شرح حديث عمران الصابي

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

شرح حديث عمران الصابي

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الرابع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني المقيد بوثائق الآمال والاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب الاكرم الامجد الانجد اللوذعي الالمعي طالب البصيرة العليا في الدين الآميرزا زين ‌العابدين بلغه الله اقصى مدارج العلم واليقين بمحمد وآله الطاهرين عليه وعليهم سلام الله ابد الآبدين قد التمس مني ان اكتب كلمات في شرح حديث عمران الصابي وحل رموزه وفتح مقفله وايضاح مشكله واظهار الاسرار المودعة فيه واني مع قصور باعي وقلة اطلاعي قد كنت مشغولا باشغال تمنعني عن التفرغ لما اراد كما اراد مع ما فيه من كشف الاسرار التي لا ينبغي اظهارها لاهل هذا الزمان لقوله عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول في انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا وقال امير المؤمنين عليه السلام ما كلما يعلم العالم يقدر ان يفسره فان من العلم ما يحتمل ومن العلم ما لا يحتمل ومن الناس من يتحمل ومنهم من لا يتحمل ولكني لما الزمت على نفسي رعايته واوجبت على ما استطعت حمايته ما امكنني الا اجابته وسارعت الى نهج ( نجح خ ) طلبته سالكا الطريقة الوسطى ومازجا بين التصريح في العبارة والتلويح بلطائف الاشارة فان في هذا الحديث الشريف من الاسرار والاحوال ما لا تسعه العبارة ولا تحويه الاشارة واختصر في المقال لضيق المجال وتبلبل البال وتعارض الاحوال واقتصر في شرح الحديث ما يكون متعلقا بمسائل عمران الصابي دون غيره من باقي الحديث لاستلزامه التطويل وادائه الى كثرة القال والقيل فاقول مستعينا بالرب الجليل بعد قطع الاباطيل ودحض الاضاليل :

قال مولينا وسيدنا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يا قوم ان كان فيكم احد يخالف الاسلام واراد ان يسأل فليسأل غير محتشم فقام اليه عمران الصابي وكان واحدا في المتكلمين فقال يا عالم الناس لولا انك دعوت الى مسألتك لم ‌اقدم عليك بالمسائل فقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم ‌اقع على احد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته افتأذن ان اسألك قال الرضا عليه السلام ان كان في الجماعة عمران الصابي فانت هو قال انا هو قال سل يا عمران وعليك بالنصفة واياك والختل والجور قال والله يا سيدي ما اريد الا ان يثبت ( تثبت خ ) لي شيئا اتعلق به فلا اجوزه

اقول اعلم ان السافل ليس الا محض افاضة العالي ولما دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان الافاضة لا تكون بالجبر والاضطرار وانما تكون بالقبول والاختيار فالعطاء على نهج الاختيار يستدعي افاضة من يريد بما يريد كما يريد لا ما يريد للفيض ( المفيض خ ) كما يريد وان كان ذلك ما يريد كما يريد بما يريد فوجب في الحكمة على المفيض المعطي حينئذ السؤال من المستفيض للقبول ولذا جرى الخطاب التكويني في الشرع الوجودي بلفظ الامر المنبئ عن التكليف المنبئ عن الاختيار والارادة فقال سبحانه كن وضمير الفاعل فيه انت ( الضمير خ ) الراجع الى المفعول المستفيض فكان المفعول هو فاعل فعل الفاعل الآمر فسأله الآمر الفاعل التكون وقبول ما يعطيه من الوجود فقبل ثم قال تعالى فيكون بارجاع الضمير الى القابل المفعول وهذه القابلية للسؤال انما تحققت ووجدت بالسؤال حين الخطاب لا قبله ولا بعده ولذا كان المخاطب بالكسر والمخاطب بالفتح مشتقين من الخطاب فلما وجد المفعول بالوجداني ( بالوجدان خ ) الصلوحي الاقتضائي سألوا ربهم بفقر قابليتهم ان يسألهم ما به يمتازون ويختلفون ويأتلفون فسألهم تقريرا للسؤال الاول واجابة للسؤال الثاني الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ والائمة الاحد عشر وفاطمة الصديقة عليهم وعليها السلام اولياؤكم فاجابوا فمنهم على جهة المحبة والموافقة لمراد الله سبحانه ومنهم على جهة المخالفة والانكار فسعد من سعد وشقي من شقي هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم لما التقى الماءان واختلط البحران بحر عليين وبحر سجين صار عند اهل سجين قشر ورشح من عليين وبالعكس وذلك بتوارد القطرة النازلة من عليين من المزن تحت العرش الخارقة للسموات الواصلة الى الارض والبخار الصاعد من سجين الى الارض فالعرضيات اختلفت بالقوة والضعف والزيادة والنقصان فعرضية اولئك فيهم تستدعي ظهور الايمان ظاهرا و ( او خ ) فعل بعض لبعض الطاعات وعرضيتهم في اولئك يقتضي ( تقتضي خ ) الكفر ظاهرا او فعل بعض المعاصي وهذا هو المراد بالخلط واللطخ

ثم لما كان الامام عليه السلام جابر الكسير ومتمم النقصان وولي التدبير فاللازم عليه ان يصفي اهل اللطخ والخلط من كدورة الظلمات ويخرجهم من الظلمات الى نور الهدايات وذلك الاخراج يجب ان يكون من دون الاكراه والاجبار اذ لا اكراه في الدين فلذلك جرى ( اجرى خ ) عليه السلام كلامه اثباتا لهذا الغرض والمدعي مجرى السؤال الاختياري ولان ما من المبدأ الافاضة على نهج السؤال وليمكن قابليات الحاضرين لطلب الحق وقبوله اذ بدون السؤال ربما يحتشمون عن السؤال ولا يسألونه فيبقون على الضلال وربما ييئسون لما شاهدوا من ابطال حجج اهل المقالات والملل فيحقرون انفسهم عن سؤاله فيبقى على ضلاله ومطلوبه عليه السلام الهداية وشأنه اخراجهم عن الضلالة ان قبلوا ولذا سألهم ( عليه السلام خ ) وقال يا قوم ان كان فيكم من ( احد خ ) يخالف الاسلام واراد ان يسأل فليسأل غير محتشم الخ وانما عمم سؤاله اتماما للحجة على الكفار والمعاندين الذين انكروا واستكبروا ولم يقروا واعانة للطيبين الذين غرتهم عوارض الخلط واللطخ العرضي فاظهروا الانكار ذاهلين عما في ذواتهم من الانوار واكمالا للنعمة بزيادة التبصرة والهداية بعد الهداية والنور على النور على المؤمنين المقرين ودفعا لشبهة المشبهين المموهين الذين يموهون على عامة الناس بانهم سلام الله عليهم غير عالمين كما قال ابو حنيفة وما يعرف جعفر بن محمد وانما هو رجل صحفي الى غير ذلك من كلمات المموهين وعند التخصيص لا تعم هذه المطالب والمقاصد وهذا في التكوين والتشريع في كل مقام بحسبه الا ان بيان احوالهما وكيفية سؤاله (ع) مما لا ينبغي اظهاره في هذا الزمان الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فكثر مجيبوه وملبوه الا ان الاسلام الذي هو شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله خ ) وان عليّا عليه السلام ولي الله اذا تجسد في التكوين وتشخص في التعيين ظهرت الصورة الانسانية على اليقين كما قال ( مولينا خ ) امير المؤمنين عليه السلام ان الصورة صورة ( الصورة الانسانية خ ) الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده والهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي الشاهد على كل غائب والحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار فالصورة الانسانية الظاهرة جسد وصورة للصورة الباطنية التي هي الاعمال والاعتقادات فتصاغ البواطن على تلك الحدود والهيئات فكمال الاخلاص يقتضي كمال الصورة وجمالها وقلة الاخلاص تقتضي اعوجاجها وعدم استقامتها والانكار يقتضي الصورة الخبيثة البهيمية من الكلبية والخنزيرية من الظاهرية والباطنية كما ان الاسلام الظاهري انما كان بقول الامام عليه السلام وكذلك الاسلام التكويني الحقيقي انما كان بنور الامام وبقوله التكويني لان امر الله واحد في الوجود والتكوين كذلك الكفر الظاهري كان بمخالفة الامام (ع) وانكاره كذلك الكفر التكويني بمخالفة القول التكويني قال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب لان الامام ( عليه السلام خ ) نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار

وقوله عليه السلام واراد ان يسأل فليسأل تنبيه لما الامر عليه في الواقع الوجودي من الافاضة والاعطاء على مستحقيها فان من لم يرد السؤال لم يقبل الجواب فالقابلية سؤال واجابة كما ان سؤال المفيض اجابة وسؤال وهو سر الامر بين الامرين الذي قام عليه العالم في النشأتين

وقوله عليه السلام غير محتشم لبيان تمكين القابلية لان السؤال يستدعي سائلا ومسؤلا وتمكين القابلية للاجابة وذلك برفع الموانع وتخلية السرب واعطاء الامر والاحتشام يمنع قابلية المطلوب عن السؤال فيحرم عن الجواب فيحرم عن الخير فيبطل غرض ايجاد العالم ونقض الغرض من الحكيم محال

فقام اليه عمران الصابي وقد كان رجلا من الصابئة فاختلف اقوال العلماء فيهم وفي مذهبهم فقيل انهم جنس من اهل الكتاب وعن ابن ‌الجنيد انهم قوم من النصارى ونقل العلامة انهم مبتدعة النصارى كما ان السامرية مبتدعة اليهود وقيل انهم ليسوا من النصارى وهو قول الشيخ في المبسوط وانما هم عبدة الكواكب ويقال ان الصابئين فرقتان فرقة توافق النصارى في اصول الدين وفرقة تخالفونهم فتعبد الكواكب السيارة وتضيف الآثار اليها وتنفي الصانع المختار وعن عليّ بن ابرهيم القمي صاحب التفسير الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم وقال شيخنا واستادنا اطال الله بقاه وجعلني ( في كل محذور خ ) فداه الذين شاهدناهم قبلتهم من مهب الشمال واما ما ينتسبون اليه من الانبياء فبعضهم يدعي ان نبيهم يحيى (ع) وسمعنا من بعضهم ان نبيهم ابرهيم عليه السلام ومن بعضهم ممن يظهر منه آثار المعرفة ان نبيهم آدم عليه السلام فقلت له هل كان بعد آدم عليه السلام انبياء ام لا فقال قد كان فقلت له لم لم تتبعوهم وقد كان منهم من له شريعة نسخت شريعة آدم (ع) فقال ان آدم عليه السلام عهد الينا ان لا نتبع احدا من الانبياء بعده وقال بعضهم ان المعبود الحق هو ماري وزوجته شيماشي ( شيمايتي خ ) وله اولاد اربعة كبيرهم هييل ‌زيوا وقضماهي ومندارهيي وششلام‌ ربه فلما ذكرت ذلك لذلك العارف انكر الاولاد والزوجة وقال ان هييل‌زيوا هو جبرئيل ومندارهيي ( مندادهي خ ) معناه رب الارض وهو اسم ماري والحاصل انهم ليسوا من اهل الكتاب واخبرني ذلك الرجل الذي اسلم منهم وظاهره الديانة والصدق ان لهم قرائة على الذبيحة لا تحل الذبيحة عندهم الا بها وهي ميدهيي شمندادهييي ( ميدهي شمندادهي خ ) قمطر خوالخ ثياهي ( ثباهي خ ) هي القريخ هييل زيوا منسي ( متسني خ ) متغيي قمطر خوالخ بوقضمايا قال ولهم اسماء يحلفون بها ولا يكذبون اذا حلفوا بها وهي نخست اپيرزلار ( اپيرزلاو خ ) هللت اپيرزنا انانخاسا ماري هياسا هوبي هطاتي شفاشاقي تكلاتي انتهى كلامه جعلني الله فداه وقال صاحب الملل والنحل ان الصابئة ظهرت في اول سنة من ملك طهمورث ثالث ملوك الدنيا وان الفرق في زمان الخليل صلوات الله عليه كانت راجعا ( راجعة خ ) الى صنفين الصابئة والحنفاء فالصابئة تقول انا نحتاج في معرفة الله سبحانه ومعرفة طاعته واوامره واحكامه الى متوسط لكن ذلك المتوسط يجب ان يكون روحانيا لا جسمانيا وذلك لذكاء الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الارباب والجسماني بشر مثلنا يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب يماثلنا ( مماثلنا خ ) في المادة والصورة والحنفاء كانت تقول انا في المعرفة نحتاج الى متوسط من جنس البشر يكون درجته في الطهارة والعصمة والتأييد والحكمة فوق الروحانيات يماثلنا من حيث البشرية ويمايزنا من حيث الروحانية ويلقي الى نوع الانسان بطرف البشرية ثم لما لم يتطرق للصابئة الافضاء الى الروحانيات البحتة والتقرب اليها باعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة الى هياكلها وهي السيارات السبع وبعض الثوابت وربما تنزلوا عن الهياكل الى الاشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن الانسان شيئا والفرقة الاولى هم عبدة الكواكب والثانية عبدة الاصنام وقال ايضا ان الصابئة الاولى كانت تقول بنبوة غازيمون وهرمس وهما شيث وادريس ( عليهما السلام خ ) عندهم وتنكر بنبوة من بعدهما من الانبياء ثم عادوا الى انكار النبوة رأسا وزعموا انهما كانا حكيمين لا نبيين الخ والحاصل انهم ليسوا من اهل الكتاب ولا من اهل الذمة وانما هم حربيون كما قال الصادق عليه السلام على ما رواه صاحب مجمع البحرين قال سمي الصابئون لانهم صبئوا الى تعطيل الانبياء والرسل والشرايع وقال ( قالوا خ ) كل ما جاؤا به باطل فجحدوا توحيد الله تعالى ونبوة الانبياء ورسالة المرسلين ووصية الاوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول انتهى الحديث وقوله عليه السلام جحدوا توحيد الله يعني على التحقيق والواقع لانهم اثبتوا له الاولاد والبنين ووصفوه بصفات لا يليق لعز جلاله وعظم شأنه كما سمعت وعمران قبل اسلامه وايمانه كان من تلك الطائفة المخذولة ولذا سمي بعمران الصابي وكان واحدا من ( في خ ) المتكلمين الباحثين عن كلام الله وصفاته وافعاله وآثاره

ولما كان مسألة كلام الله مما طال التشاجر والنزاع فيها بين الاشاعرة والمعتزلة وغيرهم من ساير الفرق والملل من كونه قديما او حادثا عين الذات او غيرها او لا عينها ولا غيرها او هو عينها في المصداق وغيرها في المفهوم وغير ذلك مما وقع الكلام والبحث والاختلاف فيه فلما كثر البحث في ذلك ( فبذلك خ ) سموا الباحثين في ذلك متكلمين ثم سرى بحثهم وجرى في غير الكلام من ساير الصفات والافعال والمبادي فجعلوه علما برأسه وسموه علم الكلام لانه هو الاصل في هذا المرام وجعلوا موضوع علمهم ذلك ذات الله سبحانه حيث ان بحثهم في ذلك العلم انما كان عن احوال الله سبحانه وصفاته الثبوتية والسلبية فتكون الذات هو الموضوع ولم يتفطنوا ان الموضوع هو الذي يبحث عن عوارضه الذاتية والعوارض ما يعرض الشيء لذاته اي بغير واسطة كالتعجب العارض للانسان او لامر يساويه كالضحك العارض للانسان بواسطة التعجب او لجزئه كالحركة العارضة للانسان بواسطة الحيوان الذي هو احد جزئيه كما قالوا والعرض ايضا اما ان يكون لازما او مفارقا واللازم اما ان يكون للماهية كالزوجية للاربعة او للوجود الخارجي الشخصي كالاحراق للنار او للنوعي كالكلية للانسان فاذا كان المبحوث عنه في العلم هو العوارض الذاتية وكان المعروض الموضوع هو ذات الله سبحانه القديمة فهذه العوارض لا تخلو اما ان تكون حادثة او قديمة وعلى الثاني لا تخلو اما ان تكون هي الله سبحانه لا غير ام غيرها ( ام لا خ ) وعلى الاول بطل الموضوع والعوارض لضرورة ان العوارض خارجة عن ذات المعروض والا لم تكن عارضة فلا بد من الاختلاف وان كان بالاعتبار والتعدد الاعتباري موجب لتكثر الذات ان كان اعتبارا صوابا وصدقا والا فكذب وباطل وعلى الثاني تعددت القدماء ونفته ادلة التوحيد وعلى الاول كانت ذات الله سبحانه محلا للحوادث ضرورة ان الموضوع هو محل الاعراض كما نصوا عليه في الفرق بين الموضوع والمحل بان الموضوع هو محل العرض فقط والمحل يكون محلا للجوهر كالهيولي للصورة الجوهرية وقد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية بامتناع كونه تعالى محلا للحوادث وامتناع كونه تعالى معروضا لعارض او ملزوما للازم او مشروطا بشرط سبحانه وتعالى عما يقوله الملحدون علوا كبيرا فالله سبحانه ليس موضوعا لعرض ولا محلا لجوهر

وقد ذكر بعضهم في الفرق بين علم الكلام وعلم الحكمة ان الكلام هو ما يبحث فيه عن احوال المبدأ والمعاد على نهج قانون الاسلام والحكمة هي ما يبحث فيه عن احوال المبدأ والمعاد لا من جهة قانون الاسلام بل بمقتضى العقل طابق قواعد الاسلام ام خالف لا انهم يتعمدون المخالفة واذا اردنا تصحيح هذا الفرق يجب ان نقيد الاسلام الذي يجري علم الكلام المتداول على قوانينه وقواعده ما عليه العامة من المخالفين واما على قواعد اهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فلا يطابق شيئا من ذلك وانما يخالفها ويضادها كقولهم ان موضوع علم الكلام ذات الله وكقولهم ان المفهوم ينقسم الى واجب لذاته وواجب لغيره وممتنع لذاته وممتنع لغيره وممكن لذاته وكقولهم ان مفهوم الوجوب والقدم والحدوث امور اعتبارية وكقولهم ان الواجب مفهوم كلي منحصر في الفرد وكقولهم ان المشية والارادة من صفات الذات وهكذا من ساير اقوالهم الباطلة وعقائدهم الفاسدة المخالفة لما عليه اصحاب العصمة والطهارة صلى الله على محمد وعليهم اجمعين كما فصلنا وشرحنا في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ونشير الى نبذة فيما بعد ان شاء الله

وكذلك يجب تقييد العقل الذي عليه مدار قواعد علم الحكمة وقوانينه بما يعم الجهل والنكراء والشيطنة حتى يمكن القول بمخالفته للشرع فحينئذ يقال ان الحكمة قد تخالف الشرع واما اذا فسرنا العقل بما فسره به الائمة الهداة عليهم السلام من انه ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان وانه النور الالهي المحبوب عند الله تعالى حين قال الله تعالى له اقبل فاقبل وقال له ادبر فادبر ثم قال له عند كمال الامتثال ما خلقت خلقا هو احب الى منك وانه النبي الباطني وانه النعمة التي انعم الله بها عبده كما ورد في تفسير قوله تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة عن الكاظم عليه السلام ان النعم الظاهرة هي الانبياء والنعم الباطنة هي العقول وامثال ذلك مما ورد في العقل فلا يعقل كون العقل حينئذ مخالفا لقانون الاسلام وقواعده بل العقل طبق الشرع والشرع طبقه لا يتخلف احدهما عن صاحبه فصاحب العقل المستقيم الباحث عن معرفة الاشياء كما هي على ما خلقه الله سبحانه هو الحكيم الذي شهد له الشرع والكتاب والسنة بصحته وهو الذي اوتي خيرا كثيرا واما ما سوى ذلك فليس بصاحب عقل سليم وانما هو صاحب النكراء والشيطنة وعلى طبق العقل بالمعنى الاعم جرت حكمة الملاحدة والصوفية والزنادقة وعلى طبق العقل الشرعي جرت حكمة الحكماء من علماء اهل البيت سلام الله عليهم والحمد لله وحده

وعمران كان اوحديا في علم الكلام ( الكتاب خ ) والدقة والنقض والابرام وفي تعمق الفكر ودقة النظر وكان يجري مجرى المتكلمين ولا يحصل له من تلك الطريقة البصيرة واليقين وكان ضيق الصدر كدر القلب مما تراكم عليه من الشبهات وعظم ما يشاهد في اقوال المتكلمين واعتقاداتهم من الاضطرابات والاختلافات ومقتضى تلك الاقوال والاعتقادات الاقرار برب له اولاد وشركاء وانكار نبوة ( بنبوة خ ) الانبياء ووصاية الاوصياء كما هو مقتضى دين الصابئة وشرح هذه الكلمات طويل والاجمال جميل ولذا لما دعاه الامام عليه السلام بلفظ العموم وارادة الخصوص اجابه ولباه لما فيه من النورانية المعنوية

فقال يا عالم الناس لولا انك دعوتني ( دعوت خ ) الى مسئلتك الخ اما انه عليه السلام عالم الناس فاوضح من ان يخفى واشهر من ان ينكر في الظاهر واما في الحقيقة فكلما دخل حيطة الوجود يصدق عليه انه انسان حقيقة او حقيقة بعد حقيقة اذ الاشياء كلها بدت عن فعل الله سبحانه على تلك الصورة الطيبة فمنها ما بقي على ما هو عليه فسمي انسانا ظاهرا ومنها ما خفيت فيه تلك الحقيقة فقدرت الانسانية وظهرت الحيوانية فسمي بهيمة وحيوانا على مقتضى تلك الصورة الظاهرة وبقيت الحقيقة مخفية تحت الحجب والاستار وهذا معنى ما نعبر عنه كثيرا ما بالفطرة الاولى والفطرة الثانية فكلما في العوالم الالف‌ الف انسان والامام عليه السلام عالمهم وسيدهم لان الله سبحانه آتاه ما لم يؤت احدا من العالمين طأطأ كل شريف لشرفه وبخع كل متكبر لطاعته وخضع كل جبار لفضله وذل كل شيء له ولآبائه وابنائه وجدته الصديقة صلى الله عليه وعليهم وعليها اجمعين ولا تكون الفضيلة والشرافة الا بالعلم بالله سبحانه كما برهن في محله فهو عليه السلام اذا العالم في الناس على جهة الاطلاق وهنا وجوه اخر من تصاريف ظاهر الظاهر وان لم يرد عمران الصابي لكنه امر واقعي بذكره يطول الكلام مع انه مخفي عن الافهام ومستور عن الاحلام

قوله لولا انك دعوتني الخ يحتمل معنيين احدهما انه من جهة غروره واعجابه بنفسه وبعلمه وانه بحيث لم يطق لكلامه متكلموا الدهر وعلماء العصر لم يبتدأ بالكلام تعظيما لشأنه واثباتا لرفعة مكانه وانه مما لا ينبغي ان يسأل احدا اذ ليس احد في زعمه اعلم منه حتى ينتفع منه بالسؤال او من جهة ان تلك المسألة المستصعبة عليه مما لا يقدر احد على الجواب عنه حيث ما لاقى احدا من العلماء الكاملين قام له بحقيقة الجواب فقاس الامام عليه السلام بغيره جهلا منه بمقامه من انه الذي اشهده الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم فزعم انه حينئذ لا فائدة في السؤال وتكثير المقال لكنه لما دعاه الى السؤال اجاب وتحمل المشقة بلا فائدة او انه اذا قطع الامام عليه السلام عن الكلام وغلب عليه بالجدال فينقص مقامه عند الناس فلا يلوم حينئذ الا نفسه لانه هو الذي دعاني اليه وابتدئني واستنطقني

وثانيهما انه لما رآه عليه السلام قد قطع حجج جميع اهل الملل والاديان وابطل مقالاتهم وشبهاتهم على مقتضى كلماتهم وقرأ على اهل كل ملة كتابه الذي بعثه الله لهم على نهج احسن منهم وابان جهلهم بكتابهم وبكلام نبيهم وعرف بصافي الطوية وخالص السريرة ان هذا العلم مما لا يحصل من معلم ولا يؤخذ من كتاب ولا يكتسب بسؤال ولا جواب اذ لا يمكن للمكتسب هذه الاحاطة العظيمة التي تبهر عندها العقول والاحلام فعلم ان ذلك من تأييد الهي وفيض رباني قد ظهرت عليه العظمة والكبرياء والجلال والبهاء فاضمحلت نفسه عند ظهور تلك الكبرياء واستحقرت عند ذلك النور والبهاء ولم يعد نفسه ممن يتكلم عند ذلك النير الاعظم والطود الاشم وكان احب ان يهتدي بهداه ويستنير بنوره ولكن حقارة نفسه ودنائة ذاته عنده عليه السلام وظهور العظمة سلب عن يده عنان التمالك فلم يجسر للكلام ولم يقدر على نيل منتهى المرام

ولما كان الامام عليه السلام لا يخفى عليه احوال الكائنات في كل النشئات اراد استجلابه واسكان ما فيه من الاضطراب والاختلال حتى يتمكن للخطاب ويقدر على المقابلة ( مقابلة خ ) السؤال بالجواب ولذا ابتدأ عليه السلام بالدعوة وقال فليسأل غير محتشم وقيد الاخير لهذه الدقيقة ولذا دعا في هذا المقام عند مخاطبته ( مخاطبة خ ) عمران دون غيره لما ذكرنا من معرفة حاله ومشاهدة اضطراب باله فمن هذه الجهة قال عمران لولا انك دعوتني الى مسألتك لم‌اقدم اذ لم‌اقدر لما شاهدت من كمال عظمتك وحقارة نفسي فلما خاطبتني سكن روعي وذهب خوفي وتمكنت للسؤال وارجو منك عظيم الاحسان والنوال ولعله لهذا خاطبه عليه السلام بعالم الناس حيث عرف ذلك منه وعرف مطلوبه وضعفه فتداركه بما يتقوى به لنيل مطلوبه فخاطبه بالعالم حيث علمت ما في قلبي وابنت ما في مكنون ضميري فانت مطلوبي ( لمطلوبي خ ) وحاجتي لاني سافرت كثيرا ودخلت الكوفة والبصرة والجزيرة الظاهر انها البحرين او ما بين النهرين الدجلة والفرات كما اشتهر على السنة الناس الآن ولقيت المتكلمين فلم ‌اقع على احد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته وهذا يدل على كمال دقة نظره وغور فكره لان كل من حاول ان يعرف الله سبحانه من غير جهة اهل البيت عليهم السلام فقد هوى وغوى لان الله سبحانه لا يعرف الا بهم كما قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقال عليه السلام في الزيارة الجامعة من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وقال عليه السلام فيها بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا وقال ايضا فيها ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه وقال ايضا ( عليه السلام خ ) بنا عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ما عرف الله وما عبد الله وامثالها من الروايات كثيرة لا تحصى فاذا كان الحق منحصرا فيهم وعندهم وكلما عند مخالفيهم ليس الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا فكل من نظر في كلام المخالفين بعين صافية وبصيرة صادقة لا يجد ثباتا ابدا في كل المسائل خصوصا في معرفة الله سبحانه تراه يخبط خبط عشواء لانه ما دخل البيت عن بابه ولذا قال لم ‌اقع على احد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته يعني ثبت ( يثبت خ ) لي ان الصانع واحد ليس معه غيره فالكفار وعبدة الاصنام يجعلون مع الواحد في العبادة غيره من الاصنام وكذا كل من نظر الى غيره تعالى بنظر الاستقلال والتذوت والثنوية يجعلون معه غيره من يزدان واهرمن والاشاعرة يجعلون معه غيره وهي الصفات الزائدة على ذاته تعالى المقترنة بها والمعتزلة يجعلون معه غيره حيث قالوا ان الخلق مفوضون والله معزول عنهم فصار مع الله مستقلا آخر له فعل وتأثير بدونه تعالى عما يقوله الملحدون علوا كبيرا والصوفية يجعلون معه تعالى غيره حيث قالوا بوحدة الوجود فصار الحق سبحانه وتعالى مقترنا بالاشياء فكانت الماهيات والكثرات معه مقترنة بذاته تعالى واصحاب المفاهيم جعلوا معه غيره تعالى حيث قالوا ان مفهوم الوجود مشترك معنوي بين الله وبين خلقه فجعل الواجب سبحانه فردا والممكن فردا آخر فقد جعلوا الممكن ضده وقسيمه ومقترنا به ودعوى ان المفهوم يخالف المصداق باطلة كما تكلمنا عليه كثيرا واصحاب الكليات جعلوا معه غيره تعالى حيث قالوا بعموم مفهوم الواجب وكونه تعالى فردا من افراده ولا شك ان الفرد مركب من الكلي والخصوصية وكذا من قال بان الصفات كلية تشتمل الله وغيره كالمشتقات كالعالم والقادر والحي وغير ذلك وكذا من قال بان بسيط الحقيقة كل الاشياء حيث جعل معه غير ( غيره خ ) لئلا يلزم التركيب فوقع في التركيب من حيث لا يشعر لان جهة الذات المجردة غير جهة اجتماعها كل الاشياء اذ لا شك ان المعنيين لا يفهم بلحاظ واحد واصحاب الاعيان الثابتة يجعلون ( جعلوا خ ) معه غيره صريحا في الازل حيث قالوا ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة ومندرجة فيها اندراج اللوازم في ملزوماتها وكذا من يقول بان الفاعل المقترن بالفعل المتعلق بالمفعولات هو عين الذات لانه جعل معه غيره تعالى والغلاة القائلين بان الفاعل هو الفعل او محله باعتزال الذات فقد جعلوا معه غيره مستقلا سواه ولم يجعلوه قيوما قائما بوحدانيته وصغروا عظمة الله سبحانه اذ اخرجوه من سلطانه وقيوميته وكذا القائلون بان الخالق الفاعل هو الفعل ومحله باذن الذات كالوكيل وكالسيد اذا امر لعبده ان يفعل شيئا فانهما حينئذ معزولان عن الموكل والسيد تعالى ربي وتقدس عما يقوله الملحدون علوا كبيرا والحاصل قوله هذا يثبت كل اعتقاد حق ويمحو كل اعتقاد باطل ولا يتحصل بيان هذا الكلام على الامر الواقعي الا في بيت نزل فيه الوحي على المعاني كلها وهو البيت الذي وسع احكام الربوبية كما قال عز وجل في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فهو بيت الله اول بيت وضع للناس لان الله تعالى لا يعرف من سنخ ذاته كما يأتي ان شاء الله تعالى وانما يعرف ببيان منه حيث كان هو المجهول المطلق بالنسبة الى غيره تعالى وقد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان آل‌ محمد صلى الله عليهم هم باب الله وتراجمة وحيه والسنة ارادته فاين يوجد الحق من عند غيرهم اذ كان الحق لله وهو قول النبي صلى الله عليه وآله ما معناه يا ابن‌ عباس لن تجد حقا بيد احد من الخلق الا بتعليمي وتعليم عليّ عليه السلام فمن رام ان يعرف الحق لا عنهم فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا فلا يجوز لاحد ان يعتمد على عقله في المسائل النظرية الخلافية الا بعد الوزن على ميزان كلماتهم فان وافقها فحق والا فباطل ولما كان الشيء لا يجري عليه حكم القضاء الا بعد الوقوف على باب الاذن وصدور الامر بالاذن وان اقترنت الاسباب بمسبباتها وكذا كل فعل مضارع اشتق منه فعل الاستفهام

فقال اتأذن لي ان اسألك فقال الرضا عليه السلام ان كان في الجماعة عمران الصابي فانت هو فقال انا هو اقول وكيف لا يعلمه ولا يعرفه عليه السلام وقد قالوا في حقهم كما في الزيارة الرجبية وعندكم ما تزداد الارحام وما تغيض وما انعقدت نطفة في رحم امه الا بمحضر ومرئي منه عليه السلام لان الله سبحانه جعلهم اشهادا على خلقه واشهدهم خلق السموات والارض وخلق انفسهم ( وخ ) ما سمي باسمه الا بتعليمهم عليهم السلام فان الامام جعفر بن محمد ( عليهما السلام خ ) في زيارة الشهيد ابي ‌عبد الله الحسين عليه السلام وروحي له الفداء يقول ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر لما فصل عما هو من احكام العباد فجميع ارادة الرب عز وجل في جميع مقادير جميع الامور ترد وتقع على قلوبهم ويصدر من قلوبهم التي هي بيوتهم جميع تفاصيل جميع احكام جميع العباد كما تشهد له عبارة الزيارة فمن مقادير احكام عمران كونه ذرا في الهباء ومنها كونه رطوبة قطرة في الماء ومنها كونه غذاء للشجرة ( للشجر خ ) ومنها كونه غيبا في الثمر ومنها كونه غذاء للاب ومنها تخلصه عن ثفل الكيلوس والكيموس وصيرورته نطفة من مني يمني ومنها انتقاله الى رحم المرأة ومنها تطوره الى اطوار النطفة والعلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم ومنها ظهور النفس الحسية الفلكية ومنها الولادة الدنياوية ومنها تغذيته وتنميته وتسميته وجميع احواله اذ كل ذلك بعين الله التي لا ترام وحفظه الذي لا يضام والامام عليه السلام هو عين الله الناظرة ويده الباسطة ورحمته الواسعة ونعمته الشاملة فلنقبض العنان فللحيطان آذان

ثم لما ان عمران راعى الادب واستأذن للسؤال والامام عليه السلام هو الكريم الذي لا يخيب من قصده ولا ييأس من امله اذن له فقال سل يا عمران ثم بين ( عليه السلام خ ) له الطريقة التي من سلكها يصل القاصد الى مقصوده والطالب الى مطلوبه خصوصا من كان قصده العلم ومطلوبه المعرفة فان محض الامر بالاتيان وعدم الهداية الى الطريقة الموصلة مما لا يناسب شأن الحكيم فقال عليه السلام وعليك بالنصفة واياك والختل والجور الانصاف ان ينصف خصمه بالاحتراز عن الختل والجور والعناد والتعصب ليكون غرضه محض اثبات مطلوبه وان ظهر له في نفسه انه مخطئ وخصمه على الحق فان من كان على هذا الصفة لا يكاد ( يصيب وان خ ) ينصف نفسه بان لا يجعلها تابعة لجماعة ومأنوسة بهم بحيث لا يسهل عليها مفارقتهم وتميل اليهم وان كانوا على الخطاء فيتكلف متابعتهم لان حبك للشيء يعمي ويصم فيكون خطاؤه اكثر من صوابه لان الذي مالت نفسه اليه والى قوله لا يلزم ان يكون مصيبا وبان لا يتقيد بقاعدة مأخوذة من غير اهل العصمة ( عليهم السلام خ ) ويكون منجمدا عليها بحيث يقبل ما وافقها ويترك ما خالفها ويؤوله اليها وهذا ايضا لا يكاد يصيب وان ينصف ربه بالتوجه اليه سبحانه بصافي الطوية وخالص السريرة ويكون نظره اليه تعالى قاصدا الحق من عنده ليتوصل بذلك الى رضاه وقربه وقاصرا نظره الى كلامه تعالى وكلام اوليائه الذين جعلهم الله سبحانه ابوابه وحججه وادلاء الى سبيل رشده وينظر اليهما نظر المتعلم الجاهل بان يكون كلام الله امامه ودليله لا العالم الذي يجعل نفسه امام كلام الله فكلما يوافق فهمه من كلام الله قبل وكلما يخالفه انكر واول الى ما فهمه فان هذا ليس بمنصف ربه ولا نبيه ولا اوليائه فلا يصيب ابدا فبين له الامام عليه السلام طريقة لو عرفها وسلك بها يصل الى المطلوب البتة فقبل عمران نصيحته عليه السلام وعمل بمقتضاها فقال والله يا سيدي ما اريد الا ان تثبت لي شيئا اتعلق به فلا اجوزه فبلغه الله المقصود وهداه به عليه السلام الى سواء الطريق

قال عليه السلام سل عما بدا لك فازدحم الناس وانضم بعضهم الى بعض فقال عمران الصابي اخبرني عن الكائن الاول وعما خلق

قوله عليه السلام سل عما بدا لك كلمة لا يقولها الا مؤيد من عند الله تعالى بروح منه الذي اشهده الله خلق السموات والارض وخلق نفسه ليكون عالما لا يجهل ذاكرا لا يغفل بصيرا لا يخطي وعالما بانه تعالى يمده ولا يكذب قوله لانه خليفته وحجته اذ العلوم كلها بيد الله سبحانه وفي خزانة ملكه فالذي لم يشهده الله ملكوت السموات والارض لا يقدر ان يقول سل عما بدا لك على جهة العموم لعله يسأله عن شيء ليس عنده علمه لانه لم يطلع على مكنون سره ولم يحصر ( لم يحضره خ‌ل ) مسئلته وما في وسعه ان يسأل ولو علمه ايضا ولم يكن مقبلا بوجهه الى الله تعالى لعله تعالى لا يكشف عنه سر تلك المسئلة ويحجبه بحجب الغفلات والموانع وبالجملة فهذه كلمة لا يقولها صادق حقيقيا الا المعصوم المطلع على اسرار الوجود واطوار الكائنات وازدحام الناس وضم بعضهم ببعض لعظم شأن عمران في اعينهم وعظم مسائله لديهم سيما في مقابلة قوله عليه السلام سل عما بدا لك

فقال اخبرني عن الكاين الاول وعما خلق فالكاين الاول يريد به هو الله سبحانه بقرينة قوله وعما خلق وانما سماه تعالى كائنا لانه الثابت الذي لا يزول ولا يحول ولا يتبدل ولا يتغير ولا يزيد ولا ينقص وهذا الاول ليس له ثان كما قال عليه السلام في الصحيفة السجادية وانت الاول في اوليتك وعلى ذلك دائم انت ( انت دائم خ‌ل ) لا تزول فالاولية ثابتة له تعالى بلا نهاية في عين اثبات الآخرية له كذلك اذ ليس فيه سبحانه جهة حتى يكون بها اولا وجهة اخرى ليكون بها آخرا لان مختلف الجهات حادث وليست هناك اضافة واقتران بشيء حتى يكون بالاضافة الى شيء اولا وبالاضافة الى الآخر آخرا فانقطعت الاولية والآخرية في عين كون الاولية عين الآخرية والآخرية عين الاولية في عين اللااولية واللاآخرية كما قال عليه السلام لم يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا الخ ( ه‍ خ ) واما اثبات الاولية والآخرية له تعالى فباعتبار الظهورات الفعلية كما في قوله تعالى هو الاول والآخر فان الهاء هو الاول والآخر والواو هو الآخر والاول والهاء هو الباطن والظاهر والواو هو الظاهر والباطن او يراد بالكائن الاول هو الصادر الكائن اولا قبل تكوين الكائنات وابداع المبدعات وهذا الاول ايضا لا ثاني له لكونه هو المبدأ الاول واول ظاهر باول ظهور الذي هو نفسه قد ملأ الاكوان والامكان والاصقاع والازمان بنوره وظهوره وكلما عداه اشعة انواره وعكوسات آثاره فلا يوجد في السوا ما يعادل ذاته حتى يكون هو الثاني له لان الثاني هو بدل الواحد وانبساطه وتكريره واما في الآثار والصفات فلا يعقل ذلك ارأيت احدا يقول السراج هو الاول والشعاع هو الثاني و( او خ ) ان زيدا اول وقيامه الثاني والاستقامة ثالث فان الاشعة والآثار لا تذكر مع الذات حتى تعد معها لان الاثر معدوم عند المؤثر فكيف يكون هو الاول وهذا الثاني وكذا الاولية الانبساطية اي الحقيقة الوحدانية السارية في اطوار التعينات كالوجود المقيد الذي هو الفؤاد فانها ايضا اول لا ثاني له لانها في الحقيقة المتعينة المتعددة في العرض لا في الطول اول واحد والتعينات لا تكون ثانية لها ومرادي بالتعينات هي الافراد المتعينة من الحقيقة الواحدة لا نفس التعين كالانسان مثلا عند التعين والتشخص في الافراد لا يقال ان الانسان هو الاول وزيد هو الثاني وعمرو هو الثالث لان الحقيقة ما تكثرت حتى تتعدد وانما تكثرت العوارض فلحقتها بالعرض فالكثرة في الافراد لا في الحقيقة ولذا تراهم يقولون ان الوحدة النوعية لا ينافي الكثرة الشخصية لان الانسان ما انقطع عن زيد حتى يكون ثانية ( ثانيه خ ) بل زيد ايضا انسان وكذا عمرو وبكر وهكذا فظهر لك من هذا البيان ان الاول الذي لا ثاني له على ثلثة اوجه فراجع تفهم

وهذا الكائن الاول الذي هو الصادر الاول الذي هو التعين الاول اي اول ما برز من ظهور الحق سبحانه بالخلق الذي هو غير ذاته اختلف آراء العلماء والحكماء في بيانه وتعيينه فمن قائل بان الوجود المطلق والحق المخلوق به وهو الوجود المنبسط وجهة الربط بين الحادث والقديم الذي هو مع الحادث حادث ومع القديم قديم ومع الشيء شيء ومع اللاشيء لا شيء ومع الواجب واجب ومع الممكن ممكن وهؤلاء هم الصوفية الملاحدة ومن قائل بانه المشية والارادة والابداع والرحمة الكلية ومن قائل بانه الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ومن قائل بانه العقل الكلي والعقل الاول والاخبار والروايات في تعيين ذلك مختلفة الورود ففي بعض الاخبار ان اول ما خلق الله والكائن الاول المشية والارادة والابداع كما قال الصادق عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها وفي قول مولينا الرضا عليه السلام كما في هذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه ان اول ما خلق الله الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون وفي رواية اول ما خلق الله الهواء وفي رواية اول ما خلق الله الماء وفي رواية اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وقال امير المؤمنين عليه السلام في خطبة له على ما رواه المفضل عن الصادق عليه السلام عنه عليه السلام الى ان قال الذي كنا بكينونته قبل الخلق وقبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين منه بدئنا واليه نعود لان الدهر فينا قسمت حدوده ولنا اخذت عهوده والينا برزت شهوده الخطبة قال الصادق عليه السلام في معناه كنا بكينونته في القدم وهو المكون ونحن المكان وهو المشيء ونحن الشيء وهو الخالق ونحن المخلوقون وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن اسماءه وهو المحتجب ونحن حجبه كائنين غير مكونين نسبحه ونمجده ونقدسه في ستة اكوان كل كون منها ما شاء الله من المدا الحديث وفي رواية اول ما خلق الله القلم واخرى اول ما خلق الله العقل وفي اخرى اول ما خلق الله عقلي واخرى روحي وامثال ذلك من الاخبار وقد ذكرت المراد الجامع لهذه الاخبار كلها في اللوامع الحسينية فلا نطول الكلام بذكره هنا

وقوله وعما خلق على الوجه الاول بان يراد منه هو الله سبحانه ظاهر لانه على مذهب الصابئة يسأل عن الله وعن خلقه وعن كيفية احداثه هل هي على جهة التوليد كما هو المعروف من مذهبهم او غيره كما هو مذهب الغير من خلقه الاشياء لا من شيء بلا نسبة وارتباط او من شيء او من العدم اللاشيء مع النسبة والارتباط ام لا كما سيأتي الكلام فيه ان شاء الله مشروحا وعلى الوجه الثاني بان يراد من الكائن الاول اول الصادر مبدأ المبادي ونور الانوار فالمراد بقوله عما خلق هو ما حصل وتحقق من الكائنات باشراقه وتجليه في اقباله وادباره لان الطفرة لما ثبت امتناعها صار الكائن الاول مبدأ الفيض واصل النور والخير وما سواه بعده رشحة من رشحات انواره ولمعة من لمعات آثاره اذ لو فرض وصول الفيض الى السوي بغير وساطة الكائن الاول بطل كونه هو الاول لتساوي الكل حينئذ في الرتبة ولو فرض تساوي الكلي ( الكل خ ) في الرتبة والتلقي من المبدأ نقص فيض الجبار وصغرت عظمة القهار اذ لم يكن لجماله ( بجماله خ ) جمال ولجلاله جلال ولنوره نور فلا يكون كاملا مطلقا ولا حكيما فاذا فرض الاولية والآخرية والتقدم والتأخر كان لما ( ما خ ) سواه هو الواسطة والباب في ايصال الفيض اليه كالسراج للاشعة او كالقلب للاعضاء والجوارح وساير القوي فيكون معنى قوله عما خلق هو ما يكون سببا لخلقه وايجاده ووصول الفيض اليه من الله سبحانه واطلاق الخلق والخالق على هذا المعنى غير عزيز في الآيات والروايات كقوله تعالى تبارك الله احسن الخالقين وقوله تعالى واذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فيكون طيرا باذني وقوله تعالى وتخلقون افكا وقوله عليه السلام كما في الفقيه ان الله سبحانه يبعث ملكين خلاقين يقتحمان رحم المرأة من فمها ويقولون ( يقولان خ ) يا ربنا كيف نخلقه ذكرا او انثى شقيا او سعيدا الحديث وقول الباقر عليه السلام كما في البحار ان الله سبحانه خلق ملكا وفوض اليه امر سموات وارضين فخلق سموات وارضين ثم قال من مثلي فارسل الله اليه نويرة من نار قيل ما النويرة قال عليه السلام نار بقدر الانملة فاستقبلها بجميع ما خلق فتخللها الى ان وصلت اليه ما ( لما خ ) ان دخله العجب الخ ( ه‍ خ )

واطلاق الخالق على غير الله مما لا شك فيه عند من له ادنى انس بالقرآن واحاديث اهل البيت عليهم السلام ولكنه لا يجوز ان يطلق عليه بمعنى الاستقلال فان هذا كفر وزندقة واخراج لله تعالى عن السلطنة والقيومية وتكذيب لقوله تعالى قل الله خالق كل شيء وقوله تعالى هل من خالق غير الله وقوله تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وامثالها من الآيات وكذلك الروايات المتكثرة عن سادة البريات الواردة في اللعن والطعن على من ينسب اليهم سلام الله عليهم الخلق والرزق وعلم الغيب وغيرها من الامور التي تفرد الله سبحانه بها وهو لا يزال متفردا في كل شيء ولا يجوز ان يطلق ويراد به ان الغير خالق ورازق ومحيي ومميت باذن الله تعالى وامره على ما تفهمه العامة مثل ما يأمر المولى عبده بان يأخذ الدراهم ويشتري له الشيء الفلاني ومثل ما يأمر موكل ( الموكل خ ) وكيله بان يمضي الامر الفلاني فان هذا ايضا يلزم منه التفويض واعتزال الحق تعالى وتعطيله واستقلال الخلق بنفسه ولو بوجه ما فان الوكيل وان كان يده يد الموكل الا انه حين يفعل معزول عنه خارج عن يده وكذلك العبد بالنسبة الى سيده ولذا ورد في الصحيح عن الصادق عليه السلام ما معناه من قال نحن خالقون بامر الله فقد كفر الخ ( ه‍ خ ) وهذا الامر يراد به ما هو المعروف عند الناس حين اطلاق الامر والاذن واما اذا كان المراد ان الخالق في الحقيقة هو الله سبحانه بفعله لا بذاته فالاسم ليس في الذات وللذات لصحة السلب في بعض الموارد ووجود الذات كما تقول لم يخلق الله ولدا لزيد وليس الله بفاعل للقبيح فاذا كانت هذه الاسماء والصفات هي عين الذات لم يجز ان تكون مغايرة معها لما ثبت عند الشيعة الفرقة المحقة الناجية من ان صفاته ( تعالى خ ) الذاتية عين ذاته بلا فرض مغايرة ولو فرضا ووجودا وتجويزا فوجودها يستلزم وجود الذات وعدمها عدمها والا تعددت القدماء ان كانت قديمة وتكون الذات محلا للحوادث ان كانت حادثة وكل اسم وصفة يصح سلبها واثباتها فهي صفات الفعل لا الذات الا ان الفعل لما كان مضمحلا فانيا عند ظهور الذات اذا اطلق الاسم الفعلي ايضا لا يتبادر الذهن ولا يسبق الا الى الذات لا لانه موضوع للذات ولا ان الصفة ثابتة لها عندها في رتبتها بل لان الصفة لها عند ظهورها بفعلها فهي تدور مع الفعل حيثما دار ولا شك ان الفعل لا تظهر آثاره الا بمحل ومتعلق ولا شك ان الصادر الاول الذي هو الكائن الاول اول ما تعلق به الفعل اما بنفسه او بفعل الله فيكون تلك الحقيقة هي الحاملة لفعل الله الذي هو امر الله الذي هو قول كن الذي هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهو قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وهذا الامر هو الامر الذي قام به السموات والارض كما في قوله تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك وقوله تعالى ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده وهذا الامر هو الذي تتقوم الاشياء به في كل حال وفي كل آن لو فقدته آنا انعدمت وبطلت وبه تفعل الموجودات والكائنات من المكلفين افعالها وبه تحقق سر الامر بين الامرين وهو الامر في قوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فالذي نهاه الامام الصادق عليه السلام هو الامر بالمعني الاول مما هو المعروف في متفاهم العوام والامر الذي اثبته الله تعالى هو الامر في قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فالفاعل والخالق هو الله بفعله لا بذاته والصادر الاول هو الفعل او محل الفعل وهو اسم الفاعل لا ذات الفاعل والاسم يشتق عند ظهور الاثر لا عند حقيقة الذات الا ترى القائم فانه مشتق من القيام عنده لا قبله وكذا القاعد وغيره ولا تحقق ولا تذوت لهذه الصفة الا بالذات فعلى هذا المعنى يصح نسبة الخلق الى غيره تعالى حين كونه محفوظا بيده وفي قدرته او يكون يده يد المحفوظة بذي اليد بمعنى ان المخلوق ( الخلق خ ) سواه مخلوقون من اشعة انوار الكائن الاول والصادر الاول ولا شك ان الشعاع اثر للمنير وفعل له وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله في الكتب المعتبرة ان الله سبحانه خلق من نوره ( صلى الله عليه وآله خ ) العرش والكرسي وخلق من نور عليّ عليه السلام الملائكة وخلق من نور فاطمة ( عليها السلام خ ) السموات والارض وخلق من نور الحسن عليه السلام الشمس والقمر وخلق من نور الحسين عليه السلام الجنة والحور العين قال الصادق عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد وقد شرحت هذا المطلب باكمل بيان في شرح الخطبة ولا يصح البيان ازيد ( بازيد خ ) من هذا لما في قلوب الناس من الامراض والاغراض

فقول عمران اخبرني عن الكائن الاول وعما خلق يريد السؤال عن حقيقة الصادر الاول وآثاره واشعة انواره وما خلقه الله سبحانه به وكيفية خلقه تعالى للاشياء به وانخلاقها منه

فقال عليه السلام : سألت فافهم اما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا اعراض ولا يزال كذلك

المراد بالواحد هنا ذات الله سبحانه اي الاحد اذ قد يطلق احدهما ويراد به الآخر واما الوضع الحقيقي فالواحد موضوع للصفة الفعلية وفيه وحدة ظاهرية وكثرة اجمالية ولذا لا ينفى بنفيه القليل والكثير كما ينفى بنفي الاحد فلو كان للذات البسيطة المحضة من حيث هي بلا حدود واعراض كان لا يبقى بنفيه شيء فظهر انه للصفة التي هي الوجه الواحد من الذات فالاحد موضوع لوحدة صرف الذات البحت مجردة ومعراة عن جميع السوي والغير والواحد موضوع للوحدة الوصفية في مقام القيومية والوضع في كلا المقامين يقع على العنوان وذلك ان ذات الله سبحانه لا يدرك ( تدرك خ ) ولا تنال ولا تتغير عن حال الى حال وانما ظهوره بصنعه ومعرفته باثر فعله وهو سبحانه تجلى بخلقه لخلقه وعرفهم نفسه بنفسهم فلما وجدوا غابوا عن وجدانهم وشهودهم فعرفوا ربهم بما نقش في لوح ذاتهم وحقيقة سرهم ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فما عرفوه الا من انفسهم لكن مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها فكان ظاهرهم هياكل بشرية وباطنهم اسرار الهية ونشآت قدسية ومظاهر احدية ( الاحدية خ ) ولما كان بين الاسم والمسمى واللفظ والمعنى لا بد من المناسبة الذاتية فوجب ان تكون الاسماء الالهية الدالة على التوحيد مستنطقة ومستخرجة من الحروف الخلقية ولما كان حدود الخلق ستة وهي الايام الستة التي خلق الله فيها الشيء فكانت الواو هي الاصل في الدلالة على نفس الخلق من حيث هم واذا كشفت عن باطن الواو التي ( الذي خ ) هو باطن الحدود الخلقية ونظرت الى سرها بزبرها وبيناتها استنطق منها الاحد لكونه ثلثة‌عشر فدل ظاهر الخلق على حقيقة التوحيد الصرف والى هذا المعنى وقعت الاشارة في الانجيل بقوله تعالى يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا ه‍ اي ظهور توحيدي لا سر ذاتي كما يقوله الملحدون من الصوفية فمن سر الواو ظهر الاحد فاذا اضفت الواو الى الاحد ونسبت الخلق اليه بكونه اليه وبه وعنه على جهة الاضمحلال والزوال باظهار سر القيومية ظهر الواحد فالواحد فيه ذكر الغير على جهة الاضمحلال والاحد لا ذكر فيه للغير لانه ظهور بعد القاء الواو ظاهر نفسه فلا ذكر للغير فيه فالاحد هو الربوبية اذ لا مربوب لا ذكرا ولا عينا ولا كونا والواحد هو الربوبية اذ لا مربوب كونا وعينا والربوبية اذ مربوب ذكرا والاحد رتبة الذات والواحد رتبة الاسماء والصفات فهو ينبوع الاسماء وحقيقة المسمى من حيث هو كذلك والواحد الذي ليس من الاعداد هو الاحد وهو الذي اختص به القديم سبحانه واما الواحد الذي هو مبدأ الاعداد ومقابل الاثنين ( للاثنين خ ) والثلاثة فهو من الاعداد لكنه ثلثة لان الممكن لا يخلو عن جهات ثلثة الا ان الوحدة لما غلبت عليها اضمحل حكم التثليث وبقي حكم الوحدة من قبيل اطعني اجعلك مثلي وكما تقول للشخص انه صفراوي المزاج وان كان لا يخلو من ساير الاخلاط فكان اول الاعداد بل اول الاشياء ومبدئها الثلثة فاول الفرد ثلثة واول الزوج اربعة والاثنان اجمال الاربعة والواحد اجمال الثلثة ولذا كان المثلث ابا الاشكال واصلها وهو شكل ابينا آدم عليه السلام في العوالم الالف ‌الف فنفى الوحدة العددية عن القديم سبحانه لكونه ثلثة وهي تستلزم الكثرات كلها وجملتها ولما كان الواحد فيه ما ذكرنا من عدم التمحض في الوحدة الكاملة البالغة قال عليه السلام في تفسيره اما الواحد انما عبر عنه بهذا اشارة ورعاية لقول عمران فيما تقدم ما لقيت من يثبت لي واحدا قائما بوحدانيته فاراد عليه السلام اثبات الواحد له كما اراد بما اراد لما اراد فقيد الواحد بقوله فلم يزل واحدا فنفى عنه تعالى الاضداد والشركاء لان الذي لم يزل كائنا ثابتا لا يزول ولا يحول ولا يتغير ولا يتبدل ولا يحس ولا يمس امتنع ان يكون له مثل اذ لو فرض وجب ان يكون قديما وموجودا فاشتركا في القدمية واختلفا بالمميز فتركبا فتغيرا اذ حالتهما قبل الفصل والتميز غير حالتهما بعد الفصل والتميز والقبل والبعد هنا ذاتيان لا زمانيان فلم يكونا ازليين اذ حدث فيهما ما لم يكن قبل فكانا حادثين لعدم كون الوجود ذاتيا والا لم يفقدا شيئا وحالا لم يكن فالذي وجوده ذاته امتنع تعدده وتكثره لحصول التركيب والتغيير المنافيين لغيبة ( لعينية خ ) الوجود كما اثبتنا مفصلا في رسالة منفردة وقوله عليه السلام ولا شيء معه رد وابطال لقول من زعم استجنان الاعيان الثابتة في القدم والازل وانها قديمة اذ القديم ما لم يتعلق به جعل جاعل والاعيان عندهم كذلك سواء قلنا ان الشيء اعم من الوجود ام مساوق له وكذا القول بزيادة الصفات عن الذات كما هو مذهب الاشاعرة وكذا القول بان بسيط الحقيقة كل الاشياء وان الوجودات كلها في ذات الله بنحو اشرف وامثالها من الاقوال لان الذي ازلي غير مستند الى شيء وجوده ذاته بذاته فلو فرض ان لغيره ايضا وجود وتحقق فان كان وجود الغير عين ذاته بكل اعتبار ارتفعت الاثنينية وان لم يكن عين ذاته كان فاقدا لذلك الوجود فلم يكن الوجود ذاتيا ( له خ ) لان الذاتي لا يتخلف هذا خلف فالذي هكذا لا يكون معه شيء ابدا له ذكر في ذاته وصفاته الذاتية التي هي عين ذاته

قوله عليه السلام بلا حدود ولا اعراض رد وابطال لقول القائلين بوحدة الوجود بان الوجود هو ذات الله سبحانه والخلق حدود واعراض لذلك الوجود تعينه بحد فيكون منشأ مرتبة من المراتب كالبحر والامواج كما قال شاعرهم:

البحر بحر على ما كان في القدم ان الحوادث امواج وانهار ( اشكال خ )

سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فان المحدود ينفعل بالحد ويتغير به لان حالة الاطلاق غير حالة التقييد ثم ان المحدود لو لم يكن صالحا للحد ما يصح تحديده به وجهة الصلوح غير جهة الذات فتكثر الذات عند ذكر تلك الصلوحيات مع ان كلما يقبل الحد يقبل الزيادة والنقصان وكذلك القول في الاعراض لانها هي الحدود او اعم منها ولا شك انها خارجة عن حقيقة الذات ولا يتصل بها الا لما بينهما من المشابهة والملايمة والايتلاف وكلها نسب يجب تنزيه الباري سبحانه عنها لاستلزامها التركيب وكون الواجب حادثا والحادث واجبا لان النسبة تستدعي اتحاد الصقع في المنتسبين لانها رابطة ووصلة والشيء الذي كلما سواه معدوم عنده لا يقترن بشيء ولا يتصل به ولا يرتبط معه ثم ان الاعراض ان كانت حادثة يلزم ان يكون الواجب محلا للحوادث وان كانت قديمة يلزم تعدد القدماء وفي هذا القول ايضا اشعار الى ابطال ما ذهب اليه المتكلمون من ان موضوع علم الكلام هو ذات الله تعالى مع اتفاقهم بان الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية والله سبحانه منزه عن ذلك كله

قوله عليه السلام ولا يزال كذلك يعني انه تعالى لا يتغير بخلقه الخلق لتكون له حالتان حالة قبل الخلق وحالة بعد الخلق بل حاله سبحانه واحد في الحالين وهذا دليل على عدم النسبة وان نسبة الخالقية والمخلوقية لم تقع في رتبة الذات وانما هي في مقام الاسماء والصفات الفعلية الاضافية فلو كانت النسبة جارية على الذات تغيرت البتة وماصح القول بانه تعالى لا يزال منزها عن الاقتران لان النسبة تابعة للمنتسبين فقبل وجود احدهما لم توجد لاستحالة النسبة الا في الشيئين وحيث كانت الحوادث معدومة وجدت بالايجاد كانت النسبة عند الايجاد فان كانت هذه النسبة مع الذات لم تكن الها ( حالها خ‌ل ) قبل الخلق هي حالها بعد الخلق وهذا خلاف ما اجمع عليه المسلمون فابطل عليه السلام بهذا القول الربط بين الحادث والقديم كما عليه جماعة من الناس وكذلك ( كذا خ ) ابطل بذلك قول من توهم من قولهم عليهم السلام كان الله ولم يكن معه شيء بان الله سبحانه كان في وقت لم يكن هناك شيء ثم صارت الاشياء في وقت آخر فيكون الزمان زمانا فاصلا ( الزمان فاصلا خ ) بينه وبين خلقه حتى توجه عليهم كلام بعض الحكماء من ان هذه الفاصلة الزمانية لا تخلو اما ان تكون متناهية او غير متناهية فان كانت متناهية لزم تحديد الواجب وان لم تكن متناهية يجب ان لا يوجد الخلق الى الآن اذ كل وقت فرض فيه حدوث الخلق تناهت الفاصلة ولزم التحديد ثم ان هذا الوقت والزمان الذي كان ولم يكن شيء لا يخلو اما ان يكون شيئا ام لا فان لم يكن شيئا ارتفعت السابقية وان كان شيئا لا يخلو اما ان يكون حادثا او قديما فان كان حادثا وجب ان يكون ( ان لم يكن خ ) في وقت ثم ينقل الكلام في ذلك الوقت بعين ما ذكرنا فيدور او يتسلسل او ينتهي الى عدم الوقت والزمان وان كان قديما لزم تعدد القدماء وذلك معلوم البطلان

ولما تنبه بعضهم الى هذه المفاسد واشباهه من انقطاع الفيض الغير اللايق بالكريم الفياض والتعطيل فيما يصح الافاضة والفعل وغير ذلك قال ويجب ان تحمل الزمان السابق على خلق الاشياء المستفاد من قولهم عليهم السلام كان الله ولم يكن معه شيء على الزمان الموهوم المتوهم لا الموجود ( الموجود المحقق خ ) المحض حتى يلزم ما ذكروا وليت شعري ما ( بما خ ) الذي نفعه هذا التوهم اذا لم يكن صادقا مطابقا لما في الواقع والمفروض ان في الواقع الوجودي لا وقت ولا زمان واما الواهمة فهي منوطة بوهم الواهم فاذا لم يتوهمه المتوهم قبل خلقه وقبل خلق الواهمة والتوهم كيف كان الامر هل كان زمان ووقت لم يكن فيه شيء ام لا وعليه العمدة والاعتماد والواهمة لا تغير الحقايق المتأصلة الوجودية وكل هذه المغالطات انما نشأت من ظواهر الاخبار والآثار والادعية كما في الدعاء يا ذا الذي كان قبل كل شيء ثم خلق كل شيء وغير ذلك وهم عليهم السلام لما عرفوا ذلك من قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ارادوا عليهم السلام نسخ القاء الشيطان من كلامهم عليهم السلام فقالوا كما عن امير المؤمنين عليه السلام فان قيل كان فعلي ازلية الوجود وان قيل موجود فعلي تأويل نفي العدم فبين ان كان ازلية لا زمانية والازل ليس عنده قبل وبعد ومتى والقبل هو عين البعد والعكس والاولية هي عين الآخرية كالعكس كما قال امير المؤمنين عليه السلام لم يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا فاذن يكون حاله قبل الخلق هو حاله بعد الخلق ( قبل خلق الخلق هو حاله بعد خلق الخلق خ ) فكما كان ولم يكن معه شيء وكذلك يكون ابدا لم يزل والا لكانت له حالتان ومتغير الحالة حادث ولذا قال عليه السلام في جواب عمران ولا يزال كذلك اي كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا اعراض فبالاول نفى ما عليه المتكلمون وبالثاني نفى ما عليه الصوفية الملحدون واظهر الحق الصريح ولو كره المشركون ولا تتوهم من ذلك اني اقول بالحدوث الذاتي والقدم الزماني كما عليه طائفة فان ذلك ايضا لا يناسب مقام القيومية وقد شرحت الامر على كمال ما ينبغي في اللوامع

وقد بين الامام عليه السلام في هذه الكلمات جميع ما يتعلق بامر التوحيد والاسماء والصفات وظهور الوسايط وكونه تعالى منزها عن وصف الواصفين ومتعاليا عن ادراك العارفين وان الاشياء لا تنتهي اليه تعالى ولا يقترن بها بل مرجع الاشياء ومصدرها ما يشابهها فرجعت من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فبقوله عليه السلام اما الواحد اشار الى الصفات كلها والى الاحد الذي هو الذات اما الصفات كلها فانها مقهورة تحت الواحد فان الصفة هي ظهور الذات باثر من الآثار الفعلية وقد قلنا ان جميع مراتب الخلق تنحصر في قوى الواو فاذا اضيفت الى الاحد الذي هو ظهور الذات فتكثر الاسماء والصفات للشيء الواحد لان الظهور بالمتعلق ينصبغ بصبغه فللظهور بالرحمة يكون الرحمن وللظهور بالخلق يكون خالقا وللظهور بالعظمة يكون عظيما وهكذا الى ما لا نهاية له من الاسماء التي تظهر وتشتق عند وجود المبدأ الذي هو الاثر ولذا كان الواحد مبدأ الاعداد الغير المتناهية واما الذات فلان الواحد لا قوام له الا بالاحد ضرورة ان الصفة لا تقوم الا بالذات بنحو من انحاء القيام كما فصل في محله وبرهن في موضعه وبقوله واحدا كائنا اثبت جميع مراتب التوحيد التي ترتقي كليات مراتبه الى خمسة ‌آلاف ومأتين وثمانين مرتبة وبقوله عليه السلام لا شيء معه الخ اثبت تنزهه عن جميع الممكنات اذ لا يجري عليه ما هو اجراه وبقوله عليه السلام ولا يزال كذلك اثبت انقطاع الخلق عن الوصول الى عز جلاله وانقطاع النسبة مطلقا بينه وبين خلقه فلا ينتهي اليه شيء ولا يتصل به شيء والخلايق لا محيص لهم عن النسبة والا عدموا وفنوا واضمحلوا فتكون النسبة الى اسمائه وصفاته وهي لمظاهره ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان وهو قوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع الآية وشرح هذه الاحوال يضيق القلب بابرازها في السطور ولا يضيق باخفائها في الصدور مع ما يستلزم من تطويل المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال

قال عليه السلام: ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا باعراض وحدود مختلفة لا في شيء اقامه ولا في شيء حده ولا على شيء حذاه ومثله له

اقول هذا التراخي ليس زمانيا يتخلل ( بتخلل خ ) زمان بين ذاته تعالى وبين خلقه ولا دهريا ولا سرمديا ولا طبعيا ولا ذاتيا كتقدم حركة اليد على حركة المفتاح ولا غير ذلك من انحاء التقدم والتأخر وانما هو تراخ حقيقي بلا كيف ولا وضع لان جميع ما يتصور من انحاء التقدم والتأخر واقسامه كل ذلك مخلوق بهذا الخلق ولا يجري عليه ما هو اجراه وهذا الخلق هو الفعل المخلوق اولا عبر عنه بالمخلوق المبتدع ردا على من يزعم انه امر اعتباري لا وجود له متحقق وهو باطل وانما هو مصنوع مخترع مبتدع ذات تذوتت به الذوات وتحققت بها الكينونات فكيف يكون امرا اعتباريا واثره ذوات متأصلة فان المفعول معمول للفعل ومحدث به ولا يعقل تذوت المعمول واعتبارية العامل المؤثر بل الفعل ايضا عامل في الفاعل لكون فاعلية الذات انما تكون بالفعل لا بالذات والا لزم الاقتران والتغيير ( التغير خ ) المنفيان باجماع المسلمين كما سيأتي ان شاء الله وهذا الخلق انما وصفه بالابتداع على معنى الاختراع فان احدهما يطلق على الآخر اذا افترقا والاختراع كما سيأتي ان شاء الله هو الخلق لا من شيء اصلا فيكون هو مبدأ الموجودات اذ كلها مخلوقة من شيء اي من المادة التي احدثها الله بهذا الخلق فهو المخترع بالاختراع الاول الذي هو نفسه وحقيقته فان الله سبحانه اول ما خلق الفعل وهو المشية والارادة والابداع والاختراع خلقه بنفسه لانه حركة ايجادية وهي لا تتولد من الذوات وانما تحدث بنفسها لا بحركة غيرها كما قال عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية والمشية بنفسها فنفس المشية هي جهة فاعلية نفسها بالله تعالى فتدور المشية عليها على خلاف التوالي لكون الاستدارة استدارة المعلول على علته وهي تدور على المشية على التوالي لكونها استدارة العلة على معلولها وبلا فرض العلية والفاعلية لم يتحقق الشيء ضرورة ان المفعول يتقوم بفاعله والمعلول يتقوم بعلته الا ان العلة لما كانت صفة فعل لا صفة ذات لاستلزامها المقارنة والمناسبة والمرابطة لا يجوز ان تنسب الى الذات لتعاليها عن الاقتران فوجب ان تكون تلك الصفة في رتبة الفعل وعند احداث الفعل نفسه يكون للفعل جهتان جهة هي تلك الصفة اي الفاعل والعلة التي هما اسما الفاعل لا اسما الذات وجهة هي الانية المعلولة فالعليا تدور على السفلى على التوالي والسفلى تدور على العليا على خلاف التوالي والتميز بين العليا والسفلى انما هو عند التعلق بالآثار والمتعلقات واما في ذاته فانما هي شيء واحد بسيط لا تعتبر فيه جهة وكيف واقتران واتصال كما قال الرضا عليه السلام ولا كيف له اي للفعل كما انه لا كيف لذاته ولما كان الجعل والاحداث لا يتم في التأثير الا في الكيفيات ( بالكيفيات خ ) الاربع لان كل واحد منها شرط لتحقق الاخرى في الظهور والوجود ولذا قلنا اذا تعلق الفعل بالمفعول حدث هناك اربع كيفيات

النار لحرارة الحركة الايجادية المعبر عنها بالفعل ولاستقراره من نفسه وعدم صيرورته نفس المفعول كما هو مذهب طائفة الهواء لربط الفعل بالمفعول ونسبته اليه فالربط رطوبة ورطب وجهة الفاعل حرارة الماء لربط المفعول بالفعل وتوجهه اليه للاستمداد منه التراب لحفظ المفعول ما يقع عليه من تأثير الفعل والفاعل

وهذه الطبايع مما لا بد منه في ممكن من الممكنات الا انها تختلف ظهورا وخفاءا لشدة بساطة المفعول وتركيبه اي ظهور البساطة والتركيب والا فالتركيب لا يخلو منه ممكن كما اشتهر في قولهم كل ممكن زوج تركيبي ولما كان هذا الخلق الاول وجد بنفسه لا بامر آخر غيره كانت الطبايع هناك متحدة فالنار هناك هي نفس الثلثة وهي نفس النار وكل واحد منها نفس الآخر بل هو شيء واحد يطلق عليه هذه الاسماء كما تقول ان الله ( تعالى خ ) عالم قادر سميع بصير وكل واحد من هذه الصفات هناك عين الآخر واختلافها انما ظهر باعتبار الآثار والمتعلقات وهذا المثال تقريبي والا فالمشية عند الذات مختلفة كما صرح عليه السلام في المتن كما نبين لك ان شاء الله تعالى ولذا عبر عنه عليه السلام بالاختلاف لان كلامه ( عليه السلام خ ) في الوحدة المحضة كما هي شأن سؤال عمران فيكون الفعل هو اول الخلق وهو المختلف في ذاته بالطبايع الاربع وان كان بينها اتحاد وائتلاف وهذه الطبايع ايضا ظهرت فيه في الكونين والعالمين المعبر عنهما بالعقدين والحلين ففي الحل الاول فالرطوبة فيه غالبة لانها هناك اربعة اجزاء واليبوسة جزء واحد والحرارة والبرودة بالنسبة وفي الحل الثاني فاليبوسة فيه غالبة لانها هناك جزء واحد والرطوبة جزءان فيحصل الانعقاد ففي كيفية خلق الفعل اخذ سبحانه وتعالى من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة التي هي نفس الرحمة بنفس الرطوبة بتلك النفس اربعة اجزاء بها ومن هبائها اي اليبوسة نفسها بها جزء به ثم صعد بها بنفس الصعود في هواء عالم الظهور فتراكمت بها به وانعقدت بها به ثم قام عبدا خاضعا خالصا الفقير لله سبحانه بكله وببعضه فحباه سبحانه سر الكينونة مع البينونة فحوى الاشياء وجمع الصور وحضرت عنده الاعيان وانتهت اليه روابط عالم الامكان فظهر كعموم قدرة الله تعالى وحصلت له باعتبار الجهات اسماء فهو الوجود المطلق لكونه في تحققه وتكونه وصدوره وانصداره لا يحتاج الى شيء سوى فاعله وخالقه فوجوده مطلق اي ليس مشروطا بشرط وقيد كسائر الحوادث والموجودات وهذا معنى اطلاق هذا الوجود وكونه لا بشرط لا على ما يزعمون من انه حقيقة واحدة انبساطية يتعين بالحدود والاطوار والتعينات فان الامام الرضا عليه السلام نفي هذا المعنى عنه ويسمى ايضا بالظهور والتجلي الاولى ( الاول خ ) لكونه جهة ظهور الله سبحانه وذكره ومذكوريته في الامكان ويسمى بالفعل وبالحركة الايجادية لكونه ظهوره سبحانه لغيره وموصل فيضه الى ما يريد من خلقه ويسمى بالفاعل لكونه ظهوره سبحانه له به ولغيره ويسمى بالمشية لكونه اول الذكر والمذكور وبه نشأت الاشياء وتأصلت وبالارادة حيث انه مبدأ الصور والاعيان وبالاختراع حيث انه تكون لا من شيء وبالابتداع حيث انه تكون لا لشيء ولا على احتذاء مثال وبالتعين الاول حيث انه اول مظاهر الحق سبحانه وظهوراته في الامكان وبالشجرة المباركة الزيتونة حيث انه الاصل المنشعب عنه الحدود والجهات والحيثيات وكونه مصفى عن جميع ما ليس له سبحانه وبالمحبة حيث انه اول الميل الذي هو مبدأ الايجاد وعلته وبالرحمة حيث انه به الاحسان والامتنان ومن اثره الماء الذي به كل شيء حي وبالولاية المطلقة حيث انه تدبير الحق للخلق في الخلق والآخذ ( الآخذة خ ) بذمام ( بزمام خ‌ل ) كل شيء بناصية كل دابة وبالازل الثاني حيث انه لا غاية لاوله ولا نهاية لامده وهو منقطع ومضمحل له اول وآخر عند بارئه وبصبح الازل حيث انه اول ظهور الحق سبحانه كما ان الصبح اول ظهور الشمس وبآدم الاول لكونه في اول الاصول واصلها وغايتها وبالاسم الاعظم حيث ان كل الظهورات والتجليات الالهية انما هي بفاضل تجليه بها وبالكاف المستديرة على نفسها حيث انه متمم لحقايق الامكان والاكوان ومتمم لنفسه بنفسه بالله سبحانه وبالسر المقنع بالسر والسر المجلل بالسر والسر المستسر بالسر حيث انه مبدأ المبادي وجواهر ( جوهر خ ) اوائل العلل وبالسحاب حيث ان الماء الواقع على ارض الجرز انما نشأ منه وصدر عنه وتأصل به وبالكلمة الاولى العليا حيث انه لفظ ( اللفظ خ ) الصادر عن فعله سبحانه بنفسه وبالامر حيث انه حكم الله على الموجودات وبفلك الولاية المطلقة حيث انه المستدير على نفسه وقطب لما سواه وبالعلم حيث انه الذكر الاول للاشياء الامكانية وبالقدرة حيث انه به استولى الله سبحانه على الاشياء واستطال عليها وبالعرش الاعظم الاعلى حيث انه به ظهور مواد الخلق وتأييداتهم من عند الله سبحانه وغيرها من الاسماء والصفات التي يطلع عليها الفطن الماهر في استعمالات حفظة الشريعة عليهم السلام والصلوة

وتعدد الاسماء لاجل اختلاف جهات ذلك الخلق المبتدع وتلك الجهات المبتدعية ( المستدعية خ ) لتعدد الاسماء ليست ذاتية وانما هي باعتبار تعلقات الآثار والمفاعيل وهذه هي الاسماء العامة للجهات العامة وله ايضا اسماء خاصة لجهات خاصة وهي لا تحصى ولا تعد ولا يصفها الواصفون ولا يعدها العادون مثل الحركة المطلقة فانها اسم للفعل المطلق واما الحركات الخاصة المتعلقة بآثار خاصة كالقيام والقعود والاكل والشرب وغير ذلك فلها اسماء خاصة كالقائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك وقد برهنا في مقامه ان المشتقات انما تشتق من المصدر المشتق من الفعل فتلك هي اسماء الافعال لا اسماء الذات فافهم

