
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
فائدة اعلم ان الله سبحانه لما خلق الذوات والحقايق حسب اقتضاء كينوناتها وقابلياتها واستعداداتها فاجتمع فيها بحران بحر هو نفس القابلية والاستعداد وبحر هو نفس المقبول المفاض من المبدء الاول والبحر الثاني خلاف البحر الاول في جميع ما لهما من الاقتضاءات والدوران فكان هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج وبهما تمت الكينونة ولما كان الاقتضاءان باقيان بحالهما مع الامتزاج والاتصال يتعاقب احدهما اقتضاء الآخر اذ لا يمكن في حال واحد ظهور اقتضاء الاثنين وكانا محتاجين فقيرين الى وجه مبدئهما لامكانهما والا لكانا واجبين والا لكانا عدمين وكان كل محتاج محدث لا يتقوم الا بمدد الله سبحانه امد الله سبحانه كلا منها مما هو من سنخه من المدد فانقسم المدد الى المدد النوراني والى المدد الظلماني اذ لولاه مطلقا لانعدم ولولا الظلماني للظلماني والعكس للعكس لما تقوم لمكان عدم القبول الذي هو مما لا بد منه في تحقق الشيء الا ترى لو امدت الرطوبة باليبوسة والعكس حين كونهما باقيتان ( باقيتين خل ) على حالهما لم يقبلا والا لم تكن الرطوبة رطوبة ولا اليبوسة يبوسة هف وامداد الحق سبحانه اياهما عبارة عن ايجاد افعال يناسبهما من الخيرات والسيئات اذ لو اوجد المقتضى ولم يترتب عليه مقتضاه لم يضع الاشياء في مواضعها اذ من الوضع في الموضع ترتب الاثر على المؤثر واللازم على الملزوم والمقتضي على المقتضى وامثال ذلك ولعاد الايجاد خلافا بلا ثمر زايدا على كونه قبيحا لعدم تحقق الاختيار فانه انما يتحقق عند وجود الميلين المتضادين ووجود ما يميل اليه فلو تركه لعدم وجوده لكان مضطرا هف ولو لم يوجد المقتضي للسيئة من اصله لم يتحقق المقتضي للطاعة فهو انما هو للتمكن منها فثبت بالبرهان لزوم وجود المقتضيات المتضادة ولزوم وجود المقتضيات كذلك فالانسان او الشيء للاختيار الحاصل من اقتران احد الميلين المتضادين مع الآخر ان مال الى مقتضي الحسنات والطاعات المقصودة بالذات في الايجاد والانوجاد قد حيي ونما وترقى وسار الى مبدئه سيرا ذاتيا حقيقيا ودار على وجه علته دورة نورية متوالية فيقوى للكون ويليق لازدياد النور وان مال للاختيار المستجن في حقيقته الى مقتضي المعاصي والسيئات المقصودة بالعرض لاظهار المقصود بالذات مات وهلك وسار الى مبدئه سيرا معكوسا ودار دورة على خلاف التوالي حتى هلك ووقع في سجين واسفل السافلين الذي هو الهلاك الاكبر والموت الاعظم نعوذ بالله منه ولما كان الانسان في سيره النزولي هبط الى جماد التراب مظهر اسم الله المميت ثم حيي منها في القوس الصعودي التكويني لا الاسمي التشريعي لم يلتفت الى عوالمه واشتغل بعالم الاسفل الادنى اتستبدلون الادنى بالذي هو خير فلذا سميت الدنيا ( دنيا خل ) دنيا فنسوا ما رأوا في عالمهم الاول من العوالم الغيبية الشهودية مما اراهم الله تعالى في عالم الذر حين ما كشف عن ملكوت فلك البروج واراهم مقتضي الطاعات والحسنات وكشف عن اسفل الثرى سجين اسفل السافلين واراهم مقتضي المعاصي والسيئات وجهلوا مصالحهم عن مفاسدهم ومنافعهم عن مضارهم فارسل الله تعالى لطفا منه وفضلا اكمالا للنعمة واتماما للحجة وايضاحا للمحجة شريعة قوية محكمة متقنة بواسطة رسل مستحفظين