
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان السيد السند والعارف المعتمد صاحب الفخر والزين سيدنا السيد حسين بن المرحوم السيد محمد قاسم الحسيني الاشكوري الجيلاني كان قد التمس مني ادام الله تأييده ان اشرح الزيارة الجامعة المشهورة وابين اسرار الفاظها وبعض ما اراده امامنا وسيدنا علي بن محمد الهادي عليه وعلى آبائه وابنائه افضل الصلوة والسلام منها على جهة البسط والبيان لتلك المعاني واشار اليه (ع) من الاسرار فسوفت في الجواب وان كان اهلا لان يبادر في طلبته لوجوب اجابته ولكنه طلب امرا عظيما فكان سبب التسويف علمي بنفسي اني لست من السفن التي يسار بها في مثل هذا البحر المتعاظم والموج المتلاطم ومع هذا فليس كلما يحضرني يمكنني اثباته لان منه ما لا يسعني فيه العبارة ولم اعط فيها بيانا ولا اشارة ومنه ما لا يحسن بيانه لانه قد يعسر برهانه ومنه ما لا تكاد تحتمله الافكار فيسارع اليه بالانكار ومنه ما يطول فيه وفي بيانه الكلام وبدون البسط التام يفوت المرام على انه سلمه الله لا يريد مني بيان ظاهر الكلمات وبيان العبارات ولما راجع في الالتماس مرة بعد اخرى لم اقدر على رده عن مطلوبه مع ما فيه من المنافع العظيمة للعارفين وربط قلوب المؤمنين بما يحصل لهم من ذلك من الثبات واليقين فسارعت الى طلبته والتزمت فرض اجابته مع ما انا فيه من قلة البضاعة وكثرة الاضاعة بقصد ان اكتب ما يحسن كتابته من المقدور اذ لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله سبحانه ترجع الامور
فاقول وبالله المستعان ان هذه الزيارة الجامعة اشتهرت بين الشيعة حتى استغنت باشتهارها عن ذكر اثباتها وبيان سندها فكانت متلقاة عند جميع الشيعة بالقبول من غير معارض فيها ولا راد لها مع ما كانت مشتملة عليه من المعاني الغريبة والاسرار المتصعبة العجيبة التي كثير منهم ينكرونها في غير هذه الزيارة الشريفة ولكن لاجل ما اشتملت عليه من الالفاظ البليغة والأمور البديعة والأسرار المنيعة والاحوال الشريفة الرفيعة التي تشهد للعقل السليم بصحة ورودها عن ذلك الامام العظيم فان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا مع ما هي عليه عندهم من القبول بحيث لا يختلف فيه اثنان وهذه الزيارة المذكورة رواها الصدوق في الفقيه ورواها الشيخ في التهذيب عنه قال محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن علي بن احمد بن موسى والحسين بن ابراهيم بن احمد الكاتب عن محمد بن عبد الله الكوفي عن محمد بن اسمعيل البرمكي عن موسى بن عبد الله النخعي قال قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابيطالب عليهم السلام علمني يا بن رسول الله (ص) قولا اقوله بليغا كاملا اذا زرت احدا ( واحدا خل ) منكم
اقول في طريق هذه الرواية لهذه الزيارة رجال لا بأس بذكر اشارة الى بعض احوالهم تيمنا بسنن العلماء عند السند اما الصدوق قدس سره فلا يخالف احد من العلماء في صحة روايته وان لم يصرح علماء الرجال بتوثيقه قيل اما لجلالة قدره وبيان حاله في الوثاقة بحيث لا يحتاج الى ذكر ذلك وفيه انه ليس اجل ولا اشهر من ابيه ولا من الكليني والمفيد واضرابهم ممن صرحوا بتوثيقهم وقيل لانه اخذ روايته ( رواياته خل ) من الكتب الاصول المشهورة والمعروضة على الائمة (ع) وحيث علم اقتصاره على ذلك لم يحتج الى ذكر توثيقه وفيه ما تقدم ايضا وقيل لانه من مشايخ الاجازة ولم تجر عادة تلامذتهم بذكر توثيقهم لاشتهاره وفيه ايضا ذلك فان كثيرا من المشايخ كان كذلك وقد ذكروا توثيقه وقيل لان كتب الرجال مشحونة من ذكر ممادح له لا تقصر عن التوثيق ان لم تزد عليه مثل ما ذكر في الخلاصة محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ابو جعفر نزيل الري شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ورد بعد سنة ( ٣٥٥ ) خمس وخمسين وثلثمائة وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن كان جليلا حافظا للاحاديث بصيرا بالرجال ناقدا للاخبار لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه له نحو من ثلاثمائة مصنف ذكرنا اكثرها في كتابنا الكبير مات رضى الله عنه بالري سنة احدى وثمانين وثلثمائة ه وفي جش نحو ذلك وذكر كتبه واقول لا دلالة في هذه الممادح وامثالها على المدعي والذي يجول في خاطري ان لم نرجح كونه من مشايخ الاجازة او لم نقل ان التوثيق من باب الاجتهاد في الرواية ولا من باب الرواية ان استفادة توثيقه من الاجماع المحصل الخاص ليرجع الى الرواية في الحكم في الجملة لمن جعل علة صحة روايته التوثيق اقرب والله اعلم واما علي بن احمد بن موسى فهو الدقاق روي محمد بن علي بن بابويه عنه عن محمد بن يعقوب ومحمد بن ابي عبد الله وغيرهما مترضيا عنه والحسين بن ابراهيم بن احمد الكاتب هو ابن ابراهيم بن احمد بن هشام ثاثانة بالمثلثة قبل الف ثم المثلثة قبل الف ثم نون الكاتب رضى الله عنه من مشايخ الصدوق روى عنه في الفقيه وغيره مشفعا له بالرحملة والرضيلة قال الميرزا في الرجال في طرق الصدوق ان الاسترضاء افاده مدحا انتهى ولا سيما مع اعتماده على روايته ومحمد بن ابي عبد الله الكوفي فالظاهر انه ابن جعفر الاسدي الثقة المكني ابا الحسين كان احد الابواب في كتاب الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة وقد كان في زمان السفراء المحمودين اقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الاصل منهم ابو الحسين محمد بن جعفر الاسدي وربما يظهر من كتاب الحسن بن داود انهما رجلان احدهما هذا المذكور ويحتمل انه ابن عون الاسدي وفي ترجمته في الخلاصة للعلامة محمد بن جعفر بن عون الاسدي ابو الحسين الكوفي ساكن الري يقال له محمد بن ابي عبد الله كان ثقة صحيح الحديث الا انه يروي عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه فانا في حديثه من المتوقفين كان ابوه وجها روى عنه احمد بن محمد بن عيسى انتهى ويظهر من كلام فخرالدين بن طريح (ره) في جامع المقال في ذكر العدد ذكر في عدة سهل بن زياد حيث قال واما الرابعة يعني عدة سهل فقد ذكر من رجالها محمد بن ابي عبد الله وكأنه هو محمد بن جعفر بن عون الأسدي الثقة على ما نبه عليه البعض نقلا عن النجاشي فان صح النقل صحت العدة والا فلا كما لا يخفى انتهى ان محمد بن ابي عبد الله متعدد وان كان الظاهر انه متحد وانه هو ابن عون الاسدي كما في التوقيع هكذا بالري محمد بن جعفر العوني فليدفع اليه فانه من ثقاتنا فالظاهر الاتحاد ولا معنى لتردد فخر الدين بن طريح بعد نص الكليني على انه في عدة سهل هو ابن عون الاسدي الثقة ومحمد بن اسمعيل البرمكي هو المعروف بصاحب الصومعة قال النجاشي انه ثقة وقال ابن الغضائري انه ضعيف وقال العلامة قول النجاشي عندي ارجح ومثله قال ابن داود وهو كذلك لان النجاشي له اعتناء وممارسة في الجرح والتعديل لم تحصل لغيره مع ضبطه وحفظه وعدم استعجاله وتوقفه في ذلك حتى يتبين الامر حتى ان الشيخ محمد بن الشيخ حسن في شرح الاستبصار ذكر فيما اذا ذكر الشيخ الرجل بالوقف او الفطحية والنجاشي لم يذكر ذلك ترجيح النجاشي على الشيخ وان كان الجارح مقدما قال اذا تعارض الجرح والتعديل فالجرح وان كان مقدما في الجملة على ما فصل في موضعه الا ان مثل النجاشي له رجحان يوجب تقديم تعديله على جرح الشيخ كما ذكر ايضا في محله انتهى والشيخ احسن استقامة من ابن الغضائري في باب الجرح وذكر ذلك وبيان جهات الترجيح يطول به الكلام ولسنا بصدده ومن نظر في كتب الرجال ظهر له صحة ما ذكرنا فقول النجاشي ارجح من ابن الغضائري وان كان جارحا فكون البرمكي ثقة ارجح وموسى بن عبد الله النخعي روى عن علي الهادي (ع) لم يذكر في كتب الرجال موصوفا بالنخعي من اصحاب الهادي (ع) قال الشيخ ياسين البحراني في كتابه معين النبيه في بيان رجال من لا يحضره الفقيه لم اجد في كتب الرجال بقيد النخعي من اصحاب الهادي (ع) نعم ذكر الشيخ في اصحاب الجواد بن عبد الله بن عبد الملك بن هشام ولعله هو وعلى كل تقدير فهو مهمل عنه محمد بن اسمعيل البرمكي انتهى وذكر الميرزا في كتاب الرجال وموسى بن عبد الله بن عبدالملك بن هشام ج ولعله عن الشيخ وما احتمله الشيخ ياسين قريب والحاصل السند على الاصطلاح الجديد ضعيف ولكنه عند الصدوق صحيح اما لقرائن مرجحة او لوجودها في الكتب المعتبرة واما عندنا فهذه الرواية صحيحة لاعتماد الشيخ الصدوق عليها لا يراده اياها في كتابه الفقيه الذي جعله حجة بينه وبين الله فاعتماده عليها من المرجحات عندنا ومن القرائن المقوية وان كان تصحيحه للروايات من باب الاجتهاد كغيره بل كثير من ترجيحاته تبعا لتصحيح مشايخه وهو اضعف من عمل المتأخرين ومن بعدهم ممن يعتبون عليهم اهل الأخبار قال في آخر باب صوم التطوع من الفقيه وفيه تعريف شيخه واما خبر صوم الغدير والثواب المذكور فيه لمن صلى فان شيخنا محمد بن حسن بن احمد بن الوليد كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمذاني ( الهمداني خل ) وكان غير ثقة وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس سره ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح انتهى اكثر ما يعتمد عليه تصحيح الأسانيد كما يفعله ( يفعل خل ) المجتهدون قال في الفقيه في حد الوضوء بعد ان اورد حديثا في المسح على الخفين الى ان قال على ان الحديث في ذلك غير صحيح الاسناد وقال في الخصال لا سبيل الى رد الأخبار متى صح طرقها ه وهذا كما ترى الا ان ترجيحه وعمله يكون من المقويات البتة بل ما يحصل للمتقدمين من القرائن تصل الينا او بدلها من جود الكريم الوهاب ولتلقي الفرقة المحقة لها بالقبول حتى لا تجد ولا تسمع منكرا لها ولا متوقفا فيها بل لو اراد البصير الناقد ان يدعي الاجماع على صحتها الكاشف عن قول المعصوم (ع) امكنه ذلك مع ما اشتملت عليه الفاظها من البلاغة والفصاحة والمعاني والاسرار التي يقطع العارف بها انها كلام المعصوم ولا يصدر مثلها عن غيره ثم اعلم ان الشيخ التقي العارف الشيخ محمد تقي قد ذكر في شرحه على الفقيه رؤيا رءاها في فضل هذه الزيارة وجعلها من المقررات لها والمرجحات وصورة ما ذكر قال زيارة جامعة لجميع الائمة عند مشهد كل واحد ويزور الجميع قاصدا بها الامام الحاضر والنائي والبعيد يلاحظ الجميع ولو قصد في كل مرة واحدا بالترتيب والباقي بالتبع لكان احسن كما كنت افعل ورأيت في الرؤيا الحقة تقرير الامام ابي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) لي وتحسينه عليه ولما وفقني الله تعالى لزيارة امير المؤمنين (ع) وشرعت في حوالي الروضة المقدسة في المجاهدات وفتح الله تعالى علي ببركة مولانا صلوات الله عليه ابواب المكاشفات التي لا تحتملها العقول الضعيفة رأيت في ذلك العالم وان شئت قلت بين النوم واليقظة عند ما كنت في رواق عمران جالسا اني بسر من رأى ورأيت مشهدها في نهاية الارتفاع والزينة ورأيت على قبريهما لباسا اخضر من لباس الجنة لانه لم ار مثله في الدنيا ورأيت مولينا ومولي الأنام صاحب العصر والزمان جالسا ظهره على القبر ووجهه الى الباب فلما رأيته شرعت في الزيارة بالصوت المرتفع كالمداحين فلما اتممتها قال (ع) نعمت الزيارة قلت مولاي روحي فداءك زيارة جدك واشرت الى نحو القبر فقال نعم ادخل فلما دخلت وقفت قريبا من الباب فقال (ع) تقدم فقلت مولاي اخاف ان اصير كافرا بترك الأدب فقال (ع) لا بأس اذا كان باذننا فتقدمت قليلا وكنت خائفا مرتعشا فقال (ع) تقدم تقدم حتى صرت قريبا منه قال (ع) اجلس قلت اخاف مولاي قال (ع) لا تخف فلما جلست جلسة العبد بين يدي المولي الجليل قال (ع) استرح واجلس متربعا فانك تعبت جئت ماشيا حافيا والحاصل انه وقع منه (ع) بالنسبة الى عبده الطاف عظيمة ومكالمات لطيفة لا يمكن عدها ونسيت اكثرها ثم انتبهت من تلك الرؤيا وحصل في ذلك اليوم اسباب الزيارة بعد كون الطريق مسدودة في مدة طويلة وبعد ما حصل الموانع العظيمة ارتفعت بفضل الله وتيسر الزيارة بالمشي والحفاء كما قاله الصاحب (ع) وكنت ليلة في الروضة المقدسة وزرت مكررا بهذه الزيارة وظهر في الطريق وفي الروضة كرامات عجيبة بل معجزات غريبة يطول ذكرها والحاصل انه لا شك لي ان هذه الزيارة من ابي الحسن الهادي سلام الله عليه بتقرير الصاحب (ع) وانها اكمل الزيارات واحسنها بل بعد تلك الرؤيا اكثر الاوقات ازور الائمة صلوات الله عليهم بهذه الزيارة وفي العتبات العاليات مازرتهم الا بهذه الزيارة ولهذا اخرت شرح اكثرها لان يشرح في هذه انتهى ما ذكره تغمده الله برحمته في شرح الفقيه امام شرح هذه الزيارة وظاهر كلامه ان تحقق ثبوتها عنده بهذه الرؤيا وهو كما ترى ووجه تحققها ما اشرنا اليه من مقبوليتها عند الكل وما اشتملت عليه من الظواهر الزاهرة والبواطن الباهرة وخفايا الدنيا والاخرة
فقال عليه السلام : اذا صرت بالباب فقف واشهد الشهادتين وانت على غسل فاذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل الله اكبر الله اكبر ثلاثين مرة ثم امش قليلا وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك ثم قف وكبر الله عز وجل ثلثين مرة ثم ادن من القبر وكبر الله اربعين تكبيرة تمام مأة تكبيرة
يعني اذا صرت بباب الروضة فاستشعر انها حظيرة القدس ومهوى الأفئدة من الملائكة والجن والانس ومعرس ولي الحساب الذي اليه الاياب حيث اقام الله الحق وامات الباطل فانت في قيامك ظاهرا جاث بباطنك خاشع ببصرك قد دعيت للحساب وههنا ينطق عليك الكتاب وهو قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وموقفك هذا من ذلك الموقف فقل اشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله (ص) وانما كان هذا موضع الشهادتين لان من عرف اين هو حيث يقف هذا الموقف يعلم ان حاله كحال الملائكة في عالم الانوار حيث رأوا انوار محمد وآله (ص) فظنوا انه نور الله فقالوا سبحان الله فقالت الملائكة سبحان الله وانت ان صدقت في حبهم وعرفتهم بالنورانية رأيت انك واقف حيث وقفت الملائكة وناظر الى ما نظرت الملائكة وسمعت من ( ممن خل ) انت واقف ببابه يشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له وانهم (ع) عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فتقول عند ما تسمع باذن قلبك قولهم لا اله الا الله اشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له وتعرف بهذا ان سيدهم وفخرهم والواسطة بينهم وبين ربهم محمد بن عبد الله (ص) عبد الله ورسوله الى جميع خلقه فتقول واشهد ان محمدا عبده ورسوله وهاتان الشهادتان شرح ان الله اقام الحق وامات الباطل هذا وانت على غسل للزيارة ليكون ظاهرك طاهرا وعلى توبة عما لا يوافق التوحيد والامتثال بمقتضى النبوة والولاية من المعاصي والغفلات الظاهرة والباطنة والكبيرة والصغيرة فاذا دخلت ورأيت القبر حصل لك نور الكبرياء المنبسط على ظواهرك ولهذا يلين جلدك وقلبك الى ذكر الله ويحصل لك الخشوع والاحتقار لظهور الكبرياء فقف قليلا لترجع اليك نفسك ويربط على قلبك وتأخذ اهبتك واستعدادك كما وقفت الملئكة عند ظهور هذه الكبرياء فلما كبروا الله كبرت الملئكة ولو لم تقف الملئكة عند ظهور هذه الكبرياء لكبروا من ( ما خ ) رأوا من نور محمد واهل بيته عليه وعليهم السلام فاذا وقفت حتى يكبر هذا الامام الذي انت واقف ببابه الله ربه ويعظمه فاذا سمعت التكبير باذن قلبك من لسان انهم عباد مكرمون كبر الله تقول الله اكبر الله اكبر ثلاثين مرة وانما كان الذكر بالتكبير لكون الظهور بالكبرياء وانما كان الظهور بالكبرياء لان الخشية الحاصلة والخشوع والتذلل انما هي بواسطة الحواس الظاهرة وهي التي تحصل فيها اشباح الكبرياء دون سائر الصفات لانها اخرها في اقليم الظهور للمظاهر ومن ثم ورد في الادعية المروية عن اهل العصمة (ع) وصفها بالعرض لا نتهاء اشباحها الى الاجسام فقال (ع) في الثناء على الله تعالى عريض الكبرياء فافهم فقد اسمعتك تغريد الورقاء على الافنان بفنون الالحان وانما كان التكبير ثلاثين بعدد ايام الشهر وعدد قوى لام التعريف لانه قد حقق في محله ان مراتب الوجود اربعون وقد ذكرنا ذلك مرارا مفصلا في اجوبتنا لبعض المسائل الا ان المراد به المراتب كلها والثلاثون منها مراتب تمام القوابل والعشر لتمام المقبولات فبالعشر تتم مراتب الوجود والاشارة اليه على سبيل الاختصار والاقتصار
فاقول ان الانسان خلق من عشر قبضات من الافلاك التسعة ومن الارض واديرت كل قبضة ثلاث دورات فتتم بها قابليتها وفي الدورة الرابعة يتم مقبولها فالرابعة هي تمام الثلاث فالثلاث في العشر القبضات ثلاثون وهي الثلاثون ليلة لميقات موسى (ع) والرابعة في كل قبضة من العشر هي قوله واتممناها ( بعشر خ ) لان الرابعة فيها رتبة الحيوانية واما الثلاث فهي الدورة العنصرية والدورة المعدنية والدورة النباتية وانما كان التكبير الاول والثاني ثلاثين لان الزائر الذي ظهرت له تلك الكبرياء اول ظهورها بواسطة الحواس باشباحها وذلك محلها ( محله خل ) الجسم وهو بالنسبة الى الانسان الذي هو الكتاب مجمع القوابل الظاهرة وفيه العشر القبضات بعناصرها ومعادنها ونباتها وثاني ظهورها في الخيال بواسطة الحس المشترك وفي النفس بواسطة الخيال وفيها اي النفس القبضات العشر من هورقليا بعناصرها ومعادنها ونباتها فان اردت بالخيال النفس تحقق ظهور صورة الكبرياء فيها وان فرقت بينهما كان الخيال حاملا وناقلا فذكره كذكر الحس المشترك واما في المرة الثالثة فحيث اجتمع فيها مراتب القوابل الثلاثين ومراتب المقبولات العشرة كان التكبير اربعين وهي اتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فيكون قوله (ع) تمام مائة تكبيرة كما قال اهل الصناعة في سقي المركب يسقى في الاولى من واحد وفي الثانية من اثنين وفي الثالثة من اربعة فهذه سبعة ويريدون انه يسقى في الاولى بمثله وفي الثانية بنصف مثله وفي الثالثة بربع مثله فافهم
وقوله (ع) : ثم امش قليلا يراد منه مثل انه كلما قرب من السراج كان اشد نورا لانه كلما قرب من القبر الشريف عظم الاحترام واشتد ظهور الكبرياء كما اشرنا اليه سابقا وفيه اشارة ارشادية لان ذلك اعظم في الاحترام ظاهرا وانجح في تنقل ذلك الخشوع من الحواس الظاهرة والجسد الى النفس ومنها الى الذات لتمكنه من الاستعداد للتوجه بقلبه ولهذا بينه بقوله (ع) وعليك السكينة والوقار والسكينة هو اطمئنان القلب باليقين والنفس بالايمان والوقار سكون الظاهر والأعضاء لانها الموصلة للسكينة الى الباطن وذلك بما يظهر لك من عظمة الله وكبريائه الظاهرة بعظمة اوليائه وكبرهم في قلوب محبيهم وشيعتهم
وقوله (ع) : وقارب بين خطاك اي في حال مشيك قليلا لكونه ابلغ في الاحترام وابطأ في الاقتراب واكثر في الثواب فان له بكل خطوة حجة وعمرة وانجح للاستعداد في ابطان الوقار في السكينة واظهار السكينة في الوقار وانما امر (ع) بالوقوف وبالمشي قليلا وتقارب الخطأ لتزول عنه دهشة الكبرياء الظاهرة من كبرياء الله على اوليائه كما مر وقد يحضر للزائر عند تصور عظم شأنهم وكبر مقامهم الموجب للتذلل تصور ما جرى عليهم من المصائب وما اصيبوا به من النوائب فيحصل له من هذين التصورين ما يوجب خشيته ويسكب عبرته ويجري دمعته وهي علامة الاذن في الدخول الى حضراتهم والقرب من قبورهم وقد يحصل ذلك من احد التصورين فان كان من تصور العظمة فهو اذن مجازاة لمن طلب واحسن الأدب وان كان من تصور المصاب ( المصائب خل ) فهو اذن رحمة وشفقة لمن عطف ورق
قوله (ع) ثم قف يعني مرة ثانية وكبر الله عز وجل ثلاثين مرة كما تقدم ثم ادن من القبر وهذا نهاية الدنو ومقام التسليم وكبر الله اربعين مرة تمام المائة لما قلنا لان الانتقال الأول وهو الوصول الى الباب كالوصول من العظمة والكبرياء الى البدن والانتقال الثاني كانتقال الكبرياء بتأثيرها الى النفس والدنو من القبر كوصول الكبرياء باثارها الى الانسان بكله وهو تمام اجتماع المقبول والقابل فذلك مقام الاتصال وهو اخص احوال الزائر في الاقبال لاجتماع القرب الظاهري والقرب المعنوي فاذا وصلت الى هنا
قال عليه السلام ثم قل: السلام عليكم يا اهل بيت النبوة
انما اتى بثم بعد الوصول الى هذا المكان الذي هو الدنو من القبر لانه عند وصوله يكبر الله اربعين مرة فتكون المهلة بين الدنو وبين السلام ويجوز ان تكون المهلة بين التكبير وبين السلام ويكون المراد ان التكبير طور غير طور السلام ومقتضى المغايرة المهلة أو ان بين التكبير الذي هو مقتضى تصور الكبرياء الظاهرة على المزور فانه حال يتعرض للبعيد وبين السلام الذي هو مقتضى الاتصال والدنو مهلة وفصلا فناسب ذكر ثم
والسلام من السلامة من الآفات وهو اسم من اسماء الله تعالى فقوله تعالى لهم دار السلام ( عند ربهم خل ) اي دار الله وهي الجنة نسبها اليه لشرفها ويجوز ان تكون الاضافة بيانية اي دار هي السلام لان سكانها يسلمون من كل مكروه في الدنيا من مرض ووصب وفقر وهم وفراق محبوب وتغير حال وهرم وموت وما اشبه ذلك وان يكون بمعنى المؤمن لمن التجأ اليه من كل محذور وان يكون مصدرا بمثل السلام والسلامة والرضاع والرضاعة واللذاذ واللذاذة بمعنى ان السلامة من المكاره انما تنال منه او بمعنى انه سبحانه سالم من كل عيب ونقص واختلاف وزوال وانتقال وتغير وغير ذلك مما يلحق الخلق وان يكون بمعنى الصواب والسداد كما في قوله تعالى واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما اي صوابا وسدادا بمعنى انه سبحانه به الصواب والسداد او انه اطلق عليه سبحانه لان افعاله كلها صواب وسداد وان يكون بمعنى الحافظ المسلم ولاجل ذلك عدي بعلي فقولك السلام عليكم الله حافظ عليكم وان يكون بمعنى السلامة من الاذى ومنه فسلام لك من اصحاب اليمين اي ما سلمت يا محمد من احد من الخلق لم يؤذك الا اصحاب اليمين وهم شيعة علي (ع) او بمعنى التسليم والاداء اي لله على عباده المؤمنين ان يؤدوا اليه الامانة التي عرضها عليهم اي يطيعوه فيما امرهم وينتهوا عما نهاهم وعليه اذا اطاعوه ان يؤدي اليهم دار السلام اي الجنة وروى الحسن بن سليمان الحلي في كتابه مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري عن محمد بن يعقوب عن بعض اصحابه رفعه عن محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي قال قلت ما معنى السلام على الله وعلى رسوله فقال ان الله لما خلق نبيه ووصيه وابنيه وابنته وجميع الائمة (ع) وخلق شيعتهم اخذ عليهم الميثاق وان يصبروا ويصابروا وان يتقوا الله ووعدهم ان يسلم لهم الارض المباركة والحرم الامن وان ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجيهم من عدوهم والارض التي يبدلها من المسلم ويسلم ما فيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها لعدوهم وان يكون لهم فيها ما يحبون واخذ رسول الله (ص) على الائمة وشيعتهم الميثاق بذلك وانما عليه ( ان خ ) يذكره نفس الميثاق وتجديدا له على الله لعله ان يعجله وتعجل المسلم لكم بجميع ما فيه انتهى قال بعض الافاضل قدس سره لما كان السلام سابقا في التحية بالسلام عن الافات والفتن والعقوبة الدنيوية والاخروية وموجباتها سأله هل المراد من السلام على رسول الله (ص) هذا المعنى او معنى آخر فاجاب (ع) بان له تأويلا آخر وهو المقصود الاصلي هنا بيانه انه تعالى لما خلق نبيه (ص) ووصيه (ع) وابنته وجميع الائمة (ع) وشيعتهم اخذ على شيعتهم او على الجميع الميثاق والعهد بالربوبية والنبوة والولاية والصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى ووعدهم ان يسلم لهم الارض المباركة وهي هذه الارض سميت مباركة لكونها منازل الانبياء والاوصياء والاولياء والصلحاء ومعبدهم ومحل اشتياقهم او بيت المقدس او الكوفة او الجميع وان يسلم لهم الحرم الامن وهو حرم مكة او المدينة او كلاهما وان ينزل لهم البيت المعمور وهو بيت الشرف والمجد او البيت الذي في السماء حيال الكعبة في عصر الصاحب (ع) وان يظهر لهم السقف المرفوع اي عيسى (ع) لكونه عالما مرفوع المنزلة او مرفوعا من الارض الى السماء او السماء بارسال عزاليها وانزال امطارها الموجب للخصب والرخاء وسعة العيش وان يريحهم من عدوهم بقهر المهدي (ع) واهلاكه اياهم ووعد لهم الأرض التي يبدلها من دار السلام وهي الجنة ويسلم ما فيها لهم لا خصومة فيها لعدوهم لا نتفاء قدرتهم فيها وزهوق الباطل هناك فلا يمكن لهم المنازعة مع اهل الحق بخلاف الدنيا وان يكون لهم فيها ما يحبون مما لا عين رأت ولا اذن سمعت واخذ ايضا رسول الله (ص) على جميع الامة والشيعة الميثاق بذلك والسلام عليه (ص) انما هو تذكرة نفس الميثاق بما ذكر ووعد لهم ان يؤجرهم بالوفاء به وان يسلم لهم الامور والسلام على النبي صلى الله عليه وآله تذكرة للعهد وطلب لتعجيل الوعد ه وقد ذكرنا ان قولك السلام عليك معناه الله حافظ عليك كما مر معناه فاذا قلت السلام عليكم يا اهل بيت النبوة يكون المعنى الله حافظ عليكم يعني يحفظ عليكم اي لكم ما انعم به عليكم من العلوم والاسم الأكبر والطهارة من كل رجس والعصمة في جميع اعمالكم واسراركم واقوالكم واحوالكم والزلفى لديه ويحفظكم عن كل ما يكره
والأهل والال في استعمال اهل اللغة واهل الشرع عليهم السلام بينهما عموم وخصوص من وجه وان كان اصل آل اهل فقد يطلق الال ويراد به اشراف الأهل فهو اخص من الاهل وقد يستعمله اهل الشرع (ع) على العكس وفي معاني الاخبار عن محمد بن سليمان الديلمي عن ابيه قال قلت لابي عبد الله (ع) جعلت فداءك من الال فقال ذرية محمد (ص) قال قلت فمن الاهل قال (ع) الائمة (ع) فقلت قوله عز وجل ادخلوا آل فرعون اشد العذاب قال والله ما عنى الا ابنته وفيه عن ابي بصير قال قلت لابي عبد الله من ال محمد (ص) فقال ذريته فقلت من اهل بيته قال الائمة الاوصياء فقلت من عترته قال اصحاب العباء فقلت من امته فقال المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله تعالى المتمسكون بالثقلين اللذين امروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته اهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهما الخليفتان على الامة بعده (ص) ه والحاصل ان المراد بالاهل الائمة المعصومون (ع) لا غير هذا اذا اريد السلام على اهل البيت بالاصالة ولو لوحظ ما هو اعم دخلوا الخلص من الشيعة بالتبعية فانهم من اهل البيت (ع) خلقوا من فاضل طينتهم وعجنوا بماء ولايتهم كما رواه ابن طاووس عن الحجة (ع) وغيره وبيان التبعية كتبعية القائم في المجيء لزيد في قولك جاء زيد القائم فان المجيء لم يسند الا الى زيد واما قائم فلا يسند ( فلم يسند خل ) اليه المجيء اصلا وانما ارتفع لان المجيء اسند الى زيد لضم وصفه به فكان ضم القائم اليه مبينا لأجمال زيد لا لحال مجيئه لتكون له مشاركة في المجيء فارتفع لملابسته لزيد في المجيء فاتباعهم يدخلون معهم لملابستهم لهم حين يسند اليهم (ع) ما يخصون به من الأمور المشتركة ظاهرا فخواص الشيعة يدخلون في تبعية السلام على ائمتهم بل تفوق بعض العارفين وقال اذا قلنا السلام عليكم انما نعني شيعتهم لان مقامهم (ع) اجل من ان يسلم عليهم ويتمثل بكلام مجنون ليلى حيث يقول:
سلامي على جيران ليلى فأنها اعز على العشاق من ان يسلما
فان ضياء الشمس نور جبينها نعم وجهها الوضاح يشرق حيثما
ثم اذا اريد باهل البيت ما اريد به في اخبارهم من انهم الائمة الاثنا عشر (ع) لم يكن ذلك منافيا لما اريد في اخبارهم من ان الال هم الذرية والعترة هم اهل العباء لان قوله (ع) ال محمد ذريته لبيان الفرق فيما يدل عليه اللفظ الظاهر وكذا في العترة لان الذرية هي العقب وعقب العقب والنسل ونسل النسل وهكذا قال الله تعالى ذرية من حملنا مع نوح يعني يا ذرية ( ما اذريه خل ) سام وحام ويافث وقال تعالى وآية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون والعترة لما كان من معانيها ان العترة اصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من اصولها وعروقها فناسب بملاحظة خصوص هذا المعنى ان يفسر الصادق عليه السلام العترة باهل العباء واما ما يراد من الال والأهل والعترة بالأصل في الأحاديث المتواترة معنى من الفريقين فهم الائمة الاثنا عشر وفاطمة عليهم السلام لا غير
وقوله عليه السلام : بيت النبوة يراد بالبيت في الظاهر بيت محمد صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله وعترتي اهل بيتي على المعنى المتقدم فهم اهل بيته على معنى انهم ذريته ومن صلبه او ان المراد بالبيت بيت العلم الذي هو بيت النبي صلى الله عليه وآله من قوله تعالى ان اتخذي من الجبال بيوتا وهي بيوت العلم بدليل تأويل اخر الاية يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس وانما سموا اهل بيت العلم النبوي لانهم حفظته واضيف البيت الى النبوة اشارة الى ان ذلك العلم عن الوحي الالهي لانه صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى واما في الباطن فالبيت هو رسول الله صلى الله عليه واله الذي جعلت النبوة فيه والبيوت ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين ورسول الله صلى الله عليه وآله البيت الاعظم بل هو المدينة وهم الأبواب وقال ابو جعفر الباقر عليه السلام ال محمد ابواب الله وسبيله والدعاة الى الجنة والقادة اليها والأدلاء عليها الى يوم القيمة وقال النبي صلى الله عليه واله انا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى المدينة الا من بابها وروي انه (ص) قال انا مدينة الحكمة والمراد بالحكمة هنا العلم وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي عن الأصبغ بن نباتة قال كنت عند امير المؤمنين (ع) فجاءه ابن الكوا فقال يا امير المؤمنين (ع) قول الله عز وجل وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من ابوابها فقال (ع) نحن البيوت التي امر الله ان يؤتى من ابوابها نحن ابواب الله وبيوته التي يؤتى منها فمن بايعنا واقر بولايتنا فقد اتى البيوت من ابوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد اتى البيوت من ظهورها ان الله عز وجل لو شاء عرف الناس نفسه حتى يعرفوه ويأتوه من بابه ولكن جعلنا ابوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي منه يؤتى قال فمن عدل عن ولايتنا وفضل علينا غيرنا فقد اتى البيوت من ظهورها وانهم عن الصراط لناكبون وعن امير المؤمنين (ع) في حديث طويل الى ان قال قد جعل الله للعلم اهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله وأتوا البيوت من ابوابها والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الانبياء (ع) وابوابها اوصياؤهم ه فمحمد (ص) واهل بيته هم البيوت التي اذن الله ان ترفع فاذا اريد بالبيت رسول الله (ص) فالأبواب آله (ع) وكذا اذا اريد به (ص) المدينة فاله هم الأبواب التي لا تؤتى المدينة الا منها وقد يراد بهم البيوت المحيط بها سور المدينة فيكون تأويل قوله تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فاول بيت منهم (ع) وضع في الكعبة هدى للناس هو امير المؤمنين عليه السلام وهو الهادي من الضلالة لمن اخذ بهداه والحاصل اهل بيت النبوة هم الائمة (ع) وبيت النبوة رسول الله (ص) ويجوز ان يكون المراد ببيت النبوة عليا عليه السلام لانه مسكن احكامها والحاوي لأسرارها والجامع لاثارها والحافظ لشريعتها والنبوة الاخبار عن مراد الله بغير واسطة احد من البشر وقيل النبوة هي الاخبار عن الحقائق الالهية والمعارف الربانية وهي الاخبار عن ذات الحق واسمائه وصفاته وافعاله واحكامه وتنقسم الى نبوة تعريف وهي الاخبار والانباء عن معرفة الذات والصفات والاسماء والافعال والى نبوة تشريع وهي ذلك مع زيادة تبليغ الاحكام والتأديب بالاخلاق الحميدة والتعليم للاحكام والقياس بالسياسة وتسمى هذه رسالة وقيل النبوة قبول النفس القدسية حقائق المعلومات والمعقولات من جوهر العقل الأول والرسالة تبليغ تلك المعلومات والمعقولات الى المستعدين ويجوز ان يراد بالنبوة الرفعة من نبا ينبو بمعنى ارتفع اي يا اهل بيت الرفعة والشأن العظيم كما اشير اليه فيما بعد طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع اي خضع كل متكبر لطاعتكم او يراد يا اهل بيت رفعة النبوة والرسالة والفتوة اي الايمان وفي الحديث الفتى المؤمن ان اصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله فتية لايمانهم او لايمانهم بلا واسطة وقد يراد من البيت ما يكني به عن المجد والحسب كما يقال فلان اهل بيت ويكون المعنى يا اهل مجد النبوة وحسبها وفخرها لانهم الذين نشروا اعلام النبوة واسسوا قواعد مستقر الفتوة فتحرر ان معنى السلام عليكم يا اهل بيت النبوة الله الحافظ يحفظ عليكم ولكم او عليكم اي يلزمكم بما وعدتم به شيعتكم السلام اي تسليم دار السلام يعني الجنة اليهم تسلمونها اليهم لموالاتهم لكم او تسلمونهم من كل ما يكرهون ومن عذاب البرزخ بعد الموت ومن عذاب النار يوم القيمة يا ال محمد او يا عترة محمد (ص) او يا ابواب العلم او يا بيوت الحكم او يا حفظة الشريعة وامثال ذلك فانكم انتم بيت الرسالة وتعلمون ما تنزل به الملائكة على جدكم (ص) فان اهل البيت ادري بما في البيت
قال عليه السلام : وموضع الرسالة
الموضع هو المحل والرسالة الاخبار عن مراد الله بكلامه تعالى بدون واسطة بشر ولهم (ع) في محل الرسالة اربعة مقامات المقام الاول مقام السر المقنع بالسر والثاني مقام المعاني وهو مقام سر السر والثالث مقام الابواب وهو مقام ( السر وخل ) السفارة والوساطة والترجمة والرابع مقام الامامة وقد اشار الصادق (ع) الى هذه المواضع الشريفة والمقامات المنيفة كما رواه محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عنه (ع) ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر ه فاشار الى المقام الاول بقوله (ع) وسر المستسر وسر مقنع بالسر والى المقام الثاني بقوله وباطن الباطن وهو سر السر والى المقام الثالث بقوله (ع) وباطن الظاهر والى المقام الرابع بقوله وهو الظاهر والى الاخيرين بقوله وهو الحق والى الاولين بقوله وحق الحق وعنه (ع) ان امرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر فاشار في هذا الى الاول بقوله سر مقنع بسر والى الثاني بقوله سر على سر والى الثالث بقوله وسر لا يفيده الا سر والى الرابع بقوله سر مستسر اما الاول فهو مقام البيان والثاني مقام المعاني والثالث مقام الابواب والرابع ( مقام خ ) الامام (ع) وفي رواية جابر الاشارة الى الأولين روي عن جابر بن عبد الله عن ابي جعفر (ع) انه قال يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال فقلت وما البيان والمعاني قال قال علي (ع) اما البيان فهو ان تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وامره وحكمه وعلمه وحقه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريده فنحن المثاني الذي اعطانا الله نبينا (ص) ونحن وجه الله الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين ومن جهلنا فامامه سجين ولو شئنا خرقنا الارض وصعدنا السماء وان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم ه
اقول وبيان اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريده في الجملة كما اجاب به بعض الأولياء كان في سفينة فاشتد بهم الموج واشرفوا على الغرق فالتجأوا اليه ان يدعو الله فقال ليس لي ان اعترض على ربي فلما اشتد الامر ضجوا وتضرعوا اليه فحرك شفتيه فسكن الموج على الفور كأن لم يكن فقال له شخص كثير الملازمة له والخدمة اخبرني بأي شيء دعوت الله فقال انا نترك ما نريد لما يريد فاذا اردنا ترك ما يريد لما نريد الخ وهذا صورة ما قالوا (ع) وذكر الامام سيد الساجدين عليه السلام الاشارة الى الكل على ما روي في كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء قال حدثني احمد بن عبد الله قال حدثنا سليمن بن احمد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا ابراهيم بن محمد الموصلي قال اخبرني ابي عن خالد عن القاسم عن جابر بن يزيد الجعفي عن علي بن الحسين (ع) في حديث طويل ثم تلا قوله تعالى فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وكانوا بآياتنا يجحدون وهي والله آياتنا وهذه احدها وهي والله ولايتنا يا جابر الى ان قال (ع) يا جابر أوتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الامام رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا وهو قوله عز وجل قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا وتلا ايضا ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم يا جابر اثبات التوحيد ومعرفة المعاني اما اثبات التوحيد فمعرفة الله القديم الغاية ( العامة خل ) الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن كما سنذكره كما وصف به نفسه واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده الحديث وانما ذكرته بطوله لما فيه من الاسرار وسنشير الى بيان بعضها فيما بعد
فاما المقام الاول المسمى باثبات التوحيد وبالسر المقنع بالسر وحق الحق فالاشارة الى بيانه من الاحاديث المروية عنهم (ع) كثيرة فمنها ما قال علي (ع) لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها وقال (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا اقول الذي يشير الى هذا المقام من الحديث الثاني هو الوجه الثالث منه والمراد من هذا المقام الذي هو اثبات التوحيد هو معرفة الله بصفته التي وصف بها نفسه لعباده الذين اراد ان يعرفوه بها وهي صفة محدثة لا تشبه ( لا تشتبه خل ) صفة شيء من المخلوقات وهي مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان اي في غيبتك وحضرتك من عرفها فقد عرف الله لانها امثاله وليس كمثله شيء وفي دعاء كل يوم من شهر رجب عن الحجة (ع) فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الخ فبين انهم (ع) معادن لكلماته يعني انهم اعضاد لخلقه لان العلة المادية لجميع الخلق هو شعاع انوارهم فقد اتخذهم الله سبحانه اعضادا لخلقه يعني يخلق خلقه من شعاع انوارهم والخلائق من الاسباب والمسببات كلمات الله كما قال تعالى بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم فهم معادن لكلماته وجعلهم سبحانه اركانا لتوحيده لان المقام الذي لا فرق بينه وبين الله سبحانه الا انه عبده هو ظهوره للعبد بالعبد وهم (ع) تلك المظاهر كما يأتي في التمثيل بالقائم فانه لا فرق بينه وبين زيد الا انه ظهور زيد بالقيام فهو محدثه به وركنه القيام فحقيقتهم كالقيام وظهوره على تلك الحقيقة بها كالقايم والقايم هو المقام الذي يعرف زيدا به من عرف زيدا اي لا يعرف زيد الا به والمراد ان الله سبحانه لا يعرف الا بتلك المقامات وهي لا تتحقق الا بهم وفيهم كما ان القائم لا يتحقق الا بالقيام وفيه هذا معنى قول علي (ع) لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا فهم اركان توحيده وآياته كذلك ومقاماته وكونها لا تعطيل لها لانها وجه الله قال تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله وكون الاثبات لا يكون الا بالخلق لان ذاته تجل عن ادراك العقول وتوهم الاوهام لان العقول والاوهام انما تدرك انفسها وتشير الى نظائرها وما ذكرنا من المعرفة هي سبيل معرفتهم التي لا يعرف الله الا بها ومثال المقام الذي هو التوحيد القائم كما مر قبل هذا فانك اذا قلت القائم فهو صفة زيد وهو ظهور زيد بالقيام وليس هو زيدا ولم يستتر ضميره فيه وانما استتر فيه جهة فاعلية قيامه وتلك الجهة قائمة بزيد قيام صدور وقائمة في غيب قائم قيام ظهور وقائم قائم بها قيام تحقق لانها لا تظهر الا في قائم وقائم لا يتحقق الا بها لانها مبدء وجود قائم وهي حركة احدثها زيد بنفسها وهي ليست زيدا وانما هي حركته فالقائم مثال زيد وظهوره بفعله فاذا اردت ان تعرف زيدا فانما تعرفه بما احدث لك من امثاله ووصفه كالقائم والقاعد والمتكلم وهذا اي المشار اليه والمسمى بزيد وما اشبه ذلك من امثاله وصفاته وتوصيفاته فتعرفه بما وصف به نفسه وهو ما ظهر لك به من هذه الافعال والصفات وكلها غيره وهي وان كانت مثله بحيث يكون بينهما في جهة التعرف والتعريف والمعرفة مساواة لرجوع ذلك كله الى الصفات والذات عن ذلك كله بمعزل الا انها محدثة به صادرة عنه لا منه وهو قوله (ع) في الدعاء المتقدم لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فافهم فقول علي بن الحسين عليه السلام في الحديث المتقدم وهي والله آياتنا وهذه احدها وذلك في بيانه لقوله تعالى وكانوا بآياتنا يجحدون يشير الى ما ذكرنا وانهم ذووا الايات التي جحد بها الكافرون والمشركون وهم الذين نسوهم كما نسوا لقاء يومهم يوم القيمة وهذا المقام كله وهو مقام واليه يرجع الامر كله احد الآيات وهي تلك الفعلة التي فعل بهم حين حرك الخيط الاصفر وهي ولايتهم الا ان هذا اعلاها لانه ليس له شبه كما قال (ع) اما البيان فهو ان تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا اما ان ذلك ليس كمثله شيء فلأنه وصف الحق سبحانه نفسه للعباد فلا يشابه شيئا من الخلق واما انك تعبده فلانك تعبد الله الظاهر لك به حتى انه غيبه عن نفسه وعن المخلوقات فلا يتوجه العابد الا الى الذات مع انه ابدا لا يجدها ولا يفقدها حيث لا يجدها ابدا فهذا مقام السر المقنع بالسر وحق الحق وهو البيان والتوحيد وهذا المقام لهم حيث لا يجدون انفسهم شيئا ووجدوا الله ظاهرا في كل شيء قد جعله دكا ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها كان وحده لا يسمع فيها صوت الا صوته وهذا المقام لا يكون موضع الرسالة لانه مصدر الارسال فكيف يكون موضع الرسالة
والمقام الثاني مقام المعاني وباطن الباطن وهو سر السر وسر على سر وحق الحق ( باعتبار خ ) وهو كونهم معانيه تعالى يعني علمه وحكمه وامره الخ يعني علمه الذي وسع السموات والارض وحكمه على كل الخلق ونعمه على جميع خلقه وخيره الذي من به على الخلايق وجنبه الذي لا يضام من التجأ اليه وذمامه الذي لا يطاول ولا يحاول ودرعه الحصينة وحصنه المنيعة ورحمته الواسعة وقدرته الجامعة واياديه الجميلة وعطاياه الجزيلة ومواهبه العظيمة ويده العالية وعضده القوية ولسانه الناطق واذنه السميعة وحقه الواجب وهذا مثل قولك قيام زيد وقعوده وحركته وسكونه وتسلطه واياديه وامتنانه ومعاقبته وامثال ذلك فهذه معاني زيد فقولهم (ع) نحن معانيه كما تقدم في حديث جابر يراد منه نحو ما اشرنا اليه لان هذه المعاني بالنسبة الى الذات ليست شيئا الا بالذات فلا تحقق لها الا بالذات وانما تذوتها بالنسبة الى آثارها واعراضها فهي بالنسبة الى الذات اسماء معان بهذا المعنى وبالنسبة الى اثارها اسماء اعيان وذوات قائمة على اثارها واعراضها بما قبلت من امداداتها ولا يعني بالذات والعين الا هذا فهم في هذا المقام اعلى مقامات موضع الرسالة لانه مطارح ارسالات مواد الحيوة الوجودية من الماء الالهي والنفس الرحماني الثانوي في ايجاد الشرعيات الوجودية وايجاد الوجودات الشرعية وهذا هو الدواة الاولى وهو ن والقلم وما يسطرون والماء الذي جعل منه كل شيء حي والكتاب الاول ومفاتح ( مفاتيح خل ) الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وهو ارض الجرز والزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار
والمقام الثالث مقام الابواب وباطن الظاهر وسر لا يفيده الا سر والسفارة الى الله وترجمة وحي الله وبيانه انه اذا وقع الماء الاول على ارض الجرز والبلد الميت وبعبارة اخرى اذا استضاء الزيت عن النار وبعبارة اخرى اذا وقعت الدلالة من الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر على المعنى الميت في قلب العبد المؤمن ظهر على العبارة الاولى الزرع والنبات الطيب وعلى الثانية المصباح وعلى الثالثة المعنى والمراد من الزرع والنبات والمصباح والمعنى شيء واحد وهو الاسم الذي اشرقت به السموات والارضون وهو المعبر عنه عند اهل الاشراق بالعقل الكلي وعند اهل الشرع بالقلم والعقل المحمدي وقد يطلق عليه الروح المحمدي فلما ٱستوى عليه الرحمن اودع فيه غيوب الاشياء وهي معاني جميع الخلق فهو باب الله الى خلقه ولما امر العقل فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل اخرج منه رقائقها وصورها الى قوابلها فيما لا يزال فهو باب الله الى خلقه ولما تهيأت القوابل ( لقبول خ ) حياتها وجميع ما لها من ربها وقبلت كان ذلك القبول بواسطته فهو باب الخلق الى الله فلما امرهم بطاعته وامتثلوا امره قبل اعمالهم بواسطته والتوجه به الى الله فرفع به اعمالهم فهو باب الخلق الى الله وهذه الوساطة والترجمة والسفارة عامة في جميع الوجودات الشرعية والشرعيات الوجودية فهم (ع) في هذا المقام موضع الرسالة بالنسبة الى المقام الأول ( وخ ) محل وحيه ومهبط نوره ومسقط نجومه وهكذا بالنسبة الى المقام الثاني هم حفظة شريعته وموضع رسالته ( رسالة خل ) الثاني من الأول ليترجموا لمن دونهم الامدادات ممن هو فوقهم
والمقام الرابع مقام الامامة وهو الحق وهو الظاهر وهو السر المستسر وهو مقام حجة الله على خلقه وخليفته في ارضه افترض طاعته على جميع خلقه جعله الله قيما على العباد وحفيظا وشاهدا وداعيا الى الله وهاديا الى سبيله ووجهه الذي يتقلب في الارض وعينه الناظرة في عباده فكاك الازمات المعضلة وفاتح الحصون المقفلة والقصر المشيد والبئر المعطلة ملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين وامن الخائفين وعون المؤمنين فالامام في مقام الامامة هذا هو موضع الرسالة يعني ان جميع احكام الله التي اوحاها الى رسول الله (ص) عندهم فهم حفظته من حكم وعلم وفهم وذكر وفكر وغير ذلك فهم (ع) موضع الرسالة في الاحوال الثلثة كل مقام بحسبه بخلاف المقام الاول فانه لا يصلح للموضعية اذ ليس قبله ارسال ولو قرئ بجر موضع عطفا على بيت اي يا اهل موضع الرسالة جاز ويكون موضع الرسالة هو محمد (ص) فيلحظ في هذا المعنى الله اعلم حيث يجعل رسالته فيكون انما استحق ان يجعل موضعا للرسالة لنورية طينته واعتدال قابليته واستقامة سيرته وصفاء سريرته وعظم مسارعته الى طاعة ربه حتى انه تفرد في هذه الصفات وامثال ذلك من صفات الكمالات عن جميع ما خلق الله لم يساوه في شيء منها احد من الخلق ولم يدانه في شيء منها احد الا ابن عمه علي بن ابي طالب (ع) وابنته وبنيه ( وبنوه خل ) الائمة الطاهرين عليه وعليهم السلام اجمعين فهو امامهم في كل مقام من هذه المقامات الأربعة والواسطة بين الله تعالى وبينهم (ع) وباعتبار اخر الاربعة عشر معصوما هم صفات الله واسماؤه وآلاؤه ونعمه ورحمته الواسعة ورحمته المكتوبة وهم معانيه كما ذكرنا الاشارة اليه كما قلنا وهم وجه الله الذي يتوجه اليه الأولياء وهم اسم الله المبارك ذو الجلال والاكرام ووجه الله الباقي بعد فناء كل شيء والوجه الذي يتقلب في الارض ومقصد كل متوجه وسائر من مطيع حيث يحب الله ومن عاص حيث يكره الله وهم اوعية غيبه وهم ظاهره في سائر المراتب وجميع المعاني والمقامات آياتهم ظاهرة في الافاق وفي انفس الخلق ومعجزاتهم باهرة وهم ملوك الدنيا والاخرة اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد وقولي سابقا لو قرئ بالجر لم ارد به اني وقفت على نسخة بالجر وانما ذكرته احتمالا لبيان صحة المعنى على تقديره وانما نقرؤه بالفتح بمعنى ان جميع ما وصل الى محمد (ص) من العلوم وما ارسله الله به فقد وصل الى علي وفاطمة والطيبين من آله صلى الله عليهم اجمعين ففي الكافي عن حمران بن اعين عن ابي عبد الله (ع) قال ان جبرئيل (ع) اتى رسول الله (ص) برمانتين فاكل رسول الله (ص) احدهما وكسر الاخرى بنصفين فاكل نصفا واطعم عليا نصفا ثم قال له رسول الله (ص) يا اخي هل تدري ما هاتان الرمانتان قال لا قال اما الاولى فالنبوة ليس لك فيها نصيب واما الاخرى فالعلم فانت شريكي فيه فقلت اصلحك الله كيف يكون شريكه فيه قال لم يعلم الله محمدا (ص) علما الا وامره ان تعلمه عليا (ع) وعن محمد بن مسلم قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول نزل جبرئيل (ع) على محمد (ص) برمانتين من الجنة فلقيه علي (ع) فقال ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك فقال (ص) اما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب واما هذه فالعلم ثم فلقها رسول الله (ص) بنصفين فاعطاه نصفها واخذ رسول الله صلى الله عليه واله نصفها ثم قال (ص) انت شريكي فيه وانا شريكك فيه قال (ع) فلم يعلم والله رسول الله (ص) حرفا مما علمه الله تعالى الا وقد علمه عليا (ع) ثم انتهى العلم الينا ثم وضع يده على صدره وفيه عن سليم بن قيس الهلالي قال قلت لامير المؤمنين عليه السلام اني سمعت من سلمان والمقداد وابي ذر شيئا من تفسير القرآن واحاديث عن نبي الله (ص) غير ما في ايدي الناس الى ان قال علي (ع) وكنت اذا دخلت عليه بعض منازله اخلاني واقام عني نسائه فلا يبقى عنده غيري واذا اتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا احدا من بني وكنت اذا سألته اجابني واذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول الله (ص) آية من القرآن الا اقرأنيها واملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ودعا الله ان يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب الله تعالى ولا علما املاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا امر ولا نهي كان او يكون ولا كتاب منزل على احد قبله من طاعة او معصية الا علمنيه وحفظته فلم انس حرفا واحدا ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي ان يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا الحديث وروي الحسن بن سليمن الحلي عن كتاب تأويل ما نزل من القرءان لابي عبد الله محمد بن العباس بن مروان بسنده الى عمران بن ميثم ان عباية ( عبابة خل ) حدثه انه كان عند امير المؤمنين عليه السلام خامس خمسة هو اصغرهم يومئذ فسمع امير المؤمنين (ع) يقول حدثني اخي انه ختم الف نبي واني ختمت الف وصي واني كلفت ما لم يكلفوا واني لاعلم الف كلمة ما يعلمها غيري وغير محمد (ص) ما منها كلمة الا مفتاح الف باب بعد ما تعملون ( تعلمون ظ ) منها كلمة واحدة غير انكم تقرؤن منها آية واحدة في القران واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون وما تدرون بها ه اقول وروي الف باب ينفتح من كل باب الف باب ومن كل باب الف باب وروي الف حرف ينفتح من كل حرف الف حرف وفي الكافي عن الحارث بن مغيرة وعدة من اصحابنا منهم عبد الاعلى وابو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا ابا عبد الله (ع) يقول اني لاعلم ما في السموات وما في الارض واعلم ما في الجنة واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون قال ثم مكث هنية فراى ان ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب الله تعالى ان الله تعالى يقول فيه تبيان كل شيء ه والحاصل انهم عليهم السلام موضع الرسالة بهذه المعاني التي ذكرناها وما اشبهها لا بمعنى انهم رسل جعلهم محال الرسالة يوحي اليهم كما توهمه بعض الغلاة وقد كذبوا وانما هم محدثون صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : ومختلف الملائكة
اي محل ترددهم اي ينتهي ترددهم ابتداءا وانتهاءا اليهم للخدمة واكتساب الكمالات والعلوم منهم (ع) ولتبلغ ( ولتبليغ خل ) ما حتم وقضى من المقدرات فان الله سبحانه وتعالى ببديع حكمته جعل الملائكة رسلا في تبليغ الامدادات وتكميل الاستعدادات كما قال سيد الساجدين (ع) في الصلوة على الملائكة من الصحيفة قال (ع) ورسلك من الملائكة الى اهل الارض بمكروه ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخاء وكذلك في تبليغ الاحكام من المحتوم من خلق ورزق وموت وحيوة وما يحدث من كل مشاء ومراد ومقدر ومقضي وممضي ومكتوب ومؤجل ومأذون اليهم (ع) لانهم ابواب الفيض ومنبع الخير فالملائكة تأتي اليهم بما يبرز من الالهامات والقذوف وما تجري به الأقلام وتمضي به الأحتام مما تحت المشية من سابق علمه ومقدر حكمه وتبلغ الملائكة ما تنزل به عليهم عن امرهم الى ما يشاء الله من خلقه فهم (ع) ابواب الله تعالى في جميع ذرات الوجود في الصدور والورود فالملائكة المرسلون اليهم تتلقى ما تنزل به اليهم من انوارهم وامثال حقائقهم وتبلغه الى آثارهم وصورهم وبيوتهم ومواطنهم وغنمهم وانعامهم فهم يتلقون عنهم ويبلغونهم ما تلقوه الا انهم يأخذون عن غيبهم ويوصلونه الى شهادتهم ومثال ذلك في نفسك ان خواطرك التي ترد عليك بالتذكر والفهم والمعرفة حتى تستفيد منها العلوم والفهم والتذكر انما ترد عليك من قلبك وهذا مثال تلك الملائكة المرسلين في صدورهم بالوحي والالهامات من المبدء انما تصدر من انوار حقايق ال محمد عليهم السلام فهم المعلمون للخلق اجمعين روى الصدوق باسانيده عن عبد السلام بن صالح الهروي عن علي بن موسى الرضا (ع) عن ابيه عن ابائه عن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم قال قال رسول الله (ص) ما خلق الله خلقا افضل مني ولا اكرم عليه مني قال علي (ع) فقلت يا رسول الله (ص) فانت افضل او جبرئيل فقال (ص) يا علي ان الله تبارك وتعالى فضل انبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللائمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين امنوا بولايتنا يا علي لولا نحن ما خلق الله ادم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الارض فكيف لا نكون افضل من الملائكة وقد سبقناهم الى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه وتمجيده لان اول ما خلق الله عز وجل خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة انا خلق مخلوقون وانه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة الا اله الا الله وانا عبيد ولسنا بالهة يجب ان نعبد معه او دونه فقالوا لا اله الا الله فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة ان الله اكبر من ان ينال عظيم المحل الا به فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة ان لا حول ولا قوة الا بالله فلما شاهدوا ما انعم الله به علينا واوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة الحمد لله فبنا اهتدوا الى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ثم ان الله تبارك وتعالى خلق ادم فاودعنا صلبه وامر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا واكراما وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولادم اكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون افضل من الملائكة وقد سجدوا لادم كلهم اجمعون الحديث وعن حبيب بن مظاهر رضى الله عنه انه قال للحسين بن علي بن ابيطالب (ع) أي شيء كنتم قبل ان يخلق الله ادم (ع) قال كنا اشباح نور تدور حول عرش الرحمن فنعلم الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد كما تقدم مفصلا وعن ابن ابي عمير عن عمرو بن جميع عن ابي عبد الله (ع) قال كان جبرئيل (ع) اذا اتى النبي (ص) قعد بين يديه قعدة العبيد وكان لا يدخل حتى يستأذنه وروى الكليني في الصحيح عن ابي حمزة الثمالي قال دخلت على علي بن الحسين (ع) فاحتبست في الدار ساعة ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئا وادخل يده في وراء الستر فناوله من كان في البيت فقلت جعلت فداءك هذا الذي اراك تلتقطه أي شيء هو فقال فضلة من زغب الملائكة اي صغار ريشهم نجمعه اذا خلونا نجعله سبحا لاولادنا فقلت جعلت فداءك وانهم ليأتونكم فقال يا ابا حمزة انهم ليزاحمون على تكأتنا وعن ابي الحسن عليه السلام قال سمعته يقول ما من ملك يهبطه الله في امر ما يهبطه الا بدأ بالامام (ع) فعرض ذلك عليه وان مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى الى صاحب هذا الامر (ع) اقول ويجوز ان يكون معنى كونهم (ع) مختلف الملائكة ان ما اختلفت الملائكة به الى جدهم (ص) انه عندهم اي محل ما اختلفت به او المستحفظون له او ( وخل ) اختلاف الملائكة المقتضي لتعددهم وذلك لاختلاف جهات قوابل الملائكة واستمداداتهم منهم عليهم السلام في بدء خلقهم من انوارهم وفي استمداداتهم وتلقيهم منهم الكمالات والمعارف وسائر العلوم والتحملات في التأدية الى من شاء الله فان الملائكة في تلقي تلك الاشياء مختلفون في الجهات والافعال والمفعولات اختلافا عدد ذرات الوجود كل ملك يتحمل بحسب قابليته وما يناسبه وما هو من جنسه او نوعه او شخصه وكل ذلك الاختلاف والتباين والتمايز منحصر في جهتهم صلى الله عليهم اجمعين فلذا كانوا مختلف الملائكة والمعنى الأول هو الظاهر من العبارة الظاهرة وغيره مراد في المعنى والله اعلم
قال عليه السلام : ومهبط الوحي
اي محل هبوط الوحي بواسطة جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله كما تقدم لانهم الحافظون لما نزل به الوحي من احكام الذوات والصفات والافعال والاعمال والاقوال والاحوال يعني انهم محل ما هبط منها بالوحي الخاص الذي ينزل به الملك ظاهرا بالوحي وان اريد بالوحي ما هو اعم من هذا ومن الالهام وسماع الصوت وما نطقت به الجمادات والنباتات والحيوانات واحوالها وما نطق به احوال الكلام والالفاظ والاعراض فهم على الحقيقة محل ذلك وانما قيل مهبط الذي يراد منه المحل الذي ينزل فيه من المكان الذي هو اعلى منه مع انهم (ع) اعلى من هذا الهابط على الوجهين لان المراد بالهبوط اليهم ظهور ذلك على حقائقهم وعقولهم ونفوسهم وظواهرهم وفي كل مقام من هذه المهابط الاربعة ينزل فيه مما هو اعلى منه فينزل في حقائقهم من فعل الله وفي عقولهم من الماء الأول وفي نفوسهم من عقولهم وفي ظواهرهم من نفوسهم بواسطة الملائكة تحدثهم عن نفوسهم عن عقولهم عن حقائقهم عن الماء عن الفعل عن الله سبحانه وتعالى فان قلت ما الجمع بين ما ورد ان جبرئل (ع) قال عند موت النبي (ص) هذا آخر نزولي الى الدنيا والان اصعد الى السماء ولا انزل ابدا وان الائمة يسمعون الصوت ولا يرون الشخص وبين ما روي ان عليا (ع) كان يخطب في مسجد الكوفة فقال سلوني قبل ان تفقدوني فاتاه رجل فقال اخبرني اين جبرئل الان فرمق السموات ثم رمق الأرضين والجهات فقال للسائل انت جبرئل فقال صدقت فعرج الى السماء والناس ينظرون اليه وانهم (ع) تأتيهم الملائكة ويقعدون على فرشهم ويتكؤن على متكأتهم ( متكائهم خل ) ويرونهم قلت الجمع بينهما ان جبرئل (ع) بعد موت النبي (ص) لا ينزل الى الارض بوحي قط لانختام النبوة بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله وان نزل بغير وحي وان الائمة (ع) يسمعون صوت الوحي من الملك ولا يرون شخصه حين ينزل بالوحي وفي غير هذا الحال يرونهم ويقعدون معهم ويخبرونهم بكل ما يسئلونهم ويرونهم حين يأتون باحكام القضاء والامضاء الذي هو بيان ما ينزل ( نزل خل ) به الوحي على النبي (ص) واما انهم يسمعون الصوت ولا يرون الشخص فالمراد انهم اذا نزل الوحي على النبي (ص) بامر من الامور فانهم عليهم السلام يسمعون ما يسمع (ص) ولا يرون شخص الملك الذي ينزل بالوحي التأسيسي على النبي (ص) لان السماع والرؤية معا اعظم مظاهر الحق واظهر ولا تصلح الا للنبي (ص) والى هذا الاشارة في دعاء ليلة مبعث النبي صلى الله عليه وآله الليلة السابعة والعشرين من شهر رجب قوله (ع) اللهم اني اسألك بالتجلي الأعظم في هذه الليلة من الشهر المكرم ان تصلي على محمد وال محمد وان تغفر لنا ما انت به ( اعلم منا خل ) منا اعلم يا من يعلم ولا نعلم اللهم بارك لنا في ليلتنا هذه التي بشرف الرسالة فضلتها وبكرامتك اجللتها وبالمحل الشريف احللتها ويحتمل ان المراد ان الامام (ع) لا يرى شخص الملك النازل بالوحي محدثا له وانما يراه محدثا للنبي (ص) الا ان يحدثه ببيان الوحي الذي نزل قبل على النبي (ص) ويدل على انه يرى الملك النازل بالوحي على النبي (ص) قوله (ص) يا علي انك تسمع ما اسمع وترى ما ارى ولا ضرر في ذلك فانهم لا يرون الشخص النازل بالوحي التأسيسي عليهم لانه انما يرونه نازلا على النبي (ص) وانما كانوا (ع) مهبط الوحي مع ان مهبط الوحي هو رسول الله صلى الله عليه وآله لانهم (ع) امثاله ونفسه كما يشير اليه قوله تعالى في تأويل ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها فلما مات رسول الله (ص) اتى بعلي (ع) وهو مثله وكذلك علي والحسن والحسين الى الحسن العسكري عليهم السلام فلما مات العسكري اتى بخير منه وهو القائم (ع) لانه افضل الثمانية كما روي عن النبي (ص) انه قال تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم ويحتمل ان يكون بخير منها ليس للتفضيل بل المعنى نأت بخير كثير من الذي قبله وتكون ( من خل ) للأبتداء اي بدله ومثله وكذلك قوله تعالى وانفسنا وانفسكم فجعل عليا (ع) نفس الرسول (ص) وما يجري لعلي يجري لولده الطيبين عليهم السلام فيكون بهذا المعنى ايضا مهبط الوحي والوحي قد يراد به ( منه خل ) خصوص الالهام كما في قوله تعالى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا اي الهاما او من وراء حجاب كتكليمه موسى (ع) من الشجرة او يرسل رسولا كجبرئل فبهذه الارادة يكونون حقيقة مهبط الوحي لانهم مهبط الالهام من الملك العلام وكذلك بالحجاب وبارسال الملائكة ما خلا ما يختص بالنبوة والرسالة من الوحي التأسيسي والا ففي كل سنة الى فناء الدنيا في ليلة القدر تنزل الملائكة والروح فيها اي روح القدس وهو الملك الأعظم وهو المحدث لكل نبي وامام فينزل عليه مع الملائكة التي لا يحصى عددهم الا الله بما كان محتوما من الأمور المقضيات على امام العصر (ع) فيراهم ويسمعهم البتة الا ان الذي يأتون به ليس من الوحي التأسيسي وانما هو لبيان المحتوم مما عنده من الامور المشروطة فافهم
قال عليه السلام : ومعدن الرحمة
المعدن بكسر الدال مركز كل شيء من عدن بالمكان عدنا وعدونا اي اقام به وجنات عدن اي جنات اقامة لا زوال لأهلها ولا انتقال لهم عنها ومنه المعدن اي مستقر الجوهر وفي الحديث الناس معادن كمعادن الذهب والفضة لانهم يتفاوتون في الكمالات الشرعية على حسب استعداداتهم ففيهم الجيد والردي كالمعادن والرحمة لغة في الانسان رقة القلب وعطفه ويستعملونها في حق الله في عطفه وبره ورزقه واحسانه وعنايته وما اشبه ذلك وفي العرف الخاص الرحمة اعطاء كل ذي حق حقه وهو قوله تعالى الرحمن على العرش استوى انه سبحانه استوى برحمانيته على العرش فاعطى كل ذي حق حقه كقوله تعالى اعطى كل شيء خلقه ثم هدى فالعرش عبارة عن اركان اربعة لانه ينقسم اليها فالركن الأحمر استوى الرحمن عليه بصفة الخلق فعنه خلق كل شيء واستوى الرحمن على الركن الأصفر بصفة الحيوة فعنه احيى كل شيء واستوى الرحمن على الركن الأبيض بصفة الرزق فعنه رزق كل شيء واستوى الرحمن على الركن الأخضر بصفة الموت فعنه امات كل شيء وكون الرحمة اعطاء كل ذي حق حقه هو السر في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ثم استوى على العرش الرحمن فاسئل به خبيرا ثم استوى على العرش الرحمن يدبر الأمر وما اشبه ذلك ولم يقل الله على العرش استوى ثم الرحمة قسمان الرحمة الواسعة سميت بذلك لشمولها لجميع الخلق من مؤمن وكافر وصالح وطالح وجماد ونبات وحيوان وهي خير ( حيز خل ) الايجاد فهي وجود والوجود خير ( حيز ظ ) فمنها الفضل ومنها العدل وهي ( فهي خل ) صفة الرحمن فتعم المؤمن والكافر في الدنيا والثاني الرحمة المكتوبة وهي الرحمة الخاصة وهي محض الفضل في الحقيقة وان انقسمت في الظاهر الى فضل ومجازاة وهي صفة الرحيم فتخص المؤمن في الاخرة قال الله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء وهذه هي الرحمة الواسعة قال تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة وهذه هي الرحمة المكتوبة وهي خاصة بالمؤمنين قال تعالى وكان بالمؤمنين رحيما والروايات مختلفة هذا معنى رواية ومعنى اخرى تعلق الصفتين بالدنيا والاخرة ففي الدعاء يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما ووجه آخر وهو ان الرحمن اكثر حروفا من الرحيم وزيادة المباني تدل على زيادة المعاني فتكون الرحمن بالدنيا والاخرة والرحيم بالاخرة فعلى الأول عموم صفة الرحمن للمؤمن والكافر في الدنيا من جهة الفضل على المؤمن والعدل بالكافر او انه سبحانه قد تفضل على المؤمن بما يستحقه لا يمانه وعلى الكافر اتماما للنعمة لعله يتذكر نعمة الله او يخشى عقوبته عليها بترك شكرها او بزوالها او استدراجا كما قال تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون وانه قد اجرى عدله على المؤمن بان يؤاخذه بما يقع منه من الذنوب ولم يعف عنه فيبتليه بالمرض والفقر وموت النسل والهموم او يسلط عليه ظالما يؤذيه او جار سوء او امرأة تؤذيه او غير ذلك ليعلم الصابرين ويكون ما اصابه كفارة لما وقع منه من الذنوب وليعلم المؤمن ان الدنيا ليست بدار امن وثواب وراحة فلا يرغب في الركون اليها وانه قد اجرى عدله على الكافر جزاء بما كانوا يكسبون او ليرغب في الاسلام او ليكره الدنيا لان كثيرا ممن كفر انما كفر لرغبته في الدنيا اذ قد يكون عليه في الاسلام ذلة في زعمه بالانقياد الى اهل الاسلام او خوفا على فوات بعض حطامها وامثال ذلك فلا يسلم حرصا على الدنيا فأذا تبين له فساد الركون اليها وانه لا يدرك مطلوبه آمن او ان ذلك تقدمة لعذابه وغير ذلك وعلى الثاني يرحم المؤمن في الدنيا بأن يتفضل عليه بجزيل النعم انعاما لباله قال تعالى أليس الله باعلم بالشاكرين وان يعفو عن تقصيراته وسيئاته تفضلا فلا يؤاخذه بشيء من ذلك وهذا جهة الفضل من الرحمة الواسعة وذلك الفضل هو الرحمة المكتوبة فتجري على ذلك المؤمن بنعيم الأبد وملك لا يبلى وهذا صفة الرحيم وقد تجري صفة الرحيم على الكافر في الدنيا بأن ترفع عنه البلايا والمحن والفقر والهموم والامراض استدراجا او تذكيرا لنعمه عليه ولا تجري عليه في الاخرة الا على نحو لا يحس بها كما لو كانت له استحقاقات من الاعمال الظاهرة كما لو اعطي فقيرا شيئا من رقة قلبه ولم يجاز عليها في الدنيا ثم تفرق عليه في النار حتى يوفاها وهو في النار مفرقة بحيث لا يحس بالتخفيف وعلى الثالث ما يعلم مما تقدم وبالجملة الرحمة الواسعة تعم المؤمن والكافر في الدنيا والاخرة وهي صفة الرحمن والرحمة المكتوبة قد تعمهما في الدنيا والاخرة وقد تخص المؤمن في الاخرة الا انه لا يجري على المؤمن من الرحمة الواسعة في الاخرة الا جهة الفضل التي يطلق عليها الرحمة المكتوبة وفي الدنيا يشارك الكافر في الفضل والعدل الا انه على نحو اللطف به والتطهير له بخلاف جريان الرحمة الواسعة على الكافر فانها لا تجري عليه على نحو اللطف والتطهير فكونهم (ع) معدن الرحمة انهم معدن الرحمة الواسعة في الدنيا والاخرة بجميع معانيها ومعدن الرحمة المكتوبة في الدنيا والاخرة كذلك وذلك لانهم (ع) اولياء النعم وسيوف النقم واليه الاشارة بقوله تعالى حتى اذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد اذا هم فيه مبلسون فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب لانهم عليهم السلام مناة للخلق اي مبتلون ومختبرون ومقدرون للخلق في جميع الحركات والسكنات والارادات والاعمال والاعتقادات واذواد يذودون الاعداء عن الخير والأولياء عن الشر وبالجملة قال الحجة عليه السلام في دعاء كل يوم من شهر رجب اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد الخ ومن اتصف بهذه الصفات فهو معدن الرحمة الواسعة ومحلها الذي وسعها فاعضاد اشارة الى مفهوم قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فهم (ع) قد اشهدهم خلق السموات والارض وخلق من اسكنهما من جنه وانسه وملائكته وسائر ما برأ وذرأ وما احدث من جماد ونبات وحيوان واشهدهم خلق انفسهم واتخذهم اعضادا لخلقه لانهم الهادون واتخذ الهادين عضدا ومعنى انه سبحانه اتخذهم اعضادا لخلقه ان الشيء لا يتقوم الا بمادته وصورته لتوقف وجوده على العلة المادية والعلة الصورية ولما خلق الله محمدا (ص) سراجا منيرا اشرق نوره حتى ملأ العمق الاكبر فخلق الله مواد الاشياء غيبها وشهادتها ماديها وغير ماديها وجواهرها واعراضها من نور محمد صلى الله عليه وآله ولما خلق الله عليا عليه السلام قمرا منيرا اشرق نوره حتى ملأ العمق الاكبر فخلق سبحانه صور الاشياء غيبها وشهادتها ماديها وغير ماديها وجوهرها واعراضها من نور علي (ع) فالمادة هي الأب والصورة هي الأم والى هذا اشار (ص) انا وعلي ابوا هذه الامة وفي الحديث عن الصادق (ع) بيان ذلك قال (ع) ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لأبيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ولا شك ان الصبغ هو الصورة وهي الام فتفهم فالمادة والصورة اللتان هما العلتان اللتان لا يتقوم الشيء الا بهما هما ركنا الشيء وعضده فقد اتخذهم اعضادا لخلقه واشهاد اي ان الله جعلهم شهداء على خلقه يعني يشهدون اعمالهم فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون واحوالهم واقوالهم وجميع حركاتهم وسكناتهم لا يغيب عنهم شيء من احوال الخلق وفي عيون الاخبار ان الرضا عليه السلام سأله بعض من حضر من الفقهاء واهل الكلام من الفرق المختلفة في مجلس المأمون فقال يا ابن رسول الله بأي شيء تصح الامامة لمدعيها قال بالنص والدليل قال له فدلالة الامام في ما هي قال في العلم واستجابة الدعوة قال فما وجه اخباركم بما يكون قال ذلك بعهد معهود الينا من رسول الله (ص) قال فما وجه اخباركم بما في قلوب الناس قال له اما بلغك قول رسول الله (ص) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال بلى قال فما من مؤمن الا وله فراسة لنظره بنور الله على قدر ايمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله للائمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين وقال عز وجل في محكم آياته ان في ذلك لا يات للمتوسمين فاول المتوسمين رسول الله صلى الله عليه وآله ثم امير المؤمنين عليه السلام من بعده ثم الحسن والحسين والائمة من ولد الحسين الى يوم القيمة قال فنظر المأمون فقال يا ابا الحسن زدنا مما جعل الله لكم اهل البيت فقال الرضا (ع) ان الله تبارك وتعالى قد ايدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك لم تكن مع احد ممن مضى الا مع رسول الله (ص) وهي مع الائمة منا تسددهم وتوفقهم وهو عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل الحديث اقول فبهذا العمود النور يشهدون جميع اعمال العباد وهذا العمود قد يسمى ملكا في بعض الاخبار وفي بعض الاخبار ما معناه ان الله يعطي وليه عمودا من نور يرى فيه اعمال الخلائق كما يرى احدكم الشخص في المرءاة وبالجملة فالمراد بكونهم اشهادا انهم لا يخفى عليهم شيء من اعمال الخلائق فهم يشاهدونهم وانهم يشهدون على من وفى بما وفى ومن انكر بما انكر وفي الكافي عن سماعة قال قال ابو عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال نزلت في امة محمد (ص) خاصة في كل قرن منهم امام منا شاهد عليهم ومحمد (ص) شاهد علينا وفيه عن بريد العجلي قال سألت ابا عبد الله عن قول الله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس قال (ع) نحن الامة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في ارضه قلت قول الله ملة ابيكم ابراهيم قال (ع) ايانا عني خاصة هو سميكم المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرءان ليكون الرسول عليكم شهيدا فرسول الله (ص) الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تعالى ونحن الشهداء على الناس فمن صدق صدقناه يوم القيمة ومن كذب كذبناه وفي حديث ليلة القدر منه ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (ص) علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على الناس فرسول الله (ص) شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في ارضه ونحن الذين قال الله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا ( لتكونوا الخ خل ) ه واما ما دلت عليه الأخبار من ان تلك الشهادة انما هي بروح القدس لانه هو الذي يسددهم ويحدثهم بل في بعضها ان الامام (ع) اذا غاب عنه الملك المحدث لا يعلم ويغفل فالمراد به العقل الأول عند الحكماء وهو القلم وهو عقل محمد (ص) وعقلهم (ع) فهو ينتقل فيهم كصورة الوجه المنتقلة في مرءاة من اخرى مقابلة لها ولهذا ورد انه لم يكن مع احد قبلهم الا رسول الله (ص) وفي الكافي روى ابو بصير قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال خلق اعظم من جبرئل وميكائيل لم يكن مع احد ممن مضى غير محمد (ص) وهو مع الائمة (ع) يسددهم وليس كلما طلب وجد ه قوله (ع) وليس كلما طلب وجد ان التوجه من المخلوق له اجل عند الله فحصوله له لا يكون الا بمشية من الله وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب وهذا حكم يشترك فيه جميع الخلق اذ ما بالفعل مطلقا ابدا بلا غيبة ولا طلب حكم الواجب سبحانه وتعالى وما ورد بأنه يكون مع سائر الانبياء (ع) لا ينافي انه لم يكن مع احد ممن مضى غير محمد (ص) لان المراد من كونه مع الانبياء (ع) بوجه من وجوهه يعني مظهرا من مظاهره ولا يحيط به احد غير الاربعة عشر (ع) والى ذلك الاشارة بقوله تعالى حكاية عن عيسى (ع) تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب وقول الرضا عليه السلام كما تقدم ان تلك الروح المقدسة ليست بملك وقول الصادق (ع) خلق اعظم من جبرئل (ع) مع ما ورد انه ملك يراد منه انه ليس بملك بسيط مفرد ليس بجامع مملك بل هو جامع مملك وكونه ملكا انه ليس ببشر والمعنى ان الملك بمنزلة جزء الانسان والانسان بمنزلة ملك وشيطان فهو جامع بالنسبة الى الملك ومملك ولا تملك في الملك ولا جامعية وهذه الروح جامعة لها خلق من دونها وليس ببشر يجري عليه احكام التغير والتبدل ( التغيير والتبديل خل ) ظاهرا وبالجملة بيان هذه المسئلة كما ينبغي يطول به الكلام ومناة جمع ما ن وهو المقدر او المبتلى او المبتلى به فمعنى المقدر انهم محال القدر والتقدير ووضع حدود الأشياء ومقاديرها في الكم والكيف والأين والمتى والوضع والرتبة والمكان والأجل والاذن والكتاب والنسب والاضافات وذلك في الاسباب والمسببات قال الله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ومعنى المبتلى انه يهدي ويضل فيستنطق الطبائع بما انطوت والسرائر بما اضمرت والحقائق بما اسرت فبذلك كل يسر لما خلق له وكل عمل بعمله ومعنى انه مبتلى به انه محنة الخلق من الانبياء والمؤمنين والملائكة والناس اجمعين بل جميع الموجودات كما ان عليا (ع) سبب ابتلاء ايوب (ع) قال علي (ع) لما كان عند الانبعاث للنطق ( للمنطق خل ) شك ايوب (ع) وبكى وقال هذا خطب جليل وامر جسيم قال الله عز وجل يا ايوب أتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت ادم بالبلاء فوهبته له بالتسليم عليه بامرة المؤمنين فانت تقول خطب جليل وامر جسيم فوعزتي لاذيقنك من عذابي او تتوب الى بالطاعة لامير المؤمنين ثم ادركته السعادة بي يعني انه تاب الى الله واذعن بالطاعة لامير المؤمنين صلى الله عليه وعلى ذريته الطيبين ومعنى المبتلى به ان الابتلاء هو الاختبار بالتكليف الشاق بان يؤمر الشخص او ينبه بما لا يعرف حقيته ( حقيقته خل ) بعقله بل يعرف عدم حقيته كما قد يعرض لكثير من المكلفين وقد يظهر له من التكليف احتمال لا ينبغي كما سمعت مما روي عن ايوب بل اكثر الانبياء (ع) وان كان ذلك الاحتمال لا يوجب المعصية ولكنه ينقص كمال ما ينبغي في حق المقربين كما روي ان حسنات الابرار سيئات المقربين فيعرض ذلك الاحتمال الموجب لترك الاولى في حق الانبياء (ع) فلأجل قربهم يؤاخذون ويبتلون وفي الحديث ما معناه ان في الصراط عقبات كؤدا لا يقطعها بسهولة الا محمد واهل بيته (ص) وتلك العقبات يعثر فيها الخلق والعثرات تختلف فمنها عثرات عظيمة كما في كثير من غير المعصومين كثير منها مهلك لا يتلافى وكثير منها مهلك يتلافى ومنها عثرات اهل العصمة من الانبياء (ع) وهي عثرات في حقهم خاصة واما في حق الناس فلا يلتفت الولي اليها فاذا وقعت من الانبياء عوتبوا فكان الأصل كله في تلك العثرات المهلكة وغيرها التقصير في ولايتهم (ع) فهم المبتلى بهم وهم المبتلون والى هذا الاشارة بقوله تعالى وان كنا لمبتلين واذواد جمع ذائد يذودون وليهم عن الشر وعدوهم عن الخير كما تقدم ومنه حديث ابي الطفيل عامر بن واثلة قال قلت يا امير المؤمنين اخبرني عن حوض النبي (ص) في الدنيا ام في الاخرة قال (ع) بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي وليصرفن عنه اعدائي وفي رواية ولأوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي اقول قد تقدم ما يدل على هذه الرواية ويأتي ان شاء الله تعالى وحفظة جمع حافظ والمراد انهم (ع) يحفظون على العباد اعمالهم واليه الاشارة بقوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون واحاديث عرض الاعمال عليهم واحاديث انهم الشهداء على الخلق دالة على ذلك اذ لا يشهدون على ما لا يحفظونه ومعنى اخر لكونهم (ع) حفظة وهو انهم مناة اي مقدرون لكونهم محال قدر الله تعالى ومظاهره فيبعثون بامر الله ملائكة يحفظون كل نسمة فلا يأتيه حجر ولا صائب ولا يقع من شاهق الا وحفظته الملائكة من كل ما يرد عليه من مكروه حتى يقدر الله سبحانه ذلك فيرد قدره على قلب الولي من ال محمد (ص) فيأمر الملائكة الحفظة عن امر الله ان يكفوا عن الحفظ والدفاع فيكفون فيصيبه ما قدر له وهو تأويل قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله وتأويل قوله تعالى ان كل نفس لما عليها حافظ فملائكة تحفظ عنهم اعمال العباد وتعرضها عليهم وملائكة تحفظ عنهم مقدرات الأسباب حتى يظهر وقت الاصابة ويحضر فيجري كما قدروا وملائكة تحفظ عنهم اعمال العباد وتكتبها في كتب المكلفين وهم غير الذين يحفظون الاعمال ويعرضونها على الخليفة من ال محمد (ص) وهؤلاء يعرضون على محمد (ص) ثم من بعده على علي (ع) ثم الحسن ثم الحسين ثم القائم ثم الائمة الثمانية ثم على فاطمة عليهم اجمعين افضل الصلوة وازكى السلام ورواد جمع رائد وهو الرائد الذي يتقدم القوم لينظر لهم الكلأ ومساقط القطر وفي الحديث النبوي الحمي رائد الموت وحرها من فيح جهنم وهي حظ كل مؤمن ومؤمنة من النار اي رسوله فهم (ع) رواد الخلق يقودونهم بوضع اسباب التيسير وتقديرها بامر الله حتى يصل كل واحد من الخلق الى مقر اعماله من سعادة وشقاوة ويتقدمون السعيد بما له عندهم من الخيرات حتى يضعوه في دار اعماله ويسوقون الشقي بما له مما كسبت يداه حتى يضعوه في دار اعماله والحاصل كلما سمعت مما اشرنا اليه مما ينسب لهم واليهم ومنهم كله وما لم تسمع هو آثار تلك الرحمة التي هم معدنها لما ذكرنا قبل من ان الرحمة المشار اليها هي التي ظهر بها الرحمن واستوى على عرشه وهي صفة الرحمن والى هذا الاشارة في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن
قال عليه السلام : وخزان العلم
الخزان كرمان جمع خازن بمعنى انهم ولاة خزاين علم الله وبمعنى انهم عين خزاين علم الله وبمعنى انهم مفاتيح تلك الخزائن كما ورد في تفسير قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين منها ما في العياشي عن الحسين بن خلف قال سألت ابا الحسن (ع) عن قول الله عز وجل وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فقال الورقة السقط يسقط من بطن امه من قبل ان يهل الولد قال فقلت وقوله ولا حبة قال يعني الولد في بطن امه اذا اهل ويسقط من قبل الولادة قال قلت وقوله ولا رطب قال يعني المضغة اذا استكنت في الرحم قبل ان يتم خلقها قبل ان تنتقل قال قلت قوله ولا يابس قال الولد التام قال قلت في كتاب مبين قال في امام مبين فدل هذا الحديث على ان الامام عليه السلام هو الكتاب فهو خزانة علم الله وفي الفقيه خطبة علي (ع) وفيها وما تسقط من ورقة من شجرة ولا حبة في ظلمات الأرض الا يعلمها لا اله الا هو ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وهذا يدل على ان الامام هو الكتاب والله سبحانه يعلم ذلك حيث سجله في كتابه فهو (ع) خزانة علم الله وفي احتجاج الطبرسي عن ابي عبد الله (ع) في حديث طويل وفيه قال لصاحبكم امير المؤمنين قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب وقال الله عز وجل ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وعلم هذا الكتاب عنده ه وهذا يدل على ان الامام ولي خزانة علم الله وفي التوحيد والمعاني والمجالس عن الصادق (ع) لما صعد موسى (ع) الى الطور فنادي ربه قال يا رب ارني خزائنك قال يا موسى انما خزانتي اذا اردت شيئا ان اقول له كن فيكون وهذا يدل على انهم مفاتح الخزائن ووجه الاستدلال انهم (ع) اخبروا انهم محال مشية الله وفي هذا الحديث ذكر ان الخزانة المشية ولا جائز ان يكون الامام يصرف المشية او يتصرف فيها لنجعل انهم اولياء الخزانة لان الامام (ع) لا يجد لنفسه اعتبارا مع المشية بل هو يتقلب في مشية الله كيف شاء لا مشية له ولا انهم عين المشية ليكونوا عين الخزانة ولكنهم ابواب المشية ومفاتح الاستفاضة منها لانهم اعضاد العباد وروي عن السجاد (ع) في تفسير قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه ان في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر والبحر وهذا الحديث يدل بما يحتمل على الثلثة الوجوه ( الوجوه الثلثة خل ) الاول ان العرش هو الخزانة وهم مفاتح الاستفاضة واعضاد الفيض والثاني انهم ولاة ذلك الفيض المقدرون له واولوا الوساطة في قوام الفيض والمستفيض والثالث ان العرش هو قلب النبي (ص) وقلوبهم (ع) فهم تلك الخزانة والعلم الذي هم خزانه العلم الحادث وهو علم موجود بالمعنى المتعارف وهو قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء يعني ان ما لم يشأ من علمه ان يعلموه لا يحيطون به وليس المراد بهذا العلم الذي لا يحيطون بشيء منه هو القديم الذي هو الذات ليكون المعنى ولا يحيطون بشيء من ذاته الا بما شاء ان يحيطوا به منها وهذا معنى باطل بل المراد به شيئان احدهما ان العلم الحادث الذي هو غير الذات منه ممكن مقدور غير مكون ومنه تكوين ومنه مكون فالممكن المقدور غير المكون هو الممكنات قبل ان تكسي حلة الوجود في جميع مراتب الوجود فهذه لم تكن مشاءة الا في امكانها فهذا لا يحيطون بشيء منه احاطة وجود ويحيطون به احاطة امكان لانه اذ ذاك مشاء مشية امكان والتكوين الممكن وهذا يحيطون به لانه مشاء بنفسه وهم محال ذلك والمكون قسمان مكون مشروط ومكون منجز والمكون المشروط يحيطون به لانه مشاء ولا يحيطون بالشرط الا بعد ان يكون مشاء والمكون المنجز يحيطون به ثم ما كانوا يحيطون به قسمان قسم كان وهم يحيطون به انه كان ولا يحيطون به انه مستمر او منقطع الا احاطة اخبار وقسم لم يكن فهم يحيطون به احاطة اخبار ايضا لا احاطة عيان فظهر لمن نظر وابصر من هذا التفصيل انهم (ع) لا يحيطون بشيء من علمه الذي هو غير ذاته الا بما شاء ان يحيطوا به والذي شاء ان يحيطوا به ما سمعته في هذا التفصيل فافهم وثانيهما ان ما احاطوا به وعلموه لم يكونوا علموا شيئا منه الا بتعليم الله سبحانه ولم يكن تعليمه لهم انه اعلمهم ورفع يده عنه فيكون ذلك الشيء لا يحتاج الى الله تعالى ( الله خ ) عن امكان استغناء شيء عنه علوا كبيرا بل ما علموه انما هو بتعليم الله لهم في ( كل خ ) لحظة بمعنى انهم اذا علموا ان غدا تطلع الشمس ان شاء الله ما ملكوا من هذا العلم شيئا الا لحظة علمهم بذلك حين علموا لا قبلها ولا بعدها ولم يعلموا بعد تلك اللحظة ما علموه من ان الشمس تطلع غدا ان شاء الله الا بتعليم جديد من الله تعالى كما هو حال المحتاج الى الغني المطلق وذلك التعليم الدائم القائم حين يكون هو ما شاء الله وهو الذي يحيطون به وهو ما ملكوه من العلم فافهم فانه دقيق لطيف رشيق والعلم الذي هم خزانه هو هذان الشيئان من العلم على نحو ما ذكرنا لا غير ففي الكافي عن ابي جعفر عليه السلام قال والله انا لخزان الله في سمائه وارضه لا على ذهب ولا فضة الا على علمه وفيه عن سدير عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداك ما انتم قال نحن خزان علم الله ونحن تراجمة وحي الله نحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الارض وفيه عن ابن ابي يعفور قال قال ابو عبد الله (ع) يا ابن ابي يعفور ان الله واحد متوحد بالوحدانية متفرد بامره فخلق خلقا فقدرهم لذلك الامر فنحن هم يا ابن ابي يعفور فنحن حجج الله في عباده وخزانه على علمه والقائمون بذلك وفيه عن علي بن جعفر عن ابي الحسن موسى عليه السلام ان الله تعالى خلقنا فاحسن خلقنا وصورنا فاحسن صورتنا وجعلنا خزانه في سمائه وارضه ولنا نطقت الشجرة وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عبد الله وامثال ذلك كثير ومعنى الخزان ما مر عليك والمراد من العلم المخزون عندهم ما سمعت
قال عليه السلام : ومنتهى الحلم
المنتهى هو الغاية التي ليس وراءها للشيء المنتهى ذكر غير انه مقدور والحلم عدم المسارعة الى المعاقبة مع القدرة وذلك يكون عن العلم بالعواقب فيؤخر العقوبة اما لكرم النفس وذلك هو العفو والتجاوز والمسامحة قال الله تعالى والعافين عن الناس فقد مدح العفو عن الناس باكمل مدح قال والله يحب المحسنين فجعلهم اهل محبته واما للعلم بعدم الفوات وذلك هو الاناة وعدم الاستعجال وفي الدعاء وانما يعجل من يخاف الفوت والتؤدة وهو التأني والتثبت في الامور والتأني عدم المبادرة في الامور بلا روية وهو يثمر العلم بالأصلح واما لكون عدم المسارعة ابلغ في الانتقام كما اشار سبحانه اليه بقوله الحق قل للذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون فامر الله نبيه ان يأمر المؤمنين بعدم الانتقام من المجرمين لانهم اذا انتقموا منهم لم يكن لهم حق فاذا اعرضوا عن القصاص جازاهم الله باعمالهم والله اشد بأسا واشد تنكيلا وهو من العلم وفيما اجاب به النبي (ص) لشمعون بن لاوي ابن يهودا من حواري عيسى (ع) حين سأله عن العقل الى ان قال (ص) فتشعب من العقل الحلم ومن الحلم العلم ومن العلم الرشد ومن الرشد العفاف ومن العفاف الصيانة ومن الصيانة الحياء ومن الحياء الرزانة ومن الرزانة المداومة على الخير ومن المداومة على الخير كراهة الشر ومن كراهة الشر طاعة الناصح فهذه عشر اصناف من انواع الخير ولكل واحد من هذه العشر الأصناف انواع فاما الحلم فمنه ركوب الجميل وصحبة الابرار ورفع من الضعة ورفع من الخساسة وتشهي الخير وتقرب صاحبه من معالي الدرجات والعفو والمهل والمعروف والصمت فهذا ما تشعب ( يتشعب خل ) للعاقل بحلمه واما العلم فيتشعب منه الغنى وان كان فقيرا والجود وان كان بخيلا والمهابة وان كان هينا والسلامة وان كان سقيما والقرب وان كان قصيا والحياء وان كان صلفا والرفعة وان كان وضيعا والشرف وان كان رذلا والحكمة والحظوة ( الخطوة خل ) فهذا ما يتشعب للعاقل بعلمه فطوبى لمن عقل وعلم واما الرشد فيتشعب منه السداد والهدى والبر والتقوى والمنالة والقصد والاقتصاد والثواب والكرم والمعرفة بدين الله فهذا ما اصاب العاقل بالرشد فطوبى لمن اقام على منهاج الطريق واما العفاف فيتشعب منه الرضا والاستكانة والحفظ والراحة والتفقه والخشوع والتذكر والتفكر والجود والسخاء فهذا ما يتشعب للعاقل بعفافه ورضي بالله وبقسمه واما الصيانة فيتشعب منها الصلاح والتواضع والورع والانابة والفهم والأدب والاحسان والتحبب والخير واجتناب الشر فهذا ما اصاب العاقل بالصيانة فطوبى لمن اكرمه مولاه بالصيانة واما الحياء فيتشعب منه اللين والرأفة والمراقبة لله في السر والعلانية والسلامة واجتناب الشر والبشاشة والسماحة والظفر وحسن الثناء على المرء في الناس فهذا ما اصاب العاقل بالحياء فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته واما الرزانة فيتشعب منها اللطف والحزم واداء الامانة وترك الخيانة وصدق اللسان وتحصين الفرج واستصلاح المال والاستعداد للعدو والنهي عن المنكر وترك السفه فهذا ما اصاب العاقل بالرزانة فطوبى لمن توقر ولمن لم تكن له خفة ولا جاهلية وعفا وصفح واما المداومة على الخير فيتشعب منه ترك الفواحش والبعد من الطيش والتحرج واليقين وحب النجاة وطاعة الرحمن وتعظيم البرهان واجتناب الشيطان والاجابة للعدل وقول الحق فهذا ما اصاب العاقل بمداومة الخير فطوبى لمن ذكر ما امامه وذكر قيامه واعتبر بالفناء واما كراهية الشر فيتشعب منه الوقار والصدق والنصر والصبر والاستقامة على المنهاج والمداومة على الرشاد والايمان بالله والتوفر ( والتوقير خل ) والاخلاص وترك ما لا يعنيه والمحافظة على ما ينفعه فهذا ما اصاب العاقل بالكراهة للشر فطوبى لمن اقام الحق لله وتمسك بعري سبيل الله واما طاعة الناصح فيتشعب منها الزيادة في العقل وكمال اللب ومحمدة العواقب والنجاة من اللوم والقبول والمودة والاسراج والانصاف والتقدم في الامور والقوة على طاعة الله فطوبى لمن سلم من مصارع الهوى فهذه الخصال كلها تشعبت من العقل الحديث اقول ان الحلم تشعب من العقل وما بعده تشعب منه فهذه مائة خصلة تشعبت من الحلم وكل واحدة من هذه الخصال المائة لها مراتب باعتبار اختلاف مراتب من اتصف بها وعملها وقد قاموا (ع) بجميع مراتب هذه الخصال على اعلى حدود الممكن منها فهم منتهى الحلم وانما جمعوا تلك المراتب بجميع نهاياتها لانها كلها قد تشعبت من العقل الكامل ولم يكمله الله الا فيمن يحب وهم صلى الله عليهم اجمعين اهل محبة الله وربما يطلق على العقل لتشعبه اي الحلم منه فهذه فروع الحلم في الشهادة واصولها في الغيب وهم (ص) منتهى طرفيه فافهم
قال عليه السلام : واصول الكرم
اصول جمع اصل وهو ما يبتني عليه شيء والكرم هو سخاء النفس بما تحب فيدخل فيه القيام بأوامر الله ونهيه ومنه قوله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم اي اشدكم تقوى لله سبحانه ثم الكرم الذي هو السخاء وبذل الفواضل للمستحقين له مراتب اعلاها في الامكان الراجح وهم في هذا المقام محاله ثم هم بعد ذلك هم اصول الكرم يعني ينابيعه ومفاتيحه وفي الدرة الباهرة من اصداف الطاهرة في كلام ابي محمد العسكري (ع) واسباطنا خلفاء الدين وحلفاء اليقين ومصابيح الأمم ومفاتيح الكرم والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فقوله (ع) مفاتيح الكرم يراد به كونهم محال ذلك الكرم فعنهم يصل الى غيرهم فلذا كانوا مفاتيح الكرم وكذا قوله (ع) والكليم البس حلة الاصطفاء يعني ان موسى (ع) لما عهدنا اليه بولايتنا والتسليم لنا والرد الينا فاجاب ووفي لنا وعهدنا ذلك منه جعلناه من المصطفين الأخيار وروح القدس المعبر عنه بالعقل الأول عند الحكماء وبالعقل والقلم والحجاب الأبيض وما اشبه ذلك عند اهل الشرع (ع) اول من اكل من باكورة ثمار الجنان التي غرسناها بايدينا فان تلك الحدائق التي في جنان الصاقورة غرسوا فيها من كل شيء فاول ما نبت روح القدس ومعناه ظاهرا انه لما فاض الوجود على ارض القابليات كان اول ما وجد هو العقل الاول المسمى بروح القدس لا جبرئل (ع) وان كان يسمى بروح القدس كما قال تعالى قل نزله روح القدس من ربك بقرينة نزل به الروح الأمين على قلبك ومعنى قوله روح القدس في جنان الصاقورة اي في اعلى عليين من الجنان والصاقورة في اللغة باطن القحف المشرف على الدماغ والسماء الثالثة والمراد به هنا العرش لانه هو سقف الجنان وهو من الوجود كقحف الرأس على الدماغ وكان روح القدس اول من وجد في الجنة والجنة اول الموجودات والباكورة اول الثمرة والمراد ان اول من قبل الايجاد روح القدس وهو ذوقه الباكورة وفي بعض الأخبار انه اول غصن من شجرة الخلد فهم اصل ذلك الفيض فمن الكرم الذي به كانوا هم تكرموا على روح القدس بوجوده وبما اودع فيه حين قال الله له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فأفاض روح القدس من الكرم الذي حملوه على جميع الموجودات بوجوداتها فخرج كل شيء يحمد الله على نعمه ويشكره على آلائه وهم (ع) آلاؤه ونعمه واحسانه على جميع من دونهم وهو تأويل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما على من قصر في ولايتهم غير معاند ولا مستكبر غفورا لمن تاب واتبع سبيله وفي الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه والسلام على ارواحكم واجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقولنا سابقا اعلاها في الامكان الراجح ان ما وراء ذلك من الكرم الذاتي يتعالى عن البيان والنسبة الى المكان وما دون ما في الامكان الراجح من الكرم فهم صلوات الله عليهم اصوله والى ما لوحنا اليه في هذه الاشارات الاشارة بقول علي (ع) انا فرع من فروع الربوبية وقد قلت في قصيدة ( قصيدتي خل ) في مرثية الحسين (ع) بيتا يناسب ذكره هنا وهو :
فراحتا ( وراحتا خل ) الدهر من فضفاض جودهم مملوئتان وما للفيض تعطيل
اي ان راحتي الدهر من جودهم الفياض على قابليات الممكنات بواسطة الدهر او ان المراد بالدهر اهلوه مملوئتان وفيض جودهم على القابليات لا تعطيل له ابد الأبدين ودهر الداهرين وصلى الله على محمد وآله الاكرمين الطيبين الطاهرين
قال عليه السلام : وقادة الامم
