
قال العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي :
قال عليه السلام : عصمكم الله
من الزلل وآمنكم من الفتن العصمة لغة المنع وفي الاصطلاح عند العدلية هي اللطف المانع للمكلف من ترك الواجبات وفعل المحرمات يفعله الله تعالى به غير مانع من القدرة وهو مانع من الداعي وهذا يتمشى على قول من يرى ان الارادة غير داخلة في مفهوم القدرة واما من قال بدخولها فيلزم من سلبها سلب القدرة فيرتفع التكليف ولايستحق ثوابا ولا عقابا وهي عندهم كيفية تستلزم امورا اربعة : الاول صدق الاقوال لمنعها من ارادة الكذب مع القدرة عليه الثاني حسن الافعال لمنعها من ارادة قبحها كذلك الثالث حفظ الحقوق عن التعطيل لاقتضائها الصلاح الرابع حفظ نظام المعاش والمعاد عن التقريرات على الباطل الموجب لفسادهما او اختلالهما بحسب الامور العقلية والنقلية وقد تقدم لها بيان فراجعه وهي مجمع الكمالات لاجتماع اثار الصفات والافعال فيها لانها مظهر تلك الاثار ومحلها وهي عدالة الوجود وترتيبه الطبيعي كما هو صفة الحق جل وعلا قال (ص) بالعدل قامت السموات والارض وحيث تقرر ان الاثر يشابه صفة مؤثره في تاثيره فيه وجب ان تكون العصمة مستلزمة لقصر ميلها الى الخير والحق مع القدرة على الشر والباطل والا لم تشابه صفة المؤثر فيها فقصر ميلها الى الخيرات بالاختيار والشوق الذاتي الى المجانس واذا اراد الله عصمة عبده غمسه في انوار صفاته بحقيقة ما هو اهله في بدء شانه في علم الغيب على ما هو عليه فانكشفت عنه الظلمات فكان بمحبة نفسه وشهوتها يميل حيث مالت محبة الله لا يفارق رضا الله ولايفارقه بل يكون محل ارادته وخزانة محبته ومتعلق رضاه كما روي عنهم عليهم السلام اذا شئنا شاء الله والزلل هو الخطأ والذنب ويصدق الخطأ الذي هو عدم الصواب على الكذب في القول كالاخبار عن نفسه بما ليس بحق في الواقع سواء جهل المخالفة ام علمها ام علم الموافقة بالفطرة وجهلها بالتغيير لخلق الله وهو التطبع على خلاف الفطرة كما اخبر تعالى عن المنافقين قالوا نشهد انك لرسول الله هذه شهادة بالفطرة والله يعلم انك لرسوله هذا هو الواقع والله يشهد ان المنافقين لكاذبون كذبهم في شهادتهم بما هو المطابق للواقع لانهم من جهة تغييرهم الفطرة وملاحظة الاغراض الدنياوية لانهم يعلمون انه رسوله والا لما قامت عليهم الحجة لقوله تعالى ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا فلما اخبروا بما هو مخالف لما ركبوا عليه انفسهم كذبهم الله والذي ركبوا عليه انفسهم هو التغيير لخلق الله بالاعمال المخالفة للحق حتى كان ذلك التبديل والتغيير فطرة ثانية خلقت من هيئات اعمالهم بل خلقت باعمالهم كما قال الله تعالى وقالوا قلوبنا غلف يعني انا لا نفهم ما تقول ولا نعرف حقيته لان قلوبنا غلف فقال الله تعالى ان قلوبهم لم نخلقها في الاصل غلفا ولكن لما لم يقبلوا الحق من عندنا وانكروا جعلنا قلوبهم بانكارهم الحق بعد البيان غلفا قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا يعني به القليل الذين لم يطبع على قلوبهم لاجل قبولهم الايمان او قليلا من مسائل الايمان واحكامه مما لم يظهر لهم انه مناف لغرضهم ستره الله عن بصائرهم ليكون انسا للمؤمنين فبفطرتهم الاولى عرفوا رسالة محمد صلى الله عليه وآله واستيقنتها انفسهم وبفطرتهم الثانية الخبيثة انكروا رسالته فحكم عليهم بحكم الفطرة الثانية لانها هي التي مضوا عليها في اعمالهم واقوالهم والفطرة الاولى عطلوها ولم يجعلوا لها اثرا ولا حكما ولا عولوا على مقتضاها فلم يجر عليهم شيء من احكامها الا ما تقوم به الحجة عليهم وذلك لبقائها في نفسها محصورة في حصنها قد احاطت بها الاعداء من كل جانب ومكان وانما ابقاها الله تعالى لان بقاءه بها لا بالفطرة الثانية وانما طلب سبحانه بقاءه الى اجل هو بالغه لتبلغ عليه الحجة وتتم الكلمة على ما سبق له في علمه حين كان منه ما كان ويصدق الخطأ في الاعتقادات بان يكون منه اعتقاد يخالف ما الواقع عليه فاذا اعتقد ما يخالف الوجود كان عدما وهو باطل سواء كان بعد الاعتقاد المطابق ام بعد العلم بالمطابق فاعتقد خلافه تكبرا او حسدا او لشيء من غرض الدنيا ام قبل الاعتقاد اما لعدم التوفيق او لتقصيره في الطلب او لا تباع الاهواء او لعدم المبالاة وامثال ذلك فاذا وقع منه ما يخالف الواقع فقد افترى على الله الكذب لان المعنى يكون هكذا اذا اعتقد قيام زيد او قال بانه قام فان معنى ذلك انه اعتقد او قال ان الله قد احدث قيام زيد بفعل زيد وفي الواقع لم يحدثه الله بفعل زيد ولم يقم زيد وذلك كقوله تعالى الم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا يعني اذا زكى نفسه ولم يجعله الله زكيا فقد افترى على الله كذبا بان ادعى ان الله جعله زكيا والله سبحانه لم يجعله زكيا ويصدق الخطأ في كل موضع يثبت شيئا بذاته اي قائما بذاته ولو في النسبة اليه والاسناد كما لو قلت انا افعل ولم تقل بالله او انشاء الله لان كل ما سوى الله انما هو شيء بالله واما بذاته فليس شيئا ويصدق الخطأ في الاعمال بان يفعل شيئا من الاعمال ليس مما امر الله به على السنة اوليائه بالحدود التي حددها لهم فان كان عالما بالمخالفة فهو خطأ وذنب وان كان في الاخذ كما لو كان مقلدا من لم يصح تقليده او كان مستقلا ولم يكن مجتهدا وان كان جاهلا بالمخالفة ظانا للاصابة بالظن المعتبر شرعا فلا يصدق الخطأ هنا وان لم يكن بالظن المعتبر شرعا فيصدق عليه الخطأ وان كان جاهلا بالتكليف ففي ما تعم به البلوى لا يعذر في الخطأ وفي المسائل النادرة الوقوع وفيما يدق دليله من المعتقدات فلا يبعد العذر ويصدق الخطأ في الاحوال على نحو يطول ذكر بعضه ومنه عدم الاستقامة فيما امر كما امر وعدم الخشية في مقام الرهبة ومنه الالتفات الى غير ما امر بالمضي فيه ومنه استعمال فضول الكلام والطعام والافكار والانظار والحركات بل فضول الاشياء كلها والتقصير في التبليغ والاداء وفي احتذاء كل ما جرى عليه نظام الايجاد والوجود وانتظام الموجود والحاصل كل ما اشرنا اليه ومثله مما ليس مرادا له سبحانه وتعالى بالذات او بالعرض عن قصد وعلم او بلا علم او بلا قصد على ما فصل في محالها فهو من الزلل بقول مطلق وقد عصم الله سبحانه وله الحمد محمدا وآله صلى الله عليه وآله من جميع ما اشرنا اليه ونحوه من الزلل الظاهر والباطن في الاحوال والاعمال والاقوال والاضمارات بحقيقة ما هم اهله بان افاض عليهم من الامدادات النورية لسعة قابليتهم وقوتها ما كشف به عنهم ظلمات الانكار والشكوك والجهل والغفلة والسهو والتكلف والدعوى بغير الحق والنسيان والفواحش ما ظهر منها وما بطن والمعاصي كبيرها وصغيرها والتساهل فيما يراد منهم والتماهل فيما يراد تعجيله وبالجملة بحيث يكون عملهم فيما يراد منهم طبق ارادة الله ووفق مشيته وعين محبته لانهم محال فعله ولا فعل لهم غير فعله الا بفعله وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فهم في جميع افعالهم كالحديدة المحمية في النار حتى احمرت فانها لا تحرق الا بما ظهر فيها من آثار النار وفعلها بل المحرق انما هو النار بفعلها الظاهر على الحديدة وهو قوله: وما رميت الاية وانما اسنده اليه ظاهرا كما تقول احرقته الحديدة والمحرق حرارة النار في فعلها فبذاك لحقيقة ما هم اهله كانوا معصومين من الزلل وكلما يتفرع منه وعليه ويلزمه اصولا وفروعا
وقوله : وآمنكم من الفتن الامان ضد الخوف والفتن جمع فتنة ولها معان متعددة باختلاف المقامات منها الضلال والهداية قال تعالى ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ومنها الاختبار وقيل التخليص من الغش قال تعالى وفتناك فتونا ومنها الاختبار قال تعالى الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون يعني لا يختبرون ومنها الحجة قال تعالى ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين يعني حجتهم ومنها الاحراق والتعذيب قال تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات اي احرقوهم وعذبوهم ومنها الكفر قال تعالى الا في الفتنة سقطوا اي في الكفر ومنها الشرك قال تعالى والفتنة اشد من القتل اي والشرك ومنها الجنون قال تعالى بايكم المفتون اي المجنون ومنها الايقاع في الاثم قال تعالى ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني اي لا توقعني في الاثم ومنها العذاب قال تعالى يوم هم على النار يفتنون اي يعذبون ومنها الافساد قال تعالى ما انتم عليه بفاتنين اي لستم عليه اي على الله بمفسدين احدا باغوائكم واستهزائكم الا من هو صال الجحيم اي الا من في علم الله انه يستوجب الجحيم بسوء اعماله ومنها الابتلاء قال تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اي ابتلاء ومنها المحنة قال عليه السلام المؤمن خلق مفتنا اي ممتحنا بالذنب فيتوب ويذنب فيتوب وعنه (ع) ان الله يحب المفتن التواب اي الممتحن بالذنب وعنه (ع) من دخل على السلطان فتن اي امتحن ان وافقه خاطر بدينه وان خالفه خاطر بروحه ومنها القتل قال تعالى ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا اي يقتلكم ومنها الصد قال تعالى وان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك اي ليصدونك ومنها المحبة قال تعالى انما اموالكم واولادكم فتنة اي محبة او بمعنى محنة بالنون وهذه المعاني كلها في الحقيقة ترجع الى الاختبار والابتلاء وان كان بنوع من التأويل في بعضها وقد آمنكم الله سبحانه من جميع انواعها مما لا يكون به بلوغ الدرجات العاليات والتفصيل تطويل يستغني عنه لظهوره وهذا الامان لازم للعصمة وهو حكم كلي في عموم التزكية لهم مطلقا وانما تجري عليهم بعض هذه الانواع لرفع درجتهم كما قلنا وهم بذلك عالمون وهذا البعض في الحقيقة ليس في حقهم بل ولا في حق من هو من شيعتهم ومحبيهم من الفتنة وانما هو من الفضل والهدية من الله سبحانه الى عبده المؤمن ولو كشف لك لرأيت ان هذه الفتنة المخصوصة ليس لك مطلوب في اعمالك خير منها وفي الحديث لو كشف لكم الغطاء لما اخترتم الا الواقع فيعود الكلام الى ان الله سبحانه آمنهم من فتنة الضلالة والشرك والكفر والتخلص من الغش والجنون والايقاع في الاثم والعذاب والافساد والامتحان بالذنوب والصد والمحبة لغير ما يحب الله والفتنة بمعنى الحجة لانها حجة داحضة عند الله واما حجتهم فهي حجة الله لا تكون بمعنى الفتنة الا بمعنى فتنة غيرهم من متممات القابليات بحكم الذود والايراد وفائدة الفتنة اظهار ما بالقوة بالفعل والمراد بهذه القوة الامكان لانه هو المتقدم على ما بالفعل في الممكن بخلاف ما بالقوة المتعارفة حيث يطلقونها على موجود في الغيب ويزعمون انها متقدمة على ما بالفعل وليس كذلك بل ما بالفعل في الوجود قبل ما بالقوة في الغيب وبعده في الشهادة فاذا كان بعده في الشهادة كان قبله في الغيب بل هو عين الكون الاول وانما كان ما بالفعل قبل ما بالقوة في الغيب لانه اول كون الشيء وهو اقرب الى المبدأ ولا جائز ان يكون الاقرب الى المبدأ ما بالقوة والا لكان الاقرب الى المبدأ اضعف لان ما بالقوة اضعف فيلزم ان يكون كلما بعد عن المبدأ اقوى هذا خلف وانما كان ما بالقوة متقدما على ما بالفعل في الزمان لان اول الفيض ما بالفعل وكلما بعد عن المبدأ ضعف وخفيت روحانياته وكمنت في باطنه لانه في قوس النزول يقرب من الزمان وما يلي المبدأ في الدهر وما بالفعل دهري لا زماني فكلما نزل كمنت الدهريات واخذت الزمانيات في القرب من الظهور حتى يصل الموجود الى الزمان فتكمن الدهريات التي هي بالفعل في الزمانيات فتكون بالنسبة الى ظهورها بالفعل في قوس الصعود بالقوة لعدم وجودها بالفعل فالعقل الذي هو بالفعل منذ برز هو بالفعل فلما تنزل اخذ في البطون الى ان وصل الى النطفة فكان فيها بالقوة وهي اول درجة له في الصعود والاخذ في القرب من الظهور الى فعليته وفي العلقة اقرب وفي المضغة والعظام فاذا كسي لحما وتمت الخلقة كانت النفس الفلكية الحيوانية التي هي آخر يقظة العقل بالفعل فاذا نشا المولود وعقل كان عقله الان بالفعل وهو عين كونه بالفعل قبل نزوله الى النفس في قوس النزول وهذا معنى قولنا ان ما بالفعل قبل ما بالقوة في الدهر وبعده في الزمان فاذا كان بعده في الشهادة اي في الزمان كان قبله في الغيب اي الدهر بل هو عين الكون الاول ومرادنا بقولنا بخلاف ما بالقوة المتعارفة الخ هذا لانهم يتكلمون على حكم القوس الصعودي في الزمان ومرادي بقولي وفائدة الفتنة اظهار ما بالقوة بالفعل وفسرت هذه القوة بالامكان ان الامكان الذي مفهومه تساوي طرفيه بالنسبة الى الممكن لان الله تعالى امكنه بفعله هكذا فله لحاظان احدهما في نفسه وهو تساوي الطرفين والاخر بالنسبة الى الممكن وهو هنا يترجح فيه احد الطرفين لان الممكن قبل كونه ليس شيئا ويكون حين يكون مرجحا لاحد ميليه اذ ميله الى طرف دون الاخر انما هو بالاختيار لان الاخر له كما ان ما مال اليه له ايضا ولكنه يقدر للترجيح مرجحا فيرجح هذا الطرف الذي مال اليه بما يقدره ويتخيل راجحيته وان كان عنده مرجوحا في نفس الامر مثل ان يتخيل قرب نفع ما رجحه وان كان فيه ضرر ويغمض بملاحظة هذا النفع الحاضر عما فيه من الضرر مع علمه بذلك وبحسن ما لم يرجحه وبسلامته من الضرر وذلك لسوء نظره لنفسه وقد يحسن النظر لنفسه فيرجح ما فيه السلامة والظفر وهذا هو الاختيار بدون الاضطرار لانه انما هو لغرضه ولو شاء ترك وكل ما سمعت من الترجيح ممن احسن او اساء انما هو مع تكونه حين كونه الله تعالى لا قبله اذ هو قبل التكوين ليس شيئا فلا يسند اليه شيء فكما انه جائز الطرفين ليصح اختياره لا يرجح الا باحد جائزين ولا يكلف الا باحد جائزين ولا يخاطب الا باحد جائزين وكل ذلك بالتخيير ليصح الاختيار فاذا صدر من الفعل اختراع التكوين ظهر به المكون على ما اختاره حين كون فالفتنة لهذا المكون ليخرج ما في امكانه حين التكوين الى الفعل ان يرد عليه الخطاب بما يطلب منه كمثل ما لا يطلب منه ولا يمنعه عن ميله الى شهوة نفسه حين وجد ما قدم اليه من انواع الترغيب والترهيب لعرضها عليه بالتخيير كما قال تعالى الست بربكم بل يكون ذلك باعثا على ما يتخيل ترجيحه في ميله محقا او مبطلا لتكليفه باحد جائزين وخطابه باحد جائزين بغير منع للاخر ولان ما مال اليه هو مختار في تركه لو شاء لتمكنه من ضده كتمكنه منه بل التكوين انما هو مادته وصورته انما هي ما مال اليه اذ ذلك صورة اجابته فافهم فقد فضحت لك من سر القدر فهذه الفتنة مما آمنهم الله منها بالعصمة التي هي حقيقة ما هم اهله فلما كان زيتهم الذي هو قابليتهم يكاد يضيء قبل الايجاد اي يكاد يقول بلى قبل ان يقال له الست بربك كان الست بربك خطابا له بما احب فقد اتفقت محبة الفاعل ومحبة القابل فيكون الفاعل في سؤاله لهم انما هو لرفع درجاتهم بتكليف الايجاد لا للاختبار
قال عليه السلام : وطهركم من الدنس واذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا
الطهارة نقيض النجاسة وتطلق على الاعم من ازالة الخبث وتستعمل في ازالة الخبث والوسخ ورفع الحدث والقرائن تميز بينها وفي قوله تعالى وثيابك فطهر قيل معناه اصلح عملك فهي بمعنى الاصلاح والعمل صفة المكلف فهو ثوبه الذي يستره او يكشف عورته ومنه قوله تعالى فاكلا منها فبدت لهما سوءاتهما او بمعنى التقصير اي وثيابك فقصر او لا تلبسها على فخر وكبر فالثياب هنا القلب لان التكبر في القلب قال تعالى كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار والثياب يطلق على القلب كما قال امرء القيس :
فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي اي فسلي قلبي من قلبك
وقول الشاعر :
فشككت بالرمح الاصم ثيابه
اي قلبه او بمعنى اغسل ثيابك بالماء وقيل على هذا كنى بالثياب عن القلب او بمعنى لا تكن غادرا فان الغادر دنس الثياب يعني القلب وفي قوله تعالى فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المطهرين وقيل هنا المراد بها الطهارة من الذنوب والاكثر على انها الطهارة من النجاسة لقول الباقر والصادق عليهما السلام انها نزلت في اهل قبا وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لهم ماذا تفعلون في طهركم فان الله قد احسن عليكم الثناء فقالوا نغسل اثر الغائط ولا منافاة بينهما وفي قوله تعالى انهم اناس يتطهرون اي ينزهون اديانهم واعراضهم عن ادبار الرجال والنساء وذلك تهكم منهم بال لوط عليه السلام وفي قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن اي ينقطع دمهن يعني ينقين وهذا على قراءة التخفيف واما على قراءة التشديد فالطهارة بمعنى الغسل وفي قوله تعالى وازواج مطهرة اي من الحيض والحدث والدنس وسوء الخلق ومن مد نظرهن الى غير ازواجهن ومن مس غير ازواجهن وفي قوله تعالى يتلو صحفا مطهرة اي عن ان يمسها الا الملائكة المطهرون او عن التغيير والتحريف والتبديل والباطل او عن درك غير المؤمن او عن تأويل المبطلين بمعنى انهم اذا احتملوا في آية منه باطلا ابطلت احتمالهم آية منه اخرى فلا يقدر احد على تغييره وفي قوله تعالى وانزلنا من السماء ماء طهورا يعني نظيفا يزيل الخبث ويرفع الحدث الاكبر والاصغر وفي قوله تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا والمراد بالشراب الخمر وهو في الدنيا رجس كما قال تعالى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان والرجس هو النجس لانه يصد عن ذكر الله وعن الصلوة ويوقع البغضاء والعداوة بين الناس وهذه نجاسات خبيثة من عمل الشيطان فاخبر سبحانه ان الخمر في الاخرة طهور لانه اذا شربه المؤمن احدث له الصحو الذي لا يكاد يوصف فيعلم بسببه ما لم يكن يعلم ويجد من محبة اخوانه وازواجه وولدانه في نفسه ما لا يوصف ويتصل بشربه ذلك بمراتب من المعارف والتلذذ بمناجاة الله وانغماس في مراضيه ما يحتقر عندها جميع لذات الجنة لانه يحصل له صحو يكاد يتصل به بالوجود المطلق فلهذا قال تعالى شرابا طهورا كما ان خمر الدنيا يوصله الى تلك النجاسات فهو بعكسه
والدنس لغة الوسخ وهو يستعمل في دنس النسب من الزنا والنكاح بغير طيب النفس وبالمهر الحرام وبالشبهة بل ومن الدنس ما يلحق ام الزوجة واباها واخواتها وخالاتها وعماتها ومن الدنس الزنا الى سبعة آباء فورد ولد الزنا لا يطهر الى سبعة آباء ومعناه انه اذا كان الاب الاول ولد زنية والاولاد الستة ولد رشدة فالاخير منهم ليس بطاهر بمعنى ان نطفته التي تولد منها ليست بطاهرة وبيانه ان ولده الاول الذي هو اول الستة طهر بالعقد الصحيح عقله والثاني طهر بالعقد الصحيح عقله ونفسه والثالث بالعقد الصحيح طهر عقله ونفسه ولحمه والرابع بالعقد الصحيح طهر عقله ونفسه ولحمه وعظمه والخامس بالعقد الصحيح طهر عقله ونفسه ولحمه وعظمه ومضغته والسادس بالعقد الصحيح طهر عقله ونفسه ولحمه وعظمه ومضغته وعلقته وهذا الولد السادس لابن الزنا آخر نجاسته لان نطفته التي تولد منها ليست بطاهرة والسابع بالعقد الصحيح طهر كله عقله ونفسه ولحمه وعظمه ومضغته وعلقته ونطفته وبيان آخر ان الولد الاول تطهر نفسه والثاني نفسه ولحمه والثالث نفسه ولحمه وعظمه والرابع نفسه ولحمه وعظمه ومضغته والخامس نفسه ولحمه وعظمه ومضغته وعلقته والسادس نفسه ولحمه وعظمه ومضغته وعلقته ونطفته والسابع طهر كله لانه في نفسه طاهر وقد تولد من طاهر فهو نجيب فقوله لا يطهر الى سبعة آباء يحتمل ان يكون السابع خارجا عنهم لانه الغاية فان قلنا بخروجها كان نجيبا وان قلنا بدخولها فان اريد دخول الاول الذي تولد من الزنا في هذه السبعة فلا شك في عدم طهارته والا فهذا السابع يكون نجيبا ويعرف ذلك بخروجه من دليل آخر وان قلنا بدخول الغاية مع الجهل بالقرينة ومن الدنس ما قد يلحق العقل والنفس والجسم في امور المعارف والمعتقدات والاحوال والاعمال والاقوال من الريب والشك في العقل الذي هو مقر اليقين والاستقامة والثبات والطمأنينة ومن الجهل والغفلة والسهو والنسيان في النفس التي هي مقر العلم والحفظ والتذكر والتخيل ومن مباشرة الشهوات وترك الاعمال واستثقالها وطلب الراحات في الجسم الذي هو محل الاعمال على اختلاف احوالها ومن الدنس الريب وهو اول الشك والميل الى التردد وقد ينشأ عن الفرض ثم الاحتمال والتجويز فاذا حصل ذلك للقلب غير ماقت له ولا مستوحش منه انقلب شكا وهو على الاصح التردد بين الطرفين بين الحق والباطل فيميل الى الحق بوجوده ويعرف حقيته بفطرته ويميل الى الباطل بماهيته ولا ينكر بطلانه بفطرته التي ارتد اليها لما غير فطرته الاولى وبدل خلق الله لانه حين عصى وعمل بخلاف ما علم حدثت له الفطرة الثانية المخلوقة بمعصيته وهو قول الصادق عليه السلام واذا لم يرد الله بعبده خيرا وكله الى نفسه فكان صدره ضيقا حرجا فان جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه واذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به فاذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله ان يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه وقول الرضا عليه السلام في قوله تعالى ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا قال ومن يرد ان يضله عن جنته ودار كرامته في الاخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا مال الشك لانه يؤدي الى الكفر ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ه لان الريب مبدأ الشك والشك مبدأ الكفر ومن الدنس النفاق وهو اظهار الاسلام او الايمان وابطان الكفر لا بمعنى انهم لا يعلمون ما الايمان بل بمعنى انهم يعلمونه ويجحدونه يعلمونه بالفطرة الاولى فطرة الله ويجحدونه بالفطرة الثانية فطرة الشيطان التي حدثت من تغييرهم فطرة الله بامر الشيطان كما حكى الله عنهم ولامرنهم فليغيرن خلق الله وذلك قول الله تعالى وجحدوا بها اي بولاية محمد وعلي وآلهما صلى الله عليهما وآلهما الطاهرين واستيقنتها انفسهم ظلما لال محمد حقهم وعلوا عليهم اي طلبا للعلو عليهم وقال ابو الحسن عليه السلام في المنافقين ليسوا من الكافرين وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين يظهرون الايمان ويصيرون الى الكفر والتكذيب لعنهم الله تعالى اقول قوله (ع) ليسوا من الكافرين يعني ظاهرا لاظهار كلمة الاسلام والا فهم كفار كما قال (ع) وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين فاذا لم يكونوا مؤمنين ولا مسلمين كانوا كافرين ولذا قال ويصيرون الى الكفر بل هم اشد واسوء حالا من الكفار ولهذا قدمهم الله تعالى في ذكره ادخالهم النار قال تعالى ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا وقدمهم على المشركين قال تعالى ليعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الاية ومن الدنس وقف القلب فقد تمر عليه ساعة في ليل او نهار يكون