وامناء مستخلصين معصومين من الزلل منزهين عن الخطا والخلل فارشدوا الخلق الى مقتضاءات ( مقتضيات خل ) الميلين الميل الذاتي والميل العرضي فامروهم بارتكاب مقتضي الميل الاول واجتناب مقتضي الميل الثاني المجتث بعبارة واضحة صحيحة صريحة ومانبهوهم الا بالتلويح على العبارة الحقيقية لعدم احتمالهم وان كان لا اختلاف بينهما الا بالعبارة والا فالمراد واحد ولذا قلنا ان ظاهر الشريعة مطابق وموافق لما عليه باطن الطريقة في الحقيقة فجعلوا عليهم السلم جميع الافعال الممكنة الصدور عن الانسان على خمسة اقسام لان الافعال و( هو خل ) ظهور مقتضي الميلين ومددهما ولذا لا يمكن للانسان ان يكون خاليا عن كل فعل لان الله سبحانه انما جعل الافعال والاعمال سببا ووصلة وتيسيرا لما خلق والانسان لا يقف عن السير ابدا فجعلوا الافعال التي في تركها الاضمحلال والفناء الدائمي الابدي الذي هو الهلاك الاكبر الا ان يمنعه مانع اقوى واجبة وهو الذي تركها تعدم جهة الوجود وتقوى جهة الماهية وتسد طريق الجنة وتفتح باب النيران والافعال التي في فعلها قوة ونشاط لجهة الوجود وتصفية وتزكية للقوة النورانية المستلزمة لازدياد اشراق شمس الفيض الابدي عليها ولكن ليس في تركها اضمحلال تلك الجهة بالكلية بحيث تبقى ظلمة محضة مندوبة مستحبة وهي التي ليس في فعلها مدخلية لاصل تحقق تلك القوة النورية بل انما هي لصفائها وزيادة نورانيتها ولذا لا يترتب عليها الاثر والحكم بدون الافعال الواجبة كالذي يترك الفريضة ويفعل النافلة فلذا استحبت لان تلك الافعال الواجبة غناء عنها وليس لها غناء عنها ولا بعد ان تجعل المستحبات من الآثار والاشعة بالنسبة الى الفريضة وتشير اليها اكثر الاخبار وان لم تكن بالتصريح والافعال التي في فعلها اضمحلال تلك الجهة الاولية الاصلية واعدامها كالسم الذي يشربه الرجل الصحيح البنية قوي البدن يهلك في ساعته فيهلك بها الانسان بالهلاك الابدي الدائمي السرمدي الا ان يمنعه مانع اقوى منه كفضل الله وشفاعة الشافعين محرمة وهي التي تركها يقوي جهة الوجود ويضعف جهة الماهية والافعال التي في فعلها قوة جهة الماهية ونشاطها وليست بمتأصلة بحيث تزاحم جهة النور وحدها من غير المحرمات ضد المستحبات مكروهة والافعال التي لا يقوي هذه الجهة ولا تلك وانما هي برزخ وواسطة بين الامرين مباحة فتمت الشرايع كلها بهذه الاحكام الخمسة وكما انك اجريت هذه الامور الخمسة من جانب الوجود وجهة النور لك ايضا ان تجعلها من جانب الظلمة الميل العرضي ولما كان الانسان لكونه في هذه المرتبة الدنية الدنيوية ومشتغلا بها جاهلا وذاهلا عن تلك الافعال بينوا الافعال الواجبة بعضها باعطاء الاصل الكلي والقاعدة الكلية يستخرج منها جميع جزئياتها وبعضها بالخصوص والشخص الجزئي وكذا المحرمات وكذا المندوبات وكذا المكروهات وعرفوا المباحات بما سوى ذلك والعبارة الصحيحة ( الصحيحة الصريحة خل ) الظاهرة هو ان تقول ان الله تعالى خلق الارواح وجعل قوام الارواح واسباب ترقياتها وتنزلاتها الاعمال كما خلق الاجساد وجعل قوام وجودها وبنيتها واسباب ترقياتها وتنزلاتها انواع العقاقير والادوية فكما ان الانسان يحتاج في ابقاء البنية الجسدانية الى الاكل والشرب المعهود في كل يوم وليلة والى ادخال الهواء في الجوف واخراجها جديدا وامثال