القادة جمع قائد وهو الجاذب للشيء الى غاية والجار اليه وفي الحديث عن علي (ع) قريش قادة ذادة اي يقودون الجيوش والامم جمع امة والمراد بها هنا ( هيهنا خل ) جماعة من الخلق ارسل اليهم نذير وانما قلنا من الخلق لان الأمة لا تختص بالانسان ولهذا قال تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون فيكون كل جماعة من الخلق من الانسان وغيره امة وان من امة الا خلا فيها نذير فدل الكتاب على ما يدل العقل عليه من ان كل جماعة امة فقوله (ع) قادة الأمم انهم (ع) قادة الأمم الى معرفة الله ودينه فمن اجاب قادوه الى المعرفة لانهم يقودون الشخص بدعائهم وتعريفهم وامرهم وترغيبهم الى المعرفة والدين فمن اجاب قادوه بالمعونة والتأييد بالمدد والدعاء فاذا استجاب وعمل قادوه الى الجنة وان لم يجب ساقوه بانكاره وعدم قبوله الى عدم الاستجابة فان لم يعمل بما امر به كما لم يقبل في الدعاء ساقوه الى الانكار وذادوه بانكاره عن الاقرار ودعوه الى نار جهنم وبئس المصير فهم المعلمون للأمم في كل عالم فهم الداعون الهادون لكل خلق النجدين طريق الخير وطريق الشر فلا يهتدي احد الا بهداهم ولا يضل ضال بخروجه عن الهدى الا بترك ولايتهم يدل على هذا ما روي في الكافي عن ابي الصامت الحلواني عن ابي جعفر (ع) قال فضل امير المؤمنين (ع) ما جاء به اخذ به وما نهى عنه انتهى عنه جرى له من الطاعة بعد رسول الله (ص) ما لرسول الله (ص) والفضل لمحمد (ص) المتقدم بين يديه كالمتقدم بين يدي الله ورسوله (ص) والمتفضل عليه كالمتفضل على رسول الله (ص) والراد عليه في صغيرة وكبيرة على حد الشرك بالله فان رسول الله (ص) باب الله الذي لا يؤتى الا منه وسبيله الذي من سلكه وصل الى الله تعالى وكذلك كان امير المؤمنين من بعده وجرى للائمة واحدا بعد واحد جعلهم الله اركان الارض ان تميد باهلها وعمد الاسلام ورابطة على سبيل هداه لا يهدى هاد الا بهداهم ( بهديهم خل ) ولا يضل خارج من الهدى الا بتقصير عن حقهم امناء الله على ما اهبط من علم او عذر او نذر والحجة البالغة على من في الارض يجري لاخرهم من الله مثل الذي جرى لأولهم ولا يصل احد الى ذلك الا بعون الله تعالى وقال امير المؤمنين (ع) انا قسيم الله بين الجنة والنار لا يدخلها داخل الا على حد قسمي الحديث وبالجملة هم (ع) قادة الأمم لانهم يقودونهم الى اعمالهم بتيسير ما خلقوا له باسباب الالطاف المعينة على الخيرات والمانعة من الشرور اعانة لا تبلغ حد الالجاء ومنعا لا يرفع الاختيار وذادة الخلايق يذودنهم ( يذودونهم خل ) عما لم ييسروا ( لم تيسروا خل ) له فيذودون المؤمنين عما لا يحب الله بطاعتهم لهم وبولايتهم لهم ويذودون الكافرين والمنافقين عما يحب الله بمعصيتهم وتركهم ولايتهم وقول محمد بن علي (ع) المتقدم لا يهدى هاد الا بهديهم يدل على ان جميع من سواهم من الهداة من الانبياء والمرسلين والأولياء والاوصياء والصالحين والملائكة المقربين لا يهدى احد منهم احدا من الخلق الا بهداهم (ع) وهم يهدون بالحق من الله سبحانه وقوله (ع) ولا يضل خارج عن الهدى الا بتقصير عن حقهم يدل على ان الهداية لا تمكن ( لا يمكن خل ) لاحد من الخلق بدونهم فاذا تأخر عنهم احد تأخر عن الهدى بعين تأخره عنهم وكذا المتقدم عليهم فعين التقدم عليهم والتأخر عنهم ضلالة الطريق اي الطريق الى الله لانهم السبيل الأعظم كما يأتي في الزيارة فاذا قصر في حقهم قصر في الطريق الى الله فحقت عليه الضلالة فجعل الهداية بهم والضلالة بالضلال عنهم فالهدى ينسب اليهم لانهم اصل الهدى والضلالة تنسب الى نفسها كما قال تعالى فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة فاسند الهداية اليه سبحانه وذلك بهم (ع) واسند الضلالة الى نفسها لانها مفارقتهم عليهم السلام وقال الله تعالى يوم ندعو كل اناس بامامهم فيدعي المؤمنون بهم فيتبعونهم فيذهبون بهم الى رضوان الله حيث ذهبوا ويدعي الضالون بائمة الضلال فيتبعونهم وكل يتبرء من الاخر ويلعن بعضهم بعضا فيذهبون بهم الى سخط الله حيث ذهبوا فهم (ع) القادة الذادة كما مر صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : واولياء النعم
الأولياء جمع ولي وهو المتصرف الذي يدبر الأمور وفي الكافي في تفسير قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية عن الصادق (ع) يعني اولى بكم اي احق بكم وباموركم من انفسكم واموالكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا واولاده الائمة (ع) الى يوم القيمة اقول اعلم ان الله سبحانه خلقهم وجعلهم خزائن كرمه وخلق الخلق لهم كما روي عن علي (ع) في حديث منه نحن صنائع الله ( ربنا خل ) والخلق بعد صنايع لنا اي بعد ان خلقنا وصنعنا لنفسه صنع لنا الخلق فهم اولياء الله على خلقه ولله سبحانه نعم على العباد لا تحصى كما قال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وجعل ال محمد (ص) خزائن كرمه واولياء نعمه والنعم منها غيب ومنها شهادة ومنها ظاهرة ومنها باطنة ومرادنا بالغيب والشهادة نعم الوجود وبالظاهرة والباطنة نعم التكليف والأول يلزمه الشرع والثاني يلزمه الوجود فمن النعم في الغيب خلقه للشخص مثلا في مراتبه ونقله من مرتبة الى مرتبة من اصل الماء الأول الى ان وصل به الى رتبة البشر في الشهادة كما قال سبحانه يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة فوضعه في كل مرتبة وتربيته وتغذيته ولطفه بتدبيره وامداده بما يصلحه ودفع ما يضره ويفسده فاذا بلغ فيها تمامه فيها نقله الى طور آخر كما اشار اليه سبحانه بقوله ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا فخلقه نطفة معنوية ثم نطفة ظلية ثم نطفة صورية ثم نطفة طبيعية ثم نطفة مادية ثم مثالية فهذه ستة اطوار ثم الى الملائكة ثم الى الريح ثم الى السحاب ثم الى الماء ثم الى الارض ثم الى النبات من الفواكه والبقول وما اشبه ذلك فهذه ستة اطوار ثم الى النطفة ثم الى العلقة ثم الى المضغة ثم الى العظام ثم الى تمام الخلقة ثم الى الحيوة فهذه ستة اطوار فخلقه سبحانه في ظلمات ثلث كل ظلمة في ستة اطوار فهذه ثمانية عشر عالما في الغيب والشهادة فهذه كلها نعم من الله لا تحصى خلقهم (ع) واقامهم اعضادا لخلقه وحججا على بريته وجعل اليهم ايصال ما يريد ان يصل من جوده وكرمه واحسانه ونعمه الى من يشاء من خلقه لان الخلق بدونهم لا يقدرون على القبول منه بغير الواسطة كما اشار علي (ع) في خطبة الغدير في ذكر النبي البشير النذير (ص) قال واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه اذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار فقوله (ع) اقامه في سائر عالمه في الاداء يشير الى ما ذكرنا من انه سبحانه جعل اليهم ايصال ما يريد ان يصل من جوده الخ وتقدم في حديث ابي جعفر (ع) في ذكر ان رسول الله (ص) باب الله الذي لا يؤتى الا منه الى ان قال وكذلك كان امير المؤمنين عليه السلام من بعده وجرى للائمة واحدا بعد واحد الى الخ ومن النعم الظاهرة ارسال الانبياء وتأمير الاوصياء واستحفاظ الحفظة واستخلاف الخلفاء وانابة العلماء واقامة الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمعلمين والمرشدين للمسترشدين وكذلك جميع الدعاة الى الله والى ما يحب ولا ريب عند من يعرف الولي ان هذا الارسال والتأمير والاستحفاظ وما بعدها انها اثار الولي لللطف بالمكلفين وهي اعظم النعم والنعم الباطنة العقول التي بها تحصل المعارف والجيد والردي والخير والشر والناصح والغاش والمصلح والمفسد والضار والنافع في العاجلة والاخرة وهذه العقول لحظات عنايات من الولي ومناداة للمكلفين من الجانب اليمين وهي اعظم النعم وانفعها لمن لم يخالف مقتضياتها بل هو النور الذي يمشي به في ظلمات النفوس من شهواتها وغواسق انياتها وظلمات الطبائع والمواد الجسمانية والى كون الانبياء والداعين الى الله النعم الظاهرة وكون العقول النعم الباطنة اشار صريح قوله تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فالظاهرة الانبياء والرسل والباطنة العقول كذا في الخبر وورد ايضا في تفسير قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا انه العقل فاطلق الرسول على العقل كما اطلق العقل على الرسول وكلما سمعت وما لم تسمع فمن تدبير الولي لمصالح غنمه وذلك لان النعم المتأصلة في الحقيقة هم (ع) روي في الكافي عن الأصبغ بن نباتة قال قال امير المؤمنين (ع) ما بال اقوام غيروا سنة رسول الله (ص) وعدلوا عن وصيه لا يتخوفون ان ينزل بهم ( عليهم خل ) العذاب ثم تلا هذه الاية الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار جهنم ثم قال نحن النعمة التي انعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيمة واما من سواهم من الأخيار والخيرات من الأعمال الصالحات من كل ما يجب ان يكون فذلك من كرمهم واحسانهم وفواضل طاعاتهم وحسناتهم وذلك كله ولايتهم ومن ولايتهم وهم اولياء ذاك ( ذلك خل ) كله وفي الكافي عن ابي يوسف البزاز قال تلا ابو عبد الله (ع) هذه الآية واذكروا الاء الله قال اتدري ما آلاء الله قلت لا قال هي اعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا والمراد بولايتهم هي طاعة الله في كل ما يريد من عباده من المعتقدات والأعمال والأخلاق والأقوال وغير ذلك من الواجبات والمندوبات وكلها نعم الله على عباده من نعمه العظمي محمد وآله (ص) فان ايجادات الخلق وما تضمنت من الشرعيات وتكاليف المكلفين وما تضمنت من الوجودات كلها اثارهم وهم النعم التي لا تحصى وهي نعم جليلة لا يقوم بها خلق بل كل خلق مقصرون فيها عاجزون عن اداء شكرها وهم اولياء هذه النعم التي عجز عن اداء شكرها الخلايق اجمعون وهي ممادحهم وفضائلهم مكتوبة في الألواح من الأجسام والاشباح والنفوس والأرواح كل يسبح بحمد ربه بما اوتى وفي الاحتجاج للطبرسي سئل يحيى بن اكثم ابا الحسن العالم (ع) عن قوله تعالى سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ما هي فقال (ع) هي عين الكبريت وعين اليمين وعين ابرهوت وعين الطبرية وجمة ما سيدان وجمة افريقية وعين بلعوران ( ناجروان خ ) ونحن الكلمات التي لا يدرك فضلنا ولا يستقصى فاخبر (ع) بان هذه الأبحر السبعة التي يكني بها عن اقسام الموجودات من الغيب والشهادة وما بينهما من البرازخ والنور والظلمة وما بينهما من البرازخ والجامع لها كلها تفنى ولا تدرك فضلنا ولا تحيط به لان كل بحر انما يعد ما فيه من النعم فهذه آياتهم تتلي بالسنة عاجزة عن اداء شكرها لان شكرها مزيد نعم جديدة وآلاء عديدة ولله در الشاعر حيث يقول :
كلما قلت اعتق الشكر رقي جعلتني لك المكارم عبدا
اين مهل الزمان حتى اؤدي شكر احسانك الذي لا يؤدي
اقول ان فيما اشرت اليه وكررت كفاية بينة لقوم يعقلون انهم اولياء النعم فان بهم ينزل المطر وبهم تنبت الأرض بركاتها فان ابصرت لم تسمع الا اصوات الشاكرين لتلك ولا ترى الا اشباح المادحين هذا في التكويني وفي التدويني كذلك فان في سورة النحل خاصة نحو احدي وسبعين نعمة قد ملئت بالواحدة الدنيا وما فيها فانظر تجد
قال عليه السلام : وعناصر الابرار
العناصر جمع عنصر كقنفذ وقد تفتح الصاد وهو الأصل ومنه هذا ويستعمل في النسب ومنه لا يخالطه يعني النبي (ص) في عنصره سفاح اي لا يخالطه في نسبه زنا لان النسب اصل للشخص وفي الكبد ومنه الحديث خشن عنصره اي غلظ كبده والأبرار جمع بر بفتح الباء كسبع جمعه اسباع وعشر جمعه اعشار والبر بمعنى البار والابرار الصادقون واولياء الله المطيعون والزهاد والعباد وفاعلوا الخيرات والمطهرون من الكبائر والائمة (ع) هم عناصر الأبرار من وجهين احدهما ان الأبرار هم شيعتهم من المرسلين والانبياء والاوصياء والصالحين والملائكة وانما سموا شيعة لانهم خلقوا من شعاعهم او من المشايعة اي المتابعة لانهم يتابعونهم في اقوالهم وافعالهم فمنهم من خلقت روحه من شعاع ارواحهم كالانبياء والمرسلين والمراد انها خلقت من فاضل ضياء ارواحهم ومنهم من خلقت روحه من فاضل طينة صورهم كالاوصياء ومنهم من خلقت روحه من فاضل طينتهم كالمؤمنين الصالحين روي في الكافي بسنده عن محمد بن مروان عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول ان الله خلقنا من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيب ( نصيبا خل ) وخلق ارواح شيعتنا من طينتنا وابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا للأنبياء ولذلك صرنا نحن وهم الناس وصار سائر الناس همجا للنار والى النار ه فقوله (ع) من نور عظمته اشارة الى ارواحهم التي خلقت ارواح المرسلين والانبياء من فاضلها وخلقت ارواح الاوصياء من فاضل طينة صورهم وخلقت ارواح المؤمنين الصالحين من فاضل طينتهم اي اجسامهم النورانية وفي الكافي عن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن ابي طالب (ع) عن ابي عبد الله (ع) قال ان الله كان اذ لا كان فخلق الكان والمكان وخلق الأنوار وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار واجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار وهو النور الذي خلق منه محمدا وعليا فلم يزالا نورين اولا اذ لا شيء كون قبلهما فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة حتى افترقا في اطهر طاهرين في عبد الله وابي طالب ( ع نسخة ) اقول الظاهر ان المراد بنور الأنوار الذي نورت منه الأنوار هو الماء الأول الذي به حيوة كل شيء وهو مس النار الذي تعلق بالزيت الذي يكاد يضيء فكان منهما العقل الأول الذي هو القلم الاعلى ويحتمل ان يكون هذا النور المشار اليه هو هذا العقل فانه قد نورت منه الأنوار الروحية والنفسية والطبيعية ولا يجوز ان يكون هذا النور المشار اليه هو المشية لان المشية لا يخلق منه المخلوق وانما يخلق به وهذا النور المشار اليه قال عليه السلام وهو الذي خلق منه محمدا وعليا ونور محمد وعلي (ع) انما يطلق على الماء الأول او العقل الأول وفيه عن جابر بن يزيد قال قال ابو جعفر (ع) يا جابر ان الله اول ما خلق خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين فكانوا اشباح نور بين يدي الله قلت وما الأشباح قال ظل النور ابدان نورانية بلا ارواح وكان مويدا بنور واحدة وهي روح القدس فبه كان يعبد الله وعترته ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة اصفياء يعبدون الله بالصلوة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ويصلون الصلوات ويحجون ويصومون ه اقول الظاهر ان المراد بالأشباح مثالهم وهو ظل النور الذي هو نفوسهم وتلك الاشباح ابدان نورانية والدليل على ان تلك الأشباح هي مثالهم قوله (ع) بلا ارواح ولعل هذه الأبدان النورانية التي بلا ارواح هي التي سميناها باجسامهم التي خلق من فاضلها ارواح المؤمنين الصالحين وبالجملة انهم اصل الأبرار من كل من سواهم فمادة وجودهم من فاضل نور محمد (ص) وصورتهم الناطقة من فاضل صورة علي (ع) واهل بيته (ع) قال (ص) يا علي انا وانت ابوا هذه الأمة فمن فاضل نور محمد (ص) خلقت موادهم التي هي الاب ومن فاضل نور علي (ع) الذي هو الرحمة صبغهم بصبغة الايمان وهي الصورة وهي الأم وعن الصادق (ع) ان الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن ( والمؤمن خل ) اخو المؤمن لأبيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فالأبرار خلقوا من اشعة انوارهم فهم اصل الابرار بهذا المعنى والثاني ان الأبرار كانوا في اصل خلقهم كغيرهم قال الله تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين الاية وبيان ذلك ان الخلائق في عالم الذر كانوا سواء في التكليف بمعنى ان كل واحد متمكن من الاستجابة والامتناع باختياره ( باختيارهم خل ) على اختلاف مراتبهم في القرب والبعد من المبدء الفياض وفي النور والظلمة فامر الله نبيه (ص) باخذ الاقرار من الانبياء فقال لهم يقول الله لكم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم وامامكم والأئمة من ولده اولياؤكم وائمتكم قالوا بلى آمنا وصدقنا وسلمنا واشهد بأننا مسلمون ثم امرهم ان يأخذوا من اممهم الاقرار بما اخذ منهم وكذلك الاوصياء والمرشدون والسفراء والمعلمون فمن اجاب بقلبه ولسانه وعمل بما امر به بجوارحه واركانه فهم ابرار والسابقون منهم المقربون وفي امالي الشيخ باسناده الى جابر عن ابي جعفر عن ابيه عن جده عليهم السلام ان رسول الله (ص) قال لعلي (ع) انت الذي احتج الله بك في ابتداعه الخلق حيث اقامهم اشباحا فقال لهم الست بربكم قالوا بلى وقال محمد رسولي قالوا بلى قال وعلي امير المؤمنين فابى الخلق جميعا الا استكبارا وعتوا عن ولايتك الا نفر قليل وهم اقل القليل وهم اصحاب اليمين ه اقول قد دل هذا الحديث وغيره مما هو اصرح منه او مثله ان جميع الخلق انما نجى من نجى بولايتهم والتسليم لهم والائتمام بهم وانما هلك من هلك بتركهم الولاية ففي الظاهر ان الأبرار انما كانوا ابرارا لانهم توالوا بهم وتبرؤا من اعدائهم واحبوهم واطاعوهم واتبعوهم في طريقتهم وردوا الأمر اليهم وسلموا لهم فيما علموا وما لم يعلموا فبذلك كانوا ابرارا فهم اصل هدايتهم وفي الحقيقة انما قبل الأبرار هذه الأمور المذكورة لانهم (ع) هم اوردوهم ذلك وهم ذادوهم عن الخلاف وهم عفوا عن تقصيرهم وسددوا لهم الخلل وثبتوهم عن الزلل فالابرار نالوا الخير بتيسيرهم وتحبيبهم الايمان اليهم وتزيينه في قلوبهم وتكريههم الكفر والفسوق والعصيان اليهم فهم (ع) اصل ما بر به الأبرار او هم ابروا الأبرار اي جعلوهم بامر الله ابرارا او حكموا عليهم ببرهم انهم ابرار او انهم ادلاء العباد على البر فكان المتبعون لهم العاملون بما دلوا عليه ابرارا حين ابروا لتبر شيعتهم باتباعهم او تنبيههم او بسوقهم وفي كل ذلك هم الأصل في ذوات الأبرار وصفاتهم وافعالهم والى جميع ما ذكرنا يشير قول ابي جعفر (ع) رواه في كشف اليقين في حديث طويل الى ان قال (ع) وجعلهم يعني الائمة (ع) ائمة هدى ونورا في الظلم للنجاة اختصهم لدينه وفضلهم بعلمه واتاهم ما لم يؤت احدا من العالمين وجعلهم عمادا لدينه ومستودعا لمكنون سره وامناء على وحيه ونجباء من خلقه وشهداء على بريته اختارهم الله وحباهم وخصهم واصطفاهم ( وخصهم وحباهم خل ) وارتضاهم وانتجبهم وانتقاهم وجعلهم للبلاد والعباد عمارا وادلاء للأمة على الصراط فهم ائمة الهدى والدعاة الى التقوى الحديث وفي هذا الحديث قبل هذه الكلمات قال (ع) كانوا نورا مشرقا حول عرش ربهم فامرهم فسبحوا فسبح اهل السموات بتسبيحهم ثم اهبطوا الى الأرض فامرهم فسبحوا فسبح اهل الارض بتسبيحهم فانهم لهم الصافون وانهم لهم المسبحون فمن اوفى بذمتهم فقد اوفى بذمة الله ومن عرف حقهم فقد عرف حق الله الحديث
قال عليه السلام : ودعائم الاخيار
الدعائم جمع دعامة بكسر الدال وهي عماد البيت والذي عليه استناد الشيء وبه قوامه ومنه الحديث لكل شيء دعامة ودعامة الاسلام الشيعة وفيه دعامة الانسان العقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم والدعامة ايضا الأصل الذي ينشأ عنه الفروع والاحوال وما يستند عليه الحائط لئلا يسقط وفي الدعاء اسئلك باسمك الذي به دعمت السموات فاستقلت والأخيار جمع خير بتشديد الياء ذو الدين والصلاح وهذه الفقرة كسابقه فان ال محمد (ص) هم دعامة كل خير وصلاح فان شرط الايمان ولايتهم وشرط التوحيد ولايتهم وشرط النبوة ولايتهم وشرط قبول الأعمال ولايتهم بل لا يكون الشخص العارف مسلما الا اذا تولهم والمراد بكون ولايتهم شرطا للتوحيد والنبوة والايمان وقبول الأعمال بل والاسلام ان هذه الأمور انما هي عبارة عن ولايتهم حقيقة اما التوحيد فحقيقته تنزيه ذات الله عن الشريك في ذاته وصفته وفعله وعبادته ولا يتحقق في شيء من هذه الأربعة الا بما اسسوه ودلوا عليه كما قال علي (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا يعني يعرفنا لاننا معانيه وظاهره ويعرف بنا لاننا السبيل اليه وبابه وليس له سبيل غيرنا ولا باب الا نحن ويعرف بما بينا من صفته ووصفنا من الدليل عليه فكونهم معانيه وظاهره من ولايتهم وكونهم السبيل اليه وبابه الذي يؤتى منه من ولايتهم وكونهم معلمين للخلق واصفين للحق من ولايتهم لانها هي ولاية الله قال ( الله خل ) تعالى فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وقال تعالى هنالك الولاية لله الحق فهي الغنى المطلق بمعنى انه يفتقر اليه كل ما سواه لان اثبات هذا المعنى لله سبحانه كمال وسلب الكمال نقص يمتنع في حق الواجب تعالى وهم (ع) ظهروا بما شاء منه يعني انهم هم مظهر ذلك الغني المطلق وهو جميع ما شاء الله منه لانهم (ع) محل مشيته فهم محتاجون اليه سبحانه وهم به من دونه يحتاج اليهم كل شيء من عين او معنى والتوحيد اية الله في الأنفس كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق يعني حتى يتبين لهم ان الامام هو الدليل الى الله فلا يعرف الله الا بسبيل معرفته على نحو ما اشرنا اليه من الوجوه الثلثة فظهر لمن عرف ما اشرنا اليه ان التوحيد من ولايتهم وهم دعامته كما قال الحجة عليه السلام في دعاء ( شهر خل ) رجب فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الخ ولا ريب ان الشيء لا يقوم ولا يتحقق الا باركانه واما النبوة فلأنها ارسال وبعث الى الرعية ولا شك ان ذلك لا يكون الا من الولي والولي هو الله ومظهر الولاية في الخلق من الله فيهم فعن ( وعن خل ) ولاية الله الظاهرة فيهم وبها ارسل الرسل وبعث الانبياء لان الولاية الأزلية هي ذاته جل وعلا والارسال والبعث انما يكون في الفعل وهو في الخلق فيجب ان يكون هذا البعث الخلقي الامكاني صادرا عن ولاية امكانية هي في الحقيقة الربوبية اذ مربوب والألوهية اذ مألوه وهي فعله ومشيته وهم محل فعله ومشيته فعنهم اظهر ما اظهر وفعل ما فعل وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم والى هذا ونحوه الاشارة بقول علي (ع) كما في الغرر والدرر في وصف الملأ الاعلى وهو يعني به ظاهرا الملائكة وباطنا هم (ع) لان الملائكة امثال الأمثال قال علي (ع) والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فتدبر كلامه صلوات الله وسلامه عليه ما اصرحه في المدعى لمن وعى ومعلوم ان النبوة بعد الولاية ذاتا وعلة لترتبها عليها واما الايمان فهو يتحقق في مقامين الأول في ذاته وجملته والثاني في اركانه الاول ان الايمان نور يكتبه الله سبحانه في قلب الشخص بقلم اعماله واقواله واعتقاداته وذلك النور حيوة لانه روح ينفخ في قلب العبد من روح من الله سبحانه قال تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وقال تعالى نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم وقال تعالى اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه والعبارة عنه ظاهرا ان العبد اذا قام بما اراد الله منه كان فعله ذلك صورة الايمان والنور والخيرات في الدنيا والاخرة كالجسد والله سبحانه ينفخ فيه من روحه وهو معنى كتب في قلوبهم الايمان بقلم من المؤمن وهو القلم المصور وهو اعماله والكاتب فيه والنافخ فيه هو جبرئل قد اعانه اسرافيل بنصف قوته وذلك عن الولي بأمر الله وهم بأمره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم وتلك المنفوخ منها روح لله وهي روح الولي وكيفية النفخ كما تضع المرءاة في ضوء الشمس فينعكس عنها نور فضوء الشمس نور الامام (ع) اي نور ايمانه والمرءاة ظاهرا قلب المؤمن ولسانه وجوارحه وصورة المكتوب اعماله فالمادة صورة ايمان الامام (ع) والايجاد صدر بفعل الله عن الامام (ع) كما تقدم وذلك كله هو ولاية الامام التي هي ولاية الله الثاني سنذكره في بيان وابواب الايمان مجملا واما قبول الأعمال فلأن الأعمال انما تتقبل من المتقين قال تعالى انما يتقبل الله من المتقين والمتقي هو الذي يتقي الله بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه والطاعة لله فرع الولي (ع) ومعصية الله فرع اعداء الولي (ع) فاذا اطاع فقد تولي واذا لم يعص فقد تبرأ فاذا تولي وتبرأ فقد اتقي ومن اتقي قبلت اعماله لانها اعمال صالحة وكلم طيب وقد قال تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وفي ما اوحى الله الى محمد (ص) ليلة المعراج ان قال يا محمد وعزتي وجلالي لو ان عبدا عبدني حتى ينقطع له ويصير كالشن البالي ثم اتاني جاحدا لولايتهم لم ادخله جنتي ولا اظله تحت عرشي وانما يتقبله ويرفع بالولاية لان الطاعة فرع الولي لانها امتثال الأمر واجتناب النهي هذا ظاهر القبول وباطنه هو رجوع الصفات الى الذوات والفروع الى الأصول وقد قررنا في الفوائد ان التابع تابع باختياره للمتبوع والمتبوع قابل له باختياره ومريد له لما بينهما من التضائف وذلك لان شيعتهم منسوبون اليهم ومردهم اليهم وهذا مقتضي القبول لما بينهما من الموافقة والمناسبة وايضا كونهم بعملهم الخير اخيارا لانهم جعلهم الله عن ائمتهم بفعلهم الخير اخيارا او حكموا عليهم بعملهم انهم اخيار فكانوا صلى الله عليهم دعائم للأخيار في كونهم اخيارا بالجعل او الحكم وفي نسبة الاعمال الطيبة اليهم وفي تقوم الاعمال الصالحة في نفسها بولايتهم والبراءة من اعدائهم وبأنها عبارة عن اتباعهم وموافقة رضاهم وفي قبولها كذلك وقد اشرت الى كل شق والتفصيل يستلزم التطويل
قال عليه السلام : وساسة العباد
الساسة جمع سائس وهو المدبر لأمر المسوس والمربي له على كمال ما ينبغي والعباد جمع عبد اي مملوك او مطلق الانسان وهو يجمع على عبيد واعبد وعباد وعبدون وعبدان وعبدان كغفران وغلمان وعبدان كطرماح ومعبدة كمشنحة ( كمشيخة خل ) ومعابد وعبداء كزمكاء وعبدي بكسر العين والباء المشددة وعبد كسبل وعبد كندس ومعبوداء واعابد جمع اعبد والعبد له اصطلاح شرعي ومعنى لغوي فالاصطلاح هو قول الصادق (ع) العين علمه بالله والباء بونه عن الخلق والدال دنوه من الخالق بلا اشارة ولا كيف ويظهر من هذا انه من العبادة وهي الطاعة وكمال احوالها ان يكون العبد متصفا بهذه الصفات او من المعبد كمعظم المذلل لان العباد قد ذللوا بالتكليف الشاق او المكرم من الأضداد لان الله قد كرمه كما قال تعالى ولقد كرمنا بني آدم او لانه اتخذه عبدا كما قال (ع) كفاني فخرا ان اكون لك عبدا فالعباد في اي حال من هذه الثلاث الطاعة والتذليل ( التذلل خل ) والتكريم وغيرها لا بد لهم من مدبر حكيم وسايس عليم لانهم لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا فلما خلق محمدا وال محمد (ص) دعاهم فاجابوا وامرهم فأتمروا ونهاهم فانتهوا فحملهم علمه ودينه وامره ونهيه فاشرقت بنورهم الظلمات واستضاءت بهم الحجب والسرادقات ثم لما اراد ان يعرف العباد نفسه ودينه عصر نور محمد واهل بيته الطاهرين فخلق من تلك العصارة انوار شيعتهم وهو ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري قال سمعت رسول الله (ص) يقول ان الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع) والائمة (ع) من نور فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبحنا فسبحوا وقدسنا فقدسوا وهللنا فهللوا ومجدنا فمجدوا ووحدنا فوحدوا ثم خلق السموات والأرضين وخلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا ولا تمجيدا فسبحنا فسبحت شيعتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا وقدسنا فقدست شيعتنا فقدست الملائكة لتقديسنا ومجدنا فمجدت شيعتنا فمجدت الملائكة لتمجيدنا ووحدنا ووحدت شيعتنا فوحدت الملائكة لتوحيدنا وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا فنحن الموحدون حين لا موحد غيرنا وحقيق على الله تعالى كما اختصنا واختص شيعتنا ان ينزلنا اعلى عليين ان الله سبحانه وتعالى اصطفانا واصطفا ( واصطفى خل ) شيعتنا من قبل ان نكون اجساما فدعانا واجبنا فغفر لنا ولشيعتنا من قبل ان نستغفر الله ه وفي رواية ابن عباس عنه (ص) الى ان قال (ص) ثم خلق الملائكة فسبحنا فسبحت الملائكة فهللنا فهللت الملائكة وكبرنا فكبرت الملائكة وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي (ع) وكان ذلك في علم الله السابق ان الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل وكل شيء يسبح الله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي (ع) الحديث فظهر مما ذكر انهم هم المعلمون للعباد في جميع طرق الرشاد كيفية السلوك والاقتصاد وانما قيل ساسة ولم يقل معلمون لان السائس هو المربي لمن لا يعرف رشده لولا السائس ولانه يصلحه بالتدريج والتسهيل الطبيعي المطابق للحكمة بتسبيب اسباب التربية وتتميم القوابل بالمعالجة الحكمية الالهية المعبر عنها بسلوك سبل الرب مقتصرا عليه لا يكون من السائس شيء الا مما جعل اليه المربي الاكبر المتعالي سبحانه وتعالى فانهم صلى الله عليهم لم يجعل لهم من الامر شيئا الا به فهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وهذا كما في قوله تعالى فاسلكي سبل ربك ذللا وحيث قلنا ان العباد جمع عبد اي مملوك او مطلق الانسان فينبغي ان ينبه على المراد من العبد في حق المكلف اذا نسب الى الائمة (ع) اما نسبة العبد الى الله سبحانه فلا توقف لاحد من المسلمين في انه عبد رق وعبد طاعة لا يملك شيئا من امره وهذا لا فائدة في ذكره الا لتوطية الذكر بالنسبة الى غيره ومن احتمل غير هذا فهو كافر كفر الجاهلية الأولى كما ادعى في حق عيسى (ع) فانزل الله سبحانه قرءانا ردا عليهم قال تعالى لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا نعم قد تقع اوهام مبنية على اصول باطلة يتوهم المدعي لها صحتها ويلزم منها ذلك وهي على انحاء شتى منها من يدعي بأن الماهيات غير مجعولة وانما هي صور علمية ويدعي انها مكلفة فان احسنت اثابها وان اساءت عاقبها وانه ليس له في الخلق الا افاضة الوجود نفسه عليهم ووجوداتها تابعة لها ومن اراد معرفة هذا القول والاطلاع على فساده فليراجع كلام الملا محسن في الوافي في باب الشقاوة والسعادة لانه ممن يقول بهذا القول ومنها من يقول بأن المخلوقات منه بالسنخ او بالظل ويريد به ظل الذات البحت على ما يعرفون من معنى الظل فانه ايضا باطل فان الخلق لا ينتهي شيء منه الا الى مثله ولا ينتهي الى الواجب والا لكان واجبا او كان الواجب ممكنا تعالى ربي ومنها من يقول بأن الانسان معتصر من حق لا خلق فيه وخلق لا حق فيه فهو حق وخلق كما ذهب اليه ابن عربي مميت الدين قال في الفصوص في ما نقل من الشعر :
فانا اعبد حقا وانا الله مولينا
وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
ومنها من يقول انه ليس له ان شاء فعل وان شاء ترك ومنهم الملا محسن قال في الوافي فيما اشرنا اليه من كلامه فمشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك الى ان قال لان الاختيار في حق الحق تعارضه وحدانية المشية فنسبته الى الحق من حيث ما هو الممكن عليه لا من حيث ما هو الحق عليه الى ان قال فما شاء فان الممكن قابل للهداية والضلال من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام وفي نفس الأمر ليس للحق فيه الا امر واحد ومنها ما ذكره السيد المرتضى في رسالة له ذكر ان الله سبحانه ليس الها للعرض والجوهر الفرد لان الاله هو المنعم على المألوه وهذان غير محتاجين الى المدد لبساطتهما نقلته بالمعنى وامثال هذه المقالات الفاسدة المستلزمة لنفي العبودية عن كثير من الخلق واستغنائهم عن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والمعروف عندي من كلام اهل العصمة واشاراتهم ان من وقعت منه امثال هذه وكان لا يظهر له ان مثل ذلك مناف للأعتقاد بل يرى ان ذلك هو الصواب وانه هو مذهب اهل الحق (ع) وكان من شأنه الرد الى ائمة الهدى (ع) بمعنى انه لو تبين له ان هذا الاعتقاد مخالف لمراد الامام (ع) لتركه هو على ظاهر الاسلام والله اعلم بظاهر امره وباطنه لان كثيرا من احاديث اهل العصمة (ع) دالة بصريحها على ان مثل ذلك كفر ولعله محمول على ما ذكرنا واما نسبتهم الى الخلق فالمعروف عند كثير من العلماء ومن بعض الأخبار انهم عبيد طاعة لا عبيد رق حتى ان بعضهم قال لا يجب طاعة الامام (ع) فيما يخالف حكمه فلو اراد ان يصلي على الميت وله وصي في ذلك او ولي ولم يأذن الوصي او الولي لم يجز له التقدم في الصلوة بدون اذنه وهذا غلط ظاهر وحكم فاسد ومثله حكم بعضهم في كثير من الأموال اذا منع المالك وهذا ومثله ويـؤلون انه (ع) اولى بهم من انفسهم بان طاعته واجبة على المكلف في جميع الأحكام الشرعية وما يرتبط بها كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يتعلق بمصالحهم وهذا كلام ينبغي عدم الالتفات اليه وان يجعل في زاوية الاهمال لما دل الدليل عليه عقلا ونقلا انه (ع) اولى بهم من انفسهم بالأولوية التي كانت لرسول الله (ص) وهي ان الله سبحانه وتعالى خلق الأشياء له ولأهل بيته الطاهرين وفي الحديث القدسي او انه في الانجيل خلقتك لاجلي وخلقت الاشياء لاجلك وقول علي (ع) نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا اي صنعهم الله لنا واللام في لنا للملك وهذا المعنى هو الذي تفيده اخبارهم اشارة لان التصريح فيه فضح بالحكمة فوجبت الاشارة للتقية وسألني الشيخ موسى بن محمد الصائغ الشهيد لعن الله قاتله قال انا لم نجد في كتب الرجال رجلا من الرواة ولا فيما قبل سمي بعبد النبي ولا بعبد ( ولا عبد خل ) علي ولا عبد الحسن ولا عبد الحسين ولا عبد الرضا كما هو المستعمل الان في زماننا مع انه لا ينافيه الاعتقاد سواء قصدت عبودية الطاعة ام الرقية ولم يرد منع خاص من ذلك فهل الامتناع من التسمية لنص لم نقف عليه او للتقية فاجبته بأني لم اقف على اسم كذلك ممن تقدم ولا على نص بالمنع بل قد تشير ( يشير خل ) بعض الأخبار ببواطنها على جواز ذلك ولعل المانع من وقوعه من بعض شيعتهم هو التقية لوجوه منها ان الخلفاء كانوا يكرهون من يتسمى باسم واحد من ائمته ( الائمة خل ) فكيف يقدر ان يتسمى بعبوديته ومنها ان التشيع كان في الزمن السابق ضعيفا لم يكن لكثير من الشيعة قوة ايمان بحيث يعرفون مقام الامام (ع) وان كل شيء ملك له وانما خلقت الأشياء له واما من كان عارفا بذلك فلا يقدر خوفا من الأعداء وممن لا يعرف ولقد رأينا في زماننا ببلادنا الأحساء اناسا من الناصبين يعيبون على هذه التسمية ويستهزؤن ببعض من يسمى بذلك ومنها ان ذلك الزمان كانت الغلاة كثيرة ولا يعرف اكثر الشيعة المعنى المدعي للامام (ع) فاذا سمعوا شيئا من هذا النحو حملوه على الغلو بخلاف هذا الزمان فانه كثيرا ما يستعمله من لا يخطر على باله شيء من ذلك لا من كون الامام (ع) مملكا ولا من نسبة الغلو والتقية التي كانت في الزمن السابق لم يحصل مثلها في اكثر سائر البلدان ولو وجد مثلها كما في بلدان النجدي ابن سعود لم يسم بذلك حتى ان كل من كان اسمه عبد علي تسمى بعبد العالي وفي عبد الحسن والحسين ( وعبد الحسين خل ) بعبد المحسن او عبد الله وهكذا والا قتلوه والذي في ظني انه ورد التسمية بذلك الا اني الان عزب عني موضعه وبالجملة فقوله (ع) وساسة العباد يريد به عباد الله ولا شك ان العباد عباد الله وانهم (ع) عباد الله وان العباد عباد لهم عباد طاعة وانما الكلام في ان العباد عباد لهم عباد رق والأخبار في بواطن تفسيرها ودليل العقل تدل على ذلك الا انه من المكتوم الذي امروا بكتمانه ولهذا لم يذكروه صريحا بل ربما ذكروا عليهم السلام ما يدل بظاهره على المنع من ارادة معنى الرقية وان لم يكن نصا في ذلك لاحتمال التقية وارادة عدم البيع او عدم تجويزه او عدم اظهاره ولو لفظا او ان النفي وارد على دعوى الزعم كما في الرواية المذكورة كما يأتي لان الزعم ركوب مطية الكذب وانما هو اليقين والحق كما هو مقتضى قوله تعالى النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فان المراد منه العموم اي في كل شيء او ان المنع من اظهاره واطلاع المكلفين عليه انما هو لئلا يمتنعوا من قبول احكام الاسلام او الايمان فانهم عليهم السلام دعوا الناس الى الاسلام والى الايمان ولم يقبل اكثر الناس منهم وهم يقولون لهم اذا آمنتم او اسلمتم فانتم اخواننا فكيف لو قالوا لهم اذا آمنتم او اسلمتم فانتم عبيدنا ومماليكنا بل ارشدهم سبحانه على ان يقولوا اخواننا تألفا لهم وامالة لقلوبهم الى الاسلام والايمان فقال تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين فان قلت سماهم اخوانهم لانهم احرار ولو كانوا مماليك لما سماهم بذلك وهو دليل النفي قلت لا يلزم ذلك فانه سمى مماليكهم باخوانهم فقال تعالى ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم ولعل النفي او المنع من اظهار ذلك لمصالح يتوقف اللطف بالمكلفين عليها ولا نحيط بها علما او لا نحتملها لانهم عليهم السلام قد يتكلمون بالكلمة ( وخل ) يريدون بها احد سبعين وجها كما ورد عنهم ونريد بما يدل بظاهره على المنع ما رواه في الكافي بسنده الى محمد بن زيد الطبري قال كنت قائما على رأس الرضا عليه السلام بخراسان وعنده عدة من بني هاشم وفيهم اسحق بن موسى بن عيسى العباسي فقال يا اسحق بلغني ان الناس يقولون انا نزعم ان الناس عبيد لنا لا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله ماقلته قط ولاسمعته من احد من آبائي قاله ولابلغني عن احد من آبائي قاله ولكني اقول الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في الدين فليبلغ الشاهد الغائب ه وكلامه عليه السلام صريح في التقية عند من يفهم معاريض الكلام خصوصا قوله عليه السلام ولكني اقول الناس عبيد لنا في الطاعة اذ لو لم يقل ذلك لفهم اسحق بن موسى العباسي وغيره قال ذلك تقية فلما اظهر لهم ان الناس عبيد لنا ( لهم خل ) في الطاعة فهموا منه ان هذا اعتقاده ومذهبه وانه لو اتقى لما قال ذلك وهو عليه السلام قاله لانهم يعلمون ذلك من مذهبه ومن مذهب شيعته فاتقى من اسحق باظهار ما ينافي التقية عنده لانه معلوم من مذهبه عليه السلام ومذهب شيعته والحاصل لا شك ان جميع الخلق عبيد طاعة لهم وما سوى ذلك فان كان كذلك فقد امسكوا عن ذكره فعليك ان تتأسي بهم وان لم يكن كذلك فلا يجوز لك ان تقول ما لم يقولوا فان قلت فانت لم قلت ما لم يقولوا قلت لك انا ( اني خل ) قد بينت لك الاحتمالين فان وجدت انت ما وجدته انا فقل ما وجدت من نفي او اثبات والا فلا اعتراض لك علي والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل نعم ورد عن ٱلصادق عليه السلام انه قال رحم الله شيعتنا اوذوا فينا ولم نؤذ فيهم شيعتنا منا وقد خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا رضوا بنا ائمة ورضينا بهم شيعة يصيبهم مصابنا وتبكيهم اوصابنا ويحزنهم حزننا ويسرهم سرورنا ونحن ايضا نتألم لتألمهم ونطلع على احوالهم فهم معنا لا يفارقونا ونحن لا نفارقهم لان مرجع العبد الى سيده ومعوله على مولاه فهم يهجرون من عادانا ويجهرون بمدح من والانا ويباعدون من ناوانا اللهم احي شيعتنا في دولتنا وابقهم في ملكنا ومملكتنا اللهم ان شيعتنا منا مضافين الينا فمن ذكر مصابنا وبكى لاجلنا استحيى الله ان يعذبه بالنار ه وهذا ظاهره كما اشرنا اليه لانه عليه السلام قال لان مرجع العبد الى سيده ومعوله على مولاه وهذه العبارات اذا استعملت لا يفهم منها الا معنى الرقية ولكنه ليس نصا صريحا لاحتمال ارادة عبودية الطاعة كما في الحديث الأول وان كان الاحتمال غير مساو للظاهر وانما يبطل الاستدلال ما كان مساويا من الاحتمال لا المرجوح والله ولي التدبير واليه المصير
قال عليه السلام : واركان البلاد
الأركان جمع ركن وهو الجانب الاقوى والبلاد جمع بلدة مثل كلاب جمع كلبة والمراد منها جميع بلدان الدنيا والمراد بكونهم اركان البلاد ان جميع الدنيا وما فيها لولا وجودهم فيها لساخت لان وجودهم علة لوجود الموجودات ووجود الموجودات قائم بوجودهم قيام صدور لان الشيء يتقوم بمادته وصورته ونفسه فاما مادة جميع بلدان الدنيا وما فيها من الأنهار والأشجار والجبال وسائر ما فيها من الجمادات والنباتات والحيوانات فمن فاضل شعاع اجسادهم ونريد بالفاضل حيث يطلق في الأخبار وفيما كتبنا من رسائلنا واجوبتنا هو الشعاع فمعنى فاضل شعاع اجسادهم شعاع شعاع اجسادهم واجسادهم شعاع اجسامهم واما صورها فمن فاضل شعاع اشباحهم واشباحهم هي ظل النور وهي ابدان نورانية بلا ارواح كما تقدم في الرواية واما نفوسها فمن فاضل شعاع نفوس بشريتهم وهذه الثلاثة المراتب فيها من اركان العرش السفلية لان العرش له ستمائة الف ركن هذه منها وقد قال الله تعالى وكان عرشه على الماء والماء هو العلم وهو حامل العرش قبل خلق السموات والأرض والعلم الحامل هو ما حملوه (ع) من العلم لانه هو علة بقاء وجود ما دونه فلو فقد حامله ساخت الأرض وفي الكافي عن ابي حمزة عن ابي جعفر (ع) قال قال والله ما ترك الله ارضا منذ قبض الله ادم (ع) الا وفيها امام يهتدى به الى الله وهو حجته على عباده ولا تبقى الأرض بغير امام حجة لله على عباده وفيه عن ابي حمزة قال قلت لابي عبد الله (ع) تبقى الارض بغير امام قال لو بقيت الأرض بغير امام لساخت يعني انخسفت باهلها وذهبت بهم وفيه عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن الرضا (ع) اتبقي الارض بغير امام قال لا قلت فانا نروي عن ابي عبد الله عليه السلام انها لا تبقى بغير امام الا ان يسخط الله على اهل الأرض او على العباد فقال لا لا تبقى اذا لساخت ه يعني ليس المراد بقول ابي عبد الله (ع) السخط الذي تبقى معه الارض بل المراد به السخط الذي تصير به الارض منخسفة وفيه مثله عن الوشا قال سألت الرضا (ع) هل تبقى الارض بغير امام قال لا قلت انا نروي انها لا تبقى الا ان يسخط الله تعالى على العباد قال لا تبقى اذا لساخت ه وهذا مثل سابقه فقد دلت الاخبار المذكورة وغيرها على ان الأرض لو خلت من احد منهم ظاهرا او باطنا او مستترا لا نخسفت بأهلها لان قوامها بالامام (ع) على نحو ما اشرنا اليه سابقا وقولنا ظاهرا ظاهر كما في زمان ظهور احدهم (ع) وقولنا باطنا نشير به الى الزمن المتقدم على زمان بعثة النبي (ص) فانه لا يخلو وقت منه عن نبي داع الى الله والى عبادته منذ اهبط الله آدم الى الأرض الى زمان بعثة النبي (ص) الا انهم ظاهرا هم اركان الأرض والبلاد وبهم يحفظ الله البلاد لكن انما حفظ الله البلاد والانبياء (ع) بوجود امامنا (ع) في كل زمان مستترا يظهر في الصور كيف شاء الله او كما دلت عليه الأحاديث الكثيرة وفي بعض الأخبار اشارة الى ان الانبياء (ع) هم الحافظون وهم اركان البلاد كل واحد في زمانه وهذا عندي صحيح لكنهم حافظون للبلاد وائمتنا (ع) حافظون لهم وللبلاد فالامام (ع) حافظ للبلاد عن الانبياء (ع) في زمانهم والله سبحانه حافظ لخلقه بخير ما خلق من صفوته وخيرته من عباده وفي دعاء مفردة الوتر وانت الله عماد السموات والأرض وانت الله قوام السموات والأرض وفيه اشارة الى ان الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام عماد السموات والأرض وان الحسين اخاه (ع) قوام السموات والارض وبيان هذه الأشياء كما ينبغي بحيث يعرفه الاكثر يستلزم تطويلا كثيرا ويلزم منه ذكر اشياء ليس للعقول فيها حظ وانما يعرف ذلك اصحاب الأفئدة اذا كانوا من اهل التصديق والتسليم واما البيان بالاشارة ففي هذه الكلمات مما ذكرنا لكل سؤال جواب وتقرير عبرة لأولي الالباب
قال عليه السلام : وابواب الايمان
اي انهم صلى الله عليهم لا يعرف الايمان الا عنهم ولا يكتسب الا منهم ولم ينزله ( ولم ينزل خل ) الله من خزائن غيبه الا فيهم ولا يخرجه الى احد من الخلق الا منهم ولا يخرجه منهم الا بهم ثم الايمان منه باطن ومنه ظاهر والباطن منه معرفة ومحبة ومنه علم وتذكر وتفكر ومنه يقين وثبات وجزم والظاهر منه قول ومنه عمل فاما المعرفة فمعرفة الله وتوحيده في ذاته بنفي المعاني والصفات والأضداد وتوحيده في صفاته بتجريد جهة المعرفة عن الأنداد وتوحيده في افعاله عن المشاكلة والتعدد والانفراد وتوحيده في عبادته عن مشاركة العباد ولا يكون شيء من هذه المذكورة ( المذكورات خل ) ولا مما يتفرع عليها حقا الا اذا كان بسبيل معرفتهم يعني بما بينوا وعرفوا وبسبيل معرفتهم يعني بأنهم ابواب هذه الأشياء المذكورة وبسبيل معرفتهم يعني انهم اركان هذه الأمور المذكورة وبسبيل معرفتهم انهم معاني هذه الأمور المذكورة وبسبيل معرفتهم انهم هم هذه الأمور المذكورة وبسبيل معرفتهم انهم هم ظاهر هذه الأمور المذكورة ومعرفة رسول الله (ص) بأنه عبد الله ورسوله وحجته وعينه الناظرة واذنه الواعية ويده المبسوطة وعضده القوية وذكره الأكبر واسمه الأعز الأجل الأكرم وفضله العام ورحمته الواسعة وبابه الذي لا يؤتى الا منه والنور المنور للأنوار والقلب الذي وسع الأقدار والأسرار وخيرة الجبار في جميع الأطوار وامثال ذلك ومعرفة الامام (ع) انه كلما ذكر من هذه الأوصاف المذكورة للنبي (ص) وغيرها فانه شريكه فيها الا شيئين احدهما الرسالة والنبوة وما يتعلق بهما من الخواص التي اختص صلى الله عليه وآله بها من الخواص المذكورة في كتب اصحابنا رضوان الله عليهم مما خفف الله فيها على نبيه (ص) كما قال ما انزلنا عليك القرءان لتشقى او شدد عليه لانه المراد كما قال تعالى لا تكلف الا نفسك او كرمه بها كما قال ولسوف يعطيك ربك فترضي هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وذلك امور منها ما قال (ص) كتب علي الوتر ولم يكتب عليكم وكتب علي السواك ولم يكتب عليكم وكتب علي الأضحية ولم تكتب عليكم ومنها وجوب التخيير لنسائه بين المقام وبين مفارقته كما في قوله تعالى يا ايها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحيوة الدنيا ( وزينتها خل ) الاية او ( وخل ) ان التخيير نفسه طلاق لمن اختارته كما قيل ومنها قيام الليل قال تعالى قم الليل وفي المبسوط انه اي الوجوب منسوخ بقوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك فلا يكون من الخواص وفي التذكرة استدل على الوجوب بهذه الاية ومنها خائنة الأعين وهو الاشارة بها ومنها تحريم نكاح الاماء بالعقد وتحريم نكاح الكتابيات على القول بجوازه على الأمة وتحريم الاستبدال بنسائه بمعنى انه يطلق واحدة ويتزوج اخرى لقوله تعالى ولا ان تبدل بهن من ازواج ولو اعجبك حسنهن الا ما ملكت يمينك وتحريم الزيادة عليهن حتى نسخ بقوله تعالى يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك والمنع من الكتابة والشعر لاظهار الاعجاز وان كان قد ورد في بعض احاديثنا انه كان يكتب ويقرأ باثنين وسبعين لسانا وتحريم نزع لامته اذا لبسها قبل لقاء العدو هذا كله من التشديدات ومن التخفيف انه ابيح له ان يتزوج بغير عدد وان يتزوج ويطأ بغير مهر وان يتزوج بلفظ الهبة وله ترك القسم بين زوجاته وله ان يصوم صوم الوصال وان يصلي قاعدا بقائمين واخذ الماء من العطشان والطعام من الجائع وان اضطرا اليهما ويحفظ نفسه الشريفة لانه اولى وحفظ نفسه اهم ومن التكريم له (ص) ان ازواجه امهات المؤمنين فيجب احترامهن ويحرم نكاحهن وبعث للناس كافة وجعل خاتم النبيين ونصر بالرعب من مسيرة شهر وخص بالشفاعة وكان تنام عينه ولا ينام قلبه ويتضاعف ثواب من اطاعت من نسائه (ص) وعقاب من عصت واذا نظر الى امرأة ورغب فيها وجب على زوجها طلاقها ويبقى معجزه وهو القرءان الى انقضاء النظام وغير ذلك وثانيهما انه ثان للنبي (ص) وتال له فلا يساويه لذاته ومعرفة شيعة الامام (ع) كما تعرف الشعاع من الشمس فان الشعاع انما يظهر مستنيرا اذا كان مستمدا من الشمس والا فانه من حيث نفسه لا نور له بل هو من حيث نفسه ظلمة فكذلك الشيعي فانما هو مؤمن وعارف وصالح وناج بمتابعة امامه والأخذ عنه والأقتداء به فبقدر اقتدائه بامامه وطاعته له ومعرفته به يكون قدره وايمانه وبحسب ذلك تجب موالاته تبعا لوجوب موالاة امامه كما اشار اليه في الدعاء اوالي من والوا واجانب من جانبوا ومعرفة اعدائهم والبراءة منهم ومن اتباعهم فالمؤمن يعرف اعداء علي واهل بيته (ع) بسيماهم وفي لحن القول ولقد سمعت ممن اثق به ينقل عن بعض اولئك الناصبين يقول لا شك ان عليا كرم الله وجهه افضل من سيدنا ابي بكر وسيدنا عمر واعلم واشجع واتقى الا انه يجب عليك ان تعتقد بان ابا بكر وعمر افضل من علي واعلم واشجع واتقى فقال بعض الحاضرين منهم من جهالهم والله يا سليمن وكان ذلك القائل قاتله الله اسمه سليمن ما اقدر على ذلك ولا تطيعني نفسي اذا كان على افضل واعلم واشجع واتقى ان اقول هما افضل واعلم واشجع واتقى قال سليمن بلى هذا واجب في المذهب قال ذلك الرجل ما اعرف الا اذا كانا افضل فانظر بعقلك الى لحن قول هذا المناصب المعاند بعد اقراره بفضل علي كيف ينكره ويـٔوله ان هذا واجب في المذهب واما المحبة فهي فرع المعرفة فمن عرف الخير احبه وهي في كل مقام بحسبه وتفصيل ذلك بالنسبة الى الله سبحانه والى امره والى نبيه (ص) والى اوليائه (ص) واولياء اوليائه يطول به الكلام واما العلم فهو ان ينتقش في خيالك صور ما صدقت به واطمأننت عليه فان هذه الصورة التي انتقشت في خيالك معناها في قلبك والتصديق بها والاطمئنان عليها كلها في قلبك وحقيقتها بلا كيف تنجلي في فؤادك فتكون هذه المنتقشة آية معرفة ربك ونبيك وائمتك وشيعتهم والتسليم لهم والبراءة من اعدائهم الا ان تلك الاية بواسطة او بوسائط فيكون ذلك داعيا للخوف المستلزم للنجاة وللرجاء المستلزم للطلب والعمل وللمعرفة المستلزمة للحب الماحي بصدقه لكل اعتبار سوى اعتبار المحبوب وفي مصباح الشريعة قال الصادق (ع) فاذا تحقق العلم في الصدر خاف واذا صح الخوف هرب واذا هرب نجا واذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل واذا تمكن من رؤية الفضل رجا واذا وجد حلاوة الرجاء طلب واذا وفق للطلب وجد واذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة واذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب وآثر المحبوب على ما سواه وباشر اوامره واجتنب نواهيه واختارهما على كل شيء غيرهما فاذا استقام على بساط الانس بالمحبوب مع اداء اوامره واجتناب نواهيه وصل الى روح المناجاة والقرب ومثال هذه الأصول الثلثة كالحرم والمسجد والكعبة فمن دخل الحرم امن من الخلق ومن دخل المسجد امنت جوارحه ان يستعملها في المعصية ومن دخل الكعبة امن قلبه من ان يشتغل بغير ذكر الله تعالى الحديث واما التذكر والتفكر فهو ان تعالج نفسك بعدم الغفلة وبالتوجه بقلبك الى عظمة الله سبحانه والى ما يريده منك ليسعدك به في الدارين حتى يكون التذكر والاقبال الى الله سبحانه في كل ما يراد منك طبعا لنفسك بحيث لو خاطبك شخص فلا تتوجه له الا بالعرض كما قال الشاعر في التوجه الى ( نحو خل ) المحبوب :
واديم نحو محدثي نظريان قد فهمت وعندكم عقلي
ولقد ورد ان علامة المؤمن هو ان كلامه ذكر وصمته فكر ونظره اعتبار وورد ان تفكر ساعة خير من عبادة سنة وذلك انه يتوجه بقلبه الى آثار العظمة والقدرة في الخلق فاذا نظر وجد ما لا يحيط به الوصف ويعرف مقام صاحب الأمر والنهي فاذا عرف ذلك ثبت عنده بلا تردد انه لا فخر الا في طاعته وطلب رضاه وانه لا يكون مطلوب في الدنيا والاخرة حاصلا لاحد الا منه قال تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة فعند ذلك يعرف انه لا يحسن طاعته وخدمته لغرض غيره لانه اهل ذلك فيطلب بامتثال امره رضاه فيرضى منه بكل نعمة وبلاء فاذا كان كذلك كان مرضيا عند ربه فيذكر ربه في نفسه عند ذكر عظمته ونعمته وبلائه في الحيوة وفي الممات وفي القبور وعند نفخ الصور وفي النشور وحيث تصير اليه الأمور وفي الكافي عن زرارة عن احدهما (ع) قال لا يكتب الملك الا ما سمع وقال الله عز وجل واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله عز وجل لعظمته وفيه باسناده الى ابي المغراء الخصاف رفعه قال قال امير المؤمنين (ع) من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرون الله في السر فقال الله تعالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله الا قليلا واما اليقين والثبات والجزم فمذكور في دعائم الايمان في حديث الكافي الذي نذكره الان واما الظاهر فمنه قول وعمل والأحاديث في بيان ذلك متكثرة روي في الكافي عن ابي عمرو الزبيري ( عن ابن ابي عمير والزبيري خل ) عن ابي عبد الله قال قلت له ايها العالم اخبرني اي الأعمال افضل عند الله قال ما لا يقبل الله شيئا الا به قلت وما هو قال الايمان بالله الذي لا اله الا هو اعلى الأعمال درجة واشرفها منزلة واسناها حظا قال قلت الا تخبرني عن الايمان اقول وعمل ام قول بلا عمل فقال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بينه في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له به الكتاب ويدعوه اليه قال قلت صفه لي جعلت فداءك حتى افهمه قال الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه قلت ان الايمان ليتم وينقص ويزيد قال نعم قلت كيف ذلك قال لان الله تعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو امير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر الا عن رأيه وامره ومنها عيناه اللتان يبصر بهما واذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه فليس من هذه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها بفرض من الله تبارك وتعالى اسمه ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها والحديث طويل في بيان ذلك والاستدلال عليه من القرءان من اراده طلبه وفي الكافي ايضا عن جابر عن ابي جعفر (ع) قال سئل امير المؤمنين (ع) عن الايمان فقال ان الله تعالى جعل الايمان على اربع دعائم على الصبر واليقين والعدل والجهاد فالصبر من ذلك على اربع شعب على الشوق والاشفاق والزهد والترقب فمن اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات ومن اشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن راقب الموت سارع الى الخيرات واليقين على اربع شعب تبصرة الفطنة وتأول الحكمة ومعرفة العبرة وسنة الأولين فمن ابصر الفطنة عرف الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة كأنما كان من الأولين واهتدى للتي هي اقوم ونظر الى من نجا بما نجا ومن هلك بما هلك وانما اهلك الله من اهلك بمعصيته وانجى من نجا بطاعته والعدل على اربع شعب غامض الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم فمن فهم فسر جميع العلم ومن علم عرف شرائع الحكم ومن حلم لم يفرط في امره وعاش في الناس حميدا والجهاد على اربع شعب على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن المنافقين فمن امر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهي عن المنكر ارغم انف المنافق وامن كيده ومن صدق في المواطن قضي الذي عليه ومن شنأ المنافقين غضب لله ومن غضب لله غضب الله تعالى له فذلك الايمان ودعائمه وشعبه ه وكل ما سمعت من اركان الايمان ودعائمه واقسامه من ظاهر وباطن وقول وعمل ومن تقسيماته على الجوارح والقوى والمشاعر والحواس الظاهرة والباطنة من فروعهم وشعاع ولايتهم ومن مرسوم هديهم وسبيل سنتهم ولا يقبل الله شيئا الا بولايتهم واتباعهم روي في الكافي في حسنة زرارة عن ابي جعفر (ع) الى ان قال ثم قال ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للأمام عليه السلام بعد معرفته ان الله تعالى يقول من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا اما لو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع اعماله بدلالته اليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من اهل الايمان الحديث فالايمان فرعهم وصفتهم لانه عبارة عن ولايتهم وهي الدين الخالص الا لله الدين الخالص وهي دينهم (ع) لانهم لا يدينون الله الا بولايتهم والى هذا اشار الباقر عليه السلام لابيالجارود حين سأله عن حاجته قال (ع) هات حاجتك قال قلت اخبرني بدينك الذي تدين الله تعالى به انت واهل بيتك لا دين الله تعالى به قال ان كنت اقصرت الخطبة فقد اعظمت المسئلة والله لاعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله تعالى به شهادة الا ( ان لا خل ) اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص) والاقرار بما جاء به من عند الله والولاية لولينا والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع ه وهذا دينهم وهو الولاية وهو الايمان والصفة لا تقوم بدون الموصوف والفرع لا يتحقق الا بالأصل فهم ابواب الايمان (ص) فلا يوجد الايمان الا عنهم ولا ينزل الى شيعتهم منهم الا بهم ولا يصعد الى الله ولا يقبله الا بهم ولاقبل الا لهم ولم يمدح به احد غيرهم فهو ممادحهم تتلى على الواح الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والشهداء والصالحين وكل ساكن ومتحرك وكل رطب ويابس وكل مقبل باقباله وكل مدبر بادباره فثبت انهم ابواب الايمان في جميع الاحوال
قال عليه السلام : وامناء الرحمن
الأمناء جمع امين وهم (ع) امناء الرحمن يعني ان الرحمن سبحانه ائتمنهم على دينه في حفظه عن التغيير والتبديل لعلمه تعالى انهم يحفظونه لعدم ما ينافي ذلك فيهم من احد امور سبعة : الأول انهم معصومون مطهرون من الرجس فلا يظلمون بتضييع الأمانة لشهوة او تكبر او حسد او غير ذلك من الذمائم النفسانية الثاني انهم لا يجري عليهم السهو والنسيان لان ذلك انما يحصل لمن يلتفت وهم سلام الله عليهم لا يلتفت منهم احد لان الله امرهم بذلك فقال تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون ومن لم يلتفت لم يسه ولم يغفل ولم ينس الثالث انهم علماء فلا يجهلون فهم مراقبون مراعون لما يراد منهم الرابع انهم مظاهر قدرة الله فلا يحصل منهم عجز عن تحمل ما حملهم الله من غيبه الخامس ان الذي استحفظوه هو لوازم ذواتهم والذوات لا تفارق لوازمها لانهم خزائن الغيب وتلك المخزونة عندهم صفاتهم التي مظاهرها حقائق الخلائق السادس انه سبحانه ائتمنهم على انفسهم بأن يحبسوها على طاعته ويحفظوها عن معصيته فانها هي غيبه الذي عنده مفاتحه لا يعلمها الا هو وهي نفسه التي لا يعلم ما فيها عيسى (ع) وهي النفس الملكوتية الالهية فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى السابع انه سبحانه ائتمنهم على مشيته وربوبيته اذ مربوب فجعلهم محال مشيته وحملة ارادته فهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فحفظها ان لا يجدوا لانفسهم ولا لشيء من ميولاتها ولا لشيء من مشيئاتها اعتبار وجود بل ولا وجود اعتبار وانما ذكر الرحمن دون الله والرحيم لان الرحمن هو الجامع لصفات الاضافة وصفات الخلق وبصفته الرحمانية استوى على عرشه وهي الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء وهي التي ملأ الرحمن منها خزائن غيبه واظهر عنها افاعيله وصنائعه وابان بها اوامره ونواهيه ومد عنها سرادقات قدسه وفضله وعلا عنها بنيان عفوه وعدله وبسط بها بساط كرمه وآلائه ونشر فيها بوابل انعمه مبسوط حمده وثنائه وفتق الأجواء وشق الأرجاء وبث في افعاله ما قد برأه من الانس والجن وسائر الحيوانات ومن المسبحين الصافين والزاجرين والتالين والمدبرين واجرى الأقلام بما مضت به الأحتام واقام لازمات الايجاب بما اقتضته اطلاقات الأسباب ويسرها بدواعي الأشواق عند نوازع الأذواق وقدر الأقوات وانبت النبات في الأرض الكفات للأحياء والأموات وجعل بلطيف صنيعه الى عباده كل شيء سببا لشيء ومسببا لاخر ودليلا ومدلولا ومبتلى ومبتلى به وكتابا لشيء ومكتوبا في شيء الى غير ذلك من الشئون والأحوال التي ينقطع دونها المقال ولا يجد العقل فيها المجال وفي جميع ما اشرنا اليه في كل جزئي وجزء وذات وصفة مما في جميع العوالم لم يخلق الله شيئا من جميع ما اومأنا اليه من مخلوقاته الا اشهدهم خلقه وانهى علمهم اليهم وهم الحجة عليهم وقد يعبر عن ذلك الاشهاد بعرض ولايتهم على الخلق ففي السرائر لأبن ادريس من جامع البزنطي عن سليمن بن خالد قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول ما من شيء وما من آدمي ولا انسي ولا جني ولا ملك في السموات الا ونحن الحجج عليهم وما خلق الله خلقا الا وقد عرض ولايتنا عليه واحتج بنا عليه فمؤمن بنا وكافر وجاحد حتى السموات والارض والجبال الاية يعني والشجر والدواب ه والحاصل انهم امناء الرحمن لانه سبحانه ائتمنهم على جميع ما استوى به من رحمانيته على عرشه وامرهم ان يؤدوا الأمانات الى اهلها فادوا الى كل ذي حق حقه حتى انتهوا الى انفسهم فادوا اليها جميع ما لها من الحق والاستحقاق فامرهم حينئذ ان يؤدوا الأمانات الى اهلها فعرفوه بما اعطاهم فسبحوه بما له وحمدوه بما هو حقائقهم وهللوه بما وجدوا وكبروه بما لهم وعرفهم ما ذلك الأمر فقالوا انا لله وانا اليه راجعون والى ذلك الاشارة بقول سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه الهي امرت بالرجوع الى الاثار فارجعني اليها بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير
قال عليه السلام : وسلالة النبيين
السلالة بضم اوله هي الخلاصة فسلالة الشيء ما انسل من صفوته سميت بذلك لانها تسل من الكدر او هي ما تسل من الشيء القليل والسلالة النطفة لانها خلاصة الطعام والشراب وصفو الغذاء ويكنى بالسلالة عن الولد او عن الولد الصافي وسلالة النبيين اولادهم قال الشيخ محمد تقي المجلسي (ره) في شرح الفقيه في شرح هذه الفقرة فانهم ذرية نوح وابراهيم واسمعيل ظاهرا ومن طينة الانبياء والرسل روحا وبدنا كما نطقت به الاخبار المتواترة ه وظاهر كلامه انهم سلوا من طينة الانبياء اي صفيت او خلصت ارواحهم وابدانهم من طينة الانبياء وهذا يدل على انهم من حقيقة واحدة وانه لا يلزم ان يكون المسلول اعلى من المسلول منه لان الولد سلالة ابيه ولا يلزم ان يكون افضل منه وان جاز ذلك لدليل آخر لما دلت ( عليه الاخبار خل ) الاخبار عليه وانعقد الاجماع من الشيعة ان محمدا (ص) خير الخلق وان عليا نفسه بنص القرءان والاتحاد محال فكان المراد به المماثلة ومماثل الأفضل افضل فيكون علي (ع) افضل الخلق بعد محمد (ص) وما يجري لعلي (ع) يجري لولده الاحد عشر الطيبين وهذا التفصيل مع تسليمه لا يستلزم اختلاف الطينتين كما هو ظاهر كلامه تغمده الله برحمته وقد تقدم من احاديثهم ما يدل على ان الطينة التي خلقوا منها لم يكن لأحد من الخلق فيها نصيب ثم خلق من فاضل طينتهم اي من شعاعها كما نبهنا عليه سابقا خلق من ذلك طينة شيعتهم ولم يجعل لاحد فيما خلق منه شيعتهم نصيبا الا الانبياء والأحاديث في ذلك متكثرة جدا ويدل على هذا قوله تعالى وان من شيعته لابراهيم فاخبر ان ابراهيم عليه السلام الذي هو من افاضل اولي العزم من شيعة علي (ع) بنص الأحاديث الكثيرة وقد دلت احاديثهم ان شيعتهم خلقوا من شعاع نورهم قال امير المؤمنين (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال ابن عباس كيف ينظر بنور الله قال (ع) لانا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من شعاع نورنا فهم اصفياء ابرار اطهار متوسمون نورهم يضيء على من سواهم كالبدر في الليلة الظلماء ه فقد اخبر (ع) ان الله خلق شيعتهم من شعاع نورهم فاذا كان الانبياء خلقوا من شعاع نورهم ولا ريب ان نورهم تحت حقيقتهم وان ذلك الشعاع الذي خلقت منه حقائق الانبياء تحت نورهم فكيف يكونون (ع) خلصوا من طينة الانبياء (ع) نعم في الظاهر خلصوا منها على معنى ان وضع انوارهم في صلب آدم (ع) فهم ينتقلون من صلب الى رحم وهم ودائع الله عند الانبياء حتى ادوا وديعة الله كما امرهم سبحانه الى صلب عبدالمطلب فانقسم منه الى صلب عبد الله وابي طالب وكانت تلك الأنوار تعلقت بالنطف الطيبة تعلق ما بالقوة بما بالفعل كتعلق الشجرة في غيب النواة بالنواة اي بشهادتها ومما قال في هذا المعنى العباس بن عبد المطلب في هذا المعنى في مدح النبي (ص) قال :
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حين يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر انت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد الجم نسرا واهله الغرق
تنقل من صالب الى رحم اذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن منخندف علياء تحتها النطق
وانت لما ولدت اشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق
واما في الباطن فان تلك الأصلاب الشامخة التي تستقر فيها والارحام المطهرة التي تستودع فيها قشور لتلك الألباب احاطت بها كاحاطة الأشعة بالسراج ومدبرون بتلك الأرباب تقدرها في سائر اطوارها بمقتضي الأسباب فهي مفارقة لتلك المحال الشريفة في التقدير وان كانت مقارنة لها في التدبير ولأجل هذا كان كل من انتقل اليه ذلك النور المفارق اشرق وجهه وغرته نورا حتى يعرف بذلك الى ان ينتقل منه الى الرحم الطاهرة فيسلب منه النور ويتلألأ بوجه الحامل به الى ان تضع الجنين فيخرج مشرقا بما فيه وتسلب امه النور وهو قول الباقر (ع) فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب الى صلب ولا استقر في صلب الا تبين عن الذي انتقل منه انتقاله وشرف الذي استقر فيه الحديث وهكذا حتى انفصلت الأنوار من عبد الله وابي طالب وانجلت الأسرار من كل جانب وليس ذلك الا لانهم متعينون متميزون وان كانوا قد تعلقوا بالمحال الشريفة ولقد روي ان خديجة لما حملت بفاطمة (ع) كانت تسمع منها في بطنها التسبيح والتحميد والتهليل ثم كانت تعلم امها احكام دينها وهي في جوفها فمعنى كونهم سلالة النبيين انهم اودعوا في اصلابهم وهم انوار كونية واشباح نورانية لا انهم نطف مادية وان عبر عنها بالنطف لان النطف في اخبار اهل العصمة (ع) اكثر ما تستعمل في التي من عالم الغيب كما في تفسير علي بن ابراهيم باسناده عن الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال النطفة تقع بين السماء والأرض على النبات والثمر والشجر فيأكل الناس منه والبهائم فتجري فيهم ه ومعلوم ان هذه النطفة ليست مادية والاستدلال بكونها تقع بين السماء والأرض على انها مادية غلط لانها في الحديث الاخر ما معناه ان في الجنة شجرة تسمي المزن يقطر منها قطر على النبات والبقول فما اكل منها مؤمن او كافر الا خرج من صلبه مؤمن ه ومعلوم ان الجنة فوق فلك البروج ولو كانت مادية لما جاز ان تخرق فلك البروج والسموات السبع وتوجيهها بان الملائكة تحملها او انها قوة هو ما اشرنا اليه من انها ليست مادية وما في الكافي والتهذيب بأسنادهما عن سعيد بن المسيب قال سألت علي بن الحسين (ع) الى ان قال في مراتب دية الجنين قلت له ارأيت تحوله في بطنها من حال الى حال ابروح كان ذلك او بغير روح قال (ع) بروح عدا الحيوة القديم المنقول في اصلاب الرجال وارحام النساء ولولا انه كان فيه روح عدا الحيوة ما يحوله من حال بعد حال في الرحم وما كان اذن على من يقتله دية وهو في تلك الحال ه فقوله (ع) بروح عدا الحيوة القديم يريد به في الظاهر النفس النامية النباتية فانه لولاه لم ينتقل من النطفة الى العلقة ولا من المضغة الى العظم ولا من العظم الى ان يكسى لحما وليس المراد به النفس الحيوانية لانها لا مدخل لها في النمو لعدم ممازجتها للأجسام ولانها قبل الأجسام ولهذا استثناها (ع) بقوله عدا الحيوة القديم فان الحيوانية الحسية ليست من الأجسام بل هي من وراء الافلاك يعني من نفوسها وانما سماها بالقديم لانها سابقة على الروح النباتية والقديم يحتمل ان يراد به ما كان قبل الزمان ذاتا وان كانت بعد الزمان ظهورا ويحتمل ان يراد به القديم الشرعي اي ما كان له ستة اشهر كما في قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم بمعنى انه سابق بالذات فيكون المراد من سلالة النبيين اما بمعنى الصفوة والخلاصة من النبيين وان لم يكونوا من نوع طينتهم لكن لما كانت الحكمة تقتضي في كل نازل التعلق بالمحال المناسبة له في مراتب النزول في كل شيء بحسبه ولم يكن في المحال اشرف من اصلاب النبيين تنزلوا فيها حتى سلوا وتخلصوا منها فقيل سلالة النبيين او بمعنى اولاد النبيين لان الولد سلالة ابيه واما لان المراد من النبيين محمد (ص) خاصة لانه قد يقال هذا اللفظ ويراد منه محمد (ص) كما روي في تفسير قوله تعالى فأولئك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا عن ابي الصباح الكناني عن ابي جعفر (ع) قال اعينونا بالورع فانه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا ان الله عز وجل يقول من يطع الله ( ورسوله خل ) وقرأ الى وحسن أولئك رفيقا فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون وعن محمد بن سليمن عن ابي عبد الله (ع) انه قال لابي بصير يا ابا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال فاولئك الى وحسن اولئك رفيقا فرسول الله (ص) في الاية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وانتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل وروى انس بن مالك قال صلى بنا رسول الله (ص) في بعض الأيام صلوة الفجر ثم اقبل علينا بوجهه الكريم فقلت يا رسول الله ارأيت ان تفسر لنا قوله تعالى فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فقال اما النبيون فانا واما الصديقون فاخي علي واما الشهداء فعمي حمزة والصالحون فابنتي فاطمة واولادها الحسن والحسين والحديث طويل وفي تفسير علي بن ابراهيم واما قوله من يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا قال النبيين رسول الله (ص) والصديقين علي والشهداء الحسن والحسين والصالحين الائمة وحسن اولئك رفيقا القائم من ال محمد صلوات الله عليهم ه فاذا اشتهر عندهم (ع) اطلاق النبيين على محمد (ص) كما سمعت وما لم تسمع فلك ان تريد بقوله (ع) سلالة النبيين سلالة رسول الله (ص) وعلى هذا الوجه فيتجه مراد محمد تقي من السلالة كما تقدم فانهم (ع) قد سلوا من محمد جدهم صلى الله عليه وآله سل النور من النور كما اشار اليه امير المؤمنين صلوات الله عليه حيث قال انا من محمد كالضوء من الضوء ثم اعلم ان ما ذكرنا من معنى السلالة هو المعنى اللغوي اولا وبعده المعنى المراد في بواطن التفسير واما ماهيتها بالعبارة الحكمية على الميزان الشرعي اذا اريد منها ما يكون سلالة مادية فاعلم ان السلالة هي النطفة والنطفة مؤلفة من نطفة معنوية ملكوتية ونطفة هيولانية جسمانية اما النطفة المعنوية الملكوتية فانها تنزل قطرة من شجرة المزن كما مر في الحديث وهي قطرة من درة الوجود لحظها بعين ارادته سبحانه فذابت ماء من خشيته وهي نور ذائب يعني معنى تنزل من معاني العقل الى رقيقة من رقائق الروح ثم منها الى صورة من صور اللوح المكتوبة فيه ثم اذابها حتى مزجها بذرة من ذرات الهباء الجوهري ثم حملها الأملاك واجروها في قوي الأفلاك وسلمتها الى الرياح وتقبلتها ( تقلبها خل ) من السحاب كل دلاح والقتها في الأمطار حتى سرت في البقول والثمار وجرت في الطعام وخالطت غذاء الأنام وخلصت من اثفال الكيلوس وشعور الكيموس حتى جاورت النفوس ثم نزلت نطفة من مني يمني فصار ما فيها بالقوة من المادة بالفعل وما فيها بالفعل من الحيوة والاحساس بالقوة فاذا كرت عليها الملائكة الأربعة بالرياح الأربع تنقلت ( تنقلب خل ) من طور النطفة الى العلقة ومنها الى المضغة ومنها الى العظام ثم يكسى لحما فاذا تمت خلقته كان ما فيه بالقوة من الحيوة والشعور بالفعل وروى القمي باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عن آبائه (ع) عن امير المؤمنين (ع) قال ان الله تبارك وتعالى اراد ان يخلق خلقا بيده ثم ذكر ما قال الله للملائكة في امر خلق آدم الى ان قال فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال منك اخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهتدين والدعاة الى الجنة واتباعهم الى يوم القيمة ولا ابالي ولا اسئل عما افعل وهم يسئلون ثم اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك اخلق الجبارين الفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة الى النار يوم القيمة واشياعهم ولا ابالي ولا اسئل عما افعل وهم يسئلون قال وشرط في ذلك البداء فيهم ولم يشترط في اصحاب اليمين ثم خلط المائين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفأهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله ( ملائكة خل ) الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور ان يجولوا على هذه السلالة الطين فابرأوها وانشأوها ثم ابرأوها وجزؤها وفصلوها واجروا فيها الطبائع الأربعة الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور واجروا فيها الطبائع الأربعة الريح في الطبائع الأربعة من ناحية الشمال والبلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا والمرة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور والدم في الطبائع الاربعة من ناحية الجنوب قال فاستقلت النسمة وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الأمل والحرص ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتمرد والعجلة ولزمه من ناحية الدم حب اللذات وركوب المحارم والشهوات قال ابو جعفر (ع) وجدنا في كتاب علي (ع) والحديث طويل اقول قد بين (ع) ان السلالة مركبة من غرفة اليمين وغرفة اليمين التي هي من الماء العذب هي طينة النبيين وهي الصورة الانسانية وهيكل التوحيد بعد ان كسرها ثم عركها بيده وقد اشار تعالى الى ذلك العرك بقوله الحق لنبلوهم ايهم احسن عملا ليميز الله الخبيث من الطيب وهو معنى فصلصلها حتى اقرت بالاخلاص حتى جمدت واستقرت طينا ثابتا بعد ان كانت ماء سيالا ومعنى اغترافه لها بيمينه هو قولها بلى مصدقة عارفة مسلمة لقوله الست بربك ومحمد نبيك وعلي وليك وامامك والأئمة من بنيه ائمتك وجمودها بذلك كقوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ومثل فاستقم كما امرت ومثل ولا يلتفت منكم احد فقال لها منك اخلق النبيين والمرسلين الخ ومن غرفة الشمال وغرفة الشمال التي هي من الماء الاجاج هي طينة الجبارين الفراعنة والعتاة وهي الصورة الشيطانية وهيكل الجحود والطغيان بعد ان كسرها وعركها بيده وهو قوله تعالى ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ فصلصلها حتى جحدت وجمدت واستقرت طينا منتنا بعد ان كانت ماء لزجا رجراجا وذلك حين عرض عليها التوحيد فقبلت وعرض عليها النبوة فسكتت فترددت في توحيدها وارتابت فلما عرض عليها الولاية انكرت الامر بها فجحدت التوحيد وكذبت الداعي اليها فانكرت النبوة وهو تأويل قوله تعالى ولقد صدق عليهم ابليس ظنه وذلك انه عظم عليه ( اليه خل ) وعلى جنده اقرارهم بالتوحيد والنبوة فقال لجنده اظن انهم لا يقبلون الولاية فيجحدون التوحيد والنبوة فلما وقع منهم جحود الولاية وعدم قبولها قال ابليس لجنده ان ظني فيهم قد صدق فانزل الله على نبيه (ص) الاية فخلق الله تعالى من صفوة الاولى الانبياء والمرسلين واهل العصمة (ع) ومن كثيف الثانية ائمة الضلال والدعاة الى النار ثم خلط الفاضلين من الطينتين بعد ان اذاب كل فاضل على حدة ثم جمعهما وعركهما وصلصلهما في كفه وهو تأويل قوله تعالى ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعي وفي اصل درست عن محمد الأحول عن حمران بن اعين قال قال ابو عبد الله (ع) ان اول وقوع الفتن احكام تبتدع وهوى يتبع يخالف فيها حكم الله يتولى فيهما رجال رجالا ولو ان الحق اخلص فعمل به لم يكن اختلاف ولو ان الباطل اخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى ولكن يؤخذ ضغث من هذا وضغث من هذا فيضرب بعضه ببعض فعند ذلك يستولي الشيطان على اوليائه وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى ثم كفأهما اي كبهما تحت عرشه يعني تحت الحجاب الأحمر من عرشه فلما امتزجا بالتعفين الصلصالي كان ذلك الشيء سلالة من طين وهذا في الظاهر مادي الا ان ما كان فيها من العلوي غيب في هذا المادي كالشجرة في غيب النواة وهذا الغيب هو الحيوة القديم الذي اشار اليه علي بن الحسين (ع) في الحديث المتقدم وهذا الغيب في المادي هو الغصن المغروس في ارض الأرحام والملائكة الأربعة هم الزارعون وهم الساقون لهذا الغصن والمدبرون كما في قوله تعالى فالمدبرات امرا فاول ما يتلقاه الدبور فاذا ادخله الحمام توجه له الجنوب فعفنه وحله وصفاه الدبور والقى عنه الغرائب الصبا وعقده الشمال ثم حله الجنوب ثانيا وصفاه الدبور والقى عنه الغرائب الصبا ثانيا وعقده الشمال ثانيا وهكذا حتى يظهر الغيب باثاره في الشهادة وشرح ذلك لا يسعه هذا الكلام فظهر انهم سلالة النبيين على هذه المعاني التي ( للتي خل ) اشرنا اليها سابقا وهي انه ان اريد بالسلالة المادية كان المعنى ان نطفهم النورانية حين تنزلها هبطت في المواد الطيبة الى الاصلاب الطاهرة ويكون النبيين اعم وتسمي حينئذ خلاصة وان اريد بها النورانية فسلها سل ما تعلقت به او ان النبيين رسول الله (ص) وسلم
قال عليه السلام : وصفوة المرسلين
الصفوة مثلثة الصاد الخلاصة وقد تقدم الكلام في الانبياء والمرسلين في الجملة والمعنى في هذا كمعنى سابقه واما كونهم صفوة المرسلين فعلى ظاهر الحال ان طينتهم وطينة الانبياء واحدة كما دل عليه كثير من الروايات فاخذت طينتهم من صفوة تلك الطينة وجعل الباقي طينة الانبياء فقيل صفوة المرسلين الا ان احاديثهم تدل على ان طينتهم لم يجعل فيها لمخلوق نصيب وقد تقدم في رواية محمد بن مروان عن ابي عبد الله (ع) فانه قال لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا فابان (ع) انفراد طينتهم عن كل احد حتى الانبياء والمرسلين بدليل قوله (ع) بعد ذلك وخلق ارواح شيعتنا من ابداننا وابدانهم من طينة مخزونة اسفل من تلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا الانبياء والمرسلين الحديث وقد تقدم فانه ادخل طينة الانبياء والمرسلين في طينة شيعتهم التي هي اسفل طينتهم فاذا ادخلت طينتهم في طينة الانبياء والمرسلين كان ذلك لملاحظة مقابلة طينة الجاحدين والكافرين والا فلا تدخل لان طينتهم خلقها الله ولم يكن خلق فخلق من فاضلها اي من عرقها وشعاعها ارواح النبيين والمرسلين وارواح النبيين والمرسلين قبل طينهم لان طينهم ( طينتهم لان طينتهم خل ) من فاضل شعاع ارواحهم ويدل على انهم في ارواحهم سابقون وكذا طينتهم ما رواه في رياض الجنان عن جابر بن عبد الله قال قلت لرسول الله (ص) اول شيء خلقه الله تعالى ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم واقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم واقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء واقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم والعصمة والتوفيق من جزء واقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله من انفاسها ارواح الأولياء والشهداء والصالحين ه فانظر الى هذا الحديث وصراحته في ان ارواح الائمة (ع) كانوا ولم يكن شيء فمكثوا يسبحون الله ويهللونه قبل خلق السموات والأرض بما لا يدخل تحت حصرنا ولقد روي عن علي (ع) ما معناه وقد سئل كم بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض فقال (ع) اتحسن ان تجب ( تحسب خل ) فقال نعم فقال اخشى الا تحسن قال بلى قال لو صب خردل حتى سد الفضاء وملأ ما بين الأرض والسماء ثم اذن لك وعمرت مع ضعفك ان تنقله حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من مثقال الذر مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والأرض واستغفر الله عن التحديد بالقليل ه فتفكر في معنى هذا الحديث فاذا حصل لك معرفة ذلك بالتقريب فاعرف ان ذلك يدل على ما لا يتكيف ولا يوصف وانوارهم (ع) قبل كون العرش على الماء قبل خلق السموات والأرض بمدة اقامة نور محمد وانوار اهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم في مقام القرب وذلك المقام لا تقدير له ولا نهاية الا عند الله تعالى وسبق انوار الانبياء والمرسلين حين تعينهم بمدة اقامة العرش والكرسي وحملتهما في مقام الحب ومدة اقامة القلم واللوح والجنة في مقام الخوف ومدة اقامة الملائكة والشمس والقمر والكواكب في مقام الرجاء ومدة اقامة العقل والعلم والحلم والعصمة والتوفيق في مقام الحياء وكل مدة من هذه المدد ما شاء الله ولم يتبين لي خصوص كمية اعدادها الا ان الأعداد الواردة في نوع هذه المقامات مختلفة فمنها ثمانون الف سنة ومنها سبعون الفا ومنها اربعة عشر الفا ومنها اثنا عشر الفا ومنها غير ذلك وفي بعضها اكثر مما ذكر وفي بعضها اقل ثم نظر الله سبحانه الى ذلك النور بعين الهيبة فرشح ذلك النور الى آخر ما ذكر في الحديث السابق فاذا عرفت ما ذكرنا تبين لك ان انوارهم (ص) سابقة على انوار النبيين بما لا يتناهى وهو تأويل قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا وهو كناية عن عدم انتهاء فضائلهم وسبق ابتدائهم فاذا ظهر لك انهم بعد ان خلقهم الله وامرهم بالأدبار لتشييد النظام فاخذوا يتنزلون من مقام الى مقام وكلما وصلوا مقاما في نزولهم بقوا فيه يسبحون الله بكل لسان يمكن في ذلك المقام من كل لغة الى ان وصلوا الى آخر مقام من مقامات الاختصاص فلما حصلوا هناك ولحظهم سبحانه بعين الهيبة رشح من انوارهم تلك القطرات المذكورة وهي مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة خلق الله من تلك القطرات من كل قطرة روح نبي او مرسل الخ ظهر لك ان اطلاق صفوة المرسلين لا يراد منه الا انه سبحانه اصطفاهم واختارهم من الأنوار الخالصة التي هي ضد الظلمات كما اشرنا اليه سابقا بعد ان اجتمعت العالية حين نزلت بالسافلة فنظر سبحانه اليهم مجتمعين في صعيد الحشر الأول من الذر فاصطفي السابقين الى دعوته والسابقون في الاجابة الثانية هم السابقون في الاجابة الاولى صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : وعترة خيرة رب العالمين
قال محمد تقي (ره) في شرح الفقيه هنا العترة نسل الرجل ورهطه وعشيرته الاقربون وهم اهل بيته كما ورد متواترا عنه (ص) اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي والخيرة بسكون العين وفتحها المختار ه وفي معاني الاخبار باسناده عن ابي سعيد الخدري ان النبي (ص) قال اني اوشك ان ادعي فاجيب فاني تارك فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي اهل بيتي وان اللطيف الخبير اخبرني انهما لنيفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا بماذا تخلفوني فيهما وفيه ان اباالعباس تغلب سئل عن معنى قوله (ص) اني تارك فيكم الثقلين لم سميا بالثقلين قال لان التمسك بهما ثقيل وفيه قال سئل امير المؤمنين (ع) عن معنى قول رسول الله (ص) اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي من العترة فقال عليه السلام انا والحسن والحسين والائمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (ص) حوضه اقول في هذا الحديث الشريف ان العترة هي جميع الائمة (ع) وهذه هو ( هي خل ) المعلوم من مراد رسول الله (ص) وان كان قد يخص باصحاب الكساء تبعا لظواهر بعض الاخبار وان باقي الائمة يدخلون من جهة اللزوم وقوله (ع) لا يفارقون كتاب الله يعني به انهم في جميع احوالهم واعمالهم واقوالهم وافعالهم ومعتقداتهم لا يخرجون فيها عما حكم به كتاب الله وبينه في الصغيرة والكبيرة والدقيقة والجليلة وقوله (ع) ولا يفارقهم انه لم يظهر منه حق لأحد من الخلق في جميع الأحوال والأقوال والأعمال والاعتقادات في ظاهر ولا باطن ولا ظاهر ظاهر ولا باطن باطن ولا تأويل ولا باطن تأويل ولا قصة ولا مثال ولا اعتبار ولا استدلال ولا اخبار ولا حكم ولا علم ولا غير ذلك مما يطابق الشرعي الواقعي او الوجودي الا بهم وعنهم ولهم والعترة بكسر اوله في اللغة قال ابو العباس تغلب حدثني ابن الأعرابي وقال العترة قطاع المسك الكبار في النافجة وتصغيرها عتيرة ومثها ( مثلها خل ) الريقة العذبة وشجرة تنبت على باب وجار الضب قال تغلب واحسبه اراد وجار الضبع لان الذي للضب مكو وللضبع وجار اقول في ق والوجار بالكسر والفتح جحر الضبع وغيرها ه قوله وغيرها لا يدل على انه يستعمل في الضب ايضا ثم قال واذا خرجت الضب من وجارها تمرغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنمو ولا تكبر والعرب تضرب مثلا للذليل والذلة فيقولون اذل من عترة الضب والعترة ولد الرجل وذريته من صلبه فلذلك سميت ذرية محمد (ص) من علي وفاطمة عترة محمد (ص) قال تغلب فقلت لابن الاعرابي فما معنى قول ابي بكر في السقيفة نحن عترة رسول الله (ص) قال اراد بلدته وبيضته وعترة محمد (ص) لا محالة ولد فاطمة (ع) والدليل على ذلك رد ابي بكر وانفاذ علي عليه السلام بسورة براءة وقوله (ص) امرت الا يبلغها عني الا انا او رجل مني فاخذها منه ودفعها الى من كان منه دونه فلو كان ابو بكر من العترة نسبا دون تفسير ابن الاعرابي انه اراد البلدة لكان محالا اخذ سورة براءة منه ودفعها الى علي عليه السلام وقد قيل ان العترة الصخرة العظيمة يتخذ الضب عندها جحرا يأوي اليه وهذا لقلة هدايته وقد قيل ان العترة اصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من اصولها وعروقها والعترة في غير هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وآله لا فرعة ولا عتيرة قال الاصمعي كان الرجل في الجاهلية ينذر نذرا على انه اذا بلغت غنمه مائة ان يذبح رجيبه وعتائره فكان الرجل ربما بخل بشاته فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه عند آلهتهم ليوفي بها نذره وانشأ الحارث ابن حلزة يقول :
عنتا باطلا وظلما كما يعتر عن جحرة الربيض الظباء
يعني يأخذونها بذنب غيرها كما يذبح اولئك الظباء عن غنمهم وقال الأصمعي والعترة الريح والعترة ايضا شجرة كثيرة اللبن صغيرة تكون نحو تهامة ويقال العتر الذكر ( يقال خل ) عتر يعتر عترا اذا انعظ وقال الرياشي سألت الأصمعي عن العترة فقال هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقا قال مصنف هذا الكتاب رضى الله عنه والعترة علي بن ابي طالب وذريته من فاطمة وسلالة النبي (ص) وهم الذين نص الله تبارك وتعالى عليهم بالامامة على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وهم اثنا عشر اولهم علي واخرهم القائم عليهم السلام على جميع ما ذهبت اليه العرب من معنى العترة وذلك ان الائمة عليهم السلام من بين جميع بني هاشم ومن بين جميع ولد ابي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة وعلومهم العذبة عند اهل الحل والعقد وهم الشجرة التي اصلها رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) فرعها والائمة من ولده اغصانها وشيعتهم ورقها وعلمهم ثمرها وهم عليهم السلام اصول الاسلام على معنى البيضة والبلدة وهم عليهم السلام الهداة على معنى الصخرة العظيمة التي يتخذ الضب عندها جحرا يأوي اليه لقلة هدايته وهم اصل الشجرة المقطوعة لانهم وتروا وظلموا وجفوا وقطعوا ولم يوصلوا فنبتوا من اصولهم وعروقهم لا يضرهم قطع من قطعهم وادبار من ادبر عنهم اذ كانوا من قبل الله منصوصا عليهم على لسان نبيه صلى الله عليهم ومن معنى العترة هم المظلومون المأخوذون بما لم يجرموه ولم يذنبوه ومنافعهم كثيرة وهم ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللبن وهم عليهم السلام ذكران غير اناث على معنى قول من قال ان العترة هو الذكر وهم جند الله تعالى وحزبه على معنى قول الأصمعي ان العترة الريح قال النبي (ص) الريح جند الله الأكبر في حديث مشهور عنه صلى الله عليه وآله والريح عذاب على قوم ورحمة لاخرين وهم عليهم السلام كذلك كالقرءان المقرون اليهم بقول النبي صلى الله عليه وآله اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي قال الله تعالى وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وقال تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون وهم عليهم السلام اصحاب المشاهد المتفرقة على معنى الذي ذهب اليه من قال ان العترة هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقا وبركاتهم منبثة في المشرق والمغرب انتهى ما نقلته من معاني الأخبار للصدوق وانما اكتفيت بما ذكره لانه كاف في معناه في اللغة واما البيان المتعلق بغير اللغة فهو لا يفيد الا ببيان ما هو موضوع له وذلك هو مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو واما الخيرة بسكون الياء وفتحها فهو المختار والمراد رسول الله صلى الله عليه وآله ووصفه كما قال (ص) يا علي لا يعرفك الا الله وانا ولا يعرفني الا الله وانت ولا يعرف الله الا انا وانت وكما قال علي عليه السلام في خطبة يوم الغدير والجمعة قال عليه السلام واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتخبه ( انتجبه خل ) آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الأداء اذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته بما لم يلحقه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اذ لا يختص من يشوبه التغير ( التغيير خل ) ولا يختار من يلحقه التظنين وامر بالصلوة عليه مزيدا في تكرمته وطريقا للداعي الى اجابته فصلى الله عليه ( وآله خل ) وكرم وشرف وعظم مزيدا لا يلحقه التقييد ولا ينقطع على التأبيد وقال في وصف العترة الطاهرة عليهم السلام بعد هذا الكلام بلا فاصلة وان الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه صلى الله عليه وآله من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وجعلهم الدعاة بالحق اليه والأدلاء بالارشاد عليه لقرن قرن وزمن زمن انشأهم في القدم قبل كل مذروء ومبروء انوار ( انوارا خل ) انطقها بتحميده والهمها شكره وتمجيده وجعلها الحجج له على كل معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية واستنطق به الخرسات بانواع اللغات بخوعا له بأنه فاطر الارضين والسموات واشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من امره وجعلهم تراجم مشيته والسن ارادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون يحكمون باحكامه ويستنون بسنته ويعتمدون حدوده وفرضه ولم يدع الخلق في بهماء صماء ولا في عمياء بكماء بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم وتفردت في هياكلهم حققها في نفوسهم واستعبد لها حواسهم فقرر بها على اسماع ونواظر وافكار وخواطر الزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما شهدته بالسن ذربة بما قام فيها من قدرته وحكمته وبين عندهم بها ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وان الله لسميع بصير شاهد خبير ه فقوله صلى الله عليه وآله يا علي لا يعرفك الخ يشعر بان جميع خلق الله بعدهما لا يعرفهما كنه معرفتهما وربما استشكل بعضهم في هذا فقال الائمة الطاهرون على هذا لا يعرفون كنه جدهم وابيهم وهذا غريب لانهم قد ورثوا جميع ما وصل الى محمد وعلي (ص) ومن المعلوم ان من جملة ذلك معرفة انفسهم ولا يجوز ان ينفرد واحد من الحجج بعلم عن غيره من الحجج مع انه شريكه في استحفاظ الدين والجواب انه لما كان الشيء لا يعرف الا بصفته الا ان يكون مع المعروف في مقام واحد فيعرفه به لما تقرر ان العلم عين المعلوم فانت تعرف زيدا مثلا بصفته التي في خيالك وتلك الصورة هي معلومك وهي علمك بزيد اي بصفته الانتزاعية التي هي علمك فان اجتمعت مع زيد في مكان بحيث تشاهده علمته به لا بصورته الانتزاعية فانها هي علمه بصورته ولو لم تجتمع معه في مقام لما علمت ذاته الا بصفته لانها هي العلم بصفته ورسول الله صلى الله عليه وآله هو اصلهم وكذا علي عليه السلام للائمة (ع) وهم فروعه والفرع لا يجتمع مع الأصل ليعرفه به لان الأصل في المقام الأول والفرع في المقام الثاني فلا يعرفه بالكنه وانما يعرفه بالصفة فقوله (ص) لا يعرفك الا الله وانا يعني معرفة ( معرفته خل ) بالكنه لانه في مقام الأصل ولا يعرفه بالكنه الا من كان في مقامه وقول علي عليه السلام استخلصه في القدم يريد بهذا القدم اما السرمد الذي هو وقت المشية اي بان جعله محلا لمشيته لانه هو الذي يسع ذلك ولا يسعه غيره كما قال تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن واما القدم الزماني والدهري يعني استخلصه قبل الزمان في الدهر او قبل الدهر في السرمد واما القدم اللغوي فهو السبق المطلق بالنسبة الى المتأخر واما القدم الشرعي فيصدق على من كان له ستة اشهر يسمى قديما كما هو مشهور في الاخبار وعند الفقهاء وقد يراد به قبل هذا العالم كما قال صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وقال علي عليه السلام كنت وليا وآدم بين الماء والطين نقله ابن ابي جمهور في كتابه المجلي قوله (ع) انفرد يعني رسول الله صلى الله عليه وآله عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس يريد به انه صلى الله عليه وآله بما هو هو انفرد فلا مشاكل له ولا مماثل له في خلق الله فلم تتعلق مشية الله ولا تتعلق بشيء يساويه الا نفسه صلى الله عليه وآله وليس في الامكان اشرف منه ولا يساويه الا ذاته ولا يدانيه الا علي عليه السلام قوله (ع) آمرا وناهيا يريد انه جعله مظهر امره ونهيه في تكاليف العباد عن مراده تعالى وقوله (ع) اقامه في سائر عالمه يريد به انه سبحانه جعله ظاهره في جميع الخلق ووجهه الذي يتوجه اليه العباد ( وخل ) قوله (ع) في الأداء يريد انه سبحانه في كل شيء اراد الله ان يؤديه الى احد من خلقه فانه لا يمكن لاحد ان يتلقى الفيض من جهة الحق الا بواسطته (ص) لانه الرابطة بين الحكمين ومقتضى الرابطة التوسط لتوقف ترتب الاثار من المقبولات والقابلات عليه (ص) وقوله (ع) قرن الأعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته اراد ان ما وراء رتبته ووجوب معرفته لا يكلف الله العباد بذلك لانهم لا يحتملونه فلا يتوقف وجودهم ولا نظام دينهم ودنياهم عليه وقوله (ع) اذ لا يختص من يشوبه التغيير الخ يريد به بيان علة الاختصاص من الحكيم العليم وانها كونه لذاته سراجا منيرا وانه لعلى خلق عظيم لا اله الا الله رب كل شيء ومالكه وقوله (ع) وامر بالصلوة عليه الخ يشير به الى ان ذلك من الله سبحانه رفع لشأنه (ص) وبيان لان هذه العبادة ثناء منه على نبيه (ص) كما يليق بمقامه (ص) فانه (ص) مقترن بالوجود الراجح وذلك لا غاية له ولا نهاية ولا بدء له في الامكان ولا اولية له الا من الله الذي لا يكون غاية لشيء ولا آخر له في الوجود كذلك الا الى الله الذي لا اله الا هو فافهم فانه مسلك ادق من الشعر واحد من السيف يصعد السالكون فيه الف سنة ويمكثون في وسطه خمسينالف سنة وينزلون الف سنة فاصبر صبرا جميلا وقوله (ع) في اهل البيت (ع) وان الله اختص لنفسه بعد نبيه (ص) فيه اشارة الى انهم (ع) مساوون لمحمد في كل ما يريد الله سبحانه لجميع المخلوقات وان اختلفوا من حيث مراتب ذواتهم او كانوا مرتبين ( مترتبين خل ) عليه (ص) بدليل قوله بعد نبيه (ص) وقوله (ص) علاهم بتعليته يراد منه وجهان احدهما انهم انما بلغوا ما بلغوا بمحمد (ص) وهو كذلك وثانيهما ان الله رفعهم الى المكان الذي رفعه (ص) اليه لان مقامهم من مقامه وطينتهم واحدة ونورهم واحد وان كان (ص) هو السابق وهم التابعون لكنهم به رأوا ما رأى وسمعوا ما سمع وقوله (ع) لقرن قرن وزمن زمن يشير الى ان الله سبحانه جعلهم الدعاة بالحق اليه في جميع العوالم الالف الف وفي جميع الأوقات يظهرون في كل عالم من جنسه ظاهرا وبسر علته وقيوميته باطنا وقوله (ع) انشأهم في القدم قبل كل مذروء ومبروء انوار انطقها الخ يريد بالقدم المعنى الذي ذكر في حق النبي (ص) والمذروء هنا في التقدير والمبروء في الأعيان انطقها فحمدته بحقائقها وشكرته على ذواتها فسبحه الخلائق بهم ومجدوه بذكرهم وفي الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه والسلام على ارواحكم واجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وقوله (ع) واشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من امره يريد انه سبحانه خلقهم له وخلق الخلق لهم واشهدهم خلق خلقه وولاهم ما شاء من امره لانهم محال مشيته وقوله عليه السلام وجعلهم تراجم مشيته يريد انهم يفعلون بمشية الله فمشية الله لا تعرف الا بفعلهم فهم المترجمون لمشيته والسن ارادته يعني ان ارادته تنطق بالمفعولات وبيان العبارة عنها هو فعلهم فهو الناطق عن مشيته وافعالهم واقوالهم واعمالهم السن مشيته وقوله (ع) بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم الخ يشير الى انه سبحانه جعل عقولهم يعني المكلفين تدرك المعاني بنفسها وتدرك الرقائق بممازجتها للارواح وتدرك الصور بممازجتها للنفوس وتدرك الأشباح بممازجتها للحس المشترك وتدرك الألوان بممازجتها للعيون وتدرك الأصوات بممازجتها للاذان وتدرك الروائح بممازجتها لحلمات الاناف وتدرك الملموسات بممازجتها لبشرات اللامسين وهذه المشاعر ظاهرها وباطنها انما تحس بمدركاتها ويحس صاحبها بتلك المدركات بالعقول لا غير والمراد بممازجة العقول لها ظهورها بادراكاتها فيها واستعمالها لها فيما يراد منها واعلم اني انما ذكرت بعض بيان ما ذكر في هذه الكلمات من خطبته ليحصل في ذكرها فائدة غير مجرد الاستشهاد بها على مقامه ومقام اهل بيته (ص) وفي قوله رب العالمين الرب هو المالك والصاحب والسيد والمصلح والمربي والمدبر والمنعم وهذه الأحكام السبعة معان للرب وباضافته الى العالمين تظهر فائدة اضافته في المالك والمربي والسيد والمصلح والمدبر والمنعم واما الصاحب فاذا اريد به المالك اريد هنا وان اريد به معناه المشتق من المصاحبة فيجوز ايضا اطلاقه على الله تعالى بمعنى انه مع كل شيء وبمعنى المحيط بكل شيء كما في الدعاء يا صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى اي انه الحاضر عندها والمحيط بها والمطلع عليها والذي بامره تقومت النجوى واذا لوحظ في هذا المضاف معنى المربي والمصلح والمدبر والمنعم كان في اضافة الخيرة اليه انه (ص) هو المربي بامر الله لسائر الخلق والمصلح لما فسد منهم والمدبر لهم بما فيه صلاحهم من الاوامر والنواهي والتأديبات الارشادية التي بها نالوا حظوظهم من الدرجات والمقامات العاليات او ان الله سبحانه لشدة اعتنائه بتربية عباده وحسن تدبيره لهم واصلاحهم وجزيل نعمه عليهم اختار منهم لا يصال هذه الخيرات اليهم خير خلقه لانه كان (ص) شديد العناية بما فيه صلاح نظامهم ودينهم ودنياهم ونفوسهم ولذلك اخبر سبحانه عن هذه الصفات البالغة فيه (ص) كمال الغاية فيما هي له بحسب الرتبة الامكانية قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم والعالمين جمع عالم بفتح اللام اسم لما يعلم به كالخاتم لما يختم به غلب فيما يعلم به الصانع سبحانه مما سوى الله او انه اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين وقيل يراد به هنا الناس لان كل واحد منهم عالم مستقل لانه انموذج من العالم الكبير ولان فيه جميع ما في العالم الكبير من الأفلاك والارض واقواتها وما فيها من الجبال والشجر والمطر والبرق والرعد والنبات وغير ذلك مما يعلم به الصانع ( الصائغ خل ) سبحانه وجمع لئلا يتوهم ان الالف واللام لاستغراق افراد شخص واحد اي اجزاؤه وان كان يمكن تصحيح ذلك على تكلف بمعنى ارادة جميع امثاله في احواله واقواله وافعاله واعماله لانها امثاله فانك اذا رأيت زيدا قائما يوم الاحد وقاعدا يوم الاثنين وآكلا يوم الثلاثا وزانيا يوم الأربعاء ومصليا يوم الخميس مثلا فكلما التفت خيالك الى زيد يوم الأحد رأيته في كل حال قائما وفي يوم الاثنين في كل حال قاعدا وهكذا فلا تزال ما دمت حيا كلما التفت الى تلك الحال من زيد رأيت ذلك المثال عاملا وان مات زيد وهذه هي امثاله وصفات اعماله وافراده فلو ادخلت لام الاستغراق على الواحد لاستغراق افراده بهذا المعنى جاز الا انه لا يتبادر عند الاطلاق ولا يصلح لخطاب العوام فلما جمع كان الجمع لاستغراق الأجناس وحرف التعريف لاستغراق افراد الجنس ودل هذان الاستغراقان المضافان الى الرب جل وعلا على انه سبحانه اختار محمدا (ص) لاجل اصلاح جميع بريته وتربيتهم واصلاحهم وارشادهم وتبليغهم المراتب العالية صلى الله عليه وآله الطاهرين