فظهر لك ان هذه الاختلافات ليست من حيث الذات وانما هي من حيث الاعراض والحدود واليه الاشارة بقوله عليه السلام مختلفا باعراض وحدود ولا شك ان الاعراض والحدود خارجة عن ذات المعروض والمحدود وجزء للحقيقة المتحصلة من انضمام ذلك الحد فان كان المحدود الكينونة فتسمى الحدود ذاتية كتحديد ذات الانسان بالحيوان الناطق وان كان المحدود الصفات والافعال فهي الحدود الفعلية كتحديد الانسان بالكاتب والقائم والقاعد ولذا عد المنطقيون امثال هذه الصفات من الخاصة او العرض العام واما الحدود الذاتية مثل الفصول والمشخصات النوعية والجنسية فعدوها من الذوات لانها اما جزء الماهية او عينها على زعمهم فالحدود الذاتية في المشية هي الطبايع الاربع المذكورة ومراتبه الذاتية في تكوينه من الحلين والعقدين واختلاف مراتبه ايضا بالنقطة والالف والحروف والكلمة التامة وامثالها من الذاتيات التي لا نطول الكلام بذكرها لكن لا على جهة الاختلاف والكثرة وانما هي على محض الايتلاف والوحدة ولا يمكننا ادراك تلك الجهات والاختلافات لان اقصى مقامات الوحدة الحاصلة لنا بحيث لا يمكن لنا ان ندرك وحدة وبساطة اعظم واشد منها هي ذاتنا وحقيقتنا لا من حيث هي هي وهي اثر المشية والفعل الاول الاعظم بوسائط ولا شك ولا ريب ان التأثير انما يقع في الرتبة السفلي لا الرتبة العليا والاثر يحكي الوجه الاسفل من احد ظهورات فعل المؤثر فاذا كان هذا الوجه الاسفل من احد ظهورات فعل المؤثر فاذا كان هذا الوجه الاسفل الذي هو وجه واحد من الوجوه الغير المتناهية في الوحدة والبساطة والاتحاد كما ترى فما ظنك باصل الفعل ونفس المشية وحقيقة هذا الخلق المبتدع المخترع ولكن لما كان الفعل اثرا للذات ومضمحلا لديها وفانيا عندها والحادث لا يكون الا ذا الجهات قال عليه السلام خلقا مبتدعا مختلفا وكان قوله عليه السلام بالحدود والاعراض اشارة الى ان هذه الاختلافات الظاهرة انما هي لاجل المتعلقات وهي الحدود العرضية المتعلقة بالمشاءات مثل هيئة حركة اليد بالنسبة الى الكتابة ورسم حدودها وخطوطها او الى ان كل ممكن زوج تركيبي وان هذا التركيب لا يكون الا بالاطلاق والتقييد والاجمال والتفصيل والتعميم والتخصيص ولا تصح ان تكون الاجزاء متساوية في العموم والخصوص والاطلاق والتقييد فان ذلك خلاف صنع الحكيم بل لا يجري النظام المتقن الا عليه ويتفرع على ذلك صحة عدم الصدور من الواحد الحق سبحانه الا الواحد الذي يتكثر بالحدود والاضافات وانحاء القرانات الفعلية والذاتية الحقيقية او العرضية لا انه لا يمكن ان يصدر من الواحد الا الواحد فبطل قولهم في الحكم وصح في الوقوع والوجود كذلك ربنا وهنا احكام وتفاصيل اعرضت عنها

وقوله عليه السلام لا في شيء اقامه اعلم ان الاشياء كلها قد قامت بالمشية وفي محالها الموجودة بها وهو قول امير المؤمنين عليه السلام وهو منشئ الشيء اذ لا شيء اذ كان الشيء من مشيته والشيء انما يسمى شيئا لانه مشاء فاذا كانت الاشياء لا تقوم الا بها وفي محالها بها ففي اي شيء تقوم المشية الا بذاتها وهذا ابطال ورد لقول من زعم ان الاوقات سابقة وكان وقت قبل خلق الخلق ثم اوجد الخلق فيه او هناك مكان وعالم خلقت المشية فيه الحاصل بالمشية خلقت الاشياء ولم يكن قبلها ما يعبر عنه بفي بكل معنى من المعاني وبكل وجه من الوجوه والا لزم اما ان يكون قديما او حادثا لم يتعلق به المشية فيكون له مؤثر آخر او صدر عن ايجاب واضطرار من دون ارادة واختيار والتوالي كلها باطلة

وقوله عليه السلام ولا في شيء حده اعلم ان حدود الشيء وان كانت صورة له الا انها مكتنفة به محيطة عليه احاطة القشر اللب ( لللب خ ) وكذا كل ظاهر بالنسبة الى باطنه ولذا جاز اطلاق الاب على القشر كما جاز على اللب وجاز اطلاق الابن على اللب والباطن كما جاز على القشر الا ان الاطلاقين في احدهما حقيقي وفي الآخر صوري والتحديد لا يكون الا لمطلق يصلح للتحديد بالحدود الغير المتناهية واما المشية والفعل فهما شيء واحد متعين بذاته لا يصلح لغيره حتى يتحدد فيتميز افراده بتميز ( بتمييز خ ) حدوده واوضاعه والفعل في ذاته واحد متعين ومتميز بذاته فلا يتحدد لان التحديد للتمييز ولذا عبر عنه في الاخبار بانه الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره فيبطل اذا القول بقدم الماهيات وانها اعيان ثابتة مستجنة في غيب الازل والوجود المحض يتحدد بتلك الحدود فلو كان كذا لكان حده في شيء وهو حد من تلك الحدود التي هي الاعيان وهذا في البطلان بمكان

وقوله عليه السلام ولا على شيء حذاه الخ بيان لابتداعيته اي خلقه لا على صورة سابقة اي ما جعل وما خلق محاذيا لخلق آخر وموازيا له ومماثلا معه اذ لم تسبقه صورة ولا مثال لان الصور به خلقت وعنه صدرت وبظهوره تمثلت وتحققت فلا يعقل تقدمها حتى يخلق ( هذا الخلق خ ) محاذيا ومماثلا اذ لا يعقل قدم الصورة ولا حدوثها بلا محدث ولا احداث الوجود بلا مشية ولا ارادة ولا ثبوت مشية وارادة غير المشية الاولى والارادة الاولى وهذه الاولية لا ثاني لها ولا ثالث فلا تكون المشية خلقت على احتذاء مثال فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال

ولك ان تقول ان قوله عليه السلام لا في شيء اقامه ولا في شيء حده بيان لاختراعية المشية وكونها مخلوقة لا من مادة سابقة وقوله عليه السلام ولا على شيء حذاه بيان لابتداعيتها وكونها مخلوقة لا على صورة ومثال قبلها فوجدت الثوابت والاوامر بالاولى والمنفيات والمناهي بالثانية واليه الاشارة بقوله عليه السلام في الصحيفة فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة وبارادتك دون نهيك منزجرة والمشية والارادة بمعنى واحد الا ان متعلقهما مختلف فافهم

ولما كان المعبر عنه بالوجود على ثلثة اقسام الاول وجود ( الوجود خ ) الحق وهوية ( هو آية خ ) الذات الاقدس تبارك وتعالى وتقدس باسمائه وصفاته وافعاله والثاني هو الوجود المطلق وهو الامكان الراجح اي الذكر الاول الذي هو المشية ومراتبها واحوالها الذاتية والفعلية والثالث الوجود المقيد وهو الامكان الجايز اي المشاءات المتعلقة بها المشية ولما اشار الامام عليه السلام الى القسمين الاولين باكمل اشارة واتم تبيين اراد ان يشير الى الوجود الثالث اي الوجود المقيد لان في الوجود اما خالق وهو الاول او خلق وهو الثاني او مخلوق وهو الثالث او قل فاعل وفعل ومفعول

قال ( فقال خ ) عليه السلام: فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة واختلافا وائتلافا الوانا وذوقا وطعما

اقول هذه العبارة الشريفة تشعر ان الاختلاف في الخلق الاول الذي ذكر انه مختلف باختلاف الحدود والاعراض المختلفة ليس اختلافا تظهر آثاره وتتبين وانما الاختلاف والكثرة والتعدد هناك بالنسبة الى ذات القديم جل شأنه واما بالنسبة الى ما دونه فهو في الوحدة والبساطة بحيث لا يمكن ابسط منه ولا اعلى منه ولذا ذكر عليه السلام الاختلاف والايتلاف والالوان والاذواق والطعوم التي هي جهات الاختلافات بعد ذلك وبيان ما ذكره عليه السلام بالاجمال هو ان الفعل لما تعلق بايجاد الاثر فاوجده الله به فانوجد ذلك الاثر وهو قوله تعالى كن فيكون فكن هو الفعل وهي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر ويكون هو الاثر المشاء فله جهتان جهة تشير الى مبدئه وبها يشتق منها كن وتولد عنها لانك اذا حذفت حرف المضارعة التي هي الياء وحذفت الواو التي في الوسط لالتقاء الساكنين يستنطق وهذا الاشتقاق اشتقاق الصفة اي ظهور الموصوف فيها بها وهذا معنى كون نور محمد وعليّ وفاطمة والطيبين الطاهرين من اولادهم عليهم السلام في صلب آدم عليه السلام وتولد تلك الانوار من تلك الاصلاب الطاهرة والارحام المطهرة والجهة الاخرى تشير الى نفسه وكينونته ولذا ترى ضمير الفاعل في فيكون يرجع الى نفس الاثر لا الى المؤثر ولا الى فعله ولما كانت الجهة العليا الاولى جهة المبدأ وظهوره بفعله واسمه وصفته كانت نورا وضياء والجهة الثانية لما كانت جهة احتجاب المبدأ وبعده عنه واختفائه لديه كانت ظلمة وقد يسمى الاول ( الاولى خ ) بالوجود والثانية بالماهية والاولى هي المادة والثانية هي الصورة والشيء المخلوق الموجود مؤلف ومركب منهما تركيبا لم يضمحل احد الاجزاء في الآخر بحيث يصدر ( لا يصدر خ ) منهما الامر الآخر الثالث كما هو مقتضي التركيب لكن الله سبحانه بقدرته ومشيته ركبهما والفهما وجعل كل واحد منهما تام التأثير في اقتضائه حال التركيب فلذا تحقق للشيء الاختيار لوجود مبدء ميلين متضادين فيه فبالجهة الاولى النورية يميل الى الخيرات والطاعات الصرفة المحضة وبالجهة الثانية الظلمانية يميل الى المعاصي والسيئات والشرور المحضة الصرفة ولكن لما كانت له وحدة تأليفية لا يمكن ان يكون في حال التفاته الى احد الجهتين واظهار مقتضاها ان يكون ناظرا الى الجهة الاخرى فيشغله شأن عن شأن والذي لا يشغله شأن عن شأن هو الله سبحانه المنزه عن جهات التمييز ( التميز خ ) وحدود التعيين ولذا قال تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فاذا دائما يصدر من الشيء اما آثار النور والخير او آثار الظلمة والمعصية فان كان نظره دائما الى جانب الخير وجهته فهو الصافي الذي ليس بمشوب مع الظلمة والشر وان كان نظره وعمله الى الجانب الآخر دائما سرمدا فهو صافي الظلمة وان كان قد ينظر الى هذه الجهة وقد ينظر الى الاخرى وهو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا الا ان الصفوة في الاطلاقات والتعبيرات لا تطلق الا على اهل الخير والنور الذين نظرهم الى الجهة العليا المعصومون المطهرون الذين لا يغفلون ولا يفترون عن طاعته وعبادته وغير الصفوة من سواهم من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ومن المغمورين في المعاصي والمنهمكين في السيئات الذين لا توجه لهم الى بارئهم ابدا بحال من الحالات وهؤلاء الفريقان هم الغير الصفوة ثم ان هؤلاء مختلفون

فمنهم من تكون الصفا وغيره فيه عن العمل التشريعي المستلزم للوجود التكويني وهم المطيعون والعصاة في كل سلسلة في العرض اي الذين اخذت طينتهم من العليين والذين اخذت من سجين والذين اصل طينتهم من عليين وفيهم خلط من سجين والذين اصلهم من سجين وفيهم خلط من عليين والمرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم

ومنهم من يكون الصفا وغيره فيهم عن العمل التكويني المستلزم للوجود التشريعي وهم الواقعون في سلسلة الطول وهؤلاء ثماني طبقات فاعلى الصفوة الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله اعني قصبة الياقوت المشتملة على عقود اربعة ‌عشر ثم الانبياء المرسلون وغيرهم عليهم السلام على طبقاتهم ثم الانسان الرعية من حيث الكينونة الحقيقية لا الصورة الظاهرية ثم الجن ثم الملك ثم البهائم ثم النبات ثم الجماد

ومنهم من يكون الصفا وغيره فيهم بحسب تقدمهم وتأخرهم في الاجابة والوجود من مراتب الشيء الواحد بحسب اقباله وادباره وتكثر الجهات وقلتها وهؤلاء ايضا ثماني طبقات فاعلاها في الصفا والطهارة وقلة الجهات الفؤاد اي الوجود المرتبط بالماهية ثم العقل الاول والعقل الكلي الذي قال الله تعالى اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك ولا اكملتك الا في من احب وهو اكمل الصفوة بعد الفؤاد وباب المراد والمداد الذي به الامداد ومنه الاستمداد ثم الروح النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة ثم النفس عالم الذر والنور الاخضر التي منه اخضرت الخضرة ثم عالم الطبيعة حجاب الياقوت والجوهرة التي ذابت لما نظر الله اليها بعين الهيبة ثم عالم جوهر الهباء المادة الجسمانية وهي البحر الذي حصلت لاجل ذوبان تلك الجوهرة اي الياقوتة ثم عالم المثال والاشباح ابدان نورانية لا ارواح لها ثم عالم الاجسام من العرش الى الثرى فاصفى الموجودات المقيدة العقل واكدرها الجسم واصفى الاجسام العرش ثم الكرسي ثم فلك الشمس ثم فلك زحل ثم فلك المشتري ثم المريخ ثم الزهرة ثم عطارد ثم القمر ثم كرة النار ثم كرة الهواء بالطبقات الثلث ثم كرة الماء ثم كرة الارض فالطفها واصفيها العرش واكدرها الارض وما بينهما متوسطات فما قرب الى الاول اصفى وما قرب الى الاسفل اكثف واكدر وهذا هو المراد من قوله عليه السلام فجعل الخلق بعد ذلك صفوة وغير صفوة فقد جمع في هذا الكلام الموجز المختصر جميع مراتب الوجود ومقاماتها واطوارها واحوالها من حيث نفسها كما اشرنا اليها بالاجمال

واما باضافة بعضها الى الآخر فقد اشار عليه السلام اليه بقوله واختلافا وائتلافا لان الاشياء كلها اذا اضيفت بعضها الى بعض لا يخلو عن واحد منهما لان اصلها الطبايع الاربع وهي اثنان منها متباغضان متخالفان واثنان منها متؤالفان متوافقان فالاول الحرارة والبرودة وجميع لوازمهما ومقتضياتهما وآثارهما واحوالهما والثاني الرطوبة واليبوسة وجميع لوازمهما ومقتضياتهما وآثارهما واحوالهما فبينهما بينونة واختلاف

واما هذه الاربعة اذا جمعت ( اجتمعت خ ) فبينهما نسبة وايتلاف لان بعضها وان كان يبغض البعض الآخر الا ان هنا مصلح آخر ( آخر مصلح خ ) مناسب للمتباغضين يورث الاجتماع والايتلاف فالحرارة تناسبها الرطوبة وهي تناسبها البرودة فتجتمع ( فتجمع خ ) بينهما في محل جامع والبرودة تناسبها اليبوسة وهي تناسب الحرارة فتجمع بينهما والرطوبة واليبوسة تجمعان بواسطة الحرارة والبرودة وهما يجتمعان ويأتلفان بواسطتهما فيتركب ويتألف الشيء منها مع بقاء كل منها على صرافة تأثيرها وتدبيرها وبها تتم اضلاع المربع وتقوم معتدلة الزوايا ذلك تقدير العزيز العليم

فاصل الاختلاف من جعل النور الذي هو الموجود ( الوجود خ ) ومنه الحرارة وجعل الظلمة التي هي الماهية ومنها البرودة ومن جعل نسبة كل منهما بالآخر التي هي الرابطة وهي المودة والرحمة المذكورة في الآية الشريفة ومنها الرطوبة واليبوسة فاختلفت وائتلفت وهذا هو الحكم في كل شيء وكل ذرة في الوجود المقيد ولما كانت الاشياء تحركت على المحور لا على القطب اختلفت بحسب القرب عن القطب والبعد عنه وباعتبار الحدود والاوضاع والقرانات تمايزت نقطة الجنوب والشمال ونقطة المشرق والمغرب فتمايزت الحرارة عن البرودة والرطوبة عن اليبوسة في الاشياء بحكم الغلبة وظهور الآثار فتمايز الاختلاف عن الايتلاف الى ان قال الامام عليه السلام الارواح جنود مجندة كلما تعارف منها ائتلف وكلما تناكر منها اختلف فتقابلت الاشياء بالاختلاف والايتلاف من النورانية والظلمانية والحرارة والبرودة والحلاوة والحموضة وامثال ذلك واما في الحركة الاولى التي هي الحركة على القطب كل هذه الامور المختلفة فيها مؤتلفة ( ويظهر هذا الايتلاف خ ) في الآخرة فيرد الاختلاف الى الايتلاف ويظهر هذا الايتلاف من كل ( يظهر من كل خ ) واحد آثار جميع هذه الطبايع فالاختلاف والايتلاف يردان على شيء واحد فمختلف من جهة ومؤتلف من جهة وهما بحران يلتقيان واول ملتقى هذين البحرين العقل ثم ما دونه من المراتب والاطوار ويجوز لك ان تقول ان الاختلاف اشارة الى الشكل المثلث والايتلاف الى المربع وبجمعهما يحصل حد الوجود وبالضرب يمتاز الشاهد من المشهود والموجود من المفقود فتظهر كلمة الله العليا في قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وتستولي يد الله على كافة الورى في قوله تعالى يد الله فوق ايديهم والارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم

ثم لما بين عليه السلام احكام الخلق من حيث الاضافات والقرانات التي تدور على الاختلاف والايتلاف المعبر عنهما بالتواجه والتناكر في الذات والصفات او في احديهما دون الآخر اراد عليه السلام ان يبين صفات الاشياء واحوالها وخواصها واقتضاءاتها الذاتية والفعلية فقال عليه السلام والوانا وذوقا وطعما فاللون هو اقتضاء الطبايع الاربع فالحرارة واليبوسة المجتمعان في النار تقتضيان الحمرة على الاصح وان قال بعضهم باقتضائهما الصفرة نظرا منهم الى المرة الصفراء فانها حارة يابسة قطعا ولونها صفرة قطعا وهذا وهم منهم فان الصفرة ليست ذاتية للمرة المذكورة وانما حصلت لخلطها مع الرطوبات البلغمية الا ترى الجمرة فانها حارة يابسة حمراء فاذا وضعتها على الدهن والحطب او غير ذلك مما فيه رطوبة تشتعل فتكون الشعلة صفراء وترى الشمس قرصها احمر وهي حارة يابسة قطعا فاذا وقعت اشعته على الارض والجو بما فيهما من الابخرة والادخنة وساير الرطوبات يميل لونها الى الصفرة واما اذا وضعت الجمرة الحمراء على الحديد والنحاس وغيرهما مما ليست فيه الرطوبة الزائدة فلا يمتزج ( فلا تبرح خ ) على لون الحمرة وهذا معلوم واضح ان شاء الله تعالى والحرارة والرطوبة المجتمعان في الهواء تقتضيان الصفرة على الاصح وان قال بعضهم باقتضائهما الحمرة نظرا منهم الى الدم فانه حار رطب اتفاقا ولونه الحمرة بالضرورة وهذا ايضا وهم منهم فان حمرة الدم ليست من لونه الذاتي وانما لونه الذاتي ما ذكرناه الا ان الحمرة حصلت بممازجة الصفرة مع الرطوبات البلغمية فان البدن اذا خلى من الرطوبات فنى والصفرة المختلطة بالبياض تقتضي الحمرة الا ترى الزنجفر فانه مركب من الكبريت وهو الاصفر ومن الزيبق وهو الابيض ومن التأليف بالتركيب الاعتدالي تحصل الحمرة فحمرة الدم من هذا القبيل والبرودة والرطوبة المجتمعتان في الماء تقتضيان البياض ولا اعلم في ذلك خلافا لاحد من اهل العلم والنقض بالاشياء الباردة الرطبة التي لونها غير البياض والحارة اليابسة التي لونها البياض كالملح وغيره مدفوع باختلاف اللون العرضي والذاتي وكون الشيء ذا طبيعتين وذا لونين فان الملح مثلا اذا صعدته واخذت رطوباته المائية ترى في باطنه دهنا احمر براقا كالياقوت وينفصل عن عرق ماء ابيض وهكذا غيره يظهر لونه على حسب طبيعته الخاصة وهنا تفاصيل شريفة اعرضت عن ذكرها وبيانها والبرودة واليبوسة المجتمعتان في الارض والتراب والمرة السوداء تقتضيان السواد اجماعا منهم ولا يختلفون في ذلك وما ترى من الالوان المختلفة في الظاهر المنافية للطبيعة فكما ذكرنا وعلى ما قلنا فافهم

وهذه الاربعة اصول الالوان وباقي الالوان كلها بجميع اجناسها وانواعها واشخاصها مستخرجة ومتحصلة من تأليف هذه الاربعة بعضها ببعض كالخضرة تحصل من اجتماع الصفرة والسواد والزرقة تحصل من اجتماع البياض والسواد وهكذا امثالهما ( امثالها خ ) ولما كانت العوالم الالف‌ الف كلها انما تحصلت وتحققت من هذه الطبايع الا ان في كل مقام بحسبه من ظهور الطبايع فقد اشار عليه السلام الى الوان جميع العالم وساير الصفات تتبع الالوان التابعة للطبايع الاربع واول ما تكون العرش تكون من انوار اربعة والعرش اول ما خلق الله تعالى كما دل عليه العقل والنقل وهو مركب من انوار اربعة كما قال امير المؤمنين عليه السلام وهو النور الابيض وهو الحاصل من نور سبحان الله ظاهرا وباطنا وبياضه لشدة انفعاله وخضوعه وانكساره وهو في الباطن احمر قان وهو العقل الاول اي القلم والنور والنور الاصفر وهو الحاصل من نور الحمد لله ظاهرا وباطنا وهو الروح واصل البراق ومنشأ الوفاق وعليه الاتفاق والنور الاخضر وهو الحاصل من نور لا اله الا الله ظاهرا وباطنا وهو النفس الكلية واصل عالم الذر والنور الاحمر وهو الحاصل من نور الله اكبر ظاهرا وباطنا وهو الطبيعة الكلية مبدأ الاجسام وعلة النقش والارتسام وهو الذر الثاني وعالم المباني بجميع الافلاك والعناصر والمتولدات والموكل بالركن الاول ميكائيل ويخدمه الصبا ويعينه اسرافيل وعزرائيل بنصف قوتهما والموكل بالركن الثاني اسرافيل ويخدمه الجنوب ويعينه الصبا وجبرائيل وميكائيل بنصف ( جبرائيل بنصف خ ) قوتهما والموكل بالركن الثالث عزرائيل ويخدمه الشمال ويعينه جبرائيل وميكائيل بنصف قوتهما والموكل بالركن الرابع جبرئيل ويخدمه الدبور ويعينه عزرائيل واسرافيل بنصف قوتهما والكلام في هذا المقام طويل فجبرئيل صاحب الريش الاحمر وعزرائيل صاحب الجناح الاخضر واسرافيل صاحب الجناح الاصفر وميكائيل صاحب الجناح الابيض وهكذا كل مقام بحسب ما فيه من الطبايع والخواص فافهم

واما الطعوم فاعلم ان كلياتها تسعة وهي الطعوم البسيطة عندهم لان الطعم لا بد له من فاعل وهو الحرارة او البرودة او الكيفية المتوسطة ومن قابل وهو الكثيف او اللطيف او المعتدل بينهما واذا ضرب اقسام الفاعل الى اقسام المنفعل حصل اقسام تسعة ينقسم الطعوم بحسبها فالحرارة ان فعلت في اللطيف حدثت الحرافة وفي الكثيف حدثت المرارة وفي المعتدل حدثت الملوحة والبرودة ان فعلت في اللطيف حدثت الحموضة وفي الكثيف حدثت العفوصة وفي المعتدل حدثت القبض والكيفية المتوسطة بين الحرارة والرطوبة ( والبرودة خ ) ان فعلت في اللطيف حدثت الدسومة وفي الكثيف حدثت الحلاوة وفي المعتدل حدثت التفاهة وهي على نوعين احدهما ان لا يكون له طعم حقيقة والتفه بهذا المعنى يسمى مسخيا والثاني ان لا يكون لها طعم في الحس ويكون له طعم في الحقيقة لكن لشدة الالتيام بين اجزائه لا يتحلل منه شيء يخالط اللسان فلا يحس بطعمه ثم اذا احتيل في تحليل اجزائه وتلطيفها احس منه بطعم كالحديد والنحاس اقول قولهم لا يكون له طعم حقيقة غلط فان كلما دخل في الوجود من ذي الطبايع فان له طعما ولونا فان اللون والطعم من آثار الطبايع واقتضاءاتها فلا يصح وجود المقتضي بدون المقتضى نعم قد يحصل موانع لظهور المقتضى فيمنعه عن الظهور لا الاقتضاء وقولهم رفع المانع من تتمة المقتضى غلط منهم فان المانع شيء والمقتضى شيء آخر لا دخل لاحدهما بالآخر نعم رفع المانع شرط لظهور المقتضى لا لوجوده كنور الشمس فانه موجود بوجودها ولكن اذا لم يكن هناك جسم كثيف لم يظهر النور فاذا وجد الجسم الكثيف ظهر النور فلا يقال عند وجود الجسم الكثيف وجد النور هذا ظاهر والفرق بين العفص والقبض ان القبض يقبض ظاهر اللسان وباطنه والعفص يقبض ظاهر اللسان فقط وهذه الطعوم تجري في كل العوالم في كل المراتب لا تخص بمرتبة دون ( دون اخرى وبعالم دون خ ) آخر في كل شيء بحسبه فاشار عليه الصلوة والسلام الى جميع ما في العوالم بكل احوالها فانها لا تخلو من هذه الاطوار والاحوال ويدخل في اللون الصفات كلها ويدخل في الطعم الخواص والخاصيات باسرها ويدخل في الاختلاف والايتلاف احكام جميع القرانات والاضافات والنسب والاوضاع ويدخل في الصفوة وغير الصفوة جميع الذوات والحقايق والكينونات والوجودات والماهيات في السلسلتين الطولية والعرضية بابي وامي من متكلم ما اجمع كلامه واوضح بيانه نعم هو ابن من قال اوتيت جوامع الكلم صلى الله عليه وعلى جده وجدته وآبائه وابنائه الطيبين الطاهرين المعصومين ولعنة الله على اعدائهم وظالميهم وخالفيهم اجمعين ابد الآبدين ودهر الداهرين

ولما اشار الامام عليه السلام الى العلة الفاعلية بقوله ثم خلق والعلة المادية والصورية بقوله صفوة وغير صفوة واختلافا وايتلافا والوانا وذوقا وطعما فالصفوة الوجود وهو العلة المادية والغير الصفوة الماهية اي الحدود والهندسة الايجادية من الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف والوضع وساير الحدود والاوضاع والقرانات وانما كان الغير الصفوة اشارة الى الماهية لانها جهة البعد عن الوحدة والنور والخير والاختلاف اثبات حركة كل منهما فانهما كرتان متداخلتا السطوح يتحرك كل منهما الى خلاف جهة الآخر فالوجود يتحرك على التوالي الى جهة مبدئه الذي هو قطب استمداده واستغنائه وافتقاره والماهية تدور على خلاف التوالي الى جهة الوجود من حيث نفسه لا من حيث مبدئه على حد قوله تعالى وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله فهما مختلفان في جميع الاقتضاءات والاحوال الا ان في كل حركة يتبع احدهما الآخر فيكون حركة احدهما ذاتية والاخرى عرضية وهو حقيقة الاختلاف واما الايتلاف فهو الاشارة الى النسبة الارتباطية بين الوجود والماهية ليتحقق بها التأليف والتركيب ولولاها لما صح الاقتران والاجتماع وهي منزلة التراب الذي يمزج الملك بين النطفتين نطفة الرجل الحارة اليابسة ونطفة المرأة الباردة الرطبة وهما المتضادان المتباغضان والتراب يناسب نطفة الرجل باليبوسة ونطفة المرأة بالبرودة فتربط بينهما وهو القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي واللون والطعم من متممات العلة الصورية ومكملاتها ولما اشار عليه السلام الى هذه المراتب اراد عليه السلام ان يشير الى العلة الغائية وانها ليست بحاجته ( لحاجته خ ) تعالى اليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا

قال عليه السلام: لا لحاجة كانت منه الى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها الا به ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا تعقل هذا يا عمران قال نعم والله يا سيدي قال واعلم يا عمران انه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق الا ما يستعين به على حاجته ولكان ينبغي ان يخلق خلقا اضعاف ما خلق لان الاعوان كلما كثروا كان صاحبهم اقوى والحاجة يا عمران لا تسعها لانه لم يحدث من الخلق شيئا الا حدثت فيه حاجة اخرى ولذلك اقول لم يخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم الى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه الى من فضل ونقمة منه على من اذل فلهذا خلق

اقول اخذ عليه السلام في الاستدلال على ان الغاية في الايجاد ليست استكمالا له تعالى بان يكون متمما لنقصانه تبارك وتعالى في ذاته بان لا يتم الا به كالاعمال التي يفعلها العباد تتميما لذاتهم وتكميلا لحقيقتهم ولا يزال بالعمل تزداد الذات وتترقى الحقيقة والوجود ولا تقف الزيادة على حد فلا يتم نقصان الامكان ابدا ولا تفنى حاجتهم سرمدا وان ترقت ذواتهم وتكملت كينوناتهم وكيف يجوز لعاقل ان يثبت هذا النوع من الاستكمال لذات الله سبحانه وتعالى فان الاستكمال بالعمل الذي هو الاثر الذي هو معدوم وفان في مرتبة المؤثر فلا يمكن تأثيره في استكماله واكماله اذ لا وجود له هناك حتى يكمل نعم اذا كان العامل اثرا لغيره ليكون ذاته اثرا لفعل الغير فيكون حركته بذاته وفعله بحقيقته الى جهة مبدئه فيستكمل بالتوجه الى مبدئه بدوام نظره اليه وامداده له بالمدد الذاتي الوجودي واما اذا كان الوجود عين حقيقة ذاته لا بامر آخر مستفاد فلا يتوجه الى اعلى منه ابدا واما آثار افعاله فلا ذكر لها في مرتبة ذاته فاين الاستكمال اذن وكذلك اذا كانت الغاية تحقق صفة من الصفات الكمالية التي لم تكن له تعالى فان ذلك ايضا باطل وكفر بل لا يعقل فان الذي وجوده ذاته لا ينتظر ولا يستقبل والا لم يكن وجوده ذاته فان ذاتي الشيء لا يتخلف ( لا تتخلف خ ) وقد شرحنا هذه المسألة في بعض رسائلنا وكذلك هو سبحانه لم يتغير بخلق الخلق حتى تحصل له الزيادة والنقصان كما قال امير المؤمنين عليه السلام لم تسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا فلا يتصور في حقه استقبال ولا ماض ولا حال لان متنقل الحالات حادث فلا يتفاوت حاله سبحانه قبل الخلق وبعد الخلق ومع الخلق فلا يمكن ان تثبت له صفة بعد الخلق لم تكن قبل الخلق ولا اسما قبل الخلق قد زال بعد الخلق ولا كان فاقدا خلقه قبل الخلق ثم صار واجدا له ولا كان الخلق كامنا في ذاته بالوجود الجمعي الاجمالي ثم صار بعد الخلق ظاهرا بالوجود الفرقي التفصيلي ولا بنسبة وارتباط بينه وبين خلقه لتكون له حالتان حالة في ذاته وحالة في نسبته بخلقه ولا ان حبه الذاتي اقتضى الظهور العلمي والكوني ولا انه لكمال حسن ذاته وجماله اراد ان يرى مثاله في المرايا الآفاقية والانفسية فان الجميل يلتذ اذا رأى جماله في المرايا ولاحل في شيء لتكون له حالتان قبل الحلول وبعد الحلول ولا اتحد بشيء ولا كان مطلقا فتقيد ومنبسطا فتعين ولا كانت الاعيان والماهيات مستجنة في ذاته فبرزت ولا لازمة لذاته ولا كان فاقدا لشيء ( بشيء خ ) حتى لا يصح وقوع خطابه عليه لتخص خطاباته ولا كانت الاسماء اللفظية موضوعة لذاته وحقيقته حتى تتفاوت حاله قبل الوضع وبعد الوضع ولا انه تعالى قبل الخلق لم يكن عالما بالاشياء ثم علم بعد الخلق ولا يصح السؤال والقول بانه تعالى كيف كان علمه بالاشياء قبل الخلق وكيف كان بعد الخلق فان هذا السائل جاهل والمتكلم المجيب بالفرق اجهل ولا غير ذلك من الاحوال الجارية عليه تعالى المستلزمة لزيادة ونقصان وتفاوت حال قبل الخلق وبعد الخلق وبما ذكره عليه السلام انخرمت قواعد كثيرة متداولة بين الحكماء والعلماء من المتقدمين والمتأخرين كما اشرت الى بعض انواعها بالاشارة ولو اردنا كشف الحال وتوضيح المقال وذكر الاستدلال لطال بنا الكلام ولسنا بصدده

ولما كانت هذه المسألة وان كانت بحسب القول واللسان متفقا عليها ولكن لسان احوالهم الظاهرة بلحن مقالهم يتكلم بالفرق بين الحالتين واثبات الزيادة والنقصان ولذا اشار عليه السلام ثم نبه عمران وقال له تعقل هذا يا عمران اي تفهم وتنبه على ان ما ذهبت اليه انت وغيرك في عقائدهم يبطله قولي ولا رأى لنفسه زيادة ولا نقصانا وهذه الفقرات الثلثة وان كانت خالية عن الاستدلال الظاهري وقد قلنا انه عليه السلام اخذ في الاستدلال تنبيها على ان هذه الكلمات المباركة من القضايا التي قياساتها معها وقد ذكر في هذه الفقرات روحي فداه جوامع العلم

ثم اراد ( عليه السلام خ ) ان يبين الغاية الاصلية الحقة وان فعل الله تعالى لا يجوز ان يكون عبثا ولا اتفاقيا ولا ايجابا وانما هو فعل اختيار صدر عن كمال الارادة والفائدة والغاية ولا يجوز ان تكون تلك الغاية راجعة اليه سبحانه ليكون محتاجا فانه تعالى لو خلق ما خلق لاجل احتياجه اليهم فوجب ان يخلق دفعة اضعاف اضعاف اضعاف ما خلق فانه تعالى اذا فرضناه يتقوى بخلقه فكلما كانت ( كان خ ) الخلق اكثر كانت القوة اعظم واشد فلم اقتصر في الخلق على التدريج وعلقه بالاسباب واجرى عليه المسببات فان كان لاجل العجز والضعف حتى يحتاج الى معين فباطل ايضا لان المفروض انه قادر لا مانع له في مشيته وخلق الخلق لحاجته فاذا ما دام لم ينقطع الخلق اي يصل الخالق الى حد لا يقدر على ازيد من ذلك او تنقطع قوابل الامكان عن صلاحية الايجاد او يخلق في كل دفعة اضعاف ما خلق وهكذا الى ما لا نهاية له لم تنقطع الحاجة والشقوق كلها باطلة اما عجز الخالق عن الخلق فظاهر واما قطع قوابل الامكان فباطل ايضا لان قابلية الامكان لا نهاية لها فلا تنظر في شيء الا ويمكن في حقه الاشياء كلها وبالقرانات والاوضاع لا ينتهي الى حد ولا يقف على مرتبة وحكم والثالث غير واقع بالضرورة فثبت ان الخلق ليس لحاجة نفسه فانه ( فانها خ ) افتقار محض وهو لا يجامع الغناء المحض اذا لم يكن فرق بين الخالق والمخلوق والمنشئ والمنشأ والمكون والمكون لان الحاجة من صفات المخلوقين والفقر سمة المربوبين فلا يجري عليه ما هو اجراه والفقر عدم والوجوب وجود فلا يجتمعان ابدا ولا ذكر لاحدهما عند الآخر ولما كان الامكان والحاجة امران وجوديان ( امرين وجوديين خ ) وكل ما كان كذلك يحتاج الى الواجب المحدث والا لكانا قديمين او معدومين وكلاهما محال فان على الاول يلزم تعدد القدماء وقد دلت الادلة القطعية على بطلانه كما ذكرت وشرحت في محلها وعلى الثاني يلزم ان لا يكون الخلق ممكنين ومحتاجين لان العدم يناقض الوجود فاذا لم يكن الامكان ولم تكن الحاجة استغنت الخلائق والبديهة تقتضي بطلان ذلك فوجب ان يكون الامكان الذي هو الحاجة والفقر امرا وجوديا مخلوقا مجعولا خلافا لبعض الحكماء والمتكلمين بل اكثرهم من قولهم بان الامكان ذاتي لم يتعلق به جعل الجاعل والا لزم انقلاب الحقايق وللبعض الآخر حيث حكموا بان الامكان امر عدمي انتزاعي لا تحقق له ولا تذوت اصلا ولما كان القولان كلاهما باطلين نبه عليه السلام على بطلانهما

فقال عليه السلام: ولذلك اقول لم يخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم الى بعض فالحاجة والافتقار امران وجوديان خلقهما الله تعالى والزم الخلق اياها بمقتضيى ذواتهم فان الله سبحانه وتعالى جعل في الخلق جهتين جهة غناء وهي عين جهة افتقاره الى الله تعالى لانها وجهه فلا تتقوم ولا تتحقق الا بالنظر اليه سبحانه ليستمد منه فهي دائما فقيرة اليه لائذة ببابه وسائلة من جنابه لا ترى لنفسها تذوتا اصلا فحيث كانت كذلك جعلها الله تعالى بابا لامداداته وفيوضاته منها يمد غيرها وبها يفيض على غيرها فلما افتقر في الغاية والنهاية استغني كذلك والجهة الثانية ( جهة خ ) افتقاره وهي جهة استغنائه لانها جهة انيته ونظره الى نفسه وجهة ماهيته واعراضه عن مبدئه واحتجاب الخلق ( الحق خ ) به فهي بعيدة عن النور وهي فقيرة دائما ناظرة الى غيره تعالى وهو الفقر سواد الوجه في الدارين كما ان الاول هو الفقر الذي فخري به ( وبه افتخر خ ) فخلق الله سبحانه الحاجة والزمها اياهم حين شعروا بانفسهم ونظروا الى جهات انيتهم وظهر حكم الغيور واحتجب حرف النور فلما تحقق الوجود والماهية تحققت النسبة الارتباطية ثالثة بينهما وكل واحدة محتاجة الى الآخر بجهة اما الوجود فمحتاج الى الماهية في الظهور الكوني والعيني والحقيقي والرسمي اكثر واعظم وان كان محتاجا اليه في الوجود والتحقق ايضا والماهية محتاجة الى الوجود في التذوت والتحقق لانها حدوده وهيآت رسومه وان كانت محتاجة ايضا في الظهور فتوقفهما تساوقي والدور معي وكذلك حكم النسبة الارتباطية معهما وحكمهما معها فالنسبة كالمصدر والوجود كاسم الفاعل والماهية كاسم المفعول في الوجه الاسفل وهما مشتقان من المصدر وهو منحل اليهما فكل الى كل مضاف ومنسوب فلما تحققت هذه الثلثة وجدت الطبايع الاربع متساوقة مترابطة متناسبة متوفقة ( متوقفة خ‌ل ) بعضها على بعض فالنار ظهرت بالماء والماء وجد بالنار والهواء بالنار وظهرت بالتراب وهو قد وجد بالهواء بها وكل واحد منها شرط لوجود الآخر وتحققه والاصل في ذلك ان الشيء انما حدث بالفعل والانفعال كما تقول اوجده فانوجد ولا يكون الشيء شيئا الا بهما معا فالفعل وجدت به الحرارة واثره الذي في المفعول وجد به الرطوبة ومن تلقي المفعول المدد من الفاعل المعبر عنه باقبل المفعول ( بالميل المفعولي خ ) وجدت البرودة و( من نفس المفعول خ ) من حيث هو الحافظة لا يرد ( لما يرد خ‌ل ) عليها من فعل الفاعل وجدت اليبوسة فصار الشيء لا يتم الا بهذه الاربعة وتلك الثلثة ففي تأصله ووجوده مفتقرة ( مفتقر خ‌ل ) الى سبعة اشياء وتلك السبعة بعضها شرط لتحقق الآخر وظهوره ثم لما تكثرت الاشياء وتعددت كانت علة الكثرة قرانات تلك السبعة بعضها ببعض على الاوضاع المختلفة والاطوار المتباينة ففي بعضها تجد غلبة النار وفي بعضها الهواء وفي بعضها الماء وفي بعضها التراب وفي بعضها الاثنين وفي بعضها الثلاثة على الاختلاف ومراتب الحرارة في السبعة والبرودة واليبوسة والرطوبة في المراتب السبعة التي لكل منها من جهة القوة والضعف كالمرتبة والدرجة والدقيقة والثانية والثالثة والرابعة والخامسة فصارت افراد الموجودات المتكثرة يفتقر بعضها ببعض لافتقار تلك السبعة بعضها ببعض وشدة الافتقار وضعفه على حسب ما في الشيء المفتقر من الطبايع والاكوان فالسماء محتاجة في استدارتها على الارض اذ لولاها لم يظهر نورها وبراكاتها واشعتها ومنافعها وكذلك وجودها ايضا لان الارض قابلية لوجود السماء الا ان الاول اظهر لغلبة الحرارة النارية فيها وغلبة البرودة الترابية في الارض وكذلك الحكم في العكس وشرح تفاصيل هذه الاحوال مما لا يناسب هذا المقام فالاعراض عنه اولى وهذا مجمل معنى قوله عليه السلام بل نقل بالخلق الحوائج فان الله سبحانه امسك الاشياء بعضها ببعض واقامه ( اقام خ‌ل ) بعضها ببعض

ولما كانت علة الحاجة الارتباط وعلة الارتباط الحركة وكان الله سبحانه منزها عن الحركة المورثة للارتباط المورث للحاجة اما كون علة الارتباط الحركة فان الارتباط انما يحصل من ميل احد الشيئين الى الآخر سواء كان الميل ذاتيا او وصفيا ام عرضيا ولا نعني بالحركة الا الميل وهو كون الاول بوجهه في المكان الثاني وهذا المعنى هو المفهوم من الميل واما كون الارتباط علة للاحتياج فان ذلك لا يتحقق الا بين امرين فكان كل منهما مفتقرا الى الآخر في تحقق الرابطة وهي علة التركيب فان المركب في تحققه محتاج ومفتقر الى ربط الاجزاء وتأليفها فكل مرتبط مركب لا اقل من الجهتين اللتين يتحقق بهما الجهة الثالثة التي تتحقق بها الرابطة ( الرابعة خ ) لتمام الشيء ثم ان تلك الاجزاء المؤلفة الاربعة تستدعي بحسب الاوضاع والقرانات اجزاء لا تتناهى فبين الامام عليه السلام بهذا الكلام بطلان ما ذهب اليه الحكماء من الربط بين الحادث والقديم واطالوا البحث في ذلك ولم يعلموا ان الربط مثبت الشيئين في كل من المرتبطين ضرورة ان كل واحد منهما له ذات وجهة ارتباط الى الآخر اذ لا يصح ان يكون ذات كل منهما عين الربط الى الآخر والا لكان امرا آخر تنسب اليه تلك الذوات التي فرضناها انها نفس الربط اذ لا تعقل النسبة والارتباط الا بين الشيئين المتغايرين والواحد من حيث الوحدة الحقيقية لا ينسب الى شيء اصلا فلا يرتبط بشيء فالمرتبطان يحتاج كل واحد منهما الى الآخر لتحقق الارتباط فلما كانت الحاجة لا تسع الذات القديمة كما برهن عليه عليه السلام بالدليل العقلي كان الارتباط ايضا لا يسعها فتكون الروابط مطلقا في الخلق بعضهم ببعض والله سبحانه وتعالى ( منزه خ‌ل ) عنها مطلقا وهو قول جده امير المؤمنين عليه السلام كما في الخطبة اليتيمية رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الخطبة فالذات تبارك وتعالى قد انقطعت دونها النسب والاضافات والروابط والشؤن والحالات والكثرات تعالى ربي عما يقولون علوا كبيرا فكلما فيه نسبة وارتباط من الصفات الاضافية والخلقية تنتهي الى الافعال فهي الصفات الفعلية واذا اطلقت عليه تعالى فالمراد بعد التجريد عن تلك الروابط والاضافات وهو قول امير المؤمنين عليه السلام ان قيل كان فعلى معنى ازلية الوجود وان قيل موجود فعلى تأويل نفي العدم فلا يعتبر في الذات الاقدس المدلولات اللفظية والمفهومات الرسمية والاعتبارات الفكرية واذا اطلقت عليه تعالى تلك الاسماء والصفات عند الطلب والحاجة اذ لا يصل ( لا تصل خ ) الى جهة معرفته بدونها فنزهها عن جميع المفاهيم والاعتبارات واقصد بها معنى واحدا احدي الذات والصفات فان الالفاظ مرتبطة بالمعاني والذوات بالمباني فلما بين عليه السلام انقطاع الخلق عن الوصول الى مقام الاحدية بكل جهة لاستلزام الوصول الارتباط واستلزام الارتباط الحاجة واستلزامها الحدوث والامكان وهو سبحانه وتعالى منزه عن كل ذلك اراد ان يبين ان الخلق مختلفون في شدة الحاجة وضعفها وقلتها وكثرتها بنسبة بعضهم الى بعض والا فهم بالنسبة الى الله عز وجل كلهم متساوون في الفقر والحاجة ولذا كانت الموجودات كلها كرة واحدة تدور على قطب واحد وهو جهة استمدادها من الحق سبحانه

فقال عليه السلام وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه على من فضل ولا نقمة منه على من اذل فكل مفتقر الى غيره في الوجود والتحقق والتذوت احوج بالنسبة الى المفتقر الى الغير في الظهور والبروز وان كان في التحقق ايضا الا ان هذه الجهة فيه اكثر واظهر فهؤلاء افضل من الاولين لان كل من حاجته الى غير الله اقل دليل على ان حاجته الى الله اكثر وكل من كان كذلك فلا شك انه افضل لان الكمال كل الكمال الاستغناء من المخلوق والافتقار الى الخالق ولذا قال صلى الله عليه وآله الفقر فخري فالغالب عليه الحرارة الجوهرية الغريزية افضل كالمبادي العالية من الانبياء والاولياء والسموات والعرش والكرسي والمجردات واطوار الملائكة وغيرهم وكل من فيه الغالب جهة البرودة اسفل وانقص لان الحرارة صفة الفاعل والبرودة صفة المفعول المقبول الذليل فلا شك ان المتصف بصفة المبدأ الفاعل اشرف من المتصف بصفة القابل وذلك معلوم واضح وشرح هذا الكلام طويل وقلبي للبيان كليل وليس مرادي ظاهر ما يعرفون وقولي بالحرارة الجوهرية الغريزية احتراز عن الحرارة الغريبية الموجودة في الشهوات الباطلة فانها في الحقيقة باردة يابسة وبالعرض حار يابس وذلك حكم نار جهنم فصار زحل اشرف من المريخ مع ما فيه من البرودة الظاهرة والحرارة الباطنية وما في المريخ من الحرارة الظاهرية والبرودة الباطنية ولهذا قالوا في المريخ انه شيخ كبير قاعد على كرسي من الدم فالشيخ الكبير مزاجه البرودة واليبوسة مع الرطوبة الغريبية ( الغريبه خ ) واشتمل بظاهره الحرارة الغريبية العرضية فافهم وبما ذكرنا من التحقيق الدقيق ظهر التفاضل بين الموجودات

وقوله عليه السلام وفضل الله بعضهم على بعض كما قال تعالى انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ولما كان الاستكمال في حق الله سبحانه المورث للحاجة نفاه عليه السلام عند نفي الخلق لغاية عائدة اليه تعالى ونفي الروابط عنه تعالى اكد بقوله بلا حاجة الخ فاثبت ان نسبة فعله الى كل الموجودات نسبة واحدة متساوية كما هو شأن الفاعل بالنسبة الى مفعولاته وفيه تنزيه له تعالى عن الظلم وخلاف الحكمة وبيان لاتحاد نسبة فعله مع كل المفعولات وتحقيق لانقطاع ذاته المقدسة عن جميع الروابط والاضافات ولما كان العبث والترجيح من غير مرجح ضروري ( ضروريي خ ) البطلان عندهم عليهم السلام فاثبت عليه السلام بالتلويح ما صرح الله تعالى بقوله الحق الله اعلم حيث يجعل رسالته فيكون الاختلاف بين الخلق بالتفاضل وعدمه بالامر بين الامرين في الذوات والاعمال والافعال لانه سبحانه انما فضل من فضل بقابليته للنور والخير وطلب قوة الحرارة الغريزية ( وخ ) السعادة لا ابتداء واشقى من اشقى ( شقي خ ) بخذلانه تعالى لاعراض ذلك الشقي عن مبدأ النور والخير وما ربك بظلام للعبيد وقال عز وجل بل طبع الله عليها بكفرهم وبكفرهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية الآية وهكذا الحكم في اختلاف المراتب والمقامات في انحاء السعادات ودرجاتها واطوار الشقاوة ودركاتها وهو قوله عز وجل فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ولما بين عليه السلام العلة الغائية في خلق الاشياء والعلة في اختلافها وانه انما صار بفعله تعالى بسر الامر بين الامرين اشار تلويحا الى ان الاختلاف علة تعدد الاسماء الجمالية والجلالية واسماء القهر والغلبة وظهور العظمة والجبروت والكبرياء والقدرة والرحمة والمغفرة وغيرها من الشؤن الحقية الظاهرة في الاطوار الخلقية ولما ( والى خ ) ان الله سبحانه انما خلق الخلق للمعرفة كما في قوله تعالى في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف ولما ( والى خ ) ان المعرفة الكاملة لا تتم الا بمعرفة التوحيد في المراتب الاربع توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة وتوحيد الصفات يشمل ( يشتمل خ ) المقامات والعلامات والمعاني والمعاني لا تتحقق الا باختلاف الذوات وتعدد الموجودات ليكون كل موجود من الموجودات الحادثة مظهر اسم من الصفات الكمالية فان الاسم عبارة عن ظهور ( الظهور خ ) الظاهر بالمتعلق الخاص فان القيام مثلا صار علة لظهور اسم القائم والقعود علة لظهور اسم القاعد والاكل لظهور اسم الآكل وهكذا سائر الاسماء وتلك الاسماء الكمالية هي مبادي الموجودات الخلقية والآثار الحادثة الدالة على كمال صنعة الصانع وتنزيهه عن النقايص واستجماعه للكمالات ومعرفتها من متممات معرفة التوحيد والشرايط اللازمة ومعرفة التوحيد بمراتبه الاصلية والفرعية المرتقية الى خمسة‌ آلاف ومأتين وثمانين مرتبة بالمراتب الكلية هي سبب الارتقاء الى معالي الدرجات والتوجه التام الى خالق السموات وبارئ المسموكات وهي سبب العناية الخاصة والعامة بالنسبة الى تلك النسمات وهي موجب البلوغ ( للبلوغ خ ) الى اقصى الغايات والصعود الى اعلى الدرجات والخلاص عن حضيض الدركات ومشاهدة التجليات والظهورات وتلك هي الغاية القصوي والمقصد الاسني الذي ليست فوقها درجة ولا ورائها مرتبة الا ما كان من هذه ( هذا خ‌ل ) القبيل والى ذلك الاشارة بقوله روحي فداه وعليه السلام فلهذا خلق

قال ( عمران خ‌ل ) يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا عليه السلام انما تكون المعلمة لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة الى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها افهمت يا عمران قال نعم والله يا سيدي

اقول العلم هو حضور المعلوم عند العالم وهو يطلق ويراد به معنيان احدهما نفس الحضور بمعنى عدم الغيبوبة وظهور الشيء للشيء بذاته لذاته او لمؤثره وذلك علم الشيء بنفسه في ذاته وحقيقته عند كشف السبحات ورفع الحجب والانيات واسقاط الروابط والقرانات فيتحد هناك العالم والمعلوم والعلم من غير اعتبار المغايرة بين هذه الثلثة في نظره اذا في ذلك المقام ويعتبر هذه الاعتبارات الثلثة من لم يكن في تلك الرتبة وانما هو في مقام التفصيل فلا يعتبر في العلم حينئذ جهة مغايرة واختلاف اصلا وثانيهما التمييز اي تميزه ( تمييزه خ ) عن كلما سواه وتعيينه بنفي غيره ليتعين ويتشخص دون غيره كما تقول علمت فلانا اي ميزته عن غيره وعينته بالنسبة الى ما سواه باثباته عندك ونفي ما سواه وذلك يكون بحصول الصورة المحدودة بحدود المعلوم المصورة على صورته وهيئته لتمييزه عن غيره ولذا يقولون يجب ان يكون العلم مطابقا للمعلوم وواقعا عليه ومنطبقا معه وذلك هو العلم التمييزي الصوري او المعنوي في مقام الفرق والتمييز والتفصيل

ولما كان المعنى الثاني هو المعلوم المعروف المتبادر عندهم حمل الامام عليه السلام كلام العمران كما هو الواقع على هذا المعنى المعروف كما يظهر من سؤاله فيما بعد هل كان علمه بضمير ام لا فاجاب عليه السلام بانه لا يجوز ان يكون الكائن الاول سبحانه وتعالى معلوما في نفسه عند نفسه على المعنى الذي تفهمونه فان ذلك يستدعي ان يكون غيره اشياء ليميز نفسه عن غيره اذا اراد التشخيص والتعيين وهو لا يكون الا بنفي جميع ما يخالفه و( اذ خ ) عند اثبات الغير في النظر والاعتبار والملاحظة لا يتعين المقصود المطلوب فوجب نفيه ليتوجه الى المطلوب والله سبحانه وتعالى لا يقترن بشيء ولا يتصل بشيء ولا ينتسب الى شيء اذ لا شيء معه لانه واحد ولا تكون الاحدية التامة الا بعدم ذكر ما سواه عنده اذا ( فاذا خ ) انعدمت الاشياء عنده وامتنعت ولا يكون لها ذكر ولا اسم ولا رسم لتحقيق الوحدة المحضة وانقطاع الروابط المطلقة فكيف يتصور التمييز في حقه تعالى بان يعلم نفسه عند نفسه اي تمييزه ( يميزه خ ) عن كل ما سواه ولو كان ذكرا وليست هناك حجب حتى ترتفع وتتحد المقامات الثلثة اي العالم والمعلوم والعلم كما في علم الشيء بنفسه عند كشف السبحات وازالة الانيات وليست بينونته تعالى مع خلقه بينونة عزلة حتى يحتاج التمييز الى التحديد بالحدود والتعينات الخارجية ليلزم التركيب ولذا قال عليه السلام انما تكون المعلمة لنفي خلافه اذا قصد بها التمييز عما عداه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا اي معلوما بالوجدان لا الوجود بمعنى العدم كما في الدعاء يا غائبا ليس بموجود اي ليس بموجود عند الناس في وجدانهم ومشاعرهم ومداركهم واعيانهم والا فهو سبحانه اصل الوجود وحقيقته ووجودات الخلق اثر فعله ونور مشيته

وقوله عليه السلام ولم يكن هناك شيء يخالفه يريد عليه السلام به انه ليس هناك شيء غيره لا ان هناك شيء يوافقه تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا فان الموافقة التامة لا يجتمع ( لا تجتمع خ ) مع الاثنينية ولا بد من تحقق المخالفة في الغيرية فاذا انتفت المخالفة بالكلية انتفت المغايرة كذلك فلم يبق الا واحد ليس معه شيء وليس مقترنا بشيء وليس منتسبا الى شيء بجميع انواع النسبة من المباينة والمساواة والعموم مطلقا والعموم من وجه فاذا انتفت هذه النسب انتفى كون شيء معه تعالى اذ وجود شيء في رتبة الآخر يستلزم احدى النسب الاربع فاذا انتفت انتفت الاشياء كلها بجميع وجوهها ( وجودها خ ) واحوالها واطوارها واوطارها في جميع اكوارها وادوارها واذكارها وهو قول مولينا الصادق عليه السلام عند قول القائل الله اكبر من كل شيء فهل ثمة شيء فيكون الله اكبر منه فالاشياء كلها مفقودة بجميع اوضاعها في ذاته عز وجل وموجودة في ملكه وخلقه وحيطة قيوميته كما قال مولينا الباقر عليه السلام ولم يكن خلوا من الملك قبل انشائه فابطل عليه السلام بذلك مذهب كثير من الحكماء من قولهم ان معطي الشيء لا يكون فاقدا له في ذاته وان الاشياء وجوداتها ثابتة لله تعالى بنحو اشرف وان الاعيان الثابتة غير مجعولة وكامنة في ذاته عز وجل مثل كمون الاعداد كلها في الواحد و( او خ ) مثل اندراج اللوازم في الملزومات و( او خ ) مثل استجنان الشجرة في النواة وان مفهوم واجب الوجود كلي يصدق على الكثيرين ( كثيرين خ ) فان الافراد مذكورة في الكلي بنحو الاجمال وان الصفات الذاتية لها مفاهيم اعتبارية متغايرة والمصداق واحد فيكون المصداق الواحد مصداقا لمفاهيم مختلفة في الجهات المختلفة وان الصفات الفعلية قديمة من جهة وحادثة من جهة وان بين الحادث والقديم ربط ونسبة وكذا قولهم ان بسيط الحقيقة كل الاشياء لانه اذا انتفت الاشياء وامتنعت هناك فلا نفي هناك ولا اثبات ولا سلب ولا ايجاب ولا لا ولا نعم فان النفي والاثبات متساوقان في الرتبة لا يوجد احدهما الا والآخر مقترن به في الصلوح والذكر ولذا اتفقوا على ان النفي فرع الاثبات فاذا بطل النفي والاثبات بطل كون النفي مستلزما للتركيب فلا يكون بسيطا ما فرضناه بسيطا هذا خلف واما اذا قلت ان البسيط هو الذي انعدمت جميع النسب والاضافات عنده فلا اثبات لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الامر فلا نفي ولا تركيب حال النفي كما يتحقق التركيب حال الاثبات وان كان بنحو اشرف وشرح هذه المقالات وابطال تلك القواعد يطلب في اللوامع الحسينية فاذا بطل الذكر وبينونة العزلة بطل الاشتراك فبطل التمييز والتحديد لانهما في مقام الاشتراك فما لا جنس له لا فصل له والجنس هو ما به الاشتراك مطلقا والفصل ما به الامتياز كذلك فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين

ولما بين الامام عليه السلام ان علم الذات الاقدس بذاتها ليس على جهة المغايرة بين العلم والمعلوم ولا على جهة التعلق ووقوع العلم على المعلوم ولا بنحو التحديد والتمييز عما عداه ولا انه شيء والعلم شيء آخر ولا ان جهة كونه عالما وعلما ( غير خ ) جهة كونه معلوما ولا ان هناك التفات وتوجه الى ذاته تعالى وانما هو سبحانه شيء واحد احدي ليس بمعاني كثيرة تسميه علما وتسميه ذاتا بلا فرق بين قولك ذاته او علمه لا في المفهوم ولا في المصداق ولا في الذهن ولا في الخارج ولا في نفس الامر فالعلم والذات لفظان يراد منهما شيء واحد بجميع الاعتبار وما قيل ان المفهومين متغايران والمصداقين واحد غلط فاحش فان المفهوم اذا خالف المصداق كان كذبا محضا فالمفاهيم المختلفة يصدقان على المصداق بجهات متعددة كما بينا في محله ولما بين الامام عليه السلام ذلك وعرف عمران ما هنالك عرف ان مقام الذات مقام السكوت وعدم الفحص والبحث وعلمه بذاته ذاته بلا مغايرة ولا كيف لذلك فعطف القول الى السؤال عن علمه بخلقه ولما انقطع سؤاله عن علمه بذاته

فقال رحمه الله فاخبرني يا سيدي باي شيء علم ما علم ابضمير ام بغير ذلك قال الرضا عليه السلام ارأيت اذا علم بضمير هل تجد بدا من ان تجعل لذلك الضمير حدا ينتهي اليه المعرفة قال عمران لا بد من ذلك قال الرضا عليه السلام فما ذلك الضمير فانقطع ولم يحر جوابا

اقول ان الناس بعد ما اتفقوا على ان الله عز وجل عالم بخلقه علما احاطيا لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء اختلفوا في كيفية علمه بالاشياء على اقوال شتى لا نذكرها لعدم الفائدة ولم يعلموا ان علم الله سبحانه بالاشياء لا يكيف ولا يحد لانه قد سبق الكيف والحد لان عنده المكيف والمحدود والغير المكيف والمحدود فان فعل الله سبحانه لا يكيف ولا يحد لقوله عليه السلام ما معناه وانما قال للشيء كن فيكون بلا لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ولا كيف ايضا لاثر فعله المتعلق به الفعل اولا وبالذات فان الاثر يشابه صفة فعل المؤثر ومن شرط العلم المطابقة بالمعلوم فكيف يكون العلم مكيفا مع ان بعض المعلومات غير مكيف وكيف لا يكون مكيفا مع ان بعض المعلومات مكيف هذا كله في العلم الفعلي واما في العلم الذاتي فلا كلام هناك ولا بحث فسؤال عمران عن كيفية علمه تعالى هل هي بضمير اي بتصور وخيال كما في المخلوق او بحصول صور الاشياء المعلومة في ذاته عز وجل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر ولا مختلف كما عليه بعض الحكماء فاجاب عليه السلام بان الله سبحانه لا يحتاج في علمه بالاشياء الى ضمير او شيء غيرها بل هو سبحانه وتعالى يعلم الاشياء بها لا بشيء غيرها فانه اذا علم الاشياء بغيرها نسأل عن ذلك الغير هل علمه بغيره بضمير آخر ام لا فان كان الاول ننقل الكلام فيه فيتسلسل او يدور فان كان الثاني فنقول اذا جاز ان يعلم الشيء بنفسه فما الفائدة في اثبات الضمير وتوسطه في علمه ( العلم خ ) بالاشياء

فان قلت اثبات الضمير في العلم بالاشياء قبل كونها نقول ذلك الضمير هل هو هو سبحانه بلا مغايرة اصلا ام هو مع اختلاف الجهة ام غيره فان كان هو هو سبحانه فكان علمه ذاته فلا يقال علم بضمير فانقطع السؤال وحصل الجواب وان كان الثاني لزم الاختلاف في الذات مع تعدد الجهات وهو علامة الحدوث وان كان الثالث فهل هو حادث او قديم فان كان حادثا ننقل الكلام في كيفية علمه به قبل حدوثه بضمير ام بغيره فيدور او يتسلسل او نقول علم ذلك الضمير الحادث به فاذا جاز ذلك لا فرق بين حادث وحادث فما جاز في واحد هو الجايز في الجميع وان كان قديما لزم تعدد القدماء وادلة التوحيد تبطله فهو سبحانه علم الاشياء بذاته على ما الاشياء عليه في اماكن حدوثها ومراتب وجودها بالاشياء قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها ومع وجودها بلا اختلاف حالة وتعدد جهة فافهم

فاخذ عليه السلام في الاستدلال على ما ذكرنا بقوله ارأيت ان علم بضمير هل تجد بدا من ان تجعل لذلك الضمير حدا ينتهي اليه المعرفة يعني اخبرني اذا كان علمه بضمير اي بشيء آخر سوى ذاته او سوى نفس الاشياء فلا بد من ان تجعل لذلك الضمير الذي علم الاشياء به حدا اي ضميرا آخر ينتهي اليه معرفة هذا الضمير بذلك الضمير الآخر وهو الحد المنتهى اليه المعرفة فلما ( ولما خ ) كان عمران عالما فطنا دقيقا ( رقيقا خ ) علم بانه بعد القول بانه لا بد لله تعالى في العلم بالاشياء من واسطة وهي ذلك الضمير وذلك الضمير ايضا شيء من الاشياء فلا بد في العلم به ايضا من واسطة وهو الضمير الآخر فينقل ( فينتقل خ ) الى ذلك الضمير الآخر بعين ما ذكر في الضمير الاول فاقر بلا بدية ذلك الحد فلزمه القول بالتسلسل ولذا سأله عليه السلام الزاما له بقوله روحي له الفداء فما ذلك الضمير الآخر الذي هو الحد الذي ينتهي اليه معرفة الضمير الاول فانقطع ولم يحر جوابا لما حصل له من الالزام وعدم كشف الجواب والاهتداء الى الصواب ثم انه عليه السلام اراد ان يبين له ان العلم المتعلق بالمعلوم في كل المقامات انما هو بنفس ذلك المعلوم لا بضمير آخر سواه فبين له مثالا من نفسه حسب مقترحه وسؤاله

فقال عليه السلام وروحي له الفداء : لا بأس ان سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر فقلت نعم افسدت عليك قولك ودعويك يا عمران

اقول يعني لا بأس ان نبين لك حقيقة الحال وتوضيح المقال بايراد المثال وهو انك ربما تظن بل تستيقن بان العلم هو الصورة الحاصلة عندك فتعرف الاشياء الخارجية العينية بها فكان علمك هو تلك الصورة ومعلومك هو الامر الخارجي فاذا جعلت الضمير الذي هو الصورة الحاصلة او ما يقوم مقامها هو العلم وجعلت المعلوم مغايرا للعلم فنسألك عن تلك الصورة تعلمها او تجهلها فان جهلتها فكيف علمت بها غيرها وان علمتها هل علمتها ( تعلما خ ) بتلك الصورة او بصورة مغايرة لها فان علمتها بها اتحد العلم والمعلوم في الضمير فالحكم باتحادهما هناك دون غيره قول بلا دليل وتحكم ليس له الى الحق سبيل

فان قلت ان العيان يغني عن البيان ونحن نجد يقينا ان الاشياء الغائبة عنا نعلمها بالصور ( بالصورة خ ) الذهنية والقوي الخيالية فمعلومنا هو ( هي خ ) تلك الاعيان المتأصلة علمناها بما عندنا من العلوم وليس عندنا الا الصور الخيالية والقوى الفكرية

قلت لو امعنت النظر وجدت العيان يشهد بما ذكرنا من الاتحاد فانك اذا اردت ان تدرك شيئا لا يخلو اما ان يكون ذلك الشيء المعلوم حاضرا عندك او غائبا عنك فان كان الاول فمااراك تحتاج الى ادراك الامر الحاضر الى الصورة الخيالية الذهنية بل ربما لا تلتفت اليها ولا تراها عند ادراك الشيء المحسوس الحاضر او الموجود فوق مرتبة الصورة من الشخصية والمعنوية المعبر عنه بمعرفة النفس التي هي معرفة الرب او المراتب النازلة عنها التي هي مقام ادراك الصفات والاسماء ففي ادراك هذه الامور لا تحتاج الى الصور بالوجدان والعيان واما الاشياء الغائبة عنك التي تظن انك ادركتها بصورها واشباحها فلا شك ان المدرك المعلوم ليس الاعيان الخارجية ولا الذوات العينية بل المعلوم انما هو تلك الصور فما علمت سواها ولا ادركت غيرها ولكن لما كانت تلك الصور اشباحا وهيئات حكت ظهورات ( ظهور خ ) الامر الخارجي وتلك ذوات لها وحقيقة كينوناتها كانت بظهورها غيبت ذاتية تلك الصور والاشباح فصرت لا تشير الا الى الاعيان الخارجية وهي ليست تلك وانما هي تجلياتها لتلك الصور بها والدليل على ما قلنا انك اذا رأيت زيدا قائما ثم غاب عنك وانتقشت صورته في ذهنك فانت لا تعلم الا هيئة القيام اي ظهور زيد بالقيام الذي هو نفس الصورة الظاهر لها بها فلو كان المعلوم حقيقة هو زيد الموجود في العين الخارجي وجب تطابق العلم بالمعلوم وتوافقهما ووقوع العلم على المعلوم ( وخ ) وجب ان تعلم جميع الاحوال الطارية عليه من قعود وصحة ومرض وحيوة وموت وغيرها من الاحوال مع انك لا تعلم منها شيئا فثبت ان المعلوم ليس الا تلك الصورة الموجودة في الخيال

فان قلت القول بعدم اتحاد العلم والمعلوم لا ينافي ذلك لان المعلوم حينئذ هو الشبح المنفصل من العين الخارجي المستقر في زمان حدوده ومكان وروده وشهوده والعلم هو الصورة الذهنية التي هي منتزعة من ذلك الشبح الخارجي فالمعلوم هو الشبح المنفصل والعلم هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتصل فبطل الاتحاد وصح عدم معلومية الاحوال الطارية على العين الخارجي بعد انتزاع الصورة او قبلها

قلت اذا صح ان الذهن مرآت اي الصورة الذهنية مرآت حاكية عن الشبح المنفصل الخارجي تم ما قلنا لان المرآة لا تحكي الا ما فيها ولا تدل الا ما هي عليه لا ما الخارج عليه فما تعرفه من المرآة انما هو نفس ما فيها الا ان لغلبة ظهور العالي تضمحل ملاحظة انيتها وحقيقتها الا ترى انك اذا رأيت زيدا في المرآة العوجاء ولم تكن رأيته قبل ذلك في غيرها تحكم عليه باعوجاج الصورة مع انه في الخارج ليس كذلك وحكمك بحسب زعمك ووهمك لم تقع ( لم يقع خ ) الا على الموجود الخارجي فافهم ذلك وابن عليه امرك تجد صحوا بلا غبار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار هذا كله اذا علمت تلك الصورة بها واما اذا قلت علمتها بغيرها فقد افسدت عليك قولك ودعويك للزوم التسلسل فانا ننقل الكلام الى تلك الصورة الاخرى التي علمت الاولى بها وهي المعبر عنه بالضمير في كلام الامام عليه السلام فان علمتها بنفسها بقي القول بالتوسط قولا بلا دليل وان علمتها بالاخرى ننقل الكلام اليها فيتسلسل وهذا معنى قوله عليه السلام افسدت قولك ودعويك فبين عليه السلام ان العلم عين المعلوم مطلقا وهو الحق من الاقوال في المسئلة فان في هذه المسألة ثلثة اقوال

احدها ان العلم عين المعلوم مطلقا كما هو الحق المنصور المختار المدلول عليه من الاخبار والآثار عن الائمة الاطهار ومن العقل المؤيد المسدد بكلام اولئك الاخيار عليهم سلام الله الملك الجبار والثاني ان العلم غير المعلوم وهو مذهب الاكثر من المتكلمين والحكماء والثالث ان العلم منه عين المعلوم ومنه غيره فالصورة الذهنية العلم بها بنفسها فهناك اتحد العلم والمعلوم واما فيما سوى ذلك فالعلم غير المعلوم وقد اشرنا الى بطلان القول الثالث ومنه يظهر بطلان القول الثاني

فان قلت اذا كان علم الله بالاشياء بنفس الاشياء يلزم ان لا يكون سبحانه قبل خلق الاشياء عالما بها لعدم المعلوم لحدوث الاشياء

قلت ان هذا العلم الذي هو عين المعلوم هو العلم الفعلي الاقتراني الحادث عند وجود الفعل والمفعولات وهو الواح المخلوقات من اللوح والقلم واما العلم الذاتي بالاشياء في اماكن حدوثها ومواقع وجودها وحدودها فلم يتعلق به الادراك ولا يقال كيف ذلك ( ذاك خ ) لان ذاته تعالى لا يكيف ولا يقاس ولا يحد وهو سبحانه لا يستقبل شيئا ولا ينتظر شيئا ولا يفقد شيئا وكلما سواه حادث وهو سبحانه وتعالى عالم بما سواه قبل حدوثها وبعد حدوثها ومع حدوثها لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ومراد الامام عليه السلام بهذا الاتحاد في العلم الفعلي لا العلم الذاتي فان ذاته تعالى لا تتحد بشيء ولا تقترن بشيء ولا تنسب الى شيء وهو الواحد الحق والمجهول المطلق وليس من مذهبهم ولا من ديدنهم سلام الله عليهم تكيف ( تكييف خ ) الذات ولا تحديد الصفات الذاتية لانها عندهم هي الذات بلا فرض المغايرة وكيف يقع منهم التحديد والتعين ( التعيين خ ) واعلم اني في اداء هذه الكلمات وترديد هذه العبارات كما قال الشاعر :

تعرضت في قولي بليلى وتارة بهند فلا ليلى عنيت ولا هندا

ولولا اني اخاف من الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ولاريت عجب العجاب ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب

ثم اعلم ان الضمير هو الغائب الموجود تحت قشور الحجب والظواهر ومنه الضمير المستتر عند اهل النحو فالمجردات المحتجبة تحت الماديات ضمائر مستكنة والاجسام الشهودية ظواهر بارزة والذي ليس من المجردات المقترنة ولا من الماديات الحاجبة كاللاهوتيات فليس بمضمر ولا بارز والى ذلك الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلام اللفظ اما ظاهر او مضمر او ليس بظاهر ولا مضمر ونحن قد بينا في كثير من مباحثاتنا ان اللفظ هو كل ما سوى الله وهو لا يخلو من هذه الثلثة الظاهر وهو الاجسام وما يقاربها والمستتر كالارواح وما يقاربها وما ليس بظاهر ولا مضمر هو عالم الوجود المطلق وما يقاربه فالادراكات الواقعة في المرتبة الانسانية في الامور الغيبية من المعنوية والصورية كلها من الضماير فالادراكات الصورية الغيبية من ضمير النفس والادراكات المعنوية من ضمير العقل والادراكات الرقائقية من ضمير الروح وهو البرزخ بين العقل والنفس والادراكات الشبحية من ضمير المثال ولذا نسب ادراك الامور الغيبية الى الضمير والعلم هو الصورة الحاصلة في هذه الضماير ويختلف حسب اختلاف مراتبها بالقرب والبعد والشدة والضعف الا ان كلها مشتركة في كونها من العلوم الصورية وانما فسرنا الضمير فيما سبق بالصورة الحاصلة من الشيء ولم نذكر المدرك للاشارة الى قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وقوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون فان المرآة الحاكية عن المقابل انما هي نفس الصورة لا الزجاجة الحاملة لها وكل شيء يعد حروف نفسه وشرح هذه الكلمة يطول به الكلام ولسنا بصدده

ولما كان سؤال عمران عن العلم الذاتي كما هو المعلوم المعروف عندهم والجواب عن العلم الفعلي اقتداء بالله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليه السلام في قوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين حيث سأله عن الحقيقة والكنه فاجابه موسى عليه السلام عن الافعال والرسم وقال رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين فاستظهر فرعون للتمسك بباطله بالتمويه والتلبيس وقال لمن حوله الا تستمعون من عدم مطابقة جوابه لسؤالي فاني اسئله عن الذات وهو يجيبني عن الافعال والآثار وقال ايضا موسى عليه السلام تأكيدا للحجة وتوضيحا للمحجة وتبيينا ( تبيانا خ ) بان الذات لا تعرف الا بالآثار ربكم ورب آبائكم الاولين فلما رأى فرعون ذلك قال ان رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون حيث لا يفرق بين موارد السؤال ولا يجعل الجواب على طبق السؤال فلا تصلح للنبوة حيث يخالف العقل ثم اكده موسى عليه السلام ايضا بذكر المعرفة بالافعال والآثار ايقاعا للفتنة وايضاحا للحجة قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ان كنتم تعقلون فالامام عليه السلام سلك مع عمران هذا المسلك واجاب عن العلم الفعلي تنبيها على ان العلم الذاتي ذاته بلا فرض مغايرة فكما انقطع العلم عن الذات انقطع عن العلم لانه هو فالجواب عنه لا يقع الا في مقام الافعال والآثار ولما لم ينكشف له حقيقة الجواب من جهة ذكره عليه السلام للمعارضات وايراده للالزامات ليصفي خاطره عن الشكوك والشبهات ويبطل ما عنده ويرجعه الى مقام الجهل البسيط الخالي عن جميع الاعتبارات ليتمكن في قلبه الحق الثابت البحت البات اذ ما دام الظرف ممتلئا عن الكثافات لا يمكن ان يجعل فيه شيئا من الطيبات ولا يكون ذلك الا بعد اخراج تلك القاذورات

فلهذا قال عليه السلام : اليس ينبغي ان تعلم ان الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له اكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم فيه مذاهب وتجزية كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم

