مقدمات في صفات الله وأسمائه

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

مقدمات في صفات الله وأسمائه

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثالث

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة الاولى - في ان الصفات والاسماء الالهية على قسمين اتفق الامامية بل وجماعة من غيرهم على ان الصفات على قسمين ذاتية وفعلية لانها اما صفات كمال يصح اثباتها له سبحانه ولا يصح اثبات نقيضها وضدها له تعالى او صفات كمال يصح اثباتها ونفيها فالاولى عندهم هو الصفات الذاتية كالعلم والقدرة والحيوة والسمع والبصر وغيرها فانها كمالات يجب اثباتها له تعالى ولا يجوز اثبات نقيضها فلا يقال ان الله تعالى عالم مرة وجاهل اخرى او قادر مرة وعاجز اخرى وحي مرة وميت اخرى وهكذا غيرها فحيث انتفى السلب المطلق ثبت اثبات المطلق فهي كمالات ذاتية ثابتة لها سبحانه بلا تعدد واقتران واتصال وانفصال وكثرة بل هي شيء واحد ترد على معنى واحد واثباتها التعبير عن الكمال لا اثبات مفاهيمها المتعددة المختلفة المتفاهمة له تعالى علوا كبيرا فهي واحدة لا اختلاف فيها الا في اللفظ فهي الذات والذات هي بلا فرق لا فرضا ولا اعتبارا لا في الذهن ولا في الخارج ولا في نفس الامر ولتحقيق هذه المسئلة مقام آخر وقصدنا هنا الاشارة الى الصفات الذاتية فقط والثانية هي الصفات الفعلية كالغافر والبديع والصانع والمريد والمشيئ وامثالها فانك يصح ان تقول لم ‌يغفر ولم‌ يصنع ولم‌ يرد ولم‌ يشأ كما قال تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال تعالى اولئك الذين لم ‌يرد الله ان يطهر قلوبهم وقال عليه السلام الا ترى انك تقول سافعل كذا ان شاء الله ولا تقول ان علم الله فقولك ان شاء الله دليل على انه لم ‌يشأ والسلب دليل النفي الذاتي لان الصفة الذاتية عين الذات بلا اختلاف فاثباتها اثبات الذات ونفيها نفيها ولا يصح ولا يعقل اثباته سبحانه ونفيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا فان قلت قوله تعالى ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين دليل على نفي العلم واثباته في المستقبل كالارادة والمشية وغيرهما والعلم من صفات الذات فيلزم ما الزمت آنفا قلت هذا مضاف محذوف مثل واسئل القرية على زعمهم فتقدير الكلام اولياء الله وملئكته وانبيائه الذين صدقوا وليعلمن هؤلاء الكاذبين فان الفتنة والاختبار لظهور الامر لهؤلاء لا لنفسه سبحانه فانه تعالى اعلم بهم منهم وقبل وجودهم وذلك معلوم وانما حذف المضاف ونسبت العلم الى نفسه تشريفا وتعظيما لبيان ان علمهم علمه وقولهم قوله وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته وامرهم امره ونهيهم نهيه كما قال الذين يبايعونك تحت الشجرة انما يبايعون الله من اطاع الرسول فقد اطاع الله وقال نفخت فيه من روحي ولا ريب ان روح آدم ليس من ذات الله وذلك معلوم وهذا كله على قرائة المشهور من القراء واما على قرائة مولانا امير المؤمنين (ع) وابنه جعفر بن محمد (ع) في ليعلمن بضم الياء وكسر اللام فلا اشكال من اصله فلا يصح نفي العلم الذاتي بوجه وهذا التقسيم اي الصفات الى الفعلية والذاتية مما اتفقت عليه الامامية ووافقهم المعتزلة ونطقت الاخبار بصفات الافعال واستفاضت بل وتواترت معنى وقد عقد الكليني في الكافي والصدوق في التوحيد والمجلسي في البحار بابا لبيان صفات الافعال ولا يشك في صفات الافعال ولا يجعل الصفات كلها صفات الذات الا الخارج من هذه الفرقة الناجية كما اتفق الاشاعرة ووافقهم بعض الصوفية وهؤلاء ايضا اعترفوا بصفات الافعال عند التعلق فجعلوا الصفات كلها ذاتية في نفسها وفعلية عند المتعلق وبالجملة هذه المسئلة عند الشيعة لا شك فيها ولا ريب يعتريها كالمنكر ( والمنكر خ‌ل ) لها عار عن المعرفة خارج عن طريقة الفرقة المحقة الذين لا زال الحق فيهم الى ان تقوم الساعة

