسعة غير متناهية لا يحيط بها الا الحق سبحانه الاولى مقام الظاهر الباطن والنقطة والسر المقنع بالسر والسر المجلل بالسر وحق الحق والباطن وباطن الباطن والقطب الحقيقي والمطلوب الواقعي ومقام الفاعلية والعلوم في هذه المرتبة كلها على جهة الوحدة والبساطة الحقيقية والوحدة الحقيقية ولعمري ان البسيط المطلق في الامكان بعد رتبة الازل الاول ليس الا هذا المقام فافهم الثانية مقام الباطن من حيث هو باطن ومقام السر المستسر بالسر ومقام الالف والنفس الرحماني الاولي والرياح المثيرة للسحاب المزجي وحق الحق والباطن وباطن الباطن والمحور الحقيقي الذي هو القطب والعلوم المخزونة في هذه المرتبة انما هي على جهة الوحدة الانبساطية والشمولية لانها انبساط النقطة الحقيقية وهو ثاني رتبة صبح الازل الذي هو اول ظهور شمس الازل الكنز المخفي وثاني المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان الثالثة مقام الظاهر اي الباطن الظاهر وسر السر وحق الحق وباطن الظاهر والسحاب المزجي وشجر البحر والحروف العاليات ومقام العماء ورتبة الهواء وثالث رتبة صبح الازل وثالث المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والعلوم المخزونة في هذا المقام كلها على سبيل التفصيل النوري على جهة الشرافة بل هذا التفصيل عين الاجمال التحتي وهذه الكثرة عين الوحدة الدونية وانما كثرته بالنسبة الى ما فوقها ولا فرق وهو الدائرة الدائرة على نفس المحور لا على القطب التي هي نفس المحور الذي هو نفس القطب
قد ظلت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
وهي ثالث جزء الاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله ولا يخرج منه الى غيره وثالث الغيوب من الغيب الاول الذي مفتاحه عند الله سبحانه خاصة وثالث الخزائن من الخزينة الاولية من الخزينة الاولى فافهم الرابعة مقام الظاهر من حيث هو ظاهر ومقام الباطن في رتبة السبعين والسر والظاهر والكلمة التامة التي انزجر لها العمق الاكبر والسحاب المتراكم والبحر الاول والازلية الثانية وصبح الازل والاسم المكنون المخزون الاعظم الاعظم الاعظم الاجل الاكرم والمقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وعالم كن والغيب الاول من الاول والخزينة الاولي من الاولي والسر المقنع بالسر والكرة المستديرة على الدائرة المستديرة على المحور المستدير على القطب التي هي نفس الدائرة التي هي نفس المحور الذي هو نفس القطب الذي هو نفس الكرة فكانت مصمتة مستديرة على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تستدير عليها على التوالي وهي تمام الواحدية وتمام بسم الله الرحمن الرحيم الذي هو ظهور الحسن اذا رقيته الى رتبة كماله فارق السين والنون الى كمالهما واحذف التعريف الزايد لكراهة اجتماع التعريفين فيظهر الورقاء المغردة على اغصان بسم الله الرحمن الرحيم ولم يبق له الا الذي يحبه الذي به تمامه وكماله وجلاله وجماله اذ لولا المحب لم يكن للحسن مقدار وهو عالم فاحببت ان اعرف والمحبة المطلقة الاولية فكان هو الكاف التي هي تمامه ومحبه فاتصلت بالنون في المحبوب فتحققت كلمة كن فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم
فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتاخذه عنا
والعلوم المخزونة في هذه الخزينة لا نفاد لعددها ولا نهاية لامدها ولا انقطاع الى ابدها وهي المحبة الالهية التي لا نفاد لها ولا انقطاع كما قال في حديث الاسرار مخاطبا لسيد الابرار في وصف الاخيار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ومن هذه الخزينة ينفق كيف يشاء ويعطي ما يشاء كيف يشاء بما يشاء وهو المتصرف في بلاده ولا راد لقضائه ولا مانع لحكمه وهو العلي الكبير والحمد لله وحده