فيها واقفا وهو سهوه ويكون من الملال اذا كان ذكره لله تعالى لغرض دنيوي او اخروي وقد يكون من اشتغاله بما لا يعنيه وامثال ذلك من كل ما ليس لله فان كانت علة وقفه لطخ اهل الباطل فمن فضل الله سبحانه ان ينكت فيه ما شاء من الايمان بعد ذلك ان شاء وان كانت علة وقفه ذاتية فمن عدله عز وجل ان ينكت فيه ما شاء من الكفر بعد ذلك ان شاء وفي الكافي عن الشحام قال زاملت ابا عبد الله عليه السلام قال فقال لي اقرأ فافتتحت سورة من القرءان فقرأتها فرق وبكى ثم قال يا ابا اسامة ارعوا قلوبكم بذكر الله تعالى واحذروا النكت فانه يأتي على القلب تارات او ساعات الشك من صباح ليس فيه ايمان ولا كفر شبه الخرقة البالية او العظم النخر يا ابا اسامة اليس ربما تفقدت قلبك فلا تذكر به خيرا ولا شرا ولا تدري اين هو قال قلت له بلى انه ليصيبني واراه يصيب الناس قال اجل ليس يعرى منه احد قال فاذا كان ذلك فاذكروا الله تعالى واحذروا النكت فانه اذا اراد بعبد خيرا نكت ايمانا واذا اراد به غير ذلك فنكت غير ذلك قال قلت وما غير ذلك جعلت فداءك ما هو قال اذا اراد كفرا نكت كفرا ه اقول النكث بالمثلثة اخيرا نقض العهد وفي بعض النسخ بالمثناة وعلى المشهورة يكون المعنى ان الله قد اخذ عليكم ان تذكروه في الضمير والعمل والقول ولا تكونوا من الغافلين فاعطيتموه العهد من انفسكم واشهد عليكم اولياءه وملائكته فلا تنقضوا ما عاهدتم عليه فينكث في قلوبكم بنقضكم ميثاقكم كفرا وعلى النسخة الاخرى يكون المعنى احذروا ان ينكت في قلوبكم بغفلتكم كفرا وقولنا ان كانت علة وقفه من لطخ اهل الباطل فمن فضل الله سبحانه ان ينكت فيه ما شاء من الايمان الخ لا نريد به انه ينكت في قلبه حين وقفه وانما نريد انه حين النكت تميل ذاته اي وجوده الى الايمان فينكت بذلك ما اقتضاه وجوده بميله من مراتب الايمان ويلزم ميل وجوده الى الايمان ميل ماهيته الى الكفر فبترجيحه ميله الى الايمان مع تساويهما بالنسبة الى ذاته المركبة منهما نكت الله في قلبه ما شاء من الايمان وبالعكس في نكت الكفر فالمراد بهذا الوقف عدم الترجيح لاحد الطرفين ويسمى سهو القلوب فاذا استقل كل ميل الى ما يناسبه ولم يستقر عليه بل ينتقل النظر الى ضده مستقلا وينتقل عنه الى الاخر قبل استقراره وهكذا فهو الشك والفرق بين الشك وبين الوقف عدم الاستقلال هذا ما يجري عليه الصنع من لدن العقل والنفس الامارة لان ميل الوجود بالعقل والماهية بالنفس الامارة ولهذا قال عليه السلام فانه ياتي على القلب تارات او ساعات الشك وكون القلب في تلك الحال لا يذكر به خيرا ولا شرا ولا يدري اين هو لا يلزم منه عدم ميله الى شيء من الطرفين لان ذلك لا يمكن في حق المحدث لانه لا يستغني عن المدد في بقائه ولا ينتفع بالمدد حال الوقف المفروض لو اريد به عدم الميل بالكلية لان هذا الميل هو القابلية للمدد فلا بد للقلب من احد اربعة احوال اما حال الثبات والمحض على الايمان او الكفر واما حال الاستقلال في الميل بدون استقرار بان يتوجه الى طرف بكل ميله ولا يستقر عليه حتى ينتقل الى ضده ولا يستقر على الضد حتى ينتقل الى الاول وهكذا وهو الشك واما حال ميله بصفة ذاته لا بها مع صفة فعلها بل بصفة وجوده الى الخير وبصفة ماهيته الى الشر وهذا الميل بدون صفة الفعل الذي هو الانبعاث لا يذكر به خيرا ولا شرا ولا يدري اين هو وهو وقف في الظاهر لا في الحقيقة بل هو ميل ذاتي خال عن الانبعاث الفعلي اي الباعث على الفعل من الجوارح او من الجنان اي خال عن انبعاث الى اعتقاد او الى شك او قول او عمل واما حال السجود الحقيقي وهو سجود القلب بين يدي الله تعالى تحت العرش وهذه الحال اقوى احوال وقف المخلوق فانه لا يشعر بنفسه ومثاله كحال دخول الشخص في النوم وحال انتباهه من النوم فانه لا يشعر بنفسه في الحالين ابدا وهذا اقوى احوال الوقف وهو في الحقيقة اسرع احواله سيرا الى الله تعالى ومن الدنس الطبع على القلب بسبب المعاصي التي ياتيها العبد بعد العلم والقلب غير منكر لها وهذا قلب المنافق وهو قول الباقر عليه السلام ما من عبد مؤمن الا وفي قلبه نكتة بيضاء فاذا اذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد وان تمادي في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي ذلك البياض فاذا غطى البياض لم يرجع صاحبه الى خير ابدا وهو قول الله عز وجل كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون اقول المراد انه كلما اذنب ذنبا جراءة على معصية الله او عدم مبالاة بالذنب او بالوعيد عليه خلق الله سوادا بذلك الذنب على الوجه الخاص بذلك الذنب من القلب وهكذا حتى لا يبقى بياض في ذلك القلب وهو الرين المذكور في الاية الشريفة وهو الطبع في قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فقوله عليه السلام ما من عبد مؤمن لا ينافي قولنا وهذا قلب المنافق لان المنافق يسمى مؤمنا بسبب اقراره بالشهادتين ظاهرا وقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون نزل في رجل من المنافقين وفي الكافي عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الطيار دخل عليه فسأله وانا عنده فقال له جعلت فداءك ارأيت قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا في غير مكان فهي مخاطبة المؤمنين ايدخل في هذا المنافقون قال نعم يدخل في هذا المنافقون والضلال وكل من اقر بالدعوة الظاهرة اقول هذه الاية وسبب نزولها منافق ثالث وهذه الرواية صريحتان في المدعي فقوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم صريح في ما قلنا من ان الله خلق الطبع على قلوبهم بكفرهم وذلك لما قلنا مرارا مكررا ان الله خالق كل شيء وكل مخلوق فيخلق من مادة وصورة فمادة الطبع من نهيه سبحانه وصورته من مخالفة نهيه كما انه عز وجل يخلق نور القلوب وهداها من مادة امره ونهيه والصورة من موافقة امره ونهيه فقال بل طبع الله عليها بكفرهم الذي هو مخالفة امره ونهيه فافهم ومن الدنس نكس القلب وذلك ان الله سبحانه لما خلق العقل الكلي وهو اول خلق من الروحانيين يعني الاربعة عن يمين العرش خلق ضده وهو الجهل الكلي من البحر الاجاج ظلمانيا فكان في اسفل السافلين تحت الثرى لانه في مقابلة اعلى عليين مكان العقل وجعل في العقل رؤسا بعدد الخلائق من ولد ومن لم يولد الى يوم القيمة ولكل رأس وجه مكتوب عليه اسم صاحبه وكان في الجهل الذي هو ضده رؤس كذلك ولما خلق الانسان جامعا خلقه من العقل والجهل فكان الانسان مجمع العالمين فكان فيه لجامعيته مرءاتان احدهما عن يمين قلبه وجهها الى السماء مقابلة للرأس المختص بذلك الشخص من العقل وعلى ذلك الوجه غشاوة تكشف قليلا قليلا وكلما انكشف بعض من ذلك الوجه اشرق نوره على تلك المرءاة الى ان يبلغ فينكشف كله على مرءاة قلبه ويعرف الجيد والردي ويكلف وهذا النور المشرق هو صورة ذلك الوجه وشبحه وهو عقل ذلك الشخص والثانية عن شمال قلبه وجهها منكوس عكس الاولى الى جهة الثرى مقابلة للرأس المختص بذلك الشخص من الجهل الاول الكلي وعلى وجه هذا الرأس غشاوة على نحو ما في رأس العقل الكلي والصورة المنطبعة منه في مرءاة الشمال هي قلب الكافر المنكوس وهو في الحقيقة ميت لانه لم يقبل الحيوة من مولاه وهو نور الاجابة فان قبل نور الاجابة قلبته ملائكة الرحمة المكتوبة وجعلت وجهه الى السماء فذهبت عنه صورة الجهل وانطبعت فيه صورة رأس العقل واليه الاشارة بقوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فحياته بالعمل فيكون العمل روحا لتلك الصورة فان لم يكن فهو ميت وهذا القلب المنكوس قلب المشرك لانه لم يقبل نور الاجابة فبقي على اصل خلقته لا نكاره حين اجاب العقل وانما كان في الاصل منكوسا لان العقل ناظر الى الجهة العليا يتلقى المدد من ربه والجهل ضده فهو ناظر الى نفسه والى مكانه تحت الثرى ناكسوا رؤسهم عند ربهم لانه انكر فانكب والعقل سبق فاصاب فضرب الله مثلهما فقال افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى ام من يمشي سويا على صراط مستقيم ومن الدنس قلب فيه نفاق وايمان لان فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه يعتلجان فايهما كانت منه غلب عليه يعني حين مال الى ايهما غلب فان ادركه اجله على نفاقه هلك وان ادركه على ايمانه نجى لان الاجل يأتي بما الشيء عليه كما قال تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ومن هؤلاء معارون وهم من كانت طينتهم خبيثة واصابهم لطخ من المؤمنين وهؤلاء ينزع منهم اللطخ يوما ما فيرجعون الى اصل طينتهم روى يونس عن بعض اصحابه عن ابي الحسن عليه السلام قال ان الله تعالى خلق النبيين على النبوة فلا يكونون الا انبياء وخلق المؤمنين على الايمان فلا يكونون الا مؤمنين واعار اقواما ايمانا فان شاء تممه لهم وان شاء سلبهم اياه قال وفيهم جرت فمستقر ومستودع وقال لي ان فلانا كان مستودعا ايمانه فلما كذب علينا سلب ايمانه ذلك اقول اراد عليه السلام بقوله فلانا محمد بن مقلاص المكني بابيالخطاب الغالي لعنه الصادق عليه السلام ومن كانت طينته طيبة من هؤلاء وانما اصابه لطخ من الكافرين او المنافقين فذلك الذي في مشية الله ان يتمم له ايمانه وقولي في المقامين اصابه لطخ مبني على المتعارف لا على الحقيقة لان الحقيقة في هذه المسئلة خفية ولكني اشير الى وجه المسئلة لاهلها وهو ان هؤلاء خلقهم الله بين المؤمنين والكافرين وهو ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال سمعته يقول ان الله تعالى خلق خلقا للايمان لا زوال له وخلق خلقا للكفر لا زوال له وخلق خلقا بين ذلك واستودع بعضهم الايمان فان شاء ان يتمه لهم اتمه وان شاء ان يسلبهم اياه سلبهم وكان فلان منهم معارا اقول قوله عليه السلام وخلق خلقا بين ذلك اي بين الايمان الثابت والكفر الثابت وليس ذلك لانهم مركبون من الاثنين بل المراد انهم موقوفون عن الحكم عليهم ولهم حتى يقع منهم المقتضى من ايمان او كفر فيلحقون بحكم اهل ذلك المقتضى والذي يسلبه عنهم الصلوح للشق الاخر في الحكمة لا في الامكان لانه لا يسلب عنه ابدا ومعنى قوله اتمه لهم انه اذا كان منهم المقتضى لاحد الشقين لا يكون مستقلا لا يجاد متعلقه وسلب خلافه بل ذلك شيء لله يقف على ارادته فان اراد اتمه وان لم يرد لم يتمه فالمستعار بهذا المعنى وقد يعبر عنه بالقلب الذي فيه نفاق وفيه ايمان ومن الدنس حديث النفس والوسوسة وذلك لما كانت النفس في ذاتها مفتقرة لا يمكنها ان تسكن عن طلب المدد اما بجهة وجودها من الخيرات والامور المطابقة للواقع ومما ينبغي كما ينبغي واما بجهة ماهيتها من الشرور والامور المجتثة والموهومة والباطلة التي ليس لها قرار ولم تتعلق بما امر الله من طاعته وذكره ومعرفة صفاته وجب ان تدور على شهواتها من المعاصي في بعض احوالها وفي حال عدم اشغالها تدور على نفسها وعلى عوالمها من جهة الماهية ودعاواها فتعرض حدوث القديم تعالى وقدم الحادث وفسق الانبياء وانكار الضروريات وانواع السفسطة وامثال ذلك واصل ذلك ومنشأه الغفلة عن ذكر الله وعدم الاشتغال بالطاعات والتكاسل عنها وطلب راحة النفس والتوسعة عليها وربما يكثر على النفس حتى يكون عادة لها بحيث يحصل لها في حالة الطاعة وربما تجري على المؤمن فيتألم منها ويتوهم انها تضر باعتقاده وعلاجها الاعراض عنها اذا عرضت والالتفات الى ذكر الله ففي الكافي عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له انه يقع في قلبي امر عظيم فقال قل لا اله الا الله قال جميل فكلما وقع في قلبي شيء قلت لا اله الا الله فذهب عني اقول ومن العلاج العلم بانها لا تضر فانه اذا علم ذلك لم يخف منها واذا لم يخف منها لم يشتغل بالاحتراز عنها ويقل ذكرها فتذهب ففيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله هلكت فقال له هل اتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله تعالى فقال لك الله من خلقه فقال له اي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك والله محض الايمان قال ابن ابي عمير فحدثت بذلك عبدالرحمن بن الحجاج فقال حدثني ابو عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما عني بقوله هذا والله محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيث عرض ذلك في قلبه اقول واذا علم انه لا يضره واستعمل له الاعراض عنه الى الذكر مثل لا اله الا الله كما مر ومثل ما في رواية ابن مهزيار عن الجواد عليه السلام الى ان قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان ذلك لصريح الايمان فاذا وجدتموه فقولوا آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة الا بالله والمراد انه اذا وجد شيئا من ذلك ذكر الله واعرض فانه يذهب لان الخبيث انما يريد ان يطاع وهذه هي النجوى من الشيطان ليحزن الذين امنوا وليس بضارهم شيئا الا بالله لان كيده ضعيف وانما مثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ومن الدنس ايضا ما يعرض في العبادات والاقوال والاحوال من الغفلات والمناجاة والدعاوي وغير ذلك وقد تقدمت الاشارة الى بعضها اجمالا لان ذكرها مفصلا لا يكاد يسعه كتاب والحاصل ان كل ما اشرنا اليه وما لم نشر اليه من اشباهه من النقائص التي تعرض للعقول والارواح والنفوس والطبائع بل والمواد والصور فان الله سبحانه من عظيم فضله عليهم قد طهرهم من جميع هذه الادناس وغيرها بحقيقة ما هم اهله من النور والاخلاص والاقبال على الله في كل حال حتى انه ورد عنهم عليهم السلام كما تقدم في قوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون انهم هم الذين عنده وانهم هم الذين لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولهذا قال وسراجا منيرا وسراجا وهاجا اي ليس فيه شيء من الظلمة وقال تعالى وانك لعلى خلق عظيم فاختصهم بما هم اهله كما قال تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته
وقوله عليه السلام : واذهب عنكم الرجس فطهركم تطهيرا الرجس في قوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يعقلون هو اللعنة في الدنيا والعذاب في الاخرة وفي قوله فزادتهم رجسا الى رجسهم اي نتنا الى نتنهم والمراد من النتن الكفر اي كفرا الى كفرهم والرجز والرجس واحد وهو العذاب والرجس هنا هو ما في الاية انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس لانه اقتباس من الاية واستعير الرجس للذنوب كما استعير الطهر للتقوى لان المقترف للذنوب والقبائح يتلوث قلبه وروحه ونفسه وحواسه وجوارحه وكل جسده وعرضه بالذنوب والقبائح كما يتلوث بدنه وثيابه بالارجاس التي هي النجاسات والمجتنب لها تبقى تلك منه نقية طاهرة مصونة من الاكدار كالثوب الطاهر النقي من النجاسات والاوساخ والطهارة تقدم معناها وهذه الفقرة اقتباس من الاية والمراد منهما واحد وهو ان الله سبحانه قد اذهب عنهم الرجس الذي هو النجاسة الظاهرة والباطنة في كل رتبة من مراتب وجوداتهم وفي كل حال من احوال تكليفاتهم من جميع النجاسات ومن الكبائر والصغائر والمكروهات الظاهرة والباطنة ومنها ترك الاولى وكل ذلك لحقيقة ما هم اهله فان قلت انهم عليهم السلام كثيرا ما يفعلون المكروهات ويتركون الاولى فكيف يكونون مطهرين من كل دنس لان المكروهات وترك الاولى معاص في حق مثلهم والقرءان مشحون بمثل هذا كما يصدر من الانبياء المعصومين عليهم السلام ويحكم الله عليهم بالمعصية بذلك وقد ورد حسنات الابرار سيئات المقربين قلت ما ورد انهم يفعلون ذلك فانه واجب عليهم لانهم المعلمون للبشر ويحتاج كمال الاداء عن الله سبحانه ان يفعلوا ذلك لبيان الجواز فقد يكون القول غير كاف ومن كان عارفا بمقامهم عند الله وبما هم عليه في نفس الامر يعرف ان اعمالهم واقوالهم منحصرة في واجب وحرام والواجب منه بالاصالة في التكوين وواجب بالطبع المستقيم للتكميل كسائر المندوبات اذا لم يقتض الاداء تركها لبيان الجواز والحرام منه حرام بالاصالة لنفي المانع في التكوين وحرام بالطبع السليم للتكميل كسائر المكروهات اذا لم يقتض الاداء فعلها لبيان الجواز ثم ما اقتضاه الاداء في الصورتين منه ما لا يكون الاداء الا به فيلحق بالواجب او الحرام الاصليين في العمل او القول مع وجوب بيان جواز خلافه ايضا في العمل او القول ومنه ما يكون اكمل في الاداء وقد لا يتوقف عليه وهذا يلحق بالواجب او الحرام في التكميل او اللطف بالمكلفين فيقتضي الطبع المستقيم ايقاعه لطفا بالرعية مع وجوب بيان جواز خلافه في القول او العمل وهذا كما يجري في الشرعيات يجري في الوجوديات ولكن اكثر الناس لا يعلمون فلا يعملون الا الراجح عندهم عليهم السلام ولا يتركون الا المرجوح عندهم عليهم السلام لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وانما قلنا انه واجب عليهم او حرام على ما اشرنا اليه من التفصيل لانهم عليهم السلام ما ترك الله سبحانه حين اشهدهم خلق ما خلق وانهى اليهم علمه وجعلهم اولياء ذلك شيئا الا اعلمهم علمه ولا يتجاوز العقل الكامل راجحا عرف رجحانه الا عمله ولا مرجوحا عرف راجحيته الا تركه وانما اكد الفعل في الاية وفي هذه الفقرة لرفع ما عسى ان يتوهم من ان طهر الذي هو الفعل قد يكون رافعا للنجاسة الظاهرة الخبثية دون الحدثية وقد يزيل صورة الخبثية دون حقيقتها او حكمها دون لونها او جرمها ولونها دون رائحتها وكذلك الحدثية قد تكون الطهارة مبيحة غير رافعة للحدث وقد تكون رافعة للحدث غير كاملة كما لو توضأ ولم يقرأ الادعية المخصوصة فقد ورد انه لا يطهر منه الا الاعضاء المغسولة وقد تكون كاملة ولم تكن مزيلة لبعض الاوساخ الغير المانعة فاذا قال طهر تطهيرا واكده بالمصدر افاد حصول التطهير على اكمل وجه واصحه في كل ما ينبغي فلما قال انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا بتقديم الارادة الدالة على كمال الاعتناء ولم يكتف بمعناها الذي يدل عليه يذهب ويطهر دل ذلك على التطهير من كل ما يحتمل ويفرض من حدث او خبث او دنس او وسخ او نقص او ما لا ينبغي او غير كمال ما ينبغي ظاهرا وباطنا كبيرا وصغيرا مما يكون عن القصد او النسيان او الغفلة او السهو او التقصير او القصور او عدم الرضا او الجهل او التردد او الالتفات او الشك او الانكار وفي هذه الاية غاية الغاية في الطهارة والتطهير وكمال النهاية وقال عليه السلام ذلك عن قول الله وهو سبحانه طهرهم بعلمه وكفى به خبيرا بصيرا وعن مولينا الباقر عليه السلام نزلت هذه الاية في رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن ابي طالب وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم وذلك في بيت ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ثم البسهم كساء له خيبريا ودخل معهم فيه ثم قال اللهم هؤلاء اهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت امسلمة وانا معهم يا رسول الله قال ابشري يا ام سلمة فانك الى خير وعنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله الى ان قال فقالت ام سلمة الست من اهلك فقال انك الى خير ولكن هؤلاء اهلي وثقلي وقال في آخر الحديث الرجس هو الشك والله لا نشك في ربنا ابدا وفي آخر حديث العياشي ويطهركم تطهيرا من ميلاد الجاهلية وفي العلل عن الصادق عليه السلام نزلت هذه الاية في النبي صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة فلما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله كان امير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين ثم وقع تأويل هذه الاية واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله وكان علي بن الحسين ثم جرت في الائمة من ولده الاوصياء فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله اقول قد ذكر عليه السلام في هذه الفقرة جميع الائمة عليهم السلام كما جرى عليه تأويل هذه الاية بنحو ما ذكر جده الصادق عليه السلام في هذا الحديث والاشارة الى بيان ارادة العموم من هذه الاية هو انه لما كان فعل الله سبحانه جاريا على مقتضي القابلية في كل شيء كان التطهير المشار اليه بكمال المبالغة والتطهير والتنزيه والتزكية على غاية ما يمكن ان ينبغي صادرا من فوارة القدر لما يحق له ويقتضيه من القابلية فكان ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ولم يكن غيرهم ممن يصلح ان يكون قابلا لذلك التطهير الخاص فلما وجد علي بن الحسين وكان صالحا انبسط عليه فلما وجد الباقر محمد بن علي وكان صالحا انبسط عليه وهكذا الى الحجة المنتظر عجل الله فرجه وسهل مخرجه وانتهي ذلك التطهير بانتهاء ما يصلح ان يكون قابلا من الامكان اذ لا يحتمل الامكان ازيد من هذا العدد الا بقلب الحقائق وتغيير الذوات ولو فرض قلب ما نزل الى هذا المقام لكان هو ذلك المعدود بذلك العدد فلا يكون الا ما كان وانما قلنا هنا في حقهم عليهم السلام فلا يكون الا ما كان مع انا نقول ان كل ما في الامكان مما سواهم يصح ان يكون معه غيره لخلو بعض من الامكانات عما سواهم لانهم عليهم السلام ملئوا اركان كل شيء فعلى كل فرض لا يكون الا ما كان فافهم وما يوجد في الاوهام الباطلة فلك فيه لحاظان احدهما هو في نفسه وقد ملئوا اركانه بنسبة ما يستحق من الوجود والشيئية وثانيهما ما يريده المبطل منه وذلك ليس موجودا وليس بشيء مثاله كالسراب فانه في نفسه موجود وشيء ومن جهة ما يريد منه الظمأن من الري وانه ماء ليس موجودا وليس بشيء وهو قوله تعالى والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب
قال عليه السلام : فعظمتم جلاله واكبرتم شأنه
قال الشارح (ره) فعظمتم جلاله بالعقد والقول والعمل ولم يقع منهم ما يدل على عدمه من ارتكاب مباح واكبرتم شأنه كالسابق او افعاله