المقدمة الثانية - في ان صفات الافعال واسمائها محدثة غير قديمة ازلية وان صفات الذات قديمة ازلية غير محدثة وذلك ايضا معلوم عندهم مسطور في كتبهم وزبرهم لا يرتابون في ذلك لانهم اجمعوا على ان الله سبحانه واحد من كل الجهات وكل الاعتبارات وليس هناك حيث وحيث وجهة وجهة لاقامة البرهان بل بالمشاهدة والعيان ان مختلف الحالات حادث ومتعدد الجهات مخلوق فان الكثرة بجميع انحائها مسبوقة بالوحدة بالضرورة وعلى ذلك استقر مذهب الامامية لا يختلفون في ذلك ابدا واتفقوا ايضا على ان الصفات الذاتية عين الذات بلا فرض المغايرة اصلا وما اعتبره بعضهم ان تلك الصفات متغايرة بالمفهوم متحدة في المصداق فمرادهم بالمفهوم ما يفهمونه من دلالة الالفاظ المؤلفة المحدثة من المعاني وقد اجمعوا ايضا على ان ذات الله لا يدرك ولا يحاط بها علما والصفات الذاتية الالهية الخارجة متحدة المصداق والمراد ولا تعدد فيها بوجه من الوجوه ابدا في حال من الاحوال اذ لم يسبق له حالا حال ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا فاذا كانت الوحدة المحضة حاصلة فاين التعدد وان كانت عين الذات فاين الحدوث فما يعبر عنه بصفات الذات قديم لمكان العينية المتفق عليها عند الامامية كافة واما صفات الافعال فهي غير الذات والا لما صح سلبها بالضرورة لاستلزامه سلب ( عين خ‌ل ) الذات بالضرورة لكنها يصح سلبها بالضرورة كما تلونا عليك سابقا فلا تكون عين الذات بالضرورة وكلما سوى الذات حادث والا لكان قديما وتعدد القدماء محال بالضرورة وكل هذه من ضروريات مذهب الشيعة الامامية بل من ضروريات مذهب كل عاقل ان انصفوا وتدبروا فصفات الافعال حادثة بالضرورة من مذهب الامامية ومما نص على ذلك المجلسي في عدة من كتبه منها حق‌ اليقين الذي رسمه بالفارسية للعوام وهذا لا شك فيه ولا ريب يعتريه