ذلك من الامور التي لها دخل في حيات الانسان بحيث لولاها لمات اي لانعدم الجسد ولارتفعت العلاقة بينها وبين الروح في الظاهر فكذلك الارواح قوام وجودها وبنيتها عن العدم الاعظم والهلاك الاكبر يتوقف على بعض الاعمال بحيث لولاها لانعدمت لذلك ( بذلك خل ) المعنى فهي الواجبات في الشرع وكما ان الانسان يستعمل لاصلاح معدته وتصفية دمه بعض الادوية وهي لمجرد القوة وزيادة النشاط والا فاصل الحيوة مستغنية عنها فكذلك الارواح لا بد لها من اعمال تصفيها وتزكيها وتزيد نورها وبهاؤها وسناؤها وقربها الى مبدئها وان لمتكن لها دخل في اصل تحقق الحيوة الحقيقية فهي المندوبات والمستحبات وكما ان الانسان يجب عليه لابقاء بنيته الجسدانية ان يجتنب عن بعض الامور من العقاقير وغيرها كشرب السم واكل الترياق الكثير واكل سم الفار وشرب المشروبات المهلكة ووقوعه عن السطح العالي او في النار وكونه تحت الجدار وامثال ذلك من الامور كذلك الارواح ايضا لا بد في حفظ صحتها ودوامها وبقائها وعدم هلاكها بالمعنى المذكور من الاحتراز عن بعض الاعمال كالزنا والسرقة واللواط وامثالها من الامور المقررة في الشرع فهي المحرمات وكما ان الانسان يجتنب عن اكل بعض الاشياء في بعض الاوقات او كل الاوقات لاحتمال ان تكون مورثة لبعض الامراض او لكونه يزيد بعض الكدورة في البدن كطول المكث في الحمام وفي الماء الحار والجماع على الشبع ودخول الحمام على الشبع ودخول الخلا مكشوف الرأس وامثال ذلك من الامور وكذلك الارواح ايضا لا بد في حفظ صحتها وعدم تحقق الكدورات والكثافات الباطنية المعنوية من الاحتراز عن بعض الاعمال التي لا دخل لها في اصل الحيوة او الهلاك بل انما لها دخل في تحقق الكدورة والكثافة فيها كالبول في الماء وامثال ذلك فهي المكروهات ويعلم مما ذكرنا امر المباح على التفصيل وليس لي الآن اقبال على التفصيل واعلم ان الاحكام الجسدانية قد يشترك فيها الارواح والاحكام الروحانية قد يشترك ( تشترك خل ) فيها الاجساد فالنسبة بينهما عموم وخصوص من وجه ثم ان المراد من الارواح ما وراء الجسم فيشمل جميع العوالم الغيبية من البرزخية والملكوتية والجبروتية والرقايقية واما عالم اللاهوت فلا يجري فيه هذه الاحكام الخمسة لكون هذه الاحكام في مقامات الشعور والادراك مقام الفصل والفرق واما في ذلك المقام مقام الوصل والجمع ومقام ظهور الحق للخلق بالخلق والتجلي الخلقي والبروز المثالي الحادثي لا الظهور القديمي الازلي كما توهمه بعض القاصرين فاين الكلام واين الحس والشعور في ذلك المقام ولذا قال مولينا الصادق عليه السلم حين قال اياك نعبد واياك نستعين في الصلوة وكررها فوقع مغشيا عليه قال عليه السلم لا زلت اكرر هذه الآية حتى سمعت من قائلها فكيف يقدر على الصلوة وكذا كان حال مولينا امير المؤمنين عليه السلم في اغلب الاوقات والسلام على تابع الهدى
هذا مجمل الكلام وهنا مقامات اخر تركتها لعدم احتمال الناس ولادائه الى الاطناب والتطويل ولعدم الاقبال التام اليها ايضا ولكن ما ذكرنا غنية للطالب المستبصر والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وكتب مؤلفها العبد الفاني ابن محمد قاسم محمد كاظم الحسيني الموسوي اوتيا كتابهما بيمينيهما حامدا مصليا مستغفرا في مشهد مولينا الحسين عليه السلم في ١٢٣٢