اقول العظمة هي الكبرياء المعنوية واستعظم تكبر واعظمه وعظمه تعظيما وقره توقيرا اي خشع لعظمته والعظمة تظهر بصفة هي كنه الكبرياء فيستحقر من يشاهد نور تلك الصفة نفسه وكل شيء سوى الله ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله ما معناه انه سمع رجلا يقول ما شاء الله وشاء محمد ما شاء الله وشاء علي فقال صلى الله عليه وآله لا تقل هكذا ولكن قل ما شاء الله ثم شاء محمد ما شاء الله ثم شاء علي ان مشية محمد في مشية الله كمثل الذبابة تطير في هذا العالم وان مشية علي في مشية الله كمثل البعوضة تطير في هذا العالم اقول اذا اردت ان تتخيل هذه الصفة من اثر العظمة فانا امثل لك بما تقرب به الى فهمك فاقول ان نسبة ظاهرك الى ظاهر العالم كنسبة باطنك وما تتخيل به الى باطن العالم الذي هو اثر تلك العظمة وانت اذا نسبت نفسك الى جبل من الجبال التي على وجه الارض رأيت جسمك احقر من ان يوصف او ينسب الى الجبل فانك اذا رأيت شخصا تحت الجبل وانت بعيد عنه رأيته كالذرة عند الجبل واعظم الجبال اذا نسبته الى الارض وجدته بهذه النسبة والارض جميعها اذا نسبتها الى هود بن آيسة وهو النجم الصغير عند الوسطى من الثلاث النجوم المتأخرة من بناتنعش وهو المعروف بالسها كان بقدر الارض خمس عشرة مرة على ما ذكره بعض علماء الهيئة مع انه من صغار النجوم لا يراه البصر الضعيف لصغره وهو اذا نسبته الى جميع العالم رأيته شيئا في غاية الصغر والحقارة فاذا نسبت جسمك الى جميع العالم ظهر لك ما يكاد يتحقق من حقارة جسمك وصغرك ونسبة غيبك الى غيب جميع العالم كنسبة شهادتك الى شهادته في الصغر والضعف والحقارة وجميع العالم اثر من صفة تلك العظمة وذلك لان العظمة التي هي الذات المقدسة لا تقدر بقدر ولا تتوهم بالاوهام ولا يعرف شيء كيف هو الا بما دل عليه وقد دل على ذلك بما اظهر من آثار فعله وهذه العظمة المشار اليها المبحوث عن آثارها وصفاتها هي عظمة فعله ومشيته وهي الدالة على ما شاء من صفات عظمته وتظهر عظمة فعله في آثاره وجميع العالم آثاره فاذا عرفت ان غيب جميع العوالم آثار عظمة فعله وعرفت حقارة غيبك في غيوب جميع العوالم ظهر لك ما لا تقدر على وصف شيء منه من العظمة وقد جعل الله سبحانه محمدا وآله صلى الله عليه وآله خزائن هذه الغيوب فتعظيمهم لجلال الله لا يساويه تعظيم شيء من خلق الله تعالى لانهم محال مشيته والكلمات التي ملأت اركان كل شيء بل بالاقتداء بهم والاخذ عن تعليمهم يعظم الله تعالى ويقبل ممن عظمه تعظيمه اذا كان عنهم وبسبيل تعظيمهم وتظهر العظمة بصفة القدس فلا تظهر على قلب وفؤاد الا ويرفع شأن الله ومقامه عن كل ما في الامكان من الذوات والهيئات والاعمال من التسبيح والتقديس فلو قال قائل لا اله الا الله والحمد لله مثلا فهو عند من ظهرت عليه هذه العظمة بالاعتبار الثاني منزه عن ذلك التهليل والتحميد فعلى الاعتبار الاول يأول قوله تعالى سبحن الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين وعلى الاعتبار الثاني يأول قوله تعالى سبحن ربك رب العزة عما يصفون يعني بدون استثناء كما وقع في الاية الاولى واما ما مجده به المرسلون وعباده المخلصون بما يليق بجلاله فانما هو مقبول لعدم قدرتهم على ازيد منه فهو ينسب اليه تعالى بالنسبة الى حالهم وقدرتهم واما بالنسبة الى مقامه تعالى فهو منزه عنه والمرسلون ممدوحون بما فعلوا مما هو منزه عنه فابان عن مدحهم على ذلك بقوله تعالى وسلام على المرسلين بعد ما نزه نفسه عن وصفهم وما اثنوا به عليه تعالى ثم حمد نفسه بنفسه بعظيم الثناء بانه لا يليق به وصف واصف الا ما وصف به نفسه بنفسه لا بغيره فقال والحمد لله رب العالمين والجلال العظمة او بمعناها على الاعتبار الثاني فانه في قوله تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام كذلك بقرينة الاكرام فانه بعطف الاكرام عليه المقتضى للمغايرة يدل على ارادة معنى العزة منه وما ورد في تفسير قال الله عز وجل اي استولى على ما دق وجل بمعنى ان عز بمعنى دق وان جل بمعنى عظم فهو بالاعتبار الاول للعظمة واذا قلت يجل عن ان تحيط به الاوهام فهو بمعنى يعظم على الاعتبار الثاني ثم ان الجلال قد اختلف فيه في اصطلاح اهل العرفان هل يراد منه نور الجمال والجمال نور الذات ام الجمال نور الجلال والجلال نور الذات واعلى الحجب مع ظهور آثار القهر عنه في الاعتبارين والاولى ان نقول اذا لوحظ فيه معنى العزة والقدس كان اطلاقه على نور الذات اولى والجمال ضياء الجلال وان لوحظ فيه معنى العظمة بالاعتبار الاول جاز فيه ان يقال انه نور الجمال وان الجمال نور الجلال ولا ينافيه ظهوره بالقهر لان لجماله جلال ( جلالا ظ ) ولجلاله جمال والفاء في قوله عليه السلام فعظمتم للتفريع لان تعظيمهم لجلاله وما بعده متفرع على ما تقدم من قوله اصطفيكم بعلمه وارتضاكم لغيبه الى آخره فيكون تعظيمهم لجلاله بمشيته من الجهة التي ذكرها عليه السلام من الاصطفاء والارتضاء والاختيار والاجتباء والاعزاز والتخصيص والانتجاب والتأييد والرضا واذا كان كذلك كان على وفق محبته كما يشاء ويريد فليس بعد ثنائه على نفسه بنفسه ثناء اخص ولا اعم ولا اكمل ولا اشمل من ثنائهم عليه لانه بكل لسان وبكل لغة في كل رتبة فعظموا جلاله بانفسهم حيث لم يخلق الله غيرهم فلما خلق خلقه علموهم الحمد والثناء فعظموا جلاله بما خلق وفيما خلق حتى عبد الله في ارضه وسمائه بدعائهم الى الله وبهداهم الى رضاه فكان ذلك التعظيم لجلاله سبحانه بما عقدت عليه الضمائر وانطوت عليه السرائر وبما نطقت به الالسن وعبدت به الحواس والجوارح والاركان بحركاتها وسكناتها ونموها وذبولها وتفرقها وافتراقها واجتماعها واعمالها واقوالها واحوالها على نحو ما اشرنا اليه سابقا ولهم عليهم السلام على ذلك كله الولاية والقيومية ان كل من في السموات والارض الا اتى الرحمن عبدا لقد احصيهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا وحيث كانوا اول الخير وآخره ومعدنه ومأويه ومنتهاه كانوا هم الدعاة الى الله وهم دعوة الحق وسباق الخلق والهداة الى الحق والخلق بهم يهتدون يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا اللهم صل على محمد وال محمد
قوله عليه السلام : واكبرتم شأنه اكبر بمعنى اعظم اي جعله في نفسه عظيما وهذه العظمة على الاعتبارين السابقين واكبر بمعنى اعظم في اعتباريه والشأن هو الامر والحال والمقام ومعنى انهم اكبروا امره اي اعظموا ما يحدثه من افاعيله واحكام مقاديره وحكيم تدابيره في انفسهم بمعنى انهم اذا تدبروا في مصنوعاته وما هي من لطيف الحكمة مع اشتمالها على الايات الدالات على تقدس ذاته وتوحد صفاته واسمائه وتجليات اراداته مع عجيب من التعريف وبديع من التوصيف بغير تكييف ولا تحديد على اكمل ما يمكن مع البيان في الاستدلال بما يقصر عنه المقال وجدوا فيه من الحكم والاسرار ما لا تدركه الابصار ولا تقدره غوامض الافكار ووجدوا صنعا متقنا عن علم محكم وامر مبرم يشهد للرب بالوحدانية والتفرد بالصنع الاكمل الاتم وروي عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى كل يوم هو في شأن وقد قيل وما ذلك الشأن فقال من شأنه ان يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وروى القمي قال يحيي ويميت ويرزق ويزيد وينقص وروى ايضا ان النبي صلى الله عليه وآله كان اذا قرأ قوله تعالى وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرءان ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه الاية يبكي بكاء شديدا وذلك من عظم ما يرى من شأن الله الذي يحدثه واما الحال فان الله سبحانه لا يعلم كيف هو في سر ولا علانية الا بما دل عليه من آثار افعاله فلما رأوا عليهم السلام الامثال التي ضربها للخلق وعقلوها وجدوا فيها آيات قدرة لا تتناهى وعلم لا يغايا وكرم لا يحد وجود لا ينفد وفضل سرمد وفيض ومدد وغناء مطلق وبقاء محقق فمانظروا في آية حال من احوال صفاته الا ووجدوا ما يهيم فيه الافكار وتنحسر دونه الابصار حتى قال سيدهم الافخر ونبيهم المطهر محمد صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا وذلك لما ظهر له مما لا يكاد يهتدي اليه سبيلا الا بتعليم الله سبحانه وهو قوله تعالى وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما لانه كلما علمه ما تحير فيه تجلي له بما يحيره فاذا تحير فيه تفضل عليه بعظيم من عطائه وعلمه اياه وهكذا وليس لهذا السير نهاية ولا لهذا التحير غاية وليس ذلك الا لعظيم حال الربوبية المتقدس عمن دخل في الامكان فيكبرون هذا الشان الذي هو حال العظمة والسلطان على الوجهين السابقين واما المقام فانهم عليهم السلام لما اشهدهم خلق انفسهم ووجدوا الا حقيقة لهم ولا لاحد مما سوى الله عز وجل الا ما تعرف لهم به من وصفه لهم فحقيقتهم ذلك الوصف لا غير وكان سبحانه ولا وصف ثم اقام بفعله الوصف بنفسه فالوصف انما هو شيء بما شيئه سبحانه وتعالى علموا انهم هم وسائر الخلق لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حيوة ولا نشورا وكما قال عليه السلام في الدعاء ليس لنا من الامر الا ما قضيت ولا من الخير الا ما اعطيت وانه يجب عليهم منه ويجب منهم له جل وعلا انهم لا يأتون الا ما له منهم ولا يطلبون الا ما لهم منه كما انهم ليسوا الا عنه وبه ومنه وله واليه وخافوا مقامه واماتوا انفسهم في رضاه ومحوا اعتبار انيتهم في امره ونهيه فاكبروا مقامه على الاعتبارين السابقين وذلك لان الله سبحانه عرفهم انفسهم في كتابيه التدويني والتكويني فانزل عليهم في كتابه التدويني وتحسبهم ايقاظا اي ذوي شيئية وتحقق وشعور بما يفعل بهم وتريهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون وهم رقود اي لا شيء الا تشييئنا لهم القائم بفعلنا قيام صدور ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال اي نيسرهم لما خلقناهم له من طاعة ومعصية وخير وشر وسعادة وشقاوة وبقاء وفناء وغني وفقر وصحة وسقم وعلم وجهل وسرور وحزن وحركة وسكون ونطق وسكوت ورضي وغضب وحيوة وموت وجنة ونار وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد الكلب الغضب المكالب على دعوى الانية باسط ذراع وجوده وذراع ماهيته اي يدي مادته وصورته بفناء الكهف المأول بالقلب او بباب فوارة النور وفي تفسير الكاشي وكلبهم باسط ذراعيه اي ناشرة قوتيها الغضبية والشهوانية بالوصيد اي بفناء البدن ولم يقل وكلبهم هاجع لانها لم ترقد بل بسطت القوتين في فناء البدن ملازمة له لا تبرح عنه والذراع الايمن هو الغضب لانه اقوى واشرف واقبل لدواعي القلب في تأديته والايسر هو الشهوة لضعفها وخستها اقول تأويله على خلاف تأويلنا لتقريره اليقظة في الرقود ونحن نقول انما هو بالظن وفي بادي الرأي لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا اي لو اشرفت ببصيرة فؤادك على حقيقتهم لوجدت انك اشرفت على غير شيء وعلى غير ثبات ولا ثابت ولوليت مما ليس بشيء فرارا الى الشيء الثابت الذي هو المفزع والملتجي ومقوي الضعفاء ومغني الفقراء ولملئت منهم رعبا اي ولملئ صدرك خوفا لانك اعتمدت على غير شيء وتوهمت ثبات غير ثابت لانك طلبت الري من السراب والبلل من التراب والتجأت الى غير رب الارباب وانزل عليهم في الكتاب التكويني ان خلق صورة الشخص في المرءاة المقابلة له شبحا ومثالا له بدنا لا روح فيه معلقا بظهور الشخص له به فالصورة ليست شيئا الا ظهور الشخص بها بكينونة ظاهريته التي هي مقابلته لها لان مادتها هيئة صورته وظهورها وصورتها التي هي هيئة قابليتها لذلك الظهور بها بالانطباع هي هيئة المرءاة ولونها ومقدارها وصقالتها وتلك المادة صفته وهي له ووجودها هو ظهوره لها بها وحركتها وسكونها نور حركته وسكونه بل ليست شيئا غيره وملكوتها وملكوت جميع صفاتها واحوالها بيد الشخص التي هي ظهوره لها بها فلما عرفهم انفسهم بهذين وما اشبههما كالنور من السراج والاصوات من المتكلم والصدا من الصوت والابصار بكسر الهمزة والاسماع والسماع والافهام والاوهام والتخيلات والعلوم والعقول وما اشبه ذلك عرفوه حق ما يمكنهم من معرفته كما نقل او نسب الى علي امير المؤمنين عليه السلام انه قال :
اعتصام الورى بمغفرتك عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فاننا بشر ما عرفناك حق معرفتك
ولم يعلموا ما هو ولا اين هو ولا كيف هو الا بما عرفهم من ذلك فاكبروا شأنه وعظموا حاله وقدره وخافوا مقامه لان الذي لا يعرف ولا يدري ما يريد ان يفعل الا بما شاء ان يعلموه لا يؤمن مكره وهذا اذا كان الخائف منه مستقلا بدونه قائما بنفسه فكيف بمن الخائف منه ليس هو الا عبارة عن اثر فعله المتقوم به تقوم صدور وهذا ايضا يتحقق على الاعتبارين السابقين في العظمة لانها بمعنى الكبرياء وان كانت اكثر ما تستعمل فيما ظهر والعظمة فيما بطن فافهم
قال عليه السلام : ومجدتم كرمه وادمنتم ذكره
قال الشارح قدس سره ومجدتم كرمه اي عظمتم ذاته الكريمة المشتملة على الصفات الحميدة او كرامته اليكم او الاعم وادمنتم ذكره اي ادمتم والذكر ما يذكر الله به من العبادات وترك المنهيات او الذكر اللساني فانه ورد في اخبار كثيرة انهم صلوات الله عليهم كانوا مداومين على الذكر اللساني حتى في الاكل وغيره وظاهرها انها كانت من معجزاتهم كما ورد انهم يختمون القرءان عند الركوب انتهى
اقول المجد الشرف الواسع والعلو والكمال والرفعة والكرم والعز وروي المجد حمل المغارم وايتاء المكارم والمجد ايضا في الرجل شرف الاباء وتمجيد الله الثناء عليه بالمحامد التي تنبغي لكرم وجهه وعز جلاله والمجيد بمعنى الماجد وجمعه امجاد وشريف واشراف كاشهاد في شهيد وشاهد والكرم ضد اللؤم والحسن والرضا ومنه قوله تعالى انه لقرءان كريم اي حسن مرضي في جنسه او كثير النفع والكريم هو الموصوف بالكرم وهو الجامع لانواع الخير والشرف والفضائل والفواضل ووصف يوسف عليه السلام بالكرم لانه اجتمع له شرف النبوة والعلم والعدل ورياسته ورياسة الدنيا والكرم الذي هو بذل المعروف وسخاء النفس بما يقتضي ايثار الغير بالخير ويطلق على محبة النفس للقيام باوامر الله واجتناب نواهيه ومنه قوله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقيكم اي لله لسخاء نفسه بمحبة طاعة الله ويطلق على العمل بما يقتضي حفظ الدنيا والدين من الاعمال لمداراة الاغيار كما في هذه الاية ان اكرمكم عند الله اتقيكم اي اشدكم تقية ومداراة للاغيار وفي حديث اكرام الضيف قال (ع) اكرموا الضيف وذكر من اكرامه تعجيل الطعام وطلاقة الوجه والبشاشة وحسن الحديث حال المواكلة ومشايعته الى باب الدار فان هذه وما اشبهها من بذل المعروف ومكارم الاخلاق التي خص بها النبي صلى الله عليه وآله عشرة اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة ولما كانت العرب يسمون الخمر بابنة الكرم فلما جاء الله بالاسلام وحرمها نهاهم النبي صلى الله عليه وآله وقال لا تقولوا الكرم فان الكرم قلب المؤمن لانه معدن التقوى يعني به معدن تقوى الله وتقوى النفس وتقوى الناس واما الكرم في حق الواجب جل وعلا فقسمان ذاتي وفعلي اما الذاتي فهو ذاته سبحانه ولا مغايرة ثم انما الله اله واحد وما يعبر عنه على اي حال كما قلت لك هو ذاته فهو في عنوان وصفه نفسه لخلقه حين تعرف لهم بهم اي بذواتهم وذلك الوصف الذي ليس كمثله شيء من خلقه هو خلقه سبحانه ليعرف به يعني بذلك الوصف لانه انما وصف نفسه لهم به وهو حقائقهم منه ولا يصح ان يكون لوصفه الذي يعرف به مثل ويجب ان يكون ذلك الوصف احدي المعنى فلا يوجد فيه رحمة ولا كرم ولا علم وكذا ساير الصفات يغاير الذات وانما هو واحد من كل جهة بكل اعتبار ولذا كان من عرفه فقد عرف ربه لانه آية معرفته ودليله في النفس واما الفعلي فيظهر باثره فهو في الاثار ظاهر اما ذات الكرم الفعلي فهو نفس الفعل واول مظاهره في نفسه امكان الممكنات قبل اكوانها وهي العرش الاعلى ثم في الماء الاول فلما خلق منه الانوار الاربعة التي منها الخلق والرزق والحيوة والممات جعلها اركان العرش فالعرش مركب منها وعبارة عنها فكان العرش خزانة كرمه ولهذا قال تعالى رب العرش الكريم وهو السماء في قوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وفيه خزائن الاشياء كما قال عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه فتتعلق آثار كرمه من العرش بالاشياء على حسب قابليتها ويختلف وصفه سبحانه بعبادته بها وبالثناء عليه بها اذ كل شيء يسبح بحمده بلغته وبلسان ذاته فلا غاية لتسبيحها ما لم تفن فلما ادخلهم عليهم السلام ابواب حرمه وعرفهم مواقع كرمه ومواضع فضله ونعمه مجدوا كرمه بالتمجيد الذي لا ينفد ابد الابدين تمجيد التعظيم والتشريف والتكريم والعز والعلو والكمال والرفعة في صنوف العبادات وانواع الطاعات واجناس الاعتقادات كما هو اهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله واما ما تقدم من معاني الكرم على حسب استعمالات لفظ الكرم في تصاريف اللغة من الحسن والرضا وكثرة النفع والخير والشرف والفضائل والفواضل وشرف النبوة والعلم والعدل والرياسات وبذل المعروف وسخاء النفس في ايثار الغير بالخير ومحبة النفس للقيام باوامر الله واجتناب نواهيه ومداراة الاغيار لحفظ الدنيا والدين وما ذكر في اكرام الضيف كما تقدم وما ذكر في مكارم اخلاق النبي صلى الله عليه وآله من اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة وما ورد ان الكرم قلب المؤمن لانه معدن التقوى والكرم هنا بسكون الراء من الكرم بفتحها فهي وما اشبهها من الصفات الحميدة فهي آثار كرم الله الفعلي وانما اختلفت لاختلاف محالها وقوابلها وكل واحد من هذه المعاني له مراتب مختلفة في القوة والضعف على حسب مراتب محالها صاعدة ونازلة فاذا اعتبر المتوسم حقائق صاعدها وجدها غير متناهية في مراتب الصعود والشرف واذا اعتبر مراتب نازلها وجدها غير متناهية في مراتب النزول ولم تخرج بترامي ضعفها عن اصل الشرف بل حيث ما يوجد موجود فلا يفارقه شيء منه على حسبه الى ان يفنى الوجود بل لولا اصل هذا الكرم لم يوجد موجود لان الوجود فرع الكرم فلا يوجد الوجود حيث يفقد الكرم فالكرم اصل كل خير ولقد اشتمل ادنى مراتبه على خيرات لا تتوهمها الاوهام ولا تنال صفتها الافهام واعلى ما يمكن ان يعرف من ذلك ما اوقف الله عليه اولياءه عليهم السلام من عجائب مظاهر كرمه وهو حقائق ما اشرت الى ظاهره بدقائق الاشارات فلما عرفوا واشرفوا من الباب الذي فتح لهم نظروا من مثل سم الابرة الى ما شاء الله من نور الكرم فشكروا الله فشكر لهم ما شكروه به واثنوا عليه بممادح ما هو اهله من الكرم وهو قوله عليه السلام ومجدتم كرمه
وقوله عليه السلام : وادمنتم ذكره ادمن بمعنى ادام كما ذكره الشارح (ره) وبمعني لازم وواضب ( واظب ظ ) عليه والذكر الحقيقي هو التوحيد الحقيقي الذي هو معرفة النفس اذ ليس لله من عبده ذكر اعلى منه ولا اشرف منه لانه اثبات الثابت بلا اثبات ونفي المنفي بلا نفي فهو ذكر الله الاكبر ودونه استغراق وجوداته في القيام باوامره ونواهيه كما امر سبحانه بان يذكره بامتثال اوامره واجتناب نواهيه فلا تعرض طاعة الا ويذكر الله وانه امره بها فيفعلها ولا معصية الا ويذكر الله وانه نهي عنها فيتركها وهو الذكر الكثير كما قال تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات وسئل النبي صلى الله عليه وآله فقال ما معناه ليس هو سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وان كان ذكرا ولكن ان تذكر الله عند الطاعة فتفعلها وعند المعصية فتتركها فاذا لم يكن فعل مأمور به او منهى عنه فقلبه يذكر الله في وجدانه كما اختص به نبيه صلى الله عليه وآله في قوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول في الغدو والاصال ولا تكن من الغافلين وفي مخلوقاته بالتفكر فيها وما اودع من العبر والايات لاولي الالباب كما قال تعالى ان في خلق السموات والارض الى ان قال تعالى ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا وهذا احد وجوه التفكر فان العارف مرة ينظر في وجوه الحكمة في وجود المصنوعات فيقول ما خلقت هذا باطلا ومرة ينظر ما فيها من العبر الدالة على فناء الدنيا وبقاء الاخرة وسرعة هجوم الموت كما قال اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم ومرة ينظر فيما كتب فيها من ادلة العلوم على كل مسئلة اصلية او فرعية يعرفها اهل العلم عليهم السلام ومن علموه من شيعتهم ما علموه وهو قوله تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وهذا معنى قوله عليه السلام المؤمن صمته فكر وكلامه ذكر ونظره اعتبار ومرة ينظر ما فيها من علامات الحوادث المتجددة والغائبة عن المشاهدة وما اشبه ذلك فيستنبط من تلك الايات صحة الاعمال والاخلاص والزهد والتقوي والعلوم والاعتقادات التي هي اس الديانات والعبادات ومبدأ الطاعات ونهاياتها كما قال عليه السلام وما يضمر النبي افضل من اجتهاد المجتهدين وذلك قوله صلى الله عليه وآله تفكر ساعة خير من عبادة سنة ويكون لسانه رطبا بذكر الله لانه اما في صلوة وهو يسبح ويذكر ويقرأ واما في كلام في امر معيشة وهو ذكر اذا حبس كلامه على ما يعنيه وترك فضول الكلام والا فلسانه ذاكر الا في حال النوم فان نيته وسبحته اذا وضعها تحت رأسه تسبح للسانه والا في فكر يشغله النطق عنه فانه يسبح اي خياله وفكره للسانه فقد تقرر ان المؤمن لا يغفل عن ذكر الله ابدا لانه ينتقل من ذكر الى ذكر وكل مرتبة من مراتب الخير فهم عليهم السلام اصلها وفرعها ومبدؤها وغايتها ولهم في كل مرتبة من المراتب المرضية مراتب لا يصل اليها خلق غيرهم ولا يدانيها فهم على الحقيقة هم المديمون ذكر الله والملازمون له والمواضبون ( المواظبون ظ ) عليه بل ورد عنهم ان مقامهم اعلى من مقام الذاكرين وانما هم ابدا عند الله كما روي عن الصادق عليه السلام وقد ذكرناه سابقا ونذكره هنا تخفيفا للمؤنة عن المراجعة قال عليه السلام يا مفضل قوله تعالى وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون الى ان قال (ع) الستم تعلمون ان من في السماوات هم الملائكة ومن في الارض هم الجن والبشر وكل ذي حركة فمن الذين قال ومن عنده قد خرجوا من جملة الملائكة والجن والبشر وكل ذي حركة فنحن الذين كنا عنده الحديث فقد اخبر انهم الذين عنده في الاية وقد ذكر تعالى فيها ان من عنده يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا شك انهم على الحقيقة هم الذين لا يأخذهم سهو الغفلات فهم الذين ادمنوا ذكره على اختلاف مراتبه وعلى اختلاف معاني الادمان من الادامة التي هي عدم ترك شيء والملازمة التي هي المسابقة والمبادرة الى ما يرد منه عند اول وجدانه والمواضبة ( المواظبة ظ ) التي هي المحافظة على اوقاته وهم عليهم السلام السابقون الى الخيرات وقادة السابقين الى اعالي الدرجات
قال عليه السلام : ووكدتم ميثاقه واحكمتم عقد طاعته
قال الشارح (ره) ووكدتم ميثاقه الذي اخذ الله تعالى من بنيادم من ظهورهم كما نطقت به الاية والروايات والتذكير بالنظر الى خواص اصحابهم الذين خلعوا جلباب الشهوات عن انفسهم بالرياضات ظاهر وبالنظر الى غيرهم فقولهم مع تأيدهم بالمعجزات مفيد لليقين فكأنهم ذكروا واحكمتم عقد طاعته بالمواعظ الشافية او مع اخذ البيعة عنهم او بالتبليغ مع المعجزات والنصوص او باقامة الحدود بالنظر الى بعضهم صلوات الله عليهم انتهى