اقول هذا تنبيه على ما هو المعروف المعلوم بالفطرة والضرورة ان الواحد من حيث هو واحد لا يوصف بضمير لانه ان كان هو بطل التوصيف لان بين الصفة والموصوف لا بد من الاقتران وهو دليل على المغايرة واما الصفة الذاتية فهي عين الذات فليس هناك امران حتى يقترنا ويتصف احدهما بالآخر فالذات صفة والصفة ذات اسمان يقعان على شيء واحد فان ( فاذا خ ) قلت ان ضميره هو ذاته بطل الاتصاف وانقطع الكلام وان كان غيره فان كان قديما تعددت القدماء فلم يكن ما فرضناه واحدا واحدا هذا خلف وان كان جهة من جهات الذات وشأنا من شؤنها فان كان في عين الذات تجزئت كتجزئة المخلوقين وانقسمت كانقسامهم لان كل جهة يغاير الاخرى فهو في ذاته ينقسم الى تلك الجهات المحدودة المختلفة المتغايرة فلم يكن ما فرضناه واحدا واحدا هذا خلف وان كان من لوازمه الذاتية فكذلك ايضا لان بين اللازم والملزوم مناسبة ومرابطة بها يتحقق اللزوم والا بطلت الملازمة وتلك المرابطة في جهة اللزوم فان كانت الملازمة في الذات فالرابطة فيها والا فلا فلم يكن ما فرضناه واحدا واحدا هذا خلف واما الواحد الذي تطرء عليه الاحوال كالوحدات العددية والجنسية والنوعية والشخصية فليس من حيث هو واحد وانما هو من حيث فيه كثرة ولذا قيدنا الحيثية وان كان الضمير حادثا حالا في القديم لزم ان يكون سبحانه محلا للحوادث وهو يستلزم التجزية والانفعال وكون الواجب ممكنا والممكن واجبا والمؤثر اثرا والاثر مؤثرا وغير ذلك من المفاسد والقبايح وان كان حادثا ومرتبطا بالقديم بنحو من الربط الذاتي فلا يصح ايضا لاستلزامه النسبة المستلزمة للتركيب المستلزم للحدوث كما اشرنا اليه سابقا وان كان حادثا وليس حالا بالقديم ولا مرتبطا به ولا متصلا معه وانما هو في ملكه قائم بفعله قيام صدور كساير الحوادث والمجعولات فلا يضر ذلك بان جعله الله سبحانه وسماه ضميرا وقلبا له لاجل الشرافة كما في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي والكعبة بيتي وما قاله تعالى خطابا لآدم عليه السلام على ما رواه الكليني في الكافي يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وغير ذلك ثم جعله مخزنا لجميع العلوم الخلقية المتعلقة بجميع الكينونات الحادثة كالعرش الذي خلق الله تعالى فيه تمثال كل شيء وجعل فيه علم البدا وعلم الكيفوفة وعلل الاشياء وغير ذلك من العلوم والحقايق والرسوم فهو حينئذ وعاء وخازن لعلمه وعلى هذا المعنى يقال للائمة عليهم السلام انهم خزنة لعلم الله تعالى واوعية له وفي زيارة عليّ عليه السلام على ما رواه المجلسي في البحار وقلبه الواعي للعلوم الحقيقية فهذا القلب شخص حادث جعل عنده خزائن الغيب ثم سماه قلبا ونسبه للشرافة الى نفسه وقال عز من قائل وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وماتسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فافهم

وهذا الضمير ليس بالضمير الذي اراد عمران وهذا ايضا لا يوصف به الله سبحانه حقيقة وانما النسبة مجازية فعلية للشرافة فنزه الله سبحانه عن الضمير فقال عليه السلام انه لا يوصف بضمير ( بالضمير خ ) وليس يقال اكثر من فعل اه‍ يعني لا تقل ان العلم لا شك انه سابق على الفعل والصنع اذ لو لم يعلم كيف يصنع فقبل ان يخلق الخلق كيف علم الخلق لانك ان قلت بصورة حاصلة عنده من الاشياء يلزم الكفر وان قلت بالاعيان الثابتة المعدومة الكون الموجودة مع الذات بالوجود الجمعي الاجمالي فكذلك وان قلت ان ذاته علة للغير ( لغيره خ ) والعلم بذات العلة مستلزم للعلم بذات المعلول قبل المعلول فكذلك وان قلت ان ذاته متحدة بالصور المعقولة فكذلك وان قلت بثبوت المعدومات قبل خلقها وايجادها فكذلك وان قلت بالمثل النورية المفارقة القديمة فكذلك وان قلت انه خلقها ولم يعلم بها الا بعد ان خلقها وحين ما خلقها فكذلك فاذن لا يجوز لك ان تنسب الى الله سبحانه شيئا من هذه المذكورات فانها كلها صفات المحدثات الممكنات فوجب الكف عن مقام الذات والتكلم فيها والقول بانه فعل بلا كيف اما انه كيف علم ففعل فلا لان ذلك ليس مقام الكيف والحد فلا يعرف بهما او ان منتهى الخلق الى الخلق لان الاشياء تنتهي الى ما بدء ( ما مبدئها خ ) عنه ومبدأ الاشياء الفعل والمشية لقوله عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فاذن تنتهي العلوم والافهام والادراكات والروابط والقرانات كلها الى مقام فعل وعمل وصنع ثم ان القديم سبحانه وتعالى هو الحق الثابت وما سواه حادث وممكن وامكان فجميع النسب الحاصلة للقديم باعتبار الحوادث كلها نسب اشراقية في رتبة الحوادث وان نسبت اليه تعالى والا لزم التغير المستلزم للانفعال اذ يوجد في ذاته صفة لم تكن قبل ذلك فليس يقال في الاسماء والصفات الاضافية والخلقية اكثر من فعل لان فعل علة اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر المشتق منه اسم الفاعل واسم المفعول فالمبادي المسماة بالمعاني المسماة بالمصادر كلها تحت فعل لان المصدر اثر الفعل فيكون مشتقا منه اشتقاق الشعاع من المنير والاسماء اي اسماء الفاعلين والمفعولين كلها تحت المصدر الذي تحت الفعل فاين المقام فوق فعل وكيف الكلام اكثر من ان يقال صنع وفعل فتقول علم وعلم وعالم ومعلوم

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

بابي هو وامي لقد صرح في عين التلويح وكتم في عين التصريح فاسكتوا عما سكت الله وابهموا ما ابهمه الله

ثم ان الله سبحانه لا يفقد شيئا ولا ينتظر شيئا ولا يستقبل شيئا ولا يمضي عنه او عن ملكه شيء ولا يستغني عنه شيء ولا يفوته شيء والخلق حادث فقير عدم هالك فهو العالم بهم في الازل في اماكن حدوثهم ومراتب وجودهم ومواقع شهودهم قبل خلقهم وبعد خلقهم ومع خلقهم ومعنى قبل خلقهم هو معنى بعد خلقهم ومعنى الفقرتين هو معنى حين خلقهم ومع خلقهم ومعنى ما فقدهم هو معنى كونهم عدما بحتا فيما لم يزل ومعنى ليسوا معه تعالى هو معنى خلقهم وامدادهم فيما لا يزال فافهم وتبصر لولا الخوف من فرعون وملائه لشرحت هذه الكلمات حتى ملأت الدفاتر الا ان الله تعالى يقول لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة واتيانه عليه السلام بثلاث صيغ لبيان متعلق الفعل فان كليات العوالم ثلثة الملك والملكوت والجبروت فالثالث للاول والثاني للثاني والاول للثالث وذلك تمام الكون والعين او ان لكل شيء ثلاث جهات وكل جهة متعلق فعل مخصوص او انها ثلاثة الفاظ على معنى واحد والعلم عند الله ولا قطع بشيء من الوجوه الثلثة

ثم اعلم ان فعل ( انما خ ) هو الميزان في علم الصرف وهو بمعنى التغيير والتحويل الى الحالات والتنقل الى معالي الدرجات واسافل الدركات وهذا التغيير العام الشامل لكل الذرات التكوينية انما يكون بالفعل لا بغيره ولما كان الفعل هو امر الله الاولى كما قال عز وجل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاصل الايجاد بالامر وهو قول كن واذا استنطقته بالعدد وبالحروف كان عينا ومن الكاف اشتقت الفاء بتكرارها اربع مرات ومن النون اشتقت اللام اذا اضفت اليها الالف كل ذلك لامور كثيرة يطول بذكرها الكلام وانما كانت ثلثة لانها اول الاشياء وابوها وآدم الاول وشكله المثلث لانه اول شكل خلقه الله واول عدد وجد في عالم الامكان واما الواحد والاثنان فليسا من الاعداد لعدم الوجود لهما في الوجود والامكان ( في الامكان خ ) بل الواحد الذي هو اول العدد ثلثة غلبت عليها جهة الوحدة فسميت باسمه واما الاثنان فهو الاربعة الا ان الفرعين لما لوحظا في الاصلين واندرجا فيهما فقيل اثنان والا فهما اربعة على التحقيق كما حققنا في محله ولذا قالوا ان اول الفرد هو الثلثة واول الزوج هو الاربعة وهما لهما ( مقامان خ ) مقام الاجمال في الثلثة واحد وفي الاربعة اثنان ومقام التفصيل فيهما كل واحد منهما والسبعة الجامعة لهما معا هو العدد الكامل فلا يصح اذا قولهم ان الواحد ليس من الاعداد وان تركبت الاعداد منه كما ان الجزء الذي لا يتجزي ليس من الاجسام وان تركبت الاجسام منه وقولهم ان الاثنين هو اول الاعداد وكذا قول فيثاغورث ( فيثاغورس خ ) ان الواحد والاثنين ليسا من الاعداد فالظاهر ان مرادهم ان الواحد والاثنين اللذين هما واقعان في اول العدد ليسا من الاعداد وانما اول العدد الثلثة ( ثلثة خ ) وما دونها وهذا ليس بصحيح فان عالم الاعداد عالم مستقل مثل عالم التكوين فكيف يمكن ان يكون المكون في مبدأ التكوين ليس من عالم الامكان ولا برزخ بين الامكان والقدم مع ان من اقسام الوحدة الوحدة العددية وان الاثنين من العدد يقينا والحق هو الذي ذكرت ان مبدأ الاعداد الثلثة ( ثلثة خ ) وان الواحد هو الثلثة الغالبة عليها جهة الوحدة والاثنين هي الاربعة الغالبة عليها جهة الاجمال فهما اصلان للاعداد وباقي الاعداد تفاصيل وفروع لهما ونسبتهما الى الاعداد كنسبة العرش والكرسي الى سائر الموجودات اما طرق سمعك قول النبي صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم والباء هو الاثنان والنقطة هي الالف التي هي الواحد فافهم ولما كانت الثلاثة هي اول الاعداد والفعل اول المكونات في الامكان والاكوان وجب ان يكون ظاهرا بثلثة احرف للدلالة على الجهات الثلثة واصل الفعل الذي هو اصل الاسم وجب ان يكون في الوسط وهو العين المستنطق عن كن والطرفان حاملا ظهوره وموقعا نجومه وقابليتا بروزه الا ان الفاء من جانب الكاف التي هي مقام الاجمال والبساطة ولذا كان في جانبه الايمن واللام من جانب النون التي هي مقام الكثرة والتفصيل الظاهر في الايسر فالفاء هو النبوة ومحلها محمد صلى الله عليه وآله واللام مقام الولاية ومحلها عليّ عليه السلام وهما اصلا اسمهما كما تقرر عندنا ان اصل الاسم في الوسط وانما اخذ باطن الاسم في محمد صلى الله عليه وآله لبيان مقامه ووقوفه صلوات الله عليه في مقام الباطن والاجمال واخذ ظاهر اسم عليّ عليه السلام لبيان مقامه ووقوفه عليه السلام في مقام الظاهر والتفصيل وكل منهما محل للعين التي هي المشية الا ان الاول محل في الباطن في مقام الربوبية اذ لا مربوب عينا واذ مربوب ذكرا والثاني محل في الظاهر في مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا وعينا فدل الاسم على المسمى وجرت الصورة على طبق المعنى ولذا اخذت الفاء والعين واللام على الترتيب الخاص ميزانا لعلم التصريف الذي هو التغيير والتحويل للاصل الواحد الى الامثلة المختلفة وكل تلك الامثلة ظهورات وتطورات وشؤنات وتجليات لفعل فافهم ضرب المثل

واياك واسم العامرية انني اغار ( اخاف خ ) عليها من فم المتكلم

( وخ ) هذا هو الاصل في الميزان والسر في ذلك لمن له عينان لا ما ذكره الصرفيون من التكلفات الفاسدة والتمحلات الباردة فان ما ذكروه يصدق على عمل وصنع كما ذكره الامام عليه السلام الا ان الخاصية التي بني عليها الوجود وامتاز بها الشاهد والمشهود وظهر به العابد والمعبود لا تكمل بل لا تتم الا في فعل ولذا قدمه عليه السلام في الذكر وصار موضوعا للعلوم كلها فعلم الصرف ابو العلوم والنحو امها خلافا لما قالوا وشرح هذا الكلام طويل ولسنا الآن بصدد بيانه وانما اتى عليه السلام بصيغة فعل على هيئة الفعل محركة ( متحركة خ ) ولم يذكر اسمها الذي هو الفعل او المشية لبيان انه هي الحركة الايجادية والميل الاول للمحبة الحقيقية وعالم احببت في المقامات القدسية وهو خلق ساكن اي مستقل ثابت اي قطب تدور عليه الاكوار والادوار وتجري به الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار فلو اتى باسمه الذي هو المصدر مع سكون العين دل على جموده وسكوته ( سكونه خ ) وبرودته وانجماده وهذا غير مقصود لان الامام عليه السلام في صدد بيان ان اليه تنتهي الروابط وتتعلق جميع المتعلقات ( التعلقات خ ) الكونية وبه يعرف الله بالاسماء الاضافية والخلقية وليس ورائه رتبة الا الذات الاحدية وتمام هذا المعنى على اكمل التفصيل لا يؤديه التعبير ( التدبير ل ) بالفعل الساكن الوسط

وقوله عليه السلام وليس يتوهم فيه مذاهب وتجزية الخ يريد عليه السلام بان توهم اختلاف الجهات وفرض الاعتبارات المعبر عنها بالمذاهب والتجزية محال فضلا عن وقوعها وذلك كما تقول ان فرض شريك الباري محال وكذلك ( كذا خ ) كل صفة نقص اذ لم يعقل في تلك الرتبة لان العين التي بها يعرف الله سبحانه ليست فيها مذاهب وتجزية واقتران واتصال وافتراق وانفصال فكيف يعرف بها ذلك وقد قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فعين العقل وعين النفس وعين الجسم المحدودة بالحدود المعنوية والصورية ( والشخصية ل ) الشبحية والجسمية كيف تدرك ما لا كيف له ولا حد له ولا اضافة ولا اقتران فالعين التي بها يدرك ذلك الشيء تجب ان تكون مجردة عن هذه الكيفيات والحدود والاعراض فاين المذاهب واين التجزية لانها صفة المخلوقين ولا تدرك الا بالعين التي بها تدرك صفات المخلوقين وبين المقامين بون بعيد كما لا يخفى على من له قلب او القى السمع وهو شهيد فلا يجوز توهم هذه الاشياء وغيرها من صفات النقص ولا فرضها في ذات الحق سبحانه وتعالى لانه اجريها على خلقه ولا يجري عليه ما هو اجراه فهذا هو المذهب الحق والنمط الاوسط الذي يرجع اليه العالي ويلحق به التالي ولذا قال عليه السلام فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا يعني تعقل ما ذكرنا لك وما لوحنا اليك في طي الاشارات وما صرحنا في ضمن العبارات من السر الحق والكبريت الاحمر مما خفى على ابناء الزمان ولا يمكن ذكر ذلك بصريح البيان وابن عليه اي اجعله اساسا لاعتقادك فانه الاصل الذي تدور عليه الاصول والنور الذي تقتبس منه الانوار ولما ان عمران تفطن الى ما قال له ذلك الامام العالي الشأن عليه الصلوة والسلام من ان الحركة والسير للمخلوق لا يقع الا في المخلوق كما نبه عليه السلام عليه بقوله وليس يقال له اكثر من صنع وفعل وقد قال امير المؤمنين عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله انعطف عن السؤال عن الخالق فاخذ يسأل عن المخلوق

فقال عمران يا سيدي الا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي وما معانيها وعلى كم نوع يكون قال عليه السلام قد سألت فافهم ان حدود خلقه على ستة انواع ملموس وموزون ومنظور اليه وما لا ذوق له وهو الروح ومنها منظور اليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق والتقدير والاعراض والصور والعرض والطول ومنها العمل والحركات التي تصنع الاشياء وتعملها وتغيرها من حال الى حال وتزيدها وتنقصها فاما الاعمال والحركات فانها تنطلق لانه لا وقت لها اكثر من قدر ما تحتاج اليه فاذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة وبقي الاثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى اثره

اقول سأل عن حدود الخلق وكيفيتها وكميتها ومعانيها اما الحدود فهي جمع حد وهو التعين الذي به يمتاز الشيء عن غيره او قل برودة بها ينجمد الماء الذائب وبيانه بالاجمال ان الله سبحانه واحد يقينا فالوحدة هي الكمال المطلق فضدها الذي هي الكثرة نقصان مطلق لضرورة التضاد وتطابقهما من جهة العناد فوجب ان يكون اول ما صدر واحدا وحدة انبساطية حقيقية شمولية وهي الماء الذي به كل شيء حي وهي نار الشجرة الزيتونة التي بها نضج ثمار الجنة ثم لما كان تلك الوحدة اقتضت ظهور الكوني والتفصيلي في الوجود ليكون محلا لاسمائه الحسنى وحاملا لصفاته العليا فخلق الله سبحانه وتعالى ما به يحصل ( حصل خ ) الامتياز والتعدد وذلك هي الصورة وهي الهيئة التأليفية من اركان ستة الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف ولما كانت هذه الستة امورا متجددة سيالية تقبل الاختلاف ويقطع به الايتلاف فكل جزء من اجزاء الزمان يقتضي بظهور ذلك الامر الواحد فيه بغير الحكم الذي في الجزء الآخر منه وهكذا يختلف الحكم بترامي الاجزاء الى ما لا نهاية له وكذلك الكيف يحدد ذلك الامر الواحد بطور ويقتضي حكما غير مقتضى الطور الآخر واطوار الكيف لا نهاية لها ( له خ ) وهكذا حكم الكم والجهة والرتبة ثم نسبة هذه الحدود بعضها ببعض تقتضي احكاما مختلفة واوضاعا غير متناهية فتختلف الاشياء بحدودها والحدود لا نهاية لها الا ان كلياتها لما كانت ستة كما عرفت ظهر بها العدد التام ولما كان كل شيء لا يتحقق الا برتبتين رتبة الاجمال ورتبة التفصيل ورتبة الغيب ورتبة الشهادة وجب ان تثني الستة فتحققت بذلك الاثني عشر وهو العدد الزايد لكون كسورها التي هي فروع ذاتها ولطيفة انيتها زائدة على ذاتها بخلاف الستة فان كسورها مساوية ( متساوية خ ) غير زائدة لان الاول مقام تمام الشيء في نفسه والثاني مقام ظهوره مشروح العلل مبين الاسباب جامع المراتب حاوي المقامات ولذا سمي باسم الحد لان اعداد حروفه مطابقة لحقيقة ذاته وانما سمي بهذا الاسم لما قلنا لك من انها محل الكثرة والاثني‌ عشر اول كثرة وقعت في الوجود بمقتضى الشهود عند تمام الشيء بنفسه وبظهور اسبابه وعلله ولما كان اصل الوجود هو ذلك الشيء الواحد وهو حامل مرتبة التوحيد ولما تكثر تكثرت اطوار التوحيد ومراتبه ولما كانت الكثرة في اول ظهورها انتهت الى الاثني عشر لما قلنا ظهرت كلمة التوحيد في اثني عشر حرفا في التكوين والتدوين اما التكوين فلان الكلمة حاملة لظهور المعنى وشارحة له على حسب ما ظهر فيه ولما كانت الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله الظاهرة في اثني عشر حدا ظهرت فيها جميع مراتب التوحيد لقوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن والمؤمن هو تلك الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله بالوضع الاولى الالهي فكانت تلك الحقيقة اصل الكلمة والاثني عشر حروفها المقومة ( المتقومة خ ) لها المتممة لظهورات آثارها ظهر التوحيد بتلك الكلمة بحروفها الاثني عشر في كل مراتب الوجود فكانت هي الكلمة التامة كلمة التوحيد واحدا ( حدا خ ) تاما مشتملا على الجنس القريب والفصل واما التدوين فكما ترى من ظهور كلمة التوحيد في اثني عشر حرفا وهي قول لا اله الا الله وقد تحددت بذلك الطبق حدود الايام والليالي والبروج والشهور وساير الكليات الحقيقية التفصيلية واليه يشير قول مولينا الجواد عليه السلام في زيارة ابيه عليهما السلام السلام على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات ولما جرت الدورة الاولى على هذه الحدود جرت مراتب الوجودات ( الموجودات خ ) كلها على طبقها لانها هيئة ظهورها وصفة استدلالها فطابق الاسم والمسمى والصورة والمعنى فهو حد واحد وهو حدان وهو حدود كثيرة من قوله تعالى والسموات مطويات بيمينه يد الله فوق ايديهم وقوله تعالى بل يداه مبسوطتان وقوله تعالى والسماء بنيناها بايد الى غير ذلك من الآيات الظاهرة من تلويح الروايات وهذا الذي ذكرنا مجمل بيان الحدود والاشارة الى حقيقة المحدود

واما انواعها فاعلم انها كثيرة جدا لا تتناهى ولا تحصى ولكن هذه الجهات الكثيرة كلها بجمعها ( يجمعها خ ) شيء واحد لما قلنا ان الاشياء حقيقتها واحدة قد تشعبت جهاتها وتطورت آثارها فمنها تعدد وتشعب كتشعب النور من المنير والشعاع من ( عن خ ) الشمس ومنها تشعب كتشعب التفصيل من الاجمال والمشتق من المبدأ فالاول كلياتها ثمانية انواع :

النوع الاول الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله بذاتها وحاملها ومحمولها وهي قد تشعبت الى سبعة شعب : الاولى الحقيقة المقدسة النبوية الظاهرة بالنبوة المطلقة والولاية المطلقة الاجمالية نقطة الكلمة التكوينية ومبدأ الوجودات التشريعية وسر الوجودات الشرعية في بسم الله الرحمن الرحيم اي تكوينيتها وتشريعيتها وتدوينيتها ( تكوينها وتشريعها وتدوينها خ ) وسرها وغيبها وباطنها ونورها وظاهرها فافهم ان كنت تفهم الثانية الحقيقة المقدسة العلوية (ع) حامل الولاية التفصيلية الباء في البسملة الحقيقية والمجازية من الغيبية والشهودية والالف في الكلمة الالهية وحامل اللواء وساقي الحوض قسيم الجنة والنار عليه وآله صلوات الملك الغفار الى يوم القرار الثالثة الحقيقة المقدسة لمولينا الحسن عليه السلام حامل الاجمال عن التفصيل وسر التفصيل عن التوصيل ورتبة الاجمال ومقام الاتصال الرابعة الحقيقة المقدسة لمولينا الحسين عليه السلام صاحب التفصيل والقمر الساير في منازل التقدير صاحب العشرة الكاملة والليالي المتتالية والصبح الصادق والحكم المطابق المهيج للحرارة الغريزية دافع الابخرة والطبايع الغريبية ( الغريبة خ ) فافهم والخامسة القائم المنتظر (ع) والسيف المشتهر الواقف على الطتنجين والالف بين الواوين السادسة الائمة الثمانية عليهم السلام حملة العرش وحفظة الفرش متمموا القابليات مقوموا الشرعيات ومظهروا الخيرات وناشروا الحسنات ودافعوا السيئات السابعة الحقيقة المقدسة لفاطمة الصديقة تمام الكلمة الالهية والبسملة المعنوية وليلة القدر في الاسرار الشهودية سر طه والطواسين والامر بين الكاف والنون حاملة العلويات حافظة لها عن التفرق والشتات وهذه السبعة قد تشعبت من تلك الحقيقة تشعب الاغصان من الشجرة والمشتق من المبدأ والافعال الستة او السبعة من الفعل الماضي وهي المستقبل والامر والنهي والجحد والنفي والاستفهام فافهم

وتشعبت منها باعتبار محمولها اربع شعب الاولى النقطة الحقيقية التي لم تقبل القسمة لا وهما ولا فرضا ولا اعتبارا وهنا ثلاث مقامات مقام الباطن ومقام باطن الباطن ومقام الظاهر وشرح هذه الكلمات الثلثة مما يطول به الكلام مع ان هذا من مزال الاقدام فالاعراض عن بيانها اولى واسلم بالنسبة الى مدارك الافهام مع انا في صدد القسمة لا تحقيق مراتب الاقسام الثانية مقام الالف بمراتبها الاربع من اللينية والمتحركة القائمة والمبسوطة المنتشرة والراكدة المنجمدة وهو قوله تعالى وهو العلي العظيم وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ولها مراتب في البواطن في مقامات الاسماء ومراتب المسميات يضيق صدري باظهارها ولا يضيق بكتمانها الثالثة الحروف العاليات المنشعبة ( المتشعبة خ ) من الالف المتقطعة منها وهي السحاب المزجي والحل الاول بل العقد الاول والرابعة الكلمة التامة والرحمة الواسعة العامة والسر المقنع بالسر وهذه هي مجمل مراتب المحمول وهي سبعة وحاملها واحد او سبعة او ثمانية او اربعة عشر او اثني عشر

النوع الثاني حقيقة الانبياء قد تشعبت الى مائة‌الف واربعة وعشرين شعبة الا ان المتشعب من الاصل واحد قد تعين بهذه الحدود وهذه هي الستة المذكورة من الكم والكيف واخواتهما والاصل فيهم خمسة وهي نسبة القلب في الارواح الثلثة الروح الحيواني المستقر فيه والروح النباتي المستقر منه في الكبد والروح النفساني المستقر منه في الدماغ والصدر ( والدماغ خ ) وهؤلاء هم اولوا العزم وساير الانبياء بمنزلة ساير الجوارح والاعضاء والاول من هذه الخمسة هو محمد صلى الله عليه وآله الظاهر لهم فيهم بهم والاشارة الى سر ذلك في حديث خلق نور محمد صلى الله عليه وآله في قوله عليه السلام فلما اتم السباحة في الابحر الاثني عشر قطرت منه مائة‌الف واربعة وعشرون‌الف قطرة خلق من كل قطرة روح نبي من الانبياء ولا شك ان هذا العدد انما يتم به صلى الله عليه وآله فظاهريته من تلك القطرة لان القطب في كل رتبة ( مرتبة خ ) من سنخها وهو حامل اسم الاصل فافهم

النوع الثالث مرتبة الرعية من بني آدم على القول المطلق الشامل لاهل هذه الدنيا ولما وراء جبل قاف من اهل جابلقا وجابرسا وهذه الرتبة من ذلك النور الواحد قبل تشعبه الى تلك الشعب وان كان بعده ولذا ليس كل واحد منهم علة مستقلة بدليل عدم بعثة الكل على الكل وان عمت الشرايع في بعضهم وهذه الرتبة تتشعب ( تنشعب خ ) شعبتين احديهما شعبة النور والثانية شعبة الظلمة فالاولي انشعبت من موافقة الاصل من حيث حكايته لفعل المبدأ والثانية انشعبت من نفس الاولى من حيث نفسها على حد قوله تعالى يسجدون للشمس من دون الله وكلاهما متقومان بذلك الاصل الا ان الاولى منه واليه وبه والثانية به ليست ( لا خ ) منه ولا اليه وكل من هاتين الشعبتين تشعبت الى حدود وانواع كثيرة باعتبار مزج هاتين الشعبتين وتداخلهما وتفارقهما وغلبة كل واحد منهما وتساويهما وكلياتها تنحصر في خمسة ( خمس خ ) مقامات لخمسة اشخاص :

الاول مقام المتبوعين من الانوار عند التمايز والتمحض في النورية وقولي عند التمحض لا اعني به البساطة وجهة الوحدة فان الوحدة مخصوصة ( مخصوص خ ) بالله الواحد القهار وكل ممكن زوج تركيبي حتى الواحد الذي هو اول الاعداد فانا قد ذكرنا انه مركب من ثلثة اجزاء بل المراد بالتمحض في الوحدة غلبة حكمها واضمحلال حكم الكثرة في كل شيء بحسبه فالمتبوعون حيث قابلوا فوارة النور بحكم الغيور تلاشت ظلماتهم واضمحلت انياتهم فلا يظهر منهم آثار الظلمة ابدا فهم اذن متمحضون في طاعة الله فهم المتمحضون في النورية وهؤلاء اول المجيبين والمقرين لما سألهم الله تعالى وقال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ امير المؤمنين والائمة الاحدعشر من ولده وفاطمة الصديقة صلوات الله عليهم اولياؤكم فكانوا لسان السائل وحقيقة المسؤل قد سألهم بهم فسألوا واجابوا وهو قول مولينا الصادق عليه السلام نحن السائلون ونحن المجيبون في الكافي ما معناه ان النبي صلى الله عليه وآله سئل لم فضلت على الانبياء وقد بعثت آخرهم فقال صلى الله عليه وآله لاني كنت اول من آمن واجاب لما سأل الله تعالى الست بربكم وكان سؤال عليّ امير المؤمنين عليه السلام وجوابه مشتقين من ( مشتقا عن خ ) سؤاله وجوابه صلى الله عليه وآله اشتقاق الضوء من الضوء واشتقاق الصدر والدماغ والكبد وساير الجوارح والاعضاء من القلب وانما ذكرت هؤلاء من هذا القسم اي النوع الثالث مع انهم من النوع الاول كما سمعت قبل لان لهم سلام الله عليهم مقامان مقام افتراق عن الخلق في رتبة ذواتهم المشار اليه بقوله تعالى وبئر معطلة وقصر مشيد ومقام اجتماع واتصال مع الخلق المشار اليه بقوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم يوحى الى وذلك مقام ظهورهم مع الانبياء عليهم السلام بالحصة العرضية ومع الرعية بالحصتين العرضيتين فافهم قال امير المؤمنين عليه السلام اني لا تقلب ( اتقلب خ ) في الصور كيف شاء الله

الثاني مقام التابعين بالاحسان وهم الذين اجابوا السؤال عن بصيرة ويقين وحقيقة الا ان اجابتهم كانت تابعة ومتأخرة عن اجابة الاولين وهؤلاء غلبت فيهم جهة النور وان كان للظلمة اثر ظاهر الا ان ظهور آثار النور غالب وهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يعفو عنهم قال الصادق عليه السلام عسى في هذا المقام موجبة اي يجب على الله في الحكمة ان يعفو عنهم

الثالث المتبوعون من الظلمات وقد اشار الله تعالى اليهم مفصلا بقوله او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض فالظلمات في البحر اللجي هو الاول والموج الذي يغشاه هو الثاني لانه سيئة من سيئاته والموج الذي فوقه هو الثالث لانه سيئة من سيئات الثاني والسحاب معاوية لعنه الله ظلمات بعضها فوق بعض فتن بني امية او بني‌العباس فوق بني امية وهؤلاء هم المتبوعون ( المتبعون خ ) والائمة الدعاة الى النار والواقفون على قاعدة مخروط الظلمة في المخروطين المتداخلين وهم الذين انكروا اولا وما رسخ في حقايقهم اقرار بوجه من الوجوه

الرابع التابعون بالاسائة وهم رعايا هؤلاء الذين تبعوهم على علم وبصيرة كما اخبر الله تعالى عنهم تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وهم الذين قال تعالى فيهم ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين والنفاق هو الاول وعدده يطابق كنيته وهؤلاء قد غلبت فيهم جهة الظلمة بعكس القسم الثاني

الخامس المستضعفون الذين قد تساوت فيهم الجهتان ولم يترجح واحد منهما فيبقى ( فبقى خ ) في عالم الامكان ولم يخرج الى عالم الاكوان فظاهرهم تابع لاحدى الفريقين وباطنهم لم يخلق بعد وهم المرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم والترديد بعد وضوح الحال وكشف الاحوال ولكل من هذه الخمسة ثمانية وعشرون مرتبة حاصلة من اقبال العقل وادباره ففي مقام العقل واحد في طور ظهوره وتفرقت المراتب في المراتب النازلة وهي العقل والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم والعرش والكرسي وفلك البروج وفلك المنازل وفلك زحل وفلك المشتري وفلك المريخ وفلك الشمس وفلك الزهرة وفلك عطارد وفلك القمر وفلك النار وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب ومرتبة الجماد ومرتبة النبات ومرتبة الحيوان ومرتبة الملك ومرتبة الجن ومرتبة الانسان ومرتبة الجامع وان اردت ان تضيف اليه ( اليها خ ) الامكان والكون ومراتب المشية الاربعة بل الثمانية فتكون عشرة كاملة ليكون المجموع واحدا واربعين مرتبة فعلت ولما كان كل مرتبة يرتبها ( يربيها خ ) اسم من الاسماء الخاصة بها عن الله عز وجل وهي هو الله الواحد الاحد الفرد المتفرد المتوحد القيوم الرحمن الملك البديع الباعث الباطن الآخر الظاهر ( الظاهر الحكيم خ ) الغني المحيط الشكور السلطان الى آخر الاسماء المذكورة في محلها فاذا اضفت الاصول الى الفروع يكون المجموع اثنين وثمانين ولكل من هذه المراتب المذكورة ثلث مراتب فيكون المجموع مائة وستة وستين ( مأتين وستة واربعين خ ) مرتبة فاذا لاحظت هذا المجموع في الخمسة المذكورة يكون الحاصل ثمانمائة وثلثين ( الفا ومأتين وثلاثين خ ) مرتبة وهذه هي كليات اضافية لهذه المرتبة وهنا مراتب وكليات قد ضبطناها اكثر من هذا وتبلغ تلك الكليات تسعة‌عشرالف الف وتسعمائة‌الف وتسعمائة وتسعون وليس لي الآن اقبال وجه حصر هذه المراتب واما الجزئيات فلا احاطة لاحد عليها ولا يبلغ بها الا علم الواحد الفرد جل وعلا لان هذه المرتبة من جهة بعدها عن الوحدة ظهرت فيها آثار الظلمة فتحققت الكثرة الغير المتناهية بآثارها واحوالها واقتضاءاتها بخلاف النوع الاول والثاني فان ظهور الكثرة هناك قل لقلة ظهور آثار الظلمة بل عدمها في الاول وقلتها في الثاني ولذا ترى اهل النوع الاول لا يعصون ابدا ولو بترك الاولى واهل النوع الثاني يتركون الاولى ولذا يعاتبون بل يعاقبون عليها ثم ان الذي ذكرنا من المراتب المذكورة اولا وهي ثمانمائة وثلثون انما هي المراتب النورانية وكل مرتبة تقابلها جهة ظلمانية الا الفعل ومراتبه اذ ليس لها مقابلة ومضادة مع شيء من الاشياء لانها كلها بها تحققت وبظهور آثارها تقومت وعليها دلت واليها اشارت وبها انتهت ولا يصح ما ذكرنا في مقام التضاد فاذا نقصت من المجموع مائة وخمسين فيبقى ستمائة وثمانين في المراتب الظلمانية فتضيفها الى المجموع فيكون الحاصل الفا وخمسمائة وستة واربعين مرتبة وهنا مراتب اخر تركناها خوفا للتطويل وصونا عن اهل القال والقيل

النوع الرابع من السلسلة الطولية مرتبة الجن المخلوقين من مارج من نار وهي نار الشجرة الخضراء وهي الشجرة الزيتونة الثابتة التي ليست شرقية ولا غربية ولهم حقيقة واحدة بسيطة وهي نار الشجرة قد تعلقت بقوابل وحدود فكثرت جهاتها وقراناتها واحكامها الحاصلة من تلك القرانات الا ان كلياتها احدعشر فمنهم من هو ساكن في الكرة الاثيرية وهؤلاء افضلهم واشرفهم في مقام البساطة ومنهم من هو ساكن في الهواء ومنهم ساكنون في الماء ومنهم ساكنون في التراب ومنهم ساكنون في الارض الاولى ومنهم ساكنون في الارض الثانية وهكذا الى السابعة ولكل من اهل هذه المراتب هيئات واوضاع واحكام تضيق بها الدفاتر وكلهم مكلفون مختارون بعث اليهم الانبياء والرسل وجعل فيهم الامر والنهي والطاعة والمعصية والنور والظلمة وتجري فيهم المقامات الخمسة المذكورة في النوع الثالث ومراتب تلك المقامات على ما ذكرنا آنفا فكل تلك المراتب موجودة فيهم بطريق الظل والنور والشعاع وكلها فيهم الجهة العليا وتضاف اليها جهاتهم السفلى اي جهات ( جهة خ ) انياتهم وحدود ماهياتهم التي هي منشأ الكثرة وعلة الاختلاف فانظر ماذا ترى فان الجهات والمراتب المذكورة للانس كلها عندهم جهة وحدة واتفاق وكثرتهم انما هي بحدود انفسهم وتلك الحدود ليست بموجودة في مرتبة الانس كما ان حدودهم لم تكن موجودة عند الانبياء كما ان حدود الانبياء لم تكن عند الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله كما ان حدودها لم تكن عند الفعل والفعل ومتعلقه كله عند الله سبحانه فان باطل مضمحل فاذن تفطن في كثرة الجن بالنسبة الى الانس فانها لا تقاس وقد روي عنهم عليهم السلام ان الانس عشر الجن وهذا ليس تحديدا تفصيليا لكنه اجمالي حيث ان نسبة الجن الى الانس نسبة العشرات الى الآحاد وحقيقة القياس على ما يزيد ( نريد خ ) نسبة الاعداد الكثيرة الغير المتناهية الى الواحد الحقيقي وما يعلم جنود ربك الا هو

والنوع الخامس مرتبة الملائكة سوى العالين فانهم داخلون في النوع الاول وسوى الكروبيين الذين قال الصادق عليه السلام انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلي له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا وهؤلاء هم من النوع الاول في النوع الثاني او بالعكس اي من النوع الثاني في النوع الاول واما ما سواهم فهم متحدوا المراتب واختلافهم باعتبار القوابل والحدود وفي هذه المرتبة امتازت جهة النور عن جهة الظلمة فصارت جهة النور مبدأ خلق مستقل وان كان ضعيف التركيب ولذا صار لهم مقام معلوم لا يترقون عن ذلك كما اخبر الله سبحانه حكاية عنهم وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون وروي عنهم عليهم السلام ان الناقص الذي لا يحتمل الكمال هو الملائكة ولهم مقام خاص واسم خاص يسبحون الله تعالى بذلك الاسم ومراتبهم لا تحصي ومقاماتهم وانواعهم لا تستقصى فجميع ما في الانس والجن من المراتب والمقامات والاضافات والقرانات فيهم اضعاف اضعاف اضعاف ذلك وعددهم بعدد اسماء الله تعالى وكل ملك يختص باسم لا يسع للاسم الآخر بخلاف الجن والانس فان كل واحد يدعو الله باسماء كثيرة على حسب سيره في مقامات صعوده ونزوله وهذا مختصر القول فيهم اذ قصدنا بيان الانواع والاقسام لا ذكر حقايقها وشرح دقايقها وانواعهم بعدد انواع الموجودات لان من الملائكة موكلين بتدبير السحاب ومنهم موكلون بتدبير المطر ومنهم موكلون بانزال المطر ومنهم موكلون بتعيين وضع المطر في مكان مخصوص ومنهم موكلون بمزج المطر الواقع على الارض مع التراب ومنهم موكلون بتقدير الماء والتراب عند المزج ومنهم موكلون بالتعفين ومنهم موكلون بالتقطير والعقد ومنهم موكلون بتدبيره الى ان يصير نباتا من النباتات ومنهم موكلون بتدبير اصل النبات ومنهم موكلون بتدبير اغصانها ومنهم موكلون بتدبير اوراقها ومنهم موكلون بنضج ثمارها ومنهم موكلون باسقاط اثمارها ومنهم موكلون بتدبيرها اذا اغتذى بها الانسان مثلا في فمه ومنهم موكلون بتدبير الغذاء في المعدة الى ان يصير كيلوسا ومنهم موكلون بتصفيتها ومنهم موكلون بنقلها الى عروق ماساريقا ومنهم موكلون بنقلها الى الكبد ومنهم موكلون بتقسيمها الى الاخلاط الاربعة ومنهم موكلون بدفع الفضلات والاخلاط الغريبة ومنهم موكلون باجراء الاخلاط من الكبد في العروق والاوردة ومنهم موكلون باجراء الروح البخاري من القلب في العروق الضوارب والشريانات ومنهم موكلون بضبط الاخلاط ليصح تقديرها ونضجها لقوام البدن وهكذا الى ما لا نهاية له من تنقلات الاطوار غير ما هو موكل بتدبير كل جزء وكل عضو وكل شخص وكل سماء وكل كوكب وكل جزء من اجزاء الكواكب وكل جزء من اجزاء الفلك وهكذا في الوجودات الكونية غير ما هو موكل بالتسبيح والتقديس في الوجودات الشرعية غير ما هو شغله التسبيح والتنزيه والعبادة والركوع والسجود والقيام والقعود وغير ذلك وكلهم على هيئة ( هيئات خ ) مختلفة واوضاع عجيبة غريبة لو تصدينا لشرحها لطال بنا الكلام وبالجملة هم روابط الفيض في الوجودات الكونية والشرعية ونسبتهم الى الموجودات نسبة الحروف الى الاسماء والافعال واما الظلمة فقد صارت مبدأ خلق مستقل وان ضعف التركيب بمعنى ان حكم الظلمة غالب وحكم النور قدر الامساك خاصة وهم الشياطين وهم في طرف الضد مع الملائكة كالماهية مع الوجود فالشياطين بعدد الملائكة موكلون بضد ما وكلت به الملائكة وعكسه حرفا بحرف لا يزيدون عليهم ولا ينقصون ولهم احكام واوضاع وهيئات غريبة ولانواعها وكلياتها اسماء واحوال لا يناسب المقام لذكرها فالاعراض عنه اولى

النوع السادس الحيوانات من البهائم وهي حقيقة واحدة تشعشعت من نور الملائكة بتوسط الافلاك فاختلفت بالحدود والقوابل فصارت انواعا مختلفة باعتبار غلبة الطبايع في الايام الستة فصارت طيورا عند غلبة الهواء وسباعا عند غلبة النار والتراب ووحوشا عند غلبة التراب او النار اذا لفت ( ألفت خ ) الاجزاء على خلاف الاعتدال الطبيعي واهلية عند غلبة الماء وهكذا نمط ساير الاحكام وساير الانواع ومراتبها وانواعها اضعاف اضعاف اضعاف الجن والانس كما ذكرنا في الجن حرفا بحرف لان المأخذ فيهما نوع واحد

النوع السابع النباتات خلقها الله تعالى من شعاع الحيوانات واصلها صفو العناصر ومادتها من لطائف الاغذية فاذا عادت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة وحقيقتها واحدة اختلفت بالحدود والقوابل ولكن بضعف نوريتها وبعدها عن المبدأ وقفت في حد خاص تجذب الغذاء وتتحرك في الكم والكيف والوضع واما الاين فلا تتحرك فيه ظاهرا واما في الحقيقة فكما قال عز وجل وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وانواعها كثيرة لا تحصى واقسامها عديدة لا تستقصى

والنوع الثامن الجمادات قد خلقت من فاضل النباتات واصلها العناصر وضم بعضها ببعض وهي كثيرة انواعها عجيبة اقسامها شرحها يؤدي الى التطويل الا ان مجمل القول في ذلك ما مر في الجن وكثرته بالنسبة الى الانس فان المراتب المندرجة في الانس والجن والملائكة والحيوانات والنباتات كلها في الجمادات ونسبتها اليه ( اليها خ ) نسبة الواحد الى الاعداد الغير المتناهية ولو مدني الله سبحانه بمعونته كتبت في العلم الطبيعي في احوال المعادن وخواصها وسائر احوالها رسالة مبسوطة مفصلة وذكرت فيها ان شاء الله تعالى اشياء لم تكتب في كتاب ولم يجر ذكرها في خطاب المأخوذة من دليل الحكمة من اهل فصل الخطاب سلام الله عليهم في كل باب وهذا الذي ذكرنا هو مجمل انواع الخلق الحاصلة باختلاف حدودها وذاتياتها وعرضياتها في السلسلتين اي الطولية والعرضية

واعلم ان الاختلاف الحاصل في الاشياء انما هو بتعدد الجهات والاضافات ولك ان تحكم بكل نظر حكما في العالم من الوحدة والاختلاف ولك ان تقول ان العالم واحد ولك ان تقول اثنان ولك ان تقول ثلثة ولك ان تقول اربعة ولك ان تقول خمسة ولك ان تقول ستة ولك ان تقول سبعة وهكذا الى الالف والف‌الالف وآلاف ‌الالف وهكذا وكل عدد يكون بانظار مختلفة عديدة ولا يلزم ان يكون ذلك من جهة واحدة والامام عليه السلام اختار في الجواب عن حدود خلقه وانواعه الستة دون غيرها لان الستة هي العدد التام وهي اصل الكثرات وعليه ( علة خ ) الاختلافات باسرها اما سمعت الله سبحانه يقول خلق الله السموات والارض في ستة ايام وقد ذكرنا سابقا ان ذلك النور الواحد الالهي لما تعين بالحدود الستة التي هي المشخصات الحقيقية الاصلية لا غيرها وهي الزمان والمكان والجهة والرتبة ظهرت الاختلافات الواقعة في العالم ولما كانت الستة اصلا لهذه الاختلافات اختارها عليه السلام في الجواب دون غيرها ولان الستة اول تفصيل المبدأ وانبساطه فان مبدأ العدد هو الثلاثة وتكرارها في العالمين هي الستة ولان الستة اذا ثنيت تظهر العدد الزايد الذي هو الاثني عشر وهي حد الله لخلقه فاشار عليه السلام بباطن التلويح ان الاختلافات كلها انما نشأت من حدود الولاية مع ان اصحاب الولاية والامامة اسمائهم الغير المكررة ستة وهي عليّ والحسن والحسين ومحمد وجعفر وموسى صلى الله عليهم وباقي الاسماء تكرار هذه الستة وقد قال الله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال امير المؤمنين عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وقال النبي صلى الله عليه وآله يا عليّ ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وهو قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد قال صلى الله عليه وآله انا المنذر وعليّ الهادي اه‍ والهداية هي الايصال الى المطلوب واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه من احكام الاجابة والانكار فلما كانت الولاية هي فصل الخطاب وهي منشأ الاختلاف واصلها الستة المكررة اختار عليه السلام من الاعداد الستة وفيه لطيفة دقيقة فان الستة اشارة الى السر الذي بين الكاف والنون فان كلمة كن اصلها كون حذفت الواو للاعلال وهي الايام الستة وهي قوله تعالى وذكرهم بايام الله ولما كان الوسط له جهتان باعتبار الطرفين تثني الواو وتكون اثني عشر وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ولطيفة اخرى ( ان الستة خ ) اشارة الى الواو المنكس الذي في آخر الاسم الاعظم وهو اشارة الى رجوع الدولة الى اهلها وعود السلطنة الى مستقرها

وكل ذلك مما اراده الامام عليه السلام وروحي له الفداء والى هذه الدقايق اشار عليه السلام بقوله سئلت فافهم فان فيه دقة وغموض لا يسع المقام ذكرها فاكتفينا بالاشارة بلطيف العبارة ان حدود خلقه على انواع ملموس قال بعض العلماء اي النوع الاول من حدود الخلق اي الاعراض التي بها يمتاز الشيء عن غيره الملموسات اي الاعراض التي تلمس وتماس جلد الحيوان او عضوا مخصوصا من اعضائه كالخطوط والسطوح وكالخشونة والملاسة ( الملايمة خ ) ونحو ذلك وكالاصوات والكيفيات العارضة لها بالتقطيع وهي الحروف التي تماس وتصل الى العصب المفروش في مقعر الصماخ وهذا نوع واحد من الحدود يمتاز عن غيره بالمماسة والوصول وقال عليه السلام وموزون اي والقسم الثاني من الحدود الذي يوزن ويقدر الاشياء باعتباره وهو الخفة والثقل الاضافيان وهما لا يماسان شيئا وان كان محلهما باعتبار الاعراض الملموسة ملموسا وهذا لا ينافي كونهما ملموسين بمعنى كونهما مدركين بالقوة اللامسة اذ هذا المعنى مصطلح اهل العقل وليس معناه اللغوي فتفطن ثم قال عليه السلام ومنظور اليه اي والقسم الثالث من الحدود المبصرات التي لا تلمس ولا توزن كالاضواء والالوان والقسم الرابع ما لا ذوق له وهو الروح اي لا يكون ملموسا ولا موزونا ولا منظورا اليه بقرينة المقابلة ولما لم يذكر عليه السلام المذوقات سابقا فنفي الذوق صريحا وقال وهو الروح بالضم والفتح اي الروايح المشمومة ولما كان الضوء الذي هو مبصر اولا وبالذات مما ينكر وجوده بعض العقلاء ويقول ليس الضوء الا ظهور اللون وليس كذلك على ما عليه المحققون بشهادة الحس والمشاهدة لانا نري الضوء واللون شيئين نبه عليه السلام بدخوله في المبصرات بقوله ومنها اي من جملة الحدود المذكورة منظورا ( منظور خ ) اليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس اي ولا حركة لدفع توهم ان الضوء يتحرك في سطوح الاجسام كما يشاهد بحسب الظاهر اذ لا شك بان الضوء عرض ولا يمكن انتقاله من محل الى محل كما تقرر في محله ولا لون اذ الضوء ليس بملون ولا نفس اللون ولا ذوق له اي لا طعم له وكأنه اشار الى هذا الذي ذكرنا من ان هذه الفقرة الشريفة ليست لبيان نوع آخر من الحدود بل لبيان تحقق قسم من المنظور اليه بتغيير الاسلوب بقوله ومنها وتصريحه عليه السلام بكونه منظورا اليه اذ معلوم ان بعد جعل مطلق المنظور اليه نوعا لا يكون القسم الخاص من المنظور اليه نوعا آخر وايضا في كلامه عليه السلام اشارة معنوية الى هذا بان المنظور اليه الذي لا يكون له لون ليس الا الضوء لان غيره ما لم يكن ملونا ومضيئا لا يبصر البتة

ثم قال عليه السلام والصور والطول والعرض اي القسم السادس من الحدود ( وخ ) الصور اي الاوصاف التي لا تلمس ولا توزن ولا تبصر ولا تشم ولا تكون من الاعراض النفسانية سواء كانت امورا عينية كالحرارة والبرودة ومطلق الطعوم او امورا اعتبارية كمطلق الاضافات والنسب ومن جملتها الطول والعرض وهما امتدادان متوهمان في الجسم فذكرهما بعد الصور من قبيل ذكر الخاص بعد العام ولا يبعد ان يكون اشارة الى شمول الصور للاوصاف الاعتبارية انتهى

اقول ان ما ذكره رحمه الله وان كان مطابقا وموافقا لما يترائى من ظاهر كلامه عليه السلام حسب متفاهم عامة الناس الا ان ذلك ليس جاريا على الحقيقة الواقعية التي عليها يبتني كلام الامام عليه السلام المحيط بجميع العوالم والاكوان مع ان هنا اغراض اخر ماذكرناها ( ماذكرها خ ) على حسب هذا البيان فان لوحظ شمول ما ذكر لما لم يذكر فيجب الاقتصار على اقل من ذلك والذي افهم ان هذه الستة المذكورة اشارة الى بيان جميع مراتب الموجودات ( الوجود خ ) في جميع السلسلة من الطولية والعرضية على جهة العموم على معنى الحقيقة بعد الحقيقة لا العموم المصطلح عند القوم وذلك ان الذات عند التأثير والايجاد يحدث الفعل الذي هو الحركة الايجادية اولا ثم يحدث بالفعل المفعول المطلق وهو حقيقة وحدانية معراة عن جميع القيود والحدود وهو المصدر الذي يقع تأكيدا للفعل ثم بالمفعول المطلق يحدث المفعول به وهو على قسمين غيبي وشهودي وكلما كان كذلك فلا بد من برزخ متوسط بين الطرفين ليؤلف بينهما وهذه ستة حدود في كل موجود ومشهود ومفقود

الاول الفعل وهو الحركة والعمل والصنع والاحداث والثاني المفعول المطلق وهو المصدر اثر الفعل منتهى اليه الحركة الغير المكيف قابل ( بل خ ) صرف الاثرية والحدوث والثالث المفعول به القريب للمبدأ المقتضي للغيبية ( للغيبة خ ) لاجل المشابهة والرابع البرزخ المتوسط بين الغيب والشهادة والخامس المفعول به البعيد الشهودي الظاهر لاجل البعد عن المبدأ والسادس ظهور المفعول به في الكون المختلط والواقعي الثانوي الممتزج بالغرائب والاعراض التي ( الذي خ ) لحقته في عالم الادبار والبعد وكلام الامام عليه السلام ينطبق على هذه الستة حتى يصلح ان يكون جوابا لكل سؤال من كل سائل ولما كان عالم الشهادة في القوس الصعودية اقرب الينا فابتدأ عليه السلام بذكره فاشار الى العالم الظاهري والواقعي الثانوي القشر الحاجب للاصل بقوله عليه السلام ملموس فان اللمس اقرب الحواس واول ما يتعلق بظاهرة ( باظاهرية خ ) الشيء المجاورة لظاهر جلده او قشره او غير ذلك ولما كان الوزن ادق وابعد من اللمس اذ قد نعرف ظاهر الشيء باللمس ولكن لم نطلع على مقداره ومعياره وفيه اشارة الى ان المقدر الموزون المعين للشيء ذلك الجسم الاصلي الحقيقي لا البشرية الظاهرة الحاصلة ( الحاملة خ ) للاوساخ والكثافات ( الاضافات خ ) وهذه الكثافات اعراض لا وزن لها ولا مقدار وانما الموزون المقدر حقيقة الجسم الذي لا يتبدل ولا يتغير فاشار عليه السلام بالموزون الى الذاتي من عالم الشهادة التي تقع في معرض التقدير والوزن والحكم بخلاف الملموس الاول العرضي وان كان ذلك الاصلي ايضا ملموسا واشار عليه السلام الى عالم البرزخ المتوسط بين عالم النفوس والارواح وبين عالم الاجسام بقوله روحي فداه ومنظور اليه فان النظر والابصار كما هو الحق بالانطباع لا بخروج الشعاع ولا بغيره سوى الانطباع وهذه الصورة المنطبعة في الجليدية المنتزعة من الصورة المقترنة بالمادة الجسمية كالتي في المرآة هي العالم البرزخ بين عالمي الغيب والشهادة فان ما في المرآة دليل الصورة الخارجية والصورة هي من عالم المثال لما اقترنت بالمادة الجسمانية وجد الجسم فالمنظور اليه اولا وبالذات هو المثال وهو البرزخ بين الغيب والشهادة لانها ليست في اللطافة كالصور النفسية ولا في الكثافة كالحقيقة الجسمية واشار عليه السلام الى العالم الغيبي الرابع بقوله الشريف وما لا ذوق له وهو الروح فان الروح ليس بملموس ولا موزون ولا مذوق بالحواس الظاهرية بل هو مجرد عن المادة الجسمانية ( الجسمية خ ) ومقتضياتها واحوالها فلا يدرك بالحواس الظاهرة والروح في هذا المقام اعم من العقل المعنوي والروح الرقائقي والنفس والطبيعة والمادة لان الروح قد يطلق على هذا المجموع ولهذا يقولون خرجت روح فلان والخارج هو هذه الامور مع المثال كما هو المعلوم ثم اراد عليه السلام ان يشير الى المفعول المطلق بعد ما فرغ عن ( من خ ) بيان حقيقة المفعول به

فقال عليه السلام ومنها منظور اليه وليس له وزن ولا حس ولا لمس ولا لون ولا ذوق ( وخ ) انما اتى بالفاصل في هذا المقام منها دون الباقي بل اكتفى في الفصل بالواو لان تلك الحدود والذوات وان كانت امورا مختلفة الا انها كلها حدود وجهات لهذا الشيء الواحد بل الاصل في الاختلاف اثنان فعل ومفعول مطلق ولذا اتى عليه السلام عند ذكر كل واحد منهما منها واما ما سواهما فشؤنهما واحوالهما فاكتفى بالواو للفصل فان كثرة المباني تدل على كثرة المعاني كما ان قلة المباني تدل على قلة المعاني فافهم ثم ان هذا المفعول المطلق المسمى بالمصدر والاثر والوجود هو المنظور اليه وقد ذكرنا ان المنظور اليه هو الصورة والصفة وهذا وان لم يكن صورة مثالية او نفسية او عقلية الا انها صورة الهية وصفة استدلالية وربوبية ظاهرة في المخلوقين ليعرفوا بها القديم تعالى فهي صفوة ( صفة خ ) لفعله ودليل عليه ولذا ترى المفعول المطلق يقع تأكيدا للفعل اذ هي في هذه الصورة يكون مثالا ودليلا للفعل لا فرق بينه وبين الفعل في التعريف والتعرف والمعرفة الا انه اثر الفعل وعبده وخلقه فهو المنظور اليه حقيقة لان النظر الى المبدأ انما هو في هذه الرتبة لان الشيء لا يتجاوز ( لا يجاوز خ ) حده ولا يتعدى ذاته فجميع مداركه ومشاعره في اي شيء يكون انما هو في مقام ذاته وهو قول عليّ عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فاذا اراد ان ينظر الى مبدئه فانما ينظر الى ما تجلى له به وما تجلى له به انما هو حقيقة ذاته التي هي صفة فعله فيعرف الموصوف بالصفة في الصفة ولذا قال عليه السلام انه المنظور اليه اثباتا لقول جده امير المؤمنين عليهما السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ولما كانت الاعراض والالوان والطعوم والروايح والاحساس الغيري وامثالها من لوازم الماهية والصورة وهذا المقام مقام الوجود المحض المجرد عن ملاحظة الماهية نفي عليه السلام مقتضياتها وقال روحي فداه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق والاشارة الى الجميع في قوله عليه السلام كنا اشباحا بين يدي الله قيل وما الشبح قال عليه السلام ابدان نورانية لا ارواح لها وشرح حقيقة الحال لا يسعه المقال وربما نشير اليه فيما بعد ان شاء الله تعالى

واعلم ان الفعل في حد ذاته شيء واحد لا تكثر فيه ولا تعدد واما من جهة تعلقه بالمفعولات تحصل له حدود عرضية هي ذاتية في المفعول اي حقيقة ذات المفعول على هيئة ذلك الحد العرضي الا ترى انك اذا اردت ان تكتب الالف تجعل حركة يدك مستقيمة وهذه الاستقامة وان كانت عرضية بالنسبة الى الحركة التي هي الفعل لكنها ذاتية بالنسبة الى نفس الالف المكتوب فجميع التقادير والصور والهيئات والاوضاع والاضافات كلها مذكورة في الفعل وتلك الاذكار هي المعبر عنها بالامكان الراجح الوجود ولما كانت هذه الصور والهيئات والتقادير متأخرة عن رتبة ذات الفعل قدم عليه السلام ذكرها ولما كانت مضمحلة فانية عند الفعل وليست لها آثار ظاهرة حتى صح اطلاق العدم عليها كما في قوله تعالى اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ولم يعد ( فلم يعد خ ) عليه السلام تلك الاعراض والتقادير والهيئات قسما آخر برأسه وانما ادرجها عليه السلام في طي الكلام فقال اشارة الى هذا المقام والتقدير والاعراض والصور والطول والعرض وهذه كلها وجوه الفعل والمشية عند التعلق واليه الاشارة بقوله عليه السلام ملك له رؤس بعدد الخلايق ممن وجد وممن لم يوجد الى يوم القيمة

ثم اراد عليه السلام ان يشير الى الحد السادس والعالم السادس فقال روحي فداه وعليه السلام ومنها العمل والحركات التي تصنع الاشياء وتعملها وتغيرها من حال الى حال وتزيدها وتنقصها وهذا هو الحد السادس والعمل والحركة اشارة الى الفعل كما قال امير المؤمنين عليه السلام الفعل ما انبأ عن حركة المسمي وهي الاصل في ايجاد الآثار والمفعولات ثم نسب هذه الحركة الى الاشياء بعد فرضها ذاتا ولا شك ان الفاعل انما يفعل ويوجد الحركة ويغيرها من حال الى حال ومن الزيادة الى النقصان ومن النقصان الى الزيادة لانها عند ذات الفاعل مضمحلة فانية باطلة والفعل وان كان اصلا بالنسبة الى الآثار والمفاعيل لكنها عند الذات مضمحلة باطلة زائلة متجددة وجميع ( مضمحل باطل زائل متجدد وجمع خ ) الحركة اما باعتبار تعدد الذوات الفاعلة كما هو الظاهر بقرينة قوله عليه السلام تصنع الاشياء الخ او باعتبار تعدد المتعلقات الموجبة لتعدد الافاعيل اي توصيف الفعل بالتعدد ويحتمل في الباطن والتأويل ان يكون الضمير المستتر في تصنع راجعا الى الحركات وهي التي تصنع الاشياء وتغيرها من حال الى حال وتزيدها وتنقصها والحركة الايجادية هي المشية وهي التي تصنع الاشياء يعني ان الله تعالى يصنع الاشياء بها كما في قوله عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها ولما كان الفعل مضمحلا متلاشيا عند ظهور الذات جعل في حقيقة التصرم والتقضي والتجدد والسيالية فقيل في تعريفه الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن باحد الازمنة الثلثة كما قال عليه السلام في الحديث الشريف كما يأتي المشية خلق ساكن لا يدرك بالسكون فالاستقلال دليل السكون والاقتران دليل الاضمحلال اذ لا شيء في التصرم والتقضي والسيالية باظهر واوضح من الزمان كما يأتي بيان هذا مشروحا ان شاء الله تعالى فاراد عليه السلام بيان عدم استقلالية الفعل والمفعول المطلق التي هي صارت علة الاستقلال كما قال صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر وقال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وما تشاؤن الا ان يشاء الله فاشار الى ذلك بقوله الشريف فاما الاعمال والحركات فانها تنطلق اي تذهب ( يذهب خ ) ولم يقل عليه السلام يعدم ويبطل لان الاشياء لا تخرج عن ملك الله سبحانه بل كل شيء ثابت في مكانه وزمانه الا ان من الاشياء ما هي سريعة السير ومنها ما هي بطيئة فاذا انطلقت الحركات لم تعدم ولم تبطل بل تخرج من الشهادة الى الغيب بل تخفى نفسه عنك ولذا قال عليه السلام لانها لا وقت لها اكثر من قدر ما تحتاج اليه فاذا فرغ من الشيء انطلق الحركة وبقي الاثر لان الحركة هي الفعل وهو من العالم الاول الاعلى فاذا اراد الفاعل احداث الشيء ينزل الفعل من عالمه الاعلى الى مقام التعلق لا يجاد ذلك الشيء فاذا تم الشيء رجعت الحركة الى اصلها في عالم الغيب وبقي الاثر متعلقا بوجه منها الا ان ذلك الوجه كاصله من عالم الغيب وقوله عليه السلام ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى اثره لان الكلام صوت متعلق بالهواء وهو جسم رقيق سيال فما دام انت تؤلف الكلام بمدد جديد له وجود فاذا سكتت بطل التأليف لكثرة الرطوبة المانعة عن الاستمساك والبقاء الا ان دلالته التي هي اثره وشبحه يتنقش في صدر المخاطب وتبقى منتقشة فيه ما دام الالتفات باقيا والا فلا

فالكلام اي الكلمة دليل الفعل والدلالة آية المفعول فالمفاعيل كلها دلالات كلمة كن وتلك الكلمة هي العلة التامة الحقيقية ولا شك انها تخفى عند ظهور الدلالة وتظهر بها فيها فافهم فالخلق على هذا القياس لان فعل الله تعالى كلمة والخلق دلالة والدلالة ليست شيئا الا ظهور الكلمة ووصفها ورشحها لا تقوم لها الا بها فاذا وقعت الدلالة على قلب المخاطب اي ظهور الاثر المطلق الذي هو الوجود اذا تعلق بالماهية تحقق المعنى فيثبت ويبقى باعتبار التعلق الغيري فذلك علة الانجماد فلو كانت الدلالة لم تتعلق بشيء والوجود لم يتعلق بالماهية كانت تنطلق ايضا بانطلاق الكلمة اي يغيب ويخفى لوجود مقتضي الغيبة وعدم المانع من التعلقات ولكن الدلالة لما تعلقت يقال بقي اثر الكلام وكذلك الوجود لما تعلق بالماهية يقال بقي اثر الفعل والمشية وخفيت المشية حتى قال بعضهم كما هو المشهور عند القوم انها امر عدمي لا وجود لها الا محض الربط وذلك من جهة عدم تفطنهم للسر الذي اشرنا اليه من انها ظهور الكنز المخفي وصفته فالاصل فيها ( فيه خ ) الغيبة في عين الظهور وهو معنى قوله عليه السلام يبقى الاثر فان الاثر هو ظهور المؤثر في رتبة الاثر وخفاء المؤثر في رتبة الاثر فلا يزال المؤثر مخفيا عند الاثر في عين ظهوره له به وظاهرا لديه عند خفائه عنه به فخفاؤه لشدة الظهور واستتاره لعظم النور وهذا معنى قوله عليه السلام ويبقيى الاثر فبين روحي له الفداء في هذا الكلام الموجز المختصر جميع اطوار الوجود واسراره وحقايقه واشاراته ودقايقه وكم من عجائب جمة تركت ذكرها في هذا المقام ومن هذه الجهة تراه عليه السلام اعتني بهذا البيان كمال الاعتناء وقال لعمران سئلت فافهم فاتي بالعبارة الظاهرة المناسبة لفهم العوام المطابقة لحقيقة الواقع في كل مقام فرض الفاعلية والتأثير ولما كان نظر الامام عليه السلام في الاشياء ليس نظر الانجماد والتعين نظر الى الفعل والحركة والمنظور اليه بدون الكيف والحد وجهاته وشؤنه فجعل الخلق ما سوى الله امرين كما هو الواقع فعل ومفعول فاتي عند ذكرهما بقوله عليه السلام منها وجعل المفعول خمسة لانه كف الحكيم وسر الكليم فافهم هذا البيان المكرر بالفهم المسدد

قال عمران يا سيدي الا تخبرني عن الخالق اذا كان واحدا لا شيء غيره ولا شيء معه اليس قد تغير بخلقه الخلق قال الرضا عليه السلام قديم لم يتغير عز وجل بخلقه الخلق ولكن الخلق يتغير بتغييره قال عمران فباي شيء عرفناه قال عليه السلام بغيره قال فاي شيء غيره قال الرضا عليه السلام مشيته واسمه وصفته وما اشبه ذلك وكل ذلك محدث مخلوق مدبر قال عمران فاي شيء هو قال عليه السلام هو نور بمعنى انه هاد لخلقه من اهل السماء واهل الارض وليس لك عليّ اكثر من توحيدي

اقول وان كان الامام عليه السلام اجاب عن جميع هذه المسائل التي سألها عمران سابقا عند قوله عليه السلام وليس يقال اكثر من فعل وصنع وعمل وذلك جواب لكل سؤال ولكن عمران ما تفطن لدقائقه وما استشعر اسراره وحقايقه ولما سأل عن حدود خلقه واجاب ( اجابه خ ) عليه السلام بما اجاب اورد اشكالا واعتراضا وهو ان الخالق لا شك فيه انه هو الذات فهي العلة للحوادث الممكنات ولا شك ان بين العلة والمعلول والخالق ( والمخلوق خ‌ل ) لا بد من مناسبة ومرابطة بها تصدر عنه المخلوقات المختلفة ويختص مخلوق بالخلق والجعل دون الآخر مع تساويهما في نفس المخلوقية والمجعولية والحاصل لا بد بين الجاعل والمجعول من نسبة وموافقة فان مباين الشيء لا يصدر عن الشيء وعند فقد النسبة مطلقا لا ذكر لاحدهما عند الآخر فكيف يتصور الجعل والايجاد الذي هو الاتصال ونسبة المجعول الى الجاعل وهذا لا شك فيه فاذا تحققت النسبة وذكرت قبل ان الواحد سبحانه لا شيء سواه ولا شيء غيره فاذا اوجد حدود خلقه المختلفة يتحقق النسب المختلفة ولا اقل من نسبة الخالقية والمخلوقية وذلك يستلزم التغيير اذ حدث فيه ما لم يكن عنده سابقا

وان قلت هذه النسب كانت قديمة غير مجعولة وهي الاعيان الثابتة في الازل المستجنة في غيب الذات لم تزل كما زعمه جماعة فرارا من هذا الاشكال فلا يجدي نفعا لان تلك الاعيان ان لم تكن شيئا لم تتحقق النسبة وان كانت شيئا ان كانت معدومة بطلت الشيئية والنسبة والاختصاص اذ لا تمايز في الاعدام اتفاقا وان كانت موجودة فان كانت عين ذاته تركبت ذاته لان حالة التركيب متأخرة عن حالة الاجزاء البسيطة فان التركيب عارض للاجزاء والعارض مؤخر عن المعروض وذلك ايضا يستلزم التغيير وان كانت خارجة عن الذات فهي قدماء مستقلون كل واحد منهم مستقل بفعله وتأثيره وذلك خارج عما نحن فيه مع ان ادلة التوحيد تبطل تعدد القدماء وايضا نقول ان الخالق ان كان هو ذات الله عز وجل فقبل الخلق هل كان خالقا ام لا فان قلت نعم يلزم صدق المشتق قبل وجود المبدأ وذلك في البطلان بمكان فان الخالق من له الخلق فقبل الخلق اطلاق هذا الاسم يكون كذبا او تسمى الذات خالقا من باب الاصطلاح والتسمية وذلك غير ما كنا نبغ فانا نريد الخالق بمعنى الاحداث والايجاد فحسب فاذا لم يجز وجود هذا الاسم قبل الخلق فبعد الخلق يسمى بهذا الاسم فحصل له اسم وصفة في ذاته تعالى لم يكن قبل وذلك هو التغيير وهذا تقرير سؤال عمران في قوله اليس قد تغير بخلقه الخلق فاجابه عليه السلام بكلمة واحدة وقال عليه السلام انه قديم لم يتغير عز وجل بخلقه لان القديم هو الذي وجوده ذاته لذاته بذاته وهذا المعنى والحقيقة يستلزم التوحيد الخالص كما اثبتنا في رسالة منفردة لبعض الاحباء المخلصين فان الاقتران والاتصال والكثرة والنسب كلها تستلزم صفة وجودية لم تكن وذلك ينافي كون الوجود ذاته لان ذاتي الشيء لا يتخلف فوجب ان يكون واحدا بالغا في الوحدة حد الكمال ولا يتحقق الكمال الا اذا لم يذكر عنده شيء اصلا فانقطعت حينئذ النسب والاضافات والروابط والتعلقات لانها كلها نقصان في الوحدة الكاملة اذ فيها شوب الكثرة فاذن اين النسبة ( النسب خ ) واين الربط وقد ذكرنا سابقا ان الربط والنسبة يستلزمان التركيب والكثرة

واما قولهم بوجوب النسبة بين الجاعل والمجعول فان كانت النسبة بين المجعول وبين فعل الجاعل وصفته واسمه فنعم وان كانت بين الذات وبين المجعول فلا الا ترى الكتابة فانها مطابقة ومناسبة لحركة يد الكاتب لا لذات الكاتب ولذا ( لهذا خ ) حسن الخط لا يدل على حسن ذات الكاتب ولا قبحه على قبحها نعم يدلان على استقامة حركة يده واعوجاجها لا غير ذلك فلو كانت النسبة المخصصة في الذات لدلت الكتابة على الذات دلالة تكشف له ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه فالنسبة بين الذات وبين المجعول منقطعة رأسا وبين الفعل وبين المجعول ثابتة قطعا

فان قلت اذا انتفت النسبة فكيف الايجاد والاحداث المنبئان عن الاتصال

قلت الايجاد بالفعل لا بالذات والفعل لا استقلال له الا بالذات احدثه الله بلا كيف والنسبة من الكيفيات وجدت بالفعل فلا يجري عليه ما هو اجراه والفعل ليس بمكيف ولا محدود ولا متصل ولا منفصل فكيف تسئل في خلقه وصدوره عن الكيف وهو الذي كيف الكيف واين الاين وقد صرح بذلك مولينا الرضا عليه السلام على ما في الكافي الى ان قال عليه السلام واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون بغير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له فاذا كان الكيف هناك منتفيا وتريد ان تعرفه بالكيف فلا تصل اليه ابدا لان ( الا ان خ ) الشيء لا يعرف الا بما هو عليه لو عرفت الاحمر بالبياض والابيض بالسواد وذو الهيئة بغيرها وغير الهيئة بها لن تعرفها انظر الآن الى ذاتك وحقيقتك بعد كشف السبحات وازالة الانيات من غير اشارة تجدها شيئا غير محدود ولا مكيف منزه عن الاتصال والانفصال والافتراق والاجتماع والنسب كلها وهي دليل معرفتك لله تعالى وآية توحيده فيك فيجب ان يكون مجردة عن جميع القرانات والروابط وهو قول مولينا الصادق عليه السلام في العبد ان الدال دنوه بالله بلا كيف ولا اشارة فاذا انقطع الكيف في ذاتك وهي مخلوقة بالمشية في الوجه الاول المحدود بالنسبة اليها بعد وسايط عديدة فما ظنك بالفعل والمشية في الوجه الاعلى عند صدورها عن العلي الاعلى فلا تسأل عن الكيف وعن الربط هناك اذ لا ربط ولا كيف فقف على هذا الحد الذي اوقفتك عليه ولا تتجاوز فتهلك فتكون من الخاسرين فعند صدور المعلول عن العلة ينعدم الفصل والوصل مطلقا لان الفصل يستدعي فاصلة غيرهما وليست والوصل يستدعي تشابه المتصلين في الملتقي وذلك يستدعي كون المعلول علة والعلة معلولا مع ان الوصل والنسبة لا تعقل لان الوصل لا يكون الا بكون ( ان يكون خ ) احدهما في رتبة الآخر ولا شك ان الاثر معدوم في رتبة المؤثر فكيف الوصول نعم يكون الوصول الى جهة ظهور المؤثر الذي هو نفس الاثر وعلى هذا المعنى يحمل قول مولينا الصادق عليه السلام انا لاشد اتصالا بالله من شعاع الشمس بالشمس وشيعتنا اشد اتصالا بنا من شعاع الشمس بالشمس ولا شك ان شعاع الشمس ليس متصلا بذاتها لانه اثرها وهو معدوم عندها فالاتصال في جانب الظهور لا الذات وللاشارة الى هذه الدقيقة قال مولينا الصادق عليه السلام من عرف الفصل من الوصل والحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد

واما الجواب عن السؤال الثاني هو ان الخالق والفاعل ليسا اسما الذات ( اسماء للذات خ ) فان الادلة القطعية من العقلية والنقلية دلت على ان الذات البحت ليس لها اسم ولا رسم ولا اشارة اليها ولا عبارة عنها وهو المجهول المطلق لا سيما الخالق فان الامامية منطبقون ( مطبقون خ ) على انه من صفات الافعال لا من صفات الذات فان الصفات الذاتية لا يجوز نفيها واثباتها وتوصيف الذات بضدها بخلاف صفة الفعل فلا يجوز ان تقول قدر ولم يقدر وعلم ولم يعلم او قدر وعجز و( او خ ) علم وجهل بخلاف قولك خلق ولم يخلق وفعل ولم يفعل فان هذا النفي صحيح فاذا صح السلب دل على عدم الحقيقة وانه ليس اسما للذات وانما هو من اسماء الافعال فاذن وجود هذا الاسم كعدمه لا يستلزم تغييرا اذ لا يقع الاسم على الذات الا ترى النحاة متفقين على ان اسم الفاعل مشتق من الفعل الا ترىهم متفقين على ان المشتق فرع للمبدأ فتكون الاسماء فروعا للافعال فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال فظهر ان قدمه عز وجل يقتضي ان لا يتغير بخلقه كيف والتغيير ( التغير خ ) انفعال وهو لا بد له من فاعل كيف يصح القول بان الاثر يؤثر في مؤثره بل يجب القول بان الخلق يتغيرون بتغييره سبحانه وفي كلامه صلوات الله عليه وعلى آبائه وابنائه ابطال وتزييف لكلام الحكماء القائلين بان الماهيات ليست بمجعولة وان الاختلافات الواقعة منسوبة الى الماهيات ليس لله فيها صنع وان الله تعالى ما جعل المشمش مشمشا بل جعله موجودا وامثاله من الكلمات بل بيان وتوضيح وشرح لقول جده الصادق عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية فقد اشرك فلا يكون تغيير في الوجود كائنا ما كان وبالغا ما بلغ الا بجعله سبحانه وبتغييره سبحان من يغير ولا يتغير ولما عرف الجواب وعلم ان الروابط منفصمة والنسب منقطعة وان الاسماء لا تقع على الذات اشكل عليه الامر في المعرفة لان الشيء اما ان يكون يعرف من جهة ذاته او بآثاره واما طريق الذات مسدود في هذا المقام والآثار اذا لم تكن بينه وبينها نسبة وارتباط فكيف الدلالة وكيف المعرفة ولذا سئل رحمه الله وقال فباي شيء عرفناه قال عليه السلام بغيره ولا ينافي عدم الربط لانا اذا رجعنا الى انفسنا رأيناها فقيرة محتاجة لا تملك لنفسه ( لنفسها خ‌ل ) نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا فعرفنا انا لم نخلق انفسنا بالضرورة ولم يخلقنا من هو مثلنا فاذن ننفي عن خالقنا جميع اوصافنا واخلاقنا واحوالنا مما هي لنا فنعرفه بالجهل به ونصفه بان لا يوصف ونقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون اذ كلما ندرك صفاتنا وكلما نعلم حالاتنا فلا يوصف بها خالقنا وساد فقرنا ومقوي ضعفنا وقد قال سيد الساجدين عليه السلام ولم تجعل للخلق طريقا الى معرفتك الا بالعجز عن معرفتك ولكن عمران لم يتفطن لحقيقة ( بحقيقة خ ) الجواب وسئل عن ذلك الغير قال عليه السلام مشيته واسمه وصفته يعني ان وجود الغير والسوي انما تحقق بالمشية فظهر فقر الاشياء وعجزها وجهلها واضطرت الى التوجه الى غني عالم وعالم مطلق ثم انه سبحانه وتعالى وصف نفسه لهم ( بهم خ ) وبين لهم اسمائه وصفاته ليعرفوه بها وتلك الصفات والاسماء بينها لهم بالبيان الحالي وجعل حقايقهم وذواتهم ذلك البيان فهم الاسم والصفة بما جعله تعالى لهم فكل شيء اسم لان الاسم ما دل على المسمي وكل فقير بفقره يدل على الغني وبعجزه يدل على القادر وبجهله يدل على العالم ولما ان الخلق لا يعلمون الا ما علمهم الله وصف نفسه لهم بهم كما في الدعاء يا من دل على ذاته بذاته بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ( وخ ) لولا انت لم ادر ما انت وهذه الصفة صفة رسم لا صفة حقيقة كما ان النملة تزعم ان لله زبانيتين واما الحقيقة الواقعية فقد سد الغني المطلق باب الوصول اليها فبفعله وبمشيته واسمه ( باسمه خ ) وصفته عرفناه معرفة رسم وهذه المعرفة لا تستدعي الارتباط والنسبة اذ لم تقع على الحقيقة فتكشف عن الواقع ولذا قال عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ولو كانت هذه المعرفة لاجل المناسبة الذاتية كانت معرفة واقعية ولما كانت المعرفة تزيد اذ ليس وراء الذات رتبة مع ان العباد لا يزالون يترقون في المعرفة ابد الابد ودهر السرمد بلا نهاية ولا انقطاع ولا تقصر المسافة بينهم وبين الذات عز وجل سبحانه وتعالى عما يصفه الواصفون علوا كبيرا ثم اكد عليه السلام ما اسسه وشيد ما بناه وقال كل ذلك محدث مخلوق مدبر حتى لا يتوهم احد ان المشية عين الذات و( او خ ) ان الاسم والصفة ذاتيتان كما هو المشهور بين العلماء الذين ماوردوا حوضهم وماشربوا من كأسهم بيدهم صلى الله عليه وعليهم

