
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
جواهر الحكم المجلد الحادي عشر
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه كلمات شريفة واشارات لطيفة وتلويحات منيفة تنبي عن الحقايق الربانية وتشير الى المبادي الحقيقية من المطالب الالهية في القوانين الحقة من الاصولية والفروعية بوجه مختصر وطرز محبر كتبتها لاعز الاخوان وخالص الخلان وهو العالم العامل والفاضل الكامل والواصل الفاصل اللوذعي الالمعي جناب الآقا محمدشريف الكرماني وفقه الله بها وجميع المؤمنين وجعله ذخرنا يوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم يا اخي وقرة عيني بلغك الله منتهي آمالك وفرغ لذكره ومناجاته بالك واصلح لطاعته وعبادته حالك وجعل الى الرفيق الاعلى مالك وسلك بك بفضله وكرمه احسن المسالك ونجاك بجوده وكرمه عن الوقوع في مهاوي المهالك ان الدنيا دار قد اذن الله لها بالدثور والاضمحلال وجعل اصلها ومبناها على الفناء والزوال ولا بد لكل من فيها من الهجرة عنها والارتحال وهي دار جعلها الله تعالى للتمييز وتقلب الاحوال وغطاها بحجب العز والجلال وهي للارواح والحقايق كبطن الام للاشباح والامثال بل الامر بالعكس عند ضرب المثال وانت خبير بان في بطن الام يتميز الذكر من الانثى وحسن الصورة من قبيحها ومعتدل الخلقة من معوجها وجيد التركيب من رديها فاذا خرج من بطن الام دار الضيق والكثافة الى هذه الدنيا يبقى على ما كان عليه في بطن الام في الهيئة والكينونة والذكورية والانوثية ولا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون واعلم يا اخي ان الله سبحانه انزلك الى هذه الدنيا في النزول ورقاك اليها في الصعود لتاخذ اهبتك واستعدادك للبقاء الابدي والخلود السرمدي وتصاغ بهيئة عملك وتتصور بصورته فاذا خرجت من الدنيا فهو اول ولادتك من بطن امك فتبقى في دار الخلود على هيئة ما صاغتك يد القدرة بعملك وميولاتك وشهواتك واقتضاءاتك واعلم يا قرة عيني ان كل عمل من خير وشر جاذب روح حقيقي من المبدء الفياض ويقتضي صورة عين من الاعيان الوجودية لما صح عندنا وعند العارفين من ان الاعمال جواذب الفيض كالمراياء الجاذبة للصور وكالبلور الجاذب للنار من حرارة الشمس فشهوة النكاح من الحرام تقتضي صورة الدب وشهوة الغضب لغير الله تقتضي صورة الكلب وشهوة المكر والخديعة تقتضي صورة الثعلب وشهوة الرياسة تقتضي صورة السبع وشهوة التكبر تقتضي صورة الذر وله انياب اكبر من جبل احد وشهوة العشق تقتضي صورة القرد وشهوة الدرهم والدينار تقتضي صورة الخنزير وشهوة الغناء تقتضي صورة بعض الطيور والجمال وشهوة المفعولية تقتضي صورة الفرس وشهوة النميمة تقتضي صورة العقرب وهكذا مجمل القول كل عمل لم يقصد فيه رضاء الله سبحانه فعامله ذلك الوقت على هيئة بهيمة من البهايم منكس الراس ظهره الى مبدئه ووجهه الى الاسفل الا انه يختلف اقتضاءاته فيختلف صوره فانت اعرف قدرك وقدر غيرك باعمالك واعمالهم فان اميرالمؤمنين عليه السلام يقول يقين المؤمن يرى في عمله ويقين الكافر يرى في عمله وعلى هذا يظهر لك معنى قوله تعالى ان هم الا كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون وقول مولانا الباقر عليه السلام الناس كلهم بهايم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل وليس الانسان حقيقة الا من عمل الصالحات وداوم عليها واقبل على ربه وخضع له في سره وعلانيته وهذا رأسه ووجهه الى جهة العلو ورجله واسفله الى جهة السفل فمن كان في الباطن انسان يحشر يوم القيمة معتدل القامة حسن الصورة ومن كان غير ذلك لا يحشر الا بصورة عمله على ما فصلت بعضا منه وهو قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد اي على