اما الخزينة الثانية فهي خزينة العلم الكوني وهو الذكر الثاني للاشياء وقد علمت بالبرهان ان ذكر الحق سبحانه وتعالى للاشياء في مرتبة ذاته ممتنعة مستحيلة فاول ذكره اياها في الخزائن الاولى على نحو الذكرى والوجود الصلوحي وثاني ذكره لها في الخزائن الكوني وهو الذكر التعيني من ذلك الذكر اللاتعيني والتخصصي من ذلك اللاتخصصي وهذه الخزانة الكلية تنقسم الى الخزائن الكثيرة الغير المحصورة لكنها تجمعها خزانتين الاولى ما يعم الكل وصحيح الصدق على جميع ما ذرء وبرء وهو العلوم العامة الشاملة الكلية الصادقة على كل ما في الكون والثانية العلوم الخاصة بكل رتبة من المراتب ممنوع الصدق على الاخرى
واما الاولى الكليات فهي مخزونة في عدة خزائن :
الاولى خزانة الكون اول الذكر الثانوي مقر المواد والمقبولات والهيوليات والاصول والاسطقسات وهو المسمى بالوجود ففيها ذكر مواد الاشياء وصلوحها لقبول الصور وهذا هو اول النور الابيض المشرق من صبح الازل وحامل هذا العلم هو المشية الكونية فانها على قسمين حسب تحقق الاختلاف في المتعلق والا فهي شيء واحد ليس في الامكان ابسط واشد وحدة منها وليست وحدته من سنخ الوحدات وانما هي حقيقية كما نذكرها ان شاء الله تعالى فهي حامل علوم المواد المقبولات المفاضة على القابليات ومنشأ الامدادات الواصلة الى الاستعدادات وهو قول مولينا الرضا عليه السلام اتدري ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول على ما سبقت الاشارة اليه وهي الاختراع الاول واول ظهور الازل لم يزل
الثانية خزانة العين وهي ثاني الذكر الثانوي محل القابليات ومقام ظهور الاستعدادات وسؤال المضطرين بنسبة القابليات وجوابهم لسؤال رب الارضين والسموات بسؤالهم اياه لسؤالهم لهم فاجابهم وسئلهم بسؤالهم لسؤالهم فاجابوا لسؤاله الذي هو جواب لسؤالهم والعلوم المخزونة في هذا المقام علم مبدأ الاختلاف والتمايز وكيفية وقوع الكثرات وصدورها من الواحد من جميع الجهات وكيفية اقتضاء الخلق الاختلاف وعدم الايتلاف وكيفية الامر بين الامرين ومبدئه ومنتهاه ومواده واصله وفرعه وعلم مبدء السعادة والشقاوة الذاتيه الاصلية الحادثة الغير القديمة على جهة الاختيار وامثالها من العلوم التي لا يحيط بها فكري ولا يمد لها فكري وما طويتها اكثر من جهة الخوف وما طويتها من جهة عدم الاقبال اكثر واعظم قال ( فان ظ ) شرح هذي الامور مما يؤدي الى البسط الكثير في المقال انا لست بصدده وان كان ذكره واجبا لعدم عثور العلماء على هذه النكات الشريفة والدقايق اللطيفة والله المستعان وحامل هذا العلم الارادة الفعل المسمى بها بمحلها فهي حامل علم القوابل والاستعدادات وهي الذكر الثاني للفعل باعتبار التعلق وقال مولينا الرضا عليه السلام اتدري ما الارادة قال هي العزيمة على ما يشاء ومنها ينشأ الاختلافات وتظهر الكثرات وهي الابتداع الاول قال الرضا عليه السلام اول ما خلق الله الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون فافهم