قال عليه السلام : ورحمة الله وبركاته
الرحمة هنا لعل المراد بها الرحمة المكتوبة الخالصة من جميع مكاره العدل والمتخلصة للكرم والفضل وهذه هي الرحمة الخاصة وقد تقدم بعض بيانها وقد اشار الامام (ع) في تفسيره في بيان هذه الرحمة الخاصة بالمؤمنين وهي صفة الرحيم قال (ع) واما قوله الرحيم فان امير المؤمنين (ع) قال رحيم بعباده المؤمنين ومن رحمته خلق مائة رحمة وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم فبها تتراحم الناس وترحم الوالدة ولدها وتحن الأمهات من الحيوانات على اولادها فاذا كان يوم القيمة اضاف هذه الرحمة الواحدة الى تسع وتسعين رحمة فيرحمها امة محمد (ص) ثم يشفعهم فيما يحبون له الشفاعة من اهل الملة حتى ان الواحد ليجيء الى مؤمن من الشيعة فيقول له اشفع لي فيقول له اي حق لك علي فيقول سقيتك يوما ماء فيذكر ذلك فيشفع له فيشفع فيه ويقوم آخر فيقول انا لي عليك حق فيقول ما حقك فيقول استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له فيشفع فيه فلا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه وان المؤمن اكرم على الله تعالى مما يظنون ثم اعلم ان الرحمة بمعنى العطف او ( وخل ) ايصال الفضائل او دفع المكاره او هي الحيوة في عالم الغيب بل وفي الشهادة وبمعنى المغفرة فعلى الأول والثاني قوله (ع) يا بارئ خلقي رحمة بي وكان عن خلقي غنيا وعلى الثالث قوله تعالى لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم وعلى الرابع قوله تعالى فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها وعلى الخامس قوله تعالى الا انها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ان الله غفور رحيم فاذا عطفت على السلام كما تقدم من معناه كانت بمعناه او هو لدفع المكاره والرحمة لجلب الفواضل والفضائل الدينية والبركة محركة النما والزيادة والسعادة قال في القاموس وبارك على محمد وال محمد ادم له ما اعطيته من التشريف والكرامة وتبارك الله ( تعالى وخل ) تقدس وتنزه ه فعطف البركة على الرحمة يفيد تنمية رحمته لهم وزيادتها والدعاء لهم باسعادهم بالقرب منه لهم ولاتباعهم قال محمد تقي في الشرح هنا والبركة للدنيوية والاخروية او الاعم منهما ومن الدينية وقد تقدم انها لطف لنا فان مراتبهم عند الله تعالى بحيث لا تقبل الزيادة الا بحسب المراتب الدنيوية وظهورهم على الأعادي واعلانهم كلمة الله تعالى وهما ايضا لنا ه اقول اراد من الدنيوية المال والجاه والأولاد وجميع الاسباب التي للمعاش في هذه الدنيا كالمساكن والمتاجر وغيرها والأخروية الاعمال الصالحات والثواب الذي هي صوره واراد بالأعم منهما ومن الدينية ان البركة في نعم الدنيا وفضائلها وفي الأعمال وثوابها وفي كيفية العلم بها وكيفية العمل والمعونة على فعل تلك الاعمال التي هو احوال الدين قوله وقد تقدم انها لطف لنا يعني ان صلواتنا عليهم تزكية لنا وكفارة لذنوبنا فجميع ما يقع منا كدعائنا واعمالنا وصلوتنا عليهم لا ينتفعون به وانما نفع ذلك راجع الينا ثم قال فان مراتبهم عند الله تعالى بحيث لا تقبل الزيادة الا بحسب المراتب الدنيوية ويريد انهم (ع) لا تزيد الأعمال في درجاتهم سواء كانت الأعمال منهم او من شيعتهم وربما يستدل على ذلك بما روي انهم (ع) لو شاؤا خزائن الدنيا وسألوا الله تعالى ذلك لأعطاهم ولا ينقص من حظوظهم يوم القيمة كما كان لمحمد (ص) حين اتاه جبرئل (ع) بمفاتح ( بمفاتيح خل ) خزائن الدنيا وقال هذه مفاتح ( مفاتيح خل ) خزائن الدنيا الحديث منها انه اتاه ميكائيل فقال له يا محمد عش ملكا متنعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك وتسير معك جبالها ذهبا وفضة ولا ينقص مما ادخر لك في الاخرة شيء فاومأ الى جبرئل (ع) وكان خليله من الملائكة فاشار اليه ان تواضع فقال (ص) بل اعيش نبيا عبدا اكل يوما ولا اكل يومين حتى الحق باخواني من الانبياء الحديث ولو كان العمل يزيد في مقامهم لكان تسلطهم على خزائن الدنيا ينقص مراتبهم عند الله لان صبرهم على شدة الفقر والحاجة لله تقربا اليه ومحبة لما يحب من مفارقة الدنيا افضل واحب الى الله واقرب وفي بعض الأخبار ما يصلح دليلا له ايضا الا ان هذا شيء جار على الظاهر واما على ما هو الواقع فانهم (ع) اعلى مقاما مما ذكره واجل قدرا مما وصفه ومع هذا كله فلا يلزم منه انهم لا ينتفعون باعمالهم او ( وخل ) اعمال شيعتهم ولا ان مراتبهم لا تقبل الزيادة عند الله فان من تتبع اخبارهم ولاحظ المراد منها ظهر له انهم ينتفعون باعمالهم بل لا ينالون شيئا من خير الدنيا والاخرة الا بالأعمال وفي الحديث القدسي حديث الاسرار يا احمد هل تدري لا ي شيء فضلتك على سائر الانبياء قال (ص) لا قال الله تعالى باليقين وحسن الخلق وسخاوة النفس ورحم الخلق وكذلك اوتاد الأرض لم يكونوا اوتادا الا بهذا وعن ابي عبد الله (ع) ان بعض قريش قال لرسول الله (ص) بأي شيء سبقت الانبياء وانت بعثت آخرهم وخاتمهم قال اني كنت اول من آمن بربي واول من اجاب حين اخذ ميثاق النبيين واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى وعن ابي عبد الله (ع) سئل رسول الله (ص) بأي شيء سبقت ولد آدم قال انني اول من اقر بربي ان الله اخذ ميثاق النبيين واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى فكنت اول من اجاب ه فبين (ص) انه انما كان افضل واسبق لانه سبقهم الى الاجابة فلو لم تزد الأعمال في درجاتهم لما كان السبق الى الاجابة سببا في تفضيله على جميع الخلق وقال (ص) تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم الأمم الماضية والقرون السالفة يوم القيمة ولو بالسقط ه فان المباهاة افتخار يرجع الى النفس والروايات الدالة على انهم ترتفع درجتهم بالأعمال لا يمكن معارضتها لموافقة الأصل وقالوا (ع) لشيعتهم اعينونا بورع واجتهاد وادنى ما يوجه به انكم اعينونا على الشفاعة لكم فانكم ان تورعتم كفيتمونا مؤنة الشفاعة والا احتجنا الى الشفاعة لكم وما دل من الأخبار على انهم لا ينتفعون باعمال شيعتهم ودعائهم لهم فادنى ما يقال انهم لا ينتفعون بذلك لانفسهم واما انهم لا ينتفعون به لشيعتهم فلاعل ان كون شيعتهم محتاجين لفاضل ( الى فاضل خل ) حسناتهم واعمالهم لا ينافي انتفاعهم باعمال شيعتهم باعتبار كما قلنا فان الشجرة تنتفع بورقها في نفسها بمعنى تزداد بها قوة ونضارة وحسنا وان كانت الورق محتاجة في جميع احوالها الى الشجرة فانها لا تبقى بدونها ولا تستمد الا منها فالشجرة علة وجودها والمؤمن ورقة من شجرتهم روى ابو حمزة الثمالي انه سئل الباقر (ع) عن قوله تعالى كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء فقال قال رسول الله (ص) انا اصلها وعلى فرعها والائمة اغصانها وعلمنا ثمرها وشيعتنا ورقها يا ابا حمزة ان المؤمن ليولد من شيعتنا فتورق ورقة فيها ويموت فتسقط منها ورقة وقال رجل آخر جعلت فداءك تؤتي اكلها كل حين بأذن ربها قال ما يفتي الائمة شيعتهم من الحلال والحرام وايضا فان قوله فان مراتبهم عند الله تعالى بحيث لا تقبل الزيادة ان اراد به عند الله تعالى في سابق علمه الذي هو ذاته فكل الخلائق كذلك لا فرق بينهم وبين الشجر وغيره فكل شيء عنده بمقدار لا يزيد فيه زايد ولا ينقص منه ناقص فقد جف القلم بالنسبة الى علم الله في كل شيء وان اراد به في انفسها فكل الخلائق تقبل الزيادة كما تقبل النقصان لا فرق بينهم في ذلك وبين سائر الخلائق وكيف لا تقبل مراتبهم الزيادة وقد اخبر الله تعالى بذلك في كتابه العزيز قال تعالى لنبيه (ص) قل رب زدني علما وقال (ص) اللهم زدني فيك تحيرا وقد اخبر تعالى في كلامه القدسي في حديث الاسرار عن ذلك قال تعالى يا احمد وجبت محبتي للمتقاطعين في ووجبت محبتي للمتواصلين في ووجبت محبتي للمتوكلين علي وليس لمحبتي غاية ولا نهاية كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما اولئك الذين نظروا الى المخلوقين بنظري اليهم ولا يرفعون الحوائج الى الخلق بطونهم خفيفة من اكل الحلال يغنيهم من الدعاء ( الدنيا خل ) ذكري ومحبتي ورضائي عنهم ه يعني ان صلتي لاهل محبتي لا تنقطع ابدا كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما فهم ابدا طالبون مني المدد والزيادة وانا ابدا امدهم بالصلة والافادة فهذا وامثاله مما تدل عليه الاثار من انهم ابدا في الزيادة واما دلالة العقول الصحيحة على ذلك فهي اظهر شيء لمن يفهم ومما يدل عليه العقل من ذلك فهو ما اتلو عليك فاستمع لما يتلى ان هو الا وحي يوحى وهو انه قد قام الدليل على ان جميع الخلق من الحيوان والنبات والجماد لا تستغني في بقائها عن المدد بل تحتاج اليه في كل لحظة ولو جاز بقاؤها لحظة بدون المدد لجاز استغناؤها الى الأبد فهي ابدا محتاجة الى المدد بل ليست شيئا الا به فالشيء منها دائما تأتيه اشياء لم تكن عنده وتذهب منه اشياء الا انه ابدا يمده مما له مما ذهب عنه فهو ابدا في الزيادة والسير الشديد الحثيث الى الله تعالى فالمؤمن ابدا يقرب من ربه تعالى وربه امامه يسير به اليه كما في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك ومع انه يقرب في كل لحظة الى الله تعالى لا تقصر المسافة بينهما ابد الابدين ودهر الداهرين فمدده منه اليه فهو نهر يجري وكرة مستديرة تدور على نقطة لا الى جهة فلا محور لها سوى وجهها من مشية الله وهذا هو الذي نريد به من قولنا ان الله سبحانه يمده بما ليس عنده بل بمدد جديد به يترقي ويزيد وان كان ذلك الجديد هو ما مر عليه خرج عنه الى العدم الامكاني السرمدي ثم يحدثه بعد ان لم يكن ويختص به حين خصص به وكان لا يختص به قبل ان يختص به وتعين له حين عين له وتعين له وبالجملة فهم (ع) ابدا يأتيهم المدد من الله لا بقاء لهم بدونه وكذلك سائر الخلق الا انه في كل شيء بحسبه فاذا تقرر انهم يقبلون الزيادة لذواتهم من قبل المبدء الفياض ولا يجوز ان يأتيهم ما ليس منهم والا لتغيرت الحقائق ولا ان يذهب عنهم ما هو منهم والا لتغيرت الحقائق ويلزم من تغيرها بطلان الثواب والعقاب لان الشخص على هاتين الحالتين ابدا طري مغائر للأول فتذهب في كل ان اعماله من خير وشر فيعود ولا ثواب له ولا عقاب عليه ويلزم منه بطلان التكليف لعدم الفائدة ويلزم منه بطلان الايجاد والخلق لعدم الفائدة وهذا باطل بالضرورة فلا بد ان يكون ما يعود اليهم انما هو منهم وقد دل الدليل على ان شيعتهم منهم من فاضل طينتهم وعجنوا بماء ولايتهم وجميع الأعمال الصالحة فرعهم ومن ولايتهم فاذا عمل العامل من الشيعة عملا لهم او دعا لهم او صلى عليهم كان ذلك مددا لهم في كل رتبة بما يناسب لها فهم ينتفعون باعمال شيعتهم ولا يلزم من ذلك انهم كيف يستمدون مما ليس لهم لان اعمال شيعتهم منهم ولهم ولهذا كانت ذنوب شيعتهم عليهم ولا يلزم منه ولا تزر وازرة وزر اخرى لان اوزار شيعتهم عليهم لانهم منهم وصفتهم والأعمال صفات العاملين وصفة الصفة صفة نعم هذا في المقام الذي يجتمعون فيه مع شيعتهم واما ما يفارقونهم فيه من المقامات العالية التي لا يصل اليها الشيعة فلا ينتفعون فيه باعمال الشيعة نعم ينتفعون في كل مقام باعمالهم فهم في كل حال وفي كل مقام عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون
قال عليه السلام : السلام على ائمة الهدى الايمة
( الائمة ) بالياء والهمزة جمع امام وهو هنا المقصود والدليل والهادي والمقدم لانهم عليهم السلام المقصودون لكل خير والهداة الى طريق النجاة والسعادة والنجاح والمقدمون والهدى الرشاد والدلالة وهداه ارشده ودله يتعدى بنفسه نحو اهدنا الصراط المستقيم وباللام نحو ان هذا القرءان يهدي للتي هي اقوم وبالي نحو ويهدي الى صراط مستقيم ونقل عن صاحب الكشاف ان هداه لكذا او الى كذا انما يقال اذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية اليه وهداه كذا لمن يكون فيه فيزداد او يثبت ولمن لا يكون فيصل وقد يقال لا نزاع في الاستعمالات الثلاث الا ان منهم من فرق بأن معنى المتعدي بنفسه هو الايصال الى المطلوب ولا يكون الا فعل الله فلا يستند الا اليه كقوله تعالى لنهدينهم سبلنا ومعنى المتعدي بحرف الجر هو الدلالة ( للدلالة خل ) على ما يوصل اليه فيسند تارة الى القرءان واخرى الى النبي (ص) قيل وهداية الله تعالى تتنوع انواعا لا يحصيها عد لكنها تنحصر في اجناس مرتبة الاول افاضة القوي التي يتمكن بها العبد من الاهتداء الى مصالحه كالقوي العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة والثاني نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد والثالث الهداية بارسال الرسل وانزال الكتب الرابع ان يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي والالهام والمنامات الصادقة وهذا القسم يختص بنيله الانبياء والأولياء وطلب الهداية وغيرها من المطالب قد يكون بلسان القول وقد يكون بلسان الاستعداد فما يكون بلسان الاستعداد لا يتخلف عنه المطلوب وما يكون بلسان القول ووافقه الاستعداد استجيب والا فلا فان قلت فعلى هذا لا حاجة الى لسان القول قلت يمكن ان يحصل في بعض استعداد المطلوب من الطلب بلسان القول فالاحتياط ان لا يترك الطالب الطلب بلسان القول فبالنسبة الى بعض المراتب يطلب بلسان الاستعداد وفي بعضها بلسان القول انتهى كلامه اقول هذا الكلام لم يكن في التفسير والذي في التفسير قال هدى ( ان خل ) اصله ان يتعدى باللام او بالي كقوله تعالى ان هذا القرءان يهدي للتي هي اقوم وانك لتهدي الى صراط مستقيم فعومل معاملة اختار في قوله واختار موسى قومه ومعنى طلب الهداية وهم مهتدون طلب زيادة الهدى بمنح الألطاف كقوله والذين اهتدوا زادهم هدى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ه اقول في الكلام الأول لعل مأخذ الفرق الأول وهو قوله ان هداه لكذا او الى كذا الخ انه اذا عدى بنفسه كان الفعل متصلا بالمفعول بلا موصل وهذا يدل على حصول المطلوب له وانما الفائدة الزيادة من المطلوب او الثبات عليه بخلاف المتعدي بغيره فانه دال على عدم الاتصال والحصول حين الاسناد ولعل الفرق الثاني ممن فرق هو ان ما لا يحتاج الى شيء كان في فعله مستغنيا فيوصل الى المطلوب بنفس فعله فيقال اهدنا الصراط المستقيم ولانه سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه وغيره لا يقدر على ذلك وان كان الله سبحانه اقدره على الايصال الى ما يوصل الى المطلوب الا ان الايصال الى المطلوب لا يقدر عليه لجواز ان يمحوه الله سبحانه قال سبحانه لنبيه انك لا تهدي من احببت ثم لما كانت زيادة المباني تدل على زيادة المعاني كان هدى اذا عدى باللام اقل وساطة منه اذا عدى بالى ولما كان محمد صلى الله عليه وآله انما يهدي بالقرءان كان القرءان نفسه اقرب وساطة فيستعمل في الايصال الى طريق المطلوب باللام لبساطة لفظها بالنسبة الى الى ويستعمل في حق النبي صلى الله عليه وآله في الايصال الى طريق المطلوب بالى لانه انما يوصل بالقرءان قال الله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم وقوله تعالى نهدي به لا ينافي انه يوصل الى المطلوب لانه يوصل الى المطلوب بالقرءان ولا ضرر لانه لم يذكر المطلوب بحرف الجر وانما ذكر آلة الهداية والطالب وايضا لا ينافي كون القرءان الة للهداية ما قلنا من انه سبحانه يوصل بفعله بلا توسط غيره لان القرءان وجه من الفعل وقد برهنا عليه في مباحثاتنا وكذلك قوله تعالى وانك لتهدي الى صراط مستقيم بدون ذكر وساطة القرءان في هداية النبي صلى الله عليه وآله لان هذا معلوم من القرءان والأحاديث المتكثرة بانه صلى الله عليه وآله انما يهدي بالقرءان الاتسمع قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان وقد سئل احدهم عليهم السلام اكان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الايمان قال نعم قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الايمان واعلم ان هذه المسئلة اذا اردنا بيان ما يتوجه عليها او على بعض شقوقها يطول الكلام فيه ونخرج عن الحد الا اني اعطيك كلاما مجملا وهو ان الله سبحانه فاعل وكان من لطفه بخلقه ان يفعل بالسبب وهو اقرب الى السبب من نفسه ومن المسبب واقرب الى المسبب من نفسه ومن سببه لانه جاعل السبب سببا فاذا قيل هداك الله الصراط المستقيم او هداك بالقرءان او بنبيه الصراط المستقيم كان كل ذلك حقا والمعنى واحد لا يختلف في شيء الا انه قد يبين جهة السببية وهو الفاعل للسبب والمسبب وهو المسبب بلا سبب واذا قلنا ان محمدا (ص) انما يهدي بالقرءان فهو حق ولا ينافيه كونه افضل من القرءان لان كونه افضل من القرءان هو المقتضي للتوسط فافهم واما ما ذكر من الأجناس المرتبة الأربعة فهو كلام جيد الا ان فيه شيئا لا يهتدي اليه الا من هداه الله اليه بنور الأئمة الطاهرين (ع) وهو قوله فما يكون بلسان الاستعداد لا يتخلف عنه المطلوب وهو اني اقول ما كان بلسان الاستعداد فهو مقتض لعدم التخلف بما جعله الله كذلك فان وقع فهو كذلك وان لم يقع فهو كذلك لان الله جعله مقتضيا ان اذن له والا فالأشياء واقفة ببابه منتظرة للأذن معلقة بين العطاء والرد فليس لشيء من الخلق شيء من الأمر لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فاياك ان تخرج عن هذه الدرع الحصينة ولاء اهل بيت محمد صلى الله عليه وآله فانه من التفت عن هذا السمت المستقيم فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق فقوله (ع) السلام على ائمة الهدى يريد انهم هم ادلة الهدى وهم الهدى والمرشدون والهادون بالهدى كما قال الله لنبيه قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني فهذه الدقيقة التي اشرنا اليها من هذا السبيل سبيل محمد الذي يدعو فيه الى الله وهو سبيل اهل بيته (ع) وهم الائمة الذين يهدون بالحق وبه يعدلون واما توجيه ما في التفسير فانه يريد ان كونه متعديا بنفسه على خلاف الاصل فعلى هذا لا يكون استعماله بدون حرف الجر لله في هدايته ولا عبارة موضوعة على ما يوصل الى المطلوب ولا الى ما يوصل الى المطلوب وانما الاستعمال والتخصيص لغرض آخر والحاصل الذي تقتضيه الأدلة انهم مهديون من الله سبحانه وهم لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وانهم هادون بالله الى الله سبحانه فيوصلون الى المطلوب والى ما يوصل الى المطلوب بل هم المطلوب والمطلوب ثوابهم وظاهر اضافة الائمة الى الهدى الاختصاص والواقع كذلك لانهم مع الحق والحق معهم وفيهم وبهم ومنهم ولهم فلا يفارقهم الهدى ولا يفارقونه فافهم ما اجملنا لك فقد جمعت في هذه الكلمات تفسير الظاهر والباطن وباطن الباطن وليس طلب ازيد من هذا
قال عليه السلام : ومصابيح الدجى
المصابيح جمع مصباح وهو السراج المركب من نار ودهن فاما النار التي في المصباح فالمراد منها ظهورها واثرها وهو مادة السراج وصورته الدهن واذا تكلس الدهن بحرارة النار وتلطف وكان دخانا استضاء باثر النار وظهورها فالاستضاءة من الدخان عن النار اي انفعل بالاستضاءة عن اثرها ومسها وانما المراد من النار التي في المصباح لا التي هي الحرارة واليبوسة فانها غيب في هذا الظهور فالنار في هذه المصابيح المذكورة هي المشية وظهورها ومسها هو الوجود المحدث بالمشية كالدلالة المحدثة عن اللفظ التام والدهن في السراج كالمعنى الميت قبل وقوع دلالة اللفظ فانه ليس شيئا كما ان الاستضاءة من الدخان الدهني قبل تعلق فعل النار به ليست شيئا وهذا المس الذي هو كالدلالة هو الماء المنزل من السحاب الثقال على البلد الميت فالماء الذي جعل منه كل شيء حي هو الوجود والبلد الميت هو القابلية والثمرات المخرجة به هي الموجودات واولها العقل قال ابو محمد العسكري (ع) وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والباكورة اول الثمرة اي اول ثمرة الوجود واول من ذاقها اي قبلها روح القدس وهو العقل الكلي وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش فالمصباح هو العقل الكلي فعقولهم التي هي شيء واحد تقسم في هياكل التوحيد مصابيح الدجى والدجى جمع دجية بضم اوله وسكون الجيم وهي الظلمة والمراد بها ظلمات العدم والشك والجهل والفناء فبهم في الأول ظهرت الموجودات وبهم في الثاني استقر اليقين والثبات وبهم في الثالث افيض العلم على الواح القابليات وبهم في الرابع علت الدرجات وحصلت المكرمات والسعادات وقد تقدم في ما اشرنا اليه سابقا ان لهم ثلاث مقامات الاول مقام المعاني وهو اعلاها والثاني مقام الأبواب وهو دون الأول والثالث مقام الأمامة والحجة البشرية وهو دون الثاني وكونهم مصابيح الدجي يصلح للمقامين الأخيرين اما مقام الامامة فانهم هداة الخلق والدعاة الى الحق سبحانه فيكشفون بدعوتهم وهديهم عمن اقتدى بهم واهتدى بهديهم ظلمات الجهل والضلالة فمن اقتدى بهم واستضاء بنورهم فقد نجا وبلغ من الخيرات الغاية القصوى فهم في هذه الرتبة مصابيح دجى الجهل والشك والفناء واما مقام الأبواب فانهم هم المصباح الذي استضاءت به مصابيح الأكوان والأعيان والأديان والأعمال والأحوال والأقوال والافكار وجميع اطوار من دونهم لانهم في هذا المقام باب الوجود فكل شيء يصل الى الخلق من خلق ورزق وممات وحيوة فمنهم يعني ان فعل الله يتعلق بتلك الأشياء بواسطتهم فبهم تستنير الاكوان وعنهم تظهر الأعيان فهم مصابيح الدجى لكشفهم تلك الظلمات وفي الكافي باسناده عن صالح بن سهل الهمذاني ( الهمداني خل ) قال قال ابو عبد الله (ع) في قول الله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فاطمة (ع) فيها مصباح الحسن المصباح في زجاجة الحسين الزجاجة كأنها كوكب دري فاطمة كوكب دري بين نساء اهل الدنيا يوقد من شجرة مباركة ابراهيم (ع) زيتونة لا شرقية ولا غربية لا يهودية ولا نصرانية يكاد زيتها يضيء يكاد العلم ينفجر بها ولو لم تمسسه نار نور على نور امام منها بعد امام يهدي الله لنوره من يشاء يهدي الله للائمة (ع) من يشاء ويضرب الله الامثال للناس الحديث فضرب الله لنورهم مثلا هو المصباح لان نورهم وفاضل وجودهم قد لاح شعاعه على سائر الأشباح فبهم قامت الأعيان ولهم خلقت الأكوان وعلى سبيلهم وهديهم دار الاسلام والايمان ولله در القائل شعرا في علي عليه السلام :
يا جوهرا قام الوجود به الناس بعدك كلهم عرض
قال عليه السلام : واعلام التقى
الأعلام جمع علم كاسباب جمع سبب وهو الجبل الذي يعلم فيه الطريق فهم الجبال التي يعلم بها طريق التقى والتقى اصله الوقا فابدلت الواو تاء ولما ادخلت عليها اللام الشمسية ادغمت فيها وفي الفعل اذا دخلت عليه تاء الافتعال ادغمت التاء في التاء فقيل اتقي يتقى كافتعل يفتعل وقيل في تقوى الله ثلثة وجوه احدها وهو احسنها ان معناها ان يطاع ولا يعصي ويشكر ولا يكفر ويذكر ولا ينسي وهو المروي عن ابي عبد الله (ع) وثانيها انه المجاهدة في الله والا تأخذه فيه لومة لائم وان يقام له بالقسط في الخوف والامن وهذا عن مجاهد وثالثها ان تتقي جميع معاصي الله وهذا عن ابي علي الجبائي نقلت هذه الوجوه الثلاثة في قوله تعالى واتقوا الله حق تقاته وقيل على الوجه الثاني والثالث انها منسوخة بقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام ولو قيل انها منسوخة على الثالث خاصة لان المجاهدة لا تنافي تقوى الله على الاستطاعة لم يكن بعيدا بل ولو قيل انها غير منسوخة على الثالث ايضا لم يكن بعيدا كما هو المنقول عن ابن عباس والجبائي وطاووس لان ذلك لا ينافي التقوى بالاستطاعة والذي يظهر لي ان الاية المذكورة منسوخة كما هو المروي عنهما (ع) ليس لان معناها احد الوجوه الثلاثة المذكورة بل لان معناها انه سبحانه قد حكم الا يقوم له احد من خلقه بحقه فلو كان التكليف على حسب حق الله سبحانه وتعالى لكان تكليفا بما لا يطيقه الخلق ويدل على هذا قول علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام في السجود بعد الرابعة من صلوة الليل فتأمل قوله عليه السلام تجد ان الله سبحانه ( كما خ ) لا يعدله شيء كذلك لا يقوم بحقه احد قال (ع) الهي وعزتك وجلالك لو انني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلائق وشكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك علي ولو انني يا الهي كربت معادن حديد الدنيا بانيابي وحرثت ارضها باشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السموات والارض دما وصديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما يجب من حقك علي ولو انك يا الهي بعد ذلك عذبتني بعذاب الخلائق اجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي وملأت طبقات جهنم مني حتى لا يكون في النار معذب غيري ولا لجهنم حطب سواي لكان ذلك بعدلك قليلا في كثير ما استوجب من عقوبتك ه فانظر بعين بصيرتك وامعن نظر قريحتك فيما ذكر (ع) هل يمكن حصول هذا من احد من ( الخلق خل ) المكلفين بل يمتنع وقوع ذلك ومع هذا لم يجعله حالة تقوى الله حق تقاته بل جعله كما هو الواقع تقصيرا في حق الجبار جل جلاله بحيث لو عذب فاعل ذلك الذي لا يمكن وقوعه من المكلف لكان قليلا في جانب عدله على ذلك الفاعل لتقصيره في تلك الحال في خدمة الملك المتعال جل جلاله فيكون هذا وجه تطرق النسخ على الاية من جهة ان التكليف لا يحسن في الملة السمحة السهلة لا ما ذكر في الوجه الثاني والثالث وقيل ان الاية الثانية مبينة للمراد من الاولى لا ناسخة يعني اتقوا الله حق تقاته الذي تقدرون عليه على جهة الملة الحنفية السهلة السمحة التي هي جهة الاستطاعة وهذا القول حسن اذا لم يلاحظ مدلول العبارة الظاهرة ثم على تسليم صحة هذا الوجه فما الفائدة في العدول عن النسخ الى التبيين لان النسخ هنا لا يراد منه نفي التقوى بالكلية وانما يراد منه التخصيص ولا معنى للتبيين المذكور الا تخصيص ذلك العموم والتقى الخشية والخوف من الله سبحانه في الغيب عند ملاحظة سطوات الجبروت ومنه قوله تعالى واتق الله وسيجنبها الأتقى والتقى تعظيم عظمة العظيم واستشعار جلاله وعظم شأنه وسعة كبريائه ومنه قوله تعالى لمسجد اسس على التقوى يعني تعظيما لشعائر الله وعظيم ( عظم خل ) شأنه والتقى الطاعة والعبادة الخالصة بأن يتقى كلما ينافي امر الله ومنه قوله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى يعني خير الاعمال الطاعات الخالصة لوجه الله تعالى والأصل فيها تطهير الظواهر وتنزيه القلوب من الذنوب للقيام بخدمة المحبوب كما قال تعالى ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فاولئك هم الفائزون والتقوى ثلاث تقوى العوام وهي فعل الواجبات وترك المحرمات وتقوى الخواص وهي فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات وتقوى خواص الخواص وهي فعل الواجبات الظاهرة التي تضمنتها الشريعة الحقة على ما قرره اهل العصمة عليهم السلام مما فرضه الله وشرعه ووصى به نوحا وابراهيم وموسى وعيسى وسائر الانبياء (ع) ومندوبات العوام فانهم يعني خواص الخواص لا يرضون لانفسهم ترك ما هو راجح الفعل وعمل الواجبات الاخلاقية التي تضمنتها علوم الطريقة ومندوباتها فانها لازمة على السابقين لانهم لما قرأوا وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزؤن عرفوا ان من بين الله له في نفسه شيئا حتى راى ان فعله ارجح من تركه بوجه ما فلم يعمل به ويبادر اليه فقد اعرض عنه ومن اعرض عن ما ينبغي الى ما لا ينبغي فقد كذب بالحق لانه ان كان صادقا فيما يدعيه من معرفة هذا الشيء انه ينبغي له ان يعمل به وان تركه مرجوح وتركه لا لمرجح لتركه وان كان من دليل خارج صحيح فقد كذب بالحق الذي يعرفه بان فعله ارجح من تركه ومن كذب بالحق بعمله مع تصديقه به في نفسه فقد استهزأ بالله واياته ورسوله (ص) كما قال تعالى قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ومن استهزء بالله لانه لم يطع ربه فيما امره به بعد التعريف والتصديق والقبول والمعاهدة على الوفاء واستهزء باياته التي بينها له واقر بها واعترف وعاهد عليها واستهزء برسوله (ص) لانه قد اجابه اذ ( اذا خل ) دعاه الى الاسلام والايمان والتصديق واعترف بما عرفه وعاهد عليه مرة بعد اخرى فسوف يأتيه انباء ما كان به يستهزء وترك جميع محرمات الشريعة ومكروهاتها وترك جميع محرمات الطريقة ( ومكروهاتها خل ) ومرجوحاتها في كل حال واقامة منار التوحيد بتوحيده في الذات والصفات والأفعال و( العبادة خ ) في السر والنور والخيال والحس المشترك وفي السمع والبصر والحس وبالجملة حيثما وجد الحق ومحض الصدق حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما فيه بأس ومراتب التقى في نفسه وباعتبار العالمين ( العاملين خل ) مختلفة غير محصورة في العد وفي كل رتبة ( مرتبة خل ) يجد اهلها عليها علما من ال محمد (ص) دالا على طرقها ومنيرا لما ادلهم من ظلمات احوالها مسهلا لسلوكها معينا لسالكيها على سلوكها مسددا لما نقص من دواعيهم اليها متمما لقابلياتها ومقبولاتها بل هم في كل رتبة من التقي قادة اهلها وائمتهم في تعليمهم وانما قال اعلام التقى اي جبال التقى لفوائد : منها ان الجبال رواسي فهم الذين تثبت بهم التقى ومنها انهم علامات لطرقها كالجبال ومنها ان كل من وصل الى مرتبة منها راهم (ع) فيها بحال عظمة لا يقدر ان يصفهم فيها كما في تأويل قوله تعالى انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا بمعنى ان من وصل الى مقام من مراتب التقوى راهم فيها اربابها وادلاءها واساسها وانها لهم خلقت لتعظيمهم ورفع شأنهم سنت وعلى حسب ما هم اهله قدرت ولتشييد سلطانهم شرعت ففعل الواجب منهم وترك الحرام عنهم وفعل المندوب فيهم وترك المكروه لهم وحفظ الأسرار عن الاغيار بهم وهو قول علي (ع) جذب الأحدية لصفة التوحيد فهم اعلام التقي بكل معنى وعلى كل احتمال وبكل اعتبار صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : وذوي النهي
ذوي جمع ذي بمعنى صاحب الا انه اكثر ما يستعمل في مقام الشرف والثناء وصاحب يستعمل فيهما وفي ضدهما على السواء فاذا ذكرا في شيء في حالتين كان ذو للمدح وصاحب للذم واذا كان المقام يقتضي المدح والثناء في الحالين استعمل ذو في الغيب واللطيف والباطن وصاحب في الشهادة والغليظ والظاهر مثال الاول قوله تعالى في مقام الثناء وذا النون اذ ذهب مغاضبا وفي مقام اللوم والعتب قال تعالى فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ومثال الثاني ( قوله تعالى خل ) تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام وفي الدعاء يا صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى ومن الثاني ذوي النهى لان النهى من الغيب واللطيف والباطن والنهى جمع نهية بالضم فيهما وهي العقل وسمى نهية لانه ينهي صاحبه عن القبائح او ينتهي اليه صاحبه ويرد اليه فيترك بمحبته القبائح ويفعل باختياراته الأوامر وفي القمي عن عمار ابن مروان عن ابي عبد الله (ع) قال سألته عن قول الله عز وجل ان في ذلك لا يات لأولي النهى قال نحن والله اولوا النهى فقلت جعلت فداءك وما يعني اولوا النهى قال ما اخبر الله به رسوله (ص) مما يكون بعده من ادعاء ابي فلان الخلافة والقيام بها والاخر من بعده والثالث من بعدهما وبني امية فاخبر رسول الله (ص) فكان ذلك كما اخبر الله به نبيه (ص) وكما اخبر رسول الله (ص) عليا وكما انتهى الينا من علي (ع) فيما يكون من بعده من الملك في بني امية وغيرهم فهذه الاية التي ذكرها الله في الكتاب ان في ذلك لا يات لأولي النهى فنحن اولوا ( اولي خل ) النهى الذي انتهى الينا علم هذا كله فصبرنا لأمر الله فنحن قوام الله على خلقه وخزانه على دينه نخزنه ونستره ( نسره خل ) ونكتم به من عدونا كما اكتتم ( اكتم خل ) رسول الله (ص) حتى اذن الله له في الهجرة وجاهد المشركين فنحن على منهاج رسول الله (ص) حتى يأذن الله لنا في اظهار دينه بالسيف وندعو الناس اليه ونضربهم عليه عودا كما ضربهم رسول الله (ص) بدءا ه وهذا المعنى من معاني اولي النهى اي الذين تنتهي اليهم علوم كل الخلق او ينتهي اليهم العلم بالخلق كما يشير اليه هذا الحديث ومن معانيه ( معاني خل ) ذوي النهي اي الذين هم النهاية وفي الزيارة ليس وراء الله وورائكم منتهى او تنتهي اليهم الأمور او اذا انتهى بكم الى حقائقهم فامسكوا فهم ذووا العقول الكاملة لا سواهم واصل المسئلة ان العقل واحد وهو عقل محمد (ص) وهو يظهر في محمد (ص) ثم يظهر في علي (ع) ثم في الحسن (ع) ثم في الحسين (ع) ثم القائم (ع) ثم الائمة الثمانية على ترتيب ظهورهم في الدنيا ثم فاطمة (ع) وهذا العقل وان كان واحدا فانه يتعدد في الائمة عليهم السلام كتعدد البدل مثاله محمد (ص) كالسراج وعلى سراج شعل منه فمحمد قبل علي وبعد وجود علي (ع) كان مساويا لمحمد (ص) وعلي قبل الحسن (ع) وبعد وجود الحسن كان مساويا لعلي (ع) وهكذا فليس يتعدد الا في التعلق كمثل السراج فانه واحد في النار واذا شعلت منه سرج لم تتعدد النار الا باعتبار التعلق والى هذا المعنى اشار علي عليه السلام بقوله انا من محمد كالضوء من الضوء ولو كان متعددا لتعدد بالاختلاف كما لو كان الثاني ظهور الأول كالنور من المنير او مشككا كاختلاف اجزاء النور بسبب قربها وبعدها من المنير فانها لاختلافها كما ورتبة متعددة ولا كذلك ذلك النور الذي هو عقلهم صلى الله عليهم فانه شيء واحد وان اختلف رتبة باعتبار تقدم المتقدم منهم كالنبي صلى الله عليه وآله فهو متفق متحد كما وان اختلف رتبة ولهذا لم يزد رسول الله (ص) على احد من الائمة لشيء ( بشيء خل ) الا تقدمه ذاتا وكذلك سائر التفاضل بينهم وهو وان كان التفاوت به عظيما لكن النور الوارد على تلك الحقيقة الشريفة بعينه وكليته وارد على حقيقة علي (ع) وعلى حقيقة الحسن والحسين والائمة التسعة وفاطمة عليهم اجمعين السلام كما اذا اشعلت سراجا من سراج لا انه ينتقل عن الاول الى الثاني فيلزم خلو كل اول ولا انه يظهر على الثاني ليكون الظهور ضعيفا ناقصا فلا يساوي الأول في ذلك النور بل كله شيء واحد وانما كان بعضهم افضل من بعض لاجل تقدم حقيقة الفاضل فبالتقدم بوجود حقيقته لا غير كان افضل وفي ذلك الفضل العظيم لان هذا الحرف لا يقدر من دونه على تحمله ولهذا قال علي (ع) انا عبد من عبيد محمد (ص) وقد يطلق على الروح الذي هو من امر الله وفي تفسير علي بن ابراهيم باسناده الى ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) في قوله والسماء والطارق قال السماء في هذا الموضع امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه والطارق الذي يطرق الائمة من عند ربهم مما يحدث بالليل والنهار وهو الروح الذي مع الائمة يسددهم قلت والنجم الثاقب قال ذاك ( ذلك خل ) رسول الله (ص) وفي بصائر الدرجات عن ابي بصير قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول ان منا لمن يعاين معاينة وان منا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت وان منا لمن يسمع كوقع السلسلة كما تقع السلسلة في الطست قال قلت فالذين يعاينون ما هم ( هو ظ ) قال خلق الله اعظم من جبرئل وميكائيل وفي عيون الاخبار باسناده عن الحسن بن الجهم عن الرضا (ع) قال ان الله عز وجل ايدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك لم تكن مع احد ممن مضى الا مع رسول الله (ص) وهي مع الائمة (ع) منا تسددهم وتوفقهم وهو عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل فان قلت قد تكثرت الروايات ان هذه الروح تكون مع الانبياء (ع) من لدن آدم الى محمد (ص) فما الجمع بينها وبين هذه الأخبار الدالة على انها لم تكن مع احد ممن مضى الا مع رسول الله (ص) الخ قلت الجمع بينهما من وجهين الأول ان هذه الروح انما كانت عند الانبياء (ع) بواسطتهم فلم تكن عند الانبياء حقيقة كما تقول ان عبد زيد ينفع عمرا باذن سيده فانه يصدق على هذا العبد انه لم يكن مع عمرو وان نفعه باذن مولاه وهذا ظاهر الثاني ان الملك المذكور انما يكون مع الانبياء السابقين بوجه من وجوهه ولم يكن بكليته الا مع محمد وآله صلى الله عليه وآله وقد بينا ان هذا هو العقل وفي الكافي عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) قال لما خلق الله تعالى العقل استنطقه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الى منك ولا اكملتك الا فيمن احب الحديث فقوله تعالى ولا اكملتك الا فيمن احب يبين على انه لم يكمله الا في محمد وآله (ص) اذ لا حبيب له اذا اطلق يتبادر اليه الاطلاق الا محمد وآله (ص) فان قلت ما الجمع بين ما ذكر في رواية عيون الأخبار ان هذه الروح ليست بملك ومثلها كثير انه خلق اعظم من الملائكة وبين ما ورد في القرءان بانه ملك قال تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا على ما روي فيه وذكر في بعض وجوه تفسيره انه ليس المراد به الجنس بل ملك ومعنى ما روي فيه هنا انه ملك يقوم وحده صفا وجميع الملائكة من السموات وملائكة الحجب والسرادقات وحملة العرش وجميع ما خلق الله من الملائكة صفا ويكون هو اعظم منهم قلت هو من العالين الاربعة المعبر عنهم باركان العرش نور احمر منه احمرت الحمرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور اخضر منه اخضرت الخضرة ونور ابيض منه ( ابيضت خل ) البياض ومنه ضوء النهار وليست هذه الأربعة من الملائكة لان الملائكة حروف من حروف الوجود وهذه هي الكلمات التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وانما تسمى هذه الروح التي هي احد الأربعة وهو عبارة عن الركن الأصفر وقد يطلق ويراد منه الأبيض انما يسمى ملكا في بعض الأحوال نظرا الى ما بينهما من مشاكلة الصفة والفعل فان الملك كان مستترا محتجبا بلطافة جسمه ولهذا تسمى الملائكة بالجنة كما حكى عن القائلين بان الملائكة بنات الله قال تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون فشابهت الأنوار العالون الملائكة في هذه الصفة وايضا ملك اصله مألك فقدمت اللام واخرت الهمزة ووزنه معفل مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة ثم تركت الهمزة لكثرة الاستعمال فقيل ملك بالتحريك فلما جمعوه ردوه الى اصله يعني قبل الحذف لا قبل التقديم والتأخير فقالوا ملائك فزيدت التاء للمبالغة او لتأنيث الجمع وعن ابن كيسان انه فعال من الملك فحذفت الالف تخفيفا ونقل عن ابي عبيدة انه مفعل يعني ملأك من لأك اذا ارسل في ملكه شيئا وليس في ملكه شيء اي لا يملك شيئا فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال بعد نقل حركتها الى ما قبلها او من الملك اي القهر فان الملائكة مظاهر القهر او لانهم مماليكه او من قولهم عبد مملكة ومملكة بفتح الميم وضمها اذا ملك ولم يملك ابواه ومنه الحديث لا يدخل الجنة سيء الملائكة يعني سيء الصنع الى مماليكه ويقال فلان حسن الملائكة اي حسن الصنع الى مماليكه وسميت الملائكة لانهم رسل كما قال تعالى جاعل الملائكة رسلا او جعلوا رسلا الى من سيكون او لانهم مظاهر القهر او لانهم مماليك ابتداء او لانه احسن صنعهم حتى قيل في قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا انه اخرج جنس الملائكة من التفضيل عليهم وان كان الحق انهم داخلون او احسن اليهم او احسن الى عباده بهم وفي كل هذه الوجوه يحصل التشابه بين الروح وبين الملائكة وان كانت هذه الوجوه في جانب الروح اقوى منها في جانب الملائكة فيسمى بالملك في هذه الوجوه اولى من الملائكة وانما نفي كونه ملكا بالمعنى المعروف من الملك فانه ليس من جنس الملائكة وانما الملائكة خلقت من فاضل شعاعه لان ارواح الانبياء (ع) خلقوا من شعاعه والملائكة خلقت من شعاع ارواح الانبياء (ع) فهم صلى الله عليهم ذووا النهى على الحقيقة يعني اصحاب العقول الكاملة وانما ذكرنا في تعريف العقول الروح وان كان انما يراد منه عند الاطلاق غير العقل اما النفس التي هي محل الصور واللوح المحفوظ واما الروح الكلية التي خلقت من شعاعها البراق وهي الرقائق الحقيقية وبرزخ الذرين وتحت هذا الورق الخضر وورق الاس الا انها قد يطلق ويراد منها العقل ولا سيما في هذا الموضع فافهم راشدا
قال عليه السلام : واولي الحجى
قال الشارح (ره) كالى العقل والفطنة انتهى
اقول اولى على وزن رمى مبنيا للمجهول في النصب والجر واولوا على وزن حبك في الرفع والواو في الحالين يؤتى بها للفرق بين اولي والى حرف جر وكذا في اولوا واولاء واولئك واولات كلها للفرق بينها وبين ما يشبهها في الصورة في النقش ولهذا تسمى هذه الواو واو الفارقة واولوا قيل جمع لا واحد له من لفظه وقيل اسم جمع واحده ذو واولات للأناث واحدها ذات واولا جمع ويمد لا واحد له من لفظه او يكون واحده ذا في المذكر وذه في المؤنث ومعناه كما تقدم في ذوي النهي والحجى بكسر الحاء المهملة العقل والفطنة والمقدار وهو مفرد جمعه احجاء كالاء جمع الى بكسر الهمزة بمعنى النعمة وهو من حجى به كرضى به اولع به ولزمه او عداه من الاضداد او من حجى به كغني بمعنى جدير اي حقيق به قال علي عليه السلام في الشقشقية فرأيت ان الصبر على هاتا احجى او من تحجى بالسر اي حفظه او من تحجى عند الشيء وقف او تحجاه منعه او من حجا بالمكان حجوا اقام به او من حاجيته محاجاة وحجاء فحجوته اي فاطنته فغلبته او من الحجا اي الستر كما في الحديث من بات على ظهر بيت ليس عليه حجا فقد برئت منه الذمة اي ليس عليه ستر يمنعه من السقوط وانما اتى بالجمع في النهي والمفرد في الحجى للسجع والا فقد تقدم ان الجمع هناك ليس لان عقولهم متعددة حقيقة وانما هو لموافقة التعدد ظاهرا فهنا ادل على الباطن وهناك ادل على الظاهر وعلى اخذه من حجى به كرضى للزومه للحق ومحبته له لما بينهما من كمال الموافقة او للحقائق لانهما من واد واحد ومن عدا الشيء لانه ابدا مفارق للباطل ماقت له في جميع احواله ومن حجى كغني بمعنى جدير لانه حقيق بطهارة مداركه ومتعلقاته ومن تحجي بمعنى حفظ لانه يكتم ما وصل اليه مما دونه ولا يهمل ما وصل اليه مما فوقه ومن تحجي عنده لانه لا يقدم على المظنون مع امكان المعلوم ولا على الموهوم مع امكان المظنون عند فقد المعلوم حال التكليف او الحاجة ومن تحجاه بمعنى منعه لانه يمنع صاحبه عن الباطل كما يمتنع هو منه ومن حجا بمعنى اقام لانه لا ينتقل من ( عن خل ) اليقين الا الى يقين يقابله ارجح منه بمرجح ذاتي او خارجي يوجب الانتقال فيكون الاول بذلك المرجح ليس بيقين في الحقيقة بالنسبة الى اليقين المنتقل اليه والا لم ينتقل عنه ومن حاجيته انه ينزع الى مداركه قبل ما يتوجه اليها غيره من المشاعر وان توجه الغير اليها قبله سبقه على الادراك اذ ليس ادراك الا به فهو يحجو غيره منها ويغلبه ومن الحجا اي الستر لانه يستر عيوب صاحبه بحسن نظره او يمنعه عن فعل ما تبدو به عورته فهو يستره لمنعه عن الكشف فهم عليهم السلام اولوا الحجى على المعنى الأول والثاني والثالث والرابع والسادس والتاسع على احد معنييه اما على الخامس فلا على اطلاقه لانهم لا يفقدون المعلوم ولا يصيرون الى مظنون ولا موهوم واذا صاروا الى شيء منها بالنسبة الى غيرهم فهو عندهم معلوم واجب المصير اليه عليهم اما للتقية او لبيان الجواز او التخيير او التعليم والتسهيل على الرعية وغير ذلك واما على السابع فيصح لهم على نحو خاص فانهم لا ينتقلون عن يقين الى يقين ارجح منه قبل الانتقال وانما ينتقلون عن الاول اذا انقضت مدة العمل به ولو وقت الانتقال وكتبت مدة اليقين المنتقل اليه ووقع تكليفهم به فهم ابدا في راجح بخلاف غيرهم فانه يجوز ان يكون المنتقل اليه قبل الانتقال ارجح من المنتقل منه في الواقع الوجودي او التكليفي بالنسبة الى ذلك الغير ولم يصل اليه الترجيح او لم يعرف الترجيح ولعل آخر قام بالراجح مع بقاء ذلك الغير على ما هو مرجوح في نفس الأمر بل قد يكون الراجح قد وصل اليه وعرفه واقام على المرجوح اما لأنس نفسه بالمرجوح او لخلوده الى قاعدة عنده مع ظهور الرجحان له عند نفسه فركن الى المرجوح للقاعدة ولعل الفساد من القاعدة ولم يعثر على خللها او لغرض آخر دنياوي ( دنيوي خل ) يصرف فكره الى تلفيق مرجحات البقاء على الأول وهو يعلم وهو لا يعلم وذلك من قوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وقوله تعالى وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وهم عليهم السلام مطهرون عن هذه الامور كلها واما على الثامن فيصح لهم ذلك على انهم (ع) لذاتهم وفطرتهم التي فطرهم الله عليها هم السابقون وهم الغالبون بلا مماراة ولا مغالبة لانهم حزب الله الا ان حزب الله هم الغالبون ولانهم سبقوا ولا مسابق فاذا وجد فهو لاحق وتابع ومتعلم او حاسد قاصر منحط عن مقامهم قد خر من دون سماء رتبتهم من حيث حسد ونظر فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق
قال عليه السلام : وكهف الورى
الكهف غار واسع في الجبل فان كان صغيرا قيل له غار والمنقور في الجبل كالبيت كهف والمراد هنا الملجأ والحاوي للشيء والمأوى له وفي الحديث الدعاء كهف الاجابة كما ان السحاب كهف المطر يعني ان الدعاء مظنة تضمن الاجابة كما ان السحاب مظنة تضمن المطر يعني انهم عليهم السلام ملجأ الورى اي ملجأ الخلق والمراد بالورى الخلق والمراد بالخلق هنا الناس هذا ظاهر اللغة وظاهر العبارة ولهذا ذكر في كونهم ملاذا ما يناسب الافهام والا ففي الحقيقة فهم ملجأ جميع المخلوقات كانت الانبياء اذا قصروا التجأوا اليهم وتشفعوا بهم فيشفع لهم روى الصدوق في اماليه باسناده عن معمر ابن راشد قال سمعت ابا عبد الله الصادق عليه السلام يقول اتى يهودي النبي صلى الله عليه وآله قال فقام بين يديه وجعل يحد النظر اليه فقال يا يهودي ما حاجتك فقال انت افضل ام موسى بن عمران الذي كلمه الله وانزل عليه التورية والعصا وفلق له البحر وظلله الغمام فقال له النبي صلى الله عليه وآله انه يكره للرجل ان يزكي نفسه ولكن اقول ان آدم لما اصاب الخطيئة كانت توبته اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد الا ما غفرت لي فغفرها له وان نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما نجيتني من الغرق فنجاه الله منه وان ابراهيم لما القي في النار قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما نجيتني منها فجعلها عليه بردا وسلاما وان موسى لما القي عصاه فأوجس في نفسه خيفة قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما نجيتني فقال الله جل جلاله لا تخف انك انت الاعلى يا يهودي لو ادركني موسى ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه ايمانه شيئا ولا نفعته النبوة يا يهودي ومن ذريتي المهدي اذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته وقدمه وصلى خلفه وقال علي بن الحسين (ع) حدثني ابي عن ابيه عن رسول الله (ص) يا عباد الله ان آدم لما رأي النور ساطعا في صلبه اذ كان الله قد نقل اشباحنا من ذروة العرش الى ظهره رأي النور ولم يتبين الأشباح وقال الله عز وجل انوار اشباح نقلتهم من اشرف بقاع عرشي الى ظهرك ولذلك امرت الملائكة بالسجود لك اذ كنت وعاء لتلك الأشباح فقال آدم يا رب لو بينتها فقال الله عز وجل انظر يا آدم الى ذروة العرش فنظر آدم (ع) وواقع اشباحنا من ظهر آدم (ع) الى ذروة العرش فانطبع فيه صور اشباح انوارنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرءاة الصافية فراى اشباحنا فقال ما هذه الاشباح يا رب قال الله عز وجل هذه اشباح افضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وانا ( الحمد الحميد خ ) المحمود في افعالي شققت له اسما من اسمي وهذا علي وانا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي وهذه فاطمة وانا فاطر السموات والأرض فاطم اعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم اوليائي عما يبيرهم ويشينهم وشققت لها اسما من اسمي وهذان الحسن والحسين وانا المحسن المجمل شققت اسمهما من اسمي هؤلائي (هؤلاء خل ) خيار خلقي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم اعطي وبهم اعاقب وبهم اثيب فتوسل بهم الى يا آدم واذا دهتك داهية فاجعلهم الى شفعاءك فاني آليت على نفسي قسما حقا لا اخيب بهم آملا ولا ارد بهم سائلا فلذلك حين نزلت منه الخطيئة دعا الله عز وجل فتاب عليه وغفر له ه فهذا وامثاله من الاحاديث الدالة على انهم هم الملجأ والملاذ فلا يستجيب الله الدعاء الا بهم لانهم ذمامه المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول اي لا يضام جارهم ولا يرام حماهم ولا يعدلهم شيء الاتسمع قول الضالين يوم القيمة لما كشف لهم عن الحقائق حتى عرفوا ان ما ينسب للمعبود من الأحوال المرتبطة بالخلق هي بعينها ما لهم (ع) فطاعتهم عين طاعة الله ومعصيتهم عين معصية الله فمن اطاعهم فقد اطاع الله فلما كشف لهم هذه الحقائق وقيل اينما كنتم تعبدون من دون الله يعني تطيعونهم في معصية ولي الله هل ينصرونكم او ينتصرون اي ينجونكم من النار او ينجون انفسهم منها فكبكبوا فيها هم يعني الضالين والغاوون يعني المضلين المطاعين في معصية الله وجنود ابليس اجمعون يعني ( قرناؤهم خ ) من الشياطين الذين زينوا لهم ماضيهم وغابرهم قالوا اي الضالون وهم فيها يختصمون مع الغاوين تالله ان كنا لفي ضلال مبين اي والله الذي هو الهادي لمن اطاعه وامن به لقد كنا في ضلال مبين بمخالفته وطاعة اعدائه اذ نسويكم برب العالمين يعني جعلناكم مساوين لرب العالمين حيث امرنا بطاعة وليه وامرتمونا بمعاداة وليه وطاعة عدوه فاتبعناكم وتركنا مالكنا ومصلحنا ومربينا وهادينا ومدبر امورنا فلما كشف لهم في الأخرة عن الحقائق ورأوا انهم (ع) لا يعدلهم شيء ولا يدنوا من مقامهم شيء قالوا ما حكي الله عنهم فمن اعتصم بهم حفظ من شر كل غاشم وطارق من خلق الله الصامت والناطق لان الله سبحانه خلقهم قبل كل شيء ثم خلق الأشياء واشهدهم خلقها وانهى اليهم علمها وجعلهم ملاذ كل شيء ومرد كل شيء واليهم اياب كل شيء وعليهم حساب كل شيء روى المفيد (ره) في الاختصاص والصفار في البصائر باسنادهما الى ابي حمزة الثمالي ثابت بن دينار قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول من احللنا له شيئا اصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال لان الائمة منا مفوض اليهم فما احلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام وفي الاختصاص باسناده عن محمد بن سنان قال كنت عند ابي جعفر (ع) فذكرت اختلاف الشيعة فقال ان الله لم يزل فردا متفردا في الوحدانية ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة (ع) فمكثوا الف دهر ثم خلق الأشياء واشهدهم خلقها واجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء وفوض امر الأشياء اليهم في الحكم والتصرف والارشاد والامر والنهي في الخلق لانهم الولاة فلهم الأمر والولاية والهداية فهم ابوابه ونوابه وحجابه يحللون ما شاء ويحرمون ما شاء ولا يفعلون الا ما شاء عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فهذه الديانة التي من تقدمها غرق في بحر الافراط ومن نقصهم من هذه المراتب التي رتبهم الله فيها زهق في بحر التفريط ولم يعرف ال محمد حقهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم ثم قال خذها يا محمد فانها من مخزون العلم ومكنونه وفي البصائر باسناده عن زرارة قال سمعت ابا جعفر (ع) وابا عبد الله (ع) يقول ان الله فوض الى نبيه امر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الاية وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ه فلما خلق الخلق واشهدهم امر الخلق وانهى علم الخلق اليهم وامر جميع الخلق من الصامت والناطق بطاعتهم وانه لا يتقدم متقدم ولا يتأخر متأخر الا عن امرهم كانوا مرد جميع الأعيان والمعاني ولعل ما اشار علي (ع) في خطبته في تنزيه الخالق جل وعلا بقوله انتهى المخلوق الى مثله يشير في باطن تفسيره الى هذا ومما يدل على ذلك ما في كتاب محمد بن شاذان بن نعيم بخطه عن حمران بن اعين قال سمعت ابا عبد الله (ع) يحدث عن ابيه عن آبائه (ع) ان رجلا كان شيعة امير المؤمنين (ع) مريضا شديد الحمى فعاده الحسين بن علي عليهما السلام فلما دخل من باب الدار طارت الحمى عن الرجل فقال قد رضيت بما اوتيتم به حقا حقا والحمي لتهرب منكم فقال له والله ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لنا يا كباسة قال فاذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول لبيك قال اليس امرك امير المؤمنين (ع) الا تقربي الا عدوا او مذنبا لكي يكون كفارة لذنوبه فما بال هذا وكان الرجل المريض عبد الله بن شداد الهادي الليثي ه وروى هذا الحديث ابن شهر اشوب عن زرارة بن اعين فاذا ظهر لك مما اشرنا اليه ومن الروايات انهم ملجأ الكل فاعلم انه قد ذكرنا في مواضع كثيرة انهم باب الله الى الخلق وباب الخلق الى الله تعالى وبعد ما عرفت ان كل شيء من الله وانه سبحانه ليس له باب الى الخلق الا هم (ع) وان الشرط الأعظم والركن الكلي في وجودات الخلق وماهياتهم وقوابلهم هو وجودهم عليهم السلام لان الله سبحانه اتخذهم اعضادا لخلقه فاذا تحقق لك هذه الأمور ثبت عندك انهم الملجأ والملاذ والمرجع في كل شيء صدر عن مشية الله بعدهم من عين او معنى جوهر او عرض ذات او صفة حال او ظرف او بعد جسمي او بعد مكاني او بعد زماني والحاصل ان كل شيء يلتجأ اليهم في جهة فقره وتختلف حوائج السائلين اليهم فمنهم في خلق او رزق او حياة او ممات ومنهم في نمو وغذاء ومنهم في بقاء وحفظ ومنهم في طلب ورجاء ومنهم في استجارة ووقاء الى غير ذلك على حسب استعداداتهم وهو قول علي بن الحسين (ع) الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك يا شافي يا كافي يا معافي يا ارحم الراحمين
قال عليه السلام : وورثة الانبياء
قال محمد تقي المجلسي في الشرح فانهم ورثوا كل علم وكتاب وفضيلة وكمال كان لهم حتى عصى ( عصاء خل ) موسى وعمامة هرون والتابوت والسكينة وخاتم سليمن كما روي في الأخبار المتواترة بل روي انهم آتيهم الله ما لم يؤت احدا من العالمين ه اقول يراد من كونهم ورثوا الانبياء احد معنيين احدهما ان جميع خواص الانبياء وآثارهم ومتروكاتهم المختصة بهم للاخرة او للابلاغ والتعريف واقامة الدين وغيرها مما اعدوه لطاعة الله تعالى ورثوه كما اشار الى بعضه محمد تقي (ره) وثانيهما ان الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا بمعنى ان كل ما تركوا من حطام الدنيا لم يعدوا شيئا من ذلك ميراثا وانما ورثوا العلم فمعنى كونهم ورثة الانبياء انهم ورثوا جميع ما عندهم من العلوم مما ادركوه من الوحي بواسطة الملك او الالهام او الفهم وما تخاطبه به الحيوانات والجمادات والنباتات وهفيف الرياح وجريان المياه ولمعان البروق واصوات الرعود وتغطمط البحار وزهر الاشجار وقد جمع الله لهم ما فرقه في سائر خلقه مع ما لم يقسمه بين احد من خلقه سواهم وفيه معان اخر منها ان ما ثبت للأنبياء (ع) من وجوب الطاعة والعصمة والأعمال وغير ذلك فانهم قد ورثوه كما قال (ص) علماء امتي كانبياء بني اسرائيل فكانوا وارثين للأنبياء في وجوب الطاعة والاعذار والانذار ومنها ان ما ثبت للأنبياء (ع) من تلك الصفات الحميدة التي بها بعثوا ولأجلها ارسلوا هي من ال محمد صلى الله عليه وعليهم وعنهم صدرت وبنورهم وجدت ولسلطانهم قدرت وللثناء عليهم نشرت فهي صفات انوارهم ومظاهر آثارهم فهي لهم وهم الوارثون وهو قوله تعالى ونحن الوارثون ومعنى هذه الاية قوله تعالى ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ومنها ان الانبياء من رشح عرق نورهم يعني ان ارواحهم خلقت من رشح انوار محمد واله (ص) وذلك بعد خلق انوارهم بالف دهر وما كان اولا يكون آخرا فاليهم ترجع الانبياء الى ان يفنوا فيهم فهم الوارثون للأنبياء ولهم اعمالهم فهم يرثون اعمالهم كما تقدم فاذا قلت ورثة الانبياء فالمراد بهذه الوراثة كل معنى مما اشرنا اليه ومما لم نشر اليه ومما يدل على الوراثة الظاهرة ما رواه في الكافي بسنده عن سعيد السمان قال كنت عند ابي عبد الله (ع) اذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له افيكم امام مفترض الطاعة قال فقال لا قال فقالا له اخبرنا عنك الثقات انك تفتي وتقر وتقول به ونسميهم لك فلان وفلان وهم اهل ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب فغضب ابو عبد الله (ع) وقال ما امرتهم بهذا فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا فقال لي اتعرف هذين قلت نعم هما من اهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان ان سيف رسول الله (ص) عند عبد الله بن الحسن فقال كذبا لعنهما الله والله ما راه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا راه ابوه اللهم الا ان رأه عند علي بن الحسين (ع) فان كانا صادقين فما علامة في مقبضه وما اثر في موضع مضربه وان عندي لسيف رسول الله (ص) وان عندي لراية رسول الله (ص) ودرعه ولامته ومغفره فان كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله (ص) وان عندي لراية رسول الله (ص) المغلبة وان عندي الواح موسى وعصاه وان عندي خاتم سليمن ابن داود (ع) وان عندي الطست الذي كان موسى (ع) يقرب بها القربان وان عندي الاسم الاعظم الذي كان رسول الله (ص) اذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم تصل من المشركين الى المسلمين نشابة وان عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني اسرائيل كانت بنوا اسرائيل في اي اهل بيت وجد التابوت على ابوابهم اوتوا النبوة ومن صار اليه السلاح منا اوتى الامامة ولقد لبس ابي درع رسول الله (ص) فخطت على الارض خطيطا ولبستها انا فكانت ( وكانت خ ) وقائمنا من اذا لبسها ملأها ان شاء الله تعالى ه وفي الكافي بسنده عن ابان عن ابي عبد الله (ع) قال لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وامير المؤمنين (ع) فقال للعباس يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته فرد عليه فقال يا رسول الله (ص) عمك شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وانت تباري الريح قال فاطرق رسول الله (ص) هنيئة ثم قال يا عباس اتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه فقال بابي انت وامي شيخ كثير العيال قليل المال وانت تباري الريح قال اما اني ساعطيها من يأخذها ثم قال يا علي يا اخا محمد اتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه فقال نعم بابي انت وامي ذاك علي ولي قال فنظرت اليه حتى نزع خاتمه من اصبعه فقال تختم بهذا في حياتي قال فنظرت الى الخاتم حين وضعته في اصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم ثم صاح يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية والقميص وذيالفقار والسحاب والبرد والأبرقة والقضيب قال والله ما رأيتها قبل ساعتي تلك يعني الأبرقة فجيئ بشقة كادت تخطف الأبصار فاذا هي من ابرق الجنة فقال يا علي ان جبرئل اتاني بها وقال يا محمد اجعلها في حلقة الدرع واستذفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعا احدهما مخصوف والأخر غير مخصوف والقميصين القميص الذي اسرى به فيه والقميص الذي خرج فيه يوم احد والقلانس الثلاث قلنسوة سفر وقلنسوة العيدين والجمع وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع اصحابه ثم قال يا بلال علي بالبغلتين الشهباء والدلدل والناقتين العضباء ( الغضباء خل ) والقصوى والفرسين الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله (ص) يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله (ص) وحيزوم وهو الذي يقول اقدم يا حيزوم والحمار عفير ( عفيره خل ) فقال اقبضها في حياتي فذكر امير المؤمنين (ع) ان اول شيء من الدواب توفى عفير ( عفيرة خل ) ساعة قبض رسول الله (ص) فقطع خطامه ثم مر يركض حتى اتى بئر بني حطمة بقبا فرمى بنفسه فيها فكانت قبره وروي ان امير المؤمنين (ع) قال ان ذلك الحمار كلم رسول الله (ص) فقال بابي انت وامي حدثني ابي عن جده عن ابيه انه كان مع نوح في السفينة فقام اليه نوح فمسح على كفله ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار ه قوله فتمنيت من جميع ما ترك يعني ان عليا (ع) كان في نفسه لو لم ادرك من متروكات رسول الله (ص) الا هذا الخاتم لكفاني شرفا وفخرا لانه (ص) قال له تختم بهذا في حياتي فزينه بزينته في حياته اشعارا بانه حلاه بكل حلية ورقاه الى كل مقام ظاهرا كالخاتم وباطنا بان كان خاتم الوصيين وزينتهم كما كان هو (ص) كذلك والسحاب اسم عمامة له (ص) وقوله صلى الله عليه وآله اقدم يا حيزوم يريد انه يخاطبه بالاقدام فيجيبه سماه باسم فرس جبرئل (ع) فرس الحيوة لان هذه فرس حيوة الاسلام فخاطبه بما خاطب جبرئل (ع) فرسه بذلك يوم بدر وعفير كزبير اسم الحمار الذي يسمى باليعفور كذا قيل وقيل ان عفيرا حمار للنبي (ص) غير يعفور فله حماران وفي ق وبلا لام حمار للنبي (ص) او هو عفير كزبير ه فتدبر فيما ذكرنا لك من معنى كونهم ورثة الانبياء عليهم السلام
قال عليه السلام : والمثل الاعلى
قال محمد تقي ( المجلسي خل ) في الشرح المثل محركة الحجة والحديث والصفة والجمع المثل بضمتين ويمكن قراءته بهما فانهم حجج الله تعالى ( الله سبحانه خ ) اعلاهم والمتصفون بصفات الله تعالى فهم صفته وصفاته على المبالغة او مثل الله تعالى بهم في قوله الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكوة كما روي في الأخبار الكثيرة بل ادعى بعض اصحابنا الاجماع ايضا انها نزلت فيهم ه اقول قد يفرق بين المثل محركة وبين المثل بكسر الميم وسكون الثاء فالأول كما ذكر الحجة وهو الدليل وهو مذكور في مواضع كثيرة من القرءان ولهذا قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس جمع مثل محركة بمعنى ( يعني خل ) الايات الدالة على التوحيد كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الأفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق قال تعالى وما يعقلها الا العالمون يعني ما يعقل الاستدلال بها اي بهذه الأمثال التي هي الأيات والأدلة الا العالمون بها وبكيفية الاستدلال بها واما المثل محركة بمعنى الحديث فمذكور في مواضع منها في وجه من قوله تعالى ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل اي شرفناه بالنبوة وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبني اسرائيل وكذا في قوله تعالى يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له اي ضربت لكم قصة عجيبة وذلك لان العرب قد تسمي الصفة والقصة الرائقة لاستحسانها او لاستغرابها مثلا نعم انما يستعمل المثل بمعنى الحديث والقصة اذا ارادوا ان يقصوا شيئا بالتشبيه والتمثيل ويكون بمعنى الصفة كقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون اي صفتها وبمعنى الصورة كما في حديث الميت مثل له ماله وولده وعمله الحديث اي صور له والثاني وهو المثل بكسر الميم بمعنى الشبه والنظير ففي حديث كميل عن امير المؤمنين (ع) يا كميل مات خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة قال بعض شراح هذا الحديث الأمثال جمع مثل بالتحريك وهو في الأصل بمعنى النظير ثم يستعمل بالقول ( في القول خل ) السائر الممثل الذي مضربه بمورده ثم في الكلام الذي له شأن وغرابة وهذا هو المراد بقوله (ع) وامثالهم في القلوب موجودة اي ان حكمهم ومواعظهم محفوظة عند اهلها يعملون بها ويهتدون بمنارها ه اقول هذا الكلام لا بأس به على الظاهر الا ان ظاهره انه لا يجوز غير هذا المعنى وهذا ليس بشيء لان المراد ان العلماء مذكورون بصورهم وامثالهم في قلوب من نظر في علومهم وقرأ كتبهم وتلك الصور الخيالية هي امثال العلماء لان زيدا الظاهر اذا ظهر في الصور الخيالية يكون بدلا من زيد في الظهور بتلك الصفة المذكور بها ومثالا له فان قائما بدل من زيد في ظهوره بالقيام ومثاله وصورة لفاعليته للقيام ويكون المعنى ان ذكرهم بصورهم بسبب اقوالهم واختياراتهم وايراداتهم للمسائل موجود او ان ما يرجحه العالم صورته في الباطن صورة العالم لانه صفته والوصف صورة الموصوف قال تعالى سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم فذلك الحكم الذي في قلوبهم من ذلك العالم الميت مثاله وصورته او سبب ذكره بصورته او كناية عما يذكر به من الثواب عند الله بسبب ما خلف من العلوم النافعة وعلى كل تقدير ففي الظاهر المثل محركا غير المثل بكسر الميم لان المثل بكسر الميم هو الشبه والنظير ولا معنى لكونهم مثلا ونظيرا لان المعلوم انهم خير خلق الله فلا يكونون نظيرا ولا مثلا لاحد من الخلق والا لكان خيرا منهم ولا للمعبود بالحق جل وعلا لانه لا شبه له ولا نظير فلا يصح ( فلا يصلح خل ) المثل بكسر الميم واما بالتحريك فيحسن لانهم آية الله وحجج الله والأمثال التي ضربها الله لخلقه وقصة الحق وصفته بمعنى اذا اردت ان تعرف انباء الأولين واحوال الانبياء مع اممهم فانظر فيهم فتجد احوالهم وصفاتهم تقص عليك ما كان في سنة الاولين فتجد حجة معصوما مفترض الطاعة عالما بكل ما يحتاج اليه الرعية محفوظا عن الخطأ والغفلة والزلل والسهو والذنب صغيره وكبيره مستجاب الدعوة مظهرا للمعجزات من اتبعه وآمن به نجا ومن تخلف عنه هلك فاذا نظرت بعين البصيرة علمت انهم (ع) قصص الله الحق لما مضى واخبار الله الصدق عما يأتي وهديهم وسننهم سنن الله وهديه ( وهداه خل ) وطريق الحق وسبيله وقد اشار (ع) الى مثل هذا المعنى بقوله اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولي الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة اولي الأمر فاذا لم يجده لم يكونوا اولي الامر لان الشيء الذي ينسب الى صفة انما يعرف بتلك الصفة لا بدونها واما كونهم المثل الاعلى فلان الامثال كثيرة غيرهم فانه قد يكون هذا الوصف جاريا في غيرهم بان يكون مثلا من امثال الحق على نحو ما اشرنا اليه كما قال تعالى في حق عيسى على نبينا وآله وعليه السلام ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون وقالوا ءالهتنا خير ام هو ماضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل يعني حين ضربنا لهم المثل الحق بان جعلنا لهم عيسى فيهم مثلا لولينا في سائر خلقنا ضربوا في معارضتك يا محمد المثل الباطل جدلا منهم ليدحضوا به الحق فقالوا ءالهتنا خير ام هو اي ما يريد محمد بقوله (ص) في الكافي عن ابي بصير قال بينا رسول الله (ص) ذات يوم جالس اذ اقبل امير المؤمنين (ع) فقال له رسول الله (ص) ان فيك شبها من عيسى بن مريم لولا ان تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس الا اخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم فقالوا ما رضي ان يضرب لابن عمه مثلا الا عيسى بن مريم فانزل على نبيه (ص) ولما ضرب ابن مريم مثلا الى قوله لجعلنا منكم يعني من بني هاشم ملائكة في الارض يخلفون الحديث وفي المجمع يا علي انما مثلك في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم الحديث فلما سمعوا ذلك قال المنافقون انما ذكر ذلك وشبهه بعيسي بن مريم لانه يريد ان نعبده كما عبد النصارى عيسى وبهذا المعنى قال ائمة المنافقين انما نص عليه ليتولي علينا فنحن اولى منه فقوله تعالى حكاية عنهم ءآلهتنا خير ام هو اراد سبحانه ( به خ ) الحكاية عن ائمة المنافقين ( انهم خل ) يقولون ءالهتنا اولى بالاتباع والعبادة خير ام ولاية علي وطاعته قال الله تعالى لنبيه (ص) ماضربوه اي هذا المثل الا جدلا فقوله تعالى جدلا كما ذكره بعضهم حيث قال دليل الحق المثل ودليل الباطل الجدل بل قد يكون المثل الحق جاريا على شيء لان الله سبحانه ما خلق شيئا الا وهو مثل لشيء وله مثل حتى ان الدنيا الدنية ضرب الله سبحانه لها مثلا حقا فقال انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض الاية الا ان الأمثال تتفاوت في الدرجات صاعدة حتى تنتهي الى ال محمد صلى الله عليه وعليهم فكل شيء مثلهم ومثل لهم وليس فوقهم مثل فهم الامثال العليا ثم انه قد ثبت انهم الأمثال العليا بالنص والاجماع فما المراد بكونهم امثالا مع ان المثل محركا لا يكون الا بيانا وصفة والبيان والصفة لا شك في كونهما انزل رتبة من المبين والموصوف فاذا لم يكن شيء اعلا رتبة منهم فكيف يكونون امثالا فالجواب من وجوه :
الاول ان المراد من قوله تعالى وله المثل الاعلى في السموات والأرض هو معنى التنزيه اي كلما ذكر وصف شريف او وضيع او ضرب مثل دني او رفيع وجب ان يقال الله تعالى اكبر من ان يوصف واجل من ان يكيف واعلى من ان يمثل او يشبه واعظم من ان يقاس وارفع من ان يعرف كيف هو في سر وعلانية الا بما دل على نفسه لان التمثيل تحديد وتوصيف وتكييف واعلى منه ومن كل تمثيل وتكييف ان يقال هو اكبر من ان يمثل او يكيف واعظم من ان يوصف فهذا المثل الاعلى اذا كان ذلك فيهم (ع)
والثاني ان اعلى الأمثال وهو المثل الدال على التنزيه ونفي التشبيه ونفي المعلومية والاحاطة بوجه ما هو له سبحانه يعني يملكه وهو خلقه مثل ما قيل في قول علي بن الحسين (ع) لك يا الهي وحدانية العدد اي هي لك وملكك وخلقك فلا تجري عليك ويكون المعنى ان التعريف الذي به يعرف الله من انه ليس كمثله شيء ولا ضد له ولا ند له ولا شريك وامثال هذا من الامور الدالة على التوحيد الخالص بحسب الامكان مثل معرفة النفس على ما اشرنا اليه في شرح حديث كميل في قوله (ع) كشف سبحات الجلال من غير اشارة هو آية ضربها الله يعرف بها كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فذلك مثل اعلى لمعرفته التي هي ظهوره لخلقه بهم وهذا في كل شخص واعلى هذه الأمثال محمد واله (ص) فهم المثل الاعلى يعني هياكل التوحيد العليا وهي اول هيكل خلقه وهي اربعة عشر هيكلا
والثالث انه سبحانه خلق الخلق على غير مثال سبق بل خلق كل شيء على ما هو عليه وهو المراد من الحديث على احد وجوهه قوله (ص) ان الله خلق آدم على صورته اي على ما هو عليه باعتبار قابليته للهيئات والتخطيط والكينونات فمعنى انهم المثل الاعلى ان الله جل وعلا خلقهم على احسن صورة يقتضيها الامكان وهي ما هم عليه من الهيئة والكينونة كما اشار اليه سبحانه بقوله تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم وهو الانسان الكامل وهو محمد وآله الاثنا عشر وفاطمة (ص) ثم رددناه اسفل سافلين يعني اقبح صورة يحتملها الانسان وهو الانسان الناقص وهو اعدى اعدائهم لعنهم الله فالصور اعلاها احسنها وهو صور محمد وآله صلى الله عليه وعليهم واقبحها صور ائمة المنافقين وما بينهما بالنسبة كل ما قرب من الأحسن احسن وكل ما قرب من الأقبح اقبح فهم (ع) امثالهم وهم الأمثال العليا
والرابع انه سبحانه لما خلق الخلق على ما هم عليه اقتضت قابلياتها على حسب حدودها صورا ظاهرة وباطنة فكان فيهم من صورته حسنة ظاهرا وباطنا وفيهم من صورته قبيحة ظاهرا وباطنا وفيهم من صورته قبيحة ظاهرا حسنة باطنا وفيهم من صورته حسنة ظاهرا قبيحة باطنا وهذه الأجناس الأربعة كل واحد منها اختلفت افراده على جهة التشكيك لاختلاف المشخصات من مكملات القابليات فمن كانت صورهم حسنة ظاهرا وباطنا اعلاها صور محمد وآله (ص) وتلك الصور انما كانت في غاية الحسن والكمال ظاهرا وباطنا لان مادتها ومشخصاتها وقوابلها ومكملاتها كلها انوار لا ظلمة فيها اصلا الا ما تتحقق به ظهورا فكانت طبق فعل الله لذاته فهم محال مشيته فلما كانت تلك الصور والهيئات والكينونات كادت ان تكون مطلقة بحيث لا تتوقف على شرط كما اشار سبحانه اليها في كتابه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وذلك لتخلصها من الأكوان التركيبية اصطفاها وارتضاها واختصها ونسبها الى نفسه فجعلها امثاله كما اختص الكعبة ونسبها الى نفسه فقال بيتي فهم امثاله العليا
والخامس لما كانت معاني زيد كقيامه وقعوده وقدرته وعلمه وحركته وسكونه ونفسه وروحه وعقله ووجوده وماهيته وذاته وصفاته وافعاله واقواله واعماله وجميع احواله امثالا له وابدالا ( له خ ) منه في جهة ما اتصف به او ( ما خ ) له وقد قالوا انهم معانيه كما في رواية جابر عن ابي جعفر (ع) انه قال يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال فقلت وما البيان والمعاني قال فقال علي (ع) اما البيان فهو ان تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وامره وحكمه وعلمه وحقه اذا شئنا شاء الله ويريد ما نريده الحديث فانظر كيف فسرها بالمعاني وهي جنبه ويده الخ وهي امثاله وابداله فسماها معانيه ومعاني الشيء امثاله لانها صفة كينونته وهذا المعنى يجري في جميع الخلائق والى هذا اشار علي (ع) وقد سئل عن العالم العلوي فقال صور عارية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه فقوله (ع) والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله يريد بالمثال الذي القاه في هويتها هو ما تعرف لها من وصف معرفته الذي هو ذاتها اذ ليس لها هوية غير ذلك الوصف الملقى ويجري ايضا في كل جهة وذرة من ذرات الوجود الا انه لا يمكن ايجاد اعلى منهم صلى الله عليهم فهم المثل الاعلى
وان قلنا ان الامثال جمع مثل بكسر الميم كاحمال جمع حمل استلزم ثبوت النظير والشبيه وهو في الباطن وباطن الباطن يصح في وجهين : احدهما ان المراد بالمثل هو النفس اذا كشف عنها سبحات الجلال يعني سبحاتها من غير اشارة لان الاشارة من سبحاتها فاذا ازلت السبحات وجردتها عن جميع الاعتبارات ظهر لك انها آية الله ودليله وصفة معرفته ومثل صفة فعله والمعنى انه سبحانه اذا تعرف لشيء فانما ذلك ليعرفه ولا يعرفه بصفة غيره وانما يعرفه بصفته وتلك الصفة هي ذات العبد وتلك الصفة التي هي ذات العبد لها شؤن وصفات وهي سبحاتها فبالسبحات تعرف ( في ثلثة مواضع خل ) الذات لانها صفتها وبالذات يعرف محدثها لانها صفته ولا يجوز ان يكون ما تعرف به لك غير ذاتك لانه لو كان ذلك كذلك لكان يجوز ان تكون ذاتك موجودة وانت لا تعرفه اذا لم يتعرف لك بشيء ويلزم من ذلك استغناؤك عن مدده والا تكون موجودا به لان كونك موجودا به يلزم منه ان تكون اثر فعله فتدل عليه باصل ايجادك لان الموجود اثر الايجاد والايجاد اثر الموجد فيدل ولا يعني بالتعرف لك الا هذا وهو قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فاذا ظهر لك وجود المثل بكسر الميم في ذوات الموجودات عند تجريدها عن الفرقات اي مثل صفته التي تعرف بها لك وهي صفة خلق لا تشبه شيئا من الخلق عرفت ان تلك الأمثال تختلف اختلافا كثيرا متفاوتا تفاوتا كثيرا واعلى تلك الأمثال محمد واله صلى الله عليهم اجمعين فهم المثل الاعلى بكسر الميم وعلى ما جوزه الشارح محمد تقي المجلسي (ره) من جواز القراءة بضمتين يصح هذا المعنى وثانيهما ما قيل ان جميع العالم اسم الله تعالى وربما استدل على هذا بما في الكافي من حديث الأسماء ان الله خلق اسما بالحروف غير متصوت وباللفظ غير منطق الى ان قال فجعله كلمة تامة على اربعة اجزاء معا ليس واحد منها قبل الاخر فاظهر منها ثلاثة اسماء لفاقة الخلق اليها وحجب واحدا منها الحديث وقد ذكرت لشرحه رسالة من اراد الوقوف على ذلك طلبها وفيها ان المراد بهذا الاسم هو جميع ما سوى الله والأسماء الثلاثة التي ظهرت عالم الجبروت اي العقول وعالم الملكوت اي النفوس وعالم الملك اي الأجسام والجزء المحجوب هو فعل الله المسمى بالمشية والارادة والابداع ومعلوم ان الاسم علامة المسمى ومعلوم ان العلامة لا تفارق المعلم بل السمة هي صفة الموسوم ولا يراد بالمثل بكسر الميم الا هذا اي مثل جهة السمة والعلامة فاذا قلنا هم مثله لا نريد به مثل الذات لان ذلك كفر وزندقة وانما نريد انهم خلقهم آيات يستدل بهم عليه كما يدل الأثر على صفة المؤثر من تلك الجهة فهم مثله اي مثل صفة تدل عليه كما قال علي (ع) صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وقد كررنا هذا المعنى في رسائلنا فاياك ان تتوهم اذا اطلق المثل بالتحريك او بكسر الميم ان يراد بالمماثلة بينه وبين الذات الواجب تعالى ذاته عن المثل وعن ضرب المثل له انما ذلك بين الشيء الذي هو الأثر وبين الفعل الذي به التأثير فالمماثلة له وجميع ما يرد من الخلق من اضافة وبيان وانتهاء وتوصيف وتعريف كذلك والى هذا المعنى اشار علي (ع) في مقام تنزيه الذات قال (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فافهم فهم المثل الاعلى بكل معنى مما اشرنا اليه تلويحا وتصريحا
قال عليه السلام : والدعوة الحسنى
قال الشارح محمد تقي (ره) فانهم احسن الدعاة الى الله او دعوة الله الخلق الى متابعتهم افضل الدعوات ه
يراد بالدعوة الحسنى وجوه :الأول ان المراد بالدعوة الحسنى دعوة ابراهيم (ع) مثل قوله واجعل لي لسان صدق في الاخرين واللسان الصدق هم الأئمة عليهم السلام وقوله وجعلها يعني ابراهيم في دعوته كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون والكلمة الباقية في عقبه الأئمة (ع) وقوله واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك والأمة المسلمة لله الأئمة (ع) ويحتمل ان يراد من هذا قوله واجنبني وبني ان نعبد الأصنام اذا اريد التجنب التام الحقيقي فان من عصى الله لم يتجنب كل معبود سواه لان من اتبع شهوة نفسه فقد عبدها قال الله تعالى ارأيت من اتخذ الهه هواه فان من اتخذ الهه هواه فقد عبد صنما وفي العياشي عن ابيعمرو اليزيدي عن ابي عبد الله (ع) قال قلت اخبرني عن امة محمد (ص) من هم قال امة محمد بنو هاشم خاصة قلت فما الحجة في امة محمد (ص) انهم اهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم قال قول الله واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم فلما اجاب الله ابراهيم واسمعيل وجعل من ذريتهما امة مسلمة وبعث فيها رسولا منها يعني من تلك الامة يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ردف ابراهيم (ع) دعوته الاولى بدعوته الاخرى فسئل لهم تطهيرهم من الشرك ومن عبادة الاصنام ليصح امره فيهم ولا يتبعوا غيرهم فقال واجنبني وبني ان نعبد الأصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم فهذه دالة ( دلالة خل ) انه لا تكون الائمة والامة المسلمة التي بعث فيها محمد (ص) الا من ذرية ابراهيم لقوله واجنبني وبني ان نعبد الاصنام ه فهذا من معنى الدعوة الحسنى اي دعوة ابراهيم (ع)
الثاني انهم اهل الدعوة الحسنى على حذف مضاف والدعوة الحسنى انهم يدعون الى الايمان والى الجنة التي هي الحسنى كما في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة وذلك انهم دعوا الخلق عن بعث رسول الله (ص) في اصل الايجاد فعمل الخلائق في قبولهم الايجاد بحكمتهم (ع) فحسنت صورة من احسن عملا وقبحت صورة من عمل سوءا ثم دعوهم في الذر الأول فاجاب من احسن عملا لان طينته طابت بالاجابة الاولى وانكر من اساء ( اجابته خل ) اجابة لامتناعه عن الاجابة اول مرة ثم ظهروا لهم في الذر الثاني ودعوهم الى توحيد الله ونبوة محمد (ص) والولاية لعلي واهل بيته (ع) فمنهم من امن ومنهم من كفر ثم انهم كانوا اهل تلك الدعوة الاولى في هذه الدنيا فمن امن بما آمن ( به خل ) سابقا فقد فاز ومن انكر بذلك حقت عليه الكلمة وهو قوله تعالى وماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل وذلك التكذيب صدر منهم من بعد ما تبين لهم الهدى فاستحبوا العمى على الهدى فاخبر الله سبحانه عما هم عليه بقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فلما كانوا هم الدعاة الى الله من اصل الوجود الى هذه الدنيا بالعلم والهدى والكتاب المنير عذرا او نذرا بالحجج القاطعة والأدلة اللامعة الى ان ردد عليهم محمد بن عبد الله (ص) في هذه الدنيا الحجة وحملهم على المحجة فاخبرهم الله في كتابه المجيد عن ذلك التأسيس وهذا التشييد فقال هذا نذير من النذر الاولى فبلغت حجة الله وتمت كلمته وما ربك بظلام للعبيد
الثالث انهم دعوة الله التي دعا بها عباده الى طاعته ومحبته ورضاه اما على معنى ان الله سبحانه دعاهم الى سبيله يعني الطريق الموصل الى رضاه ومحبته وهم ذلك السبيل واليه الاشارة بقوله تعالى ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءانتم اضللتم عبادي هؤلاء ام هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء وقوله تعالى وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا او على معنى انهم كلماته التامات فالدعوة بهم او انهم اسماؤه الحسنى فدعاهم باسمائه او ( وخل ) امر العباد ان يدعوه بها فالدعوة بهم عنده هي الدعوة الحسنى او على معنى انه دعاهم بسبيله يعني انه تعالى دعاهم الى طاعته ورضاه بسبيله وهم سبيله اي دعا عباده بهم (ع) الى ما فيه نجاتهم السرمدية وسعادتهم الأبدية فبهم وبتوسطهم تمت الدعوة وائتلفت الفرقة بان دعا الله عباده على السنتهم او بانوارهم ابصر العباد الطريق الى الله او قووا على الاجابة والابصار لان قوة العباد على الطاعات وقوة عقولهم ومشاعرهم انما هي من فاضل نورهم فبفاضل قوتهم قووا وبنور هدايتهم اهتدوا او بتحملهم عن محبيهم عوائق الموبقات وصلوا اعلى الدرجات وامثال ذلك فهم الدعوة الحسنى
الرابع ان الله سبحانه دعا بعض خلقه الى الحق بقبوله الحق منه بمعنى جعلهم اهل الحق بقبولهم عنه وهي الدعوة الحسنى ودعا بعض خلقه الى خلاف ذلك بتركهم الحق ومنعهم اطاقة القبول منه فجعلهم اهل الباطل بتركهم الحق واخذهم الباطل وبعدم القبول منه وهي الدعوة السوأى فسبق للمؤمنين خير ما سبق في الكتاب بالمعرفة والقبول وسبق للمنافقين شر ما سبق في الكتاب بجحودهم وعدم القبول منه وهم عليهم السلام حملة الجعل بالقبول والايمان بل هم الجعل الحق الذي هو الدعوة الحسنى واعداؤهم جعلت بهم الدعوة السوأى واليه الاشارة بقوله تعالى في اهل الدعوة السوأى وجعل كلمة الذين كفروا السفلى فهي سفلي بجعله لهم بكفرهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وقال في اهل الدعوة الحسنى وكلمة الله هي العليا بذاتها لا بجعل غير كونها على ما هي عليه من الخير
الخامس انه سبحانه دعا عباده الى طاعته وهي على انحاء شتى اعلاها ما دعا اليه من حبهم وولايتهم والتسليم لهم والرد اليهم والتوكل على الله وعلى ولايتهم لان ذلك يحط الذنوب وفي ما نقله ابن طاووس تغمده الله برحمته عن الحجة (ع) في الدعاء للشيعة حيث قال (ع) اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا الدعاء وفي الحديث القدسي ما معناه اقسم بعزتي وجلالي اني ادخل الجنة من احب عليا وان عصاني واني ادخل النار من ابغض عليا وان اطاعني فكان ما دعا اليه من حبهم افضل العبادات وهي احسن ما دعا اليه عنده
السادس انه دعا عباده الى طاعتهم (ع) ولما كانت احوالهم مستهلكة في خدمته فليس لهم التفات الى شيء سواه كانت طاعتهم مستلزمة لجميع انواع الطاعات من التوحيد فما دونه الى ارش الخدش فما فوقه ولم تكن طاعة في الحقيقة تخرج عن طاعتهم لانهم باب الوجود وسر المعبود فكانت دعوته الى طاعتهم افضل فتكون هي الدعوة الحسنى
قال عليه السلام : وحجج الله على اهل الدنيا والاخرة والاولى
قال الشارح ( المجلسي خل ) محمد تقي (ره) احتج الله واتم حجته بهم على اهل الدنيا بان جعل لهم المعجزات الباهرة والعلوم اللدنية والأخلاق الالهية والعقول الربانية فهداهم بهم اليه ويحتج بهم في الاخرة بعد الموت او في القيمة والاولى كرر للتأكيد او السجع او هي صفة الحجج فانهم اولى حجج الله كما تقدم او يقرأ بافضل ( بافعل خل ) التفضيل فانهم اكمل حجج الله ه