المقدمة الثالثة - في ان الفاعل والخالق والرازق والمحيي والمميت والباري والمصور هل هي من صفات الذات او من صفات الافعال اعلم انه على مقتضى القاعدة المقررة الاجماعية الفعلية المنصوص عليها من اهل الخصوص عليهم السلام في التمييز بين صفات الفعلية وصفات الذاتية من صحة السلب وعدمها يجب ان يكون من صفات الافعال دون الذات لصحة السلب فانه يجوز ان تقول ان الله لم‌ يفعل القبيح ولا يفعله ابدا ولم يخلق خلقا افضل من محمد وعليّ (ع) ولم يرزق من لم يخلقه بعد واحيى زيدا وامات عمرا فاذا صح السلب والاتصاف بالنقيض فلا يصح ان يقال انها من الصفات الذاتية فاذا بطل كونها ذاتية كانت فعلية لضرورة صحة الاتصاف ولا واسطة بين الذات والفعل والحدوث والقدم فاذا لم ‌تكن ذاتية كانت فعلية والقول بان الصفة هي الخالقية والرازقية والاحياء والاماتة دون الخالق والرازق والمحيي والمميت من اسخف الاقوال واقبحها فان الخالقية وامثالها هي المعنى المصدري الذي هو اثر الذات وهو بالضرورة لا يحمل على الذات وقد قالوا ان الصفة تحمل موصوفها وقالوا ان الصفة هي المشتقة والمبدء اما الفعل او المصدر ولا ريب ان مبدء الاشتقاق هو الاصل والمشتق فرع منه والخالق مشتق اما من خلق او الخلق والمشتق فرع متاخر عن المبدء الذي هو الاصل والذي هو الفعل او المصدر وهما حادثان بالضرورة فالمشتق اولى بان يكون كذلك الا ترى ان قولك جاء زيد الفاعل او القائم فالصفة هو الفاعل القائم لا الفعل او القيام الا بتقدير ذو كأن تقول ذو فعل وذو قيام وقد اجتمعت الامامية كافة من غير نكير بينهم ان الخالق والفاعل من الصفات الفعلية دون الذاتية ويكلف بعضهم بجعل الخالق من الصفات الذاتية بان الذات بحيث يصدر منه الخلق والرزق وهذا القدر يكفي لصحة الاسم وهذا المعنى لا يسلب عنه تعالى فيكون ذاتيا من اقبح التكلفات فان ما ذكره على فرض صحته هو معنى القدرة والسلطان لا الخالق فلو فتحت هذا الباب لزم مفاسد كثيرة منها لصح ان يقال لمن يقدر ان يظلم ظالما وان يسرق سارقا وان يزني زانيا قبل صدور المبدء منهم وهذا في البطلان بمكان وقد اجمعوا ان المشتق لا يصح قبل وجود المبدء وان اختلفوا في صدقه بعد وجوده على اقوال ولذا اتفقوا على ان اسم الفاعل بمعنى المستقبل مجاز ودعوى اختصاص هذا الحكم اي جواز اشتقاق اسم له تعالى قبل وجود المبدء لذلك الاشتقاق بالله سبحانه قول لا بينة له ولا برهان معه فلا يصغى اليها بوجه من الوجوه فلم يبق الا القول بحدوث هذه الاسماء والصفات ومدلولاتها كما هو المتفق عليه عند كافة الامامية

المقدمة الرابعة - في ان الاسماء التي تطلق على الله تعالى هل يصح اطلاقه على غيره تعالى ام لا اعلم ان غير الاسمين الاعلين الذين هما الله والرحمن يصح اطلاقه على غير الله سبحانه اتفاقا من جميع اهل اللسان كافة من غير اختصاص بالمؤمنين بل وبالمسلمين واما الاسم المبارك الله فلا يصح اطلاقه على غيره سبحانه اتفاقا من جميع المسلمين واما الاسم المقدس الرحمن فالمسلمون فيما اعلم كافة على عدم صحة اطلاقه على غيره تعالى ولكن بعض من عاصرناه في كتابه المسمى بمفاتيح الاصول ذهب الى جواز تسمية غيره سبحانه بالرحمن الى شعر مادح مسيلمة الكذاب حيث يقول :