الثالثة خزانة التقدير والهندسة الايجادية ووضع الحدود الوجودية من الآجال والارزاق والحدود والهيئات من الكم والكيف والاين والمتى والوضع والرتبة والمكان والزمان والاذن والاجل والكتاب والامتداد والنسب والاضافات في الاسباب والمسببات وهذه الخزانة هي ثالث الذكر الثانوي بعد اتمام الشيء وهي مبدء ظهور السعادة والشقاوة وظهور الطول والقصر وظهور العلو والدنو والفرق بين العلوم المخزونة في هذه الخزينة والتي في الثانية بالظهور والبطون والاجمال والتفصيل كالفرق بين المداد والصورة المكتوبة في اللوح فافهم وحامل هذا العلم القدر بمحله قال مولينا الرضا عليه السلام اتدري ما القدر قال لا قال هي الهندسة ووضع الحدود من الآجال والارزاق وبه الفعل المسمى به وهي ثالث ذكر باعتبار المتعلق للمبدء (ظ) والا فهو شيء وهذا الذكر لا يكون الا بالمحل فانها اذكار وعلوم ثانوية فعند هذا العالم اوضاع الاشياء وحدودها وهيئاتها وكيفياتها واينياتها من اسبابها ومسبباتها فافهم
الرابعة خزانة التركيب والامتزاج والاتمام بعد تعديل الشيء وتسويته كما قال الله تعالى هو الذي خلقك في مقام المشية بها بمحلها فسويك متفرع عليه اي عينك اي خلق عينك في مقام الارادة بها بمحلها فعدلك من تقدير احوالك واقوالك واعمالك وحركاتك وسكناتك في مقام القدر به بمحله في اي صورة ما شاء ركبك اتمك واوجدك تاما مصورا مقدرا معينا وخزانة علم القضاء المتأخر عن القدر كما قال امير المؤمنين عليه السلام حين هرب من الجدار المنكسر افر من قضاء الله الى قدره وحامل هذا العلم المقام الرابع لصبح الازل الذي هو ظهور شمس الازل فعنده علم القضاء وما يحدث في الكون من الارض والسماء
الخامسة مقام الاظهار ومرتبة الابراز مشروح العلل مبين الاسباب وهذه الخزينة لازمة للاولى ومترتبة عليها فعندهما ينقطع البداء فلا بداء اصلا الا في الابقاء والامداد والا فقد جرى القلم بايجاده واتمامه وابرازه وقضى الامر وامضى فاين البداء لذا قال عليه السلام اذا قضى فلا بداء وحامل هذا العلم المقام الخامس من صبح الازل وبيده مفتاح هذه الخزينة وهذه الخزينة مع حاملها عند (كذا) بيد حامل الخزينة الرابع وهي مع حاملها بيد الحامل الثالثة وهي مع حاملها عند الحامل الثانية وهي مع حاملها عند الحامل الاولي فاجتمع الكل عنده وهو ما قال الرضا عليه السلام ما معناه بالمشية كانت الارادة وبالارادة كان القدر وبالقدر كان القضاء فاذا قضى امضى فلا بداء وذلك الحامل الكلي مع ما عنده عند الله سبحانه وتعالى فعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو فافهم
وهذه هي الخزائن الكلية العامة لكل شيء من الاشياء مما يصدق عليه اسم المشية وهؤلاء هم حملة تلك الخزائن فلا يوجد شيء جزئي او كلي ذاتي او عرضي لفظ او معنى اسم او مسمى الا ويتم بهذه الخزائن ويوجد كل مرتبة منه في مرتبة منها وهو ما قال مولينا الصادق عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم ( انه يقدر ظ ) على نقص واحدة منها فقد اشرك بالله وفي رواية فقد كفر
واما الثانية اي العلوم المخزونة في الخزائن المخصوصة لاشخاص وافراد مخصوصة وهي على قسمين احدهما الخزائن المتحققة المترتبة في السلسلة الطولية المحضة اي مرتبة العلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية وثانيهما الخزائن المتحققة في السلسلة الطولية العرضية معا لا الطولية وحدها اي المحضة لعدم العلية المؤثرية الفاعلية ولا العرضية المحضة لعدم الاتحاد في المرتبة والمقام والشرافة والنورانية والتقدم والتأخر والاولية والآخرية اما الاولى فعلومها مخزونة في عدة خزائن الاولى عرش الرحمن واول الاعيان واشرف الاكوان وسقف الجنان الصاقورة التي ذاق روح القدس من حدائقها الباكورة فلك الولاية المطلقة والمحبة الحقيقية والازلية الثانوية التجلي الاول الاسم الاعظم رب الارباب النون والعلم المطلق والوجود المطلق والغيب المطلق والحق المخلوق مجمع الذوات الاحدية الغيب الثاني مجلي حقيقة الحقايق الظل الاول وهو الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته فاعطي كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فكان هو قبل ما برء وذرء وخلق فهو المخلوق الاول والخلق الاول والظاهر بالظهور الاول وهو منبع فيض كل شيء مخلوق وعنده خزن كل علم محدث وعنه ظهر كل مذروء ومبروء وهي الذات السرمدية والنور الاحدية وتمام الواحدية والغايب في بسم الله الرحمن الرحيم في المراتب الخلقية القابلية التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار المشية اعني بها الحقيقة المحمدية عليها صلوات الله ما دامت البرية وهذه هي معدن الرحمة والرحمة الواسعة والمكتوبة انما هي مخزونة عنده وهي خزانة ينفق منها كيف يشاء الحق من الامدادات الوجودية العلية الامكانية اللاتعينية وهي مبدء الوجودات الكونية ومحل المشية الوجودية بمعنى انه لم يتحقق شيء من الاشياء بالمشية عن الله سبحانه الا بعد تعلقها بتلك الحقيقة المقدسة ثم منها يصل الى المكونات الخلقية وآية ذلك السراج فانه اي الشعلة ليست مستقلة في امداد الاشعة وابقائها واصدارها وكذلك بالنسبة الى نفسها بل المستقل في عالم السراج انما هو النار لكنها جعلت الشعلة خزانة لجميع ما ارادت ان تعطيها الاشعة الى الاشعة شيئا من النور لا قليل ولا كثير الا بواسطة الشعلة فهي باب النار وعرشها ومحل استوائها وخزانة كلها يحتاج اليه الاشعة ونفس السراج الشعلة فكل العلوم المتعلقة بالاشعة كلها مخزونة عند الشعلة وبهذه الآية والمثال الذي ضرب الله لك استبصر في امر سيدك ومولاك صلى الله عليه وآله اذ لا يمكنك تقول ان هنا مخلوق اشرف واعظم منهم فلا يكون اقدم منهم الا جاءت الطفرة وهي باطلة عند اهل الفطرة فاذا كانت تلك الحقيقة الشريفة في اول الوجود فقد ملأ الفضاء وسد ما بين الارض والسماء فلم يبق مكان من المراتب الخلقية والمقامات الكونية الا وقد ظهر ذلك النور فيه فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت وهو الذي ملأ الدهر قدسه فكلما تجد وتعقل وتتصور وتتخيل وتتوهم وتحس وتجد مما هو في رتبة العين وتفرض وجوده الكوني الحقيقي من احوال الخلق او من صفات الحق مما لا مدخلية لها في ذات الحق سبحانه فهو اما مقامهم في ذاتهم واما ما ظهر عنهم من آثارهم فهم رحمة الله التي وسعت كل شيء فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها فاذن كل شيء عنهم وبهم ومنهم وفيهم ولهم ومعهم وعندهم وعليهم ولديهم فاعرف معنى قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فما اوسع هذه الخزينة الشريفة العظيمة التي وسعت جميع اسرار الحق وابرازه وفيوضاته وامداداته وظهوراته مما لهم ولغيرهم ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو صلى الله عليه وآله العبد المؤمن الذي آمن بالله سبحانه بالايمانين واسلم له بالاسلامين واجاب دعوة ربه الست بربكم بالاجابتين اي التكويني والتكليفي قبل كل شيء وقبل اجابة احد باحدهما انما فضلني ربي على جميع المرسلين لاني كنت اول من اجاب لقوله الست بربكم فاذن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ومن انكر شيئا مما ذكرنا فقد انكر قدرة الله وكفر وشك في ولاية امير المؤمنين وذريته الطيبين عليهم سلام الله ابد الآبدين ومن صدق وآمن فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فاني قد ذكرت لك بالتلويح والاشارة اصلا اصيلا لو وفقك الله تعالى للعثور عليه لا يبهم عليك امر من امور اصولك او فروعك الا ان العاثر عليه اقل من الكبريت الاحمر والحمد لله رب العالمين وحامل هذه الخزانة الشريفة الواسعة ليس الا الله سبحانه بفعله الذي هو نفس هذا العلم وليس لاحد فيها نصيب فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع وليعلم ان في هذه الخزانة الشريفة الكلية خزائن عديدة من العلم كل منها اوسع من الارض والسماء في كل مقام بحسبه لان المراد بالحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله بل المراد بها هو المجموع لكونهم حقيقة واحدة وطينة واحدة لقولهم كلنا محمد اولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد (ص) كلنا محمد (ص) ولذا ترى قد نجعل الضمير العايد الى تلك الحقيقة مؤنثا وقد ناتي مذكرا وقد ناتي به مفردا وقد ناتي به مجموعا فاعرف السر فيه وفقك الله لما يحب ويرضى
فاوليها واعليها الحقيقة المقدسة النبوية وما له وبه ومنه وفيه وعنده في مرتبة ذاته المقدسة وهويته المشرفة المنورة وهي محل النقطة الاولية السرمدية واول المجالي الالهية والمظاهر الاحدية وهي ( وهذه ظ ) الخزانة مغلق مسدود بابها عن كل احد ليس مفتاحها الا عند من هو عاليه او هو في رتبة ذاته التي هي نفسه الشريفة فمابقي الا ان يكون مفتاحها عند الله وعند نفسه الشريفة المقدسة اذا غفل عنها وهذا هو الحرف الواحد الذي ذكرنا في مباحثاتنا ورسائلنا انه لا يعلمها علي عليه السلام وهي مما تفرد به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله عن مولينا امير المؤمنين عليه السلام من العلم المكنون ولا يعلمها امير المؤمنين عليه السلام الا ان يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وهو انكان رسول الله صلى الله عليهما وآلهما الا انه منه كالضوء من الضوء صلى الله عليهما وآلهما واما حديث يا علي ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا فمحمول على المعرفة الاضافية لا الحقيقية وان كانت الاضافية اعم فافهم وكان هذا العلم الشريف في تلك الخزانة الواسعة العظيمة مكنونا قبل خلق الخلق التكويني ولا التشريعي بنحو من الانحاء ووجه من الوجوه ثمانينالف سنة وكل سنة الف يوم وكل يوم دهر لا بل وسرمد وكل يوم اوسع من مقدار مدة اول خلق العقل الاول الى فناء الدنيا وهذا تقريبي اذ ذلك الوقت لا يعد بعد ولا يحد بحد والله اعلم وهو قوله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته فافهم
وثانيها الحقيقة المقدسة الشريفة العلوية وما لها وفيها واليها وبها من حيث هي هي في مرتبة ذاته المقدسة وهويته المنورة وهي محل الف الرياح المثيرة للسحاب من على (كذا) شجر البحر واول المجالي الرحمانية والمظاهر الوحدانية وهي الكتاب المسطور الذي كتبه الحق سبحانه بالقلم الاول قبل النون الثاني الممد للقلم وقد اظهر الحق سبحانه وعنده الخزانة الشريفة من العلوم والاسرار مما لا يتعلق الا بها وبما فوقها لا بغيرها وبما دونها ما لا يحيط بها احد غيره سبحانه وحامل هذا العلم لا يكون الا تلك الحقيقة الشريفة المقدسة برسول الله صلى الله عليه وآله بل منه بالله سبحانه يا علي ما عرفك الا الله وانا والحصر حقيقي كما هو الاصل والحقيقة فتكون تلك الحقيقة الشريفة خزانة وحاملة لها وهو الغيب المطلق واغيب الغيوب والسر المستسر بالسر والنفس الرحماني الاولي ومخزن العلوم الالهية ومظهر الرحمانية اي نفسها ومدلول لفظها واسمها قبل استوائه على العرش الذي هو على الماء وهذا هو الحرف الواحد من علم التوحيد ومعرفة النفس قد تفرد بها رسول الله وامير المؤمنين عليهما سلام الله ولم يعلمها وما خص بها رسول الله صلى الله عليه وآله وحده احد من الخلق حتى ائمتنا سلام الله عليهم اجمعين يا علي ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا
وثالثها حقيقتي سيدي شباب اهل الجنة في محل النزول ومقام التفصيل والفرق وما لهما ومنهما واليهما في مرتبة ذاتهما وحقيقتهما المقدسة والمنورة صلى الله عليهما وهما حرفان عاليان من الحروف العاليات وسحابان من السحب المزجاة وكلمتان من الكلمات التامات احدهما قيام السموات والارض والآخر عماد السماوات والارض في الدعاء بعد كل ركعتين من نافلة الليل وقد اودع الله سبحانه في هاتين الخزينتين من العلوم والاسرار مما يتعلق بامر التوحيد والرسالة والمعاد مما يتعلق بتينك الحقيقتين المقدستين وما فوقهما ما لا يعلمها غير من هو فوقها وهما وحامل هذين العلمين ليس الا انفسهما وراثة من جدهما وابيهما بالله سبحانه واما الفرق بين هاتين الخزانتين في تقدم احديهما على الاخرى واوسعيتهما بالنسبة الى الاخرى فلم اجد تصريحا في الاخبار ولا مصرحا من العلماء الابرار ممن هم العمدة والمدار الا انه اذا تم وصح ورود دعاء العديلة عن مولينا امير المؤمنين (ع) او احد الائمة عليهم السلام يمكن القول بأوسمية الاولى الظهورية على الثانية كذلك فان ما فيه يدل دلالة ظاهرة على ذلك عند قوله ثم من بعده سيد اولاده الحسن بن علي ثم اخوه السبط التابع لمرضات الله الحسين (ع) الدعاء لكن ورود هذا الدعاء عن ائمة الهدى عليهم سلام الله الملك العلي محل كلام عند العلماء لكن الذي يتبين لي من بواطن الاخبار وكيفية سلوك السيد المختار معهما صلى الله عليهما وكون ثوب مولينا الحسن عليه السلام اخضر وثوب مولينا الحسين عليه السلام احمر وكون وجههما الشريف عند انتقالهما عن هذه الدنيا يميل الى الخضرة والحمرة وكون قصورهما في الجنة جنة عدن من زمرد خضراء وياقوتة حمراء وكون رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد الحسن عليه السلام على ركبة اليمني والحسين عليه السلام على اليسرى ويركبهما على الكتف الايمن والايسر ويرتب ذكرهما بالتقديم والتاخير وترتب ظهورهما في هذه النشأة بالتقديم والتاخير كما كان لجدهما وابيهما ومساواتهما في الفضايل كلها وكون الائمة من عقب الحسين عليه السلام وحده دون الحسن عليه السلام كموسى وهرون وكون الانبياء من نسل هرون دون موسى وافضلية موسى وامثال ذلك من الامور يعرف من له فراسة وتوسم انهما عليهما السلام الحقيقة الشريفة والحسين عليه السلام هو الجهة اليسري منها ولا تتم الحقيقة الواحدة الا بهما وما اجابا سؤال ربهما الست بربكم الا معا الا ان الحسن عليه السلام متيامنا والحسين عليه السلام اجاب متياسرا والكل جواب واحد والله اعلم بحقيقة الدهر (كذا)
ورابعها الحقيقة الشريفة والذات المنيفة لمولينا القائم من آل محمد سلام الله عليهم اجمعين وما لها وبها ومنها في رتبة تلك الحقيقة المقدسة ثالث الحروف من الحروف العاليات وثالث السحب من السحب المزجي وقد اودع الله سبحانه في هذه الخزانة الشريفة من العلوم والاسرار ما لا يحيط بها احد الا عاليها ولا يشاهدها الا من هو معها ولا يطلع عليها من هو دونها الا بامور نذكرها ان شاء الله تعالى وحامل هذا العلم الشريف هو تلك الحقيقة فاتحد الحامل والخزانة بل والعلم كغيرها من المقامات المذكورة وبهذا العلم اي الحرف الواحد من الذي اختص به تحقق اعلميته وافضليته كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم اذ لا يجوز ان يكون ذلك من الاحوال المتعلقة بالخلق لانهم فيها على حد سواء لئلا يكون آخرنا اعلم من اولنا