ما هو عليه من العمل الظاهري والباطني والحقيقي واللطخي والخلطي واعلم انك حال العمل تنصبغ بذلك الصبغ وهو الرحمة الواسعة ينصبغ الناس بها وهي قايدها اما الى الجنة او الى النار وانت بعد ما صبغت بها ترى على ذلك الصبغ ويريك كل احد من الانبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين والملائكة الموكلين والمقربين والكروبيين ولا يحتجب الا بعض السفلة فانظر الآن بعين بصيرتك هل تحب ان ترى بصورة بهيمة من البهائم وتطرد عن باب الرحمة المكتوبة وتبعد عن حضرة القرب وتفقد عن مجلس الانس وتحرم عن تجرع كأسات المحبة وعن الورود على شرايع المصافاة والمودة واعلم انك تنتقل من هذه الدار لا محالة ولا تبقى فيها البتة فهي منزل نزلت فيه ثم ارتحلت عنه فلا تجعلها اذن دار مسكن وخلود وانظر اليها بعين الراحل عنها واقعد فيها قعود المستوحش عنها فلا تفرح اذن اذا اقبلت عليك فانها لا تبقى بل تزول وخف سوء عاقبة هذا الاقبال فانه يورث الكلال في حرم الكبرياء ولا تحزن اذا ادبرت عنك فانك ستستغني عنها بل اجعل همك للباقي الذي لا يزول والدائم الذي لا يفنى فلا تفزع عند شدايدها ونوائبها فانها تمر مر السحاب ولا تفرح عند مسارها ومنافعها فانها تنقطع وتزول ولا تدري استدامتها بعد تلك الساعة بل اجعل نظرك الى من بيده تلك الاسباب ومنه البدء واليه الاياب اذ لا يخيب من قصده بالسؤال ولا ييأس من نزل بساحته رحال الآمال وتوجه الى حضرة عزه وحرم كبريائه بالغدو والآصال واعلم انه سبحانه اقرب اليك من حبل الوريد بل اقرب اليك منك بلا نهاية كما انه بعيد عنك كذلك فانت بين يديه حاضر لديه فاطلب منه ما تريد واسئل عن كريم بابه ما تشاء ولا تقصد سواه ولا تطلب غيره اليس الله بكاف عبده اللهم ان قلوب المخبتين اليك والهة وسبل الراغبين اليك شارعة واعلام القاصدين اليك واضحة فاذن ففروا الى الله اذ لا ملجأ ولا منجأ الا اليه ولا استعانة الا منه ولا توكل الا عليه لانه سند من لا سند له وعماد من لا عماد له وذخر من لا ذخر له وكنز من لا كنز له وغياث من لا غياث له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب فاطرق بابه واسئل جنابه وتذلل لديه ولا تعتمد على عمل ولا تخش اي لا تيأس عند الزلل واستعن منه تعالى في الاحوال كلها فانه تعالى يقول قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون من الاعمال الظاهرة والباطنة والحقيقية والمجازية والدنيوية والاخروية
واعلم يا حبيب قلبي ان الله سبحانه وتعالى جعل قلبك محلا للانوار ومخزنا للاسرار واودع فيه معاني جميع الاكوار والادوار والاوطار والاطوار وجعلك انموزجا للعالم العلوي والسفلي وصيرك كتابا لعلومه بالخط الواضح الجلي كما في كلام اميرالمؤمنين عليه السلام ان الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار فكلما يريد منك وتريد منه فهو حاضر لديك موجود عندك وقد ذكرت في بعض ما نظمت هذا المعنى
كل الذي تهواه عندك حاضر من كلما في عالم الامكان
سر العلي في غيب ذاتك كامن قد صرت عرشا مستوى الرحمن
الابيات فاذن كلما تريد تطلب عندك ولا تحصله منك الا بعد اجتماع الحواس وسكون الخواطر حتى تقابل مرآة ذاتك وحقيقتك وفوارة النور على صد الغيور وتستقر بوادي طور في مجلس السرور فهناك تجد صحوا بلا غبار وشربا بلا اكدار ان في ذلك لذكرى لاولي الابصار واعلم ان آل محمد صلى الله عليه وعليهم هم النهج القويم والصراط المستقيم والنور العظيم الواقفون على الطتنجين الناظرون في المغربين والمشرقين والحكام في النشأتين وهم عصمة المعتصمين وكهف الفقراء والمساكين وملجأ الخائفين ومنجأ الهاربين فتمسك بهم واو الى كهف حمايتهم وولايتهم واستمسك بعروة محبتهم وافزع في الشدايد اليهم فانك بمرءي منهم ومسمع لا يخفى عليهم امرك ولا يفقد عندهم ذكرك فاذا ناديتهم اجابوك واذا استنصرتهم نصروك وان استعنتهم اعانوك وان تعلمت منهم علموك لانهم سلام الله عليهم سر الوجود واصل الشاهد والمشهود مظاهر الرحمانية فلا تفقدهم حيث تطلبهم لانهم المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرف الله بهم ويعبد بهم