سموت بالمجد يا بن الاكرمين اذا وانت غوث الورى لا زلت رحمانا

وبالجملة فتسمية غيره سبحانه باسمائه سواء كانت ذاتية او فعلية في غير الاسمين مما لا خلاف ولا نزاع بين جميع اهل الاسلام بل واهل اللسان من ساير الاديان خصوصا اسم الخالق والرازق فان الله سبحانه سمي بهما غيره في عدة من مواضع مثل قوله تعالى تبارك الله احسن الخالقين وقوله تعالى وتخلقون افكا وقوله تعالى واذ تخلق من الطين وفي الحديث على ما في الفقيه والكافي ان الله يبعث ملكين خلاقين يقتحمان رحم المرئة من فمها فيقولان يا رب كيف نخلقه ذكرا او انثى فيأتيهما النداء بما يريد الله تعالى ثم يقولان يا رب نخلقه سعيدا او شقيا فيأتيهما النداء بما يريد الله سبحانه نقلت معنى الحديث وفي البحار ان الله خلق ملكا وفوض اليه امر السموات والارضين فخلق سموات وارضين ثم قال من مثلي فارسل الله اليه نويرة من نار قيل ما النويرة قال (ع) نار بقدر النملة فاستقبلها الملك بجميع ما خلق فتخللها الى ان وصلت اليه لما ان دخله العجب ه‍ وامثال ذلك من الاحاديث واستعمالات العرف والعادة كثيرة اماسمعت ان الحكماء والاطباء يقولون ان الواهمة خلاقة فثبت ضرورة ان اسم الخالق والرازق والمحيي والمميت يصح اطلاقه على غيره تعالى واما هذا الاطلاق حقيقي او مجازي او حقيقة بعد حقيقة فلتحقيقه محل آخر ولعمري انهم يقولون ان المشتقات كليات صدقها على افرادها من باب التواطي او التشكيك فهي في القدر المشترك اما سمعتهم يقولون في الكتب الاصولية هي من باب الوضع العام والموضوع له العام ولا يختلفون في ذلك ابدا وقد قالوا ان العالم والقادر وساير الاسماء المشتقة اطلاقها على الله وعلى غيره من باب الاشتراك المعنوي واختلفوا في لفظ الجلالة الله هل هو كلي ومشتق منحصر في الفرد ام جزئي جامد فلولا ان الشرع منع جاز عندهم اطلاق هذا الاسم المبارك والاسم الرحمن على غيره تعالى وليس هناك عندهم منع لغوي ولقد اشبعنا الكلام في هذا المقام في ساير مباحثاتنا ومصنفاتنا وبينا فساد هذه الاقوال وانه ليس لها سبيل الى الحق وليس هذا المختصر محلا لبيان هذه المباحث اذ الغاية هنا اثبات ان هذه الاسماء غير الاسمين يصح اطلاقها على غيره تعالى وليست من الاسماء الخاصة سبحانه وتعالى