اقول الحجج جمع حجة بالضم وهي البرهان والبرهان قد يكون بالقول وقد يكون باحداث مثل المستدل عليه في الجهة المدعي ثبوتها او مثاله وهذا ابلغ في اثبات الدعوى لانه لا يحتمل الخطأ لانه ايجاد صفة الدعوى ولا توجد الصفة الا بعد ثبوت الموصوف واما البرهان القولي فانه لفظ يدعي دلالته على المدعي والدلالة اللفظية قد تشتبه بسبب اختلاف الأذواق وعدم فهم بعضها اذا انفرد عن الحس ولسعة فضاء الخيال وكثرة الاشكال فيه وسرعة حدوثها وقد تسمع اللفظ فيحدث لها مقتضى جهة المرجوحية وامثال هذا من مرجحات البرهان المثلي والمثالي ولما كان هذا المعنى غير معهود عند الناس بعد ادراكه عليهم الا ببيان المشافهة واما بالكتابة فيحتاج الى بسط طويل ولأجل هذا تركنا ذكره ثم انهم (ع) اعظم حجج الله على خلقه لانه سبحانه خلقهم واودع في حقائقهم كل كمال ممكن من علم وكرم وحكم وحلم وجزم وحزم وفهم وعقل وعزم وفضل وفصل وذكر وفكر وبصر وصبر وزهد وورع وتقوى ويقين وتسليم ورضا وشجاعة وسماحة ونباهة ونجابة واستقامة واقتصاد وما اشبه ذلك من صفات كمالات الدين والدنيا وخلق ما سواهم وامرهم بطاعتهم وجعلهم الوسيلة اليه في كل امر مطلوب وخير مرغوب ولا يمكن لاحد من الخلق رد وساطتهم اذا رجع الى عقله وفهمه والى ما تعرفه العامة والخاصة ولا بميزان شريعة من الشرائع ولا بمقتضى طبيعة من الطبائع بل من قبل منهم علم انهم اهل ذلك وكل من لم يقبل منهم يعلم انه في ذلك مقصر تارك الاستقامة ومتجنب للحق لان الله سبحانه عرف كل شيء من خلقه من بني آدم ومن الجان والشياطين والملائكة وسائر الحيوانات والنباتات والجمادات والجواهر والأعراض والذوات والصفات ( وخ ) الاعيان والمعاني وكل شيء ظهر من ( عن خل ) مشية الله سبحانه مقام ال محمد (ص) وشرفهم وعظم شأنهم وقرب منزلتهم عنده وانه ليس له باب غيرهم ولا سبيل اليه الا منهم وفي مختصر بصائر سعد بن عبد الله الأشعري للحسن بن سليمن الحلي ما رواه من كتاب منهج التحقيق باسناده الى جابر عن ابي جعفر (ع) قال قال ان الله تعالى خلق اربعة عشر نورا من نور عظمته قبل خلق آدم باربعة عشرالف عام فهي ارواحنا فقيل له يا ابن رسول الله (ص) عدهم باسمائهم ممن ( من خل ) هؤلاء الاربعة عشر نورا فقال محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين وتاسعهم قائمهم ثم عدهم باسمائهم ثم قال نحن والله الاوصياء الخلفاء من بعد رسول الله ونحن المثاني التي اعطاها الله نبينا ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة ومصابيح العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ووديعة الله جل اسمه في عباده وحرم الله الاكبر وعهده المسئول عنه فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا نحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا الا بمعرفتنا ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ان الله تعالى خلقنا فاحسن خلقنا وصورنا فاحسن صورنا وجعلنا عينه على عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزان علمه وتراجمة وحيه واعلام دينه والعروة الوثقى والدليل الواضح لمن اهتدى وبنا اثمرت الأشجار واينعت الثمار وجرت الأنهار ونزل الغيث من السماء ونبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عرف الله وايم الله لولا وصية سبقت وعهد اخذ علينا لقلت قولا يعجب منه او يذهل منه الأولون والاخرون ه ومن طرقهم ما هو اعظم مما سمعت واكبر مما اطلعت عليه وعلمت فهم حجج الله البالغة كما قال تعالى قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين لانهم محال مشيته وهم الكلمة التامة كما قال تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم وهو قوله تعالى حكاية عن نبيه (ص) قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي واما اهل الدنيا فقيل يحتمل ان يراد بأهل الدنيا الموجودون فيها وما بعده تفسير وتفصيل له فيراد باهل الاخرة العاملون لها بالعبادات وبأهل الدنيا المباشرون لها بالمعاملات ولا شك انهم (ع) الحجج على الفريقين باظهار الكرامات والأخلاق الربانية وبالهداية وتعليم الأداب اما جعل الاولى للتأكيد هنا او صفة او افعل التفضيل فلا يخلو شيء منها عن تكلف بشهادة الذوق واما السجع فيحصل بترك الدنيا ه وقوله ( وقولي ظ ) اما جعل الاولى الخ اعتراض على ما ذكره الشارح محمد تقي (ره) كما ذكرنا عنه اولا وهذا اعتراض في محله وهو ايضا في قوله الحجج على الفريقين باظهار الكرامات الخ لان قوله باظهار الكرامات يعني المعجزات متوجه يعني ان ظهور المعجزات على ايديهم مصدق لما يدعونه من انهم حجج الله على عباده مفترضوا الطاعة لانه تعالى لا يصدق بالمعجزات الكاذب اما قوله بالهداية وتعليم الأداب فلا معنى لجعله دليل الحجية لانه اعم من المدعي وما اشرنا اليه هو دليل الحجية لمن يفهم والمراد باهل الدنيا كل من وجد فيها من مضى ومن بقي من لدن هبوط آدم الى قيام قائم ال محمد (ص) اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وهي مأخوذة من الدناءة لخستها كما اشار سبحانه الى ذلك في قوله تعالى ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون الى ان قال وان كل ذلك لما متاع الحيوة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين او من الدنو لانها قبل الاخرة فلتقدمها على الاخرة سميت بذلك كما ان الاخرة سميت بذلك لتأخرها والمراد بالاخرة هنا ما بعد الموت لان القبر اول منزل من منازل الاخرة فيكون المعنى انهم حجج الله على اهل البرزخ واهل الاخرة في الحشر والنشر وعند الصراط وفي المواقف الخمسين التي كل موقف منها كالف سنة مما تعدون وفي الجنة والنار وليس هذا الذكر للدنيا والأخرة والاولى حصرا لحجيتهم بل هم حجج على كل من دخل في الوجود مما دون العرش الاعلى فهم حجج ( الله خ ) على من سيكون بعد دخول اهل الجنة الجنة واهل النار النار كما رواه في الخصال عن جابر بن يزيد قال سألت ابا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل افعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد فقال يا جابر تأويل ذلك ان الله عز وجل اذا افنى هذا الخلق وهذا العالم واسكن اهل الجنة الجنة واهل النار النار جدد الله عز وجل عالما من غير فحولة ولا اناث يعبدونه ويوحدونه وخلق لهم ارضا غير هذه الأرض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم لعلك ترى ان الله عز وجل انما خلق هذا العالم الواحد وترى ان الله عز وجل لم يخلق بشرا غيركم بلى والله لقد خلق الله تبارك وتعالى الف الف عالم والف الف آدم ( وخ ) انت في آخر تلك العوالم واولئك الادميين ه ولا شك انهم (ع) حجج الله على هؤلاء لان اخبارهم كلها ناطقة بانهم حجج الله على جميع خلقه وان الله لم يخلق خلقا قبلهم ولا معهم وانهم بقوا اشباحا نورانية يسبحون الله عز وجل الف دهر قبل الخلق ثم خلق الخلق واشهدهم خلقهم واجرى عليهم طاعتهم وجعل فيهم ما شاء وفوض امر الأشياء اليهم في الحكم والتصرف والارشاد والأمر والنهي كما في الروايات عنهم والمراد بالأولى رجعة ال محمد (ص) او قيام قائمهم (ع) او الأعم منهما وانما سميت اولى بالنسبة الى الاخرة فيقال لهذه الأيام الثلاثة الدنيا والاولى والاخرى فان اريد بالأولى الرجعة فهي التي تظهر فيها الجنتان المدهامتان وما وجهه به الشارح من التكرير خلاف الأصل وما احتمل فيها من فتح الألف لانه افعل التفضيل خلاف الظاهر وجعلها صفة الحجج خلاف الأصل والظاهر معا لان هذه الأوقات الثلاثة متغايرة كما ورد في تأويل قوله تعالى وذكرهم بايام الله ففي الخصال عن مثنى الحناط قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول ايام الله يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيمة وفي تفسير علي بن ابراهيم ايام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيمة اقول وجه الاستدلال بهاتين الروايتين انه جعل قيام القائم عليه السلام او الرجعة يوما غير يوم القيمة المعبر به عن الاخرة وغير الدنيا فهذا اليوم لا يصلح ان يطلق عليه الدنيا لان بنيتها للتفضيل فهي ادنى من الكرة ومن قيام القائم عليه السلام ولا الاخرة لان القيمة بعده وهي الاخرة فهو غير الاخرة وغير الدنيا وليس هنا الا الدنيا او الرجعة وقيام القائم عليه السلام او الاخرة ويصلح ان يكون الاولى بالنسبة الى الاخرى وانما ذكر في تأويل الأيام الثلاثة قيام القائم (ع) والرجعة والاخرة ولم يذكر الدنيا لانه في مقام التهديد والتخويف والوعيد بما سيقع عليهم من العذاب ولا يكون ذلك الا في هذه الأيام المذكورة في الروايتين لان الدنيا محل التذكير وانما قلنا نحن ان الأيام ثلاثة الدنيا وقيام القائم (ع) او الرجعة او الأعم منهما والاخرة لان قيام القائم والرجعة في الجنس واحد من جهة العدل واقامة الحق ورفع الظلم ودك سد التقية وان اختلفا في عدم رجوع امام الزمان (ع) لان الرجوع قد يراد منها الحيوة بعد الموت والقائم (ع) حي موجود واذا فرقنا بينهما قلنا قيام القائم (ع) اولا وهو يحكم سبعين سنة في مدة سبع سنين على اكثر الروايات لان السنة في زمانه بعشر سنين فاذا مضى من ملكه تسع وخمسون سنة خرج الحسين (ع) وهو اول الرجعة فكان اليومان متداخلين متشابهين متوافقين هو مدة ملك ال محمد صلى الله عليه وعليهم اوله قيام القائم (ع) وهذا الذي يترجح في خاطري من المراد بالاولى ولو اردنا بالاولى الدنيا كما ذكره الأكثر فالفائدة في الذكر مرتين احد وجهين الأول ان الدنيا دنياوان دنيا ملعونة ودنيا بلاغ فالدنيا الملعونة ما سلك فيها بخلاف مراد الله والدنيا البلاغ ما سلك فيها على حسب مراد الله بان يتخذها منزل سفر ليأخذ منها متاعه الى الأخرة فالدنيا لفظها ناطق بالخسة والاولى لفظها ليس فيه ذلك فيراد بالدنيا الدنيا الملعونة ويراد بالاولى الدنيا البلاغ لان لفظ الاولى حصل منه الغرض وهو تقدمها على الاخرة وحصول الدنو والثاني ان المراد بالدنيا ولاية الأول والثاني كما روي عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى بل تؤثرون الحيوة الدنيا ما معناه انها ولاية الأول والأخرة خير وابقي هي ولاية امير المؤمنين عليه السلام ويكون المعنى انهم (ع) حجج الله على اعدائهم ومواليهم وقوله والاولى يراد بها الدنيا المعروفة بالمعنى الأعم من الدنيا الملعونة والدنيا البلاغ وذكرها من باب ايهام التناسب كما في قوله تعالى والنجم والشجر يسجدان فانه مراد بالنجم النبت المعروف ويوهم ان يكون المراد منه الكوكب لمناسبته لما قبله في قوله الشمس والقمر بحسبان وانما اتى للدنيا اليوم بالاولى ليدل على اليوم ولم يؤت للاخرة اليوم كما اتى للدنيا اليوم بالاولى لان الدنيا اذا استعملت في الولاية الباطلة قد لا يفهم منها الا الدنيا الملعونة فتبقى الدنيا البلاغ لا دليل على كونهم حججا فيها فاتى بما يدل عليها اي البلاغ وهو الاولى بخلاف الاخرة فانها اذا استعملت في الولاية الحق دلت على الاخرة اليوم لمطابقتها لها فلا يحتاج الى ذكر شيء آخر كما احتيج هناك ويحتمل ان يكون المراد انه في ذكر كونهم حججا يريد به على اهل الدنيا من انها محل انكار اهلها لهم وعدم قبول اكثرهم امامتهم وعدم معرفتهم بهم وعدم اقتدائهم بهم بل يقتدون باعدائهم فبين انهم كانوا حججا عليهم على جهة الخصوص في هذه الدنيا التي ما عرفوا حقوقهم فيها ثم انه التفت الى حكم العموم فانهم حجج في الدنيا والاخرة على جهة العموم على الطائع والعاصي والمكلف وغيره من الخلق الصامت والناطق فقال والأخرة والاولى وانما اخر الاولى مراعاة للسجع وكراهة اجتماع المترادفين بلا فاصلة وانما اتى بالاولى ولم يأت بالدنيا لانه ذكر هذا اللفظ اولا فاتى بمرادفه دفعا للتكرير اللفظي
قال عليه السلام : ورحمة الله وبركاته
قال الشارح عطف على السلام ويمكن جعل كل واحد من السلام والرحمة والبركات في كل واحد من الجمل لمعني غير السابق ه
وقيل ويحتمل النصب بالعطف على سابقه ترجيحا لقرب المعطوف عليه وكونهم رحمة الله وبركاته ظاهر ه فعلى العطف السلام عليكم اي حافظ عليكم او على احد المعاني المتقدمة ورحمة الله منبسطة عليكم محيطة بكم شاملة لكم حتى تكونوا بفاضلها شافعين لشيعتكم ومحبيكم ولهذا قال اعداؤهم فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو ان لنا كرة فنكون من المؤمنين الذين يعمهم رحمة الله كما قال تعالى وكان بالمؤمنين رحيما وقال تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بأياتنا يؤمنون يعني ان الرحمة كتبت للمؤمنين فكون رحمة الله على الائمة يكون على معنى ما تقدم من السلام اي عليكم يعني تلزمكم الرحمة للمؤمنين بكم والمحبين لكم وبركاته عليكم اي انه بارك في حسنات محبيكم حتى تكون حسنة احدهم بسبعمائة لأجل محبته قال تعالى كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء وهذا مثل لشيعتهم ومحبيهم في اعمالهم واليه الاشارة بقوله تعالى ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض فعلى العطف يكون وبركاته عليكم فيكون حاصل المعنى ان الله ينزل عليهم بركات من السماء والارض لانهم عليهم السلام اهل الايمان والتقوى ففتح عليهم البركات من محمد وعلي عليهما السلام فالبركات فيهم انه يكون من صلب كل واحد منهم مائة ولد في كرتهم وفي تفسير العياشي عن الفضل بن محمد الجعفي قال سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله تعالى حبة انبتت سبع سنابل قال الحبة فاطمة والسبع السنابل سبعة من ولدها سابعهم قائمهم قلت الحسن قال (ع) ان الحسن امام من الله مفترض الطاعة ولكن ليس من السنابل السبعة اولهم الحسين وآخرهم القائم فقلت قوله في كل سنبلة مائة حبة قال يولد للرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك الا هؤلاء السبعة ه وعلى الوجه الاخر كما مر من نزول البركات في حسنات محبيهم في كتاب ثواب الاعمال عن ابي عبد الله (ع) قال اذا احسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعمائة ضعف وذلك قول الله تعالى والله يضاعف لمن يشاء وفي ما مر من رواية داود بن كثير الرقي الى ان قال وخلق شيعتهم اخذ عليهم الميثاق وان يصبروا ويصابروا وان يتقوا الله ووعدهم ان يسلم لهم الارض المباركة والحرم الامن الحديث فالله بهم يفتح البركات من السماء والأرض وهم (ع) يسلمونها الى شيعتهم ومحبيهم في انفسهم وذرياتهم واعمالهم وهو قوله ورحمة الله وبركاته اي وبركاته عليكم ان تسلموا فاضلها الى شيعتكم وعلى شيعتكم ان يسلموا فاضل ذلك الى محبيكم وهذا اقتباس من قوله تعالى رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد في كتاب معاني الاخبار ان الصادق (ع) سلم على رجل فقال الرجل وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ورضوانه فقال لا تتجاوزوا بنا قول الملائكة لأبينا ابراهيم (ع) رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد وفي اصول الكافي بسنده الى ابي عبيدة الحذاء عن ابي جعفر (ع) قال مر امير المؤمنين (ع) بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال لهم امير المؤمنين (ع) لا تجاوزوا ( لا تتجاوزوا خل ) بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا ابراهيم (ع) انما قالوا رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت ويجوز ان يكون المراد برحمة الله صلوته او صلته او وصله يعني هو الذي يصلي عليكم وملائكته اي يمدهم بمدد الهدى والصلة العطية اي يؤتيهم من كل ما سألوه والوصل وصل الولاية بالنبوة او وصل الشعاع بالمنير والتابع بالمتبوع وفي تفسير الامام (ع) وشرح الأيات الباهرة قال وتفسير قوله عز وجل الرحمن ان الرحمن مشتق من الرحمة وقال قال امير المؤمنين (ع) سمعت رسول الله (ص) يقول قال الله تعالى انا الرحمن وهي الرحم شققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ثم قال امير المؤمنين (ع) ان الرحم التي اشتقها الله تعالى من اسمه بقوله انا الرحمن رحم محمد (ص) ه فالرحمة بمعنى الصلة ولهذا كانت الرحم مشتقة من الرحمن من وصلها بمعنى انه لم يبدل ما يراد لها وصله الله تعالى لان ذلك هو معنى الرحم ومن قطعها اي لم يجعل معاملته معها بما يوافق معناها بالوصل قطعه الله قال الله تعالى والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم الى قوله سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ومن قطعها انزل الله في حقه قرءانا قال تعالى والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه في عالم الذر بانهم يصلون الرحم حين اخذ عليهم العهد والميثاق بذلك وعاهدوه على ذلك ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض بقطعهم الرحم التي امر الله بوصلها اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار واما البركات ففي الآية المقدمة ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض فالبركات التي من السماء مطر من الرحمة يحيي به الأرض قال تعالى فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها والبركات التي من الأرض ثمرات ذلك المطر فالمطر العلم وهو من السماء والثمرات التي من الأرض ثمرات العلوم وفي بصائر الدرجات باسناده الى نصر بن قابوس قال سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة قال يا نصر انه ليس حيث تذهب الناس انما هو العالم وما يخرج منه ه اي ما يخرج من العالم من ثمار العلم النابت من تلك الأشجار في بيوت الجبال والشجر ومما يعرشون فيفيض الله البركات على الناس وعلى انعامهم وهو تأويل قوله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه انا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وابا متاعا لكم ولانعامكم فانزل الله سبحانه في تلك الحدائق حدائق الحكمة حبا وهي علوم المعارف الالهية عن الفؤاد المورثة للمحبة وعنبا وهي العلوم الموجبة للشكر الالهي وهو الغيبة عن الخلق وقضبا لانعامكم وهو العلوم المشتملة على حفظ المقاصد الخمس او بعضها من الحافظة للدماء والحافظة للأبدان كالأمر بالاقتصاد في الأكل والشرب والنهي عن الاسراف فيهما وتحريم الميتة والطين والدم المسفوح وما يضر بالبدن ومن تحريم الخمر والمفسدة للعقل او المضعفة له وزيتونا من العلوم التي تؤدي الى حسن الخلق والتأديبات الالهية وحسن الديانة والكرم والشجاعة والتقوى والزهد في الدنيا وما اشبه ذلك ونخلا وهي العلوم المؤدية الى تناول الاحوال الانسانية الناطقية وما اشبه ذلك وحدائق غلبا من العلوم الجامعة لحفظ المقاصد الخمس ظاهرا وباطنا وفاكهة من العلوم التي هي الأحكام الشرعية الوجودية وابا وهي العلوم التي تجري على تكاليف العوام وعامة الناس وهم الانعام كما قال الباقر (ع) الناس كلهم بهائم الا قليل من المؤمنين والمؤمن قليل والمؤمن قليل ه وهذا تأويل قوله تعالى متاعا لكم ولانعامكم فعلى هذا يكون المعنى من تقدير وبركاته عليكم اما ما ينزل عليهم من نحو ما ذكر وامثاله مما لهم واما ما ينزل عليهم مما عليهم ايصاله الى المستحقين
قال عليه السلام : السلام على محال معرفة الله وفي بعض النسخ على محل معرفة الله بالافراد
قال الشارح محمد تقي (ره) اي لم يعرف الله حق معرفته الا هم وما عرف الله الا منهم ومن تعريفهم فانهم اكمل مظاهر اسمائه تعالى وصفاته الحسنى والقراءة بالمفرد للدلالة على انهم (ع) كنفس واحدة في المعرفة فانها لا تختلف باختلاف باقي الصفات ه
اعلم انه لما كان الوجود مع كثرة تنزلاته واجزائه وجزئياته وصفاته وافعاله ومتعلقات افعاله اوجده الله على هيئة شخص واحد وجب ان يكون جميع مراتبه وتنزلاته واجزائه وجزئياته وصفاته وافعاله ومتعلقات افعاله جارية في ايجادها وانوجادها كل فرد منها على ما جرى عليه الوجود كنفس واحدة فاذا نظرنا الى الشيء الواحد وجدنا اعلاه ذاته المجردة عن النسب والسبحات ومن دونها ميولاته واراداته وهي افعاله الذاتية ومن دون ذلك ما يبدو له من الفعل وهو الفعل الظاهر وهذه الأفعال الظاهرية آلات الأفعال الذاتية ولما كانت جميع ما اشير اليه من الوجود من كل او جزء او كلي او جزئي ذات او صفة علة او معلول كل ذلك احدثها فعل الله سبحانه لا من شيء وجب ان يكون اول ما يوجد عن الفعل لا من شيء ولا لشيء هو ذات الشيء المجردة عن جميع السبحات ثم احدث بها لها ميولاتها واراداتها التي هي الأفعال الذاتية ثم احدث عنها الأفعال الظاهرة وقد ذكرنا في مواضع متعددة هنا وفي غير هذا الشرح من رسائلنا ان معرفة الله لا يمكن حصولها الا بتعرفه وتعريفه لمن يريد ان يعرفه نفسه وتعرفه وتعريفه هو وصفه لعبده والشيء انما يعرف بوصفه وذلك الوصف الذي يعرف به هو حقيقة ذات العبد وليس له حقيقة غيرها وهذا التعرف والتعريف الذي هو ذات العبد احدثه الله بفعله يعني انه صفة الفعل الخاص به من الفعل المطلق وهيئته كما ان الكتابة هيئتها هيئة حركة يد الكاتب فهيئة الكتابة تدل على هيئة حركة اليد من الكاتب فكانت هيئة ذات العبد التي هي تعريف الله هيئة مشية الله الخاصة به فالأثر يدل على المؤثر الذي هو الفعل والفعل يدل على الفاعل لان الفعل هو ظهور الفاعل به فالذات التي هي اعلى المراتب بحقيقتها معرفة الله لانها صفته ولهذا قال صلى الله عليه وآله من عرف نفسه فقد عرف ربه جعل معرفة النفس عين معرفة الله لانها الصفة فهي المثل بكسر الميم الذي لا يشبهه شيء ولو كان يشبهه شيء والحال ان من عرفه عرف ربه لزم ان يكون الله يعرف بغير صفته وان يكون لصفته شبيه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والله سبحانه لا يعرف بغيره والا لكان الغير مشابها له ولا يجوز كما مر ان يكون تلك الذات غير صفته والا لكانت موجودة قبل صفته لتقع صفته عليها وهذا باطل لان تلك الذات انما حدثت بالفعل فيجب ان تشابه صفته لانها اثره فتكون هي الصفة ولو لم تشابه صفة الفعل لم تكن محدثة عنه فتكون مشابهة لما احدثت به او انها ليست محدثة فمعنى كون تلك الذات محل معرفة الله انها هي معرفة الله وانما قيل هي محل المعرفة بناء على سر اللغة من ان الشيء محل نفسه لا محل لغيره ( غيره خل ) واذا رأيت ان شيئا محل لغيره فهو في الحقيقة محل نفسه والا لم يتحقق ظهوره وكونه محلا لغيره جهة خارجة عن كونه محلا لنفسه فافهم فكونهم (ع) محال معرفة الله يراد منه انهم معرفة الله ولا تعجب من هذا المعنى فأنه اذا فهمته رأيته من الأمور البديهية وكيف تكون انت معرفة الله حيث قال (ص) من عرف نفسه فقد عرف ربه ولا يكونون معرفة الله وقد قال امير المؤمنين (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقد ذكرنا ثلاثة وجوه في معنى هذا الحديث احدها هذا المعنى وقد تقدم فاذا عرفت فاعلم ان كونهم محال معرفة الله اذا تنزلت عن هذا المعنى الذي اشرنا اليه له معان اخر : احدها ان الله سبحانه جعلهم خزائن معرفة الخلق سواهم بمعنى ان كل من عرف ربه فانما نزلت عليه المعرفة منهم كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وثانيها ان كل معرفة عند احد من الخلق انما كانت صحيحة لانها اخذت عنهم فهم محال معرفة غيرهم وثالثها ان كل معرفة اذا لم ترد عليهم لم تتجاوز الى الله لانهم هم ابواب الله لا غير بمعنى انها غير مطابقة للمعروف اذ المعرفة صفة واذا لم تكن الصفة مقترنة بجهة الموصوف كانت لنفسها او لغيره ولا جهة لله في الامكان غيرهم ورابعها ان كل معرفة اذا لم تضف اليهم وتنسب كانت عدما اذ لا وجود لشيء بدون فاضل وجودهم لانهم علة الايجاد يعني العلة المادية وخامسها كما ان كل مادة فمن فاضل وجودهم كذلك جميع صور الحق فمن هيئات الرحمة وهي هم لانهم علة الانوجاد يعني العلة الصورية وسادسها انهم (ع) اذا وردت عليهم معرفة عبد فان سقوها من حوضهم استقامت معرفته وحييت والا ماتت وتفرقت ولم تكن شيئا كما قال تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وسابعها انهم (ع) هم المقدرون لمعارف الخلائق والمقسمون لها بأمر الخالق لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون فهذه الوجوه وغيرها في كلها هم (ع) محال معرفة الله لان معرفة الله حينئذ عندهم ومعهم وفيهم وبهم واليهم ولهم
قال عليه السلام : ومساكن بركة الله
المساكن جمع مسكن وهو محل الاستقرار والسكون والمراد منها عدم الانتقال والتحول والمراد من معنى المساكن والمعادن والمحال واحد فيما ذكرنا من التفسير لان هذه المساكن هي بركة الله لا ان البركة مغايرة للمساكن فيما لها اما فيما لسائر الخلق فيما دونهم فانها مغائرة لهذه المساكن وتفصيلها لسائر الخلق غيرهم بالنسبة الى المساكن ما تقدم في محال معرفة الله فقد اشرنا هناك الى اتحاد المحال والمعرفة فيما لهم ( فيما له لهم خل ) وتعدد انواع المعرفة فيما لسائر الخلق بالنسبة الى ذواتهم (ع) على سبعة وجوه ففصل بركة الله على سائر الخلق بالنسبة الى تلك المساكن كما تقدم سالكا سبل ربك ذللا فافهم وقال الشارح محمد تقي (ره) اي بهم يبارك الله على الخلائق بالأرزاق الصورية والمعنوية كما تدل عليه الأخبار المتواترة ونبه عليه المحقق الدواني في شرح الهياكل ه
اقول يريد بالأرزاق الصورية ارزاق الطعام والشراب واللباس والمال بانواعه وما خلق لكم في الأرض مختلفا الوانه من كل شيء محسوس تتوقف عليه المعيشة وامر النظام من حيوان ونبات ومعدن وبالأرزاق المعنوية العلوم والعقول والأفهام والالهامات والادراكات بجميع انواعها والهدايات والتوفيقات والأعمال الصالحة وعقول الصنائع والمصانعات في الأحوال والأقوال والامدادات في الأعمار وتأخير الأجال وتدبير النفوس والمنازل والبلدان بل التعقلات والتخيلات والتوهمات والتصورات والحركات والسكنات واللحظات والانفاس والخطرات والبدوات وكل شيء عنه وبه مما ينتفع به فانه رزق ينزل اليه بقدر من سماء الخزائن وذلك قوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون مع قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والأحاديث عنهم (ع) تشير الى ذلك كله
قال عليه السلام : ومعادن حكمة الله
قال الشارح (ره) كما ورد متواترا عن النبي (ص) والأئمة صلوات الله عليهم انه قال رسول الله (ص) انا مدينة الحكمة وعلي بابها وعلومهم علومه صلوات الله عليهم والحكمة هي العلوم الحقيقية الالهية ولا ريب ان علومهم من الله تعالى بل عين علم الله تعالى ه
اقول المعدن بكسر الدال هو الأصل او محل الاقامة للشيء او منبت اصله وقد تقدم ذكره والحكمة هي العلم كما ذكر الشارح (ره) من حديث انا مدينة الحكمة وعلي بابها والحديث الاخر انا مدينة العلم وعلي بابها والمراد واحد فهل المراد من هذا العلم الأعم او العلم العملي او اللدني او الذوقي او ان العلم الذي هو الحكمة افضل العلوم بافضل المعلومات وفي مجمع البحرين لفخرالدين بن طريح والحكمة العملية ما لها تعلق بالعمل كالطب والحكمة العلمية ما لها تعلق بالعلم كالعلم باحوال اصول الموجودات الثمانية الواجب والعقل والنفس والهيولي والصورة والجسم والعرض والمادة ه اقول هذه التي سمعت عنه وعن غيره اكثرها ممزوجة لغوية مع اصطلاحية اما اللغة فمنها كلام اهل اللغة الظاهرة ومنها كلام اهل اللغة الحقيقية التي نزل القرءان عليها ظاهره على ظاهرها وباطنه على باطنها واهل العصمة (ع) نطقوا في احاديثهم بالصورتين واما اهل الاصطلاح فعلى حسب افهامهم ومذاقاتهم واصولهم وضعوا اصطلاحهم كما ذكر في مجمع البحرين مما سمعت مما يلزم عليه من الاختلاط والاختلاف في المعتقدات وفي معرفة احوال الموجودات لو اريد بالحكمة ما ذكره وفي القاموس والحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم والنبوة والقرءان والانجيل ه اقول وصاحب القاموس لم يكن من اهل الولاية ولو كان من اهل الولاية لذكرها في معاني الحكمة لان استعمال الحكمة فيها اولى من غيرها مما ذكر واكثر استعمالا بل كل موضع من القرءان ذكر فيه الحكمة او الحكم فانما يراد به الولاية او ما يستلزمها هذا يشار اليه من جهة اللفظ في الجملة لان البحث فيه ايضا من جهة اللفظ يطول ولا فائدة فيه كثيرة واما من جهة المعنى المراد فانه (ع) ذكر انهم صلوات الله عليهم معادن حكمة الله والمراد بحكمة الله الحادثة المرتبطة بالحوادث لان الحكمة الذاتية الازلية هي ذاته تعالى واول ما صدر عن فعله تعالى الحكمة الحقيقية وهي آية الحكمة الحقية وهي ذاتهم القدسية فذاتهم حكمة الله وولايته على جميع خلقه حتى انه سبحانه لتلك الحكمة اعطى كل شيء ما له فيما هو عليه لذاته وهذا النظم الطبيعي الذي ليس شيء اكمل منه لانه صفة الكامل واثره وآيته الدالة على كمال ذاته هو الحكمة التي هي ما الكون عليه وهي من الحكمة التي هي ذاتهم (ع) كالشعاع من المنير وذاتهم آية الله العليا لحكمته التي هي ذاته تعالى فذكرنا لما يجري عليه لفظ الحكمة في العبارة للبيان والتعريف مع ملاحظة سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ثلاث مراتب المرتبة الاولى للذكر الحكمة الحقية وهي ( عبارة خل ) العبارة عن عنوان الحق اي للحق سبحانه والمرتبة الثانية للذكر الحكمة الحقيقية وهي ذواتهم القدسية وهي آية حكمة الله التي هي ذاته ومجلاها والمرتبة الثالثة ولايتهم بالله على سائر خلقه فبها صدرت اكوانهم عن الاختراع واعيانهم عن الابداع وهياكلهم عن القدر وتمموا عن القضاء فحكمة الله في المرتبة الثالثة هم معادنها ومصادرها ومواردها وهم معها اينما كانت وفي المرتبة الثانية هم حكمة الله وهم معادنها وما في الثالثة من الثانية كما تقدم في محال معرفة الله من الوجوه السبعة والمراد من الحكمة العلم الاحاطي الذوقي مقرونا بما يرتبط به من العمل وهذا في كل شيء بحسبه بعد ما تعرف ان العلم عين المعلوم وان الذي هو صورة المعلوم يراد به نفس العلم بالصورة فعلمك بزيد هو صورته في خيالك يعني ان الصورة التي في خيالك هي علمك بها وزيد عين علمك به نفسه لا صورته ففي كل رتبة من الادراك العلم نفس المعلوم فاعمالك نفس علمك بها وانفاسك عين علمك بها وحركتك عين علمك بها وسكونك عين علمك به فالعلم عمل والعمل علم وبعد ان تعرف ان العلم منك كيدك منك فكونهم معادن حكمة الله معنى ذلك انهم معنى الأول وعين الثاني وقوام الثالث وفي الكافي قال امير المؤمنين (ع) انا اهل البيت شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم وفيه عن خيثمة قال قال لي ابو عبد الله (ع) يا خيثمة نحن شجرة النبوة وبيت الرحمة ومفاتيح الحكمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمة الله ونحن عهد الله فمن وفي بعهدنا فقد وفي بعهد الله ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده ه فذكر في الحديث الاول انهم معدن العلم وهو الحكمة فيصح في المراتب الثلاث وفي الحديث الثاني انهم مفاتيح الحكمة ويصح في الثالثة صريحا وقد يستعمل في الثانية واما اذا استعمل في الاولى فعلى تأويل ( الثالثة خل ) للثالثة ومن الاولى ويمكن التأويل في الثانية ويكون التغاير بالاعتبار وقول الشارح محمد تقي (ره) ولا ريب ان علومهم من الله تعالى فيراد منه ان علومهم الله سبحانه احدثها فيهم وجعلهم اوعية للعلم وخزائن للحكمة لا ان المراد انها انفصلت من القديم فأن ذلك كفر وقوله (ره) بل عين علم الله يراد منه ان علومهم جعلها علمه بهم وبمن دونهم وان كان له علم بمن دونهم غير هذا العلم وهو عين من هو دونهم وان كنا لنا ان نؤل علومهم على معنى يشمل كل من سواهم لانا اردنا ان العلم عين المعلوم وان ذلك الغير مادته من شعاعهم وذلك الشعاع هو علم وصورته من شعاع رحمتهم في المؤمنين وهو ايضا علم ومن عكس شعاع رحمتهم وهو شعاع غضبهم في الأعداء وهو ايضا علم فعلى هذا المعنى ليس لله علم مخلوق بمن هو دونهم الا علومهم او عن علومهم وعلى الأول له علم مخلوق بمن هو دونهم غير علومهم او عن علومهم وكل هذا مبني على العينية كما هو الحق في المسئلة وانما قلنا انه على ذلك المعنى ليس لله علم مخلوق بمن هو دونهم غير علومهم او ما هو عن علومهم لانهم باب الله الى خلقه وباب خلقه اليه ولم يجعل بفضله على محمد وآله صلى الله عليه وآله وعلى خلقه له بابا لأفاضته وعلمه وخلقه ورزقه واحيائه واماتته غير محمد وآله (ص)
قال عليه السلام : وحفظة سر الله
قال الشارح محمد تقي (ره) اسرار الله هي علوم لا يجوز اظهارها الا للكمل مثل سلمان وكميل كما سئل امير المؤمنين (ع) عن الحقيقة فقال مالك والحقيقة فقال اولست صاحب سرك الخ وقال الصادق (ع) لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقال رحم الله قاتل سلمان وقالوا صلوات الله عليهم ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان وفي خبر آخر بدون لفظ الاستثناء ويظهر من خبر موسى والخضر عليهما السلام ان كل احد ليس له قابلية فهم جميع العلوم ه
اقول المراد من كونهم (ع) حفظة سر الله انهم لا يظهرونه او لا يظهرون منه الا ما يحتمل على من يحتمل كما دل عليه كثير من احاديثهم كما روي عن علي (ع) وقد سئل عن مسئلتين فاجاب فيهما وسئل ثالثة فقال ما معناه ليس كل العلم يقدر العالم ان يفسره لان من العلم ما يحتمل ومنه ما لا يحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل او انهم لا يظهرون منه شيئا الا لبعضهم او لبعض خواصهم بخصوصه لنص تقدم اليهم من الله سبحانه كما رواه في بصائر الدرجات عن الصادق (ع) ان حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكي وعر لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله قال من شئنا وفي رواية نحن نحتمله ه فظاهره ان من احاديثهم ما لا يحتمله غيرهم ومن احاديثهم ما لا يحتمله احد من غيرهم الا بخصوص مشيتهم عن امر من الله خاص ولا شك في هذين عندي وفي كتاب معاني الأخبار عن ابي الحسن (ع) في تفسيره انما معناه ان الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه الى ملك مثله ولا يحتمله نبي حتى يخرجه الى نبي مثله ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه الى مؤمن مثله انما معناه الا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه الى غيره ه اقول وهذا ايضا قسم من احاديثهم ولم يكن عدم الاحتمال محصورا فيه وانما ذكره (ع) بصورة الحصر لانه عني هذا القسم الخاص والا فكون بعض احاديثهم مما لا يحتمله غيرهم مما لا شك فيه وقد ذكر محمد بن الحسن الصفار انه وجد في بعض الكتب ولم يروه بخط آدم بن علي بن آدم قال عمير الكوفي معنى حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل فهو ما رويتم ان الله تبارك وتعالى لا يوصف ورسوله لا يوصف والمؤمن لا يوصف فمن احتمل حديثهم فقد حدهم ومن حدهم فقد وصفهم ومن وصفهم بكمالهم فقد احاط بهم وهو اعلم منهم واما ان في احاديثهم ما لا يحتمل الا بخصوص تعليم فظاهر ومنه معرفة المنزلة بين المنزلتين في القدر في افعال العباد الاختيارية وفي الكافي عن ابي عبد الله (ع) قال سئل عن الجبر والقدر فقال لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم ه فاخبر (ع) ان معرفة المنزلة بين المنزلتين لا تنال الا بتعليم العالم فلا يعرفها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان الا بتعليم الامام (ع) فان قلت اي فرق بينها وبين غيرها فان كل مسئلة لا تعلم الا بتعليم الامام (ع) ولا سيما على ما عندكم قلت هذا حق ولكن الكلام مبني على المتعارف ولو سلمنا قلنا المراد بالتعليم الخاص لا الالهام والامداد بالفهم والتوفيقات فانها يحصل لها لا بالتعليم ( لا يحصل لها الا بالتعليم خل ) لكن هو اعم بل اكثرها بالتعليم العام كما هو الظاهر واذا لاحظنا الأمر الواقعي الحقيقي قلنا لا فرق بينها وبين غيرها بل كل شيء بتعليم خاص الا انا نقول هنالك ايضا لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن الا بالتعليم الخاص او يكون معنى حفظة سر الله انهم لا يغيرون فيه ولا يبدلونه فما كان ذاتا لهم فانهم يحفظونه عن التغيير بدوام التعهد وحفظ ما لهم وما لغيرهم بالعلم والعمل كما يراد منهم لان ما لهم هي الصفات الافعالية فتجري عنهم كما شاء الله لانهم محال مشيته وهم ايضا حفظة سر الله اي يحفظون ما لله منهم له كما امر واذا ( كما امروا اذا خل ) اريد بسر الله امرهم وولايتهم كما في بصائر الدرجات عن الصادق (ع) ان امرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر وعنه (ع) ان امرنا هذا مستور مقنع بالميثاق من هتكه اذله الله وعنه (ع) ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر فكونهم حفظة له اي قائمون بمقتضاه او بتبليغ دواعيه او مؤسسون لأساس بنيانه به او لأساس بنيان متعلقاته او تعلقاته او راعون له حافظون له عن مغالطة المشبهين والمحرفين والملبسين للدين وعن دعوى القائلين اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وعن انتحال المبطلين الذين يلحدون في اسمائه او ان العبارة عنه في احاديثهم لا بد وان تكون بالاشارة والسر وفي البصائر عن ابي جعفر (ع) قال ان حديثنا هذا تشمئز منه قلوب الرجال فمن اقر به فزيدوه ومن انكره فذروه انه لا بد من ان تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من كان يشق الشعر بشعرتين حتى لا يبقي الا نحن وشيعتنا ه وعنه (ع) ان حديث ال محمد صعب مستصعب ثقيل مقنع اجرد ذكوان لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للأيمان او مدينة حصينة فاذا قام قائمنا نطق وصدقه القرءان ه اقول وهو قوله تعالى هو خير ثوابا وخير عقبا وعن الصادق (ع) في تفسير ذكوان ذكي ابدا واجرد طري ابدا ومقنع مستور وعن الصفار اما الصعب فهو الذي لم يركب بعد واما المستصعب فهو الذي يهرب منه اذا رأي واما الذكوان فهو ذكاء المؤمنين واما الأجرد فهو الذي لا يتعلق به شيء من بين يديه ولا من خلفه وهو قول الله تعالى الله نزل احسن الحديث فاحسن الحديث حديثنا لا يحتمل احد من الخلائق امره بكماله حتى يحده لان من حد شيئا فهو اكبر منه ه رواه المفضل عن ابي جعفر (ع) فالولاية سر الله وهي ذاتهم وصفاتهم وافعالهم وامرهم ونهيهم واحاديثهم تجري بنسبة ما تدل عليه فان كانت لذكر الاول كانت لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان وان كانت لذكر الثاني كانت لا يحتملها الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان وان كانت لذكر الثالث احتملها العلماء وان كانت لذكر الرابع كانت يحتملها عامة المكلفين كما قالوا عليهم السلام انا لا نخاطب الناس الا بما يعرفون فكان من سر الله الذي لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ان احاديثهم (ع) يظهرونها على الأنحاء الأربعة وهذا من كونهم حفظة لسر الله ومن ذلك السر ايضا انهم (ع) يعلمون كل شيء ولا يعلمون الغيب ولا يجوز نسبة علم الغيب الى احد منهم وهم يعلمون كل ما في الغيب والشهادة كما يأتي في فقرات الزيارة اصطفاكم لعلمه وارتضاكم لغيبه واختاركم لسره فمن نظر اليهم بالعقل المنحط وجدهم يعلمون الغيب ومن نظر اليهم بالعقل المستوي وجدهم هم الغيب وهم خزائن الغيب وهم ( مفاتح خل ) مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو يعني الا الله ومن نظر اليهم بالعقل المرتفع وجدهم لا يعلمون الغيب قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب الا الله فالمؤمن الممتحن من له هذه العقول الثلاثة وهذه المرتبة من سر الله وهم لها حافظون ومن حفظهم لها ان ما علموه واخبروا به مما كان ومما يكون ومما يحدث في الوقت بعد الوقت انه وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله وتفهيم في كتاب الله لان هذا من مكنون العلم الذي لا يعلمه الا الثلاثة الاصناف وهو سر الله فهم يحفظون سر الله فلا يذيعونه الى احد غيرهم فاذا اعلموا به الأصناف الثلاثة لم يكونوا بذلك مذيعين لان الثلاثة الأصناف ليسوا من الأغيار وهذا مراد الشارح (ره) بقوله لا يجوز اظهاره الا للكمل وهو حسن وقوله مثل سلمان وكميل فنقول فيه اما سلمان فهو كما قال وفوق ما يقول واما كميل فهو ممن له معرفة واطلاعه على الأسرار انما هو بالنسبة الى غيره من سائر الناس وعلي (ع) لم يقره على عموم ما ادعاه بقوله بلى لانه (ع) استدرك الجواب عما يتوهم التقرير على مدعاه بقوله ولكن يرشح عليك ما يطفح مني والرشح عرق الطافح وشعاعه يعني ان الذي القي اليك انما هو رشح من ظاهر ما اظهره اما بمعنى انك لا تدرك من كلامي الذي اظهره الا رشح النداوة من الزق المملوء ماء او بمعنى اني لا اظهر لك الا رشحا وقشرا مما هو ظاهر ما اريده لا باطنه وفي كلها لم يكن مقرا له على ادعائه لا يقال ان هذا من الأسرار وان كان عند علي (ع) من رشح ظاهره لان جميع الخلائق بالنسبة الى الامام (ع) هكذا لانا نقول هذا الكلام وان كان حقا بحسب اطلاقه لكنه عليه السلام لا يعرض بما يختصون به ليكون هذا من اعلى الدرجات لكميل وانما يعرض بما يخاطب به خواصه واصحاب سره كسلمان فكان مقام كميل ما يرشح كالنداوة والعرق مما يطفح عن مقام سلمان وقوله زدني بيانا لا يدل على انه عرف مراد الامام (ع) وانما يدل على انه عرف شيئا وطلب زيادة البيان لما عرف ولعل عليا (ع) انما اجابه لينقله الى اهله ولو كان هو من اهله لما قال له ابتداء ما لك والحقيقة والحاصل ان كميلا ليس من اهل تلك الأسرار المشار اليها وان كان له حظ في بعض ما يستر عن سائر الناس وليس كسلمان فان ابا ذر افضل من كميل وهو لا يحتمل ما في قلب سلمان وقول الشارح (ره) وفي خبر آخر بدون لفظ الاستثناء يريد به ما ذكرناه اولا وذكرنا وجه الجمع وقوله ويظهر من خبر موسى (ع) والخضر الخ فيه انه يوهم حصر الدليل على هذا المعنى فيه والمعروف من القرءان والسنة وادلة العقل ان هذا من الامور القطعية
قال عليه السلام : وحملة كتاب الله
قال الشارح (ره) فان القرءان كما انزل وعلومه كما هي عندهم وفيه علوم الاولين والأخرين كما ورد في المتواتر من الأخبار ه
اقول الحملة جمع حامل والمراد بحمل القرءان حفظ لفظه على جميع ما يحتمل فيه من وجوب وراجح وحرام ومرجوح وجائز وحفظ معناه بجميع ما يحتمل من ظاهر وظاهر ظاهر وظاهر ظاهر ظاهر وهكذا وباطن وباطن باطن وباطن باطن باطن وهكذا وتأويل وتأويل تأويل وتأويل تأويل تأويل بما يرجع الى الكل والى السورة والى الاية والى الكلمة والى الحرف والذي يرجع الى الحرف يرجع الى الفكري والعددي واللفظي والرقمي والى الأحوال والأوضاع والأطوال ( والأطوار خل ) والوصل والفصل والادغام والاظهار والاخفاء وحرف مكان حرف وكلمة من حروف كلمتين كمثل حصب جهنم فان حصب من كلمتين فالحاء من الحطب والحصي والحجارة والصاد من الحصي والباء من الحطب وامثال ذلك مما انطوي على اسرار الوجودات وفي التوحيد عن الباقر (ع) ان وفدا قدم من فلسطين عليه (ع) فسألوه عن مسائل فاجابهم ثم سألوه عن الصمد فقال ( في تفسيره خل ) تفسيره فيه الصمد خمسة احرف فالألف دليل على انيته وهو قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواس واللام دليل على الهيته بأنه هو الله والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على ان الهيته ( الالهية خل ) بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف ولا اذن سامع لان تفسير الاله هو الذي اله الخلق عن درك مائيته وكيفيته بحس او بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وان ما يظهر لك عند الكتابة دليل على ان الله سبحانه اظهر ربوبيته في ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما ان لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف فمتى تفكر العبد في مائية الباري وكيفيته اله منه وتحير ولم تحط فكرته بشيء يتصور له لانه عز وجل خالق الصور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انه عز وجل خالقهم ومركب ارواحهم في اجسادهم واما الصاد فدليل على انه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده الى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق واما الميم فدليل على ملكه وانه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه واما الدال فدليل على دوام ملكه وانه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو عز وجل يكون الكائنات الذي كان بتكوينه كل كائن ثم قال (ع) لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد الحديث وهذا الذي سمعت عنه من العلوم التي اشار اليها بنوع من احوال الحروف وهو الادغام واحواله وما يراد منه والحروف انفسها ومن ذلك احوال النزول واحوال التأويل والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والظاهر والمجمل والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد والامر والنهي وغير ذلك مما يجري منها في اوطار الأكوان واطوار الأعيان من الدهر والزمان مما هو مصدر كل موجود والمراد بالكتاب الذي هم حملته هو الكتاب التدويني الذي هو طبق الكتاب التكويني وهو يجتمع مع العقل الأول المسمى بروح القدس وروح من امر الله وقد اشار الله سبحانه الى هذا في كتابه وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا الاية وتقدم في الحديث ان هذه الروح لم تكن مع احد ممن مضى الا مع محمد (ص) والائمة (ع) وبينا انها وجدت مع كل نبي وولي ووصي بوجه من وجوهها ولم يجمعها كلها الا محمد وآله صلى الله عليه وآله وهو القرءان لانه بعد تلك المرتبة الجامعة افترقا فكان جهة منه ملكا وجهة قرءانا وكل منهما مبني على صاحبه وفي الكافي باسناده عن ابي جعفر (ع) قال ما ادعي احد من الناس انه جمع القرءان كله كما انزل الا كذاب وما جمعه وحفظه كما انزل الله ( انزله الله خل ) الا علي بن ابي طالب والأئمة من بعده وباسناده عن ابي جعفر (ع) قال ما يستطيع احد ان يدعي ان عنده جميع القرءان كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء (ع) وباسناده عن ابي عبد الله (ع) قال قد ولدني رسول الله (ص) وانا اعلم كتاب الله وفيه بدؤ الخلق وما هو كائن الى يوم القيمة وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن اعلم ذلك كما انظر الى كفى ان الله يقول فيه تبيان كل شيء وباسناده عنه (ع) قال نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله وفي تفسير العياشي عن ابي عبد الله (ع) قال انا اهل بيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من اوله الى اخره وان عندنا من حلال الله وحرامه ما يسعنا كتمانه ما نستطيع ان نحدث به احدا وفي رواية اخرى ان من علم ما اوتينا تفسير القرءان واحكامه لو وجدنا اوعية او مستراحا لقلنا والله المستعان وفي تفسير العياشي ايضا عنه (ع) ان الله جعل ولايتنا اهل البيت قطب القرءان وقطب جميع الكتب عليها يستدير محكم القرءان وبها نوهت الكتب ويستبين الايمان وقد امر رسول الله (ص) ان يقتدي بالقرءان وال محمد وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها اني تارك فيكم الثقلين الثقل الأكبر والثقل الأصغر فأما الأكبر فكتاب ربي واما الاصغر فعترتي اهل بيتي فاحفظوني فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما ه اقول ما اورد على هذا الحديث الأخير من اشكال كونهم الثقل الاصغر قد اجبنا عنه في اجوبتنا لمسائل الملا كاظم السمناني فمن اراده طلبه من هناك وبالجملة هم حملة كتاب الله كله بل بكل معنى في كل عالم لكل غاية ومن جملة كونهم حملة للكتاب كونه ( كونهم خل ) مهيمنا على جميع الكتب ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ايضا من ذلك وهنا احتمالات ترجع الى التأويل : منها ان كل شيء من العالم علم بنفسه كما تقدمت الاشارة اليه والعالم هو كتاب الله وهم (ع) حملة هذا الكتاب بالعلم والابلاغ والتبليغ والقبض والبسط في كل الشرعيات الوجودية والوجودات الشرعية ومنها انهم حملته بالعلية المادية والصورية والفاعلية والغائية ومنها ان القرءان هو العرش التدويني وهم (ع) الماء الذي به كل شيء حي وكان عرشه على الماء ومنها ان القرءان هو الدين عند الله وعند اوليائه اما لانه دين براسه او لانه علة كل دين لله وتفصيله ومنشأوه وهم حملة ذلك ومنها انه الفعل الثاني وهم صلى الله عليهم محال الفعل الاول والفعل الثاني فهم حملته ومنها كما تقدمت الاشارة اليه انه روح من امر الله وهم حملته ومنها انه اللوح المحفوظ في الاكوان وفي الألفاظ وهو يرجع الى الأول وهم حملته وكان محفوظا بحملهم اياه والله من ورائهم محيط بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ
قال عليه السلام : واوصياء نبي الله
قال الشارح (ره) فانه ورد متواترا من طرق العامة والخاصة انهم خلفاء رسول الله (ص) واوصياؤه وانه (ص) اوصى الى امير المؤمنين عليه السلام الى المهدي (ع) واوصى كل منهم الى الامام الذي بعده الى المهدي صلوات الله عليهم امور الأمة وكانت الوصاية كناية عن التخليف كما تقدم انتهى
اقول ان ثبوت النص من النبي (ص) على الاستخلاف قد ورد من طرق المنكرين لذلك متواترا من طرق متعددة ذكرنا كثيرا منها في اجوبة المسائل التوبلية ومن طرق الشيعة كذلك حتى بلغ الضرورة بحيث لا يكاد احد يسئل عن ذلك وهذا ظاهر لا اشكال فيه لكن ما المراد من هذه الوصاية هل هي نيابة وكالة ام نيابة بدل ام نيابة مثل والقائلون انهم اوصياء رسول الله (ص) متفقون على انهم قائمون مقامه ولا يتكلمون بشيء من هذه الاحتمالات الثلاث الا ان من عرف مقاصدهم في معتقداتهم يجد منها هذه الاحتمالات الثلاث منهم طائفة يعتقدون انهم (ع) ليس بين محمد (ص) وبينهم مناسبة ذاتية تقتضي ( يقتضي خل ) التبليغ لا ابتداء ولا بالانضمام وانما بينهما كما بين الوكيل والموكل لانه صلى الله عليه وآله لما حضرته الوفاة اوصي الى علي (ع) ولو اوصي الى غيره لجاز ذلك ولهذا اول ما عرض الوصية على عمه العباس ولو قبل كان صالحا وهم وان كانوا لا يقولون بهذا الكلام لفظا لكن لسان حالهم ينطق عن اعتقادهم بمعنى هذا لان اعتقادهم انه (ص) صاحب الرياسة والنبوة والولاية له وهم علماء حكماء اتقياء اقوياء في طاعة الله وفي تحمل الأثقال الالهية لا يدانيهم سواهم في هذه الصفات والحكيم تقتضي حكمته الا يستنيب في امره الا من يقوم به وهم صالحون لهذا الأمر فاقامهم مقامه كما يقيم المالك الأجنبي وكيلا على عمل في ماله من بيع وشراء ولم يكن ذلك منه لمقتض ذاتي ومنهم طائفة لسان حالهم يقول انهم صالحون لهذا المنصب ابتداء لانهم هم ومحمد (ص) في مقام سواء الا انه لما كان محمد صاحب الابتداء وهو مساو لهم وجب نقل الأمر لاقتضاء مستقل غير مأخوذ فيه ابتدائية محمد (ص) ولهذا لم يكن له اختيار وربما استدل لهم بما في تفسير العياشي عن جابر الجعفي قال قرأت عند ابي جعفر (ع) قول الله عز وجل ليس لك من الامر شيء قال بلى والله ان له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا وليس حيث ذهبت ولكني اخبرك ان الله تبارك وتعالى لما امر نبيه (ص) ان يظهر ولاية علي (ع) فكر في عداوة قومه له ومعرفته بهم وذلك للذي فضله الله عليهم في جميع خصاله كان اول من آمن برسول الله (ص) وبمن ارسل وكان انصر الناس لله ورسوله واقتلهم لعدوهما واشدهم بغضا لمن خالفهما وفضل علمه الذي لم يساوه ( لم يساويه خل ) احد ومناقبه التي لا تحصى شرفا فلما فكر النبي (ص) في عداوة قومه له في هذه الخصال وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك فاخبر الله تعالى انه ليس له من هذا الأمر شيء انما الأمر فيه الى الله ان يصير عليا وصيه وولي الأمر بعده فهذا عني الله وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوض الله اليه ان جعل ما احل فهو حلال وما حرم فهو حرام قوله ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ه وجه الاستدلال انه حين الوصية لما فكر قال له ليس لك من الأمر شيء واصرح من هذا ما في التفسير المذكور عن جابر قال قلت لأبي جعفر (ع) قوله لنبيه (ص) ليس لك من الأمر شيء فسره لي قال فقال ابو جعفر (ع) لشيء قاله الله ولشيء اراده الله تعالى يا جابر ان رسول الله (ص) كان حريصا على ان يكون علي (ع) من بعده على ( الناس حجة خل ) الناس وكان عند الله خلاف ما اراد رسول الله (ص) قال قلت فما معنى ذلك قال نعم عني بذلك قول الله لرسوله ليس لك من الأمر شيء يا محمد في علي الأمر في علي وفي غيره الم اتل عليك يا محمد فيما انزلت من كتابي اليك الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الى قوله وليعلمن قال ففوض رسول الله (ص) الأمر اليه ه اي اراد ان يكون في علي (ع) خاصة فابى الله الا ان يكون فيه وفي اعدائه ولولا ملاحظة عدم الاستناد والانضمام لما كان الأمر فيه وفي عدوه وفي هذا الأخير دلالة على الأول في الجملة والا لما كان في العدو فالوصي بدل مستقل وليس كالاحتمال الأول لان الاول ان الوصي كالوكيل يعمل في مال الغير كما امر وهذا الثاني الوصي مالك يعمل في ملكه فهو كالبدل فاستنابة الأول استنابة وكالة واستنابة الثاني استنابة بدل ومنهم طائفة لسان حالهم يقول وانا منهم بلسان حالي ومقالي ان استنابتهم ووصايتهم استنابة مثل بكسر الميم ومعنى ذلك انهم صالحون لهذا المنصب بمقتضى ذواتهم صلوح مماثلة يعني مراعي فيهم تبعية محمد (ص) وانهم في المقام الثاني فهم مثل بكسر الميم والمثل ملحوظ فيه المشابهة والتبعية وان كانوا من طينة واحدة لكن لا يجوز حين كان محمد وعلى صلى الله عليهما وآلهما نورا واحدا قسم نصفين ان يقال فقال لنصف كن عليا وقال للنصف الاخر كن محمدا بل يجب ان يقال فقال للنصف ( لنصف خل ) كن محمدا وقال للنصف الاخر كن عليا وهو قول علي (ع) انا من محمد كالضوء من الضوء فالضوء الثاني مثل للأول لا مستقل ولا اجنبي ولا ابتدائي بل هو كالمالك المتصرف في الملك بتمليك المالك الأول فوصايتهم نيابة مثل بكسر الميم وهو المساوي التابع وهذه الاحتمالات الثلاثة حصلت متفرقة في المؤمنين على حسب معتقداتهم يعرفها من عرف في لحن اقوالهم وان كانوا هم لا يشعرون بتفصيلها وانا القيت لك البذر في ارض صالحة منقاة وغطيته عن الطير وسقيته لك بماء الكوثر فلا تغفل عن سقيه واصلاحه لتأكل من ثمره حبا وعنبا وزيتونا ونخلا
ثم اعلم ان الله سبحانه خلقهم لنفسه وخلق الخلق لهم كما قال علي (ع) نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا يعني خلقوا لنا فاول ما خلق محمد ثم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم القائم (ع) ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة على محمد وآله الطيبين افضل الصلوة وازكى السلام فكان محمد (ص) نبيا على اهل بيته فبقوا يعبدون الله سبحانه الف دهر قبل الخلق فلما خلق النبيين بعث محمدا صلى الله عليه وآله وعليهم اليهم بشيرا ونذيرا ثم خلق سائر الخلق فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فلما خرجوا الى الدنيا وهذه الدنيا اول الرجوع الى الله كان الانبياء المتأخرون في البدء متقدمين في العود فظهروا بالنبوة واشادوا الدين وحفظوه بالايصاء الى الاوصياء المنتجبين حتى انتهى الحال الى محمد (ص) فانتهت الوصايا اليه والى اهل بيته (ص) روى الحسن بن محبوب عن مقاتل بن سليمان عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا سيد النبيين ووصيي سيد الوصيين واوصياؤه سادة الاوصياء ان آدم سأل الله عز وجل ان يجعل له وصيا صالحا فاوحى الله تعالى ذكره اليه اني اكرمت الانبياء بالنبوة ثم اخترت خلقا وجعلت خيارهم الاوصياء فاوحى الله تعالى ذكره اليه يا آدم اوص الى شيث فاوصى آدم الى شيث وهو هبة الله بن آدم واوصى شيث الى ابنه شبان وهو ابن بركة ( نزلة خل ) الحوراء التي انزلها الله عز وجل على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا واوصى شبان الى مجلث واوصى مجلث الى محوق واوصى محوق الى عثميشا ( غتميشا خل ) واوصى عثميشا الى اخنوخ وهو ادريس النبي واوصى ادريس الى ناخور ودفعها ناخور الى نوح واوصى نوح الى سام واوصى سام الى عثامر واوصى عثامر الى برغيثاشا واوصى برغيثاشا الى يافث واوصى يافث الى برة واوصى برة الى حفسية واوصى حفسية الى عمران ودفعها عمران الى ابراهيم الخليل واوصى ابراهيم الى ابنه اسمعيل واوصى اسمعيل الى اسحق واوصى اسحق الى يعقوب واوصى يعقوب الى يوسف واوصى يوسف الى برثيا واوصي برثيا الى شعيب واوصى شعيب الى موسى بن عمران واوصى موسى بن عمران الى يوشع بن نون واوصى يوشع بن نون الى داود واوصى داود الى سليمان واوصى سليمان الى آصف بن برخيا واوصى آصف بن برخيا الى زكريا ودفعها زكريا الى عيسى بن مريم واوصى عيسى الى شمعون بن حمون الصفا واوصى شمعون الى يحيى بن زكريا واوصى يحيى بن زكريا الى منذر واوصى منذر الى سليمة واوصى سليمة الى بردة ثم قال رسول الله (ص) ودفعها الى بردة وانا ادفعها اليك يا علي وانت تدفعها الى وصيك ويدفعها وصيك الى اوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد حتى تدفعها الى خير اهل الأرض بعدك ولتكفرن بك الأمة وليختلفن عليك اختلافا شديدا الثابت عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار والنار مثوي الظالمين ه فدل هذا الحديث على ثبوت الوصاية وان الوصاية منذ كان آدم الى ان وصلت الى بردة ودفعها بردة الى النبي (ص) والنبي (ص) دفعها الى اوصيائه الاثني عشر واحدا بعد واحد الى الحجة (ع) فهم اوصياء رسول الله (ص) وفي الحقيقة والأمر الواقعي جاءت وصايتهم من الله سبحانه كما في حديث اللوح وغيره الا اني احب ان اورده تبركا وان كان الأمر ظاهرا لما فيه من الفوائد والأسرار ولما في ذكره وكتابته وقراءته من الثواب العظيم الذي تعجز الخلائق عن احصائه وهو ما رواه في الكافي بسنده عن ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) قال قال ابي لجابر بن عبد الله الأنصاري ان لي اليك حاجة فمتى يخف عليك ان اخلو بك فاسألك عنها فقال له جابر اي الأوقات احببته فخلا به في بعض الأيام فقال له يا جابر اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد امي فاطمة بنت رسول الله (ص) وما اخبرتك به امي انه في ذلك اللوح مكتوب فقال جابر اشهد بالله اني دخلت على امك فاطمة (ع) في حيوة رسول الله (ص) فهنيتها بولادة الحسين (ع) فرأيت في يدها لوحا اخضر ظننت انه من زمرد ورأيت فيه كتابا ابيض شبه لون الشمس فقلت لها بابي وامي انت يا بنت رسول الله (ص) ما هذا اللوح فقالت هذا لوح اهداه الله تعالى الى رسوله (ص) فيه اسم ابي واسم بعلي واسم ابني واسم الاوصياء من ولدي واعطانيه ابي ليبشرني بذلك قال جابر فسألتها ان تدفعه الى لا نظر ما فيه فدفعته الى فسررت به سرورا عظيما فقلت لها يا ست ( يا سيدة خل ) النساء هل تأذنين لي ان اكتب نسخته فقالت افعل فاخذته ونسخته عندي فقال ابي فهل لك يا جابر ان تعرضه علي فقال نعم فمشي معه ابي الى منزل جابر فاخرج صحيفة من رق فقال يا جابر انظر في كتابك لاقرأ عليك فنظر جابر في نسخته فقرأ ابي فما خالف حرف حرفا فقال جابر فاشهد بالله اني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين يا محمد عظم اسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد الائي اني انا الله لا اله الا انا قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان الدين اني انا الله لا اله الا انا فمن رجا غير فضلي او خاف غير عدلي عذبته عذابا لا اعذبه احدا من العالمين فأياي فاعبد وعلي فتوكل اني لم ابعث نبيا فاكملت ايامه وانقضت مدته الا جعلت له وصيا واني فضلتك على الانبياء وفضلت وصيك عليا على الاوصياء واكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة ابيه وجعلت حسينا خازن وحيي واكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة فهو افضل من استشهد وارفع الشهداء درجة جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة اليك عنده بعترته اثيب واعاقب اولهم على سيد العابدين وزين اوليائي الماضين وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد على حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في اشياعه وانصاره انتجب بعده موسى فتنة عمياء حندس لان خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وان اوليائي يسقون بالكأس الأوفى من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء موسى عبدي وحبيبي وخيرتي علي وليي وناصري ومن اضع عليه اعباء النبوة وامتحنه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح الى جنب شر خلقي حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه فهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي لا يؤمن عبد به الا جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من اهل بيته كلهم قد استوجبوا النار واختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيي اخرج منه الداعي الى سبيلي والخازن لعلمي الحسن واكمل ذلك بابنه محمد رحمة للعالمين عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب فتذل اوليائي في زمانه وتتهادي رؤسهم كما تتهادي رؤس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الارض من دمائهم ويفشوا الويل والرنة في نسائهم اولئك اوليائي حقا بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشف الزلازل وادفع الاصار والأغلال اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون قال عبدالرحمن بن سالم قال ابو بصير لو لم تسمع في دهرك الا هذا الحديث لكفاك فصنه الا عن اهله ه والنصوص في انهم اوصياء رسول الله (ص) اكثر من ان تحصى
قال عليه السلام : وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ورحمة الله وبركاته
قال الشارح (ره) فان اولاد البنت ايضا من الذرية كما قال تعالى في عيسى بن مريم انه من ذرية نوح (ع) مع انه ابن البنت ه
اقول انهم (ع) ذرية رسول الله (ص) فانه (ص) قال في حق الحسن والحسين (ع) انهما ابناي والأصل في الاستعمال الحقيقة ودعوى المجاز غير مسموعة لان الحقيقة اما باستعمال اللغة او الشرع واذا تدبرت اللغة والشرع ونظرت في اسرارهما رأيت ان اختصاص اصالة الولد بابن الابن دون ابن البنت شيء عادي منشأه استقباح انتساب البنت حتى يأنفوا عن ذكر البنت وانتسابها واما في اصل اللغة فلا ولا سيما اذا قلنا ان واضع اللغة كما هو الحق هو الله سبحانه وقد اشار الى هذا المدعي في كتابه كما يأتي ذكره واما الاستناد في تلك الدعوى الى قول الشاعر :
بنونا بنو ابنائنا وبناتنا بنوهن ابناء الرجال الأباعد
فمما ذكرت لك من الأنفة والاحن الجاهلية الاتراهم لا يحبون البنات اصلا بل كان كثير منهم يقتلون البنات وقد حكي الله سبحانه عنهم وذكر قصتهم قال تعالى واذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون وانت اذا نظرت اصل خلقة الولد والبنت وجدتهما متساويين كل منهما من نطفة امشاج وامشاج مفرد لا جمع ومشجه مزجه والمعنى ان الولد ذكرا كان ام انثى يتكون من النطفتين معا نطفة الأب ونطفة الأم يمتزجان جزء من الأب وجزءان من الأم وكذلك قوله تعالى خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب اي من صلب الرجل وترائب المرأة يعني صدرها لان منيها يخرج منه وقد دل النص عن الحسن بن علي عليهما السلام ما معناه ان الانسان يتكون من اربعة عشر شيئا اربعة من ابيه وهي العظم والمخ والعصب والعروق واربعة من امه وهي الجلد واللحم والدم والشعر وستة من الله الحواس الخمس والحيوة وذلك في الذكر والانثى فاذا كان تولده من الأب والأم على حد سواء كانا في النسبة الى الأبوين سواء وان قيل ان جانب الأب في الولد اقوى الا انه منهما قطعا ولهذا يشتركان في الميراث منه وفي وجوب الطاعة وفي كثير من الأحكام وايضا الذرية والعترة سواء وقد سمي النابت من الشجرة بعد قطعها عترة وهو من اصلها وهو ( وهي خل ) الذرية وانما سميت بذلك لانها تنبت من الأصل والولد والبنت سواء فيه ولا اختصاص للولد بشيء غير البنت والأخبار الاتية صريحة في المدعي واني يعدل بهم عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى ما استدل به الخصم بان بني بناتنا ابناء الرجال الأباعد فان الحسن والحسين (ع) ابناء ( ابنا خل ) علي الأقرب الذي هو نفس محمد بنص القرءان ونص النبي (ص) حيث قال انت نفسي التي بين جنبي وروحه حيث قال انت مني بمنزلة الروح من الجسد ورأسه حيث قال على ما رواه الخصم انت مني بمنزلة الرأس من الجسد وشقه في الأصل خلقهما الله نورا واحدا لم ينقسما الا في عبد الله وابي طالب وقد قال (ص) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي (ع) وليس قوله (ص) هذا دليلا للخصم ولا بيانا للمغايرة والا لما قال وذريتي وانما هو لبيان اتحادهما لانه نفسه فلا فارق الا النبوة ولهذا قال علي (ع) في خطبته ثم ان الله خصصكم بالاسلام واستخلصكم له لانه اسم سلامة وجماع كرامة اصطفاه الله فنهجه ( فبهجه خل ) وبين حججه ازف ازفه وحده ووصفه وجعله رضي كما وصفه ووصف اخلاقه وبين اطباقه واكد ميثاقه من ظهر وبطن ذي حلاوة وامن فمن ظفر بظاهره رأي عجائب مناظره في موارده ومصادره ومن فطن لما بطن رأي مكنون الفطن وعجائب الأمثال والسنن فظاهره انيق وباطنه عميق لا تنقضى عجائبه ولا تفنى غرائبه فيه مطابيع النعم ومصابيح الظلم لا تفتح الخيرات الا بمفاتيحه ولا تنكشف الظلم الا بمصابيحه فيه تفصيل وتوصيل وبيان الاسمين الاعلين اللذين جمعا فاجتمعا لا يصلحان الا معا يسميان فيعرفان ويوصفان فيجتمعان قيامهما في تمام احدهما في منازلهما لهما جرى ( منازلهما جرى خل ) بهما ولهما نجوم وعلى نجومهما نجوم ه فذكر الاسمين الأعلين الذين ( اللذين ظ ) جمعا في نور واحد فاجتمعا في صلب واحد وبطن واحد الى ان قسما في عبد الله وابي طالب لا يصلحان اي النبوة والولاية او النبي والولي الا معا لان كل واحد تمامه بصاحبه يسميان فيعرفان محمد وعلي اي فيعرفان بتعدد اسميهما انهما اثنان ويوصفان فيجتمعان نبي ولي ( وولي خل ) فاذا عرفت ما اشرنا اليه عرفت ان ابني علي الحسن والحسين ابنا رسول الله (ص) حقيقة هذا كله راجع الى الاعتبار لمن كان له اعتبار واما الأخبار ففي تفسير العياشي عن بشير الدهان عن ابي عبد الله (ع) والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرءان الى ابراهيم من قبل النساء ثم تلا هذه الاية ومن ذريته داود وسليمان الى قوله وزكريا ويحيى وعيسى وفي عيون الأخبار في باب جمل من اخبار موسى بن جعفر (ع) مع هرون الرشيد ومع موسى بن المهدي حديث طويل بينه وبين هرون وفيه ثم قال كيف قلتم انا ذرية النبي (ص) والنبي لم يعقب وانما العقب للذكر لا للأنثى وانتم ولد لأبنته ولا يكون لها عقب فقلت اسألك بحق القرابة والقبر وبما فيه الا ما اعفيتني عن هذه المسئلة فقال لا او تخبرني بحجتكم يا ولد علي وانت يا موسى يعسوبهم وامام زمانهم كذا انهي الى ولست اعفيك في كل ما اسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله وانتم تدعون معشر ولد علي انه لا يسقط عنكم منه شيء لا الف ولا واو الا وتأويله عندكم واحتججتم بقوله عز وجل ما فرطنا في الكتاب واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم فقلت تأذن في الجواب فقال هات وقلت اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس من ابو عيسى النبي (ع) يا امير المؤمنين قال ليس لعيسى اب فقلت انما الحقناه بذراري الانبياء من طريق مريم (ع) وكذلك الحقنا بذراري النبي (ص) من قبل امنا فاطمة (ع) وفي تفسير علي بن ابراهيم قال وكان بين موسى وبين داود (ع) خمسمائة سنة وبين داود وعيسى الف سنة وعن ابيالجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال قال لي ابو جعفر عليه السلام يا ابا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين قلت ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله (ص) قال فبأي شيء احتججتم عليهم قال قلت احتججنا عليهم بقول الله عز وجل في عيسى بن مريم ومن ذريته داود وسليمان الى قوله وكذلك نجزي المحسنين فجعل عيسى من ذرية ابراهيم قال فأي شيء قالوا قال قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب قال فبأي ( فأي خل ) شيء احتججتم عليهم قال قلت احتججنا عليهم بقول الله تعالى قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم الاية قال فأي شيء قالوا لكم قلت قالوا قد يكون في كلام العرب ابن رجل واحد فيقول ابناؤنا وانما هو ابن واحد قال فقال ابو جعفر (ع) والله يا ابا الجارود وان اعطيتم من كتاب الله مسمي لصلب رسول الله (ص) لا يردها الا كافر قال قلت جعلت فداءك واين قال حيث قال الله حرمت عليكم امهاتكم الى قوله وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم فسئلهم ( فاسئلهم ظ ) يا اباالجارود هل يحل لرسول الله (ص) شيء من حليلتيهما فان قالوا نعم فقد كذبوا والله وفجروا وان قالوا لا فهما والله ابناه لصلبه وما حرمت عليه الا الصلب ه فانظر الى صراحة هذه الأحاديث ولا سيما الأخير حيث قال فهما والله ابناه لصلبه وما حرمت عليه الا الصلب اي ما حرمت عليه الحليلة الا الصلب لان حليلة الابن الذي ليس من الصلب لم تحرم عليه لانه ليس ابنا كأبن الزوجة فانه يسمى ابنا كما في قوله تعالى واذ قال ابراهيم لابيه آزر فانه ليس ابا لابراهيم في الحقيقة وانما هو زوج امه وانما ابوه الحقيقي تارح ( تارخ خل ) فاذا ثبت بالنصوص من القرءان والأخبار وبالمحكم من الاعتبار بان الحسن والحسين ابنا رسول الله (ص) لصلبه ثبت انهم ذرية رسول الله صلى الله عليهم ( عليه وعليهم خل ) اجمعين والحمد لله رب العالمين
قال عليه السلام : السلام على الدعاة الى الله
قال الشارح (ره) الدعاة جمع الداعي الى معرفته وعبادته والتخلق بأخلاقه تعالى كما قال قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني ه
اقول كونهم الدعاة الى الله لا شك فيه انما الاشكال والصعوبة في معرفة ذلك ومعرفة المدعو اليه ومعرفة المدعو به ومعرفة المدعو فيه فهذه اربع جهات في المراد بكونهم الدعاة الى الله تعالى :
الأول معرفة كونهم الدعاة الى الله تعالى قد اشرنا مرارا انهم باب الله الى خلقه وانهم اعضاد للخلق قد اتخذهم خالقهم بعد ان خلقهم وحدهم ليس معهم خلق يعبدون الله ويسبحونه ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه ويعظمون جلاله وعظمته الف دهر ثم خلق لهم الخلق من اشعة انوارهم فحيث كانوا هم العلة الفاعلية لانهم في ذلك محال مشية الله وهم العلة المادية لان جميع الخلق خلقوا من شعاع انوارهم وذلك الشعاع قائم بانوارهم قيام صدور وهم العلة الصورية لان كل فرد من جميع الخلائق من الغيب والشهادة الجواهر والأعراض فصورته ان كان طيبا من انوار هياكلهم او من انوار هياكل هياكلهم وهكذا لانهم رحمة الله ومظاهر رحمة الله ومظهروا رحمة الله والأشباح تلوح على اشباحهم واشباح اشباحهم واشباح اشباح اشباحهم وهكذا وهم العلة الغائية لان الله سبحانه انما خلق الخلق لهم وايابهم اليهم وحسابهم عليهم وان كان خبيثا فصورته من عكس انوار هياكلهم كما قال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فالسور سور المدينة مدينة العلم رسول الله (ص) والباب باب مدينة العلم علي (ع) باطنه الرحمة وهي ولايته وظاهره اي خلفه وخلافه من قبله اي قبل ( قبله خل ) خلافه وعداوته العذاب فحيث كانوا كما ذكرنا وجب ان يشهدهم الله خلق خلقه وان ينهي اليهم علمهم وان يكونوا اولياء وجوداتهم وشرع وجوداتهم وتكليفاتهم ووجودات تكليفاتهم هذا مقتضي الحكمة الالهية وهو انه سبحانه انما يخلق الأشياء على ما هي عليه بحسب مقتضياتهم وليس في الحكمة الالهية ولا منها ان ذلك يجري في شيء دون شيء بل في كل شيء بكل شيء في كل شيء بحسبه وذلك هو مقتضي قابليات الخلائق فلا يصح ان يسبح الله شيء بدون داع من الله سبحانه يدعوه الى ذلك ويعلمه كيف يسبح ويهديه الى ما يراد منه وهذا على سبيل الاجمال ظاهر لا يرتاب فيه واذا بينا كيفية ذلك ارتاب فيه الجاهلون ولكنا نشير الى ذلك فنقول قد قلنا انه لا يجوز ان يكون شيء من خلق الله يسبح الله تعالى قبل ان يأتيه داع من الله سبحانه يدعوه الى الله ويعلمه مراد الله منه وكيفية تسبيحه لان عبادته توقيفية في حق جميع عباده لانهم لا يعرفونه بالكنه ولا يعرفه احد الا بما تعرف له به فلو سبحه من لا يعرفه قبل ان يعرفه ما يريد منه لجاز ان يذكره بما لا يليق بجلاله فوجب في الحكمة واللطف بالعباد ان يعلمهم قبل ان يطلب منهم وفي الحديث ليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله فلما ثبت بنص القرءان ونص السنة والاجماع ان كل شيء يسبح الله تعالى قال الله وان من شيء الا يسبح بحمده وكل شيء يسبح بحمده فانما سبح بعد تعليم الله له ما يريد منه وانما ذلك بالوسائط والعلل كما كان وجوده فظهر بما لوحنا لك انهم دعاة جميع الخلق الى الله سبحانه
الثاني معرفة المدعو اليه وهو الله سبحانه وهذا اول ما يراد من المدعو لان هذه المعرفة يتوقف كل شيء عليها ثم لما كانوا في المقام الذي وضعهم الله سبحانه فيه انهم العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية لجميع الخلائق كما اشرنا اليه كانوا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون فعلموا جميع رعيتهم معرفة ربهم كل فرد بقدره كما قال الله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها اي انزل من سماء الخزانة وهو قوله وفي السماء رزقكم وما توعدون ماء وهو هنا معرفة الله فسالت اودية بقدرها اي فكل شيء من خلق الله من عين او معنى غيب او شهادة ذات او صفة عرف الله بنسبة قابليته لذلك الماء النازل من الخزائن بمفاتح ( بمفاتيح خل ) الغيب فقوله سبحانه وان من شيء الا يسبح بحمده يعني من عين او معنى غيب او شهادة ذات او صفة وانما يسبح بحمد الله بعد ان عرفه ولم يعرفه الا بتعريف فكل شيء يعرف الله سبحانه على قدره وان الذرة لتزعم ان لله زبانين وقد تقدم في الحديث انه ما خلق الله شيئا من خلقه الا واوجب طاعتنا عليه كما في قول الحسين (ع) لعبد الله بن شداد فهذا تصريح في تلويح
الثالث معرفة المدعو به قد اشرنا سابقا وصرحنا في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا ان كل شيء امم امثالكم وان من امة الا خلا فيها نذير وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فكل شيء من الخلق رعية وغنم للعلل الكاملة والأمثال العليا فالمبلغ عن الله منهم مع علو شأنهم وارتفاع مكانهم له حالتان : الاولى ان ينزل المقام الذي فيه المدعو فيدعوه بلسانه ويبين له بلغته سواء كان جمادا او نباتا او حيوانا ذاتا او صفة عينا او معنى الثانية ان يرفع مقام المدعو حتى يخاطبه في مقام الانسانية وان كان من كل صنف من الخلائق كما تقدم في كلام الحسين (ع) حين قال للحمي التي اصابت عبد الله ابن شداد وقد تقدم قال لها يا كباسة فسمعنا الصوت ولا نرى الشخص يقول لبيك فقال (ع) الم يأمرك امير المؤمنين (ع) الا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة له ( لكي تكون كفارة لذنوبه خل ) فما بال هذا واعلم ان هذه المطالب لا يجوز فيها التصريح الا بالاشارة مع اني ماكتمت ولا رمزت وان كنت اجملت فافهم
الرابع معرفة المدعو فيه قد ذكرنا مرارا ان مدار الدعوة على امرين الأول بالشرع الوجودي وهو جهتان الاولى دعوة الايجاد حين سئل الفقراء حوائجهم من ربهم واقفين ببابه الكريم فدعوهم الى الله تعالى حين اوجدهم واغناهم الثانية دعوة شرع الايجاد فاعطاهم في ايجادهم ما سئلوه فدعوهم في الاولى بقوابلهم وفي الثانية بمقبولاتهم والثاني بالوجود الشرعي وهو جهتان الاولى دعوة التكليف في الذر الأول حتى صلحوا وفي الذر الثاني حتى قبلوا وانكروا والثانية دعوة ايجاد ذلك الشرع بقوابل اعمالهم من مدد امره ونهيه ولكل درجات مما عملوا ففي الجهة الاولى اتاهم الداعي بما ذكرهم به ربهم كما قال تعالى بل اتيناهم بذكرهم وفي الجهة الثانية اتاهم الداعي بما ذكروا به ربهم سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم فالتكليف كما ذكرهم والجزاء كما ذكروه فبنسبة الوجود والشرع في الأول وبنسبة الشرع والوجود في الثاني دعوا كل شيء الى نسبتيه في دعوتيهم فهم الدعاة الى الله سبحانه كما سمعت وذلك لان الله سبحانه جعلهم خزان علمه وولاة امره فهم الداعون بامره والعاملون بعلمه وفي الكافي عن علي عن عمه قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول نحن ولاة امر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وفيه عن سورة بن كليب قال قال لي ابو جعفر (ع) والله انا لخزان الله في سمائه وارضه لا على ذهب ولا فضة الا على علمه وفيه عن سدير عن ابي جعفر (ع) قال قلت له جعلت فداءك ما انتم قال نحن خزان علم الله ونحن تراجمة وحي الله نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض وفيه عن علي بن جعفر عن ابي الحسن موسى (ع) قال قال ابو عبد الله (ع) قال ان الله خلقنا فاحسن خلقنا وصورنا فاحسن صورنا ( صورتنا خل ) وجعلنا خزانه في سمائه وارضه ولنا نطقت الشجر ( الشجرة خل ) وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عبد الله وقول الشارح (ره) الى معرفته وعبادته والتخلق بأخلاقه تعالى يشير به الى العلوم النافعة التي اشار صلى الله عليه وآله اليها في قوله انما العلم ثلاثة آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة فالاية المحكمة هي معرفة الله والفريضة العادلة علم اليقين والتقوى وهو علم الأخلاق والسنة القائمة هي العلوم الشرعية الفرعية المعروف بعلم الفقه عرفا وهذا بعض ما يدعون اليه لان كل حق انما هو منهم وعنهم وهم الدعاة اليه من كل علم وعمل واعتقاد وغير ذلك
قال عليه السلام : والأدلاء على مرضات الله
قال الشارح (ره) فانهم يدلون الخلائق بالشريعة الحقة الى ما يوجب رضاه من مراتب القرب لله والى الله وفي الله ومع الله
اقول الأدلاء جمع الدليل كالأعزاء جمع العزيز والأخلاء جمع الخليل والدليل المرشد والدال وما يستدل به وكونهم بالمعنى الأول هو بمعنى الفقرة الاولى اي الدعاة او اخص منه لان الدليل يدعو بحجة والداعي قد يخلو من الحجة ولا ينافي هذا استعمال الداعي فيمن لا يدعو الا بحجة وربما استدل على الفرق باستعماله عليه السلام بالدعاة الى الله على انه اعم وبالأدلاء على مرضات الله لان الله لا يشتبه بغيره ليتوقف الدعوة اليه على الدليل بخلاف مرضاته فان الأفعال التي ترضيه تشتبه بالأفعال التي تسخطه لا يفرق بينهما بالنسبة الى النفس او الفاعل الا بالدليل والتعيين وربما استدل على هذا بكون معرفة الله عقلية ولا يجوز التقليد فيها لأمكان ادراك المكلفين للحق فيها بخلاف الأعمال فانها لا يمكن للعقول مجردة عن الاستناد الى النص معرفة ما يرضي الله منها غالبا الا بخصوص التعيين والنص ولهذا جاز فيه الأخذ بظاهر الدليل وجاز التقليد هذا ولا نريد بأن الداعي قد يدعو بغير الدليل الا بملاحظة المعنى اللغوي فلا فرق فيما نحن فيه بين اللفظين الا في الوجه الثاني من الدليل فانه يستعمل بمعنى ما يستدل به بخلاف الداعي فانه لا يستعمل بمعنى ما يدعى به الا على تأويل بعيد عن الأوهام وان كان صحيحا على معنى ان كون النبي (ص) داعيا الى الله تعالى ان الله سبحانه دعا عباده اليه بنبيه (ص) فيكون الداعي بمعنى ما يدعى به وهذا معنى صحيح حقيقي الا ان المعنى فيه مخالف لما تعرفه الناس ولهذا لم نذكره سابقا فالدليل الدال المرشد بالحجة والبرهان القاطع فالمدلول عليه ما لله فيه رضى وهو معرفته بسبيل معرفتهم بانهم معانيه وانهم ابوابه وانهم حجته على عباده وامناؤه في بلاده وبمحبيهم وشيعتهم يعني ان العاقل العارف بما نقول اذا رأى المؤمن من شيعتهم واستبطن احواله في اعتقاده وفي اعماله واقواله واحواله عرف الا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وانهم حجج الله على خلقه وامناؤه على سره لانهم اي الشيعة هم الحرف الرابع من الاسم الأعظم ولا تحصل المعرفة التامة الا بالاسم التام واما مطلق الأسم ومطلق الصفة فقد تحصل به مطلق المعرفة ومعرفتهم (ع) في مراتبهم الثلاث مرتبة المعاني ومرتبة الأبواب ومرتبة الأمام (ع) وقد تقدم بعض الاشارة الى بيان المراتب الثلاث ومن الأشارة الى ذلك انهم في الاولى معاني جميع الصفات التي هي المنتهى في التعلقات وهي فوق الولاية التي هي الثانية وهو قول علي (ع) ظاهري امامة وباطني غيب لا يدرك فالامامة هي الولاية الثالثة والولاية الثانية مرتبة الأبواب والغيب الذي لا يدرك هو ذات الذوات وقول علي (ع) انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات فذات الذوات به تذوتت الذوات واليه ينتهي جميع تعلقات الذوات فهذه غاية المرتبة الاولى وليس وراء هذه مرتبة في الأمكان واما قوله والذات في الذوات للذات فغير ما نحن بصدده والطريق مسدود والطلب مردود وهذا ما يناسب الاشارة الى المرتبة الاولى من معرفتهم التي فيها رضى الله مما دلوا عليه مضافا الى ما تقدم وبيان ما ذكرنا لا يجوز ازيد من هذا وانهم (ع) في المرتبة الثانية ابواب جميع الاثار والصفات اي ان الصفات القدسية الذاتية ليس لها باب في تجليات اسمائها ومظاهر آثارها الا هم (ع) وليس لتلك الاثار والمظاهر باب لمقبولاتها وتلقيها تلك الفيوضات وتقومها تقوم صدور او تحقق غيرهم وهذا في كل شيء في المواد والصور والأعمال والأقوال والأحوال في الجبروت والملكوت والملك والفرق بين هذا والأولى انهم في هذه ابواب وفي تلك مدينة وانهم (ع) في المرتبة الثالثة ظاهر الأولتين وجامع المعنى والعين فهذه الثالثة حالة من الأولى وصورة من الثانية يظهرون بابدان نورانية يطؤن على اعلى الفلك الاعلى بظاهر سعيهم ونهر الزمان تحت اقدامهم يجري لا تبتل منه اقدامهم يمشون على الأرض هونا وعن محمد بن النعمان عن سلام قال سألت ابا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا قال هم الاوصياء من مخافة عدوهم ومعنى قوله عباد الرحمن هذه ( هذا خل ) تخصيص وتشريف والمراد افاضل عباده الذين يمشون على الارض هونا اي بالسكينة والوقار والطاعة غير اشرين ولا مرحين ولا متكبرين ولا مفسدين وقال ابو عبد الله (ع) الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتجبر وهذه الصفات وما بعدها من الصفات في هذه الايات لا توجد الا في الائمة الهداة عليهم السلام من تفسير محمد بن العباس بن الماهيار فهم في الثالثة ايضا عين الله الناظرة ورحمته الواسعة واذنه الواعية ومعرفة شيعتهم ومحبيهم بأنهم اهل الايمان لم يتيقن غيرهم واهل الاسلام ليس على ملة الاسلام غيرهم ولم يسلم رسول الله من اذي احد من الخلق الا منهم واما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين وانهم من ائمتهم (ع) بل هم معهم من شجرة واحدة كما في رواية الثمالي انه سئل الباقر (ع) عن قوله تعالى كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء فقال (ع) قال رسول الله (ص) انا اصلها وعلي فرعها والائمة اغصانها وعلمنا ثمرها وشيعتنا ورقها يا ابا حمزة ان الولد ليولد من شيعتنا فتورق منها ورقة فيها ويموت فتسقط منها ورقة الحديث وعن ابي الحسن (ع) في حديث طويل قال وان شيعتنا لمكتوبون معروفون باسمائهم واسماء آبائهم اخذ الله الميثاق علينا وعليهم يردون مواردنا ويدخلون مداخلنا ليس على ملة ابراهيم خليل الرحمن غيرنا وغيرهم انا يوم القيمة آخذون بحجزة نبينا (ص) ونبينا آخذ بحجزة ربه وان الحجزة النور وشيعتنا آخذون بحجزتنا من فارقنا هلك ومن تبعنا نجى والمتبع لولايتنا لاحق والجاحد لولايتنا كافر ومتبعنا ومتبع اوليائنا مؤمن لا يتبعنا كافر ولا يبغضنا مؤمن من مات وهو محبنا كان حقا على الله ان يبعثه معنا نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اقتدى بنا الحديث وهو طويل اخذنا منه شيئا مما يدل على علو رتبة شيعتهم ومحبيهم وهم فيما يعاملهم الله على اعمالهم لكرامتهم على الله سبحانه مثل ما قال الصادق (ع) لمن قرأ عنده فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان فلمن يسئل اذا لم يسئل عن ذنبه انس ولا جان قال قلت لا ادري قال (ع) انما انزل الله فيكم وذا والله المؤمن من شيعتنا لا يسئل منكم الانس والجن وان الله تعالى يولينا ( ليولينا خل ) حسابه ويأمرنا ما كان من حسنة نظهرها وما كان من سيئة نسترها وان الله تعالى لا يطلع على ذنب مؤمن احدا من خلقه اجلالا لعبده المؤمن ه وانه سبحانه لم يجعل لموت عبده المؤمن اجلا حتى يهم بموبقة فاذا هم بموبقة قبضه الله اليه قبل ان يهم رأفة به وانما يقبض روحه باختياره فاذا علم منه كراهة الموت تردد في قبض روحه حتى يحب لقاء الله لان من قبضت روحه قبل ان يحب لقاء الله ختم له بالسوء وكذا معرفة حقوق الاخوان وصلة الأرحام ومعرفة العدل في الأحوال وهو التوسط بين طرفي التفريط والافراط كالشجاعة بين الجبن والتهور وكالعقل بين البلادة والجربزة وكالكرم والجود والسماحة والسخا بين البخل واللوم والخسة والدناءة والاسراف والتبذير والعبث والسفه وامثال ذلك وكذا معرفة الزهد والورع والتقوى والتجافي عن دار الغرور والخمول وامثال ذلك وكذا الصدق في كل المواطن مع الله والتيقظ وذكر الله على كل حال بالقول والعمل وعدم الغفلة وكذا الاعمال البدنية المذكورة في كتب الشريعة والأدعية وغير ذلك من كل حركة وسكون ونوم ويقظة وانتباه وغفلة ظاهرة وباطنة مما لله فيه رضي ففي كل ذلك دقيقه وجليله كليه وجزئيه هم الأدلاء عليه بل كلما لم يدلوا عليه لم يكن لله فيه رضى لان رضى الله سبحانه في الحق وترتيب الاشياء وجريانها على اسبابها ومقاديرها ومقتضياتها ولا يكون شيء من ذلك الا بهم لما قلنا انهم العلة الفاعلية لانهم محال المشية والعلة المادية لان جميع الأشياء موادها في كل كون من اشعة انوارهم والعلة الصورية لان صور جميع الأشياء في كل عين من اشعة اشباحهم المعبر عنها بنور الرحمة وهيكل التوحيد ومن عكس ذلك للأعداء المعبر عنها بهياكل الغضب والسخط والعلة الغائية لانهم هم لله سبحانه وخلق كل ما سواهم لهم كما ذكرنا سابقا مكررا كما قال الشاعر:
اعد ذكر نعمان لنا ان ذكره هو المسك ما كررته يتضوع
فان جرت الأشياء على مقتضى الأسباب والترتيب الطبيعي والنظم الذاتي كما ينبغي كان ذلك حقا والله سبحانه يقول الحق ويهدي الى الحق ويحب الحق ويرضاه والا فان استنكفت الأشياء عن مقتضى اسبابها وسلكت غير ترتيبها الطبيعي كفرت بنعمة ربها ولا يرضي لعباده الكفر هذا اذا فسرنا الدليل بالدال والمرشد واذا فسرنا بالمستدل به فهم الحجة التي تستدل بها العقول على كل حق فيستدل بهم على الله وعليهم وعلى محبيهم وعلى فروعهم من جميع الاعتقادات ( الاعتقاد خل ) والأحوال والأعمال والأقوال من كل ما يحبه الله ويهواه ويرضاه فأولوا الألباب يستدلون بهم عنهم على كل خير مرغوب وشر مرهوب وفي كامل الزيارة للشيخ الثقة جعفر بن محمد بن جعفر بن قولويه عن عبد الله بن حماد البصري عن ابي عبد الله (ع) في حديث طويل في ذكر وصف الامام (ع) قال وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة والأخذ بحقوق الناس والقيام بأمر الله والمنصف لبعضهم من بعض فاذا لم يكن معهم من ينفذ قوله وهو يقول سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فاي آية في الافاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال وما نريهم من آية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث فقول الله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق يدل بباطنه كما في هذا الحديث الشريف انهم الايات الكبرى كما قال علي (ع) ليس لله آية اكبر مني ولا نبأ اعظم مني فهم الايات حيث وقعت في القرءان اي آيات الله الدالة بالدلالة القطعية عليه سبحانه وعلى انفسهم وعلى شيعتهم وعلى كل شيء من الحق مثلا هل تجد احتمالا فيما امروك به انه ليس لله فيه رضى بوجه ما كما يجوز الاحتمال فيما صدر عن غيرهم الا ما قطع انه عنهم كاخبار سائر المعصومين بل لا يجد العاقل العارف شيئا يصدر في الحقيقة عنهم وانما يراه يصدر عن الله كما يجد ان حركة الرجل العاقل لا تصدر عن مقتضى جارحته وانما تصدر عن عقله وان كانت تصدر عن اليد فان المحرك لها هو العقل بواسطة الألات فافهم الاشارة من قول الله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى بل من نظر اليهم (ع) بعين البصيرة عرف الا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وانهم حجج الله وخزانه على سره وحكمته واولياؤه على امره ونهيه وعلى جميع خليقته وعرف ان الدين عند الله الاسلام والحاصل كلما سمعت من امور الاعتقادات الحقة والاحكام الشرعية والاداب الالهية التي وردت بها هذه الملة الحنيفية وجميع ما اتى به محمد بن عبد الله (ص) من احوال النشأتين وكل ما دعا ( دعي خل ) اليه من كل ما به صلاح الدارين اذا نظرت وعرفتهم كما عرفوك تشهد بحقية ذلك كله وانه تدبير حكيم عليم خبير بصير لطيف عطوف رحيم بعباده قد احسن اليهم بجوامع مصالحهم فان لم تر ما وصفت لك ونبهتك عليه من الأسرار فاسئل الله سبحانه ان يصلح وجدانك ويعرفك الحق كما هو حق فاذا عرفت هذا عرفت انه لم يخلق شيئا جعله دليلا اوضح من ائمتك عليهم السلام دليلا وبيانا وسبيلا وبرهانا ولا اصرح من دلالتهم ولا اصح من مقالتهم ولا اصدق من حالتهم فهم الايات التي يستدل بها على كل مطلوب قال الله سبحانه وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر وعلامات وبالنجم هم يهتدون وقال تعالى وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون فهم الدليل وعليهم الدليل ومنهم الدليل وبهم الدليل ولهم الدليل وعنهم الدليل ولا يحتمل المقام اكثر من هذا الكلام والسلام على اولي الأفهام
قال عليه السلام : والمستقرين في امر الله
قال الشارح بعد ان اثبت نسخة المستوفزين في الأصل قال اي المسارعين في الائتمار باوامره الواجبة والمندوبة مطلقا او في امر الامامة وفي بعض النسخ المستقرين وهو اظهر ه
اقول المستوفزين بالفاء بعدها زاي بمعنى المستعجل والمعنى انهم المسارعون الى القيام بأوامر الله من الواجبات والمندوبات وعلى نسخة الأصل المشهورة المستقرين بمعنى الثابتين في امر الله اي الثابتين في خدمة القيام بامره وعبوديته بحيث لم يفقدهم حيث يأمر ويندب ولا يراهم حيث ينهي فهم القائمون بحقيقة العبودية فيما امروا به من العمل او فيما يريد منهم ان يعملوه من تدبير الصنع وايصال الافاضات الى مستحقيها من خلق ورزق وحيوة ومماة مما دار عليه قوام النظام كما اشار اليه سبحانه وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين اي بأمره فيما يخصهم من التكليف وبأمره الذي هو ظهوره لما سواه بهم فيما يخصهم من التعريف يعملون كما امرهم وفيما سواهم من رعاياهم من دعائهم الى الله والى ما امر به من طاعته ونهيهم عن معاصي الله كما حدد لهم من معاصيه وابان لهم من مناهيه يعلم ما بين ايديهم منهم حين قال اقبل فاقبل اليه من التخليصات والخلوصات وما خلفهم منهم حين قال ادبر فادبر اليهم من التنزلات والتذللات حتى اوصل بهم الى كل ذي حق حقه من الامدادات والتخصيصات والتعيينات التي هي مقتضي ذواتهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى دينه يعني لمن اذن له كما قال ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له ان يشفع وهم قد اذن لهم ان يشفعوا لمن شاؤا وهو من ارتضى الله سبحانه دينه بأن يكون مؤمنا بهم وبولايتهم اي لا يصلون الا من كان متصلا بذاته بهم اي من فاضل نورهم خلقه الله من امره الوجودي ومن امره القولي وهم من خشيته مشفقون لانهم لا قوام لهم الا بامره الوجودي كما قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بأمره ولا قوام لسلطانهم الا بامره القولي مشفوعا بالوجودي وكل ذلك في قبضته لم يخرج عن يده شيء فهم ابدا منه مشفقون خائفون ومن يقل منهم اني اله من دونه انا انا من دونه اي اني يمكن لذاتي ان تتقوم من دون امره الوجودي او ان سلطاني من دون امره القولي فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ولما كان فعله جاريا في الاشياء على ما هي عليه وكان ما هم عليه انهم لله وحده واستعمالهم لغيره على خلاف ما هم عليه وهو خلاف الحكمة فخلقهم له واصطنعهم لنفسه وحصرهم في امره وهو قوله تعالى وهم بأمره يعملون اي لا يعملون الا بأمره فأفاد سبحانه بتقديم امره على يعملون فوائد الاولى حصر عملهم في امره الثانية ان الباء للسببية الثالثة التقديم لمراعاة النظم فان كونهم عاملين مترتب على امره لان الأمر علة العمل الرابعة ان الأمر مادة الوجودي التشريعي النوعية والعمل صورته الشخصية والمادة النوعية مقدمة على الصورة الشخصية واما ان المادة متقومة بالصورة فالمراد بها المادة الشخصية لا المادة النوعية فانها سابقة على الصورة الشخصية وانما قلنا ان الأمر مادة نوعية لانه لا يتحقق انه مادة طاعة او معصية الا بالعمل فالعمل هو المشخص له ثم اعلم ان قوله المستقرين في امر الله يجوز فيه ان يكون المعنى في استقرارهم في الأمر عدم انتقالهم عنه الى امر غيره وعدم انفكاكهم عن العمل به كما في قوله يسبحون الليل والنهار لا يفترون وان الله سبحانه ذرأهم في امر الله كما قال جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الأنعام ازواجا يذرأوكم فيه وهذه المعاني قد ذكرناها وانما اعدتها بطور آخر للبيان
قال عليه السلام : والتآمين في محبة الله
قال الشارح (ره) في مراتبها الثلاث من محبة الذات لذاته ولصفاته الحسنى ولأفعاله الكاملة ومن ذاق حلاوة المحبة يستنشق من جميع رواياتهم سيما الأخبار الواردة فيها وفي اسبابها من الرضى ( الرضا خل ) والزهد والتسليم وغيرها في جميع مراتبها وانهم كاملون والمراد من المحبة العشق وانكار العشق بالنسبة الى الله تعالى لعدم فهم معناه وعدم القابلية ه
اقول التامين جمع تام وهو بمعنى الكامل لغة والتام الذي ليس بزايد ولا ناقص والكامل الذي ليس بناقص وقد يستعمل التام فيما ليس بناقص والكامل في الزائد على التمام والتام في العدد هو ما ساوى كسوره كالستة والكامل هو ما اشتمل على اول فرد وهو الثلاثة واول زوج وهو الأربعة بناء على ان الاثنين يسمى مفردا لا زوجا لانه اول الأعداد ولا يكون اول الأعداد زوجا او انه يسمى كاملا باعتبار ان الشيء لا يكمل الا باربع طبائع وثلاث كيان يعني حرارة ورطوبة وبرودة ويبوسة ونفس وروح وجسد والتام في الحروف ما ساوى بيناته زبره وذلك حرف واحد لا غير وهو السين ولهذا كان اسما لمحمد صلى الله عليه وآله ياسين وفي الحروف الأبجدية في الخامسعشر والذي يخطر ببالي ان التمام بمقام الامام (ع) اكمل كما ان الكمال بمقام النبي (ص) اتم الا ان الصفات منهم (ع) تكاد تتحد لا تحاد الأصل لان نورهم واحد لان اولهم محمد واوسطهم محمد وآخرهم محمد وكلهم محمد فقوله عليه السلام والتامين في محبة الله ان فسر التام بما ليس بزايد ولا ناقص جاز تخصيص المحبة بالحقيقة المحمدية وان فسر بالمعنى المراد من الكامل وهو الزائد على التمام جاز تخصيص المحبة بفلك الولاية وعلى التفسيرين يجوز التخصيص كما يجوز التعميم فهم تامون في ذواتهم وفي صفاتهم وفي افعالهم وفي آثار افعالهم اي هم كما ينبغي فيما ينبغي اي هم التامون في علة الايجاد وهو عالم المحبة والتعين الأول في قوله تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لأعرف فالمحبة علة الخلق وهم محال تلك العلة التي هي المحبة وهم تامون فيها اي لا يكون منهم ما ليس في المحبة ولا من المحبة ما ليس فيهم بل هم المحبة ولهذا ورد في قوله تعالى كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ان الحبة فاطمة (ع) والسنابل منها سبع سنابل الحسين والتسعة من ذرية الحسين (ع) والمائة حبة ما يكون من صلب كل واحد منهم في الرجعة من الذرية الخاصة وفي قوله تعالى ان الله فالق الحب والنوى الحب المحب لهم وخصوصا لفاطمة عليها السلام ولقد وردت الروايات المتكثرة من الفريقين بمعنى انما سميت فاطمة فاطمة لان الله سبحانه فطم محبها ومحب محبها ومحب محب محبها من النار ومما ذكر بعضهم بناء على كمال سيدة النساء عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها افضل الصلوة وازكى السلام في بيان الكمال الشعوري والكمال الظهوري ان الكمال الظهوري للتسعة التي هي الطاء خمسة واربعون وهو مجموع الأعداد من الواحد الى التسعة وقاعدة استخراجه ان تجمع الأول وهو الواحد الى التسعة تكون عشرة فتضربها في نصف التسعة اربعة ونصف يكون الحاصل خمسة واربعين وهو الكمال الظهوري للطاء والكمال الشعوري مجموع كمالها الظهوري وكمال ما تحت الطاء الظهوري وهو الثمانية وهو ستة وثلاثون وذلك بأن تضم الواحد الى الثمانية فتضرب التسعة في نصف الثمانية وهو اربعة يكون الحاصل ستة وثلاثين ومجموع الكمالين كمال شعوري للطاء وهو احد وثمانون قال وقد اجتمع الكمالان في اسم فاطمة (ع) وهو من خواص هذا الاسم الشريف وبيانه ان الطاء هي وسط اسم فاطمة وقبله " فا " وهي كمال شعوري احد وثمانون وبعده مه وهي كمال ظهوري خمسة واربعون وانما خصت الطاء هنا لانها عدد مربع عدد العوالم الثلاثة الجبروت والملكوت والملك ومربع الثلاثة تسعة وينطق بالطاء فجمع اسمها الكمالين لانها حبيبة حبيب رب العالمين فلذا فسر الصادق عليه السلام الحبة في الاية بفاطمة (ع) وهم منها وهي منهم فهم التامون في المحبة فهم المحبون في الله ولله وهم المحبوبون في الله ولله وحقيقة هذا الحب لا يكون لعلة غير نفسه لانه لا يكون الا بنور الله الذي هو الفؤاد وحين يوجد مخلصا لا يوجد غيره لان غيره حجاب عنه فلا يكون الحب خالصا واما الحب الذي يكون بغير نور الله فلا بد ان يكون لعلة غيره وذلك لان الحب لغير الله يهوي بالفؤاد الى غير المبدء وهو غير الذات فيجب التعدد من الذات الذي هو المبدء ومن ذلك الغير ومعنى آخر لكونهم تامين في محبة الله انهم جبلوا على حب الله وجبل الخلق على حبهم فلا يكون احد من الخلق الا وهو يحبهم من محبيهم ومبغضيهم لوجهين :
