خطبة عيد الاضحى - ٢

الخطبة الثانية من عيد الاضحى

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم، المجلد الاول

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

في الاضحى هذه الكلمات الطيبات :

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله وفي مثل هذا اليوم العظيم ابتلى الله ابراهيم الخليل بذبح ولده اسمعيل فرأى الخليل في المنام وهو بين الركن والمقام انه لولده ذابح ولدمه سافح فانتبه من رقدته مرهوبا ومن منامه مرعوبا وقال لابنه يا خير النبيين ويا سلالة النبيين اني ارى في المنام عيانا اني اذبحك قربانا فانظر ماذا ترى يا سيد الورى فقال يا ابه افعل ما تؤمر ستجدني انشاء الله من الصابرين فاذا بترت مني الاوداج وفار لك الدم الثجاج فاحتسبني عند الله فرضا اذ جعل الله ذلك عليك فرضا وضم ثوبك عن دمي لئلاتراه الشفقية امي واقرء عليها سلامي متعبا واردد اليها قميصي مسلبا وقل لها ان ابنك نقله مولاه الكريم الى دار الخلد والنعيم فلما انتهت مقالته وكملت وصيته شده الخليل شدا وثيقا واضجعه اضجاعا رفيقا فاقبلت الطير عليه عاكفة وضجت الارض والجبال راجفة والملائكة متضرعة والوحوش متسرعة والسماء من فوقهم تضج والارض من تحتهم تعج رحمة للطفل الصغير وتعجبا من صبر الشيخ الكبير فلما علم الله صدق نيته واخلاص طويته وقوة صبره عند بليته ناداه ارحم الراحمين ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم فنهض عند ذلك الخليل بالدرية الى ما اتاه جبرئيل من الفدية فذبحها قربانا وجهر عليها بسم الله الرحمن الرحيم عيانا فاجراها الله في عقبه سنة اكمل عليكم بها المنة ثم بكى الخليل عليه السلام تاسفا وحزن طويلا تلهفا على ما فاته من الصبر بذبح ابنه وقوة عينه وفلذة كبده وقوة جسده لينال بذلك درجات الصابرين ويفوز بصبره مراتب المقربين فناداه الله ان يا ابراهيم محمد خاتم النبيين احب اليك من نفسك وابنه وابن سيد الوصين الحسين بن عليّ امير المؤمنين اعز عندك من ابنك ومن شخصك وقتله بيد اعدائه مظلوما اوجع لقلبك واطول لحزنك من قتل ابنك بيدك واعلم ان يا ابراهيم ان الحسين قرة عين الرسول وفلذة كبد الزهراء البتول يقتل مظلوما ظمآنا ويذبح مضطهدا حيرانا بين قوم لئام يرشقونه بالنبل والسهام ويبسطون اليه اكف الاصطلام لا يرامون له ذماما ولا يراقبون فيه اثاما في قتلهم اوليائه ونهبهم رحاله وهو مقدم في الهفوات ومحتمل للاذيات قد عجبت من صبره ملائكة السموات فيحدقون به من كل الجهات ويثخنونه بالجراح ويحولون بينه وبين الرواح الى ان لا يبقى له ناصر وهو محتسب صابر يذب عن نسوته واولاده حتى ينكسوه عن جواده فيهوى الى الارض جريحا تطؤه الخيول بحوافرها وتعلوه الطغاة ببواثرها فيرشح للموت جبينه ويختلف بالانقباض والانبساط شماله ويمينه يدير طرفا خفيا الى رحله وبيته وقد شغل بنفسه عن ولده واهله فيسرع فرسه شاردا الى خيامه قاصدا محمحما باكيا فاذا راين النساء جواده مخزيا وينظرن الى سرجه ملويا يبرزن من الخدور ناشرات الشعور والوجوه سافرات وعلى الخدود لاطمات وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات والى مصرعه مبادرات والشمر جالس على صدره ومولغ سيفه في نحره قابض على شيبته بيده ذابح له بمهنده فتسكر حواسه وتخفى انفاسه ويرفع على القناة رأسه تسبى اهله كالعبيد وتصفد في الحديد فوق اقتاب المطيات تلفح وجوههم حر الهاجرات يساقون في البراري والفلوات ايديهم مغلولة الى الاعناق يطاف بهم في الاسواق فيقوم ناعيه عند قبر جده الرسول فينعاه بالدمع الهطول قائلا يا رسول الله قتل سبطك وفتاك واستبيح اهلك وحماك فينزعج الرسول ويبكي قلبه المهول ويعزيه به الملائكة والانبياء وتفجع به امه الزهراء وتختلف جنود الملائكة المقربين تعزي اباه امير المؤمنين وتقام له المآتم في اعلى عليين وتلطم له الحور العين وتبكي السماء وسكانها والجنان وخزانها والهضاب واقطارها والبحار وحيتانها ومكة وبنيانها والجنان وولدانها والبيت والمقام والمشعر الحرام والحل والاحرام فابكه يا ابراهيم طويلا واطل عليه البكاء والعويل فان بكائك عليه وصبرك على مصيبته ومساعدتك لجده وابيه افضل من صبرك على ذبح ابنك بيدك واعلم اني قد جعلت لزواره في هذا اليوم مقاما محمودا ومكانا مشهودا كتب لهم بكل خطوة ثواب الف‌ الف حجة والف‌ الف عمرة والف‌الف غزوة مع نبي مرسل وامام عادل وعتق الف ‌الف نسمة واجعله مع الانبياء والشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا . تمت .