وكد بمعنى اكد والتوكيد التقوية والتوثيق وفي القاموس والتوكيد افصح من التأكيد وتوكد وتأكد بمعنى والميثاق هو اليمين المؤكدة لانها يستوثق بها او العهد المؤكد باليمين او مطلق العهد ويستعمل في معان متعددة كلها ترجع الى مطلق العهد منها العقد كما قال تعالى واخذن منكم ميثاقا غليظا ومنها تبليغ الرسالة قال تعالى واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم اي تبليغ الرسالة والدعاء الى التوحيد والمراد بالميثاق هو المأخوذ في الذر كما قال تعالى واذ اخذ ربك من بنيادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم قالوا بلى الايات وانما قال من ظهورهم ذريتهم ولم يقل من ظهره لانه سبحانه اخذ من ظهر كل شخص اولاده كما اخذهم في هذه الدنيا حرفا بحرف لانه اخذه من صلب ابيه وترائب امه فهو اخذ بالتوالد كما في الدنيا ولما كلفهم رجعهم الى اصلاب آبائهم وترائب امهاتهم وهو تأويل قوله تعالى يخرج من بين الصلب والترائب انه على رجعه لقادر واما المسيح عليه السلام فانه لما مسح على ظهر آدم وذريته واخرج من ظهورهم ذريتهم بالمسح المعبر عنه بالولادة المعنوية وكلفهم ورجعهم الى اصلاب ابائهم في صلب آدم لم يرجع عيسى عليه السلام فسمي المسيح لبقاء المسح عليه ولم ينتف حكمه بالارجاع والميثاق المأخوذ في الذر هو جميع ما يريد الله من جميع خلقه من حيوان ونبات وجماد ومن فتش عن ذلك في القرءان والسنة وجد ذلك اظهر من الشمس في رابعة النهار لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ومن انكر ذلك فقد اخطر بنفسه والواجب على المؤمن الذي يدعي انه من رعية محمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم انه اذا سمع ما لا يحتمله من اهل الحق ان يتفهم ولا يسارع بالانكار فان لم يفهم فلا ينكر ما لا يفهم بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وفي التوحيد باسناده الى ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال اخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمن يوم القيمة قال نعم وقد رأوه قبل يوم القيمة فقلت متى قال حين قال لهم الست بربكم قالوا بلى ثم سكت ساعة ثم قال وان المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيمة الست تراه في وقتك هذا قال ابو بصير فقلت له جعلت فداك فاحدث بها عنك فقال لا فانك اذا حدثت به فانكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر ان ذلك تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون فتأمل في قوله عليه السلام فانكره منكر جاهل بمعنى ما تقول يعني انه يقول ان الله يراه المؤمن بقلبه وذلك الجاهل يقدر ان ذلك تشبيه فانه بهذا الانكار والتقدير يكون كافرا مع انه يريد به التنزيه على زعمه لكنه مخالف للواقع فما ظنك بانكار هذا المشهد العظيم الذي نطق به القرءان صريحا ووردت به الاخبار المتواترة معنى والحاصل ان الاخبار الواردة في ذكر الميثاق المأخوذ كثيرة جدا واريد ان اذكر شيئا منها يفهم العارف المنصف ان الميثاق المأخوذ هو جميع التكاليف وما يريد الله سبحانه من عباده وان المأخوذ عليهم هو جميع الخلق من الحيوانات والنباتات والجمادات فمن الاخبار عن حمران عن ابي جعفر عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا فامتزج الماءان فاخذ طينا من اديم الارض فعركه عركا شديدا فقال لاصحاب اليمين وهم كالذر يدبون الى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال الى النار ولا ابالي ثم قال الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين ثم اخذ الميثاق على النبيين فقال الست بربكم فان هذا محمد رسولي وان هذا علي امير المؤمنين قالوا بلى فثبت لهم النبوة واخذ الميثاق على اولي العزم اني ربكم ومحمد رسولي وعلي امير المؤمنين واوصياؤه من بعده ولاة امري وخزان علمي عليهم السلام وان المهدي به انتصر لديني واظهر به دولتي وانتقم به من اعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا اقررنا به يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يعزم فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة ولم يكن لادم عزم على الاقرار به وهو قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما قال انما هو فترك ثم امر نارا فاججت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها فقال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما فقال اصحاب الشمال يا رب اقلنا فقال قد اقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية وفي التهذيب في الدعاء بعد صلوة الغدير عن الصادق عليه السلام ومننت علينا بشهادة الاخلاص لك بموالات اوليائك الهداة المهديين من بعد النذير المنذر والسراج المنير واكملت الدين بموالاتهم والبراءة من عدوهم واتممت علينا النعمة التي جددت لنا عهدك وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في مبدء خلقك ايانا وجعلتنا من اهل الاجابة وذكرتنا العهد والميثاق ولم تنسنا ذكرك فانك قلت واذ اخذ ربك من بنيادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا بمنك ولطفك بانك انت الله لا اله الا انت ربنا ومحمد عبدك ورسولك نبينا وعلي امير المؤمنين والحجة العظمي وآيتك الكبرى والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وعنه مسئولون وفي الكافي باسناده عن عبدالرحمن الحذا عن ابي عبد الله عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليه السلام لا يرى بالعزل بأسا اتقرأ هذه الاية واذ اخذ ربك من بنيادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى فكل شيء اخذ الله منه الميثاق فهو خارج وان كان على صخرة صماء
اقول قول الصادق عليه السلام في الدعاء واتممت علينا النعمة التي جددت لنا عهدك وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في مبدء خلقك ايانا يريد به ان ما اخذه رسول الله يوم الغدير هو تجديد النعمة التي هي عهدك وهو تذكيرك ايانا ميثاقك في الذر الذي هو مبدء خلقك ايانا واشار الى ان ذلك العهد في الذر هو هذا العهد يوم الغدير وان المبلغ هنا وهناك رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تعالى وانه لم يزد عما كان هناك ولم ينقص وان هذا المشهد صورة ذلك المشهد وظاهره وان هذا هو ذكر الله وان قبوله هنا يكون ممن لم ينسه الله ذكره وانه بهذا القبول الذي هو ظاهر ذلك القبول جعلهم من اهل الاجابة في المشهدين وان المكذب هنا هو المكذب هناك كما قال تعالى فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل يعني انهم كذبوا هناك فكيف يؤمنون هنا وقوله عليه السلام في الحديث بعد هذا وان كان على صخرة صماء فيه تلويحان احدهما ان المنافقين يكون منهم هنا ما كان منهم هناك والصخرة الصماء قلوبهم القاسية فهي كالحجارة او اشد قسوة وثانيهما ان الصخرة الصماء قد اخذ عليها الميثاق والا لما خرجت ولم يحسن ايجاد ما ليس بمكلف وقد اشرنا الى هذا الوجه في رسائلنا خصوصا هذا الشرح وفيه باسناده الى بكير بن اعين قال سألت ابا عبد الله عليه السلام لا ي علة وضع الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره ولاي علة يقبل ولاي علة اخرج من الجنة ووضع الميثاق والعهد فيه ولم يوضع في غيره وكيف السبب في ذلك تخبرني جعلني الله فداك فان تفكري فيه لعجب قال فقال سألت واعضلت واستقصيت فافهم الجواب وفرغ قلبك واصغ سمعك اخبرك انشاء الله ان الله تبارك وتعالى وضع الحجر الاسود وهو جوهرة اخرجت من الجنة الى آدم صلى الله عليه فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق وذلك انه لما اخذ من بنيادم من ظهورهم ذريتهم حين اخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان ترائا لهم وفي ذلك المكان يهبط الطير على القائم عليه السلام فاول ما يبايعه ذلك الطير وهو والله جبريل عليه السلام والي ذلك المكان يسند القائم عليه السلام ظهره وهو الحجة والدليل على القائم عليه السلام وهو الشاهد لمن وافي في ذلك المكان والشاهد على من ادي اليه الميثاق والعهد الذي اخذ الله عز وجل على العباد واما القبلة والالتماس فلعلة العهد تجديدا لذلك العهد والميثاق وتجديدا للبيعة ليؤدوا اليه العهد الذي اخذ الله عليهم في الميثاق فيأتوه في كل سنة ويؤدوا اليه ذلك العهد والامانة التي اخذ الله عليهم الا ترى انك تقول امانتي اديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة والله ما يؤدي ذلك احد غير شيعتنا ولاحفظ ذلك العهد والميثاق احد غير شيعتنا وانهم ليأتوه فيعرفهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم وذلك انه لم يحفظ ذلك غيركم فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والحجة البالغة من الله عليهم يوم القيمة يجيء وله لسان ناطق وعينان في صورته الاولى يعرفه الخلق ولا ينكره يشهد لمن وافاه وجدد العهد والميثاق عنده بحفظ العهد والميثاق واداء الامانة ويشهد على كل من انكر وجحد ونسي الميثاق بالكفر والانكار واما علة ما اخرجه الله من الجنة فهل تدري ما كان الحجر قلت لا قال كان ملكا من عظماء الملائكة عند الله فلما اخذ الله من الملائكة الميثاق كان اول من آمن به واقر ذلك الملك فاتخذه الله امينا على جميع خلقه فالقمه الميثاق واودعه عنده واستعبد الخلق ان يجددوا عنده في كل سنة الاقرار بالميثاق والعهد الذي اخذ الله عز وجل عليهم ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الاقرار في كل سنة فلما عصى آدم واخرج من الجنة انساه الله العهد والميثاق الذي اخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد صلى الله عليه وآله ولوصيه عليه السلام وجعله تائها حيران فلما تاب الله على آدم حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة الى آدم وهو بارض الهند فلما نظر اليه انس اليه وهو لا يعرفه باكثر انه جوهرة فانطقه الله عز وجل فقال له يا آدم اتعرفني قال لا قال اجل استحوذ عليك الشيطان فانساك ذكر ربك ثم تحول الى صورته التي كان مع آدم (ع) في الجنة فقال لادم اين العهد والميثاق فوثب اليه آدم وذكر الميثاق وبكي وخضع له وقبله وجدد الاقرار بالعهد والميثاق ثم حوله الله عز وجل الى جوهر الحجر درة بيضاء صافية تضيء فحمله آدم عليه السلام على عاتقه اجلالا له وتعظيما فكان اذا اعيي حمله عنه جبرئل (ع) حتى وافي به مكة فمازال يأنس به بمكة ويجدد الاقرار له في كل يوم وليلة ثم ان الله عز وجل لما بني الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لانه تبارك وتعالى حين اخذ الميثاق من ولد آدم اخذه في ذلك المكان وفي ذلك المكان القم الملك الميثاق ولذلك وضع في ذلك الركن ونحي آدم من مكان البيت الى الصفا وحوا الى المروة ووضع الحجر في ذلك الركن فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع في الركن كبر الله وهلله ومجده ولذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا فان الله اودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة لان الله عز وجل لما اخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة والنبوة ولعلي عليه السلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة فاول من اسرع الى الاقرار ذلك الملك ولم يكن فيهم اشد حبا لمحمد وال محمد صلى الله عليه وعليهم منه فلذلك اختاره الله من بينهم والقمه الميثاق وهو يجيئ يوم القيمة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه الى ذلك المكان وحفظ الميثاق وفيه باسناده عن داود الرقي عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال لما اراد ان يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم من ربكم فاول من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام فقالوا انت ربنا فحملهم العلم والدين ثم قال للملائكة هؤلاء حملة ديني وعلمي وامنائي في خلقي وهم المسئولون ثم قال لبني ادم اقروا لله بالعبودية ولهؤلاء بالولاية والطاعة فقالوا نعم ربنا اقررنا فقال الله للملائكة اشهدوا فقالت الملائكة شهدنا قال علي الا تقولوا غدا انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا الاية يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق وروى القمي سئل الرضا عليه السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الانس فقال السموات والارض في قوله ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين
وبالجملة فان من تتبع الاحاديث وجد ان الله قد اخذ على جميع ما خلق من الانس والجن والملائكة والحيوانات والنباتات والجمادات طاعتهم عليهم السلام وان كل ما سواهم لا يعرف شيئا من طاعة الله الا عن امرهم وبتعليمهم وهدايتهم مثل ما تقدم من حديث جابر بن عبد الله من قوله صلى الله عليه وآله الى ان قال فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا ولا تمجيدا فسبحنا فسبحت شيعتنا فسبحت الملائكة الى ان قال (ص) وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا وفي رواية ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله الى ان قال (ص) وكبرنا فكبرت الملائكة وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي عليه السلام وكان ذلك في علم الله السابق ان الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل وكل شيء يسبح الله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي عليه السلام فقوله (ص) وكل شيء يسبح الله الخ هو كقوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده فيدخل في الاية كل شيء من الحيوانات والنباتات والجمادات وكلها تسبح بتعليمه (ص) وتعليم علي (ع) وليس ذلك الا لاخذ الميثاق لهما وللائمة عليهم السلام على جميع الخلق ومثل الاخبار المتكثرة الدالة على ان الماء الاجاج لم يقبل ولايتهم والارض السبخة كذلك عرضت ولايتهم عليها فلم تقبلها فكانت سبخة وكذلك الاشياء المرة انما كانت مرة لانها لم تقبل ولايتهم وهي في اخبارنا كثيرة وقد روي هذا من طرق العامة وهو عن انس بن مالك قال دفع علي بن ابي طالب الى بلال درهما ليشتري به بطيخا قال فاشتريت به فاخذ بطيخة فقورها فوجدها مرة فقال يا بلال رد هذا الى صاحبه وأتني بالدرهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ان الله اخذ حبك على البشر والشجر والثمر والبذر فما اجاب الى حبك عذب وطاب وما لم يحبك خبث ومر واني اظن ان هذا مما لا يحبني اخرجه الملا في سيرته وفيه دلالة على ان العيب الحادث اذا كان مما يطلع به على العيب القديم لا يمنع من الرد انتهى
اقول قد قلنا لك ان جميع الخلق قد اخذ عليهم الميثاق بالولاية لهم في الذر حين جمع الخلائق فدعاهم الى الاقرار بما اخذ عليهم من التوحيد وقد ذكرنا ان شرط التوحيد ولايتهم اذ لا يوجد الشيء ولا يتحقق الا باركانه وهم اركان التوحيد لان التوحيد حقيقة هو وصف الحق لخلقه وذلك الوصف له مقامان :
احدهما جسد التوحيد وهيكله وهو من نورهم وشعاع ضوءهم وهو قول علي عليه السلام لكميل نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد اثاره فاثاره اجساد التوحيد وابدانه واشباحه فيمن سواهم فهي تلوح وتظهر على هيئة هياكل التوحيد وهياكل التوحيد هيئاتهم واشباههم لانها حقيقة هي هيئة ذلك الوصف المحدث الذي ليس كمثله شيء كما قال الحجة عليه السلام في دعاء رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فابان بقوله لا فرق بينك وبينها بان ذلك الوصف وتلك الهيئة ليس كمثله شيء وابان بقوله الا انهم عبادك وخلقك ان ذلك الوصف وتلك الهيئة محدث مخلوق لا يشابه محدثا مخلوقا وذكر الضمير في المستثنى لبيان ان ظهور المخلوقية المشابهة للاشياء انما هي في ظواهرهم واعاد ذكر المخلوقية الفارقة بين الحق والخلق بالتأنيث حيث قال فتقها ورتقها الخ لبيان ان تلك الحقائق التي لم تظهر فيها المخلوقية لعدم مشابهة الاشياء لها انها في الحقيقة خلق لانها اوصافه المخلوقة وامثاله المحدثة ثم ابان ان تلك المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان ليست غيرهم بقوله فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت فكانوا اركان التوحيد اما في حقهم فالتوحيد الذي هو الوصف الاصلي الاجلي والمثل الاعلى هو هياكلهم واشباحهم التي هي هيئات ذواتهم وهو اول شبح واول مظهر واما في حق من سواهم فاشباحهم التي هي هيئات ذواتهم انما لاحت على هياكلهم عليهم السلام بمعنى انها اشعة تلك الهياكل واظلتها فهي انما تقومت بها فهم ( على خ ) اركان التوحيد الهيكلي في حقهم وحق من سواهم
وثانيهما نور التوحيد وذاته وهو ولايتهم وهو النور الالهي وهو اول ظاهر في اول مظهر وهو قوله عليه السلام نور اشرق من صبح الازل وصبح الازل هو فعل الله ومشيته وذلك الصبح اثر شمس الازل عز وجل وهذا النور هو وصفه نفسه سبحانه لعباده بالنور الذي هو روح هياكل التوحيد وهو غاية ما تعرف به لهم ومبداؤه ومنتهاه وهو النور الذي اوجده باعتقاداتهم الحقة المطابقة للواقع عنده وباعمالهم الصالحة الموافقة لامره ومحبته ورضاه واحوالهم الصادقة واقوالهم المنطبقة على اعتقاداتهم الحقة واعمالهم الصالحة واحوالهم الصادقة ونياتهم الخالصة لان هذه جرت منهم على مقتضى اوامره واجتناب نواهيه التي هي هياكل ارادته ومحبته وهذه الهياكل هياكل نوعية فهي مواد لهياكل اعمالهم واقوالهم واحوالهم واعتقاداتهم فخلق من هذه المواد الزاكية وهذه الهياكل الطيبة مثلا له اسكنه روحا منه كان ذلك المثل بهذه الروح مقاما له سبحانه ليس كمثله شيء لا فرق بينه وبينه الا انه عبده وآيته في عبده وخلقه ظهر الله به لمن تعرف له عنهم عليهم السلام فهم اركان التوحيد وما سمعت مما ذكرنا لك وما لم تسمع كله من ولايتهم وولايتهم كما سمعت في الاخبار ونبهناك عليه من الاعتبار هي التي اخذ الله بها الميثاق عليهم بالقيام بها لانها ولاية الله والاداء الى المكلفين بان يلتزموا عبادة الله والطاعة لهم عليهم السلام فوكدوا ميثاقه بان قاموا بولايته حق القيام الامكاني وبالاداء والتبليغ الى المكلفين واعانتهم باللطف في التبليغ والدعاء والاستغفار عن هفواتهم وتقصيراتهم وايراد اوليائهم حياض ولايتهم وذود اعدائهم عن ورودها بانكارهم وعداوتهم وهذا ايضا من الولاية لانه حق وكل حق فمن الولاية كما قال تعالي هنالك الولاية لله الحق قرئ برفع الحق صفة الولاية وبالجر صفة لله والولاية هي تلك الصفة التي هي الحق من التوحيد والنبوة والامامة والعبادات والاعتقادات وجميع ما يريد الله من عباده ويدخل فيه العقد والنذر والعهد واليمين وغيرها من الواجبات والمندوبات والرخص وجواز المكروهات والمباحات واجتناب المحرمات والمكروهات والشبهات وهو ما اخذ عليهم من الميثاق
بقي هنا شيء وهو ان ظاهر الاخبار وكلام العلماء ان التكليف في الذر وان المراد به في الملكوت في النفوس تحت اللوح المحفوظ وانه تكليف واحد والذي انطوت عليه الاخبار ولوحت به من الاسرار لاولي العقول والابصار ان الذر ذران الذر الاول والذر الثاني وان المراد بهما مختلف يعرفه من عرفه بحسب مقامات الخطاب والمخاطبين فمرة يراد بالاول ذر المعاني في العقول والثاني ذر الصور في النفوس وبينهما برزخ وهو الاظلة وورق الاس في الارواح والتكليف في الاول كلي مجمل وفي الثاني شخصي مفصل وفي البرزخ نوعي مبين ومرة يراد بالاول ذر الصور في النفوس والثاني ذر البشرية في الاجسام وبينهما برزخ وهو ذر الاشباح في المثال والتكليف في الاول نفساني والثاني جسماني وفي البرزخ في الخيال والحس المشترك والحق ان التكليف واخذ الميثاق مساوق للوجود لانهما متلازمان اذ التكليف امر بقبول الخير والنور اللذين هما الوجود للذوات والصفات الذاتية والفعلية ونهي عن قبول الشر والظلمة اللذين هما العدم للذوات والصفات الذاتية والفعلية والامر هو المقتضي لوجود المقتضي فيهما والنهي هو المقتضي لنفي المانع منهما ويتميز الوجودان الكوني والشرعي كل منهما عن الاخر بقوة القابلية وضعفها فان كانت اركان القابلية ومشخصاتها الستة التي هي الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة ناقصة في القوة والفعل عن استكمال الاستعداد كان ذلك القابل وجودا تكوينيا وهذا هو الوجود وكشف سبحاته حقيقة هيكل التوحيد وان كانت اركان القابلية ومشخصاتها الستة المذكورة تامة في القوة والفعل باستكمال الاستعداد كان ذلك القابل وجودا تشريعيا وهذا هو التشريع وكشف سبحاته حقيقة نور هيكل التوحيد وهو نور صبح الازل فالتكليف في الاول غاية للوجود مساوق وللوجود في الثاني غاية للتشريع مساوق فتفهمه فانه من غوامض الغيب المحفوظة عن الريب المنزهة عن العيب
قوله : واحكمتم عقد طاعته الاحكام ضبط الشيء واتقانه وهو في اللغة وفي الاصطلاح كما قال البعض هو ما يصح معناه ويظهر لكل من عرف اللغة وعلى ما كان محفوظا من النسخ او التخصيص او منهما وعلى مستقيم النظم السالم من الخلل وعلى ما لا يحتمل الا وجها واحدا وعقد الحبل والبيع والعهد يعقد شده وعقد الحاسب باصابعه والعقد الضمان والعهد والعقدة بالضم الولاية على البلدة والضيعة والعقار والبيعة والبناء المعقود وعقود عقدت كالابواب عطفت والمراد انهم عليهم السلام قد احكموا اي ضبطوا واتقنوا عقد طاعته استمسكوا بالعروة الوثقى منه بطاعته في حقهم واحكموا لشيعتهم ذلك الاستمساك وضبطوه بتعليمهم وقودهم بازمة وجوداتهم التي من اضوائهم الى ورود حياض الرضوان وسوقهم بعصى قطعوها لهم من عليين من اشجار المزن وبدلالتهم اياهم وسيرهم بين ايديهم واضاءة انوارهم لهم في ظلمات العقبات التي في الصراط في طريقهم وبسطهم ذلك الطريق وتوسعته حتى كان لكثير منهم اوسع مما بين الارض والسماء بعد ان كان ادق من الشعرة واحد من السيف وذلك البسط بالدعاء لهم وانارة قلوبهم وطرد الشياطين المتبرعين عنهم والمتسلطين عليهم بذنوبهم بالتحمل عنهم ذنوبهم والاستغفار لهم حتى اضاءت لهم سبل الرشاد وهو قوله تعالى ولكل قوم هاد وضبطوا لهم عقد البيع حين باعوا الله انفسهم ببذلها في ولايتهم وطاعتهم بان لهم الجنة ورضاهم ومحبتهم وجوارهم في منازلهم ولما كان البائع والمشتري اذا جهلا العوضين لعدم رؤيته او احدهما لعدم معرفته وكل الجاهل من كان يعرف ما قد جهله الموكل او كان الشراء او البيع من غير كامل كالطفل والمجنون قام وليه مقامه في مصلحته ليرتفع الغرر ويكون ذلك احكاما وضبطا للعقد والبيع كانوا هم الذين اوجبوا عقد بيع شيعتهم انفسهم على الله تعالي ببذل انفسهم في طاعة الله بولايتهم لعلمهم بما جعله الله عوضا لشيعتهم ونيابتهم عليهم السلام نيابة ولاية لا وكالة فهم يبيعون وهم يشترون وهم يؤدون وهم يربون فان قلت ان الشيعة هم المجيبون ببلي في الذر وهم المستجيبون في هذه الدار بل قد اجاب المؤمنون والانبياء في هذه الدار قبل وجود محمد واهل بيته لانهم صلى الله عليه وعليهم حين اجاب المؤمنون من الأمم الماضية كانوا نطفا في الاصلاب الزاكية والارحام المطهرة كما ذكره العباس بن عبد المطلب في شعره في مدح النبي صلى الله عليه وآله وقد تقدم وذلك في قوله :