المقدمة الخامسة - ما معنى الصفات الفعلية وانها حادثة وتوصيف القديم سبحانه بها اعلم انه من البين ان الصفة تنسب الى موصوفها وتستند اليها وتقترن بها كما قال امير المؤمنين (ع) لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد الحد فيه واما الصفات الذاتية فلا يراد بها التعدد والاقتران وبيان الصفة المغايرة وانما المراد بها التعبير عن الكمال المطلق والمرجع الى احدي الذات والمعنى فلا مغايرة بينها وبين الذات ولا بين بعضها وبعض الا من باب التعبير للخروج عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه فليس هناك صفة مغايرة ولا تعددا بحال من الاحوال ولا كذلك الصفات الفعلية فان اجماع الامامية قد قام والادلة من العقلية والنقلية قد دلت على انها غير الذات وانها حادثة فحينئذ ما موصوفها والى ‌م استنادها فان كان هو الفعل كما هو مقتضى القول بانها صفات فعلية فما اريك تقول ان الفعل هو الفاعل الخالق الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فان الصفة بحيث انتسابها الى موصوفها وتوصيفه بها كما تقول زيد القائم ولا تقول عمرو القائم عند قيام زيد فان صفة شيء لا تنسب الى غيره ولا توصف بغيره بالضرورة فان كانت هذه هي صفات الافعال فالواجب ان تصف الفعل بها مع ان المسلمين بل المليين على خلاف ذلك ولا يقولون الا ان الله سبحانه هو الخالق الرازق المحيي المميت وهو دليل على ان الله هو الموصوف بها فان قلت ان الله اسم للفعل مع انه يكذبك الاسلام والمسلمون من ان هذا الاسم الشريف لا يراد به عند الاطلاق الا الذات سبحانه وتعالى يلزم صحة توصيف الفعل بها مع ان الامر ليس كذلك اذ لا يعقل ان يكون الشيء موصوفا لصفة مع اسم ولا يوصف بمرادفه فصح لك ان تقول ان الاسد شجاع ولا يصح ان تقول ان الضرغام والضيغم والعفرنا شجاع والحاصل ان الضرورة قاضية ببطلان هذا القول على الوجه المعروف فاذا كان الله سبحانه موصوفا بهذه الصفات فكيف يصح القول بانها صفات فعلية مع ان الموصوف لا يصح ان يكون فعلا فلا يقال ان الفعل هو الخالق بل يقال ان الله هو الخالق وقد اجمعوا على ان لا يراد من هذا الاسم المبارك الا الذات سبحانه وتعالى فان قيل معنى الصفات الفعلية ان الذات سبحانه وتعالى عند الفعل والايجاد يتصف بهذه الصفات لا من حيث هو هو قلنا ان هذا التوصيف حادث او قديم فان قيل انه قديم فلا اثر اذن للفعل فلم‌ تكن فعلية بل هي ذاتية وان قيل حادث فهذا التوصيف للذات او للفعل فان قيل للذات يلزم ان يحدث في الذات ( للذات خ‌ل ) ما لم يكن ضرورة ان الحادث لم يكن ثم كان ولزم ان يكون له تعالى حالتان حالة عدم التوصيف وحالة وجوده ومختلف الحالات حادث فلا يصح التوصيف بوجه لاستلزامه مع ذلك ان يكون محلا للحوادث وهو في البطلان بمكان وان قيل ان هذا التوصيف للفعل فكان الفعل نفسه موصوفا دون الذات مع انه لا تنسب هذه الصفات الى الفعل ثم عند توصيف الذات بها كما هو مقتضى القول بان الله هو الخالق الرازق فنقول هذه الصفات والاسماء جواهر ام اعراض فان كان الاول فهي حادثة او قديمة فان كان الثاني يلزم تعدد القدماء وتبطله ادلة التوحيد فان كان الاول كانت الاسماء جواهر ذاتية خلقها الله سبحانه بفعله واقامها بنفسها فهي عباد مكرمون لا فرق بينه وبينهم الا انهم عباده وخلقه ومااظن القوم يلتزمون به في بادي النظر وان كان الثاني اي كانت الاسماء اعراضا كما هو المعروف عندهم والمشهور لديهم من ان الصفات اعراض من مقولة الكيف فنقول ان العرض لا يقوم الا بجوهر ومحل وذلك المحل لا يخلو اما ان يكون هو الذات سبحانه وتعالى او غيره فان كان الاول فالاسماء لا تخلوا اما ان تكون حادثة او قديمة والثاني باطل بالضرورة من الدين عند المليين فضلا عن المسلمين والاول كذلك كذلك لاستلزامه ان يكون سبحانه محلا للحوادث وان كان الثاني اي يكون محل الاسماء والصفات غيره فذلك لا يعقل فرض كونه قديما فلم يبق الا ان يكون حادثا لعدم تعقل فرض الواسطة فان كان حادثا فلا بأس ان يكون حادث محلا لحادث ولكن الله سبحانه كيف يوصف بالحوادث اذ لا نسبة بينه تعالى وبين خلقه بحال ليس بينه وبين خلقه وصل ولا له عليها فصل فيستوي الصانع والمصنوع والمنشئ والمنشأ ( المشيء والمشاء خ‌ل ) فنقول ان هذه الاسماء والصفات وان كانت حادثة فعلية وموصوفها ومسماها وان كان فعلا فان الحوادث كلها مخلوقة بالفعل كما قال (ع) خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها ولكن الفعل لما كان متلاشيا متصرما مضمحلا عند ظهور الذات لم يبق له ظهور عند ظهوره سبحانه لينسب اليه شيء والوسايط تضمحل عند ظهور سلطان نعت نسبة الاسماء والصفات الى موصوفها وسماها القريب فنسبت اليه سبحانه لعدم ظهور الفعل عند ظهور الذات فليس هو سبحانه موصوفها لانها حادثة تنتهي الى حادث وليس للفعل استقلال حتى تنسب اليه فتوجهت الحقايق والذوات اليه عند ظهور هذه الاسماء الا ترى في خلق الشخص الانساني الى ان يبرز الى هذا الكون الجسماني وسايط كثيرة من تدبير الملئكة المدبرات وتسخير المرسلات وحفظ المعقبات وتخصيص المقسمات وساير الابوين والاغذية والقوى الغاذية والمربية والمصورة والدافعة والمحللة وغيرها فاذا راه العارف الوسايط من لا ينسب ايجاده وخلقته وابرازه في الوجود الا الى الله سبحانه ولا يلتفت الى هذه الوسايط بل ولا يراها ابدا انظر الى قوله تعالى ومارميت اذ رميت ولكن الله رمى كيف نفي عنه صلي الله عليه وآله الفعل ونسبه الى نفسه مع انه المباشر دونه وقوله تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم فمباشر التعذيب هم الاصحاب والله سبحانه هو المعذب فكذلك الفعل فانه هو الموصوف لتلك الصفات والمسمي لتلك الاسماء ولكنه حيث كان مضمحلا ومتصرما ومتلاشيا عند ظهور الذات نسبت اليه تعالى كما نسب الرمي اليه تعالى مع انه فعل النبي صلى الله عليه وآله ونسبة الوفاة الى الله تعالى في قوله الله يتوفى الانفس حين موتها مع انه فعل الملك لقوله تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم فافهم