الأول انهم علة الايجاد كما تقدم فهم العلة الفاعلية لانهم محل المشية والعلة المادية والصورية والغائية فمن لم يحبهم لم يوجد اذ الوجود حبهم قد خلق الله سبحانه الخلق من حبهم لانهم هم المحبة التي هي العلة في الايجاد والمعرفة كذلك وقد ورد في الدعاء لا يخالف شيء منها محبتك فشرط ايجادها ان تجري في جميع وجوداتها على محبة الله وهو تأويل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده فيجري الطيب في طيبه والخبيث في خبثه كما جرى القدر به عليهما مما قبلاه والمؤمن في ايمانه والكافر في كفره كما جرى به القدر لان القدر كما اشرنا مرارا يجري على ما يقتضيه العمل من العبد وهو سبحانه لا يحب في تقديره ان يجري قدره على غير مقتضى العمل والعمل يحب الا يجري الا بما جرى له القدر واحب له من انه كما هو وهو ما يحب الله منهما ولهما فهو سبحانه وان كان لا يحب الكفر لنفسه ولا يحبه لعبده ولا يحب ان يكون الكفر والكافر الا كما يقدر فيما يقتضيانه لذواتهما لانه لا يحب ان تكون الا على ما هي عليه من خيرها وشرها كما كررنا مرارا للتفهيم فلا ينفك شيء عن محبة الله والا لم يوجد وعلى هذا جرى الصنع وذلك محبة الله التي لا يخالفها شيء وهي ولايتهم (ع) التي تموا وكملوا بها وبها كمل من سواهم وهو قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فهذا التمام للنعمة والكمال للدين فرع تماميتهم في المحبة التي هي اعظم النعم وفرع كماليتهم في الدين التي هي اجل الفضل والامام (ع) قد بين قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده بقوله لا يخالف شيء منها محبتك وملازمة الأشياء لمحبة الله فرع بل اتيناهم بذكرهم لانهم كل حال طلبوه اتاهم به كما هم فلا يخالفونه وذلك اصل محبته سبحانه ولو انه سبحانه حين نهاهم عن الكفر ولم يحبه ولم يرضه لهم لم يرض لهم ان يجروا على اختيارهم لاجبرهم على طاعته فكانوا بطاعته مسيئين ولو انه حين رضي لهم ان يجروا على اختيارهم رضي منهم الكفر لكانوا بكفرهم مؤمنين وبأساءتهم محسنين ولو انه سبحانه حين رضي لهم ان يجروا على اختيارهم وان يجري لهم القدر على حكم اعمالهم المقدرة بقدره جل وعلا وجعلهم بكفرهم كافرين وتمنوا ببعدهم ان يكونوا مقربين جعلهم ببعدهم مقربين وبكفرهم مؤمنين لفسدت السموات والأرض ومن فيهن اي لفسدت المقبولات حيث لم تقبل كما تقبل وانما قبلت كما لم تقبل وبطلت القابلات حيث لم تقبل ما قبلت حين قبلت وقبلت ما لم تقبل حين لم تقبل بجهة واحدة وهلك من فيهن من ذواتهم واكوانهم على ما هم عليه بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اي يحبون ان يتبع الحق اهواءهم من حيث هي خلاف الحق والحق لا يكون من حيث هو حق باطلا ابدا ولا يكون الا حقا والا لم يكن شيئا وبطل النظام سبحان الله عما يصفون يعني انزهه واقدسه عن وصفهم بأن يكون الحق من حيث هو حق باطلا والباطل من حيث هو باطل حقا وقالوا هذه صفة ربنا ووصف نفسه لنا بذلك والله سبحانه ما وصف نفسه بذلك وانما هذا وصفهم فهم يصفون الله بوصفهم اي بما يفترون على الله من الكذب ويخلقون من الافك ولا يخرج ال محمد صلى الله عليه وآله من شيء من الحق الذي هو محبة الله الى شيء من الباطل الذي لا يحبه ابدا ولا يصفون الله الا بما وصف به نفسه من الحق لكمال تماميتهم في محبة الله واما اعداؤهم فلما كانوا في الجملة على الضد منهم (ع) كانوا يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا ويصفون الله به لانهم يقولون هذا من عند الله فانزل الله سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين المخلصين التامين ( اي التامين خل ) في محبة الله
والثاني ان التامين في محبة الله كما جبلوا على حب الله جبل الخلق على حبهم فلا يكون احد من الخلق الا وهو يحبهم من محبيهم ومبغضيهم اما المحبون فظاهر واما المبغضون لهم فانهم لا يجدون فيهم صفة يكرهونها ولا عيبا تنفر منه طبائعهم ولا ذنبا ينكرونه ولا يرون شيئا منهم ولا حالا الا وقلوبهم تميل اليه انما هم وصفاتهم واحوالهم علماء حكماء فقهاء اتقياء كرماء ابرار مقربون زهاد عباد شجعان رحماء اعزاء لله على الكافرين اذلة على المؤمنين والحاصل كل صفة جميلة تحبها النفوس او العقول فهي فيهم بجميع مراتبها تامة كاملة لا توجد في غيرهم فلا ينظر احد من الخلق الى حال من احوالهم او عمل من اعمالهم او قول من اقوالهم او صفة من صفاتهم الا ويرى محبوبا يقتضي ان يحسده عليه المنافسون ( المتنافسون خل ) فيتكلف اعداؤهم عداوتهم على كل محبوب ومرغوب ومطلوب بلا موجب الا الحسد على الفضائل والمعالي حيث لا ينالوا شيئا منها فحسدوهم وبغضوهم بما يحبون منهم لانهم لا يقدرون على حبهم مع ما يرون فيهم مما يحبون ولهذا قال الصادق (ع) ما معناه والله انهم لا يقدرون على ان يحبونا ولو قدروا لأحبونا ولكنهم لا يقدرون وايضا هم تامون في محبة الله اي لا يعملون الا بمحبة الله وفي محبة الله فهم يتقلبون في ذواتهم واكوانهم واعمالهم واقوالهم واحوالهم وما اضمروا واظهروا وفي اوامرهم ونواهيهم ودعائهم في محبة الله لا يخرجون عنها ابدا وهو كمال الاخلاص في العبودية والعبادة وذلك قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة وهو دينهم وهو ولايتهم وهو محبتهم وهو الايمان وهو الاسلام عند الله وهو ما ذكرنا من التمام والكمال في محبة الله تعالى وقول الشارح (ره) في مراتبها الثلاث يراد به ان محبة الذات ليست راجعة الى الذات البحت لان الذات البحت لا يمكن الوصول اليها بجهة من الجهات الا من نحو ما وصف به نفسه وامر به من تكليفه ففي الحقيقة محبة الذات راجعة الى الصفات ولا ينافي هذا انه انما قيل ان كل محبة انما ترجع الى النفس واما محبة الله فاختلف فيها العلماء فمن قال انها تكون محضة لله ولا ترجع الى النفس لان النفس بل جميع الصفات لا تلحظ في هذه المحبة وانما تلحظ الذات البحت لان المحب الذي هو الحقيقة المجردة عن جميع السبحات حتى عن التجريد لم تجد ( لم يجد خل ) ح نفسه لترجع المحبة اليها ولا تدرك الذات لترجع المحبة اليها وانما المشار اليه هو ظهوره تعالى وتكون المحبة للصفة لان هذه الصفة لا تظهر مع وجود شيء وان كانت اذا توجه الداعي والعارف الى الذات تغيب عن وجدانه وتفنى في الذات كما انا نحكم بخلوص المحبة للصفات والأفعال فلا ترجع الى النفس لعدم وجودها في النظر ح وذلك لان هذه المحبة اذا نشأت عن مشاهدة هذه الصفات والأفعال لا تكون لملاحظة النفس لترجع المحبة اليها لانها مع الملاحظة لا يظهر جمال تلك الصفات والأفعال لذاتها وانما يظهر للتعلق بالملاحظ بكسر الحاء فافهم
وقول الشارح (ره) والمراد من المحبة العشق وانكار العشق بالنسبة الى الله تعالى لعدم فهم معناه وعدم القابلية فيه شيء صوفي والكلام فيه هو ان الحب ميل النفس الى المحبوب فأن افرط سمي عشقا قال جالينوس العشق من فعل النفس وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد وفي الدماغ ثلاث مساكن التخيل ( التخييل خل ) في مقدمه والفكر في وسطه والذكر في اخره فلا يكون احد عاشقا حتى اذا فارق معشوقه لم يخل من تخيله وفكره وذكره فيمتنع من الطعام والشراب باشتغال قلبه وكبده ومن النوم باشتغال الدماغ بالتخيل والذكر والفكر للمعشوق فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به ومتى لم يكن كذلك لم يكن عاشقا فان الهي العاشق خلت هذه المساكن ورجع الأعتدال ه
اقول اذا عرفت معنى العشق ومعنى الحب فعلى ما ذكره الغزالي وهو ان الحب ميل النفس وان العشق هو الافراط في الميل يمكن توجيه كلام الشارح فانه بعد محو الميل والافراط ويحصل فناء المائل في ذاته في المحبوب مع محو المحبة فانها حجاب كما قال جعفر بن محمد (ع) المحبة حجاب بين المحب والمحبوب قد يقال له عشق كما يقال له حب ولكن فيه شيئان :
الأول انه لم يرد من طرقنا استعمال العشق في جانب الحق تعالى وانما ورد من طرق اهل التصوف وهو عندنا باطل لا تجوز نسبته الى الله تعالى وما وجد في كتب بعض الشيعة من ذلك فانه من طرق اهل الخلاف يرويه منا من له ميل اليهم ليضل عن سبيل الله والله سبحانه يقول فذرهم وما يفترون
الثاني ان كل معنى له معنى آخر يصلح استعماله للقديم اذا ورد به النص جاز اطلاقه على الله لانه في العقل يجوز اطلاقه عليه فاذا ورد به السمع قبله العقل بلا تكلف كاليد فان لها معنى يصلح اطلاقه على الله وهو القوة والقدرة فاذا ورد قبله العقل بلا تأويل ولا تكلف لانه يجوزه وما لا معنى له صالح للاطلاق على الله كالرجل فان معناها آلة السعي او لحمل صاحبها ولا يجوز شيء منهما على الله فلهذا لم يرد من طرقنا وصفه تعالى بذلك ولما ورد من طرق المخالفين لم نقبله لانه لا يجوز الا بالتأويل كما فسر ذلك بعضهم حيث قال المراد بالقدم قدم يليق بالقديم وقال اهل التصوف هو ظهوره تعالى في عالم الأجسام وكل هذا باطل وكما فسر الغزالي العشق بما يناسب الحب وانه اقوى ولا عيب في كون الحب قويا وهذا طريقتهم في تشييد طريقتهم ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون وبيان هذا ان العشق انما يتحقق كما ذكره جالينوس انه من فعل النفس والفعل من السبحات التي امرنا بكشفها وانه لا يتحقق الا بدوام ذكر المعشوق والفكر في ترتيب جهات التعلق وكيفيات الاتصال بعد التخيل لصورته فبدون التخيل لا يتذكر ولا يفكر ( ولا يتفكر خل ) في جهات التعلق وكيفيات الاتصال ولا بد من تعدد الدواعي واختلاف الجهات ولا يجوز شيء من ذلك بالنسبة اليه تعالى ولقد رد عليهم الزمخشري بما هو حق في حقهم بانهم يتصورون صورة معشوقة بلحاظ النكاح حتى ان احدهم ليمني هذا معنى كلامه ومأخذه واضح لانهم يتخيلون صورة مستحسنة ووقوع المني من بعضهم لا ينكر وليس ذلك الا لما قال الزمخشري لان الشخص لو يتصور شيئا حسنا ليس بلحاظ النكاح ولو كان اجمل ما في الامكان لم يحصل منه مني ولا مذي كما لو تصور جوهرة لا يكون لها اخت او كوكبا انور من الشمس الف الف مرة لا يحصل له تلك الحالة وليس ذلك الا لانه تعشق نفساني حيواني منشاؤه الشهوة الحيوانية فقول الشارح ان انكاره لعدم فهم معناه الخ ناش من عدم فهم معنى العشق وانما ذلك الذي يشير اليه على تقدير صحة مرادهم هو الحب لا العشق لان العشق ليس موضوعا لغير الأحوال النفسانية الحيوانية فافهم
قال عليه السلام : والمخلصين في توحيد الله
قال الشارح (ره) فان اقصى مراتب المحبة ينجر الى الا يرى العارف الا الله فانه لا يرى شيئا الا ويرى الله بعده في الابتداء ثم معه ثم قبله ثم لا يرى الا الله ويرى صفاته عين ذاته بل يرى جميع الذوات والصفات والأفعال متلاشية وفانية في ذاته وصفاته وافعاله بل لا يرى فناءه ايضا كما قال :
ما وحد الواحد من واحد بل كل من وحده جاحد
وكتب العارفين مشحونة من بيان هذه المراتب والحق انه لا يمكن بيانه ومن لم يذق لم يدر ه
اقول المخلصين بكسر اللام وفتحها للمعلوم والمجهول والمخلص للمعلوم الذي لم يشرك في توحيد الله اي لم ير الا واحدا وللمجهول ان الله سبحانه اختصه لذلك وجعله محلا لتوحيده اي يعرف بسبيله التوحيد وقوله الا ويرى الله بعده في الابتداء الخ ان اراد به في ابتداء السلوك كان حسنا وان اراد به في كل احوال توجه العارف فليس بشيء لان العارف لا ينظر الى الاثار ليترقى منها الى المؤثرات وانما ينظر الى المؤثرات في الاثار كما قال سيد الوصيين (ع) ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه على احد النقلين وليس المعنى انه يرى الله اولا ويرى الشيء بعده او معه لانه لو كان كذلك لزم حصول الغفلة بعد كل ذكر ويقظة وانما المعنى ما ذكرنا من انه يرى الظاهر بالاشياء لها فهو قبلها وهو معها ولا ينافي هذا ما في الدعاء يا من هو قبل كل شيء يا من هو بعد كل شيء لان الاولى من مراتب المعرفة والثانية من مراتب المجهولية قوله ويرى صفاته عين ذاته ان اريد به ما في الحديث وكمال توحيده نفي الصفات عنه يعني كمال توحيده ان يعرف ذاتا بسيطة لا كثرة فيها لا في الاعتبار ولا في الامكان والفرض لانه هو وليس له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حيوة غير ذاته بدون مغايرة حتى في الفرض لانه لا يصح الا في ممكن فليس الا ذات بسيط ( بسيطة خل ) بحت بكل اعتبار وفرض واما اعتبار الصفات فانه في الامكان كما اذا اتاك رجل فانه انسان حقيقة فلما كتب علمنا بما احدث انه كاتب فوصفناه بكاتب ولما خاط قباء علمنا بما صنع انه خياط فوصفناه بخياط وهكذا وليس ما وصفناه به جزءا من ذاته بل اذا تحققت ذاته وجدتها بسيطة ولكنك تعلم ان هذه التأثيرات لو كانت ذاته ناقصة لما صدرت عنها بهذه الأفعال آثار كمالات فصدور هذه الاثار المتعددة المتغائرة يدل على ان ذاته ليست بناقصة لا ان ذاته متكثرة الا ترى انك تقول هو الكاتب هو الخياط هو النجار فهو تعني به ذاتا بسيطة وتلك بعينها هي التي حدثت عنها الكتابة وهي بعينها هي التي حدثت عنها الخياطة فتعدد الصفات انما هو في الامكان فهذا بعينه هو ما نعنيه من نفي الصفات انه لا تعدد فيه فنصفه بالعلم باعتبار احاطته بالمعلوم ( بالعلوم خل ) وعطائه العلم ونصفه بالقدرة لصنعة كل ما يريد بلا تفريق بين المصنوعات
وان اريد به ما يعنونه اهل التصوف من ان صفات الذات وصفات الأفعال والأفعال والمفعولات وصفاتها كلها عين ذاته اذ ليس غيره فالمخلوقات بأسرها اذا ازلت عنها الحدود والمشخصات هي عين ذاته تعالى عما يقولون علوا كبيرا وامثالهم وعباراتهم واشعارهم مشحونة بذلك قول شاعرهم :
انا ذلك القدوس في قدس العماء محجب
انا قطب دائرة الرحا وانا العلى المستوعب
انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الأعجب
الى ان قال :
الله ربي خالق وبريق خلقي خلب
الى ان قال :
انا غافر والمذنب
وقال آخر :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والأمر واقع
ومثله ما ذكره ابن الاعرابي في فصوصه قال :
فلولاه ولولانا لما كان الذي كانا
فانا اعبد حقا وانا الله مولانا
وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا
فلا تحجب بانسان فقد اعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه تكن روحا وريحانا
فاعطيناه ما يبدو به فينا واعطانا
فصار الأمر مقسوما باياه وايانا
الى آخره مما يذهبون اليه من وحدة الوجود فهو باطل بل هو كفر بالله واما كلام الشارح فهو محتمل وان كان قوله وكتب العارفين مشحونة من بيان هذه المراتب يشعر بالاحتمال الثاني لانه عفى الله عنه له ميل الى القوم كما هو شأن العلماء الذين اغتروا بغرور اهل الالحاد واستشهاده بقول الشاعر : ما وحد الواحد الخ يشير به الى ان من وحد الله في حال يجد فيها نفسه او توحيده فان تلك كثرة واثبات ذلك في الوحدة وجعله وحدة جحود للوحدة لانك لو اثبت وحدة اثنين من حيث التعدد بزعمك انهما من هذه الحيثية وحدة لكنت جاحدا للوحدة الحقيقية لانها بهذا الأعتبار ومن هذه الحيثية كثرة بخلاف الوحدة لا باعتبار ولا حيث وكيف ولم فاذا عرفت الوحدة بالكثرة جحدت الوحدة وقال (ره) والحق انه لا يمكن بيانه ومن لم يذق لم يدر اقول الحق انه يمكن بيانه ومن لم يذق لم يدر كيف لا وقد بينه علي (ع) لكميل ست مرات وقد كشفت ذلك في شرح هذا الحديث الشريف وقد نص على البيان في قوله (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه وهو ان تجردها في الملاحظة والوجدان عن جميع سبحاتها ونسبها وعن كل شيء حتى عن التجريد فانك ح تعرف المراد ويتبين لك ذلك بنور الله الذي هو الفؤاد بعد التجريد ومحو كل موهوم من اشارة وتقييد وهو سر السين في قوله تعالى سنريهم آياتنا في الأفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فقد وعد الله سبحانه عباده العارفين انه سيريهم ( سنريهم خل ) الاية وهو النقش الفهواني التعريفي الذي هو الوصف والتعريف والتعرف من الله سبحانه لعبده وهو حقيقته من ربه وهو نور الله الذي يرى به المتوسم المتفرس وهو الفؤاد وهو الصحو وهو الأحدية وهو المعلوم وهو الجلال وهو اول فائض عن المشية مما يختص به وهو الوجود الراجح فيما لك من الوجود الراجح المطلق وما اشبه ذلك فكل عبارة من هذه تدلك على مطلوبك لانها كلها بمعنى واحد فكيف لا يمكن بيانه والله سبحانه يقول سنريهم آياتنا في الأفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فانت تفهم قوله تعالى حتى يتبين لهم انه الحق وبيانه على سبيل الاختصار والاشارة انك تمحو في وجدانك عن حقيقتك التي هي ذاتك ونفسك الحيث والكيف واللم والمتى والأين وفي ومن وعلى ومع ولو وما اشبه ذلك فانها خارجة عن ذلك مثلا كونك في شيء ليس هو ذاتك ولا جزءا منها وكونك على شيء وداخلا في شيء او خارجا من شيء او مع شيء او مشابها لشيء او يشابهك شيء او بائنا عن شيء او ملاصقا لشيء او كونك محدودا او محصورا او موضوعا على شيء او خارجا من شيء او خارجا منك شيء او قريبا او بعيدا او ظاهرا او باطنا او معلوما او مجهولا او متحركا او ساكنا او ناطقا او صامتا او لابثا او منتقلا او متغيرا او متبدلا وما اشبه ذلك من صفات الخلق فكل هذه وما اشبهها اذا نظرتها وجدتها غيرك حتى خطابك وغيبتك وتكلمك فاذا انت شيء بسيط مغائر لكل ما سواك فليس كمثلك شيء بعد محو هذه السبحات وما اشبهها فاذا عرفت نفسك هكذا بقي عندك ظهور الله لك بك فاذا نظرت ظهور الله بدون لك وبك عرفت صفة الله واذا ( فاذا خل ) عرفت صفة الله عرفت الله لان الشيء لا يعرف بذاته وانما يعرف بصفته فبهذه الجملة يظهر لك بيانه
فقوله (ع) والمخلصين في توحيد الله يحتمل وجوها :
الأول انهم (ع) مخلصون في توحيد الله في وجدانهم ومعرفتهم فانهم لا يجدون الا الله سبحانه فان الذات اذا ظهرت غيبت الصفات والاثار بظهورها لان الصفات والاثار سبحات ظهورها وذلك الظهور هو الماحي لحجب الظهور فلو وجدت السبحات لم تظهر الذات لانها انما تظهر بمحو الحجب التي هي السبحات وله تأويل قوله تعالى فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا لان ظهور النور محو الظلمات وقد اشار امير المؤمنين (ع) الى ذلك لكميل حيث قال جذب الأحدية لصفة التوحيد وذلك لان السبحات وجودها بصدورها فاذا جذبت انقطع الصدور فانمحت فأن قرأت المخلصين بفتح اللام كان المعنى انه جل وعلا لذلك خلقهم فهم الماحون وهم بامره يعملون وبكسر اللام يكون المعنى ان غاية التجريد والتفريد الذي ليس وراءها ( ورائه خل ) مقام في الامكان هو ما جردوا وافردوا والاخلاص هو هذا كما قال علي بن موسى الرضا (ع) في خطبته بمحضر المأمون ولا معرفة الا بالاخلاص ولا اخلاص مع التشبيه
الثاني انهم (ع) وصفوا الله بما يليق بعز جلاله وكل وصف لم يكن بما وصفوا فهو باطل لا يليق بجلال الله وقدسه كما قال تعالى سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين فان وصفهم يليق بقدسه وقال امير المؤمنين (ع) نحن الأعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا اي بما وصفنا من التعريف فدل الكتاب والسنة ان معرفة الله لا تحصل ( لا يحصل خل ) لأحد الا بدلالة اهل الحق عليه وماجعل جل وعلا له بابا من المضلين كما قال وما كنت متخذ المضلين عضدا هذا وقد جعل الهادين (ع) اركانا لتوحيده والعلة في ذلك ان الله خلق الخلق كما هم اثر فعله فحقائقهم صفات افعاله وآثاره والأثر يشابه صفة مؤثره التي عنها صدر وجوده ولم يكن احد من الخلق اعدل مزاجا منهم فلا يحكي احد الصفة كما هي الا هم لاعتدال قابليتهم بخلاف من سواهم فانهم لا يخلون من الاعوجاج الكلي او الجزئي فهم المخلصون في توحيد الله
الثالث ان مراتب التوحيد اربعة توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة فتوحيد الذات ما امر الله تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد فتوحيدهم لذلك نهاية التجريد والتفريد كما تقدم بنفي جميع الصفات والأفعال والاثار وتوحيد الصفات ما قال الله تعالى ليس كمثله شيء فيه معنيان : احدهما ان صفاته ظهرت حتى غيبت جميع الخلق وصفاتهم واحوالهم بل ليس فيما دون عز جلاله الا صفته وفي المصباح للشيخ في دعاء ليلة الخميس انت الذي بكلمتك خلقت جميع خلقك فكل مشيتك اتتك بلا لغوب اثبت مشيتك ولم تأن فيها لمؤنة ولم تنصب فيها لمشقة وكان عرشك على الماء والظلمة على الهواء والملائكة يحملون عرشك عرش النور والكرامة ويسبحون بحمدك والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيه صوت الا صوتك حقيق بما لا يحق الا لك فقوله لا يرى فيه نور الا نورك توحيد الصفات وثانيهما ان كل ما في الكون صفاته من الذوات والصفات الجواهر والأعراض لانها آثاره والاثار صفات فمعنى توحيد الصفات انه ليس الا صفاته وآثاره والاثار صفاته كما قال (ع) لا يرى فيه نور الا نورك لان الأشياء آثاره وصفات افعاله وافعاله صفاته وصفات الصفات صفات فكما انك اذا نظرت الى الشمس لا تجد الا الشمس واشعتها وهي آثارها وصفاتها فكذلك في التمثيل آثار الله وتوحيد الافعال كقوله تعالى اروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السموات فليس له شريك في فعله وكل ما ترى من افعال خلقه فهي افعاله بهم كما قال علي (ع) والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وقال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقال تعالى وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وقوله (ع) في الدعاء المتقدم لا يسمع فيه صوت الا صوتك وتوحيد العبادة قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا والعبادة فعل ما يرضي والشرك في العبادة ان يريد فيها مع الله تعالى غيره وله دبيب في هذه الأمة اخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون والعبادة خاصة وعامة اما العبادة الخاصة التي وظفها الشارع (ع) وحددها وضبط حدودها كالصلوة وسائر العبادات الشرعية فالشرك فيها على اقسام شرك في الباعث على ايقاعها كالرياء وله رتبتان شرك وكفر فالشرك بان تصلي لله ويشرك في ذلك الباعث عليها مراءاة زيد والكفر بان يكون الباعث عليها مراءاة زيد ولولا ذلك لم يصل فان كان يعتقد عدم تحريم هاتين الحالتين كفر واستحل دمه اذا علم ذلك منه باخباره مختارا عالما بقوله بحيث لا يحتمل غير ذلك وان لم يعتقد ذلك فالشرك الذي يلزم منه الكفر يعيد صلوته ويستتاب ويعزر ثلاثا ويقتل في الرابعة احتياطا والشرك الممتزج فان كان في اصل النية لكل الفعل فكذلك والا فان كان في واجب سواء ركنا او فعلا او غيرهما من الواجبات من المتفق عليها بين المسلمين فكذلك والا ففي الواجب تبطل وفي المندوب خلاف والأصح البطلان واما العامة فما يقع في الأعمال والأحوال والأقوال منها فشرك خفي وفي الحديث قال (ص) الشرك اخفى في امتي من دبيب النمل وفي الحديث من حلف بغير الله فقد اشرك قيل يعني كفر حيث جعل ما لا يحلف به محلوفا به كاسم الله تعالى ه وفي تفسير قوله تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون في الكافي والقمي عن الباقر والصادق عليهما السلام شرك طاعة وليس شرك عبادة وزاد القمي والمعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة اطاعوا فيها الشيطان فاشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة ان يعبدوا غير الله وفي الكافي عن الصادق (ع) في هذه الاية يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك وعن الباقر (ع) من ذلك قول الرجل لا وحيوتك وعن الرضا (ع) شرك لا يبلغ به الكفر وعنهما عليهما السلام شرك النعم وفي تفسير العياشي عنه (ع) هو الرجل يقول لولا فلان لهلكت ولولا فلان لأصبت كذا وكذا ولولا فلان لضاع عيالي الا انه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه قيل فيقول لولا ان الله من علي بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا وفي التوحيد عنه (ع) هم الذين يلحدون في اسمائه بغير علم فيضعونها في غير مواضعها فشرك الطاعة لم يكفر فاعله لزعمه انه لا ينافي التوحيد وهو كذلك في الظاهر وقول الرجل لا وحيوتك شرك لزعمه ان له حيوة غير مفتقرة يستند اليها في الوجود للقسم والشرك الذي لا يبلغ بصاحبه الكفر لانه لا ينافي ظاهر التوحيد لانه شرك طاعة كما مر لانه قد يعمل بمقتضى شهوة نفسه وميلها الى اغراضها فيفعل خلاف ما يريد الله وهو لا يعلم اي لا يلتفت الى مراد الله لغلبة هواه فيشرك كما قال الصادق (ع) يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك وقول الرجل لولا فلان لهلكت اذا نسب الدفع والنفع مع عدم التفاته الى انه من الاسباب التي يسببها الله فقد اشرك بخلاف ما لو قال لولا ان الله من علي به فانه ح لاحظ الى ان الله تعالى ولي النفع والدفع واما ذكره فلانا فلانه لاحظ الى ان الله جعله سببا لذلك ولا بأس به واما تفسير الشرك في الاية بالالحاد في اسمائه فهو تفسير بالباطن وشرح بيانه كما ينبغي ما يحتمله الوقت ولا بأس بالتنبيه عليه يريد عليه السلام بالذين لا يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون غير شيعتهم فان اكثرهم وهم الذين شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى مشركون بالشرك الذي لا يغفره الله ومعنى الحادهم انهم جعلوا ائمتهم اولى بالأمر من ائمة الهدى الذين هم اسماء الله كما قال الصادق (ع) في قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها قال نحن الأسماء الحسنى الحديث فأولئك يجعلون ائمتهم اولى من ائمة الهدى ويسمونهم باسمائهم ويلقبونهم بالقابهم واما من لم يتبين له الهدى منهم فليس بمشرك بل هو مسلم ضال وحسابه على الله والمراد بتبين الهدى معرفة الحق عن الدليل بذوقه فهذه المراتب الأربع هي مراتب التوحيد والاتصاف بها دفعة هو الأحدية واحدها واحدية والاحدية لا اعتبار للكثرة فيها اصلا والواحدية فيها الكثرة الاعتبارية فهي منشأ الأسماء والصفات ثم اعلم ان لهذه المقامات مراتب لا تتناهى واعلاها في التجريد والتفريد عن كل ما سوى الحق بحيث لا يبلغها جميع الخلق توحيد الله ( توحيدهم خل ) في هذه المراتب الأربع فهم المخلصون في توحيد الله
الرابع ان كل شيء اذا نسب توجهه الى شيء وانصرافه اليه وحصره فيه واحاطته به وميله اليه لا يساوي توجهه الى نفسه وانصرافه اليها وحصره فيها واحاطته بها وميله اليها فبهذا المعنى وما اشبهه يصدقه اخلاصه في نفسه بمعنى اتحاده بذاته لعدم المغائرة الا باللفظ او الاعتبار فهم توحيد الله واهل توحيد الله فقولك اهل تعني به المخلصين في الفقرة الشريفة وهذا هو المراد باعلى الوجوه من قول علي (ع) نحن الأعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا يعني لا يعرف الله الا بنا يعني نحن معرفة الله وتوحيده في كل ما يعتبر ( يعتبره خل ) معتبر ويجرده مجرد لا يظهر له الا آية الله وهم (ع) ليس لله اية اكبر منهم ولا ادل عليه منهم والشيء انما يعرف باياته وصفاته وقد قال علي (ع) انا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة وهذا كمال التجريد والتفريد وبه يعرف الله اي بهذا المثل الاعلى والاية الكبرى والمثل الذي ليس كمثله ( كمثل خل ) شيء يعرف الله تعالى فهم توحيد الله في المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهم في الابواب المخلصون في توحيد الله وهم في الخلق الدالون على الله والدعاة اليه فافهم راشدا
قال عليه السلام : والمظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرمين
قال الشارح (ره) مشددا ومخففا كما قال تعالى ولقد كرمنا بني آدم اي هذا النوع بوجود الانبياء والاوصياء
اقول من المراد بقوله المظهرين انهم تراجمة وحي الله والهاماته لمراداته فان الأمر والنهي من الله قد يردان من بعض السنة الأقلام يسمعونه كصوت وقع السلسلة في الطست بل يردان في الخطابات الالهية بكل صوت من اصوات الجمادات والنباتات والحيوانات وكهفيف الرياح وازيز المياه والامواج وبالجملة ان اوامر الله ونواهيه يحدثها في جميع الألواح من الكليات والجزئيات بل كل ما يصدق عليه اسم الشيء كتب عليه ملئوه من الأوامر والنواهي وكل هذه تخبرهم ( يخبرهم خل ) (ع) بما حملت اليهم ولا يكتمون الله حديثا والملائكة من سائر الألواح فتأتيهم وتخبرهم بجميع ما امرت به وبلغت من الأمور المدبرة كما قال تعالى فالمدبرات امرا فتوحي اليهم بالطنين في آذانهم وبالوقع في قلوبهم بل بجميع لغاتهم وهفيف اجنحتهم وفي بصائر الدرجات باسناده عن ابي حمزة الثمالي قال كنت انا والمغيرة بن سعيد جالسين في المسجد فاتانا الحكم بن عتيبة فقال لقد سمعت من ابي جعفر (ع) حديثا ما سمعه احد قط فسئلناه فأبى ان يخبرنا به فدخلنا عليه (ع) فقلنا ان الحكم بن عتيبة اخبرنا انه سمع منك ما لم يسمعه منك احد قط فابي ان يخبرنا به فقال نعم وجدنا علم علي (ع) في آية من كتاب الله وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فقلت واي شيء المحدث فقال ينكت في اذنه فيسمع طنينا كطنين الطست او يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة على الطست فقلت انه نبي ثم قال لا مثل الخضر ومثل ذيالقرنين قوله (ع) ينكت في اذنه يراد منه ان الروح يحرك ورقة الامام (ع) بما يراد به من الوحي فيسمعه طنينا كرنة الطست وهذا غالبا يكون من تحديث ملك واحد بلسان واحد وقوله او يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة على الطست يراد منه ما كان من تحديث ملائكة متعددة او من ملك له السن كثيرة يحدث الامام (ع) بكلها وذلك لان وجوه جميع الأشياء يطوفون حول العرش فيزدحمون فيمس الملك جزءا ( جزء خل ) من العرش عند الاستلام فتحصل هذه الأصوات عندهم (ع) بما انطقها الله سبحانه من وحيه اليهم سلام الله عليهم فيسمعون وقعه في قلوبهم كوقع السلسلة في الطست وتطوف تلك الملائكة على تلك الوجوه وتلك الوجوه على سدرة المنتهى حيث الله سبحانه يقول اذ يغشى السدرة ما يغشى فاذا حركت منهم ورقة او غصن ورقة من اوراقهم (ع) سمعوا طنينا في آذانهم كصوت الطست اذا ضرب وذلك الصوت هو ما انطقها الله عز وجل الذي انطق كل شيء بما خلق فيها من وحيه اليهم (ع) من اوامره ونواهيه ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وفي كتاب مختصر بصائر سعد الاشعري للحسن بن سليمان الحلي باسناده عن الرضا (ع) عن آبائه (ع) في حديث طويل قال قال امير المؤمنين (ع) في كلام له وان شئتم اخبرتكم بما هو اعظم من ذلك قالوا فافعل قال كنت ذات ليلة تحت سقيفة مع رسول الله (ص) واني لاحصي ستا وستين وطئة من الملائكة كل وطئة من الملائكة اعرفهم بلغاتهم وصفاتهم واسمائهم ووطئهم اقول اصحاب هذه الوطئة من الملائكة يبلغون رسول الله (ص) اوامر الله سبحانه ونواهيه مشافهة بالقول والعيان وهم ايضا يبلغون النبي (ص) ذلك في خياله وحسه وذلك كله في الحالين وحي الله سبحانه اليه على اختلاف مراتب النبي (ص) ومراتب الوحي ويبلغون عليا عليه السلام جميع ذلك بالنبي (ص) فيقع هذا الوحي عليه كما ذكرنا قبل هذا في مشاعره طنينا في اذنه ووقعا في قلبه كما سمعت من معرفته بلغاتهم وصفاتهم واسمائهم ووطئهم وهذا معنى قولنا انها كلها كتب ملئت علما للائمة (ع) يقرؤنها ويعملون بما فيها مما كتب الله من اوامره ونواهيه وهو تأويل قوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس فالنحل الأئمة عليهم السلام وامير النحل علي (ع) والاتخاذ هو النظر لاستنباط الحكم والجبال جمع جبل على ظاهر التأويل وهي الاجسام والاجساد او جمع جبلة وهي الطبيعة على ظاهر الظاهر من التأويل وهي الأشباح بيوتا وهي افراد الموضوعات من جميع ذرات الوجود والشجر النفوس في تطوراتها ومقارناتها في تعلقاتها وارتباطاتها وانظارها ومما يعرشون من اشباحها الظاهرة في الجبال والباطنة في مقدم الخيال واكل الثمرات استخراج احكام تلك الموضوعات وسلوك السبل هدايته سبحانه لهم وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون بفضله عليهم صلى الله عليهم وتذللهم صدق عبوديتهم في علمهم بالله وبونهم مما سواه ودنوهم منه بلا اشارة ولا كيف وخروج الشراب من بطونها نطقهم عما في قلوبهم من العلوم وكون تلك العلوم مختلفة صفاتها انها يجمعها اسم العلم ولهذا افرد الشراب ولكن صفاته باعتبار مقامات التعلقات من الموضوعات ومن الأوقات والأشخاص وجهات المصالح واحوال التكاليف مختلف الوانه اي صفاته فمنه اسرار مكتومة وانوار مخزونة وامور مجملة ومفصلة وباطنة وظاهرة ومداراة وتقية وبنسبة حال المكلف وبنسبة حال بعض المكلفين لكل المكلفين وحكم على النظائر وعلى المتعارف وعلى جهة الأغلبية وعلى ان العلل اسباب في حال ومعرفات في حال وعلى حكم قواعد كلية لغوية وعلى استثناء البعض وعلى حكم قواعد كلية عرفية وعلى حكم قواعد كلية شرعية وعلى مقتضي الأسباب والموانع والمقتضيات وعلى حكم التذكر في التذكر والنسيان او في التذكر دون النسيان وعلى معذورية المكلف الجاهل وعلى عدم معذوريته وعلى حكم الأستمرار او في الوقت او في العمر وامثال ذلك مما يطول ذكره من اختلاف الوان العلوم وكله في الحقيقة راجع الى اختلاف الموضوع لذاته او من حيث اختلاف قيوده التي بني الحكم على جهتها وامثال ذلك ومن المراد بالمظهرين لامر الله ونهيه انهم يبلغون المكلفين اوامر الله ونواهيه لانهم قد اظهروا من كتم فعله سبحانه الى الخلائق على نحو ما ذكرنا قبل هذا في بيان يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه ومنه ايضا انهم المظهرون لامر الله ونهيه انهم يحكمون بحكم الله ويفعلون ما امرهم الله ولا يخشون احدا الا الله فان قلت انهم كثيرا ما يتقون ويأمرون شيعتهم بذلك وقد قالوا (ع) من لا تقية له لا ايمان له قلت انهم (ع) انما يتقون في المواضع التي امروا فيها بالتقية فهم في تلك الحال يعملون بامره تعالى لا لأجل الاتقاء وانما امرهم الله بذلك ليحفظ بذلك انفسهم ولتتعلم شيعتهم من فعلهم ولان حكم التقية احد احكام الله في المسئلة وانما يخالف حكم حال عدمها كما يخالف حال المريض المكلف بالصلوة جالسا وكلاهما حكم الله اختلف ظهوره وتغائره ( وتغائر خل ) باختلاف الموضوع فكذلك حكم التقية وحكم عدمها وانما هو حكم الله تعالى وهو نور واحد يتلون على حسب قوابله ولله في ذلك الاختلاف وان كان باختلاف احوال المكلفين حكمة بالغة يختبر بها العباد ليميز المطيع لامره والمخالف لما اراد وعنده جل وعلا مقامات ومنازل من الثواب لا تنال الا بذلك ومع ذلك فلا ينافي كونهم المظهرين لامر الله لان حكم التقية من امر الله الذي يجب عليهم اظهاره وبيانه ومنه ايضا انهم هم الذين اظهروا الايمان والاسلام اللذين هما داران ( دايران خل ) لأمر الله ونهيه ولولاهم لم يبق لهما اسم ولا رسم فان الاسلام منخفض وهم رفعوا اعلامه والايمان مضمحل وهم اسسوا احكامه وامر الله طلبه الفعل لذاته من المكلف بمعنى ان جميع افراد ذلك المأمور به كل فرد منها توجد فيه العلة الغائية التي لاجلها كلف المكلف بها ولا يدخل فيه المندوب لانه طلب الله فعلا من المكلف قد توجد فيه العلة وقد لا توجد فالفعل يطلب لغيره بمعنى انه لا توجد العلة التي لاجلها طلب الفعل في كل فرد بل قد توجد وقد لا توجد فكان الطلب لغيره وهو طلب بالعرض فالأمر هو الطلب المعروف المقتضي للوجوب والمندوب طلب غير الامر المعروف وصورة اللفظ فيهما واحدة فاذا وردت الصورة المعلومة عارية عن جميع القرائن حملت على الوجوب للأصل والامر بها عليه البيان والتعريف والتعليم فقد جعل امره واجبا واذا لم يرد الوجوب نصب له قرينة من قول او تقرير او عمل او اجماع كما لو امر بتركه امرا لا يدل على النسخ وانقضاء مدته او تركه المكلف بمشهد منه وقرره عليه او انه عليه السلام لم يفعل في وقت ما او ينص على ندبيته او تحقق اجماع على عدم وجوبه من جماعة الامام (ع) فيهم بذلك القول وليس من هذا ابتداء ما ثبت وجوبه ونسخ الوجوب خاصة لا رفع الحكم بكليته لان ذلك الوجوب كما قالوا طلب الفعل والمنع من الترك ونسخ الوجوب خاصة عبارة عن رفع المنع من الترك فيبقي مطلق الطلب وحده وهو معنى الندب فانه طلب فعل لا يمنع من تركه وهذا وان كان بعد تفكيكه يكون من الندب لكن ليس ابتداء والكلام في الطلب الابتدائي هل هو اثنان ام واحد فعلى القول بانه واحد فالفارق بين الوجوب والندب القيد فالطلب مع استحقاق المدح واجب ومع عدمه ندب ويلزم من هذا القول ان المادة واحدة والتعدد انما هو بالصورة وهو القيد وفيه لزوم الاتحاد وكون التعريف لهما رسميا وهما ممنوعان اما منع الاتحاد فواقع وقد حققناه في محله واما منع التعريف فعند من يدعي فيه الحقيقي والمنع راجع الى دعواه لانه ادعي الحقيقي في حد رسمي والا فلا منع في دعوى الرسمي وان امكن الحقيقي بعبارة اخرى كما ذكرناه في شرح تبصرة العلامة رحمه الله وعلى القول بانه اثنان فكل مادة لها صورة خاصة بها وفي قول اهل الأصول هنا تناقض وتهافت كثير ولسنا بصدد ذلك لطول الكلام في بيان ذلك وتصحيحه والاشارة الى بعض ذلك هو ان من قال بالتعدد منهم بني دعواه على ان الأمر للوجوب ولا يكون المندوب مأمورا به لا انه عنده ليس بمطلوب ووجه التهافت انه جعل حقيقة الطلب الواجب غير صالح للمندوب لا لملاحظة قيده الذي تقوم به وهو المنع من الترك ليتميز عن طلب المندوب بقيده والا لزم ان يكون معنى قولهم ان المندوب غير واجب وليس كذلك بل يريدون انه لم يؤسس بالأمر ولا امر عندهم الا الطلب المقترن بالمنع من تركه او يلزمهم ان المندوب غير مطلوب او تحقق الامر بلا منع من الترك ويلزمهم ان المندوب مأمور به ولا فائدة في التطويل والبيان هنا والحق ان طلب الواجب طلب ذاتي صورته النوعية المنع من الترك والشخصية استحقاق المدح بفعله والذم بتركه وان كان يمتزج بالرسم فان الظاهر رسم الباطن وان طلب الندب طلب عرضي صورته النوعية جواز الترك والشخصية عدم استحقاق المدح على الفعل والذم على الترك والحرام والمكروه على نحو ما سمعت والمباح هل هو ما لم يتعلق به طلب او ما تعلق به طلب تسوية بين الفعل والترك هو حكم ام هو ارشاد وبيان ام هو للتوسعة على المكلفين او لتمييز ( لتميز خل ) ما يتعلق به احد الأربعة الواجب والحرام والندب والكراهة ام تعلق به في نفسه انه احد الاربعة قبل الخطاب به يعني ان المباح قبل الخطاب به في نفسه منه واجب ومنه مندوب ومنه حرام ومنه مكروه وبالنسبة الى المكلفين مباح حتى يرد التكليف به وعلى الثاني هل التعلق به في ذاته ام بالمكلفين بالنسبة اليه احتمالات والذي عندي ان كل شيء تعلق به طلب وان الطلب المتعلق به في نفسه قبل التكليف به على مقتضي احد الأربعة وان اباحته مطلقا على المكلفين قبل توجه الخطاب اليهم به من باب التوسعة عليهم حتى يرد الخطاب قال (ص) الناس في سعة ما لم يعلموا وقال (ص) ليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله وقال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون والأمر والنهي يستعملان كناية عن آثار السلطنة والولاية والربوبية يقال فلان ولي الامر والنهي يعني انه المتصرف المتسلط ( والمتسلط خل ) وله الحكم وبهذا المعنى امر الله ونهيه كناية عن حكمه وتسلطه واخذه بنواصي خلقه وكون الأئمة (ع) المظهرين لأمر الله ونهيه ان عظمة الله وتسلطه على خلقه واخذه بنواصيهم لا يعرف احد من الخلق شيئا من ذلك الا بتعليمهم وتبيانهم وارشادهم فهم المظهرون لتلك الربوبية في كل مرتبة من مراتب الوجود اعلاها انهم هم تلك الربوبية والعظمة ثم هم حملة تلك الربوبية والعظمة ثم هم مفاتيح تلك الربوبية والعظمة ثم هم المنفقون من تلك الخزائن بأمر الله ثم هم المعينون للسائلين على قبول تلك العطايا والخيرات في الأحكام الوجودية ثم هم المعلمون لحقائق تلك الأحكام الوجودية ثم هم العاملون لتلك الوجودات الأحكامية وكل بامر الله ليجزي الله كل نفس ما كسبت وايضا كونهم المظهرين لأمر الله ونهيه انهم هم العظمة الظاهرة بامر الله سبحانه يعني اظهرهم الله لخلقه ليستدلوا بهم عليه من تأويل قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فقوله ( وقوله خل ) آياتنا هم (ع) وقوله وفي انفسهم ما ظهر للخلق في ذواتهم من عظمته الذي هو نورهم (ع) او آيات عظمتنا في انفسهم وهم اي الأنفس الائمة (ع) فظهروا لذلك باظهار الله عظمة لا تتناهى في الامكان فبالله هم المظهرون لعظمة الله التي هي امر الله ونهيه او فبالله هم المظهرون لأمر الله ونهيه اللذان ( اللذين ظ ) هما عظمته وآثار تسلطه ومنه ايضا انهم المظهرون لأمر الله ونهيه ان امر الله ونهيه في العلم والحكم والتبليغ والانذار والاعذار وفي العمل لا يظهران الا منهم وعنهم وفيهم وبهم ولهم اما انهما منهم فلأنهم سر الأمر والنهي بمعنى انهم محالهما وخزائنهما ومفاتحهما ومظهروهما واما انهما عنهم فلانهما صدرا عنهم وعن جدهم صلى الله عليه وآله لقوله تعالى حكاية عن نبيه (ص) وانزل الى هذا القرءان لا نذركم به ومن بلغ اي ومن بلغ منهم ان يكون اماما ينذرهم به واما انهما فيهم فلأنهم خزائنهما في الصدور وفي التقوم وفي التعلق واما انهما بهم فلأن اعمال العاملين من جميع الخلائق انما هي بوجودهم وبامرهم وتعليمهم وهدايتهم واما انهما لهم فلأن جميع الاعمال الصادرة من الخلائق عن الأوامر والنواهي موافقة ومخالفة آثار سلطانهم اثباتا ونفيا والسنة ممادحهم والثناء عليهم بكل لسان طائع وعاص فكل طائع يصلي عليهم ويتبرء من اعدائهم وكل عاص يقر بفضلهم ويلعن اعداءهم وهم لا يشعرون وهو تأويل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده وفي الزيارة الجامعة الصغيرة مقر برجعتكم لا انكر لله قدرة ولا ازعم الا ما شاء الله سبحان الله ذي الملك والملكوت يسبح الله باسمائه جميع خلقه والسلام على ارواحكم واجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفي الكافي بسنده عن الدهقان قال دخلت على ابي الحسن الرضا (ع) فقال لي ما معنا قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلي قلت كلما ذكر اسم ربه قام فصلي فقال لي لقد كلف الله تعالى هذا شططا فقلت جعلت فداءك فكيف هو فقال هو كلما ذكر اسم ربه صلى ( فصلى خل ) على محمد وآله ه فتدبر اشارته (ع) وروي في تفسير قوله تعالى يسبحون الليل والنهار لا يفترون ما معناه كيف لا يفترون وقد قال الله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي قال (ع) ما معناه لما خلق الله محمدا وآله (ص) قال لملائكته نقصوا من ذكري بقدر صلوتكم على محمد وال محمد فاذا قال الرجل اللهم صل على محمد وال محمد فقد سبح الله وهلله ومجده وروى الكليني عن رجاله عن معوية بن عمار عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول في قول الله عز وجل ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها نحن والله اسماء الله الذي لا يقبل الله من العباد عملا الا بمعرفتنا فافهم وتفهم ما اشاروا اليه ولا تفزع مما تسمع بعد ما قالوا عليهم السلام اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا الحديث
وفي قوله عليه السلام : وعباده المكرمين
قال الشارح (ره) مشددا ومخففا كما قال تعالى ولقد كرمنا بني آدم اي هذا النوع بوجود الانبياء والاوصياء
اقول اما كونهم عبادا فهذا مما لا يتوقف فيه الا القوم الكفار وحشو النار الذين غلوا فيهم ورفعوهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وهؤلاء الغلاة وهم في غلوهم على اقسام فمنهم من يدعي انهم (ع) يعلمون الغيب والعلماء ردوا عليهم وكفروهم من وجوه احدها من الروايات المتكثرة منها ما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام ردا على الغلاة كما في الاحتجاج قال (ع) يا محمد بن علي تعالى الله عز وجل عما يصفون سبحانه وبحمده ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب الا الله وانا وجميع ابائي من الأولين آدم ونوح وابراهيم وموسى وغيرهم من النبيين ومن الاخرين محمد رسول الله وعلي بن ابي طالب والحسن والحسين وغيرهم ممن مضى من الائمة عليهم السلام الى مبلغ ايامي ومنتهى عصري عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ومن دينه جناح البعوضة ارجح منه واشهد الله الذي لا اله الا هو وكفى به شهيدا ومحمدا رسوله وملائكته وانبياءه واولياءه واشهدك واشهد كل من سمع كتابي هذا انني ( اني خل ) بريء الى الله والى رسوله ممن يقول انا نعلم الغيب او نشارك الله في ملكه او يحلنا محلا سوى المحل الذي نصبه الله لنا وخلقنا له او يتعدى بنا عما فسرته لك وبينته في صدر كتابي واشهدكم ان كل من نتبرء منه فان الله يبرء ( يتبرء خل ) منه وملائكته ورسله واولياؤه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب امانة في عنقك وعنق من سمعه ان لا يكتمه من موالي وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون الى دين الله الحق وينتهوا عما لا يعلمون منتهى امره ولا يبلغ منتهاه فكل من فهم كتابي ولم يرجع الى ما قد امرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين اقول والأحاديث في هذا المعنى متواترة معنى لا يمكن ردها واما من يميل الى القول بعلم الغيب فيهم (ع) فانه لا يردها وانما يأولها واختلف العلماء في تأويلها وفي الجمع بينها وبين ما يدل بظاهره على انهم يعلمون ( الغيب خل ) وهي ايضا كثيرة جدا ممن لم يقل بعلم الغيب فيهم فالأولون حملوا الغيب الذي لا يعلمونه على الغيب الأزلي الذي هو الذات جمعا وهذا خطأ لان الدليل القطعي عقلا ونقلا قد دل على انهم مخلوقون مربوبون لا قيام لوجودهم الا بالمدد الدائم من فيض القديم الكريم الدائم ولا ريب ان ذلك المدد حادث ولا يمدون بما وصل اليهم وانما يمدون بما لم يصل اليهم وهذا المدد قبل ان يصل اليهم لا يعلمونه قطعا والا لكان قد وصل اليهم قبل ان يصل اليهم وهذا باطل فكيف يصح ان ( كل خل ) ما سوى الذات يعلمونه كيف وقد قال سيدهم وافضلهم واعلمهم صلى الله عليه وآله عن امر ربه له رب زدني علما فهل يسئل الله ان يزيده من الأزل ام يزيده من العلوم الممكنة وهل يسأله ان يزيده مما علمه ام مما لا يعلمه وهل يعلمون ما لا يعلمه رسول الله (ص) الذي هو واسطة بين الله وبينهم الذي هو مدينة العلم وايضا العلم منه ما هو بالمستقبل ومنه ما هو بالحال ومنه ما هو بالماضي فاذا ادعيتم علمهم بالماضي وبالحال حال السؤال قلنا ان الادلة العقلية والنقلية تساعدكم ولكن العلم بالمستقبل لا تساعدكم عليه الأدلة وذلك لانهم اذا علموا بشيء سيكون قبل ان يكون هل كان بعلمهم واجبا لا تتعلق به القدرة ولا يمكن فيه او كان بعلمهم مستحيلا كذلك فان قلت كان ممكنا وان علموا به قلنا لله فيه البداء ام لا فان قلت ليس لله فيه البداء عارضتك الأدلة العقلية والنقلية وان قلت لله فيه البداء فكيف يعلمون شيئا يجوز لله ان يغيره كيف شاء فهذا معنى قول علي (ع) لميثم التمار لولا آية في كتاب الله تعالى لأخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهو قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت فان قيل ان الأدلة الدالة على علمهم بكل شيء واردة عنهم كلها بالفاظ العموم من غير استثناء قلنا حق ولكن العموم في كل الأدلة عموم عرفي ولا يقال انه على خلاف اصل الاستعمال لان الاستعمال اعم من الحقيقة والأدلة القطعية المخصصة صارفة الى المجاز فيجب المصير اليه للدليل والاخرون حملوا الأحاديث الدالة على علم الغيب على وجوه منهم من قال انهم يعلمون كل ما سوى الأمور الخمسة التي دلت النصوص على ان الله تفرد بها وهي ما في الاية ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت ومرادهم هذا ليس بصحيح لوجوه : الأول ان اشياء كثيرة اخبروا بانهم لا يعلمونها وليست من هذه الخمسة على مرادكم الثاني ان هذه الخمسة اذا تتبعتها رأيت كل الغيب منحصرا فيها او راجعا اليها فان عنيتم خصوص ظاهرها صدق عليهم انهم يعلمون الغيب ولا يضرهم جهل هذه الاشياء القليلة كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود فانه يقال له اسود ولا يضره وجود شعرة واحدة مخالفة وان عنيتم معناها وما يؤل اليها كان كثير من الخلق مثلهم فان اصحاب النجوم والرمالون والجفريون والجوكية والكهنة واهل القيافة وزاجروا الطير وغيرهم يعلمون اكثر من هذا بل قد يعلمون هذه الخمسة او بعضها وان كان قد يقع الخطأ في بعض الأشياء النادرة وبيان هذه الأمور يطول به البحث والغرض الاشارة الى وجه الدليل الثالث انهم (ع) كثيرا ما اخبروا به من هذه الخمسة ومن تتبع احاديثهم تبين له ذلك بل رواه العامة المنكرون لفضلهم (ع) ومنهم من قال انهم عليهم السلام لا يعلمون كل شيء فلهذا قلنا انهم لا يعلمون الغيب وان علموا الأكثر لانا لا نريد بعلم الغيب الا العلم بكل شيء وهذا لا يحصل لغير الله اقول وهذا ايضا ليس بشيء لان التخصيص بالكل ليس شرطا في الصدق ولا في التسمية لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ولا دليل على شيء من هذا لا من جهة العقل ولا النقل ولا في اللغة ومنهم من قال ان المراد بعلم الغيب هو ان يعلم من نفسه بغير آلة ولا معلم وهم لا يعلمون من انفسهم وانما يعلمهم الله سبحانه فلا يعلمون الغيب لذلك ولا يصح اطلاقه عليهم لذلك وهذا ليس بشيء ايضا لان كل من يدعي لهم علم الغيب من المسلمين لا يدعي ان ذلك ليس من الله الا الذين يقولون انهم ارباب وليسوا بحادثين ولا يرجعون الى رب وهؤلاء لا جواب لهم فذرهم وما يفترون ومن يدعي بانهم يعلمون الغيب يقول انهم مخلوقون ويستدل بقوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا فاخبر ان من ارتضاه من رسله يظهرهم على غيبه فنسب اليهم الغيب وهو قد اظهرهم عليه هذا في تفسير الظاهر وفي الباطن من التأويل المرتضى من محمد هو علي والمعنى واحد وكذلك قوله وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء يعني فيطلعهم على الغيب هذا في تفسير ( التفسير خل ) الظاهر وفي الباطن في التأويل ( وخ ) المجتبى من محمد علي والمعنى واحد والنصوص من الكتاب والسنة لا تحصى بكونهم يخبرون بالغيب مثل قول يوسف الصديق (ع) لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما ذلكما مما علمني ربي وقال في حق عيسى (ع) وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم وهذا كثير وقد سمي هذا غيبا ولا شك فيه وهو من تعليم الله سبحانه ومنهم من قال انهم لا يعلمون شيئا قليلا ولا كثيرا وانما ذلك وراثة من رسول الله (ص) وهذا ليس بشيء على مرادهم من ان هذا لا يصلح ولا يصدق على مثل ذلك علم الغيب وانما علم الغيب الذي يعلم شيئا لم يوقف عليه وقد اشرنا الى رد هذا بأن هذا الاشتراط لا اصل له فان الغيب والشهادة يراد بهما عالم المحسوسات وما غاب عن الحواس فمن علم بما غاب عن الحواس فقد علم بشيء من الغيب ولهذا قال سبحانه عالم الغيب والشهادة والذي يعتقده الفقير المقر بالقصور والتقصير فاستمع لما يوحى اليك من انباء الغيب ولا ينبئك مثل خبير هو انهم عليهم السلام يعلمون ما اشتمل عليه الكتاب وهو علم جم قال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وقال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال تعالى ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون وظاهر هذه الايات الاحاطة بكل شيء وليس كذلك بل الأشياء منها ما كان ومنها ما يكون ومنها المحتوم ومنها المشروط ومنها الموقوف فاما ما كان فان الله سبحانه قد اطلعهم على جميعه بواسطة محمد صلى الله عليه وآله ولا احتمال في انه كان واما انه يبقي او يتغير فعلى اقسام منه ما اخبرهم الله تعالى بانه لا يتغير ابدا وانه ليس في عالم الغيب والشهادة له مقتضى التغيير واخبرهم تعالى بانه اذا شاء ان يغيره سبب له المقتضيات كما يشاء فغيره كيف يشاء لان ذاته سبب من لا سبب له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب فهم يعلمون بقوله ان له ان يغيره ان شاء ولا يعلمون هل يشاء تغييره ام لا وهم من خشيته مشفقون ويعلمون انه لا يتغير ركونا الى قوله وتصديقا بوعده وهم من خشيته مشفقون في الحالين وقد قال تعالى فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله وتدبر في سر قوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فمن تصديقهم بوعده وثبات ركونهم الى قوله هم عباد مكرمون ومن علمهم ان كل هذه اشياء ممكنة لا تخرج بالوعد عن الامكان الذاتي فانه لو شاء ان يغيرها غيرها كيف شاء وهم من خشيته مشفقون وقد روي عن الصادق (ع) ما معناه ان النبي الياس عليه السلام سجد وبكى وتضرع فاوحى الله تعالى اليه ارفع رأسك فاني لا اعذبك قال يا رب ان قلت لا اعذبك ثم عذبتني الست عبدك ودعاء علي بن الحسين (ع) في السجود بعد صلوة الليل الذي اوله الهي وعزتك وجلالك لو انني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين الى آخر الدعاء وقد تقدم فتدبره تجده شاهدا بما نقول وان كان معناه لا تدركه العقول وانما تعرفه الافئدة وفي قوله تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك قال (ع) ما معناه انه لو شاء ذلك لفعل ولكنه لا يفعل ( ذلك خ ) به ابدا وبيان هذا الحرف بالضرورة انهم ممن وعدهم النجاة وانهم الى رضوانه صائرون البتة فاذا كان كذلك فلم يخافون خوفا لا يكون من احد من الخلق وهم يعلمون عن قوله انهم مقربون مرضي عنهم بل ما خلق الجنة والرضوان الا لهم ولاتباعهم فافهم ان كنت تفهم ومنه ما اخبرهم الله بانه يتغير وله الا يغيره فيحكمون بقول الله انه يتغير ويعلمون عن تعليم الله لهم ان بيده ملكوت كل شيء فاذا شاء عدم تغييره فعل ولا راد لا رادته ولا معقب لحكمه ومنه ما اخبر بانه لا يتغير ولم يحتم لهم بان يطلعهم على انتفاء مقتضى التغير في الشهادة وان دل اخباره لهم ولملائكته على انتفاء مقتضي التغير ( التغيير خل ) في الغيب لانه اذا اخبر انبياءه ورسله فانه لا يكذب نفسه ولا يكذب المخبرين عنه بالصدق فيخبرون عنه سبحانه بأن هذا الشيء ثابت ولله البداء في ما شاء فانه يمحو ما يشاء ويثبت واما ما يكون فما اخبرهم الله بانه سيكون حتما على صفة كذا لا مانع له في الغيب من اسباب القدر من متممات قوابل الوجود ومشخصات التقدير ولا مانع له في الشهادة من اسباب القضاء من متمماته كذلك كالدعاء والصدقة والبر وعدمها سابقة على القضاء بالامضاء بل ولاحقة لان اللاحقة زمانا قد تكون سابقا دهرا بل ربما يكون اللاحقة بالفعل والسابقة بالقوة ولا ريب ان ما بالفعل سابق دهرا على ما بالقوة وان تأخر زمانا فما كان كذلك فانه سيكون ( ويعلمونه قطعا خ ) ويعملون ( يعلمون ظ ) ان ذلك خلق الله وفي قبضته فهو كما مر ومنه ما اخبرهم انه سيكون ولم يحتم لهم بكشف الحال في الغيب والشهادة فهذا كحكم ( الحكم خل ) ما كان في عدم تغيره ( تغييره خل ) مع عدم الحتم كما تقدم ومنه المحتوم وهو كما مر ومنه المشروط ويعلمون انه يجوز ان يقع شرطه والا يقع وما وقع شرطه يجوز الا يقع لا يجاد مانع اقوى او لمنع ذاته جل وعلا وان كان لازم الوقوع مع عدم المنع ومع وجود الاذن اذ بدون الاذن بل الأسباب السبعة المشية والارادة والقدر والقضاء والاذن والأجل والكتاب لا يكون فلا يكفي حصول الأسباب في الوجود بدون الايجاد من الفاعل انظر الى قوله تعالى قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم والى قوله تعالى الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ويجوز ان يقع لما يشاء من الأسباب والمتممات من المشخصات فاذا حصلت الأسباب السبعة الفعلية المشية وما بعدها والقابلية ومتمماتها السبعة الكم والكيف والجهة والوقت والرتبة والمكان والوضع فاذا اجتمعت العلوية والسفلية اوجد بفضله ذلك الشيء ان شاء فام الكتاب الذي لا محو فيه ولا تغيير هو كون الشيء حين كونه واما قبله وما بعده فهو الذي فيه المحو والاثبات لا انه المثبت والممحو ( لا ان المثبت والمحو خل ) كما يتوهمه من لا بصيرة له في الدين فان ذلك مما يجوز فيه المحو والاثبات والله على كل شيء قدير وهذا ايضا يعلمونه على نحو ما سمعت ومنه الموقوف على المشية فان شاء الله ايجاده وجد والا فهو باق فيما شاء الله امكانه ولا شيء غير الله الا ما شاء امكانه ولا يشاء ايجاد ما لم يشأ امكانه اذ ليس شيئا غيره سبحانه وتعالى ثم ان المعلوم والعالم من كل شيء سواه سبحانه لا قوام له الا بأمره ولا وجود له الا عن مشيته وليس له حالة غير هذه الحالة التي هي حالة الفقر الى الله وليست الأسباب اسبابا الا بالله بمعنى ان الاسباب انما تفعل بفعل الله بها فاذا حدث مسبب عن سبب فانما الله احدثه به وهو سبحانه اقرب اليه منه في كل حال لا فرق في ذلك بين الذات والصفة والاتصاف والتلازم والتقارن فاذا فهمت هذا فاعلم انهم (ع) عباد مكرمون لا يعلمون الا ما علمهم الله كل شيء بخصوصه فما خصصه لهم خصصوه بتخصيصه لهم وما اجمله لهم لا يستطيعون تخصيصه بل ما خصصه لهم لا يستطيعون اجماله الا به سبحانه فاذا اعلمهم بشيء في آن لا يستطيعون ان يعلموه في آن آخر الا بتعليم منه جديد كما في الان الأول بنسبة واحدة فهم (ع) فيما سمعت وسائر الناس سواء ولكنه سبحانه دعاهم فاجابوا كما دعاهم ولم يتخلفوا عن دعوته طرفة عين فاجتباهم بعلمه واختارهم لما هم اهله فادمنوا ذكره ومجدوا شأنه واعلنوا دعوته فعلمهم على نحو ما سمعت ما لم يكونوا يعلمون وكان فضل الله عليهم عظيما ولما كان صنعه جل وعلا للأشياء على حسب مقتضي قابلياتها كان ما علمهم من العلوم لا يتناهى بالنسبة الى من سواهم بمعنى ان من سواهم ليس في وسعهم ان يتحملوا ما تحملوا عليهم السلام وان علمهم الله الا ان يقلب حقائقهم ويجعلهم كال محمد (ص) وهو قادر على ذلك فان كان ذلك القلب بحكم المقتضي الذي هو مقتضي القابلية الجاري على الأختيار لم يكن ذلك المجعول الا ال محمد (ص) وان كان ذلك الجعل بمقتضى القدرة لا غير تصادمت الحكم وعلا بعضهم ( بعض خل ) على بعض وفسد النظام فلا يمكن لأحد من الخلق ان يتحمل ما تحملوا والحاصل انهم لا يعلمون الا ما علمهم الله سبحانه وتعليمه في كل آن فلو لم يعلمهم في آن ما كان عندهم شيء ولا يعلمهم الله الا بواسطة محمد (ص) وهو قولهم الحق كما في الكافي عن زرارة قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول لولا انا نزداد ( نزاد خل ) لا نفذنا ( لا نفدنا خل ) قال قلت تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله (ص) قال اما انه اذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم على الائمة ثم انتهى الأمر الينا اقول يريد بالأئمة من قبله علي والحسن والحسين ويحتمل وعلى القائم كما هو الظاهر لان الترتيب على حسب الشرف والرتبة في المكانة والتقدم الذاتي لا التقدم الظاهري ثم بعد القائم (ع) عليهم وقوله (ع) الينا يريد الأيمة الثمانية لتساوي رتبتهم في الفضل ويحتمل مراعاة تقدم الأبوة ومثله عن ابي عبد الله (ع) قال ليس يخرج شيء من عند الله تعالى حتى يبدأ برسول الله (ص) ثم بامير المؤمنين (ع) ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون اخرنا اعلم من اولنا ه واذا اراد الله ان يعلمهم شيئا فتح لهم باب خزانة العلم بهم فعلموا ما شاء الله ويحجب عنهم ما شاء واعطاهم الأسم الأعظم وهو مسمى بسم الله الرحمن الرحيم فاذا شاؤا ان يعلموا شيئا علمهم الله وهو قول ابي عبد الله (ع) اذا اراد الأمام ان يعلم شيئا اعلمه الله عز وجل ذلك فقد ظهر لك انهم يعلمون علما جما وانهم لو لم يزدادوا لا نفذوا ( لا نفدوا خل ) وانهم ابدا يستمدون ولا يستمدون الا مما لا يعلمون وقد اشرنا لك ان ما لا يعلمونه على وجهين احدهما هذا والثاني ما علموه في ان لا يعلمونه في ان آخر الا بتعليم جديد فافهم وتثبت ثبتك الله وقد تقدم ان الغيب هو ما غاب عن الحواس الظاهرة والشهادة هو ما ادركته الحواس الظاهرة فاذا قلت لا يعلمون الغيب صدقت لانهم لا يعلمون شيئا الا بتعليم الله على نحو ما ذكرت وان قلت يعلمون الغيب وتريد ما غاب عن الحواس الظاهرة يعلمون منه ما علمهم الله خاصة صدقت ولا عيب في شيء من ذلك وعلى هذا المعنى تحمل النصوص الدالة على علمهم بالأمور المغيبة والمستقبلة قبل ان تقع لانهم اذا شاؤا علمهم الله وفي الكافي عن معمر بن خلاد قال سأل ابا الحسن عليه السلام رجل من اهل فارس فقال له اتعلمون الغيب فقال قال ابو جعفر (ع) يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلانعلم وقال ( فقال خل ) سر الله اسره الى جبرئل (ع) واسره جبرئل الى محمد (ص) واسره محمد الى من شاء الله ه وهذا ما نبهتك عليه وان اريد بعلم الغيب انهم يطلعون بذواتهم على ما غاب عنهم كما يدعونه الغلاة والقشرية من اشباه الناس فهو ما اشار اليه الحجة (ع) في التوقيع المتقدم لان في ذلك استقلال الحادث ويلزم منه مشاركة الله في ملكه كما ذكره (ع) في التوقيع ولا تتوهم اني جريت على القشر في بيان هذا الأمر بل انما كشفت لك عن حقيقة الحقائق واوضحت لك ما ابهم على الجم الغفير من سلوك مستقيمات الطرائق والله خليفتي عليك وانما اطلت الكلام في هذا المقام لعظم الحاجة اليه وقلة العاثر عليه فما سمعت كله معنى عباده وانما خصصت في هذا المعنى علم الغيب دون سائر معاني العبودية لخفاء مناقضة دعوى علم الغيب للعبودية فافهم
وقول الشارح المكرمين مشددا ومخففا كما قال تعالى ولقد كرمنا بني ادم اي هذا النوع بوجود الانبياء والاوصياء يحتمل انه اراد على التشديد الاستشهاد بالاية يعني ان الله كرمهم لانهم من بني آدم او هم المعنيون فان اراد ببني آدم المكرمين انهم هم كان غير الكثير هو محمدا ( محمد خل ) صلى الله عليه وآله خاصة ولكن لا يستقيم له ذكر الانبياء والاوصياء وان اراد انهم من بني آدم امكن تلفيق الاستقامة بصرف الانبياء المراد منهم محمد (ص) خاصة الى غير الكثير بالنسبة اليهم وهو مع الانبياء بالنسبة الى غيرهم وصرف الاوصياء الى غير الكثير بالنسبة الى غيرهم وفي هذا تكلف وتتعتع ولعله اراد صورة اللفظ خاصة بالتشديد وجعل قوله بوجود الانبياء والاوصياء والاولياء بيانا لسبب تكريم هذا النوع لا بلحاظ بيان صفتهم (ع) على التشديد وقوله (ع) وعباده المكرمين مقتبس من قوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون الى آخر الايات وفيها رد على الغلاة بجميع آرائهم فمنهم من كان من اهل الكشف والمعرفة يزعم انه قد تولد من الرحمن من ظهر برحمانيته فهو يعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه فرد عليهم من وجوه : منها قوله سبحانه اي منزه عن الولادة والتولد والتوليد لم يلد ولم يولد وانما هم خلق مدبرون ومنها قال بل عباد اي عباد قائمون بخدمة العبادة ورضي العبودية لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا قد وسموا بالفقر ورسموا بالعجز لا حول لهم ولا قوة الا بالله دعاهم لما خلقهم له فاجابوه فاكرمهم باجابته لخدمته ومنها لا يسبقونه بالقول لا في عبادته ولا في عبوديتهم ولا في حظوظهم من فيض كرمه ولا في ( وفي خل ) التبليغ لاوامره ونواهيه ولا غير ذلك كما قال لنبيه (ص) ليس لك من الامر شيء اي الا ما قضي لهم فهو يقول وهم يعملون بقوله اي بايجاده وباعطائه وبتعليمه وبامره ونهيه الى غير ذلك بل في جميع حركاتهم وسكناتهم واعتقاداتهم واعمالهم واحوالهم واقوالهم كما قال سيد الشهداء (ع) في دعائه يوم عرفة ام كيف اترجم لك بمقالي وهو منك برز اليك وهذا مما نسب اليه من الملحق بدعاء عرفة وكل هذا وما اشبهه من معنى القول الذي لم يسبقوه به وانما يجرون فيها بما حده لهم منها وهو قوله تعالى وهم بامره يعملون وهذا الامر هو ذاك القول وهم عليهم السلام في كل ما ذكر بل في كل شيء على حد قوله في اصحاب الكهف وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال هذا بالنسبة اليه واما بالنسبة الى ما سواه فهم ايقاظ اي هو ايقظهم فهم بايقاظه واشهاده يشهدون كل شيء اراد سبحانه وفي هذا رد على الغلاة بما لا مزيد عليه ومنها يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم اي كل شيء من امره عملوا به فهو يعلمه وهم لا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ان يحيطوا به كما شاء ومنها ولا يشفعون الا لمن ارتضى اي لا يرفعون وضيعا ولا يقدمون متأخرا الا اذا رضي لهم واذن لهم ممن رضي دينه من شيعتهم ومحبيهم ومحبي محبيهم ومنها وهم من خشيته مشفقون اي انهم عالمون بالله ولا علم الا بالخشية قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وفي الدعاء لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم ففي كل اعمالهم هم عاملون بامره وهم خائفون مقامه وجلون من لقائه كما قال تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون ومنها ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وقوله تعالى ومن يقل منهم الخ له معنى ظاهر ومعنى تأويل فالأول معناه ومن يدعي منهم اني اعمل بغير امره وقدرته وحوله وقوته مستقلا بشيء جليل او حقير فذلك نجزيه جهنم وهذا جار على سبيل الفرض كما قال النبي (ص) يوم الغدير في خطبته اني ان لم افعل فما بلغت رسالته وقوله (ص) فيها اخاف الا افعل فتحل علي منه قارعة لا يدفعها عني احد وان عظمت حيلته لانه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره واما الثاني ففيه وجوه : منها ومن يقل من الناس ان احدا من الأئمة (ع) قال اني اله من دونه فذلك القائل من الناس نجزيه جهنم ومنها ومن يقل من الناس اني امام من دون الامام الحق من الله سبحانه فذلك نجزيه جهنم ومنها ومن يقل من الناس ان الامام يسبق الله بالقول اي يقول من دون ان يقول الله او يعمل بغير امر الله او ان الله لا يعلم ما بين يدي الامام وما خلفه او ان الامام يشفع لمن لا يرتضي الله دينه او بدون اذنه او انهم عليهم السلام لا يخافون منه سبحانه خوفا حقيقيا خوفا من نقمته ومكره عن علم منهم بالله وبمقامه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وهم الذين رفعوهم عن مراتبهم التي وضعهم الله فيها او ( وخل ) وضعوهم دون ما وضعهم الله فيه فان هؤلاء الفريقين قد وضعوا الشيء بغير موضعه من رفع او وضع لان الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا معنى ما قاله عليه السلام اقتباسا من القرءان لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون اي يتكلمون بامره ويسكتون بامره ويجاهدون بامره ويتركون الجهاد بامره ويقتلون ويقتلون بامره صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون
قد تقدم قبل هذا في شرح وعباده المكرمين ما يكفي في الاشارة الى معناه فلا يحتاج الى اعادته
قال عليه السلام : ورحمة الله وبركاته
عطف على السلام على الدعاة الى الله الى قوله وعباده المكرمين الخ بمعنى ان تلك الأوصاف محفوظة عليهم من الله محفوفة برحمة الله مغشاة ببركاته في كل حال من احوالها بنسبته
قال عليه السلام : السلام على الائمة الدعاة
الائمة جمع امام على وزن اكسية جمع كساء والامام الذي يقتدي به واصل ائمة اءممة فالقيت حركة الميم الاولى على الهمزة الثانية وادغمت الميم في الميم فصار ائمة فمن القراء من يبقي الهمزة على الأصل بتحقيق الهمزتين وهو ابنعامر والكوفيون وروح والباقون بتسهيل الهمزة الثانية واختلف في كيفية تسهيلها فذهب الجمهور من اهل الأداء ( الاراء خل ) الى جعلها بين بين وهو الذي في التيسير والشاطبية والمستنير والكامل وروضة المالكي والتجريد والتبصرة والتذكرة وكفاية ابيالعز وغاية ابي العلا والهداية وغيرها وذهب آخرون الى قلبها ياء خالصة نص عليه ابنشريح في الكافي وابوالعز في الارشاد وقرأ به الجزري وغيرهم وذكره الدواني ( الداني خل ) في جامعه والحافظ ابو العلا وليس من طريق التيسير ولا الشاطبية بل هو من طريق كتاب الطية والنشر وابو جعفر فصل بين الهمزتين بالف حال تسهيله بين بين فيقرأ هكذا آئمة بحركة الهمزة الثانية بين بين ووافقه ورش من طريق الاصبهاني في الموضع الثاني من القصص وفي السجدة وانفرد النهرواني عن ورش من طريق العطار بالفصل بالألف في الانبياء واختلف النقل عن هشام في المواضع الخمسة من القرءان التي ذكر فيها ايمة وهي في التوبة ايمة الكفر وفي الانبياء ائمة يهدون بامرنا واوحينا اليهم وفي القصص ائمة ونجعلهم الوارثين وفيها ايضا ائمة يدعون الى النار وفي الم السجدة ائمة يهدون بامرنا لما صبروا ولا يجوز الفصل عند احد منهم اذا ابدلت الهمزة ياء خالصة قيل والقياس في التسهيل بين بين وبعضهم يعده لحنا ويقول لا وجه له في القياس واردف الدعاة بالأئمة لان الائمة هم الذين يقتدي بهم فاذا اردف بالدعاة افاد انهم يقتدي بهم فيما دعوا اليه من الحق فانهم عليهم السلام كما تقدم دعوا الى الله سبحانه بان امروا بمعرفته ومعرفة نبيه ومعرفة اوصيائه ومعرفة انبيائه ومعرفة احكامه وما يريد من عباده ودلوا العباد على سبل ( سبيل خل ) الرشاد وكونهم عليهم السلام الدعاة انهم عن امر الله اوضحوا المنهج واقاموا في جميع العوالم العوج كما تقدم بيانه في كل جنس وفي كل نوع وفي كل صنف وفي كل شخص وفي كل جزء فما استقام فمنهم وما اعوج فعنهم كما قال تعالى وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فالنازل من القرءان صلى الله عليه وآله ماء الرحمة الذي به كل شيء حي وهو الامام عليه السلام ودعوا الخلائق كلا بلغته الناطق بلسان الانسان سواء كان انسانا بالأصالة او مرفوعا الى الانسانية كما تقدم من خطاب الحسين (ع) للحمى حين دعاها فقال يا كباسة فقالت لبيك سمعها الحاضرون ولم يروا شخص المتكلم فقال لها الم يأمرك امير المؤمنين الا تقربي الا عدوا او مذنبا فما بال هذا يعني عبد الله بن شداد ( شهاب خل ) والصامت باصوات الصامت على اختلاف انواعه من حيوان ونبات وجماد مثلا قال للأرض السبخة قبل ان تكون سبخة اليس الله ربك قالت بلى قال اليس محمد نبيك فسكتت قال اليس علي وليك قالت لا فكانت بالخطاب والانكار سبخة خاطبوها بلسانها وهو انهم اجروا عليها بالأسباب الماء الذي هو قول اليس علي وليك فلم تتأهل للقبول لضعف قابليتها فاجتمعت الفضلات رابية وهو قولها ( لا ) المعبر عنه بالانكار للولاية فاستملحت واستمرت وهو المعبر عنه بشر ( بسر خل ) القدر فجعلت بذلك سبخة وهو المعبر عنه بالقضاء السوء فهذا دعاهم ( دعاءهم ظ ) لها بهذا اللسان وهذه اجابتها لهم كذلك وهذا القول بهذا اللسان لا يعرفه الا اهل البيان وليس هذا لسان الحال كما يتوهمه ( يتوهم خل ) لوجهين الأول ان لسان الحال هو معنى الهيئة والصفة والفعل وهذا ليس كذلك وانما هو لفظ لغة الجماد وهو مشتمل على كلمات وحروف الثاني ان لسان الحال ناطق فصيح بلسان عربي مبين وليس على ما يتوهم من ان معنى الهيئة ليس كلاما وانما هو دلالة معنوية كيف لا وقد قال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده وقد ورد ان تسبيح الجدار تشققه وتفطره وتناثره وفي تسبيح يوم الأربعاء من المصباح سبحان من تسبح له الانعام باصواتها يقولون سبوحا قدوسا سبحان الملك الحق سبحان من تسبح له البحار بامواجها وفيه تسبح لك البحار بامواجها والحيتان في مياهها والمياه في مجاريها والعبارة عن كل دعوة بكل لسان مثل ما روي عن علي بن الحسين (ع) وقد سئل كيف الدعوة الى الدين فقال يقول ادعوك الى الله والى دينه فهذا اللفظ هو يدل على كل دعوة حق بكل لسان من حال او مقال من انسان او حيوان او نبات او جماد دلالة مطابقة فافهم واسئل الله ان يعلمك ما لم تكن تعلم
قال عليه السلام : والقادة الهداة
قال الشارح (ره) القادة جمع القائد والهداة جمع الهادي الذين قال الله تعالى فيهم ائمة يهدون بامرنا كما ورد به الأخبار المتواترة انهم هم
اقول في حديث علي (ع) قريش قادة ذادة اي يقودون الجيوش يراد ان ارادتهم المتعلقة بطلب الأعداء كانت بين الجيوش وبين الأعداء فتقودهم اليهم فالقائد هو من يقود شيئا بزمامه كقائد الفرس والمراد هنا انهم (ع) يقودون الخلق من المؤمنين في الذر الأول الى الرضا وفي الذر الثاني الى الاجابة المشروطة وفي الذر الثالث الى الاجابة المنجزة بأيقاع الأعمال كما امروا وبقول الأقوال كما علموا وبثبات الأعتقاد البات كما هدوا فاذا استجابوا الاستجابات الثلاث حفظوا عليهم ما استحفظوهم من احكام هذه الامانات فنقلوهم محروسين بحبهم وبالتمسك بولائهم حتى اسكنوهم منازلهم من جنان البرزخ الى وقت قيامهم وزمان كرتهم فكروا منهم من استجاب الاستجابة الحسنى حتى ادخلوهم حظيرة القدس ومأوى النفس متنعمين في ولايتهم وحبهم الى ان ينقر في الناقور وينفخ في الصور فهجعت الساهرة وركدت النقطة في الدائرة فاذا تناهت الأمور ونفخ في الصور وبعث من في القبور تولوهم بالولاية الحسنى وعرفوهم بالسيما على الأعراف فحملوهم على نجب الاعتراف حتى احلوهم محال الشرف واسكنوهم الغرف واباحوا لهم الجنان وزوجوهم الحور واخدموهم الولدان خالدين فيما يشتهون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وفي كل ما سمعت وما اشبهه هم القائدون لهم بما ملكوا من ازمة قوامهم الى هذه الخيرات ورفيع الدرجات وعلى عكس ما سمعت يسوقون اعداءهم في اضداد تلك الأحوال الى ان احلوهم دار البوار والنكال وعظيم الاهوال والقود والسوق بمعنى واحد الا في صفتين احدهما ان القود بالأمداد والتوفية والسوق بالمد والتخلية وثانيهما ان القود يشعر بتقدم القائد لانه دليل المقود ومصاحبه في الورود واما السوق فهو يشعر بتأخر السائق ليدفع المسوق ولانه ليس معه في طريقه ولا ولي له يفسح له في ضيقه فهم (ع) القادة للخلق الى ما يستحقون من مقتضي الكدح والكد بالأمداد والمد واما انهم الهداة للمهتدين والضالين فلانهم انما شأنهم الهدى ودعاؤهم الى التقوى فمن اتبع هداهم نجا ومن ترك هداهم ضل وغوي وهوى فهم يهدون من اتبع هداهم الى الطيب من القول والى صراط الحميد ومن انكرهم هدوه بانكاره الى سواء الجحيم كما قال الله تعالى فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم انهم مسئولون عن ولايتكم وهم بامره يعملون وليس فعلهم اضلالا للظالمين ولا اغواء عن الحق المبين كما اخبر تعالى عن الغاوين فحق علينا قول ربنا انا لذائقون فاغويناكم انا كنا غاوين لانهم لم يريدوا لهم الهداية ولكنهم لما عرفوا من انفسهم انهم ذائقوا العذاب الأليم اغووهم واما الهادون صلى الله عليهم اجمعين ارادوا لهم النجاة والهداية فلم يقبلوا منهم فحكموا عليهم بحكم الله والزموهم بمقتضي قدر الله كما قال سبحانه بل طبع الله عليها بكفرهم وبهذين الحكمين وصفوا بوصفين بحكمهم للمهتدين بالهداية قيل لهم القادة الهداة وبحكمهم للضالين بالضلالة قيل لهم الذادة الحماة وفي حديث ابي الطفيل المتقدم قال قلت يا امير المؤمنين اخبرني عن حوض النبي (ص) في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي لاوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي اقول فالمورد هو القائد والصارف هو الذائد
قال عليه السلام : والسادة الولاة
قال الشارح (ره) السادة جمع السيد اي الأفضل الأكرم والولاة جمع الوالي ( والي خل ) فانهم يقودون السالكين الى الله والاولى بالتصرف في الخلق من انفسهم كما قال تعالى النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وقال انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فهذا علي مولاه الى غير ذلك من الأخبار المتواترة
اقول السيد من ساد يسود سيادة والاسم السودد وهو المجد والشرف فهو سيد والانثى سيدة والسيد الرئيس الكبير في قومه المطاع في عشيرته وان لم يكن هاشميا ولا علويا والسيد الذي يفوق في الخير والسيد المالك ويطلق على الرب والشريف والحليم والكريم والفاضل والمتحمل اذي قومه والزوج كقوله تعالى والفيا سيدها لدى الباب وعلى المقدم وكونهم سادة يجري على كل واحد من هذه المعاني فبمعنى الشريف وذي المجد فانهم بمكان من الشرف لا تصل اليه اوهام الخلائق كما يدل عليه قوله (ع) في هذه الزيارة فيما بعد طأطأ كل شريف لشرفكم اي خضع وخفض وانحط ولم يدرك غاية شرفكم والمجد هو الشرف الواسع والعلو والكمال والعز ولهم من كل واحد من هذه الصفات ما لا يحوم حوله امنية ملك مقرب ولا نبي مرسل وعلى معنى ان السيد هو الفائق في الخير فانهم قد فاقوا كل شيء من الخلق في جميع كمالات الخير بما لا يتناهى لأحد ممن سواهم بمعنى انه لو كان نبي من افضل اولي العزم غير محمد (ص) زخ في كمال من كمالاتهم فبقي يصعد ابد الابدين ما حام حول حمى كمالهم ذلك ولم يتجاوز اثره وعلى معنى انه الرئيس في قومه المطاع في عشيرته فان الله سبحانه قد احلهم في مقام بين قومهم وعشيرتهم بل بين كل الخلق لا يكيف كنهه ولا يكتنه اصله كما قال علي (ع) نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا اي خلقنا الله له وخلق الخلق لنا فهم مطاعون في كل الخلق اذا دعوا اجابتهم الحقائق والرقائق والطرائق والأفئدة والقلوب والأرواح والنفوس والطبائع والألفاظ والأحوال والأعمال والأقوال والحركات والخواطر والضمائر والسرائر فكل شيء لهم وكل شيء يطيعهم وعلى انه الذي يفوق في الخير فانهم عليهم السلام فاقوا في كل خير كل الخلائق لان كل الخلائق انما خلقوا لهم وفي هذه الزيارة الشريفة كما يأتي انشاء الله فبلغ الله بكم اي بلغكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع اي ان الله احلهم محلا لا يطمع طامع من الخلق سواهم في ادراكه وان يفوقه ولا ان يلحقه وعلى انه المالك فظاهر فان الله سبحانه قد خلق لهم الخلق وفوض اليهم امرهم والحكم فيهم كما صرحت به اخبارهم مثل ما تقدم وغيره وعلى انه المالك بمعنى المالك ظاهر و( قد خ ) تقدم وبمعنى المدبر والمربي والمتمم والمنعم تقدم فيما قبل وبمعنى الصاحب انهم علة الموجودات الايجادية والمادية والصورية والغائية فكيف يجوز ان يفارقهم خلق ويبقى والبقاء بهم فهم المصاحبون الخلق بهذا المعنى وعلى معنى الحليم ومعنى المتحمل اذى قومه فمن تتبع الأخبار وجد حلمهم وتحملهم الأذى وعدم انتقامهم وهم يقدرون على نحو لا يمكن ان يقع من غيرهم واما على معنى الزوج فهو يتمشى ايضا لكن ليس على جهة الظاهر وانما هو على ضرب من التأويل ولا بأس بالتلويح الى بعض ذلك المعنى هو ان الزوجة صفة والصفة زوجة الموصوف والزوجة فاعلية الموصوف لاثار تلك الصفة قبلت تلك الصفة باستعمال الألات الذي هو النكاح اعمالا واثارا هي الأولاد فالزوج منهم الولي والزوجة الولاية اذا خطبها من مالكها سبحانه والأولاد تلك الافعال الحقة هي خير ثوابا وخير عقبا وعدوهم ادعى زوجيتها بالباطل فهم اولاد الزنا وهم ناصبوا العداوة وفي الحديث يا علي لا يبغضك الا ابن زنا او ابن حيضة او من طعن في عجانه وقد كان منهم من هو صحيح النسب ظاهرا وهو ابن زنا باطنا لانه تولد على الولاية البغية التي نكحها الزاني بها بغير الحق فنكاحه لها ليس من الله فاولاده اولاد زنا فلذا يبغضون عليا عليه السلام واما الزوج الحق فهو الولي فان الله سبحانه زوجه بها في السماء وقولك في هذا المعنى ولي مثل قولك زوج فافهم الاشارة الى هذا السر وكن به ضنينا واما الولاة جمع ولي فقد تقدم الكلام والتنبيه على بعض البيان في شرح قوله واولياء النعم فلا يحتاج الى الاعادة وما ذكره الشارح هنا من الايات والروايات كاف في الاشارة لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد
قال عليه السلام : والذادة الحماة
قال الشارح (ره) الذادة جمع الذائد من الذود بمعنى الدفع الحماة جمع الحامي فانهم يدفعون عن شيعتهم في الدنيا الاراء الفاسدة والمذاهب الباطلة والبليات المهلكة بالأدعية الشافية وفي الاخرة بالشفاعة والحماية كما ورد به الأخبار المتواترة
اقول هم الذائدون لأوليائهم في الدنيا وفي الاخرة عن كل ما لا يحب الله من الاعتقادات الباطلة والخطرات الفاسدة والاعمال القبيحة والأقوال الردية والاحوال المستنكرة ومثل المأكل والملابس المحرمة بل عن الأكل والشرب المضرين بالابدان وبالعقول والداعيين الى الشهوات المحرمة او الى القسوة والحاصل انهم يذودون شيعتهم عن كل ما يكره الله ويذودون اعداءهم عن كل ما يحب الله وهذا هو المراد من معنى قوله (ع) انه يذود اعداءه عن ورود الحوض يوم القيمة فان معنى هذا انه يذود اعداءه عن جميع ما يحب الله من الاعتقادات الراجحة والأعمال الصالحة ظاهرا وباطنا وذلك بقوله تعالى كذلك زينا لكل امة عملهم وذلك اذا مال المنافق بطبع ماهيته الى العمل الباطل صادمه ميل وجوده الى العمل الصالح فكان حبه للشر للفطرة المغيرة وميله للخير للفطرة الايجادية التي هي فطرة الله قبل ان تغير فاذا مال بمحبته الى الشر خذل وخلى فحسن الشر لديه وزان بسبب مدد الخذلان فكان هذا الخذلان والتخلية مرجحا لفعل الشر على فعل الخير وهذا الترجيح اوجد بميلهم وتأكد عزمهم وبهذا الايجاد ذادوهم عن الخير الذي هو الحوض المذكور هذا في حق اعدائهم وعلى العكس في حق اوليائهم ذادوهم عن الشر واوردوهم الخير وهو نهر في الجنة من شرب منه لم يظمأ ابدا وقول الشارح (ره) بالادعية الشافية جار على ظاهر الحال وهو كمال فانهم عليهم السلام قالوا لشيعتهم انا من ورائكم بالدعاء الذي لا يحجب عن بارئ السماء الا ان الدعاء الحالي ابلغ من الدعاء المقالي فان الأفعال والتعليم والارشاد والهداية والأخذ باليد وبذل فاضل الحسنات وتحمل الذنوب وتسبيب الاسباب وتحبيب الايمان والاستيهاب من رب الارباب والتفضل بفاضل الطينة والنفخ من ارواحهم وتولي الحساب والشفاعة والتشفيع وامثال ذلك السنة صادقة وارسام مطابقة للاحكام الموافقة وكلها دعوات منهم لشيعتهم ومحبيهم من ربهم سبحانه ( سبحان خل ) الذي استرعاهم امرهم وفوض احكامهم الوجودية والشرعية اليهم فبهذه الدعوات المعنوية ذادوهم عن جميع المكاره في الدنيا والاخرة واوردوهم حوضهم الذي هو جميع خيرات الدنيا والاخرة ومعنى كون هذه المذكورات دعوات انها قوابل للفيوضات الالهية يعني انهم عليهم السلام هم واحوالهم وافعالهم وجميع ما خولهم ربهم محال فاعليته ومثال ربوبيته بمعنى ان الله سبحانه القي مثاله اي ربوبيته وفاعليته في هوياتهم وهويات احوالهم وافعالهم وجميع ما لهم فاظهر عنهم افعاله فهو الفاعل بهم ما يشاء وهو يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره وهم بفعله فاعلون وهم بامره يعملون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون فدعوا بالقابليات واجاب الفاعل بالمقبولات والحماة كالذادة ( معنى خ ) الا انه في الغالب يستعمل في دفع المكاره عن المحبوب بخلاف الذادة فانه يستعمل في دفع الاعداء عن الخير غالبا وان كان كل منهما قد يستعمل في معنى الاخر
قال عليه السلام : واهل الذكر
قال الشارح (ره) الذين قال الله فيهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون كما ورد به الاخبار المتواترة انهم هم والذكر اما القرءان او الرسول صلى الله عليه وآله وهم اهلهما
اقول قد مضت الاشارة في الجملة الى ما يراد من الاهل من التأهل والاستحفاظ والتحمل واظهار بيان حال الذكر والاستدلال عليه والدعوة اليه وتأييده وتشييد بنيانه وشد اركانه وابتناء كل واحد منهما على صاحبه والنطق عنه والترجمة له والاستخلاف له والقيام بما يكلف به ويدعو اليه والذكر هو القرءان كما قال تعالى فاسئلوا اهل الذكر والذكر هو القرءان لقوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك و( او خل ) هو القرءان اي شرف لك وفخر او ( وخل ) هو محمد رسول الله (ص) لقوله تعالى قد انزل الله اليكم ذكرا رسولا ويجوز ان يكون الذكر في الباطن وهو ذكر الله محمد صلى الله عليه وآله قال ( الله خ ) تعالى ولذكر الله اكبر او ذكر الرحمن وهو علي عليه السلام ( وخ ) قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل وهو علي عليه السلام ( وخ ) قال تعالى وانه اي علي لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون يعني عن ولايته وورد في معنى وسوف تسئلون عن العلوم التي حملكم اياها الله ورسوله (ص) لتبلغوها الى الخلق في الكافي عن الباقر عليه السلام نحن قومه ونحن المسئولون وعن الصادق (ع) ايانا عني ونحن اهل الذكر ونحن المسئولون وعنه عليه السلام الذكر القرءان ونحن قومه ونحن المسئولون وفي البصائر عن مولانا الباقر عليه السلام في هذه الاية قال الذكر رسول الله صلى الله عليه واله واهل بيته اهل الذكر وهم المسئولون وفي الكافي عن الوشا قال سألت الرضا (ع) فقلت له جعلت فداءك فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فقال نحن اهل الذكر ونحن المسئولون قلت فانتم المسئولون ونحن السائلون قال نعم قلت حقا علينا ان نسئلكم قال نعم قلت حقا عليكم ان تجيبونا قال لا ذاك الينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل اما تسمع قول الله تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وفي الكافي عن الوشا عن ابي الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول قال علي بن الحسين عليهما السلام على الائمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا امرهم الله تعالى ان يسألونا فقال فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فامرهم ان يسألونا وليس علينا الجواب ان شئنا اجبنا وان شئنا امسكنا اقول ان الله سبحانه يكلف عباده على حسب ما تقتضيه حقائق ذواتهم لذواتهم ولأفعالهم فكلف محمدا وآله الطيبين صلى الله عليه وعليهم اجمعين بمقتضي ذواتهم لذواتهم فيما يعرفون ويعتقدون ويعلمون ولافعالهم فيما يعملون ويقولون ويعلمون ويهدون وهم بامره يعملون ولما خلق الله الخلق اشهدهم خلقهم وانهى اليهم علم خلقه وفوض اليهم امر احكامهم ثم انه سبحانه ايدهم بروح منه فلا يغفلون ولا يسهون ولا يجهلون ولا يجورون في حكمهم ولا يحيفون فاذا سألهم سائل نظروا فيما تقتضيه حقيقته لذاته او لفعله فيعرفون ما يصلح له لان الله قد اشهدهم خلقه وانهى اليهم علمه وفوض اليهم امر حكمه فان اجابوا فبما له وان امسكوا فعما ليس له وهو يسأل عما اعلموه لانه محل التقصير والخطأ وهم لا يسئلون لعصمتهم فجعل الله لهم تأويل قوله تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب لانهم سلكوا سبل الرب جل وعلا بهدي الله ذللا بل لا مشية لهم الا مشية الله ويجوز ان يراد بالذكر ذكر الله وان اريد به القرءان او محمد (ص) او ذكر الرحمن وان اريد به الفرقان او علي (ع) وكونهم على هذا التجويز اهل الذكر يقتضي بسطا طويلا الا انه يعلم مما ذكرنا سابقا في خلال ما تقدم ولأجل ذكره سابقا والاختصار اقتصرنا عليه
قال عليه السلام : واولي الأمر
قال الشارح (ره) الذين قال تبارك وتعالى فيهم اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم كما ورد به الأخبار المتواترة من طرق العامة والخاصة
اقول اولي بمعنى اصحاب وليس له واحد من لفظه وواحده ذو كذا قيل ومثله في المؤنث اولات وواحدها ذات وكلها تستعمل فيما يستعمل ما بمعناها فيه من اصحاب وصاحب وصاحبات وصاحبة الا ان الاولى يستعمل ( تستعمل خل ) في مقام التكريم والمدح غالبا وصاحب على العكس غالبا قال تعالى في مقام الثناء وذا النون اذ ذهب مغاضبا وقال في مقام العتب فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت يعني لم يصبر لحكم ربه فذكره بصاحب وبالحوت لا بالنون والأمر قد يراد به الحكم بين الناس كما قال تعالى ولو ردوه الى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وقد يراد به العدل وارادة مصلحة الرعية كما قال علي ( عليه خل ) السلام اعرفوا الله بالله يعني لا بخلقه فان الشيء لا يعرف بغيره والرسول بالرسالة اي الثابتة بالمعجز المقرون بالتحدي واولي الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فان الشيء لا يعرف الا بصفته فمن كان من شأنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مقتضي حكم الله في كتابه وسنة نبيه (ص) فهو من اولي الأمر اي المريدين للعدل والاصلاح كما امر الله الذين يجب اتباعهم والاقتداء بهم وقد يراد بالأمر ما ذكر ( ذكره خل ) سبحانه في كتابه في قوله الحق قل ان الأمر كله لله فكل شيء فملكوته بيد الله وجميع اموره تصير اليه الا الى الله تصير الأمور وكلما لله من خلقه مما صدر عن مشيته فقد جعله لمحمد وآله الطيبين صلى الله عليه وعليهم اجمعين وهو الأمر المشار اليه وهو الولاية الكبرى كما ذكر في كتابه هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وذكر مقتضى هذه الولاية وهو الأمر المشار اليه قال تعالى واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه يعني فاعبده بتوحيده وادعه باسمائه وتوكل عليه بان تفوض الأمر اليه في كل حال وفي الزيارة المروية في المصباح للشيخ في شهر رجب التي اولها الحمد لله الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب الى ان قال انا سائلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض فبكم يجبر المهيض ويشفى المريض وعندكم ما تزداد الأرحام وما تغيض اني بسركم مؤمن ولقولكم ( بقولكم خل ) مسلم وفي هذه الزيارة التي نحن بصدد شرحها ومفوض في ذلك كله اليكم وهذا الأمر المشار اليه هو صفة الولاية وعلي الولي عليه السلام قال في خطبته ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك وهذا الأمر المشار اليه هو الولاية وهو المذكور في قوله تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بامره وهذا الأمر له آثار كل اثر منها امر ما بين كلي وجزئي ومنها قوله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر فهذه الأمور آثار للامر المشار اليه وان كانت تأول به كما في قوله تعالى فيها يفرق كل امر حكيم امرا من عندنا وفي الاحتجاج وقد ذكر الحجج عليهم السلام قال هم رسول الله (ص) ومن حل محله من اصفياء الله وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم وقال فيهم ولو ردوه الى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم قال السائل ما ذلك الأمر قال (ع) الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها ( فيها يفرق خل ) كل امر حكيم من خلق ورزق واجل وعمر وحيوة وموت وعلم غيب السموات والأرض والمعجزات التي لا تنبغي ( لا ينبغي خل ) الا لله واصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه ه فهذه الأمور المذكورة هي آثار الامر المشار اليه على نحو ما اشرنا اليه ويطلق عليها ايضا الأمر اذا قيل ولاة الأمر واولوا الأمر وهي المحتومات في عالم الغيب ومنها المحتوم في عالم الغيب والشهادة وقد تقدم بيان هذا ولو قيل المراد بهذا الأمر في اولي الأمر ما يقابل النهي وانما حذف النهي للسجع والأمر يدل عليه او انه استعمل فيما يعمهما على معنى ان المراد به مطلق الطلب امكن وان كان بعيدا واما على ما تقدم فهو داخل قطعا
قال عليه السلام: وبقية الله
قال الشارح (ره) الذين قال تقدس وتعالى فيهم بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين اي ابقاكم الله الى انقضاء الدنيا لهداية الخلق الى الله بل هم سبب بقاء الدنيا او لتخلقهم باخلاق الله كأنهم بقية الله ه