ثم هبطت البلاد لا بشر انت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد الجم نسرا واهله الغرق
تنقل من صالب الى رحم اذا مضى عالم بدا طبق
فاذا كانوا قد اجابوا في الدنيا قبل وجودهم عليهم السلام جاز ان يجيبوا بدونهم في الذر لان الترتيب في ذلك العالم طبق الترتيب في هذا العالم بل ما نستدل على شيء مما هناك الا بمثله مما هنا قلت هذا الذي تشير اليه انما يجري على الظاهر من القول واما على الحقيقة فقد ذكرنا مرارا عن الادلة العقلية والنقلية انهم عليهم السلام علة كل الخلق وان شيعتهم خلقوا من شعاع نورهم وانهم يد الله التي ذكرها في كتابه حيث قال قل من بيده ملكوت كل شيء والمعنى ان تصريف كل شيء وتحريكه وتسكينه واقباله وادباره وغيبته وحضرته وقيامه وقوامه وقعوده ونفاده بيد الله بمعنى ان اسبابها التي هي تقوم بها قيام صدور وقيام ظهور وقيام تحقق وقيام عروض بيده سبحانه وهم يده وهم امره الذي به تقوم السماء والارض وبه يقوم كل شيء فاذا عرفت هذا ونظرت الى اخبارهم عرفت ان كل شيء لا يفعل شيئا من الخير ولا شيئا من الشر الا بهم فالخير منهم وبهم والشر بهم لا منهم وقد تقدم في حديث ابن عباس ان كل شيء لا يعرف شيئا من التسبيح والتقديس وغير ذلك الا بتعليم رسول الله صلى الله عليه وآله وتعليم علي عليه السلام واما ان الشيعة هم المجيبون فانما تلك الاجابة صدرت بتبعية فعلهم عليهم السلام واجابتهم كما في قوله تعالى وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال اي الى الخير والي الشر وان كنت تحسب انهم هم السائرون فانهم مسيرون ولا يلزم منه الجبر كما ذكرناه في رسائلنا في بيان المنزلة بين المنزلتين لان الائمة عليهم السلام انما فعلوا لهم بهم واجابوا باستجابتهم ففعلهم في فعل شيعتهم كالروح في الجسد وقد اشرت الى هذا المعنى في قصيدة نظمتها في مرثية الحسين عليه السلام في بيان ان انصاره خرج بهم للموت حين خرج بهم للحيوة من حيث لم يعلموا فكل واحد يريد الموت لرضا الحسين عليه السلام وما رضي الا رضي بذلك لهم صلوات الله عليه قلت :
يسعى بهم سعى القضاء في الاولى حياتهم في موتهم بالرضا
واما ان الانبياء الماضين واممهم من المؤمنين قد استجابوا لله قبل ان يوجد محمد وآله صلى الله عليه وآله في الدنيا فليس كذلك بل انهم صلى الله عليهم يظهرون في كل عالم كما شاؤا لانهم المعلمون للخلق ولا يجوز ان يفرض ان احدا سبقهم على خير قط من الاولين والاخرين كما سمعت من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله ومثله قول علي عليه السلام في حديث السحابة حين سأله الحسن عليه السلام ورأينا في الهواء ملكا قائما رأسه تحت الشمس ورجلاه في قعر البحر وله يد في المشرق واخرى في المغرب فلما نظر الينا قال اشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وانك وصي نبي الله حقا حقا بغير شك ومن شك فيك فهو كافر فقلنا يا امير المؤمنين من هذا الملك وما بال هذه في المشرق واخري في المغرب فقال عليه السلام هذا الملك انا اقمته باذن الله تعالى في هذا الموضع ووكلته بظلمات الليل وايضاء النهار فلا يزال كذلك الى يوم القيمة وذلك انما اعطاني الله تدبير امر الدنيا فانا ادبرها باذن الله تعالى وقال عليه السلام في بيان معرفته بالنورانية لسلمان وابي ذر يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال عليه السلام انا الذي حملت نوحا في السفينة بامر ربي وانا الذي اخرجت يونس من بطن الحوت باذن ربي وانا الذي جاوزت موسى بن عمران بامر ربي وانا الذي اخرجت ابرهيم من النار باذن ربي وانا الذي اجريت انهارها وفجرت عيونها وغرست اشجارها باذن ربي وانا عذاب يوم الظلة وانا المنادي من مكان قريب قد سمعها الثقلان الجن والانس وفهمه قوم اني لأسمع كل قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم وانا الخضر عالم موسى وانا معلم سليمان وداود وانا ذو القرنين وانا قدرة الله عز وجل يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال انا محمد ومحمد انا وانا من محمد ومحمد مني قال الله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال ان ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وان قتلانا لم يقتلوا يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال انا امير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى ومن بقي وايدت بروح العظمة وانا تكلمت على لسان عيسى ابن مريم في المهد وانا آدم وانا نوح وانا ابرهيم وانا موسى وانا عيسى وانا محمد انتقل في الصور كيف اشاء من رأني فقد رأهم ومن رأهم فقد رأني ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس وقالوا هو لا يزول ولا يتغير وانما انا عبد من عباد الله تعالى لا تسمونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لن تبلغوا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر لانا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وامناء الله وائمته ووجه الله وعين الله ولسان الله بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال شخص لم وكيف وفيم لكفر واشرك لانه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت واوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال انا احيي واميت باذن ربي وانا انبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم باذن ربي وانا عالم بضمائر قلوبكم والائمة من اولادي يعلمون ويفعلون هذا اذا احبوا وارادوا لان كلنا واحد اولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا فانا نظهر في كل زمان ووقت واوان في اي صورة شئنا باذن الله عز وجل كنا ونحن اذا شئنا شاء الله واذا كرهنا كره الله الويل كل الويل لمن انكر فضلنا وخصوصيتنا وما اعطانا الله ربنا لان من انكر شيئا مما اعطانا الله فقد انكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا الحديث والاستشهاد في قوله عليه السلام في الحديث الاول انا اقمته باذن الله على انه الولي من الله على سائر خلقه فلا يكون شيء بامر الله الا عنه وكذلك قوله انما اعطاني الله تدبير امر الدنيا فانا ادبر بامر الله تعالى فاذا كان هو المدبر لما يتعلق بالايجادات كان تدبيره لما يتعلق بامر التكليف بالطريق الاولى بالنظر الى من لا يعرفه بامر الايجادات كما هو المعروف عند عوام الناس وانما يعرفه في ذلك بما يتعلق بالتكاليف وكذلك قوله في الحديث الثاني انا حملت نوحا في السفينة الخ وقوله انا المنادي الخ وقوله اني اسمع كل قوم الخ وقوله وانا الخضر عالم موسى وانا معلم موسى الخ صريح في المدعي وكذا قوله وانا تكلمت على لسان عيسى ابن مريم اصرح واصرح منه قوله انتقل في الصور كيف اشاء واظهر من الكل قوله فانا نظهر في كل زمان ووقت واوان في اي صورة شئنا وكل هذا شواهد ما اولنا من قوله تعالى وتحسبهم ايقاظا كما سبق فان فهمت وقبلت والا فلا تكذب بما لم تحط به علما فتكون من اهل قوله الويل كل الويل لمن انكر فضلنا وخصوصيتنا وما اعطانا الله ربنا لان من انكر ما اعطانا الله فقد انكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا واذا اردت تحقيق ما اشرنا اليه من تأويل قوله تعالى وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال فاعلم ان الضمير الذي في نقلبهم المدلول عليه بالنون في التفسير الظاهر يعود الى الله تعالى وهو ضمير المتكلم ومعه غيره او المعظم نفسه والمعلوم انه لا يعود على الذات البحت انما يعود على مبدأ النسبة وهو مثال الذات المعبر عنه هنا بفاعل التقليب لا الذات البحت على ان معوده المتصف بالتكلم بقيد التكلم والتعظيم غير الذات بل هو في الحقيقة هو الذي معه غيره فهم عليهم السلام التكلم وهم العظمة وهم ذلك المع فافهم واما ان الامم الماضية اجاب المؤمنون قبل ان يوجدوا فليس كذلك بل قد ورد النصوص بالعموم والخصوص بانهم عليهم السلام خلقوا قبل كل شيء بالف دهر وفي الحديث المتفق عليه وهو قوله صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وروى ابن ابيجمهور ان عليا عليه السلام قال كنت وليا وآدم بين الماء والطين وما دل على انهم الحجة على كل الخلق وقد دل اخبارهم عليهم السلام على ان الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق وما ذكرنا من حديث السحابة وحديث معرفته بالنورانية كما مر وغير ذلك مما لا يكاد يحصى كلها دالة على سبقهم على جميع الخلق واما الاستدلال بان هذا الترتيب في ذلك العالم طبق الترتيب في هذا العالم فهو صحيح والامر كذلك ولكن الظهور البشرى من محمد متأخر عن الامم الماضية واما الظهور الوجودي فانه متقدم وهو الذي عليه المدار ولا يتوهم ان الكثيف المقابل للسراج هو الذي وجد من نور السراج واما ما بينه وبين الكثيف المقابل فليس شيئا لانه لو لم يكن شيء بينه وبين الكثيف لم يكن في الكثيف اشراق لعدم الواسطة ولئلا يلزم وجود الابعد من المبدأ قبل وجود الاقرب ولئلا يلزم الفصل بين المفيض والفيض ولو قيل بان ما ظهر في الكثيف هو الاول وهو الاقرب وليس بينه وبين المفيض فصل ولا وصل لزم ان يكون لو حدث بعده كثيف بينه وبين الكثيف الاول كان اقل نورا من الاول وكان مستندا الى الاول مع ان الامر بالعكس بل يكون اقوى نورا من الاول وكان الاول مستندا اليه وليس ذلك الا لكونه موجودا اذ لا يصح وجود الاضعف قبل الاقوى واما الظهور البشرى فلا يلزم من تقدم وجوده عدم تقدم الظهور البشرى فافهم واما احكام العهد فمنه عقد قابلات ومقبولات وقد مرت الاشارة ومنه تعهد والتزام بالوفاء وذلك في الحقيقة اقرار بالحق لذي الحق وباستحقاق الحق سبحانه وتعالى للحق كما في قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين فاحكام هذا العهد والالتزام بتبيين المعرفة وتحبيب الطاعة والحيلولة بينه وبين الشياطين والشهوات حتى يحبوا الطاعة عن معرفة فتخلص نياتهم وتثبيت القلوب بالطمأنينة والاستقامة بمحو الاوهام والشكوك والتوقفات والهموم ثلث سنين حتى يستقر الحق باعتياد النفوس به الملزوم بالترغيب والترهيب مرة بعد اخرى فهم يعلمون الحق بالحق ويعملون للحق ويقولون للحق ويقرون للحق ويقرون في الحق ويقرون على الحق فاحكموه منهم عليهم ومن شيعتهم حتى قطعوا ظهور الشياطين واقاموا لله الحق والدين صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : ونصحتم له في السر والعلانية ودعوتم الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة
قال الشارح (ره) ونصحتم له اي لله تعالى عباده في السر والعلانية ودعوتم اياهم بالحكمة والموعظة الحسنة اي بالقرءان والسنة او مقرونة بالحكمة في القول والفعل حتى بالجهاد والحدود بالنظر الى بعض وبالموعظة بالنظر الى آخر او الجميع او مندرجا انتهى
اقول النصح الخلوص وضد الغش وفلان ناصح اي نقية والنصيحة تستعمل لمعان تعددت بتعدد مقاماتها فالنصح لكتاب الله التصديق به والايمان بمحكمه ومتشابهه وان متشابهه اريد به المحكم وتأويله بالحق الذي يؤدي الى محض التوحيد وخالص العدل وصادق النبوة ولطف الولاية وحقية يوم الدين والوقوف عند عدم الظهور مع الايمان والتسليم وعدم الالتفات الى ما يخالف ذلك والنصح لرسول الله صلى الله عليه وآله الايمان به وبنبوته ورسالته وبما جاء به عن ربه من احوال النشأتين والانقياد لما امر به ونهي عنه وقبول نصحه والاهتداء بارشاده والاتباع له في اقواله وافعاله واعماله واعتقاداته بحسب طاقة المكلف والنصح لائمة الهدى عليهم السلام الاخلاص في محبتهم والاحتمال لعلمهم والمتابعة لهم في اقوالهم وافعالهم واعمالهم وعدم الشك فيهم والاستقامة على ولايتهم والتسليم لهم والرد اليهم والاخبات فيما يرد عنهم في شأنهم وفضائلهم وبذل الجهد والمجهود في القيام بواجب حقهم وقبول اوامرهم واجتناب نواهيهم والاتباع في كل حال من الاقوال والاعمال وموالاتهم وموالاة وليهم وان كان ابعد بعيد ومعادات عدوهم وان كان اقرب قريب ولله در دعبل الخزاعي حيث يقول في هذا المقام :
احب قصى الرحم من اجل حبكم واهجر فيكم زوجتي وبناتي
والاحتجاب بذمتهم والتمسك بحبلهم والاعتراف بحقهم والاعتصام بذمامهم والتوقي بولايتهم والاتكال على حبهم والانتظار لرجعتهم والاستعداد لنصرتهم والدعاء بتعجيل فرجهم والمصابرة لايامهم وهوي الافئدة اليهم ومعرفة ان الحق لهم ومعهم وفيهم وعندهم وبهم وعنهم واليهم ومد البصائر اليهم في جميع الاحوال لانهم وجه الملك المتعال والنصح لله التحقق بتوحيده وبرؤية عدله والقيام باوامره والاجتناب لنواهيه واخلاص النية في عبادته وخدمته ونصرة الحق فيه بمحبة من احب له وبغض من ابغض له وفعل ما يرضي ورضا ما يفعل وقصر جملته من ظاهره وباطنه وسره وعلانيته على موافقة ارادته وطلب رضاه ومحبته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وطاعة اوليائه عليهم افضل الصلوة والسلام فيهم وفي فروعهم من جميع الطاعات على نحو ما ذكرنا في حقه وحقهم عليه وآله السلام وذلك كله هو التحقق بمعرفته تعالى على الحقيقة فهذا كله من النصح له سبحانه في السر والعلانية اما في السر ففي الاعتقادات والنيات وفي الاعمال فيما بينه وبين نفسه في الخفية والخلوة مما كان العلة في اخفائه كراهة اطلاع الغير لتقية او غيرها او لا واما الاعلان ففي الافعال والاقوال مما كان العلة في اظهاره محبة اطلاعه اما للتعليم والاقتداء والتعريف واما لجمع القلب بالاجهار او الاتفاق او غير ذلك لان من تحقق بمعرفة الله سرت في بواطنه وظواهره واركانه ومشاعره فلا ينفك عن تلك الحال في حال ولقد اشار عبد الله بن قاسم السهروردي في قصيدته التي نظمها في ذكر احوال سلوك اهل التصوف في هذا المعنى قال :
من اتانا القى عصى السير عنه قلت من لي بها واين السبيل
وقوله (ع) : ودعوتم الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة يشير به الى قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن والمراد بالحكمة والله اعلم الدليل الذوقي الذي كان بعين الفؤاد وعلى مقتضى الفطرة التي فطر الله عليها العباد وذلك مفيد للمشاهدة والمعاينة وذلك بقراءة ما كتب الله في الواح كتب الافاق والانفس من الايات الدالات على معرفة الاشياء كما هي لانها هي مرايا المعاني والاعيان وليس فيها شبه ولا اوهام ولا شكوك بل هي اشباح الاشياء واظلتها بالحق الذي لا مرية فيه مع ان هذا الدليل انما ينتفع به المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان وهو من كان صادقا مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وآله واوصيائه عليهم السلام كما قال الباقر (ع) ما من عبد حبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا نفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة واما من قرع غير بابها واراد دخول بيتها من ظهره فانه وان عرف الدليل وكيفية الاستدلال بها بمثل استعمال الرياضات والاذكار المعروفة عندهم فانه لا يوفق لحقها ويوفق لكشف ما اشكل عليه في مذهبه الباطل بصورة الحق فهو بغير قصد شرعي يهيم في اودية الباطل الم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون فقد خرج من ظلمة جهل ودخل في ظلمة نفاق وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وظلمة انكار كما قال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون وفي الحقيقة هذا ليس حكمة بل هو استكبار وشيطنة وهي شبيهة بالحكمة ولهذا ضل في دليلها كثيرون وزل في سبيلها عارفون كما اشرنا اليه سابقا من بعض مقالات اهل التصوف واعتقاداتهم ومن قال بقولهم واتبع آراءهم وهذا الدليل اذا تحقق لشخص كان علمه ضروريا علم عيان واحاطة لا علم اخبار ومفهوم ومعنى هذا ان ما تتصوره وهو علمك ان كان بعد الرؤية بالعين فهو علم عيان وان كان بعد معاينة اسبابه وما يتفرع عليها وما تتوقف عليه فهو علم احاطة وان كان انما سمعت الخطاب الملقي اليك فرأيت ببصيرتك ما دلك اللفظ عليه من جهة فهمك لا من جهة وضعه فهو علم اخبار وهذا الخطأ فيه اكثر من الصواب اذ ربما تفهم منه غير ما وضع اللفظ له وغير ما اراد المخاطب وانما تفهم شيئا قد صاغه لك الخيال بتلونه فينتقش فيه ما تلون به وهذه الصورة صورة العلم المفهوم ونظيره اذا رأيت شيئا من بعيد فظننت انه انسان فانه منتقش في مراة خيالك صورة ما فهمت وهذا علم مفهوم ومظنون فلما قربت منه فاذا هو خشبة ودليل الحكمة المشار اليه هو علم العيان وعلم الاحاطة ودليله كتاب الله التدويني والتكويني في الافاق وفي الانفس وعينه ومبصره الفؤاد وهو نور الله وهو التوسم وهو الفراسة ولهذا قلنا ان هذا لا يقابله الا الانكار لانه قد عاين فلا يفقد فيقابله الجهل كما في العلم ولا يتوقف فيقابله الشك كما في اليقين والله سبحانه يحاكم صاحبه الى فؤاده وشرط صحته انصاف ربه سبحانه
واما الموعظة الحسنة فهي ان يجري في الاستدلال على حدود العقل الشرعي وهو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان كما قال عليه السلام والمراد انك تقف مع خصمك بين الاحتمالين فتدعوه الى ما فيه السلامة والنجاة والاحتياط والراحة منهما مع قطع النظر عن الخصوص حين الدعوة على سبيل الفرض لتسهل معالجة الخصم وامالته الى الحق اذ لو دعوته الى الخصوص مع اعراضه عنه لم يقبل ولعمي عليه المنهج فاذا تحاكمتما الى عقله كابره وانكر معروفه واذا اعرضت عن الخصوص لم يبعد عنه فقربه اليه على جهة الفرض وذلك كما قال مؤمن آل فرعون لما توامروا على قتل موسى اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وهو قول ان لم ينفعكم لم يضركم والحال انه قد جاءكم بالحق من ربكم لان الذي اتى به لا يشابه شيئا من الباطل ولا يكون في وسع احد من البشر الاتيان بمثله وما هذا شانه يكون حقا ولا يكون الا من عند من هو قادر على ايجادكم وتربيتكم ولو جاز ان يكون في الاحتمال مع قطع النظر عن كونه حقا للعلة التي ذكرنا كاذبا فانما كذبه على نفسه لان ذلك لا يضر الا من كذب وهو الذي فرض كذبه وان يك صادقا كما تشهد به سنة من كان قبلكم مثل قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم فانه معكم كمثل اولئك مع قومهم يصبكم بعض الذي يعدكم وانما قال بعض ولم يقل يصبكم الذي يعدكم لان العالم بالله لا يحتم على الله فيجوز ان يعدهم بشيء يعفو الله عنه كما وعد يونس عليه السلام قومه بالهلاك عن الله ثم بدا له سبحانه فعفا عنهم وكشف عنهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا ومتعهم الى حين وبالجملة فهذا ومثله هو دليل الموعظة الحسنة وهو يثمر علم اليقين لانه راجع ( راجح ظ ) اختيار ما فيه النجاة من الاحتمالين المتنازع فيهما ويقابله الشك والريب والتوقف ولا يقابله الانكار لانه قد يكون في شيء يقطع بحصول النجاة فيه وان لم يحصل له الاطلاع عليه من باب الاحاطة والمعاينة ولا يقابله الجهل لانه لم ينظر في وجود شيء وعدمه ليكون اذا وجد تحقق فيكون ضده فقدان ذلك الشيء وانما ينظر في شيء وضده وهما موجودان يعتلجان في وجه العقل عند باب القلب لان الشخص قبل الطمأنينة في الشك والريب لتردده بين الطرفين او التوقف ما دام الوقوف بين متعادلين فاذا رجح الحق واطمأن عليه كان اليقين الذي لا يقابل الا بالشك والريب والتوقف فاذا استعمل الاستدلال بالموعظة الحسنة افاد عند استكمال شرائطه التي من جملتها التوفيق من الله تعالى اليقين والله سبحانه يحاكم صاحب هذا الدليل يعني المستدل به والمستدل عليه بفتح الدال عند قلبه وشرط انتاجه انصاف عقلك اذا حكم عليك واما المجادلة بالتي هي احسن فهو دليل ظاهر اكثر الاستدلالات به من الناس ومن المتكلمين والفقهاء لانه يستند فيه الى ما يدل اللفظ عليه بظاهره او ما يلزم ذلك من منطوق صريح او غير صريح او مفهوم او غير ذلك او الى احد القياسات الاربعة المنطقية وبالجملة فكتب العلماء مشحونة منه بل وجود غيره فيها قليل والقرءان والاحاديث قد وردت بها ذكرا واستعمالا لان عمدة قيام الحجج على العوام به لان غيره من دليل الحكمة والموعظة الحسنة لا يكاد يعرف كونه دليلا الا عند اهلها والسبيل هو الطريق والمراد هنا الدعاء الى الله سبحانه بتوحيده وعدله وبيان صفاته واسمائه والي القيام باوامره والاجتناب عن نواهيه والي رسوله صلى الله عليه وآله وقبول امره والانتهاء عند نهيه وتصديقه في كل ما اتى به عن الله تعالي من احوال النشأتين والي اهل بيته صلى الله عليهم بمحبتهم ومحبة محبيهم ومعاداة عدوهم والبراءة منهم وبموالاتهم والتسليم لهم والقبول عنهم والرد اليهم والاهتداء بهديهم والاحتمال لعلمهم والاحتجاب بذمتهم والاتكال على ولايتهم وحبهم والاخلاص في الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم والايمان بان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم والتصديق بالتفويض اليهم والتعويض عليهم وان اياب الخلق اليهم وحسابهم عليهم وان فصل الخطاب عندهم وهذا كله من ولايتهم فيما يرجع الى الصفات الفعلية باعتبار متعلقاتها واما ما يرجع الى الذوات فهم سبيل الله تعالى فيما يشاؤه ويريده ويقدره ويقضيه ويمضيه ويأذن له ويوقته ويكتبه ويؤجله في سائر خلقه بمعنى ان كل شيء من خزائن غيوبه مما جعله لخلقه فقد جعله عندهم (ع) ولم يجعل فيما خصهم به لاحد من خلقه نصيبا ولم يجعل لاحد من خلقه شيئا الا مما جعله عندهم ولم يجعل لاحد من خلقه مما جعله عندهم الا بهم فهم السبيل اي سبيل الله الى عباده وهم حقيقة ذلك كله وظاهره وهم السبيل اي سبيل الخلق الى الله على نحو ما تقدم من توقف قبول الاعمال والدعاء والاذكار وغير ذلك على محبتهم وولايتهم والاخذ عنهم والرد اليهم والتسليم لهم والبراءة من اعدائهم وجميع ما ذكر سابقا مما يثبت لهم مما ذكرنا سابقا وقد تقدم هذا المعنى مكررا والحاصل انهم عليهم السلام دعوا الى سبيل الله الذي هو الطريق الذي يحق ان يسبل فلا يكون لاحد اراده مانع لانه سبحانه منذ فتح باب الخير ما سده عن طالب وانما اعمالهم تحجبهم عن سلوك الطريق الموصل الى الحق بدليل الحكمة المشار اليه سابقا وبالموعظة الحسنة حتى لا يكون لاحد من الخلق حجة على الله
قال عليه السلام : وبذلتم انفسكم في مرضاته وصبرتم على ما اصابكم في جنبه
قال الشارح (ره) وبذلتم انفسكم في مرضاته بالمداومة على العبادات او باظهار الشريعة وان اصابهم ما اصابهم من الشهادة سرا او جهرا فانه روي في الاخبار المتكثرة انهم قالوا ما منا الا وهو شهيد ونقل ايضا من سقي جبابرة وطواغيت ازمنتهم السموم وصبرتم على ما اصابكم في جنبه اي في امره ورضاه وقربه انتهى