المقدمة السادسة - في معنى الاسم اعلم ان الاسم مشتق من الوسم بمعنى العلامة وقد ورد بذلك التصريح في قول مولانا الرضا (ع) في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم وفي قول مولانا امير المؤمنين (ع) حيث قال الاسم ما انبأ عن المسمى فالمنبئ عن الشيء والعلامة له اسم له ولذا سميت الالفاظ الموضوعة لمعانيها اسماء لها اي علامات تنبئ عنها ولا شك ان كلما كان الشيء اقوى في الانباء والدلالة كان اولى لان يكون اسما ولا ريب ان دلالة الاثر على مؤثره وانبائه عنه اقوى من جميع الدلالات والانباءات فان اللفظ الموضوع للمعنى قبل العلم بالوضع والمناسبة لا يدل على ذلك المعنى كعدم دلالته عليه قبل الوضع واما الاثر من حيث هو هو يدل على مؤثره كائنا ما كان في كل مقام عند كل احد الا اذا خفي جهة كونه اثرا وذلك معلوم ظاهر ولما كانت الحوادث كلها آثار دالة عليه تعالى في توحيده وتفريده وعظمته وكبريائه وجلاله وجماله وقيوميته وهيمنته تعالى كانت من هذه الجهة كلها اسماء لفعله تعالى دالات عليه تعالى منبئات عن قيوميته ولما كانت الاشياء والحوادث لها جهتان جهة الى باريها ومنشيها فهي من تلك الجهة دالة عليه منبئة عنه وجهة الى نفسها وشهواتها وميولاتها فهي من تلك الجهة حاجبة عنه ومبعدة لساحة جلاله كانت من جهة اسما له تعالى دالة عليه ومن جهة حجابا ولما كان الممكن لا يخلوا من هاتين الجهتين كان الحكم للغالب منهما فان كان الغالب عليه العليا كان اسما وان كان الغالب عليه الجهة السفلى لا يطلق عليه الاسم فاختلفت الاشياء لهذه الجهة في اطلاق الاسم عليها وعدم اطلاقه ...

( الى هنا كان في النسخة )

المصادر
المحتوى