واعلم انك مسؤل يوم القيمة عن امور دينك من عقايدك واعمالك فاستعد للجواب ليوم الحساب ولاتسامح فان الامر عظيم والخطب جسيم ولا يسع للانسان ان يعتقد او يعمل الا ما اراد الله منه بحيث اذا قيل له آلله اذن لكم ام على الله تفترون يقول بل الله اذن لي ولايسع لك ان تقول ذلك بمحض عقلك ومجرد فهمك وادراكك فان العقل وان كان نبيا باطنا معصوما مطهرا ولكنه قد يخفي امره ويستولي سلطان النفس الامارة بالسوء وتخدع الحواس التي تتلقى من العقل وتخون وتوصل ما يخالف الواقع كالرواة الظاهرة حرفا بحرف اذ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير فاذن يجب عليك ان تعرض ما فهمته بصافي فطرتك من العقائد على اهل البيت عليهم السلام الذين قد حصر الله سبحانه الحق فيهم وزنها بميزانهم فان وافق الميزان القويم والقسطاس المستقيم فاحمد الله تعالى وكن من الشاكرين وان خالف فاضرب ما عندك على عرض الحائط اذ ما بعد الحق الا الضلال
واما في العبادات والاعمال والشريعة فتمسك في زماننا هذا الذي هو زمان الغيبة بكتاب الله المنزل على نبيه المرسل صلى الله عليه وآله واعمل بمحكمه ورد اليه متشابهه واعمل بعامه وخاصه ومطلقه ومقيده الا ان العام والمطلق قد خصصه وقيده النبي والامام عليه السلام باجماع او بخبر متواتر او محفوف بقرائن قطعية او حد صحيح ليس له معارض لانهم عليهم السلام شارحي القرآن ومبينيه ولا يغني القرآن عنهم (ع) وكذا اذا لم يكن صحيحا بحسب الاصطلاح الا انه لا معارض له فانه ايضا عندنا صحيح لان الامام (ع) صاحب المرءي والمسمع وليس مغريا بالباطل وله مع كل ولي اذن سامعة والله سبحانه لا يخلي الارض من حجة كما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم والجمع المحلي باللام يفيد العموم الاستغراقي الافرادي واذا تعارضت الاخبار في التخصيص والتعميم ولا مرجح في البين فالعمل على ما وافق الكتاب لانه الاصل في مقام التعارض على ما دل عليه الاخبار المتكثرة واقرءه بالقراءة السبع المتواترة الا ان تختلف ويختلف المعنى والحكم لاجل ذلك مثل قراءة مطهرن ويطهرن فتوقف ح الا ان تجد بيانه من الامام عليه السلام والا فتوقف فان الوقوف في الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وتمسك ايضا بالسنة المعصومية على قائلها آلاف الثناء والتحية واعمل بالمتواترات المعنوية لانه المتفق عليه وبالمتواترات اللفظية كما في القرآن حرفا بحرف وبالمحفوفة بالقرائن القطعية بلا كلام وبالاخبار الآحاد اما الصحاح منها فبالاتفاق ومن غير خلاف واما غيرها فعند عدم التعارض كذلك على الصحيح لثبوت التقرير وقاعدة اللطف واما عند التعارض فعند عدم التكافؤ فالاقوى مقدم كما اذا عارض الصحيح مع الضعيف وحده واما عند التكافؤ كما اذا كانا صحيحين فارجع الى ما هو المشهور بين اصحابك واترك الشاذ النادر والا فارجع الى ما خالف القوم فان الرشد في خلافهم لانهم كانوا ياخذون عن عليّ عليه السلام ويعملون بخلافه فخلافهم دليل على الوفاق فيخصص به عموم القرآن ويقيد به مطلقه والا فارجع الى ما وافق القرآن ان كان لانه الاصل المحكم في هذا الشأن والا فارجع الى ما فيه الحائطة والقطع ببراءة الذمة فان شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ولقوله عليه السلام عليك بالحائطة في دينك