اقول انهم عليهم السلام بذلوا انفسهم في مرضاة الله سبحانه حتى اضروا بانفسهم في المطعم والمأكل والملبس كما هو مذكور في اخبارهم ولقد روي الشيخ في مجالسه بسنده عن ابي جعفر محمد بن علي عليهما السلام ان فاطمة بنت علي بن ابي طالب لما نظرت الى ما يفعل ابن اخيها علي ابن الحسين عليه السلام بنفسه من الدأب في العبادة اتت جابر بن عبد الله بن عمرو ابن حزام الانصاري فقالت له يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ان لنا عليكم حقوقا من حقنا عليكم ان اذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهادا ان تذكروه الله وتدعوه الى البقيا على نفسه وهذا علي بن الحسين (ع) بقية ابيه الحسين (ع) قد انخرم انفه وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه اذاب منه لنفسه في العبادة فاتى جابر بن عبد الله باب علي بن الحسين عليهما السلام وبالباب ابو جعفر محمد بن علي عليهما السلام في اغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك فنظر جابر اليه مقبلا فقال هذه مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسجيته فمن انت يا غلام قال فقال انا محمد بن علي بن الحسين فبكى جابر رضى الله عنه ثم قال انت والله الباقر عن العلم حقا ادن مني بابي انت فدنا منه فحل جابر ازراره ووضع يده على صدره فقبله وجعل عليه خده ووجهه وقال له اقرئك عن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله السلام وقد امرني ان افعل بك ما فعلت وقال لي يوشك ان تعيش وتبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمد يبقر العلم بقرا وقال لي انك تبقى حتى تعمي ثم يكشف لك عن بصرك ثم قال ائذن لي على ابيك فدخل ابو جعفر على ابيه عليهما السلام فاخبره الخبر وقال ان شيخا بالباب وقد فعل بي كيت وكيت فقال يا بني ذلك جابر بن عبد الله ثم قال امن بين ولدان اهلك قال لك ما قال وفعل بك ما فعل قال نعم ابي الله انه لم يقصدك فيه بسوء ولقد اشاط بدمك ثم اذن لجابر فدخل عليه فوجده في محرابه قد انضته العبادة فنهض علي عليه السلام فسأله عن حاله سؤالا حفيا ثم اجلسه بجنبه فاقبل جابر عليه يقول يا ابن رسول الله (ص) اما علمت ان الله تعالى انما خلق الجنة لكم ولمن احبكم وخلق النار لمن ابغضكم وعاداكم فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك قال له علي بن الحسين يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله اما علمت ان جدي رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يدع الاجتهاد وتعبد بابي هو وامي حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له اتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال افلا اكون عبدا شكورا فلما نظر جابر الى علي بن الحسين عليهما السلام وليس يغني فيه قول من يستميله من الجهد والتعب الى القصد قال له يا ابن رسول الله البقيا على نفسك فانك لمن اسرة بهم يستدفع البلاء ويسأل كشف اللأواء وبهم يستمطر السماء فقال يا جابر لا ازال على منهاج ابوي مؤتسيا بهما صلوات الله عليهما حتى القاهما فاقبل جابر على من حضر فقال لهم والله ما رأى في اولاد الانبياء مثل علي بن الحسين الا يوسف بن يعقوب عليهما السلام والله لذرية علي بن الحسين افضل من ذرية يوسف بن يعقوب ان منهم لمن يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا ه وكذلك جميع الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين فانهم اتعبوا انفسهم في عبادة الله في الصلوة والصيام الى حد لا يقوم به احد من الخلائق لا ملك مقرب ولا نبي مرسل وكانوا يقتفون اثر جدهم صلى الله عليه وآله وكان اذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه قالت عايشة يا رسول الله اتصنع وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال يا عايشة افلا اكون عبدا شكورا وغير ذلك مما يصعب حصره وروى الشيخ في اماليه بسنده عن محمد بن مسلم قال دخلت على ابي جعفر عليه السلام ذات يوم وهو يأكل متكئا وقد كان يبلغنا ان ذلك يكره فجعلت انظر اليه فدعاني الى طعامه فلما فرغ قال يا محمد لعلك ترى ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأته عين وهو يأكل متكئا منذ بعثه الله الى ان قبضه ثم رد على نفسه فقال لا والله ما رأته عين وهو يأكل متكئا منذ بعثه الله الى ان قبضه ثم قال يا محمد لعلك ترى انه شبع من خبز بر لا والله ما شبع من خبز بر ثلاثة ايام متوالية الى ان قبضه الله اما اني لا اقول انه لم يجد لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل ولو اراد ان يأكل لاكل ولقد اتاه جبرئل عليه السلام بمفاتيح خزائن الارض ثلاث مرات فخيره من غير ان ينقصه الله مما اعد له يوم القيمة شيئا فيختار التواضع لربه وما سئل شيئا قط فقال لا ان كان اعطى وان لم يكن قال يكون ان شاء الله وما اعطى على الله شيئا قط الا سلم الله له ذلك حتى ان كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له ثم تناولني بيده فقال وان كان صاحبكم عليه السلام ليجلس جلسة العبد ويأكل اكلة العبد ويطعم الناس الخبز واللحم ويرجع الى رحله فيأكل الخل والزيت وان كان ليشتري القميصين السنبلانيين ثم يخير غلامه خيرهما ثم يلبس الاخر فاذا جاز اصابعه قطعه وان جاز كعبه حذفه وما ورد عليه امران قط كلاهما لله رضا الا اخذ باشدهما على بدنه ولقد ولى الناس خمس سنين ما وضع اجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا اقطع قطيعة ولا اورث بيضاء ولا حمراء الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه اراد ان يبتاع بها لاهله خادما وما اطاق عمله منا احد وان كان علي بن الحسين عليه السلام لينظر في كتاب من كتب علي عليه السلام فيضرب به الارض ويقول من يطيق هذا ه وفي رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام الى ان قال ولقد اعتق الف مملوك من كد يده وتربت فيه يداه وعرق فيه وجهه وما طاق عمله من الناس كان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة وان كان اقرب الناس شبها به علي بن الحسين عليهما السلام وما اطاق عمله احد من الناس بعده ه وبالجملة كلهم عليهم السلام في العبادة والخشوع لله والزهد والورع والكرم والقيام بالجهاد في سبيل الله تعالى جهاد النفس وجهاد الكفار والبغاة قد بذلوا انفسهم واموالهم لم يبقوا فيهما بقية لانفسهم ولا لمن سويهم حتى اضروا بانفسهم في غاية الجهد ولقد كان جدهم صلى الله عليه وآله قام عشر سنين على اطراف اصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه يقوم الليل اجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل طه ما انزلنا عليك القرءان لتشقى بل لتسعد به وكان من ختام اجتهادهم وبذلهم انفسهم في طاعة الله ان الله سبحانه لما خلق النور وخلق الظلمة وخلقهم من صفوة النور فهم زاكون طاهرون لم يشبهم كدر ولم تقع منهم معصية وخلق اعداءهم من صفوة الظلمة فهم خبيثون ليس لهم نور ولم تقع منهم طاعة خلط باقي الطينتين لما بينهما من نوع المشاكلة لان بقية النور التي هي طينة المؤمن لم تكن صافية بل فيها شوب ما من الظلمة لقوة المزج المقوم لها وكثرته زيادة على ما يحصل به تقوم النور وكذلك بقية الظلمة التي هي طينة المنافقين التابعين لم تكن صافية بل فيها شوب ما من النور من جهة المزج المقوم لها وكثرته زيادة على ما يحصل به تقوم الظلمة فلما اخذ المؤمنين بيمينه اصابهم من لطخ المخالفين فحكم بعدله انه لا يجاوز ظلم ظالم فشفع محمد واهل بيته الطيبين عليه وعليهم الصلوة والسلام عند الله سبحانه في شيعتهم وشرط عليهم فيما طلبوا منه واجابهم اليه شروطا قد عظم بها مثوبتهم ورفع بها درجتهم الى مراتب عنده لم يكونوا ينالونها الا بتلك الشروط وجعل هذه الشروط لتكميل شيعتهم لا لتكميلهم تشريفا لهم وتنزيها لمقامهم عن توقف تكمل ذواتهم على شرط لثلاثة اوجه :
الاول ان استحقاق ذواتهم لغاية الكمال الامكاني لم يكن مع اصل الشرط او بعده بل استحقاقها ذاتي لانها قبل الشروط وقبل القيود لانها ليست من الوجود المقيد من قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار
الثاني لما كانت لطيفتهم من الله تعالى زائدة على حقيقتهم وتلك الزيادة تكمل كل ناقص منهم بل لا تكميل لناقص من الخلق الا بها ناسب ان ينسب اليهم الاشتراط لتكون ما كملوا به انما هو لشرط شرط عليهم لاظهار تكرمهم على محبيهم وشفقتهم عليهم فلا يكون ما فعلوه الا بعوض كما هو شأن غير المماليك انما يفعلون لمقابلة شيء وهم وان كانوا مماليك له سبحانه لا يخرج احد عن ملكه ولكنه وهبهم انفسهم فنزلهم منزلة الاحرار تكرمة لهم فلذا فوض اليهم فقال تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب
الثالث التنويه بهم بين سائر خلقه حيث تحملوا في رضاه من المشاق ما لا يحتمله غيرهم مختارين اذ لو شاؤا لم يتحملوا ذلك ويقبل الله شفاعتهم فيمن شاؤا فمن الشروط انهم يتحملون ذنوب محبيهم لا نتسابهم اليهم فيرجعون اليهم بما عليهم من الذنوب ولهذا كثيرا ما يستغفرون من ذنوبهم التي تحملوها عن محبيهم فاذا كان المذنب من المؤمنين طيب الاصل كان ما وقع منه عليهم فتعد من سائر ذنوبهم ومن هذا قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ومنها الدوام على المجاهدات الشاقة كما هو معروف بين المسلمين ومنها الشهادة فانهم عليهم السلام لم يمت احد منهم حتف انفه وذلك انهم باعوا انفسهم على الله بنجاة محبيهم من النار حتى مضوا كلهم على الشهادة فقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله بالسم وخرج علي عليه السلام مضرجا بالدم بضربة ابنملجم لعنه الله لعنا وبيلا وعذبه عذابا اليما وضربت فاطمة الزهراء صلى الله عليها على ظهرها وجنبها حتى القت جنينها محسنا ولطم خدها وغصب حقها واوذيت في ذريتها وخولف فيها قول ابيها صلى الله عليه وآله ولقد نقل عبدالحميد بن ابيالحديد في شرح نهج البلاغة عن بعض الشيعة واظنه مهيار الديلمي رحمه الله شعرا في هذه المعاني :
يا ابنت الطاهر كمتقرع بالظلم عصاك
غضب الله لخطب ليلة الطف عراك
ورعى النار غدا فظا دعا امس حماك
مر لم يعطف لشكواك ولا استحيى بكاك
واقتدى الناس به بعد فاردى ولداك
لهف نفسي وعلى مثلك فلتبك البواكي
فرحوا يوم اهانوك بما ساء اباك
ولقد اخبرهم ان رضاه في رضاك
وتعرضت لامر تاقه فانتهراك
وادعيت النحلة المشهود فيها بالصكاك
فاستشاطا ثم ما انكذبا اذ كذباك
فزوى الله عن الرحمة زنديقا زواك
ونفى عن بابه الواسع شيطانا نفاك
والحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام اهين وخذل وترك فريدا حتى جرحه الجراح لعنه الله بعدد ما في علم الله ومات بالسم كما مات جده رسول الله صلى الله عليه وآله سمته جعيدة بنت الاشعث لعنها الله ومنع من الدفن بجوار جده (ص) والحسين بن علي عليهما السلام قتل بطف كربلاء غريبا وحيدا عطشانا وهو يرى ماء الفرات بعد ما قتلت اولاده واخوانه وبنو عمه وبنو اخيه وحماته ونهبت امواله وحرقت خيامه وسبيت نساؤه وسيرت هدايا الى الشام على عجف المطايا وحملت معهن رؤسهم على الرماح يشهروهن مع الرؤس من بلاد الى بلاد لرضا يزيد وابنزياد وعلي بن الحسين عليه السلام سمه الوليد بن عبدالملك بن مروان لعنه الله ومحمد بن علي بن الحسين عليهم السلام سمه ابراهيم بن الوليد لعنهما الله تعالى وجعفر بن محمد عليهما السلام سمه ابو جعفر المنصور لعنه الله وموسى بن جعفر عليهما السلام سمه هرون الرشيد بن المهدي لعنه الله وعلي بن موسى عليهما السلام سمه المأمون لعنه الله ومحمد بن علي عليهما السلام سمه المعتصم لعنه الله وعلي بن محمد الهادي عليهما السلام سمه المعتمد لعنه الله تعالى والحسن العسكري سمه المعتز لعنه الله والحجة المنتظر صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين غيب الله شخصه فهو المضطر الذي يجاب اذا دعا عجل الله فرجه وسهل مخرجه ورزقنا طاعته آمين رب العالمين ولو حاول شخص ان يحصي ما ترتب على بذلهم انفسهم في طاعة الله تعالى من المشاق والالام والجوع ومعاداة الاعداء الكثيرة في الله وما يترتب على ذلك لما كاد يحيط به
وقوله عليه السلام : وصبرتم على ما اصابكم في جنبه مترتب على قوله وبذلتم انفسكم في مرضاته وذلك انهم بذلوا انفسهم في عبادته وصبروا على ما اصابهم في جنبه من مشقة العبادة من التعب الشديد والسهر في قيام الليل والتفكر في العالم ومن الجوع في الصيام له حتى انهم ربما بقوا ثلاثة ايام صائمين لم يفطروا الا بالماء وقد يربطون حجر المجاعة على بطونهم وصبروا على الم ذلك ومشقته ومن كلفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما لقوا في ذلك فصبروا في اقامة ذلك على معاداة الاعداء ومجاهدة الباغين من الكافرين والمنافقين حتى جرى عليهم ما ذكرنا الاشارة الى بعضه والجنب جهة الشيء ويطلق على الذات مثل اوذي في جنب الله اي ذات الله اذا اريد منه في الله وان اريد غير ذلك يكون بمعنى الطاعة وقيل بمعنى الامر وقيل بمعنى القرب والجوار فاذا قالوا عليهم السلام نحن جنب الله صح على المعاني الاربعة وكلها رويت عنهم وقد مر ذكر ذلك والصبر هو الحبس والمراد حبس النفس على المكروه وقد روي ان كل شيء من الاعمال الصالحة له اجر مقدر الا الصبر فان اجره غير مقدر قال الله تعالى انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب وهو على ثلاثة اقسام صبر على الطاعة وصبر عن المعصية وصبر على المصيبة فالصبر على الطاعة واحد بثلثمائة والصبر عن المعصية واحد بستمائة والصبر على المصيبة واحد بتسعمائة اقول قد يفرق بين الصبر والبلاء فيكون الصبر على المكروه بالاختيار كالصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر على المكروه بغير الاختيار كالصبر على المصيبة مصيبة الموت والصبر على الامراض هو البلاء كما في حديث بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وآله بسم الله الرحمن الرحيم اما باب الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له واما باب الشكر فانه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة له ضجيج وحنين يقول اللهم جئني باهلي قلت هل يتكلم الباب قال نعم ينطقه الله ذو الجلال والاكرام واما باب البلاء قلت اليس باب البلاء هو باب الصبر قال لا قلت فما البلاء قال المصائب والاسقام والامراض والجذام وهو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد ما اقل من يدخل فيه الحديث والظاهر ان الصبر من حيث هو واحد وانما ذكر مخالفا لبعضه كما فرق في الحديث الاخير لاجل متعلقه فاذا حبس نفسه على تحمل مشقة الطاعة وترك المعصية سمي صبرا واذا حبس نفسه على تحمل مشقة مصيبة الموت ومشقة الاوجاع والبلايا والمحن في الدنيا سمي بلاء وفي الحالين حبس النفس على المشقة وهو الصبر ثم اختلاف مراتبه في الحديث الاول الذي نقلناه بالمعنى لعله لان الصبر على الطاعة فيه ثواب موافقة امر الله ومخالفة هوى النفس وهو ضعيف لان اصله عدمي والصبر عن المعصية فيه ثواب موافقة نهيه ومخالفة هوى النفس وهذا وان كان ايضا عدميا لكن استمدادها بالمعصية اقوى من استمدادها بترك الطاعة لان ترك الطاعة غذاء ضعيف للنفس الامارة لرجوعه الى ضعف الضد لا الى تقوية النفس بخلاف المعصية فانها غذاء للنفس الامارة قوى لرجوعه الى تقويتها مع استلزامه ضعف الضد ومثاله ان نفرض السير الى الغرب فعل الطاعة والسير الى الشرق فعل المعصية فاذا غربت لزمك انك لم تشرق واذا لم تغرب لم يلزم منه انك شرقت الذي هو مثال المعصية ولكنه اسوء من التغريب واذا شرقت لزمك انك لم تغرب واذا لم تشرق لم يلزم منه انك غربت الذي هو مثال الطاعة ولكنه ليس اسوء من التشريق ولا مساويا له بل التشريق اسوء منه فلهذا كان الصبر عن المعصية ضعف الصبر على الطاعة واما الصبر على المصيبة فهو جامع للصبرين لموافقته امر الله ومخالفته الهوى فيما هو ذاتي له كما في المعصية بل هو ابلغ لانه ذاتي وجودي بخلاف ذاتي المعصية فلهذا كان الصبر على المصيبة مثل الصبرين الاولين واما كون باب الصبر في ابواب الجنة صغيرا فلضيقه على السالك منه لان الصبر حبس النفس على ما تكره مع استمراره وحبسها على ما تكره مع الاستمرار شديد الضيق عليها لعدم انبساطها معه واما كونه مصراعا واحدا فلانه لما كان حبسا مستمرا اقتضى الوحدة اذ ليس فيه انتقال ليكون فيه تعدد فافهم واما انه ليس له حلق لان حلق الباب انما توضع للاستيذان والصبر ليس فيه استيذان لو انه عدم الجزع وقد كان عدم الجزع موجودا قبل المصائب والبلايا فهو ليس بجازع قبلها فاذا وقعت بقي على الحالة الاولى ولو فرض انه جزع بعد المصيبة ثم صبر لم يكن ذلك منافيا لعدم الاحتياج الى الاستيذان الذي يراد منه عدم توقف الدخول فيه على امر خاص ويعبر عنه ظاهرا بالاستمرار على ترك الجزع بخلاف باب الشكر فانه يحتاج الى انشاء عمل لا انه استمرار على الحالة الاولى كالصبر فلذا كان لباب الشكر مصراعان وانما كان ابيض لما فيه من الرخاء وبرد القلب المعبر عنه بالبياض بخلاف الصبر فهو احمر لما فيه من حرارة تجرع البليات والمصائب واما باب البلاء فهو باب مثل باب الصبر في كونه صغيرا ومصراعا واحدا واما كونه اصفر فلان البلاء وان كان حبسا على ما تكره النفس لكنه لم يكن سببه اختيار الصابر لتكون تلك الحرارة مع الندم الذي منه اليبوسة المستلزمان للحمرة كما في الصبر وانما تلك الحرارة التي من ذلك الحبس كان معها الرضا الذي هو الرطوبة رطوبة الحيوة المستلزمان للصفرة فلذا كان اصفر فافهم
قال عليه السلام : واقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة
قال الشارح (ره) واقمتم الصلوة حق اقامتها بل لم يقمها غيرهم كما هو حقها من الاخلاص وحضور القلب كما هو متواتر عنهم وكذلك البواقي وتخصيصها بالذكر من العبادات للاهتمام اقول اقامة الصلوة اتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وهيئاتها كما هو مأثور عن الشارع وقد يراد منها المحافظة عليها والمحافظة على الصلوة كما قال الصادق عليه السلام اقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شيء والمراد انهم اقاموا الصلوة كما امرهم الله في قوله لنبيه صلى الله عليه وآله فاستقم كما امرت وكما نهاهم الله تعالى في قوله تعالى ولا يلتفت منكم احد يعني ادوا له ما هو اهله كما هم اهله بما الهمهم من سلوك سبل ربهم فحضروا عند مناجاته اذا قرأوا كتابه وعند مناجاتهم عند دعائهم وطلب الاجابة وغابوا عند خدمته وهو معهم اينما كانوا وهم عنده اينما ظهر والصلوة من الله الرحمة وهي للمؤمنين مكتوبة ولغيرهم واسعة ومن الملائكة استغفار لشيعة علي عليه السلام يحومون حول عرشه سبعة الاف سنة وحول البيت المعمور سبع سنين وذلك لانهم يصلون على محمد وال محمد فتكون صلاتهم عليه واله تزكية له ولهم وصلاته على شيعتهم استغفار لهم واستشفاع فيهم قال الله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله وهم الطائفون بالبيت المعمور ومن في ارجاء السموات والموكلون بكل شيء يسبحون بحمد ربهم يعني يسبحون الله بتزكية نبيه واله صلى الله عليه وآله وبالاستغفار لشيعتهم ويؤمنون به اي يقيمون ولاية علي عليه السلام فيما وكلوا به من تدبير امر عذرا او نذرا ويستغفرون للذين آمنوا يعني للذين آمنوا بولاية علي عليه السلام ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما وسع المؤمنين بفضله والكافرين بعدله فاغفر للذين تابوا فلم يتولوا اعداء علي عليه السلام وانابوا الى الله بولاية علي عليه السلام واتبعوا سبيلك وهو الصراط المستقيم والنبأ العظيم الذي هم ( فيه ظ ) مختلفون وعنه مسئولون وقهم عذاب الجحيم التي هي مأوى الظالمين الجاحدين ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم وجنة عدن هي مأوى محمد وآله صلى الله عليه وشيعتهم وعدهم في قوله تعالى فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم اي ومن كان متواليا من ابائهم وازواجهم واولادهم انك انت العزيز الحكيم الموصوف هو المعبود بالحق والاسم الاول محمد والثاني على وذلك قوله تعالى عزيز عليه ما عنتم وقوله تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وقهم السيئات وهي الموبقات التي ليس لها جزاء الا الخلود في الجحيم والعذاب الأليم وهذه السيئات محبة اعداء الله وهي قوله والذين كسبوا السيئات اي توالوا اعداء الله عن علم وبصيرة جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم يعني ليس لهم امام حق يأتمون به الاية ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وهو قوله تعالى الا من رحم ربك ولذلك خلقهم اي للرحمة خلقهم وفيها صبغهم وذلك هو الفوز العظيم وهو تأويل قوله تعالى وادخل الجنة فقد فاز وما الحيوة الدنيا يعني ولاية الاول كما روي عن الصادق عليه السلام الا متاع الغرور لانها سبيل الشيطان والصلوة من المؤمنين الدعاء لانهم يقولون اللهم صل على محمد وال محمد والصلوة مشتقة من الصلة اي مدهم بمددك الهني السابغ الذي لا ينفد او من الوصل اي صلهم بك كما قال تعالى من اطاعهم فقد اطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن احبهم فقد احبني ومن ابغضهم فقد ابغضني وهكذا او من الوصلة وهي السبب يعني صل بينك وبينهم بحجزة عنايتك وسبب لطفك ورحمتك والصلوة من المؤمنين الدعاء كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم اي أدع لهم فان قلت كيف يكون صلي بمعنى دعا وصلى انما يستعمل معدى بعلي واذا كان بمعنى دعا كان معناه دعا عليهم وهو يكون بالمكروه بخلاف ما اذا عدي دعا باللام فانه يكون بالمحبوب قلنا ان صلى عليهم معدي بعلي بمعنى دعا لهم معدي باللام لا مطلق صلى بمعنى دعا وهم عليهم السلام اقاموا الصلوة على المعاني الثلاثة اما على معنى انها من الله الرحمة فلانهم محلها بل هم الرحمة الواسعة حقيقة كما دلت عليه احاديثهم وما يظهر من آثار الرحمة المغايرة لهم مما جاء في الكتاب والسنة فعنهم بدئت ولهم خلقت وعليهم اعلنت بالثناء فهم اقاموا صلاته عليهم وعلى ملائكته وانبيائه ورسله والمؤمنين من عباده اما اقامة صلاته سبحانه عليهم فكما مر من انهم هم الرحمة وانهم تراجمة الرحمة لهم بلسان القبول المتوقف وجودها عليه ولغيرهم من سائر الخلق بلساني التشريع والتكوين في التبليغ والاداء