اقول قال شعيب لقومه بقية الله اي ما ابقى الله لكم من الحلال اذا تنزهتم عما حرم عليكم خير لكم ان كنتم مؤمنين فعلى هذا يمكن تأويله بان ما ابقى لكم من ال محمد (ص) الذين علمهم طعام حلال اذا تجنبتم اعداءهم الذين علمهم طعام حرام نهيتم عن تناوله لانه جهل محض ليس من الحق في شيء خير لكم والأخبار بهذا المعنى كثيرة روى محمد بن يعقوب باسناده الى محمد بن منصور قال سألت العبد الصالح عن قول الله عز وجل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن فقال ان القرءان له بطن وظهر فجميع ما حرم الله في القرءان هو الظاهر والباطن من ذلك ائمة الجور وجميع ما احل الله في القرءان هو الظاهر والباطن من ذلك ائمة الحق ويؤيد هذه الرواية روايات كثيرة منها ما رواه ابو جعفر الطوسي باسناده الى الفضل بن شاذان عن داود بن كثير قال قلت لابي عبد الله (ع) انتم الصلوة في كتاب الله وانتم الزكوة وانتم الحج قال ( فقال خل ) يا داود نحن الصلوة في كتاب الله عز وجل ونحن الزكوة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله ونحن الايات ونحن البينات وعدونا في كتاب الله عز وجل الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير يا داود ان الله خلقنا فاكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على ما في السموات وما في الأرض وجعل لنا اضدادا واعداء فسمانا في كتابه وكنى عن اسمائنا باحسن الأسماء واحبها اليه تكنية عن العدد وسمي اضدادنا واعداءنا في كتابه وكنى عن اسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في ابغض الأسماء اليه والى عباده المتقين انتهى اقول ان لتسميتهم بالصلوة والزكوة وغيرهما من الأسماء الطيبة وتسمية اعداءهم بالخمر والميسر والفحشاء والمنكر وغيرها من الأسماء الخبيثة ثلاثة معان احدها لمراعاة الحساب في العدد على ما هو مقرر عندهم في الجفر يتفق على اسماء الصفات غالبا لانها هي مناط التعريف والتعيين وبيان ذلك عندهم (ع) وقد اشار الى هذا بقوله تكنية عن العدد كما في الحديث السابق هذا فراجعه وثانيها ان هذه اسماء ( الاسماء خل ) وضعت على الفريقين في عالم الذر يوم التكليف الأول فنطق كل بما انطوي عليه من صفة ذاته التي هي مبدء الأفعال والأعمال الصالحات في حقهم ومبدء الأفعال والأعمال السيئة في حق اعدائهم فلما كان الوضع كما هو الحق جرى على المناسبة الذاتية بين الأسماء والمسميات لان الأسماء ظواهر المسميات وجب في الحكمة ان تكون الأسماء الحسنى لهم لحقيقة المناسبة والأسماء السوءي لأعدائهم كذلك فان الامام (ع) فيما لأجله شرعت الصلوة المعلوم احق واوفق بل لولاه لم تشرع لما شرعت له وانما شرعت لما شرعت له وصفا لحقيقة الامام (ع) وكذلك عدوه في تسميته بالخمر فافهم وثالثها انما سميت الصلوة بهذا الاسم لانها فرعه وانما سمي بها في الظاهر لانه اصلها وكذلك في الخمر والعدو وهذا اعتبار في التسمية ( للتسمية خل ) في الظاهر ولهذا يقال سمي بالصلوة مجازا واما في المعنى الثاني فالتسمية حقيقة ويدل على هذا المعنى حديث المفضل بن عمر الطويل عن الصادق (ع) وبمعناه ما رواه الفضل بن شاذان باسناده عن ابي عبد الله (ع) انه قال نحن اصل كل خير ومن فروعنا كل بر ومن البر التوحيد والصلوة والصيام وكظم الغيظ عن المسيء ورحمة الفقير وتعاهد الجار والاقرار بالفضل لأهله وعدونا اصل كل شر ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فمنهم الكذب والنميمة والبخل والقطيعة واكل الربا واكل مال اليتيم بغير حق وهي الحدود التي امر الله عز وجل وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا والسرقة وكل ما وافق ذلك من القبيح وكذب من قال انه معنا وهو متعلق بفرع غيرنا هذا من تفسير بقية الله على احد وجوه الظاهر بالتأويل وفسرت بالطاعة كما قال تعالى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وهي الصلوات الخمس او سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر روي الأول عن الصادق (ع) وروي عنه (ع) ايضا انها صلوة الليل وروي الثاني عن النبي (ص) فانهن المقدمات وهن المنجيات وهن المعقبات وهن الباقيات الصالحات او هي مودة اهل البيت وفي تفسير الماهيار محمد بن العباس (ره) قال حدثنا احمد بن محمد ابن سعيد عن محمد بن الفضيل عن ابيه عن النعمان عن عمرو الجعفي قال حدثنا محمد بن اسمعيل بن عبدالرحمن الجعفي قال دخلت انا وعمي الحصين بن عبد الرحمن علي ابي عبد الله (ع) فسلم عليه فرد عليه السلام وادناه وقال ابن من هذا معك قال ابن اخي اسمعيل قال رحم الله اسمعيل وتجاوز عن سيء عمله كيف مخلفوه قال نحن جميعا بخير ما ابقي الله لنا مودتكم قال يا حصين لا تستصغرن مودتنا فانها من الباقيات الصالحات فقال يا بن رسول الله ما استصغرها ولكن احمد الله عليها لقولهم صلوات الله عليهم من حمد فليقل الحمد لله على اول النعم قيل وما اول النعم قال ولايتنا اهل البيت ه فعلى الصلوات الخمس التي هي عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها وتأويلها ولايتهم وهم ايضا فالظهر رسول الله (ص) الذي اظهر الاسلام ويظهره الله على الدين كله والعصر هو علي ان الانسان عدوه لفي خسر وهو الذي عصر منه ومن فاطمة (ع) الأئمة الأطهار والمغرب فاطمة والصلوة الوسطى التي امر الله بالمحافظة عليها بمحبتها ونصرتها وان يقوم المسلمون لنصرتها قانتين والعشاء هو الحسن (ع) بشدة ظلمة صلحه على الجهال والفجر هو الحسين (ع) قال تعالى ان قرءان الفجر كان مشهودا اي مستشهدا او مشهودا اي تشهده ملائكة الليل اي ملائكة النصر يقدمهم الملك الموكل بهم اسمه منصور انه كان منصورا وتشهده ملائكة النهار اي الشهادة الذين يشيعونه للقاء الله ومنهم الأربعة الألاف الشعث الغبر الذين عند قبره يعفرون وجوههم في ثرى تربته ويشمون طيب تراب مصرعه السامي يبكون عليه الى يوم القيمة كل واحد منهم لازم لمركزه من تلك التربة الطيبة الذي هو باب وجوده من معبوده سبحانه وايضا بقية الله معانيه في خلقه وظاهره اي تعبدونه بهم وتسبحونه بهم وتحمدونه بهم وتهللونه بهم وتكبرونه بهم وتعرفونه بهم وتتذكرونه بهم وبهم ولهم خلق الخلق وبهم ( لهم خل ) ومنهم رزق الخلق وبهم ولهم وعليهم حفظ الخلق وعنهم ومنهم ولهم امات الخلق فبهم ومنهم ولهم احيى الخلق وايضا بقية الله آياته في الافاق وفي انفسهم فهم عليهم السلام آياته في الافاق وفي انفس الخلق روي جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة بسنده الى عبد الله بن حماد البصري عن ابي عبد الله (ع) في حديث طويل بعد ان بين (ع) انهم يرون كافة الناس اي من على الارض قال فاذا لم يكن معهم من ينفذ قوله وهو يقول سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فاي آية في الأفاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال وما نريهم من آية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث فما تشاهده العيون وما تسمعه الاذان وما تعيه القلوب من الأمور العجيبة والأشياء الغريبة فهو من آثار ما اودع الله فيهم (ع) من اسراره فاظهر سبحانه عنهم عليهم السلام ما يعلم وما لا يعلم مما لا يعلمه غيره وغيرهم قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وفي انفس الخلق قال تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم اي من آله الطيبين فانه منهم كما انهم منه وهم انفس الخلق والى هذا اشار علي (ع) في قوله انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات اي انا روح الأرواح ونفس النفوس وانا ملك لله ( الله خل ) وعبده فيكون لهذا الوجه معنيان الأول انهم (ع) تلك الايات الكبرى التي نجد اثارها في انفسنا وما تدركه قلوبنا وافئدتنا من عظمة الله وعزته وعموم قدرته وسعة علمه وبسط رزقه وجميع آثار افعاله من احوال الخلق والرزق والحيوة والممات في الغيب والشهادة وفي الاخرة والدنيا وفي هذا الوجه وجهان احدهما ان الله تعالى حكي عنهم (ع) القول والقول فعله بهم ما شاء كما شاء وثانيهما انه اخبر عن نفسه فهم الايات وفي هذا الوجه وجهان احدهما انه عن افعال ذاته البحت المقدسة فالايات المرئية معانيه وابوابه وحججه وثانيهما ان النفس المخبر عنها معانيه فالايات المرئية ابوابه وحججه او حججه ان كانت النفس هي الأبواب وهنا وجوه تضيق نفسي بنشرها ولا تضيق بكتمانها والثاني انهم الذين يعرفهم من عرف نفسه كما في قوله (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه يعني ان الشخص اذا عرف نفسه مجردة عن كل اضافة ونسبة بكل اعتبار وفرض كما بيناه في شرح حديث كميل لم يجد الا صفة الله سبحانه اي وصفه نفسه لذلك الشخص فلهذا يعرف ربه لان ربه جل وعلا لما اراد ان يعرفه ذلك الشخص وصف نفسه له وذلك الوصف هو حقيقة ذلك الشخص فليس هو شيئا غير ذلك الوصف ولا يمكن ان يعرف الله سبحانه احد الا بمعرفتهم قال علي (ع) نحن الأعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقولي يعرفهم من عرف نفسه واستشهدت بان من عرف نفسه عرف ربه اريد به انه سبحانه لما احب ان يتعرف للخلق ولا يمكن ان يعرفوه بذاته الحق المحض تعرف لهم بوصف نفسه لهم كما ذكرنا فأعلى وصف صدر عن فعله ما تعرف به لمحمد وآله (ص) وذلك الوصف هو حقيقتهم من الوجود قال تعالى وله المثل الاعلى في السموات والأرض ثم وصف نفسه بهم لمن دونهم فكان هذا الوصف حقيقة هؤلاء الذين هم من دونهم كالانبياء ثم وصف نفسه عنهم بالانبياء للمؤمنين العارفين مثلا فكان هذا الوصف حقيقة هؤلاء المؤمنين وهكذا فاذا جرد المؤمن نفسه عن كل ما سواها كما قلنا وجدهم (ع) ظاهرين له بوصف ربه له فاذا عرف نفسه ( فقد خل ) عرف ربه وهم الايات التي اراها الله ذلك المؤمن في نفسه فبها عرف ربه ولهذا قالوا صلى الله عليهم بنا عرف الله ولولانا ما عرف الله ولا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ومعرفتنا معرفة الله ونحن اركان توحيده وما اشبه ذلك والمثال في ذلك ان الصورة القائمة في المرءاة عند مقابلة الشخص اذا جردت نفسها لم تكن الا ظهور شبح الشخص في المرءاة فتدرك شبح الشخص بظهوره بها الذي هو هي وانما تعرف الشخص بمعرفة شبحه الذي هو ظهوره لها فمعنى ان الله يرينا اياهم في انفسنا على هذا الوجه انه يرينا ان انفسنا شعاعهم وظهورهم لنا بنا وذلك لمن اراد الله سبحانه ان يعرفه نفسه ليكون من المحسنين فكل الخلق منهم وكل الخلق بهم وكل الخلق لهم وكل الخلق اليهم بل الخلق هم والخلق عبارة عنهم لا يسمع فيها صوت الا صوتك فهم بقية الله بهذا المعنى الذي ذكرنا فتفهمه راشدا موفقا
قال عليه السلام : وخيرته
قد انعقد الاجماع من الفرقة المحقة انهم عليهم السلام خيرة الله من خلقه اجمعين من الانبياء والمرسلين والملائكة والجن والانس والحيوانات والنباتات والمعادن والجمادات لم يخالف في ذلك من هذه الفرقة الا افراد لا يعبأ بهم لضعف معرفتهم ودليلهم وقد دل الدليل القطعي العقلي والنقلي على بطلان معتقدهم وانه لا يجوز ان يكون احدهم الامام (ع) فقام الاجماع على هذا المدعي بقي شيء في مطلق هذا المعنى وهو انهم انما يكونون خيرة اذا كانوا في وقت كان فيه جميع الخلائق من الحيوانات والنباتات والمعادن والجمادات ان قيل انهم المختارون من الكل او من هم مختارون منه ان اريد البعض ليكونوا مختارين ممن كانوا في جملتهم والا فلا معنى للاختيار هنا لانه بمعنى الانتخاب والأنتقاء للشيء من بين امثاله وهذا المعنى مذكور في القرءان في مواضع مثل قوله تعالى واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا اي من قومه وقوله تعالى ما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومثل ظاهر قوله تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار فقدم الخلق على الاختيار اشعارا بانه يختار مما خلق وقد دل الدليل على انهم قبل الخلق بل روي انهم قبل الخلق بالف دهر فكيف يصح الاختيار في حقهم ولم يوجد شيء يختارهم منه والجواب من وجهين :
الأول انه سبحانه علم خلقه كلهم وهم في علمه في جامع واحد لا تقدم في علمه ولا تأخر لانهم في مشيته اي في الامكان الراجح كل في المكان الذي امكنه فيه كما اشار اليه سيد الساجدين عليه السلام في دعاء الصحيفة ثم سلك بهم طريق ارادته وبعثهم في سبيل محبته لا يملكون تأخيرا عما قدمهم اليه ولا يستطيعون تقدما الى ما اخرهم عنه ه فوقع الاختيار منه سبحانه عليهم في ذلك المجمع فكانت الخيرة صفوة خلقه فوجب في الحكمة ان يلبسهم حلة الوجود قبل ما سواهم لانهم علة الايجاد فاشرفوا ( فاشرقوا خل ) بكسوة الحقيقة وتأخر من سواهم لتوقف لبسه لحلة الوجود على وجودهم لان حلل ما سواهم اشباح حللهم وامثالها وفاضلها وشعاعها فظهر جميع الموجودات كل في مكانه من الجواز وهو الذي امكنه فيه في الراجح فغيرهم وان تأخرت مراتبهم عنهم (ع) لا نتظار قوابلهم ومتمماتها من المشخصات والمنوعات والمجنسات فانهم في علمه الراجح في واد واحد فصدق الاختيار في عالم الأسرار على نحو ما يظهر من الاعتبار في الاختيار من الاثار
الثاني ان المراد من الاختيار اخذ ما هو خير ويدور صدقه على اخذ كثير الخير واولى تلك الأفراد ما هو خير بحت ومن دونه ما كان الغالب عليه الخير وهكذا فاذا وجد الخير البحت كان اخذه اختيارا اذ لا ينتظر فوق ذلك رتبة والا لما كان خيرا بحتا لان المفروض ان ما فوقه بحت فبالنسبة الى الاعلى يكون الادنى مشوبا فلا يكون بحتا فلا يكون خيرة الا بالأضافة وليس في الوجود الامكاني خير بحت خالص غيرهم (ع) فاخذهم له سبحانه ولم يوجد احد سواهم ليصدق على هذا المشار اليه من الاختيار الاختيار المعروف وهو الانتقاء للشيء من بين اشباهه في جهة ما وانما كانوا بكينونة الله وتكوينه وحدهم يعبدونه ويوحدونه قبل ان يخلق شيئا من خلقه بالف دهر وهم اذ ذاك خيرته من خلقه وان لم يكن خلق سواهم ولا تظن انهم ماكانوا خيرته من خلقه الا بعد ان خلق الخلق والا يلزمك انهم ما بلغوا هذه الرتبة التي رتبهم الله فيها الا بعد ان خلق خلقه فاختارهم من بينهم لان هذه الرتبة العالية فرع اختياره لهم في القدم الذي نعبر عنه بالوجود الراجح المشار اليه في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وهذا الاختيار هو الاختيار عن علم كما قال تعالى في حقهم صلى الله عليهم ولقد اخترناهم على علم على العالمين فاستحقوا الاختيار من الله قبل العالمين وهذا تأويلها وقبل هذه ولقد نجينا بني اسرائيل واسرائيل هو عبد الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله الطاهرين وانه لما قام عبد الله يدعوه وفي العياشي عن الصادق (ع) انه سئل عن قول الله تعالى يا بني اسرائيل قال هم نحن خاصة وعن النبي (ص) انه سمع يقول انا عبدك اسمي احمد انا عبد الله اسمي اسرائيل فما امره فقد امرني وما عناه فقد عناني ه ثم قال تعالى من العذاب المهين من فرعون انه كان عاليا من المسرفين يعني نجينا ال محمد صلى الله عليه وعليهم من العذاب المهين يعني فتنة من تقدم على وصيه وشيعتهم وكل من سواهم وشيعتهم فقد ضلوا بتلك الفتنة واضلوا كثيرا يعني كل الخلق الا ال محمد صلى الله عليه وعليهم وشيعتهم وضلوا اولئك هم واتباعهم من اهل الضلالة عن سواء السبيل وقوله تعالى ولقد اخترناهم يعني في القدم كما ذكرنا ومعنى هذا الاختيار الابانة والاستخلاص والاختصاص ولهذا قال امير المؤمنين (ع) في خطبته يوم الغدير والجمعة واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس انتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه الى ان قال (ع) واختصه من تكرمته بما لم يلحقه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يختار من يلحقه التظنين اقول فيه بيان ما اشرنا لك اليه اولا بقولنا اذا ( اذ خل ) وجد الخير البحت كان اخذه اختيارا كما اشار اليه (ع) بقوله اذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يختار من يلحقه التظنين وهذا هو ما لوحنا لك به ان هذا لا يوجد الا قبل وجود الخلق فراجع ثم انه عليه السلام قال بعد ذلك في هذه الخطبة وان الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه (ص) من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته الى ان قال (ع) انشأهم في القدم قبل كل مذروء ومبروء انوارا انطقها الى ان قال (ع) واشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من امره وجعلهم تراجم مشيته والسن ارادته ه اقول تدبر هذه الكلمات الشريفة تبين لك ما اشرنا اليه وفيها اسرار عجيبة وعلوم مستوحشة متصعبة ( مستصعبة خل ) غريبة لو فسح لي واذن لي لاسمعتك منها سجع تلك الأطيار على ناضرات تلك الأشجار بشكر النعم التي لا تحصى والالاء التي لا تجزى قال الشاعر :
اين مهل الزمان حتى اؤد يشكر احسانك الذي لا يؤدى
ثم اعلم ان مرادنا بمعنى اختيار الله سبحانه اياهم جعلهم خاصته فهم ابدا عنده وله لا يفقدهم حيث يريد لانه جل وعلا اصطنعهم لنفسه ومن فاضل ذلك الاختصاص والاصطناع كرم موسى (ع) فقال واصطنعتك لنفسي وفي الحديث القدسي خلقتك لأجلي وخلقت الأشياء لأجلك وقال علي (ع) نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا اي اصطنعنا لنفسه واصطنع الخلائق لنا وهذا الاصطناع هو ما اردنا بقولنا فهم ابدا عنده والى هذا المعنى ما اشار الصادق (ع) اليه في حديث طويل رواه المفضل بن عمر عنه (ع) حين ذكر بعض ما خصهم الله تعالى قال له المفضل هل بذلك شاهد من كتاب الله تعالى قال نعم يا مفضل قوله تعالى وله ما في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون الى قوله لا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ويحك يا مفضل اتعلمون ان ما في السموات هم الملائكة ومن في الأرض هم الجن والبشر وكل ذي حركة فمن الذين قال ومن عنده قد خرجوا من جملة الملائكة والبشر وكل ذي حركة فنحن الذين كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا ارض ولا ملك ولا نبي ولا رسول الحديث فهذا معنى كونهم خيرة لان الاختصاص والاصطناع هو الغاية والفائدة في الاختيار
قال عليه السلام : وحزبه
اي جنده وانصار دينه فيه اشارة الى ان هذا الحزب والجند بتولي الله والتفويض اليه والاعتصام به والقيام بواجب حقه يهزم الأعداء ويغلبهم اذ بالله يطول وبه يصول متبريا من الحول والقوة الا بالله العلي العظيم من قوله تعالى ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون وانما جعلهم الله حزبه وجنده الأغلب لان الله سبحانه لما كان صنعه وافعاله جارية بالحكمة على مقتضي النظم الطبيعي لان ذاك من شرايط الايجاد ومن المشخصات والمتممات للقابليات وكان قد خلقهم صلى الله عليهم قبل الخلق لما قلنا فان من النظم الطبيعي بل كله ان العلة قبل المعلول وان السبب قبل المسبب سواء في القابل والمقبول وانما خلق جميع خلقه من فاضل اشعة انوارهم ومن عكوس تلك الأشعة وجميع امدادات الخلائق من فاضل اشعتهم بهم فهم في الحقيقة قائمون بهم في اظلتهم قيام صدور وقيام تحقق ولهذا كانوا هم يد الله التي في قبضتها ملكوت كل شيء كانوا لأجل ذلك هم جند الله الأغلب لان جميع الخلائق في قبضتهم ولهذا قال الحسين (ع) في الحديث المتقدم لعبد الله بن شداد والله ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لنا وكذا نداؤه للحمي وتلبيتها له وخطابه اياها وفي دعاء الصباح والمساء اصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول وذمامه هو ولايتهم كما بينه ( بيناه خل ) في هذا الدعاء والعلة في ذلك ما ذكرنا من ان بقاء وجودات جميع الخلائق متوقف على امداداتهم واشعة انوارهم كما قال سيد الوصيين (ع) فيما رواه صاحب انيس السمراء كما تقدم قال (ع) لم تكن الدعائم من اطراف الأكناف ولا من اعمدة فساطيط السجاف الا على كواهل انوارنا الحديث وقبل هذه الكلمات بكلمات قال (ع) لان الدهر فينا قسمت حدوده ولنا اخذت عهوده والينا برزت شهوده الخ والدعائم جمع دعامة بكسر الدال عماد البيت والخشب المنصوبة للتعريش والاكناف جمع كنف وهو الظل للشيء وكنف غنمه عمل لها حظيرة تأوى اليها والفساطيط جمع فسطاط بضم الفاء وهو مجتمع اهل الكورة اي المدينة والصقع والسرادق الممدود فوق البيت من سقف وغيره والسجاف جمع سجوف والسجوف جمع سجف وهو ستران مقرونان بينهما فرجة او كل باب ستر بسترين مقرونين والمعنى لم تقم دعائم بيوت الموجودات في سائر الامكانات وسقوفها ولا اعمدة استارها من اكوانها واعيانها وهياكلها واحوالها وافعالها واقوالها واعمالها وحركاتها وسكناتها وارتباطات بعضها ببعض ونسبها الا على كواهل انوارنا والكواهل جمع كاهل وهو مقدم اصل الظهر او الحارك وهو منبت شعر العرف المتصل بظهر الحيوان الذي يأخذ به من يركبه يعني لا يقوم شيء من خلق الله الا بقيومية انوارنا على نحو ما اشرنا اليه ونبهناك عليه فهؤلاء صلى الله عليهم لاجل ذلك هم حزب الله على الحقيقة وجنده الذي لا يغالب ولا يطاول فان الله سبحانه غلب بهم كل شيء واستعبد لهم كل شيء فهم سر الحي القيوم في كل شيء بمعنى ان حيوة كل شيء تحملها كواهل انوارهم والقيومية في كل شيء بمدد افاضاتهم ( اضافاتهم خل ) قال الله سبحانه وتعالى وماقدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فبعث جل وعلا جنده الغالب على جميع من برأ وذرأ عذرا او نذرا فامن بهم من آمن وكفر من كفر واسلم من اسلم ونجا من نجا وهلك من هلك ورزق بهم واحرم واسعد بهم واشقى واضل بهم وهدى ولهم الجنة ولهم النار وبهم الثواب وبهم العقاب قال علي (ع) في الحديث المشار اليه سابقا الذي في انيس السمراء قال ونحن العمل ومحبتنا الثواب وولايتنا فصل الخطاب ونحن حجبة ( حجته خل ) الحجاب الحديث وذلك تأويل قوله تعالى وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وكذا قوله تعالى وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا وهو من تفسير ظاهر الظاهر والاشارة الى هذا التأويل في الاية الاولى ان المنزل اليه من السحاب المتراكم ماء هو بالقبول مادة الهدى والايمان والتقوى ويزيد من لم يقبل بانكاره طغيانا وكفرا لانه بالأنكار كذلك كما قال تعالى باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وذلك لان المنزل عليه الايات الكبرى وفي الاية الثانية ان القرءان هو المنزل عليه (ص) والمنزل منه ماء قد جعل الله منه كل شيء حي فيه شفاء ورحمة للمؤمنين بباطنه الذي هو الجنة وهو قول علي (ع) كما تقدم ونحن العمل ومحبتنا الثواب ولا يزيد الظالمين ال محمد حقهم من الاولين والاخرين بظاهره الذي من قبله العذاب الا خسارا فبظلم من اعدائهم زادوهم خسرانا مبينا لان الماء هو قائد المؤمنين بطاعتهم الى الجنة وذائد المعاندين بمعصيتهم الى النار ولا يخالف شيء محبته فلهذا فسرنا الجند باليد التي بها ملكوت كل شيء فافهم
قال عليه السلام : وعيبة علمه
العيبة وعاء من ادم وما يجعل فيه الثياب ومن الرجل موضع سره ومنه العياب الصدور او القلوب يقال صدره عيبة العلم وقلبه عيبة السر وكونهم (ع) عيبة علم الله بمعنى ان علم الله الحادث الذي تطور في انحاء الامكان في الرجحان والتساوي بالأطوار المختلفة على وصف لا يمكن حصر اطواره حيث كان العلم نفس المعلوم في رتبته وغيره قبله او بعده وسنشير الى بعض هذه الرموز هنا وبعده كان عندهم صلى الله عليهم بجميع تلك كل حرف منه في محل وجوده ووقت حدوده فمنه هم (ع) ومنه منهم ومنه اليهم ومنه فيهم ومنه بهم ومنه عنهم فالأول قول علي (ع) ونحن جنبه ويده ولسانه وامره وحكمه وعلمه الحديث وقد دلت اخبارهم على هذه المذكورات وهي ان العلم منهم صدر واليهم يعود وفيهم يستقر وبهم تعلم من تعلم منهم فيما يحبه الله من الحق ومن الخلق المتغير بتغير المبدلين الذين غيروا خلق الله فيما يكرهه الله من الباطل وعنهم اخذ من اخذ من باطنهم او من ظاهرهم وخلافهم اما ما في الرجحان فهم محاله وعيبته لا يخرج منهم الى غيرهم والى هذا الاشارة بقوله (ع) الذي استقر في ظلك فلا يخرج منك الى غيرك فذلك الاسم الأكبر المشار اليه علمه تعالى فيهم وهم ظله الممدود الذي جعل شمس مشيته عليه دليلا ثم قبضه اليه قبضا يسيرا وضمير المخاطب هو ذلك ومعوده ذلك بما فيه من ذلك الاسم الاكبر والرجحان المطلق ويعني بذاك المعود الواجب الحق الظاهر بالوجود المطلق الطائش في دائرة ظهوره حتى كان ( كأن خل ) الموجود الطائش مفقودا في الموجود والمفقود المخفي موجودا في المفقود واما التساوي ففيه الاعتبارات الثلاثة الاتحاد والقبلية والبعدية وهذا في سائر المراتب في كل شيء بحسبه فالأول فيه يكون العلم عين المعلوم مثلا الصورة الذهنية التي في الخيال المنتزعة من المعنى الخارجي هي العلم وهي بعينها المعلوم اما انها المعلوم فلأنها شيء فهو معلوم وهذا ظاهر واما انها العلم فلأن الصورة اذا كانت معلومة اما ان تكون معلومة بنفسها او بصورة اخرى ومن الثاني يلزم الدور او التسلسل فوجب الأول فتكون هي العلم فهي العلم بها وهي المعلوم واما المعنى الخارجي فهو معلوم فعلى الظاهر المتعارف عند الناس ان العلم به هو الصورة الذهنية المنتزعة منه واما في الحقيقة فهو العلم به وهو المعلوم واما دلالة الصورة عليه فلأنها مثاله وتدل عليه لا انها العلم واذا اردت تصور ذلك فكما ظهر لك في الصورة اتحاد العلم مع المعلوم فاعلم بذلك في المعنى الخارجي لعدم الفرق بين افراد الوجود لتساويها في نسبة العلمية والمعلومية ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فالعالم يعلم الشيء به على حد تأويل قول الشاعر :
رأت بدر السماء فذكرتني ليالى وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
واما القبلية فالحقيقية مثل ما يقال ان الصورة الذهنية علم بما انتزعت منه او القبلية الدهرية والاعتبارية في صورة الاتحاد ان العلم في الاعتبار قبل المعلوم هذا في صورة غير العلة واما في صورة العلة للمعلوم فالعلم قبل المعلوم لانه اصل المعلوم وعلته كما اذا نقشت ما تصورته فان ما تصورته علة واصل لما نقشته لانك علة لهذا النقش واما البعدية فهو المسمى بالمطابق فانه بعد المعلوم وان قيل بانه قبله في الدهر وان كان بعده في الزمان ومنه العكوسات في المرايا الظاهرة والباطنة ومنه ايضا وقوع العلم على المعلوم بعد وجود المعلوم لا قبله لانه قبله لم يكن معلوما فلم يوجد علم به وقد قال تعالى وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك وهذا من المطابق اللاحق واما السابق فهو العالم ولا ربط بين العالم والمعلوم وانما الربط والاتحاد بين العلم والمعلوم لانه ليس قبل المعلوم الا العالم لا غير فلا علم قبل المعلوم غير العالم ووقوع العلم على المعلوم عند وجوده هو وجوده لا غير فالعقل علم بالعقل نفسه في الاتحاد وبالروح في القبلية وكذا بالنفس وبالجسم والروح علم بنفسها في الاتحاد وبالعقل في البعدية ( البعيدية خل ) وبالنفس والجسم في القبلية والنفس علم بنفسها في الاتحاد وبالروح وبالعقل في البعدية ( البعيدية خل ) وبالجسم ( في القبلية والجسم خ ) علم بنفسه في الاتحاد وبالنفس وبالروح وبالعقل في البعدية ( البعيدية خل ) وبالعرض في القبلية والعرض علم بنفسه في الاتحاد وبالجسم وبالنفس وبالروح وبالعقل في البعدية ( البعيدية خل ) وهكذا ما قبل المذكورات وما بعدها وما بينها بهذه النسبة وكذا الأمثال المتعددة للشخص الواحد فان المثال الواحد منها علم بنفسه في الاتحاد وبما فوقه الى جهة الشخص في البعدية ( البعيدية خل ) وبما تحته الى جهة اعراضه واعراض اعراضه وصفاته وصفات صفاته في القبلية وبيان الأمثال انك اذا رأيت زيدا يوم السبت مثلا يصلي في المسجد الفلاني ورأيته يوم الأحد يزني في المكان الفلاني فانك بعد ذلك كلما التفت بوجه خيالك الى تلك الحالة رأيت مثاله في المسجد يوم السبت يصلي ابدا لا يفارق مثاله تلك الحالة الاولى التي رأيته عليها في المسجد يوم السبت واذا التفت بوجه خيالك الى الحالة الاخرى رأيته يزني يوم الأحد في ذلك المكان ابدا وهكذا جميع الأمثال لجميع الأشياء الى يوم القيمة فاذا غفر الله ذلك الذنب يوم القيمة محا مثاله فلا تجده مشاعر الملائكة ولا البشر اذ ليس شيء ثم ينطبع في مراياها يا من اظهر الجميل وستر القبيح وان لم يغفر وجدوه لازما له الى يوم القيمة وبعده يلبس صاحبه ملابس العذاب من صور ذلك المثال اللازم له بلا نهاية وما تجزون الا ما كنتم تعملون سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم وكلما اشرنا اليه وامثاله كتب مملوءة من علم الله تجمعها العياب الكلية العلية كلماتها وحروفها وقرطاسها وبيوتها ومدنها في خزائن تلك العياب الشريفة وهو قلوب محمد وآله الطيبين وصدورهم وافئدتهم وحواسهم صلى الله عليه وآله الطيبين واردت بقرطاسها ما هي فيه من الأنوار الوجودية مثلا زيد في انوار جعل الله تعالى من اشعة مشيته وارادته وقدره وقضائه واذنه وكتابه واجله وجعله لصفاته وافعاله واقواله واعماله وامثاله وما ينتظم على ذلك من الروابط والنسب وغير ذلك واردت ببيوتها مشخصات الذوات والصفات والأفعال والأقوال والأعمال والأمثال واردت بمدنها ما يخص كل شخص من المتخيلات والمتصورات والمعاني وما على تلك المدن من الأقفال والمفاتح والخزان من الملائكة وما على البيوت منها كل تابع لما وكل به لا تأخذهم السنات ولا يقطعهم سهو الغفلات عن القيام بما وكلوا به يسبحون الليل والنهار لا يفترون والاشارة الى نوع ذلك التسبيح والقيام الصحيح هو ان زيدا مثلا يتصور المكان الفلاني والبلد الفلانية ومسائل النحو والفقه وسائر علومه وكل صنف منها في مدينة وفي كل مدينة فيها قصور وفي كل قصر دور وفي كل دار بيوت ( وفي خل ) كل بيت صنف من المسائل مثلا علم النحو في مدينة بابها مقفل ومفتاحها بيد الملك الموكل بها وباب المبتدأ والخبر في قصر من تلك المدينة بابه مقفل مفتاحه بيد الملك الموكل به وحكم رفعهما في دار بابها مقفل مفتاحه بيد الملك الموكل بها وحكم ما رفع منه في اللفظ في بيت بابه مقفل مفتاحه بيد الملك الموكل به وحكم ما رفع منه في التقدير في بيت آخر بابه مقفل مفتاحه بيد الملك الموكل به فاذا اراد زيد معرفة ما كان علم من حكم رفع المبتدأ تقديرا مثلا توجه بوجه قلبه وهو خياله الى مدينة النحو وقرع بابها القرع المختص بها عرفه صاحب المفتاح وهو الملك الموكل ببابها ففتح له الباب فيتوجه الى قصر المبتدأ والخبر فيقرع بابه كذلك فيفتح له بابه الملك الموكل به فيدخله ويتوجه الى دار رفعهما لفظا وتقديرا فيقرع بابها كذلك فيفتح له الملك الموكل به بابها فيدخله ويتوجه الى بيت رفعهما تقديرا فيقرع بابه كذلك فيفتح له الملك بابه فيدخله ويأخذ مسئلته منه ويخرج منه فيغلق بابه الملك وهكذا الى ان يخرج من المدينة فيغلق بابها الملك وليس ملك من هذه الملائكة يفتح باب ما وكل به حتى يأتيه الاذن من الله سبحانه على لسان وليه من ال محمد (ص) وهو امام ذلك الزمان زمان طلب زيد لتلك المسئلة وكذلك لا يغلق ملك بابا الا بأذن خاص في كل مرة فان كان زيد كثير المعاهدة لتلك المسئلة انست به تلك الملائكة فكلما طلب فتحوا له لا نسهم به واتاهم الاذن من الله تعالى لسؤاله منه تعالى بلسان استعداده الصادق في دعائه بدوام العمل وان لم يكن كثير المعاهدة فقد يفتح له عند طلبه مع موافقة القدر وقد تتوحش الملائكة منه فلا تفتح له لتوحشهم ( لوحشتهم خل ) منه ولعدم استعداده وعدم موافقة القدر فينسى تلك المسئلة فأرشد اهل العصمة (ع) شيعتهم بان يصلوا على محمد وآله (ص) فتفتح له الملائكة لان الصلوة على محمد وال محمد (ص) تفتح له الحجب فيما بين العبد وبين الله فيأمر الملائكة بقضاء حاجته وهذه المدن اوراق من ذلك الكتاب الذي هو علم الله الذي هم عيبته لان كل ما اشرنا اليه من اول مراتب الوجود الى ما لا نهاية له من الامكان كتب واوراق وكلمات وحروف ونقط من علم الله سبحانه الذي هم عليهم السلام عيبته واليه الاشارة بقوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وفي هذه الفقرات ابحاث ونكات لا تسعها الدفاتر وانما يسعها التلويح والاشارة اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد
قال عليه السلام : وحجته
الحجة بضم الحاء هي البرهان والدليل وانما كانوا هم (ع) الحجة لانهم الأدلاء على الله ولان الله تعالى يحتج بهم على خلقه فتقوم بهم الحجة على الخلق لانهم علماء لا يجهلون كرماء لا يبخلون قد جمع فيهم جميع صفات الكمال بحيث لا يدانيهم احد من خلقه في صفة من صفات الكمال من علم وحلم وحكم وكرم وشجاعة وزهد وعبادة وورع ويقين وعفة وغير ذلك فاذا امروا كان ما امروا حقا لا شك فيه واذا دلوا على شيء كان صوابا وهكذا لانهم معصومون عن الخطأ والجهل والغفلة والخيانة والطمع وجميع ما ينافي الركون اليهم في الأفعال والأحوال والأعمال والأقوال والحركات والسكون فلأجل ذلك احتج بهم على العباد فيما يريد منهم بحيث لا يجد احد من الخلق اعتراضا ولا يجد احد من الخلق من حيوان ونبات وجماد في نفسه او حاله او قابلية ذاته ما يميل اليه لم يكن عندهم ولا انهم الوسيلة فيه ولا ان يحصل بدونهم بل او يوجد بدونهم فوقع الاضطرار الى كونهم حجة ( الله خ ) على جميع ما خلق وبرأ لانهم (ع) العند المشار اليه في قوله تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة فافهم ما اتحفناك به وكن به ضنينا وفي الكافي عن ابي عبد الله (ع) انه قال للزنديق الذي سأله من اين اثبت الانبياء والرسل قال انا لما اثبتنا ان لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز ان يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت ان له سفراء في خلقه يعبرون عنه الى خلقه وعباده ويدلوهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الامرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز وهم الانبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين في الحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من احوالهم مؤيدون عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما اتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين لكيلاتخلو ارض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته ه
ثم اعلم ان ما احتج الله تعالى به لنفسه ولا نبيائه ورسله واوليائه مما ايدهم به من الايات البينات والمعجزات الظاهرات الباهرات التي جعلها حججا لما اراد تشييده من معالم دينه وتكاليف عباده وهي ما اظهرها لخلقه في الافاق وفي انفسهم التي اشار اليها في قوله تعالى وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وفي قوله تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وغير ذلك وما اظهرها على ايدي حججه (ع) من الايات الخارقة للعادات كلها حجج الله سبحانه على خلقه احتج بها عليهم فيما اراد منهم وهي كلها آيات محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله اجمعين وحججهم فهي حجج الله اظهرها بحججه عليهم السلام لمن شاء كيف شاء والى هذا الاشارة بقول الصادق (ع) كما في انيس السمراء عن المفضل بن عمر في قوله تعالى وكانوا باياتنا يجحدون قال (ع) وهي والله آياتنا وهي لهم مظاهر منها مظاهر ذات ومنها مظاهر صفات ذات ومنها مظاهر صفات افعال ومنها مظاهر آثار وكلها حجج الله وآياته فهم حجج الله العليا وآياته الكبرى كما اشار اليه سيد الوصيين (ع) في الملأ الاعلى قال (ع) والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله هذا في الظاهر وفي الحقيقة والباطن هم الملأ الاعلى الذين يختصمون فيهم فهلك فيهم من رفعهم عن مقامهم الذي اقامهم فيه فلم يجعل لهم ربا يؤبون اليه وهلك فيهم من وضعهم وحطهم عن مقامهم ونجى بهم من وضعهم حيث وضعهم الله وربك على كل شيء حفيظ
قال عليه السلام : وصراطه
قال الشارح محمد تقي (ره) الذي قال الله تبارك وتقدس وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وورد في الأخبار المتواترة انهم الصراط المستقيم ه
اقول الصراط لغة الطريق والجسر الممدود على جهنم يسمى به لانه طريق الجنة وفي الحديث ما معناه انه مسير الف سنة صعود والف سنة حدال والف سنة نزول وحدال كغراب من قولهم قوس محدلة اي تطامنت احدي سيتها والسية بالكسر مخففة ما عطف من طرفيها والمراد من حدال بالمهملتين الميل اي الانعطاف وقال الأميرزا محمد المشهدي بن محمدرضا بن اسمعيل بن جمال الدين القمي صاحب التفسير في حاشية منه الأظهر انه بالذال المعجمة وكاف الخطاب والمعنى حذاء وجهك وهو ما ليس بصعود ولا هبوط انتهى وجعل المشهور في النسخ وهو حدال احتمالا
اقول وهذا هو الأظهر كما هو الموجود في اكثر النسخ ويحتمل بالحاء المهملة والذال المعجمة بمعنى المائل فيفيد معنى حدال بالدال المهملة لانه يقال حذلك مع فلان اي ميلك والحاصل ان حذاك بكاف الخطاب لا يدل على انعطافه بخلاف حدال باللام فأنه يدل على الانعطاف لان هذا الجسر الممدود على جهنم هو طريق الصعود بالتكاليف وهو قوس الصعود فيكون وسطه الذي هو ثلث القوس الأوسط منعطفا وانما ذكر صفة الوسط الذي هو معترك التكاليف وفيه خمسون موقفا يمكثون في كل موقف للحساب الف سنة وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون فيكون مكث الخلائق في الحدال خمسين الف سنة في يوم كان مقداره خمسين الف سنة فاصبر صبرا جميلا وانما ذكر ونبه عليه بانه حدال لئلا يتوهم من قوله الف سنة صعود والف سنة نزول ان الوسط كان مستقيما بالمعنى المصطلح عليه عند اهل الهندسة وهو اقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين ونبه ببيان الوسط بانه معطف ( منعطف خل ) على انعطاف الطرفين لكونه في نفسه خطا واحدا والا لكان ثلاثة واما انه مستقيم في نفسه على المعنى الحقيقي من اللغة العربية الالهية فلانه لا حيف فيه ولا اعوجاج بالنسبة الى من يمر عليه كالبرق الخاطف والجواد السابق ومن دونهما والى من يحبو حبوا والى من تأخذ النار بعضه والى من يسقط فيها على اختلاف المراتب من الطرفين شدة وضعفا وانما يسير عليه الخلائق باعمالهم فهو بعمل العامل العارف كما بين الأرض والسماء وبجهل الجاهل وعدم عمله ادق من الشعر واحد من السيف يعني يضطرب كالشعر ويشق الأقدام كالسيف فهو ( وهو خل ) في نفسه لا يتغير وانما يتسع ويضيق بالاعمال مثاله في دار التكليف مسئلة دقيقة المأخذ محفوفة بالشبه فمن عرفها كما هي وتكرر فيها بالعمل كالتعريف والتبيين والتمثيل كان سيره فيها مع دقتها كالبرق الخاطف فهي له كما بين الأرض والسماء ومن لم يعرفها سقط في الظلمة التي لا يهتدي فيها الى مدخل ومخرج ومثوى فهي له ادق من الشعر واحد من السيف فافهم الاشارة فان هذا الخبر اذا وصلت الى اصله وجدته عيانا فاذا عرفت هذا فقول الشارح (ره) الذي قال الله وان هذا صراطي مستقيما يشير به الى ان الصراط المستقيم حيثما ذكر في القرءان الكريم فالمراد به هم (ع) لا خصوص هذه الاية وانما اتى بها تمثيلا واشار الى الدليل على ذلك بأخبارهم صلى الله عليهم وهذا الكلام في نفسه حق لا مرية فيه الا انه مبهم مجمل ورفع الابهام والاجمال عن هذا الكلام للخواص والعوام مما لا يسعه المقام واما للخواص خاصة فهو سهل التناول لطي ما بعد منه بالاشارة والتلويح ولولا خوف انغلاقه حتى على الخواص لكتبته في سطر واحد فاقول الصراط هو الطريق وهم (ع) صراط الله اي طريق الله الى خلقه في الخلق والرزق والحيوة والممات وهم طريق الخلق الى الله في جميع مطالبهم في ذرات الأمور الأربعة المذكورة التي هي اركان ما في الامكان فجميع الخلائق يسعون الى الله تعالى اي الى ما منه بدؤا في مطالبهم باعمالهم واقوالهم واحوالهم ووجوداتهم وقوابلهم وجميع استعداداتهم فالجعل الذي ذرأ فيه جميع الخلائق بما هم عليه لما هم له عنهم (ع) صدر وبهم ظهر وفيهم بطن واستتر فالخلائق قائمون بظلهم الذي مده الله سبحانه وجعل الدليل عليه شمس حقيقتهم فبهم خلق سبحانه وتعالى ما خلق ورزق ما قدر واحيى وامات ولو شاء لاعطى كل واحد من خلقه ما شاء كما شاء لكمال غناه عما سواه ولكنه للطفه ورحمته وعطفه على ضعفاء خلقه اجرى حكمته انه يفعل بالأسباب التي هي العلل الأربع الفاعلية والمادية والصورية والغائية لعجز الأكثر عن القبول لا يجاداتهم على ما هم عليه الا بالأسباب والمتممات للقوابل فبحكم مقتضى الحكمة جعل محمدا واهل بيته المعصومين خزائن تلك الأسباب بحقيقة ما هم اهله فوجب في الحكمة الربانية المشار اليها ان يكونوا صلى الله عليهم خزائن محبته ونواب افاضته وبواب فيضه ومدده وحفظة الائه ونعمه وحملة اثار جوده وكرمه الى ما شاء من جميع خلقه وان لا يكون له سبحانه طريق ولا باب تفيض منه عطاياه وامداداته غيرهم فهم صراطه في علمه بخلقه وقدرته عليهم وسمعه لكلامهم ورؤيته لهم على ما هم عليه وامداده وقيوميته اياهم وجميع ما بهم منه من خلق ورزق وموت وحيوة وهذا في الحقيقة معنى كونهم تراجمة لانهم يترجمون الوحي بما تفهم الخلائق المراد منهم التكليف بذلك الوحي ومعنى هذه الترجمة الوساطة بين الحق سبحانه وبين الخلق في الوحي الظاهري في تبليغ الشرعيات من التكاليف الظاهرة والباطنة من لوازم الايجادات الابتدائية وملزومات الايجادات الغائية وفي تبليغ جميع ذرات الايجادات الظاهرة والباطنة من لوازم التكليفات الغائية وملزومات التكليفات الابتدائية فبهم صلى الله عليهم يخلق الله سبحانه وتعالى المكلف وبهم الزم خلقه التشريع وبهم كلفه بما اراد من الاعتقادات والأعمال وبهم الزم اعماله واعتقاداته ايجادات اكوانها واعيانها ومقاديرها وكمياتها وكيفياتها ورتبها وامكنتها واوقاتها واجالها وما يترتب على ذلك هذا بالنسبة الى ما منه سبحانه وتعالى الى الخلق وبالنسبة الى ما من الخلق اليه تعالى فبهم (ع) وبالاتباع لهم والأخذ عنهم والولاية لهم والبراءة من اعدائهم ومن ولايتهم والاقتداء بهم والأخذ عنهم ومن الرضي بهم وعنهم يقبل الأعمال ويرفعها اليه وبترك الأخذ عنهم وعدم ولايتهم وعدم البراءة من اعدائهم يردها على صاحبها فلما اشرنا اليه ونبهنا عليه كانوا (ع) هم صراط الله الذي لا يصل شيء من الله الى شيء من خلقه الا بواسطتهم ولا يصل احد ولا عمل الى الله تعالى الا بواسطتهم فهم طريق كل ما ينزل وكل ما يصعد وكونه مستقيما انه يجري صعودا ونزولا على حد من العدل والحكمة المقتضية لصلاح الخلق واختيارهم كما هم مذكورون به في بدء شأنهم في علم الغيب لا يكون بعده الا الظلم والجبر والفساد ولهذا قيل هم الصراط المستقيم والقسطاس المستقيم ولما كان الجسر الممدود على النار الذي فيه خمسون عقبة كؤدا فيها الحساب الحق والعدل المطلق صفة لما جاؤا به وفرعا عما امروا به وبيانا لما ارادوا من الخلق سمي الصراط المستقيم وقد انزل سبحانه كتابه المجيد ناطقا بهذا التحميد قال تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم وقال الله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وغير ذلك من الايات واخبارهم في هذا المعنى لا تكاد تحصى اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
قال عليه السلام : ونوره ورحمة الله وبركاته
قال الشارح (ره) النور اما بمعنى الهادي او العلم او الهداية بمعنى المهتدى اليه بالهداية الخاصة او منور العالم بالوجود لأجلهم وهدايتهم
اقول في القاموس النور بالضم الضوء ايا كان او شعاعه ه وفي الكافي والمعاني والتوحيد والعياشي عن الصادق (ع) في تفسير البسملة قال الباء بهاء الله والسين سناء الله ه والبهاء هو الضياء والسناء هو النور كما قال تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا والمعروف عندهم ان النور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره فيشمل هذا المفهوم الضياء والسناء لان السناء مثل الضياء ظاهر في نفسه مظهر لغيره وعلماء المعرفة يشيرون بالباء الى الجبروت وبالسين الى الملكوت فالجبروت هو الضياء والملكوت هو السناء والجبروت ظاهر في نفسه مظهر لغيره مما هو دونه من الملكوت والملك وكذلك السناء ايضا فانه ظاهر في نفسه مظهر لغيره مما هو دونه كالملك وحكم بعض اجزاء الملك بالنسبة الى بعض الاخر كذلك فيصدق على كل من العوالم الثلاثة وما بينها من البرازخ اسم النور ولا شك انها من انوارهم (ع) فهم نور النور وكل ذرة من ذرات الوجود نور من انوار الله سبحانه وان كان فيها اشياء غواسق لا تظهر في نفسها وانما يظهرها غيرها الا انها وجودات ولا ريب ان لها ظهورا في نفسها واظهارا لغيرها من جهات وان احتاجت في بعض الجهات الى اظهار الغير لها وكون ما سواهم من انوارهم لان ما سواهم اما فعلهم او مفعولهم بلا واسطة او بواسطة او بوسائط والفعل والمفعول شعاع الفاعل والمراد بالمفعول ما حدث عن الفاعل ( الفعل خل ) لا ما وقع عليه الفعل كما اصطلح عليه النحاة في مثل ضربت زيدا بل كمثل ضربت ضربا ولما كانت هذه الأنوار بعضها صدر من بعض اختار سبحانه النور الذي صدرت عنه الأنوار ولم يصدر عن نور مفعول وانما صدر بفعله ومشيته اي بنفس ذلك النور فنسبه اليه واضافه الى نفسه تكريما له وتعظيما وابانة له من سائر خليقته فقال عز من قائل الله نور السموات والأرض يعني هادي من في السموات والأرض اي هاديهم بنوره وهو محمد واهل بيته صلى الله عليهم اجمعين على نحو ما سبق في بيان حجته وصراطه مثل نوره وهو محمد (ص) روي عبد الله بن جندب قال كتبت الى ابي الحسن الرضا (ع) اسئله عن تفسير قوله تعالى الله نور السموات والارض فكتب الى الجواب اما بعد فان محمدا (ص) كان نور الله في خلقه فلما قبض كنا اهل البيت ورثته فنحن امناء الله في ارضه عندنا علم المنايا والبلايا وانساب العرب ومولد الاسلام وما من فئة تضل مائة وتهدي مائة الا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها وانا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وان شيعتنا لمكتوبون باسمائهم واسامي آبائهم اخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا نحن الاخذون بحجزة نبينا (ص) ونبينا آخذ بحجزة ربه والحجزة النور وشيعتنا اخذون بحجزتنا من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا والجاحد بولايتنا كافر ومتبعنا ومتبع ( تابع خل ) اوليائنا مؤمن لا يحبنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ومن مات وهو يحبنا كان حقا على الله ان يبعثه معنا نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اهتدى بنا ومن لم يكن منا فليس من الاسلام في شيء بنا فتح الله الدين وبنا يختمه وبنا آمنكم الله من الغرق في بحركم ومن الخسف في بركم مثلنا في كتاب الله كمثل مشكوة فيها مصباح المصباح محمد رسول الله (ص) في زجاجة من عنصره الطاهر كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة ابراهيمية لا شرقية ولا غربية لا مدعية ولا منكرة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار القرءان نور على نور امام بعد امام النور علي (ع) يهدي الله لولايته من احب حق على الله ان يبعث ولينا مشرقا وجهه منيرا ( نيرا خل ) برهانه ظاهرة عند الله حجته حق على الله ان يجعل ولينا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات ولشهيد شيعتنا افضل من كل شهيد من غيرنا بتسع درجات نحن افراط الانبياء وابناء الاوصياء ونحن المخصوصون بكتاب الله واولى الناس برسول الله (ص) ونحن الذين شرع الله لنا من دينه ما وصي به نوحا ووصي به ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين قد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا فنحن ورثة اولي العزم من الرسل والانبياء ان اقيموا الدين ولا تموتن الا وانتم مسلمون وان كبر على المشركين ما تدعوهم اليه من ولاية امير المؤمنين صلوات الله عليه نفعكم الله في حياتكم وفي قبوركم وفي محياكم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان وقد بعثت اليكم بكتاب فيه هدى ونور وشفاء لما في الصدور ه وانما ذكرت هذا الحديث بتمامه وان كان الاستشهاد ببعضه كافيا لان جميع الفاظه متضمنة لمعني النور الذي اشرنا اليه فليفهم منه ما شاء كما شاء فقوله (ع) فلما قبض كنا اهل البيت ورثته يريد به كنا نور الله في خلقه ومعنى النور في هذا المقام بينه (ع) بقوله فنحن امناء الله في ارضه الى اخر الحديث فكل ما تضمن من المعاني فهي معاني النور من العلم والمعرفة واخذ الميثاق منهم ولهم واخذهم الحجزة واخذ حجزتهم وهلاك من فارقهم ونجاة من اتبعهم وكفر جاحد ولايتهم وايمان متبعهم والا يحبهم كافر ولا يبغضهم مؤمن وان من اتبعهم يبعث معهم وانهم نور لمن تبعهم فبهم عرف المتبع وعلم وتيقن وعمل وقبلت اعماله وهدى من اهتدى بهم وان ليس من الاسلام في شيء من لم يكن منهم وان بهم فتح الله الدين وبهم يختمه وبهم يؤمن من الغرق في البحر والخسف في البر وما ضرب لهم من المثل في الاية الشريفة الى آخرها وان الله يبعث وليهم مشرقا وجهه وان الله يجعل وليهم مع النبيين الى قوله رفيقا وان شهداءهم لهم فضل على الشهداء بعشر درجات وان شهيدهم افضل من كل شهيد من غيرهم بتسع درجات وانهم افراط الانبياء وابناء الاوصياء وانهم المخصوصون بكتاب الله واولى الناس برسول الله (ص) وان الله شرع لهم من دينه ما وصي به نوحا واصطفى لهم الدين وانهم ( فانهم خل ) قد علموا وبلغوا ما علموا واستودعوا وانهم ورثة اولي العزم وان اقيموا الدين ولا تموتن الا وانتم مسلمون وانه كبر على المشركين ما يدعوهم رسول الله (ص) اليه من ولاية امير المؤمنين (ع) ونفعهم لشيعتهم في تلك المواطن المذكورة ومن معاني النور ما اشرنا اليه فيما تقدم والحاصل ان هذا النور مطابق للوجود المطلق والمقيد في جميع مراتب الامكانين ومن يرد الله ان يهديه ان يعرفه ذلك النور عرفه وهو قوله تعالى يهدي الله لنوره من يشاء واما قوله ورحمة الله وبركاته فقد تقدم بيانه فراجع
قال عليه السلام : اشهد الا ( ان لا خل ) اله الا الله وحده لا شريك
له شهد كعلم وكرم شهودا حضر واذا قلت اشهد بكذا يكون المعنى اني اعلم به عن رؤية او سماع او دليل قطعي يعني لا يحتمل النقيض لان الشهادة حضور للمشهود به وادراك له بالبصر او السمع واما ما كان بالدليل القطعي كالشهادة بالتوحيد فحيث نظر في الاثار ودله النظر على الوحدة دلالة قطعية فقد ادرك ببصره الشهود العدول من الايات البينات في الافاق وفي الأنفس كل شيء منها يشهد شهادة حضور ومعاينة باللسان الصادق من حاله كما اذا كنت في ظلمة ثم اشعل شخص سراجا واحدا فانه يكون لك ظل واحد يشهد لك بلسان حاله الصادق انه لم يوجد الا سراج واحد وان كان ( لك خ ) سراجان كان لك ظلان ويحصل الحضور والمعاينة والعلم القطعي بانه لا يحصل ظلان عن سراج واحد ولا ظل واحد عن سراجين الا ان يكونا في جهة واحدة بالنسبة الى ذي الظل بحيث يدخل نور احدهما في الاخر بلا اختلاف جهة في الكل او البعض فيثبت عندك بالحس ( ما تحس خل ) والوجدان علم معاينة قطعي بما غاب عن الحواس من انه ليس في الوجود الا اله واحد وهو الله المعبود بالحق وانه لو كان معه اله لذهب كل اله بما خلق فلا يقدر الشخص المخلوق الواحد ان يقول انا وانما يقول نحن لتساوي نسبته اليهما ثم لا يقدر ان يقول نحن لانه واحد والواحد لا يكون اثرا لمتغايرين فيجب التدافع بينهما فيه لتصادم ارادتيهما عليه فلا تقعان فاذا لو كان كذلك لعلا بعضهم على بعض في الشخص المطلوب لهما وفي الطلبين وهما الارادتان وفي كمالهما لان كون الاله اعلى ممن سواه كمال تام اكمل من كونه مساويا لغيره فاثبات المساواة نقص وحاجة اذ لولا المساوي لما حصل له هذا النقص والغني المطلق والوجوب الحق منزه عن كل نقص لان النقص يدعو الى الاحتياج الى التتميم وفي ذاتيهما فان الواجب ذات والوجوب والأزل ذاته بلا مغايرة بكل احتمال من وقوع وفرض وتجويز وليس خارج ذات الوجوب الا الجواز والامكان ولا مكان لأله آخر الا الامكان لان الاله الحق جل وعلا صمد لا مدخل فيه والذي يحويه الامكان مخلوق للواجب فلو فرض في مقام الاستدلال واثبات الايمان في القلوب والأوهام تعدد الالهة وقع التصادم والتصادم والتعالي في مركز الوجوب وفي الكمال المطلق والغني الحق وفي الطلبين وفي المطلوب فلهذا وجب العلم القطعي والحضور الحقيقي والعيان البديهي بوحدة الواحد الحق فيجب القول الحق اشهد ان لا ( الا خل ) اله الا الله ثم انك تريد من هذه الكلمة التي تشهد بها لدلالتها على التوحيد توحيده في اربعة مواطن الاول توحيد الذات بمعنى تفريده عن الكثرة في ذاته بكل اعتبار حتى اعتبار المعنى الكلي وان هذا فرد من مفهومه يستحيل وجود غيره فقد تتوهم الأوهام لا نسها بالكثرات والتعددات ان المستثنى المثبت كلي او جزئي منه يستحيل وجود جزئي غيره فرفعت هذا التوهم عن الوهم بتأكيد التوحيد فقلت وحده وهو تنصيص على التفريد البحت في الذات كما قال تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد وهذا توحيد الذات ثم لما كان ذلك الكلام اذا قيس على استعماله في الممكن وان كان نصا في توحيد الذات الا انه قد يحتمل الكثرة والتعدد في الصفات والأفعال والاستحقاق كما هو شأن الممكنات والأوهام قد الفت نظائرها فقد تحتمل في صفات الواجب وافعاله واستحقاقه ذلك لعدم معرفتها بالوجوب الذاتي قلت لا شريك له في الأحوال الثلاثة اي ليس له ند في صفاته اي شريك فيها ليس كمثله شيء ولا شبيه في افعاله ومفعولاته اي ليس له شريك فيها اروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السموات ولا شريك في استحقاقه العبادة ولا يشرك بعبادة ربه احدا وقولك لا شريك له تنصيص على التفريد البحت في صفاته وافعاله وعبادته فتمحض التوحيد البحت الحقيقي في المواطن الأربعة توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال وتوحيد الاستحقاق وهو الذي يليق بان يعبد الله به ويتعبد به خلقه بل وان يخلقهم لأجله كما قال عز من قائل وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون اي ليعبدوني بتوحيدي في هذه المواطن الأربعة وانما نصوا على خالص التوحيد في هذه المواطن الأربعة من الوجود لانها اركان الأحدية وكل شيء يدخل تحتها فاذا عرفت ما اشرنا اليه من معنى الشهادة بالا اله الا الله وحده لا شريك له فلاحظ ما اشرنا اليه سابقا من انهم (ع) المعلمون لكل الخلق والسابقون الى كل خير فلما نبه (ع) على بعض صفاتهم السابقة على هذه الشهادة ظهر منها لمن عرف مراده منها الألوهية كما قد بينا في مواضع كثيرة مما تقدم مما ليس من صفات الخلق على ما تعرفه عامة الناس فانما يعرف انه من صفات الخلق خصيص الشيعة تشهد الامام (ع) بكلمة التوحيد اعترافا بالعبودية واقرارا لله بالأحدية وتنبيها للزائرين ان ما ظهر لكم من العظمة انما هو عظمة المخلوق من اثر ما ظهر عليه من عظمة الله جل وعلا فانت ايها الزائر حينئذ واقف حيث وقفت الملائكة في عالم الأنوار ورأوا نور محمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم اجمعين يشرق من عالم الأسرار والغيوب المستسرة ظنوا ان هذا نور الله المعبود الحق سبحانه فهللوا فعلمت الملائكة ان هذا النور نور المخلوقين المقربين فهللوا فلما هلل الامام المزور (ع) هلل الزائر السامع باذن سره تهليل المزور (ع) وقد اشرنا الى هذا المعنى في التكبير قبل الزيارة وانما اعدنا الاشارة تسهيلا للطلب وتأكيدا للحفظ ومنعا من الغفلة
قال عليه السلام : كما شهد الله لنفسه
انه ( الله خ ) سبحانه لم يجد غيره في ازليته كما قال تعالى قل اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض فانه لا يعلم ان معه غيره لا في ذاته ولا في صفاته ولا في افعاله ولا في استحقاقه لما سواه فهو يجد نفسه بنفسه فوجدانه وجوده وذاته وجدانه لذاته وذاته وجوده وقد يعبرون عن هذا الوجود بالوجه الباقي ولا يذهب عليك مع تكثر العبارات حصول الكثرة وانما هو شيء بحقيقة الشيئية واحدة بحقيقة الوحدة اي احدى المعنى فاذا قيل من حيث هو عالم بذاته علم وعالم ومن حيث هو يشهد نفسه بصر وبصير لا يراد منه الا التفهيم والتبيين توصلا الى اثبات الثابت في القلوب والأوهام اي اثبات وصفه ليبين عند عبده بوصفه عما سواه لا ان هناك مغايرة ولا كثرة ولا حيثا ولا اعتبارا لا عقلا ولا فرضا لا في الأزل ولا في ظهوره بوصفه لعبده اذ لا حقيقة للعبد الا ذلك الوصف الذي ظهر له به اي ظهر بعبده له فاذا عرفه بوصفه عرفه كما عرفه ( عرف خل ) نفسه لعبده فاذا قلت اشهد الا اله الا هو كما شهد الله لنفسه تريد اني اشهد له باحدية لا يعرفها غيره وهي احدية الوجوب احدية هي ذاته لاني لا ادرك الا احدية هي آية احديته وجميع الخلق من نبي مرسل وملك مقرب انما يدركون الأحدية التي هي آية احديته وان تفاوتت مراتب المدركين والمدركات من الأحديات التي هي آيات احديته التي هي ذاته وهي التي تشهد ( شهد خل ) بها لنفسه تفاوتا غير متناه في الامكان لان ما يعرفه غيره آية والاية تدل بكونها آية على ذي آية ولا يلزم من هذه الدلالة بيان كنه المدلول عليه ولا الاحاطة لانها انما تدل بفقرها وحاجة استنادها الى غني مطلق لا يستند الى غيره والا لتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه فما عرفت من الوحدة الحقيقية ( الحقيقة خل ) التي شهدت بها له دلك على الوحدة التي شهد بها لنفسه لاستناده اليها وفقره وظهورها به له فانت تشهد بما عرفت وتعني به ما لم تعرف مما شهد به لنفسه وهذا هو المراد من المعرفة الصحيحة التي اراد سبحانه من العباد وكذلك في خطابه ودعائه لان الخطاب خلق تتوصل به الى الحق على نحو ما قلنا في المعرفة فصح على ما قلنا انك تشهد الا اله الا الله كما شهد الله لنفسه ويحتمل فيه معنى آخر وهو ان الكاف لم تكن هنا للتشبيه بل هي للتعليل والمعنى اني اشهد الا اله الا الله لانه شهد الا اله الا هو وهو العالم فلو وجد معه غيره لما وحد نفسه ويكون قولك لانه شهد لنفسه ولا يحتاج الى توحيد نفسه وانما علمنا ذلك ليدلنا على ما فيه هدايتنا الى ما اعد من الخيرات في الدنيا والاخرة لموحديه ونجاتنا مما اعد من العقوبات في الدنيا والاخرة لمنكري توحيده او ان توحيده نفسه لنا مادة لجميع اكواننا في جميع مراتب الايجادات والمثوبات وتوحيدنا له قبولنا لجميع تلك الاكوان ويحتمل ان يكون كما شهد لنفسه لنا اي كما وصف نفسه لنا بأنه واحد لا شريك له وهو ما عرفنا من نفسه اي الذي اشرنا اليه سابقا من قول امير المؤمنين (ع) تجلى لها بها ومن قولنا ان تعرفه لك هو ظهوره لك بك ويدل على هذا ظاهر العطف في قوله وشهدت له ملائكته واولوا العلم من خلقه المقتضي للتشريك وتدخل انت على اعتبار في التشريك وينطبق على ما قرره بعض العلماء من محققي العارفين من ان المشبه في القرءان والسنة المنقولة باللفظ نفس المشبه به وان الكاف اتى به آلة للاتحاد ويدل عليه ان كل ما وجد في القرءان من المشبه والمشبه به ان اريد به الاتحاد لم يؤت بلفظ مثل محركا مثل قوله تعالى انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء ولم يقل كمثل ماء وذلك للاتحاد فان مثل الحيوة الدنيا هو ماء يعني لما اراد جل وعلا ان يبين للعباد مثل الدنيا انزل المطر وهو بعينه نفس مثل الدنيا واهلها فانه يقع على الأرض فينبت به النبات والأزهار التي تعجب الناظرين ثم يصفر ثم يكون حطاما ثم يقع في العام القابل فينبت ذلك النبات كذلك النشور والدنيا كذلك قال تعالى والله انبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم اخراجا فقد حييتم فيها كالنبات والزهر ثم تفنون كالنبات لم يبق من النبات الا بذره قد اختلط بتراب الأرض لم يتبين منه ثم ينبت في العام القابل كذلك انتم تفنون لم يبق منكم الا طينتكم الأصلية التي خلقتم منها كالبذر قد اختلطت بالتراب كسحالة الذهب لم تتبين ( لا يتبين خل ) من التراب فيقع المطر من بحر صاد على الأرض فتنبتون وتخرجون للحساب يوم القيمة فالماء هو نفس مثل الدنيا وان لم يرد به الاتحاد في الذات فلا بد من الاتيان بلفظ مثل كما قال تعالى مثل الذين حملوا التورية ثم لم يحملوها كمثل الحمار لما كان الحمار في هذا المقام لم يكن مثلا لهم الا اذا حمل كتبا لم يكن نفسه مثلا بل كان مثله مثلا فكان مثل حمل الحمار الكتب عين مثلهم في حمل التورية وكذلك قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا نفس مثلهم نفس مثل المستوقد ( فمثل المستوقد نارا نفس مثلهم خل ) لا نفس المستوقد ثم قال او كصيب من السماء فنفس الصيب نفس مثلهم لا مثله فافهم فيكون قوله كما شهد لنفسه على هذا المعنى عين شهادتك له والمعنى انا اشهد الا اله الا الله وهي شهادته لنفسه الا اله الا هو لي على معنى تعرفه بذلك لي وهو ظهوره لي بي كما ذكرنا مكررا
قال عليه السلام : وشهدت له ملائكته واولوا العلم من خلقه
المراد بالملائكة جميع الملائكة الكلية والجزئية من ملائكة الماء الاول وملائكة البلد الميت والملائكة الزارعين في تلك البلد والغارسين الأشجار والمجرين للأنهار والملائكة العقلانية والروحانية والنفسانية والطبعانية والمادية والمثالية والجسمانية والعرضانية وملائكة البرازخ بين تلك والبسائط والمركبات والملائكة الموكلة بالأضواء والأجزاء والذرات والالوان والحركات والامساكات والالزامات ( الالتزامات خل ) وغير ذلك من جميع ذرات الوجود الكوني والامكاني وهي الموكلة بانحاء الخلق والرزق والحيوة والممات بالفعل والقوة وشهادتها بالسنة اجنحتها فيما وكلت بطيرانها فيه وكذلك الملائكة المخلوقة بالتركيب والتكسير والتبديل والأعمال والتصحيف والضرب والتأليف والتعفين والتوليد والضم وما اشبه ذلك فان تسبيحهم وشهادتهم بالوحدانية بما هم قائمون به من هذه الأحوال المذكورة وما اشبهها فان كانت صالحة نظم الله سبحانه به الحق وان كانت طالحة انتظم بها باطل المبطل فكانت سبب جريان العدل على ذلك المبطل وما تجزون الا ما كنتم تعملون والمراد باولي العلم بالحقيقة والأصالة محمد وآله المعصومون صلى الله عليه وآله الطاهرين وبالحقيقة الفرعية اهل العصمة ( من المرسلين خ ) والانبياء (ع) وبالفرعية المؤمنون من بني آدم وبالتبعية المؤمنون من الجن وهذا كما قيل في تفسير رب العالمين وقد ورد عن ابي عبد الله (ع) كما في الخصال قال (ع) الجن على ثلاثة اجزاء فجزء مع الملائكة وجزء يطيرون في الهواء وجزء كلاب وحيات والانس على ثلاثة اجزاء فجزء تحت ظل العرش يوم لا ظل الا ظله وجزء عليه الحساب والعقاب وجزء وجوههم وجوه الادميين وقلوبهم قلوب الشياطين ه فالمؤمنون من الانس وهم الذين تحت ظل العرش الشيعة وهم اولوا العلم بالله ويحتمل ان يراد بالمذكورين هنا اهل العصمة (ع) وان دخل الشيعة فيهم ( فهم خل ) بالتبعية والمؤمنون من الجن هم الذين مع الملائكة هذا اذا اريد بالعلم ما هو المعروف فان اولي العلم هم الذين يعرفون الله بالدليل او يعرفون خصوص التوحيد او يعرفون ما يراد منهم ويفعلونه او يخشون الله فان خشيته هي العلم كما قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وفي الدعاء لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم ومراتب العلماء في العلم على هذا الوجه المعروف تتفاوت بتفاوت حسن العمل والاخلاص وصدق الشهادة بالتوحيد على حسب ذلك قال (ع) العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل عنه وان اريد بالعلم ما هو اعم من المعروف بل يرادف الوجود بل الامكان فكل شيء يشهد بتوحيده كما روي عن الصادق (ع) :
فيا عجبا كيف يعصى الالهام كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فالجزء الثاني من الانس وهم الذين عليهم الحساب والعقاب هم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا من المؤمنين والمرجون لأمر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم من المخالفين الذين لم يتبين لهم الهدى و( ما خ ) كان ( من خ ) ذواتهم واحوالهم واعمالهم واقوالهم وافعالهم مما تحله الحيوة حيوة الوجود فتوحيده حق كل مرتبته وما لم تحله الحيوة فتوحيده سبب جريان العدل عليه والجزء الثالث هم شياطين الانس اقروا بالسنتهم فالبسوا صورة استعيرت لهم من الانسان فهي توحد من دونهم وهم اموات غير احياء اعمالهم صور هي محال عدل الله سبحانه فيهم ان سخط ( الله خ ) عليهم وفي العذاب هم خالدون واما الجزء الثاني من الجن فلا يبعد لحوقهم بالثالث من جهة العلم يدل عليه ما روي في الخصال عن النبي (ص) قال خلق الله الجن خمسة اصناف صنف حيات وصنف عقارب وصنف حشرات الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب ه فقوله وصنف كالريح في الهواء يريد بهم الذين يطيرون في الهواء على الظاهر وهم ليسوا ممن عليهم الحساب والعقاب كما ذكر في هذا الحديث ففي الحديث الأول قسمهم باعتبار حقائقهم وفي الثاني باعتبار حكم التكليف الذي يشاركون فيه الانسان ظاهرا والذين مع الملائكة منهم يجوز ان يكونوا ممن عليهم الحساب والعقاب فاحسنوا العمل وحاسبوا انفسهم فلحقوا بالملائكة ويحتمل انهم لم يذكروا في الحديث الثاني والأول اظهر عندي وباقي الأصناف منهم حال توحيدهم ما اشرنا اليه فيما تحله الحيوة وما لا تحله الحيوة ثم اعلم انه قد ذكر الملائكة قبل اولي العلم في الاية وفي الزيارة وفي الأحاديث ايضا اما لان الذكر باعتبار لحاظ الترقي فيبتدأ بالأدنى وذكر توحيده نفسه سبحانه قبل لانه المعلم والداعي واما لما تعرفه العوام من ان الملائكة هم الوسائط في الوحي بين الله وبين البشر كما هو ظواهر الأدلة واما لان الاستغراق في التوحيد في البسائط والمجردات ادوم لانهم لا يشتغلون بغير ذكره تعالى كما قال علي بن الحسين (ع) في الدعاء للملائكة في الصحيفة اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك ولا يسأمون من تقديسك ولا يستحسرون عن عبادتك ولا يؤثرون التقصير على الجد في امرك ولا يغفلون عن الوله اليك الى ان قال (ع) والذين لا تدخلهم سأمة من دؤب ولا اعياء من لغوب ولا فتور ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات الدعاء بخلاف الماديات والمركبات لكثرة الموانع ولهذا كان صالح البشر افضل من الملائكة لما في البشر من الموانع وطالحهم شر من الأنعام وفي العلل عن الصادق (ع) حين سأله عبد الله بن سنان الملائكة افضل ام بنواادم فقال قال امير المؤمنين (ع) اعلموا ان الله ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة وركب في البهائم شهوة بلا عقل وركب في بني ادم كلتيهما فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ه واما لان التعليم بالوحي انما يكون بواسطتهم باعتبار ظاهر الأمر والتكليف فحسن لأجل ذلك التقديم وان كان في نفس الأمر انهم متأخرون ( يتأخرون خل ) ايجادا وشهادة وقوله (ع) من خلقه على احتمال ارادة المعنى الأول من العلم يراد منه التبعيض يعني ان غير اولي العلم من باقي المخلوقات وان حصلت منهم الشهادة بالتوحيد لكن توحيدهم عند اولي العلم كفر كما روي في الذرة انها تزعم ان لله زبانين اي قرنين لان كمال نوعها في وجودهما فتصفه بما هو كمال عندها وهذا وان قبل منها لضعف عقلها لكنه عند اولي العلم وفي نفس الأمر ليس بصحيح فلم يعتد بتوحيدها سوى اولي العلم في مقام الثناء على الله تعالى اذ لا يحسن في هذا المقام ان الذرة توحده وان كان في مقام آخر وهو عموم انقياد الخلق يكون حسنا ولهذا قال سبحانه في مثل هذا المعنى الذي اشرنا اليه سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين يعني ( ان عباد الله المخلصين خ ) يصفونه بما يليق بجلاله وعظمته ولا ينافي هذا تقدسه عن وصف العباد المخلصين ايضا كما قال تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون لانه سبحانه في شهادته لنفسه بوحدته لتعليم خلقه ليعرفوه بما وصف به نفسه وهذا لا يكون في الامكان فيكون وصف ملائكته واولي العلم من خلقه لائقا بامتثال امره وحصول مراده من انهم يعرفونه واما قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون فهو ما يكون بالنسبة الى ذاته المقدسة البحت فان الوجوب مقدس عن كل ما سواه فتعالي عن كل شيء علوا كبيرا وعلى احتمال ارادة المعنى الثاني من العلم يراد منه البيان وان اختلف وتفاوت في مراتب التشكيك وذلك لان الوجود كله عالم وكل فرد من افراده من جوهر وعرض في غيب او شهادة له علم بل هو علم بل هو عالم ولا ينفك العلم عن الوجود فاذا وجد وجد واذا فقد فقد ويترتب حال هذه الارادة للمعني الثاني على ما اشير اليه فيه سابقا وشرح ما ينبغي في هذا المقام يطول به الكلام
قال عليه السلام : لا اله الا هو العزيز الحكيم
قال الشارح قدس سره كرر للتأكيد والتوصيف
اقول ان الزائر اتى بالتهليل بعد الشهادة به اولا بعد ان رجع الى نفسه فانشأ التهليل عند معاينة الوحدة بتنبيه المزور (ع) وذلك انه (ع) بعد ان نبه الزائر فيما عاين من مقامهم عليهم السلام على ان لا اله الا الله فهلل الزائر كما تقدم رجع (ع) الى نفسه عند ظهور الوحدة الحقية عليه بالوحدة الحقيقية فاشرق سناها على فؤاد الزائر وقلبه فرجع الى نفسه فنطق بما وجد فيه من ذلك السناء لا اله الا هو وان اردت ظاهر الأمر قلت بعد ان شهد بالتهليل ظهر اثره عليه فذكر بقلبه ما شهد به فقال لا اله الا هو ولو لم يرجع الى نفسه ولم يذكر شيئا وقالها فهو من الغافلين ومعنى لا اله الا الله على ( المعنى خ ) المعروف لغة ان اوهام المتوهمين مما انست به من كثرة الفاعلين والمالكين والمتكبرين والمستعبدين تجوز كثرة الالهة الاله الحق سبحانه وآلهة ( الهته خل ) غيره فيطلقون لفظ الاله عليه وعلى سائر ما يتوهمون اطلاقا حقيقيا عندهم وان كان على سبيل التشكيك لان المشركين لا تطيعهم نفوسهم على الاطلاق بالتواطي لما اركز في فطرتها من التوحيد فنزلت الرحمة بالهداية منه جل وعلا لنجاتهم بكلمة التوحيد وهو نفي الالهة المدعي ثبوتها على ما يفهمون واثبات الوحدة الاله الحق سبحانه في اذهانهم فحسن استثناء الحق من الباطل مما يدعون من التشريك ففي الواقع لم يدخل في التشريك والاطلاق فكان معناها الله كما قال سبحانه قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وفي اوهامهم كان معناها نفي الالهة الباطلة من اوهامهم باداة لا واثبات الثابت سبحانه باداة الا ولهذا قال بعض العارفين انما اتى بلا مكنسة لغبار الأوهام وتوصلا الى اثبات الثابت ذي الجلال والاكرام وقوله العزيز يريد به القاهر لما اراد والعالم بما عز وصغر والملك المتسلط على من دونه والغالب على امره ( امر خل ) والمتفرد بالعزة والقدرة قال الصدوق (ره) في التوحيد العزيز معناه انه لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء اراده فهو قاهر للأشياء غالب غير مغلوب وقد يقال في مثل من عز بز اي من غلب سلب وقوله عز وجل حكاية عن الخصمين وعزني في الخطاب اي غلبني في محاورة الكلام ومعنى ثان انه الملك ويقال للملك عزيز كما قال اخوة يوسف ليوسف (ع) يا ايها العزيز والمراد به يا ايها الملك ه اقول ومن معانيه التكرم عن النقائص والتنزه عن الرذائل والأضداد والأنداد والشركاء والذي لا يطاول ولا يحاول والشديد وله معان من الاشتقاقات اللغوية كثيرة والأليق بمعناه اذا الحق بكلمة التوحيد المتنزه عن الشركاء والأنداد والأضداد والحكيم قال في التوحيد الحكيم معناه انه عالم والحكمة في اللغة العلم ومنه قوله عز وجل يؤتي الحكمة من يشاء ومعنى ثان انه محكم وافعاله محكمة متقنة من الفساد وقد حكمته واحكمته لغتان وحكمة اللجام سميت بذلك لانها تمنعه من الجري الشديد وهي ما احاطت بحنكه ه اقول قال في الكشاف في تفسير يؤتي الحكمة من يشاء قال يوفق للعلم والعمل به والحكيم عند الله هو العالم العامل وقال في تفسير قوله تعالى لا اله الا هو العزيز الحكيم صفتان مقررتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل يعني انه العزيز الذي لا يغالبه اله آخر الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في افعاله وقال في الوافي في حديث العقل وجنده في والحكمة وضدها الهوى قال هي يعني الحكمة الأخذ باليقينيات الحقة في القول والعمل وقال الصادق (ع) ( في حديث هشام خ ) في قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة قال الفهم والعقل وقال في الوافي في بيان قول امير المؤمنين (ع) بالعقل استخرج غور الحكمة وبالحكمة استخرج غور العقل قال غور الحكمة اي غوامض المعارف الحكمية والعلوم الالهية وقال في غور العقل اي بادراك الحقائق العقلية وتحصيل المعارف الحكمية استخرج النفس من حد القوة الى الفعل ومن حد النقص الى الكمال في باب العقل والمعقول وفي التأدب ( التأديب خل ) بالاداب الصالحة والتخلق بالاخلاق الحميدة فيصير عقلا كاملا بالفعل وهو المراد من غور العقل يعني غايته وكماله الاقصى والحاصل ان كل مرتبة من العقل تقتضي استعداد الوصول الى مرتبة من الحكمة اذا حصلت للنفس تجعلها مستعدة لفيضان مرتبة اخرى فوقها من العقل وبالعكس وهكذا يتدرجان في ( الاشتداد وخ ) الازدياد الى ان يبلغا الى الغاية القصوى والدرجة العليا فبكل منهما يقع الوصول الى غور الاخر وغايته ( عليته خل ) ه وبالجملة فالحكيم في حق الواجب هو العالم المطلق الذي لا يغايا علمه ولا يكتنه حقيقته ويجري افعاله على مقتضى الحكمة من الصلاح والعدل في جميع انحاء مشيته
قال عليه السلام : واشهد ان محمدا عبده المنتجب ورسوله المرتضى
الشهادة هنا لها مستندان احدهما الشهادة المعروفة الثابتة عن التواتر بانه (ص) رسول الله كما هو مذكور في كتب الكلام من انه ادعى النبوة وصدق دعواه بالمعجزات المقرونة بالتحدي وقد ثبت كثير منها بالتواتر ومن اعظمها واشدها تحققا وتحقيقا لدعواه صلى الله عليه وآله القرءان الباقي الى انقضاء عالم التكليف يشهد له بالنبوة والرسالة لا يقدر احد من الخلائق ان يطعن في شهادته له وتصديقه اياه وهذا القرءان المثبت لدعواه (ص) غير ثبوتها بالتواتر لانه معجز مستقل في الأثبات شاهد حاضر على جميع المكلفين ما دام التكليف وثانيهما يكون مستندا لشهادة اصحاب الشهود خاصة والاشارة اليه هي ان من عرف الله وعرف صفاته وافعاله وآثار افعاله ظهر له بالضرورة ان محمدا رسول الله (ص) وذلك يظهر لمن عرف اسرار هذا المذهب ظاهرا وباطنا من جهة سيرته واوامره ونواهيه وادابه واخلاقه وشرعه الذي عليه اهل بيته واتباعهم فانه يحصل له القطع بان هذه صدرت عن حكمة ربانية لا يمكن مثلها من الخلق لا من جهة عقولهم ولا خيالاتهم لا نوما ولا يقظة ولا بسحر ولا بكهانة ولا برياضة ولا بشيء غير الوحي الخاص لان جميع هذه الأمور لا تجري في جميع احوالها على مقتضي الحكمة الا اذا كانت عن الله تعالى لان الخلق معرض للخطاء والغفلة والسهو والنسيان والمعصية ومخالفة الحق ( الخلق خل ) ان وقعت من غير معصوم ولو ( فرض خ ) انها وقعت من معصوم عن هذه الرذائل والنقائص بغير وحي من الله تعالى خاص على تقدير الفرض لانه لا يقع من معصوم شيء بغير امر خاص او عام صريح الا نادرا لغرض صحيح في نفس الأمر بان يأمر الله المحدث ان يغيب عن المعصوم ليقع ما لا ينبغي بالنسبة اليه والى افعاله اما لتقصيره في مرتبة مثله كما كان من يونس (ع) حيث قال كذبني الوحي فلا يرون وجهي لان الملك اخفي عليه حرفا من الوحي بامر الله لما سأل ربه ان ينزل عليهم العذاب ليهلكهم فاتاه الوحي انه ينزل عليهم العذاب ولم يرد انه يهلكهم لعلمه تعالى بانهم يؤمنون ويونس (ع) يظن ان الله تعالى يريد اهلاكهم لوعده انه ينزل عليهم ( العذاب خ ) فقال كذبني الوحي بتخفيف الذال المعجمة اي اخلفني وانما قال (ع) ذلك لما غاب عنه الملك المحدث وانما كان ذلك منه لانه تردد في ولاية امير المؤمنين (ع) كما روي عن علي بن الحسين (ع) وتردده انه لما طلب منه روبيل العالم ان يسئل الله ان يتوب على قومه ويرحمهم ابي وراجعه فابي لما لحقه من عنادهم وكفرهم من الغضب عليهم ومقتضى ولاية امير المؤمنين (ع) ان يقبل شفاعة العالم روبيل ويكظم غيظه لله فلما لم يصبر قال الله اذ ذهب مغاضبا يعني لقومه وهو معنى التردد في ولاية امير المؤمنين (ع) وهو تقصير في حق مثله لانه نقص في المسابقة الى الدرجات العاليات لا انه ذنب او تقصير في حق مثلنا او يكون ذلك آية لحق يريد الله اظهاره كما وقع اختيار موسى (ع) لسبعين رجلا من قومه فوقع اختياره على اشرار قومه ليكون هذا آية للنص على ولاية امير المؤمنين (ع) وبطلان ولاية من تقدم عليه لدعواهم انه يكون باختيار المسلمين ولو صح اختيار المسلمين لصح اختيار موسى (ع) وهو من الانبياء اولي العزم ولو صح فرض العصمة وتأسيس الأحكام بدون الوحي الخاص لوقع فيها ما يخالف الحكمة لان العصمة لا تستلزم الاحاطة بجميع اسرار الوجود ( الوجوب خل ) فلا بد من حصول ما يخالف الحكمة الا اذا اقترنت بالوحي الخاص من علام الغيوب فلما رأينا ما اسس وشرع على كمال الحكمة والصواب ظاهرا وباطنا بمقام تعجز الخلق عن الوصول اليه علمنا انه كان عن الوحي الخاص فيكون رسول الله (ص) هذا الظاهر واما الباطن فلان من عرف في الجملة نمط انتظام الوجود وارتباط بعضه ببعض وان الفرجة والطفرة لا تقع فيه بين بعض افراده وذراته ما دام فعل الله فيه جاريا بالأسباب والحكم مع احتياج بعضها الى بعض في تتميمات القابليات لجريان الفعل فيها عرف بان محمدا رسول الله (ص) لان غيره ما ادعى له صحة الوساطة المطلقة بين الله وبين الخلق على جهة العموم لا من الأولين ولا من الاخرين بان لا يكون قبله مخلوق اقرب منه الى المبدأ الفياض وهذا الشخص الرباني المتفرد الوحداني قد ادعى هذه الوساطة الكلية والرتبة العلية بحيث لا يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق ولا يطمع في ادراكه طامع وانه اقرب الى المبدء الفياض من جميع الخلق وادعاه له الصادقون المعصومون من الأولين والاخرين واتى من افعاله واقواله واعماله واحواله واوامره ونواهيه وآدابه واخلاقه بما تشهد له به الخرس والجمادات بتصديق تلك الأحوال لما يدعيه ويدعي له فاذا ثبت نظم الوجود وارتباطه وكانت جميع الانبياء والرسل وغيره والملائكة لم يكن فيها ما يصلح لهذه الوساطة لنقصهم عنها لعظم الشأن الذي لا يدخل تحت الحد وجب ان يكون في الوجود الممكن ذات من الخلق قبل كل الخلق تشتمل على جميع اسرار الخليقة واسرار القدر الالهي فيها لتكون صالحة للوساطة المشار اليها ويجب في دليل الحكمة ان تكون تلك الذات تتلقي جميع الافاضات عن الحق تعالى وتوصلها الى مواقعها ( موافقها خل ) من الخلق وهو الرسالة والنبوة وتكون تلك الذات حاملة الولاية المطلقة من الحق سبحانه على جميع الخلق وهو قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ولا بد ان تكون تلك الذات من نوع الانسان لانه اشرف الخلق واقرب الى الحق وليس احد يصلح ان يكون تلك الذات ذاته غيره (ص) لاستجماعه لجميع الشرائط كما ذكرنا فقد دل الدليل القطعي الضروري كما برهنه دليل الحكمة على انه رسول الله (ص) وانه عبد الله للعقل والنقل اما العقل فما دل على حدوثه انه عبد داخر لله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا الا بالله واما النقل فكما في القرءان قال تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا سبحان الذي اسرى بعبده لما قام عبد الله يدعوه وهذا ظاهر واما تقديمه على الرسول في الذكر في كل موضع ذكرا معا فلان العبودية اخص من الرسالة واقرب لان الرسالة ايصال امر المرسل الى آخر والعبودية الاستغراق في خدمة المولى ولهذا قال الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا قال العين علمه بالله والباء بونه من الخلق والدال دنوه من الخالق بلا اشارة ولا كيف وانما قدمت بيان الرسالة على العبودية مع انه خلاف الترتيب للاهتمام ببيان الرسالة لخفائها من جهة دليل الحكمة وظهور العبودية ثم ان قوله (ع) عبده المنتجب ورسوله المرتضى بجعل المنتجب صفة للعبد والمرتضى صفة للرسول فيه نكتة وهي ان الانتجاب اخص من الارتضاء اذ قد يرتضى الشخص شيئا لأمر خاص وان لم يكن ذلك المرتضى خيرة الموجود لصلوحه لذلك الأمر الخاص والمرتضى وان كان هو منتجبا ممن لا يرتضى لهذا الأمر لكنه لا يلزم ان يكون منتجبا مطلقا بخلاف المنتجب فانه مرتضى فكل منتجب مرتضى ولا كل مرتضى منتجب فلما كان المنتجب اخص وصف به العبد الاخص من الرسول هذا المناسب مع اجتماعها وعدم ملاحظة اعتبار اخر لمقام آخر فيمكن مع اختلاف المقام والاعتبار تغييره ( تتغير خل ) المناسبة فيكونان مترادفين كما قال تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وقال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فالمجتبى والمرتضى هنا بمعنى المنتجب ( المجتبى خل ) الذي هو خيرة الوجود والموجود كما اشار اليه امير المؤمنين (ع) في خطبة يوم الغدير والجمعة واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه اذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار الخ والحاصل ان البيان لمثل هذه الأمور حتى يكون كالعيان مما يضيق به الزمان والعاقل يكتفي بالتلويح عن ( من خل ) التصريح
قال عليه السلام : ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
ارسله بالهدى وهو ما يدل على ما يوصل الى المطلوب كما قال تعالى واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وقيل هو ما يوصل الى المطلوب وله قوله تعالى انك لا تهدي من احببت وهو يتعدى بنفسه وباللام وبإلى قيل يراد بالأول الأيصال وبالأخيرين اراءة الطريق وقيل يستعمل الأول لهداية الحق تعالى قال تعالى اولئك الذين هدى الله والثاني لهداية القرءان قال تعالى ان هذا القرءان يهدي للتي هي اقوم والثالث لهداية محمد (ص) قال تعالى وانك لتهدي الى صراط مستقيم والحق انه يستعمل في حق الله تعالى وفي حق محمد (ص) والقرءان في الأحوال الثلاثة قال تعالى وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم وقال تعالى يهدي الله لنوره من يشاء وكذلك في هداية محمد (ص) وهداية القرءان كما ذكر في القرءان والسنة ويشهد به الذوق السليم وانما اختلاف التعدي بنفسه وباللام وبإلى انما هو لاختلاف المقام فان الهادي قد يوصل بالعناية والتوفيق والمعونة بالقاء النور في المهدي حتى يستنير به ويكون ذلك مقتضيا لميل طبيعته الى ما يريد الله منه فيتعدى ( فيعدى خل ) بنفسه ويكون باراءة الطريق الأقرب ورفع الموانع المقتضية للضد باللطف والتوفيق فيتعدى ( فيعدى خل ) باللام اشعارا بقرب المسافة وتسهيل السير الى المطلوب ويكون باراءة الطريق وتخلية السرب ويقف اللطف والعناية على ميله ويعدة بالى اشعارا ببعد المسافة المعبر عنه بتوقف اللطف على ميل العبد وفي هذا سر اشرنا اليه في الفوائد من ان النور كهيئة مخروط قاعدته عند المنير ونقطته الى حيث ينتهي النور والظلمة كهيئة مخروط قاعدته عند منتهى النور ونقطته مع قاعدة النور هذا في كمهما ( كمها خل ) واما في حجمهما ( حجمها خل ) فهما سواء فما بين القاعدتين له ثلاثة احوال اما من كان من قاعدة النور الى ما قبل تساويهما في الكم فتجري الحكمة فيهم بالهداية على الأول على اختلاف مراتبهم وهم من اهل قوله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور واما من كان من قاعدة الظلمة الى ما قبل تساويهما في الكم فتجري الحكمة فيهم بالهداية على الثالث على اختلاف مراتبهم واريد بما قبل التساوي في الحالين ما كان التفاوت في الحقيقة كثيرا بان يكون النور في الأول زائدا على ظلمته بما اقله الا يكون في رتبته كما لا يقع العشرات في رتبة الاحاد وتكون الظلمة في الأخير زائدة على نوره كذلك وهم من اهل قوله تعالى والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات واما من كان من غير الطرفين فثلاثة اقسام الأول الذي يلي اولياء النور تجري الحكمة فيهم بالهداية على الثاني بتبعية الاول واكثرهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم والثالث الذي يلي اولياء الظلمة تجري الحكمة فيهم بالهداية على الثاني بتبعية الثالث واكثرهم مرجون لأمر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم والثاني وهو الوسط من كان منه فتجري الحكمة فيهم يوم القيمة فيكون من آمن منهم تابعا لمن آمن ممن خلطوا عملا صالحا داخلا معهم حيث ما دخلوا ومن كفر منهم كان تابعا لمن كفر من المرجين ( المرجون خل ) لأمر الله داخلا معهم حيث ما دخلوا والهدى ايضا هو نور الحكمة وهو نور الله وهو التوسم ومنشأه العلم او العمل بنظر العقل الى ان يستقر امره على نظر الفؤاد وهو النور الذي يؤيده العقل بمدده وفي الكافي قال قال ابو عبد الله (ع) دعامة الانسان العقل والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح امره فاذا كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا ذاكرا فطنا فهما فعلم بذلك كيف ولم وحيث وعرف من نصحه ومن غشه فاذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله واخلص الوحدانية لله والاقرار بالطاعة فاذا فعل ذلك كان مستدركا لما فات وواردا على ما هو آت ويعرف ما هو فيه ولا ي شيء هو ههنا ومن اين يأتيه والى ما هو صائر وذلك كله من تأييد العقل ه اقول قوله فعلم بذلك كيف الخ اي كيف صفة ما يعمل وما يؤدي من الأعمال الى السعادة والشقاوة ولم خلق وما مقامه عند ربه وما مسلكه اليه وما يراد منه فعله او تركه ويتلافي تقصيره فيما مضى من عمره ويستعد لما يقدم عليه ويعرف حقيقة بدئه وعلة ايجاده ومن اين هبط الى الدنيا بأي صورة من عليين فيلازم في اصلاحها ام من سجين فيعالج في تغييرها فانه ممكن له ويعرف الى اين يصير امره والهدى هو ولاية علي امير المؤمنين (ع) وولايته (ع) هي المعرفة الحقة والاعتقاد الصحيح والعلم والعمل به ومحبتهم (ع) ومعاداة اعدائهم وبغض مبغضهم كما في الدعاء عنهم (ع) اوالي من والوا واجانب من جانبوا وهذا هو دين الحق الذي وعد الله سبحانه نبيه (ص) ان يظهر عليه بالقائم (ع) وذلك لان الدين الذي ارسله به لم يظهره كله بل اخفي اسراره وجواهره واكثر ظاهره للتقية من اعداء الدين ولجهل اكثر اتباعه واتباع آله الطاهرين صلى الله عليه وآله الطاهرين والتقية من الصنفين اعدائهم وجهال شيعتهم هي السد المذكور في الاية الشريفة سد ذيالقرنين وفي تفسير العياشي عن المفضل قال سألت الصادق (ع) عن قوله عز وجل اجعل بينهم ردما قال التقية فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا اذا عملت بالتقية لم يقدروا لك على حيلة وهو الحصن الحصين وصار بينك وبين اعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا وعن المفضل قال سألت الصادق (ع) عن قوله فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء قال رفع التقية عند الكشف فانتقم من اعداء الله
اقول اما الأعداء فلا يقبلون ذلك حسدا وتكبرا فيتقي منهم واما جهال الشيعة فلا يقدرون على احتمال تلك الأسرار فينكرونها بل ربما قتلوا من امن بها فيتقي منهم لئلا يكفروا فاذا قام قائمهم عجل الله فرجه حمل الخلق على قراح الحق واظهر جميع دين جده (ص) فمن انكره عجل بروحه الى النار بسيفه ذي الفقار وضعفاء الشيعة الذين لم يمنعهم عن الاقرار الا القصور اذا خرج كمل ايمانهم بنوره وتم نقصهم بضياء ظهوره فيقبلون وتبقى حثالة من معدن الضلالة مستضعفون في الأرض حتى انهم يحرمون من الزكوة وتمنعهم التجارة ربحها والارض نباتها فيأكلون العذرات روى القمي عن مولانا الصادق (ع) ان له معيشة ضنكا قال هي والله للنصاب قيل له رأيناهم في دهرهم الأطول في الكفاية حتى ماتوا قال ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة اقول قوله (ع) في الرجعة يحتمل ان المراد به قيام القائم (ع) وان لم يكن من الرجعة الا انه جعله منها لرجوعه الى الدنيا بعد غيبته ولرجوع اموات عند ظهوره ويحتمل ان المراد به اول الرجعة لان الحسين (ع) في الرجعة بعد قتل ابليس وجنوده وحكم رسول الله (ص) واهل بيته (ع) يبعثه جده (ع) في اقطار الأرض حتى يطهر الأرض فلا يبقى فيها الا المؤمن من بني آدم وحلال اللحم من الحيوانات كما رواه في الخرائج والجرائح ولقد روي ان العلم سبعة وعشرون حرفا وليس في ايدي الناس الا حرفان وخمسة وعشرون عند القائم (ع) فاذا ظهر ضم الخمسة والعشرين الى الاثنين حتى ان الرجل ليستغني عن علم غيره قال هنا علي (ع) وهو تأويل قوله تعالى يغن الله كلا من سعته فاذا كان كذلك جاء تأويل قوله تعالى ليظهره على الدين كله كما قال علي بن الحسين (ع) في دعاء شهر رمضان حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق وفي الاكمال عن ابي بصير قال قال ابو عبد الله (ع) في قوله تعالى ليظهره على الدين كله فقال والله ما نزل تاويلها بعد ولا ينزل حتى يخرج القائم (ع) فاذا خرج القائم (ع) لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالامام الا كره خروجه حتى لو كان كافر او مشرك في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله ه فقوله تعالى في آية ولو كره الكافرون يعني بالله العظيم وفي اخرى ولو كره المشركون يعني بالامام الكريم ويستعمل بالعكس لان المأل واحد وفي الكافي عن ابي الحسن الماضي (ع) قال قلت هو الذي ارسل رسوله بالهدي ودين الحق قال هو الذي امر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق قلت ليظهره على الدين كله قال يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام قال يقول الله والله متم ولاية القائم عليه السلام ولو كره الكافرون بولاية علي (ع) قلت هذا تنزيل قال نعم اما هذا الحرف فتنزيل واما غيره فتأويل الحديث وعن ابي جعفر عليه السلام في هذه الاية يكون الا يبقى احد الا اقر بمحمد (ص) وفي مجمع البيان قال المقداد بن الأسود سمعت رسول الله (ص) يقول لا يبقى على وجه الارض بيت مدر ولا وبر الا ادخله الله كلمة الاسلام اما بعز عزيز او بذل ذليل اما يعزهم فيجعلهم الله من اهله فيعزوا به واما يذلهم فيدينون له ه وقال الشارح (ره) ارسله مقرونا بالهدى ودين الحق اي الله او القائم الى قيام القيمة لا يعتريه النسخ والتبديل ليظهره ويغلبه ( على الدين اي خ ) على الاديان كله ه
قال عليه السلام : واشهد انكم الائمة الراشدون
قال الشارح (ره) الذين قال رسول الله (ص) عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي لو صح الخبر ورواه العامة ايضا متواترا سيما البخاري ومسلم عنه (ص) انه قال لا يزال الدين قائما او عزيزا ما وليهم اثنا عشر خليفة او اميرا كلهم من قريش والرشد الهدى
اقول الشهادة هنا على نحو ما ذكر في الشهادة للنبي حرفا بحرف الا القرءان باعتبار جهة المعجز واما في شهادته لهم بالامامة والخلافة فكشهادته له (ص) بالنبوة والرسالة والتصريح في النبوة والرسالة يشهد بالامامة والخلافة على ان عدم التصريح الخاص لفظا في هذين انما هو من تغيير المبطلين من ذلك ما رواه الشيخ سعد بن ابرهيم الأردبيلي من علماء العامة في اربعين حديثه باسناده الى المقداد بن الأسود الكندي قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متعلق باستار الكعبة ويقول اللهم اعضدني واشدد ازري واشرح صدري وارفع ذكري فنزل جبرئل (ع) وقال له اقرأ المنشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك فقرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ابن مسعود فالحقها في تأليفه واسقطها عثمان واما المشهود به من كونهم ائمة فلا شك فيه باجماع المسلمين انهم (ع) ممن يقتدي بهم في كل شيء لا تفاق الألسن والقلوب على انهم لا يساويهم من سواهم في العلم والعمل والكرم والشجاعة والتقوى والزهد والتجافي عن دار الغرور والاقبال على الله سبحانه والقيام باوامره والانتهاء عن نواهيه ( مناهيه خل ) والاخلاص والصدق وغير ذلك من صفات الكمال والتخلص من النقائص وذمائم الأحوال الذي هو مقتضي العصمة وانهم في رتبة من كل امر حسن محمود عند الله وعند جميع خلقه لا يدانيهم فيها خلق ولا يحوم حولها حائمة الأفكار ولا تدرك ادنى مقاماتها البصائر والأبصار فيجب في جميع الطباع بما فطرت عليه من ( الميل خ ) المستقيم الرضا بهم ائمة لا يرد هذا احد من الخلق من البشر وغيرهم الا حسدا وعنادا ويجب التسليم لهم والرد اليهم والاقتداء بهم والقبول منهم والاخذ عنهم فيما علم وفيما لا يعلم هذا مع ما امر به النبي (ص) ونطق به القرءان مما لا يحصى ولا يستقصى ما بين تصريح وتبيين ( تبين خل ) وتلويح وتعيين واشارة وعبارة ومن انهم الراشدون اي المهتدون والرشد الهدى وبعد هذه اللفظة انهم المهديون اي الذين هديهم الله وهنا الذين اهتدوا فهم مهتدون مهديون فالأول باعتبار استقامة قوابلهم كما قال تعالى في حق نبيه (ص) وانك لعلى خلق عظيم وفي جميع النبيين الله اعلم حيث يجعل رسالته وقول الصادق (ع) ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله والثاني باعتبار عظيم الفضل وجزيل النعم عليهم حتى وفقهم لكل ما يحب ويرضى بما امدهم من النور فالاهتداء من اقتضاء قوابلهم والهداية من مدد النور
قال عليه السلام : المهديون المعصومون