والا فارجه حتى تلقى امامك بالبيان لا العيان والا اي لا يمكن التاخير والارجاء وان كان من باب المعاملات فاعمل بالصلح مهما امكن وان كان من باب العبادات تخير والتحري عندي اقوى وتمسك بالاجماع اما الاجماع الضروري للدين والمذهب فلا شك في اعتبارهما وحجيتهما اما الاجماع المركب فكذلك ان حصل لك القطع بانحصار قول المعصوم عليه السلام في احد القولين فلا يجوز ح اثبات قول ثالث قطعا لخروجه عن الحق المعلوم ثبوته ووقوعه فان حصل لك ترجيح كون المعصوم في احد القولين بالدليل القطعي فينقلب المركب بسيطا وان حصل لك دليل ظني وترجيح اعتباري فان كان مع احدهما نص فلتعمل غير مدع للاجماع والا فذلك من الاستحسان المحرم باتفاق الشيعة وان لم يحصل الترجيح فسبيله سبيل الخبرين المتعارضين عند فقد المرجح كما تقدم واما الاجماع المشهوري وهو المسمى بالمحقق العام فاعمل عليه ان حصل لك ذلك يقينا بدليل اللطف والتقرير واما الاجماع المحصل الخاص فكذلك لاجل ذلك واما الاجماع السكوتي فبان قال بعض الفقهاء وسكت الباقون فهو حجة ان كان بعد الفحص التام لانه دليل على سكوت الامام عليه السلام وهو دليل على تقريره واشتراط التقرير بمشافهة المقرر له للمقرر او اتحاد مجلسيهما او غير ذلك ممنوع بل باطل يقينا وتقية الامام عليه السلام هي حكم شرعي لنا ايضا والقول بعدم تصرف الامام عليه السلام هو القول بان يد الله مغلولة لانه عليه السلام يد الله وعين الله وجنب الله ولسان الله واما الاجماع المنقول فان كان منقولا عن الاجماع المركب فلا حجية فيه اذ قد لا يحصل القطع بالانحصار لكل فقيه اذا نظر فيرجع القطع الى فهم بعض الفقهاء ولا حجية في فهمه وكذا المنقول عن المحصل الخاص لا حجية فيه لما ذكرنا بعينه والا لم يقع الاختلاف الشايع والمنقول عن الضروري لا يكون ابدا والمنقول عن السكوتي لا حجية فيه لاحتمال عدم الفحص التام البالغ اذ قد يكون لبعض العلماء كلام من باب دليل التنبيه والاشارة او الصريح ولا يلتفت اليه غيره والمنقول عن المحقق العام هو الحجة اذا لم يعارضه ما هو اقوى منه بشرط وثاقة الناقل واذا ادعى الاجماع فالظاهر انه المنقول عن المحقق العام الا اذا شهدت القراين بنفيه وربما تجد في عباراتهم اجماع الامامية واجماع الفرقة المحقة وهو من المحصل الخاص فوجه ح كلامهم ببعض الوجوه الصحيحة ولا تكن غافلا ولا تغتر بكل قول ولا بكل دعوت فان المعصوم من عصمه الله تعالت ولا نعتمد على قول الا بملاحظة الحديث ولا تبادر بالعمل بالحديث الا بعد ملاحظة فهم الاصحاب فان له مدخلية تامة في هذا الباب واعلم انك انت المخاطب في كلام الله تعالى وكلام المعصومين ولا تقل ان الخطابات خاصة بالمشافهين في مجلس الخطاب فانك ايضا من المشافهين في مجلس الخطاب فان الله سبحانه ليس له زمان ولا حال ولا استقبال ولا مضي ولا ينتظر شيئا وليس كمثله شيء واعمل بما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر سواء كانت الشهرة في الفتوى او في العمل او في الحديث او الجميع للنص القاطع والعبرة بعموم اللفظ الا اذا عارضها ما هو اقوى منها فان العمل على الاقوى اذ رب مشهور ولا اصل له واذا تتبعت ولم تجد دليلا من الشرع في حكم من الاحكام فالاصل براءة ذمتك عن ذلك لان الله يقول على الله قصد السبيل ويقول ان علينا بيانه فاذا ما بين علمنا انه ما يريد منك والا لكان مغريا بالباطل فكل شيء لك مباح وحلال لقوله عليه السلام كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه امر او نهي فما ورد من ان الامور ثلثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وامر مشكل فيرد علمه الى الله ورسوله لا يكون الا عند تعارض الادلة فاذا عدمت التراجيح من كل