واما اقامة صلوة الملائكة فلصدورها من الملائكة عنهم على حكم ونضع الموازين القسط ليوم القيمة لانهم صلى الله عليهم هم خزائن الله سبحانه في كل شيء وقلوبهم هي الارض في قوله تعالى والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش من امدادات العلوم والعقول والافهام والخيالات والمعارف والاعمال ومن لستم له برازقين منها يعني العلوم والعقول والافهام والخيالات والمعارف والاعمال والاقوال والاحوال وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ويدخل في حكم هذه الصلوة واقامتها صلوة المؤمنين واقامتها وان اختلفت الهيئات ظاهرا او كانت صلوة بعض المؤمنين اعلى من صلوة الملائكة والاقامة بحسبها وهذه الصلوة المشار اليها بالمعاني الثلاثة على كل فرض من الاشتقاقات الثلاثة كلها من ولاية علي واهل بيته الطاهرين واقامتها على ما امروا واعتقدوا وارشدوا وعملوا هي اقامتها لانها هي الصلوة والصلوات فروعها وصورها ومن ثمراتها وورقها واغصانها واصلها ولقاحها وفي حديث معرفة علي عليه السلام بالنورانية قال يا سلمن ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال عليه السلام معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة يقول ما امروا الا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وهو الدين الحنفية المحمدية السمحة وقوله ويقيموا الصلوة فمن اقام ولايتي فقد اقام الصلوة واقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان فالملك اذا لم يكن مقربا لا يحتمله والنبي اذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن اذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله قلت يا امير المؤمنين من المؤمن ومن الممتحن وما حده وما نهايته حتى اعرفه قال (ع) يا ابا عبد الله قلت لبيك يا اخا رسول الله قال المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من امرنا اليه شيء الا شرح صدره له ولم يشك ولم يرتد اعلم يا اباذر انا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده لا تجعلونا اربابا وقولوا ما شئتم في فضلنا فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته فان الله عز وجل قد اعطانا اكبر واعظم مما يصفه واصفكم او يخطر على قلب احدكم فاذا عرفتمونا هكذا فانتم المؤمنون قال سلمن قلت يا اخا رسول الله ومن اقام ولايتك اقام الصلوة قال نعم يا سلمن تصديق ذلك قوله تعالى في كتابه العزيز واستعينوا بالصبر والصلوة وانها لكبيرة الا على الخاشعين فالصبر رسول الله صلى الله عليه وآله والصلوة اقامة ولايتي فمنها قال الله تعالى وانها لكبيرة ولم يقل وانهما لكبيرة لان الولاية كبير حملها الا على الخاشعين والخاشعون هم الشيعة المستبصرون الحديث ففيما قال سلمن ومن اقام ولايتك اقام الصلوة تصريح بان الولاية هي الصلوة واقامتها اقامة الصلوة وبالعكس وفي بيانه عليه السلام قال والصلوة اقامة ولايتي فعلم من الكلامين ان الصلوة التي هي ذات الركوع والسجود هي الولاية وان اقامتها اقامة الولاية وان نفس الصلوة التي هي ذات الركوع والسجود اقامة الولاية وليس في شيء من ذلك تدافع لان ذات الركوع والسجود هي هيئة الولاية لانها اخص الاعمال واشمل لخدمة الملك المتعال بمعنى انها مشتملة على جميع هيئات الخلق اما الملائكة فمنهم ركوع كركوعها وسجود كسجودها وقيام كقيامها وقعود كقعودها ومتشهدون كتشهدها ومتنقلون كتنقلها ومسلمون كتسليمها وبالجملة كل عمل وتسبيح من اعمال الملائكة وتسبيحهم وحركة وسكون منهم فموجود في الصلوة ما يتضمنه فهي عمود الدين وركن الايمان والاسلام واما غير الملائكة فكذلك وذكر ذلك في انواع الخلق ولو على سبيل الاجمال يطول به الكلام الا اني اجمل لك ذلك وهو ان الصلوة صورة الولاية المطلقة والولاية جارية على الخلق بما هو عليه في وجوده التكويني والتشريعي فلا يتحرك شيء او يسكن بل جميع احواله الا باقتضاء الولاية وتدبيرها من الولي فقد تضمنت الولاية جميع ذرات الوجود كما اشار سبحانه الى ذلك بقوله افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وقوله تعالى يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فاذا كان هذا حكم الولاية ومقتضاها دل على ان ذلك اثر كينونيتها وهي صفتها الذاتية وهذا يقتضي ان ما وصفها به الحكيم العليم بها يكون مشابها لصفتها الذاتية لان الصفة اسم وعلامة للموصوف يعينه من تلك الجهة لا يشتبه بغيره والا لم يكن اسما وصفة وعلامة فلما اخبر الحكيم العليم ان الصلوة هي ولايتي وانها هي اقامة ولايتي دل ذلك على ان ذات الركوع والسجود هي اقامة ولايته لانها ظاهرها وتدل على هيئتها وهي ولايته لانها هي صورتها فاذا اطلق اقام الصلوة تناول اقامة الصلوة المعلومة وذلك اما من باب المجاز او من الحقيقة بعد الحقيقة والمراد بذلك اقامة الولاية اي ما اقتضته الولاية من الاعمال والاقوال والاعتقادات والتأدبات الالهية وذلك صعب مستصعب كما قال علي عليه السلام في الحديث المتقدم واقامة ولايتي صعب مستصعب اي لا يحتمله بسهولة الا محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله واما كل من سواهم فانهم قد تقع منهم الهفوات والتقصيرات حتى الانبياء والمرسلون ومن تتبع احاديثهم وجدها مشحونة بذلك
ومن ذلك ما رواه ابو حمزة الثمالي انه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال يا علي بن الحسين انت الذي تقول ان يونس بن متى انما لقي من الحوت ما لقي لانه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف قال بلى ثكلتك امك قال فارني انت ذلك ان كنت من الصادقين قال فامر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة ثم امر بعد ساعة بفتح اعيننا فاذا نحن على شاطئ البحر تضرب امواجه فقال ابنعمر يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي فقال هيه واريه ان كنت من الصادقين ثم قال يا ايتها الحوت قال فاطلع الحوت من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول لبيك يا ولي الله فقال من انت قالت انا حوت يونس يا سيدي قال ائتنا بالخبر قال يا سيدي ان الله لم يبعث نبيا من آدم الى ان صار جدك محمد صلى الله عليه وآله الا وقد عرضت عليه ولايتكم اهل البيت فمن قبلها من الانبياء سلم وتخلص ومن توقف عنها وتمنع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية وما لقي نوح من الغرق وما لقي ابراهيم من النار وما لقي يوسف من الجب وما لقي ايوب من البلاء وما لقي داود من الخطيئة الى ان بعث الله يونس (ع) فاوحى الله اليه ان يا يونس تول امير المؤمنين عليا والائمة الراشدين من صلبه في كلام قال وكيف اتولى من لم اره ولم اعرفه وذهب مغتاظا فاوحى الله الى ان القمي يونس ولا توهني له عظما فمكث في بطني اربعين صباحا يطوف معي في البحار في ظلمات ثلاث ينادي الا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين قد قبلت ولاية علي بن ابي طالب والائمة الراشدين من ولده فلما آمن بولايتكم امرني ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين عليه السلام ارجع ايها الحوت الى وكرك واستوى الماء الحديث رواه في البحار ولاجل مثل ما ذكر اشار في الحديث السابق بقوله عليه السلام واقامة ولايتي صعب مستصعب فاذا اردت اقامة الصلوة على الحقيقة الاضافية فالانبياء والمرسلون والاوصياء والخصيصون من اشياعهم يقيمونها كذلك وان اردت اقامة الصلوة على الحقيقة الحقيقية ظاهرا وباطنا على اكمل وجه لا يقيمها الا محمد وآله الثلاثة عشر المعصومون صلى الله عليه وعليهم اجمعين لان الصلوة التي هي ذات الاركان التي هي صورة الولاية والصلوة التي هي الولاية التي هي باطن الوجود وعلة الوجود لا يقدر على القيام بهما كما يريد الله منهما الا من جعلهم الله مظهر ذلك وحملته وهم محمد وآله صلى الله عليه وآله فحقيقة الولاية اصل الامام عليه السلام وحقيقة الصلوة فرع الامام عليه السلام والامام هو الواقف بين الططنجين والبرزخ بين البحرين فالصلوة ولاية ظاهرة والولاية صلوة باطنة والامام عليه السلام هو الحامل لاسرار الباطنة والمتحمل لاعباء الظاهرة فافهم
وقوله عليه السلام : وآتيتم الزكوة اي اعطيتم الزكوة المستحقين لها على حسب استحقاقهم والمراد انهم اعطوا زكوة اموالهم والاموال هي ما قسم الله لهم من فيضه وخيره فمن اموالهم ما شيئهم بمشيته ومن اموالهم ما امكنهم بقدرته ومن اموالهم ما اوجدهم بفضله ورحمته ومن اموالهم ما الهمهم من معرفته ومن اموالهم ما علمهم من اسرار خليقته ومن اموالهم ما اشهدهم من بديع صنعته ومن اموالهم ما اقدرهم عليه من مقتضيات ولايته ومن زكوة اموالهم ما افاضوا بالله من مواد الاشياء ومن زكوة اموالهم ما صبغوا من الصور في الانشاء ومن زكوة اموالهم ما ترجموا للقابلات ومن المقبولات ومن زكوة اموالهم ما امدوا من التكوينات ومن زكوة اموالهم ما كلفوا من التشريعات ومن زكوة اموالهم ما اوردوا واصدروا ومن زكوة اموالهم ما قبلوا ورفعوا وما ردوا وابطلوا وما صنعوا وما احدثوا وما احيوا وما اماتوا وما رزقوا وما حرموا واصحوا وامرضوا باذن الله تعالى وكذلك جميع ما يتعلق بالنظام فانهم عليهم السلام يؤدون الى كل محتاج ما يحتاج اليه من اموالهم مما وجب عليهم فيها او استحب او ابيح وتقدير الشيء المخرج مقدر في الشرع اما في الظاهر فالاجناس المخرج منها تسعة وهي التمر والزبيب والحنطة والشعير والابل والبقر والغنم والذهب والفضة واما في الباطن فمنه حامل وقشر وهو ما يتعلق بالتكوينات ومنه محمول ولب وهو ما يتعلق بالتشريعات وصورة المخرج منهما واحدة الا ان المخرج من اللب لب ومن القشر قشر والعبارة عنهما واحدة والمراد ان ما كان من التكوينات فصورة تثمر ثمرة وما كان من التشريعات فثمرة تثمر ذاتا والكل في تسعة اجناس الايمان والمعرفة والمحبة والانس وحوامل الذوات والاعمال وعواملهما واصول المنافع منهما والنبوة ويدخل فيها البشرى والفال الحسن والتأييد والامامة ويدخل فيها علم الكشف وعلم الاحاطة وذكاء المؤمن والفراسة وهي وما اشبهها من اقسام الصدقات يصرفها الفقيه المأمون عليه السلام على المستحقين على حسب تأهلهم واستحقاقهم وما هو على الغيب بضنين افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ويصرفها على الاصناف الثمانية العلماء والعاملون بطاعة الله والمنتصبون لمصالح المؤمنين واصحاب البرازخ واللطخ الذين جعلوا انسا للمؤمنين ليأنسوا بلغتهم ويستقروا بصورهم وخصيص شيعتهم المستشهدون في سبيلهم وفقهاء شيعتهم من اهل القضاء والفتوى والمحبون المتكلون على حبهم واهل الزهد والورع المستعدون للرحيل عن دار الغرور وما نقص عنهم من جهة الاستحقاق انفقوا عليهم من جهة الفضل لانهم عليهم السلام قد الزموا بتتميم ما اعوز رعيتهم والحاصل انهم آتوا الزكوة بكل معنى على اكمل ما يمكن وكل من هو دونهم فانما يؤتى الزكوة على حسب قدرته وسعة ماله والذي لا يجد ما ينفق لا يصرف بل يصبر ويقتصد ويقتصر على الانفاق مما آتاه الله قال الله تعالى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها فالانبياء والمرسلون والخصيص من الشيعة هم ذووا السعة كل بحسبه واما محمد واهل بيته فهم خزائن الله التي لا تفنى وفيض الله الذي لا يغيض المعنيون بقوله تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب
تتمة توجيه ما في حديث يونس من الاشكال فما قبل هذه الكلمة وذلك لانه قال كيف اتولى من لم اره ولم اعرفه وهذا من نبي معصوم كيف يحسن وقوعه بعد ان يأمره ربه وهو يعلم ان ربه سبحانه لا يأمره الا بالحق وانه لا يسئل عما يفعل وكيف يجوز الاعتراض على الله من اقل الخلق واجهلهم فضلا عن الانبياء المعصومين عليهم السلام ومثل هذا الكلام لا يتسامح فيه ولو وقع من عوام الناس لاستحق العقوبة فكيف يصح ان ينسب الى الانبياء الجواب ان النبي يونس عليه السلام كانت به حدة واشتد غضبه لله لكثرة عناد قومه واصرارهم على معاصي الله وتكذيبه ورد نبوته فلما سئله روبيل المراجعة لله تعالى لعله ان يرحمهم امتنع وكذلك لما دعا عليهم اوحى الله في ذلك على جهة التخيير فلم يقبل لما فيه من الحدة والغضب لله تعالى كما روي عن الباقر عليه السلام قال كتب امير المؤمنين عليه السلام قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله ان جبريل حدثه ان يونس بن متى عليه السلام بعثه الله الى قومه وهو ابن ثلاثين سنة وكان رجلا تعتريه الحدة وكان قليل الصبر على قومه والمداراة بهم عاجزا عما حمل من ثقل حمل اوقار النبوة واعمالها وانه تفسخ تحتها كما يتفسخ الجذع تحت حمله وانه اقام فيهم يدعوهم الى الايمان بالله والتصديق به واتباعه ثلاثا وثلاثين سنة فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه الا رجلان اسم احدهما روبيل واسم الاخر تنوخا وكان روبيل من اهل بيت العلم والنبوة والحكمة وكان قديم الصحبة ليونس بن متى قبل ان يبعثه الله بالنبوة وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة وليس له علم ولا حكم وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها وكان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته فلما رأى يونس ان قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون به ضجر وعرف من نفسه قلة الصبر فشكا ذلك الى ربه وكان فيما شكا ان قال يا رب انك بعثتني الى قومي ولي ثلاثون سنة فلبثت فيهم ادعوهم الى الايمان بك والتصديق برسالتي واخوفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة فكذبوني ولم يؤمنوا وجحدوا نبوتي واستخفوا برسالتي وقد توعدوني وخفت ان يقتلوني فانزل عليهم عذابك فانهم قوم لا يؤمنون قال فاوحى الله الى يونس ان فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين وانا الحكم العدل سبقت رحمتي غضبي لا اعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك وهم يا يونس عبادي وخلقي وبريتي في بلادي وفي عيلتي احب ان اتأناهم وارفق بهم وانتظر توبتهم وانما بعثتك الى قومك حفيظا عليهم تعطف عليهم بسجال الرحمة الماسة منهم وتأناهم برأفة الرحمة وتصير معهم باحلام الرسالة وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الدواء فخرجت بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ولم تسسهم سياسة المرسلين ثم سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك وعبدي نوح كان اصبر منك على قومه واحسن صحبة واشد تأنيا في الصبر عندي وابلغ في العذر فغضبت له حين غضب لي واجبته حين دعاني فقال يونس يا رب انما غضبت عليهم فيك وانما دعوت عليهم حين عصوك فوعزتك لا اتعطف عليهم برأفة ابدا ولا انظر اليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم اياي وجحدهم نبوتي فانزل عليهم العذاب فانهم لا يؤمنون ابدا فقال الله يا يونس انهم مائة الف او يزيدون من خلقي يعمرون بلادي ويلدون عبادي محبتي ان اتأناهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك وانت المرسل وانا الحكيم وعلمي فيهم يا يونس باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له يا يونس قد اجبتك الى ما سألت من انزال العذاب عليهم وما ذلك يا يونس باوفر حظك عندي ولا احمد لشأنك وسيأتيهم عذاب في شوال يوم الاربعاء وسط الشهر الحديث فتدبر هذا الحديث لتعرف حدته وغضبه وكذلك جوابه لروبيل لما طلب منه ان يدعو لهم وان الله احب ان يصبر عليهم على جهة الأفضلية وهو يريد اهلاكهم وقد قلنا ان ولاية علي (ع) ولاية الله تعالى وان كل شيء عبارة عنها كما ذكرنا هذا المعنى في هذا الشرح مكررا ومعنى انه توقف هو ما سمعت من هذه الاخبار من غضبه وعدم قبوله شفاعة روبيل فيهم فان هذا ومثله توقف في ولاية علي عليه السلام لان من لم يتوقف هو من لا يشهد لنفسه اعتبارا بل عدمها وفقدها فلا يغضب عند عصيان قومه حتى يؤمر بالغضب فاذا امر بالغضب وطلب منه الاناة والحلم لم يجد في نفسه من الغضب ولا من الاستثقال ولا من الكراهة شيئا بل يكون مؤتمرا اذا امر ومنتهيا اذا نهى مسقطا لاعتبار نفسه بالكلية كما اشار الى ذلك في حكم ولاية علي عليه السلام بقوله تعالى فلا وربك يا علي لا يؤمنون اي لا يقيمون ولايتك كما اريد حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا لك تسليما بان يسقطوا اعتبار انفسهم كما قال ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت وهذا ادنى مقام ما تقتضيه الولاية من الصدق فاذا غضب لله قبل ان يؤمر او لم يرق في موضع امر فيه بالرقة او لم يؤمر بالغلظ وامثال ذلك فقد توقف في ولاية علي عليه السلام والعبارة الظاهرة عن هذا التوقف قوله كيف اتولى من لم اره ولم اعرفه فاذا سمعت هذا ونحوه من اهل العصمة عليهم السلام فمعناه انه توقف او تردد في ولاية علي عليه السلام وهذا هو معنى ما روي ان الله وكله الى نفسه طرفة عين فكان منه التوقف الذي سمعت
ومنه قوله يا تنوخا كذبني الوحي وكذبت وعدي لقومي لا وعزة ربي لا يرون لي وجها ابدا بعد ما كذبني الوحي وهو من التوقف فلما لم يصبر وهو من التوقف وكل الى نفسه طرفة عين وهو من التوقف فلما دعا على قومه استثني جبرئل عن امر الله في هلاك قومه ولم يسمع يونس وكذا قال كذبني الوحي ولم يكذبه وانما اخفي عليه جبرئل حرفا وهو ان الوحي اتى اني انزل عليهم العذاب ولم يقل اني اهلكهم ولم يفهم هذا الحرف او ان الحرف الذي اخفاه جبريل هو قوله الا ان يشاء الله وهو الاستثناء كما يدل عليه الحديث المتقدم ولم يسمع يونس هذا الحرف لانه وكل الى نفسه طرفة عين ومعنى هذا انه بغضبه رجع الى نفسه فافهم فقد القيت اليك مفتاحا من مفاتح الغيب تفتح به كثيرا من مغلقات الغيوب ان عرفت الفتح
قال عليه السلام : وامرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر
الامر بالشيء الدعاء اليه والحث على اتيانه او فعله والمعروف الفعل الحسن الراجح الايقاع فيختص بالواجب والمندوب ويخرج المباح والمكروه لانهما غير راجحي الايقاع نعم مكروه العبادة الاصح انه يدخل في المعروف لان معنى كونه مكروها نقصان ثوابه لا انه لا ثواب فيه بل الحق ان ثوابه في نفسه لا ينقص وانما ينقص ثواب مقدماته وشروطه كما اذا حكم بكراهة الصلوة في الحمام فان الصلوة في نفسها لا ينقص ثوابها الا بمثل عدم الاقبال عليها وذلك لا يختلف في المسجد والحمام وانما النقص راجع الى الشروط والمقدمات فان الصلوة في المسجد وفي الثياب البيض ومتعمما مثلا افضل منها في الحمام وفي الثياب السود وغير متعمم فالصلوة المكروهة نقصت ثواب الثياب البيض وثواب المسجد وثواب التعمم ومع ذلك فثوابها في نفسها لم ينقص وان نقص ثواب شرطها وثواب زيادتها بالشرط المندوب فهي من الراجح فتدخل في المعروف ثم اذا عرفت هذا فنقول يمكن ادخال مكروه غير العبادات والمباح في الراجح فتكون من المعروف وذلك كما اذا فعل المباح لاذن الله في فعله والاخذ باباحته وفعل المكروه لان الله قد رخص في فعله ولا سيما اذا ثقل على النفس الاخذ بالرخصة في مثل مواضع الحاجة والضرورة لا لانه مرجوح عند الله وانه لا حاجة اولى من ترك ما يكرهه الله بل لان النفس اعتادت تركه او لئلا يعاب به عند من علم به من الناس وامثال ذلك فان الاخذ بالرخصة والحال هذه راجحة بل قد يجب الاخذ بالرخصة على من لا يجوز الاخذ بالرخصة وعليها في الفقه مسائل كثيرة وهو قوله صلى الله عليه وآله ان الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بفرائضه فخذوا برخص الله ولا تشددوا على انفسكم ان بني اسرائيل لما شددوا على انفسهم شدد الله عليهم ه فهم عليهم السلام امروا بالمعروف الذي هو الفعل الحسن الراجح الايقاع سواء تعلق بالقوابل في التكوينات في كل مرتبة ام بالامتثال في التشريعات في الاحكام وفي الطرائق وفي الحقائق وامرهم عليهم السلام بهذا المعروف الموصوف بما ذكرنا في كل عالم فانهم في التكوين الاول حين شيئهم وعينهم هم اهل الاداء والتبليغ فمن قبل عنهم كما امروه استقامت فطرته واعتدلت بنيته فبتلك الطينة الطيبة قبل الخير وذلك حين قدرهم وقد كان الناس امة واحدة يصلح كل واحد منهم لقبول الخير والشر فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين على ايدي محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وآله ومن لم يقبل عنهم خرج بعدم قبوله عنهم من حد الانسانية الى حد البهيمية فكانوا كما وصف في محكم كتابه ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون لاضطراب فطرته واعوجاج بنيته فلما كان يوم الجمعة بعد العصر هبطوا الى هذه الدار فجددوا ذلك العهد المأخوذ في العالم الاول في هذا العالم على حكم ما هنالك من احكام شرع التكوينات ومن نظام وجود التشريعات حتى اقاموا الدين وشادوا الحق المبين والمراد بكون المعروف هو الفعل الحسن الراجح الايقاع كونه حسنا في الوجود الواقعي التشريعي الذي هو روح الواقعي التكويني ليدخل فيه ما كان في نفس الامر الوجودي قبيحا اذا كان دافعا لما هو اقبح منه كالكذب لنجاة المؤمن فانه وان كان في نفس الامر الوجودي قبيحا الا انه اذا توقف الدفاع عن المؤمن عليه فانه يكون في الواقعي التشريعي الذي هو روح الواقعي الوجودي حسنا واجبا لا انه ينقلب لذاته فيكون حسنا بل هو باق على قبحه في نفس الامر الوجودي وانما حسن في التشريعي لانه هو كذلك عند الله ونظير ذلك ما قال الله سبحانه فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون مع انهم قد يكونون في نفس الامر الوجودي صادقين الا انهم عند الله في الواقعي التشريعي هم الكاذبون وهم في الحقيقة كاذبون لانهم لم يقبلوا من الله تعالى ما عاهدوه على قبوله منه من قبل والقبول منه هو روح الوجود التكويني