وخامسها الحقايق المقدسة والذوات المشرفة المنورة المنزهة عن الالواث البشرية لساداتنا وموالينا الائمة الثمانية من اولاد مولينا الحسين عليهم السلام وما لهم وبهم ومنهم واليهم وعنهم في تلك الرتبة الشريفة والحقيقة المنيفة من العلوم والاحوال والامدادات الخاصة الالهية والفيوضات السرمدية حين تخصصت بهم لا قبله وقبل ان تخرج عنهم بالفاضل والعرق والرشح بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح مني وبالجملة هي العلوم التي تخصهم حين تخصهم من اتمام الحروف العاليات والسحب المزجاة والكلمات التامات ونور الارضين والسموات اعني بالفاضل والفطرة فلا يحيط بهذا العلم علم احاطة الا الله سبحانه فمفتاح ذلك العلم عند الله سبحانه في ملكه ولا يشاهده علم مشاهدة وعيان الا الحقايق المقدسة التي فوقهم وهم صلى الله عليهم فحامل هذا العلم من حيث الاحاطة ليس الا الله سبحانه وتعالى ومن حيث العيان والمشاهدة ليس الا حقايقهم المقدسة كما سبق فاتحد الكامل والخزانة والعلم في الثاني دون الاول ومن الاول يستزيدون وان كان منهم فلا يحيطون بشيء من علمه الحق سبحانه الا بما شاء كونه وعينه اي ما عينه وخصصه حين عينه وخصصه فانه لا يكون كذلك الا عندهم فهم يعلمونه ويحيطون به علما وهذه هو الزيادة التي لهم في كل آن ودقيقة بل وثانية وثالثة ورابعة الى عاشرة الى ما لا يتناهى فهم ابدا في الزيادة وهي ما شاء ان يحيط به وهو الزيادة المشار في قول الشاعر :
من فيه ما في الناس كلهم وليس في الناس ما فيه من الكرم
وتلك الزيادة المتعينة في حقايقهم لا يحيط بها علما الا هم فمفتاح تلك الخزينة بيد الله التي هم في الثاني اي العلم المشاهدة والعيان دون الاحاطة فافهم هذا البيان المردد بالفهم المسدد ولأضرب (ظ) لك مثلا تعرف منه حقيقة الامر ان وفقك الله لكنك اعلم ان المثال تقريبي مقرب من وجه ومبعد من وجه وانت خذ الغايات واترك المبادي وهو ان السراج مستضيئ ومتحقق من مس النار والدهن فاذا انفعل الدهن بالنار بعد التكليس و( لا يقرأ ) دخانا استضاء ( وظ ) حصلت الشعلة وهي دائما تستمد من النار ما دام بقائه وبقاء النار فهي دائما تمدها وهي ابدا تستمد منها وتمد الاشعة فلا تلحق الاشعة من حقيقة ما وصل الى السراج ابدا فلا تحيط شيء من الاشعة بما عند السراج علما وان بلغت في النور والاستضائة ما بلغت فكلما عند الاشعة من النور والجمال والبهاء والسناء فهو حاصل للشعلة من غير عكس لا كلي ولا جزئي فمن اين تعلم ما ليس عندها او غاية ما في الباب انها تعلم ما عندها مما عند السراج بالرشح والنور ولا تعلم ما ليس عندها وقد قال الشاعر ولنعم ما قال :
يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
واين العرض والاحاطة مما عند الجوهر وهذه الخزانة هي التي يخص عليها بتلك الحقايق المقدسة دون من دونهم صلى الله عليهم اجمعين
وسادسها الحقيقة المقدسة المطهرة المنورة الفاطمية صلوات الله عليها وما لها وبها ومنها وعليها وعندها في رتبة ذاتها الشريفة وهويتها المنيفة هي الكلمة التامة والسحاب المتراكم والليلة المباركة والليلة القدر والليل اذا يسر والسر المقنع بالسر والجامعة للكمالين الشعوري والظهوري من حيث اسمها الشريف الدال على مسماه المنيف وقد اودع الله سبحانه في هذه الخزانة الواسعة من الاسرار والعلوم والانوار ما لا يحيط بها الا اولادها الاثني عشر وابوها وزوجها وهي صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين وحامل هذا العلم على الاحاطة هو الله سبحانه وعلى العيان والمشاهدة ما ذكرنا من اولادها الاحد عشر وزوجها وابوها صلى الله عليهم اجمعين ابد الآبدين
وهذا هو مجموع الخزائن المتحققة في الخزينة الاولية وكلها شيء واحد وخزانة غير متعددة قد اودع الله في لب هذه الخزينة كل اسراره وجميع انواره الخاصة بالله سبحانه مما يطلع على احد
( الى هنا كان في النسخة الموجودة وهي غير تامة )