وجه هو الشبهة التي يجب الوقوف عندها وعند عدم التعارض وعدم نص خاص فالعبرة بقوله عليه السلام كل شيء لك مطلق والعام في جميع افراده حجة والعام المخصص حجة في الباقي وهذا لا اشكال فيه وهذا هو اصل الاباحة واذا ثبت حكم بالكتاب والسنة دون الاجماع فذلك الحكم ثابت مستصحب حتى يتغير الموضوع يقينا فعند الشك يرجع الى ما كان قبل ذلك بالقطع لقوله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وقوله عليه السلام لا ينقض اليقين الا بيقين مثله ولا ينقض اليقين بالشك ابدا وهذا هو اصل الاستصحاب واذا دل العقل القاطع على حكم فزنه بالميزان وهو قسمان احدهما معرفة العقول عدله والثاني مطابقته بالكتاب والسنة على الوجه المقرر والا فلا تعتمد عليه ولا تركن لديه فان النكراء والشيطنة شبيهة بالعقل وليس بعقل فاعقل وافهم ولا شك ان العالم يدور على عالم ومتعلم وعالم وجاهل وبصير ومستبصر ومتبوع وتابع واصل وفرع وعلى ذلك بني الوجود وبه يعبد المعبود وهو المجتهد والمقلد في الاصطلاح فانكار التقليد جهل بهذا الاصل السديد مع دلالة الاخبار الكثيرة وكلام الله المجيد وما اشتهر عندهم ان في زمان غيبة الحجة عليه السلام انسد باب العلم فانفتح باب الظن لاجل الضرورة ان كان مرادهم بالعلم هو العلم بالحكم الواقعي الاولي فذلك ماكان مفتوحا وقد انسد حين خرج آدم عليه السلام من الجنة وقتل قابيل هابيل وان كان المراد الحكم الظاهري التكليفي فهو ما انسد ابدا لان كل احد يقطع بان هذا الذي فهمه هو حكم الله سبحانه في حقه وحق مقلديه ويجب ان تعلم انك لو بذلت جهدك عرفت الحق من تكليفك بحيث لو فرضت مشافهة الامام عليه السلام ما زادك على هذا لانك ما عرفت ما عرفت الا بمدد وتسديد منه فان الله تعالى يقول وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال فالذي تفهمه سمه ما شئت ان شئت سميته علما بالحكم الثانوي المختلف لانه المقصود من صاحب الشريعة ما دامت دولة الظالمين والفاسقين وان شئت سميته ظنا او غير ذلك ولا مشاحة في الاصطلاح فتفهم وكن من المهتدين
واعلم يا اخي اني قد ارشدتك الى مخ الصدق والصواب وبينت لك حقيقة الامر في كل باب ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك واحب ان لا تضيع اوقاتك وتتجنب مجانسة اهل الدنيا وكل من يشغلك عن الله تعالى واصبر فان الدنيا ايام قلائل تمضي عنها ويبقى معك عملك خيرا كان ام شرا وانظر الى ما كتبت لك في هذه الاوراق بنظر البصيرة وواظب على تلاوة الكتاب الكريم والذكر الحكيم فانه نور للقلوب وشفاء للصدور وتأمل في معانيها ومبانيها فانها مفتاح العلوم الحقيقية ومصباح القلوب المظلمة المدلهمة حفظك الله وايدك ورعاك الله وسددك انه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين وكتب بيمناه الداثرة العبد الفاني الجاني الغريق في بحار الآمال والاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي عصر يوم الجمعة الخامس عشر من شهر محرم الحرام سنة ١٢٤٣ حامدا مصليا مسلما
( خاتمه الشريف : ) عبده الراجي محمد كاظم الحسيني
* * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
وقد وكلت جناب المولى الأولي الفاضل الفاصل الكامل الآقا محمد شريف الكرماني على تولية جميع ما تصح النيابة فيه مما يرجع الى حاكم الشرع من ولاية الايتام والوكالة عن الغائب وغيرها وقد اذنت له اعلي الله شأنه ان يقبض عني مال الامام المنتظر عجل الله فرجه وجعلني فداه ويرسل الينا لنعمل ما فيه رضاء الله ورسوله وآله صلى الله عليه وعليهم وكتب العبد كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي
في غرة ربيع المولود سنة ١٢٥٧
( خاتمه الشريف : ) عبده الراجي محمدكاظم الحسيني