ولما ان عمران عرف طريق المعرفة سأل عن المعروف بهذه المعرفة يعني الذي عرفتموه باسمه وصفته اي شيء هو فاجاب عليه السلام بانه نور اقتداء له تعالى في كتابه الله نور السموات والارض العدم ظلمة والوجود نور وكل ما سواه لم يخل عن ظلمة العدم والفقر والحاجة فتمحضت النورية للغني المطلق وحده لا شريك له ولما كان الامام عليه السلام بين انا عرفناه بغيره فلا نعرف الا جهة قيوميته لا حقيقة ذاته ويتراءي من قوله عليه السلام نور انه بيان للحقيقة فسر مراده بمعنى القيومية بمعنى انه هاد لخلقه وخارج لهم من ظلمة العدم الى نور الوجود ومن ظلمة الامكان الى فسحة الاكوان ومن ظلمة الابهام الى نور التعيين ( اليقين خ ) والتشخيص ومن ظلمة الجهل الى نور العلم ومن ظلمة النقصان الى فضاء التمام والكمال الاضافيين وهو قوله تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور لا ما ذكره بعض المتكلفين ( المتكلمين خ ) من الصوفية وممن يميل اليهم ويحذو حذوهم ان المراد بالنور هو الوجود واثبتوا بذلك على زعمهم مسألة وحدة الوجود بان الله سبحانه هو وجود السموات والارض فان هذا القول باطل عاطل بينا فساده بالعقل والنقل في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ثم اراد عليه السلام ان يوضح ويشرح ان الخلق لا يصلون الى مقام الذات ولا يعرفون وانما هم مكلفون بتوحيده وتنزيهه عن الشوائب الامكانية والحدود الخلقية لا على البحث والفحص عن حقيقة ذاته المقدسة

فقال عليه السلام ليس لك على اي بعد ما تبين لك من المراتب السابقة ليس بمعقول لك سؤال اكثر من توحيدي اياه من الشوائب العدمية والعلايق الظلمانية الامكانية بانه نور محض موجد لجميع الاشياء بالتفاته ونظره واحداثه وايجاده واما ان حقيقته ماذا فلا لانه لا يمكن ان يكون معلوما لشيء سوى ذاته ويحتمل ان يكون هذه الفقرة اشارة الى قول امير المؤمنين عليه السلام في الحديث نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وفي الزيارة من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم الى غير ذلك من الروايات فمراده عليه السلام ليس لك ان تتعدي عما احده لك من توحيد الله سبحانه فانه هو الحق الذي لا شك فيه والثابت الذي لا ريب يعتريه صدق ابن رسول الله صلى الله عليه وعلى آبائه وابنائه فوالله من شذ عنهم شذ الى النار

قال عمران يا سيدي اليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق قال الرضا عليه السلام لا يكون السكوت الا عن نطق قبله والمثل في ذلك انه لا يقال السراج ( للسراج خ ) هو ساكت لا ينطق ولا يقال ان السراج ليضيء فيما يريد ان يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وانما هو ليس شيء غيره فلما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتى استضئنا به فبهذا تستبصر امرك

اقول لما ان الامام عليه السلام اثبت بالبرهان القطعي ان الله سبحانه لم يتغير بتغير خلقه وانما هو احدث المشية واحدث الاشياء بها ونشأ منها الاسماء والصفات والافعال فحصلت الاشياء منه تعالى بقوله كن قال يلزم على ذلك ان يكون الله تعالى قبل خلقه الخلق ساكتا ثم نطق ومعنى السكوت اي معطلا عن الفيض لا يفيض وهذا نقص وايضا يلزم التغيير اذ حالة السكوت غير حالة النطق ويؤيده قوله تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فاجاب عليه السلام اولا بان هذا التعبير ( التغيير خ ) لا يصح لان السكوت لا يجوز ان يكون في الوجود قبل النطق لان النطق حركة والسكوت سكون ولا شك ان الحركة اشرف من السكوت ( السكون خ ) والنطق وجود والسكوت عدم والوجود اشرف من العدم والنطق حيوة والسكوت موت والحيوة اشرف من الموت فاذا تحققت الاشرفية فلا يتقدم الاخس عليها لا لذاتها ولا لجعل ( بجعل خ ) جاعل والضرورة قضت ببطلان الطفرة فاذا كان كذلك فلا يصح قولك اكان ساكتا فنطق لان السكوت دائما مسبوق بالنطق فعبارتك باطلة وهذا ما يتعلق بالامر اللفظي

واما الحقيقة فاعلم ان الضدين كل واحد منهما مذكور عند الآخر فاذا انتفى احدهما مطلقا ذكرا وعينا وكونا انتفى الآخر يقينا فاذا كان كذلك فالله سبحانه لا يذكر في ذاته المقدسة شيء من المخلوقات ابدا لا نفيا ولا اثباتا ولا وجودا ولا عدما والفعل لا ذكر له في رتبة الذات حتى يلزم تغيير النسبة بل هو سبحانه على حالة واحدة قبل الخلق وبعد الخلق ومع الخلق قال امير المؤمنين عليه السلام لم تسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا وفي قول سيد الساجدين عليه السلام كذلك انت الله في اوليتك وعلى ذلك انت دائم لا تزول واذا كان كذلك فالخلق ليس مقترنا به ومتصلا معه حتى يلزم التغيير وتفاوت الحالتين اللتين عبرت عنهما بالسكون ( بالسكوت خ ) والنطق بل الخلق مقترن بالفعل والمشية ومنتهى اليه والفعل اسم استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره اي في ذاته لا في ذات الله تعالى كما قال الصادق عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فالاشياء تنتهي الى المشية وهي لا تنتهي الى الذات قال امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فاذا كان كذلك انقطع الكلام عن الذات بالنفي والاثبات فحينئذ لا يلزم التغيير ( التغير خ ) ولا السكوت والنطق اذ لا يقال هناك سكوت ونطق اصلا وما يرون ( يروون خ‌ل ) ان الله كان متكئا فاستوي جالسا ذلك من اختراعات بعض الصوفية لا كلام الامام عليه السلام وان كان يجوز تأويله لو صح بظهور من الظهورات الفعلية ثم اراد الامام عليه السلام ان يشرح له حقيقة الامر بالمثال الذي ضربه الله تعالى للناس في الآفاق وفي انفسهم كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ومن تلك الآيات والامثال السراج فان السراج له ضوء ذاتي هو ذاته ومعه بل ليس ذاته الا ذلك لا ينفك عنه وهذا الضوء ليس بفعل منه ولا كون و( لا خ ) ايجاد له لانه ذاته لا شيء غيره فهو في رتبة ذاته وكينونة قيوميته على ما هو عليه من الضياء والنورانية فلما حصلت الاجسام الكثيفة وحصل اشراق من السراج علينا لا يقال ان السراج تغير عما هو عليه كان ساكتا ثم نطق اذ مازاد عليه شيء وما نقص وهذه الاستضائة التي فينا ليست من ذاته وانما هي من آثار تجليه لا دخل لها في حد ذاته فذاته على ما هو عليه قبل الاشراق وبعد الاشراق في جميع النسب والاضافات والاشعة الواقعة علينا ليست شيئا عند السراج حتى يوصف بها ولذا اذا قيل لك اي شيء في الدار تقول سراج ولا تقول سراج وشعاع فان الشعاع الذي في الغير ليس شيئا عنده حتى يذكر معه فنسبة السراج في الحالين واحد ولذا قال عليه السلام والمثل في ذلك انه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق لان الضوء الموجود في السراج هو ذاته في كل حال فان كان ساكتا فلا ينطق ابدا وان كان ناطقا فلا يسكت ابدا بل هذه الاحوال لا تجري عليه لانها آثار صنعه واحداثه ولا يقال ان السراج ليضيء فيما يريد ان يفعل بنا اي يتجدد فعل الاضائة فيه واقتضائها فيما يقتضي ان يفعل بنا من الاضائة لان الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وهو الضوء الذاتي الذي هو عين ذات السراج لا الضوء الواقع علينا فانه لا شك انه اثر الضوء لضوء ( اثر لضوء خ ) السراج لكنه لا ينسب الى اصل الضوء الذي في ذاته فان ذلك الضوء لو كان ينسب الى ذلك الضوء يلزم زيادة ونقصان وتغيير وتفاوت حال بالنسبة الى قبل الاستضائة وبعدها فوجود ذلك الضوء وعدمه عند السراج سواء يقينا وقوله عليه السلام وانما هو ليس شيء غيره اي الضوء الذاتي او الواقع على الجدار اذا نسبناه الى السراج فانه ليس شيئا مذكورا معه ولا مقترنا ولا متصلا به ويحتمل ان يريد عليه السلام بقوله ان الضوء لما كان دليلا وآية فلا يتوجه الا الى السراج ولا يرى شيئا غيره كما في الدعاء لا يسمع فيه صوت الا صوتك ولا يرى فيه نور الا نورك والكل وجه السراج ومثاله او يكون المراد ليس للضوء وجود مستقل مبائن غير السراج فان وجوده تابع وظل لا تحقق ولا تذوت في الخارج الا للسراج فلا شيء مستقلا سواه قوله عليه السلام فلما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتى استضئنا به اي فلما اظهر ضوءه لنا باشراقه وتجليه قلنا قد اضاء لنا بفعله فان اضاء فعل يوجد عند الحدوث لا قبله فقبل الاضاءة لا يقال ان السراج يريد ان يضيء لنا اذ ليس شيء قبل الاضاءة غيره حتى تتعلق به الارادة ولا تكون الارادة الا والمراد معه ( معها خ‌ل ) فلما اظهر ضوءه بفعله قلنا قد اظهر فعله لنا حين احداث الضوء الواقع علينا فنحن استضئنا بذلك الضوء فذات السراج آية الله ( لله خ ) ولله المثل الاعلى والضوء الواقع علينا من السراج آية المشية وهذا الضوء لم يكن له ذكر قبل وجوده عند السراج حتى يقال انه ساكت عنه اذ لا يصح السكوت الا في محل صلوح النطق ولا يصح هذه الصلاحية الا بذكر هذا الضوء في السراج مع انه ليس كذلك فلا يصح ان يقال ان الله سبحانه كان ساكتا قبل خلق المشية فنطق بالمشية لان المشية لا ذكر لها في الذات حتى يصح النطق بها والسكوت عنها ولا يقال ان الله يريد ان يوجد المشية لان المشية والارادة ليستا الا نفس الفعل لا ( فلا خ ) ذكر لها الا حين وجودها لا قبلها ولا بعدها وذكر كل شيء في رتبة شيء وجوده ولا تصح ان تكون الذات ذكرا للمشية ( ذكر المشية خ ) والا لكان القديم حادثا والحادث قديما نعم الاشياء تذكر في الوجه الاسفل من المشية اي الامكان الراجح ولا ذكر لشيء قبلها ابدا والا لزم تكثر الذات والقول بالاعيان الثابتة وانها لا موجودة ولا معدومة ولا شيء ولا لاشيء شطط من الكلام ولا يليق باولي الافهام مع انا قد اشبعنا الكلام في ابطاله في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا

قال عمران فان الذي ( كان خ ) عندي ان الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق قال الرضا عليه السلام احلت يا عمران في قولك ان الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره يا عمران هل تجد النار تغيرها ( بغيرها خ‌ل ) تغير نفسها او هل تجد الحرارة تحرق نفسها او ( وخ ) هل رأيت بصرا قط رأى بصره قال عمران لم ‌ار هذا

اقول على اصل القوم من ان المشتق هو الذات الثابت لها المبدأ وان الفاعل والخالق ذات الله سبحانه بذاته او بفعله وان النسبة حاصلة بين القديم والحادث وان صدق مفاهيم المشتقات على الواجب والممكن بالاشتراك المعنوي لا مناص عما ذكره عمران رحمه الله من لزوم التغيير بخلقه الخلق بالضرورة ولما كان عمران معتقدا لهذه الاصول الفاسدة والعقائد الباطلة والقواعد الباردة الكاسدة كان يلزمه القول بالتغيير فالذين لا يتدينون بدين محمد صلى الله عليه وآله لا يستشكلون في التزام التغير واما الذين يتدينون بدينه صلى الله عليه وآله حيث عرفوا من مذهبه صلى الله عليه وآله امتناع التغير عليه تعالى لا يتفوهون ولا يقولون بالتغير واما السنة حالهم فشاهدة بذلك ومنادية باعلى الصوت على ذلك كما قلنا لك من استلزام تلك الاصول والقواعد اياه واما عمران فلما كان من الصابئة كان لا يتحاشى عن اظهار ما يتفرع على قواعده من لزوم التغير فقال مولينا الرضا عليه السلام احلت يا عمران اي اتيت بشيء محال في قولك ان الكائن يتغير في وجه من الوجوه لان التغيير تصيير الشيء من حال الى حال ولا شك ان ( هذا خ ) التصيير ليس من ذات الشيء لانها كانت مقتضية الحالة الاولى بنفسها فلا بد ان يكون من علة خارجية بالضرورة وتلك العلة اما اثرها او مؤثرها والاول باطل لان الاثر لا يصل الى رتبة المؤثر فضلا عن ان يؤثر فيه والثاني خلاف المفروض فلا يصح تغيير الذات حتى تصيب الذات منه اي من فعلها او من نفسها ما يغيرها سيما في مقام يفرض كون الوجود عين الذات من غير مغايرة ولو اعتبارا ( واعتبار خ ) ثم مثل لهذا المطلب وبيان الاحالة بتمثيلات في الممكنات من الآيات التي اراها الله سبحانه الخلق في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لعمران الحق فان العالم مثل حالي والكلام مثل مقالي ولا شك ان الحالي اجلى من المقالي فقال عليه السلام يا عمران هل تجد النار يغيرها ( بغيرها خ ) تغير نفسها وهو استفهام انكاري اي لا يمكن ان يكون النار بفعلها في غيرها تغير نفسها هذا على تقدير ان يكون بغيرها بالباء الموحدة ويحتمل ان يكون مضارع غير من باب التفعيل ومعناه على هذا انه لا يمكن ان يغير النار تغير نفسها اي التغير الناشي من نفسها وعلى الاحتمالين انه لا يمكن ان يتحقق في ذات النار حالة الاحالة مثلا بعد ما لم يكن متحققا فيها باحالتها غيرها لتكون ذاتها متأثرة عنها ويلزم المحال بل ذات النار بذاتها بحيث لو وصل اليها شيء تحيلها الى نفسها لكن بعد وصول شيء اليها يتحقق الاحالة بالفعل واستحالته بالنسبة اليه لا في ذات النار ثم مثل عليه السلام مثالا آخر وقال روحي فداه هل تجد الحرارة تحرق نفسها وانما اختار في المثال النار والحرارة لانهما صفتا الفاعل وحكايتان له النار صفة والحرارة صفة بعد صفة كقوله تعالى ( كقوله صلى الله عليه وآله خ ) في بسم الله الرحمن الرحيم فان الله هو الموصوف والرحمن صفة لله والرحيم صفة بعد صفة فافهم ضرب المثل ثم مثل عليه السلام مثالا آخر في هذا المعنى وقال روحي فداه وهل رأيت بصرا قط رأي بصره فان البصر فيها قوة تجذب الصورة وتنزعها من المقابل ولا يمكن ان تنزع من نفسها صورة نفسها فاوضح الامر بامثلة ثلثة ليكون البيان تاما شاملا لجميع الاحوال الثلثة التي في الانسان واعلم ان ما ذكرنا هو شرح لظاهر عبارة الامام عليه السلام واما بيان حقيقة الامر في ذلك على ما اراد عليه السلام فمما يجب كتمانه وستره اذ ما كل ما يعلم العالم يقدر ان يفسره فان من العلوم ما يحتمل ومنها ما لا يحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل ولا حول ولا قوة الا بالله

فقال عمران الا تخبرني يا سيدي اهو في الخلق ام الخلق فيه قال الرضا عليه السلام جل يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك وساعلمك ما تعرفه به و( لا حول خ ) لا قوة الا بالله اخبرني عن المرآة انت فيها ام هي فيك فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فباي شيء استدللت بها على نفسك يا عمران قال عمران بضوء بيني وبينها قال الرضا عليه السلام هل ترى من ذلك الضوء في المرآة اكثر مما تراه في عينيك قال نعم قال عليه السلام فارناه فلم يحر جوابا قال الرضا عليه السلام فلا ارى النور الا وقد دلك ودل المرآة على انفسكما ( نفسكما خ ) من غير ان يكون في واحد منكما ولهذا امثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا ولله المثل الاعلى ثم التفت عليه السلام الى المأمون فقال الصلوة قد حضرت فقال عمران يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا عليه السلام نصلي ونعود فنهض عليه السلام ونهض المأمون فصلى الرضا عليه السلام داخلا وصلى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر ثم خرجا فعاد الرضا عليه السلام الى مجلسه ودعا بعمران فقال عليه السلام سل يا عمران

اقول لما اسس القوم اصلا وهو ان مباين الشيء لا يصدر عنه وان العلة هي ذات الله تعالى فاختلفوا في وجه المناسبة فمنهم من قال ان الخلق اعيان ثابتة كامنة في ذات القديم ومستجنة فيه استجنان الشجرة في النواة وتلك الاعيان صالحة للوجود وقابلة لخطاب قول كن وتلك الاعيان مختلفة في ذاتها وغير مجعولة وكل واحدة تطلب نحوا خاصا من الوجود فاختلفت الذوات والموجودات ولهم على ذلك ادلة ذكرتها في اجوبة المسائل الرشيدية وقال آخرون ان الوجود شيء واحد وهو واجب الوجود وحقايق الخلق حدود الوجود وانياته وماهياته فعلى القول الاول يكون الخلق فيه وعلى القول الثاني يكون هو في الخلق وقال آخرون في وجه المناسبة ان الوجود حقيقة مشتركة بين الواجب والممكن وعلى هذا القول ليس الواجب في الممكن ولا الممكن في الواجب الا ان كل واحد منهما عين الآخر فان المشتركين في الحقيقة الجامعة متساويان فيها كالانسان الجامع لزيد وعمرو وبكر ولا يعقل ان يكون احد الافراد علة والآخر معلولا ولذا حكموا في النوع بانه كلي مقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو وقال آخرون ان الاشتراك في المفهوم وليس في المصداق وهذا القول يرجع الى القول الثالث ان كان المفهوم صدقا وان كان كذبا يرجع الى القول بنفي المناسبة وهو خلاف مراد القائل والحاصل لما كان القول الرابع والثالث في البطلان بمكان اعرض عمران عن التعرض للسؤال فيهما وسأل عن القسمين الاولين اللذين ذهب ( ذاهب خ ) اليهما الفحول من اهل المعقول من الصوفية وغيرهم من اهل الفضول فقال العمران ( عمران خ ) يا سيدي الا تخبرني اهو في الخلق كما هو مذهب اصحاب القول بوحدة الوجود وكما هو مذهب اصحاب الاتحاد والحلول وليس قول ذوق المتألهين منهم ببعيد ام الخلق فيه كما هو مذهب اهل القول بالاعيان الثابتة واصحاب القول بان المعلومات صور علمية في الازل وان معطي الشيء ليس فاقدا له وان بسيط الحقيقة كل الاشياء وان كل ما في الخلق فيه سبحانه بنحو اشرف وامثال ذلك من المذاهب وجامع المذاهب هو الذي سأله عمران فانها كلها ترجع الى القسمين بعد القول بوجود الربط والمناسبة فقال عليه السلام جل يا عمران عن ذلك وبداهة العقل المستنير يشهد بخلاف ذلك فانه تعالى لو كان في الخلق اي مظروفا كان محاطا وكان قد سبقه واحاط به آخر ويلزم منه الاقتران ايضا وكلاهما علامة الحدوث وان كان كما يقولون من القول بوحدة الوجود يلزم الاقتران والانفعال والتكثر والتركيب وكل ذلك علامة الحدوث بالاتفاق والملازمة بينة واضحة في الجميع وذكر تفاصيل الاحوال وما يلزم هذه الاقوال يطول به المقال الا انا قد ذكرنا وفصلنا في كثير من اجوبتنا للمسائل خصوصا في شرح آية الكرسي واجوبة المسائل الهندية ومن ارادها فليرجع اليها وكذلك اذا كان الخلق فيه فان ذلك اقبح واشنع فيكون محلا منفعلا مقترنا متكثرا متصلا منفصلا متغيرا والدا وغيرها من القبايح فالحق القديم الازلي سبحانه وتعالى اجل واعظم من ان يحل في شيء او يحل فيه شيء او يتصل بشيء او يتصل به شيء او ينفصل عن شيء او يقترن بشيء او يتحد بشيء او ينفعل عن شيء او يكون مثله شيء فكلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم

واما ما ورد في بعض الاخبار مثل داخل في الاشياء لا كدخول شيء في شيء وخارج عنها لا كخروج شيء عن شيء وقوله تعالى وهو بكل شيء محيط فالمراد بالاحاطة الاحاطة القيومية كاحاطة السراج بالاشعة ولله المثل الاعلى والمراد بالدخول دخول الظهور بالصفة الفعلية لا بحقيقة الذات سبحانه وتعالى عن ذلك وقد قالوا عليهم السلام كما في الكافي ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ه‍ يعني ان الخلق لا يذكر عند الذات وحكمه حكم الامتناع هناك فاذن اين الاحاطة واين الدخول واين الخروج فان الاحاطة لا تكون الا بعد فرض الشيء المحاط وكذلك الدخول والخروج فاذ لا شيء فلا حكم هذا بالنسبة الى الذات واما بالنسبة الى الفعل والاسماء والصفات فهو داخل في كل شيء ولذا لا ترى شيئا الا وتراه سبحانه قبله او بعده او معه وخارج عن كل شيء ومحيط بكل شيء وذلك معلوم ظاهر ان شاء الله تعالى ولما كان اصل هذه الشبهة نشأت من مشاهدتهم ان الخلق يدل على الخالق بالان والخالق يدل على المخلوق باللم ولا يكون ذلك الا بالربط والمناسبة ولما لم يسلكوا في هذه المسالك بهداية اهل البيت عليهم السلام وقعوا فيما وقعوا من الاضطرابات وقالوا ما قالوا من الخرافات اراد الامام عليه السلام ان يزيل هذه الشبهة ويقمعها من اصلها ويبين طريق الاستدلال من غير ان يلزم ان يكون احدهما في الآخر ولما كان الوصف الحالي والبيان المثالي اجلى واوضح وابعد من تطرق الشبهات والاحتمالات عن البيان المقالي والامام عليه السلام هو الحجة البالغة اتى ببيان من البيانات الحالية لترتفع الشبهة عن اصلها

ولذا قال عليه السلام وساعلمك ما تعرفه به فان المعرفة التامة لا تكون الا فيما لا تقوم معه الاحتمالات والشبهات ولما نسب الاعلام الى نفسه الشريفة والمعرفة الى عمران استشعر قدرة الله سبحانه تبرء من حوله وقوته واعتصم بقوة الله تبارك وتعالى لنفسه ولما نسب الى عمران من انه يعرف ببياني فان الله هو القادر الفعال لما يشاء ولو شاء ان يحول بيني وبين بياني فعل ولو شاء ان يحول بين بياني وبين معرفة عمران فعل فيجب الاعتصام بحوله وقوته لئلا تخيب الظنون وهو سبحانه وتعالى عند ظن كل امرء ولذا قال عليه السلام ولا قوة الا بالله اي لا قوة لي للبيان ولا لعمران في المعرفة ولا لشيء من الاشياء في مقتضياتها وحالاتها الا بالله ولما تقوي عليه السلام بقوة الله سبحانه واعتصم بحبله اخذ فيما وعده عمران من البيان فقال عليه السلام اخبرني عن المرآة هل انت فيها ام هي فيك والمراد بالمرآة قد يكون الزجاجة في ظاهر الاستعمال حسب متفاهم عامة الناس وقد يكون نفس الصورة المنطبعة فيها فانها هي التي ترى المقابل فيها وهي آلة الرؤية ومحلها لا الزجاجة والمراد بها هنا كلا الاطلاقين فانك اذا نظرت في المرآة ترى وجهك فيها وتعرفه بها بما تجليت لها بها اذ قد انفصل منك نور وشعاع قد تعين بالحدود الستة فظهر ذلك النور فيها حسب تلك الحدود من الاستقامة والاعوجاج فاذا قطعت النظر عن الحدود عرفت المقابل واذا توجهت الى الحدود احتجبت عنه وبالجملة عند التقابل بالمرآة تشاهد نفسك فيها مع انك لست فيها حتى ظهرت هناك وليست هي فيك حتى تدل عليك ولما كان هذا المعنى مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه ترك عليه السلام احد شقي الترديد وقال عليه السلام فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فباي شيء استدللت بها على نفسك ومراده عليه السلام ان يبين لعمران كيفية التأثير والحكاية التي في المرآة والتوصيف والتعريف والقيومية والاحاطة والانبساط والشمول والاحداث والايجاد والفعل والمصدر والمفعول المطلق والمفعول به وكيفية الاستدلال وبيان حقيقة الخطاب في كن فيكون والخطاب الشفاهي والنقش الفهواني والمثال والتجلي والقيام الصدوري والقيام العضدي والركني والقيام الظهوري ودخول المبدأ في الاثر وخروجه عنه وتجليه له به واحتجابه عنه وحقيقة الربط وحكم البرزخ ونهاية الحوادث وعلة الممكنات وحقيقة الحدوث وكون الذات خلوا من الاسماء والصفات واطوار الامكان والممكنات وان بينه وبين خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة وامثالها من المطالب الجليلة والمراتب العظيمة التي تاهت عندها عقول الحكماء واحلام العلماء كل ذلك بمقابلة المرآة للشاخص ومعرفة جهة الاستدلال من المرآة على الشاخص ومن الشاخص على المرآة بظهور احكام الاشتقاق والاعلال وتصريف الاصل الواحد الذي هو الفعل على التحقيق الى الامثلة المختلفة من الافعال السبعة والصيغ الاربعة عشر وظهور تلك الامثلة والصيغ بصفة الرفع والنصب والجر والجزم والضمة والفتحة والكسرة والسكون وتطورها الى اطوار الحقيقة والمجاز والنقل والاشتراك والتواطؤ والتشكيك وظهورها بالاشكال المستديرة والمثلثة والمربعة والمخمسة وهكذا الى نهايات الاشكال بالاوضاع وانغماسها في ظلمات الاوساخ والاعراض والغرائب وتطهيرها بآلات التعفين والتقطير واستخراج الارض السائلة والنار الحائلة والماء الجامدة والهواء الراكد وجعل بعضها ارضا وبعضها ماء وفلاحة الارض بالماء وهكذا من العلوم والاحوال والاطوار والاكوار والادوار وحقيقة الليل والنهار فمراد الامام عليه السلام من السؤال عن نمط الاستدلال توقيف عمران الى هذه الدقايق واطلاعه على جملة من تلك الحقايق لكنه رحمه الله لم يتفطن الى مراده عليه السلام وظن انه يسأله عن كيفية الاستدلال بحسب الابصار اي كيفية الابصار فقال انما استدل عليها بضوء بيني وبينها والظاهر من هذا الجواب انه يقول في الابصار بخروج الشعاع كما هو احد الاقوال الاربعة في المسألة بمعنى انه يخرج شعاع من العين على هيئة المخروط رأسه عند مركز العين وقاعدته عند سطح المبصر حتى يكون وصول الشعاع ( منه خ ) الى المبصر سببا لرؤيته ويكون باعتبار كونه صقيلا وانعكاس الشعاع منه الى الرائي سببا لرؤيته نفسه ويكون جواب عمران بقوله بضوء بيني وبينها منطبقا عليه ويكون مراده من الضوء هذا الشعاع واما على القول بالانطباع فسببه ارتسام صورة الرائي في الصيقل ( الصقيل خ ) ثم منه الى العين ولا يمكن ان يراد بالضوء الشعاع اذ لا شعاع على هذا فلا بد ان يراد بالضوء معناه الظاهر وهو من شرايط الابصار مطلقا ولا معنى للتقييد حينئذ بقوله بيني وبينها

ولما ان عمران غفل عن مراد الامام عليه السلام واجاب بخلاف المقصود من السؤال والجواب ايضا على فرض تطابقه مع السؤال الذي توهمه لم يكن صحيحا اذ المعروف من طريقة اهل البيت عليهم السلام ان الابصار بالانطباع لا بخروج الشعاع اراد الامام عليه السلام ان ينبهه على فساد معتقده في الابصار ثم يوقفه على ما اراد عليه السلام في هذا المثال من نمط الاستدلال فقال عليه السلام بناء على مذهبه على القول بخروج الشعاع هل ترى من ذلك الضوء في المرآة اكثر مما تراه في عينيك قال عمران نعم لان قاعدة المخروط في سطح المرآة ورأسه الذي هو النقطة في العين قال ( الرضا خ ) عليه السلام فارناه اي اذا كان الضوء في المرآة اكثر مما في العين ولا يمكن الاعتذار من عدم الابصار لكونه صغيرا كما في العين والضوء من المبصرات بالذات اذا لم يكن مانع من ابصاره ومعلوم انه يرى ضوء الشمس وغيرها في سطح المرآة ولا مانع من رؤيته فيها فارنا ذلك الضوء الذي تقول به في سطح المرآة اما حسا او عقلا فلم يحر جوابا اي لم يرد جوابا لايقا لانه تفطن بان القول بتحقق امر محسوس في شيء لا يحكم الحس بتحققه ولا دليل عقلي تدل ( يدل خ‌ل ) عليه سفسطة لا يقول به عاقل وتصحيح الرؤية بهذا النحو مع قطع النظر عن المفاسد الواردة على هذا القول لا يفيد القطع بتحقق هذا المخالف للحس فعجز عن الجواب وسكت

ثم اراد الامام عليه السلام ان يبين له الامر في الواقع وهو انك اذا قابلت المرآة يظهر منك تجلي وظهور هو نورك مثل نور الشمس المسمى عندنا بالشبح المنفصل من الشبح المتصل وذلك نور واحد من شأنك الواحد والمرآة تقابل ذلك الشبح الذي هو نورك فيظهر فيها ذلك النور وهو الشبح الثاني المنفصل من ذلك الشبح المنفصل ويتكيف ويتحدد بكيفية الزجاجة ( الزجاجية خ ) وحدودها من الصقالة والكدورة والحمرة والصفرة والاعوجاج والاستقامة فيظهر ذلك الشبح دالا عليك على حسب الحدود فالمرآة نور منك قد ظهر وتشعشع من نورك او قل هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتصل والدليل على ان ما في المرآة شبح ذاتك لا اصل ذاتك هو انك واحد والمرآة ربما تكون الفا وفي كل مرآة ترى نفسك فلو كان ما في المرايا هي ذاتك يجب ان تتكثر حين كونها واحدة وتكون واحدة حين كونها كثيرة والضرورة تقضي ببطلانه فيكون ما في المرآة شبح الذات والدليل على ان ما فيها هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل هو انك اذا ظهرت ينفصل عنك شبح ينتقش في مكان ظهورك وزمان بروزك وساير حدوده الستة المشخصة فاذا غبت عن ذلك المكان كلما تلتفت الى ذلك المكان وذلك الوقت تجد مثالك وشبحك الواحد على هيئة كونك الاول في ذلك المكان وذلك الوقت وتجد في خيالك المرايا مقابلة لذلك الشبح الواحد فهو واحد وما في المرآة الف فثبت ان نسبة ما في المرآة الى ذلك الشبح نسبة ذلك الشبح الى نفسك المقابلة ولما كانت المرآة انما تحكي الصورة والجسم التعليمي خاصة قلنا انه المنفصل من الشبح المتصل بك وهو الصورة الجسمية التي هي الصورة المثالية ولما كانت الاشباح كلها شؤناتك واطوارك وظهوراتك وصفاتك والذات قد غيبت الصفات فاذا نظرت الى المرآة لا تلتفت الا الى نفسك ماحيا بظهورها الآثار والاسماء والدليل على ذلك انك اذا رأيت وجهك في المرآة الحمراء تراه احمر مع ان وجهك ليس فيه حمرة وانما هو ابيض مثلا فاذا عرفت الذي ( ما خ ) ذكرنا لك عرفت ان ما في المرآة نورك وشعاعك لا ذاتك وحقيقتك ولما كان الابصار كما هو الحق بالانطباع لا بخروج الشعاع كما زعمه عمران فاذا وقع عينك على المرآة انتزعت صورة المرآة وانطبعت في صقالة انسان العين ومنها انتقل الانطباع الى محل التقاطع ومنه الى الحس المشترك اي بنطاسيا المستقر في البطن الاول من التجويف الاول من الدماغ ومنه تنطبع الصورة في الخيال وهو في البطن الثاني من التجويف الاول ومنه الى النفس التي في الصدر ومنه انخلعت الصورة الشخصية ولبست الصورة النوعية فارتسمت في العقل وهكذا فظهر لك ان العين مرآة اخرى لتلك المرآة فنورك هو الذي في المرآة ونور المرآة هو الذي في العين فالنور الذي في العين من المرآة هو الذي دلك على المرآة فدلك على نفسك بتوسط العين بتوسط المرآة والنور الذي منك في المرآة هو الذي دل المرآة على نفسك فعرفتك بما فيها من نورك ثم دل المرآة على نفسها لان حقيقتها هي ذلك النور المحدود فبذلك النور عرفتك وعرفت نفسك وانت بالنور الذي في العين عرفت المرآة وعرفت نفسك فانت عرفت المرآة وهي عرفتك من دون ان تكون انت بذاتك في المرآة ام المرآة بذاتها فيك والدال في هذا المقام ليس الا النور الذي هو ظهورك واشراقك فيها لا عين ذاتك وحقيقة وجودك لا الضوء الذي بينك وبينها على زعم عمران وان جعلنا الضوء هو الفعل والمرآة اثر الفعل لا يصح ايضا لان المراد بالدال هو عين المدلول على ما برهنا في مباحثاتنا في الاصول فاذا كان المدلول عليه هو نفس الاثر والناظر هو العالي لا يجوز ان يكون آلة الملاحظة والنظر هو الفعل لان الفعل لا يجوز ان يكون عين الاثر وان كان العكس يصح في مقام من المقامات بنظر من الانظار ولذا ذكر عليه السلام في النفس الملكوتية الالهية انما ( انها خ ) هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى اه‍ ولا يصح العكس فافهم

واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم

وقولي باتحاد الدليل والمدلول ليس على ما تعرفه العوام بل على طور آخر من البيان يطول به الكلام وليس المتحد مع الدلالة المقصود من الدلالة بل الواقع عليه الدلالة وليس الدال الا الدلالة فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم والى هذا الذي ( الى ما خ ) ذكرنا اشار الامام عليه السلام سابقا بقوله هل ترى من ذلك الضوء في المرآة اكثر مما تراه في عينيك يعني طريق الاستدلال وجهته هو النور الذي في العين من المرآة وهو شعاعها وشبحها به عرفت المرآة التي فيها نور نفسك فعرفتها بنورها الذي هو من نورك

وقوله عليه السلام ولا ارى النور الا وقد دلك ودل المرآة على انفسكما من غير ان يكون في واحد منكما فالنور الذي دلك على المرآة وعلى نفسك هو شبح المرآة في العين والنور الذي دل المرآة على نفسها هو تجليك وظهورك المطلق مع قطع النظر عن خصوصية الحد فهي عرفتك بذلك النور الذي هو المثال الذي القيته في هويتها وعرفت نفسها ايضا بتعريفك اياها فالمراد بالنور في هذا المقام هو المثال والشبح والشعاع والخطاب وامثالها من العبارات والاشارات وقوله عليه السلام من غير ان يكون في واحد منكما الضمير المستتر المرفوع يرجع الى قوله واحد منكما المذكور بالكناية لدلالة المقام عليه فيكون تقدير الكلام هكذا من غير ان يكون واحد منكما في واحد منكما لان المقصود في هذا المقام كيفية الاستدلال على الخالق ومعرفة المخلوق اياه من غير ان يكون واحد منهما في الآخر وليس بين الخالق والمخلوق واسطة كما قال عليه السلام في هذا الحديث الشريف حق وخلق لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فاذن اي شيء غيرهما يدلهما على انفسهما من غير ان يكون في واحد منهما مع ان المقصود اثبات الاستدلال من غير ان يكون الخالق في المخلوق والمخلوق في الخالق مع عدم الواسطة فعلي هذا وجب ان تجعل ( يجعل خ ) النور هو شعاع العالي اي ظهوره الذي هو نفس السافل وليس ذلك عين العالي ولا العالي في السافل نعم هو فيه بظهوره واشراقه وتجليه فاذن يكون المراد ان النور الذي هو المثال دلك ودل المرآة على انفسهما من غير ان يكون واحد منهما في الآخر اي في واحد منهما فاذا نظر الله سبحانه الى عبيده ينظر اليهم بنفسهم لا بذاته تعالى ليكونوا في ذاته تعالى واذا نظر العبد الى الله تعالى ينظر اليه تعالى بنفسه تعالى اي بصفة فعله الظاهرة له به لا بذاته تعالى ليكون فيه عنده اي عند العبد فالنور يدلك على المرآة اي الصورة ويدل المرآة والصورة عليك وتوضيح المقال في هذا المقام الذي هو من مزال الاقدام وكم زلت للاعلام فيه اقدام هو انه قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وقال تعالى وما منا الا له مقام معلوم وقد دلت الادلة العقلية القطعية بان الشيء لا يتعدى ما وراء مبدئه اي فوق حقيقة ذاته وجوهره فكلما يدركه يصل اليه وكلما لا يدركه لا يصل اليه اذ لو جاز ان يدرك ما لا يصل اليه لجاز ان يدرك ذات الواجب او ذوات الائمة الطاهرين سلام الله عليهم بالنسبة الى من دونهم وفي الزيارة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين الى ان قال عليه السلام ولا يطمع في ادراكه طامع مع ان الادراك معناه الوصول فكيف الادراك مع عدم الوصول ان هو الا تناقض ظاهر وتهافت باهر فاذا عرفت ذلك عرفت ان الدال لو لم يكن في مرتبة المدلول والمستدل لم يكن دالا له وعليه ولكان يلزم ما ذكرنا من صعود الشيء عن مرتبة ذاته فيلزم اجتماع النقيضين وهو باطل فاذا كان كذلك فما معنى قول الامام عليه السلام في هذه الفقرة المباركة فلا ارى الا النور قد دلك عليه من غير ان يكون في واحد منكما فكيف يستدل الشيء بما ليس عنده وكيف يكون الدال خارجا عن حقيقة رتبة المستدل في جهة الاستدلال ومقامه لا مطلقا وانما قيدت جهة الاستدلال لئلا يتوهم ان السافل في رتبة العالي اذا استدل بالسافل على نفسه بنفسه فان نظر العالي الى السافل في رتبة السافل لا في رتبة العالي حتى يلزم ذلك والمستدل هو الظاهر بالدليل وهذه الظاهرية في العالي شبحه ومثاله وفي السافل بالنسبة الى العالي ذاته وحقيقته التي هي التفات العالي ونظره وعينه التي اعارها اياه والى ذلك المعنى يشير قول الشاعر :

كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني

والجواب ان لكلام الامام عليه السلام وجوها من البيان :

احدها ما ذكرنا قبل ان الضمير المرفوع في يكون راجع الى قوله واحد منكما المذكور بقرينة المقام من قبيل قوله تعالى وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فان ضمير الجمع المذكر العاقل لا يرجع الى الاسماء وانما مرجعه المسميات المدلول عليها قرينة ( بقرينة خ ) المقام وهي ذكر الاسماء فانها لا بد لها من المسميات وبقرينة انبئوني باسماء هؤلاء وغيرها من القراين وهكذا هنا فانا بعد ما عرفنا من مذهب ائمتنا سلام الله عليهم ان الشيء لا يعرف الا ما في ذاته او في ملكه كما في ادراك العالي للسافل فانه يدركه بذاته في ملكه وفي قيوميته لا في ذاته فيكون السافل في ذات العالي وكما في ادراك السافل للعالي فانه يدرك وجه العالي في ذاته لا في ملكه اذ المفروض انه ملكه فكيف يتقدم الشيء على نفسه في التحقق والوجود ويكون موجودا قبل ان يكون موجودا حين كونه معدوما وبداهة العقل تأبى ذلك وعرفنا منهم سلام الله عليهم ايضا ان ليس في الوجود الا الخلق والحق لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما حتى يكون ذلك الثالث رابطة بينهما ودالا عليهما من غير ان يكون في واحد منهما وعرفنا منهم سلام الله عليهم ايضا ان ليس بين الحق والخلق جهة جامعة وقدر مشترك وهو ايضا صلوات الله عليه وعلى آبائه وابنائه في صدد بيان ان الحق ليس في الخلق والعكس فكيف يسوغ ان يأتي عليه السلام بثالث لا هذا ولا ذاك ويجعله آلة الدلالة فاين اذن ما اثبتنا من قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وساير الادلة القطعية المذكورة في محله وفي المرآة التي اتى بها عليه السلام مثلا للاستدلال على ان استدلال الاثر على المؤثر لا يلزم ان يكون المؤثر في الاثر ولا الاثر في المؤثر ولا مدخلية في المثال لامر ثالث مع ان الذي دل الشخص على نفسه من جهة النظر في المرآة هو نفس شعاع الشخص المنطبع في المرآة المنفصل منها الى العين والذي دل المرآة على الشخص وعلى نفسها هو نفس ذلك الشعاع والشبح المنفصل من الشخص فيهما اذ لولا ذلك الشبح لما عرفت المرآة التي هي نفس الصورة الشاخص المقابل ولولاه من حيث التعين بالحدود الستة لماعرفت الصورة التي هي المرآة نفسها وتحققها وانيتها بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم ادر ما انت وذلك النور والشبح هو عين المرآة وتلك الشاخص فافهم هذا الكلام المكرر المردد بالفهم المسدد والله الموفق فاذن لا مناص عن القول بان الضمير لا يرجع الى النور وانما مرجعه واحد منكما فيكون المعنى فلا ارى النور وهو الذي شرحناه وفصلناه الا وقد دلك يا ايها الشاخص الناظر في المرآة بعينك لترى وجهك الظاهر في المرآة بالمرآة فيها على نفسك وهي الظاهرة في المرآة لا الذاتية الحقيقية والظاهرة هي الذات المعتبرة في المشتقات فافهم

وثانيها ان النور الواقع في المرآة له اعتبارات اعتبار في نفسه من حيث انه نور واعتبار من حيث انه في المرآة واعتبار من حيث انه الصورة المعينة في المرآة واعتبار من جهة المقابل بحيث يفقد بتلك الجهة جميع جهات المرآة والمرآة بنفسها فالدال على المقابل وعلى الكينونة هو النور بالاعتبار الاخير مع قطع النظر عن ملاحظة كونه في المرآة فهو الدال من غير ان يكون في الشاخص ومن غير ان يكون في المرآة من حيث هي ( هو خ ) كذلك والاشارة الى هذا المعنى قول امير المؤمنين عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم والمراد من دلالة النور على المرآة نفسها هو النفس التي في قول امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فيجب اعتبار النور لا من جهة المرآة في نفسها وان كان فيها كما في قول الحسين عليه السلام في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وفي الحديث على ما نقل لي بعض العلماء عن امير المؤمنين عليه السلام لو عرفت الله بمحمد صلى الله عليه وآله لحددت ولو عرفت محمدا صلى الله عليه وآله بالله لكفرت مع انه عليه السلام قال نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقالوا عليهم السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله وهكذا فالجمع بين الحديث الاول وباقي الروايات هو ما ذكرنا وهو المراد من هذه الفقرة المباركة بناء على ان تجعل الضمير المرفوع المستتر راجعا الى النور ولكن هذا المعنى بعيد عن الافهام خصوصا عن فهم عمران في ذلك الزمان اللهم الا ان يكون ذلك باعانة ( بعناية خ ) الامام والتفاته صلى الله عليه وعلى آبائه وابنائه الطاهرين

وثالثها ان المراد بالنور هو الفعل اي الوجود المطلق الرابط صاحب البرزخية الكبرى لا على ما يعرفون من معنى الربط والبرزخية بل على ما عندنا مما شرحنا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا والفعل وجه الفاعل للمفعول ووجه المفعول الى الفاعل ولما كان حقيقة المفعول هي الهيئة العرضية للفعل وتلك الهيئة علة الدلالة وموجدها وهي الكلمة نسب اليها الدلالة توسعا وملاحظة لحكم الاقتران فان الفعل كلما قرب من نفسه العليا والسرمد والامكان لطف ورق بحيث يكاد يخفى عن نفسه ويظهر في كل شيء وكلما بعد عن نفسه المذكورة والامكان الراجح والسرمد ونظر الى جهة المتعلق كثف وغلظ حتى يكاد يخفى عن كل شيء ويكون من جملة المفعولات فبذلك النظر يكون الفعل دليلا على المفعول وبالنظر الاعلى يكون وجها للفاعل فينظر ( فنظر خ ) الفاعل الى المفعول بذلك الوجه والمفعول ايضا ينظر الى الفاعل بذلك الوجه الا انه في الاسفل وهذا الفعل وان كان علة للمفعول وليس جزءا ولا داخلا في حقيقته على ما هو الحق من المذهب خصوصا قد نص عليه الرضا عليه السلام عند رده لقول ضرار لكنه ظاهر في المفعول وفيه حكاية له ولذا قلنا في توجيه قول البصريين من ان المصدر اصل ومبدأ اشتق منه الفعل كما قلنا ان الفاعل مشتق من المصدر ومن الفعل وان كان لا يقال ذلك على التحقيق لامور كثيرة ليس الآن موضع شرحها وبيانها فاذن يكون الفعل هو النور الذي يدل ( على خ ) الشاخص الذي هو الذات والمرآة التي هي الاثر من غير ان يكون في واحد منهما لان الفعل ليس عين ذات الفاعل ولا عين ذات المفعول خلافا لجماعة كثيرة من الملاحدة

فان قلت قول عمران بضوء بيني وبينها يمكن ان يراد به الفعل لانه بين الفاعل والمفعول فلم نفي الامام عليه السلام وردع عمران عن ذلك

قلت اما اولا فلان عمران ما اراد بقوله ذلك الا انه فهم ما ذكرنا سابقا ان الامام عليه السلام يسأله عن كيفية الابصار هل هو بالانطباع او بخروج الشعاع او بغير ذلك فقال انه بخروج الشعاع وهو الضوء المتوسط بين مركز العين وبين المرئي كما ذكرنا سابقا ولم يعرف عمران هذه الدقايق وقراءة كتاب الآفاق والانفس لان هذا الكتاب ما فتحه الا الائمة الهداة سلام الله عليهم ودلوا عليه شيعتهم كما فعله الانبياء سلام الله عليهم من قبل وعمران لم يكن الا من اهل الجدال وماكان يتفطن الى هذه الاشياء ولو اراد عمران ذلك ما نفاه عليه السلام

واما ثانيا فلان هذا القول بظاهره لا يصح اذ لا يقال ان الفعل بين الله وبين خلقه ليكون الله سبحانه محدودا بين الحدين وهذا المعنى هو الذي يتراءى من ظاهر قوله بضوء بيني وبينه ولما كان الناس شأنهم الاقتصار على مفاهيم الالفاظ والعبارات وهذه العبارة بمفهومها ما تدل على حقيقة المراد من هذه المسألة ولذا ( لهذا خ ) نفاه عليه السلام لئلا يلزم التحديد والتشخيص

ورابعها ان المراد من المرآة نفس الزجاجة لا نفس الصورة والنور الذي هو الدليل نفس الشبح والشعاع ولا شك ان النور ليس في واحد منهما لا من المرآة ولا الشاخص فان قلت اذن فما معنى قوله عليه السلام ودل المرآة على انفسكما فان الزجاجة لا تشعر حتى يدل عليها غيرها وعلى ( غيرها على خ ) مبدئها ومقابلها قلت على هذا يكون المراد دل المرآة على نفسها اي جعلها بحيث يكون دليلا على غيرها فافهم

وهذه الوجوه الثلثة كلها على تقدير رجوع الضمير الى النور والوجه الاول هو المعتمد القوي والرابع بعيد بحسب الظاهر والثاني اقوى من الثالث والكل مراد لانهم عليهم السلام يتكلمون بكلمة ويريدون بها سبعين وجها هذا من جهة التقريب والمثال والا فيزيد مدلول كلامهم عليهم السلام عن الف ‌الف وجه لانهم وجه الله الباقي وقدرة الله الواسعة والكلام على مقدار عقل المتكلم صلى الله عليهم اجمعين وقوله عليه السلام ولهذا امثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا ولله المثل الاعلى واعلم ان كل شيء يدل على هذا المطلب لان الله تعالى خلق الخلق وبين لهم صفة قيوميته وظهور قدرته وانه باين عن خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة ولما وجب ان يبين بين سبحانه وتعالى وله الحمد وله الشكر اجلى البيانات واحسنها واعلاها وهو البيان الحالي الواضح الجلي وكلما كان البيان اقرب الى المبين له كان اكمل واوضح واحسن وهو سبحانه لا يعدل عن الراجح الى المرجوح فهو سبحانه جعل مثال هذه المسألة في كل شيء من الاشياء الا انه لما كان هذه المسألة مما يجب الاعتناء بها فمن هذه الجهة اظهر مثال هذه المسألة اكثر واجلى بالنسبة الى غيرها من المسائل ولهذا قال عليه السلام ولهذا امثال كثيرة غير هذا يعني ما ظهر منها والا ففي كل شيء هذه المسألة موجودة ولو اردنا شرح الامثال المضروبة لطال بنا الكلام ونشير الى بعضها اشارة اجمالية :

منها السراج والاشعة كما تقدم من كلامه عليه السلام باوضح بيان فان كلا منهما يدلان على الآخر وليس واحد منهما في واحد منهما وفي ظهور السراج في الاشعة لا من حيث هي شرح جميع احوال المبدأ وفي نفس الاشعة جميع احوال الخلق في اطواره وطبايعه والوانه واقتضاءاته وساير احواله وفي ظهور السراج في الاشعة العلوم الارتباطية مثل علم الطريقة وعلم الشريعة ومسألة الامر بين الامرين وتحقق الاختيار في العالمين ومسئلة البداء وعلل الاشياء ومسألة علم الله بالمخلوقات قبل وجودها ومع وجودها وبعد وجودها وحكم العلية والمبدئية وساير الاحكام التي فيها ارتباط بين الفاعل والمفعول والآمر والمأمور وهكذا

ومنها المتكلم والكلام فان بينهما شرح احوال الوجود باسرها لاسيما هذه المسألة التي مبناها بينونة الصفة لا بينونة العزلة فان الكلام يدل على المتكلم من غير ان يكون الكلام في المتكلم والعكس ويشرح جميع احواله وما يريد من تأليف الكلام وورد في القرآن والاخبار اطلاق الكلمة والقول والكلام على الذوات المتأصلة كقوله تعالى ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح وقوله تعالى ولقد وصلنا لهم القول اي الامام وقوله عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى وغير ذلك من الاخبار والآثار

ومنها المؤثر والاثر على جهة العموم مثل القائم والقاعد والآكل والشارب بالنسبة الى القيام والقعود والاكل والشرب وغير ذلك ومنها حكم اهل النحو في الفعل انه هو العامل والمؤثر في الفاعل وان الاصل في العمل هو الفعل ولا شك ان العامل المؤثر اقوى واشد تأصلا من المعمول المتأثر بل لا نسبة بينهما في القوة والضعف مع اتفاق كلمة الكل على ان الفعل متقوم بالفاعل وصادر عنه فكيف يكون الاثر صادرا عن الاثر والقول بانه حكم لفظي لا يجب تطابقه مع المعنى غلط فاحش لما اثبتنا من المناسبة والمطابقة في رسالة عليحدة موضوعة لذلك وفي غيرها من اجوبة المسائل فلا نطيل الكلام بذكره لان ذلك من المعلوم من مذهب اهل البيت عليهم السلام

ومنها قولهم ان اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وساير المشتقات كلها مشتقة من الفعل كما هو الحق او من المصدر كما هو الحق ايضا فان المصدر مشتق من الفعل وهذه المذكورات مشتقة من المصدر وقد اتفق القوم على ان المشتق فرع للمبدأ وهو الاصل فكيف يكون الفاعل فرعا للمفعول المطلق وسر ذلك كله في بينونة الصفة فلو كان الفاعل هو الذات لماكان معمولا للفعل او المصدر الذي هو الاثر ولو لم يكن المقصود من الفاعل هو الذات لا استقل ( لاستقل خ ) الفعل ولا الاثر فالفاعل صفة للذات ونور منها القاها في هوية الاثر ليدل عليها كالشبح في المرآة الدالة على الشاخص المقابل من غير ان يكون احدهما في الآخر وشرح هذا الكلام مما يطول به الكلام ومن عرف سر المشتقات وحقق معناها وعرف احكام تصاريف الاصل الواحد الى الامثلة المختلفة فقد بلغ القرار في التوحيد

ومنها حكم الحديدة المحماة بالنار فانها حاكية للنار ودليلة عليها من غير ان يكون النار في الحديدة ولا هي فيها والنار الظاهرة فيها ( هي خ ) اثر النار الاصلية لا ذاتها ولذا اذا قابلت الحديدة بالنار من غير اتصال تحمر الحديدة وتحرق من غير ان يتغير النار المقابلة بوجه بحيث يخرج منها شيء او يدخل فيها شيء فيحصل فيها الزيادة والنقصان باحداث الحرارة في الحديدة وذلك معلوم واضح

ومنها النفس التي من عرفها فقد عرف الله ومعرفتها كما في حديث كميل في قول امير المؤمنين عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره وجذب الاحدية لصفة التوحيد واطفاء السراج فقد طلع الصبح والحاصل امثلة هذا المعنى كثيرة لا يجد الجاهل فيها مقالا لانها لا يعرفها الا العالمون كما قال عز وجل وتلك الامثال نظربها للناس ومايعقلها الا العالمون وقال عز وجل وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون فالجاهل بالامر لا يجد في معرفة تلك الامثال والصفات مقالا يؤل اليه او الجاهل المعاند لا يجد مقالا للدفع لوضوح تلك الامثال والآيات لان حجة الله بالغة فلا تدحض ولا يمكن لاحد الاعتراض عليها ويقابلها بالرد والدفع الا ان ينكروا بعد وضوح الحق وظهور الامر كما قال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وقال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم والا فامر الله تعالى بالغ الحجة واضح المحجة لا يجد الجاحد بالامر الساذج طبيعته والصافي طويته عن صور الاوهام الفاسدة والشكوك الباطلة ليكون الجهل جهلا بسيطا فيه مقالا يؤدي اليه الاحتمال المنافي للوضوح والظهور او الجاهل بالجهل المركب لا يجد مقالا لدفعه لما عنده من الصور الباطلة لظهور الامر فيمحو ما عنده من الصور الباطلة وتنتقش مكانها الصورة الحقة ( الصور المحقة خ ) او الجاهل المعاند المكابر للحق بعد وضوحه وظهوره فلا يجد سبيلا الى الانكار من جهات ( جانب خ ) التمويه والتلبيس لكمال ظهور الحق بحيث لا يسع معه التلبيس كيف وقد قال سبحانه وتعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي

وقوله عليه السلام ولله المثل الاعلى في بيانه وجوه كثيرة تضيق بها الدفاتر الا انا نذكر في هذا المقام بعضا من تلك الوجوه تنبيها لنوع المراد :

احدها ان المراد بالمثل هو الصفة والمراد ان لله سبحانه وتعالى الصفة العليا يعني كلما تذكر له صفة وتبين له اسما فانه تعالى اعلى من ذلك لا تحيط به الواصفون كما قال عليه السلام ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطايف الاوهام وهو قوله عز وجل سبحان ربك رب العزة عما يصفون وقوله تعالى فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون فان الصفة المطابقة لا تمكن الا بعد الاحاطة فاذا امتنعت الاحاطة امتنع التوصيف فكلما نصف ونقول ونبين فانه عندنا او ذاتنا فهو سبحانه وتعالى صفته اعلى من ذلك ولما مثل الامام عليه السلام لتقريب الافهام ولبيان ما كتب الله سبحانه لخلقه من وصفه في الالواح الآفاقية والانفسية وكان قد يتوهم متوهم ان هذا المثال هو المثال الحقيقي والتوصيف هو التوصيف الواقعي رفع عليه السلام هذه الواهمة بقوله ( عليه السلام خ ) ولله المثل الاعلى اقتداء بكتاب الله العزيز

وثانيها انه لما امتنعت معرفة الذات الاقدس وهو سبحانه وتعالى انما خلق الخلق ليعرفوه لقوله عز وجل كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وكانت المعرفة بغير الاحاطة او الاتحاد ممتنعة وامتنع نزول القديم الى الحدوث وصعود الحدوث الى القدم وجب عليه سبحانه في الحكمة ان يعرف الخلق نفسه تعريف رسم ويعرف الخلق انفسهم ليميز العابد من المعبود والطالب من المطلوب فجعل سبحانه وتعالى وله الحمد والشكر الخلق مجمع العالمين وملتقى البحرين بحر الوحدة وبحر الكثرة بحر الكمال وبحر النقصان وجعل سبحانه الوحدة له ( لها خ ) مراتب والكمال ايضا له مراتب كالنقصان والكثرة ليعرف الخلق بالكمال الظاهر فيهم بهم ربهم وبالنقصان انفسهم ولما كان الرب سبحانه وتعالى فوق رتبتهم فوجب ان يثبتوا له اعلى ما يجدون في انفسهم اي في رتبة الامكان من الكمال التام الذي لا يجدون اعلى منه وهذا الكمال وان لم يكن لايقا بحضرة ( لحضرة خ ) الجمال والجلال الا ان هذا الذي هو عندهم وهو سبحانه قال معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فمهما اثبت له سبحانه وتعالى كمالا يجد في تصوره وفرضه ما هو اكمل منه فهو الكافر الخارج عن الدين ومهما اثبت له سبحانه كمالا يجد وراءه حدا انتهى اليه المعرفة واثبته لا بالنهج الذي يدركه وبالطور الذي يعرفه ويعرف من هو مثله ممن هو في عالم الامكان فذلك هو الدين الخالص فالمثل الاعلى له سبحانه وان كان هو سبحانه منزها عن الجميع والى هذا الذي اشرنا اليه يشير قوله تعالى سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين فاستثنى وصف المخلصين واثبتها له ( لها خ ) ونفى وصف غيرهم ولما كان هذا الاستثناء يوهم ان وصفهم لا يق بجلال قدسه ازال سبحانه هذه الواهمة بقوله سبحان ربك رب العزة عما يصفون ولما كان في هذا التنزيه توهم ان المخلصين خارجون عن حد الديانة والايمان اظهر سبحانه وتعالى عنهم الرضا بقوله وسلام على المرسلين فبين سبحانه ان وصفهم وان لم يكن لايقا للحضرة الاحدية الا انهم اتوا باقصى ما عندهم من الكمال وهو قول مولانا الباقر عليه السلام ولعل النمل الصغار تزعم ان لله زبانيتين لما رأتهما كمالا لما اتصف بهما ويلوح الى جميع ما ذكرنا قوله تعالى الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزي وقوله تعالى ويجعلون لله ما يكرهون وقوله تعالى واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون وامثالها من الآيات الكثيرة فاذا فالمثل الاعلى لله سبحانه هو الذي يثبته سبحانه وذلك المثل خلق من مخلوقاته وملك من مماليكه واللام للتمليك كما في قوله عليه السلام في الصحيفة لك يا الهي وحدانية العدد فبين عليه السلام لعمران ان هذا المثل الذي ضربت لك والصفة التي بينتها لاجل تفهيمك خلق من مخلوقاته وهو غاية وسعنا ومبلغ علمنا كما قال الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم وهو الكمال المطلق الذي نحن ندركه

وثالثها ان المراد بالمثل الاعلى هو نفس الامام عليه السلام كما في الزيارة الجامعة والمثل الاعلى والدعوة الحسنى وحجج الله على اهل الدنيا والآخرة والاولى فالامام عليه السلام هو المثل بكل المعاني والوجوه من معاني المثل فان السراج الوهاج هو الذي قال عز وجل يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وقال تعالى مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم فاذا كان هو السراج الوهاج كان جميع ما سواه اشعته والنسبة ( نسبه خ ) كما ذكره عليه السلام قبل هذا فلا نعيده لما في قلبي واما المرآة والشاخص المقابل فهو السراج الظاهر بالاشعة فان المقابل من حيث هو كذلك غير الذات البحت البات الخالص فكلما سوى الذات مما ينسب اليها صفة لها فعلية لا ذاتية واعلى الصفات واكملها هو المثل الاعلى وهو المذكور في الزيارة فلنقبض العنان فللحيطان آذان

فعاد الرضا عليه السلام الى مجلسه ودعا بعمران فقال عليه السلام سل يا عمران قال يا سيدي الا تخبرني عن الله تعالى هل يوحد بحقيقة او يوحد بوصف قال الرضا عليه السلام ان المبدأ الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه فردا لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا ولا شيء يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره ولا من وقت كان ولا الى وقت يكون ولا بشيء قام ولا الى شيء يقوم ولا الى شيء استند ولا في شيء استكن وذلك كله قبل الخلق اذ لا شيء غيره وما اوقع عليه من الكل فهي صفات محدثة

اقول ان فيما ذكره الامام عليه السلام وروحي له الفداء سابقا عن نفي النسبة والارتباط بينه وبين خلقه وان الخلق حوادث انقطع ذكرهم في القديم فهم هناك في حكم الامتناع فاذن ليس ظهور المؤثر في الاثر الا بالصفة التي هي نفس الاثر لا بالذات والحقيقة لان الذات اذا ظهرت بطلت الآثار وانعدمت كما قال عليه السلام ان لله سبعين‌ الف حجاب من نور وظلمة لو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق فاذا كان هذا حال الحجب فما ظنك بالذات فاذن كيف يوجد بحقيقة ( بحقيقته خ ) ولكنه لما قد رسخت في ذهن عمران تلك القواعد الباطلة والعقايد الفاسدة لم يلتفت الى الاشارات والدقايق بل التصريحات في اول النظر واول البحث ولذا سأل عن الله سبحانه هل يوحد بحقيقة او يوحد بوصف وهذا السؤال له معنيان بقرائة يوحد بالحاء المهملة

احدهما ان حقيقة الخلق والحق واحدة مشتركة وانما التوحيد والتفريد بالوصف بانه سبحانه موصوف بالوحدانية وغيره موصوف بالكثرة فتوحيده سبحانه ليس بحقيقة ذاته بحيث لا ذكر لما سواه عنده ولو فرضا وصلوحا كما هو مقتضى القول بوحدة الوجود وعليه حملوا قول امير المؤمنين عليه السلام ليس بينه وبين ساير خلقه بينونة عزلة بل بينونة صفة يعني ان ذاته تعالى ليست مباينة لذات الحوادث وانما المباينة في صفة الوجوب والامكان واما الذات من حيث هي هي ليست الا هي تصلح لعروض الوجوب والامكان ولذا جعلوا الوجوب والامكان من المفاهيم الاعتبارية وهذا هو مقتضى القول بالاشتراك المعنوي في الوجود وساير الصفات بين الواجب والممكن وهذا ايضا مقتضى القول بان الواجب كلي منحصر في الفرد وان مفهوم الواجب لا يأبي عن الصدق على الكثيرين وان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات الاحدية وان المفهوم ينقسم الى الواجب والممكن والممتنع وان الخلق من سنخ الحق سبحانه وان اشرف الموجودات واعلاها واجب الوجود واسفل الموجودات وادناها الهيولي وما بينهما متوسطات كلما قرب الى الاعلى كان اعلى وكلما قرب الى الاسفل كان اسفل وان الاشياء في ذاته تعالى بوجه اشرف فان موجد الشيء ليس فاقدا له وان بسيط الحقيقة كل الاشياء وامثالها من الاقوال الباطلة كلها يرجع الى ما سأل عمران من ان الله يوحد بحقيقة او بوصف فان عند هؤلاء التوحيد بالوصف لا بالحقيقة الا ان منهم يقول بذلك بلسان مقاله ومنهم من يقول بلسان حاله

وثانيهما ان توحيد الخلق اياه سبحانه هل هو بحقيقة الذات بحيث ادركوها ونالوها ووجدوها على ما هو عليه من التوحيد والتفريد ام لا بل لا يمكنهم ذلك وانما توحيدهم له سبحانه باعتبار ظهوره بصفة من الصفات وتجلي من التجليات كما هو شأن معرفة الاثر المنفصل عن ظهور فعل المؤثر فان الاثر حامل صفة واسم للمؤثر يعرفه بها ولا يمكن ان يصل الى ذات المؤثر فمنتهى توحيدهم الوصول الى ذلك الاسم بسر الرسم لا حقيقة الذات كما قال امير المؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له فيكون توحيده الخلق حينئذ بالصفة لا بالحقيقة وفي بعض النسخ يوجد بالجيم المعجمة بالبناء على المجهول والمراد بالوجود الظهور بالوجود للغير اذ لا شك بانه موجود بذاته في ذاته عند ذاته واما عند الغير فهل هو كذلك او يوجد بالصفة والاسم والرسم كما في الدعاء ليس بموجود اي عند الغير والا فليس غيره في الحقيقة موجودا سواه لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيها صوت الا صوتك

ولما كانت هذه المسألة من امهات المسائل ومهماتها اذ عليها يبتني جميع قواعد الدين وفيها وقع الاشتباه العظيم والاختلاف الشديد بين المسلمين وما اكتفى عمران بالاشارة في الجواب وفهمه بلحن الخطاب كما فعل عليه السلام غير مرة اراد عليه السلام بسط المقال في هذه الاحوال وتوضيح الكلام في الجواب فقال ( عليه السلام خ ) ان الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه في رتبة ذاته والاشياء كلها اي الممكنات والامكانات باسرها في مرتبة ذاته تعالى معدومة ممتنعة لا ذكر لها فيها اصلا فكان فردا لا ثاني له في الصفات ولا في الذات فهو الاول الذي ليس له ثاني ( ثان خ ) فهو دائما اول كما في الصحيفة السجادية كذلك انت الاول في اوليتك وعلى ذلك انت دائم لا تزول فاذا كان كذلك فآخريته هي اوليته وبالعكس لا بالاضافة الى شيء من الاشياء وصفة من الصفات وقران من القرانات فاذن لا ثاني له مطلقا لا معلوما مدركا للمشاعر بجهة من الجهات واعتبار من الاعتبارات ولا مجهولا اي شيئا ثابتا لا تدركه المشاعر ولا تحويه الضماير اذ المفروض عدم الغيرية لاستدعاء الازلية وذاتية الوجود اياه ( اياها خ ) ولا محكما اي امرا لا شبهة فيه والمتقن المحكم ( المحكم المتقن خ ) الموجود على كمال الاعتدال والاستقامة الجاري على محض الحكمة من وضع كل شيء في موضعه ولا متشابها بخلاف ما ذكرنا الجاري على خلاف الاعتدال بحقيقة ما هو اهله بالنسبة الى الاول والا فالمتشابه ايضا من المحكم ولذا نقول اعوجاج الجيم من الاستقامة والله سبحانه جعل هذا الاختلاف وعدم الاعتدال من الاستقامة واحكام الصنع كما في قوله تعالى ومن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما فاذن لا متشابه اصلا كما قال عز وجل صنع الله الذي اتقن كل شيء وهذا مقتضى المشية الحتمية وتقسيم الكتابين اي التدويني والتكويني الى المحكم والمتشابه كما في قوله تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات الآية وقوله تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل الآية من مقتضى المشية العزمية فالمحكم مأخوذ من القبضة المأخوذة باليمين والمتشابه مأخوذ من القبضة المأخوذة بالشمال وان كان كلتا يديه يمين فافهم فاذن لا ذكر للاشياء في الذات فلا محكم هناك ولا متشابه ولا مذكورا بالامكان او الكون في رتبة العقول والارواح والنفوس والطبايع والمواد والامثال والاشباح والاجسام والاجساد والاعراض والصور والهيئات والمقادير وهكذا متسافلا وكذلك متصاعدا الى مقامات الفؤاد ونقطة الكلمة والفها وحروفها وكلمتها نفسها ودلالتها وقرانات حروف بعضها ببعض ووقوع الدلالة على قلب المخاطب والاطوار الحاصلة من تلك الايقاعات والالزامات وظهورات الاسماء وحقيقتها ومواقعها ومحالها وهكذا ساير المراتب اذ كلما هو مذكور في هذه المراتب والمقامات ممتنعة في مرتبة الذات فلا مذكور سواه الا وهو مخلوق فلا يكون معه ولا يكون هو تعالى موصوفا به ولا منسيا اي متروكا معرضا عنه كما في قوله تعالى اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله تعالى نسوا الله فنسيهم او منسيا غير مذكور بالاضافة اذ كثير من الاشياء يكون مذكورا في مقام وعالم ومنسيا في عالم آخر مثل ما يوجد ذكره الامكاني ولم يكون في الكون مثل سعادة الاشقياء وشقاوة الانبياء ومحو القيمة وغيرها وقد تكون اشياء مذكورة في عالم العقول ولم يتشخص ولم يتصور في عالم فهي هناك منسية وهكذا قس المراتب والمقامات واما المنسي بحيث لا ذكر له في مرتبة من المراتب حتى في الامكان فلا وجود له اصلا بوجه من الوجوه لان متعلق الجعل لا يكون عدما بحتا والحادث بنفسه لا يتكون ولو فرض التكون فهو مذكور في محل التكون والقديم لا يكون وجوده الا ذاتيا متأصلا مذكورا عنده فلا يكون سبحانه منسيا ولا شيء ( شيئا خ ) يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره بعد ما فصل عليه السلام بذكر بعض الاشياء ثم اجمل وذكر جامع العقول ( القول خ ) وهو انه تعالى ( سبحانه خ ) ليس شيئا يقع عليه اسم شيء من ساير الاشياء غيره تعالى وكلما وقع عليه اسم فهو حادث لان الاسم يقتضي الارتباط بينه وبين المسمى وكلما فيه ارتباط واقتران حادث فبقي القديم هو الذي لا اسم له ولا رسم مع ان الاشياء كلها اسماء له

خفى لافراط الظهور تعرضت لادراكه ابصار قوم اخافش

وحظ عيون النجل من نور وجهه لادراكه حظ العيون الاعامش

فكل شيء غيره مما يقع عليه اسم شيء من الاشياء الموجودة الممكنة او المكونة فهو خلقه والخلق الحادث لا يصح ان يكون مقترنا بالقديم الازلي ولا ان يكون موجودا معه فلما بين عليه السلام تنزيهه سبحانه عن مطلق الاقتران وكون الشيء معه في الازل وهذا التنزيه هو الاصل والاس الاساس في التوحيد لكن بشرط ان يكون بلا اشارة اما اذا كان مع الاشارة فليس بتنزيه وانما هو تحديد ولاجل عدم الفرق بين المقامين اشتبه الامر على جماعة من الفحول فقالوا بالجمع بين التشبيه والتنزيه فرارا عن التحديد والتجسيم فوقعوا فيهما وضلوا واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء الطريق

ولما ذكر عليه السلام حكم التنزيه اراد عليه السلام ان يبين تذوته سبحانه واستقلاله وانه باين عن صفات المخلوقين متاصل ومتقوم بمحض ذاته لا بشيء سواها ( شيء سواه خ ) فقال عليه السلام ولا من وقت كان ولا الى وقت يكون اي يكون له اول وآخر قد تحدد بالوقت والزمان كالممكنات اذ لا بقاء لها الا بالوقت وهو من اجزاء العلة الصورية والشيء لا يقوم الا بالمادة والصورة ولا بشيء قام من القيامات الاربعة القيام الصدوري كقيام المعلول بالعلة والاثر بالمؤثر والكلام بالمتكلم والشعاع بالمنير والقيام الركني العضدي كقيام الصورة بالمادة وقيام الشيء بالمادة والصورة والقيام الظهوري كقيام المادة بالصورة وظهور الشمس بالارض والجدار والقيام العروضي كقيام الاعراض بالجواهر كالالوان والهيئات بالاجسام وقد بسطنا القول في هذه القيامات في تفسيرنا على آية الكرسي وكتابنا اللوامع الحسينية فان فيهما في هذا البحث اسرار عجيبة غريبة لا تتحملها العقول والافهام الا بعناية خاصة من الملك العلام ولا الى شيء يقوم اي يكون تقومه وتحققه منتهية الى شيء من الاشياء كالذوات السيالة المتجددة التي اذا انتهت الى غاية كمالها وحفظت الصورة في اضمحلالها استقلت ككون الانسان ترابا ثم دخانا ثم سحابا ثم مطرا ثم ثمرا ثم كيلوسا ثم كيموسا ثم دما ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم اكتساءه لحما ثم انشاءه خلقا آخر فلما انتهت فطرته وخلقته الى هذه الصورة والهيكل استقلت وقامت بالروح فلا يزال كذلك لا تفقد هذه الصورة والهيئة والروح ان كان من اهل الايمان المستقر ولا كذلك ربنا عز وجل لا تعتريه الاحوال ولا الى شيء استند كيف وهو سبحانه سند من لا سند له وذخر من لا ذخر له واستناده تعالى بذاته لا بشيء ( لشيء خ ) سواه والا لم يكن وجوده عين ذاته لذاته بذاته هذا خلف واستناد الاشياء كلها بفعله تعالى اذ لا اقتران لها بذاته جل وعلا لانها هناك معدومة والعدم البحت لا يقترن بالوجود الصرف ولا في شيء استكن وهذا واضح ولما كانت هذه الامور التي نفاها عليه السلام عنه تعالى بعضها مما يثبت له تعالى بضرورة الاسلام والايمان بل بضرورة العقل مثل كونه تعالى معلوما ومجهولا ومذكورا وخالقا وفاعلا والخالقية تستند الى الفعل والخلق ولولاهما لم يتحقق الاسمان وكونه تعالى علة للاشياء والعلة من حيث هي تستدعي المعلول فصح التضايف والتساوق وكونه تعالى عالما وهو يستدعي المعلوم وكونه تعالى مريدا وهو لا يكون الا والمراد معه وامثالها مما يوصف هو تعالى به وذلك ينافي ما نفاه عليه السلام كليا بقول مطلق اراد عليه السلام ان يذهب هذه الواهمة ويبطل هذا الايراد ويوضح هذا الاشكال بقوله عليه السلام وذلك ( هذا خ ) كله قبل الخلق اي ما ذكرنا من الامور المنفية من كونه تعالى ليس بمعلوم ولا مجهول ولا مذكور ولا منسي ولا محكم ولا متشابه وغير ذلك انما هو قبل الخلق اذ لا شيء غيره حتى يكون باعتبار ذلك الغير معلوما او مجهولا او مذكورا او يجعل له اسما يدعوه بذلك هو هو ولا سواه فاذا كان كذلك تنفي عنه تعالى جميع الصفات والاسماء التي فيها نسبة وارتباط واقتران واما وصفه تعالى بتلك الاوصاف واثبات بعض تلك الامور فانما هو بعد الخلق ونسبته اليه تعالى فيكون معلوما عندهم بالآثار مجهولا بالذات مذكورا عندهم يذكرونه تعالى عند الطلبات ودواعي ( داعي خ ) القابليات فحصول هذه الاسماء انما هو عند الخلق ومع الخلق واما قبل الخلق فلا اسم ولا ذكر ولا مذكور ولما كان في هذا ( كان هذا خ ) الجواب توهم ( يوهم خ ) تغييره تعالى بخلقه وتجدد الحالات له تعالى وقد قامت الضرورة على بطلانه وقال امير المؤمنين عليه السلام لم تسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا اراد عليه السلام رفع هذه الواهمة فقال روحي له الفداء وما اوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم اي ما اوقعت عليه تعالى من الصفات والاسماء بقول مطلق فهي ليست ذاتية توصف الذات بها حتى يلزم التغيير وتجدد حال له وتفاوته قبل الخلق وبعد الخلق وانما هي صفات واسماء حدثت عند تعلق فعله تعالى بمفعولاته فهي حادثة منتهية الى الفعل لا الى الذات فهي صفات الافعال لا صفات الذات ولكن الفعل لما كان مضمحلا وفانيا عند الذات لا ذكر له معها ينتقل الذهن عند ملاحظة هذه الصفات الى الذات ولذا قالوا ان الذات غيبت الصفات وهذه الذات الملحوظة المدركة بتلك الاوصاف ليست هي كنه الذات وانما هي مثالها الذي نسميه بالذات الظاهرة وهي الذات المعبرة ( المعتبرة خ ) في المشتقات وتمام الكلام في هذا المقام في شرح الخطبة الطتنجية فاذا لا يلزم التغيير والاختلاف المتوهم ولما كان الممكن كما قال مولينا الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فلا يصل احد الى كنه الذات وصرف الحقيقة اين التراب ورب الارباب اتى عليه السلام بلفظ الكل اي كل الاسماء والصفات مما فيه اقتران وارتباط كما في صفات الاضافة والخلق ام لا كما في صفات القدس مما تدركه وتعرفه وتتلفظ به وتلاحظه وتتوجه اليه كل ذلك صفات محدثة احدثها الله تعالى لك لتعرفه ( لتعرف خ ) بها وهي المثال الذي القاه في هويتك كما قال امير المؤمنين عليه السلام ولذا قال عليه السلام وترجمة اي بيان وتعليم للخلق يفهم بها من يفهم التوحيد والمعرفة وسائر العقايد قال تعالى وعلى الله قصد السبيل وقال ايضا تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ولذا قال عليه السلام في خطبته في التوحيد في مجلس المأمون اسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وذاته حقاقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه

قال عليه السلام واعلم ان الابداع والمشية والارادة معناها واحد واسماؤها ثلثة وكان اول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شيء ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل شكل وبتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق او باطل او فعل او مفعول او معنى او غير معنى وعليها اجتمعت الامور كلها ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير انفسها يتناهى ولا وجود لها لانها مبدعة ( مبتدعة خ ) بالابداع والنور في هذا الموضع اول فعل الله تعالى الذي هو نور السموات والارض والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام

اقول لما وصف الحق سبحانه بما هو عليه مما وصف نفسه لنا بنا ما هو عليه قبل الخلق وبعد الخلق واحكام الصفات الارتباطية والاضافية واحكام صفات القدس الغير المنوطة بالاضافة والارتباط وبيان كيفية اطلاق الصفات والاسماء عليه تعالى ومعرفة المراد منها وان المخلوق لا ينتهي الا الى المخلوق وان الشيء لا يقرء الا حروف نفسه وذكر ما لا يجوز وصفه سبحانه عليه ابدا وما يجوز وصف فعله عليه حين الفعل وما لا يجوز عليه وغير ذلك من احوال التوحيد كلها اراد عليه السلام ان يبين لعمران حقيقة الجعل والمجعول فقال عليه السلام اشارة الى الاول واعلم ان الابداع والمشية والارادة معناها واحد واسماؤها ثلثة وذكر عليه السلام ايضا ليونس بن عبد الرحمن على ما رواه في الكافي بالفرق بين المشية والارادة فانه عليه السلام قال يا يونس اتدري ما المشية قال لا قال عليه السلام هي الذكر الاول اتدري ما الارادة قال لا قال عليه السلام هي العزيمة على ما يشاء قال اتدري ما القدر قال لا قال عليه السلام هو الهندسة ووضع الحدود وصرح مولينا الصادق عليه السلام بالفرق حين قوله لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر اه‍

فيجب ان تكون المشية غير الارادة حتى تعد قسما آخر وفي قول عليّ بن الحسين عليهما السلام ( في الصحيفة خ ) فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة وبارادتك دون نهيك منزجرة اشارة الى الفرق حيث نسب القول والامر الى المشية ونسب النفي والنهي والانزجار الى الارادة وفي كلام مولينا الكاظم عليه السلام صراحة بالفرق بما لا مزيد عليه كما في الكافي عن معلي بن محمد قال سئل العالم عليه السلام كيف علم الله قال علم وشاء واراد وقدر وقضى وامضى فامضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما اراد فبعلمه كانت المشية وبمشيته كانت الارادة وبارادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الامضاء والعلم متقدم والمشية ثانية والارادة ثالثة والتقدير واقع على القضاء بالامضاء فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما اراد لتقدير الاشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فالعلم بالمعلوم قبل كونه والمشية في المشاء قبل عينه والارادة في المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواس من ذي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من انس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يفعل ما يشاء فبالعلم علم الاشياء قبل كونها وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وانشائها قبل اظهارها وبالارادة ميز انفسها في الوانها وصفاتها وبالتقدير قدر اقواتها وعرف اولها وآخرها وبالقضاء ابان للناس اماكنها ودلهم عليها وبالامضاء شرح عللها وابان امرها وذلك تقدير العزيز العليم اه‍

ففي هذا الحديث الشريف وامثاله من الاحاديث تصريح بان المشية غير الارادة واما مغايرة الابداع للارادة فلم‌نقف في اخبارهم وآثارهم ما يدل على ذلك فالوجه في الجمع بين هذه الاخبار وبين قوله عليه السلام على ما في هذا الحديث الشريف بعدم الفرق انهما اذا اجتمعتا افترقتا واذا افترقتا اجتمعتا فاذا قلت شاء واراد فالفرق بينهما ان المشية هي مبدأ الكون والفعل المتعلق بالوجود اي المادة الاولية والهيولي الاولى ولذا قال عليه السلام هي الذكر الاول اذ لا يصح ان يكون الشيء مذكورا في ذاته تعالى وانما يكون مذكورا في رتبة الحدوث ولما كانت ( كان خ ) الحوادث كلها لا تخلو من المادة والصورة وتنتهي في جميع احوالها اليهما والمادة لا شك انها ذات واصل والصورة عرض طار عليها فيكون وجود المادة من تمام قابلية الصورة للتمكين من التكوين فتكون المادة في التكوين مقدمة على الصورة ولما كان الفعل انما كان عند المفعول وهو قول مولينا الصادق عليه السلام لا تكون الارادة الا والمراد معه كان اول الذكر التكويني ( التكوين خ ) الحدوثي للاشياء الفعل المتعلق بالمادة التي هي الوجود الاجمالي الامر الواحد المنبسط الساري في اطوار الحدود والتعلقات الجاري فيها جريان البحر في الامواج فهو الماء الاول الذي كان العرش اي المشية عليه اي ظاهرا فيه ومستويا عليه فافهم ولما كانت المادة اي الوجود لا تحقق ولا تأصل لها الا بالماهية التي هي الصورة لتحقق التركيب الذي هو رسم كل الحوادث الممكنات وتحقق الضدين الذي به يباين القديم عن المخلوقات فتكون الماهية علة ثبات الوجود وتحققه وظهوره الكوني فيكون الفعل المتعلق بالصورة عبارة عن العزيمة التي تؤكد ذلك الذكر ( للذكر خ ) الاول وتثبته وقد ( لذا خ ) قال عليه السلام ان العزيمة هي الارادة ولما كان الاجمال مقدما في الوجود على التفصيل والوحدة على الكثرة والوجود على الماهية كانت المشية اصلا تحققت بها الارادة ولما كان ما هو اقرب الى المبدأ الحق اشد تأصلا وثباتا وما هو ابعد اشد اضمحلالا ودثورا وفناء كان الوجود والامر والاثبات والقول منسوبة الى المشية والنهي والعدم والنفي والماهية منسوبة الى الارادة ولما كان بهما تحقق الشيء لا يكفي احدهما في ايجاد الشيء وتكوينه جعل لهما اسما ظاهرا واحدا وهو كلمة كن والكاف لاستدارتها التامة ولكونها تمام الواحد الظاهر فيه الاحد اسم للمشية والنون لنقصان الاستدارة ولكونها تمام العشرة الظاهرة فيها مراتب التوحيد في عالم الكثرة والاختلاف اسم للارادة وهما اصلان يدور عليهما الاكوان والاعيان ولكن لما كان بينهما كمال الاتصال بحيث لا يقوم احدهما بدون الآخر ولا يتم الشيء الا بهما بل هما اسمان لفعل واحد باعتبار متعلقين فان الفعل باعتبار تعلقه بالوجود سمي مشية وباعتبار تعلقه بالماهية سمي ارادة فالفعل واحد في المقامين والتعدد في التعلق صار احدهما يطلق على الآخر عند الوحدة والافتراق فاذا قلت المشية واطلقت صح ارادة الارادة منها واذا قلت الارادة واطلقت صح ارادة المشية منها والدليل على صحة الاطلاق هذا الحديث الشريف والاخبار الكثيرة الواردة لحدوث الارادة فان في كثير منها لفظ الارادة وحدها وفي الاخرى المشية وحدها مع ان المقصود هما معا كما في التوحيد عن مولينا الرضا عليه السلام ان المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد اه‍

فصح الامر كما ذكرنا بما ذكرنا لما ذكرنا وكذلك الحكم في الخالق البارئ المصور فان هذه الاسماء الثلثة اذا ذكرت متفرقا جازت ارادة كل واحد منها من الآخر فيكون اسماء ثلثة لها معنى واحد واما اذا ذكرت مجتمعة فالخالق هو الفاعل بالمشية والبارئ هو الفاعل بالارادة والمصور هو الفاعل بالتقدير وكذلك الخالق والفاعل اذا اجتمعا افترقا ( افترقتا خ ) فصح اطلاق كل منهما على الآخر واما اذا اجتمعا افترقا ( افترقتا خ ) فالخالق هو محدث المادة والفاعل هو محدث المادة والصورة معا ولذا يقال ان الله خالق الخير والشر كما في الحديث القدسي المذكور في الكافي وفي قوله تعالى قل الله خالق كل شيء الشامل بعمومه للكل ولا يقال ان الله تعالى فاعل الشر او فاعل القبيح سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وكذلك الحكم في الخالق والجاعل اذا افترقا كان لهما معنى واحد واذا اجتمعا كان الخالق بمعنى محدث المادة والجاعل بمعنى محدث الصفات واللوازم والهيئات والصور وملزم الصورة ( للصورة وخ ) للمادة والجامع بين اللوازم وملزوماتها وهو قوله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور وبمعنى المقلب والمصير كما في قولك جعلت الطين خزفا وكذلك الحكم في الاسم والصفة فاذا افترقا اطلق كل منهما على الآخر ولذا لما سئل مولينا الرضا عليه السلام عن الاسم قال عليه السلام الاسم صفة لموصوف واذا اجتمعا افترقا فالصفة هي صرف ( حرف خ‌ل ) ظهور الموصوف ومشاهدته من غير التفات الى جهة مخصوصة وهو قوله عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له فالصفة هي الدليل والكاشف واما الاسم فهو ظهور المسمى في محل خاص كالقائم اسم للظاهر بالقيام والقاعد اسم للظاهر بالقعود فاذا اطلقت هذه الاسماء وتوجهت الى صرف الذات ولم تلتفت الى جهة من الخصوصيات فهي الصفة فاذا لاحظت الظهور في تلك المحال والاماكن فهي اسم واما اطلاقهم الصفة على نفس المصادر التي هي المبادي للاسماء المشتقة والاسم على نفس تلك الاسماء والمشتقات فجهل بالواقع وحقيقة الامر فان الصفة اذا اطلقت على تلك المبادي لا يريدون من هذا الاطلاق الا جهة ظهور المؤثر الفاعل في تلك المبادي لا من حيث نفسها فانها من حيث نفسها حجاب لا صفة فملاحظتها من تلك الجهة هو المشتق وهو الذي ذكرنا لك آنفا فافهم فان هذا المقام ليس موضع استقصاء هذا المرام

واما الابداع والاختراع فقالوا انهما ايضا كذلك فاذا افترقا كان كل منهما يطلق على الآخر واذا اجتمعا فالاختراع هو الخلق لا من شيء اي لا من مادة اي احداث المادة بنفسها والابتداع هو الخلق والايجاد لا لشيء اي لا لغاية ولا على احتذاء مثال اي خلق الصورة الاولى التي نسميها القابلية الاولى بلا صورة قبلها كما قال امير المؤمنين عليه السلام ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا نصب وقال سيد الساجدين ( عليه السلام خ ) في الصحيفة وابتدعت المبتدعات بلا احتذاء فاذا كان متعلق الابتداع الصورة فيكون متعلق الاختراع المادة فيكون الاختراع قبل الابتداع والنسبة كالنسبة بين المشية والارادة فبالاختراع كان الابتداع ومما يؤيد ما ذكرنا ويشيده ما في كلام سيد الساجدين في الصحيفة في دعاء عرفة انت الذي ابتدء واخترع واستحدث وابتدع واحسن صنع ما صنع فجعل الاختراع عند الابتداء فهو الذكر الاول وظهور الحدوث والافتقار والكثرة لما كانت في الصورة والماهية نسب اظهار الحدوث والمكونات الى الابتداع وذلك ما كنا نبغ فتم الصنع على احسن النظام بهما اي بالاختراع والابتداع ولذا اردفهما عليه السلام بقوله واحسن صنع ما صنع فالاختراع هو احداث المادة والابداع هو احداث الصورة وقولي احداث المادة والصورة مسامحة في التعبير والا فالاختراع هو الفعل المتعلق بالمادة و( والمحدث لها خ ) الابداع هو الفعل المتعلق بالصورة والاحداث هو المصدر الحاصل من الفعل فافهم ثم انه عليه السلام انما قارن الابداع بالمشية والارادة وجعله معهما على معنى واحد لنكتة وهي اثبات توضيح حدوث المشية والارادة من كلامه عليه السلام بما لا يخفى على احد فان الابداع هو الاحداث لا من شيء اتفاقا ولا احد من العلماء بل ومن العقلاء قال بقدم الابداع فاذا كان الابداع المتفق على حدوثها هو بمعنى الارادة والمشية فكيف يتصور مع ذلك قدمهما ولذا فسر عليه السلام الارادة في موضع آخر على ما في الكافي بالاحداث وقال عليه السلام واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون الحديث

قوله عليه السلام وكان اول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شيء اعلم ان الحروف على ما هو المعروف عند الناس كما حملوا عليه الحروف المذكورة في هذا المقام اربعة اقسام :

احدها الحروف الرقمية ويسمونها بالنقشية وهي امور حصلت من انبساط الالف اللينية باطوار الحدود والقيود من انحاء الاعوجاجات والاستقامة كما قالوا ان الاختراع اختراعان والابداع ابداعان الاختراع الاول المشية والثاني الالف من الحروف والابداع الاول الارادة والابداع الثاني الباء من الحروف وقالوا معنى كون الالف اختراعا انها نزلت بتكررها فكانت عنها الباء والاصل في الالف انها لا حركة لها فلما تنزلت بالحركة حدثت عنها الالف القائمة المتحركة التي طولها الف‌الف ذراع كما كانت الالف اللينية قبل تنزلها بالحركة طولها الف ‌الف قائمة ثم مالت الالف المتحركة على الباء فحدثت من ميلها الجيم والباء نزلت بتكررها فكانت عنها الدال ومالت على الدال فحدثت الهاء وهكذا ساير الحروف انما حصلت ووجدت من هذين الاصلين اللذين هما الالف والباء

وثانيها الحروف اللفظية فهي امور حصلت من الهواء المأخوذ الى الجوف المتحصص في مبدء الفم الذي هو الحلق الى منتهاه الذي هو الشفة بالضغط والقرع والقلع والقمع فتحصل صور واشكال محفوظة قائمة بالهواء يؤلف منها ما اراد اللافظ ويركبها بمناسبة المعنى الذي يريد ان يظهره بها فاذا الفها وركبها كانت الهيئة المجموعة المؤلفة مرآة قابلت وجه قلب المتكلم واشرق ذلك المعنى الموجود في القلب على تلك المرآة وانطبعت صورته في الحس المشترك ومنه الى الخيال ومنه الى النفس ومنه بانتزاع الصورة الشخصية الى العقل فما في اللفظ من المعنى شبح للمعنى الاصلي وما في قلب المخاطب من مفهوم اللفظ شبح الشبح وسيأتي لهذا الكلام زيادة بيان ان شاء الله تعالى

وثالثها الحروف العددية وهي تطلق على قوى الحروف من الاعداد التي هي لها بمنزلة الارواح ومنها تستخرج الروحانيات والملائكة العلويات والخدام السفليات ويعمل بها انحاء ( انواع خ ) التصرفات وتطلق ايضا على حروف القوى والاعداد مثلا ( مثل خ ) الميم اربعون ويؤخذ حروفه وهي هكذا : ا ر ب ع ون ثم يؤخذ حروف قواه هكذا : وا ح د م ا ت ي ن ا ث ن ي ن س ب ع ي ن س ت ة خ م س ي ن وعلى هذا القياس سائر حروف القوى من حروف الثلث والربع والخمس الى آخر الكسور التسعة

ورابعها الحروف الفكرية وهي صور الحروف المتنزلة من عالم الغيب الى ( عالم خ ) المعاني العقلية وتسمى بالحروف العقلية والجبروتية والمتنزلة منها الى الرقايق الروحية ومنها الى الصور الشخصية النفسية المجردة ومنها الى الصور الشبحية المثالية البرزخية وتطلق ايضا على معاني الالفاظ والحروف المتنزلة من تلك المراتب الى عالم الشهود والاجسام ( الاجساد خ )

واطلاقات الحروف على ما هو المعروف عند علماء الفن وغيرهم لا تخلو عن هذه الاربعة وكل هذه الاربعة ( وهذه الاربعة كلها خ ) متأخرة عن خلق الذوات وحقايق الموجودات المتأخرة عن الابتداع والاختراع لان هذه الحروف في الحقيقة امثال وصفات وحكايات للذوات وقوالب لظهورها بآثارها فكيف تكون اصلا واول مخترع كما صرح به الامام عليه السلام وذكر انها اصل لكل شيء وعليها اجتمعت الامور كلها

الجواب ان مراده عليه السلام من الحروف هي الحروف الكونية والذوات المتأصلة الحقيقية وانما عبر عنها بالحروف لانه عليه السلام اراد ان يجعل هذا الكلام مقدمة لجواب عمران عن السؤال عن الله تعالى هل يوحد بحقيقة ام يوحد بوصف فانه عليه السلام يريد ان يبين له انه تعالى يوحد بالوصف الذي وصف به نفسه وبين لخلقه والبيان لما كان باداء الكلمات وهي انما تكون بتأليف الحروف وهو سبحانه تجلى للاشياء بها ووصف نفسه لها بها فكان هو سبحانه وتعالى بمشيته وارادته واختراعه المتكلم والخلق هي الكلمات واجزاء الخلق هي الحروف ولا شك ان الاجزاء اصل للهيئة ( الهيئة خ ) التأليفية التركيبية وقد نطق الله سبحانه في كتابه العزيز بذلك حيث قال ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وقال عز وجل وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه والكلمات هم آل محمد صلى الله عليه وعليهم وقال عز وجل واذ ابتلى ابرهيم ربه بكلمات فاتمهن وقال عز وجل لو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله قال عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى وقال عز وجل ولقد وصلنا لهم القول اي الامام عليه السلام وعن ابي ‌جعفر عليه السلام انه قال ان الله تبارك وتعالى تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا وعليا وعترته ثم تكلم بكلمة فصارت روحا واسكنه في ذلك النور واسكنه في ابداننا فنحن روح الله وكلمته احتجب بنا عن خلقه فمازلنا في ظل العرش خضراء مسبحين نسبحه ونقدسه حيث لا شمس ولا قمر ولا عين تطرف ثم خلق شيعتنا وانما سموا شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا اه‍ واطلاق الكلمة على الذوات مما لا يستريبه عاقل متتبع في الاخبار والآثار وكلمات العلماء الابرار فقوله عليه السلام وكان اول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شيء وهي ثمانية وعشرون حرفا من الحروف الظاهرة الكونية وتسعة وعشرون بملاحظة ظهور الاصل الواحد في صيغ التصاريف وثلثة وثلثون بملاحظة تفاسير الكلمة التي هي الاصل الواحد كما سيأتي ان شاء الله تعالى بيانها مشروحا ولكنا نجري الكلام في هذا المقام على الثمانية والعشرين التي نزلت عليها الكلام الكريم ولها وجوه كثيرة نقتصر على وجهين منها :

احدهما ان الثمانية والعشرين جميعها على قسمين احدهما الحروف النورانية وهي اربعة عشر مظاهر يد الله ووجه الله واسمي الجواد والوهاب وهي هياكل التوحيد الاربعة عشر والذوات الطيبة التي عليها كل امر مستقر والشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها وثانيها ( ثانيهما خ‌ل ) الحروف الظلمانية وهي الذوات الخبيثة الملعونة المسخوطة المنقوشة على صخرة سجين اسفل السافلين فمن القسم الاول تفيض الخيرات وتنفجر الحسنات وتظهر الخيرات ومن القسم الثاني تنبعث الشرور والطغيان وتتراكم ظلمة العدوان وتتكثر جنود الشيطان وبهما كان ( كانت خ ) الطتنجان خليجان احدهما ماء عذب فرات سائغ شرابه والآخر ماء اجاج فهذه الحروف بدرحيه (كذا) ( تدرجيّة ظ خ بدرجتيه خ‌ل ) في عليين وسجين اصل لكل شيء لان كل شيء خلق من قبضة من النور الذي هو من شعاع الحروف النورانية ومن قبضة من الظلمة التي هي من فاضل ظلمة الحروف الظلمانية وخلق الاشياء بجميع احوالها واطوارها واكوارها وادوارها واوطارها وجميع ما لها ومنها وبها وعليها وعنها ولديها وفيها وعندها كلها من هذه الحروف تحققت وبها تأصلت وعنها نشأت واليها عادت وعليها دلت وهي دليل على كل مدرك بكسر الراء وفتحها اما الاول فلان القوى المدركة اما نورانية نزلت من عليين واما ظلمانية صعدت من سجين على اختلاف مراتبها من النورانية والظلمانية في الصفاء والكدورة والبساطة والتركيب وغير ذلك كل هذه المراتب من هذه الحروف حصلت وهي دليلة عليها فالحروف النورانية دليلة على جميع قوى ( القوى خ ) النورانية من قوله تعالى ثم جعلنا الشمس عليه دليلا والحروف الظلمانية بالعكس حرفا بحرف وفاصلا لكل شكل لان الاشكال انما يقع عند الجهل بعلل الشيء وجهاته ومباديه واسبابه فاذا كانت المبادي هي هذه الحروف الثمانية والعشرون فمن احاط بها وعرفها ووقف عندها وجعل نسبة كل حرف في مواقعها ( موقعها خ ) ارتفع عنده الاشكال وظهر الامر ووضح وبتلك الحروف تفريق كل اسم حق او باطل او فعل او مفعول فبالحروف النورانية التي هي مبدأ للاسماء الطيبة واسماء الافعال حيث تعلقها الى النور والخير المعبر عنها باليد اليمنى واسماء المفعولين من حيث انفسهم من حيث نظرهم الى بارئهم والحروف الظلمانية التي هي مبدأ للاسماء السوءي الخبيثة واسماء الافعال من حيث تعلقها الى الشرور والمعاصي والظلمات المعبر عنها بيد الشمال وان كان كلتا يديه يمين واسماء المفعولين من حيث انفسهم الباطلة وذواتهم الخبيثة تفريق كل اسم حق او باطل اه‍ ثم اجمل عليه السلام الكلام وجمع الكل وقال روحي فداه وعليها اجتمعت الامور كلها لان الله عز وجل يقول وان من شيء الا عندنا خزائنه واصلها الخزانتان اللتان هما الحروف النورانية والظلمانية وكل شيء مركب من هذين الاصلين فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال

وثانيهما ان الثمانية والعشرين هي الحروف الكونية التي عليها مدار الشيء في القوسين الصعودية والنزولية وهي ثمانية وعشرون حرفا لثمانية وعشرين مرتبة : الحرف الاول الالف وهي اسم للعقل والثاني الباء وهي اسم للنفس والثالث الجيم وهي حرف للطبيعة والرابع الدال وهي حرف للمادة الكلية والخامس الهاء وهي حرف المثال وشكل الكل والسادس الواو وهي حرف جسم الكل والسابع الزاء وهي حرف العرش والثامن الحاء وهي حرف الكرسي والتاسع الطاء وهي حرف فلك البروج والعاشر الياء وهي حرف فلك المنازل والحادي عشر الكاف وهي حرف فلك الزحل ( زحل خ ) والثاني عشر اللام وهي حرف فلك المشتري والثالث عشر الميم وهي حرف فلك المريخ والرابع عشر النون وهي حرف فلك الشمس والخامس عشر السين وهي حرف فلك الزهرة والسادي عشر العين وهي حرف فلك عطارد والسابع عشر الفاء وهي حرف فلك القمر والثامن عشر الصاد وهي حرف كرة النار والتاسع عشر القاف وهي حرف كرة الهواء والعشرون الراء وهي حرف كرة الماء والحادي والعشرون الشين وهي حرف كرة التراب والثاني والعشرون التاء وهي حرف الجماد والمعدن والثالث والعشرون الثاء وهي حرف النبات والرابع والعشرون الخاء وهي حرف الحيوان والخامس والعشرون الذال وهي حرف الملائكة والسادس والعشرون الضاد وهي حرف الجن والسابع والعشرون الظاء وهي حرف الانسان والثامن والعشرون الغين وهي حرف الجامع الكلي عليه السلام

وهذه الحروف هي اصول الموجودات وعليها اجتمعت الامور كلها لان جميع ذرات الكائنات مما هو في الوجود المقيد كلها لا تخلو من هذه الحروف الا ان تركيب بعضها من بعضها ( بعض خ ) اظهر والا فكل شيء فيه هذه الحروف كالانسان فانه مركب من القوي الاربع ( الاربعة خ ) التي هي الصفراء والدم والبلغم والسوداء مع انك تقول في بعض الامزجة انها صفراوية او دموية او بلغمية وهكذا وذلك لغلبة ظهور تلك القوة وخفاء القوى الاخر لا عدمها بالمرة وكذلك اذا رأيت في بعض الموجودات لا ذكر لبعض هذه الاحرف فيها وذلك واضح ظاهر ان شاء الله فهذه الحروف ( الاحرف خ ) هي الاصل لكل شيء والدليل على كل شيء لان الاشياء تعرف بحدودها ومباديها واسبابها وهي هذه الاحرف وبها تفريق كل اسم حق او باطل لان الادراك والعقل والتميز بها يحصل فيحصل الفرق بين الامور التي ذكرها عليه السلام ثم لما كان الفعل هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر كما قال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وهذه الكلمة تتحقق بنقطة والف وحروف وتأليف كانت الحروف اشارة الى حروف الكلمة الايجادية وهي المرتبة الثالثة منها والمشية اشارة الى النقطة منها والارادة الى الالف ولما كانت النقطة والالف لا ظهور لهما الا بالحروف جعلها اولا ويحتمل ان تكون الحروف اشارة الى المرتبة الثالثة من مراتب الفعل عند التعلق بالمفعول فان اول مراتبه عند التعلق هو المشية بمعنى الذكر الاول وثانيها الارادة وهي العزيمة وثالثها القدر وهي الهندسة والحدود والاوضاع والكلمة مجموع عالم الوجود المقيد فنقطتها هي الكون والوجود مبدء هذا العالم والفها هي الماهية والصورة متعلق الارادة والفها ( حروفها خ ) هو القدر وهو الحدود والاوضاع والاشخاص والقرانات والعلل والاسباب والمبادي وكل ما في الوجود المقيد منشأه واصله ودليله هذا المقام ويحتمل ان تكون الحروف اشارة الى الحروف العاليات حروف الاسم الاعظم وهي اربعة في الدال وسبعة في الحمد وستة فيه بالتنزيل واثني عشر فيه بالضرب واربعة عشر فيه بالجمع والتثنية وثمانية وعشرون في الدنيا والآخرة وتسعة وعشرون فيهما والبرزخ وثلثة وثلثون عند السير في ميادين التوحيد في رتبتي الاجمال والتفصيل

وهذه الحروف هي اول ما خلقه الله تعالى بالابداع والمشية والارادة وجعلها اصلا لكل شيء ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل ولذا قال انه حلال المشاكل وبها تفريق كل اسم حق او باطل لانه فصل الخطاب وفي الزيارة وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم ونوره وبرهانه عندكم وامره اليكم فاذن اجتمعت الامور كلها عليها وذلك واضح ظاهر ولما كان لكل حقيقة غيبية مظهر في عالم الحس والشهود صارت الحروف اللفظية والرقمية صفة حاكية لها في هذا العالم والحروف الفكرية والعددية حاكية لها وواصفة اياها حيث ان الاثر على هيئة مؤثره ويشابه صفة فعله فجرت الحروف اللفظية حاملة لظهورات آثار الحروف المعنوية الباطنية فحكت مثالها وظهرت على عددها وصفتها وهيئتها ودلالتها وترتبت عليها ( عليه خ ) آثارها ولما كان كل شيء من حيث هو هو مع قطع النظر عن جميع الاضافات والقرانات والروابط والعلل والاسباب والمبادي والاحوال والافعال والاطوار والاوطار والاكوار والادوار وساير مقتضياتها لا يحكم عليه ولا به لانه مجرد عن جميع النسب فاين الحكم والحمل وانما النسب والاضافات والاحكام لانحاء الروابط الغيرية قال عليه السلام كما هو الواقع ولم يجعل للحروف في ابداعه ( ابداعها خ ) لها معنى غير انفسها يتناهى في الجعل الاول اذ ليس لها معنى الا نفسها وهي النفس التي من عرفها عرف ربه او المراد بالنفس هي الشيء من حيث هو هو لا بملاحظة الامر المضاف او المنسوب اليه ولذا قالوا ان اجتماع النقيضين وارتفاعهما في المرتبة يجوز ويريدون مرتبة الشيء من حيث نفسه مع قطع النظر عن النسب الخارجية من كونه مركبا او بسيطا او عاليا او سافلا وجميع الاحوال التي تصير مناطا للحمل والحكم المستلزمين للنسبة والصفة وكذلك الحروف اللفظية من حيث نفسها لا تدل الا على نفسها اما الدلالة على الامور الغير المتناهية لا تكون الا بالتركيب والتأليف والبسط والمزج وغير ذلك من الاحوال كما سيأتي بعض بيانه ان شاء الله تعالى فيكون حاصل معنى الكلام انه تعالى لم يجعل ابداع الحروف لمعنى معين متناه غير انفسها بل انما معانيها المتناهية هي انفسها لا غير واما ما يعني بتراكيبها فهي غير متناهية وهي في الحقيقة معاني تراكيبها لا معاني انفسها البسيطة

ثم انه عليه السلام اراد ان يبين ان الحقايق الكونية والذوات المتأصلة وان كانت تتراءي في بادي النظر انها امور متحققة ساكنة ثابتة الا انها دائمة الحركة سريعة الذوبان والفناء بل لا بقاء لها الا حين وجودها ( وخ‌ل ) وقت وجودها كما قال عز وجل وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب قال عليه السلام ولا وجود لها لانها مبدعة بالابداع اي لا بقاء لها ولا تحقق بل لا وجود لها الا حين صدورها عن الفعل ولذا ترى انك اذا سكت عن الكلام بطل واضمحل واذا اردت ان تبقيه وتثبته لا بد من ان تكرر الفعل والابداع ولذا شرط اهل النحو في الفعل الزمان والتجدد ولما كانت الاشياء انما كانت شيئا بالمشية فاذا كانت المشية متجددة غير قارة ولا ثابتة بالنسبة الى مبدئها وباريها كذلك الاشياء التي هي الحروف للكلمة الاولى التي تكلم الله بها بالمشية فلا وجود للحروف قارة في زمان بل وجودها وعدمها ومجيئها وذهابها مقترنان ممتزجان كالحركة والزمان لوجوب التشابه بين العلة والمعلول وقد دل الشرع كما في قول امير المؤمنين عليه السلام علة ما صنع فعله وهو لا علة له ودل العقل المسدد بالشرع ان المشية هي الابداع وهي العلة بالله لفعل الاشياء وهي متجددة سريعة الفناء والزوال ولذا قال حاملها ومحلها وسرها صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر كانت المعلولات ( المعلومات خ ) المصنوعات التي اولها الحروف كذلك فلذا ظهرت الحروف اللفظية على طبق الحروف الكونية وصارت بحيث لا بقاء لها ولا وجود الا حين صدورها من اللافظ المتكلم واعلم ان هذا المقام وان كان مقام اثبات الحركة الجوهرية وان الحوادث في بقائها واستمرارها تحتاج الى العلة كما تحتاج اليها في وجودها وتكونها وذكر النقوض الواردة ورفعها وبيان انه لا ينافي عينية الحشر والنشر واستحقاق الثواب والعقاب ولكني تركت ذكرها خوفا للتطويل وصونا من اصحاب القال والقيل ولما في قلبي من الكسل والملل عافانا الله واياكم من العيب والزلل

ثم اراد عليه السلام تمثيلا لهذه الحقيقة الدقيقة واللطيفة الغامضة بان الاشياء والذوات لا تأصل لها الا حين صدورها ولا بقاء لها اكثر من ذلك الا بعون ومدد جديد فاشار عليه السلام بما مثل الله تعالى به في كتابه العزيز بقوله الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الآية ولا ريب ان الاشعة متقومة بالشعلة المرئية التي هي السراج الوهاج وهو على ما وصف الله سبحانه مركب من نار ودهن فما دام الدهن والنار موجودتان في السراج فالاضاءة موجودة والاشعة ثابتة واذا عدما عدم السراج فعدمت الاشعة والدهن والنار المتعلقة به يأتيانه تدريجا ( تدريجيا خ ) لا دفعة فالسراج بتجدد الدهن والنار لم يزل طريا لا بقاء له الا حين وجوده فالاشعة كذلك لانها متحققة بالسراج ومعلولة له فاذا جرى التصرم والتفصي ( التقضي خ ) والتجدد في العلة ففي المعلول بالطريق الاولى ثم اراد عليه السلام تطبيق المثال بالممثل بالطف الاشارة فقال روحي فداه والنور في هذا الموضع اول فعل الله الذي هو نور السموات والارض والحروف هو المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والنور اي السراج في هذا المقام من الاستدلال والا ففي المقام الآخر اشارة الى امور اخر يطول الكلام بذكرها والسراج هو المركب من الدهن والنار المتجددين وهو الاشارة الى الفعل والمشية فاذا جرى التجدد في المشية والفعل ففي المشاء والمفعول بالطريق الاولى فالفعل هو نور السموات والارض والمفعول هو السموات والارض اللذان هما الحروف الكونية المعنوية وهي التي عليها الكلام الالهي فقوله تعالى الله نور السموات اشارة الى الاسم المكرم الحادث عند الفعل بالفعل لا غير وهو منور السموات والارض اي الهادي لهما بالهداية الوجودية والتكوينية الظاهرة بالهداية التشريعية في الوجود الشرعي والشرع الوجودي هذا اذا جعلت المصدر بمعنى الاسم الفاعل اما اذا جعلته بمعناه فتكون الاشارة الى العلة المادية فيكون الاسم المكرم الذي هو نور السموات والارض تأكيدا وصفة للاسم الذي هو منور السموات والارض كقولك ضربت ضربا في قوة قولك ضربت ضربت فالصورة ( والصورة خ ) واحدة والمعنى كما قال الحجة عليه السلام في دعاء رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء فافهم

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

ولما كان الحروف اللفظية على طبق الحروف الكونية عطف عليه السلام القول اليها وقال وهي الحروف التي عليها الكلام اي الحروف التي لا وجود لها الا حين صدورها هي الحروف التي عليها الكلام والسموات حينئذ الالف اللينية والالف القائمة المتحركة والارض الباء التي هي الالف المبسوطة والنور في هذا الموضع هو النقطة الجوهرية الغيبية الظاهرة في النقطة التي هي مبدأ الالف التي هي مبدء الباء فالنقطة الاولى هي النفس الرحماني الاولى والثانية هي الثانوي وهي النقطة التي تحت الباء اي لبها وسرها وغيبها وهي الالف القائمة والنقطة التي سرها وغيبها وتحتها هي الالف اللينية والتي سر الالف اللينية وغيبها وتحتها هي النقطة الثانية المعبر عنها بالنفس الرحماني الثانوي وهي الاولى في المقام الثاني وسرها وغيبها وتحتها النقطة الاولى التي هي نور السموات والارض والى الجميع الاشارة بقول مولينا امير المؤمنين عليه السلام وانا النقطة تحت الباء فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال

قال عليه السلام والعبارات كلها من الله عز وجل علمها خلقه وهي ثلثة وثلثون حرفا فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون تدل على لغات العبرانية والسريانية ومنها خمسة احرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلها وهي خمسة احرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلثة وثلثين حرفا فاما الخمسة المختلفة فتخجج لا يجوز ذكرها اكثر مما ذكرنا

قوله عليه السلام والعبارات كلها من الله عز وجل علمها خلقه فيه دلالة صريحة على ان الواضع للالفاظ كلها هو الله سبحانه حيث اتى عليه السلام بالجمع المحلى باللام المفيد للعموم واتى بلفظ العبارات لبيان ان المراد ليس نفس الحروف وانما هي العبارات المؤلفة منها المعبر بها عن المقصود فاذن لا فرق بين لفظ ولفظ بل الحكم لكل الالفاظ من الحقايق والمجازات والمنقولات والمرتجلات والاعلام الشخصية كلها على النهج الذي شرحنا وفصلنا في مباحثاتنا في علم الاصول واصل هذه العبارات كلها ثلثة وثلثون حرفا

واعلم ان الروايات في عدد الحروف التي هي الاصل في العبارات مختلفة ففي بعضها انها ثمانية وعشرون كما في جدول امير المؤمنين عليه السلام وجدول ادريس على محمد وآله وعليه السلام في ترتيب طبايع الحروف وهذا العدد هو المشهور المعروف عند اهل الشرع والعرف والفن وكل اعمالهم ينطبق على هذا وفي بعضها كما عن ابي‌ذر عن النبي صلى الله عليه وآله انها تسعة وعشرون بعدّ لا حرفا واحدا وفي بعضها كما في الحديث الشريف انها ثلثة وثلثون والذي لم يقف على حد الواقع يريها مختلفة ويحكم عليها باحكام متضادة واما في الواقع فليس فيها اختلاف اصلا اما الثمانية والعشرون فهي الاصل في الحروف الوجودية المتحققة التي يترتب عليها الاحكام المختلفة المشخصة ( المتشخصة خ ) فهي بازاء الوجودات المقيدة صعودا ونزولا كما اومأنا اليه وانما كانت ثمانية وعشرين لوجوه كثيرة نقتصر على بعض منها وهو ان الاصل في الموجودات والعلة في احداثها وابرازها ظهور الاسم الاعظم الظاهر في الاركان الاربعة التي هي حدود بسم الله الرحمن الرحيم كما قال مولينا موسى بن جعفر عليهما السلام ان الاسم الاعظم اربعة احرف الحرف الاول لا اله الا الله والحرف الثاني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والحرف الثالث نحن والرابع شيعتنا

ولما كانت الاشياء بنيت على الكمال وحد الكمال في الاعداد سبعة لجمعها المبدئين اللذين اليهما انتهت الكمالات العددية وهما مبدأ الفرد اي الثلثة ومبدأ الزوج اي الاربعة فكانت مراتب الاشياء سبعة ولكل من هذه الاربعة يجب ان يكون ظهور في كل من هذه السبعة فكان تمام الوجود وكماله بثمانية وعشرين مرتبة وكل مرتبة حرف من حروف الكلمة التامة الكونية الوجودية التي تعلق بها الكلمة التامة الفعلية والحروف اللفظية صفة للحروف الكونية المعنوية فوجب ان تطابقها ولا تخالفها وهذا الوجه هو اعلى الوجوه والوجه الآخر هو ان الاصل في الموجودات كلها الطبايع الاربع كما سبق القول فيه مجملا وفصلنا القول في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوة الخاصة والولاية الخاصة بدليل العقل ولما ان الله سبحانه خلق السموات والارض على المعنى الاعم في ستة ايام واكملها في اليوم السابع ووجد في كل يوم مرتبة من المراتب الكونية الوجودية وهذه المراتب مختلفة في العلو والسفل بحسب القرب والبعد لبطلان حكم الطفرة ظهرت هذه الطبايع في هذه المراتب على حسبها في الشدة والضعف فصارت لكل طبيعة سبع طبقات في قوتها وضعفها فكان تمام الامر في ثمانية وعشرين والحروف اللفظية ظهرت على طبقها ولذا قسمت الحروف على اربعة اقسام نارية وهوائية ومائية وترابية وقسم كل قسم على سبعة اقسام فسبعة نارية مترتبة ( مرتبة خ ) في القوة والضعف فالاولى اسمها المرتبة والثانية الدرجة والثالثة الدقيقة والرابعة الثانية والخامسة الثالثة والسادسة الرابعة والسابعة الخامسة اليها انتهت مراتب القوة والضعف في النارية فللاولي الالف وللثانية الهاء وللثالثة الطاء وللرابعة الميم وللخامسة الفاء وللسادسة الشين وللسابعة الذال في النارية وسبعة هوائية وهي ب وي ن ص ت ض وسبعة مائية وهي ج ز ك س ق ث ظ وسبعة ترابية وهي د ح ل ع ر خ غ والترتيب كما في النارية وذلك على احد الاقوال في ترتيب طبايع الحروف وفيه اقوال كثيرة مختلفة ويجمعها كلام واحد لا يسعني الآن ذكر الاقوال ورسم الجداول والاختلافات وتحقيق القول الجامع

وهذه الثمانية والعشرون هي الحروف المحدودة المقيدة المقترنة بالمادة والصورة المتولدة من اب واحد وهو المادة وامهات كثيرة وهي الصورة الشخصية وكل حرف لها ام غير الآخر والاب في الكل واحد فاذا لوحظت الاولاد فهي ثمانية وعشرون كما سمعت واذا لوحظ الاب معها كانت تسعة وعشرين فان المادة التي هي الالف اللينية هي الاصل في الحروف وكل هذه الحروف انما حصلت بظهورها في الصور الكثيرة فلما ظهرت بالاستقامة كانت الهمزة ولما ظهرت بالانبساط كانت الباء وهكذا فالالف هي المادة في الحروف كلها واذا جمعت بين الاصل والفروع والوالد والاولاد فيكون ما ذكرنا فوجب ان تذكر مع اللام ( الأم خ ) لانها الحاملة لظهوراتها ( لظهورها خ ) والحاوية لآثارها فلا تظهر الا باللام فاللام ( بالأم فالأم خ ) حاملة حافظة والالف هي الظاهرة بالسكون واللين وهي حرف العلة والاصل فيها واما الواو والياء فهما حرفا علة اذا سلمتا من شرك المخرج فشابهتا الالف فاعطتهما اسمها ثم غاب فيهما وظهر عنهما ولذا كانت الالف المقلوبة من الواو والياء والعكس حرف علة وسر الجميع في الواو فانها تستنطق من زبرها وبيناتها الاحد والاحد هو عدد الالف اللينية التي هي حرف العلة واذا اضيفت الواو على الاحد كان الواحد وهو عدد الالف القائمة المتحركة فافهم فما ورد في الحديث النبوي ان الحروف تسعة وعشرون يشير الى ما ذكرنا من ملاحظة الاصل مع الفرع كما عد محمد صلى الله عليه وآله مع ساير الائمة فيقال اربعة عشر مع انه الاصل والباقي فروع ودرجات واغصان لتلك الشجرة الطيبة كما في زيارة امير المؤمنين عليه السلام السلام على الاصل القديم والفرع الكريم

واما الثلاثة والثلاثون فبملاحظة الاصل اي العلة الفاعلية مع معلولاتها لان النقطة التي كانت عنها الالف التي كانت بحدودها وقيودها الحروف وان كانت واحدة لا تقبل القسمة بالاضافة الى الاعداد والحروف الا انها اثر وصفة للكلمة الايجادية كلمة كن التي بها تحققت الحروف الكونية الباطنية والظاهرية والنقطة اثرها وحاملها والحاكية لها فتكون فيها ظهور اطوار العلة وكلياتها اربعة النقطة الاولية التي هي الباطن والالف التي هي انبساطها في الوجود المطلق التي هي الباطن من حيث هو باطن والحروف التي تقطع الالف ( الحروف خ ) بتعدد الوجوه والالتفاتات التي هي الظاهر والكلمة التامة المقترنة المتصلة بالاثر الذي هو النقطة التي هي مبدء انبساط الحروف التي هي الظاهر من حيث هو ظاهر ونفس الاثر الذي هي النقطة الثانية التي هي الدلالة لتلك الكلمة المباركة الاصلية وهي الظهور وهذه الخمسة غيب وكامن في النقطة الظاهرة بالالف وهي مقامات ظهور المبدء وعلاماته وآياته فاذا لوحظت هذه الاصول التي هي ظهورات الاصل الواحد مع الثمانية والعشرين كانت كما قال سيدي ومولاي الرضا عليه السلام في هذا الحديث الشريف ثلثة وثلثين وهذا العدد جامع جميع مراتب الحروف والاعداد ومقاماتها على الاطلاق وان كانت خمسة منها لا تظهر الا متحرفة كما سيأتي وانما اشار عليه السلام الى تلك الخمسة لانه عليه السلام في صدد بيان توصيف الله سبحانه نفسه لخلقه بخلقه واصل التوصيف والبيان انما هي بتلك الحروف العاليات واما الاسماء الاضافية والخلقية فهي لما كانت باعتبار التعلق بالحدود الخلقية والرسوم الامكانية ذكر باقي الثمانية والعشرين تتميما للوصف وتكميلا للرسم

قوله عليه السلام فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية وذلك لان اللغة لما كانت تابعة للذات والكينونة والعربية هي الصورة الانسانية التي خلقت من الجنة وتعود اليها واللغة العربية هي لغات اهل الجنة وهم يجب ان يكونوا بجميع مراتبها ومقاماتها في القوس الصعودية والنزولية مقبلة ومتوجهة الى الله تعالى لتؤدي كل مرتبة حقها في مقام العبودية والتوجه الى الحضرة الربوبية فكانت كل مرتبة منها مُعرَبة مُعرِبة معلنة بالثناء على الله تعالى ومؤدية حقها من العبودية والاعراب بمعنى الاظهار والافصاح فكانت اهل الجنة من العرب اي من اهل اظهار عظمة الله وقدرته واظهار المعارف والعلوم والاسرار وكانت كل مرتبة منها عربية اي فصيحة ظاهرة معلنة لما اراد الله سبحانه ولذا قلنا في شرح الخطبة الطتنجية عند قوله عليه السلام وارسله في العرب العرباء العرب هو الفصيح الكامل البالغ في الفصاحة الواصل كمال درجة التوحيد المحدود بحدود الايمان المصور بصورة الانسان البعيد عن جهة الطغيان ومقتضيات الشيطان ولذا نزل القرآن بالعربية ولذا كانت لغة اهل الجنة العربية وقد قال الامام الصادق عليه السلام ان شيعتنا العرب واعدائنا العجم قال الله تعالى قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلكم تذكرون وفي الحديث عليا ما رواه في المجمع ان من ولد في الاسلام فهو عربي وفيه الناس ثلثة عربي ومولي وعلج فاما العرب فنحن واما المولي فمن والانا واما العلج فمن تبرء منا وناصبنا وفي حديث آخر نحن قريش وشيعتنا العرب وعدونا العجم وقد سمعت عن بعض المشايخ انه قال ان امرء القيس لما حضرته الوفاة كان يتكلم بالفارسية ويؤيده ما في البحار عن امير المؤمنين عليه السلام انه عليه السلام اخرج رجلا من قبره بعد موته حيا وكان يتكلم بالفارسية فسئل عليه السلام عن ذلك مع كونه قد مات عربيا قال لما مت على غير موالاتك انقلب لساني الى ما ترى وقد ورد عنه عليه السلام على ما في العيون ان اهل الجنة يتكلمون باللغة العربية واهل النار يتكلمون باللغة المجوسية وبالجملة فالعرب هو الصفوة المختار في كل عالم وهو المؤمن الحقيقي الطيب الطاهر المحدود بالصور ( بالصورة خ ) الانسانية والعجم ضد ذلك كله والاصل في ذلك ان الله سبحانه لما اقام الخلق في العوالم الاول في الذرات وكلفهم الست بربكم فمنهم من قال بلى ومنهم من قال نعم فالاولون هم العرب والآخرون هم العجم

اما الاول فمن جهة اللفظ والمعنى اما الاول فلان العرب هو الظهور والفصاحة والمعرفة وهذا شأن المقربين فان الاسم الاعظم الظاهر بالاركان الاربعة قد ظهر فيهم في المراتب السبعة كما اشرنا اليه سابقا ففي كل مرتبة من المراتب الثمانية والعشرين ظهر فيها سر الاسم الاعظم ولان الله سبحانه هو الظاهر المعروف الذي لا خفاء فيه ولا نكارة بوجه من الوجوه فكل من تخلق باخلاقه وسلك سبيله ذللا اجرى عليه حكمه فكان عربا ظاهرا معروفا ولما كانت الحروف التدوينية صفات وحكايات للحروف التكوينية وقد ظهرت الذوات الطيبة بالاسم الاعظم بجميع مراتبه وتلك المراتب هي الاصل فيهم وجب ان يجعل الله سبحانه لهم ثمانية وعشرين حرفا في عالم الحدود والظهور بالقيود في عالم الوجود المقيد فوجب ان تكون الحروف في اللغة العربية في مقام التطور باطوار الحروف والكلمات والالفاظ والعبارات ثمانية وعشرين وحرف واحد التي هي الالف اللينية الظاهرة باللام تجب ( يجب خ ) ان تكون غائبة فيها ومستجنة فيها استجنان المداد في الكتابة وسارية فيها سريان البحر في الامواج والحروف الخمسة التي هي تمام الثلثة والثلاثين موجودة وكامنة فيها كمون صفة الربوبية في حقيقة العبودية وهي الحقيقة التي تظهر بعد كشف السبحات وازالة الحجب والانيات وهي واحدة في الوجدان عندنا لكنها خمسة في الوجود عند من هو اعلى منا بل في الواقع العلمي دون الواقع العملي والعلم والعمل وان كانا متوافقين لكنهما متخالفان في هذا المقام فافهم ه‍ فلنرجع الى ما ذكرنا في شرح الخطبة والعجم عدم الفصاحة والبكم في مقابلة العرب فيجب في المعنى ايضا كذلك لحكم المناسبة بين اللفظ والمعنى مع ان الذين اعرضوا عن نور الحق خرس صم بكم وذلك واضح ظاهر لمن كان له عينان ولسان بذكر الله في السر والاعلان

واما الثاني فلما ذكرنا من الاخبار الدالة على ان المؤمن هو العرب فلما اجابوا في العالم الاول فامد الله سبحانه المقرين المطيعين بطينة العليين ومن الماء النازل من شجرة المزن المغروسة تحت بحر الصاد ومد المنكرين الكافرين بطينة السجين ومن الدخان المتصاعد من شجرة الزقوم طلعها كأنه رؤس الشياطين المغروسة فوق بحر الطمطام قعر السجين اسفل السافلين نعوذ بالله من ذلك ثم كسرهم الله تعالى تحت الحجاب الاحمر ورجعهم الى الطين ومزج بين الطينتين وانزلهم الى هذا العالم الجسماني حصل لطخ وخلط فيهما ( فيها خ ) فصارت طينة سجين اختلطت لطخا لا اصلا بطينة عليين وبالعكس فظهر مقتضى ذلك اللطخ والخلط في الطينتين على مقدارهما في اللطخ فمن طيب في الذات طاهر في الطوية والجبلة ظهرت عليه باللطخ آثار العجمية كالمعاصي والشرور والسيئات في الاعمال التشريعية والتكوينية فظهر في التكوين على صور معوجة وهيئات منقلبة غير مستقيمة ومن ذلك اللسان واللغة الغير العربية فانها منبئة عن اعوجاج الفطرة اما ذاتا او لطخا و( او خ ) خلطا ومن خبيث في الذات وباطل في الطوية قد ظهر فيه بمقتضي اللطخ الآثار العربية من الصورة الانسانية وحسنها وجودة تركيبها وكونه على اللغة العربية فانها منبئة عن حسن الفطرة والطوية اما باللطخ او بالذات فتبقي احكام هذا اللطخ على مقدار قوته وضعفه الى ان تصفوا الطين بفتح الياء اما بالموت الظاهري او الباطني فيرجع كل الى اصله من العربية والعجمية فرجوع العرب الى الجنة ورجوع العجم الى النار فاذن لا يفتخر ( فلا يفتخر اذن خ ) الذي عنده اللغة العربية اذ نسبته اليها على الذي عنده اللغة العجمية اذ قد تكونان عرضيتين في الاثنين والفخر في الفقر الى الله والتوكل عليه وملازمة التقوي والعمل والورع فان الله سبحانه قطع حجة كل محتج بقوله الحق ان اكرمكم عند الله اتقيكم وقوله تعالى فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينكم يومئذ ولا يتساءلون وقال رسول الله صلى الله عليه وآله كل نسب ينقطع يوم القيمة الا نسبي اه‍ وانما ذكرت هذه الكلمات لغاية عندي فثبت مما اوضحنا انه يجب ان يكون الحروف التي جعلها الله سبحانه للبيان والافادة والاستفادة كلها في اللغة العربية لانها الاصل الثابت الباقي الذي لم يزل ولا يزول وكلما سواها مجتث على وجه الارض ما لها من قرار ولذا تمت الحروف فيها دون ما سواها بل نقصت من كل لغة من اللغات حروف كثيرة حسب بعد تلك ( تعلق خ ) اللغة من عالم النور وذكر تفاصيل القول في اللغات ونسبتها بالحروف وما نقص من الحروف في كل لغة ليس في وسعنا وقدرتنا وانما هو لمن احاط بها وجعلها وشهدها باشهاد الله عز وجل

قوله عليه السلام ومنها خمسة احرف متحرفة في ساير اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلها قالوا ان هذه الخمسة المتحرفة هي الپاء والچيم والگاف والژاء والتا ( الطاء خ ) عند اهل الهند وهي التي تحرفت من الثمانية والعشرين في اللغة العجمية وهي ما ليس بعربي مطلقا لقوله عليه السلام لاقاليم اللغات وانحراف هذه الحروف معلوم

وقوله عليه السلام فاما الخمسة المختلفة فتخجج لا يجوز ذكرها اكثر مما ذكرنا يحتمل ان يكون تخجج مضارعا ثلاثيا من الخجج بالخاء المعجمة والجيم بمعنى الالتواء ( النداء خ ) والدفع والنسف في التراب ويكون حاصل معناه ان هذه الخمسة ينبغي ان تدفع وتنسف في التراب ولا يجوز ذكرها اكثر مما ذكرنا مجملا لان التلفظ بها في لغة العرب مستهجن قبيح ويحتمل ان يكون من باب التفعيل بالخاء المعجمة ايضا بمعنى الاخفاء في النفس اي هذه الخمسة ينبغي ان تخفى في النفس لاستهجان التلفظ بها ولا يجوز ذكرها اكثر مما ذكرناه مجملا هكذا قالوا وهو الظاهر من كلامه الشريف عليه السلام الا ان الذي وجدناه بالتتبع في الحروف المتحرفة في اللغات وجدناها اكثر من هذه الخمسة بكثير خصوصا في لغة الهند والفرنك وغيرهما والقول بان ما سوى هذه الخمسة محدثات او ان الاصل في المتحرفات هذه الخمسة بعيد جدا اذ لا يجوز احداث اللغة واختراع الحرف من غير ان يجعلها الله سبحانه بعد القول بان الواضع هو الله تعالى والعبارات كلها من الله تعالى فان كانت تلك الحروف منه سبحانه وان كان قد اظهرها في الصدر الآخر فهي اصلية حقيقية وقد ذكرنا ان هذه الحروف الخمسة اشارة في الباطن الى حروف الكلمة التامة التي تولد عنها النقطة التي هي مبدأ الالف اللينية التي بها الحروف الثمانية والعشرين وتلك الحروف نورية ليست من سنخ هذه الحروف وانما هي غيب ومخفية فيها لا يجوز ذكرها اكثر مما ذكره عليه السلام لانها ليست بالحروف مصوت ولا باللفظ منطق ولا بالشخص مجسد ولا باللون مصبوغ ولا بالتشبيه موصوف فاني تذكر بحقيقة البيان الا على نحو الاجمال والاهمال كما الامر عليه في الواقع و( او خ ) ان الحروف الخمسة اشارة الى عالم المشية والارادة والجبروت والملكوت والملك وبيان هذه اللطائف ومناسباتها مما يطول به الكلام فالاعراض عنه اولى والسلام

قال عليه السلام ثم جعل الحروف بعد احصائها واحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل كن فيكون وكن به صنع وما يكون به المصنوع فالخلق ( والخلق خ ) الاول من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور اليها والخلق الثالث ما كان من الانواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظور اليها والله تبارك وتعالى سابق الابداع لانه ليس قبله شيء ولا كان معه شيء والابداع سابق الحروف

(اقول خ‌ل ) لما كان كل شيء من الاشياء حامل اسم من اسماء الله تعالى به يصل الفيض اليه عنه تعالى واليه الاشارة بقوله عليه السلام في دعاء كميل وباسمائك التي ملأت اركان كل شيء وذلك الاسم هو سر الفعل الظاهر بالمفعول وذلك محل نظر الله تعالى ومحل فعله وجاز ( فعله جاز خ ) اطلاق الفعل عليه توسعا اذ آثار الفعل كلمة ( كله خ ) من ذلك الاسم يظهر بالله عز وجل او من باب اطلاق المحل باسم الحال فان الاسم هو الفعل المتعلق ( بالمفعول خ ) بوجه من وجوهه وذلك الاسم انما يتحقق ويوجد مع المفعول مساوقا له وتظهر آثاره وانفعال الاشياء له بعد تمام المفعول واكمال قوسي الصعودي والنزولي فلما اشار الامام عليه السلام الى ان الحرف اول مخترع ومبتدع بالابتداع وانه المفعول الاول وانه الاصل في المفعولات كلها وقد قلنا ان مراده عليه السلام بالحروف اعم من الكونية المعنوية واللفظية التدوينية وذكر عليه السلام عدتها وعللها الفاعلية والمادية والصورية والغائية وغيرها من الاحوال التي تقتضيها المفاعيل من حيث نفسها اراد عليه السلام ان يشير الى نسبة الحروف من الجهة العليا اي جهتها الى ربها لظهور اسمه فيها كما قال امير المؤمنين عليه السلام فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث وذلك المثال هو الصفة وهي الاسم وهو الفعل الظاهر بالمفعول المتعلق به وهو مقام الحديدة المحماة بالنار وتلك الجهة هي فعل منه تعالى في المفعولات يؤثر فيها وتنفعل الاشياء لها ومنها تظهر المعجزات والكرامات وخوارق العادات ومنها تكون الامدادات الواردة على جهات الاشياء ومراتبها وكينوناتها وهي لما كانت محلا للفعل اطلق عليه الفعل لما قلنا آنفا او انه هو الفعل الذي هو الامر المفعولي وذلك الفعل تأكيد للفعل الاول الذي هو الابداع والاختراع فان قولك اضرب ضربا في قوة قولك اضرب اضرب وقولك كن كونا في قوة قولك كن كن والثاني فرع وصفة وتأكيد للاول وتظهر آثار الاول كلها منه وهو مثاله الملقي في هوية نفس المصدر من حيث المفعول المطلق ولما كانت هذه المراتب كلها انما تحصل بعد الصعود كما قال امير المؤمنين عليه السلام خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد فقد شاركت ( شارك خ ) بها السبع الشداد قال عليه السلام ثم جعل الحروف بعد احصائها واحكام عدتها فعلا منه يقول كن فيكون فان جعلها فعلا وان كان مقدما الا ان ظهوره متأخر كما ذكرنا ولما كان كل شيء له ثلث جهات جهة عليا وهي جهته الى ربه وهي جهة ( الجهة خ ) العلية والفعلية وجهة سفلي وهي جهته الى نفسه وهي جهة البعد والحرمان والخذلان وجهة وسطي وهي الجهة الجامعة بين الجهتين وملتقى البحرين والبرزخ بين العالمين وبها تكثرت الاشياء واختلفت ولطفت وغلظت ورقت وكثفت واستدارت واستقامت واعوجت الى غير ذلك من الاحوال والاوضاع صارت الحروف على ثلثة وجوه وكل وجه ثمانية وعشرون :

الوجه الاول الاعلى وهو الذي قال عليه السلام جعلها فعلا منه وهذا الوجه هو الظاهر المثال للاعلى الملقى في هوية الوجهين الآخرين ( الاخيرين خ ) وهو الاسم المشتق من المصدر وذلك في هذا المقام ثمانية وعشرون اسما وكل اسم حرف من الحروف الفعلية فاولها الحرف الاول وهو البديع وبازائها الالف القائمة والثاني الباعث وبازائه الباء والثالث الباطن وحرفه الجيم والرابع الآخر وحرفه الدال والخامس الظاهر وحرفه الهاء والسادس الحكيم وحرفه الواو والسابع المحيط وحرفه الزاء والثامن الشكور وحرفه الحاء والتاسع غني الدهر وحرفه الطاء والعاشر المقتدر وحرفه الياء والحادي عشر الرب وحرفه الكاف والثاني عشر العليم وحرفه اللام والثالث عشر القاهر وحرفه الميم والرابع عشر النور وحرفه النون والخامس عشر المصور وحرفه السين والسادي عشر المحصي وحرفه العين والسابع عشر المبين وحرفه الفاء والثامن عشر القابض وحرفه الصاد والتاسع عشر الحي وحرفه القاف والعشرون المحيي وحرفه الراء والحادي والعشرون المميت وحرفه الشين والثاني والعشرون العزيز وحرفه التاء والثالث والعشرون الرزاق وحرفه الثاء والرابع والعشرون المذل وحرفه الخاء والخامس والعشرون القوي وحرفه الذال والسادس والعشرون اللطيف وحرفه الضاد والسابع والعشرون الجامع وحرفه الظاء والثامن والعشرون رفيع الدرجات وحرفه الغين وهذه الثمانية والعشرون هي الحروف التي جعلها فعلا منه وبها يقول للشيء كن فيكون

والوجه الثاني الاوسط هو الحروف الثمانية والعشرون التي قدمنا ذكرها من حرف العقل وحرف النفس وحرف الطبيعة وحرف المادة وحرف المثال وحرف الجسم الى آخر الحروف كما ذكرنا سابقا وهذه الحروف حاملة لتلك الحروف وظاهرة باسمائها وهذا الالف حامل لتلك الالف حمل الدهن للنار في السراج والحديدة لها في الحديدة المحماة بالنار والتأثير والفعل للحروف الاولية خاصة كما ان التأثير للنار في السراج والحديدة

واما الوجه الاسفل فذلك ايضا ثمانية وعشرون وهي مقابلات الحروف الاولية في الاسماء والحروف والذوات فالحرف الاول جهل الكل والاسم الذي يحمله الشيطان الظاهر منه آثار الطغيان المرتاب والالف المعكوس بازائه في التدوين والثاني الثرى والاسم المربي له من بحر الغضب واصل الظلمة المتوهم وحرفه الباء المنكوسة والثالث الطمطام والاسم المجتث والحرف الجيم المعكوسة ( النكوسة خ ) والرابع النيران والاسم الاسفل والحرف الدال المنكوسة والخامس الريح العقيم والاسم المخيل والحرف الهاء المنكوسة السادس البحر المالح الاجاج والاسم العابث والحرف الواو المنكوسة والسابع الحوت والاسم المختال والحرف الزاء المنكوسة الثامن الثور والاسم الكفور والحرف الحاء المنكوسة التاسع الصخرة والاسم فقر الزمان والحرف الطاء المنكوسة والعاشر الملك الحامل والاسم العاجز والحرف الياء المنكوسة والحادي عشر ارض الشقاوة والاسم المفسد والحرف الكاف المنكوسة والثاني عشر ارض الالحاد والاسم الجهول والحرف اللام المنكوسة والثالث عشر ارض الطغيان والاسم المهين والحرف الميم المنكوسة والرابع عشر ارض الشهوة والاسم الظلمة والحرف النون المنكوسة والخامس عشر ارض الطبع والاسم المهمل والحرف السين المنكوسة السادي عشر ارض العادات والاسم الناسي والحرف العين المنكوسة والسابع عشر ارض الممات والاسم المنكر والحرف الفاء المنكوسة الثامن عشر كمثل الكلب والاسم المسول والحرف الصاد المنكوسة والتاسع عشر السموم والاسم الميت ( المميت خ ) والحرف القاف المنكوسة والعشرون الماء الاجاج والاسم المبطل والحرف الراء المنكوسة والحادي والعشرون الارض السبخة والاسم المنكد والحرف الشين المنكوسة والثاني والعشرون الحجارة والحديد والاسم الذليل والحرف التاء المنكوسة والثالث والعشرون النبات المر والاسم الحارم والحرف الثاء المنكوسة والرابع والعشرون المسوخ والاسم الفاسق والحرف الخاء المنكوسة والخامس والعشرون الشياطين والاسم الضعيف والحرف الذال المنكوسة والسادس والعشرون شياطين الجن والاسم الغليظ والحرف الضاد المنكوسة والسابع والعشرون شياطين الانس والاسم الناقص والحرف الظاء المنكوسة والثامن والعشرون ابليس والاسم اسفل السافلين والحرف الغين المنكوسة

وهذه الحروف السفلية الباطلة المجتثة وجميع الشرور والقبايح والافعال الباطلة والآثار القبيحة انما تصدر وتحقق ( تتحقق خ ) بقران هذه الظلمات بعضها ببعض فهذه افعال تظهر بها آثار الغضب وتتحقق بها مهاوي دركات النيران ومراتب طبقات جهنم اعاذنا الله منها ولما كانت الحروف اللفظية على طبق الحروف المعنوية الباطنية كانت الافعال تصدر منها كما تصدر من الذوات والحقايق حرفا بحرف ولما كانت الافعال انما تصدر من الجهة العليا من الحروف اللاهوتية الثمانية والعشرين التي ذكرنا وهي غائبة في غيب هذه الثمانية والعشرين فلا بد من اظهارها من ترتيب ووضع وكسر وصوغ كالاكسير فانه الفعال الغائب في كل فلز وعقار وعرضته عوارض منعتها عن اظهار افعالها فيحتاج الحكيم لاظهار ذلك السر الذي هو فعل الله اي امر الله المفعولي الى انحاء التعفينات والتقطيرات والتشميعات والتشبيبات والحل والعقد والسقي والقلع والضم والتوليد والجمع واذهاب الاوساخ وازالة الغرائب واخراج المياه الالهية المكتومة ( المكنونة خ ) والاصول الحقيقية والجسد الجديد والقريب البعيد والارض المقدسة والنار المحرقة والشمس المشرقة والوسائط والانفخة والعناصر المنضدة والافلاك المحيطة المشيدة ثم يجمع بين هذه المراتب ويزوج الآباء بالامهات فيتولد منها الولد العزيز البالغ الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف محل فعل الله وحامل نظر الله ومهبط عناية الله ومظهر جود الله وكرمه فهو الفعال لما يشاء بما يشاء ( شاء خ ) الله كما شاء الله وذلك ايضا حينئذ فعل من افعاله تعالى يقول للشيء من المعادن والفلزات كن اصفى ما في جوهرك فيكون الا انه جزئي خاص ولا عموم فيه

واما الحروف اللفظية فلما كانت على طبق الذوات المعنوية في جميع المراتب والمقامات كان لها التأثير والفعل والاحداث في كل ذرة من الذرات الوجودية في الغيبية والشهودية ولما كانت الحروف الفعلية غائبة في الحروف المفعولية غيبوبة الاحد والواحد في الواو التي هي حرف الكثرة فلا بد في اظهار تلك الحقايق والاسرار من انحاء المعالجات لازالة الاوساخ واخراج الحق الصرف البات الذي هو فعل الله تعالى وبه يقول للشيء مطلقا كن فيكون وتلك المعالجات والتدبيرات كما هو مذكور في كتب اهل الجفر واهل الاوفاق واهل البسط والتكسير واهل العدد واصحاب روحانيات الحروف واهل التسخير وغيرهم من اخذ الطبايع اي طبايع الحروف وعناصرها ومحلها من المرتبة والدرجة والدقيقة وهكذا وافلاكها وكواكبها واعداد الجميع وبروجها والطالع والغارب والعاشر والرابع ومبدئها واصلها وفرعها ونبيها ورعيتها والخليفة وحروف الطالب والمطلوب واليوم والليلة والساعة ورب الساعة واعداد حروفها وحروف اعدادها ومزجها وبسطها بانحاء البسط من بسط الحرفي والبسط العددي وبسط التضارب وبسط الترفع الحرفي والعددي والطبيعي والبسط الطبيعي والبسط الغريزي وبسط التجامع وبسط التضاعف وبسط التمازج الصغير والكبير والوسيط وبسط التكسير وبسط التجميع وبسط التواخي وبسط التقوي وغيرها من انحاء البسط الى ستين قسما وكذا تكسير الحروف بتكسير الكبير والصغير والوسيط واخذ روحانياتها وملائكتها وعلويها وسفليها واخذ الخدام والاعوان واستخراج الخليفة على الكل واستخراج السلطان المهيمن على الجميع وترتيب العزايم وحرق البخور وغيرها من الامور المعلومة عند اهلها ولو اردنا شرح تلك الاحوال لطال بنا المقال فلترجع الى كتب القوم واما تصاريف الحروف وتأثيرها في الاكوان فذلك في كل شيء لا يختص بشيء دون شيء وقد ذكر العلماء بمعونة الادلة العقلية لكل حرف من الحروف الثمانية والعشرين تصاريف وتأثيرات عجيبة لا نطول الكلام بذكرها الا انا نذكر بعض تصاريف حروف الطبايع من حيث المجموع وفعلها في الاشياء حتى تعرف نوع المسألة ونوع التأثير والفعل المذكور في الحديث الشريف

قال الحكيم افلاطون اعلم ان الحروف ثمانية وعشرون يقسمون على اربعة عناصر كل عنصر لسبعة ( بسبعة خ ) احرف فاولها عنصر النار وله وفق سبعة في سبعة وله ملك من عالم الملك والملكوت وله شرح وتصريف وهو يصلح لقهر الملوك والجبابرة ولقهر كل خصم والمحبة والقبول والصلح بين الاخ واخيه والزوج والزوجة ولجلب القلوب وقهر النفوس وجلب الغائب وعمارة الديار الخالية والدكاكين فمن كتب هذا العنصر بالقلم اليوناني في مسبع ودرجه ما له من الاسماء وما له من الملائكة وتوكل ملك ذلك اليوم الروحاني العلوي والسفلي وتكتب بالمداد المعين وبخر بالبخور كذلك او تكتب اسم من اردت واسم امه او ما اراد وحمله على رأسه يرى عجبا من الاقبال والمحبة وتسخير القلوب وعظم الجاه عند الملوك والحكام وجلب الارزاق واذا اردت ان تعمل محبة او اقبالا او طلب حاجة من ملك فتوضع الجدول على هذه الصورة وتنزل حرف من اردت في الجدول كل حرف من اسم المطلوب في بيت وكلما كملتها كررها في البيوت حتى يكمل الجدول ثم توكل صاحب اليوم العلوي والسفلي فاعرف قدر ما وصل اليك واكتم هذه الاسرار تبلغ منازل الاخيار وهذه صورة عنصر النار : ا ه‍ ط م ف ش ذ وتكتبه خاتم مسبع بالقلم اليوناني وتكسره حتى تملأ الخاتم بالتكسير

واما عنصر التراب فهو عنصر جليل القدر له ملائكة غلاظ شداد متسلطين على بني آدم لجلب الامراض والاسقام والحمى والرمد وارسال الهواتف ومنع الاكل والشرب ونزف الدم والتهيج ( التهييج خ ) ونزول الملوك ( الملك خ ) من اعلى كرسيها تكتبه بالقلم اليوناني في مسبع وتنزل معه ما له من الملائكة على الجناح الايمن وما له من الاسماء على الجناح الايسر وتوكل عليه الملائكة بما اردته من خير او شر وتجعل روحانيته فوق الجدول والسفلية تحته وملك اليوم السفلي من وسطه وتوكل الجميع كما وصفنا واذا اردت التسليط والتزيف ( التنزيف خ ) والقي فتكتبه بالمداد الذي للعنصر في لوح من نحاس احمر وبخره واقسم على ملوكه بما للحروف من الملائكة في يوم العنصر وادفنه في نار حامية واقسم عليه سبع مرات واضمم ما اردت ترى عجبا فلا تعمل الا لمن ظلمك واتق الله واذا اردت ان تعزل احدا او تخرب مكانا او تمنع مطرا من ارض او تغيير ماء بئر او عين فخذ ترابا مخصوصا واعمل فيه ما يناسب الحروف الترابية على النهج المعهود عندهم ثم تأخذ التراب وتذريه في اي مكان شئت يخرب وينهدم ولا يعمر ابدا وان عملت ذلك التراب في بئر او عين تغور وان عملت منه في بلاد منع عنها ( منه خ ) المطر بقدرة الله تعالى وان رميت منه في منزل قوم افترقوا ولا يجتمعوا ابدا وان عملت في دكان تقفل وتعطل بيعها وان ذريت منه في طريق عسكر وجاز عليه انهزم او معزم بطلت حركته وحار امره وهربت ملوكه وبطل طلسمه وصاحب الصنعة يتلف صنعته ويكره شغله انظر في هذا الفعل العجيب لهذه الحروف وهذا وجه واحد من الف من وجوه فعل هذه الحروف وتصاريفها وتأثيراتها ( تأثيرها خ )

واما عنصر الهواء يصلح لركوب البحر وللاخفاء عن اعين الاعداء وطي الارض فمن كتبه ومزج اسمه مع حروفه في كل بيت بالقلم اليوناني وحروف اسمه بالعربية ورتبه بما له من الملوك والاسماء وتوكل عليه ملك اليوم السفلي والروحاني وتكتبه على قلنسوة من جلد النمر او رق شاة اسود وبخره ببخوره وتقسم على الملوك بما لحروفه من اسماء الله سبع وسبعين مرة وهو على موضع خال ويعمل القلنسوة على رأسه ويقف في الشمس فيختفي ظلك باذن الله تعالى ويمشي حيث اراد ( يراد خ ) فلا يراه احد وهو من العجايب وان هذا العنصر يجلب به الريح والظلام حتى لا ترى صاحبك في وسط النهار ومن نقش هذا العنصر في لوح من نحاس اصفر على شروطه ووكل به ملوكه وبخره ببخوره وقت الحاجة فاذا اراد جلب الريح والظلام فيمحي اللوح في ماء ويرش به الارض الذي تريد فان الارياح ( الرياح خ ) تخرب ذلك المكان وتتلف اشجاره ونباته ولا ينبت فيه نباتا وان ضربت بذلك الماء على وجه مسحور او مربوط انحل من وقته وان كتب جدول عنصر الهواء في كاغذ وعلقه في السفينة اتتها الريح السليمة وان جعلت اللوح على رأسك تجوز على عدوك ولا يراك

واما عنصر الماء فهو ضد عنصر النار يفعل بخلافه فمن كتبه في اناء مزجج ومحاه بماء بئر لا تراه شمس ولا قمر واسقاه المجنون شفاه الله تعالى وان كان جذام او برص شفاه الله تعالى

ثم انهم قالوا انك اذا عرفت طبايع الحروف ومراتبها وتعارفها وتناكرها فانك تتصرف بها في جميع الموجودات وفي تبطيل موانع الكنوز وبتبطيل جميع الموانع بمقابلة ضدها من الطبايع فانها مركبة فيها فاذا لم تبطل بمقابلة ضدها من الطبايع فانها مركبة من الاقليدسيات الهندسية فاحتل بالعقل على موانع ( مواضع خ ) اصولها واحفرها وافسدها وان كانت من الطلاسيم الطبيعية فركب لها من الحروف مضادها وتفسدها فاذا دخلت الى المكان فانظر الى المانع ان كان مركبا من النار فابطله بالحروف المائية وان كان ترابيا فبالحروف الهوائية وان كان مائيا فبالحروف النارية وان كان هوائيا فبالحروف الترابية وان كان مركبا من النار والهواء فبالحروف المائية والترابية وان كان من الماء والتراب فبالحروف النارية والهوائية مثاله اذا دخلت الى مكان ووجدت فيه عروسا لابسة اخضر فانها مركبة من الماء والتراب فاكتب الاحرف الهوائية فانها تقع فتجدها غابة يابسة فاجعل ما تكتبه عليها فانها لا تقوم حتى تقيمها وان كان في المكان ماء يغيض فاكتب له الاحرف الترابية والهوائية فانه يذهب وان كان الماء ازرق فاكتب له الاحرف الهوائية والنارية في سفيقة وارمها فانه يذهب وان كان رملا فاكتب له الهوائية والمائية فانه يذهب وان كان رخا او عقابا او نسرا او شيئا من الطيور فاكتب له الاحرف الترابية والمائية والنارية فانه يذهب والسيف والطبر والدبوس وغير ذلك يبطل بالاحرف الترابية والمائية ( الهوائية خ ) والنارية والرهبان وما شاكل ذلك يبطل بالمائية والحية تبطل بالهوائية والديك والدجاج يبطل بالنارية والهوائية والقوس والمنجنيق اذا لم يكونا هندسية يبطل بالترابية والنارية والعاقل يتدبر بعقله جميع ذلك ويبطله