المهديون الذين دلهم الله على طريق محبته وعلى محبته بما وهب لهم من القوة على طاعته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله فما وهبهم فمنه بهم وطاعتهم له منهم به اما ان ما وهبهم فمنه فلانه سبحانه اخترع لهم ذلك النور بفعله لا من شيء فهو منه واما انه بهم فلان ذلك النور ليس غيرا منهم ليظهر بدونهم وانما يظهر فيهم واما ان طاعتهم له منه لانهم بقوته اطاعوه وامتثلوا اوامره واجتنبوا نواهيه فالطاعة منهم واما انها به فلأنهم انما يطيعون اذا كانوا شيئا وليسوا شيئا الا به فهو الحافظ لهم بامره والحافظ لطاعتهم بهم فبقوته اطاعوه وما وضع عنهم من ثقل العمل فهو منه بحقيقة قبولهم وحقيقة قبولهم انما هو لفضله تفضل بالعناية فكونهم بنوره فكانوا بكينونته كائنين فكونهم مهديين فكانوا مهتدين ( مهتدين فكانوا مهديين خل ) والعصمة لغة المنع وفي اصطلاح اهل العدل لطف يمنع المكلف من ترك شيء من الواجبات وفعل شيء من المحرمات يفعله الله تعالى به غير مانع لسبب القدرة على ترك الواجبات وفعل المحرمات والا لم يستحق مدحا ولا ثوابا بل لم يكن مكلفا هذا معناها ظاهرا واما باطنا فاعلم ان النفس الناطقة اذا انبعث منها قبولها لا يجادها فان استغرق قبولها ( قبولهم خل ) للايجاد في الايجاد حتى شابه الوجود كانت تلك الماهية بما استولي عليها من النور الذي قبلته لا تشتهي الا الخير والطاعات لان ميل طبيعتها وداعيها قد هجرته عند القبول وعند الاستعمال فلم تنبت له شجرة ولم تورق في شيء من اغصانه ورقة فنسيته واستبدلت به الميل التطبعي ( الطبيعي خل ) فاغناها الله بفضله عن سؤال المحتاجين فهي تفر من المعاصي ومن مذام الأفعال واهلها وذلك لسبق العناية من الوهاب الجواد بها لحقيقة ما هي اهله لانه لما نبهها على ما سواه ونظرت الى السوي بعينه التي اعارها ( اراها خل ) رأت ما ليس بشيء يلجأ اليه ولا يطلب منه ففرت منه الى الشيء الذي لا شيء سواه ولا يطلب الا اليه سبحانه وتعالى وهو تأويل قوله تعالى لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا اذا طلبت حاجتك من لا شيء فهذا هو حقيقة ما هي اهله ومقتضاه هو الميل التطبعي الذي اشرنا اليه وهو ما تطبعت عليه من ميل النور حتى كانت داخلة معه حيثما دخل وخارجة معه حيثما خرج ولا تفارقه فانقلبت شهوتها من طبعها الى شهوة النور فقد خلقها خلقا ثانيا خلقا تشريعيا فلهذا تفر مما يكره الله وان كانت تعلمه الا انها لا تعرفه ولا تستطيعه بالاستطاعة التي لها وان كانت تقدر عليه فهذا الخلق التشريعي هو العصمة وهي الفطرة وتقتضي امورا اربعة : الأول صدق الأقوال الثاني حسن الأفعال الثالث حفظ الحقوق عن التعطيل الرابع حفظ نظام المعاش والمعاد عن التقريرات على الباطل الموجب لاختلالهما بحسب الأمور العقلية والشرعية وقال جمهور العامة ان متعلقها التبليغ والأداء فلا تقتضي هذه الأمور الأربعة الا في التبليغ والأداء فيخصون ذلك بتبليغ الوحي ويجوز عليه في غير هذا بعض النقائص والمعاصي والحق ان متعلقها ( ما اقتضاه خ ) استعداده لقبول الفيض من الحق سبحانه عليه مطلقا لانه مرتبة الولاية المطلقة السابقة عليهما فهما من جملة ما اقتضاه ذلك الاستعداد نعم قد يختلف ذلك الاستعداد باختلاف حقائق المستعدين فيتبين نقص الادنى بالنسبة الى الاعلى وبالنسبة الى حالتي مستعد واحد ولما كان ذلك النقص انما هو نقص بالنسبة لم يكن نقصا مطلقا ولهذا قيل ان ما ينسب الى الانبياء المعصومين (ع) من المعاصي انما هو من باب ترك الاولى وانما سميت معاصي بالنسبة اليهم ولهذا ورد حسنات الأبرار سيئات المقربين ثم لما كانت الولاية هي في الحقيقة ولاية الله سبحانه كما قال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ومعناها التملك والتسلط والتصرف المطلق والتربية والتدبير وهذا على الحقيقة لا يكون لغير الله تعالى وهو يتعالى في عز جلاله عن احوال الخلق فوجب في الحكمة ان يجعل له وليا على مملكته قال تعالى ولم يكن له شريك في الملك اذ لا مالك غيره الا من ملكه ما لا يخرج عن ملكه ولم يكن له ولي من الذل لانه على كل شيء قدير نعم له ولي من العز والتكرم وجهات تلك المملكة لا تتناهى فوجب في الحكمة في القائم بها من جهة امور : الاول ان يكون اعلى مظاهر الحق سبحانه من الخلق لانه لو كان فوقه مظهر لما كان وليا مطلقا لان من فوقه من المظاهر ولي عليه لانه الواسطة بينه وبين الله الثاني ان يكون اوسعها واكبرها ولو كان غيره اوسع منه واكبر لم يحط بما هو اكبر منه ولهذا قال تعالى : ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن يعني ان الشئون التي يريد ان يوصلها الى عباده لا تسعها الارض ولا السماء وانما يسعها قلب الولي الذي هو اوسع من كل الموجودات الثالث ان يكون محل سر البداء والامدادات المتجددة التي بها التكوين التشريعي والايجادي والتشريع الايجادي والتكليفي وبها القيومية لكل شيء الرابع انه لما كان مدار الولاية المطلقة على الفضل والعدل وجب ان يكون هذا الولي هو باب الله فيهما فلا يجري شيء منهما على غير يد هذا الولي والا لم يكن وليا مطلقا الخامس ان يكون محل مشية الله ولسان ارادته وان ليس لا رادة ( لمشية خل ) الله محل غيره الا به ولا لسان ينطق غيره الا عنه السادس ان يشهده الله سبحانه خلق السموات والأرض وما في الوجود كله وخلق نفسه فلو لم يشهده خلق السموات والأرض وما في الوجود لماجاز ان يكون وليا على ما لا يشهده ويشهد مبدأه ومنتهاه ومجراه وموصوله ومفصوله ورزقه واجله وكتابه وجميع تقديرات وجوداته ولتخصصت ولايته ووجب ان يكون غيره وليا على ما لم يشهده السابع ان يكون عضدا للخلق في الكون والمواد والصور والغاية لان الخلق لا بد له من عضد ولا يجوز ان يكون قديما ابعد الله من قال بان الخلق قائمون بالله قيام عروض او قيام ظهور او ان الخلق مركب من الحادث والقديم او ان الخلق مشخصات الحق او انها عينه وذاته بل لا بد ان يكون من الخلق لينتهي الى مثله كما قال علي (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله والمراد به ان يخلق الله من شعاع نور وليه ونفس شعاعه مادة الخلق ومن هيئات تقلباته في خدمة ربه وشئون اوامره ونواهيه صورهم وبه اخترعهم وله خلقهم فلو لم يكن الولي معصوما في غاية العدالة والاستقامة بحد لا غاية له ولا نهاية لبطل النظام اذا وقع خلل في علته فاهل العصمة هم القوام بامر الله تعالى في قوله فاستقم كما امرت فقام بهذه رسول الله (ص) في استقامة لم يصل اليها احد من الخلق ومن دونه اهل بيته (ع) ولهذا افرده بالذكر والحقهم به في قوله ومن تاب معك وفي قوله تعالى ولا يلتفت منكم احد فقام بها الاربعة عشر المعصومون (ع) متشاركين كما شركهم الله سبحانه فالعصمة نور منه ذاتي ومنه عرضي فالذاتي عصمة محمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم خاصة كالشمس قال تعالى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وجعلنا سراجا وهاجا تأويلها فيه (ص) وهو الشمس الوهاجة وهو السراج الوهاج اي الوقاد وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا المعصرات الأئمة (ع) وماء ثجاجا اي منصبا بكثرة وهو العلم يثجونه ثجا والعرضي عصمة جميع الانبياء والمرسلين (ع) على اختلاف مراتبهم لانها شعاع عصمة الأئمة عليهم السلام فالقيام بامر الله على حسب نور القائم به من الذاتي والعرضي فاذا طرق سمعك ان الانبياء (ع) معصومون وان محمدا واهل بيته معصومون صلى الله عليه وآله فلا تتوهم اتحاد العصمتين ولا انهما من باب المشكك لان افراد المشكك تجمعها حقيقة واحدة في جنس او نوع لانهما علة ومعلول ومؤثر واثر فلا يصدق عليهما ذلك الا باعتبار دخولهما في مطلق الوجود فاشهد بما اشهدناك انهم الأئمة المعصومون على معنى ما لوحنا لك
قال الشارح (ره) المعصومون من الصغائر والكبائر والسهو والنسيان في مدة العمر لا ية التطهير والاخبار المتواترة والدلائل العقلية معناها التي ذكرها علامة المحققين في كتاب الألفين التي تزيد على الف حجة
اقول اما العصمة من الكبائر والصغائر ( من الصغائر والكبائر خل ) فظاهر ( معناها خ ) في الظاهر وفي الباطن قد اشرنا اليه فراجع واما العصمة من السهو والنسيان فمن عرف ما اشرنا اليه ظهر له ان السهو الذي هو الغفلة عن الصورة مع بقاء انتقاشها في لوح النفس والنسيان الذي هو محو الصورة عنه انما يكون ذلك في حق من كانت الصورة التي عنده منتزعة من الوجود الخارجي فهو ان شاهده في مكانه وزمانه وجد مثاله وان غفل عنه لم يجده مع بقائه في صفحة اللوح المحفوظ واما من كان الخارجي معلولا للصورة التي عنده وهي وجهه من الوجود فلا يجوز عليه السهو والنسيان اذ لو وقعا منه فقد الخارجي كالصورة في المرءاة لو اعرض المقابل فقدت نعم لو اعرض المقابل الى مرءاة اخرى تقابل المرءاة الاولى لم تفقد الصورة منها لان تلك المرءاة تحفظ عليها بواسطة مقابلتها للشخص وقد تكون المرءاة العليا اوسع من السفلى فاذا قابلها بجهة انعكاسها ( على السفلى سلمت لها الصورة وتمت فيها وان كان بغير جهة انعكاسها خ ) قد لا تتم ولا تسلم وقد لا تتم وتسلم والولي المطلق فيما ولي عليه بهذا المثال فلو نسي شيئا او سهى عنه ولم يقبل على ما يحفظ ذلك المنسي فقد من الوجود كالصورة ( المفقودة خ ) من المرءاة كما مثلنا واذا اقبل على الحافظ قد يبقي وقد يختلف وقد يعبرون عليهم السلام عن هذا الاعراض والاقبال الى الحافظ بان المحدث قد غاب عنه او لان الله انساه ليجري عليه القضاء فافهم
قال عليه السلام : المكرمون المقربون
قال الشارح (ره) المكرمون الذين كرمهم الله تعالى ذاتا وصفاتا وافعالا واكرمهم بالكرامات الصورية والمعنوية المقربون الذين قربهم الله تعالى اليه بنهاية مراتب القرب ه
قال المفسرون في قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز ( التميز خل ) بالعقل والأفهام بالنطق والاشارة والخط والهداية الى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الاسباب والمسببات العلوية والسفلية الى ما يعود اليه عملهم بالمنافع الى غير ذلك مما يقف الحصر دون احصائه وفي امالي الشيخ باسناده الى زيد بن علي (ع) عن ابي عبد الله (ع) في قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم يقول فضلنا بني آدم على سائر الخلق وحملناهم في البر والبحر يقول على الرطب واليابس ورزقناهم من الطيبات يقول من طيبات الثمار كلها وفضلناهم يقول ليس من دابة ولا طائر الا وهي تأكل و( تشرب خ ) بفيها ولا ترفع بيدها الى فيها طعاما ولا شرابا غير ابن آدم فانه يرفع الى فيه بيده طعامه وهذا من التفضيل وروي القمي عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر (ع) قال ان الله لا يكرم روح الكافر ولكن كرم ارواح المؤمنين وانما كرامة النفس والدم بالروح والرزق الطيب هو العلم وفيه عن الأصبغ ان عليا (ع) سئل عن قول الله تبارك وتعالى وسع كرسيه السموات والارض قال السموات والارض وما بينهما من مخلوق في جوف الكرسي وله اربعة املاك يحملونه باذن الله فاما ملك منهم ففي صورة الادميين وهي اكرم الصور ( على الله خ ) الحديث وكان علي امير المؤمنين (ع) بعد الأكل اذا فرغ قال الحمد لله الذي كفانا واكرمنا وحملنا في البر والبحر الخ وفي دعاء النظر في المرءاة الى ان قال واكرمني بالاسلام وعن جابر عن ابي جعفر (ع) وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا قال خلق كل شيء منكبا غير الانسان خلق منتصبا وفي حديث العلل عنه (ع) الى ان قال ان الله تبارك وتعالى خلق آدم واودعنا صلبه وامر الملائكة بالسجود تعظيما لنا واكراما وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولادم اكراما وطاعة لكوننا في صلبه الحديث وفي الكافي ما خلق الله عز وجل خلقا اكرم على الله عز وجل من مؤمن لان الملائكة خدام المؤمنين وان جوار الله للمؤمنين وان الجنة للمؤمنين وان الحورالعين للمؤمنين الحديث والاشارة الى بيان ما اليه من التكريمات التي كرم الله تعالى بها الانسان وهي على الحقيقة لمحمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم بمحل من الامكان في مكانة ومكان لا يحوم حول حماها انسان وكل ما سواهم فبالتبعية والمعلولية كل شخص بنسبته واذكرها على ترتيب عدها الذي ذكرناه فتكريمه سبحانه ذات الانسان بان خلقها من ظل كينونته اي نور مشيته والبسها صورة ربوبيته وهيكل توحيده واتخذها ذاتا له نسبها اليه كما قال علي (ع) في حديث كميل للاعرابي قال وما النفس اللاهوتية الملكوتية فقال (ع) قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدئت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ومن جهلها ضل سعيه وغوي ه فقال (ع) فهي ذات الله العليا اي ذات لله اصطفاها وكرمها ونسبها اليه وجعلها صفته الدالة عليه وآيته المبينة انه الحق وكتابه المبين وصراطه المستقيم فهى اقرب الذوات اليه واكرمها عليه واحبها اليه واما تكريمه صفاتا فانه قد ادب الانسان بادابه الكريمة وكمله بتكميلاته الجليلة والبسه حلل صفاته الجميلة من العقل والحياء والعلم والفقه والتقوى والرأفة والرحمة والجود والكرم والحلم والحكمة والبيان والتبيين والقدرة وغير ذلك من ملابس صفات الربوبية واما تكرمة افعاله فانه ارسل اليه رسله ليعرفوه كرم الأفعال وحسن الأعمال حتى انه دله على حصر جميع افعاله في صرفها في خدمته وطاعته وكفى بهذا تكرمة له واما اكرامه اياه بالكرامة الصورية والمعنوية فالمراد به ما نفصله فالصورية حسن صورة الجسم كما نذكره والمعنوية حسن صورة الروح والنفس ومنها ما ذكرناه في تكرمة الصفات ونذكره بعد هذا واما تكرمته بحسن الصورة كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم فهي انتصاب قامته وصفاء لونه وبضاضة جلده واعتدال اعضائه وكثرة الانتفاع بها وصلوحها لأكثر الأعمال حتى اذا قيس كل واحد منها الى نظيره في سائر الحيوانات رأيت فيه صفات الربوبية والتدبير والقيام على ذلك النظير ورأيت في ذلك النظير هيآت العبودية والاحتياج الى ذلك العضو الانساني الذي هو وجهه من ربه وبه قيامه وقيوميته و( ايضا خ ) منه انتصاب وجهه فيقابل باجمعه ولا كذلك شيء من الحيوانات فانه انما يقابل ببعضه او ببعض بعد بعض وما اشبه ذلك ولهم (ع) صورة حسنة لا يكون في الامكان ما يدانيها ولو ظهروا للناس ببعضها لما راهم احد من الخلق الا مات على الفور وان من ( احسن خل ) الملائكة رضوان وانما البسوه من شعاع صورهم ومثله ملك الموت عند قبض روح المؤمن ولكنهم ستروها بالصور البشرية واما تكرمته بالمزاج الأعدل فلأن اعتدال المزاج هو الصورة التامة تستوجب الحيوة الذاتية والبقاء الدائم ولهذا كان في مزاج الانسان في الدنيا اخلاط واعراض من كثافات الطعام والشراب والهواء والمكان والزمان الغير ( غير خل ) الصافية قد مازج تركيب قواه جعل الله ذلك ليترتب عليه عدم بقائه في هذه الدار لانها دار تكليف واللطيف بعباده لا يحب بقاءهم في المشقة وليكون منه فراق الروح البدن ليموت ويدفن في الأرض فتأكل ما فيه فاذا تخلص من جميع الغرائب التي فيه بعثه صافيا خالصا وركبه تركيبا صالحا للبقاء ابدا وانما صلح للبقاء ابدا لاعتدال طبائعه بميزان مستقيم به تتساوي تلك الطبائع على اكمل اعتدال يلزم منه ان يكون واحدا بسيطا لا يعرض له التضاد ولا الكثرة ولولا هذا الخلط والاعراض الغريبة لما عرض له الموت والبقاء في دار المشقة ينافي الرأفة واللطف فجعل الخلط سببا لا نتقاله الى دار البقاء من دار الفناء فاقتضي المزاج الأعدل النطق والانسانية التي هي صراط الله والعلم والحلم والعقل والحياء وجميع الصفات الكاملة التي هي ظل التوحيد ومقتضي التجريد فكان هذا الاعتدال في مزاجهم (ع) لشدة كمال الحل والعقد الالهيين بحرارة العناية الأولية ورطوبة الماء الاولى الراجح الوجود قد بلغ بلطافة المادة وجمال الصورة الى حد كانت قلوب شيعتهم من شعاعه وفاضله فنور قلوب الشيعة من شعاع اجسامهم (ع) كشعاع الشمس من الشمس وهو واحد من سبعين وما سمعت من هذه الأوصاف العظيمة لا تحصى قلوب شيعتهم ولا تقع على حقيقتها ولا على حقيقة تكرمة الله سبحانه لها واما تكرمة الله باعتدال القامة فلانها اذا لم تكن معتدلة مستقيمة كانت مائلة او منكبة وتكون بغير هيئة ما شان سيره في السلسلة الطولية غير ( الغير خل ) المتناهية كالجمادات فان سيرها في السلسلة العرضية كالمعادن وكالنباتات وسائر الحيوانات فانها وان كان لها سيرا في السلسلة الطولية لا نتقال المعادن من الجمادات الى رتبة المعادن ثم لا تتجاوز ( لا يتجاوز خل ) رتبتها وانتقال النباتات من الجمادات الى المعادن ومن المعادن الى رتبة النباتات ثم لا تتجاوز ( لا يتجاوز خل ) رتبتها وانتقال الحيوانات من الجمادات الى المعادن ومنها ( ومن المعادن خل ) الى النباتات ومنها ( من النباتات خل ) الى الحيوانات ثم لا تتجاوز ( لا يتجاوز خل ) رتبتها واما الانسان فانه ينتقل من الجمادات الى المعادن ومنها الى النباتات ومنها الى الحيوانات ومنها الى الملكية ومنها الى الانسان ومنه الى الحضرة الالهية ولا يزال يسير من مقام الى مقام اعلى منه حتى يصل الى مقام الرضوان والمحبة ويبقي يسير فيه صاعدا لا الى غاية ولا نهاية واستقامة قامة الانسان صورة سيره الى الله وقبول الله له واقباله على الله حين دعاه وانكباب صورة ما عدا الانسان او انعطافها صورة سيره الى الله تعالى لان نظره الى ما في ( فيه خل ) الأرض وما ورد من نظير ذلك في بعض الملائكة لا ينافي ما قلناه لان من كان منهم بغير صورة الانسان انزل رتبة واقل كمالا وان كان لا يغفل عن خدمة الله تعالى طرفة عين الا انه يخدم الله في الجهة السفلى من مركزه وما ورد ان في بعض الحيوانات انه يدخل الجنة كحمار النبي (ص) اليعفور وناقته العضباء ( الغضباء خل ) وحمار عزير ( عزيز خل ) وحمارة بلعام بن باعورا وكلب اهل الكهف وما اشبه ذلك بل ورد ان كل صنف من اصناف الحيوانات يدخل منها شيء في الجنة الا ثلاثة المسوخ والسباع والنواصب فالوجه في ذلك ان لذلك الداخل سيرا في السلسلة الطولية حتى تجاوز رتبة نوعه ان من يدخلها من هذه الأصناف فله نفس برزخية مركبة من الحيوان والانسان ولهذا يدرك بعض المعقولات الكلية ولهذا يصدر منه ايمان واقرار بالحق كما يصدر من سائر المؤمنين ولكنه لا يكون انسانا وان دخل الجنة لان الانسان اذا دخل الجنة كان ملكا مالكا كما قال تعالى واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا والحيوان اذا دخل الجنة هو حيوان ولا يكون ملكا والى هذا اشرت بقولي في السلسلة الطولية غير ( الغير خل ) المتناهية وسلسلة هذا الحيوان متناهية لانه لم يخلع الصورة الحيوانية ويلبس الانسانية وان كان باقيا فيها لما فيه من النفس المركبة البرزخية التي تعقل صالح النية في العبودية واما تكرمته بالتمييز بالعقل فلانه سبب محبة الله لعبده اذ به يفرق بين الحق والباطل والخير والشر وطريق النجاة والهلاك وهو حجة الله الباطنة على عبده كما قال تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وهو النور والحيوة كما قال تعالى افمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس والكلام في بيان بعض هذا الحرف يطول واما تكرمته بالافهام بالنطق والاشارة والخط فلأنه لما اجزل نعمه عليه خلقه جامعا فاقتضت هذه البنية ان يكون مملكا ومالكا وان تكون شئونه كثيرة لا تكاد تحصى فاسبغ عليه نعمه المترادفة فعلمه النطق ليؤدي به في مطالبه الى ماربه ووسع عليه في ذلك بالاشارة والخط ليتوسع في التأدية في شئونه عطفا عليه ورأفة به ورحمة له ولم يفعل ذلك بشيء من غيره وجعل لأصفيائه من هذه التكرمة ما افهموا به الجماد وانطقوا به الصم الصلاد وانقاد الى اجابة كتابتهم واشارتهم جميع من في البلاد فهم الذين فهموا عن الله ما اراد وفهموا بفاضل فهمهم كل من فهم واستفاد فلا يفهم شيء من جميع الخلق شيئا الا فهمه الله بفاضل ما فهموا وانطقهم الله وانطق ما سواهم من نطقهم فكل لسان حالي او مقالي ينطق بالثناء عليهم يسبح الله باسمائه جميع خلقه وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وهم صلى الله عليهم الناطقون على كل لسان بكل لغة وهي سبعون الف لغة وفي رواية اخرى سبعون الف الف لغة لا تشبه لغة اختها وهو قول سيد الوصيين امير المؤمنين (ع) بعد كلام طويل الى ان قال انا كما قال لي رسول الله (ص) انت يا علي ذو قرنيها وكلا طرفيها ولكن لك الاخرة والأولى يا سلمان ان ميتنا اذا مات لم يمت ومقتولنا اذا قتل لم يقتل وغايبنا اذا غاب لم يغب ولا يقاس بنا احد من الناس انا تكلمت على لسان عيسى في المهد انا نوح انا ابراهيم انا صاحب الناقة انا صاحب الرجعة انا الزلزلة انا اللوح المحفوظ الى انتهى علم ما فيه انا اتقلب في الصور كيف ما شاء الله من راهم فقد راني ومن راني فقد راهم ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغير يا سلمان بنا شرف كل مبعوث لا تدعونا ( فلا تدعونا خل ) اربابا وقولوا فينا ما شئتم ففينا هلك من هلك ونجا من نجا الحديث وجعل سبحانه لهم في الاشارة والكتابة على نحو ما سمعت في الفهم والنطق لما خصهم به من التكرمة واما تكرمته بالهداية الى اسباب المعاش والمعاد فقد دل الانسان على تربية الغرس والزرع وتنمية المال بالتجارة واستخراج المعادن من البر والبحر وكيفية عملها لما يريدون منها من الأواني في استعمالاتهم وآلاتهم ومن انواع الحلي لزينتهم واستخراج ما ينسجونه لسترهم ورياشهم وكيفية عمل مطاعمهم ومشاربهم وتمييز صالحها من طالحها ونافعها من ضارها وبناء مساكنهم والقيام على مواشيهم بما فيه صلاحها وحفظها وتعليمهم والهامهم معرفة صنائعهم واحكامها وامثال ذلك مما هو معلوم وكل ذلك بهدايته ولهذا ترى بعض الحيوانات يهتدون الى اشياء في مصالح معاشهم لا يقدر الانسان عليه لانه ليس من امر معاشه كما في النمل والنحل من اعمالها مما تعده لقوتها وتتخذه لسكناها وغيرهما لان الله سبحانه لم يهده لذلك لعدم احتياجه اليه واذا نظرت الى ما يعمله الانسان من النتائج والتدابير التي يعرف منها العارف انها ليس في قوة نفس ( نفس قوة خل ) البشر الاهتداء اليها الا بهداية الله عرفت ان ذلك بهداية الذي هدى المولود من الانسان والحيوان حين وضعه الى التقام الثدي الذي فيه رزقه وامتصاصه على وضع لا يكاد الكبير العاقل يتمكن من فعله الا بعد المعالجة والتردد وقد جعل سبحانه لمحمد وآله (ص) من هذه التكرمة ما دلهم عليه من خدمته والاستغراق في طاعته بحيث لا يلتفتون الى ما سواه دلهم عليه حين امرهم وقال لهم ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون فلما غابوا فيما امرهم عن احوالهم وامر معاشهم دارت لهم الأفلاك بما يصلحهم وجرى لهم الماء وانبتت لهم الأرض ونبت لهم النبات وتسببت لهم الأسباب من كل باب وجرت لهم الأشياء على طبق ارادتهم حتى كان جميع ما في عالم الوجود الممكن انما اهتدى الى امر معاشه بفاضل ما جرت به لهم الاسباب من كل شيء فببركة استغراقهم في خدمة خالقهم اهتدى من سواهم الى امور معاشهم كلها والعلة فيما اشرنا اليه ان هداية الخلق لأمور معاشهم لا يكون الا من الله سبحانه وهم في ذلك بهذه الهداية مقبلون على شئونهم وفي ذلك قطع العلاقة من الفيض فلما دل سبحانه عباده المخلصين على وصل العلاقة بالمدد وهو اقبالهم على خدمته فلما استغرقوا في حضرة قدسه وذكره وصل فاضل وصلهم بالفيض قطع اقبال العباد على شؤنهم لوصل المدد بغفلتهم ولهذا ادب نبيه (ص) بقوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين ثم بين له وجه الدليل فقال وأمر اهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى فافهم الحكمة من دليل الحكمة والهداية الى اسباب المعاد ما امر به من وحيه المنزل على نبيه المرسل (ص) الذي فيه نجاتهم من عقابه وفوزهم بثوابه وما دلهم عليه من الأخلاق الحميدة والأعمال المرضية السديدة التي هي طريق محبته التي هي طريق كفايته والقرب اليه وتلك الاداب هي النوافل المشار اليها في الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فهذا التقرب طريق المحبة قال تعالى فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به الخ وهذه المحبة هي طريق الكفاية في امر المعاش كما مر وفي امر المعاد كما قال تعالى رضى الله عنهم ورضوا عنه والمراد بهذه النوافل ما دل على رجحان فعله من صلوة وغيرها مثل تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد ولبس النعال واليسرى عند دخول الخلاء وخلع النعال والتختم باليمين لغير تقية والتعمم قائما والتسرول قاعدا وتجنب التمشط بمشط مكسور وكنس البيت في الليل وترك الدعاء بعد الصلوة للوالدين وحرق قشر البصل وترك بيت العنكبوت في البيت وازالة المرأة له بل يزيله الرجل وامثال ذلك وهي كثيرة ومنها في رواية جابر الانصاري عن امير المؤمنين (ع) في حديث انه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعت غنما ولاىلبست سراويلي قائما ولا قعدت على عتبة ولا بلت على حافة نهر ولا بين بابين ولا قائما ولا قلمت اظفاري بفمي ولا انتثرت في يوم الأربعاء ولا اكلت قبرا ولا سمكا زماريا ولا قطعت رحما ولا رددت سائلا ولا قلت كذبا ولا شهدت زورا ولا نمت على وجهي ولا على يدي اليسرى ولا تختمت بخاتمين ولا جلست على زبالة ولا بيتها في منزلي ولا رايت برا مطروحا فتجاوزته ولا لبست نعل يساري قبل يميني ولا نمت في خراب ولا اطلعت في فرج ولا مسحت وجهي بذيلي وما من شيء من هذه يفعله احد منكم الا اورثه غما لا اصل له فتجنبوه الحديث وقوله ( قول خل ) انتثرت اي ادهنت والحاصل ان ترك هذه الأمور المكروهة وفعل الأمور المستحبة من كل شيء في الأعمال والأحوال والأقوال والاعتقادات والحركات والسكنات والماكل والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك كلها من النوافل وانما مثل بهذه الأشياء لئلا يتوهم ان المراد من النوافل العبادات المعروفة عند العوام بل المراد بها النوافل من العبادات المعروفة عند الخواص وهذه وامثالها هي مشخصات للوجودات الشرعية او متممات للمشخصات ولقد نقل ان رجلا من قوم لوط (ع) كان يلبس ما يشابه لباس لوط (ع) فلما نزل بهم العذاب نجا ذلك الرجل منه في الدنيا مع انه يعمل عملهم فسلم بمجرد تشبهه بلوط (ع) في اللباس وذلك كان مؤثرا في دفع العذاب عنه ولما كان مثل هذه الامور متمما للقابليات ومكملا لها بها تكون موصلة الى اعلى الدرجات جعلها في خزاينه عليهم السلام ( عليه السلام خل ) لنفاستها فنشروها للعباد وقد ارشد الله عباده الى ما فيه كمالهم وبلوغ محبته المستلزمة لكفايته لينالوا اعلى مراتب القرب فسبق السابقون وذلك على حسب اجابتهم للدعاة الى سبيل الرشاد صلى الله على محمد وآله فكانوا في ذلك هم السابقين والسائقين والقائدين وفي هذه الزيارة الشريفة كما يأتي ان شاء الله من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم واما تكرمته بالتسلط على ما في الأرض فلأنه سبحانه ركب فيه العقل والفهم والفطنة والاطلاع على دقائق اسرار الموجودات فقهر بما فيه من الموهبة والتكرمة بالفهم جميع ما في الأرض حتى انقاد له الحيوانات والنباتات والمعادن والجمادات من البر والبحر لانه يدبر في كل شيء بالفهم والتمييز وجعل الله سبحانه لمحمد وآله (ع) جميع الأشياء منقادة لهم بالطبع وتابعة لا رادتهم كتبعية الأظلة والأشعة للمنير لانه كرمهم باصطناعهم له واختصاصهم به فاستغنوا في التسلط على جميع الأشياء بالاقبال عليه سبحانه حتى ملكهم ملكوت كل شيء واما تكرمته بالتمكن من الصناعات فلانه من تمام قدرته على ما يحتاج اليه بحيث لا يحتاج في شئونه الى شيء الا وهو متمكن من صنعه لما الهم من التمييز لتدبير امر معاشه واما محمد وآله صلى الله عليه وعليهم فانهم لما اعتدلت امزجة نفوسهم غاية الاعتدال في الاستعداد وفارقت الأضداد بالاستغراق في الاقبال الى رب العباد شاركوا بها السبع الشداد فكان مقتضي نفوسهم وطبيعتها انشاء اسباب الأشياء على مقتضى الحكمة في اسرار الخليقة بل اسرار الخليقة في الحقيقة انما كانت اسرارا محكمة مطابقة لمقتضي الحكمة بحيث يكون ما عمل على هيئتها وملاحظة نظمها على اكمل وجه في الصنعة لانها هيئات نفوسهم وامثال صورهم سبحان من جعلهم خزائن غيبه ومصادر فيضه وسيبه واما تكرمته بانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية الخ فانه جل وعز دل عباده على علم الصنع في الاشياء على حسب قابليتهم فبه يزرعون ويصنعون ويأكلون ويلبسون ويبيعون ويشترون ويعملون الاعمال من سائر الصناعات ويطلعون على ما غاب عنهم وما سيكون من علم الجفر والنجوم والرمل وزجر الطير والأوضاع الكونية من العلوم ومن اعجبها العلوم الخمسة المكتومة الكيمياء والليمياء والريمياء والهيمياء والسيمياء التي اخفاها الحكماء اشد الاخفاء حتى انهم استعملوا في ذكرها الاشارات والرموز باللوازم البعيدة فعلم الكيمياء زراعة الذهب والفضة والجواهر النفيسة من الألماس والياقوت واللعل والزمرد والفيروزج واللؤلؤ وغير ذلك على وجه اعلى من المعدن واصح وعلم الليمياء علم الطلسمات ومنه ما يعمل بطبائع العقاقير وعلم الريمياء علم الشعبذات وعلم الهيمياء علم التسخيرات وعلم السيمياء علم التخيلات وهو من التسخيرات ومن الطلسمات والعقاقير فيعملون بها الأمور العجيبة الخارقة للعادة منها الجائز ومنها المحرم وكلها مما اوقفهم عليها لمصالح العباد المتقين واستنطاق طبائع العاصين وكلها من سوق الأسباب الى مسبباتها وكلها مباحها وحرامها وواجبها وراجحها ومرجوحها من التكرمة فالجائز لمنافعهم والحرام ليتجنبوه كما قال تعالى وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر وكلها آثار ( من خ ) تكرمته لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم لانها صور اسمائهم واسماء افعالهم وافعال ذواتهم وليس فيها عليهم محرم لان المحرم انما حرم لمخالفته ( لهم خ ) في الصور او الأسماء او الأفعال مثلا منها ما يحرم لانه يعمل لهلاك العدو وقد يكون هذا العدو المعادي للعامل من المؤمنين المتقين بخلاف عدو ال محمد (ص) فانه اذا تحقق عداوته كان مهدور الدم فليس عليهم بحرام وغيرهم قد يكون من صور اسمائهم او من اسماء افعالهم فهم خزائن حلاله وحرامه واما تكرمته بان حمله في البر والبحر فانه جعل لهم ما يسلكون عليه طريق البحر لقضاء ماربهم وهي السفن وطريق البر كذلك وهي الابل والخيل والبغال والحمير ولولا السفن لغرقوا ولولا الركوبات لما استطاعوا ان يقطعوا ارضا ولا بحرا وقد جعل ال محمد صلى الله عليهم في الحقيقة سفينة النجاة لكل شيء وانما نجا راكب السفينة من الغرق لانها مثالهم (ع) واتباعهم هو ركوب السفينة وانما كانت منجية لانها مثال طريقتهم من ولايتهم وانما كانت الابل تحمل الأثقال الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس لانها مثال النفس كما في تأويل الاية فكانت الخلائق من جميع بني آدم انما كرموا لانهم مثالهم و( كرموا بمثال ما خ ) كرموا به صلى الله عليهم اجمعين ومن تكرمته بان الأنسان يرفع ( الى فيه خ ) بيده طعامه لئلا يطأطي رأسه للطعام اجلالا له لما البسه الله من صورته صورة الانسان وصورته التي نسبها اليه هي صورتهم (ع) التي خلقها الله على صورة محبته في قوله تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فصورتهم صورة هذه المحبة فنسبها اليه لانها صورة محبته وعلى صورتهم التي هي صورته خلق آدم (ع) كما قال (ع) ان الله خلق آدم على صورته فان جعل الضمير يعود الى الله او الى آدم فالمعنى واحد كما ذكرنا وهي الصورة الانسانية وانما لم يخضع لأجل هذه الصورة لان كنهها الربوبية بخلاف سائر الحيوانات لتغير صورها باختلاف مشخصاتها كما وكيفا وجهة ومكانا ورتبة ووقتا وغير ذلك واما تكرمته لا رواح المؤمنين ( الانسان خل ) بالعلم الذي هو الرزق الطيب فلان ذلك مقتضى طاعتهم لله واتقائهم معاصي الله فان من اتقي الله علمه ما لم يعلم كما قال تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى ولما بلغ اشده واستوى اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقال علي عليه السلام ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الأرض فيصعد اليكم ولكن العلم مجبول في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم وفي رواية تأدبوا باداب الروحانيين يظهر لكم ولما كان الكافر ميتا ليس له نور من العمل لم يكرم بالعلم وجعل لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم من هذه التكرمة ما جعلهم به خزائن غيبه وعيبة علمه بحقيقة ما هم اهله واما ما ذكر في حملة الكرسي بان منهم ملكا في صورة الادميين وانها اكرم الصور على الله فقد اشير اليه في التكرمة بحسن الصورة واما التكرمة بالاسلام فلان المكلفين لا قوام لهم الا بالتكليف لانه هو طريق العبد الى المدد الذي به قوامه والتكليف مختلف بحسب الأزمنة وان كان في الحقيقة واحدا عند الله وهو الاسلام وانما اختلف باختلاف احوال الموضوعات كما يجب المسح على الرجلين في الوضوء مع الأمن ويجب الغسل مع التقية وكل صورة من التكاليف اذا عمل بها المكلف كما امر توصل الى رضا الله سبحانه الا ان التكليف يرد من الحكيم على حسب قابلية المكلف ووقت التكليف ومكانه فاذا كانت اقتضاءات المحال والقبول اعلى كان وصف التكليف اشرف وكان العمل به افضل ثم لما كانت هذه الامة المرحومة افضل الأمم في القوابل والمحال والاوقات كان المطابق للحكمة ان يكون دينهم الاسلام الذي هو افضل الأديان قال تعالى ان الدين عند الله الاسلام وانما سمي هذا بالاسلام مع ان كل دين لله هو الاسلام لشرفه عنده اشتق له اسما من التسليم والانقياد لأهل الحق (ع) ومن السلامة بان لا يؤذوا رسول الله (ص) في اهل بيته ولا في دينه بكثرة المعاصي فاشار الى الأول بقوله ادخلوا في السلم كافة والى الثاني بقوله فسلام لك من اصحاب اليمين فكرم الله عباده المؤمنين بافضل الأديان عنده فان قلت اذا كان انما شرع كل دين على حسب قابلية المكلفين كان الاسلام لهذه الأمة باستحقاق منهم لكونهم اهلا لذلك وغيرهم لما نقصوا لم يستحقوا فاذا كان بالاستحقاق لم يكن تكريما قلت ان اعطاءه سبحانه المستحقين ما اعطاهم فضل ومنة وليس لخلق عليه دلالة الا بما دلهم عليه من كرمه لان الخير كله له سبحانه والمكلفون كلهم له فان اعطي فمن كرمه وان منع فملكه على ان نفس الاستحقاق الذي هو من مقتضى قوابلهم من فضله اعطاهم ذلك الاستحقاق حين حصل لهم فقد اعطاهم ما حصل لهم حين حصل لهم من انفسهم كما اعطاهم شيئيتهم حين كانوا بتلك الشيئية شيئا فافهم فانه من خفي الأقدار وكان من تكرمة الله سبحانه لمحمد وآله (ص) ان جعل الاسلام الذي هو دينه فرعا لهم وغصنا من شجرة ولايتهم وثمرة لشجرة دعوتهم واما تكرمته الانسان بسجود ملائكته المقربين له فلا شك فيه وانه من افضل تكرمة كرم بها سيد مالك جبار عظيم عبيده الضعفاء بان اسجد لهم المقربين لديه المستغرقين في خدمته والسجود اعظم مراتب الخضوع والذلة ولهذا ورد اقرب ما يكون العبد الى الله اذا كان ساجدا وكان حقيقة هذه التكرمة والباعث عليها اظهار آثار ما كرم الله محمدا وآله (ص) وفي عيون الأخبار عن الرضا (ع) في حديث فيه ان الله تبارك وتعالى خلق ادم واودعنا صلبه وامر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا واكراما وكان سجودهم لله عبودية ولادم اكراما وطاعة لكوننا في صلبه الحديث فقوله (ع) اكراما وطاعة لكوننا في صلبه اشارة الى ما قلنا من ان ذلك اظهار ما كرم الله محمدا وآله صلى الله عليه وعليهم وهو وصلهم به ومزجهم بما نسبه اليه حتى جعل طاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ورضاهم رضاه وسخطهم سخطه كما روي في التوحيد والكافي عن الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم قال ان الله تعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لانه جعلهم الدعاة اليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك الحديث وتعبد الخلق بعبودية ذلك الوصل مترجما عنه بالصلوة على محمد وآله (ص) كما اشار اليه في بيان تلك التكرمة بهذه الترجمة بما رواه في الاحتجاج عن الكاظم (ع) عن ابائه عن الحسين بن علي عليهم السلام في جواب سؤال اليهودي ان آدم اسجد الله له ملائكته الخ قال الى ان قال ومحمد (ص) قد اعطي ما هو افضل من هذا ان الله عز وجل صلى عليه في جبروته والملائكة باجمعها وتعبد المؤمنين بالصلوة عليه فهذه زيادة له يا يهودي الحديث ومعلوم ان الصلوة من الله الرحمة وهي مشتقة من الصلة اي العطية والوصل اي الأتصال ومن الوصلة اي السبب الممدود المتصل هذا ما اشرنا اليه مع الاقتصار على ذكر معنى المكرمين اي الممدودين بالتكرمات هذا ظاهر والمعنى الباطن ان المراد بالمكرمين المطهرون المنزهون عن ما تقع عليه عبارات الناس كما قال علي (ع) في خطبته ظاهري امامة وباطني غيب لا يدرك وفي خطبته ايضا انا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة وقال عبدالحميد بن ابيالحديد في قصيدته الرائية في مدحه عليه السلام :
صفاتك اسماء وذاتك جوهر برئ المعاني من صفات الجواهر
يجل عن الأعراض والأين والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر
ويكون الثناء على الله تعالى باسمائه وهم اسماؤه وكل شيء يسبح الله باسمائه وذلك ممكن في حق كل مسبح على قدر ما يعرف ويحيط به من الأسماء ولا يسبح بالحقيقة الا هم (ع) واما المقربون فهم المخصوصون بالقرب والزلفى لديه واعلى مراتب القرب المقام الأول من مقاماتهم الأربعة المذكورة سابقا في بيان قوله وموضع الرسالة وهو ظهوره لهم بهم وهو الذي اشار اليه الصادق عليه السلام بقوله لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن ونحن نحن وهو هو وفي رواية الا انه هو هو ونحن نحن وهذا الحديث نقله بعض العلماء في بعض كتبه ومما نقله شيخنا الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن الشيخ احمد بن عصفور الدرازي البحراني في رسالته في جواب الشيخ عبد الله بن يحيى في سؤاله عن الروح وهذا المقام هو المسمى بالتوحيد وهو الذي اشار اليه الحجة (ع) في دعاء شهر رجب في قوله ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء ومثال هذا القرب ولله المثل الاعلى الاستضاءة المدركة بالبصر من السراج فانها في الظاهر هي النار والنار هي والنار النار وهي العنصر الحار اليابس وهو غيب لا يدركه البصر بل بينه وبين الاستضاءة ثلاث مراتب والاستضاءة الاستضاءة وهي انفعال الدخان المستحيل من الدهن بالاستضاءة عن فعل النار فالاستضاءة كالصبغ والدخان كالثوب ومثال آخر المرءاة في استضاءتها من الشمس فانها اقرب الى الشمس من الأرض وان كان الاشراق واحدا وذلك لشدة ( بشدة خل ) قابليتها اذا نظرت اليها كالشمس لا فرق بينها وبينها الا ان المرءاة من شعاع الشمس كالأرض بل لم تشرق عليها اكثر من اشراقها على الأرض ولكن لشدة قربها من الشمس كانت كالشمس وان كانت على الأرض ومثال آخر الحديدة المحماة من النار كالنار في فعلها لا فرق بينها وبينها في الاحراق الا ان النار تحرق بفعلها والحديدة تحرق بفعل النار الظاهر عليها لمجاورتها وقربها منها بحيث اذا نظرت الى الحديدة لم تر الا جمرة النار فهم (ع) لشدة قربهم من ربهم بخالص طاعته وانقطاعهم اليه حتى غابوا في حضوره عن انفسهم قد ظهر عليهم فعله فكان فعلهم فعل الله وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى والاقبال اليهم عين الاقبال الى الله تعالى من اطاعهم فقد اطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله من يطع الرسول فقد اطاع الله ورضاهم رضى الله وسخطهم سخط الله والاخذ عنهم آخذ عن الله والراد عليهم راد على الله وهكذا فهم المقربون بمعنى الأقربين الذين لم يكن اقرب منهم وليس المراد مطلق القرب لصدقه على الانبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والملائكة لان القرب الذي يوصف به محمد وآله (ص) يكون في مقام عند الله لا تقتضي الحكمة الالهية ان يكون فيه ازيد من اربعة عشر مقربا فالقرب الحقيقي لهم لا غير وقرب غيرهم اضافي فافهم
قال عليه السلام : المتقون الصادقون المصطفون
قال الشارح (ره) المتقون في اعلى مراتب التقوى فان تقوى المقربين من غفلة لمحة عن القرب مع الله تعالى الصادقون الذين قال الله تعالى يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وروي في الأخبار ( المتواترة خ ) انهم هم ولقبح الأمر لمتابعة غير المعصوم عقلا ونقلا مع ان الصدق اعم من ان يكون في الأقوال والأفعال والأطوار ولا يوجد في غير المعصوم كما ذكره الكتاني في كتاب الصدق وهو كتاب حسن لا بد للسالك الى الله منه المصطفون الذين قال الله تبارك وتقدس ان الله اصطفى آدم ونوحا ( وآل ابراهيم خ ) وال محمد على العالمين في قراءة اهل البيت في اخبار كثيرة وعلى القراءة المشهورة فهم (ع) مصطفى آل ابراهيم بالأخبار المتواترة ه اقول قد تقدم بعض الاشارة الى معنى التقوى التي هم اهلها ويأمرون بها في بيان ( باب خل ) واعلام التقي وقد ذكر في مصباح الشريعة عن الصادق (ع) التقوى على ثلاثة اوجه تقوى في الله وهي ( وفي خل ) ترك الحلال فضلا عن الشبهة وهي تقوى خاص الخاص وتقوى من الله وهي ترك الشبهات فضلا عن الحرام وهي تقوى الخاص وتقوى من خوف النار والعقاب وهي ترك الحرام وهي تقوى العوام ومثل التقوى كماء يجري في نهر ومثل الطبقات الثلاثة كاشجار مغروسات على حافة ذلك النهر كل لون وجنس وكل شجرة منها تستمص الماء من ذلك النهر على قدر جوهره وطبعه ولطافته وكثافته ثم منافع الخلق من تلك الاشجار والثمار على قدرها وقيمتها قال الله تعالى صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل والتقوى للطاعات كالماء للأشجار ومثل طبائع الأشجار في لونها وطعمها مثل مقادير الايمان فمن كان اعلى ( على خل ) درجة في الايمان واصفى جوهرا بالروح كان اتقي ومن كان اتقى كانت عبادته اخلص واطهر ومن كان كذلك كان من الله اقرب وكل عبادة غير مؤسسة على التقوى فهي هباء منثور قال الله افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير ام من اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ه وهذه المراتب الثلاث ( من خ ) التقوى المذكورة في هذا الحديث هي الثلاث المذكورة في قوله تعالى ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين فالتقوى الاولى في الحديث هي الاولى في الاية والثانية هي الثانية والثالثة هي الثالثة ويجوز بالعكس وعلى التقديرين فالمحسنون الذين جمعوا المراتب الثلاث وقاموا بما يراد فيها هم اهل محبة الله وهم على مراتب يتفاضلون فيها على قدر معرفتهم وعلمهم واخلاصهم وصدقهم الى ان تنتهي بهم المراتب الى مقام الولاية المطلقة في الامكان فينفرد عن الخلق اجمعين محمد وآله الطيبون صلى الله عليهم اجمعين وينحط ما سواهم كما قال سيد الساجدين علي بن الحسين عليه السلام :
لا يحرز السبق الردايا وان جرت ولا يدرك الغايات الا سبوقها
هم العروة الوثقى وهم معدن التقى وخير حبال العالمين وثيقها
فهم المتقون على الحقيقة وما سواهم فهم في التقى ( التقوى خل ) اتباعهم والصدق هو ان يطابق القول ما في الواقع وهو قول من يقول بالله وعن الله سواء عرف ان ذلك بالله وعن الله ام لا فان عرف فقد فاز بالحسنيين ( بالحسنين خل ) والا فله عمله وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام الصدق نور غير متشعشع الا في عالمه كالشمس يستضيء بها كل شيء بمعناه من غير نقصان يقع في معناها والصادق حقا هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة صدق ما لديه وهو المعنى الذي لا يسع معه سواه او ضده مثل آدم (ع) صدق ابليس في كذبه حين اقسم له كاذبا لعدم ماهية الكذب في آدم (ع) قال الله عز وجل ولم نجد له عزما ولان ابليس ابدع شيئا كان اول من ابدعه وهو غير معهود ظاهرا وباطنا فخسر هو بكذبه على معنى لم ينتفع به من صدق آدم (ع) على بقاء الأبد وافاد آدم (ع) بتصديقه كذبه بشهادة الله بنفي عزمه عما يضاد عهده في الحقيقة على معنى لم ينتقص ( لم ينتقض خل ) من اصطفائه بكذبه شيئا فالصدق صفة الصادقين ( الصادق خل ) وحقيقة الصدق يقتضي تزكية الله تعالى لعبده كما ذكر عن صدق عيسى (ع) في القيامة بسبب ما اشار اليه من صدقه براءة للصادقين من امة محمد (ص) فقال عز وجل يوم ينفع الصادقين صدقهم الاية وقال علي (ع) الصدق سيف الله في ارضه وسمائه اينما هوى ( هو خل ) به يقد فاذا اردت ان تعلم صادق ( أصادق خل ) انت ام كاذب فانظر في قصد معناك وغور دعواك وعيرها بقسطاس من الله عز وجل كأنك في القيمة قال الله عز وجل والوزن يومئذ الحق فاذا اعتدل معناك بدعواك ثبت لك الصدق واقل ( وادنى خل ) حد الصدق الا يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان ومثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع روحه ان لم ينزع فماذا يصنع ه قوله (ع) الصدق نور غير متشعشع الا في عالمه يعني به انه لم يلزم منه ان ( انه خل ) لا يقع الا على الصدق اي لا يصدق الصادق الا الصادق ليشرق في غير محله بل يجوز ان يصدق الكاذب لان الصدق ينير في قلب الصادق لا غير الا انه ينتفع به الصادق والكاذب بنيل مطلوبهما ولما كان الصادق ليس عنده كذب لم يعرف الكذب في نفسه فاذا سمع القول صدقه وان كان كذبا لحقيقة ( بحقيقة خل ) ما عنده لانه لا يظن كذب المخبر وقوله وافاد اي الصدق آدم (ع) بتصديقه كذب ابليس بشهادة الله بنفي عزمه اي بانه لم يدع ما ليس في وسعه حتى اخبر الله بانه لم يفهم ولم يدع ما لا يفهم فلهذا لم ينقص عدم فهمه وتصديقه الكاذب من اصطفائه شيئا بل هو صفي الله وذلك قوله ومثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع روحه ان لم ينزع فما ذا يصنع يريد به ان الصادق ليس له التفات ما كما ان الذي في حال النزع ليس له التفات الى غير نزع الروح والمراد ان الصدق له مراتب متعددة يطلق عليها من باب التشكيك فادناه الا يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان واعلاه كمثل من هو في النزع لان من هو في النزع قد تجمعت جميع شئونه في شأن واحد فلم يبق له التفات الى غير النزع لعظم الخطب النازل فكذلك اعلى الصدق فان صاحبه محترق في نار المحبة قد اشغلته حرارة نارها بالطلب عن كل شأن حتى عن نفسه فهو في فناء محبوبه غائب عن نفسه وشئونها كمثل النازع روحه وهذه على كمال ما ينبغي لا ينالها الا محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله واما غيرهم فمنهم المدعي لها الكاذب في دعواه ومنهم الجاهل بها ومنهم الصادق العالم ولكنه يعرف ان مقامه منها ليس على كمال ما ينبغي فالمدعون لها كثيرون واكثرهم الصوفية يزخرفون الكلام بما يتوهم الطغام ان كلا منهم امام ولهذا نظم عبد الله بن القاسم السهروردي في قصيدته طريقة الواصلين عندهم الى هذا المقام الى ان قال :
فحططنا الى منازل قوم صرعتهم قبل المذاق الشمول
درس الوجد منهم كل رسم فهو رسم والقوم فيه حلول
منهم من عفى ولم يبق للشكوى ولا للدموع فيه مقيل
ليس الا الأنفاس تخبر عنه وهو عنها مبرء معزول
واشار الى من دون هؤلاء بقوله :
ومن الناس من يشير الى وجد تبقى عليه منه القليل
الخ والجاهلون بها اذا حصل لهم ادنى توجه واقبال بحيث قل اشتغالهم بالدنيا بالنسبة الى غيرهم توهموا الا مقام وراء مقامهم ( وهم في الحضيض مقيمون ولكن لا يعلمون خ ) والعالمون ( كالانبياء والمرسلين خ ) فانوار قلوبهم واضواء افئدتهم وصفاء اجسامهم واعتدال امزجتهم ومعارفهم وعلومهم بالنسبة الى نهاية المراتب ناقصة متسافلة وهم مع قربهم يعلمون نقصهم الى محمد وآله ( وال محمد ص خل ) كما هو حال الشعاع من الشمس المنيرة وذلك لقصور مشاعرهم وقوابلهم عن الاحاطة بذلك فخاص بالذات لمحمد واله السادات صلى الله عليهم اجمعين فهم الصادقون حقا وعن الرضا عليه السلام الصادقون هم الائمة والصديقون بطاعتهم والاصطفاء اخذ الصفو من الشيء يعني جيده طالبا والمأخوذ مصطفي والمعنى ان الله سبحانه اختارهم من جميع خلقه لانه سبحانه نظر الى خلقه في الامكان فاختار منهم محمدا واهل بيته صلى الله عليهم فالبسهم حلة الوجود فبقوا يوحدونه ويعبدونه الف دهر لم يخلق شيئا غيرهم فالاصطفاء هنا لحقيقة ( الحقيقة خل ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ثم لما خلق الدهر وخلق اولا الصفوة من خلقه من ( عن خل ) عرق انوارهم عليهم السلام كانوا معهم فاختارهم لانه نظر الى الجميع في الأكوان فاختارهم من المصطفين الأخيار ولما خلق الزمان وخلق من خلقه ما شاء كانوا فيهم فاختارهم من سائر خلقه فالاصطفاء الاول في السرمد وبعده قبل الدهر والاصطفاء الثاني مع الدهر وفي الدهر وبعده قبل الزمان والاصطفاء الثالث مع الزمان وفي الزمان وما بعد الزمان ما قبله وما بعد الدهر ( ما قبله خل ) وما بعد السرمد ما به فهذا الاصطفاء في هذه المراتب كلها كان لمحمد صلى الله عليه وآله وهو قول علي (ع) في خطبته يوم الغدير والجمعة قال (ع) واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس الى ان قال (ع) قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته بما لم يلحقه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اقول واراد بقوله في القدم ما قلنا في السرمد وبعد ان اصطفاه (ص) اصطفى آله الطيبين فيما اصطفاه فيه وله السبق وبه الشرف وهو قول علي (ع) في هذه الخطبة بعد ذلك الكلام وان الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه (ص) من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وجعلهم الدعاة بالحق اليه والأدلاء بالارشاد اليه لقرن قرن وزمن زمن انشأهم في القدم قبل كل مذروء ومبروء وقوله انشأهم في القدم يريد به الوقت الذي استخلص فيه نبيه (ص) وهو قولنا فيما اصطفاه فيه وانما سمى (ع) السرمد قدما لان السرمد خلق بنفسه فليس له اول مخلوق ولا اخر ملحوق لان الأولية والاخرية مخلوقان بالسرمد ونعني بالسرمد وقت الابداع والاختراع والمشية والارادة وهذه الأربعة يراد بها فعل الله ولا يتوهم انه سبحانه اصطفاهم في القدم الذي هو الأزل الذاتي وازل الازال وغيب الغيوب لان ذلك هو الذات البحت وليس في الذات البحت شيء غيرها فلا معنى للاصطفاء فيها ولا بها لان الاصطفاء من آثار الفعل فهم على الحقيقة المصطفون لم يصطف الله سبحانه احدا كما اصطفاهم ولم يصطف احدا من خلقه الا لاجل متابعتهم والائتمام بهم والوفاء لهم بما عاهد عليه الله من ولايتهم وهو قول ابي محمد العسكري (ع) في تاريخه قال (ع) والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء فابان (ع) ان موسى الكليم (ع) لما شهدوا له بالوفاء بالعهد الذي اخذ عليه في التكليف الأول البس حلة الاصطفاء اي البسوه حلة اصطفاء الله له لان الله تعالى بهم اصطفاهم واصطفى بهم ولهم ما شاء وهو قول علي (ع) نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا اقول يريد ان الله اصطنع الخلق لنا فافهم
قال عليه السلام : المطيعون لله القوامون بامره
قال الشارح (ره) المطيعون لله بالاطاعة التامة حتى بذلوا انفسهم واموالهم في سبيله وقاتلوا وقتلوا بالجهاد الصوري والمعنوي لاعلاء كلمة الله ودينه كما هو ظاهر لمن تتبع كتب الأخبار والسير القوامون في امر الامامة او الأعم
اقول الطاعة لله تعالى لها مراتب اعلاها من كل مخلوق قابليته للصنع والقابليات تختلف بكثرة المتممات لها وقلتها وكلما قلت المتممات والشروط والأسباب شرفت القابلية وكملت وقويت وكلما كثرت الشروط والمتممات نقصت وضعفت وقابليات محمد وآله (ص) لم يكن لها متمم و( لا خ ) شرط ولهذا قد نستثنيها من الوجود المقيد ونلحقها بالمطلق لعدم الشرط واذا الحقناها بالمقيد فانما هو لانا نطلق المطلق على الفعل والمقيد على المفعول ولصدق القيد ( المقيد خل ) على التوقف على الفعل فلانلحقها بالمطلق والى عدم الشرط فيها الاشارة بقوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فلما كانت تلك القابلية الجليلة المقدار هي قابلية محمد وآله الأطهار صلى الله عليه وعليهم كانت طاعتهم لله قبل كل شيء واعلى من كل شيء ولم تتوقف على شرط ولا تكون لعلة الا لمحض اجابة ربهم دعاهم فاجابوه طوعا لأمره فكانوا في كل رتبة من مراتب وجوداتهم لا يخرجون عن طاعته لانهم ليس فيهم مقتض للمعصية لان القابلية هي منشأ المعاصي واما الوجود فهو خير كله فاذا صلحت القابلية حتى كادت تضيء وتطيع قبل الوجود بحيث شابهت الوجود في عدم نظرها الى نفسها كانت مع انضمام الوجود لا ظلمة فيها ولا معصية لها فهم المطيعون لله على الحقيقة بمعنى سبقهم الى الطاعة وعدم التأخر عنها في حال والصدق فيها والاخلاص والاستخلاص لها حتى لا يشغلهم عنها شاغل كما اثني سبحانه عليهم في كتابه المجيد فقال عز من قائل رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة وذلك لما ادبهم بوحيه في كتابه مثل قوله وامر اهلك بالصلوة واصطبر عليها وقوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته والذين عنده هم محمد وآله صلى الله عليه وعليهم كما تقدم عن الصادق (ع) في قوله تعالى وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون الى قوله ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون قال (ع) ويحك يا مفضل الستم تعلمون ان من في السموات هم الملائكة ومن في الأرض هم الجن والبشر وكل ذي حركة فمن الذين ( الذي خل ) قال ومن عنده قد خرجوا من جملة الملائكة والبشر وكل ذي حركة فنحن الذين كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا ارض ولا ملك ولا نبي الحديث ومن دون هذه الرتبة هم في عالم الأنوار وفي الحجب وفي الذر وفي عالم الزمان سابقون لأهل كل مقام الى طاعة الملك العلام بحيث لا يلحقهم لاحق ولا يسبقهم سابق ولا يطمع في ادراكهم ولا مداناتهم طامع من جميع الخلائق فهم في الحقيقة متفردون عن كل الخلق وما ورد عنهم مما يدل بظاهره على مساواة غيرهم لهم او مشاركتهم اياهم فهو جار على ما تعرفه عامة الناس وشرح بعض هذا يطول به الكلام والمعنى المقصود ظاهر والقوامون جمع قوام وهو للمبالغة في قائم اما على معنى انهم كثير القيام بامر الله واما على معنى انهم شديدوا القيام ( بامر الله خ ) والمعنيان مرادان معا والمراد من الأول انهم لم يتجاوزوا امر الله في قليل او كثير في واجب او مندوب ولا نهيا في حرام او مكروه الا قاموا به كما امرهم الله على اكمل ما ينبغي وما ورد عنهم انهم يفعلون بعض المكروهات او يتركون بعض المندوبات فان ذلك من اقسام الواجب لانهم يؤمرون على سبيل الحتم لبيان الجواز ولا يجوز لهم ترك الامر المحتوم لانه لو لم يكن ( محتوما خ ) لجاز تركه واذا كان في نفسه مرجوحا كان تركه راجحا واذا لم يكن محتوما لم يكن فعله راجحا الا انه انما يفعله فاعله لراحة نفسه او تهاونا بالحدود او للرخصة ففي الأولين وما انضم متركبا من الثلاثة لا يجوز عليهم واما الثالث اذا كان خالصا وهو لا يكون الا في بعض احواله فانه من الراجح فهو اما واجب او مندوب لانه اذا اريد لمرجح كما لو انفت النفس عن الجائز او سبقه نهي في الجواز او جواز في الترك فالأول ( كما خ ) لو لم يجوز فيما اجاز الله مثل ترك نافلة والثاني كما لو لم يجوز فعل ما نهى الله عنه بعد ما اباحه والثالث مثل الجمع بين الظهرين والعشائين بغير ضرورة بعد ثبوت استحباب التفريق اذا لم يعتقد مشروعية الجمع فان تلك الرخصة تكون واجبة لمن لم يجوز الأخذ بها ومستحبة لمن جوز اذا صغر عنده الجواز وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وآله على هذه الشقوق لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد بقوله (ص) ان الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بفرائضه فخذوا برخص الله ولا تشددوا على انفسكم ان بني اسرائيل لما شددوا على انفسهم شدد الله عليهم ه فاذا فهمت ما اشرنا اليه من هذه التنبيهات ظهر لك انهم (ع) لم يتجاوزوا واجبا ولا مندوبا قط ولم يفعلوا حراما ولا مكروها قط والمراد من المعنى الثاني انهم يقومون بامر الله على اكمل وجه يمكن وقوعه في الامكان في حق كل واحد منهم وهم في هذه الرتبة والمقام سواء بمعنى ان كل واحد يقوم بامر الله على اكمل وجه فان قلت ان عليا عليه السلام لا يقدر على ما يقدر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله والحسن لا يقدر على عمل علي (ع) وهكذا كما هو ظاهر قد صرحوا به في احاديثهم فكيف يكون الادنى منهم يأتي بالامر على اكمل وجه يمكن وقوعه في الامكان وفي الامكان من هو اكمل منه وهو عمل الاعلى قلت ان عمل الاعلى لا يمكن للأدني الا اذا تساهل الاعلى في حال ما واذا كان كذلك لم يكن اعلى بل هو ادنى والمفروض انه اعلى فان قلت اي فرق بينهم وبين غيرهم فانك اذا فرضت هذا جرى في حق غيرهم قلت لو فرضنا عدم وقوع تقصير ما من غيرهم لكان منهم ولاحقناه بهم في هذا المقام ولكن الواقع ان كل من سواهم يقع منهم تقصير في واجب او مندوب او مباح تركه اولى لنفسه او لغيره ولو في الاحتمال كما اشار النبي (ص) اليه بقوله ما معناه لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به خوفا مما فيه بأس ه وهذا الجواب يشمل جميع الخلق حتى الانبياء والمرسلين على حسب مراتبهم وروي ما معناه ان في الصراط عقبات كؤدا لا يقطعها بسهولة الا محمد وآله (ص) وهم لا يقع منهم تقصير في شيء ما فصح ان كل واحد منهم قائم بامر الله على اكمل وجه لا يمكن في حقه اكمل منه في الامكان بخلاف من سواهم فان قلت ان اخبارهم تدل على وقوع تقصير ما منهم ايضا ولهذا يتضرعون ويستغفرون ويتوبون وليس في مقام تعليم بل على حد من الخوف لا يجري على غيرهم حتى ان احدهم ليقع مغشيا عليه وممن ذكر التقصير سيد الساجدين (ع) في سجود صلوة الليل كما تقدم من قوله لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك علي قلت هذا التقصير الذي نسبوه الى انفسهم وما نشأ عنه من الخوف منشأه من امور ثلاثة الاول انهم تحملوا ذنوب شيعتهم وتقصيراتهم فكانوا يستقيلون منها ويخافون منها ( بسببها خل ) والثاني انهم عرفوا الله فاذا نظروا الى مقامه صغر عندهم كل شيء في حقه وعرفوا ان كل عامل لا يقوم بحقه سبحانه لان توفيقه عبده لخدمته نعمة توجب شكرا وهكذا والثالث انه لما كان العمل طريق الخلق الى الحق سبحانه وهو يتوقف ( متوقف خل ) على وجود العامل ووجود العامل حجاب بينه وبين ربه وهذا لا ينفك المخلوق حال وجوده فهو محجوب بوجوده والمحجوب مقصر والمقصر مذنب والمذنب خائف من ذنبه وقد قال شاعرهم في هذا المعنى :
اقول وما اذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
وهم (ع) وان لم يلحظوا انفسهم في وجدانهم بين يديه لكنهم موجودون بل اذا تعمقنا في تحرير هذا الحرف وجدنا ان من جرد نفسه عن كل اعتبار عرف ربه وذلك اذا فقد نفسه من وجدانه ظهر له ربه بوجوده وهذا الوجود الذي ظهر له به ربه هو آية ربه ودليله عليه وصفته التي عرفه بها وهو وجوده ونفسه التي اذا عرفها عرف ربه فلا يدرك الا حقيقته التي هي وصف ربه نفسه له فتلك النفس مفقودة من الوجدان بمعنى انه يجد وصف ربه وهذا الوصف وان كان هو نفسه الا انه لا يعرف ربه بلحاظ نفسه من حيث هي نفسه ويعرف ربه بمعرفتها من حيث هي وصفه وهذا يدل على ان لها وجودا ما وان لحظها وصفا لله واليه الاشارة بقول الصادق (ع) في وصفه لمعراج النبي (ص) قال فكان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا اعلمه الا وقد قال زبرجد اقول اراد بقوله يتلألأ شدة شفافيته حتى يكاد يضمحل وقوله بخفق اي باضطراب يعني يكاد ان يفنى كذلك النفس حين لحاظ الوصف تكاد تفنى وما نحن فيه كذلك فاذا ثبت لهم وجود ما كان ذلك الوجود حجابا بنسبته فلاجل ذلك يبكون ويخافون ويستغفرون وهذا في الحقيقة تقصير في الخليقة الا انه لا بد منه لانه من العجز الذي وسم الله تعالى به الخلق فاذا لم يكن لهم تخلف عن كمال ما ينبغي من القيام بامره تعالى في حال من الأحوال لا يتخلف شخص عما يمكن في حقه صدق عليهم اجمعين بان كل واحد منهم قوام بامر الله تعالى على اكمل وجه يمكن وقوعه في الامكان بالنسبة اليه ولا يكون ذلك من احد غيرهم كما فصلنا سابقا فراجع والمراد من الامر ظاهرا هو المعروف الذي هو الحكم وهو طلب الشارع من المكلف الفعل مع استحقاق الذم بتركه ويدخل فيه النهي كما قال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره اذ لا تختص مخالفة الأمر بالتحذير دون مخالفة النهي اجماعا فانه مطابق لقوله تعالى وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فيكون طلب الشارع من المكلف الفعل او تركه الخ ما ذكره البهائي في زبدته واما باطنا فمنه ما ينزل على ولي الأمر ليلة القدر وليلة الجمعة وكل يوم وليلة وكل ساعة مما يتجدد في الوجود مما يظهر من فوارة القدر باثبات ما لم يكن ومحو ما كان روي القمي والعياشي عن الصادق (ع) اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة الى سماء الدنيا فكتبوا ما يكون من قضاء الله تعالى تلك السنة فاذا اراد الله ان يقدم شيئا او يؤخره او ينقص شيئا امر الملك ان يمحو ما يشاء ثم اثبت الذي اراد وسئل عليه السلام عن قوله تعالى ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم قال كتبها لهم ثم محاها ثم كتبها لأبنائهم فدخلوها والله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وعنه عن ابيه عليهما السلام قال قال رسول الله (ص) ان المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره الا ثلاث سنين فيمدها ( الى خ ) ثلاث وثلاثين سنة وان المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فينقصها الله الى ثلاث سنين او ادنى قال وكان الصادق (ع) يتلو هذه الاية وعنه (ع) انه سئل عن قول الله عز وجل يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ( ام الكتاب قال ان ذلك الكتاب كتاب يمحو ما يشاء ويثبت خ ) فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء حتى اذا صار الى ام الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا وفي المجمع عن النبي (ص) هما كتابان كتاب سوى ام الكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وام الكتاب لا يغير منه شيء وعن الصادق (ع) هما امران موقوف ومحتوم فما كان من محتوم امضاه وما كان من موقوف فله فيه المشية يقضي فيه ما يشاء وفي الكافي عن الصادق (ع) ما من ليلة جمعة الا ولأولياء الله فيها سرور قلت كيف ذلك جعلت فداءك قال اذا كان ليلة الجمعة وافي رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافي الائمة ووافيت معهم فما ارجع الا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي وفي تفسير علي بن ابراهيم في تفسير قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول يعني علي المرتضى من الرسول (ص) وهو منه قال الله فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا قال في قلبه العلم ومن خلفه الرصد يعلمه علمه ويزقه العلم زقا ويعلمه الله الهاما والرصد التعليم من النبي (ص) ليعلم النبي (ص) ان قد ابلغ رسالات ربه واحاط علي (ع) بما لدي الرسول من العلم واحصي كل شيء عددا ما كان وما يكون منذ يوم خلق الله ادم الى ان تقوم الساعة من فتنة او زلزلة او خسف او قذف او امة هلكت فيما مضى او تهلك فيما بقي وكم من امام جائر او عادل يعرفه باسمه ونسبه ومن يموت موتا او يقتل قتلا وكم من امام مخذول لا يضره خذلان من خذله وكم من امام منصور لا ينفعه نصر من نصره ه وفي الكافي عن ابي الحسن الأول موسى (ع) قال قال مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه ماض وغابر وحادث فاما الماضي فمفسر واما الغابر فمزبور واما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو افضل علمنا ولا نبي بعد نبينا (ص) وفيه عن المفضل بن عمر قال قلت لابي الحسن (ع) روينا عن ابي عبد الله (ع) انه قال علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع فقال اما الغابر فما تقدم من علمنا واما المزبور فما يأتينا واما النكت في القلوب فالهام واما النقر في الأسماع فامر الملك اقول ما اشارت اليه الاخبار المذكورة وما في معناها من الأخبار المتكثرة مما ينزل عليهم في ليالي القدر وفي ليالي الجمع وكل يوم وليلة وكل ساعة من علوم الشريعة والخليقة والحوادث والملاحم فانه من الأمر كما قال تعالى تنزل الملئكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر يعني تنزل به على جدهم (ص) وعليهم وهم القوام به من اداء وتبليغ واعلم ان ما اشارت اليه هذه الأخبار من المحتوم والموقوف مما يطول بيانه ولكن ( لما خ ) احببت الا اخلي هذا الشرح في بيان اكثر ما وقفت عليه من الأسرار اذا مررت بموضعه الا ما كان مما يحرم اثباته في الدفاتر وان وجب اثباته في الضمائر فلا بد من ذكر شيء على جهة الاقتصار ليفهم السر من وفق له فاقول ان اللوح المحفوظ له ثلاث صفحات احديها فيها المحتوم المستحيل تغييره وثانيتها فيها المحتوم الممكن تغييره ولكنه سبحانه لا يغيره تفضلا منه وعدلا لما في ذلك من اللطف في التكليف لئلا يقنط المؤمنون من رحمته ويتهاون الكافرون بسنته وزاد الفريقين من لطفه بهم الا يتكل العاملون بطاعته على اعمالهم فان له ان يغير ما شاء كما شاء ولا يقنط العاصون من رحمته فان له ان يرحمهم ان شاء كما شاء ولا يظلم ربك احدا وثالثتها فيها الموقوف في لوحه لوح المحو والاثبات حتى يستقر الشيء فيكتب في الصفحتين والواح المحو والاثبات بما فيها في اللوح المحفوظ والمحو في ذلك لا في المحفوظ فاما الاولى التي يستحيل تغييرها فهو ان الشيء اذا كتب محتوما او موقوفا فلا يمكن الا يكتب وانما يمكن في المحتوم ان يغيره لكنه وعد سبحانه الا يغيره كرما منه وصدقا فان غيره كان التغيير في لوح المحو والاثبات فامكان الاولى في الثانية ووقوعه في الثالثة واما الثانية المحتوم ما فيها ويمكن تغييره فهو ان ما حقت عليه الكلمة من ايجاد واعدام وسعادة وشقاوة لا يغيره لصدق قوله ووعده كرما وعدلا ولو شاء غيره لعلمه وقدرته على ما يشاء فما تجد في كلامهم (ع) من ان ام الكتاب واللوح المحفوظ والقضاء الذي لا يبدل ولا يغير فان المراد به ان ماكتب فقد كتب وهذا مستحيل الا يكتب لا انه لا يمكن تغييره ولا تبديله بل اذا شاء ان يبدله بدله كما شاء لان الممكن لا يخرج بوجوده عن الامكان فان قلت ان المعلول يستحيل الا يوجد عند وجود العلة التامة اذا كملت قابليته بوجود متمماتها وهذا يدل على خروج الممكن في حال عن الامكان لانه واجب وهو قسيم الممكن فيجوز ان يكون ما في الصفحة الثانية من المستحيل تغييره لان وعد الله ببقائه اخرجه عن امكان فنائه قلت ان الشيء الواجب بالذات يستحيل تغيره لان التغير لاحق متأخر عن الوجوب الذاتي والا لم يكن الذاتي ذاتيا فيجب ان يكون التغير محدثا به ولا يجري عليه ما هو اجراه واما الواجب بالغير فانه قبل الغير لم يكن وبذلك الغير كان ولم يكن بذلك الغير الا بعد تغيره عن حاله الاول فكان التغير فيه سابقا على وجوبه فيجري عليه على ان ذلك الغير يجب ان يكون غير واجب بذاته والا لم يلزم وجوده به اذ لا ربط بينهما والا لم يتخلف عنه شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا واذا كان ذلك الغير ممكنا كان تأثيره تحت ارادة الواجب بالذات فلا تؤثر العلة التامة بكل فرض الا باذن الله ولهذا بين ذلك في كتابه قال تعالى الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا يعني وان حصل موجب التحريك ثم بين ذلك ثم جعلنا الشمس عليه دليلا يعني ان الشمس التي تحركه على جهة الايجاب عندكم قد جعلناها دليلا عليه فانه لا يظهر للحس حتى تطلع ويقع ضوءها على كثيف فينعكس من خلف ضوءها ولم يجعلها موجدة له كما تعرفون ولا انه يجب وجوده عند وجودها بل قال تعالى ولو شاء لجعله ساكنا في كل حال وابين من هذا ان الاحراق يجب عند وجود النار وقربها واتصالها بما يحترق ولما القي ابراهيم (ع) في النار لم يأذن لها سبحانه في احراقه فكانت عليه بردا وسلاما وهو فيها قد نبت حوله شجر اخضر وفي هذه الحال اذا مر عليها الطائر في الهواء يحترق لشدة حرارتها فكل ممكن له ان يغيره لانه في حال كونه واجبا بالغير انما هو شيء به سبحانه لا يستغني عن مدده اذ به تقومه لا بعلته لانه سبحانه قال ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بأمره لا بأسبابها فوقوع الشيء في الثانية حكمه في الاولى وبقاؤه في الثانية وامكان تغيره في الثالثة واما الثالثة الموقوف ما فيها فهو في الواح المحو والاثبات وتلك الألواح بما فيها في اللوح المحفوظ كما مر فوقوع الموقوف في الصفحة الاولى وبقاؤه في الصفحة الثانية ومحوه واثباته وقوعهما في الاولى وبقاؤهما في الثانية ونفسهما في الثالثة يعني ان التغيير والتبديل نفسهما في الثالثة فلا تتحقق الثالثة الا في الأولتين فالاولى يستحيل فيها البداء والثانية يجري فيها البداء بتغيير البقاء ان شاء تعالى ولكنه اجرى فضله على الاستحقاق ولا يخلف الميعاد ولن يخلف الله وعده والثالثة محل الدواعي والموانع وفي قعر هذا القدر شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه ونازعه في سلطانه وكشف عن ستره وسره وباء بغضب من الله وماويه جهنم وبئس المصير
قال عليه السلام : العاملون بارادته الفائزون بكرامته
قال الشارح (ره) العاملون بارادته اي لله او بالله وهو اظهر فانهم كانوا في اعلى مراتب القرب وقد تقدم في مراتب القرب النوافلي انه يسمع بالله ويبصر به ويبطش به ويمشي به الفائزون بكرامته في الدنيا والاخرة
اقول يريد بقوله لله ان معنى انهم عاملون بارادته اي بما يطابق ارادته ومحبته كما هو الظاهر عند عامة الناس واراد بقوله او بالله وهو اظهر يعني انه يحتمل الوجهين والثاني اظهر اي انهم عاملون بالله وان المراد منه ما في الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش به الخ ومعنى كون الله سمعه وبصره قد اختلف ( العلماء خ ) فيه اختلافا قيل هو كناية عن شدة القرب واستيلاء سلطان المحبة على ظاهر العبد وباطنه حتى غيبه عن نفسه وعن كل الخلق وقيل كنت له في سرعة الاجابة كسمعه له في ادراك مسموعاته الخ وقيل هو ان يشغله بامتثال اوامره ونواهيه حتى يكون بمنزلة من لا يسمع الا ما امر ( اومر خل ) بسماعه ولا يرى الا ما امر برؤيته الخ وقيل غير ذلك والذي افهم انه يحتمل وجهين احدهما ما ذكره الشارح اولا وهو جعله غير الأظهر والثاني انهم (ع) كانوا محل مشية الله والسنة ارادته كما دلت عليه احاديثهم فليس لهم مشية لانفسهم ولا ارادة لانهم اماتوا انفسهم وتركوا ملاحظتها واعتبارها وانما مشيتهم مشية الله وارادتهم ارادة الله فاذا فعلوا فان الله هو الفاعل بهم ما شاء قال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وكما قال علي عليه السلام في شأن الملائكة والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله والملائكة مثل لهم فهم يتكلم الله بهم ويفعل بهم ما يشاء فعلى الظاهر يعملون بما يحب ويريد لا يصدر منهم ما يخالف ما يريد منهم وعلى الحقيقة ليس لهم ارادة وانما الارادة ارادته او انهم يصدرون عن ارادته وارادتهم تابعة لا رادته بل مضمحلة في ارادته وذلك انهم لما ارادوا السفر اليه اعلمهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وآله او نكت في قلوبهم ان النجائب الميتة لا تحملكم الى وانما تحملكم الى النجائب الحية ونجائبكم التي تحملكم الى بلد من مدائن الزلفى الى لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس هي نفوسكم والقوها اي اميتوها فانها تحيي وتحملكم الى كمال القرب مني فالقوها فاذا هي حية تسعي لان حياتها من فيضه ولا تقبل فيضه الا اذا حييت ولا تحيي الا بموتها في طاعته وقتلها في سبيله فلما اماتوها وقتلوها لان كل مؤمن له ميتة وقتلة لم تكن لها ارادة فحييت بارادة ربها ومشيته فهم عاملون بارادته فلهم حالتان حالة على المعنى الأول وحالة على المعنى الثاني فاذا عرفت هذا فاعلم ان عملهم بارادته جار لهم في جميع الوجودات وشرعياتها والشرعيات ووجوداتها من خلق ورزق وموت وحيوة لا يكون شيء الا عنهم ولكنهم ليسوا شيئا في كل شيء وعلى كل حال الا بالله وما هم (ع) في فعله الا كصورة في مرءاة بالنسبة الى شاخصها وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ولاحظ هذا الحرف في كل شيء تسمعه منا لا نريده الا على هذا المعنى واما انهم الفائزون بكرامته فلأن الله اكرمهم بما لم يكرم به خلقا من خلقه لحقيقة ما هم اهله ففازوا بما لم يفز به احد من الخلق وظفروا بما طلبوا من الكرامة لديه على نحو ما اشرنا اليه عند ذكر قوله (ع) المكرمون فلاحظ هنا
قال عليه السلام : اصطفيكم بعلمه وارتضيكم لغيبه
قال الشارح (ره) اصطفاكم بعلمه اي عالما بانكم اهل الاصطفاء او بسبب ان يجعلكم مخزن العلوم ويؤيده ما في بعض النسخ من اللام وارتضاكم لغيبه قال الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وورد في الأخبار الكثيرة ان رسول الله (ص) ممن ارتضاه لغيبه وكل علم كان لرسول الله (ص) فانه وصل الينا مع انه يمكن التعميم في الرسول بحيث يشملهم كما يظهر من اخبار اخر واخبارهم بالمغيبات اظهر من الشمس ويمكن ان يكون المراد بالغيب الأسرار الالهية او الاعم فحينئذ يكون قوله واختاركم لسره للتأكيد او التخصيص بعد التعميم ه
اقول الظاهر ان المعنى في اصطفاكم بعلمه ان الباء هي التي تستعمل للاستعانة في مثل هذا الكلام وان المراد انه اطلع على جميع خلقه على معنى ما تقدم في بيان قوله المصطفون وهو بكل شيء عليم فاحاط بكل شيء علما فاختار منهم الصفوة بعد تمييزهم ( تميزهم خل ) فقد اصطفى محمدا وآله صلى الله عليهم اجمعين عن علم منه بهم حيث انفردوا عن التماثل والتشاكل يجمع ذلك كله قولنا اصطفاهم بحقيقة ما هم اهله وعلى نسخة اللام انه اختارهم حملة لعلمه ليؤدوا عنه احكامه الى خلقه او حفظة لعلمه لان غيرهم لا يقدرون على حفظه والمراد من العلم ما تضمنه فعله ومشيته لان ( ما خ ) لا يدخل تحت المشية لا يحيطون به فلم يصطفهم له قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ( وسع كرسيه السماوات خ ) وهنا خفية قد اشرنا اليها ( اليه خل ) سابقا تخفى هنا فننبه عليها وان لزم التكرير توفية للبيان وهي ان علمه الذاتي هو ذاته فلا يتبادر ذكره هنا و( لا يراد وخ ) ما سواه سبحانه فكله قد دخل تحت المشية في الامكان او في الأكوان والمراد هنا الثاني وكذا في الاية الشريفة واما الأول فقد يدخل في الاكوان فيما لا يزال وقد لا يدخل وذلك لان الممكنات وان كانت يطلق عليها الامكان لذاته عندهم في تقسيمهم كالمتكلمين والمشائين حيث قالوا ان المعقولات خمسة واجب لذاته وهو الله سبحانه وواجب لغيره وهو المعلول عند وجود علته التامة وممتنع الوجود لذاته وهو شريك الباري وممتنع الوجود لغيره وهو المعلول عند عدم علته وممكن الوجود لذاته ولم يقولوا ممكن الوجود لغيره لانهم لو قالوا ذلك لكان يلزمهم عندهم على ما يفهمون انه لو كان ممكنا ( لغيره خ ) لكان قبل فعل ذلك الغير اما واجبا فجعله الغير ممكنا واما ممتنعا فجعله ذلك ( الغير خ ) ممكنا فلا يكون الواجب واجبا والممتنع ممتنعا فلا يطلقون على الممكنات الا الامكان الذاتي لئلا يلزمهم امكان الواجب والممتنع ولكن يلزمهم مثله ايضا وهو انه اذا كان الممكن ممكنا لذاته لا يخلو اما ان يكون قبل ايجاده شيئا او ليس بشيء فان كان قبل ايجاده شيئا فهو قديم ولا يمكن ايجاده لانه بالايجاد يتغير والقديم لا يتغير وان لم يكن شيئا فهو بايجاده ممكن الوجود لغيره اذ ليس له ذكر قبل الايجاد في جميع مراتب الوجود فيجب ان يقال ان التقسيم الحق ان ما يطلق عليه الشيئية مطلقا اي بالذات وبالغير شيئان واجب لذاته وهو الله تعالى وممكن لغيره وهو ما سواه واما الواجب بغيره والممتنع لغيره فهما من اقسام الممكن وقد ذكرناه مرارا فراجعه واما ما يسمونه بممتنع الوجود لذاته فليس شيئا اصلا فلا يدخل في التقسيم والا لكان اذا كان عندك خمسة دراهم لا غير لا يصح ان تقول ان الذي عندي خمسة لان الذي عندك لا يتناهى لكنه ليس بموجود عندك الا خمسة وهذا مضحكة في القول والاعتقاد وان كان شيئا فهو من اقسام الممكن ولو كان الممكن ممكنا لذاته لما كان شيئا بالله بل هو شيء بذاته فان قلت انه شيء بالله حين وجد قلت وقبل وجوده ان كان شيئا بالله لزم ما قلنا من انه ممكن بغيره وان كان شيئا بنفسه فهو قديم كما قلنا سابقا وان لم يكن شيئا اصلا فذلك ما قلنا لكنا نقول انه ليس بشيء اصلا فامكنه في الامكان الراجح فهو ممكن بغيره امكانا راجحا ثم كساه حلة الوجود وهي في قبضته تعالى فابقاؤها عليه وسلبها عنه متساويان وهذا الامكان المتساوي الذي نسميه الجائز فأن سلبها عنه لم يخرج عن الامكان الراجح فما في الامكان الراجح لم يحيطوا به وما شاء وجوده دخل في الامكان الجائز وهم يحيطون به فاذا قال ولا يحيطون بشيء من علمه يراد به العلم الممكن الراجح ( الوجود خ ) وقوله الا بما شاء يراد به ما اوجده فانه يدخل في الجائز وبيان دليله من الحكمة ان الله سبحانه امر نبيه (ص) ان يسأله زيادة العلم فقال وقل رب زدني علما ولا ريب انه لا يسئله الا ما ليس عنده وذلك الذي ليس عنده (ص) ليس هو العلم الحق الواجب الذي هو ذاته تعالى بل هو ممكن وليس مشاء ايضا لان المشاء يحيطون به وايضا هم (ع) ابدا محتاجون الى مدده ( مدد خل ) في علومهم وفي بقائهم فلا يستغنون عن المدد وهو دايما يمدهم بما لا نهاية له ولا يمدهم بما عندهم بل يمدهم بما ليس عندهم والحاصل انه جل وعلا اصطفاهم لما شاء من علمه وهو ظاهر ان شاء الله تعالى هذا على نسخة لعلمه باللام واما على نسخة بعلمه بالباء هنا فيجوز ان يكون ( المراد خ ) بالعلم الذي في الراجح والذي في الجائز واما الذي هو هو تعالى فليس في ذاته اصطفاء ولا مصطفي لان هذا مقام في الخلق وهو معنى فعلي واما الذات البحت الواجب فانما هو هو لا غير ويأتي بيان بعض ما وصل اليهم في بيان قوله وارتضاكم لغيبه فاقول ان الارتضاء اختيار خاص يعني ان الشيء قد يكون مختارا لأمر وان لم يرتض لذاته ولا يكون مرتضى الا مختارا فهو بمعنى الاصطفاء وبمعنى الاختيار وفي هذه الفقرة الشريفة اشارة الى قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول الاية فعلى ظاهر التفسير ان من بيانية ويكون المعنى ان الله سبحانه يرتضي من رسله من يشاء لتحمل ما يشاء من غيبه بان راه اهلا لذلك وما راه الا لحقيقة ما هو اهله ولا يكون كذلك الا لمحبة الله له وكان محمد رسول الله (ص) اولى بهذا المقام من جميع الخلق ولذا استعظم الله ما هو عليه في ذاته فقال تعالى وانك لعلى خلق عظيم فلما ارتضاه لعبوديته لصدقه وارتضاه لرسالته لصدق عبوديته ارتضاه لتحمل ما يشاء من غيبه وما علمه الله فقد علمه عليا والطيبين من ذريته صلى الله عليه وعليهم وعلى التأويل ان المرتضى من الرسول هو علي عليه السلام وكذلك في قوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء والمجتبى من الرسول هو علي (ع) وفي الخرائج والجرائح عن الرضا (ع) قال فرسول الله عند الله مرتضى ونحن ورثة ذلك الرسول الذي اطلعه على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان وما يكون الى يوم القيمة وفي الكافي عن الباقر (ع) قال وكان محمد ممن ارتضاه اقول على التفسيرين دلت الايتان والروايات على انهم ممن ارتضاهم لغيبه ولا شك في هذا عند من عرف الا ان هذا يحتاج الى بيان وقد اشرنا في خلال هذا الشرح في مواضع كثيرة الى ذلك فيما سبق ونذكر هنا منه ما يسنح بالخاطر الحاضر كما هي عادتنا فيما نكتبه لأجل البيان وان لزم منه التكرار والتطويل فاقول اولا تعلم ان ما ذكره العلماء رضوان الله عليهم من انهم لا يعلمون الغيب لا ينافي ما نذكره وان اختلفت المقاصد لانهم لا ينكرون انهم (ع) اخبروا باشياء كثيرة من الغيب الا انهم يقولون كان ذلك من الوحي الذي نزل على محمد (ص) في خصوص اشياء وقد علمهم ذلك عن امر من الله تعالى ونحن نقول بموجب ذلك وان ما كان عندهم فانما هو وراثة عن جدهم رسول الله (ص) كما روي عنهم (ع) ولان عندهم علم القرءان كله وفيه تبيان كل شيء وتفصيل كل شيء الا انه مستور عن الاغيار وقد كشف سبحانه لمحمد وآله الاطهار عليهم السلام جميع الاستار وما اخبروا به من ذلك المستور عن غيرهم وايضا عندهم الاسم الاكبر وبه يعلمون ما شاؤا كما ذكروا في احاديثهم ثم اعلم انهم على كل تقدير لا يعلمون من ذلك كله الا بتعليم الله سبحانه في كل جزئي جزئي فاذا قيل لا يعلمون الغيب بمعنى من ذاتهم فهو حق واذا قيل علمهم رسول الله (ص) عن الله كثيرا من الغيب فهو حق واذا قيل علمهم الله فهو حق واذا قيل علمهم الاسم الأكبر واقدرهم به على ما يشاؤن من العلوم التي لا يطلع عليها غيرهم فهو حق واذا قيل قد سخر لهم الملائكة والجان تخدمهم في كل ما شاؤا وتحمل اليهم علوم ما غاب عنهم وما لم يكن مشاهدا فهو حق واذا قيل قد كتب لهم في القرءان وفي مصحف فاطمة وفي الجامعة وفي الجفر وفي الغابر وفي المزبور بل في جميع افراد الأشياء وفي العالم وفي الأنفس ما شاء من علمه فهو حق وكل هذه وردت بها اخبارهم ودلت عليها ادلة العقول المنيرة وهذه العلوم الغائبة هي وامثالها هي المعنية بقوله الا بما شاء والا من ارتضى من رسول ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وبقوله (ع) ارتضاكم لغيبه وقد تقدم في مواضع متعددة وقول الله سبحانه فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا اي يجعل الله تعالى لوليه المرتضى مؤيدات من الملائكة ومن امداداته ومن ذكره تحفظ عليه ما اطلعه عليه من الغيب له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله وتلك الحفظة من الملك المحدث ويحرسونه من اختطاف الشياطين المسترقين للسمع والمقيضين لا نساء ما تذكره الذاكرات ولمحو ما نقش في الواح النفوس ليعلم الله ان قد ابلغ النبي (ص) عليا والطيبين من ذريته ما علمه من غيبه وان قد ابلغوا شيعتهم وما امروا بابلاغه من العلوم والأحكام الوجودية والشرعية او ليعلم الرسول انهم قد ابلغوا عنه وقوله تعالى واحاط بما لديهم واحصي كل شيء عددا فيه تنبيه وتصريح ان ما اظهرهم عليه من غيبه في يده وفي تصريفه لم يخرج عن ملكه ويصدق عليه حقيقة انه لا يعلمه غيره كما قال تعالى قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب الا الله وانه لا يعلمه احد الا باذنه بل كونهم عالمين به حين علمهم اياه قائم به قيام صدور هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه ثم اعلم ان المراد بالغيب ما غاب عن الحس فاذا قيل غيب الله يراد به ما غاب عن بعض خلقه او عن كلهم لان الله سبحانه لم يغب عنه غائبة فلا يكون عنده غيب واما خلقه فلهم غيب وشهادة وقد يكون غيب في مكان عند بعض شهادة عند بعض آخر وقد يكون غيب عند الكل فالاول هو المراد هنا فالغيب الذي ارتضاهم له انما هو غيب عند غيرهم واما عندهم فشهادة فعلمهم به علم احاطة وعيان لا علم اخبار وان كان علم الاخبار ايضا يصدق عليه الشهادة عند العالم به وان كان غيبا عند من لا يعلمه والثاني الغيب الذي هو عند كل الخلق هو ما دخل في الامكان واحاطت به المشية الا انه لم تتعلق به تعلق التكوين وهذا لا يتناهى ولا ينفد ابد الابدين وذلك هو خزائنه التي لا تفنى ولا يتصور فيها نقص بكثرة الانفاق فهو عز وجل ينفق منها كيف يشاء فالذي ينفق منه في اوقات الانفاق وامكنتها ينزل من الغيب الى البيوت التي ارتضاهم لغيبه وينزل من ابوابها ما يشاء وذلك المخزون منه محتوم ومنه موقوف فالمحتوم منه ما لا يمكن تغييره وهو كون ما كان فانه لا يمكن بعد ان كان الا يكون وقد تقدم ذكره من قريب ومنه ما يمكن تغييره ولكنه وعد الا يغيره وهو لا يخلف الميعاد قال تعالى في محتوم الخير فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون وفي محتوم الشر ولكن حق القول مني لأملئن جهنم من الجنة والناس اجمعين وهذا المحتوم لو شاء غيره ومحاه والموقوف مشروط فيكون كذا ان حصل كذا وان لم يحصل كذا كان كذا وكذا والشرط هو السبب واما المانع فقد يكون في الغيب والشهادة وقد يكون في الغيب ولا يكون في الشهادة لانه اذا وجد في الشهادة وجد في الغيب ولا يلزم العكس فاذا وجد المقتضى فان وجد المانع منه فان اعتدلا فهو الموقوف كما ذكر وان رجح احدهما فالحكم له فاذا وجد المقتضي وفقد المانع فان فقد في الغيب والشهادة حتم وجوده فان تمت قوابله وجد ووصل اليهم علمه لانه مما شاء وان انتظرت جاز في الحكمة الاخبار به فيخبر به على جهة الحتم ولا بد ان يكون الا انه قبل كونه في الصفحة الثانية من اللوح وهذا عندهم (ع) ومنه ما كان ومنه ما يكون والى هذا القسم اشاروا في اخبارهم ان عندنا ما كان وما يكون الى يوم القيمة وان فقد المانع في الغيب خاصة جاز في الحكمة الاخبار به فيخبر به من غير حتم وهذا قد يكون وقد لا يكون والفائدة في الاخبار به مع انه سبحانه لا يكذب نفسه ولا يكذب انبياءه ورسله وحججه هي اظهار التوحد بالخلق والأمر والاستقلال بالملك وارشاد الخلق الى اعتقاد البداء لان ما عبد الله بشيء افضل من البداء اي اثبات البداء لله تعالى وهذا يجوز للحجج الاخبار به لا على سبيل الحتم بل عليهم ان يعرفوا من لا يعرف ان الله يفعل ما يشاء وانه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ولهذا قالوا عليهم السلام ما معناه اذا اخبرناكم بامر فكان كما قلنا فقولوا صدق الله ورسوله وان كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله توجروا مرتين وليس عليهم ان يعرفوا من لا يعرف هذا في خصوص الواقعة لان ذلك يوجب الشك في تصديقهم عند اكثر الناس وقد يلزمهم عليهم السلام من ذلك التقول على الله لانه سبحانه لم يأمر بذلك في كل واقعة وان كان قد يأمر بذلك كما في وعد موسى (ع) بين ثلاثين واربعين في معرض التقرير والهداية والبيان وقد يلزم من البيان خلاف المقصود من الاخبار وهذا القسم قد يكون يوجد ما نعه في الشهادة كالصدقة في دفع البلاء المبرم يعني الذي ابرم في الغيب لعدم المانع هناك والدعاء في رد البلاء وقد ابرم ابراما كذلك وكبعض الافعال بل كل الطاعات وتفصيل ذلك يطول
قال عليه السلام : واختاركم لسره واجتباكم بقدرته
قال الشارح (ره) واختاركم لسره للتأكيد او التخصيص بعد التعميم واجتباكم بقدرته اشارة الى علو رتبة اجتبائهم بانه لا يمكن الا من قدرة الله وان كان الكل من قدرته او لاظهار قدرته
اقول في مجمع البحرين والسر الذي يكتم ومنه هذا من سر ال محمد (ص) اي من مكتوم ال محمد الذي لا يظهر لكل احد قال بعض شراح الحديث اعلم ان سر ال محمد صعب مستصعب فمنه ما يعلمه الملائكة والنبيون وهو ما وصل اليهم بالوحي ومنه ما يعلمه هم ولم يجر على لسان مخلوق غيرهم وهو ما وصل اليهم بغير واسطة وهو السر الذي ظهرت به اثار الربوبية عنهم فارتاب لذلك المبطلون وفاز العارفون فكفر به فيهم من انكر وفرط ومن غلا فيهم وافرط وفاز من ابصر واتبع النمط الأوسط ه والمراد بالسر الذي يعلم هو انهم (ع) حجج الله على جميع خلقه من الانس والجن والملائكة وسائر الحيوانات بل والنباتات والمعادن وسائر الجمادات بمعنى ان الله احتج بهم على خلقه فيما ( فما خل ) يريد منهم مما كلفهم به من احكام التشريعات والوجودات وتسبيح الأسباب بافعالها والمسببات بانفعالاتها والرياح بهفيفها والمياه بجريانها والمطر بودقه والبرق بلمعانه والرعد بزجله ولقد روى المفيد (ره) في الاختصاص باسناده الى سماعة قال كنت عند ابي عبد الله (ع) فارعدت السماء وابرقت فقال ابو عبد الله (ع) اما انه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق ( فانه خ ) من امر صاحبكم قلت من صاحبنا قال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ه وامثال ذلك وكان مما اوحى الى حججه من الانبياء والمرسلين واوصيائهم المستحفظين ومن الملائكة المقربين وعلم كثيرا من شيعتهم كثيرا من ذلك ان محمدا وآله صلى الله عليهم اجمعين قد جعلهم حججه على جميع خلقه على نحو ما اشرنا اليه هنا وسابقا في اثناء ما تقدم وجعلهم ابوابه الى الخلق وابواب الخلق اليه في جميع احوال مراتب الخلق والرزق والممات والحيوة وهو سر الله عند من اطلعه عليه قد اخذ عليهم العهد ان يكتموه عن غير اهله ومن كان من اهله ان يلقوا اليه على قدر ما يعرفون من احتماله وهذا القسم هو الذي اشاروا (ع) اليه بقولهم ان حديثنا صعب مستصعب كما في البصائر وفي حديث ابيالطفيل الى ان قال علي (ع) ان امرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به الا ثلاثة ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للايمان وعنه (ع) ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الى الناس نبذا فمن عرف فزيدوه ومن انكر فامسكوا لا يحتمله الا ثلاثة ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وامثال ذلك مما دلوا عليه في احاديثهم وهذا القسم لا يعلمه الله تعالى احدا من خلقه الا اذا علم صدقه في ولايتهم (ع) وعلى قدر معرفته في ولايتهم يعلمه الله ومما يدل على ذلك كثير منه ما رواه المفيد (ره) في الاختصاص باسناده الى المفضل بن عمر عن الصادق (ع) انه قال لمفضل بن عمر ان الله تبارك وتعالى توحد بملكه فعرف عباده نفسه ثم فوض اليهم امره واباح لهم جنته فمن اراد الله ان يطهر قلبه من الجن والأنس عرفه ولايتنا ومن اراد ان يطمس على قلبه امسك عنه معرفتنا ثم قال يا مفضل والله ما استوجب ادم ان يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه الا بولاية علي (ع) وماكلم الله موسى تكليما الا بولاية علي (ع) ولا اقام الله عيسى بن مريم آية الا بالخضوع لعلي (ع) ثم قال (ع) اجمل الأمر ما استأهل خلق من خلق الله النظر اليه الا بالعبودية لنا ه وهذا القسم على قسمين قسم يعلمونه الانبياء والمرسلون والاوصياء والملائكة عليهم اجمعين السلام وشيعتهم ويحتملونه بتعليم ال محمد (ص) لهم بالاقبال عليهم على جهة الانبساط والعموم فتستضيء بذلك قلوبهم فيعلمون من الاسرار ما جرت به ( بهم خل ) لهم الأقدار فهم كالشمس تشرق على الأرض وينبسط ضوءها وتستنير البقاع على قدر قوابلها وقسم لا يعلمه احد منهم الا باقبال خاص وتعليم خاص غير ما هو بالاشراق والانبساط الاولى او غير ما هو عن الوجود التشريعي بل بعناية سبقت وخاتمة لحقت وذلك مثل اطلاع شخص منهم على معرفة المنزلة بين المنزلتين في القدر فان ذلك مما نصوا (ع) عليه بانه لا يعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم ولقد رأيت في ايام اقبالي وتوجهي رؤيا عجيبة ملخصها اني رأيت في المنام كأني في صحراء واسعة مد البصر وفيها ضياء شديد اشد من نور الشمس بحيث لا يكاد البصر يدرك شيئا لشدة النور وسمعت صوتا اخاطب به ينبعث الى من كل جهة من الجهات الست بلسان واحد واحس ان كلي سامع لا تختص الاذن بسماعه ولم افهمه حال انبعاثه لاستدارة كل حرف منه علي كالكرة وانا له كالقطب فلما انقطع فهمت معناه واستعظمته على نفسي لاني فيما اعرف من نفسي لست اهلا لذلك ثم رأيت المتكلم شخصا نورانيا قائما في الهواء ارتفاع مكانه تقريبا من ثلاثين قامة ولشدة صفائه كاد يخفى عن بصري وهو رامق الى بطرفه وكتمت امري مدة قدر ستة اشهر لم اتكلم به ثم رأيت ليلة النبي (ص) وسألته عن المتكلم فقال ذلك انا فقلت يا سيدي انا اعلم بنفسي وانت تعلم بي اني لا استحق ذلك الخطاب بذلك المعنى ولست اهلا له فأي ( فبأي خل ) شيء استحققت به ذلك فقال بغير سبب وانما امرت ان اقول هكذا قلت امرت ان تقول هكذا في شأني قال نعم وامرت ان اقول ان فلانا من اهل الجنة وكان المشار اليه شيعيا الا انه جاهل لا معرفة له قال وامرت ان اقول ان عبد الله الغويدري يكون من اهل الجنة وكان ذلك الرجل من اهل السنة وهو عشار وحاكم على محلة ولم يظهر لاحد منه شيء من الخير قط الا ان في تلك المحلة جماعة من السادة الاعزاء وكان يعظمهم ويوقرهم كثيرا ويخدمهم ويسمع كلامهم ويصدق قولهم فقلت يا سيدي عبد الله الغويدري يكون من اهل الجنة فقال (ص) لا تغتر في ان ظاهره خبيث فانه يرجع الينا ولو عند خروج روحه فكان من القدر طائفة من الشيعة من اهل القطيف اقتتلوا مع طائفة من غير الشيعة من البوادي فخرج هذا الرجل مع اناس من اهل محلته ممن هو حاكم عليهم لنصرة الذين من اهل القطيف وقتل واخبرت بهذا الكلام اناسا فقال رجل من الشيعة قد كان بينه وبين عبد الله المذكور صداقة واختصاص ان عبد الله الغويدري شيعي قلنا معاذ الله قال اي والله لا يعلم بتشيعه الا الله وانا اثبت الرؤيا ملخصة فتدبر هذا المعنى حيث قال لي (ص) اني قلت ذلك بلا سبب وانما امرت ان اقول هكذا فلما تعجبت كيف يكون بلا سبب اخبرني بامر الرجلين وهذا معنى ما اشرت اليه من ان بعض الأسرار يعلمونها من شاؤا تعليما خاصا ويؤيد هذا المعنى ما رواه في البصائر عن الصادق (ع) انه قال ان حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكي وعر لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله قال من شئنا وفي رواية نحن نحتمله اقول على الرواية الاولى يكون صريحا ان من اسرارهم ما لا يحتمله الملائكة المقربون ولا الانبياء المرسلون ولا المؤمنون الممتحنون فيحتمل ان قوله عليه السلام من شئنا يراد به من شئنا من هؤلاء المذكورين اذ ليس غيرهم الا من هو دونهم وذلك لا يحتمل الا بالطريق الاولى او من هو فوقهم وليس الا هم عليهم السلام اي من شئنا يعني انفسنا الا انه خلاف الظاهر والرواية الثانية صريحة في حقهم وهي غير هذه فتكون هذه في حق غيرهم ممن شاؤا تعليمهم ويؤيد هذا ما تقدم في معرفة المنزلة بين المنزلتين في القدر المروية عن علي بن الحسين عليهما السلام والدليل العقلي يشهد لهذا التقسيم لان خصوص مشيتهم مكملة لما نقص من قابلية من ارادوا تعليمه واما السر الذي لا يعلمه الا هم فهو ما كان من معرفة حقيقة مقامات الله التي لا تعطيل لها في كل مكان وحقيقة معانيه سبحانه وظاهره جل وعلا ووجهه وبابه وجنابه وحكمه الذي اليه يصير كل شيء وامره الذي قام به كل شيء وكلمته التي انزجر لها العمق الاكبر وهو قولهم (ع) في الرواية المتقدمة المشار اليها بقولنا وفي رواية نحن نحتمله فان سرهم هذا لو احتمله احد غيرهم لكان اعلم منهم لما روي ان ابا جعفر (ع) قال ان حديثنا صعب مستصعب ذكوان اجرد لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد امتحن الله قلبه للايمان اما الصعب فهو الذي لم يركب بعد واما المستصعب فهو الذي يهرب منه اذا رأي واما الذكوان فهو ذكاء المؤمنين واما الأجرد فهو الذي لا يتعلق به شيء من بين يديه ولا من خلفه وهو قول الله تعالى الله نزل احسن الحديث فاحسن الحديث حديثنا لا يحتمل احد من الخلائق امره بكماله حتى يحده لان من حد شيئا فهو اكبر منه وذكر في البصائر انه وجد في بعض الكتب ولم يروه بخط آدم بن علي بن ادم قال عمير الكوفي معنى حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل فهو ما رويتم ان الله تبارك وتعالى لا يوصف ورسوله لا يوصف والمؤمن لا يوصف فمن احتمل حديثهم فقد حدهم ومن حدهم فقد وصفهم ومن وصفهم بكمالهم فقد احاط بهم وهو اعلم منهم وقال نقطع الحديث عمن دونه فنكتفي به لانه قال صعب فقد صعب على كل احد منهم حيث قال صعب فالصعب لا يركب ولا يحمل عليه لانه اذا ركب وحمل عليه فليس بصعب ه فان قلت اذا كان ذلك السر المشار اليه معرفة المقامات والمعاني والظاهر والوجه فكيف قلت لا يعلمه غيرهم وانت تخبر عنها والاخبار عنها دليل على العلم بها فلا يكون مختصا بهم اذ لا يمكن ان يسمى الشخص شيئا باسمه ويعده ويعرف انه قبل كذا وبعد كذا وهو لا يعلمه الا ان يقال ان غيرهم يعرفها مجملة وهم يعرفونها مفصلة وعلى هذا ينبغي ان يقال انها يعرفها غيرهم من وجه وهم يعرفونها من وجه ومع هذا لا يصدق انه لا يعرفها غيرهم قلت بيان جواب هذا طويل الذيل لتوقفه على تقديم مقدمات ومعرفة مسائل كثيرة الا اني اجمله في الاشارة فاقول ان تلك الأشياء المشار اليها لا تخرج عنهم الى غيرهم والشيء لا يعرف الشيء حتى يصل اليه واما ما سمعت من ذكرها فانما نصف آثارها مجملة وتلك الاثار هي صورها في نفوس من عرف ذلك من غيرهم كما نعرف الله ونصفه بصفاته ونعوت ذاته وهي صور تعرفه لعباده وهي ذواتهم التي ظهر لهم بها ولكنه سبحانه ظهر لنا بذواتنا عن تلك الأشياء المشار اليها بمعنى انه جل وعلا اظهر وصفه لنفسه الذي هو تعرفه لهم عليهم السلام وهو حقيقتهم وظهر لنا بصورة تلك الحقيقة بما فيها من وصفه فنعرف تلك الأشياء بما انتقش في ذواتنا من صورها كما توجد صورة النجم في الماء ولما كانت تلك الأشياء كبيرة واسعة لا يسعها شيء ممن هو دونها ( ما خ ) لم يحط ذلك الشيء بكل صورها بحيث تظهر فيه كل حدود اشباح هياكلها وانما يسع بقدره فلما صغر في ذاته لم يحط بتفاصيل اشباحها وانما فيه ان المعنى غير الظاهر وان الباب غير الوجه وان الحكم غير الامر فالعارفون بهم عرفوا العدد او بعضه ومن نفس الشبح بقدر وسعه وذلك حقيقته وقيمته عند ربه وقيمة كل امريء ما يحسنه وهذا القدر من الظهور هو المراد من الاجمال فاذا كان كل من سواهم لا يصل اليه الا بعض اشباحها صح ان من سواهم لا يعلمها لان الشبح ظل النور واما النور فهو مقامات ربهم ومعانيه وظاهره ووجوه صفاته ولا يعلمها غيرهم كما ذكر وهذا هو السر الذي اصطفاهم له واما القسمان الاولان منه فمعنى انه سبحانه اصطفاهم لهما انهم الحافظون والمبلغون والمؤدون وخزائن مباديهما ونهاياتهما وما يتوقف ذلك من الكتب والاجال وغيرهما ومما يدل على ان ما وصل اليهم منه ما لا يحتمله غيرهم ابدا ومنه ما يحتمله غيرهم بواسطة تعليمهم وان من ليس منهم ولا اليهم لا يحتمل من سرهم سرا لما فيهم من حقيقة الانكار للحق ما رواه في الكافي باسناده الى محمد بن عبد الخالق وابي بصير قال قال ابو عبد الله (ع) يا ابا محمد ان عندنا والله سرا من سر الله وعلما من علم الله والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان والله ما كلف الله ذلك احدا غيرنا ولا استعبد بذلك احدا غيرنا وان عندنا سرا من سر الله وعلما من علم الله امرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله عز وجل ما امرنا بتبليغه فلم نجد له موضعا ولا اهلا ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك اقواما خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته (ع) ومن نور خلق الله محمدا وذريته وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمدا وذريته فبلغنا عن الله ما امرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم الى معرفتنا وحديثنا فلولا انهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك لا والله ما احتملوه اقول الاول هو الذي اختصوا به ولا يجوز في حكمة الله ان يكلف به غيرهم ولا يجوز لغيرهم ان يطلبوه ومن طلبه فقد عصى الله واستوجب عقوبة طلبه وان آدم (ع) بعد ما علم سبق علم الله بانه سيأكل من تلك الشجرة شجرة الخلد التي منها القلم الاعلى حين اكل هو وحواء حبة من ثمارها طردا من الجنة وطلبها ايوب فابتلى بالبلاء العظيم ورغب عن الخضوع لها يونس فالتقمه الحوت فلما تابوا وانابوا وسألوا الله بمحمد وآله تحت قبة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (ع) قبل الله توبتهم واثابهم على عظيم البلاء جزيل الرضا وكذلك قد تناول ملكان من الملائكة من ورقها وهم طائفة من الملائكة بان يتناولوا من ورقها فطردهم من جوار عرشه فطافوا بالعرش سبعةالاف سنة فلما طردهم لاذوا بالبيت المعمور سبع سنين وتاب عليهم حين لاذوا بقبر الحسين (ع) في العالم الذي قبل هذه الدنيا والسر الثاني هو الذي يحتمله الملائكة المقربون والانبياء المرسلون والمؤمنون الممتحنون لان طينتهم من فاضل طينة محمد وآله الطيبين صلى الله عليه وآله الطاهرين فلهذا قبلوه واحتملوه لما حملوهم اياه ولما كان مثل هذا العلم لا يحتمله الأغيار من اعداء الدين ولا الجهال من المستضعفين امر الله بكتمانه ولذا سمي سرا اما الاغيار فلأنهم خلقوا من خلاف الحق وخلاف الطينة الطيبة وخلاف الحق هو الباطل وخلاف الطينة الطيبة الطينة الخبيثة طينة خبال فلم يقبلوا الحق الخالص وقد يقبلون منه المشوب اقامة للحجة عليهم واما المؤمنون الجهال والمستضعفون فلما في طينتهم من لطخ الطينة الخبيثة فاذا تزيلت الطينتان قبل الحق اهله والباطل لحق باهله وقد اشار عليه السلام في الحديث الذي تقدم بعضه قال (ع) بعد ذلك ثم قال ان الله خلق اقواما لجهنم والنار فامرنا ان نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوا علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقال ساحر كذاب فطبع الله على قلوبهم وانساهم ذلك ثم اطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ليكون ذلك دفعا عن اوليائه واهل طاعته ولولا ذلك ما عبد الله في ارضه فامرنا بالكف عنهم والستر والكتمان قال ثم رفع يده وبكى وقال اللهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدوا لك فتفجعنا بهم فانك ان فجعتنا بهم لم تعبد ابدا في ارضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما فانه (ع) ذكر المنكرين من المخالفين ولم يصرح بالمنكرين من المؤمنين لان انكارهم ليس ذاتيا وذلك لان من شأنهم الرد الى ائمتهم (ع) الا انه اهملهم وذكر البالغين القابلين منهم المحتملين لسرهم ودعا لهم
