
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
في بيان الحديث الشريف المروي عن مولينا امير المؤمنين عليه السلام : " ان القدر سر من سر الله وستر من ستر الله وحرز من حرز الله وامر من امر الله مختوم بخاتم الله موضوع عن العباد علمه رفعه الله فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالون به بحقيقة الصمدانية ولا بعزة الفردانية بحر عميق مظلم كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير "
اعلم ان امر الله على قسمين :
القسم الاول : امر فعلي عرفناه من قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فبعد تأويل ان الناصبة المضارع للمصدر يصير المعنى هكذا انما امره اذا اراد ان يحدث شيئا هو قوله كن
وكن : فعل امر ضمير الفاعل وهو ضمير المخاطب يعني انت مستتر فيه وهو فاعل فعل الفاعل كانت في اضرب فان فاعل فعل الفاعل وهو الضرب وهو المخاطب فالاحداث من الله والقبول والانوجاد من المفعول والعبد بالله وهذا سر الامر بين الامرين
ويدل على ان القبول انما هو من العبد قول الله عز وجل فيكون لان الضمير في يكون لا شك انه يرجع الى المخاطب وامر مفعولي قوله تعالى وكان امر الله مفعولا ثم لما اخبرنا تعالى في قوله عز وجل وكان امر الله قدرا مقدورا علمنا ان من امر الله ما هو قدر يسمى بالامر القدري ومنه ما هو مقدور يسمى بالامر المقدوري وهذين التعبيرين تعبيران آخران من الامر الفعلي و ( والامر خل ) المفعولي
فاذا عرفت هذا فاعلم ان المراد من قوله (ع) ان سر القدر الخ هو الامر الفعلي ( هو امر المفعولي خل ) وهو النور الوحداني البسيط الساري في هياكل الموجودات وقوابلها فظهور هذا النور في كل قابلية انما هو بحسب تلك القابليات ( القابلية خل ) فان كانت مستقيمة يظهر النور مستقيما وان كانت معوجة يظهر النور معوجا مثل الشمس المشرقة في المرايا المختلفة
ثم هذا النور اذا تخصص بتعلقها ( باعتبار تعلقها خل ) بالقوابل يتحقق الشيء فظهور النور بالقابلية ووجود القابلية من النور فلولا القابلية ما ظهر النور ولولا النور ما وجد القابلية فالقابلية وان كانت بمنزلة الآلة للنور بل هي الآلة له حقيقة لكنه تابعة له بها ( لكنها تابعة لها خل ) من حيث الاستقامة والاعوجاج كما بينا في التمثيل بالمرايا المختلفة
فاذا تحقق الشيء المركب من النور والقابلية فيتعلق هذا النور بقوابل صفات هذا الشيء وهياكل افعاله ويتخصص باعتبار تلك القوابل فيحصل له صفات وافعال الى ما شاء الله فان كانت قوابلها وهياكلها مستقيمة موافقة لمراد الله تعالى مثل صور الطاعات فيصير النور المتعلق لها نورا واصفى فكلما زادت القابلية في الاستقامة والقرب الى الصور الحقة زاد ذلك النور صفاء وبهاء
وان لم يكن مستقيمة بان كانت مخالفة لمراد الله كصور المعاصي يصير ذلك النور ظلمة وينكدر فكلما زادت القابلية اعوجاجا وبعدا عن الحق زاد هذا النور ظلمة وكدورة
وهذا النور المتعلق بالذوات والصفات في جميع مراتبها هو القدر الذي اشار اليه بقوله ان القدر سر من سر الله
اي حجاب من حجاب الله يعني هذا النور هو ستر
وقوله (ع) وستر من ستر الله
اي حجاب من حجاب الله اي واسطة بينه وبين خلقه لا يمكن الوصول اليه الا بهذا ( بهذه خل ) الحجاب كما ان الامام عليه السلام في الظاهر حجاب وباب الله لا يمكن الوصول الى جنابه الا منه كذلك هذا النور في جميع مراتبه بالنسبة الى كل احد حجاب الله وباب له
وقوله (ع) حرز من حرز الله
يعني انه تعالى احتجب به واخذه حرزا
وانه مخزون
يعني مستوره اي ستر علمه عن عباده
وقوله (ع) امر من امر الله
اي من امر الله المفعولي كما عرفت
وقوله مختوم بخاتم الله
لا يكون معرفته لاحد لانه مختوم بخاتم الله
وقوله (ع) موضوع من العباد علمه
اي لا يمكن لهم معرفته وادراكه
وقوله (ع) بحر عميق مظلم كالليل الدامس
اما كونه بحرا عميقا قد علمناه سابقا فان هذا النور بحر بحيث لو سال منه اودية الهياكل الى ما لا نهاية له فلا ينتهي عمقه
اما كونه مظلما فلانه يتحصص القوابل والهياكل فيتكثر والكثرة سوداء مظلمة
قوله (ع) كثيرة الحيات والحيتان
والمراد منهما الافراد المتحصصة من ذلك البحر ويسبحون فيه وانما عبر عن هذه الافراد بالحية لان الحية مشتق من الحيوة ولا يموت الا بعارض
وقوله (ع) يعلو مرة ويسفل اخرى
فانه اذا حسنت صورة واستقامت هياكله يميل الى الحق فيعلو واذا قبحت صورة واعوجت قوابله يميل الى الباطل فينكس ويسفل
وقوله (ع) في قعره شمس تضيء
وهو النور المذكور
قوله (ع) لا تطلع عليها
فلا بد ان يراها بعين الله وينظر اليها بنظره
قوله (ع) فمن تطلع عليها
اي من دون ان يكون له عين الله ومن دون ان ينظر بنظره فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه لانه حينئذ يريد ان يطلع عليها من دون الله حيث يرى نفسه شيئا وان هذا الا نزاع في سلطان الله ومضادة في ملكه
وقوله وباء بغضب من الله ومأويهم جهنم وبئس المصير حيث نازع الله وعانده في ملكه وسلطانه واراد هتك سره
الحمد لله الذي جميع الممكنات كالذرة في شمس عظمته وجميع الموجودات كالنقطة الموهومة في يد قدرته وجميع المخلوقات كالحباب في رحمته
والصلوة على محمد وهو محمد في جميع خصاله وفعاله وعلى عليّ وهو عليّ في جميع اوصافه وافعاله وعلى ائمة وهم ائمة الامم والبدور اللامعة في ليالي الظلم والشموس الطالعة في سماء المجد والعظم والنجوم الساطعة في فلك العز والفخم وسادات اهل الجود والكرم وقادات اهل التقى والهمم الذين بهم كمال الدين وتمت النعم وبهم قدر القضاء وجرى القلم
واللعن على اعدائهم وهم اعداء الرحمن الذين بهم خلق النار واشتد الغضبان واستقيم الجور والعدوان وجرت سفينة الظلم والكفران في لجج الضلالة والطغيان وضل الناس في تيه الغفلة والخذلان واجروا على الله الذنب والعصيان ورجعوا من الحق الى البطلان ومن الجنة الى النيران ولقد حقت عليهم كلمة العذاب وانهم حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الكافرون تم شرح الحديث الشريف اللطيف المنيف في يوم الثلثة من عشرين الثالث من شهر رمضان