وبالجملة لما كانت الاشياء كلها انما تركبت وتألفت من العناصر الاربعة فتؤثر في كل شيء تريد بضده من حروف العناصر او بمثله بزيادة ونقيصة وحذف واسقاط او غير ذلك فتنفعل ذلك الشيء ويجيء على ما تحب واذا كان ذلك الشيء معتدل الطبيعة تام البنية ( البينة خ ) ولم تكن فيه جهة غالبة فتؤلف من الحروف ما يتم به الاسم الاعظم اللفظي الاعتدالي كما يؤلفه الامام عليه السلام من الحروف النورانية فتفعل فيه ما تريده فالحروف على قول مطلق فعل لله سبحانه تتصرف في كل شيء خلقه الله تعالى يقول للشيء بالسنته تبارك وتعالى كن بتلك الحروف على ترتيباته واوضاعه كما اشرنا الى نوعها في الجملة فيكون ذلك الشيء في وقته وساعته وهذا الذي ذكرنا بعض الاشارة الى بعض المراد بقوله عليه السلام ثم جعل الحروف بعد احصائها واحكام عدتها فعلا منه يقول كن فيكون فافهم الاشارة في صريح العبارة فكم من خبايا في زوايا

ولما كان مراده عليه السلام من الحروف ما هو اعم من الحروف التكوينية ( الكونية خ ) والتدوينية ومراده بكن اعم من الامر الفعلي والمفعولي اراد عليه السلام ان ينبه على حقيقة الامر في الامر الذي هو الخطاب الى جهة الشيء وقد تحير العلماء في هذا الخطاب اي خطاب كن لما عندهم من القاعدة المقررة ان المخاطب يجب ان يكون قبل الخطاب حتى يقع عليه الخطاب والا يكون خطابا للمعدوم وذلك عندهم محال فقوله تعالى كن ان كان المخاطب موجودا يلزم قدم الاشياء وان لم يكن موجودا لا فائدة في الخطاب اذا لم يكن شيء يقبله ويتعلق به وقد اشكل عليهم ذلك وتحيروا حتى قال محققوهم بالاعيان الثابتة في الازل المعدومة الكون وهي قديمة ليست بمجعولة ( مجعولة خ ) ولا موجودة بل شيء ثابت ذكري وبذلك الذكر والشيئية استأهلت لخطاب كن فتكونت في الوجود الخارجي التفصيلي بعد ما كانت مذكورة ثابتة في الوجود الازلي الجمعي الاجمالي وهذا المعنى لما كان عند اهل البيت عليهم السلام شرك محض وكفر بحت اراد عليه السلام ان يشير الى حقيقة الامر في هذه المسألة فقال عليه السلام وكن منه صنع وما يكون مصنوع ( المصنوع خ ) حاصله ان الخطاب لا يستدعي ان يكون المخاطب مقدما كيف والمخاطب والمخاطب بالكسر والفتح مشتقان من الخطاب وهو مبدء اشتقاقهما فكيف يعتقل ( يعقل خ ) ان يكون المشتق الذي هو الفرع اتفاقا مقدما على المبدأ الذي هو الاصل فالخطاب مادة تتقيد بالحدود ويتولد منه المخاطب بالفتح والمخاطب بالكسر ولما كان في الحادث الممكن جهتان متضادتان هما علة الاختيار والتكليف وهاتان الجهتان تحققتا معا لا يسبق احديهما على الاخرى في الظهور والوجود الكوني الا في المرتبة والذات وكان ما من الله تعالى جهة اجمال ووحدة وبساطة تتعين ( يتعين خ ) على حسب الصورة القابلة والحدود المشخصة عبر سبحانه عن الجهة التي منه واليه بالخطاب الواقع على جهة الاختيار حيث تتحدد تلك الجهة على حسب قابلية الصورة فكن عبارة عن نفس الصنع وهو الامر المفعولي وهو الوجود الهيولي الاولى وهو تأكيد وصفة لكُن الذي هو الامر الفعلي في هذا الامر الثاني اي الفعلي كقرص الشمس والامر المفعولي كالنور الواحد المنبث المنبعث عن الشمس الحاكي لها من حيث هي وهو خطاب الشمس ويكون عبارة عن ذلك الامر والنور من حيث تحدده وتقيده بالحدود الستة من الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف فهو بالجهة العليا خطاب وبالجهتين المتصلتين المقترنين ( المقترنتين خ ) مخاطب مصنوع فالمخاطب انما يتحقق حين الخطاب بالخطاب لا قبله ولا بعده كما يدل عليه لفظه كما اشرنا اليه وهذا الحكم يجري في كل المتضايفات والمتساوقات من الكل والجزء والشرط والمشروط والموصوف والصفة والقابل والمقبول والفاعل والمفعول والآمر والمأمور والخالق والمخلوق وغيرها من الامور التي في مفهوم كل واحد منها يعتبر الاقتران والارتباط بالآخر وكذلك يجري هذا الحكم اي كن فيكون في الحروف التكوينية ( الكونية خ ) والتدوينية فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم قال الشاعر :

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتأخذه عنا

فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا

ثم اراد الامام عليه السلام ان يقسم انواع الممكن بالقسمة الظاهرية الى ثلثة اقسام :

القسم الاول ما هو مجرد عن كل الحدود ومبعد عن كل القيود موجود مطلق في تحققه وانصداره من مبدئه لا يحتاج الى كيف وكم وجهة واقتران واضافة بل به خلقت تلك الحدود وهو السابق لها فلا يجري حكم المسبوق على السابق من حيث هو كذلك بالضرورة والبداهة وهذا القسم الاول هو الخلق الاول والمراد به الفعل الكلي الشجرة الكلية وفلك الولاية المطلقة والازلية الثانية والابداع والاختراع وهو الذي قال عليه السلام لا وزن لها ولا لون ولا حركة ولا سمع ولا حس فانها كلها خلقت بالفعل الذي هو الخلق الاول وذكر هذه الجملة للاشارة الى نوع الحدود والجهات والامور الاقترانية كلها وما ذكره عليه السلام من باب المثال وكيف يتصور في الابداع هذه الجهات مع ان الحقيقة التي قال امير المؤمنين عليه السلام انها ( انما خ ) تظهر بعد كشف سبحات الجلال من غير اشارة وتصحو بعد محو الموهومات وتنكشف بعد هتك الحجب والاستار وجميع الاضافات والقرانات تلك الحقيقة المجردة عن الحدود مطلقا مخلوقة بالاختراع والمشية لقوله عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ولا بد ان يكون الاثر يحكي الجهة السفلى من صفة المؤثر فاذا كانت الجهة السفلى من المشية في تلك الرتبة من التجرد عن الاقتران بالحدود فما ظنك بالجهة العليا منها واما نفي الحركة عنها مع انها عين الحركة فلبيان ان تلك الحركة ليست مثل الحركات المحسوسة او المعقولة بل هي على نوع آخر لانها شجرة على سواء الجبل لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار او ان الحركة المنفية هي الحركة المغايرة لذاتها كما يشير اليها قوله عليه السلام ليس لها وزن الى ان قال ولا حركة وانما حركتها هي ذاتها وحقيقتها لا شيء آخر يعني ذاتها هي عين الحركة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى واما الحس المنفي فالمراد به الحواس والمدارك المتمايزة المحدودة المحاطة والا فحقيقتها عين العلم والادراك والمعرفة والاحاطة بل هي عين علم الله السابق كما روى الكليني ( رحمه الله خ ) عنهم عليهم السلام ان علم الله السابق المشية

والقسم الثاني هو الحقيقة المجردة عن كل الحدود والجهات وهو المفعول المطلق بذلك الفعل الاول وهي لما كانت جهة تجلي الله تعالى لخلقه وخطابه لقوله ( لقول خ ) كن ولا بد للخطاب من استماع المخاطب اياه لان ذلك هو المعتبر في الخطاب وبه خاطب الله سبحانه ( تعالى خ ) انبياءه ورسله وحججه واولياءه فيجب ان يكون مسموعا ولما كان ذلك الخطاب هو المثال الملقى في هويات الاشياء فيكون صالحا للاقتران والاتصال والاتصاف فيكون موصوفا بذلك واما هو في نفسه لكونه مشابها لصفة مؤثره منزها عن الحدود والرسوم واما الخلق الاول فليس بمسموع ولا موصوف لانه الاسم المستقر في ظله ولا يخرج منه الى غيره فلا يسمع ذلك الخطاب الذي هو كن الامر الفعلي نعم يقع السماع في الامر الثاني المفعولي ولذا وصف الثاني بالمسموعية دون الاول فافهم ولذا قال عليه السلام والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور اليها ولما كانت الحروف اللفظية على طبق الحروف المعنوية الحقيقية جرت فيها هذه الاوصاف فليست بموزونة من الاوزان والمكائيل المعروفة ولها اوزان طبيعية اعتدالية كما هو المعروف عند اهل الفن في ميزان الحروف ميزان النار وميزان الهواء وميزان الماء وميزان التراب وكل ميزان له عمل مخصوص ولكن لا يخفى عليك ان هذه الموازين يحتاج اليها للتعديل في الحروف المفعولية التي هي عين القشر والحجاب للحروف الفعلية الغائبة فيها غيبة الانسان الكامل في النطفة والعلقة وهي الحروف التي بازاء الاسماء الالهية كما ذكرنا سابقا وعدينا وتلك الحروف لا يحتاج الى وزن وتعديل من حيث المبدأ لان كل واحد جامع لسر الجميع ومثاله التقريبي كالاكسير فافهم ولهذه العلة اختلفت افهام اهل الحروف وآرائهم في طبايع الحروف وموازينها واتفقوا في الالف بانها حارة ووقع الخلاف فيما سواه فذهب كل طائفة الى حكم مثلا الباء قيل انها حارة يابسة وقيل انها باردة يابسة وقيل انها حارة رطبة وقيل انها باردة رطبة ولما بلغ الكلام الى هنا فلا بأس علينا ان ننبه الى بعض اختلافاتهم ونشير الى سرها 66

وهذه الترتيبات التي وقفنا عليها لاهل هذا الشأن غير ما ذكروا في الدوائر والنظائر وما ذكره غيرهم كاهل المخارج ثم انهم يستعملون تلك الحروف على حسب ما يعتقدون فيها من الطبايع في اعمالهم وعلاجاتهم والكل يصح العمل به مثلا الباء فالذي يعتقد انها ترابية يستعملها في البارد اليابس والذي يعتقد انها هوائية يستعملها في الحار الرطب وهما ضدان وكلا العملين يصحان وهذا من العجايب والاصل فيه ان الحروف الاولية الفعلية الغائبة في هذه الحروف لما كانت معتدلة منزهة عن الحدود فكل واحد منها يعمل عمل الكل لا تحادها في اصل الرتبة فكل منها في حد ذاتها يعمل في الحار والبارد واليابس والرطب فاذا اعتقد جهة منها رجح ذلك الاعتقاد ظهور تلك الجهة فيظهر آثارها ويتوهم الناظر العامل ان فيها تلك الطبيعة خاصة دون غيرها فيقتصر عليها والآخر ينظر في ضده مثل نظره فتظهر آثارها فتحكم ( آثاره فيحكم خ ) عليها بتلك الطبيعة دون غيرها ومثالهم مثال العميان والفيل واما في الواقع الحقيقي فليست لها جهة خاصة وطبيعة خاصة دون الاخرى وانما هي على حد ما قال الشاعر :

ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها

بجنية انسيه ملكية هوائية نارية نفحاتها

جنوبية شرقية مغربية شمالية كل الجهات جهاتها

فالحروف الفعلية التي بها يقول الله للشيء كن فيكون بحجبه ووسايطه لا وزن لها لانها كاملة معتدلة تامة لا تحتاج الى وزن وتقدير واما الحروف المفعولية فلها وزن وتقدير وتعديل وضم وتوليد كما هو المقرر في علم الحروف في كتب القوم المبسوطة وغيرها

والقسم الثالث هو المفعولات من الموجودات ( الوجودات خ ) المقيدة وهي محدودة موصوفة موزونة مصورة بالصور المختلفة من النوعية والشخصية والجوهرية والعرضية ومقترنة بالمواد الجسمانية وهكذا غيرها من الحدود والتعينات والصور والقرانات والقيود والاضافات ولذا قال عليه السلام والخلق الثالث ما كان من الانواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا اليها وما ذكره عليه السلام من باب المثال لاجل الكثرة والا فهو اكثر من ذلك كما هو المعلوم ثم قال عليه السلام والله تبارك وتعالى سابق الابداع لانه لا شيء قبله ليكون سابقا عليه تعالى ولما كان مجرد السبق يقتضي اقتران السابق بالمسبوق ولو في المفهوم الاضافي اذ السابق يستلزم المسبوق ازال عليه السلام هذه الشبهة ورفع هذه الواهمة بقوله الشريف ولا كان معه شيء حتى يكون فرقا بين الاول والآخر ويستلزم ذلك الاقتران والاتصال فسابقيته تعالى على الخلق ليست بالمعنى المعقول المدرك عند الخلق وانما سابقيته سابقية الهية ازلية لا يحيط بها سواه نعم ليس قبله شيء ولا يقال له قبل فان ذلك يستلزم الوقت ولا كان معه شيء فبطل الاقتران والاتصال فامتنع ذكر الممكن الحادث عند الواجب القديم مطلقا فسقط بذلك جميع الاعتراضات والمناقضات وثبت التوحيد لخالق السموات وبارئ المسموكات

قوله والابداع سابق الحروف يريد بالابداع كما ذكرنا غير مرة المشية والارادة وهما في مقام الفعل والحروف في مقام المصدر المفعول المطلق ولا شك ان الفعل سابق على المصدر وهو مشتق منه وصادر عنه والدليل على ان المراد بالحروف المصدر اطلاق الفعل عليه سابقا بقوله عليه السلام ثم جعلها بعد احصائها فعلا منه والمفعول الذي يقوم مقام الفعل ويكون محلا له في الحقيقة الاولية لا يكون الا المصدر ولشرح هذه المسألة مقام آخر فافهم فهمك الله

قال عليه السلام والحروف لا تدل على معنى غير نفسها قال المأمون وكيف لا تدل على غير انفسها قال الرضا عليه السلام لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى ابدا فاذا الف منها احرفا اربعة او خمسة او ستة او اكثر من ذلك او اقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يكن الا امر محدث لم يكن قبل ذلك شيئا قال عمران فكيف لنا بمعرفة ذلك قال الرضا عليه السلام اما المعرفة فوجه ذلك وبابه انك تذكر الحروف اذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فردا فقلت ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير انفسها فاذا الفتها وجمعتها وجمعت منها احرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية الى الموصوف بها افهمته قال نعم

( اقول خ ) لما فرغ عليه السلام من ذكر البسايط والاصول الاولية اخذ في بيان كيفية تفريع الفروع عليها وتركيب تلك البسايط وتأليفها واستخراج الحقايق الغير المتناهية في التدوينية والتكوينية فقال عليه السلام والحروف لا تدل على غير انفسها وقد ذكرنا سابقا ان الحادث المخلوق من حيث هو مع قطع النظر عن جميع القرانات لا تدل الا على نفسها ونفسها ان اردت بها النفس التي من عرفها فقد عرف الله فتدل كل حرف اذن على ظهور من ظهورات الله سبحانه الظاهرة فيها وقد وردت الروايات بذلك عن سادة ( سادات خ ) البريات عليهم السلام

منها ما رواه الصدوق في التوحيد والعيون باسناده عن ابي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال ان اول ما خلق الله عز وجل ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم وان الرجل اذا ضرب على رأسه بعصا فزعم انه لا يفصح منها ببعض الكتاب فالحكم فيه ان يعرض عليه حروف المعجم ثم يعطي الدية بقدر ما لم يفصح منها ولقد حدثني ابي عن ابيه عن جده عن امير المؤمنين عليه السلام في ا ب ت ث قال الالف آلاء الله والباء بهجة الله والتاء تمام الامر بقائم آل محمد صلى الله عليه وآله والثاء ثواب المؤمنين على اعمالهم الحسنة ج ح خ فالجيم جمال الله وجلاله والحاء حلم الله على ( عن خ ) المذنبين الخاء خمول ذكر اهل المعاصي عند الله عز وجل د ذ فالدال دين الله الذي ارتضى لعباده والذال من ذي الجلال ر ز فالراء من الرؤف الرحيم والزاء زلازل يوم القيمة س ش فالسين سناء الله والشين شاء الله ما شاء واراد الله ما اراد وماتشاؤن الا ان يشاء الله ص ض فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط وحبس الظالمين عند المرصاد والضاد ضل من خالف محمدا وآل محمد صلى الله عليه وآله ط ظ فالطاء طوبى للمؤمنين وحسن مآب والظاء ظن المؤمنين بالله خيرا وظن الكافرين به شرا ع غ فالعين من العالم والغين من الغني الذي لا يجوز عليه الحاجة على الاطلاق ف ق فالفاء فالق الحب والنوى وفوج من افواج النار والقاف القرآن على الله جمعه وقرآنه ك ل فالكاف من الكافي واللام لعن الكافرين في افترائهم على الله الكذب م ن الميم ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول عز وجل لمن الملك اليوم ثم ينطق ارواح انبيائه ورسله وحججه فيقولون لله الواحد القهار فيقول الله جل جلاله اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب والنون نوال الله للمؤمنين ونكاله للكافرين وه‍ فالواو ويل لمن عصي الله من عذاب يوم عظيم والهاء هان على الله من عصاه لا ي ولام‌الف لا اله الا الله وهي كلمة الاخلاص ما من عبد قالها مخلصا الا وجبت له الجنة والياء يد الله فوق خلقه باسط بالرزق سبحانه وتعالى عما يشركون ثم قال عليه السلام ان الله تبارك وتعالى انزل هذا القرآن بهذه الاحرف التي يتداولها جميع العرب ثم قال لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا

ومنها ما في التوحيد ايضا عن عليّ عليه السلام قال عليه السلام ما من حرف الا وهو اسم من اسماء الله تعالى ( عز وجل خ ) اما الالف فالله لا اله الا الله هو الحي القيوم واما الباء فباق بعد فناء خلقه واما التاء فتواب يقبل التوبة عن عباده واما الثاء فالثابت الكائن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا الآية واما الجيم فجل ثناؤه وتقدست اسماؤه واما الحاء فحق حي حليم واما الخاء فخبير بما يعمل العباد واما الدال فديان الدين واما الذال فذو الجلال والاكرام واما الراء فرؤف بعباده واما الزاء فزين العابدين واما السين فالسميع البصير واما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين واما الصاد فصادق في وعده ووعيده واما الضاد فالضار والنافع واما الطاء فالطاهر المطهر واما الظاء فالظاهر المظهر لا ياته واما العين فعالم بعباده واما الغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه واما الفاء ففالق الحب والنوى واما القاف فقادر على جميع خلقه واما الكاف فالكافي الذي لم يكن له كفوا احد ولم يولد واما اللام فلطيف بعباده واما الميم فمالك الملك واما النون فنور السموات والارض من نور عرشه واما الواو فواحد صمد لم يلد ولم يولد واما الهاء فهاد لخلقه واما لام‌ الف فلا اله الا الله وحده لا شريك له واما الياء فيد الله باسطة على خلقه الحديث

ومنها ما روي عنهم عليهم السلام في التعقيب اللهم بالف الابتداء بباء البهاء بتاء التأليف بثاء الثناء بجيم الجلال بحاء الحمد بخاء الخفاء بدال الدوام بذال الذكر براء الربوبية بزاء الزيادة بسين السلامة بشين الشكر بصاد الصبر بضاد الضوء بطاء الطهر بظاء الظلام بعين العلم بغين الغفران بفاء الفردانية بقاف القدرة بكاف الكلمة التامة بلام اللوح بميم الملك بنون النور بواو الوحدانية بهاء الهيبة بلام ‌الف لا اله الا انت بياء يا ذا الجلال والاكرام الدعاء

ومنها ما في التوحيد ايضا باسناده عن الجارود بن زياد بن المنذر عن ابي جعفر محمد بن عليّ الباقر عليهما السلام قال لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهر فلما كان ابن سبعة اشهر اخذت والدته بيده وجاءت به الى الكتاب واقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال عيسى على محمد وآله وعليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم فقال له المؤدب قل ابجد فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال هل تدري ما ابجد فعلاه بالدرة ليضربه فقال يا مؤدب لا تضربني ان كنت تدري والا فسلني حتى افسر لك قال فسر لي فقال عيسى على نبينا وآله وعليه السلام الالف آلاء الله والباء بهجة الله والجيم جمال الله والدال دين الله هوز الهاء هول جهنم والواو ويل لاهل النار والزاء زفير جهنم حطي حطت الخطايا من المستغفرين كلمن كلام الله لا مبدل لكلماته سعفص صاع بصاع والجزاء بالجزاء قرشت قرشهم فحشرهم فقال المؤدب ايتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب

ومنها فيه ايضا باسناده عن الاصبغ بن نباتة قال قال امير المؤمنين عليه السلام سأل عثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير ابجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله تعلموا تفسير الابجد ( ابجد خ ) فان فيه الاعاجيب كلها ويل لعالم جهل تفسيره فقيل يا رسول الله ما تفسير ابجد فقال صلى الله عليه وآله اما الالف فآلاء الله حرف من اسمائه واما الباء فبهجة الله واما الجيم فجنة الله وجلال الله وجمال الله واما الدال فدين الله واما هوز فالهاء هاء الهاوية ويل لمن هوى في النار واما الواو فويل لاهل النار واما الزاء فزاوية في النار نعوذ بالله مما في الزاوية واما حطي فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة الى مطلع الفجر واما الطاء فطوبي لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله عز وجل ونفخ فيها من روحه وان اغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت بالحلى والحلل متدلية على افواههم واما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون واما كلمن فالكاف كلام الله لا تبديل لكلمات الله ولن تجد من دونه ملتحدا واما اللام فالام ( فالمام ظ ) اهل الجنة بينهم في الزيارة والتحية والسلام وتلازم اهل النار فيما بينهم واما الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى واما النون فنون والقلم وما يسطرون فالقلم قلم من النور ( نور خ ) وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا واما سعفص فالصاد فصاع بصاع وفص بفص يعني بالجزاء ( الجزاء خ ) الجزاء كما تدين تدان ان الله لا يريد ظلما للعباد واما قرشت يعني قرشهم فحشرهم ونشرهم الى يوم القيمة فقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون انتهى

وقد ذكرت الروايات بطولها لما فيها من الاسرار الغريبة فظهر لك من هذه الاحاديث صدق ما ذكرنا ان هذه الحروف في انفسها مع قطع النظر عن القرانات والاضافات التي هي الحجب والاستار لا تدل الا على نفسها التي هي تجل ( تجلي خ ) من ربها فتدل على حسب ظهور ذلك التجلي في ذلك الحرف من غير اشارة وكل اسم وصفة الهية وفعل وحادثة ربانية مبدوة بهذه الاحرف او مناسبة لها باتم المناسبة فهي دالة عليها واسم لها كما يظهر ذلك من تضاعيف الاخبار الواردة في تفسيرها واختلافها فيه ومرد الجميع الى الاسماء والصفات والافعال الالهية هذا اذا اردنا بالنفس في قوله عليه السلام لا تدل على غير نفسها هي النفس التي من عرفها فقد عرف الله وهي الحقيقة الواردة في حديث كميل لما سأل عن الحقيقة فقال عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر واما اذا اردنا بالنفس حقيقتها من حيث هي مع قطع النظر عن القرانات والاضافات الخارجية فلها معاني عجيبة واسرار غريبة تدل تلك الحروف عليها وهي معاني انفسها بل هي انفسها كما قال عليه السلام وروحي له الفداء وها انا اشير الى بعض تلك المعاني وانموذج منها اذ بالتفصيل يطول الكلام اقتداء لاهل الفن واقتفاء لاثرهم

اما الالف فقالوا انها من حيث الحقايق غيب لا يدرك ومحيط لا يملك ومن حيث اللطايف جوهر بسيط ومن حيث الاشارة وحدة مطلقة ومن حيث العبارة انوار مشرقة وهو حرف نوراني وسر رباني روحاني جمالي صامت مفرد وهو اسم للقائم الاعلى الذي منه اسم الله ثم لكل مستخلف في القيام كآدم والكعبة واعلم ان الالف سر الاسرار ونور الانوار ومفتاح الغيوب ومصباح القلوب فالباء بهاء الالف والتاء تاج الالف والثاء ثناء الالف والجيم جمال الالف والحاء حياء الالف والخاء خلق الالف والدال دوام الالف والذال ذات الالف والراء روح الالف والزاء زين الالف والسين سناء الالف والشين شرف الالف والصاد صفاء الالف والضاد ضياء الالف والطاء طيف الالف والظاء ظاهر الالف والعين عالم الالف والغين غاية الالف والفاء فهم الالف والقاف قلب الالف والكاف كمال الالف واللام لطف الالف والميم ملك الالف والنون نور الالف والهاء هداية الالف والواو ولاية الالف والياء يقين الالف وهو حار يابس في الدرجة الاولى على الجملة ومن حيث التفصيل فيه برودة وهو في الدرجة الثالثة وحرارة في الدرجة الخامسة وهو اول مخلوق في الحروف وقد جعل الله فيه سر مراتب الحروف ومقام الالف مقام الجمع ومخرجه من المصدر وهو اول الاسم الاعظم وله من الملائكة جبرائيل ومن الايام يوم الاحد ومن الساعات ساعة الشمس ومن العلوية اسرافيل ومن المنازل الشرطين ومن البروج الاسد ومن السفلية الذهب ومن الهوائية همطائيل ومن البخور العود ولبان ذكر ومن خواصه الالفة والمحبة وغيرهما ( غيرها خ ) مما لسنا بصدد ذكره

اما الباء فمن حيث الحقايق مظهر جليل ومن حيث اللطايف قلم تفصيل ومن حيث الاشارة مبدأ ودليل ومن حيث العبارة سبب وسبيل وتعليل وهو حرف هوائي ظلماني سفلي جسماني جمالي ناطق متواخي ينصرف في خاصة الخاصة ومعناه انه السبب الظاهر ومنه مبدأ الاسم العلي وهو حرف من حروف الاسم الاعظم وهو حرف اشارة من قبيل الذات وفيه ايضا سر مضمر حيث قال كنت كنزا مخفيا اه‍ فهي متصرفة في الخلق علوية وسفلية ( علويه وسفليه خ ) وهي من الحروف الباقية الى يوم القيمة وهي ( هو خ ) من باطن الالف ومدة بلا نقطة لانه عين ذلك كما ان عين الموجودات جميعها النقطة وفيها سر الاعداد وفيها معرفة الكون والفساد بها كان حقايق الاكوان وحرف الباء حار رطب في الدرجة الاولى على نسبة التفصيل وهو سر العالم الاختراعي وفيه سر الالف المبسوط الذي هي مقام النفس الكلية وله من الايام يوم الاثنين ومن الساعات الساعة الاولى منه ومن الملائكة اسرافيل ومن الارواح السفلية ابيض ومن الكواكب القمر ومن المنازل البطين ومن البروج السرطان ومن الملوك الهوائية بنيائيل ومن الاسماء الحسنى كل اسم يكون اوله حرف الباء مثل باسط وبديع

واما الجيم وهو حرف عالم الملكوت مشترك فيه جميع العالم العلوي ومن حيث الحقايق من حروف الجسم وهو مظهر جمالي ومن حيث اللطايف لوح اتصالي ومن حيث الاشارة جمع جمال ومن حيث العبارة عقل فعال وهو حرف مائي ظلماني سفلي جمالي جلالي متواخي يتميز في العامة ومعناه انه اسم للجمع العلي الذي تظهر به جميع الاسماء وينطق به الاسم الجامع وهو حرف جليل القدر ظهر فيه اسم الاحدية وهذا الحرف ينصرف في الخير والشر وهو في الاصل ينطق بثلاث جيمات فاول ذلك جيم الجمال فكانت مظهر الجمالات كلها وهي الجنة وجيم الجلال فكانت منها جهنم وجيم الجبروت وهي المعبر عنها بجيم ( بجميع خ ) القهر ويجمع الجميع مظهر الرحموتية وهو بارد رطب له من الايام يوم الجمعة ومن الساعات الزهرة ومن البروج الثور ومن المنازل الجبهة ومن الملائكة العلوية عنائيل ومن السفلية ذوبعة ومن الهوائية جهطائيل ومن الاسماء جامع جليل جواد وكل اسم يكون اوله الجيم

واما الدال فهو من حيث الحقايق حضرة كمال ومن حيث اللطايف مقام اعتدال ومن حيث الاشارة دوام واستقلال ومن حيث العبارة تكون اقبال وهو حرف ظلماني ترابي سفلي وهو بارد يابس في الدرجة الاولى وبرودته في الدرجة الثانية وبه كمل الله تعالى الطبايع في عالم التفصيل والتركيب وظهر هذا الحرف في اسمه الدائم خصوصا وفي اسمه الودود عموما ونطق في الاسمين الشريفين الذين هما احمد ومحمد وله من الايام يوم الاربعاء ومن الكواكب عطارد ومن البروج برج الجوزا ومن المنازل الدبران ومن الملوك العلوية دردائيل ومن السفلية برقان ومن الهوائية دمطائيل ( ومطائيل خ ) ومن الاسماء دائم ومن البخور دارفلفل

واما الهاء فهو من حيث الحقايق وجوب وجوده ومن حيث اللطايف علم شهوده ومن حيث الاشارة احاطة غيب كل ظاهر ومن حيث العبارة سرور الارواح وهو حرف ناري هوائي من حروف الصدر روحاني جلالي صامت مفرد متميز في خاص الخاص وهو حرف قائم بنفسه ذاته من بواطن التوحيد وله من الايام يوم الجمعة ومن البروج الثور ومن الكواكب الزهرة ومن العلوية همصائيل ومن السفلية ذوبعة ومن الهوائية هعشمائيل ومن المنازل هنعه ومن الاسماء هو الهادي ومن الآيات هو الله الذي لا اله الا هو

واما الواو فهو حرف من حروف العرش وهو من حيث الحقايق وجود مطلق ومن حيث اللطايف شهود مفلق ( مغلق خ ) ومن حيث الاسرار رفع باطنه هو حرف هوائي ظلماني جمالي صامت منفرد متميز في خاصة الخاصة وله من الايام يوم الثلثاء ومن الكواكب المريخ ومن البروج العقرب ومن المنازل العوا ومن العلوية طفيائيل ومن السفلية الاحمر ومن الاسماء الحسنى كل اسم اوله الواو

واما الزاء وهو من حيث الحقايق عظمة بلا تقدير ومن حيث اللطايف مرتبة التصوير ( للتصوير خ ) ومن حيث الاشارة قوة مرام ومن حيث العبارة نيل ادب وهو حرف مائي ظلماني وله من الايام الاربعاء ومن الكواكب عطارد ومن البروج الجوزاء ومن المنازل الزبانا وله من الخدام ميكائيل ومن السفلية برقان ومن الهوائية هطهائيل ( ههطائيل خ ) ومن الاسماء الحسنى كل اسم اوله الزاء

واما الحاء وهو حرف نوراني وهو من حيث الحقايق جرم لا ضد فيه ومن حيث اللطايف جب لا سبيل للوصول اليه ومن حيث الاشارة بكامل صورة غيبية ومن حيث العبارة خروج من ضيق وعسر وهو حرف ترابي نوراني علوي روحاني جمالي صامت متواخي يتميز في صفاء عين الخلاصة ومعناه انه اسم للكمال العلي الظاهر الذي منه اسمه الحي وهو حرف عظيم القدر وقوته الظاهر فيه ثمانية تشير الى ابواب الجنة وهو حرف بارد في الدرجة الثانية في الجملة وعلى التفصيل حرف حار في الدرجة الاولى ومن نسبته ( نسبة خ ) الحيوة وله من الايام يوم الخميس ومن الكواكب المشتري ومن البروج القوس ومن المنازل الفرع المؤخر ومن الملائكة العلوية حرفيائيل ومن السفلية شمهورش ومن الهوائية حطائيل ومن الاسماء كل اسم اوله الحاء مثل الحي الحكيم

واما الطاء فهو من حيث الحقايق علم احاطة ومن حيث اللطائف تجريد باماطة ومن حيث الاشارة تخلص تام ومن حيث العبارة انتقال وهو حرف من حروف الاستعلاء وهو سر في المبادي وله سر في العوالم العلوية وهو اصل في اللطائف السفلية واصل في التركيب البسطي وله من الايام السبت ومن الكواكب زحل ومن البروج الدلو ومن المنازل طرفه ومن البخور الصندل ومن الملوك العلوية شمخائيل ومن السفلية ميمون ومن الهوائية مهطائيل

واما الياء فهو من حيث الحقايق عز لا يرام ومن حيث اللطايف قوة انعام ومن حيث الاشارة مسند كلي ومن حيث العبارة حصول معلوم وهو حرف من حروف الكرسي وهو نور خلقه الله في الكرسي به تشكلت الاشياء في عالم الابداع الاول وبه يتصرف في عالم الابداع الثاني وهو حرف حار رطب اصله الرطوبة في الدرجة الثانية والحرارة في الدرجة الاولى وللياء اسناد كلي والاسم منه مخفي وله من الايام يوم الجمعة ومن الكواكب الزهرة ومن البروج الثور ومن المنازل الحرمان ومن الارواح العلوية عنائيل ومن السفلية ذوبعة ( ذويعة خ ) ومن الهوائية هطمهطائيل ( مطيمهطائيل خ ) ومن الاسماء ياه‌يه‌يهيه

واما الكاف فهو من حيث الحقايق كمال ظهور ومن حيث الاشارة رتق وفتق ومن حيث المعنى رق منشور ونسبته نسبة الالف سواء وله من الايام يوم الخميس ومن الكواكب المشتري ومن البروج القوس ومن المنازل البطين ومن الملوك العلوية سمسمائيل ومن السفلية شمهورش ( شهورش خ ) ومن الهوائية قهطهائيل ( قههطيائيل خ ) ومن الاسماء الحسنى كل اسم اوله الكاف مثل الكافي الكريم والكبير واعلم ان الكاف هو باطن الامر وباطن العلم وباطن العرش وباطن الكرسي وباطن السور وباطن الاملاك وباطن العوالم جميعا والكاف سر العقل والنون سر الروح والكاف والنون هما خزاين الله من قوله كن فيكون والكاف سر الامر والنون سر المأمور

واما اللام فهو اصل بدو وتمام وهو من حروف التعريف وهو من حرف الاسم الاعظم وهو من الحروف الازلية وبها قوة الفية وهو من الحروف ( حروف خ ) العوالي وهو من الحقائق نسبة ( نسبته خ ) الامر ومن حيث الاشارة مظهر الجمال والجلال ومن حيث اللطائف ذات اللطف وله من الايام يوم الاثنين ومن الكواكب القمر ومن البروج السرطان ومن المنازل سعد السعود ومن العلوية صلصائيل ومن السفلية الحارث ومن الهوائية شمطائيل ومن البخور مصطكي ومن الاسماء كل اسم اوله اللام مثل اللطيف

واما الميم فهو من حيث الحقايق نفس كلية لانه لا شكل له في ذاته ولا نطق له في صفاته وهو من حروف اللوح وهو حرف حار على الجملة وعلى التفصيل جمع بين رطوبتين وله من الايام يوم الخميس ومن الكواكب المشتري ومن البروج الميزان ومن المنازل نعايم ( نهايم خ ) ومن السفلية شمهورش ومن العلويات طههائيل ومن الهوائية هطمائيل ومن الاسماء كل اسم اوله الميم

واما النون فهو من حيث الحقائق حرف نور واحاطة ومن حيث الاشارة نور محض وهو حرف بارد رطب من حيث الجملة وعلى التفصيل حار رطب في الدرجة الرابعة وهو من صور العرش وحقيقة الامر العلي لانه هو باطن العلم والقلم وظاهر العرش وسر الامداد ( الابداع خ ) وله من الايام يوم الثلثاء ومن الكواكب والساعات المريخ ومن البروج الحمل ومن المنازل الغفر ومن الملوك العلوية نوريائيل ومن السفلية الاحمر ومن الهوائية همطائيل ومن الاسماء كل اسم اوله النون

واما الصاد فهو من حيث الحقائق صفاء محض ومن حيث الاشارة حرف صمدانية ومن حيث اللطائف فيه سر الصفات وهو حرف بارد في الدرجة الرابعة على الجملة واما التفصيل حرارة وسطية ( وسيطة خ ) وهو حرف من حروف الملكوت وهو صور المعلوم وهو الحامل للارواح العلوية والسفلية وهو المكان اللطيف وزمان التصريف وهو حرف قائم بنفسه

واما العين فهو من حيث الحقائق سر الحجب الملكوتية ومن حيث الاشارة فيها قوة علمية ومن حيث اللطائف غيب لا يدرك وهو حرف بارد رطب في الدرجة الرابعة من حيث الجملة ومن حيث التفصيل فيها رطوبتان وهو اول صور العرش واول حروفه واول عوالمه واول عوالم اختراعه وله من الايام يوم الاحد وقد تقدم ذكر الاحد وما له من البروج والمنازل

واما الفاء فهو من حيث الحقايق حرف ينطق بالفردية ومن حيث النسبة حرف مجوف وينطق عن عالم الملك والملكوت وهي حرف ناري حار في الدرجة الرابعة وللفاء من الايام يوم الاثنين وقد تقدم ما له من البروج والمنازل فلا نعيده

واما السين فهو حرف عظيم القدر من عالم الامر وهو اول حرف القي من الباء وهو اصل ايجاده ومعطي حقيقته وهو اول سر قامت به السموات والارض وهو من حروف الاسم الاعظم وله شكل في العرش وله ظاهر وباطن فظاهره صامت وبه قامت السموات وبباطنه امسكت العلويات من الكرسي والعرش وما هو من نسبتها من ملائكة العلوي

واما القاف فهو حرف احاطة وقهر وهو نور الانوار وهو حقيقة ما اظهره القلم وهو حرف بارد من حيث الجملة وهو حرف ممتزج في الدرجة الخامسة وهو حرف احاطي ونسبته في الاسماء التسعة والتسعين وهي داخلة تحت الاسم الاعظم بكماله لانه تمام المأة

واما الراء فهو حرف عالم الاختراع وفيه سر بعث الارواح وهي دائرة الهاء التوحيدية في الدائرة النبوية وهو بارد في الدرجة الخامسة واول حرف كتبه القلم واول حرف انتقش في العرش

واما الشين فهو مبدأ الوجود الثاني واصل الاختراع الثاني ومبدأ المثلث الظاهر بالحروف المعجم وهو سر ظهوره في العالم الاسفل في العالم الاعلى وهو حرف ناري حار يابس في الدرجة الرابعة في الجملة ومن حيث التفصيل في المرتبة الرابعة التي تحت الثالثة التي تحت الثانية التي تحت الدقيقة

واما التاء فهو مجمع كل تفصيل من حيث الامر ومن حيث الاشارة ثبوت الالهية ونفي الاغيار ( الاعتبار خ ) وهو حرف عظيم القدر ونطق باسمه تواب وله من الايام يوم السبت وقد مضى ما هو المخصوص بهذا اليوم من العوالم والاحوال والملوك

واما الثاء فهو حرف ثبوت كالجبل العظيم ورتبته اقوى الرتب وله من الايام يوم الخميس وما يختص به من البروج والمنازل ومن الاسماء كل اسم ينطق بالثاء مثل ثابت ومغيث وغياث وباعث ومن ادرك سر هذا الحرف نال الكشف على سر الحكمة الالهية

واما الخاء وهو حرف حيرة وخيرة ( خيره خيرة خ ) وهو حرف مائي من حيث الجملة ومن حيث التفصيل حرف ترابي وله من الاسماء كل اسم ينطق به اوله مثل الخبير وله من الايام يوم الخميس وما يختص به

واما الذال فهو من حيث الحقائق حكيم ومن حيث اللطائف فهيم وهي ( هو خ ) حرف قوي الطبع يعطي حامله قوة قهرية وهو حرف ناري حار يابس في الجملة وعلى التفصيل في الدرجة الخامسة وله من الايام يوم الثلثاء وما يناسبه من البروج والمنازل والملوك

واما الضاد فهو من حيث الحقائق مظهر انتقام ومن حيث الاشارة ظهور كون واكوان وهو حرف حار رطب من حيث الجملة ومن حيث التفصيل هو حرف بارد يابس وله من الايام يوم السبت ومن البروج السنبلة ومن الكواكب زحل الى آخر ما بيناه

واما الظاء فهو حرف ضياء وظهور وفيه ظهرت الكرامات العظيمة في التلفظ والنطق من الاسماء العظام وهو من الحروف العلوية وهو حرف هوائي حار رطب في الدرجة الرابعة في الاجمال وفي الدرجة الخامسة في التفصيل

واما الغين فهو غناء مطلق وغياث لمن استغاث وهو حرف مائي في الدرجة الرابعة على الاجمال وفي الخامسة على التفصيل وفي السابعة على تفصيل التفصيل وهو نوراني باطني سرى في انواع اختصاصه بامر الهي وله من الايام يوم السبت وجميع ما يختص بذلك اليوم من البروج والمنازل والملوك وهذا الذي ذكرنا قليل من كثير ما ذكر علماء الفن من معاني الحروف في نفسها فاذا اطلق كل حرف مفردا مفردا يراد به نفس معناها او معنى نفسها ومعنى نفسها هو الذي اشرنا الى مجملها واما التفصيل فلا يناسب ( فلا يناسبه خ ) المقام فليطلب في الكتب المفصلة في هذا الشأن وهذا هو المراد بقوله عليه السلام والحروف لا تدل على غير انفسها ونفسها هي الامور والاحوال المذكورة التي ذكرناها فافهم

ولما كانت هذه الدقايق امورا خفية لا يهتدي اليها الا الاقلون الذين كشف الله عن نور ابصارهم وبصائرهم تحير المأمون في معنى هذا الكلام وقال كيف لا تدل على غير انفسها اي اي شيء نفسها واي شيء دلالتها على نفسها وما كيفية هذه الدلالة ولما كان المأمون ومن حضر لم يكونوا ممن يشرح لهم تلك الاحوال ويبين لهم تصاريف الحروف ومعانيها الالهية التي جعلها الله تعالى لها من الاسرار الخفية وانحاء التأثيرات والتصريفات اما لقلة ادراكهم وتفطنهم لدقائق الامور او لطلبهم كيفية ظهور تلك المعاني والتأثيرات والتصريفات وكان يترتب على اظهارها فساد كلي اعرض عليه السلام عن بيانها ونظر الى ما قال الله عز وجل ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا فاشار عليه السلام الى كيفية تأليف الحروف للمعاني وتحصيلها من الهيئة التركيبية ولا شك ان اللفظ لا يحصل قبل التأليف الحروف ولا يحصل ( التأليف ولا يحصل خ ) المعنى المخصوص المختلف قبل تحقق اللفظ فاختلاف المعاني باعتبار الهيئات والصور المختلفة على تلك الحروف التي هي بمنزلة المادة والهيولي لها ولا ريب ان تلك الحروف لا يدل على تلك المعاني الحاصلة بالهيئة التأليفية فقبل التأليف لا يدل الا على نفسها فاذا قلت ا ب ت ث لا تريد بها معنى غير نفس هذه الاحرف وما اودع الله سبحانه في سرها من الحقايق واللطائف والاشارات

واما المعاني المحدثة فلا تدل الحروف عليها ولما ذكر عليه السلام سابقا ان الالفاظ والعبارات كلها من الله سبحانه وبين ان الواضع هو الله تعالى اراد عليه السلام في ضمن البيان تشييد تلك الدعوى وتأسيس ذلك البناء فقال عليه السلام لان الله تعالى لا يجمع شيئا منها لغير معنى ابدا فبين عليه السلام ان دلالة اللفظ على المعنى بوضعه له والوضع انما هو جمع الحروف وتأليفها وصوغها على هيئة المعنى المقصود للدلالة على معنى ( المعنى خ ) المقصود لا غير والجامع لتلك الحروف بتلك الهيئات هو الله تعالى فيكون سبحانه هو الواضع لها على جهة العموم وخالقها ومودعها في الخزائن الغيبية ثم انزلها الينا شيئا فشيئا بواسطة خلق علم ضروري فينا لئلا نحتاج لادراكها الى وسائط ليلزم الدور او تعسر الوصول وتعذر بالاشارات والترديد بالقرائن ولذا قال عليه السلام فاذا الف منها احرفا اربعة او خمسة او ستة او اكثر من ذلك او اقل لم يؤلفها لغير معنى ابدا ولم يكن الا امر محدث لم يكن قبل ذلك ونبه عليه السلام بل صرح بقوله هذا ان الدلالة لا تكون الا بالوضع مطلقا لانها انما حصلت بعد التأليف وهو امر حادث وذلك لا يخلو اما ان يؤلفه مؤلف عبثا وهباء ثم يأتي الآخرون ويضعون تلك الجمل المؤلفة للمعاني من دون ملاحظة المناسبة او تكون لكل جملة مجتمعة مناسبة لمعنى من المعاني فتدل عليه بلا حاجة الى وضع وجعل وتخصيص ابدا و( او خ ) لما كان ما ينسبون الى اهل القول بالمناسبة الذاتية بين الدال والمدلول انكار القول بالواضع مطلقا لا يتم ولا يتحقق الا بهذا القول نفي عليه السلام ذلك وقال ان الجامع المؤلف هو الله تبارك وتعالى فكيف يتصور ان يجمع الله سبحانه حروفا لا لاجل المعنى ثم تدل عليه بالمناسبة او بالوضع بل الله سبحانه الفها وجمعها رباعية او خماسية او سداسية او ثلاثية او ثنائية لاجل معنى لا محالة والا كان سبحانه عابثا تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا فلم يكن التأليف الا لمعنى فلا تنفك الدلالة عن الوضع ابدا

واما القول بالمناسبة فمن جهة تأليف تلك الحروف وجمعها على هيئة وترتيب مناسبة للمعنى المراد لا عدم الوضع مطلقا كما هو الحق الذي لا مناص عنه وقد شرحت تفصيل القول في ذلك في الرسالة الموضوعة لتحقيق المناسبة بين اللفظ والمعنى وتحقيق الحق في الواضع ونبه عليه السلام ايضا على ان المعنى المدلول عليه من اللفظ متأخر او مساوق اللفظ فيكون اللفظ قبل المعنى مع ان المشهور المعروف الذي ملأ الاصقاع وخرق الاسماع ان المعنى مقدم على اللفظ وان اللفظ فرع اتى به مقدمة لافادة المعنى واستفادتها فكيف يكون الفرع مقدما على الاصل والجواب ان المعنى قد يطلق ويراد به الامر الخارجي الموضوع له المقصود للافادة والاستفادة وهذا لا شك انه مقدم على اللفظ وانه انما يصاغ على هيئة نسبته ولافادته واستفادته وهو الموضوع له فلو لم يكن موجودا متحققا ثابتا لا يعقل ( لمايعقل خ ) ما ذكرناه ومرة يطلق المعنى ويراد به المعنى الحاصل المفهوم من اللفظ الواقع في النفس بواسطة قرع اللفظ بتوسط تصادم اجزاء الهواء طبل الاذن فينتقش صورته في الحس المشترك على حسبه من الصفاء والكدورة والسعة والضيق ثم من الحس المشترك ينتقش في الخيال ثم منه ينتقش في النقش فتدرك المراد وتفهم ولا شك ان الامر ( المعنى خ ) المدرك امر انتزاعي من اللفظ وانما هو شبح له وصفة استدلال عليه فان المعنى على ما هو التحقيق هو الدلالة الحاصلة من اللفظ الواقعة على قلب المخاطب المحدودة بحدود القلب والدلالة شعاع لللفظ ولذا كانت صفة له لا صفة المعنى وانما هي نفس المعنى من الجهة العليا فالذي احتمل ان تكون الدلالة صفة للمعنى فقد اخطأ ولا يستريب عاقل ان المعنى المفهوم من اللفظ من حيث هو كذلك ليس هو العين الخارجي ضرورة وقوع الاختلاف في المعنى المدرك المفهوم من اللفظ ووحدة الامر الخارجي وعدم تغيره ولكن لما كان المعنى المدرك صفة استدلال للعين الخارجي تبطل المغايرة في النظر والوجدان ومثال ذلك المرآة والمقابل فانك اذا اردت ان تظهر امرا لست مقابلا له اخذت لاجل اظهاره مرآة فانطبعت صورة المقابل فيها فعرفتها بالصورة والشبح لا بالحقيقة والذات والا لما احتجت الى المرآة فهناك ثلثة اشياء ظاهرة عين خارجي متأصل هو المقصود بالذات والمتوجه اليه بالحقيقة وشبح منفصل عنه في المرآة مساوق للمرآة او متأخر عنها في الوجود اذا جعلت المرآة عبارة عن الزجاجة او متأخر عنها في الظهور والتحقق لا في الوجود والتكون اذا جعلتها عبارة عن نفس الصورة من حيث حكايتها ودلالتها على المقابل الخارجي وشبح منفصل عن المرآة في العين على ما هو التحقيق في الابصار بانه بالانطباع لا بخروج الشعاع

هذا بحسب الظاهر واما في الحقيقة هناك اربع اشياء المقابل والشبح المنفصل عن الشبح المتصل به في وقت بروزه ومكان ظهوره والشبح المنفصل عن الشبح المنفصل عن الشبح المتصل في المرآة والشبح المنفصل عن الشبح المنفصل عن الشبح المتصل في العين فامعنى الحقيقي الذي وضع اللفظ بازائه هو المقابل واللفظ مرآة تقابل ذلك المعنى بذاته او بشبحه المنفصل وقلب المخاطب مرآة تقابل اللفظ فما في القلب من المعنى شبح وشعاع لما في اللفظ وما في اللفظ شبح وشعاع للعين الخارجي ولا شك ان هذه الاشباح والاشعة متأخرة عن وضع اللفظ وهي امر محدث لم يكن قبل ذلك كما ان صورتك امر محدث لم تكن قبل المرآة على المعنى الاعم فاذن لا منافاة بين قوله عليه السلام ولم يك الا امر محدث لم يكن قبل ذلك وبين ما هو المحقق المعلوم ان المعنى اصل لللفظ واللفظ فرع اتى به للافادة والاستفادة بل في كلامه عليه السلام اشارة الى تلك الحقائق التي تبتني عليها العلوم والاسرار خصوصا في التوحيد فان كل ذلك شرح كلام جده امير المؤمنين عليهما السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون فافهم الاشارة بصريح العبارة ونبه ايضا عليه السلام بل صرح ان المعاني المتحصلة بعد التأليف والتركيب لم يكن قبل التأليف في الاجزاء الحرفية وعلى هذا المعنى يحمل قوله عليه السلام ماوصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة ه‍ فان المعاني المختلفة المتجددة لا تحصل الا بتأليف الحروف وتركيبها ونظمها على وجه يليق والتأليف لا يكون الا بعد وجود الحروف والحروف لا توجد الا بانعطاف الالف اللينية وميولاتها الى جهة الحدود والقيود فعدم الانعطاف دليل على عدم الحروف الذي هو دليل على عدم التأليف الذي هو دليل على عدم افادة المعنى اصلا فحاصل مراده عليه السلام انه ليس عندكم شيء من فضائلنا بوجه من الوجوه وانما عبر بالالف الغير المعطوفة ولم يعبر بالحروف الغير المؤلفة لافادة المعنى لان الحروف مبادي الحروف المتمايزة التي قوتها القريبة التأليف واما الالف الغير المعطوفة فليس هناك شيء لا اجمال ولا تفصيل فالمبالغة والتأكيد في عدم وصول شيء من فضائلهم صلى الله عليهم الى شيعتهم ابدا في الالف الغير المعطوفة آكد واكثر كما لا يخفى فظهر ان في كلامه عليه السلام التنبيه الى ثلثة اشياء وكلها مراده كما اشرنا اليه فافهم وتفطن

والمراد من باقي الفقرات في قوله عليه السلام جوابا لعمران رحمه الله لما قال فكيف لنا بمعرفة ذلك قال اما المعرفة فوجه ذلك الخ يظهر مما ذكرنا لانها توضيح وتكرير لما ادعاه سابقا واوضحه مشروحا فلا يحتاج الى شرح زايدا عما ذكرنا وقوله عليه السلام وجمعت منها احرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معناه صريح في لزوم المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى لانه عليه السلام بين ان اللفظ صفة للمعنى ( لمعنى خ ) والصفة اذا لم تكن مناسبة مشابهة لم تكن صفة وبينهما اقتران واتصال لم يظهر آثارهما الا بذلك الاقتران وذلك يستلزم المناسبة بين الصفة والموصوف فان الصفة من حيث الصفتية لا تخالف الموصوف وتكون على هيئته وشكله فوجب ان يكون الالفاظ على هيئة المعنى وصفته وذلك ما نعني من المناسبة فان الاصل في الصفة المشابهة والمناسبة كما دريت ولا ريب ان الصفة المناسبة اولى واكمل في النظام واحسن في مدارك الافهام والله سبحانه هو القادر على ذلك ولا يترك سبحانه الراجح الاكمل البتة كما دلت عليه ادلة التوحيد فاذا ثبت ان الواضع هو الله سبحانه ثبتت المناسبة لان الله عز وجل لا يحملها البتة والامام عليه السلام نص على الامرين اي بالمناسبة وبكون الواضع هو الله عز وجل بما لا يحتمل الانكار والمنع

قال عليه السلام واعلم انه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود والصفات والاسماء كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الاحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لان الله جل وعز عن ان تدرك معرفته بالصفات والاسماء ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما اشبه ذلك وليس يحل بالله عز وجل وتقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم بالضرورة التي ذكرناها ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك باسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد الى رؤية عين ولا استماع اذن ولا لمس كف ولا احاطة بقلب فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه واسماؤه لا تدعو اليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لاسمائه وصفاته دون معناه فلولا ان ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله تعالى لان صفاته واسماءه غيره افهمت قال نعم يا سيدي زدني

( اقول خ‌ل ) لما بين عليه السلام بان الحروف هي الاصل في الاشياء كلها وعليها اجتمعت الامور وبها تفريق كل اسم حق وباطل وذكر عليه السلام بسائط الحروف وانها هي الاصل الذي تدور عليه اللغات التكوينية والتدوينية كلها وان تلك العبارات والكلمات الحاصلة من تأليف تلك الحروف صفات واسماء تدل على المعنى المقصود الحقيقي بما فيها من المعنى المحدث الذي لم يكن قبل ذلك وذكرنا من كلامه عليه السلام ان ذلك المحدث هو الدليل على المعنى المقصود الحقيقي الغير المقترن وان كل اسم وصفة تدلان على ذلك المعنى الاقتراني التحديدي من حيث الوضع والجمع والتأليف اراد عليه السلام ان يزيل شبهة ويرفع واهمة وهي ان الحروف لما كانت حادثة باصولها وفروعها كما نص عليه عليه السلام والاسماء والصفات مؤلفة وحاصلة من تلك الحروف فكيف تكون اسماء وصفات للقديم تبارك وتعالى الذي ليس فيه اقتران ولا ارتباط وكيف يعرف الله القديم بالحادث مع ان الشيء لا يعرف الا بما هو عليه وما هو عليه الحادث ان يكون باطلا فقيرا فانيا مركبا محدودا مختلفا ذا معاني كثيرة وكل ذلك خلاف ما ( هو خ ) عليه القديم فكيف يعرف احدهما بالآخر فقال عليه السلام واعلم انه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود

حاصل الجواب ان الصفة لا شك انها غير الموصوف لكنها مستلزمة للموصوف مقترنة به مغايرة معه وكذلك الاسم غير المسمي لكنه مقارن له ومتصل به وكذلك الحد والمحدود وبين هذه الامور استلزام وتضايف لا يكون كل واحد منها من حيث هو كذلك بدون الآخر كما قال امير المؤمنين عليه السلام لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فموصوف تلك الصفات ومدلول تلك العبارات ومسمي تلك المسميات حينئذ لا يجوز ان تكون هي ( من خ ) الذات القديم تبارك وتعالى لكونه منزها عن الاقتران والارتباط فيكون مسمي الاسماء وموصوف الصفات حينئذ هي الافعال والظهورات الفعلية المتعلقة بالمفعولات والمحدودة المقترنة بوجه من وجوهها بها فان الذات البحت من حيث هي لا اسم لها ولا رسم فلما ظهرت بالقدرة سمي قادرا ولما ظهر بالعلم سمي عالما ولما ظهر بالخلق سمي خالقا ولما ظهر بالرزق سمي رازقا وهكذا سائر الاسماء كلها لجهة من جهات الظهورات الفعلية وهي المسماة لها والموصوفة بها من حيث الاقتران والارتباط وهي الموضوعة لها الاسماء والصفات لا غير ولكن لما كانت تلك الموصوفات والمسميات والمدلولات كلها جهة من الجهات الفعلية والفعل بجهاته وشؤناته مضمحل باطل فان الفعل غير مذكور عند الفاعل والذات فاذا رأيت الصفة دلتك على وجود الذات من غير التفات الى فعل او الى حركة او الى ظهور او غير ذلك فلا تنظر اليها الا وتتوجه الى صرف الذات البحت مثلا اذا قلت يا قائم فان القائم اسم لجهة ظهور الشخص بالقيام بالهيئة المعروفة وتلك الجهة الظاهرة بالهيئة الخاصة هي المعتبرة في مدلول القائم ولكنك اذا خاطبت به احدا وقلت يا قائم لا تذكر تلك الجهة ولا تلتفت اليها ولا تخطر بخاطرك ذلك وانما ( قصدك خ ) يتمحض في ارادة الذات البحت غير ملتفت الى شيء غيرها فموصوف تلك الصفات ومسمي تلك الاسماء بهذا الاعتبار هو الذات لا غير اي المقصود من الاسم والمراد من العبارة ما لا تقع ( لا ما تقع خ ) عليه العبارة وتتصل به الاشارة ولذا قال الصادق عليه السلام من عبد الاسم دون المسمي فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمسمي معا فقد اشرك ومن عبد المسمي بايقاع الاسماء عليه فذلك هو التوحيد وفي رواية ومن عبد المسمي دون الاسم فذلك التوحيد ه‍ ولا شك ان المعبود لا يصح ان يكون لغير الذات سبحانه وتعالى فالمسمي ( والمسمي خ ) في هذا الحديث هو الذات لكن على الوجه الذي ذكرت لك بان تلتفت بالاسم الى الذات ولا تلتفت الى الجهة المغايرة ولا الى الظهورات الفعلية فبهذا الاعتبار جاز لك ان تجعل تلك الاسماء والصفات دالات على الذات والدليل على ان الموضوع له للاسماء ( الموضوع للاسماء خ‌ل ) هي الجهات الفعلية لا الذات ان كل اسم لا يدل الا على الجهة الخاصة فيه ولا يدل على غيره مثل الاسم ( اسم خ‌ل ) القائم لا يدل على القاعد والآكل والشارب وغير ذلك فلو كان اسما للذات فاذا دل على الذات دل على جميع الصفات لانها كلها قائمة بها فالدليل على الاصل دليل على الفرع بالطريق الاولى وثانيا ان الاسم لو كان للذات لماجاز ان توصف ( يوصف خ ) بضده الا بعد انقلاب الذات الى حقيقة اخرى وثالثا انه لو كان اسما للذات لزم تغيير الذات باثره فانها قبل القيام مثلا لم يكن قائما ولم يثبت لها هذا الاسم الا بعد القيام فلو كان الاسم للذات لحدث فيها ما لم يكن عندها قبل وهذا هو التغيير ثم ان هذا التغيير انما كان باثره ومن المستحيل ان يكون الشيء متغيرا باثره ومنفعلا عنه وقد ذكرت تفصيل القول في هذا المقام في اجوبة بعض المسائل وقد اشبعنا الكلام هناك بما لا مزيد عليه ومرادنا هنا الاشارة الى نوع البيان لا غير واما انه اذا اطلق لا يراد به الا الذات فمما لا شك فيه وقد اجمع المسلمون بل جميع المليين على ان الصفات والاسماء لله يدعي بها و( قد خ ) قال الله تبارك وتعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه فاذا كانت الاسماء لله تعالى فيكون هو المسمي لها والمراد منها واما المسمي بمعنى المقترن فهو منزه عنه فالصفة اذا اطلقت يراد بها معنيان :

احدهما ملاحظة اقترانها بالموصوف وارتباطها واتصالها به فهذا ( وبهذا خ ) المعنى لا تدل على الكمال والوجود وانما تدل على الحدود والهيئات من التربيع والتثليث ( التثاليث خ ) والتسديس فان الحدود لا تخلو عن الكميات والكيفيات فاذا قلت القائم ونظرت الى جهة الاقتران بالهيئة الخاصة يدلك ( يدل خ ) على هيئة القيام بالشكل ( من شكل خ ) المثلث واذا قلت قاعدا و( او خ ) اردت الهيئة الاقترانية بالجهة الخاصة دلك على هيئة القعود من شكل المربع الا ترى انك اذا نظرت الى الكاتب من حيث تعلق فعله بالكتابة مادلك الا على الهيئات المعوجة والمستقيمة والحدود كلها التي فيها التثليث والتربيع والتسديس وغيرها من الحدود وليس في الذات شيء من هذه الحدود ولا يجوز توصيف الله سبحانه وتعالى بتلك الصفات وليست هي صفات له وانما هي صفات لخلقه

وثانيهما ملاحظة الذات ماحية لجميع القرانات والروابط فالمدلولات والاضافات كلها تحترق عند سطوع شعاع نور الذات

فاذا اطلقت الصفة لا تريد بها الا الذات البحت فهي بهذا الاعتبار يدل على الكمال والوجود ( ولا تدل على الاحاطة خ ) اما دلالته على الكمال فلان الكمال كله في الاستقلال والوحدة كما ان النقص كله في الفقر والكثرة فاذا توجهت بالاسم الى حقيقة ثابتة ( ثانية خ ) ماحية بظهورها جميع الاغيار منتفية عندها جميع الكثرات فقد وصفتها بكل الكمالات والصفات والاسماء وان كانت من حيث التعلقات مختلفة لكن الناظر الى الذات لا ينظر الى التعلقات ولا يلتفت الا الى الحق الثابت البات فالناظر دائما ينظر الى وحدة مستقلة ثابتة وهو الكمال المطلق واما عدم دلالته على الاحاطة فلان ( فان خ ) الشيء اذا عرف بالصفة يعرف بوجه من وجوه فعله لا بعين ذاته مثلا اذا عرفت القائم عرفت ذاتا مستقلة ثابتة ظاهرة بالقيام ولم تعرف ان تلك الذات ( الذوات خ ) ذكر او انثي صغير او كبير ابيض او احمر او اصفر او اخضر جني او انسي مختار او مجبور عالم او جاهل له صفة غيرها ام لا عالي ام داني ( عال ام دان خ ) مجرد ام مادي بسيط ام مركب لطيف ام غليظ طويل ام قصير سخي ام بخيل عادل ام فاسق مستوي الخلقة ام لا وغيرها من الاحوال والصفات الذاتية والفعلية فلو دلتك الصفة على كنه الذات دلتك على هذه الامور وغيرها فانها اعراض والدال على الذات دال على الشؤن والاحوال فلا تدل الصفة على الاحاطة ابدا وهو قول امير المؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ولذا قال عليه السلام فلا تدل على الاحاطة الكشفية كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس يعني ان الصفات من جهة الاقتران والارتباط تدل على الحدود التي هي الشؤن الخلقية وبهذا النظر والاعتبار لا يجوز توصيف الله تعالى بها لان الله عز وجل لا تدرك بالتحديد والتشبيه ويحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السلام والاسماء والصفات كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الاحاطة كما تدل على الحدود والفرق بين معرفة الشيء باسمائه وصفاته وبين معرفته بحدوده فان المعرفة الاولى تدل على الكمال والوجود لان اسم الشيء جهة من جهات فعله فيدل على ذلك الكمال الفعلي ووجود الفاعل والا لماصدر عنه الفعل ولا يدل على الاحاطة لان الصفات ليست اعراضا حالة بالموصوفات قائمة بها قيام عروض بل الصفات الكمالية كلها اعراض قائمة بفعل الموصوف قيام صدور وقائمة بالمفعول قيام ظهور بل قيام تحقق مثاله الصورة الظاهرة في المرآت صفة حاكية للمقابل دالة عليه وليست محيطة به مكتنفة له ( عليه خ ) فان له الف‌الف‌الف صورة ومثال غيرها واما الحدود فلما كانت هي التي عزلت تلك الحصة من المادة عن غيرها من الحصص فكانت محيطة بها مكتنفة عليها من جميع جهاتها فان هيئة التربيع التي حددت المربع جزء مقوم محدد لذات ذلك الشيء من حيث هو كذلك ومن هذه الجهة ترى المنطقيين يسمون الذي يبين الشيء بجميع ذاتياته حدا تاما والذي يبين الشيء ويعرفه بعوارضه وبعض جهاته رسما والرسم هو الاسم والاسم هو الصفة فمن هذه الجهة قال عليه السلام لان الله جل وعز عن ان تدرك معرفته بالاسماء والصفات ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة وما اشبه ذلك فان هذه الحدود نهايات الشيء وهو محاط متناه بها وهو سبحانه ليس يحل به شيء من ذلك حتى يعرف ( يعرفه خ ) خلقه بمعرفتهم انفسهم بالضرورة التي ذكرنا فنفي عليه السلام ان يعرف الخلق بانفسهم ربهم لانهم حوادث مجبولة على الفقر والضعف والاختلاف والكثرة والنقص فكيف يعرف بها ما هو منزه عنها

واعلم ان الروايات في هذا الباب مختلفة ففي بعضها ما يدل على ان الله تعالى لا يعرف بخلقه والخلق حجاب عن معرفته فمن عرف الله بالخلق فقد كفر فمما يدل على ذلك ما روى الكليني (ره) عن الصادق عليه السلام ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به ومن ذلك ما روي عن امير المؤمنين عليه السلام لو عرفت الله بمحمد لكفرت ولو عرفت محمدا صلى الله عليه وآله بالله لحددت ذكرت معنى الحديث على ما اخبرني بعض الثقات ومن ذلك هذا الحديث الشريف في قوله عليه السلام حتى يعرفه بخلقه بمعرفتهم انفسهم ومن ذلك ما يدل على ان الله يعرف به ولا يعرف بغيره كما في قوله عليه السلام اعرفوا الله بالله وفي الدعاء يا من دل على ذاته بذاته وفيه ايضا عن سيد الساجدين عليه السلام بك عرفتك وانت دللتني عليك ولولا انت لم ادر ما انت وامثالها من الروايات الدالة على ان الله تعالى ( سبحانه خ ) لا يعرف بغيره وانما يعرف به مع ما دل من الدليل القطعي القائم على ان الشيء لا يعرف الا بما هو عليه فلا يعرف الطويل بالقصر ولا الابيض بالاحمر وهكذا فيما عدا ذلك وفي بعض الروايات الاخر ما يدل على ان الله ( تعالى خ ) لا يعرف الا بخلقه ولا يعرف بذاته فمن ذلك الحديث القدسي المشهور كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف ومن ذلك الحديث النبوي اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه ومن ذلك الحديث العلوي من عرف نفسه فقد عرف ربه ومنه عنه عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ومن ذلك قولهم سلام الله عليهم بنا عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ماعرف الله ولاعبد الله ومن ذلك هذا الحديث الشريف في الفقرة المقدمة لما سأله عمران باي شيء نعرفه قال عليه السلام بخلقه بمشيته واسمه وصفته ومن ذلك ما روي عن مولينا الحسين عليه السلام في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها الدعاء وامثالها من الروايات لا تعد ولا تحصي والاجماع من كل صاحب دين ومذهب واقع على ان ذات الله سبحانه لا يعرف بذاته ولا يعرف ( الله خ‌ل ) الا من جهة خلقه ويعرف بخلقه وذلك فكيف التوفيق

الجواب لا شك ولا ريب ان الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظائرها وكل شيء لم يخرج عن رتبته ولم يتعد مقامه ولم يتجاوز عن مقام ذاته وحقيقته اذ لا ذكر له ولا وجود وراها فكلما يعرفه ويدركه فهو عنده وهذا معلوم واضح والاثر لما كان فيه فعل وانفعال وقابل ومقبول كانت فيه جهتان جهة تحكي المؤثر وتصفه بخلاف الجهة الاخرى فانها تخالف المؤثر وتعاكسه وتحجبه والكلام الظاهر ( الظاهري خ ) هو ان ( تقول ان خ ) الاثر لما كان كذلك واراد الله سبحانه ان يعرفه نفسه لانه تعالى خلقه لاجلها والمعرفة الذاتية مستحيلة فوجبت التوصيفية فقد وصف الله سبحانه نفسه لخلقه ليعرفوه بها ولما كان الوصف على قسمين وصف حالي ووصف مقالي ولا شك ان الاول اجلى وادل على المراد واكمل في افادة المقصود وامر الله سبحانه يجب ان يكون احسن ما يكون ووصف الله لا بد ان يكون اجلى ما يعقل ويتصور فوجب عليه سبحانه في الحكمة ان يصف نفسه بالوصف الحالي ولما كان الوصف كلما كان اقرب الى من وصف له كان اوضح وادل واكمل ولا شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه فجعل سبحانه ذلك الوصف في انفسهم واودعه فيهم وذلك هو المثال الملقى في هوياتهم كما عن امير المؤمنين عليه السلام في وصف الملأ الاعلى فالقى في هوياتها مثاله فاظهر عنها افعاله وهو قوله عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وذلك الوصف هو وصف معرفته وهيكل توحيده كما ان الاسماء اللفظية والصفات النقشية الرقمية اجسام محدودة مركبة مؤلفة حادثة قد اوجدها الله سبحانه والفها على هيئة تدل على الله سبحانه بكماله من غير التفات الى جهة حدوث تلك الالفاظ وتأليفها وتركيبها وزيادتها ونقصانها كذلك خلق حقائق الاشياء وذوات الموجودات والفها على هيئة وتركيب تدل على توحيده وصفاته ونعوته الجلالية والجمالية وتلك الصفة المخلوقة هي ذات الله الظاهرة للخلق يعني انها ذات خلقها سبحانه ونسبها الى نفسه تشرفا وتكرما وجعلها دليلا عليه وسبيلا الى توحيده ومعرفته فمن عرفها فقد عرف الله ومن جهلها فقد جهل الله فلولا ما من الله على خلقه بايجاد تلك الصفة فيهم ماعرف الله احد وهو قوله عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته اي دل على ذاته القديم ( القديمة خ ) بذاته المخلوقة الحادثة التي هي صفة الكينونة ونورها وظلها ووجهها ودليلها على احد الوجوه وقوله عليه السلام بك عرفتك وانت دللتني عليك ولولا انت لم ادر ما انت ولا شك انه لولا تلك الصفة التي جعلها الله سبحانه في الخلق لم يعرف الله احد من الخلق فهو سبحانه هو الذي عرف نفسه ودل الخلق عليها ولولا جعله سبحانه تلك الصفة لم يعرف الصانع من المصنوع والخالق من المخلوق وقوله عليه السلام اعرفوا الله بالله اي بما جعله الله سبحانه لكم من وصفه فاعرفوه بوصفه ولا تعرفوه بوصف المخلوقين فان الله سبحانه لما كان بخلاف المخلوقين بالضرورة كان وصفه ايضا بخلاف وصفهم فوجب ان يعرف الله سبحانه بوصفه لا بوصف خلقه وقوله عليه السلام ان الله اجل ان يعرف بخلقه اي بصفات الحدوث والفقر والتركيب والضعف وامثالها من الحدود الناقصة وانما يعرف بصفته وتدعى باسمه اختاره لكم لان تعرفوه بها وتدعوه بها ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها

واما كون الخلق يعرفون به فمن جهة ان الله سبحانه هو الذي جعلهم وجعل مداركهم وقواهم ومشاعرهم وجعل صفاتهم وما به يمتازون بعضهم عن بعض فهو سبحانه عرفهم نفسه وعرفهم انفسهم والوصفان كل واحد منهما يجب ان يكون مغايرا للآخر والا لكان كل منهما يوصف بصفات الآخر وذلك كفر محض وزندقة محضة صرفة ولما كان وصف الحق سبحانه منزها عن وصف الخلق وهيئاتهم واحوالهم وذواتهم وصفاتهم وما عليه كينوناتهم وجب ان تقطع نظرك حين النظر والالتفات الى وصف الرب عن كل احوال الخلق ذواتهم وصفاتهم وجواهرهم واعراضهم الى غير ذلك فاذا غمضت ذلك ( هذه خ ) العين تنفتح لك عين الحق فتري بها صفته ورسمه ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام لما سأله كميل عن الحقيقة اي حقيقة التوحيد الظاهرة للخلق من صفة ربوبية الرب عز وجل على ما اودعها الله سبحانه فينا قال عليه السلام في الجواب كشف سبحات الجلال من غير اشارة يعني بالسبحات الحجب المانعة وهي نفوس الخلايق وذلك من غير اشارة لان الاشارة من حدود الخلق واحوالهم التي يجب كشفها وهو قول مولينا الحسين عليه السلام الهي امرت ( امرتني خ ) بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الابرار ( الانوار خ خ‌ل ) الى ان قال حتى ارجع اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير ه‍ فشرح هذا الكلام الشريف جميع الاحوال وجميع الاقوال فان الخلق ينظر في مقامه الى الله سبحانه في توحيده ومعرفته بتلك الصفة وهي لا تظهر الا بعد صون السر عن النظر اليها من حيث الخلقية واجراء احكامها عليه كما في الاسماء اللفظية فانك اذا نطقت بقولك يا الله فلا شك انك لا تلتفت الى كون هذه الكلمة مخلوقة مركبة مؤلفة حادثة بل انما تنظر الى محض القديم تبارك وتعالى بتلك الكلمة مصونا سرك عن النظر اليها وعن ( الى خ ) حدودها واوضاعها ومرفوعا همتك عن الاعتماد عليها وتلك الصفة هي الربوبية التي هي كنه العبودية وهي الروح المنفوخة في آدم في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي وفي الحديث القدسي يا آدم روحك من روحي وطبيعتك على خلاف كينونتي فحاصل الكلام ان الروايات الدالة على ان الله سبحانه ( تعالى خ ) لا يعرف بخلقه فالمراد بها حدود خلقه واحوالهم من الجنسية والفصلية والجوهرية والعرضية والاشتراك والافتراق والجمع والاعتزال والحركة والسكون وما اشبه ذلك بل انما يعرف الله سبحانه بصفة نفسه التي خلقها للخلق لان يعرفوه بها وهي بخلاف صفة المخلوقين فليس فيها اقتران ولا انتساب وحركة وسكون وبساطة وتركيب وضد ونقيض وفرق وجمع وربط وبينونة وغيرها من صفات النقص فاذن لا يعرف الله سبحانه بصفات الخلق والا لكان سبحانه وتعالى محدودا مختلفا اذ الشيء يعرف بصفته والروايات التي دلت على انه سبحانه وتعالى يعرف بخلقه اي بصفات ( بصفة خ ) مخلوقة حادثة خلقها للخلق ليعرفوه بها لان الادوات لا تحد الا انفسها والآلات لا تشير الا الى نظايرها فلا تناقض في الاخبار ولا في كلمات العلماء الابرار ولذا ترى الامام عليه السلام نزه الله سبحانه عن حدود خلقه وان يعرفوه الخلق بانفسهم كما اشار اليه عليه السلام بقوله وليس يحل بالله شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم اي من حيث انفسهم وجهة انيتهم