واما قوله (ع) واجتباكم بقدرته فقد اشار الشارح (ره) الى معنى من معانيه وهو انه انما نسب الأجتباء الى القدرة مبالغة في تعظيم مقام اجتبائه لهم لان اجتباهم الواقع على اكمل وجه من الاجتباء انما يكون عن قدرة بالغة وهي قدرته التي لا تعجز عن شيء وان عظم ويجوز فيه معنى آخر وهو انهم لما كانوا كما هم اهله مظهر قدرته ومصدر آثارها وباب فيضانها بمكان ينحدر منه السيل ولا يصعد اليه الطير واجتباهم بسبب ذلك ويجوز معنى آخر وهو ان قدرته لما كانت لا تتناهى عظيما وشدة بحيث لا يقدر احد من المقدورات تحمل ظهورها عليه بلا واسطة وجب في الحكمة اتخاذ الأعضاد للخلق ولما كانت الحكمة تقتضي ان تكون الأعضاد اقوى واقرب مما يتقوى به الى الفاعل ولم يكن في الوجود اقوى ولا اقرب منهم اختارهم عضدا لقدرته والباء بمعنى اللام وعلى تفسير ظاهر الظاهر المراد بالقدرة القدر يعني اختارهم بان جعلهم مقدرين للأشياء باذن الله كما قال الحجة (ع) في دعاء شهر رجب ومناة واذواد اي مقدرون بكسر الدال واختارهم بقدره فيرجع التقدير الى اختياره لهم او اليهم يعني انهم مقدرون بفتح الدال اي معدلون في احسن تقويم او بمعنى انه اقدرهم على تحمل ما شاء من علمه او على اداء ما حملهم وعلى تبليغ ما امرهم بتبليغه وما اشبه ذلك مما يطول به الكلام اذا تصرف في معناه على قواعد الباطن وظاهر الظاهر والتأويل وباطن التأويل
قال عليه السلام : واعزكم بهداه واخصكم ببرهانه
قال الشارح (ره) واعزكم بهداه اي جعلكم اعزة بالهداية هاديا او مهديا واخصكم ببرهانه اي بالقرءان وعلومه فانهما معجزان وهما عندهم او الأعم منه ومن غيره من المعجزات الباهرة المتواترة التي روتها العامة والخاصة عنهم صلوات الله عليهم اقول الهدى قد ذكرناه سابقا ونذكر الان كما كان عزمنا من تكرير البيان للبيان فالهدى الارشاد للزوم الطريق المؤدي الى محبة الله والمبلغ الى جنته الصارف عن اتباع الهوى الموجب للعطب والأخذ بالاراء الموجب للهلاك روى هذا المعنى عن الصادق عليه السلام والهدى الدلالة على الصراط المستقيم والهدى الكتاب والشريعة عن ابن عباس في قوله تعالى فمن اتبع هداي الخ والهدى التعريف لطريق الخير والشر والهدى التبيين كما قال تعالى اولم يهد للذين يرثون الأرض الاية والهدى التقوى كما قيل في قوله تعالى هدى للمتقين فيكون تقوى اي باعث تقوى ومحدثها او زائدها والمتقين على معنى زائدها ظاهر وعلى احداث التقوى يكون المعنى هدى وتقوى لمن يقبل او للمستحقين المتأهلين لها او باعتبار ما يؤل بها امرهم الى الاتصاف بها والهدى بمعنى الامضاء او الاصلاح كما في قوله تعالى ان الله لا يهدي كيد الخائنين اي لا يمضيه او لا يصلحه والهدى بمعنى الطريقة قال تعالى فبهداهم اقتده اي بطريقتهم في الايمان والتوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد ومجمل الشرايع واصولها والهدى الحفظ لما لا بد منه للمكلفين ومنه قوله تعالى ولكل قوم هاد وامثال ذلك وقوله (ع) واعزكم بهداه يصدق الهدى هنا على هذه المعاني مع مقارنة معاني عز من اصل اللغة والتضمين ومن معانيه الشدة والقوة مثل قوله تعالى عزيز عليه ما عنتم اي شديد عنتكم يغلب صبره وكذا قوله تعالى فعززنا بثالث اي قوينا وشددنا ظهورهما بثالث فيصير المعنى شدكم بهداه وارشاده للزوم الطريق المؤدي الى محبته والمبلغ الى جنته وقواكم بتعريفه وتبيينه لكم وقواكم بالتقوى وبما امضى لكم في محتوم قضائه من سننه وطريقته وآدابه واصول شرائعه وفروعها وشدكم وقواكم على حفظ ما لا بد منه للمكلفين من الايجادات واسبابها والتشريعات وآدابها عليهم وايدكم بما به تكونون غالبين لما تريدون ظاهرين على من تعادون واذا جعلت الباء بمعنى على كما في قوله تعالى من ان تأمنه بقنطار اي على قنطار او بمعنى اللام او في او عن او غير ذلك من حروف الجر فان حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض اتسعت وجوه المعاني وتكثرت بما يطول ذكرها ويدق بيانه وقوله (ع) واخصكم ببرهانه مما يراد به انه سبحانه اخصهم بالقرءان بان انزله في حجراتهم او علمهم مقاصده وارادته فيه او جعلهم حفظة احكامه وقواما بما انزل فيه من اوامره ونواهيه او جعلهم محله لانهم محال مشيته والقرءان ظاهر مشيته او مظهر مشيته او عاملين بما ينطق به اذ لا يمكن احد من خلق الله ان يعمل بما ينطق به كما ينطق الا هم (ع) او مبلغين به ومنذرين به كما قال تعالى حكاية عن نبيه وعنهم صلى الله عليه وعليهم ( وآله خل ) لا نذركم به ومن بلغ اي ومن بلغ ان يكون منذرا منهم (ع) ينذركم به او مؤدين عنه الى الموجودين والمكلفين ما ظهر سبحانه به فيه لهم او ما اظهر عنه من المعجزات الخارقات للعادات المقرونات بالتحدي او ما اظهر فيه وانزل فيه من العلوم والأسرار والاخبار بالحادثات على ممر الدهور او بما ينال حملته ويبلغون بسببه من الشرف والمجد والعز الذي لا يخلق جديده على تطاول الأيام والدهور او بما انزل فيه من البرهان والحجج التي يقوم بها الحق ويبطل بها الباطل وما اشبه ذلك او انه سبحانه اخصهم بالمعجزات الخارقة للعادة فانها برهان الله وحجته وآياته المصدقة لرسله واوليائه وذلك مثل احياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص والاخبار بما يدخرون في بيوتهم وانطاق الجمادات والحيوانات العجم واحياء الجمادات باعطائها ارواحا حيوانية وسلبها منها او بالاسم الاعظم الاكبر الذي به يفعلون ما شاؤا ويعلمون ما ارادوا او انه اخصهم بروح القدس المسدد لهم فلا يخطئون والمعلم لهم فلا يجهلون والمذكر لهم فلا ينسون او انه انزل في اجسادهم واجسامهم ونفوسهم وعقولهم انوار مدده حتى كانوا آية للعالمين وحجج الله على سائر خلقه اجمعين او انه سبحانه جعلهم مظاهر برهان ربوبيته وآيات علمه وقدرته كما تقدمت الاشارة اليه في رواياتهم من انهم حجج الله وانهم آياته التي اراها خلقه في الافاق وفي انفسهم والمراد بذلك ان برهانه ظهر عليهم او هم اظهروه او هم ذلك البرهان وهذه الثلاثة الأحوال احوال كونهم مظاهر برهان ربوبيته فالحال الثالث مقام المقامات في حقهم والأول مقام المعاني والثاني مقام الأبواب واثار الأحوال الثلاثة تظهر في المقام الرابع مقام الامام فافهم
قال عليه السلام : وانتجبكم بنوره وايدكم بروحه
قال الشارح (ره) وانتجبكم بنوره من الكمالات والهداية وغيرها من الأنوار القدسية المعنوية وايدكم بروحه وهي روح القدس التي كانت مع نبينا (ص) وكانت معهم كما يظهر من الأخبار المستفيضة فمن ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن ابي بصير ليث المرادي قال سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله تبارك وتعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان قال خلق من خلق الله عز وجل اعظم من جبرئل وميكائيل كان مع رسول الله (ص) يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده وفي الصحاح عن ليث قال سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال خلق اعظم من جبرئل وميكائيل لم يكن مع احد ممن مضى غير محمد (ص) وهو مع الائمة يسددهم وليس كلما طلب وجد الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة والظاهر انه من الملائكة الروحانيين ويمكن ان يكون عبارة عن تنور نفوسهم وعقولهم بالأنوار القدسية الالهية ه
اقول انه سبحانه وتعالى انتجبهم اي اختارهم بنوره اي بعلمه يعني انه اختارهم على علم منه بهم انهم الخيرة وذلك في القدم المخلوق وهو السرمد ومبدء الفيض والمد وهذا العلم الذي اختارهم هو الكتاب الأول ويعبر عنه بعبارات كثيرة مختلفة في الظاهر والمدلول والمفهوم متحدة في المعنى ومنها الحق المخلوق والكتاب الأول والعلم المساوق والربوبية اذ مربوب والألوهية اذ مألوه والفعل والاختراع والابداع والمشية والارادة والرحمة الواسعة والشجرة الكلية وبرزخ البرازخ والتعين الأول ومقام او ادنى وعالم فاحببت ان اعرف وغير ذلك ولا يراد به العلم الذي هو الذات لان الانتجاب معنى فعلي والذات لا تكون فعلا لنفسها ولاجل ان المراد منه العلم المخلوق بنفسه عبر عنه بالنور ويجوز ان يكون المراد من النور ذواتهم (ع) بمعنى انه لم يخترهم بشيء غيرهم وانما اختارهم بهم هذا ومثله من المعاني اذا اريد بانه سبحانه اختارهم في المقام الأول وان اريد انه اختارهم في المقام الثاني يكون المراد بالنور هو الأمر وهو الماء الأول كما اشار اليه سبحانه والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه وان اريد به في المقام الثالث يكون المراد من النور هو الاسم الكبير والمصباح المنير الذي اشرقت به السموات والأرضون ويكون المراد به هنا هو الحجاب الأبيض ويكون المراد من الروح في ايدكم بروحه الحجاب الأصفر كما يأتي ان شاء الله تعالى وان اريد به في المقام الرابع يكون المراد من النور الوحي والقرءان بان جعلهم مهبط وحيه وحملة كتابه وآثار هذا النور على اي معنى فرض تظهر اثاره في المقام الرابع كل اثر بحسبه في احوالهم واعمالهم واقوالهم وافعالهم كما اشرنا قبل هذا فيما قبله ولاحظ في الباء من بنوره معنى ما تقدم في نظائرها وتصرف على سنن بياننا تظهر لك ذخائر لم تزل قبل هذا الشرح مكنونة لم تكتب في القرطاس ولم تجر على خواطر الناس
وقوله (ع) وايدكم بروحه يراد منه انه سبحانه ايدهم بروح منه واعلى ما يراد من هذه الروح ان يراد بها مشيته فانها حيوة كل شيء ومن المراد من تأييدهم بها جعلهم محلا لها ولم يجعل الله جل وعز تأييدا بشيء مما خلق لشيء ( بشيء خل ) مما خلق مثل التأييد بمشيته ولم يؤيد بجميعها خلقا من سائر خلقه الا محمدا وآله الطيبين صلى الله عليهم اجمعين ثم يراد بعده القائم بجميع حيوة الموجودات وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وكان العرش الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته عليه قبل خلق السموات والأرض بما لا يكاد يدخل تحت الضبط وقد تقدم ما فيه اشارة الى ذلك كما روي عنهم (ع) انهم كانوا انوارا يسبحون الله قبل خلق سائر المخلوقات بالف دهر وفي ما روي ان عليا (ع) خطب في البصرة وقال سلوني قبل ان تفقدوني الى ان قال الراوي فقام ( اليه خ ) الرجل فسأله عن مسائل الى ان قال فكم مقدار ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء فقال (ع) اتحسن ان تحسب فقال نعم فقال امير المؤمنين (ع) افرأيت لو صب على الأرض خردل حتى سد الهواء وملأ ما بين الأرض والسماء ثم اذن لك على ضعفك ان تنقله من المشرق الى المغرب ثم مد لك في العمر حتى تنقله واحصيته لكان ذلك ايسر من احصاء ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء انما وصفت ( وصفته خل ) عشر عشير من مائة الف جزء واستغفر الله من القليل ( القول خل ) في التحديد الحديث وهذا المشار اليه بالماء الذي به حيوة كل شيء ثاني رتبة يصدق عليها الروح التي ايدهم بها وثالث رتبة هو الروح الذي اشار اليها الشارح وهو المذكور وهو تحت المرتبتين الأولتين ويطلق على القلم والعقل الكلي وعلى ملك له رؤس بعدد الخلائق من ولد ومن لم يولد وفي العلل للصدوق بسنده الى عمر بن علي (ع) عن ابيه علي بن ابي طالب (ع) ان النبي (ص) سئل مم خلق الله عز وجل العقل قال خلقه ملكا له رؤس بعدد الخلائق من خلق ومن لم يخلق الى يوم القيمة ولكل رأس وجه ( وجه رأس خل ) ولكل ادمي رأس من رؤس العقل واسم ذلك الانسان على وجه ذلك الرأس مكتوب وعلى كل وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتى يولد هذا المولود ويبلغ حد الرجال او حد النساء فاذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة والسنة والجيد والردي الا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت ومثله روي ان الله عز وجل خلق ملكا له رؤس بعدد بني آدم ولكل رأس وجه عليه اسم شخص منهم وعلى ذلك الوجه ستر فاذا ولد مولود من بني آدم ارتفع من الستر عن الوجه شيء ثم لا يزال كلما نشأ ذلك المولود يرتفع من الستر من الوجه فيشرق نوره بكماله في القلب قليلا حتى يرتفع الستر بتمامه عن الوجه فيشرق نوره بكماله في القلب ه وهذا الروح ملك كما في هذه الأحاديث وغيرها ويسمى ايضا بلسان الشرع بالقلم كما تقدم وبالعقل وبلسان اهل الحكمة بالعقل الكلي وعند بعض بالعقل الأول وقد يعبر عنه في الأخبار بالحجاب الأبيض والنور الأبيض وبالحجاب الأصفر والنور الأصفر وبالروح من امر الله ورووا من طرقهم اول ما خلق الله العقل ورووا عنه (ص) اول ما خلق الله عقلي واول ما خلق الله روحي ومن طرقنا اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وان العقل اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وبالجملة فالمعروف عند العلماء والحكماء ان اول ما خلق الله العقل وان المراد بالعقل والملك والروح والنور ( في الروح خل ) في الروايات واحد وانه يكون مع الانبياء والرسل والائمة يسددهم كما تقدم في روايتي ليث وفي الكافي عن الصادق (ع) انه سئل عن العلم أهو شيء يتعلمه العالم من افواه الرجال ام في الكتاب عندكم تقرؤنه فتعلمون منه قال الأمر اعظم من ذلك واوجب اماسمعت قول الله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ثم قال قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الايمان حتى بعث الله الروح التي ذكر في الكتاب فلما اوحى اليه علم به العلم والفقه وهي الروح التي يعطيها الله من يشاء فاذا اعطاها العبد علمه الفهم ه والمراد به هو الروح من امر الله اي الذي اظهره امر الله وامر الله هو مشيته وهو يطلق على ملكين هما معا عن يمين العرش وهما المعبر عنهما في كلام زين العابدين (ع) بالنور الابيض والنور الأصفر والأبيض هو العقل والأصفر هو الروح والمراد بالعقل عقل محمد (ص) والروح روحه لان العرش قلبه والقلب فيه العقل والروح من جانب الطور الأيمن وفيه النفس والطبيعة من الجانب الأيسر ولهذا لم يوجد هذا الملك العالي عند احد من الناس ( الخلق خل ) الا محمد وآله (ص) لانه عقله وعقلهم ينتقل من واحد الى واحد وفي الحديث منذ انزل الله ذلك الروح على محمد (ص) ما صعد الى السماء وانه لفينا اقول انما كان ذلك لانه عقله فهو مخصوص بهم وانما يكون عند الانبياء عليهم السلام منه وجه من وجوهه لكل نبي وجه ويكون عند كل مؤمن اشراق من اشعة تلك الوجوه ومعنى ان الله ايدهم بروحه الذي هو عقلهم ان الله سبحانه اكمله فيهم وهو في حد ذاته نور لا يظلم وذكر لا ينسي ولا يغفل وعلم لا يجهل ويقين لا يشك ومعرفة لا ينكر وهداية لا يضل وما اشبه ذلك ومعنى انه ليس كلما طلب وجد لان العقل اذا اقبل لا يحتاج الى طلبه اذ لا يطلب الا لاقباله واذا ادبر لا يمكن طلبه اذ ليس في مشاعر العبد بعد الوجود اقوى منه فيطلب به ولانه فان في الوجود فاذا صرفه الوجود المعبر عنه بالفؤاد لا يقبل واذا اقبل به فهو شاهد لا يطلب وهذا الروح له اطلاقان احدهما الروح الذي هو من امر الله وهو ملكان عن يمين العرش وثانيهما الروح الذي على ملائكة الحجب اي الموكل على ملائكة الحجب وهو ملكان عن يسار العرش وهذه الأربعة هم العالون الذين اشار سبحانه وتعالى اليهم بتأويل قوله تعالى لابليس استكبرت ام كنت من العالين لانهم لم يسجدوا لادم بل انما امر الله السجود ( الملائكة بالسجود خل ) لادم كرامة لهؤلاء الأربعة لان الله انزل انوارهم في آدم وهم انوار محمد (ص) وهم حملة العرش والعرش ذواتهم او ما جعل الله عندهم من خزائن الأشياء والملائكة الذين هم جبرئل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل يستمدون من اولئك الأربعة العالين امدادات مراتب الوجود الأربعة الخلق والرزق والحيوة والممات وهؤلاء الأربعة العالون هم الحجب وهم الأنوار الأربعة التي خلق منها العرش روي علي بن ابراهيم في تفسيره بسنده عن ابي الطفيل عن ابي جعفر (ع) قال جاء رجل الى ابي علي بن الحسين (ع) فقال له ان ابن عباس يزعم انه يعلم كل آية نزلت في القرءان وفي اي يوم نزلت وفيمن نزلت فقال ابي (ع) سله فيمن نزلت ( فقال خ ) ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا وفيمن نزلت ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم وفيمن نزلت يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فاتاه الرجل فسأله فقال وددت ان الذي امرك بهذا واجهني به فاسأله عن العرش مم خلقه الله وكم هو وكيف هو فانصرف الرجل الى ابي (ع) فقال (ع) هل اجابك بالايات قال لا قال ابي (ع) لكن اجيبك بعلم ونور غير المدعي ولا المنتحل اما قوله ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا ففيه نزل وفي بنيه واما قوله ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ففي ابيه نزلت واما الاخرى ففي بنيه نزلت وفينا ولم يكن الرباط الذي امرنا به وسيكون ذلك من يسألنا المرابط ومن نسأله المرابط واما ما سأل عنه من العرش فان الله عز وجل خلقه ارباعا لم يخلق قبله الا ثلاثة اشياء الهواء والقلم والنور ثم خلقه من انوار مختلفة فمن ذلك النور نور اخضر اخضرت منه الخضرة ونور اصفر اصفرت منه الصفرة ونور احمر احمرت منه الحمرة ونور ابيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كل طبق كأول العرش الى اسفل السافلين ليس من ذلك طبق الا يسبح بحمد ربه ( بحمده خل ) ويقدسه باصوات مختلفة والسنة غير مشتبهة ولو اذن للسان منها فاسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمداين والحصون ولخسف البحار ولاهلك ما دونه له ثمانية اركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم الا الله عز وجل يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولو حس شيء مما فوقه ماقام لذلك طرفة عين بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة والعلم وليس وراء هذا مقال ثم قال (ع) لقد طمع الحائر في غير مطمع اما ان في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم فيخرجون اقواما من دين الله وستصبغ الأرض بدماء افراخ من افراخ ال محمد صلى الله عليه وآله تنهض تلك الافراخ في غير وقت وتطلب غير مدرك ويرابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ه فذكر في هذا الحديث الشريف العالين الأربعة وانهم انوار اربعة فالنور الأبيض والنور الأصفر هما الروح من امر الله وهما عن يمين العرش والنور الأخضر والنور الأحمر هما الروح الذي على ملائكة الحجب اي الموكلان بالكروبيين وهما عن يسار العرش فالعرش مركب من هذه الأنوار الأربعة وهو هنا عبارة عنهم لان له اطلاقات مختلفة عند اهل الشرع عليهم السلام فيطلق على الملك وعلى الدين وعلى قلب العبد المؤمن وعلى العلم الباطن وعلى عالم الأمر وعلى كل الوجود وعلى محدد الجهات وسأل حنان بن سدير ابا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال ان للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كل سبب وضع في القرءان وصفة على حدة فقوله رب العرش العظيم يقول رب الملك العظيم وقوله الرحمن على العرش استوى يقول على الملك احتوى وهذا ملك الكيفوفية في الأشياء ثم العرش في الوصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الارادة وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلم ( علمه ظ ) اغيب من علم الكرسي ولذلك ( ذلك خل ) قال رب العرش العظيم اي صفة ( صفته خل ) اعظم من صفة الكرسي وهما في ذلك مقرونان قال جعلت فداءك فلم صار في الفضل جار الكرسي قال انه صار جاره لان علم الكيفوفية فيه وفيه الظاهر من ابواب البداء واينيتها وحد رتقها فهما جاران احدهما حمل صاحبه في الظرف وتمثل صرف العلماء واستدلوا صدق دعواهم لانه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز فمن اختلاف صفات العرش انه قال تبارك وتعالى رب العرش رب الوحدانية عما يصفون الحديث فتدبر هذين الحديثين وما اشير فيهما اليه وذلك بيان الروح واسمائها ومراتبها وصفاتها حيث عبر عنها بالألسنة المختلفة
قال عليه السلام : ورضيكم خلفاء في ارضه وحججا على بريته
قال الشارح (ره) ورضيكم خلفاء في ارضه كما قال الله تعالى وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا وروي متواترا انها وردت فيهم وكمال الاستخلاف في زمان المهدي (ع) فانه الزمان الذي تجتمع فيه الخلائق على الايمان ويرتفع الشرك بالكلية كما رواه العامة ايضا متواترا وروى الخاصة متواترا انهم خلفاء الله في ارضه ولا يكون زمان خاليا من الخليفة كما يظهر من قوله تعالى اني جاعل في الأرض خليفة ويظهر ايضا من قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد وروي في الأخبار المتواترة ان المراد به الامام وانه لو لم يبق الا اثنان لكان احدهما الامام (ع) ه
اقول انه سبحانه رضيهم اي جعله اياهم خلفاء في ارضه مصاحب لرضاه بان رضي بان يكونوا ( بجعلهم خل ) خلفاء او رضي بخلافتهم او رضيهم للخلافة او ظهر رضاه بخلافتهم او بجعلهم خلفاء وان خلافتهم هي رضاه او انها مظهرة لرضاه او ركن رضاه او سبب لرضاه والرضا ضد السخط والسخط هو الغضب واذا نسب الى الله اريد به فعل العقاب بالمسخوط عليه والمغضوب ( عليه خ ) وكذلك الرضا ويكون هنا وجها من معاني هذا الكلام لان رضا الله ثوابه فرضيهم الله خلفاء اثابهم بالخلافة او بالمدد والتأييد للخلافة او جعل خلافتهم ثواب الطائعين وهو اعظم مراتب الاثابة اما بقبولها او بجعلهم ملوكا بسبب القيام بمقتضاها والانقياد لا ربابها و( او خل ) انها سبب للاثابة بنعيم الجنان وقد يكون الرضا بمعنى الاقرار في الشيء كما قالوا (ع) لشيعتهم في حق مخالفيهم ارضوا ما رضى الله لهم من ضلال اي اقروهم على ما اقرهم الله عليه وقد يكون بمعنى الاذن في التصرف كما يقال رضي المالك بان يبيع وكيله المتاع فعلى معنى الاقرار في الشيء يمكن ان يتكلف لجريانه هنا والمراد بالتكلف بعده عن مراد الظاهر والا ففي الحقيقة لا ريب في ارادته لمن عرف المراد من مقاصد اهل العصمة (ع) وعلى معنى الاذن ظاهر لانه قد اشهدهم خلق الأشياء وانهي علمهم اليهم وجعلهم اولياء على سائر خليقته وهو تأويل قوله تعالى في حق نبيه (ص) ما اوحى الى سليمان بن داود (ع) هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وهذا ملحوظ فيه قوله تعالى لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون واذا اريد بالرضا الاختيار فهو اظهر ويرجع الاختيار الى ذواتهم اي انه تعالى اختارهم من سائر خلقه لخلافته في سائر خلقه او الى خلافتهم اي انه اختار لهم خلافته الحق التي لا خلافة مثلها لانه اقامهم في سائر عالمه مقامه وصاحب هذه الخلافة ينقاد له كل شيء من المعاني والأعيان والذوات والصفات والسكون والحركات والأفعال والأعمال والأحوال والاجال والكتب والرخص وغيرها لان هذه الخلافة هي ولاية الله الحق لان غير هذه الخلافة وان كانت حقا ليست كلية شاملة ولا خالصة من جميع الهفوات والقصورات والتقصيرات بل اما خلافة جور او مشوبة بحق وباطل او ناقصة او ظاهرة في البعض او باطنة في البعض ولا ينطق على قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق الا الخلافة التي رضيها لهم (ع) وقوله (ع) في ارضه التفات الى قوله تعالى واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة اما ذكر الأرض في الآية فهو ظاهر لان الأرض لما كان ابليس حاكما على طوائف الجن ثم ( لما خ ) طغوا وخالفوا اوامر الله وارسل عليهم جنودا من الملائكة وقتلوهم واسروا ابليس وصعدوا به الى السماء اراد الله ان يعمر ارضه بقائم بالحق بعد ما افسد فيها الجن والشيطان فالتفت (ع) الى ان خلافتهم وان كانت عامة لأهل الأرض واهل السماء ومن في الغيب والشهادة واهل الدنيا والاخرة لوحظ فيها مقابلة خلافة اهل الجور والطغيان من الشيطان شيطان هذه الأمة وجنوده ذرية الجن من اهل الزيغ والعدوان وكانت في الأرض فرضيهم الله تعالى خلفاء في ارضه ليقيموا العدل فيها ويملئوها قسطا كما ملأها شياطين الانس والجن ظلما وجورا والا فخلافتهم عامة لكل شيء كما اشار اليه امير المؤمنين (ع) في وصف النبي (ص) في استخلاف الله له قال (ع) اقامه في سائر عالمه يعني في جميع خلقه والمراد بجعلهم خلفاء لله في ارضه ان الله تعالى يجري على ايديهم افاعيله واوامره ونواهيه في سائر خلقه بواسطة ما سخر لهم من ملائكته وجنه وانسه وسائر ما صنع لهم ويجوز ان يكون الاستخلاف في العلم وهو قول الباقر (ع) في تفسير قوله تعالى وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية الى ان قال (ع) فقد وكل ولاة الأمر بعد محمد صلى الله عليه وآله بالعلم ونحن هم فاسئلونا فان صدقناكم فأقروا وما انتم بفاعلين او يكون هو مطلق التمكين في الأرض لاقامة دين الله فيصدق في هذا الزمان اذ ليس هدى ولا دين الا بهم او خصوص التمكين في رجعتهم خاصة لا التمكين العام والمطلق لان ذلك لا تعرفه عوام الناس وانما يعرفونه بالملك والتسلط الظاهري وذلك لا يكون الا عند قيام قائمهم عجل الله فرجه او في رجعتهم الى الدنيا وقد يفهم من قوله في ارضه ارادة التوقيت بالزمان لذكر الأرض وليس المراد ( به خ ) حصر الاستخلاف ولكن لما كان فائدة ذلك انما هو للمكلفين واجراء احكام التكليف ظاهرا انما هو في الدنيا او ما هو من دار التكليف كاحوال الرجعة لانه في مقابلة استخلاف ائمة الجور ولهذا ورد بلفظ وعد والا لما حسن وعد لان الله سبحانه قد جعلهم خلفاء بالمعنى الاول بل كان لهم ذلك قبل كل الخلق كما قال (ع) الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق
وقوله عليه السلام : وحججا على بريته قد تقدم الكلام في الحجج والبرية قيل الخليقة مشتقة من برأ بالهمزة قيل بمعنى خلق وقيل في قوله تعالى هو الله الخالق البارئ المصور الخالق المقدر لما يوجده والبارئ المميز بعضهم عن بعض بالأشكال المختلفة والمصور الممثل وقال في مجمع البحرين قال بعض الأعلام قد يظن ان الخالق والبارئ والمصور الفاظ مترادفة وان الكل يرجع الى الخلق والاختراع وليس كذلك بل كلما يخرج من العدم الى الوجود مفتقر الى تقديره اولا وايجاده على وفق التقدير ثانيا والى تصوير بعد الايجاد ثالثا فالله تعالى خالق من حيث هو مقدر وبارئ من حيث هو مخترع وموجد ومصور من حيث انه مرتب صور المخترعات احسن ترتيب
اقول ليس واحد من هذه الأقوال بشيء فعلى الأول البرية الخليقة وعلى الثاني البرية هي المميزة بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة وعلى الثالث الموجودة على وفق التقدير هذا على تقدير انها من برأ والحق في الاسماء الثلاثة ان الخالق هو الموجد للكون والبارئ هو الموجد للعين والمصور هو الموجد للتقدير فتكون البرية هي ( هو خل ) المكونة المعينة قبل ان تلحق افرادها السعادة او الشقاوة يعني مع قطع النظر عن السعادة والشقاوة وقيل من البراء بالمد والقصر وهو التراب والمعنى المخلوقة من التراب فعلى انها من برأ يكون المراد بها كل ما دخل تحت الارادة وعلى انها من البراء اي التراب فان اريد به على الظاهر اختصت بما كون من العناصر فتخرج الملائكة وقد تدخل الملائكة العنصريون على قول من يجعل الملائكة قوى جسمانية وعلى قول من يجعلهم ارواحا مجردين عن المادة العنصرية والمدة الزمانية الا انهم اجسام كما هو الحق فيخرجون على الظاهر ويدخلون على الباطن بمعنى انها التراب ينتهي الى الصور العلمية كما اشار اليه تعالى بقوله افلايرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها اي بموت العلماء كما روي عنهم (ع) وعلى قول من يجعلهم مجردين عن مطلق المادة يخرجون مطلقا واما الملائكة العقليون فيخرجون مطلقا والحق اخذها من برأ فيدخل فيها كل من كان تحت الارادة فتدخل الملائكة العقلية فيكون المعنى انهم حجج الله على جميع خلقه وقرأ نافع وابن ذكوان البرئة بالهمزة على الأصل لانها من المهموز وقرأ الأكثر بالتخفيف للتخفيف والظاهر ان قراءة الهمزة من برأ لا من البراء وقراءة التخفيف تحتمل الوجهين ومعنى انه رضيهم حججا على بريته كما تقدم في بيان وحجج الله على اهل الدنيا وخصكم ببرهانه فلا فائدة في اعادته ( لاعادته خل )
قال عليه السلام : وانصارا لدينه وحفظة لسره
الأنصار جمع ناصر وهو الذاب فانهم عليهم السلام يذبون عن دينه كل مخالف له بان يبطلوا حجته بالبرهان الحق كما قال الصادق (ع) فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وعنه (ع) قال قال رسول الله (ص) يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكبريت خبث الحديد
اقول قوله (ع) فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا الخ يحتمل ان يريد بالعدول انفسهم (ع) وهذا على الحقيقة والأصل ويحتمل ان يريد بالعدول ( علماء خ ) شيعتهم الذين يقتفون اثارهم ويعرفون احكامهم الممتحنون المحتملون لعلومهم وهو من عناهم علي بن الحسين عليهما السلام في تقسيم العلماء الى ان قال ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هويه تبعا لأمر الله وقواه مبذولة في رضا الله يرى الذل مع الحق اقرب الى عز الأبد من العز في الباطل ويعلم ان قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه الى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد وان كثير ما يلحقه من ضرائها ان اتبع هويه يؤديه الى عذاب لا انقطاع له ولا يزول فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا والى ربكم به فتوسلوا فانه لا ترد له دعوة ولا تخيب له طلبة وكذلك قول الصادق (ع) فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه وذلك لا يكون الا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم الحديث ومن شيعتهم الانبياء والمرسلون واوصياؤهم كما قال الباقر (ع) في قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير الاية قال فنحن القرى التي بارك الله فيها وذلك قول الله عز وجل فيمن اقر بفضلنا حيث امرهم ان يأتونا فقال وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها اي وجعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة الرسل والنقلة عنا الى شيعتنا وفقهاء شيعتنا فعلى الأول هم الأنصار لدينه الذين ينفون عنه كل ما ليس منه ويتمون منه ما نقص منه وعلى الثاني فكذلك لانهم انما نصروا دين الله بتسديد ائمتهم وتعليمهم وامدادهم لهم باحاديثهم وتنويرهم لقلوبهم وتعريفهم كيف يعلمون ويعملون ويعلمون عوامهم بل لم يصدر عنهم شيء من الحق في انفسهم ولرعاياهم الا منهم وعنهم (ع) بل لم يوجد شيء من الحق عند احد من الخلق الا منهم وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) اما انه ليس عند احد من الناس حق ولا صواب الا شيء اخذوه منا اهل البيت ولا احد من الناس يقضي بحق وعدل وصواب الا ومفتاح ذلك القضاء وبابه واوله وسببه علي بن ابي طالب (ع) فاذا اشتبهت عليه الامور كان الخطأ من قبلهم اذا اخطأوا والصواب من قبل علي بن ابي طالب (ع) والنصرة منهم (ع) لدينه عامة وفي كل مرتبة من مراتب الدين من التوحيد فما دونه الى ارش الخدش فما فوقه بل كل جزء هم القوام به ولاحظ ما تقدم فان فيه شرح ما تريد شرحه بقي هنا نكتة وهي ان علي بن الحسين (ع) قال في دعاء شهر رمضان واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري فاقول اذا كان القائل به مثله (ع) هو واباؤه وابناؤه الطاهرون كانت النصرة على الحقيقة على نحو ما اشرنا اليه بالأصالة واذا كان القائل غيره من شيعتهم من الانبياء مثلا فهو حكم عام اضافي على الحقيقة بعد الحقيقة واذا كان ( شيعتهم خ ) من غير اهل العصمة فهو خاص على محض التبعية وهذا في الجملة ظاهر وصعوبة الأمر فيه في التفصيل لكن الشيخ الأمين الشيخ ياسين بن صلاح ( الدين خ ) البحراني تغمده الله برحمته روي في كشكوله قال كتب رجل الى ابي عبد الله (ع) يسأله ان يدعو الله له ان يجعله ممن ينتصر به لدينه فاجاب (ع) رحمك الله انما ينتصر الله لدينه بشر خلقه اقول لعل السائل طلب في نفسه اعلى النصرة لدين الله التي لا تكون لغير محمد واهل بيته (ص) وعلم الامام (ع) ذلك منه فاجابه بان طلب ذلك المقام العالي لا يكون الا من اهله بالحق او من مدعي مقامهم ولا يكون الا شر خلق الله كما قال تعالى في شأن بختنصر حيث انتقم به من اهل حضور او حاضور اسم قرية من اليمن حين قتلوا نبيهم حنظلة بن صفوان ونقل انهم طبخوه واكلوه فسلطه الله عليهم حتى قتلهم ولم يبق منهم احدا حتى الحيوانات وهو قوله تعالى فلما احسوا بأسنا اذا هم منها يركضون وعن ابن عباس نادي مناد من السماء يا لثارات الانبياء وقيل هو يهتف بثار حنظلة فسماه الله بأسا له وهذا كافر شقي انتصر الله به لدينه وان كان متعديا مدعيا فلو ان السائل طلب ان ينصر الله دينه به ( به دينه خل ) تبعا لهم (ع) لاجابه الى سؤاله ولذا ورد النهي عن سؤال مقامات الانبياء والأئمة (ع) لسائر الناس فنصرة الحق بالحق على كمال ما يريد الله لا تكون الا من محمد وآله (ص) دون غيرهم من جميع خلقه فقوله ورضيكم انصارا لدينه يريد به اعلى مراتب النصرة على ما اشرنا اليه وقوله عليه السلام وحفظة لسره تقدم بيانه في قوله عليه السلام وحفظة سر الله
قال عليه السلام : وخزنة لعلمه ومستودعا لحكمته
اقول قد تقدم معنى كونهم خزنة لعلمه في قوله (ع) وخزان العلم وان العلم نفس المعلوم فهم يرون كل شيء في مكان وجوده وزمان شهوده وذلك لان الشيء قائم بامر الله ولا يقوم شيء بدون امر الله وهو قوله تعالى يذرؤكم فيه وهم ذلك الأمر الذي قامت الأشياء بنوره وكل شيء من خلق الله هو العلم به فهم خزان العلم وذكر هنا انه ارتضاهم خزنة لعلمه والمراد بهذا العلم العلم الحادث الذي هو ذواتها لان العلم الأزلي هو ذات الواجب جل وعلا ولا يكون له خازن غيره ولا يحيطون بشيء من علمه ولما كان العلم نفس المعلوم لزم من قولنا انهم خزنة ( العلم انهم خزانة خ ) الأشياء من ذواتها وصفاتها واحكامها ومصادرها ومواردها وعللنا ذلك بانها قائمة بامر الله وانهم امر الله وقلنا انها ذرئت فيه اي في نوره لا في ذاته ومرادنا ان ( انها بكل خل ) ما لها وعليها قائمة بنورهم ومعنى هذا القيام هو تأويل قوله تعالى قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون فملكوت الأشياء وازمتها نورهم فقد خزنوا كل شيء شاءه الله مشية كون في ملكوته بالله وبامره قد رضيهم لذلك فكانوا كما رضي واحب فقولنا تأويل قوله تعالى قل من بيده ملكوت كل شيء نريد به انهم يد الله كما قالوا (ع) وملكوت كل شيء غيبه وعلته وزمامه الذي به قام ولذا قلنا ان الشيء مخزون في ملكوته ولا يتصرف في الشيء الا من بيده ملكوته وبيانه ان التصرف الذي لا مانع له هو المراد لا مطلق التصرف فان نور السراج تقدر ان تتصرف فيه في الجملة وان لم تملك ملكوته بأن تقرأ عليه وتضع مرءاة تعكس بعضه الى غير جهة المقابلة وتحجبه ولكن من كان بيده السراج بنفسه هو الذي يتصرف بلا مانع لانك اذا اردت ان تقرأ مثلا وهو لم يرد ذلك نقل السراج عنك ولم تقدر ان تمسك شيئا من النور اذ ليس في يدك ملكوته فافهم والى هذا المعنى اشار تعالى بقوله الحق قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر انفسهم ولا هم منا يصحبون وبيان الاستشهاد من الايتين في رتبة المعاني وهي الثانية لهم وبيان المراد في رتبة البيان وهي الاولى لهم وقد تقدم كثير من هذا
وقوله : ومستودعا لحكمته الاستيداع الاستيمان بان تضع ملكك عند من تثق به والحكمة العلم او العلم مع العمل به او تعديل القوة الملكية بالتوسط بين الافراط المسمى بالجربزة وبين التفريط المسمى بالبله وتعديلها هو الحكمة وهي العقل المكمل كما قال في حق العقل ولا اكملتك الا فيمن احب او هي المعرفة التي تقابل بالانكار لا بالجهل والشك او هي ضياء المعرفة في الفؤاد او هي نور الفؤاد او هي نور الله المعبر عنه بالتوسم والفراسة وبالجملة فمعنى ان الله سبحانه رضيهم مستودعا لحكمته اختارهم اختيار محبة ورضى مستودعا لحكمته يعني انه يثق بهم في حفظ الحكمة ووضعها موضعها بان يبذلوها لمن يحفظها ويمنعوها من لم يحفظها او هم الحكمة واستودعهم انفسهم وانهم يؤدونها الى المستحقين ليعملوا بها او يبلغونها اهلها ليعملوا عنها فحفظوا الحكمة على سبيل ارادة المستودع سبحانه وتعالى ووضعوها فعرفوا بالتوسم من يحفظها فبذلوها له مسددين له على حسب ما كتب له من الحظ فيها وانكروا من لم يعرفها فيمنعونه منها وحفظوا انفسهم عليه وعلى خدمته كما استودعهم في قوله تعالى خلقتك لأجلي وخلقت الأشياء لأجلك واذا ادوها الى المستحقين اعانوهم على العمل بمقتضاها وعلى التبليغ والأداء وامثال ذلك وكل ذلك وامثاله من ذلك الاستيداع وانما عبر عن افاضتها عليهم بالاستيداع لان ما اعطاه وافاضه من خزائنه على احد من خلقه لم يخرج عن قبض يده بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه فكل ما جعله عند احد من خلقه فهو عارية ووديعة مهما شاء ان يسترده استرده لانه مالكه ومالك التصرف فيه ملكا غير موقت ولا مشروط بغير ارادته جل وعلا
قال عليه السلام : وتراجمة لوحيه واركانا لتوحيده
قال الشارح (ره) وتراجمة اي مبينا لوحيه القرءان او الأعم واركانا لتوحيده اي رضيهم الله بان يكونوا اركانا للأرض لان يوحده الخلق كما يظهر من الأخبار المتكثرة وتقدم بعضها او هم المبينون لتوحيد الله تبارك وتعالى فكأنهم اركانه ه
اقول التراجمة جمع ترجمان بفتح التاء وضم الجيم وهو الأفصح وفيه لغة بضمهما معا وفيه لغة بفتحهما معا وهو المفسر للسان ( لللسان ظ ) والمبين له بلغة غير لغة المتكلم وفي الحديث الامام يترجم عن الله عز وجل يعني بقوله عند الانصراف من الصلوة السلام عليكم يعني يقول لمن يصلون معه امان لكم من عذاب الله يوم القيمة كما روي عنهم (ع) والوحي في الأصل الكلام الخفي الذي يدرك بسرعة وفي تفسير القمي قال وحي مشافهة ووحي الهام وهو الذي يقع في القلب ويستعمل الوحي بمعنى الاشارة واوحى اليهم ان سبحوا بكرة وعشيا وقيل في هذه الاية بمعنى اومأ وقيل كتب لهم في الأرض ويستعمل بمعنى زخرف كما قال تعالى يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وبمعنى وسوس قال تعالى وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم يعني اوليائهم من الانس والشياطين وعن ابي جعفر (ع) انه قال ان الشياطين يلقي بعضهم بعضا فيلقي اليه ما يغوي به الخلق حتى يتعلم بعضهم من بعض ه فاول وحي لله سبحانه فعله اوحاه الى نفسه وترجم عن نفسه ما اظهر فيه من آثار الربوبية اذ لا مربوب التي هي حقائق الربوبية اذ مربوب مبلغا مؤديا الى حقيقتهم (ع) التي هي محل مشية الله فتترجم تلك الحقيقة لنفسها المعبر عنه بالقبول وللقلم وهو الوحي الثاني فتؤديه الى القلم وهو الوحي الثالث فيترجم القلم لنفسه وهو قبوله ولللوح ويؤديه ( يؤدي خل ) الى اللوح وهو الوحي الثالث فيترجم اللوح لنفسه وهو قبوله وللملائكة وتؤديه الى الانبياء (ع) وهو الوحي الرابع وهم يترجمونه لانفسهم وهو تحملهم له ولأممهم وفي كل رتبة يترجم الواسطة كلام الاعلى لنفسه بنور الله وللأدنى بلسانه ليفهم خطاب الله له وما يريد منه وانما ذكرت هذه الأشياء للتمثيل لا للحصر فيها بل ورد ان الله سبحانه خلق الف الف عالم والف الف آدم وهي من سلسلة ( متسلسلة خل ) مترتبة بترتيب طبيعي متناسق يجري فيها الأمر والحكم يتنزل الأمر فيها وبينها في كل عالم وكل جزئي على نحو ما مثلنا به هذا مثال التكوين التشريعي واما التكوين الوجودي فكذلك ولكن تمثيله في الجملة هكذا من الفعل الى الحقيقة ومنها الى العقل ومنه الى الروح ومنه الى النفس ومنه الى الطبيعة ومنها الى المادة ومنها الى المثال ومنه الى الجسم ومنه الى محدد الجهات ومنه الى فلك البروج ومنه الى السموات ومنها الى العناصر ومنها الى المعادن ومنها الى النباتات ومنها الى الحيوانات ومنها الى الملائكة ومنهم الى الجان ومنهم الى الانسان هذا ترجمة الوحي من جهة المفعولات بقول مطلق يعني المقيدة وما هو مقيد باعتبار مطلق باعتبار واما ترجمة الوحي من جهة الأفعال فالمشية تترجم عن نفسها لنفسها وللارادة والقدر والقضاء وللأسماء الثمانية والعشرين فرفيع الدرجات يترجم للجامع عن الجامع وهو يترجم للانسان عن اللطيف وهو يترجم للجان عن القوي وهو يترجم للملائكة عن المذل وهو يترجم للحيوانات عن الرزاق وباعتبار آخر بالعكس فيترجم الرزاق للنبات عن المذل وهو يترجم للحيوانات عن القوي وهو يترجم للملائكة عن اللطيف وهو يترجم للجان عن الجامع وهو يترجم للانسان عن رفيع الدرجات والعزيز يترجم للجمادات عن المميت وهو يترجم للتراب عن المحيي وهو يترجم للماء عن الحي وهو يترجم للهواء عن القابض وهو يترجم للنار عن المبين وهو يترجم لفلك القمر عن المحصي وهو يترجم لفلك عطارد عن المصور وهو يترجم لفلك الزهرة عن النور وهو يترجم لفلك الشمس عن القاهر وهو يترجم لفلك المريخ عن العليم وهو يترجم لفلك المشتري عن الرب وهو يترجم لفلك زحل عن المقتدر وهو يترجم لفلك المنازل عن غني الدهر وهو يترجم لفلك البروج عن الشكور وهو يترجم للكرسي عن المحيط وهو يترجم للعرش عن الحكيم وهو يترجم لجسم الكل عن الظاهر وهو يترجم لشكل الكل عن الاخر وهو يترجم لجوهر الهباء عن الباطن وهو يترجم لطبيعة الكل عن الباعث وهو يترجم لنفس الكل عن البديع وهو يترجم لعقل الكل عن فعل الله وابداعه وقد تقدم ان الوحي قسمان وحي مشافهة ووحي الهام فاما وحي المشافهة فهو ان يرسل الله اليه ملكا رسولا فيبلغه عن الله مشافهة وهو قوله تعالى او يرسل رسولا يعني ملكا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم او يرسل اليه بشرا رسولا فيوحي باذنه ما يشاء اي يبلغ ذلك الرسول المرسل الى الرسول الاخر باذن الله كما قال تعالى اذ جاءها المرسلون اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فعلى رواية ان هذه الرسل رسل عيسى ارسلهم باذن الله وامره والمروي ان الثالث شمعون بن حمون الصفا رأس الحواريين والاثنان ذكر السهيلي في تفسيره ان احدهما اسمه صادق والاخر اسمه صدوق وقال الثالث المعزز به اسمه شلوم وبالجملة هذه الثلاثة رسل الله اوحى اليهم بواسطة عيسى (ع) فالوحي اليهم وحي مشافهة ومنه ما كلم الله به من وراء حجاب كما كلم موسى (ع) فانه سمع الصوت المنبعث من الشجرة فكان مشافهة وما اشبهه واما وحي الالهام فما يرد على القلب من النور بحيث يفهم به مراد الله وما يظهر من الاشارات ونطق احوال الأشياء من الجمادات والنباتات والحيوانات واحوال الحركات والهيئات والأوضاع وترتب الطبيعيات وغير ذلك كدوي الريح وجريان المياه وتغطمط البحار وهفيف الأشجار ونباتها واثمارها وتقلب الطير في الهواء وما تسقط من ورقة وما تنبت وما تنمو وتذبل والاشارات والايماءات والتلويحات وما تبوءته النحل من الجبال والشجر وما يعرشون وما اشبه ذلك كله من وحي الالهام وهذا في حركاتها وهيئاتها واما اصواتها واصوات الحيوانات وطنين مثل النحل والذباب ومنطوق احوال الكلام ونطق السنة الأحوال في الحس المشترك فهو على ما الهمناه من الوحي الشفاهي وهم صلى الله عليهم مترجمون لذلك لهم ولمن امروا بتبليغهم من وحي او من وراء حجاب او بارسال رسل بالسنة قومهم او بخطاب مشافهة ثم ان كونهم مترجمين انما هو بصنع الله واحداثه في قلوبهم وانفسهم ما شاء ان يصل اليهم بما شاء من اقلامه الجارية في الواح علومه التي يترجم بها سبحانه لمن شاء ما شاء قال الله تعالى هذا كتابنا اي مكتوبنا ينطق عليكم اي بنا بالحق يعني بالحق من عندنا انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد والاركان جمع ركن وهو الجانب الاقوى والمراد بكونهم اركانا لتوحيد الله عن رضى من الله بذلك ان التوحيد الذي هو حق معنى لا اله الا الله لا يتحقق الا بشهود خلوص التفرد بالألوهية و( وهو خل ) التفرد بالألوهية هو التوحيد ولا يتحقق حق التفرد الا بتحققه اما في عالم البيان فان العارف اذا جرد نفسه غاية التجريد المعبر عنه في الحديث بمعرفة النفس بان العارف اذا جرد نفسه عن كل صفة ونسبة واعتبار حتى عن الاشارة وعن تجريده بحيث لا يجدها عرف نفسه فانها وصف ( نفسه خ ) الذي ليس كمثله شيء فاذا عرف الوصف عرف ربه وذلك المثل الذي ليس كمثله شيء ايتهم (ع) كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فتلك الايات التي هي حقيقة التوحيد في الخلق هي آياتهم وهم ذلك المثل الاعلى الذي ليس كمثله شيء فهم ركن التوحيد اي الجانب الاقوى منه لانه سبحانه تعرف لكل من سواهم عنهم (ع) فهم (ع) في ذلك التعرف العضد المتقوم به فلهذا كانوا اركان التوحيد وقد رضيهم الله لذلك واما في عالم المعاني فلان الصفات العليا اذا اعتبرها العارف بربه وجدها مع كثرتها بمعنى واحد لا يكون لغير الله سبحانه فان السمع والبصر والقدرة وامثال ذلك ان اردت بها الذاتية فليست شيئا غير ذاته لا واقعا ولا فرضا ولا اعتبارا كما قال (ع) وكمال التوحيد نفي الصفات عنه وان اردت بها الصفات الحادثة فليس لها معاني الا حقائقهم لانهم معانيه فهم علمه وقدرته ويده وعينه واذنه وجنبه ولسانه وامره وحكمه وحقه كما في رواية جابر بن عبد الله وتقدمت وهم قلبه كما في رواية الحسن بن عبد الله عن الصادق (ع) رواها في الاختصاص فاذا كانت هذه المراد بها شيء واحد وهو حقيقتهم كانت وحدة ( واحدة خل ) الصفات انما هي بهم بل ليست شيئا غير تلك الحقيقة وهذا توحيد الصفات وهم ركن هذا التوحيد وتلك المعاني وان كانت متكثرة المفاهيم لكنها في حقيقتها لا تصدق على متعدد وانما تغايرت مفاهيمها لان فهمها باعتبار متعلقاتها ومعنى توحيده فيها انه لا يشاركه فيها هي ولا غيرها وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء ودعوى المشاركة شرك واليه الاشارة بقوله تعالى ويوم يناديهم فيقول اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون فانهم ادعوا ان الله قد شرك آلهتهم في تلك الحقيقة او ان آلهتهم شاركت تلك الحقيقة في اتصاف الله بها او في وصفها لله او ان تلك الالهة تولدت من تلك الحقيقة او تولدت الحقيقة منها وكل هذه الوجوه شرك بالله لان هذه المشاركة وتفرد تلك الحقيقة لله هو الجانب الاقوى من التوحيد واذا عاتبهم الله يوم القيمة اين شركاؤكم اي من اتخذتموهم شركاء لي فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين بك فقال تعالى يا محمد انظر كيف كذبوا على انفسهم وانما خصه (ص) بالخطاب ليذكره خلافهم له ورد وصيته لهم يوم الغدير وغيره ليدعي عليهم بهذا الشرك ويطلب من الله تعالى الشهادة عليهم فانه (ص) قال اللهم انت الشاهد عليهم اني قد بلغتهم واعلمتهم ان الغاية والمفزع علي بن ابي طالب عليهما السلام ( عليه السلام خل ) ولما كانوا لم يتخذوا صنما على ما تعرفه العوام وان من اطاعوهم وجعلوهم اولياء من دون ولي الله لم تعرف العوام انهم اصنام وانهم عبدوهم مع الله حيث جعلوا عليا رابع الخلفاء ( وخ ) اظهروا الغدر تسترا من الناس فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين فقال العليم بهم سبحانه انظر كيف كذبوا على انفسهم لان رسول الله (ص) اعلمهم عن الله تعالى ان الشرك في ولاية علي (ع) والشرك فيه كفر وشرك بالله تعالى وعلموا ذلك ووعوه ولكن بغضهم لعلي (ع) وعداوتهم له غطت على بصائرهم حتى جهلوا ما علموا وهم يعلمون وهم لا يعلمون حتى حصل لهم من تغيير فطرة الله فيهم ظن الاصابة للحق والى هذا اشار الصادق (ع) بقوله هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون واما في عالم الأنوار فبان لا يرى ولا يجد المستدل مؤثرا في الوجود الا الله وحده لا شريك له فهذا التوحيد ركنه الأيمن وجانبه الاقوى هم (ع) لانهم عضد لقبول الايجاد في الأسباب والمواد والقوابل والغايات كما اشرنا اليه مرارا فلما كانوا هم العلل الأربع والتأثير في الوجود متوقف عليها كانت التأثير انما تقومت بهم لانهم محل فعله قام فعله بهم قيام ظهور فعنهم لا غيرهم اظهر افعاله لتوقف الفعل في التأثير على ظهوره المتوقف عليهم وتوقف العلة الفاعلية على ذلك الظهور وعلى العلة المادية لانها متعلقة وعلى العلة الصورية لانها هيئة تأثيره وعلى العلة الغائية لانها الباعث لها فهم متممات فعله في التأثير ولا تكون هذه الأربع المتممات منهم لغير فعله تعالى لان ما سواها اثر لها والأثر لا يكون متمما لمؤثره ولا يكون شيء بغيرها ليكون ذلك الغير ركنا لان غيرها متقوم بها ولا يكون المعلول مقوما لعلة من علله ولا تكون هي مغايرة لفعله تعالى ليكون غير الله مؤثرا في الوجود لانها ليست الا متممات فعله من قابله ومتعلقه وهيئته وباعثه كما مر فهم (ع) اركان توحيده في فعله وهو معنى انه سبحانه اتخذهم اعضادا لانهم عضد ظهور فعله وعضد قابله وعضد متعلقه وعضد هيئته وباعثه وعضد خلقه يعين الخلق على قبول الايجاد وهم مع ذلك قد حفظهم بقيوميته على العضدية وقدرهم على السببية وكونهم على السببية والمسببية فمن عرفهم وجد ( اي خ ) ان لا مؤثر في الوجود الا الله لانه قد عرف الله وهو ما قال سيد الوصيين (ع) نحن الأعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا يعني الا بمعرفتنا وهو احد معاني كلامه (ع) والمعنى من عرفهم فقد عرف الله لانهم معانيه وظاهره في خلقه كما نطقت به اخبارهم فهم الاسم وهو المسمى وهم المعرفة وهو المعروف وهم الحجب وهو المحتجب وهم صفته وهو الواصف نفسه لعباده بهم فهم اركان توحيده واما في عالم سر التكليف وغايته وهو وفق امره وارادته واجتناب نهيه وكراهته اللذان هما العبودية والعبادة فانما توحيده فيهما بهم لانهم ركن ذلك الأمتثال واصل تلك الأعمال وذلك لانه سبحانه لما لم تحط به العباد ولا تعلم ما يريد منهم من الاطاعة والانقياد اراهم طريق الهداية والرشاد فقال تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه فاعلم المكلفين ان له الأسماء الحسنى وامرهم ان يدعوه بها لانه ان لم يدع بالأسماء الحسنى ليس غيرها الا الأسماء السوأي ولا يليق بقدس جنابه سبحانه وتعالى ان يدعا بها وحيث لا يمكن ان يدعا بذاته لعدم امكان ذلك تعين ان يدعا بالأسماء الحسنى فانحصرت العبادة التي هي فعل ما يرضي والعبودية التي هي رضي ما يفعل فيهم وبهم (ع) لان التسبيح والتقديس والتحميد والتكبير والتهليل والخضوع والخشوع والركوع والسجود وجميع الطاعات وانواع العبادات وكذلك العبودية كل ذلك اسماء معانيها تلك الذوات القدسية والحقائق الالهية التي خلقها الله لنفسه وخلق خلقه لها وهي اسماؤه الحسنى وامثاله العليا ونعمه التي لا تحصى وهي التي اختص بها وامر عباده ان يدعوه بها قال تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فتأمل ما روي عنهم في تفسير الأسماء وما يراد منها ففي القمي في تفسير قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى قال الرحمن الرحيم ففسر الأسماء الحسنى بالرحمن الرحيم وروي العياشي عن الصادق (ع) في تفسير هذه الاية الى ان قال قال ابو عبد الله (ع) نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من احد الا بمعرفتنا ففسر الأسماء مرة بالرحمن الرحيم بقصد الأسماء اللفظية ومرة بهم (ع) بقصد معاني تلك اللفظية لان معاني هذه الألفاظ هي اسمائه تعالى ولهذا قال الرضا (ع) وقد سئل عن الأسم فقال صفة لموصوف وعنه (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) في خطبته الى ان قال الذي كنا بكينونيته قبل خلق الخلق قال الصادق عليه السلام في تفسير كلام جده عليه السلام بكينونيته في القدم وهو المكون ونحن المكان وهو المشيء ونحن الشيء وهو الخالق ونحن المخلوقون وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن اسمائه وهو المحتجب ونحن حجبه الحديث وانما قيل ان حقائقهم اسماؤه تعالى لان الأسم في الأصل علامة على المسمى والعلامة كما تحصل في اللفظ تحصل بالمعنى الذي هو الوصف بالطريق الأولى بل الصفة ادل في التعيين وقد اشار الى ذلك الرضا (ع) كما تقدم ولما كان الأصل في الأسم والمقصود منه انما هو علامة المسمى ليتميز من غيره كان الأصل فيما يعرف به الله هو وصفه نفسه للمخلوق بنفس ذلك المخلوق ولما كان الباعث الى الايجاد هو المعرفة وجب ان تكون سابقة على ما سواها ولا يجوز ان تكون بدون عارف فتقع لغوا ولا على موجود فلا تكون سابقة او يكون هو غير محدث بل يجب ان تكون هي اياه لان اول صادر يجب ان يكون اشرف مما دونه في كل شيء ولما كان لا يجوز ان يقع على الله شيء لا لفظ ولا معنى وجب ان يكون ما يمكن ان يعرف متضمنا لاثار صفاته ليستدل به عليه فكان الأسم المعنوي اولى من اللفظي لامكان اصدار الاثار الدالة عليه عنه ولما كان الأسم المعنوي يحتاج الى معرفته لتوقف معرفة الله تعالى على معرفته وكان مما يمكن الاسم اللفظي ان يميزه ببعض ( بعض خل ) وجوهه جاز اطلاق الاسم اللفظي عليه لما بينهما من المشاركة في نوع مطلق الخلقية ( الخليقة خل ) ولما كان المعنوي واسعا لانه قد وسع كل اثار الصفات الالهية وجب في الاسم الذي يراد منه تمييزه ببعض وجوهه ان يكون اجمع الأسماء للدلالة على اثار الكمال المطلق والغنا المطلق والقدس والعزة والوحدة الذاتية بما له لذاته ولا يكون ذلك الا في الأسماء الحسنى التي اختارها لنفسه فهي بما تضمنت من الدلالة الذاتية تدل على تلك المعاني القدسية التي هي معانيه صلى الله على محمد وآله ولما كانوا هم الأسماء الحسنى التي امر ان يدعا بها وهم معانيه كما مر في حديث جابر وهم ذوات ومعان والأسماء الحسنى الفاظ وجب ان تكون اسماء الله ظاهرها الفاظ وباطنها معان ووجب لابتناء احدهما على الاخر ان تكون الأسماء اللفظية الظاهرة اسماء للأسماء المعنوية الباطنة والمعنوية الباطنة اسماؤه تعالى وهو لا يعرف ولا يعبد الا باسمائه فتوحد تعالى بهم (ع) في عبادته ولا يفقدهم منذ عبد بهم فهم اركان توحده في عبادته فمن دعا غيرهم بالولاية والخلافة فقد اشرك بالله في عبادته وهو قول الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين حين سئل عن هذه الآية فقال تفسيرها لئن امرت بولاية احد مع ولاية علي (ع) من بعدك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين وفي الكافي عن الصادق (ع) يعني ان اشركت في الولاية غيره قال بل الله فاعبد وكن من الشاكرين يعني بل الله فاعبد ( بالطاعة خ ) وكن من الشاكرين ان اعضدتك باخيك وابن عمك ه ومعنى قوله (ع) فاعبد بالطاعة يعني به فاعبد الله بالطاعة لأمره في ولاية علي (ع) دون غيره وايضا يعني به اذا اريد منه اياك اعني كما قال الصادق (ع) في هذه الاية ان الله بعث نبيه باياك اعني واسمعي يا جارة يعني به فاعبد الله بالطاعة لامير المؤمنين (ع) وهو قول الله عز وجل فيما اوحى الى ايوب في علة ابتلائه كما تقدم قال تعالى اني ابتليت آدم فوهبت له بالتسليم عليه بامرة المؤمنين فانت تقول خطب جليل وامر ( امير خل ) جسيم فوعزتي لأذيقنك من عذابي او تتوب الى بالطاعة لامير المؤمنين وهذه المراتب الأربع هي مراتب التوحيد كما تقدم توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال وتوحيد العبادة ولمثل هذا كانوا اركان توحيده وارتضاهم الله سبحانه لذلك
قال عليه السلام : وشهداء على خلقه واعلاما لعباده
قال الشارح (ره) وشهداء على خلقه كما ورد في الأخبار المتواترة فمن ذلك ما رواه الكليني وغيره في الصحيح عن بريد العجلي قال قلت لابي جعفر (ع) عن قول الله تبارك وتعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا قال نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه وحججه في ارضه قلت قوله هو اجتباكم قال ايانا عني ونحن المجتبون ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من ضيق او حرج فالحرج اشد من الضيق ملة ابيكم ابراهيم ايانا عني خاصة وسميكم المسلمين الله عز وجل سمانا المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرءان ليكون الرسول عليكم شهيدا وتكونوا شهداء على الناس فرسول الله الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك وتعالى ونحن الشهداء على الناس فمن صدق يوم القيمة صدقناه ومن كذب كذبناه يوم القيمة وروي ايضا في الأخبار المتواترة انه تعرض اعمال هذه الأمة ابرارها وفجارها كل صباح ومساء عليهم وتقدم واعلاما لعباده اي ائمة يعلم بهم امور دنياهم وآخرتهم ه
اقول ان الله سبحانه خلق محمدا وآله صلى الله عليه وآله لنفسه اي ليعرفوه قال تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لأعرف ولا حاجة له الى ذلك ولما كان الكامل يقتضي ان يظهر اثر ( اثره خل ) كماله والا لم يكن كاملا مطلقا ثم لما كان سبحانه وتعالى لا يجري عليه ما يجري على خلقه من ان الكامل منهم يتوقف ظهور اثر كماله على فاعل غيره بمعنى انه غير مستقل بذلك في الاظهار وفي المظهر وفي المحل بل قد تقتضي حقيقته او طبيعته اظهار اثر لا يحب اظهاره وقد يكون ذلك الظاهر لازما له لا ينفك عنه لان غيره الزمه ذلك اللازم وعلم سبحانه حاجة ما سواه الى ابتداء كرمه ولا يصدر عنه شيء الا حيث يصدره بارادته دل على علة ايجاد خلقه بما ابان واحدث من كرمه ومحبته فقال فاحببت اي فاوجدت محبة وكرما فكان ما اوجد قد اقامه بنفسه واقره في ظله فكان الكرم الحال في نفسه والمحبة المستقرة في ظلها محمدا وآله (ص) فهم محال محبة الله واحباؤه ومقر كرمه وامناؤه فكان سبحانه قد خلقهم على كمال حقيقة ما هم اهله ثم لما اراد ان يخلق لهم سائر خلقه اشهدهم خلقهم وانهى اليهم علمهم روي في الكافي عن الجواد (ع) ان الله تعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة عليهم السلام فمكثوا الف دهر ثم خلق جميع الاشياء فاشهدهم خلقها واجرى طاعتهم عليها وفوض امرها اليهم الحديث وقد تقدم وقد جرت حكمة الحكيم في خلق خلقه انه يخلق كل شيء بمقتضي قابليته ومعنى ذلك بلسان اهل الشرع (ع) انه سبحانه يخلقهم بالاختيار مثلا الأعمي انما خلقه اعمى لانه اختار العمي وكذلك الأصم والمقعد والكافر والمؤمن ولولا ذلك لكان للناس على الله حجة كما اذا قال المبتلي لو عافيتني لعملت كما يعمل المعافي وكما اقام سبحانه عليهم الحجة في تكاليفهم بما ( فيما خل ) فيه صلاحهم بحيث كانت لله عليهم الحجة البالغة كذلك اقام عليهم الحجة في وجوداتهم على ما اليه مردهم بحيث كانت لله عليهم الحجة البالغة لكن ظهور الحجة عليهم في امر التكاليف الشرعية ووجوداتها ظاهر لكثرة الأدلة والبراهين عليها قطعا لمعذرة المكلفين واما ظهور الحجة في امر التكاليف الوجودية وما تضمنت من شرعياتها فخفي لا يعلمه الا الأوحدون الأقلون عددا وقد دلت النصوص على ذلك والعقول المزكاة بالعلم والعمل بالموجود من الأمور الواقعة تشهد بذلك وتعرفه العقول الظاهرة اذا انصفت باللزوم فانها تقر لله سبحانه بانه عالم لا يجهل عادل لا يظلم ذاكر لا ينسى غني لا يحتاج وقد امرض الطفل في بطن امه واعماه واصمه وقد يسلب ما اعطى من العقل وسائر القوى ولا يحسن من الحكيم العليم الغني ان يأخذ ما اعطى بدون علة من الذي كان اعطاه لان هذا ينافي الحكمة والغني المطلق وقد ذكر هذا في كتابه المجيد فقال الله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فيلزم من هذا انه كان عن سبب وقع من المخلوق ولا يصح ان يؤاخذ بسبب يقع منه بغير اختياره لانه كمن لا سبب له فثبت انه سبحانه اصابهم ببعض ذنوبهم ويجري هذا الحكم على الانسان والحيوان والنبات والجماد وان خفي هذا في الحيوان والنبات والجماد لكنه ظاهر عند اهل التحقيق لان الصنع واحد والصانع واحد ويجب ان تكون المصنوعات كلها بطريق واحد لانها كلها قد اشتركت في الوجود وكله حيوة وشعور وتمييز واختيار ليس فيه قسر فلا يجري حكم لمقتضى وصف قد تحقق في جميع افراد شيء على بعضها دون بعض الا اذا كان على خلاف مقتضى الغني المطلق والحكمة البالغة فاذا ظهر لك مما اشرنا ونبهنا عليه ان جميع ما في الوجود من الشرعيات ووجوداتها والوجودات وشرعياتها من مباديها الى نهاياتها كلها جارية على التكاليف الاختيارية كما ترى في افعال الانسان كذلك هو في سائر الحيوانات والنباتات والجمادات ( وخ ) الجواهر والأعراض عرفت ان جميع الأشياء مكلفة بالاختيار وان منهم المطيع ومنهم العاصي وعرفت من هذا ومن الكتاب والسنة والعقل والايات في الأنفس وفي الافاق فان الله سبحانه قد جعل على كل شيء رقيبا وشاهدا وهم (ع) الشهداء على سائر الخلق والله من ورائهم محيط بالكل شاهد على الكل كما قال تعالى حكاية عن عيسى (ع) كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيء شهيد ولما كان جميع المكلفين في كل شيء مختارين جاز من العاصي والمبتلي ان يحتج على الله وينكر البيان والحجة البالغة فجعل على كل شيء شهيدا لئلا تكون للناس على الله حجة فالانبياء والائمة والاوصياء والعلماء تشهد لهم الأشهاد بالتبليغ والرعية بالقبول والامتثال وعدمهما روى الطبرسي في الاحتجاج عن امير المؤمنين (ع) في حديث طويل في احوال اهل الموقف الى ان قال فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها الى اممهم فاخبروا انهم قد ادوا ذلك الى اممهم وتسأل الامم فيجحدون كما قال تعالى فلنسئلن الذين ارسل اليهم ولنسألن المرسلين فيقولون ماجاءنا من بشير ولا نذير فليستشهد الرسل رسول الله (ص) فيشهد بصدق الرسل وبكذب من جحدها من الأمم فيقول لكل امة منهم بلى قد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير اي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل اليكم رسالاتهم ولذلك قال لنبيه (ص) فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من ان يختم الله على افواههم وان تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ويشهد على منافقي قومهم ( قومه خل ) وامته وكفارهم بالحادهم وعنادهم ونقضهم عهده وتغييرهم سنته واعتدائهم على اهل بيته وانقلابهم على اعقابهم وارتدادهم على ادبارهم واحتذائهم في ذاك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لا نبيائها فيقولون باجمعهم ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ه وفي قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا الاية المراد بهم الأئمة (ع) كما رواه ابنشهراشوب في المناقب عن الصادق (ع) قال انما انزل الله وكذلك جعلناكم ائمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم قال ولا يكون شهداء على الناس الا الائمة والرسل فاما الأمة فانه غير جائز ان يستشهد ( ها خ ) الله وفيهم من لا يجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل وروى العياشي في تفسيره عن الصادق (ع) قال ظننت ( ان خ ) الله عني جميع اهل القبلة من الموحدين افترى من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيمة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه يعني الأمة التي وجبت لها دعوة ابراهيم عليه السلام كنتم خير امة اخرجت للناس وهم الأئمة الوسطى وهم خير امة اخرجت للناس اقول المراد بالامة في الاية بالأصالة في معنى الأمة وفي جعلها شهداء وفي كونهم خير امة هم الائمة عليهم السلام وبالتبعية هم شيعتهم وما تقدم من الروايات لا ينافي دخول الشيعة في ذلك بالتبعية لان قولهم (ع) صريح في اثباتهم من باب دلالة الاشارة والمفهوم لان الذين لا يجوز شهادتهم على حزمة بقل وصاع من تمر انما هم اعداؤهم وان دخل في رد شهادتهم فساق شيعتهم لاتباعهم لأولئك الأعداء في معاصي الأعمال واما شيعتهم الذين تقبل شهادتهم في الدنيا ولو على ادنى مرتبة تعتبر في العدالة ويكتفي بها شرعا فانه تقبل شهادتهم في الاخرة بالطريق الاولى لان الله سبحانه هو الذي قبل شهادتهم في الدنيا على ما هم عليه قبل ان يموتوا وانه سبحانه ابدا يكفر عنهم سيئاتهم بمحن الدنيا وبلاياها وعند الموت وفي القبر والبرزخ واهوال يوم القيمة حتى ان اكثرهم يخرج من قبره وليس عليه ذنب يطالب به مع ما هم عليه حينئذ من كونهم مع ائمتهم ورسول الله (ص) يباهي بهم الأمم الماضية واخبر الله عن سلامة رسول الله (ص) واهل بيته (ع) من اذيهم قال تعالى واما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين وقد تحمل النبي واهل بيته (ص) جميع ذنوبهم وقد غفرها الله لنبيه (ص) فقال ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وكذلك سائر الائمة (ع) ومن ذلك شهادة الحسين (ع) واي مثمن يعدل ثمنا منه استشهاد الحسين واهل بيته وانصاره وهتك نسائهم وسبيهن وتسييرهن مكشفات على اقتاب المطايا هدايا تساق عرايا الى ارذل البرايا وامثال ذلك مما جرى عليهم وعلى شيعتهم ومحبيهم لأجلهم كل ذلك في مقابلة ذنوب شيعتهم ومحبيهم فكيف لا يقبل شهادتهم في الاخرة وهم في احسن احوالهم وطهارتهم وانما نفي (ع) عموم الأمة لكل شخص منهم كما فسره المخالفون اصلاحا لشأنهم وتأسيسا لمذهبهم وفي الكافي في حديث ليلة القدر عن الباقر (ع) انه قال وايم الله لو ( لقد خل ) قضي الأمر الا يكون بين المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (ص) علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على الناس فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في ارضه ونحن الذين قال الله وكذلك جعلناكم امة وسطا ه اقول قوله ولتشهد شيعتنا على الناس صريح فيما قلنا واحتمال ارادة خصوص الانبياء (ع) بعيد لانهم وان كانوا مرادين واحق بذلك لكن سائر الشيعة داخلون ايضا للأحاديث المتكثرة الدالة على ذلك وخصوص قوله على الناس فان الظاهر انهم المخالفون وشهادة هذه الشيعة عليهم اقرب واشفي لغيظهم ولحضورهم عقوبات اعدائهم يوم القيمة جزاء بما اوذوهم في الدنيا وهذا ظاهر والحاصل انهم (ع) قد رضيهم الله شهداء على خلقه لما هم عليه من الحق والصدق والحفظ والاحاطة بكل شيء من خلقه لانه تعالى انهى اليهم علم خلقه وما هم به عاملون واليه صائرون ولان ذلك اعظم ( اعم خل ) اقامة للحجة على الخلق حيث لا يجدون عليهم طعنا في شيء ثم لا تغفل عما ذكرناه سابقا من ان المراد بشهادتهم على سائر الخلق ليس على خصوص اعمالهم الظاهرة بل على كل شيء كما مر فافهم
قوله عليه السلام : واعلاما لعباده الأعلام جمع علم بفتح اللام وهو الجبل الذي يعلم فيه الطريق او الجبل الطويل والمراد انهم (ع) يثبتون العباد عن الفناء بفاضل وجودهم وعقول الانبياء والمرسلين والمؤمنين والملئكة بفاضل عقولهم ( عقلهم خل ) فبهم يعقلون الأمر والنهي ويعرفون الجيد والردي كما قال تعالى وهديناه النجدين اي طريق الخير ( والشر خ ) وبفضل هديهم اهتدى المهتدون وبفضل اعمالهم عمل العاملون فكانوا جبالا رواسي القي الله سبحانه اشباحهم واطواد ظواهرهم في ارضي ( اراضي خل ) قلوب الخلائق ان تميد بهم فلا يستقر لها علم ولا عمل ولا يثبت لها فكر ولا ذكر بل اضرب لك مثلا لفاضل انوارهم المشرقة على قلوب الخلائق اجمعين من الانبياء والمرسلين والمؤمنين والملائكة المقربين وهو ان اشراقات انوارهم مثل ظهور الشاخص وانوار قلوب الخلق مثل الصورة في المرءاة التي ليست في الواقع شيئا الا ظهور الشاخص بها واما انوار حقائقهم فلا تتناهى بالنسبة الى جميع الخلق فعلى معنى ان العلم محركا هو الجبل الذي يعلم فيه الطريق يكون المراد ان الأخذ عنهم والاقتداء بهم انما يمكن لمن علموه ما شاؤا كما شاؤا فلا ينتفع احد بشيء من علومهم وان سمع منهم او رأى الا اذا علموه ظاهرا او باطنا وارادوا انه ينتفع والا فلا واليه الاشارة بقوله تعالى يقول عن نفسه ويحكي عن ذاته وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا وهذا حكم باطن الباطن وهو معنى ان هذه الجبال لعظمها لا يسلك الطريق فيها الا بالعلامات الموضوعة فيها للسالك والعلامات توضع في المواضع المنخفضة منها السهلة بحسب الممكن ومع هذا وهو صعب المسلك كذلك انهم لا يعلم احد من علمهم الا ما شاؤا ومع هذا فهو ( وهو خل ) صعب المسلك لا يسلكه الا الأقلون والى هذا اشاروا في احاديثهم كما تقدم منها قول امير المؤمنين صلوات الله عليه ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الى الناس نبذا فمن عرف فزيدوه ومن انكر فامسكوا لا يحتمله الا ثلاث ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وقوله لكميل بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني واما ما هم عليه من العلم فلا يحتمله غيرهم من جميع الخلق وعلى معنى ان العلم هو الجبل الطويل يعني في الهواء لعلوه فيقتدى به في الطريق المشتبهة الأعلام او العلامات يكون ( المراد خ ) ان الله سبحانه وله الحمد قد علا قدرهم ورفع شأنهم على سائر خلقه فجعلهم بما اتاهم وفضلهم على العالمين اعلاما لعباده يهتدون بهم في ظلمات البر والبحر اي في ظلمات الأحكام الناشية عن مقتضيات الأجسام والطبائع وهو البر ومقتضيات النفوس والعقول وهما البحر والمراد انهم يهتدي بهم جميع العباد في طرق المعتقدات والأحوال والأعمال في كل شيء بل لا حق الا منهم (ع) عند جميع الخلق وقد تقدم في اول هذا الشرح انهم هم المعلمون للملائكة تسبيح الله وتهليله وتكبيره وتمجيده وروي ان جبرئل (ع) كان جالسا عند النبي (ص) فاتى علي (ع) فقام له جبرئل فقال (ص) اتقوم لهذا الفتى فقال ان له علي حق التعليم فقال النبي (ص) وكيف ذلك التعليم يا جبرئل فقال لما خلقني الله تعالى سألني من انت وما اسمك ومن انا وما اسمي فتحيرت في الجواب ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلمني الجواب فقال قل انت ربي الجليل واسمك الجميل وانا العبد الذليل واسمي جبرئيل ولهذا قمت له وعظمته فقال النبي (ص) كم عمرك يا جبرئيل فقال يا رسول الله (ص) يطلع نجم من العرش في كل ثلاثينالف سنة مرة وقد شاهدته طالعا ثلاثينالف مرة ه فتأمل في قول جبرئل طاوس الملائكة الذي هو معلم الرسل والانبياء (ع) فانه ما عرف ربه وما عرف نفسه الا بتعليم الامام فكيف ما سواه من الملائكة واذا كانت الملائكة كذلك فكيف سائر الخلق ويجوز ان يراد بالأعلام العلامات من تفسير ظاهر الظاهر والمراد منها معالم الطرق وكل ما يستدل به المارة من جبل او نصب او مورد ماء او بناء او نجم لانهم (ع) هم علامات الهداية وادلاء الطرق الى الله وفي قوله تعالى وعلامات وبالنجم هم يهتدون عنهم (ع) نحن العلامات والنجم رسول الله (ص) وفي تفسير العياشي بسنده عن احدهما عليهما السلام في قوله وعلامات وبالنجم هم يهتدون قال هو امير المؤمنين فهم الأعلام الذي بهم يهتدي السائرون وبهم يثبت الارض ان تميد باهلها وعن ابي جعفر (ع) انه قال لو ان الامام (ع) رفع من الأرض ساعة لماجت باهلها كما يموج البحر باهله فالله سبحانه وسم كل شيء ودل على كل شيء فهم اصحاب الميسم والأدلاء على كل شيء وادلاء كل شيء على الله
قال عليه السلام : ومنارا في بلاده وادلاء على صراطه
قال الشارح (ره) ومنارا في بلاده اي يهتدي بهم وبانوار اخبارهم في جميع الأرض ه
اقول المنار بفتح الميم الشيء المرتفع الذي يوقد في اعلاه النار لهداية الضال ويروي في وصف الامام (ع) يرفع له في كل بلدة منار ينظر منه الى اعمال العباد وفي حديث يونس قد كثر ( في خ ) ذكر العمود فقال لي يا يونس ما تراه اتراه عمودا من حديد قلت لا ادري قال لكنه ملك موكل بكل بلدة يرفع الله به اعمال تلك البلدة ففي الرواية الاولى المنار الذي يرى منه وينظر منه الى اعمال العباد هو نور خيال الامام (ع) وهو عمود نور ممتد منه الى العرش عن يساره والنظر يصدر عن عقله وعقله من الخيال الى اظلة الأعمال والعاملين وهذا العقل عقل الكل وهذا الخيال خيال الكل واظلة الأعمال والعاملين قد تقومت بنور هذا العمود فان اريد به حقائق تلك الأظلة فيراد به النفس الكلية والروح الذي على ملائكة الحجب والنور الأخضر وحجاب الزبرجد وان اريد به ادراكها فيراد به فعل ذلك العمود وتربيته ذلك الملك وتدبيره لها وان اريد به العلم بها فيراد به ذواتها ومجموع المراتب الثلاثة هو ذلك العمود الذي هو المنار فبه اهتدت تلك الحقائق الى معرفة ربها ومعرفتها بنفسها وكذلك ذواتهم والعلم بهم وان هذا العمود اعطاه الله وليه عمودا من نور يرى فيه اعمال الخلائق كما يرى احدكم الشخص في المرءاة والمراد بكونه منارا في البلاد هو انهم ينيرون لأهل البلاد وهي الدنيا او الأرض او الأجسام او الوجود كله فعلى الأول والثاني يكون المعنى انهم منورون لبني آدم والجن فان كانوا مؤمنين اي مستجيبين نوروا قلوبهم كما نوروا قلوب الملائكة فباستجابتهم وقبولهم كانوا مؤمنين بان كتب الله في قلوبهم من مداد ذلك النور الايمان وايدهم بروح منه وهذا الروح ملك خلق من نورهم (ع) جعل على الاذن اليمنى من قلب المستجيب لله ولرسوله حين دعاه لما يحييه اي دعاه الى الولاية وهذا الملك مؤيد له في تلك الاستجابة فاذا ايده استقام ولم يتغير عن الايمان ما دام معه وهو قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وهذا الملك هو الروح الرابعة يحضر المؤمن في كل وقت يحسن فيه ويتقي ويغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي فهي تهتز سرورا عند احسانه وتسيخ في الثرى عند اسائة ( اسائته خل ) كذا روي عن الكاظم (ع) فالملك المؤيد من نورهم والاستجابة والقبول من محبتهم والايمان المكتوب من صفتهم وفي الكافي عن ابيخالد الكابلي قال سألت ابا جعفر (ع) عن قول الله تعالى فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا فقال يا اباخالد النور والله الأئمة (ع) يا اباخالد لنور ( النور خل ) الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم ( يغشيهم خل ) بها ه فقوله ينورون قلوب المؤمنين هو ما ذكرت لك في مؤمني الانس والجن وفي الملائكة بالاستجابة والقبول وبالكتابة وبالمدد وبالتأييد وقوله (ع) ويحجب ( الله خ ) نورهم عمن يشاء الخ يريد ان من لم يستجب لله ورسوله حين دعاه الى ولايتهم خلق من رده لولايتهم وعدم قبوله لها حجابا من ظلمة اصله غضب الله وفرعه ذلك الرد وثمرته عداوة علي واهل بيته (ع) ومأويه جهنم وبئس المصير فحجب الله بذلك الحجاب نورهم عن قلبه وهو قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وذلك النور المحجوب هو محبتهم وولايتهم وقوله (ع) انور من الشمس ظاهر لان ذلك النور على ثلاثة اقسام على حسب مراتب المؤمنين في معرفتهم واتباعهم فالقسم الادنى انور من الشمس سبعين مرة والقسم الثاني انور من الشمس اربعة الاف مرة وتسعمائة مرة والقسم الاعلى انور من الشمس ثلثمائة الف مرة وثلاثة واربعين الف مرة لان الادنى من غيب فلك الزهرة والوسط من غيب فلك المكوكب والاعلى من غيب فلك ( الفلك خل ) الاطلس وعلى الثالث والرابع يكون المعنى ان ما في الأجسام او الأنفس والعقول من نور الوجود فهو من شعاع نورهم فما في شيء من الموجودات من نور فمنهم وما فيه من ظلمة فمن نفسه وهو تأويل قوله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وقوله تعالى ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك وانما قلنا ان كل ما في الموجودات من نور الوجود فهو من شعاع نورهم لان الله سبحانه لما خلق انوارهم تشعشعت الأنوار من انوارهم لان ذلك دليل كمال نورهم اذ كل كامل لكماله ظهور يشابه هيئة ( هيئاة خل ) ظهوره به فكما ان قلوب شيعتهم لما نوروها ( نوروهم خل ) بفاضل نورهم انبعثت عنها الأعمال الصالحة التي تكون بها الوجودات الشرعية بأمر الله وصنعه كذلك عالم الأجسام بل الموجودات كلها لما نوروها بافاضة ذواتها من فاضل انوارهم انبعثت عنها القوابل الحسنى التي تكون بها الشرعيات الوجودية بامر الله سبحانه فنور الذوات بوجوداتها وتلك الوجودات من نورهم كما دلت عليه الروايات عنهم (ع) وشهد له العقول المزكاة السليمة وآثار تلك الذوات المنبعثة عنها من جهة عقولها من ( سناء خ ) نورهم فعلى الاخيرين تكون البلاد هي نفس الأشياء وصفاتها وانما سميناها بلادا كما سمينا متعلق نظر الولي من المكلفين لاستنباط حكمه على حسب ما يقتضيه بيتا كما قلنا في تأويل قوله تعالى ان اتخذي من الجبال بيوتا الاية وكما قالوا (ع) في تأويل قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة قال (ع) نحن القرى التي بارك الله فيها والقرى الظاهرة شيعتنا والانبياء منهم كما تقدم وكذلك قوله تعالى في بيوت اذن الله ان ترفع وقوله تعالى واتوا البيوت من ابوابها وقوله تعالى واسئل القرية التي كنا فيها يعني يوسف وقوله تعالى وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا وقوله تعالى تلك من انباء القرى نقصه عليك منها قائم عجل الله فرجه وحصيد لعن الله قاتله وظالمه وما اشبه ذلك مما اطلق عليه لفظ البيت والقرية ويرادا ( يراد خل ) به الرجال في التأويل بتبيين اهل العصمة (ع) والحاصل ان الله سبحانه قد رضيهم منارا في بلاده على نحو ما سمعت وما لم تسمع
وقوله عليه السلام وادلاء على صراطه الأدلاء جمع دليل والصراط هنا هو الطريق المؤدي الى محبة الله المبلغ الى جنته كما قال الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم قال يعني ارشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ الى جنتك والمانع من ان نتبع اهواءنا فنعطب وان نأخذ بارائنا فنهلك اقول هذا الطريق الذي عناه (ع) الذي سأل الله لزومه هو طاعته في القيام باوامره واجتناب نواهيه والتخلق بادابه على نحو ما نهج لهم من دينه وبين لعباده من معرفته وحدد لهم من احكامه هذا في الظاهر وفي الباطن الصراط هو النبي والامام صلى الله عليهما وآلهما روي في المعاني عن الصادق ان الصراط هو امير المؤمنين وفيه عنه هو الطريق الى معرفة الله وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة فاما ( واما خل ) الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة فتردى في نار جهنم وروى ايضا نحن الصراط المستقيم ومعنى كون الامام (ع) صراطا وطريقا ما ذكرنا ( ذكرناه خل ) مرارا في شرحنا هذا كما سبق وفي غيره من رسائلنا من انه (ع) طريق الله الى جميع خلقه وطريقهم اليه اما الأول فلأن الامام (ع) باب المدد والفيض من الله الى جميع خلقه في خلقهم في الكون والعين والقدر والقضاء والاذن والأجل والكتاب ولم يجعل الله سبحانه وتعالى له بابا لافاضة الوجود في جميع مراتبه غيرهم في ادباره ولا في اقباله الى الله تعالى كما اشار اليه (ع) في هذه الزيارة الشريفة في قوله من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم يعني من اراد ان يسير الى الله بدأ بالسير فيكم وهو تأويل قوله تعالى وجعلنا بينهم اي بين العلماء من الشيعة من الانبياء والمرسلين والمؤمنين والملائكة المقربين وهم الطالبون لتوحيد الله على الحقيقة وبين القرى التي باركنا فيها وهي مقاماته التي لا فرق بينه وبينها الا انهم عباده وخلقه وهي من الذات كالقائم من ذات زيد وهي آية الله التي يريها عبده في نفسه حين يعرف نفسه وهذا في كل شيء بنسبة مقامه قرى ظاهرة وهذه القرى الظاهرة على هذا التأويل هم الائمة الظاهرون ( الطاهرون خل ) المفترضون الطاعة وقدرنا فيها السير اي اذا اردتم ان تصلوا الى القرى التي باركنا وهي آيتنا في انفسكم وفي الافاق فتوصلوا اليها بتوسط القرى الظاهرة كما قال تعالى سيروا فيها وهذا احد التأويلين في الاية وهو معنى قوله من اراد الله بدأ بكم وقول علي (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وذلك معلوم فانك لا تصل الى الكعبة الا بقطع المسافة فان كنت شرقيا عن مكة وسرت اليها الى جهة الغرب قربت المسافة بينك وبينها لانك سرت اليها من جهتك ومن كان غربيا عنها ( منها خل ) كان بعكسك ولو تعاكستما في المسير الى الكعبة بان سرت اليها من جهة الرجل الغربي وسار هو من جهتك لطالت مسافة سيركما وهو قوله (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه وان كان ايضا من عرف غيره فقد عرف ربه ولكن المسافة طويلة فافهم الاشارة وبالجملة فلا تصل الى الكعبة الا بالسير اليها في طريقها المختص بها ومن وحده قبل عنكم يعني ان من وحده واصاب الحق في توحيده قبل عنكم معرفة دينه وما وصفتم به ربكم ومن لم يقبل منكم لم يوحد الله تعالى فقد توقفت معرفة ربه ومعرفة دينه وما يجب عليه وبه نجاته على القبول عنهم تلك المعارف والحدود ومن قصده توجه بكم يعني انهم وجه الله ولهم عند الله الجاه العظيم والمنزلة الرفيعة فمن توجه بهم وتشفع الى الله قبل الله منه واستجاب وتجاوز عن تقصيره ومن توجه قاصدا الى الله مصاحبا لولايتهم وطاعتهم او تعريفهم كيفية القصد اليه والاستعداد له بما يحب القصد به اليه سبحانه او مستعينا بهم في التوصل بقصده ويأتي زيادة توجيه في هذه الفقرات في محلها ان شاء الله تعالى فهم الطريق الى الله لا غيرهم وليس لله طريق غيرهم وغير فروعهم من الأعمال الصالحات من حدود الله وما يريده من العباد مما فرضوه وسنوه عن الله سبحانه الا ما لا يحبه من طرق الضلالة هذا من جهة وجوداتها واما من جهة تكليفاتها فلأن الامام (ع) هو الباب الذي تصدر عنه اوامر الله ونواهيه وعزائمه وتعرفاته واراداته ورخصه وما اشبهه ( اشبه خل ) ذلك لان جميع ذلك لا يصدر الا عن مشيته ( مشية خل ) وهم محل تلك المشية كما قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن والمراد انه سبحانه لا يسعه شيء وهو وسع كل شيء رحمة وعلما وقدرة وانما ذلك الذي لم تسعه ( ارضه خ ) ولاسماؤه هو اراداته ومتعلقات مشيته من اوامره ونواهيه وجميع ما يريد من عباده ولا يسع ذلك السماء والأرض لان السماء والأرض لا يسع كل واحد منهما الا ما يتعلق به من الاحكام والدواعي الالهية وكذلك كل واحد من سائر الخلق اذ كل واحد انما يراد لنفسه واما العبد المؤمن المراد هو محمد ( وآله خ ) (ص) فقلبه يسع تلك الأمور كلها التي متعلقها جميع الخلائق في الدنيا والاخرة من الموجودات والتكليفات وانما وسعها لانها انما صدرت عنه وخلقت من فاضل نوره او عكوس نوره وصورت على صور هيئة عبادته وخلقت له والشيء يسع احكام ( احكامه خل ) ما عنه وما منه وما له ولما لم يكن لمشية الله محل غيرهم الا عنهم بوجه منها وجب ان يكونوا عليهم السلام هم ابواب اوامره ونواهيه وما يريده من خلقه فهم صراطه الى خلقه في كل ما يصل منه تعالى الى خلقه من الايجادات والتكليفات واما الثاني وهو انهم (ع) طريق الخلق الى الله تعالى فلأن جميع العباد انما يصلون الى الله تعالى الى محبته وجنته وقربه والفوز لديه بما اعده لمن اطاعه بولايتهم ومحبتهم وطاعتهم وانما تصعد اعمال الخلائق الى الله تعالى اذا كانت جارية على سنتهم وطريقتهم وكانت مأخوذة عنهم بالتسليم لهم والرد اليهم وبالولاية لهم وبالبراءة من اعدائهم وهو قول الله تعالى انما يتقبل الله من المتقين يعني ان الله لا يقبل من احد اعماله ولا تصعد اليه الا اعمال المتقين وهم الذين احبوا الله ورسوله (ص) وائتمروا بأمره وانتهوا عن نهيه ووالوا ولي الله وعادوا عدو الله ومعنى المتقين في الباطن المتقون لولاية اعداء علي عليه السلام والمجتنبون لسنتهم وضلالتهم فالمتقي حقا من اتقى سنة اعداء علي واهل بيته (ع) وسنتهم فرعهم فمن اتقى سنة اعداء علي (ع) فهو المتقي لانه اتقى جميع معاصي الله فكانوا (ع) هم الطريق الى الله وولايتهم ايضا طريق صعود الأعمال الى الله تعالى وطريق قبول الدعاء روى ابن فهد في عدة الداعي عن ابي الحسن الهادي عليه السلام الى ان قال السائل يا سيدي الفتح يقول يعلمني الدعاء الذي دعا لك به فقال ان الفتح يوالينا بظاهره دون باطنه الدعاء لمن دعا به بشرط ان يوالينا اهل البيت الحديث يعني ان ولايتنا شرط لقبول الدعاء وفي رواية محمد بن مسلم عن احدهما (ع) قال قلت انا نرى الرجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع فهل ينفعه ذلك فقال يا محمد انما مثلنا اهل البيت مثل اهل بيت كانوا في بني اسرائيل فكان لا يجتهد احد منهم اربعين ليلة الا فاجيب وان رجلا منهم اجتهد اربعين ليله ثم دعا فلم يستجب له فاتى عيسى (ع) يشكو اليه ويسأله الدعاء له فتطهر عيسى (ع) وصلى ثم دعا فاوحى الله اليه يا عيسى ان عبدي اتاني من غير الباب الذي اوتى منه انه دعاني وفي قلبه شك منك فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر ( تنتشر خل ) انامله ما استجيب له فالتفت عيسى (ع) وقال تدعو ربك وفي قلبك شك من نبيه قال يا روح الله وكلمته قد كان والله ما قلت فاسئل الله ان يذهب به عني فدعا له عيسى (ع) فتفضل الله عليه وصار في اهل بيته كذلك نحن اهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشك فينا اقول اذا فسرنا الصراط الذي هم ادلاء عليه بانه الأمتثال لاوامره والاجتناب لنواهيه والعمل على وفق مراد الله او انه ولاية علي واهل بيته (ع) وهم يدلون عليها لانها في الحقيقة ولاية الله كما قال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبى ومتعلقها جميع ما اراد الله واحبه من الوجودات وشرعياتها وما يترتب على ذلك ومن الشرعيات ووجوداتها وما يترتب على ذلك من احوال الدنيا والرجعة والاخرة واذا فسرناه بذواتهم النورية التي هي نور الأنوار وصفوة الجبار وهداة الأبرار فهم يدلون عليها كما لو كشف لك لرأيت ان القرءان ما ينطق الا بهذه وما لها وما منها مما تثبته وتنفيه وهو تأويل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا وقول الكاظم (ع) لما سأله يحيى بن اكثم عن قوله تعالى سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ما هي فقال (ع) هي عين الكبريت وعين اليمين وعين ابرهوت وعين الطبرية وجمة ما سيدان وجمة افريقية وعين ناجروان ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصي اقول ( ما خ ) رواه احمد بن ابي طالب الطبرسي في الاحتجاج وفي نسخة عين بلعوران بدل ناجروان وقد ملأنا هذا الشرح من بيان ما اردنا من هذا المعنى وانما يدلون عليها لان معرفتها كما يريدون توجب القيام بما يحب الله تعالى من معرفته ومعرفة صفاته والقيام باوامره واجتناب نواهيه والتأدب بادابه والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد
تم الجزء الأول من شرح الزيارة الجامعة ويتلوه الجزء الثاني بعون الله وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين تمت