واما حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه فهي النفس التي جعلها الله في الخلق ليعرفوه بها كما ذكرنا ثم اشار عليه السلام الى الجهة العليا التي هي صفة تجليه سبحانه التي جعلها في الخلق ليعرفوه بها بقوله ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك باسمائه ويستدل عليه بخلقه اي الصفات والاسماء التي خلقها الله سبحانه وكتبها في الواح الآفاق وانفس ( نفس خ ) الخلايق ولولا ان الخلق فيهم فقر وفاقة واضطرار يضطرون الى غيرهم غني مطلق يسد فاقتهم ماعرفوا ان لهم خالقا ولولا تلك الصفة التي جعلها سبحانه فيهم لما عرفوا توحيده وعظمته وقدرته وقيوميته فجعل سبحانه تينك الخصلتين ليعرف حق المعرفة الامكانية ولا يحتاج في ذلك اي في معرفته وادراكه الطالب المرتاد الى رؤية عين للحقيقة الالوهية كما ذهبت اليه الاشاعرة فان الرؤية من صفات الاجسام ولا استماع اذن ولا لمس كف ولا احاطة بقلب لان هذه الخصال والاحوال من احوال الاجسام والجسمانيات والاخير من صفات العالي المؤثر لا السافل الاثر ثم اشار عليه السلام الى ان الاسماء وان كانت في مرتبة الحدوث والخلق لكنها تدل على القديم بالالتزام لا على اللزوم المعروف بين الناس وان كان ما يصف بتلك الصفات لا يقع الا في الحدوث لكن المراد بها القديم بل لا يراد غيره ولا يرى نور غير نوره ولا يسمع صوت غير صوته كالناظر في المرآة فانه يستدل بها على المقابل يقينا وان كانت معرفته لا تقع الا على ما في المرآة من صفة كينونه ( كينونته خ ) المقابل على ما المرآة عليه لا على ما المقابل في الواقع عليه كما ذكرنا سابقا فقال عليه السلام وروحي فداه فلو كانت صفاته جل جلاله لا تدل عليه لحدوثها وامكانها واسماؤه لا تدعو اليه والمعلمة اي الوجدان من الخلق لا تدركه تعالى بمعناه بل كان ادراك الصفة والاسم ادراكين لهما فقط ولم يكن ادراكا للموصوف والمسمى بوجه اصلا كانت العبادة من الخلق لاسمائه وصفاته دون معناه ولو كان ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله سبحانه لان اسماؤه وصفاته غيره ولذا قال مولينا الصادق عليه السلام من عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمعنى معا فقد اشرك ومن عبد المعنى بايقاع الاسماء ( الاسم خ ) عليه فذلك هو التوحيد فالتوجه الى الله سبحانه باسمائه وصفاته وهي تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الاحاطة والشهود فبالاسم يعرف رسم المسمي وبذلك يتوجه اليه ويعبد ويعرف ويلتمس منه الحوائج والمطالب من غير ان يكون هو سبحانه وتعالى في الخلق ولا الخلق فيه ولا بحلول ولا باتحاد ولا برؤية قلب وعين واستماع اذن ولمس كف وغير ذلك من الاحوال التي ذهب اليها من لم ينور الله قلبه ويكشف عن سره ولبه فعند ذلك تم جواب سؤال عمران (ره) حيث قال هل يوجد الله بحقيقة او يوجد بوصف وقد علم بذلك انه تعالى يوجد بحقيقته بسبب ادراكه باسمائه وصفته ( صفاته خ ) فماعرف رسم يدل على وجود الحقيقة وكمالها لا على الاحاطة بها او يوجد ويوحد بوصف لا بحقيقة فانها لا تنال الا بظهور الصفة الا ان المطلوب والمقصود هي الحقيقة في الرسم لا الاسم والصفة من حيث هما فافهم

فلما عرف الجواب وظهر له الصدق والصواب استزاد البيان للارتساخ في النفس وزيادة البصيرة فقال يا سيدي زدني فقال الرضا عليه السلام اياك وقول الجهال اهل العمى والضلال الذين يزعمون ان الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب وفي الثواب والعقاب وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله سبحانه نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة ابدا ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون وذلك قوله عز وجل ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا يعني اعمى عن الحقايق الموجودة وقد علم ذووا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا ومن اخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وادراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من ذلك الا بعدا لان الله عز وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون

( اقول خ‌ل ) اخذ عليه السلام لزيادة بصيرة عمران وتأكيده ما نبه عليه السلام ان الله عز وجل يوجد بصفته ويدرك بآياته ويوحد بعلاماته ويظهر لكل من طلبه في كل وقت واوان ومكان وطور وحال من احوال الانسان وان الراحل اليه قريب المسافة وانه لا يحتجب عن خلقه وانما تحجبهم الآمال والاعمال دونه فقال عليه السلام واياك وقول الجهال اهل العمى والضلال الذين جهلوا عظمة الله وقدرته الظاهرة في اوليائه التي تكشف عن حقيقة معرفته لخلقه وعمى ابصار قلوبهم باغشية الانية وحجبها فضلوا عن الطريق وزعموا ان الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب وليس بموجود في الدنيا الم‌يعلموا اعماهم الله ان وجود الشيء عند الشيء بحقيقته دل على اتحادهما في الرتبة وعلى كون الواجد على ( اعلى خ ) رتبة من الموجود فكيف يتصور هذا المعنى بالنسبة الى الواجب القديم الذي فنيت الاشياء عند ظهوره واضمحلت عند سطوع نوره وقد ظهر وتجلى لموسى بن عمران عليه السلام بمقدار سم الابرة من نور شعاع من اشعة عظمته المخلوقة فدك الجبل وخر موسى صعقا ومات بنواسرائيل فكيف كان الامر لو ظهر لهم بنور عظمته المخلوقة فضلا عن نور ذاته والاثر لا ذكر له عند المؤثر فكيف يوجد المؤثر بذاته عند الاثر فاذن يكون المؤثر اثرا والاثر مؤثرا فلا يفرق اذن بين الخالق والمخلوق والمنشيء والمنشأ ( المشيئ والمشاء خ ) فعلى هذا فلا يمكن فرض وجوده اي ظهوره للاثر بذاته حتى يدركه بحدود انيته وقواه ومشاعره من رؤية عين ولمس كف و( او خ ) احاطة قلب تعالى ربي ( الله خ ) عما يقولون علوا كبيرا واما وجوده تعالى بحقيقته الظاهرة باسمائه وصفاته فهو في كل اوان ومكان لا يختص بالدنيا والآخرة ولو كان في وجوده سبحانه وتعالى نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة ابدا لان النقص لم يزل وان لم يكن هناك نقص في ظهوره ووجوده فلا معنى لوجوده في الآخرة لا الدنيا وكذلك لو ثبت ان وجود الذات عند الآثار نقص واهتضام للذات لاستلزام ذلك اتحاد الصقع والاقتران لم يزل ذلك النقص ثابتا في جميع الاحوال وكل الاوقات فلا يمكن وجوده في الآخرة ايضا ولكنا لما اثبتنا النقص في الظهور بذاته والوجود بكنهه عند الاثر فبطل وجوده ورؤيته في الآخرة ايضا كما كان في الدنيا

واما وجوده سبحانه باسمائه وصفاته وتجليات ظهوراته فذلك لم يفقده شيء في حال من الاحوال ووقت من الاوقات في الدنيا والآخرة بل لا يرى نور سوى نوره ولا يشاهد ظهور غير ظهوره وفي الدعاء لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيه صوت الا صوتك كما قال مولينا الحسين عليه السلام في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى يكون ( تكون خ ) الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا وقال عليه السلام تعرفت الى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فانت الظاهر لكل شيء بكل شيء ه‍ نعم هو سبحانه هو اظهر من كل ظاهر وابطن من كل باطن لانه اظهر من كل ظاهر وانما خفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره فاذا كان كذلك فكيف يمكن ظهوره في الآخرة لا الدنيا واذا كان الوجدان الذاتي فكيف يكون في الآخرة والدنيا ولكن القوم كما قال عليه السلام تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون طريق الانتقال والعبرة من الخلق الى الخالق ومن الابداع الى المبدع لكي يتضح لهم الامر في الدنيا كما يتضح لهم في الآخرة وذلك قول الله عز وجل ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمي واضل سبيلا يعني اعمى عن الحقايق الموجودة فلا يبصرها ولا يعقلها ثم اراد عليه السلام ان يبين اصلا من الاصول الحقيقية التي يلقون الى شيعتهم من قولهم عليهم السلام علينا ان نلقي اليكم الاصول وعليكم ان تفرعوا او عليكم التفريع وبابا من الابواب التي ينفتح منها الف باب من الحق والصواب فقال عليه السلام وروحي فدائه قد علم ذووا ( اولوا خ ) الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا وذلك هو قول مولينا الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية وذلك قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث

والاشارة الى مجمل مراده عليه السلام ان العالم الاسفل دليل على العالم الاعلى وذلك ان الله تعالى لما انزل الخلق من الخزائن الى الخزائن واوقفهم في المقامات العديدة والعوالم الكثيرة لقوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وماننزله الا بقدر معلوم فلما اوقفهم في المقام الاسفل وهم مكلفون باقرار العالم الاعلى واعتقاد وجوده واحواله ما دام هم في العالم الاسفل فلما نزلوا احتجبوا عن الاعلى فلا يلتفتون اليه الا ببيان جديد من نوع مقامهم ورتبتهم والا لم ينتفعوا ( لم يلتفتوا خ ) كما قال عز وجل ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ولما كان البيان من الله عز وجل دون غيره كما قال تعالى وعلى الله قصد السبيل وقال تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ولما كان بيانه تعالى لبلاغ حجته واكمال نعمته يجب ان يكون اجلى البيانات واظهرها واعليها حتى لا يدانيه بيان ولا تعتريه زيادة ولا نقصان وكان ذلك هو البيان الحالي دون المقالي فوجب عليه تعالى في الحكمة ان يجعل العالم الاسفل على هيكل العالم الاعلى وهيئته ومثاله ليدل عليه كمال الدلالة على حسب مقامه ومرتبته في السفلية لينظر الناظر اليه ويتوجه الى العالم الاعلى ولا يتوقف بالنظر اليه قاصرا نظره اليه ليكون واقفا عن السير ومنقطعا عن الترقي ويكون دائم النظر الى الاعلى ليصل الى المقام المعد للسالكين السائرين ان الله اعد لعباده المتقين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولذا تراه سبحانه جعل مراتب خلقه ومقامات محدثاته مع كثرتها واختلافاتها ( اختلافها خ ) وتباين احوالها واوضاعها وحركاتها وسكناتها متطابقة متناسقة ينبئ احدهما ( احدها خ ) عن الآخر ذلك تقدير العزيز العليم سبحان الذي اتقن كل شيء ثم لما علم سبحانه جمود الخلق وركودهم وانهم لا يلتفتون الى ما هو الاصلح ( الاصح خ ) ولا يتوعون لدقائق الحكم قارن البيان الحالي بالبيان المقالي اتماما للحجة واكمالا للنعمة ثم ارشدهم ونبههم بتطابق العوالم وتوافق المراتب ليسهل لهم طريق الطلب ولا يعسر عليهم نيل المطلب فقال في كتابه العزيز ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور اي انقطاع وتخالف وتباين ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير وقال عز وجل ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يعلمون وامثالها من الآيات كثيرة وكذلك الروايات كقوله عليه السلام لما سئل عن الدليل على ( الى خ ) وحدة الصانع قال عليه السلام اتصال التدبير وتمام الصنع وغيرها ولو اردنا ذكر الروايات لطال بنا الكلام وخرجنا عن المقام فاذا كان كذلك فيكون الدنيا التي هي العالم الاسفل دليلا على الآخرة التي هي العالم الاعلى بالنسبة اليها والله سبحانه وتعالى يقول كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها فلو كان الله تعالى يوجد في القيمة والآخرة لوجب ان يوجد ايضا في الدنيا لحكم التطابق والتوافق الا ان نحو ( بحر خ ) الوجود يختلف في الشدة والضعف كنعيم الآخرة واليمها كلها موجودة في الدنيا بنحو اضعف مع ان الامر ليس كذلك والله سبحانه منزه عن الرؤية والمشاهدة كيف وهو سبحانه وتعالى نص على ذلك بقوله لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير واما قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فالمراد بها النظر الى الذين نظرهم نظر الله و( والنظر اليهم هو النظر الى الله خ ) طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله قال الله تعالى الذين يبايعونك انما يبايعون الله من يطع الرسول فقد اطاع الله وغير ذلك فزيارته ( فزيارة رسول الله خ ) صلى الله عليه وآله زيارة الله والنظر اليه هو النظر الى الله وهكذا يؤول الآيات الدالة على بعض التشبيهات والدليل على التأويل قوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ولا شك ان الرؤية والمشاهدة من صفات المخلوقين ومن صفات الاجسام ايضا تعالى ربي عما يقولون

ثم لما كان القاعدة التي قررها عليه السلام والاصل الذي اصله وان كان عاما شاملا لجميع المراتب والمقامات والاحوال الا ان ذلك لمن عرف نوع الاستدلال ويفرق بين المقال والحال ويعرف جهة الدلالة ولا ينظر الى الاسفل من حيث نفسه وانما ينظر اليه من حيث الاعلى ولما كان الناس قد انسدت عليهم هذا الباب واشتغلوا بالملاهي وفاتتهم معرفة الاشياء كما هي فلا رخصة لهم ان ينظروا الى هذا الدليل الذي هو من نوع دليل الحكمة الذي هو اعلى الادلة وارفعها وادقها واغمضها الا بهداية وارشاد العالم الذي لا يجهل والناظر الذي لا يغفل والحكيم الذي لا يغفل ولا يخطي ولا يسهو ليحصل له اليقين انه اصاب وجه الدلالة وعرف الاستدلال وهو قوله تعالى ويضرب الله الامثال للناس ومايعقلها الا العالمون اي العالمون بالامثال ووجه كونه ( كونها خ ) مثلا وجهة المناسبة وطريق الانتقال من المثل الى الممثل واما غير المعصومين سلام الله عليهم اجمعين فلا قطع ولا يقين في كونه عالما في الحقيقة والواقع ولا يحصل اليقين الا ببيان المعصوم عليه السلام وتعليمه لشيعته لنوع الاستدلال فانهم سلام الله عليهم قالوا نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وساير الناس غثاء فلا يجوز لاحد الاستدلال بتلك الادلة الغامضة الدقيقة التي لا يهتدي اليها الا الاقلون برأيه وادراك نفسه فان رأيه منقطع دون هذا المقام وسر هذا الاستدلال اصله عند العقل المستوي والمرتفع وهكذا صاعدا الى اعلى مراتب الفؤاد واني للواقفين مقام الجسم والطبيعة والنفس نيل ذلك المقام والوصول الى حقيقة المرام الا بتسديد خبير مطلع وبصير هادي ولذا قال عليه السلام قد علم ذووا الالباب اشارة الى اهل القلوب واصحاب العقول الناظرين اليها والعاملين على مقتضاها ( بمقتضاها خ ) لا كل احد من اهل العلوم واصحاب الرسوم ولذا نبه عليه السلام الى شرط الاستدلال حتى لا يوقع الخلق في الشبهة فقال روحي فداه ومن اخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وادراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من ذلك الا بعدا وهو كما قال عليه السلام لان مقام الخلق دون مقام هذا الدليل فليس لهم التوغل فيه من حيث انفسهم بل يجب عليهم متابعة من عنده هذا الدليل فان الله تعالى جعل علم ذلك عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون وليس اولئك الا آل محمد عليهم السلام الطيبون الطاهرون المعصومون لانهم خزان ( خزائن خ ) علم الله ومهابط فيض الله وحملة وحي الله واحصى الله فيهم علم ما كان وما يكون وهو قوله تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وهم الكتاب الناطق عن الله تعالى وهو تعالى يقول وكل شيء احصيناه كتابا وفيه تبيان كل شيء وفيه تفصيل كل شيء وما فرطنا في الكتاب من شيء وامثالها من الآيات وان عندهم علم الكتاب كما قال الصادق عليه السلام وعلم الكتاب كله هنا واشار الى صدره الشريف في تأويل قوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب فاذا كان كذلك فلا محيص ولا معدل عنهم فكل من سويهم يجوز فيه الغلط والسهو والخلط فاذا لا يعبؤ بقوله ولا اعتناء في استدلاله من نحو هذا الاستدلال كما وقع لبعض القاصرين حيث تنبهوا الى صحة الاستدلال وما تنبهوا وما اهتدوا الى نوع الاستدلال وشرطه فعموا وصموا وتاهوا مثل قولهم ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة ومثل قولهم ان الله تعالى كالمداد والخلق كالصور الطارية على المداد وانه تعالى كالبحر والخلق كالامواج وهكذا من الامثال الباطلة والادلة الواهية وذلك من عدم مراعاتهم للشرط وليس المراد انه يأخذ علم ذلك من الامام عليه السلام على جهة التقليد بل المراد انه ينظر بصافي فطرته الى الامثال المضروبة والبيانات الحالية فاذا عرف حكما من تلك الامثال لا يعتمد على ما فهمه ( فهم خ ) حتى يزنه بالميزان الذي جعل الله سبحانه للخلق حتى يزنوا به عقولهم وافكارهم وادراكاتهم وجميع احوال معاشهم ومعادهم كما قال عز وجل وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس اشيائهم ولا تعثوا في الارض مفسدين بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين وقال ايضا عز وجل واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وامثال ذلك من الآيات والروايات في هذا المعنى كثيرة فاذا عرفت هذا عرفت ان الذي لم يقم عليه اجماع المسلمين واجماع الفرقة المحقة واجماع العقلاء الكاشفة لا يجوز لاحد ان ينظر عليه ( اليه خ ) برأيه ان الرأي لم يجعل الله الا لنبيه صلى الله عليه وآله وذلك ايضا حسب تسديد الله تعالى حيث قال تعالى خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله فاحكم بينهم بما اراك الله فاذا لا يجوز القول الا بعد القطع بان فيه رضاء الله تعالى بالقطع الحقيقي الواقعي فكل من يجوز عليه السهو والغلط والخطأ لم يحصل القطع بان ما فهمه ( فهم خ ) فيه رضاه سبحانه فوجب الوزن بالرجوع الى الذي عصمه الله تعالى من الخطأ والزلل في القول والعمل رزقنا الله متابعتهم والتمسك بحبلهم

قال عمران يا سيدي الا تخبرني عن الابداع خلق ام هو غير خلق قال الرضا عليه السلام بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وانما صار خلقا لانه شيء محدث والله الذي احدثه فصار خلقا له وانما هو الله وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فما خلق الله عز وجل لم يعد ان يكون خلقه وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل واعلم ان كل ما اوجدتك ( اوجد تلك خ ) الحواس فهو معنى مدرك للحواس وكل حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في ادراكها والفهم من القلب يجميع ذلك كله

( اقول خ‌ل ) ثم ان عمران (ره) لما علم ان الابداع والمشية والنور والتأثير والارادة والفاعلية بل الفاعل او غير ذلك من الاسماء امر متوسط بين الخالق والمخلوق عرض له سؤال في حق هذا المتوسط هل هو خلق ام غير خلق وغرضه انه لا يجوز ان لا يكون خلقا لانه ينافي التوحيد وادلة التوحيد يبطله واذا كان خلقا كان محتاجا الى متوسط آخر بناء على عدم جواز الاستثناء في القواعد العقلية وكما يحتاج المخلوق الى الواسطة كذلك الواسطة من حيث المخلوقية اذ العلة في الكل ( كل خ ) واحد مشتركة فيلزم حينئذ الدور او التسلسل وايضا هذا المتوسط مرتبط بذاته بمبدئه الذي هو وجود الخالق وبمنتهاه الذي هو وجود المخلوق فيوهم وحدة هذا المتوسط بين الطرفين سراية لوازم المخلوقية من المحدودية والتقدير وغيرهما من صفات المخلوقين الى وجود الخالق تعالى الله وايضا يلزم انقلاب المخلوق الى الخالق والخالق الى المخلوق فيعدم التأثير والايجاد ضرورة اتحاد المقترنين الملتقيين في الرتبة واتحاد الرتبة يفسد العلية والمعلولية وايضا يلزم انفعال الخالق بتلك الرابطة لاجل الاقتران والتحديد والتركيب وغير ذلك فلذا سأله عليه السلام وقال يا سيدي الا تخبرني عن الابداع خلق ام هو غير خلق فان على كلا التقديرين يلزم المحذور المذكور فاجابه عليه السلام فقال انه خلق ساكن لا يدرك بالسكون وحاصل الجواب ان الابداع هي الحركة الايجادية والحركة في ذاتها لم تنته الى الذات لان بين المنتهى والمنتهى اليه لا بد من نسبة واقتران فليست في الذات حركة حتى تنتهي اليها فانتهاؤها حينئذ الى نفسها وقد قال مولينا الصادق عليه السلام في المشية ان الله تعالى خلق الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها ففاعلية الذات انما هي بنفس الفعل ففيه جهتان جهة فاعلية وجهة مفعولية وكلاهما حادثان وقعا في رتبة الحدوث ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها لان الاثر ينسب الى ظهور الذات او الذات الظاهرة ولذا تراه لا يدل الا عليها كالكاتب فانه يدل على الذات الظاهرة بالكتابة فنسبة الاشياء الى ذلك الظهور وذلك الظهور لا يحتاج الى ظهور آخر ( الآخر خ ) بل الظهور ظهور بنفسه والمظاهر مظاهر بالظهور فينقطع الدور والتسلسل كما قالوا في الوجود بانه لو كان متحققا في الخارج لكان موجودا والموجود هو من له الوجود فننقل الكلام الى ذلك الوجود فيدور او يتسلسل واجابوا بان موجودية الوجود بنفس الوجود لا بامر آخر فاوجده الله بنفسه لا من شيء ثم اوجد الاشياء به وكذلك حكم النية فان العمل لا يتحقق بدونها وهي لا شك انها عمل لا بد لها من نية فيلزم الدور و( او خ ) التسلسل واجابوا بان النية في تحققها لا يحتاج الى نية وهي بنفسها نية يعني نية النية نفسها ولهذا مثال ( امثال خ ) كثيرة غير هذا ( ذلك خ ) لا يجد الجاهل لها مقالا

فان قلت فاذا كان كذلك فاي حاجة الى توسط هذا الخلق اذا صح ان توجد الاشياء بنفسها

قلت قد ورد عنهم عليهم السلام ان الله تعالى اقام الاشياء باظلتها اي بحقائقها وهو قول امير المؤمنين عليه السلام بل تجلى لها بها فكل شيء فيه اسم يشتق من نفس ذلك الشيء الحادث الا ان الاشياء في سلسلة الجعل والاحداث وبطلان الطفرة فيها العالي والسافل ووجود العالي من تمام قابلية السافل للوجود فصارت الاشياء يترتب بعضها على بعض ويقترن بعضها ببعض وينبعث بعضها عن بعض ويصدر بعضها عن بعض وهكذا ولما كان الله سبحانه كاملا في الوحدة المطلقة البسيطة فوجب ان يكون اول خلقه كاملا مطلقا مهيمنا على جميع من بعده من الخلق حتى يكون دليلا عليه تعالى ولما ثبت ان الكمال كله في الوحدة والنقص كله في الكثرة وجب ان يكون ذلك الخلق الاول واحدا منطويا فيه الكثرات وهي لا وجود لها ولا تحقق الا بالذكر في ضمن تعلق ذلك الواحد وكلما سواه كله دائما يبرز من ذلك الذكر الى عالم الكون ولا نفاد له ولا انقطاع وهو قوله تعالى كل يوم هو في شأن وقول الصادق عليه السلام شؤن يبديها لا يبتديها وذلك الواحد الذي في رتبة اسفله ذكر الامكانات والحوادث كلها هو الابداع والاختراع والمشية والارادة وآدم الاول وفلك الولاية المطلقة وعالم فاحببت ان اعرف والرحمة الواسعة الكلية والشجرة الكلية والاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره والازلية الثانية والمحبة الحقيقية وصبح الازل مبدأ المبادي وغاية الغايات التي تنتهي اليه التعلقات وغير ذلك من الاسماء التي ذكرتها مشروحة مفصلة في اللوامع الحسينية وقد عرفه الامام عليه السلام بانه خلق ساكن لا يدرك بالسكون اما كونه خلقا فبمعنى خلق الذي هو الفعل لا الخلق الذي هو المصدر فاذا كان الابداع قد سبق كل شيء لا يجوز ان يكون مصدرا فانه مسبوق بالفعل على ما هو الحق في المذهب من كون المصدر مشتقا من الفعل وكونه عاملا في المصدر ووقوع المصدر تأكيدا وصفة للفعل وكون المصدر مفعولا مطلقا الذي قد تعلق به الفعل وكون المصدر اسما والاشياء كلها مجعولة مخلوقة بالفعل كما قال الصادق عليه السلام في الحديث المتقدم خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها وكون الفعل حركة بسيطة والمصدر حاصلا من الحركة وهو الاثر الواقع بالمفعول الى غير ذلك من الاحوال والامور المقتضية لاشتقاق المصدر وفرعيته للفعل فاذا كان كذلك وجب ان يكون المراد من الخلق هو ( هو خلق الذي هو خ ) الفعل وهو ساكن اي ثابت مستقل اصل تدور عليه جميع الكائنات بقول مطلق ولذا عبروا عنه بالكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وركدت لها البحار وخمدت لها النيران الى غيرها مما هو مذكور في الادعية متفرقة فيكون هو الساكن الثابت المستقل الغير المضمحل الذي اذا نسبته الى ما تحته من المراتب لا يتغير ولا يتبدل ولا يختلف باختلافها ولا يتغير بتغيرها ولا ينفعل بحركاتها وتأثيراتها وانقلاباتها كالشمس فانها بالنسبة الى القمر وسائر الكواكب ثابتة مستقلة لا تختلف باختلافها والكواكب تختلف باختلافها وتنفعل بانفعالها وهكذا فالابداع هو الاصل الذي هو القطب الذي كل الممكنات له بمنزلة الكرات والدواير كلها على اختلافها تتحرك وتدور حول القطب وهو ساكن لا يتحرك بحركة الكرات والدوائر وذلك واضح معلوم ان شاء الله ( تعالى خ )

ولما كان في قوله عليه السلام خلق ساكن افادة امرين احدهما السكون بمعنى الاستقلال كما فسرنا وهو المراد وثانيهما هو السكون الذي ضد الحركة وليس بمراد والاول ايضا على اطلاقه ليس بمراد لان السكون بمعنى الاستقلال المطلق وحركة الاشياء عليه واستمدادها منه يورث التفويض بمعنى العزلة والتعطيل ولم يكن ذلك من مذهب اهل البيت عليهم السلام اشار عليه السلام الى نفي المعنيين واثبت المراد المطابق للواقع المقرون بالصدق والسداد بقوله عليه السلام لا يدرك بالسكون يعني لا تتوهم ان الساكن المذكور في قولي خلق ساكن هو على معنى السكون بمعنى الوقوف والركود حاشا وكلا لان السكون مسبوق بالحركة اذ لا شك انهما موجودان والحركة اشرف من السكون لانها حيوة والسكون موت وانها نور وانه ظلمة وانها تورث الذوبان ورفع الاوساخ والتلطيف ودفع ( رفع خ ) الفضولات واحراق الاخلاط الفاسدة وانه يورث اضداد ما ذكرنا كله والطفرة في الوجود باطلة فوجب ان تكون الحركة مقدمة على السكون ويكون السكون منتهى اليه الحركة في التعلق فلو جعلنا السكون في هذا المقام عبارة عما هو ضد للحركة كان الابداع مسبوقا بامر آخر هذا خلف فليس المراد به السكون المذكور حيث لم يسبقه شيء ولما لم تكن منزلة بين الحركة والسكون كان الابداع هو نفس الحركة الايجادية التكوينية وقد قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام في الفعل انه ما انبأ عن حركة المسمى فالفعل هو نفس الحركة الايجادية و( الحركة وخ ) هي لا تحقق ولا وجود لها اصلا الا حين صدورها وبقائها هو ايجادها هي ( هو خ ) عين الفقر والاحتياج بحيث لا تذوت لها في آنين ومفتقرة دائما ابدا سرمدا الى حافظ ومقوم وموجد ومصدر ومحدث لها اذ لا شيء في التصرم والتفصي ( التقضي خ ) والتجدد باعظم من الحركة فلولا المتحرك ( المحرك خ ) لم تكن شيئا فاذا ثبت ان الفعل نفس الحركة فارتفعت شبهة الاستقلال وواهمة التعطيل والاعتزال وظهر ان الابداع هو الخلق المستقل الثابت بالنسبة الى من دونه من سائر الخلق

واما بالنسبة الى المبدأ الحق سبحانه وتعالى ( فانه خ ) فان مضمحل فقير ( متغير خ ) محتاج آن وجوده آن بقائه فيحتاج الى المدد الجديد ( مدد جديد خ ) آنا فآنا وشيئا فشيئا وهذا هو القدرة الكاملة والعظمة البالغة حيث اقام الذوات والصفات والجواهر والاعراض والمفارقات والمقارنات والعرش والكرسي واللوح والقلم والسموات السبع والارضين السبع وما فيهما وما بينهما وما فوقهما وما تحتهما كل ذلك بحركة فانية مضمحلة متجددة متصرمة متقضية ذلك تقدير العزيز العليم ولما كان عالم الالفاظ والحروف ( كما ذكرنا سابقا خ ) على طبق عالم الذوات حرفا بحرف عرفوا الفعل اللفظي بانه كلمة مستقلة مقترنة باحد الازمنة الثلاثة فكلمة مستقلة تشير الى قوله عليه السلام خلق ساكن ومقترنة تدل على التجدد والتصرم فان الزمان متجدد متصرم متقضي ( منقض خ ) كالحركة ولذا كانت الحركة مشروطة بالزمان ولما كانت الاوضاع اللفظية على طبق الحقائق المعنوية جعل الفعل متحركا غير ساكن للبيان والاشارة الى انه هو الحركة الكونية الايجادية

واما الاستقلال فيظهر من معلومية اصالة الفعل في العمل فلا يحتاج الى اشارة في اللفظ فان علم النحو واللغة لا يتم الا بان الفعل هو الاصل في العمل والتأثير وانه المبني الذي لا يؤثر فيه العوامل وكل عامل انما يعمل بتبعية الفعل ومشابهته والفعل لا يقع معمولا الا بمشابهة الاسم وهذا القدر يكفي في دلالته على الاستقلال فلو كان مع هذا ساكنا يوهم الاستقلال ولذا حركوه لتحقيق هذه الدقيقة والاشارة الى هذه اللطيفة

واما المصدر فلما كان اول متعلق للفعل واول حامل لاثره وهو المفعول الاول المطلق بل هو المفعول في الحقيقة دون ما سواه على ما صرح به النحاة والمفعول طبعه البرودة والسكون والخضوع وهو منتهى اليه الحركة فوجب ان يكون ساكنا وانما خص السكون بالوسط لانه هو الاصل والقلب الذي تدور ( يدور خ ) عليه باقي الحروف والاطراف فروع متممة كالقلب وسائر الاعضاء والجوارح وكالفلك الخارج المركز والمتممين الحاوي والمحوي ففي سكون الوسط اشارة الى ان المصدر حقيقته المفعولية والوقوف ومحل تعلق الفعل ومهبط الفيض فهو ساكن يحفظ ( بحفظ خ ) فيض الفعل اذا ورد عليه فاذا تحرك ما انحفظ الفيض وبطل المفعول وهذا السكون لا ينافي الحركة الذاتية الجوهرية فوجب سكون الوسط

واما الآخر فيطرء عليه الاحوال بحسب القرانات الخارجية من العوارض الذاتية الطارية عليه فقد يظهر له مقام الفؤاد وهو مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون تقول ( وتقول خ ) للشيء كن فيكون فيرتفع حينئذ عن المقام الاسفل الى المقام الاعلى فيشابه اوائل جواهر علله فيكون مرفوعا على غيره من المقامات والمراتب او يكون مرفوعا عن مقام المدارك والقوى والحواس والمشاعر لانه في مقام لا يقع عليه اسم ولا صفة والكل مراد في كل مقام ولا نطول الكلام بشرحه وقد يظهر له مقام العقل المرتفع والمستوي واعلى المنخفض وهو مقام العبادة والطاعة والانقياد فينتصب لذلك ويكون منتصبا للهداية والارشاد وعلما للحق والصواب واعرابه النصب وقد يظهر له مقام النفس على مراتبها السبعة فيحتجب عن المشاهدة واللقاء ويشتغل بالنفس والهوي وما تقتضيه الانية وغير ذلك فلا يلي الفعل حينئذ فينكسر وينخفض وينجر وهذه احوال تطرء على آخره في الظهورات التعلقية بحسب اعماله واقباله واقترانه بغيره واما هو بنفسه ساكن فان مضمحل مثاله الهواء فانه بالطبع حار رطب يقينا لكن ريح الدبور حار يابس وريح الصبا بارد رطب وريح الجنوب حار رطب وريح الشمال بارد يابس وهذه الاحوال كلها تطرء عليه بالقرانات الخارجية وكذلك المصدر اسكنوا وسطه لبيان مفعوليته وحركوا آخره لبيان ترقياته وتنزلاته بالاعمال وانه بالترقي والتنزل هو ساكن الوسط لا يخرج عن مقامه ولا يتنزل ( لا يتجاوز خ ) عن حده ولا يتعدى مبدئه وهو قوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون فافهم فقد اطلعتك على باب من السر ينفتح منه الف باب فاشرب صافيا وافهم راشدا

ثم ان الابداع في تحققه له مراتب وهي كما ذكرنا سابقا من حكم الحلين والعقدين واجزاء ( اجراء خ ) الرطوبة واليبوسة وترتيبها وغير ذلك مما هو مشروح في سائر رسائلنا ومباحثاتنا وله مراتب باعتبار التعلق وهذا الاعتبار في مقامين

احدهما مقام تعلقاته لاتمام الشيء من مادته وصورته ونسبة المادة الى الصورة ونسبة الصورة الى المادة واول الاقتران الذي هو مقام الايلاج وتمام القران ( الاقتران خ ) الذي هو مقام الغشيان وكمال الشيء وظهوره مشروح العلل مبين الاسباب ومنه تحققت الايام السبعة في الاسبوع فالاحد للاول والاثنين للثاني والثلثاء للثالث والاربعاء للرابع والخميس للخامس والجمعة للسادس والسبت للسابع وذلك هي المراتب المذكورة في الروايات الدالة على ان الشيء لا يتم ولا يكون الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء وامضاء واجل وكتاب والستة الاولى هي الايام الستة التي خلق فيها الشيء وهي ايام الفعل وجهات تعلقاته وقد قال ( الله خ ) عز وجل وذكرهم بايام الله

وثانيهما مقام ظهور الابداع الذي هو الفعل بحسب التعلق وعدمه وصلوحه للتعلق مع فقد الشرايط وهو بهذا الاعتبار ينقسم الى سبعة اقسام لان الفعل اي الابداع لما اوجده الله سبحانه بنفسه بقي متعلقا بالامكان ومظهرا للعظمة البالغة والرحمة الواسعة للقادر السبحان فاوجد الله سبحانه به الامكانات والاذكار على جهة العموم فلما ان الله سبحانه بني امره في ايجاده للاشياء على الاختيار ونفي الجبر والاضطرار صار يتعلق الابداع بايجاد الاشياء حسب اتمام شرائطه وقابليته للوجود فالذي تمت شرائطه وكملت قابليته وتعلق به الفعل هو المسمى بالماضي والذي ماتمت شرائطه وماتحققت ولكنها تتحقق ( تحقق خ ) فيما بعد ويوجد محتوما فذلك هو المضارع بمعنى الحال والاستقبال والذي تمت شرائطه وكملت وحصل القران والتعلق قبل الالزام والامضاء فذلك هو الامر حيث ان الابداع الكلي يؤمر بالتعلق لما تمت الاسباب الموجبة للتعلق والذي ماتمت شرائطه ولم يتعلق لاجل ذلك هو الجحد والذي لا يجوز تعلق الفعل به واحداثه لعدم اقتضاء المصلحة في النظام فذلك هو النفي والاغلب ان العدم هنا محتوم والذي لا ينبغي التعلق ( للتعلق خ ) ولا يجوز بمنع الابداع عن التعلق والاقتران فذلك هو النهي وهذا اعم من ان يستمر العدم الى ان يبلغ حد المحتومية او ينقلب الاسباب والشرايط فتوجب التعلق ليكون امرا والذي تمت الشرايط وبقي واقفا بباب الاذن هل يؤذن له للتعلق ( في التعلق خ ) ام لا للامكان او لمانع اقوى وبسبب للمنع اعظم فذلك هو الاستفهام ولما كانت هذه السبعة جهات الابداع وحدودها قد تشعبت منه تشعب الاعضاء والجوارح من القلب وتشعب الاغصان من الشجرة والاولاد من الوالد سميت هذه المراتب فعلا كما هو الواقع لكنها جزئية اضافية واشتقت من الفعل الكلي اولا وبالذات فالفعل الماضي هو الاصل لكونه مقام جف القلم بما هو كائن وسائر الافعال كلها مشتقة منه او قل ان المضارع اي المستقبل والحال مشتق من الماضي وباقي الافعال كلها مشتقة من المضارع والاصل في هذه السبعة فعلان الماضي والمضارع والماضي هو الثابت الدائم المستمر الغير المتغير والغير المتكثر وحكمه حكم العرش الذي هو الثابت الغير المختلف ولذا يسمونه بالفلك الاطلس والمضارع هو المتكثر المختلف المتعدد الظاهر بالحكم التفصيلي وحكمه حكم الكرسي الظاهر بالكواكب والبروج والمنازل ولما كان الكرسي مقام المفعول وهو اغلظ واكثف من مقام الفعل المتعلق به كانت التفاصيل الظاهرة في الكرسي اثني عشر والتفاصيل الظاهرة للفعل ( في الفعل خ ) ستة وهي اذا فصلت وكررت وثنيت يكون اثني عشر والفعل الماضي اذا كرر وثني يكون اثنين فيكون المجموع اربعة عشر وبها يظهر يد الله ووجه الله والوهاب والجواد فوجب اربعة عشر في المفعول ليكون كل واحد حامل وجه من الاربعة عشر الذي في الفعل

واما المصدر فانه مشتق من الفعل الماضي لا كاشتقاق المضارع منه من اشتقاق الاغصان من الشجرة واشتقاق الاعضاء من القلب بل اشتقاقه منه اشتقاق الشعاع من المنير والاثر من المؤثر ولذا كان المصدر اسما مباينا للفعل بينونة الصفة عند وقوعه ( وقوع خ‌ل ) المفعول المطلق التأكيدي ( التأكيد خ ) والمضارع فعلا منه مترتبا عليه ترتب البدل مع المبدل منه فثبت ان اشتقاق المضارع من اصل الحقيقة واشتقاق المصدر من رسم الصفة والاسم الفاعل والاسم المفعول واسماء الافعال والمفعول ( او اسم الفاعل والمفعول خ ) اشتقا من المصدر اشتقاق الفعل المضارع من الماضي ولذا كان المصدر مبدأ اشتقاقهما والذي يقول هما مشتقان من الفعل اما لم يظهر له سر الحقيقة في ذلك او مراده بالفعل هو المصدر في مقام التأكيد وبينونة الصفة في مقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فافهم ولنا ان نقول ان المصدر مشتق من الفعل المضارع في الحقيقة ولكن لما كان الفعل المضارع مشتقا من الفعل الماضي قلنا ان المصدر مشتق منه بطي الوسائط

ثم لما ذهبت بعض الاوهام الى ان الاعيان الثابتة اشياء غير موجودة وغير مكونة ولكنها ثابتة في غيب الذات قديمة غير مجعولة كما قال صاحب الكلمات المكنونة والاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات ومندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات وقال ايضا والاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة وقال في سر سر القدر ان تلك الاعيان ليست امورا خارجة عن ذات الحق بل هي ذاتيات وانيات للحق وذاتيات الحق لا تقبل الجعل والتغيير والزيادة والنقصان فعندهم الاشياء ثلثة ذات الحق سبحانه من حيث هو وذات الخلق والاعيان الثابتة الغير المجعولة وقال صاحب الاسفار تبعا لغيره من الحكماء ان الوجودات ثلثة الوجود الحق وهو الوجود بشرط لا والوجود المطلق وهو الوجود لا بشرط والوجود المقيد وهو الوجود بشرط شيء فالاول وجود الواجب تعالى والثالث وجود الحادث الممكن والثاني المتوسط هو الوجود المنبسط وهو مع الواجب واجب ومع الممكن ممكن ومع الشيء شيء ومع اللاشئ لاشئ ومع الموجود موجود ومع المعدوم معدوم وهو الرابطة بين الحادث والقديم فاثبتوا ثالثا ليس بخالق ولا مخلوق ولا موجود ولا معدوم ولا حادث ولا قديم والمتكلمون قالوا ان المفاهيم خمسة واجب الوجود لذاته وواجب الوجود لغيره وممتنع الوجود لذاته وممتنع الوجود لغيره وممكن الوجود لذاته قالوا لا يجوز ممكن الوجود لغيره والا لزم انقلاب الواجب والممتنع ممكنا وهذا لا يصح ولم يتحاشوا عن قلب الممكن واجبا وممتنعا واثبتوا لهذا التقسيم احكاما وفروعا حتى قسم المنطقيون الكليات الى ستة اقسام وجعلوا واجب الوجود قسما من الكلي الذي له افراد كثيرة لكنها منحصرة في الفرد كالشمس فانه ايضا كلي منحصر في الفرد الا ان الفرق بين الشمس وذات الله سبحانه هو ان سائر افراد الشمس ممكنة غير موجودة وسائر افراد الواجب ممتنعة واما في كونهما فردين لكلي فهما سواء وجعلوا ممتنع الوجود ايضا قسما من الكلي الذي له افراد غير متناهية الا انها ما وجدت ولو في فرد كالعنقاء فانه ايضا كلي افراده غير متناهية لكنها ما وجدت اصلا والفرق بين العنقاء والممتنع الذي يمثلون له بالشريك لله تعالى ان افراد العنقاء ممكنة لم توجد وافراد شريك الباري ممتنعة لم توجد وغير ذلك من الخرافات التي قد بسطنا القول في كثير من رسائلنا واجوبتنا للمسائل ومباحثاتنا في ابطالها وتزييفها وانها لا يوافق مذهب اهل البيت عليهم السلام

وقال بعضهم وهو قول المشهور بينهم ان الوجود مشترك بين الواجب والممكن بالاشتراك المعنوي وان اسماء الله سبحانه المشتقة كالعالم والقادر وغيرهما من مشتقات الاسماء بل اسماء الله تعالى كلها مشتقة وليس فيها اسم جامد ابدا لان الجمود لا يكون الا عن برودة ويبوسة والاسم المنتسب الى الله سبحانه فيه حرارة ورطوبة فاين الجمود من الذوبان واين الموت من الحيوة فالقول بان لفظ الجلالة جامد من اسخف الاقوال وقد صدر ذلك عن ( من خ ) جمود القريحة وخمود الطبيعة وقالوا ان الاسماء المشتقة كلها كليات صدقها على الافراد بالاشتراك المعنوي فالواجب سبحانه وتعالى فرد من ذلك الكلي والممكن ايضا فرد منه والكلي لا شك انه من حيث هو غيرهما ومقومهما وثالثهما تعالى ربي عما يقولون علوا كبيرا وغير ذلك من الاقوال التي تؤل الى الواسطة والمنزلة بين الواجب والممكن او اثبات اقسام اخر غير الواجب والممكن

وهذه الاوهام لما كانت مخالفة لمذهب اهل الحق عليهم السلام وقد شاعت وذاعت بينهم بحيث لا يرون الفضل لمن لم يعرف تلك الاقوال الفاسدة والمذاهب السخيفة الكاسدة اراد عليه السلام بابي هو وامي ابطال هذه الاقوال الكاذبة الباطلة فقال روحي فداه وانما هو الله وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما اتى عليه السلام بانما كلمة الحصر تأكيدا للامر وانه ليس الا هذا وغيره باطل وليس الا الله وخلقه سبحانه وتعالى ولم يذكره بطريق القسمة بان يقول عليه السلام الموجودات منحصرة في قسمين حق وخلق ارشادا الى ان القسمة تستلزم وجود ما نفاه عليه السلام من الثالث بينهما فان المقسم هو الثالث غيرهما ويلزم ( يستلزم خ ) التقسيم التحديد وبينونة العزلة فان المقسم شيء واحد تطرء عليه الحدود والعوارض وتجعله اقساما مختلفة وتثبت له احكاما متضادة وهي المقصود من بينونة العزلة ويكون كل قسم مركبا من حصة من ذلك المقسم ومن تلك الحدود والعوارض المشخصة ويكون بين الاقسام تضاد وهو المقصود من القسيم ( القسم خ ) اي الضد ويكون في كل من الافراد المركبة فعل وانفعال واقتران وافتراق وتأثير وتأثر وضم وتوليد وغيرها من الاحوال الامكانية ويكون وجود الافراد زائدا على ذاتها لان لها وجود في المقسم مستقلا ويكون الافراد متولدا من اب وهو المقسم ومن ام وهي الاعراض والحدود المشخصة وهكذا من سائر الاحوال الناقصة الثابتة لاهل النقصان فمن جعل الله سبحانه وتعالى فردا من كلي او قسما من مقسم كما فعلوا في تقسيم الموجود الى الواجب والممكن والمفهوم الى واجب وممتنع وممكن وغير ذلك مما اشرنا الى بعض منها فقد اثبت له تعالى كل تلك الامور التي قد قلنا انها من لوازم الافراد فيثبت لله تعالى التركيب والولادة والضدية والانفعال والاقتران وان يكون له وجود زايد تعالى ربي عما يقولون علوا كبيرا فمن اثبت القسمة اثبت هذه الاحوال الامكانية

وقولهم بان هذا التقسيم من حيث المفهوم لا من حيث المصداق غلط فاحش فان المفهوم ان اخذ من حيث كونه آلة للتوجه الى الله القديم سبحانه وتعالى فلا يجوز ان يثبت له حينئذ ما ينافي القدم وان لم يصل اليه كما انك في العبادة تتوجه الى الله تعالى ولا شك ان الذي ادركته من المعبود جل جلاله غير الذات البحت والذي ادركته حادث من الحوادث كما قال مولينا الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم ومع ذلك لا اريك تثبت للذي ادركته وتوجهت اليه احوال الحدوث والامكان وما ذلك ( ذاك خ ) الا لانك جعلته وجها له تعالى وآلة تتوجه بها اليه فالوجه لا يخالف ذي ( ذا خ ) الوجه فلا يجوز حينئذ اثبات القسمة والاقتران والانفعال وغير ذلك وان اخذ المفهوم لا من حيث كونه وجها للتوجه الى المعبود الحق جل جلاله بل من حيث كونه حادثا من الحوادث وخلقا من المخلوقات فلا يجوز ان تجعل القديم المقابل للامكان قسما من هذه المفهوم الا ان تسمى الحادث قديما والوجود عدما اذا لا قسمة بين الامكان والممكنات وهل يجوز تسمية الحادث بالقديم ام لا مبني على القول بتوقيفية اسماء الله تعالى وعدمها ثم لو كان مرادهم الاصطلاح ماجاز الاختلاف والقول بجواز الاشتراك وعدمه والقول بصحة القسمة وعدمها لضرورة صحة الاشتراك والقسمة في الامكان كما هو المعلوم بالعيان ولا يخفى على الانسان فمن هذه الجهة عدل عليه السلام عن التعبير بصورة القسمة واتى بصورة الحصر وقال انما هو الله وحده ولا شك ان القادر الفياض المطلق لا بد له من الفيض والنور والاثر وهو عبارة عن الخلق فاذا ثبت وحدة الصانع الواجب سبحانه وتعالى فكلما سواه خلقه والخلق لا يذكر مع الذات البحت ليشملهما ( ليشملها خ ) مقسم واحد فبطل الاشتراك والاقتران والانفعال وغير ذلك لانه كله فرع الذكر والوجود في الرتبة فاذا ثبت الاثرية امتنع الذكر في رتبة المؤثر فاذا امتنع الذكر امتنع الاقتران والاشتراك والانفعال وغيرها فاذا امتنعت هذه الامور امتنعت القسمة وامتنع ايضا قولهم بالوجود المنبسط والاعيان الثابتة وغيرها ولو اردنا تفصيل المقال في هذه الاحوال لطال بنا الكلام وخرجنا عما نحن فيه وقد ابطلنا هذه العقايد الفاسدة بما لا مزيد عليه في كثير من مباحثاتنا بحيث صار من ضروريات مطالبنا عند الناظر في كلماتنا وفي كلام الامام ( عليه السلام خ ) نفي صريح لها بحيث لا يحتمل الانكار فازال شبهة عمران في الابداع الذي هو المتوسط بين الخالق والمخلوق بانه لا منزلة بينهما وكلما سوى الله تعالى خلقه ولا يحتاج المجعول الاول في احداثه وايجاده الى آخر كما ذكرنا وازال ايضا عن قلب عمران جميع ما كان يعتقده المتكلمون من الامور التي اشرنا الى بعض منها بنفي ان يكون شيء غير الله وغير خلقه

ثم قال عليه السلام تأكيدا وتثبيتا للحق الواقع فما خلق الله عز وجل لم يعد ان يكون خلقه يعني كلما خلق الله عز وجل لا يتعدى عن رتبة المخلوقية ولا يعدو مقامه ومرتبته الى مقام اعلى فيكون المخلوق خالقا والممكن واجبا كما يظهر من كلمات القوم والسنة حالهم من القول بالاقتران والاشتراك والقسمة فان اثبات كل هذه الاحوال اخراج للممكن عن حد الامكان ورفع الى حد القدم سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ثم اشار عليه السلام الى حدود الخلق واطوارهم بقول مجمل حتى يعرف عمران ان كون الشيء مستقلا ثابتا يتقوم به غيره لا يدل على انه ليس بمخلوق وانما هو قديم بل هو خلق للقديم سبحانه وتعالى اقامه بنفسه واقام غيره به فمن نظر اليه بعين الاستقلال فقد صغر عظمة القديم الخالق ولذا قال عليه السلام وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها والخلق الساكن هو القطب وهو الذي قوام غيره به فكل جوهر بالنسبة الى عرضه ساكن وكل عرض بالنسبة الى جوهره متحرك وفي كل ( وكل خ ) شيء جوهر وعرض وكل شيء متحرك وساكن ولما كانت الجواهر كلها تنتهي الى جوهر الجواهر ومبدء المبادي الذي قال الشاعر في حقه :

يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض

فيكون هو الساكن في الحقيقة دون غيره ولما كان لكل احد سكون وحركة استدرك القول هنا واجمل عليه السلام بقوله وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا بعد ما قال في المشية انها خلق ساكن لا يدرك بالسكون وكذلك السكون الثابت للخلق ايضا لا يدرك بالسكون كالمشية حرفا بحرف والعرض على اقسام لانا قلنا ان العرض ما يقوم بالغير والقيام على اربعة اقسام قيام صدوري كقيام الكلام بالمتكلم والصورة بالشاخص المقابل والاشعة بالمنير وهكذا كل اثر بالنسبة الى مؤثره وقيام عضدي ركني تحققي وهو قيام المركب باجزائه وقيام الاجزاء من حيث التركيب بعضها بالآخر وقيام عروضي وهو قيام الصفات اي الهيئات من الالوان والكيفيات والكميات من الطول والعرض والعمق وغيرها من الاعراض بمحالها وموضوعاتها من الاجسام وغيرها وقيام ظهوري وهو قيام ظهور العالي بنفس السافل الذي هو نفس السافل الذي هو نفس العالي الذي هو ظهور العالي والاعراض لا تخلو بجميع مراتبها واحوالها واوضاعها واحكامها عن هذه الاربعة وهي متقومة بجواهرها متجوهرة بها ومنتهية اليها ولذا لا يصح ان يطلق على الله الجوهر لعدم انتهاء شيء اليه تعالى كما ذكرناه مرارا

فاذا ثبت ان الجوهر هو القطب الساكن فيكون الاعراض هي المتحركات فالمتحرك هو العرض فمن قال ان الحركة انما تقع في العرض ولا تقع في الجوهر واراد هذا المعنى من حكم الدائرة والقطبية وسكونها بمعنى استقلالها بالاضافة فحق لا شك فيه ولا ريب يعتريه اذ الحركة لا بد لها من منتهى تنتهي اليها وذلك المنتهى اليه يجب ان يكون ساكنا عند المتحرك حتى تقع الحركة اليها ولما كانت الاشياء لا تنتهي الى القديم انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ولما كان اهل كل مرتبة يستمدون مما هو من نوع تلك الرتبة فتكون الاقطاب متعددة وكل قطب من حيث هو قطب ساكن ومن حيث هو دائرة متحرك فلم تزل الاشياء في الحركة والسكون والابتداء والانتهاء الى ما لا نهاية ( له خ ) من المداء فظهر لك من هذا البيان المكرر ان المتحرك هو السافل والساكن هو العالي وقد نعكس ( ينعكس ل ) الامر ونقول ان المتحرك هو العالي لان الحركة دليل الحيوة والسكون دليل الموت فيكون الحي هو القريب من المبدأ والميت هو البعيد ووجه آخر ان العالي معطي ( معط خ ) مقبل مفيض فهو المتحرك الى جهة السافل والسافل هو القابل الحافظ لما يرد عليه من فيض العالي فهو اذا ساكن راكد واقف ثابت والمتحرك هو النار والساكن هو الماء والمتحرك هو الهواء والساكن هو الارض فباعتبار الحركة والسكون يجري في كل شيء وكل ذرة من ذرات الوجود بكل جهة فافهم الاشارة ولا تقتصر على العبارة

والمختلف هو الاجزاء المتباينة المتضادة في الجعل الاول من الوجود ومقتضاه الذي هو العقل والنفس المطمئنة وآثارها وصفاتها وكلياتها هي الملائكة الخمسة والسبعون المذكورة في جنود العقل والماهية ومقتضاها الذي هو الجهل والنفس الامارة بالسوء وصفاتها وكلياتها هي الشياطين الخمسة والسبعون المذكورة في جنود الجهل فظهرت من غلبة كل واحد منهما على الآخر الذوات الطيبة والخبيثة وقد ذكرنا عند ذكر الحروف الثمانية والعشرين المستوية الذوات الطيبة من العقل والنفس الى آخر المراتب وعند ذكر الحروف المعكوسة الذوات الخبيثة الملعونة من الجهل وتحت الثري والثري والطمطام وجهنم الى آخر المراتب وجميع الاختلافات انما نشأت من هذين الاصلين الذين هما خليجان من بحر واحد في الاختلاف بين الحق والباطل واما الاختلاف في جهات الحق فبالاطوار الستة التي هي المشخصات من الكم والكيف والجهة والرتبة والزمان والمكان وكذلك الاختلاف في جهات الباطل من هذه الستة فاذا نظرت الى الشيء من حيث طبايعه واجزائه وجزئياته ومراتبه واحواله وحدوده واوضاعه وشؤنه تراه مختلفا غاية الاختلاف واذا نظرت الى الجانب الجمعي الذي قد طوى كل تلك الحدود والاوضاع بحيث اضمحلت ملاحظة تلك التفاصيل معه فكان شيئا واحدا جامعا مملكا يشار اليه باشارة واحدة تراه مؤتلفا غاية الايتلاف والايتلاف دليل اعتدال المزاج والاختلاف دليل فساده ولذا ورد عنهم عليهم السلام ما تناكرتم الا لما بينكم من الذنوب وترى في دولة الباطل كمال التناكر والاختلاف بين الموجودات وينعكس الامر في دولة الحق حتى يرعى الذئب والغنم في مكان واحد ولا يتعرض الذئب للغنم والصقر والحمامة يعيشون في عش واحد ووكر غير متعدد فان محبة الله تعالى تجمع القلوب المختلفة وهو قوله تعالى واذكروا اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها وقوله تعالى لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بينهم ولكن الله الف بينهم فالتأليف وجه الواحد والتنكير والاختلاف وجوه متعددة في البطلان والطغيان وهو قوله تعالى وضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا والتأليف تمام الشيء وكماله والاختلاف من جانب النقصان وعدم التمام والتأليف شفاء من كل داء والاختلاف سم قاتل وهو قوله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وفي الدعاء يا من اسمه دواء وذكره شفاء وذكره واسمه كل شيء ينسب اليه تعالى وما لا ينسب اليه تعالى فليس فيه اسمه ( فليس اسمه خ ) وذكره فليس فيه شفاء بل سم قاتل وقد نفي الله سبحانه الاختلاف عن نفسه والاختلاف شكل المثلث ولذا كان شكل الخراب والدثور والوبار والهلاك وهو ابو الاشكال الغالب عليه الوحدة العادة لكل الكثرات التي بها يحصل التأليف والايتلاف والايتلاف شكل المربع الذي به الاجتماع والتأليف والاقتران والازدواج فان المربع يحصل من الاثنين المؤتلفين المرتبطين وهو قوله تعالى ومن آياته ان جعل لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة وقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا الزوجين لبيان التربيع ولم يقل فردين فان الواحد الفرد والاثنين من غير الاربعة قد دل على استحالتهما العقل والنقل والوجدان والاختلاف حكم الصورة واصله ومنبعه العلة الصورية وهو فصل الخطاب وهو قوله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقوله تعالى قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون وقول النبي صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقد قال سبحانه في القمر وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب والايتلاف حكم المادة وهي المقترنة بالصورة والمتممة لها واصله وينبوعه في العلة المادية ولذا قال تعالى ترجي من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك وجاز له صلى الله عليه وآله ان يأخذ ما شاء وينكح ما اراد من الزوجات من غير عدد ولم يجز لعليّ عليه السلام مع فاطمة عليها السلام سواها وهكذا ( هذا خ ) حكم الاختلاف والايتلاف يجري في الاشياء كلها وكل شيء فيه اختلاف وايتلاف كما ان كل شيء ساكن ومتحرك وجوهر وعرض وقد اشرت الى نوع المراد وعليك استخراج ( باستخراج خ ) الكنز من الرمز

واما المعلوم فالمراد به المحكم الظاهر الدلالة واضح المحجة بحيث ليس فيه شبهة و( ولا خ ) ارتياب وهو النص الجلي الواضح العلي الذي لا يحتمل الخلاف مطلقا او في اصطلاح يقع به التخاطب والقوم جعلوا المحكم اعم من الظاهر والنص ولا يبعد ذلك لان النص هو الحجة البالغة الذي ليس لاحد فيه مهمز ولا لقائل فيه مغمز وهو المحكم المتقن الذي خلقت طينته من عليين وهي الطينة التي ليس لاحد فيها نصيب قد ازال وابطل نور تلك الطينة الالهية كل ظلمة وشبهة ونكارة وجهل ودنائة ورذالة فلم يبق الا المعروفية المطلقة والمعلومية التامة لانه ( لانها خ ) حينئذ صفة المعلوم المطلق والمعروف الذي ليس فيه نكارة والظاهر الذي ليس فيه خفاء فبقي معلوما لا جهالة ولا جهل فيه ولذا صار كما في الزيارة الجامعة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق ( حسن خ ) مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم ( جاهكم خ ) لديه وقرب منزلتكم منه الزيارة فلو كان في تلك الحقيقة نوع خفاء وجهة شبهة وظلمة لم يظهر هذا الظهور لكل احد

واما الظاهر فهم جماعة خلقت قلوبهم اي افئدتهم من تلك الطينة بحيث لا فرق بينهم وبينها الا انهم آثارها واشعة انوارها وعبدها رقا وطاعة وخلقت اجسامهم اي مقام تعينهم وانيتهم الذي هو مقام صورهم وحدودهم المشخصة من دون تلك الطينة فبذلك سرت فيهم جهة ظلمة وبتلك الجهة اختفوا ولم يظهروا بالكلية الا ان جهة نورانيتهم لما كانت غالبة بقوا في مقام الظهور الذي يستفاد منه الظن بخلاف الاولين فانهم النصوص القاطعة والبراهين الواضحة والانوار اللامعة والحجج البالغة فالناظر ( فالظاهر خ ) اليهم لا يزال على بصيرة وهداية ورشاد ( ارشاد خ ) قاطع متيقن بالمراد واما شيعتهم المخلصون وان كانوا نورانيين الا انهم ليسوا بتلك المثابة فلا يستفاد منهم من الطمأنينة والسكون مثل ما يستفاد من المعصوم الطيب الطاهر فافهم

واما المتشابه فهو الذي تتعارض فيه الجهات المتضادة فلا يدري الناظر اي الجهات مراده فيسلك بذلك سبيل الباطل سيما اذا توغل فيها وذلك لا يكون الا عند وقوفه مقام الاختلاف والتضاد وان يكون له فطرتان فطرة ( اصلية خ‌ل ) الهية وفطرة عرضية معوجة فمرة ينظر الى الاولى الاصلية ومرة ينظر الى الثانية السفلية فيشتبه عليه النظران ومن تعارض النظرين وتعاكسهما يحصل الظن والوهم والشك والوسوسة والريب والزيغ والعناد والجهل والحمق وامثالها من الملكات الردية وقد ذكرنا ( شرحت خ ) تفاصيل هذه الاحوال في مسئلة العلم وحقيقته ومنشأ تحققه ومن اراد ذلك فليراجعها او المتشابه ضد المحكم بمعنى النص والظاهر الذي ذكرنا فان اهل الباطل والائمة الذين يدعون الى النار عندهم من الباطل ما يشابه الحق فيلقون على الضعفاء ويضلونهم عن السبيل وهو قوله تعالى فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم وهم الذين يطلعون على سرائرهم الخبيثة وبواطنهم القبيحة فلا تحجبهم ظواهرهم عن مشاهدة بواطنهم وقد يكون الشيء الواحد محكما من وجه ومتشابها من وجه آخر كما في الساكن المتحرك والمختلف المؤتلف وهذه الامور الستة التي ذكرها عليه السلام كلها يجري في الشيء الواحد بحسب المقامات

ثم لما ذكر عليه السلام حدود الخلق من حيث الاستقلال وعدمه ومن حيث الوحدة وعدمها ومن حيث المعلومية وعدمها وظهر من تلويح كلامه عليه السلام ان المعلومية هي علة الايتلاف والتشابه علة الاختلاف او بالعكس اي الايتلاف والوحدة والاجمال علة المعلومية والاختلاف والتضاد والكثرة علة التشابه والمعلومية علة السكون والتشابه علة الحركة اراد ان يبين عليه السلام بطلان ما ذهب اليه بعض الاوهام الفاسدة انها تدرك الاعدام والممتنعات وشريك الباري وانها تدرك مفهوم واجب الوجود وينتزع منه الصفات وان المصادر السيال ( السيالة خ ) لا وجود لها كالفوقية والتحتية وامثالها حتى قال بعضهم بعدمية مفهوم القدم والحدوث والوجوب والامكان وامثالها فقال عليه السلام وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل معناه كما قال مولينا الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فكل شيء يقع عليه حد وتمييز ( يتميز خ ) سواء كان في الذهن او في الخارج باي نحو من الانحاء يكون وهو مخلوق لقوله عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فالممكن المخلوق لا يدرك الا ما كان ممكنا مخلوقا فلا يسعه ادراك الواجب والممتنع لانه ليس بواجب ولا ممتنع وفرض المحال حينئذ محال لان الفارض ممكن وماتسميه ( نسميه خ ) محالا وممتنعا كل ذلك لجهة امكانه والا فكل ما ليس عندنا لانقدر عليه ولو فتح هذا الباب جاز ادراك الواجب سبحانه وتعالى وقد اجمع المسلمون على استحالته ولما نص الله عز وجل على ان كل شيء له خزائن عديدة ( هو خ ) يتنزل من الاعلى الى الاسفل فما ندركه في مداركنا ومشاعرنا وقوانا وحواسنا كل ذلك قد نزل من عالم آخر الينا فهو من الخارج مع ان كل ما يأتينا اما من كتاب الابرار في عليين او من كتاب الفجار في سجين ولا يمكن ان يدرك ما لم يكن مكتوبا في احد الكتابين وهو قوله تعالى ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون فاذن بطل ما حكموا بعدميته وان الذهن يدرك ما ليس بموجود في الخارج

ثم اراد عليه السلام ان يفصل المدارك والمشاعر وما يخص كل مشعر بادراكه وان كل ما تفهمه الحواس وتدركه فهو ما في رتبة تلك الحاسة اي صفة الامر الخارجي وصورته قد انتقشت في مرآة تلك الحاسة فهي تنظر الى الخارج بما فيها وتحكم عليه بما عندها وهذا باب واسع في العلم فقال روحي فداه واعلم ان كلما اوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس وهذا هو الاشارة الى الشق الثاني من الكلام من ان ما تؤدي اليك الحواس هو المعنى المدرك لها الموجود في رتبتها الآخذة شبح الامر الخارجي على حسب ما عندها من الاستقامة ( والاعوجاج خ ) والاختلاف والايتلاف وغير ذلك ولذا تختلف الافهام والاوهام في الشيء الواحد فيحكم ( فيحاكم خ ) كل بخلاف ما حكم به الآخر بل يختلف فهم الشخص الواحد في الشيء الواحد فلو كان ما في الذهن هو الذات والحقيقة لما اختلفت فلما اختلفت الحواس في ادراك الشيء الواحد علمنا ان ما عندها الرسم والشبح لا الذات والحقيقة فابطل عليه السلام بذلك مذهب القائلين بان الاشياء انما تدخل في الذهن بحقايقها لا باشباحها وبين عليه السلام ان الادراك باحداث الشبح لا غير ذلك ولذا قيده بقوله روحي فداه فهو معنى مدرك بالحواس ( للحواس خ ) فافهم واشار الى الشق الاول من الكلام بقوله عليه السلام وكل حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في ادراكها

واعلم ان اختلاف المشاعر دليل على اختلاف الادراكات واختلافها دليل ( على خ ) اختلاف المدركات واختلاف القوى باختلاف المدركات دليل على ان بين الادراك والمدرك لا بد من مناسبة ذاتية تصحح تخصيص الادراك ولذا جعل الله سبحانه للاجسام اي لادراكها الحواس الظاهرة الجسمانية من السامعة والباصرة واللامسة والذائقة والشامة وكل قوة جعلها الله سبحانه لادراك جهة من الجهات الجسمانية فالسامعة للاصوات والباصرة للالوان واللامسة للخشونة واللين والذائقة للطعوم والشامة للروايح وهذه الخمسة هي العمدة في عالم الاجسام وتأخذ تلك القوي شبحا من كل سنخ بهذه الآلات وتؤدي الى بنطاسيا وهي الحس المشترك العالم البرزخ بين عالم الاجسام والارواح وتدرك الصور الغيبية بمعونة الصورة الخارجية مثل استدارة الشعلة الجوالة وغير ذلك وهذه القوى تؤدي الى الخيال وهو في البطن المؤخر من التجويف الاول للدماغ كما ان الحس المشترك في البطن الاول من التجويف الاول وقالوا ان الخيال هو خزانة الحس المشترك وليس له ادراك غير الحاملية والخازنية وليس بصحيح بل الخيال قوة مدركة للصور الغيبية المنتزعة من الصور الشهودية او ما من شأنه ذلك وهي يستمد ظاهرها من جسم فلك الزهرة وباطنها من باطن فلك الزهرة اي من روحها ولا يبعد ان يكون المفكرة مقدمة على المخيلة لان بابها فلك العطارد ( عطارد خ ) بغيبه وشهادته وباب الخيال الزهرة بغيبها وشهادتها ولا شك ان فلك عطارد اقرب الى عالم الشهادة من الزهرة ووجب مطابقة الفرع مع الاصل قالوا في وجه التخلف ان المفكرة هي قوة يجمع بين المختلفات ويفرق بين المؤتلفات ويضم المعنى بالصورة ويضم الصورة بالمعني فاذا كان كذلك وجب ان يكون محلها الوسط وهو البطن الاول للتجويف الثاني فان الوهم الذي يدرك الصور الغيبية في البطن الثاني للتجويف الثاني والخيال الذي يدرك الصور الشهودية في البطن الثاني للتجويف الاول فالفكر يتوسط بينهما ويأخذ عنهما وقالوا ايضا على ان الصورة باردة رطبة والمعنى بارد يابس والمثلث الذي للدماغ قاعدته الى جهة الجلد والحواس الظاهرة ورأسه الى الباطن ( البطن خ ) فكلما هو اقرب الى القاعدة اكثر برودة ورطوبة فلذا صار الحس المشترك في البطن الاول من التجويف الاول ثم بعده الخيال لانه صورة محضة ثم الفكر لانه صورة ومعنى وضم وتأليف ثم جمع وتفريق وغير ذلك ثم الواهمة وهي التي تدرك الصور الغيبية المعنوية ثم الحافظة فانها خزانة للمعاني الغيبية ثم العاقلة وهي في البطن الثاني من التجويف الثالث وقال بعضهم ان فيه المحركة ( المتحركة خ ) والاول هو الاولى فان العاقلة تأخذ وتستمد من فلك زحل وهو اعلى الافلاك واقصاها والحافظة وهي مخزن العلم تأخذ وتستمد من فلك المشتري وهو تحت فلك زحل والواهمة محل المعاني اي الصورة ( الصور خ ) المنتزعة من عالم الغيب مثل عداوة زيد ومحبته وصداقته وهكذا من الامور الغيبية التي لا تظهر في الحس الجسماني وهي تستمد من المريخ الذي تحت المشتري والمتخيلة محل الصور والهيئات المنتزعة من عالم الشهود تستمد وتأخذ من فلك الزهرة وهو تحت المريخ والمفكرة محل ترتيب وجمع وصوغ وهدم تستمد من فلك عطارد وهو تحت الزهرة والحس المشترك محل الصور البرزخية وهي تستمد على ما افهم من باطن جوزهر القمر وهو تحت عطارد فاقترنت الاسباب بالمسببات والعلل بالمعلولات ولي كلام طويل عجيب في هذه القوى وترتيبها ومداركها وصورها وهيئاتها وفي تصحيح ما قال القوم وتزييفه تركت ذكره للتطويل وصونا عن اصحاب القال والقيل وهذه القوى كل قوة تدل على ما جعله الله فيه فالحس المشترك تدل على الصور البرزخية والخيال على الصور الغيبية على التفصيل الذي ذكرنا

ثم اراد عليه السلام ان يبين ان هذه الحواس والقوى والمدارك ليست بمتأصلة مستقلة بل لها اصل نشأت كلها منه وتعود اليه وهي آلاته يستعملها في مهماته مما يحتاج اليها في عالم التفصيل وذلك الاصل هو القلب ولذا قال عليه السلام والفهم من القلب يجمع ذلك كله والقلب وان كان له اطلاقات كثيرة الا ان المراد في هذا المقام هو العقل الكلي الخاص بالشخص وهو وجه من روح القدس ونسبته الى بدن الانسان وقواه ومشاعره نسبة روح القدس اي العقل الكلي الى هذا العالم فانه قد خلقه الله تعالى من اقباله وادباره وشؤنات اطواره وكذلك العالم الانساني خلقه الله سبحانه من شعاع ذلك العقل فخلق باقباله وادباره الجزئي جميع مراتب كل شخص من الاشخاص الجزئية فهو الاصل في جميع المراتب وهي كلها عنه تصدر واليه ترد والحكم لله العلي الكبير والقلب جوهرة نورانية ( الهية خ ) بدت من الاختراع الاول مجردة عن المادة الملكوتية والجسمانية والشبحية والبرزخية وعن المدة المقدارية المثالية والمدة الزمانية واول نور مشرق من صبح الازل وآدم الثالث واول ولد تولد من آدم الثاني الذي هو الوجود المقيد اعني الماء النازل من سحاب المشية الذي به كل شيء حي ومن حواه ( حوائه خ ) ارض الجرز وارض القابليات اي الماهية الاولى خلقه الله سبحانه من اربعة اجزاء من رطوبة ماء بحر الصاد اول المداد وجزء واحد من يبوسة ارض القابلية الاولى الارض الطيبة ثم مزج بينهما باسمه الحي ثم عقدهما باسمه القابض ثم اخذ من هذا المجموع جزئين ومزجهما مع جزء واحد من ارض الجرز والارض المقدسة ثم عركهما بحرارة اسمه النور مع الرطوبة اي رطوبة اسم الله المبين ثم عقدهما بذلك مع قوة اليبوسة اي يبوسة اسم الله القابض فتمت خلقته وكملت صنعته ثم سجد لله تحت عرش ربه فركع مسبحا بحمد ربه وقام قائما معلنا بالثناء عليه تعالى وذلك هو العقل وهو القلب و( وهو خ ) اول غصن اخذ من شجرة الخلد وهو القلم في قوله تعالى ن والقلم وما يسطرون وهو عبد من عباد الله قائم في طاعة الله صورته هيكل التوحيد وصفته الرضا والتسليم ومقامه الركوع وطبيعته البرودة واليبوسة في ظاهر ذاته والبرودة والرطوبة في ظاهر فعله والحرارة واليبوسة في اصل ذاته وادراكه المعاني الكلية ومخزنه كل الوجود بالذكر كالانسان المذكور عند جميع الافراد والجزئيات الغير المتميزة في رتبة مقامه ودليله الموعظة الحسنة وسبيله اليقين وطريقته التقوي وعلم الطريقة وصفته ( صفة خ ) الاستقامة وذكره سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ومعرفته اسماء الله الحسنى وصفاته العليا ونفي الاضداد والانداد ومعرفة الصفات الثبوتية والسلبية وشغله العبادة فلا يتوجه الا الى المعبود بالحق وحده لا شريك له وثمرته العصمة عن الخطاء فطوبى لمن لاحظ حرمته واقتطف ثمرته وقوله لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وان كل ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله خ ) حق لا شك فيه وحكمه الاحتياط لتحصيل اليقين ومكانه كل الممكن لان العقل اول شيء برز في الوجود بمشية الله سبحانه ومادة امره الكوني وخطابه الشفاهي فلم يبق في الامكان الكوني مكان الا وقد وسع نوره وظهر ظهوره والاشياء كلها خفيت واضمحلت عند سطوة جبروته ولذا سمي عالم الجبروت ووقته الدهر وهو الوقت الثابت المستمر الذي يجمع المختلفات ويفرق المجتمعات الزمانية ولونه البياض في صفته والسواد في ظاهر ذاته والحمرة في باطن حقيقته مقبل على الله عز وجل مطيع لامره ونهيه اذ لا يجد في مقام ذاته ما يصرف نظره عن الله تعالى اذ ما عداه كله باطل وذكره لا يقاوم تأصل الذات فلا يمكن التوجه الا اليه تعالى فلما كان كذلك احبه الله واكرمه وملكه هذا العالم وسخر له كل شيء فالاشياء آلات وقوى له يصرفها فيما يشاء كما يشاء بما يشاء والقلب حقيقة وحدانية اجمالية والصدر تفصيل ذلك الاجمال وتمييز ذلك الابهام وبه تظهر الجهات والحيثيات فتفاصيل القلب في الصدر وتفاصيل الصدر في الدماغ فالصدر جامع للجهات المتشتة المختلفة في الدماغ عن ( من خ ) القوى المذكورة والقلب جامع ما في الصدر فقوله عليه السلام والفهم من القلب يجمع ذلك كله نظر الى طي الواسطة ورجوع الاشياء الى مباديها والقلب هو اصل العوالم وترجع الملائكة بالاخبار اليه في ليلة القدر وليلة الجمعة وكل آن ووقت وهو الجامع لتشتتات اخبار الملائكة كما تخبر الحواس القلب في كل آن ووقت ودقيقة اخبار ما ترد على كل حاسة وتجمع ( تجتمع خ ) الاخبار كلها عند العقل والقلب وهكذا تعرض الملائكة اعمال الخلايق واطوارهم وحركاتهم وسكناتهم واصولهم وفروعهم واكوارهم وادوارهم كلها على قلب العالم فهو الحافظ للعالم عن الاندراس كما ان كلما يصل الى البدن بالقلب وكلما يرد عليه باطلاع القلب ويستخبر عند الورود وقبل الورود ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في ارض جسده من حركات الشراين و( سكون خ ) الاوردة ولا في السماء سماء الارواح والغيوب فافهم ضرب المثل وتلويح الامام عليه السلام في لحن الخطاب فقد قالوا عليهم السلام نحن لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن فقد اثبت بابي هو وامي في هذا الكلام الموجز المختصر ما لا تسعه العبارة وتضيق به الاشارة الا اني في كتمانها لفي واسع العذر فان اهل هذا الزمان حرموا على انفسهم خيرا ما له عوض وامرا ما له ثمن حفظنا الله واياكم عن شرور انفسنا و( عن خ ) سيئات اعمالنا

قال عليه السلام واعلم ان الواحد الذي قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلق اثنين التقدير والمقدر وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل احدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما ولم يخلق خلقا شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يكنه والخلق يمسك بعضه بعضا باذن الله ومشيته وانما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة في وصفهم الله بصفة انفسهم فازدادوا من الحق بعدا ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم قال عمران يا سيدي اشهد انه كما وصفت ولكن بقيت لي مسئلة

( اقول خ‌ل ) لما بين عليه السلام خلق عالم الوجود المطلق واشار الى العلل الاربع من حيث هي ومعلولاتها بقوله ساكن وهو العلة الفاعلية ومؤتلف وهو العلة المادية ومختلف وهو العلة الصورية ومعلوم ومجهول وهو العلة الغائية على احد الوجوه والمتحرك اشارة الى نفس المعلول من حيث هو معلول اراد عليه السلام ان يفصل مراتب المعلول وان يشرح حاله ونسبته الى العلة ولما اتفقت كلمة العقلا ان بين العلة والمعلول لا بد من مناسبة ومرابطة بها يصح تخصيص كل مفعول بالجعل دون الآخر ولم يتضح المراد من هذه المناسبة والعلة توهموا ان العلة هي ذات الله تعالى فاضطربوا لوجه مناسبته بمخلوقاته ومعلولاته ( معلوماته خ ) مع كونه هو الواحد الاحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وهو قولهم بالربط بين الحادث والقديم فقال بعضهم وهم الصوفية القائلون بوحدة الوجود ان ذات العلة واحدة من غير تكثر واختلاف لكنه يتطور بالاطوار ويتعين بالحدود والتعينات اظهارا لكماله واثباتا لاسماء جلاله وجماله وارائة نفسه في مرايا القوابل والاستعدادات لان الجميل يبتهج بجماله اذا رآه في المرآة فصح الربط بل الخلق ليس شيء سواه كالمداد الظاهر بالحروف والبحر الظاهر بالامواج وقالوا ان هذا لا تستلزم النقص كما ان الشمس تشرق على النجاسات والقاذورات ولا تتكيف الشمس بكيفياتها ولا تتنجس بها ولما رأي الآخرون ان هذا المذهب هو الخروج عن مذهب اهل الاسلام بل عن جميع المذاهب والملل كما قال الشيخ علاء الدولة السمناني في حاشيته على الفتوحات عند قول ابن عربي سبحان من اظهر الاشياء وهو عينها قال يا شيخ ان الله لا يستحيي من الحق ( الخلق خ ) يا شيخ لو قيل ان فضلة الشيخ عين وجود الشيخ لا تسامحه بل تغضب عليه فكيف يجوز لك ان تنسب هذا الهذيان الى الملك الديان تب الى الله تعالى لتنجو من هذه الورطة الوعرة التي تستنكف عنها الطبيعيون والدهريون وقال بعضهم في الربط باثبات الاعيان الثابتة لذلك ولاثبات علمه بالاشياء قبل خلق الاشياء فان كون علم الله عين ذاته تعالى ضروري وان العلم يستدعي المعلوم لانه من قبيل الاضافة لا شك فيه وحدوث الاشياء مما لا خلاف لاحد فيه فلو جعلنا المعلومات هي المحدثات انتفى العلم ( القدم خ ) في القديم للاصل الذي عندهم من حكم الاضافة ولو جعلنا عين الذات وقلنا بقدم الاشياء فلا يسعنا ذلك لضرورة الحدوث فاحتاجوا لان يثبتوا للاشياء تحصلا ذكريا في الازل في ذات الحق سبحانه حتى تكون معلومة له تعالى قبل خلقه الخلق ثم يكون تلك الاذكار علة الربط واختصاص كل مجعول بجعل خاص حسب معلوميته في العلم الازلي سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وقال الآخرون في حقيقة الربط بان معطي الشيء لا يجوز ان يكون فاقدا له والا لزم المحال فيجب ان تكون الاشياء كلها في ذاته بوجه اشرف وان لا يسلب عن ذاته تعالى امر وجودي والا لزم التركيب فيكون بسيط الحقيقة كل الاشياء وقال الآخرون بان الاشياء لا تحقق لها ولا ثبات ولا وجود وانما هي اوهام وخيالات يتوهمها ويتخيلها الانسان فالوجود هو الله والاشياء موجود بالانتساب اليه وقالوا ان وجود زيد اله زيد كما تقول ماء مشمس بالشمس هي الاصل والحرارة انما حصلت بالانتساب وقال الآخرون بالتوقف والتحير وقد طرق سمع عمران هذه الاقوال الفاسدة والعقايد الباطلة اراد عليه السلام ان يبطل هذه الاقوال ويبطل هذا المحال ويزيل تلك الكدورات فقال روحي فدائه واعلم ان الواحد قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد فالواحد هو الذي لا كثرة فيه لانهما متناقضان لا يجتمع احدهما مع الآخر واما الواحد الذي فيه الكثرة فاطلاق الواحد عليه من باب المجاز والتوسع وكلما فيه الاثنينية والمغايرة كثرة يجب سلبها ونفيها عن الواحد الحقيقي فاذن لا ذكر للكثرة فيه بوجه من الوجوه فاين النسبة واين الربط واين الاعيان الثابتة فان كانت له ( لها خ ) جهة غير جهة الذات ينفع اثباتها للغرض الذي عندهم فان لم يكن لها الا جهة الذات وهي عبارة اخرى للذات لم ينفع اثباتها ابدا لان الربط لم يحصل والمناسبة ما تحققت ضرورة انها بين الامرين والنسبة تستدعي المنتسبين فاذا امتنع الذكر امتنع النسبة فامتنع بذلك التعين الذي ذكره الملاحدة الصوفية فان التعين والمتعين مقترنان والاقتران ينافي الوحدة الحقيقية فان كان معطي الشيء يعطي عما في ذاته اذا لنفد ذاته ولنقص وان كان يعطي عما في قدرته واحداثه وملكه فهو فاقد المعطي في ذاته وتمثيلهم بالسراج والاشعة ( على ما يفهمون خ ) لا يتم الا في الفاعل الموجب والفاعل بالطبع كما يزعمون واما الفاعل المختار فلا يجري شيء من ذلك نعم المعطي لا يجوز ان يكون فاقدا للشيء في ملكه وفي قدرته وعلمه واما علمه فيجب ان يكون فاقدا لها لا على نحو يلزم التحديد على ما زعموا كما قال عليه السلام ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه وكلما يصدق عليه اسم شيء ماخلا الله باطل فقوله عليه السلام واحد ابطل جميع ما ذكروا وهدم كل ما اسسوا وشيدوا ثم اردف قوله عليه السلام اتماما للحجة واكمالا للنعمة بالتقييد بقوله الواحد الذي قائم بغير تقدير فهو تفصيل لما اجمله بقوله الواحد

ثم اردف عليه السلام هذا التنزيه عند الخلق لبيان انه تعالى حين ايجاد الخلق منزه عن كل القرانات والنسب والاوضاع فهو تعالى منزه عن التقدير والتحديد قد خلق خلقا محدودا مقدرا فابطل بذلك قول المشائين واصحاب العقول العشرة من القول بان الواحد من حيث هو واحد لم يصدر منه الا الواحد فقد ذكر عليه السلام ان الواحد من حيث كونه واحدا منزها عن التقدير والتحديد خلق ( خلق خلقا خ ) مقدرا محدودا ولا شك انه متكثر وفي الدعاء لا يشغله خلق شيء عن خلق شيء ولا علم شيء عن علم شيء ولا يفوته شيء ولا يؤده حفظ شيء نعم المناسبة بين العلة والمعلول ثابتة وهي في الظاهر بين المعلول وصفة العلة وفعلها الا ترى الكتابة فانها معلولة لك وهي لا تدل الا على استقامة حركة يدك او اعوجاجها واما على ذاتك فلا تدل عليها ابدا ولذا لا يستدل بحسن الخط على حسن ذات الكاتب وبقبح الخط على قبح ذات الكاتب نعم يستدل بهما ( بها خ ) على استقامة حركة يده واعوجاجها كما اشرنا اليه فالمناسبة بين الاثر وصفة المؤثر لا بين الذات والآثار تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا واما في الواقع فالعلة هي الفاعل والخالق وهما صفتان للفعل لا صفتان للذات وقد اجمع عليه الشيعة المخلصون المقتفون لآثار ائمتهم الهداة المعصومين سلام الله عليهم اجمعين فاذا فالمناسبة بين الفعل والمفعول لا بين الذات والمفعول فالذات تحدث الفعل بنفسه بلا كيف ولا اقتران ولا ربط ثم يحدث المفعولات به بعد ما احدث ذكرها فيه فيناسبه كل مفعول بما فيه من ذكره واسمه ولا يصح السؤال عن كيفية احداث الفعل اذ لا كيف هنا لان الكيف مخلوق به ولا يجري عليه ما هو اجراه وهو السابق على الكيف والكم والزمان والمكان والاولية والآخرية والابتداء والانتهاء وغيرها فلا يوصف بها وقد نص مولينا الرضا بذلك في حديث الارادة لما سئل عليه السلام عن الفرق بين ارادة الله وارادة المخلوقين قال عليه السلام الى ان قال واما ارادة الله فاحداثه لا غير فانه ( لانه خ ) لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون بلا لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ه‍ فاذا بطل السؤال عن كيفية ايجاد الفعل كما بطل السؤال عن كيفية حقيقة ( كيفية كيفية خ ) كنه الفاعل والخالق سبحانه وتعالى فالله هو المنزه عن التقدير والتحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير اخذ في احداث الوجودات المقيدة وكلياتها واول خلق دخل في الوجود بالتقدير والتحديد اي بالحدود والهيئات المتميزة المتشخصة سواء كانت معنوية او شخصية فاول الوجودات المقيدة هو العقل الاول وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله عقلي واول ما خلق الله القلم واول ما خلق الله روحي والكل بمعنى واحد وهو اول الوجودات المقيدة لا مطلق الوجود فان المشية سابقة عليه

ثم اراد عليه السلام ذكر كيفية احداث العقل وغيره من الوجودات المقيدة فقال عليه السلام وكان الذي خلق خلق خلقين ( الذي خلق خلقين خ ) اثنين التقدير والمقدر وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق التقدير يراد به الحدود والهيئات والاوضاع والهندسة والمقدر يراد به المادة المطلقة والهيولي الاولى وهو الوجود ( الموجود خ ) الذي هو اثر المشية وهو المصدر الذي تشير ( نشير خ ) اليه دائما فالله سبحانه خلق اولا الوجود الذي هو المقدر فان الحدود والهيئات انما ترد وتطرء عليه فهو المقدر فخلقه الله سبحانه بجعل مستقل اولا وبالذات ثم خلق التقدير وهو الصورة وهو الماهية والانية بتبعية جعل الوجود الذي هو المقدر ثانيا بجعل عليحدة ثم الف بينهما وخلق النسبة الارتباطية ثالثا ثم الزم بينهما اي الزم الماهية الوجود ومزج بينهما وجعلهما شيئا واحدا حتى صدق عليه خلقا واحدا مقدرا بتحديد وتقدير رابعا فتم بذلك العقل وكل شيء على هذا المجرى وهو صنع الله تعالى في كل شيء الا ان الاشياء تختلف بالهيوليات فالهيولي الاولى للعقل والثانية للنفس والثالثة للطبيعة والرابعة للمادة الجسمانية والخامسة للصورة المثالية والسادسة للجسم وهكذا وكل واحد منها يصدق عليه انه مخلوق مقدر بتحديد وتقدير فابطل عليه السلام بقوله خلق اثنين التقدير والمقدر قول الحكماء القائلين بعدم مجعولية الماهيات التي هي التحديد والتقدير في هذا المقام فانه عليه السلام صرح بانه مخلوق ثم اشار بقوله اثنين ان له جعلا آخر كجعل الوجود لا كما يقولون انه جعل واحد تعلق بالوجود ثم انجعلت الماهية به من غير حاجة الى جعل آخر غيره كما قالوا في الاربعة والزوجية فان الزوجية في تحققها وتكونها عندهم لا يحتاج الى جعل آخر غيره ويكفيها جعل الاربعة وهذا القول خروج الله سبحانه عن السلطنة والحكمة وتكذيب لله ( له في قوله خ ) تعالى الم‌ تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ولا شيء في التابعية باعظم من الظل وهو سبحانه جعل جعله منسوبا الى نفسه من غير جعل الشمس التي هي ( الذي هو خ ) الوجود وتمام الكلام في ذلك في شرح الفوائد لشيخي واستادي ادام الله حراسته ولا نطول الكلام بذكره ومرادنا الاشارة الى اشارات كلام الامام عليه السلام ليتفطن الناظر ويستبصر الطالب

وقوله عليه السلام وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق يحتمل معنيين

احدهما ما ذكرنا من ان المراد بالمقدر هو الوجود والتقدير هو الماهية وعلى هذا اما الوجود فلا شك انه ليس فيه لون ولا وزن ولا ذوق لانه مجرد عن الحدود والاوضاع واما الماهية فهي خطوط وحدود اذا تعلقت بالمقدر المحدود يتولد بذلك اللون والذوق والوزن والا فهي من حيث هي ليس لها ( له خ ) لون مرئي ولا وزن موزون مقدر ولا ذوق لانه ( لانها خ ) محض الهيئة فلا تظهر آثارها الا بالتعلق واللون والذوق والطعم انما تحصل من اقتران الوجود بالماهية لا بكل واحد منهما كما لا يخف

وثانيهما ان يكون المراد من التقدير هو الفعل الخاص المتعلق بالشيء حين ايجاده وبعبارة اخرى هي الرأس المختص بالشيء من المشية الكلية ولا شك انه ليس له وزن ولا لون ولا ذوق وذلك معلوم وكونه مخلوقا ايضا معلوم لا يحتاج الى البيان

ولما كان الوجود والماهية لا ينفك احدهما عن الآخر ولا ينفك خلق حادث عنهما لما ثبت ان كل شيء حادث مركب من جزئين فربما يرد على هذا القول اعتراض وهو ان كل واحد من الجزئين حادث فيجب ان يكون مركبا من جزئين الوجود والماهية وهما ايضا حادثان فيحتاجان الى جزئين آخرين وهكذا فيتسلسل ولا يتم خلق مخلوق لانه موقوف بوجود اجزائه وكل جزء موقوف وجوده على اجزاء فلا تناهي في مبدأ الاجزاء فلا وجود للاجزاء فلا وجود للمركب فيجب ( فيحتاج خ ) انتهاء الاجزاء المركبة الى جزء واحد بسيط والادلة العقلية والنقلية تبطل كل بسيط مفرد غير الذات البحت سبحانه وتعالى فاراد عليه السلام دفع هذا الاعتراض وقال ( عليه السلام خ ) وجعل احدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما يعني انه تعالى جعل كل واحد منهما شرطا لوجود الآخر فلا يتحقق احدهما الا بالآخر فادراك احدهما بالآخر والادراك بمعنى الوجود والوصول فاحدهما لا يوجد الا بالآخر فليس لاحدهما وجود مستقل بدون الآخر فالوجود تحققه وظهوره بالماهية والماهية تحققها وتأصلها بالوجود فوجود الوجود نفسه وماهيته ربطه بالماهية ووجود الماهية نفسها وماهيتها ربطها بالوجود فلا وجود لاحدهما الا بالآخر ولا يحتاج كل واحد منهما الى آخر منفصل بل قوام احدهما بالآخر وقوام الآخر به على حد الدور المعي والاحكام المتضايفة والمتساوقة مثل اللبنتين المعتمدة احديهما بالاخرى فادراك كل واحد منهما بالآخر وادراك الآخر به كما قال الصادق عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فانقطع التسلسل فالماهية وجودها لا يكون الا بالوجود المقترن بها والوجود لا يكون الا بالماهية المقترنة به فاذا انفصل احدهما عن الآخر بطلا وانعدما فاذا اجتمعا تحققا وائتلفا ذلك تقدير العزيز العليم

ثم قال عليه السلام تأكيدا وتثبيتا لما ذكره عليه السلام وجعلهما مدركين بنفسهما اشار الى محل التمايز وقال عليه السلام وان كان احدهما يقوم بالآخر الا ان لكل واحد منهما ادراك غير الآخر وذلك الادراك منسوب الى نفس كل واحد منهما لا بشيء آخر اذ لا شيء غيرهما في الوجود المقيد ولا ينزل الوجود المطلق اليه ولا يصعد المقيد الى المطلق فصار ادراك كل من الوجود والماهية بنفسهما لان كل واحد منهما متخالفان في الذات والصفات والافعال والآثار فكيف يكون ادراك احدهما بالآخر فالوجود نور محض وادراكه النور والخير والرشد والهداية والحق والصواب والماهية ادراكها اضداد ذلك فهي اصل الظلمة والشرور والقبايح والوجود مقام الوحدة والماهية رتبة الكثرة والوجود مقام الاجمال والماهية مقام التفصيل والوجود مقام الايتلاف والماهية مقام الاختلاف والوجود المقبل على ( الى خ ) الله والماهية هي المعرضة عنه الا اذا اسلمت والوجود وزيره العقل صاحب الجنود الخمسة والسبعين من الملئكة والماهية وزيرها النفس الامارة بالسوء صاحب الجنود الخمسة والسبعين من الشياطين فاذا كان كذلك فلا يكون ادراك كل واحد منهما بالآخر لان الادوات انما تحد انفسها والآلات تشير الى نظائرها وانما يكون ادراك كل واحد منهما بنفسه دون الآخر وهذا دليل على ان المراد بقوله عليه السلام في الفقرة الاولى فجعل احدهما يدرك بالآخر انه تعالى جعل احدهما يقوم بالآخر لان الوجود فعل والماهية انفعال ولا يقوم الفعل الا بالانفعال ولا الانفعال الا بالفعل فلما اقترنا ووجدا وتأصلا استقل كل واحد منهما بادراك نفسه ومقتضياته واحواله ولا يشارك الآخر نعم قد يتفق لكل واحد منهما حركة عرضية بتبعية الآخر فاشار صلوات الله عليه وآله وعلى آبائه وابنائه الطاهرين الى كيفية قوامهما وتحققهما ووحدتهما واجتماعهما وكثرتهما وافتراقهما واختلافهما واتفاقهما وتباينهما في هاتين العبارتين المختصرتين ولو اردنا شرح حقيقة الحال بمقتضي المقال لاحتاج الى كلام مبسوط طويل لا يسعني الآن ذكره وتفصيله فاقتصرت بالاشارة بحذف العبارة

ثم اراد عليه السلام ان يبين قاعدة كلية مطردة يشمل ( يشتمل خ ) جميع احوال الامكانات والمكونات فقال عليه السلام ولم يخلق خلقا شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده وهذا معلوم واضح فلذا اتفقت كلمة الكل على ان كل ممكن زوج تركيبي وذلك لان الحادث لا بد له من جهة يشير بها الى نفسه وجهة يشير بها الى ربه وصانعه لانا نجد بالضرورة اذا رأينا اثرا انتقلنا بها ( به خ ) الى وجود مؤثره وتلك الدلالة شيء موجود في ذاته ونقش فحواني ( فهواني خ ) في حقيقته ولولا ذلك لمادل عليه ولو جاز ان يدل شيء على شيء بدون وجود جهة ذلك الشيء فيه لدل كل شيء على كل شيء وهو في البطلان بمكان فوجب ان يكون في الاثر امرا وجوديا يدل على مؤثره وقد ننظر الى الاثر ونشتغل بحدوده واوضاعه واحكامه فنغفل حينئذ عن مؤثره فيكون الحاجب جهة اخرى بالضرورة ولا يخلو حادث واثر عن هاتين ( تلك خ ) الجهتين وهما علة التركيب فالجهة الاولى التي هو دليل المبدأ هو المسمي بالوجود والجهة الثانية الحاجبة هي الماهية وهو قول امير المؤمنين عليه السلام تجلي لها بها وبها امتنع عنها ( منها خ ) وقول السجاد عليه السلام وانت لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك وكل شيء قابل لاثر المؤثر ففيه شيئان قابلية واثر المؤثر وفي كل شيء جهة رفع وانخفاض وهكذا فاذا وجد شيئان وجدت اربعة واذا وجدت اربعة وجدت ستة‌عشر وهكذا الى ما لا نهاية له من الاطوار وكل جهة تقتضي حكما غير ما تقتضي الجهة الاخرى فيكون كل شيء جامع مملك ( جامعا مملكا خ ) جميع ما في العالم كله من القرانات والاوضاع فان الاعداد الغير المتناهية في البدو والعود اصلها الثلاثة وكل تلك الاعداد جهات ظهورات الثلاثة واطوار تعيناته في صورة التربيع والتكعيب والجذر وغير ذلك ولما كان كل شيء اصله الجهتان كانت فيه تلك الاحوال كلها الا ان بعضها ظاهر وبعضها كامن يحتاج لاظهارها الى مرجحات ومتممات ومكملات وغير ذلك والا فكل شيء جامع لكل شيء لان كل شيء مركب من شيئين فافهم

وقوله عليه السلام لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته يبطل قول اهل الاعداد ان الواحد ليس من الاعداد والاعداد كلها تحصلت منه فيكون اول الاعداد عندهم اثنين وقال بعضهم وهو فيثاغورس الحكيم ان اول الاعداد ثلثة لا اثنان لان الاثنين زوج والفرد اشرف من الزوج ولا يجوز ان يكون المبدأ زوجا لبطلان الطفرة فوجب ان يكون ثلثة ولم يتفطنوا الى قول مولينا ( وامامنا خ ) عليه السلام ان الله سبحانه لم يخلق فردا قائما بنفسه وكيف يكون الواحد موجودا في عالم الحدوث والحادث مخلوق وهو سبحانه ما خلق فردا بل خلق ما خلق زوجا فاين الواحد اذا حتى لا يكون من الاعداد ولم يعرفوا ان الواحد هو الثلاثة التي غلبت عليها جهة الوحدة فخفيت المراتب الاخر عند ظهور سلطان الوحدة كما تسمى الرجل بالخلط الغالب عليه فتقول صفراوي او سوداوي او بلغمي او دموي مع انه لا يخلو من شيء من هذه الاخلاط وكذلك الوحدة العددية فان اصلها الثلاثة غالبة عليها المبدأ الذي هو ظهور الوحدة ولذا كان الفاعل مرفوعا وانما قلنا ثلثة لانها اول ما يظهر من مبادي مراتب الشيء لان الشيء في اول ما تعلق به الجعل وخلقه الله سبحانه كانت له جهة الى ربه وجهة الى نفسه والحقيقة المتوسطة الجامعة للجهتين الجاري ( الحاوي خ ) عليهما حكم خلط الطتنجين والتقاء العالمين فهذا اول النظر للشيء والنظر الثاني للشيء نظر اجتماع القابل والمقبول وتفصيل النسبة الارتباطية بينهما فيكون بهذا النظر اربعة فالاثنان اربعة والواحد ثلثة وهما الاصلان كالعرش والكرسي وسائر الاعداد كالافلاك السبعة والعناصر والمتولدات وغيرها فروع وتفاصيل لهما منهما تشعبت وبهما تأصلت وتقومت واليهما عادت اذا كملت فبين عليه السلام ان الواحد الذي لا ثاني له ولا تكثر فيه بوجه ابدا ليس في عالم الامكان والا لكان خلق الله سبحانه فردا قائما بنفسه وهذا مع ان الادلة القطعية من العقلية والنقلية تبطله لا يعقل ولا يتصور

واما قولهم بان الاشياء على قسمين مركبات وبسائط فالمراد بها بسائط المركبات لا مطلقا ولو اريدت مطلقا فالمراد بها الاضافيات وكلما هو تركيبه اقل بالنسبة الى ما دونه قالوا انه بسيط ولذا قالوا في الافلاك انها بسائط والمجردات كذلك مع ما في كل منهما من التركيب والتأليف على ما بينا وشرحنا في سائر المباحث واجوبة المسائل واما الآية التي في النفس التي لا تظهر الا بكشف السبحات وازالة الانيات وقطع الاضافات فهي قد غلبت عليها جهة الوحدة بحيث اشتغلت ( اشغلت خ‌ل ) الناظر عن مشاهدة الكثرات وهو قوله عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد لا انها في الواقع بسيطة ( بسيط خ ) مع ان البساطة وعدم التركيب ايضا سبحة من السبحات التي يجب كشفها كيف وان حقيقتنا التي هي محل تلك الآية خلقت من شعاع نور الانبياء عليهم السلام ولا شك ان الشعاع يحكي جهة السفلي من المنير ففيه ظهور تركيب المنير وزيادة وقد يكون المنير ايضا شعاعا لمن هو اعلى منه فتكون التركيبات متراكمة متكثرة الا ان الناظر لا يريها ولا يلتفت اليها لا انه يرى عدمها ومثاله نور السراج لا ظهور له عند الشمس والكواكب لا ظهور لها عند طلوع النير الاعظم ومثل كلمة التوحيد قولك لا اله الا الله فانها حروف مؤلفة محدودة حادثة مركبة اذا اطلقتها لا تتوجه منها الا الى الواحد الاحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وكذلك الاسماء الالهية المؤلفة المركبة من الالفاظ والحروف المصوغة بهيئات واوضاع مع ان المتوجه اليه بهذه الاسماء والمقصود منها ليس الا الذات البحت القديم الازلي الذي لا يقترن بشيء ولا يتصل بشيء وهذا لا يدل على بساطة حادث وانفراده بل يدل على قهر العظيم الجبار القهار الذي بظهوره يبطل ما سواه وبنوره يحترق ما عداه سبحانه من عظيم ما اعظمه ومن عزيز ما اعزه لا اله الا الله هو له الحكم واليه ترجعون فثبت لك ان الوحدة المحضة خاصة له تبارك وتعالى لا تدخل في عالم الامكان واما قوله عليه السلام في الصحيفة السجادية لك يا الهي وحدانية العدد فالمراد به ان وحدة العدد ملك وخاصة بك لان اللام للاختصاص والتمليك لا انها لك في ذاتك فافهم

ثم اراد عليه السلام ان يبين ان التركيب والكثرة من علامة الحدوث ومن خواصه لا يكون الا فيه واما القديم فلا يجري فيه التركيب لان مبني التركيب وجود الجهتين في الشيء جهة المبدأ وجهة نفسه واما الذي لا يستند الى شيء اصلا وهو المستقل الثابت الذي وجوده لذاته بذاته في ذاته فلا يكون فيه جهة الغير اصلا فيكون واحدا ولذا قال عليه السلام للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده لان التركيب لا يكون الا بمزج شيئين متضادين لا متوافقين من كل جهة فان المائين اذا اختلطا لا يتحقق التركيب وانما هما شيء واحد واما الماء مع التراب فهناك يكون التركيب فان التراب من جهة اليبوسة ضد للماء من جهة الرطوبة وان كانا متلائمين متوافقين من جهة البرودة فبتلك الجهة تحقق التركيب وهكذا القول في كل شيء مركب فان جهة التركيب جهة التضاد والتخالف فاذا كان كذلك فكل مركب تدل على ان له صانعا ركبه ومزجه لان الاجزاء من حيث هي بينها تضاد ولا شك ان المتنافيين كل واحد اذا خليا وطبعهما يميل الى جهة خلاف الآخر ولا يتوافقان ابدا بوجه من الوجوه سواء قلنا باختيار الاشياء وادراكها او قلنا بعدم الاختيار فان الطبيعتين المتضادتين من حيث هما تنفر احديهما عن الاخرى فالمزج والامتزاج والاختلاف اقوى دليل على ان ثالثا قهرهما ومزج بينهما كما قال النبي صلى الله عليه وآله في الرد على الثنوية التي قالوا بالهين يزدان واهرمن من جهة التضاد الواقع في الاشياء فابطل ( صلى الله عليه وآله خ ) قولهم واثبت الها واحدا خالق الضدين والجامع بينهما بالتركيب والتأليف وهو قوله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا الآية فالتركيب المفتقر الى الاجزاء والهيئات مضافا الى ما ذكرنا دليل على الحدوث وكل حادث دليل على محدث وخالق فلما اراد الله سبحانه اظهار قدمه وحدوث ما سواه وذلك لا يكون من قبل ذاته فيكون بآثاره فجعل الآثار انفسها مؤلفة مركبة لتدل على مؤثر قديم بسيط ليس بمركب ولا مختلف

ثم بين عليه السلام نتيجة المقدمات السابقة وقال ( عليه السلام خ ) فالله تبارك وتعالى فرد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يكنه فان الحاجة الى الغير اما من جهة الصدور او من جهة التحقق والوجود او من جهة العروض والوقوف والمحل والله سبحانه ليس بمخلوق حتى يحتاج الى غيره ليصدر عنه ويقيمه ذلك الغير ولا مركب حتى يحتاج في تحققه الى اجزاء وهيئة تأليفية ولا ضعيف الذات وضعيف البنية حتى يحتاج في تحققه الى حافظ يكنه ويحفظه ويستره فالفقرة الاولى اشارة الى القيام الصدوري والثانية الى القيام العضدي ( الركني خ ) والثالثة الى القيام العروضي واما القيام الظهوري فلا ريب ان ظهور العالي بالسافل ثم قال عليه السلام والخلق يمسك بعضه بعضا باذن الله ومشيته وهو قوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع الآية وقال امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقال ايضا عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وقال الحسين عليه السلام وروحي فداه يا من استوي برحمانيته على العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما كانت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار وقد تقدم الكلام في معنى امساك ( امساس خ ) الخلق بعضهم ببعض

واما قوله عليه السلام باذن الله ومشيته فليس هذا الاذن اذن السلطان لوزيره في فعل الاشياء وتدبير الامور ولا كاذن السيد لعبده في فعل شيء من الاشياء ولا كاذن الموكل لوكيله بل هذا الاذن هو الامداد الوجودي واعطاء غيبي وشهودي به قوام الاشياء وتحققه وذلك هو اذن النار للشعلة في الاضاءة واذن الذات لليد في الكتابة ولذا ترى الفعل منسوبا الى الذات واسناد الفعل الى المأذون مجاز كما اذا قلت اليد كتبت فهذا مجاز واما اذا قلت زيد هو الكاتب فهو حقيقة مع ان الكتابة اقامها زيد بالحركة والحركة اقامها باليد واليد اقامها بنفسها قال عليه السلام خلق الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها وقال تعالى الله يتوفي الانفس حين موتها فهذا حقيقة وقال تعالى قل يتوفيكم الملك الموت الذي وكل بكم وهذا مجاز مع ان الله سبحانه لا يتوفى بذاته وانما هو بالملك وهكذا قال تعالى قل الله خالق كل شيء وهو الحقيقة وقال ايضا هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وهذا هو الحقيقة وقوله تعالى واذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وهذا هو المجاز وقوله تعالى والله خير الرازقين وتبارك الله احسن الخالقين وهذا هو المجاز والمعنى في الجميع واحد فالله سبحانه هو الذي يمسك الاشياء بعضها ببعض وهو الممسك لها حقيقة ونسب الامساك الى الخلق بقوله عليه السلام والخلق يمسك بعضه بعضا مجازا واتى بالاذن والمشية لبيان سر غامض كتمانه في الصدور خير من اظهاره في السطور ولا نطول الكلام بذكره لعدم احتمال الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس فالمشية مشية تكوينية وهي امر الله الفعلي الذي اشتق منه امر الله المفعولي فبالفعلي قامت السموات والارض قيام صدور وبالمفعولي قام قيام تحقق قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره قال تعالى قل الروح من امر ربي وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان وقال ايضا تعالى ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده قال امير المؤمنين عليه السلام انا الروح من امر ربي وقال مولينا الصادق عليه السلام من قال نحن خالقون بامر الله فقد كفر فالامر ثلثة امر فعلي وامر مفعولي وامر عرفي قال تعالى وما امرنا الا واحدة فافهم الاشارة بلطيف العبارة وكم من خبايا في زوايا وتعيها اذن واعية

ثم لما ابان الحق وكشف الصدق واظهر عليه السلام مستسرات الغيوب واوضح عن سر باطن باطن القرآن ( سر باطن القرآن خ ) بقوله عليه السلام والخلق يمسك بعضه بعضا وازاح العلل والطغيان من افهام اشباه الانسان بقوله باذن الله ومشيته ودل عليه السلام على حقيقة السر اراد عليه السلام ان يبين وجه احتجاب الخلق عن هذه الحقائق وعدم اطلاعهم بهذه الدقائق فقال روحي له الفداء وانما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة في وصفهم الله سبحانه بصفة انفسهم فنظروا الى جهة ماهياتهم المدبرة وانياتهم المعرضة فالتفتوا الى الحدود وسلكوا سبيل الجحود فوصفوا الله سبحانه بصفات المخلوقين وهو سبحانه وان كان يعرف بالخلق ولكن كما ذكرنا سابقا بصفته التي جعلها عارية عندهم وهي صفته تعالى فاذا نظروا اليها نظروا اليه تعالى بوصفه الذي اراد من الخلق واذا نظروا الى جهات انفسهم وحدود ذاتهم ( ذواتهم خ ) من دون كشف سبحاتهم وقعوا في الضلالة والجهالة ولذا قالوا ان واجب الوجود كلي وان الوجود مشترك معنوي او ( وخ ) انه تعالى جزئي حقيقي يجامع جزئي الاضافة ( الجزئي الاضافي خ ) او انه جزئي لا يجامع او انه كل الاشياء او ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة او انها مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات او ( وخ ) ان الله سبحانه هو الواحد المتعين باطوار التعينات او انه معطي الاشياء وليس فاقدا لها او ان الله هو الفاعل بذاته المباشر للاشياء كذلك او انه تعالى عين مشيته وارادته او انه تعالى معزول عن خلقه ووكل امر الخلق والرزق والاحياء والاماتة على الامام وفوض الامر اليه عليه السلام وامثالها من العقايد الفاسدة والاقوال الباطلة التي نشأت كلها من مشاهدة انفسهم ووصفوا الله سبحانه بصفات انفسهم الملعونة فنسوا تلك النفس التي من عرفها فقد عرف الله كما قال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه ولما كانت النفس المنكوسة هي علة الكثرة والاختلاف والاضطراب جعل عليه السلام الاختلاف منسوبا اليها

ثم اشار ( عليه السلام خ ) الى النفس العليا التي هي نفس الله تعالى فقال عليه السلام ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين لان الله تعالى جعل عندهم مشعرين مشعر لاجل معرفته تعالى ولان يصفوه بما عرفهم الله تعالى بذلك المشعر وهو وصف الله تعالى لخلقه بخلقه وتجليه لهم بهم كما قال عليه السلام بل تجلي لها بها ومشعر لاجل معرفتهم انفسهم بحدود انياتهم وماهياتهم وحقائقهم فلو استعملوا المشعرين لظهر لهم الحق من البين فوصفوا الله بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم واستراحوا عن الاختلاف ووضعوا كل شيء في موضعه وجعلوا كل شيء في مستقره لكنهم زاغوا فازاغ الله قلوبهم فهم ناكسوا رؤسهم عند ربهم

ثم قال عليه السلام والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم والصراط المستقيم هو الامام عليه السلام لدلالة الاخبار المتواترة والعقول المستنيرة كما فصلنا في شرح الخطبة فمن وفقه الله وهداه الى متابعة الامام عليه السلام فقد بلغ الامر وتم الكلام ونجي من الاختلاف ووقف على حقيقة النجاة وهذا التوفيق لا يكون الا بالاقتداء بهم والاقتفاء بسنتهم وسلوك سبيلهم ذللا وهو قوله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقال تعالى هذا صراط عليّ مستقيم لان المعصوم عليه السلام ناظر الى الواحد والعاصي ينظر الى الكثير فالاختلاف من جانب الكثرة لا من جانب الوحدة كما قال عز وجل رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا وهذا معلوم لا يحتاج الى ( الاطناب خ ) والبيان فلما عرف عمران ما ذكره عليه السلام وانه جرى على كمال المعرفة البالغة والحكمة الكاملة التي جرى عليها النظام والتكوين وابتني عليها حقيقة الدين صدق وسلم وقال اشهد انه كما وصفت ولكن بقيت لي مسئلة

قال عليه السلام سل عما اردت قال اسئلك عن الحكيم في اي شيء هو وهل يحيط به شيء وهل يتحول من شيء الى شيء او به حاجة الى شيء قال الرضا عليه السلام اخبرك يا عمران فاعقل ما سئلت عنه فانه من اغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم وليس يفهمه المتفاوت عقله ( فهمه خ ) العازب علمه ولا يعجز عن فهمه اولوا العقل المنصفون اما اول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل ان يقول يتحول الى ما خلق لحاجة الى ذلك ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شيء ولا على شيء الا ان الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه ولا يؤده حفظه ولا يعجز عن امساكه ولا يعرف احد من الخلق كيف ذلك الا الله عز وجل ومن اطلعه عليه من رسله واهل سره والمستحفظين لامره وخزانه القائمين بشريعته وانما امره كلمح البصر او هو اقرب اذا شاء شيئا فانما يقول ( فيقول خ ) له كن فيكون بمشيته وارادته وليس شيء من خلقه اقرب اليه من شيء ولا شيء ابعد منه من شيء افهمت يا عمران قال نعم يا سيدي فهمت واشهد ان الله على ما وصفت ووحدت وان محمدا صلى الله عليه وآله عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة واسلم

(اقول خ‌ل ) حاصل سؤال عمران رحمه الله اني علمت بما استفدته من كلماتك الشريفة وحججك البالغة ان علة حدوث كل حادث انما هي حدوث ارادته ومشيته وابداعه من الفاعل الاول وان هذه العلة خلق متوسطة بينه وبين مفاعيله ثم لا شك في ان الداعي الى توسيط هذه الواسطة انما هو حكمة الفاعل وكونه مراعيا لصلاح حال مفاعيله لانه سبحانه وتعالى غير محدود الذات وغير محصور القدرة والقوة فلو تجلى لكل مخلوق بتمام قدرته وقوته وسطع عليه بتمام انوار ذاته لادى ذلك الى افناء ذلك الشيء واعدامه فكان يكون حينئذ ايجاده للشيء اعداما له فلذلك جعل الحكيم تعالى شأنه بحكمته بينه وبين كل مخلوق واسطة خاصة من فعله هي ارادته المختصة به الموجهة نحو تكوينه وجعل برحمته لتلك الواسطة طرفين طرف عال متعلق بكينونته تعالى على سبيل الاستمداد وسافل طالع من افق وجود المراد على سبيل الامداد وهكذا جعل ملاك وجود كل ذي سبب سببه وقدم المتقدم واخر المتأخر ورتب المراتب المترتبة ( المرتبة خ ) بالطبع من افاعيله كما يشعر اليه قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وماننزله الا بقدر معلوم وقوله تعالى انا خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فمن ملاحظة هذه الحكمة والترتيب ينقدح لي هناك شك آخر وهو ان هذا الحكيم الذي يتوسل بخلق الارادة الى خلق المراد ويتسبب بوجود السبب الى وجود ذي المسبب ( السبب خ ) ويتحول من شأن الى شأن وينتقل من فعل الى فعل هل يجوز ان يقال انه يتنزل من مرتبة ذاته الى مرتبة شؤناته وينتقل من مرتبة الى مرتبة اخرى وكيف يحيط به شأن بعد شأن او كيف يجوز ان يكون به حاجة في خلق المتأخر الى خلق المتقدم او في ايجاد المسبب الى ايجاد سببه او في انشاء المراد الى انشاء ارادته وجواز هذه الظنون في حقه تعالى يؤدي الى ما يقوله الوجودية من طائفة الصوفية القائلين بالتنزلات والتطورات وتطوير الخالق باطوار المخلوقات فان المريد اذا تنزل الى مرتبة ارادته المتطورة بطور مراده لزم ان يتطور المريد ايضا بطور مراده وهذا قول يشمئز منه قلوب اهل التوحيد ومن هذه الجهة سئل ما سئل انما عدل عن طور الاعتراض الى طور السؤال اظهارا لكمال الادب ومراعاة لحق التعظيم اذ لا ينبغي الاعتراض والتشكيك مع الامام عليه السلام وليس معه الا السكوت والصمت ولذا قال تعالى خطابا لامير المؤمنين عليه السلام فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ولذا قال رحمه الله اسألك عن الحكيم في اي شيء هو وهل يحيط به شيء كما يزعمون انه يتطور بالاطوار ويتعين بالتعينات ولا شك ان الحدود محيطة بالذات والصور مكتنفة للمادة وهل يتحول ( يحول خ ) من شيء الى شيء بجعل الاسباب واجراء الحكم والمسببات على نحوها مرة يسخن ومرة يبرد ومرة يرطب ومرة ييبس ومرة يظهر ومرة يخفى وكل يوم هو في شأن هل في الانتقال الى هذه الشؤن والاطوار له حاجة يستكمل بها او لسر ومصلحة اخرى

واما تفسير جوابه عليه السلام فهو ان ملاك جواز القول بتنزل الفاعل وتحوله في مراتب شؤناته واطواره في افعاله انما هو احتياجه الى فعله اي كون الفاعل في جوهر ذاته او في كمال ذاته مقتضيا لان يفعل فيكون مثل هذا الفاعل فاعلا موجبا غير مختار ويكون ارادة الفعل جزءا من ذاته او لازما لذاته وعلى كل تقدير يكون الارادة من صفات ذاته لامتناع انفكاكه عنه فمثل هذا الفاعل يكون مستكملا بفعله لان حاله فيما يقتضيه بارادته كحال النطفة فيما يقتضيه بطبيعته من الصورة ( الصور خ ) الانسانية او ( وخ ) كحال طبيعة المريض فيما يقتضيه من كمال الصحة فهذا المريد لكونه قبل نيل مراده ناقصا ويصير بنيل مراده تاما متى نال مراده هوى وانحدر اليه وتنزل من طوره السابق على نيل المراد الى الطور اللاحق به بعده فجوهر ذات هذا الفاعل يتذوت بفاعليته اي يستكمل به على نحو تذوت المادة بالصورة وبكمالاتها فهذا الفاعل يكون فاعلا من وجه ومنفعلا من وجه آخر ويكون احتياجه وتحوله وتنزله من الجهة الثانية لا من الجهة الاولى وايضا لو كان الفعل بالتنزل كان له حالتان حالة قبل التنزل وحالة بعد التنزل ويلزم ان يكون متكثرا لذكر صلوح التعينات فيه ويلزم ان يكون محلا اما للحوادث او لغيرها ويلزم منه الانفعال والقبول وغير ذلك من النقائص واما الفاعل الكامل الاحدي الذي لا يفعل الا بغيره ولا يقصد الا بارادته وفعله ولا يريد الا تكميل غيره فارادته ومراده خارجان عن ذاته وغرضه من فعله غير عائد الى ذاته اصلا فلا يجر بفعله لنفسه نفعا ولا يدفع به عنه ضررا وانما يفعل الفعل ويوجب على نفسه الفاعلية من اجل رحمانيته

وبالجملة فالله عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة منه الى ذلك لانه في ذاته ليس في محل محتاج الى الاستكمال بالصورة ولا على صورة ناقصة مقتضية له فهو لم يزل قائما بوحدانيته لا في شيء ولا على شيء وليس اقتضاؤه لفاعلية ( لفاعليته خ ) اقتضاء ضروريا ناشيا من احتياج ذاته الى فعله بل هو اقتضاؤ رحماني اختياري ناش من احتياج الخلق بعضه الى بعض وكون بعضه ممسكا لبعض فيدخل بعض الخلق في بعض ويخرج بعض الخلق من بعض فيمسك الداخل بالخارج ويمسك ( يستمسك خ ) الخارج بالداخل والله جل جلاله يمسكهما جميعا من غير دخول فيهما ولا خروج عنهما ولا يؤده حفظهما ولا يعجز عن امساكهما ولا يعرف احد من الخلق ذلك الامساك من غير دخول ولا خروج الا الله جل جلاله ومن اطلعه ( عليه خ ) من اهل سره ولما كان هذه المسألة وهي كيفية نظام الصنع وتدبير الايجاد وكون كل حادث ممكن متقوم ومتحقق بالله عز وجل غير مستغني ( مستغن خ ) عنه ابدا في حال من الاحوال ولا استقلال لاحد من الخلق دونه تعالى وذلك كله بالله سبحانه من غير ربط ولا نسبة ولا اتصال ولا انفصال ولا توافق ولا تخالف ولا تساو ولا بينونة ولا تغير ولا انتقال ولا غير ذلك من الاحوال

ولما كان فهم هذه المسألة من الامور الصعبة المستصعبة الدقيقة نبه عليه السلام عمران اولا عن دقتها وغموضها حتى يتوجه اليها بكله وفرغ لها قلبه ولا يتوهم انها من المسائل السهلة ليتساهل في فهمها والتوجه اليها فيفوته المقصود ولذا قال عليه السلام وروحي فدائه اخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فانه من اغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم انما وصفها عليه السلام بالاغمضية لابتنائها على سر الخليقة ونسبة المخلوقات الى اسبابها ومباديها ونسبة الجميع الى الله سبحانه وتعالى ولا شك ان الله سبحانه لا كيف له ولا اشارة اليه وهو سبحانه خلق الكيف بمشيته وارادته فهما اذا لا كيف لهما لانهما قد سبقا الكيف والاين والاولية والآخرية فلا يجري عليهما ما اجريا ولما كان الكيف من الاعراض فخلق الجوهر مقدم عليه فلا كيف له في ذاته والا لكان الكيف جوهرا مع انه عرض بلا اشكال فاذا اراد الانسان ان يعرف هذه الحقايق وسر الايجاد وكيفية احداث الحق سبحانه وتعالى الخلق وجب ان يصعد عن عالم الكيف والصعود عن عالم الكيف يقتضي قطع النظر عن جميع القوى والمشاعر والحواس من القوى العقلية والروحية والنفسية والخيالية والفكرية والوهمية وغيرها من الآلات والادوات والاحوال وينظر بعين لا يحجبها حد عن حد ونازل عن صاعد وعال عن سافل وسافل عن عال ومجرد عن مادي وقريب عن بعيد واصل عن فرع ومجتمع عن متفرق ومتفرق عن مجتمع وعدم عن وجود ووجود عن عدم وجهة عن جهة ومشعر عن مشعر ويرى ويسمع من كل الجهات ويتوجه بكل الحيثيات اما سمعت قول ( كلام خ ) مولينا الباقر عليه السلام لم يكن خلوا من الملك قبل انشائه فاثبت للملك الوجود قبل وجوده حين عدمه وكلام مولينا الصادق عليه السلام ما معناه ان ابالهب لم يكن كافرا قبل ان يعرض عليه التكليف فلما كفر كان في ارادة الله ان يكفر فاثبت القبل في البعد والبعد في قبل لان المقام مقام ليس فيه قبل ولا بعد فمعرفة كيفية الصنع والايجاد وسر الامر بين الامرين وكيفية علم الله تعالى ( سبحانه خ ) بالاشياء قبل وجود الاشياء لا يعرف الا بهذا البصر الحديد الذي هو الآن مغطي عليه لان الشيء لا يعرف الا بما هو عليه فيعرف ذو الكيف بالكيف والذي لا كيف له يعرف بانه لا كيف له فاذا عرفت المكيف بعدم التكييف والغير المكيف بالكيف لما عرفت شيئا منهما ولذا قالوا عليهم السلام امرنا سر لا يفيده الا سر وسر مقنع بالسر فمن حاول معرفة هذه الدقائق يجب ان ينظر بعين تنكشف عندها الحقائق والا فلا يزداده كثرة التعمق الا ضلالا وزيادة السير الا بعدا

فلما كان النظر بتلك العين لتغطيتها بالحجب والاستار لا يتيسر الا للاوحديين وبدونها لا تحصل البصيرة واليقين وصف عليه السلام هذه المسألة بالاغمضية واخذ يبين لعمران ما به ثبت ( يثبت خ ) الحق الواقعي لا ان يعرفه فان بين الاثبات والتعريف فرق واضح لا يستلزم احدهما الآخر الا ترى انه يمكنك ان تثبت للاعمى وجود النهار وطلوع الشمس ولا يمكنك ان تعرفه وتريه النهار وتعرف اياه الشمس ولذا ترى الشيعة يلجئون بالادلة القطعية الى نفي الجبر والتفويض والقول بالامر بين الامرين واما دون معرفة هذه المنزلة خرط القتاد وهكذا الكلام في كثير من المسائل فظهر ان الاثبات لا يستلزم التفهيم فلما بين عليه السلام غموض هذه المسئلة ودقتها اراد عليه السلام ان يبين صفات الذين يفهمون والذين لا يفهمون ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولينبه الغافل ويوقظ النائم ويرشد المسترشد ويتم الحجة على الجاحد المعاند فقال عليه السلام وليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه ولا يعجز عن فهمه اولوا العقل المنصفون المراد بالعقل مطلق الفهم والادراك والتعقل لا العقل الذي في مقابلة النفس والمتفاوت العقل هو الذي نظره الى الحدود والقيود والتعينات التي هي محل الاختلاف والاضطراب والنظر الى القياسات والبرهانيات والجدليات والمغالطات والشعريات والمقدمات والنتايج واللوازم والملزومات وساير الاختلافات فان الذي واقف في هذه المقامات يتفاوت عقله وادراكه فيثبت وينفي ما اثبت ثم يثبت ما ينفي وهكذا من الامور التي تلزمها الاشكال والاقيسة والنظر الى اللوازم القريبة والبعيدة وامثالها من مقتضيات دليل المجادلة بالتي هي احسن فالذي لا يتفاوت عقله هو الذي نظره الى الفؤاد يرى كل شيء بنفس ذلك الشيء فلا يحتاج الى تقديم مقدمات وتحصيل نتيجة حتى يشتبه عليه ترتيب المقدمات فيختلف ويتفاوت ادراكه واما اولوا الافئدة فنظرهم ( مقصور خ ) الى الله سبحانه وتعالى وعملهم ( علمهم خ ) كما قال مولينا الصادق عليه السلام ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فاذا عرفوا الله بالله وعرفوا الخلق بالله فمن اين يأتي الاختلاف لانه ليس من عند غير الله ( لانه من عند الله خ ) كما قال عز وجل لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فليس الاختلاف عند الله فليس عندهم لانهم عند الله قال تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون

واما العازب حلمه فهو الذي بلغ مقام الفؤاد واتصل بالمراد فشاهد مقاما لا كيف ولا كم ولا اشارة ولا عبارة ولا جهة ولا قبل ولا بعد وهذه الاوصاف ( الاوضاع خ ) هي التي كان يسمعها انها لله تعالى ووجدها في نفسه فغاب عنه حلمه ( حكمه خ ) وسكونه وتأمله في نفسه وفقره واحتياجه واستعجل وقال ان الوجود هو ذات الله سبحانه والحدود اعراض عرضت الوجود وتكثرت كالماء المنجمد والبحر المتموج كما قال شاعرهم :

وما الخلق في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع

ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع

وقال ايضا :

والبحر بحر على ما كان في القدمان الحوادث امواج وانهار

فلما وصل الى ذلك المقام مقام الفناء فقال اني انا الله وانا الله بلا انا وسبحان من اظهر الاشياء وهو عينها وسبحاني ما اعظم شأني وامثالها من الكلمات التي كلها كفر وزندقة نعوذ بالله وهؤلاء هم الذين عزب حلمهم فاستعجلوا وتعدوا عن الطور وقالوا هذا معنى داخل في الاشياء لا كدخول شيء في شيء وخارج عنها لا كخروج شيء عن شيء فالله سبحانه رفع لهم العلم حتى بلغوا هذه الدرجة القصوى ولم يضع لهم الحلم حتى تاهوا ووقعوا في اسفل درك من الجحيم وقد قال تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وكان كلامه عليه السلام اشارة الى هذا الحديث الشريف وهو لعمري تمام الكلام في هذا المقام فان الناظر في مقام الحدود والصور والاختلافات ( الاختلاف خ ) والنسب والقرانات وسائر الكيفيات لا ينال فهم هذا المطلب الذي هو خارج عن الحدود والاوهام واليه الاشارة بقوله المتفاوت عقله ولا كل من وصل مقام الفؤاد ولم يعرف مقام الفؤاد ولم يعرف مقام نفسه فيصغر عظمة ربه وينسب الذليل الحقير المهان ويجعله الرب القاهر العظيم المنان وهو العازب حلمه

ثم اشار عليه السلام الى الناظرين العارفين الذين يفهمون ويعرفون فقال عليه السلام وروحي فدائه ولا يعجز عن فهمه اولوا العقل المنصفون والعقل هو العقل المرتفع لا المستوي ولا المنخفض بل الاعلى من المرتفع الذي هو مقام الفؤاد وباب المراد ورتبة الوداد ومحل الاتحاد والمنصفون هم الذين انصفوا من نفسهم ( انفسهم خ ) وعرفوها بانها مخلوقة مدبرة مرزوقة ولم يتعدوا طورهم ولم يستعجلوا بل عرفوا ان هذا الوصف الذي شاهدناه هو وصف معرفته تعالى جعله عندنا لنعرفه به وليس هو ذات الحق تبارك وتعالى فانه اجل واعز واكرم من ان يقترن بشيء او يتصل به حد سبحانه سبحانه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وهؤلاء هم الذين فتح الله عن ابصارهم وبصائرهم فعرفوا الحيث والكيف واللم فعرفوا مفصولهم وموصولهم وما يؤل اليه امورهم وهم اهل للعلم ومعدنه وخزنته وورثة العلماء وهم النقباء النجباء بهم يرفع الله البلاء والقضاء

ثم اخذ عليه السلام في البيان للاشارة الى نوع المراد واثبات الحق الواقعي الحقيقي وان لم يعرفوا بالفؤاد فاذا ثبت الحق عند احد واقر به واعتقده فيوشك ان ( انه خ ) يفتح له باب فهمه على جهة القطع واليقين وقد مر الفرق بين اثبات الشيء وتفهيمه وان احدهما لا يستلزم الآخر فقال عليه السلام اما اول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل ان يقول يتحول الى ما خلق لحاجة الى ذلك فجعل عليه السلام آخر سؤاله اولا لكون الكلام عليه ( فيه خ ) قليلا وليس معتد ( معتدا خ ) به كثيرا حتى يفرغ منه سريعا ويشتغل بالجواب عما هو اهم واعظم وقد شرحنا هذه الفقرة في اول الحديث لانه ذكر عليه السلام هذا الكلام هناك ومراده عليه السلام انه تعالى لو خلق ما خلق لحاجة لجاز ان يقال انه يتحول الى ما خلق لحاجة الى ذلك ويتغير من حال الى حال ومن نقصان الى زيادة ومن زيادة الى نقصان مثل الافعال الطبيعية كالنطفة فانها تتحول الى المضغة لحاجتها اليها وكذلك المضغة تتحول الى العظام وهكذا واما الذي لا يتحول من حال الى حال فليس فعله لحاجة منه الى ذلك الفعل كالسراج الذي يصدر منه الاشعة مثلا اذ فعل السراج للشعاع ليس لحاجة منه اليه ولذا لا ينقلب ( لا يتقلب خ ) ولا يتحول وانما هو لمحض الجود واما المحتاج فهو بنفسه يتحول من حال الى حال لسد حاجته وغناء فقره وذلك واضح معلوم والتحول والانتقال والحاجة دليل النقصان وما كان كذلك لا يجوز ان يكون وجوده عين ذاته لذاته بذاته في ذاته من غير انتظار امر آخر فان ذاتي الشيء لا يتخلف فلو كان الوجود والتحقق الذي يحصل بعد بفعل ذلك الشيء لتخلف ذلك الوجود عنه ( منه خ ) فلم يكن الوجود من حيث هو ذاتيا له لمكان التخلف فالذي وجوده ذاته لذاته بذاته لا يتخلف ولا يتحول ولا يتغير ولا يتبدل ولا يطرء عليه حالة ولم تختلف عليه الحالات ولم يتغير بالزيادة والنقصان ولم يتركب ولم يتجزء ولم يتقسم ولم يتصل ولم ينفصل ولا تجري عليه الاحوال والاوصاف والكثرة والتضاد والتناقض والنفي والاثبات وسائر احوال الامكان وذلك كله لان الوجود ذاته لذاته بذاته لا غير ذلك وقد كتبت رسالة لقرة العين بلا مين الولي الحبيب العلي الآميرزا محمدعلي في هذا المعنى وذكرت ان عينية وجوده تعالى يقتضي سلب جميع احوال الامكان عنه بالدليل القطعي ومن اراد معرفة ذلك مفصلا فليراجع تلك الرسالة فان فيها ما يشفي العليل ويبرد الغليل

ثم قال عليه السلام اشارة الى الجواب عن سؤاله الاول ولم يزل ثابتا لا في شيء ولا على شيء الا ان الخلق يمسك بعضه بعضا يعني هو سبحانه لم يزل ثابتا كائنا متحققا لا في شيء والا لكان محاطا وذلك الشيء محيطا والمحيط اعلى من المحاط وهو محدود متناه فيكون مركبا ومفتقرا ولا على شيء ليكون محلا له ومقرا فيكون محمولا والحامل اقوى من المحمول واعظم ثم اراد عليه السلام ان ينزه الله سبحانه عن الاقتران ومباشرة الاشياء فقال الا ان الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه يعني ان النسبة والارتباط حاصلة في الاشياء بعضها مع بعض ولما كانت الطفرة في الوجود باطلة ووصول السافل الى رتبة العالي كذلك جعل الاشياء بحيث يجري افعاله تعالى فيها بها فيخلق سبحانه بفعله ومفعوله فامسك سبحانه الارض بالسماء وامسك السماء بالنجوم والنجوم بالعناصر النورية ( النورانية خ ) والعناصر بالقوي المقارنة والقوي بالارواح والطبايع بالنفوس والنفوس بالارواح وهي الرقايق ( بالرقايق خ ) والرقايق بالعقول والعقول بجزئيها وهما المادة والصورة والصورة بالمادة والمادة التي هي الهيولي الاولى والوجود والفؤاد بالمشية والفعل والفعل بنفسه فانتهي المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وامسك سبحانه الجماد بالنبات والنبات بالحيوان والحيوان بالملك والملك بالجن والجن بالانسان والانسان بالانبياء والانبياء بآل ‌محمد سلام الله عليهم وآل محمد بمحمد صلى الله عليه وآله ومحمدا صلى الله عليه وآله بالمشية والمشية بنفسها وامسك سبحانه المركبات بالاجزاء والاجزاء بالمركبات والاعراض بالجواهر واظهر الجواهر بالاعراض وهكذا ترتيب الوجود ونظام كافة الخلق كلها مرتبطة بعضها ببعض وهو قوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله وتفصيل المقال في شرح هذه الاحوال يؤدي الى الاطناب المؤدي الى الملال

ثم اراد عليه السلام ان يبين ان الخلق في هذا الامساك ليسوا مستقلين ولا الامر مفوض وموكول اليهم ولا هم معزولون عن الخالق سبحانه وتعالى كيف ولو كان كذلك لفسدوا وبطلوا واضمحلوا وانعدموا بل لا قوام لهم ولا تذوت ( لهم خ ) ولا تحقق بهم الا بالله العلي العظيم فقال عليه السلام والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله اما القدرة الذاتية فانقطع دونها الكلام لانها ذات الله عز وجل فلا سبيل لاحد من المخلوقين اليها واما القدرة الفعلية التي استطال بها على كل شيء فهي في مقام الفعل بل هي نفس الفعل ولا كيف لها حتى يعرف ويبين بالكيف فاذن فهو ( هو خ ) سبحانه يمسك الاشياء ويمدها بامداد جديد لا تفقده الاشياء طرفة عين والا لانعدموا وبطلوا فالاشياء كلها واقفة بباب اذنه سبحانه لا تجري اللوازم على الملزومات الا باذن منه سبحانه جديد ولا يقع الشرط على المشروط الا باذن جديد ولا يؤثر فاعل في مفعوله الا باذن منه جديد واذا ( فاذا خ ) جعلت القطن اليابس مثلا على النار بلا مانع لا تحرقه النار الا باذن جديد وقد قال مولينا الصادق عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة منها فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك سبحان من قهر الاشياء بقدرته فلا يتحقق في عالم الامكان شيء حقيرا كان ام جليلا صغيرا كان ام كبيرا الا بمشيته تعالى وقدرته وكل شيء خاضع له وكل شيء خاشع له وكل شيء محتاج اليه وهو الغني المتفرد وفقر الاشياء في كل حال وكل آن وكل وقت الا انه سبحانه وتعالى يسد حاجة كل محتاج ويمد كل فقير بمدده من غير ان يدخل في الاشياء او ان يخرج منها او يقترن بها واليه الاشارة بقوله عليه السلام وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه ولا يؤده حفظه

ولما كان هذا المعنى مما لا يعرف ولا يدرك الا بسر الفؤاد الذي هو عين الله تعالى اعارها خلقه ليعرفوه تعالى بها ويعرفوا آثاره وافعاله وخلقه من حيث صدورها عن فعله وهي كما ذكرنا مجردة عن النسب والاشارات والحدود والتعينات والنظر بتلك العين على الحقيقة خاصة اهل الخصوص الذين جاء في حقهم النصوص جعل عليه السلام فهم هذا المعنى مما يختص باولئك الاطهار الابرار فقال عليه السلام ولا يعرف احد من الخلق كيف ذلك الا الله عز وجل ومن اطلعه عليه من رسله واهل سره والمستحفظين لامره وخزانه القائمين بشريعته وهذا الدخول ( هو خ ) عين الخروج من جهة الدخول من جهة الخروج والقرب هو عين البعد والبعد عين القرب من جهة البعد من جهة القرب والظهور عين الخفاء والخفاء عين الظهور من جهة الخفاء من جهة الظهور واني للواقفين مقام الحدود والرسوم ادراك هذه العينية وجمع ( جميع خ ) هذه الاضداد والنقايض ( النقائص خ ) ولا يكون ذلك الا لمن خرج عن عالم الحدود ودخل في عالم الشهود ممن اشهدهم الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم ونظروا الى نور العظمة بقدر سم الابرة فطوت لهم الجهات والحيثيات فرأوا البعد في عين القرب والدخول في عين الخروج والظهور في عين الخفاء وليس اولئك الا من اطلعه الله على غيبه كما قال عز وجل وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وقال ايضا عز وجل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول والغيب عن الابصار والبصائر ذلك النور الباهر الذي قال امير المؤمنين عليه السلام لكميل اطفئ السراج فقد طلع الصبح فالصبح غيب لا يظهر الا بعد كشف ظلمات الليل وهو شؤنات الكثرة والرسل على سبيل الحقيقة اهل المجاز وعلى سبيل المجاز هو الحقيقة كما روي في تفسير قوله تعالى فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فعن النبي صلى الله عليه وآله اما النبييون فانا واما الصديقون فاخي عليّ بن ابيطالب واما الشهداء فعمي حمزة وفي رواية اخرى هو الحسين بن عليّ عليهما السلام واما الصالحون فابنتي فاطمة وذريتها الطيبون وفي رواية اخرى وحسن اولئك رفيقا هو القائم المنتظر عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من اعوانه وانصاره وانما قلنا على سبيل المجاز لان اطلاق الجمع على المفرد عندهم مجاز وانما قلنا على سبيل الحقيقة اهل المجاز فمرادنا ان نجعل الجمع على عمومه فالمراد بالرسل كافة الانبياء بل الملائكة عليهم السلام وانما قلنا لهم اهل المجاز لانهم التابعون المخلوقون من شعاع انوار آل محمد صلى الله عليه وعليهم والتابع مجاز للمتبوع والمراد بالرسل ما هو اعم من التوسط في الوحي التكويني والتشريعي وهم اهل السر وقد جعل الله سبحانه سر توحيده الذي هو سر الاسم الاعظم عندهم وبذلك فضلوا على العالمين كما في الدعاء وبالاسم الذي جعلته عندهم وبه ابنتهم وابنت فضلهم من فضل العالمين حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعا فبذلك السر نالوا من ( في خ ) التوحيد ما لم تنله ايدي احد من الخلق كما قال النبي صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت وهم المستحفظون لامره وهو الامر الفعلي والمفعولي وقد قال عز وجل في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فكلما سوى الذات وسعه القلب المطهر لان الذات الازل سبحانه وتعالى لا يسعه شيء وكل السوى داخل في عموم حيطة ( قول خ ) كن الذي هو الامر الفعلي وتأكيده وصفته التي هي الامر المفعولي وهم محل لذلك الامر كالحديدة المحماة بالنار فانها محل لآثار النار وظهوراتها والنار هي الفعل فهم محل للفعل وقد قالوا سلام الله عليهم نحن محال مشية الله والسنة ارادته فاذا عرفت هذا فالله سبحانه يقول انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وقال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وغيرهما من الآيات ولا يمكنني اتكلم في هذا المقام اكثر من هذا الكلام لما اري في قلوب الناس من وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس والحكم لله العلي الكبير وهم عليهم السلام خزانه القائمون بشريعته في الشرعين اي الشرع الوجودي والوجود الشرعي ومعني الخزان انهم ام الكتاب او ان عندهم ام الكتاب وعلم الكتاب وما فرطنا في الكتاب من شيء فكل خير وحق ومدد وجودي وامدادي واستمدادي كله مخزون عندهم ثم منهم ينشر للعباد ( في العباد خ ) والبلاد كما في الزيارة واشهد ان الحق لكم ومعكم وفيكم وبكم وفيها ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه فافهم راشدا واشرب صافيا وهؤلاء هم الذين عرفهم الله سر هذه المسألة اي الدخول والخروج والقرب والبعد من غير اقتران وانتساب وارتباط وعقل كل احد عاجز عن فهمه وهم المختصون به دون سواهم وهذا من الاحاديث التي قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتى الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمل قال عليه السلام نحن نحتمله وهذا الحديث اي حديث امير المؤمنين عليه السلام داخل لا بالممازجة وخارج لا بالمباينة وفي الآخر ( اخر خ ) داخل لا كدخول شيء في شيء وخارج لا كخروج شيء عن شيء خاص ادراكه وفهمه بهم سلام الله عليهم يخاطب به بعضهم بعضا كما صرح به الامام الرضا عليه السلام في هذا الكلام الشريف

واما البيان الظاهري لاهل الرسوم في تحقيق هذا الدخول والخروج فهو انه سبحانه وتعالى داخل في الاشياء بآثار فعله واسمائه وصفاته بحيث كانت الاشياء كلها مظاهر اسمائه وصفاته وكل حادث من الحوادث دال على اسم من اسمائه داخل في حقيقته بل هو عين حقيقته فيعرف الله به وهو سبحانه وتعالى خارج عنها بذاته وحقيقته فان الاشياء كلها لا ذكر لها عنده كما صرح به قول مولينا الباقر عليه السلام كما في الكافي ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه هذا في الذات لا ان هذه النسبة اي نسبة البينونة موجودة في الذات كلا وحاشا وانما اردت التعبير عن نفسي بل الاشياء لا ذكر لها هناك حتى تسلب وتنفى او تثبت وتوجد فالنفي والاثبات والسلب والايجاب كلاهما منتفيان في رتبة الذات ولذا قال عليه السلام خارج لا كخروج شيء عن شيء اذ لا تجد شيئا ينفي عن الآخر الا وذلك الآخر مذكور في الشيء الخارج غير الحق القديم تبارك وتعالى اذ لا ذكر لغيره عنده وغيوره تحديد لما سواه وهذا ( فهذا خ ) هو البيان الرسمي لهذا الكلام الشريف

واما البيان الحقيقي فكما قال عليه السلام وروحي له الفداء لقد كلت دونه البصائر والابصار ان في ذلك لذكرى لاولي الابصار ويجوز ان تقول ان شيعتهم المخلصين واولياءهم المقربين يدخلون معهم بالتبعية لانهم منهم لقوله تعالى فمن تبعني فانه مني فيشملهم الاعلام والمعرفة ولو بحسب مقامهم ورتبتهم فيعرفون رشحا من قطرات بحار تلك الانوار لانهم ممن جاسوا خلال تلك الديار وذلك بعد ان يظهر لهم سر من نور العظمة ويكشف عنهم حجب الانية واولئك الاقلون اعز من الكبريت الاحمر وذلك البيان لا يكتب في السطور وانما يكتم في الضمائر والصدور

ثم قال عليه السلام تأكيدا للبيان وزيادة للتبيان انما امره كلمح البصر ( بالبصر خ ) او هو اقرب اذا شاء شيئا فانما ( ان خ ) يقول له كن فيكون بمشيته وارادته يعني ان تراه من تحقق الاسباب واجراء احكام المسببات والفور والتراخي في الازمنة والساعات والتقديم والتأخير في الحالات ليس لاجل ان الله عز وجل لا يقدر على الفعل الا بالتدريج كلا بل امر الله واحد وتحققه كلمح البصر او هو اقرب اي بل اقرب بقرب لا نهاية له فان آصف بن برخيا اتى بعرش ملكة سبا من اليمن الى الشام في اقل من لمح البصر بسر حرف من حروف الاسم الاعظم الذي نسبته الى هذا الامر الفعلي الذي ذكره عليه السلام نسبة جزء من مأة ‌الف‌ الف ‌الف الف ‌الف ‌الف ‌الف جزء من رأس الشعير واستغفر الله عن التحديد بالقليل فكيف اذن نسبة الامر الاول الايجادي الذي كل الاشياء ( شيء خ ) انما تحققت به وانما ذكره لمح ( كلمح خ‌ل ) البصر اقتداء بكتاب الله وانما ذكره الله عز وجل لكون هذا ( هذه خ ) اقرب الاشياء عند الناس فيما يفهمون ويعقلون وبالجملة فامر الله تعالى واحد جاري ( جار خ ) اوجده الله تعالى لا من شيء ولما اراد في الحكمة ان يخلق الاشياء بالاختيار ويترتب الاسباب جعل لظهور ذلك الامر اسبابا تظهر شؤن ذلك الامر الموجود المتحقق ولذا قال عليه السلام في تفسير قوله تعالى كل يوم هو في شأن قال عليه السلام شؤن يبديها لا يبتديها ومثاله نور الشمس فانه موجود اذا وجد الشمس الا ان لظهوره اسبابا من الاجسام الكثيفة كالجدار والارض وغيرهما واما النور فموجود واحد متحقق كلمح البصر او هو اقرب فنور الشمس هو مثال الامر الفعلي في مقام والمفعولي في مقام آخر وظهوره بحسب وجدان الجسم الكثيف يتراخى ويتقدم ويتأخر كذلك الموجودات فاصل الفيض التكويني الذي منه سبحانه قد تحقق ووجد واما القابليات والماهيات التي تحصل بقرانات الصور والطبايع والهيئات والاوضاع والاسباب والمسببات التي تحققها به تعالى لا منه فهي التي تتقدم وتتأخر فيظهر ذلك النور الامري فيها على حسبها متقدما ومتأخرا فامره واحد جاري ( جار خ ) مستمر بلا انقطاع ابد الابد ودهر السرمد والتغييرات ( التغيرات خ ) بالقابليات وهو احد معاني قوله عليه السلام جف القلم بما هو كائن او نقول امر الله سبحانه في ايجاد الكائنات المكونات من الازل الى الابد الى يوم القيمة وما وراءها الى ما لا نهاية له كل ذلك عند الله سبحانه موجود قد تعلق به الامر الايجادي والتكويني بدون تراخي زمان وانما هو كلمح البصر او هو اقرب لان الله سبحانه لا يستقبل ولا ينتظر ولا يتجدد عنده شيء لم يكن قبل ولا يجري عليه المضي والحال والاستقبال فكل شيء عنده موجود حين وجوده قبل وجوده ولكنا ( لكن خ ) نحن لما كان ليس لنا تلك الاحاطة فنتقلب في الاحوال ونشاهد الماضي والاستقبال والحال ولا كذلك القادر الحي القديم المتعال وهذا احد معاني قوله عليه السلام جف القلم بما هو كائن ولا تتوهم انه كما يقولون ان الله قد فرغ من الامر ( لانه خ ) قد احدث ما احدث سبحانه سبحانه سبحانه وتعالى عما يقولون لا تعطيل لفيضه ولا نفاد لمدده ولا انقطاع لجوده وليس هنا مضي ولا حال ولا استقبال فكيف يتصور فرغ ومضى هذا قول اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فهو سبحانه اذا نسبت الاشياء اليه تعالى فهي عند فعله وقدرته منقطعة محدودة واما هي في نفسها فلا انقطاع لها ولا لتجددها وهو قوله تعالى عطاء غير مجذوذ وكلي ( كل خ ) هذه الاحوال الغير المتناهية كلها احوال الامر الذي بين الكاف والنون في قول كن وهو نهر يجري من هذين البحرين بحر الكاف والنون والعرش على ذلك الماء ويجري كالفلك على ذلك البحر الذي هو النهر ولا نهاية لذلك النهر ولا نفاد لذلك السير وهو يسير وهذا يجري من بين الجبلين جبل الكاف وجبل النون وهما حرفان قد تكلم ( بهما خ ) متكلم القدرة فلنقبض العنان فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية وهذا الامر المؤلف من الحرفين عنده تعالى اقرب من لمح البصر بما لا نهاية له سبحانه من عظيم ما اعظمه ومن قدير ما اقدره كذلك الله ربنا لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون ثم بعد ما اوضح عليه السلام الحق وبين الصدق وابان عن اضمحلال الحوادث واستقلال الحق القادر بما لا مزيد عليه اراد ان يزيل ما ربما يتوهم ان هذه الترتيبات الكائنة في الوجود من العلل والاسباب بعضها اقرب الى الله تعالى من الآخر حتى تعلق الجعل به دون غيره قال عليه السلام وليس شيء من خلقه اقرب اليه من شيء ولا شيء ابعد منه من شيء لما ذكره عليه السلام سابقا ( من خ ) ان الاشياء لا نسبة لها مع الذات والروابط كلها منقطعة عنده فاين نسبة القرب والبعد ثم ان نسبة الحوادث والمفعولات كلها الى قدرة الفاعل وهيمنته واستيلائه نسبة واحدة ليس شيء اقرب منه الى شيء ولا ابعد منه كذلك وهو القادر المهيمن المستولي على الكل بنسبة واحدة والقادر على تقديم ما قدم وتأخير ما اخر لكنه سبحانه لما خلق الاشياء على جهة الاختيار والتكليف وجعل لها قوابل واستعدادات وتمكينات وتمكنات واسبابا لينالوا بها تلك القابليات فمن مقدم بقابليته ومؤخر بها وتابع بقابليته ومتبوع بها وسافل بها وعال بها وهكذا فنسب الاشياء بعضها ببعض متفاوتة واما بالنسبة اليه تعالى وقدرته وهيمنته واستيلائه نسبة واحدة وحكم واحد لا اختلاف فيه كما قال عز من قائل ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وغيرها ( غيرهما خ ) من الآيات وفي الحديث في تفسير الرحمن على العرش استوى قال عليه السلام استوى على العرش فليس شيء اقرب منه الى شيء وهذا معلوم واضح

واما سر اختلاف القابليات وتفاوت الاستعدادات ووجه التقدم والتأخر فهو من اصعب ما يرد على العلماء وقد شرحت هذه المسئلة بما يمكن ان يبين ويقال في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوة الخاصة والولاية الخاصة بدليل العقل فلما ابان عليه السلام عن حقيقة التوحيد بما ليس عنه مزيد قال أفهمت ( فهمت خ ) يا عمران بما ارشدتك اليه من نور الحق وحقيقة الصدق ولما عرف عمران ذلك ووجد البيان بيانا لا يمكن لغيره عليه السلام ان يأتي بمثله واتى بمخ الصدق ومحض الحق واشار الى عجائب من الاسرار ولوح الى غرائب من العلوم والانوار ورأى الحق واضحا كالشمس في رابعة النهار وادركته عناية الله الواحد القهار فصدق وسلم وقال نعم يا سيدي فهمت واشهد ان الله على ما وصفت ووحدت وان محمدا صلى الله عليه واله عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة واسلم الى هنا انتهى ما اردنا شرحه من هذا الحديث الشريف الذي هو من معضلات ( وقد اعضل الامر اشتد واستغلق والمعضلات الاخبار الشدايد خ ) الاخبار ولكنا نذكر تمام الحديث تيمنا وتبركا وان كان ليس فيه ما يحتاج ظاهرا الى الشرح وان كان كلامهم عليه السلام كله منطويا لاسرار لا تحتملها ( بالاسرار لا تتحملها خ ) اولو الافئدة والابصار

فلنذكر الحديث : قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون الى كلام عمران الصابي وكان جدلا لم يقطعه عن حجته احد قط لم يدن من الرضا عليه السلام احد منهم ولم يسئلوه عن شيء وامسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام فدخلا وانصرف الناس وكنت مع جماعة من اصحابنا اذ بعث الى محمد بن جعفر فاتيته فقال لي يا نوفلي اما رأيت ما جاء به صديقك لا والله ما ظننت ان عليّ بن موسى خاض في شيء من هذا قط ولا عرفناه به انه كان يتكلم بالمدينة او يجتمع اليه اصحاب الكلام قلت قد كان الحاج يأتونه فيسئلونه عن اشياء من حلالهم وحرامهم ( حلال وحرام خ ) فيجيبهم وربما كلم من ( كلمن خ ) يأتيه بحاجة فقال محمد بن جعفر يا ابا محمد اني اخاف عليه ان يحسده هذا الرجل فيسمه ويفعل به بلية فاشر عليه بالامساك عن هذه الاشياء قلت اذا لا يقبل مني وما اراد الرجل الا امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه عليهم السلام فقال لي قل له ان عمك قد كره هذا الباب فاحب ان تمسك من هذه الاشياء لخصال شتى فلما انقلبت الى منزل الرضا عليه السلام اخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم عليه السلام ثم قال حفظ الله عمي ما اعرفني به لم كره ذلك يا غلام صر الى عمران الصابي فاتني به فقلت جعلت فداك انا اعرف موضعه وهو عند بعض اخواننا من الشيعة قال فلا بأس قربوا اليه دابة فصرت الى عمران فاتيته به فرحب به ودعا بكسوة فجعلها عليه وجمّله ودعا بعشرة‌ آلاف درهم فوصله بها فقلت جعلت فداك حكيت فعل جدك امير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام هكذا يجب ثم دعا عليه السلام ( بالعشاء خ ) فاجلسني عن يمينه واجلس عمران عن يساره حتى اذا فرغنا قال لعمران انصرف بصاحبنا وبكر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع اليه المتكلمون من اصحاب المقالات فيبطل امرهم حتى يجتنبوه ( يجيبوه خ ) ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم واعطاه الفضل مالا ( وجمّله خ ) وولاه الرضا عليه السلام صدقات بلخ فاصاب الرغائب هذا آخر الحديث والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا ( وخ )

قد فرغ من تسويد هذه الاوراق منشيها ومؤلفها عصر يوم الاثنين السابع ( صبح يوم الجمعة خ ) من شهر شوال المكرم في سنة ١٢٤١ حامدا مصليا مسلما مستغفرا

تمت

المصادر
المحتوى