واعلم ان المعروف الذي كانوا يأمرون به انما وجب الامر به لانه فرع الولاية وفرع الولي واسمه العلي كما اشار اليه سبحانه وتعالى بقوله ان الله يأمر بالعدل وهو علي عليه السلام وهو الميزان على والقسطاس المستقيم وهو المعروف المأمور به اي باتباعه والقبول منه والتسليم له والرد اليه وبموالاته وموالاة اوليائه وبمعاداة اعدائه وهو معروف لانه ضد المنكر الذي هو الثاني وهو معروف لانه معرفة الله وبه يعرف الله وصاحب الاعراف الذي يدخل الجنة من عرفه ويدخل النار من انكره ومعروف عند كل الخلق وعارف لكل الخلق والنقطة تحت الباء التي بها تعرف الله لسائر خلقه وبها احتجب عنهم وبها عرفهم وبها عرفهم وبها تعارفوا وعليها تعارفوا وفيها تناكروا والاحسان وهو ابنه ابو محمد الحسن (ع) وايتاء ذي القربى وهو اخوه ابو عبد الله الحسين عليهما السلام ويجري لهما ما يجري لابيهما صلى الله عليهم اجمعين فهم المعروف المأمور به وهم الامرون بالمعروف والمعروف صفتهم والمعروف اسمهم والمعروف فعلهم والمعروف حكمهم والمعروف دينهم والمعروف سنتهم والمعروف فرعهم فهم الامرون بالحق والهادون بالحق وبه يعدلون وهم الحق قال تعالى وانه اي علي امير المؤمنين لحق اليقين فسبح يا محمد باسم ربك العظيم اي سبح الله باقامة ولاية علي امير المؤمنين عليه السلام فاستمسك بالذي اوحى اليك انك على صراط مستقيم وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون وهنا لطيفة ينبغي التنبيه عليها على سبيل الاشارة وهي ان الله سبحانه لما اجرى حكمته في ايجاد المخلوقات على كونهم مختارين في قبول الايجاد لانه لا يخلق الشيء الا على ما هو عليه وما هو عليه لا يتحقق الا اذا قبل باختياره ولو خلق على غير اختياره لم يكن على ما هو عليه بل يكون على ما فعل الله عليه وما فعل الله عليه يقتضى الا تختلف آثاره لانه ليس بمختلف بل يجب الا تتعدد آثاره لانه واحد بسيط لا اختلاف فيه ولا تعدد فيه ولا في جهته وقد بسطنا هذا في بعض رسائلنا كالفوائد وغيرها فاذا عرفت هذا فاعلم انه لا بد من اعتبار اختيار المصنوع ولا يكون ذلك الا لشيء منه او عنه وهذا الذي قلنا باعتباره في الاختيار من القوابل ومتمماتها ومكملاتها منه ما هو شرط لا يتحقق القبول الا به كالماهية وكمتمماتها كالوقت والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف ومنه مكملات قد يوجد الشيء بدونها ولكن لا يكون كما ينبغي على اكمل وجه الا بها وبقدر ما يحصل منها يحصل الكمال وهذا حكم جميع ما هو وجود وموجود من التكوينات وتشريعاتها ومن التشريعات ووجوداتها فما كان شرطا وجب حصوله عندها فيجب في الحكمة على الحكيم ان يأمر المكلف به امر ايجاب لتوقف المشروط على الشرط والمكلف لا يعرف ما ينفعه مما يضره الا اذا امر به واذا كان للشرط افراد فيجب ان تكون تلك اللطيفة التي هي حصة من الشرط موجودة في كل فرد منها فيؤمر بكل فرد منها وهذا هو المسمى في الشريعة بالواجب وعندنا هذا في التكوينات والتشريعات واجب واذا كان ذلك ما نعا على هذا النحو فيجب النهي عنه وهو الحرام والقول في تفصيله وبيانه كما في الواجب وان كان على العكس لان هذا موجب وذلك مانع وان كان متمما للموجب او المانع وجب اعتباره في الموجب والمانع اذا لم يكن بدل كالامور الستة مثلا وجب اعتبارها في الماهية وان كان له افراد وجب اعتبار كل افرادها في الماهية لئلا تفوت منها حصة معتبرة في الماهية كما قلنا في الماهية وهذا واجب في الواجب وفي المانع واجب في المانع فيجب النهي عنه كما يجب النهي عن المانع وان كان مترتبا عليه واما المكملات فعلى قسمين قسم في بعض افراده متمم دون بعض وهو جار في الموجب والمانع وهذا يكون الامر به ليس على جهة الوجوب والنهي عنه في المانع ليس على جهة التحريم لانه وان كان في بعض افراده حصة متممة والمتمم لا يستغني عنه الا انه لما كان التكليف بكل الافراد حرجا لانه قد يستغنى عنه كما في البعض الخالي في نفس الامر عن المتمم ومثل ذلك منفي بالكتاب والسنة والتكليف بخصوص ما فيه الحصة المتممة حرج ايضا لان المكلف لا يقدر على الاطلاع على ذلك مع اصالة عدم التكليف بذلك لانه مبني على التخفيف يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر كان مقتضي ذلك اما ان يسقط عنهم التكليف ويعوضهم بصدق النية بانه لو كلفهم باحد التكليفين قبلوا وتحملوا بان يتمم لهم نقص ذلك من فضله بتهيأهم لقبول التكليف الشاق واما ان يسقط عنهم التكليف ولا يعوضهم ولما تمدح سبحانه بانه عظيم الفضل واسع الرحمة يعطي الكثير بالقليل كان ذلك دليل الدعاء اليه والترغيب في خيره فاسقط ذلك التكليف وقوي بفضل كرمه الضعيف فالحق بفضله ما في بعضه المتمم بالمكمل البحت في التكليف وبالشرط بالتفضل وقسم ليس في شيء من افراده شيء من التتميم وانما هو تكميل للصنع الطبعاني وذلك كالسواك والمضمضة والاستنشاق والتمشط والتكحل ولبس السراويل قاعدا والتعمم قائما ولبس النعل اليمنى قبل اليسرى والخلع بالعكس وامثال ذلك وقد اشرنا الى هذا فيما سبق من ان جميع المستحبات والاداب من المتممات والمكملات وذلك في التشريعات والتكوينات وهذا القسم ايضا ليس الامر فيه على جهة الوجوب وليس النهي فيه على جهة التحريم لعدم توقف الصنع الطبعاني عليه ولا على ما قبله كما قلنا نعم يتوقف عليهما فيمن يراد من ايجادهم الكمال والتكميل كالانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والخصيصين من المؤمنين ولهذا يكون وقوع غير الاولى وترك الاولى مثل ما اشرنا اليه تقصيرا في حقهم ويسمى عصيانا كما هو معروف ولهذا قال عليه السلام حسنات الابرار سيئات المقربين ويكون الوجوب عليهم والتحريم انما هو في انفسهم خاصة لان التكليف العام لا يكون فيه خصوص الا بالتخصيص وما يراد منهم بالخصوص انما ينزل على نفوسهم على جهة الخصوص والنهي عن فعل الشيء قد يقال انه لا يمكن الا مع الفعل او بعد الشروع في الفعل والا فهو وارد على ما ليس بشيء فلا اثر له لان ترك الفعل عدم ولا اثر للقدرة عليه فيكون المطلوب هو الكف عن الفعل المنهي عنه وقيل المطلوب بالنهي هو ترك الفعل لان العقلاء تمدح تارك الزنا وتعده ممتثلا بمجرد الترك من دون ملاحظة الكف واثر القدرة الاستمرار عليه المقارن له ولو اريد الكف لما حصل له ثواب على الكف بدون ملاحظته ولعل المطلوب هو ما في الاستطاعة الامكانية لان الاستطاعة الفعلية لا تكون الا مع الفعل لا قبله ولا بعده فهو بالاستطاعة الامكانية يكلف في جميع ما يراد منه فعله وتركه فالامر يتوجه الى فعل وجد تصوره في ذهن الامر والمخاطب والنهي يتوجه الى ترك فعل وجد تصوره في ذهن الناهي والمخاطب وكان هذا التصور الذهني فيهما هو طريق الطالب وامتثال المخاطب في الفعل والترك والتصور الذهني من الامر او المخاطب موجود بالفعل والفعل المطلوب فعله او تركه ممكن لا يتوقف الا على الاستطاعة الامكانية وهي حاصلة للمخاطب قبل الخطاب وحين الخطاب مستمرة وحدها الى ان يشرع في الفعل او الترك فتحدث معها الاستطاعة الفعلية الى ان يفعل وما دام تاركا ثم تنقضي الفعلية بانقضاء الفعل او الترك والامكانية باقية فاذا كان الفعل المطلوب فعله او تركه ممكنا وطريقه الى الوجود او العدم يعني طريق المخاطب الى ايجاد الفعل ان شاء وتركه ان شاء كان ذلك الفعل واقفا على برزخ الظهور والخفاء فاذا امتثل المخاطب بالامر اخرجه من ذلك البرزخ التهيأي الى الوجود واذا امتثل المخاطب بالنهي انزله من ذلك البرزخ التهيأي الى الخفاء وانما قلنا الظهور والخفاء وان كان معناهما الوجود والعدم لئلا يتوهم ان العدم هنا هو النفي المحض الصرف الذي يعنون به ضد الوجوب وهذا غلط منهم فان ذلك ليس شيئا ولا يخرج منه شيء ولم توضع له عبارة ولا اسم وانما توضع لعنوان محدث احدثه الله تعالى بمقتضي اهوائهم واوهامهم وانما هذا العدم مخلوق امكنه الله بمشيته فالاشياء ليست شيئا الا اذا البست حلة الكون وهو قول علي عليه السلام في خطبته يوم الغدير والجمعة وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته واما في الامكان قبل ان يلبسه حلة الوجود فتمكن شيئيته فهو شيء بالقوة والصورة اول العلم به ليس قبله الا الوجه الذي لا يفنى وهو ما في المشية لانها وان كانت منتزعة وظلا الا انها انتزعت من امكانه عند جميع اسباب وجوده وذلك حكم تام في المشية لكل شيء في وقته ومكانه وهذا وجهه الذي لا يفنى وتلك الصورة الذهنية منتزعة من هذا الوجه لانه هو الخزانة العليا التي ليس وراءها له ذكر بكل اعتبار وفرض فلما كان ذلك الفعل معلقا بصورته الذهنية المنتزعة من الخزانة الاولية كان المطلوب بالامر اخراجه من ذلك البرزخ الى الظهور والمطلوب بالنهي انزاله من ذلك التعلق الى ما في المشية من امكانه فيكون المطلوب بالنهي وجوديا كالمطلوب بالامر وهذا احد الوجوه والثاني الصورة في النفس والوجه معناها في العقل والثالث الصورة في الخيال والوجه ما في اللوح المحفوظ من الصورة الجوهرية والرابع مواد مصادرها العنصرية التي هي محال قواها والوجه استقصاتها التي تعود اليها فتفهم ما قلنا يظهر لك ما اردنا
فقوله عليه السلام : ونهيتم عن المنكر يريد به ان المنكر الذي هو ضد المعروف في التكوينات والتشريعات قد نهوا عنه ودلوا المكلفين على طرق التخلص منه لانه هو المانع من الاكوان الوجودية والشرعية كما قال تعالى في ذكر النهي عن شرب الخمر قال تعالى انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل انتم منتهون فاخبر سبحانه بان الخمر يغير الطباع ويوقع الشيطان بسبب تغييرها العداوة والبغضاء ويصد عن الدين فكان شربها ما نعا من وجود الصداقة والمحبة ومن الصلوة وذكر الله والمنكر الذي نهى سبحانه عنه المحرمات من كل ما ورد الشرع الشريف بالنهي عنه من المحرمات التي جاء الشرع الشريف بالنهي عنها من الكبائر والصغائر حتى اللمم فان جميعها موانع اشرنا اليه وانما نهى سبحانه لعلمه انها تمنع من صلاح الكونين قال تعالى في تمام الاية المتقدمة وينهي عن الفحشاء كالزنا ونكاح المحارم والمساحقة واللواط وكل مستقبح في الفعل والقول والبخل كما قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وكل سوء جاوز حده فهو فاحش وروي ان الله يبغض الفاحش المتفحش قال في النهاية قد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وقد يكون الفحش بمعنى الزيادة والكثرة ومنه حديث دم البراغيث ان لم يكن فاحشا فلا بأس ومثله ان كان الالتفات فاحشا في الصلوة اي كثيرا انتهى وهذا في الظاهر وفي الباطن هو صاحب الولاية الاولى المذكورة في قوله تعالى بل تؤثرون الحيوة الدنيا فانه هو المراد بالفحشاء لانه تجاوز في القبح في السريرة والقول والعمل الى حد ما وصل اليه خلق من خلق الله كما دلت عليه روايات اهل العصمة عليهم السلام وقد كنى عنه ابو محمد العسكري عليه السلام بما يدل على ذلك فقال (ع) ابو الدواهي وفي ما بين الظاهر والباطن ما يجري على الخواطر وتكن الضمائر وتنطوي عليه السرائر مما لا يحبه الله وامر بضده وبغيره من سوء النيات وتصور الامور القبيحات اذا مال اليها بالاختيار والطلب لا بالوسوسة والنجوى وهو كاره لها فان ذلك مما عفى عنه ورفع اثمه عن هذه الامة المرحومة امة محمد صلى الله عليه وآله امة الاجابة وهم الشيعة من قوله تعالى استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم اي اذا دعاكم للولاية كما قال تعالى او من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس اي اماما يهتدي بنوره واما غير امة الاجابة فلم يجر لهم من الله تخفيف وهو السر في قوله تعالى آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون ولم يقل وسائر الامة او والناس لانه سبحانه انما خص بالتخفيف نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين فهذه من الفحشاء المنهى عنها والمنكر اي الشيء القبيح الفظيع الذي تنكره النفوس او النفوس الطيبة وقوله تعالى ان انكر الاصوات اي اقبحها وقوله تعالى وتأتون في ناديكم المنكر اي الخذف بالحصى فمن اصابه نكحوه والفحش في الكلام والسباب ولعب القمار وضرب المعازف والصفق بالايدي واللعب بالديكة وعن الرضا عليه السلام في قوله وتأتون في ناديكم المنكر كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء وروى القمي كان يضرط بعضهم على بعض ومنكر ونكير يسألان الميت في قبره سميا بذلك باسمي صفتي ذنب الانسان فانه اذا اذنب انكر غيره فالملك السائل عن هذا نكير وغيره ينكر عليه لذنبه فالملك السائل عن هذا منكر والى هذا الاصل اشار عليه السلام بقوله هيهات ما تناكرتم الا لما بينكم من الذنوب والمنكر خلاف المعروف وانكره ضد عرفه وفي الحديث في معوية تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بعقل فهم عليهم السلام نهوا عن المنكر بكل معنى على كمال ما ينبغي مما اشير اليه ومما لا يشار اليه ظاهرا وباطنا اما الظاهر فالعمل واما الباطن فهو الحمار يحمل اسفارا والى ذلك اشار بقوله تعالى ان انكر الاصوات لصوت الحمير اي اقبح وانكر لانه كان فظا غليظ القلب فهو المنكر لان عدده ثلثمائة وعشرة وقد اشار الى ذلك امير المؤمنين عليه السلام في جواب السائل الذي سأله وهو كافر فقال اخبرني عن نصف الشيء فقال مؤمن مثلي فقال اخبرني عن شيء فقال كافر مثلك ه لان شيء ثلثمائة وعشرة وهو منكر وهو الحمار في الاية والحمير في الاية الاخرى وقوله منكر لانه هو صوت الحمار فلا ينطق بالمعروف ابدا وان تلفظ بلفظ معروف فهو منكر عند نفسه لانه لم يرد به الا المنكر وقد كنى عنه ابو محمد الحسن العسكري عليه السلام في تفسيره بقوله ابوالشرور اللهم زخه الى ما قدرت له في حكيم قدرك وزده من مد شمال قدرتك حتى ترضي يمين قدرتك وما بين الظاهر والباطن ما يجري على الخواطر وتكن الضمائر وتنطوي عليه السرائر مما لا يحبه الله ونهي عنه من سوء النيات وتصور الاشياء القبيحات اذا طلبها مختارا كما تقدم فهذه من الامور المنكرة التي نهي عنها وتعرف الفرق بين البرزخين كل باصله وهم عليهم السلام قد نهوا عن المنكر وعن استماع قوله وعن الميل الى ما في الخواطر والي شيء من طريقته وعن العمل بشيء من فروعه وهي المذكورة في المناهي في القرءان والاحاديث والبغي يعظكم لعلكم تذكرون في قوله تعالى وما كانت امك بغيا البغي المرأة الفاجرة ولا يقال للرجل بغي والبغي في الاية بسكون الغين طلب الظلم والفساد والحسد ولعله انما خص الثالث به لشدة بغيه من قوله تعالى غير باغ ولا عاد فانه باغ للميتة وطالب لها وهو يجد غيرها وهي الدنيا كما في قصة النبي حنظلة عليه السلام عن الرضا عليه السلام وعاد يعدو شبعه منها بل لا يشبع ابدا بل لا يكاد يأكل من غيرها فانهم لاكلون منها فمالئون منها البطون فالبغي بسكون الغين صورة الظاهر في الظلم من قوله وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون وفي الفساد من قوله تعالى ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون وفي الحسد من قوله تعالى ام يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله وبكسر الغين معنى الباطن لان البغي هي المرأة الفاجرة ولا يقال للذكور وجرى عليه هذا حيث ادعي ما ليس له وقعد مقعدا ليس له باهل وذلك من قوله تعالى ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله وروى محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن محمد بن اسمعيل الرازي عن رجل سماه عن ابي عبد الله عليه السلام قال دخل رجل على ابي عبد الله عليه السلام فقال السلام عليك يا امير المؤمنين فقام على قدميه فقال مه هذا الاسم لا يصلح الا لامير المؤمنين عليه السلام سماه الله به ولم يسم به احد غيره فرضي الا كان منكوحا وان لم يكن ابتلى به ابتلى به وهو قول الله في كتابه ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا قال قلت فما يدعى به قائمكم قال السلام عليك يا بقية الله السلام عليك يا ابن رسول الله ه وايضا البغاء بالكسر والمد الزنا وبغيت الشيء ابغيه بغيا طلبته والاسم البغاء بالضم كغراب والفئة الباغية الخارجة على الامام الحق عليه السلام ومنه حديث يا عمار تقتلك الفئة الباغية وحكم برزخ البغي كحكم برزخ الفحشاء والمنكر وقوله تعالى يعظكم لعلكم تذكرون يعني ينهاكم عن الفحشاء والمنكر والبغي بعد ان امر بالمعروف الذي هو العدل ضد الفحشاء الذي هو الاعتداء والاحسان ضد المنكر الذي هو الاساءة وايتاء ذي القربى ضد البغي الذي هو طلب الميتة كما تقدم وهذا النهي بعد ذلك الامر اقرب لكم الى الانتفاع بالذكرى فانها تنفع المؤمنين فهذه الثلاثة اعني الفحشاء والمنكر والبغي ظاهرها وباطنها وما بينهما من البرازخ يطلق عليها المنكر الذي هو ضد المعروف وهم عليهم السلام امروا بالمعروف ظاهره وباطنه في الاوصاف الثلاثة وما بينهما بكل معنى في الكونين على كمال ما ينبغي ونهوا عن المنكر كذلك صلى الله عليهم اجمعين
قال عليه السلام : وجاهدتم في الله حق جهاده
هذه الفقرة من قوله تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده فانه سبحانه خاطب المؤمنين بالعموم وعنى ال محمد صلى الله عليه وآله بالخصوص قيل في الاية في الله اي في عبادة الله وقيل الجهاد بمعنى رتبة الاحسان ومعنى رتبة الاحسان هو انك تعبد ربك كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ولذلك قال حق جهاده اي جهادا حقا كما ينبغي بجذب النفس وخلوصها عن شوائب الرياء والسمعة مع الخشوع والخضوع والجهاد مع النفس الامارة واللوامة في نصرة النفس العاقلة المطمئنة وهو الجهاد الاكبر ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وآله انه رجع عن بعض غزواته فقال رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر انتهى وهذه الغزوة غزوة تبوك وقيل في قوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين اي جاهدوا الكفار ابتغاء مرضاتنا وطاعة لنا او جاهدوا انفسهم في هواها خوفا منا وقيل معناه اجتهدوا في عبادتنا رغبة في ثوابنا ورهبة من عقابنا لنهدينهم سبلنا اي السبيل الموصلة الى ثوابنا وقيل لنوفقنهم لازدياد الطاعات ليزداد ثوابهم وقيل والذين جاهدوا في اقامة السنة لنهدينهم سبيل الجنة وقيل والذين يعملون بما يعلمون لنهدينهم الى ما لا يعلمون وقيل معناه جاهدوا في حقنا ليشمل جهاد الاعادي الظاهرة والباطنة لنهدينهم سبلنا سبل السير الينا والوصول الى جنابنا وفي الحديث من عمل بما علم ورثه الله علم ما لا يعلم وان الله لمع المحسنين بالنصر والاعانة القمي جاهدوا فينا اي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله لنهدينهم سبلنا لنبوئنهم وعن مولينا الباقر عليه السلام هذه الاية لال محمد واشياعهم وفي المعاني عنه عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام قال الا واني مخصوص في القرءان باسماء احذروا ان تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم انا المحسن يقول الله تعالى وان الله لمع المحسنين
اقول الجهاد عند المتشرعة بذل النفس والمال لاعلاء كلمة الاسلام واقامة شعائر الايمان وهذا هو الجهاد الاصغر وهو جهاد الكفار والمشركين والناصبين والباغين والعادين والخارجين على الامام وامثالهم واما الجهاد الاكبر فهو جهاد النفس فان اعدي اعدائك نفسك التي بين جنبيك كما في الخبر وجهادها بالرياضات وهي قسمان قسم وضعوه اصحاب السيمياء والهيمياء والجوكية واصحاب السحر والاعمال التي يتوقف استعمالها على تسخير الملائكة والجان والشياطين والحيوانات بل الجمادات والنبات وغير ذلك مما هو معروف عند اهله ليتوصلوا بتسخير الارواح وبقوة نفوسهم على سائر مطالبهم ومنها رياضات اهل التصوف ليجردوا انفسهم لتنكشف لهم الاسرار وحقائق الاشياء اما الاولون فعملوا تلك الرياضات لمقاصدهم لم تكن لله تعالى في شيء ولم يقصدوا بها شيئا مما لله فحالهم معروف والمجاهدة للنفس بهذا النحو باطلة يضل الله بها اهلها عن سبل الرشاد واما الاخرون الذين هم الصوفية فاكثرهم له مقاصد ترجع الى نحو ما قصد الاولون ويظهرونها على صورة ما لله من المجاهدة وقد شيدوا هذا الاظهار بمختلف اقوالهم ومتناقض اعمالهم واحوالهم وكلامهم ومتشابه هيئاتهم ويفعلون المعاصي بعد ان يرتبوا لهم قواعد مثل واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ويقررون ان العبادة والطاعة انما هي نفقة الطريق الى الله تعالى فاذا وصل لم يحتج الى شيء من العبادات لان نفسه هي ذات الله من جهة الحقيقة وان مخلوقيتها موهومة فله حقيقة ومجاز حقيقته هو الله ومجازه هو كونه مخلوقا وعبدا وذلك موهوم ففي الطريق لا بأس بالعمل فانه صورة وصفة وهي ترجع الى مثلها وهو المجاز فاذا وصل واتصل كان هو الله ولا يعبد احدا ومن هنا قال شاعرهم :
انا ذلك القدوس في قدس العماء محجب
انا قطب دائرة الرحى وانا العلي المستوعب
انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب
وبكل صوت طائري في كل غصن يطرب
الى ان قال :
واقول اني خلقه والحق ذاتي فاعجبوا
نفسي انزه عن مقالتي التي لا تكذب
الله اهل للعلى وبريق خلقي خلب
انا لم اكن هو لم يزل ولأي شيء اطنب
ضاع الكلام فلا كلام ولا سكوت معجب
جمعت محاسني العلا انا غافر والمذنب
فتأمل سوء مقصدهم من هذه وامثالها فانهم اذا وصلوا الى هذا المقام عندهم لا يعبدون لان الشيء لا يعبد نفسه بلا فرض مغايرة هي في مقام اليقين ولذا قال تعالى واعبد ربك يعني في مقام المجاز وهو الطريق اليه لانه هو مقام فرض المغايرة حتى يأتيك اليقين وهو الفناء في الله والاتحاد به وهو مقام عدم المغايرة ومثل ميلهم الى الغنا والنغمات وضرب الطبول ويتعللون بان النفس خلقت من الحان الافلاك في حركاتها الموسيقية فاذا اصغت اليها انجذبت الى ما يشاكلها فتذكرت نشأتها واعرضت عن المشاغل الدنياوية فادركت المعارف الالهية ويقولون انا ننظر الى المردان الجميلة لنشاهد فيها آثار الجمال الالهي وكل هذه تمويهات النفس والشيطان دعتهم اليها شهوات نفوسهم الخبيثة لا يريدون بها شيئا لله ولا لشيء من طاعته بل للشيطان ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون فهذه الرياضات طرق الشيطان الى النار ومنهم من يرتاض برياضاتهم ويقتدي بهم في اعتقاداتهم ويأول من كلامهم ما يظهر له فساده لحسن ظنه بهم وان كانوا لا يعلمون من اعمالهم مثل الغنا واستعمال الملاهي وترك العبادات وفعل المعاصي فهؤلاء رياضاتهم باطلة كالذين من قبلهم وان كان بعض هؤلاء قد يستعمل هذه الرياضات الباطلة لله بمعنى انه يحسب انها توصل الى ما يحب الله ويستدل في نفسه وعلى خصمه بمثل عموم الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها اخذها وبما يلفق من مأخذ عقلية يطول الكلام بذكرها بلا فائدة وهو عمل باطل لان المؤمن ليس له ضالة الا طريقة الائمة الهداة عليهم السلام ولو لم يقرروا طريقة الحق لكان لقائل ان يقول انهم حصل لهم بالادلة والقرائن ان طريقة اولئك هي طريقة الهادين او توصل الى طريقتهم ولكنهم عليهم السلام قد دلوا على الطريقة الحقة في المأكل والمشرب والملبس والنكاح والعلوم والاعمال ولم يتركوا شيئا يوصل الى الله تعالى الا دلوا عليه وامروا به وعملوه ونهوا عن طريقة اهل الباطل وهم اهل السحر باقسامه واهل التصوف وعن اتباعهم وتأول كلامهم والميل اليهم والتسمي باسمائهم وامروا بالبراءة منهم وممن يأول كلامهم ويميل اليهم ويتسمى باسمائهم الا للتقية كما دلت عليه احاديثهم فلا تكون طريقتهم الباطلة ضالة للمؤمن بحال واما ادلتهم العقلية فباطلة لان تلك العقول مكتسبة من الباطل فتثمر من جنس بزرها وبالجملة فرياضات هؤلاء كلهم باطلة توصل الى الباطل وان قصد بها الجاهل المجاهدة في الله لانها في حقيقتها مجاهدة في الشيطان ولهذا حصل لهم كشف عن طرق الباطل فكانوا يقولون ان علم الله مستفاد من المعلوم والمعلوم انت واحوالك وان الله سبحانه ما اوجد الا نفسه وان حقيقة الخلق عين الحق سبحانه ولان مشية الله احدية التعلق وهي تنافي اختيار الحق سبحانه فليس له في مخلوقه الا شيء واحد وان اهل النار يؤل امرهم الى النعيم وان كلام الله قديم ليس هو غير ذاته وغير ذلك من الاعتقادات الشنيعة وما سمعت بعضه من الاعمال الفظيعة لانهم انما دعاهم الى هذه الامور التكبر عن طاعة ائمة الهدى عليهم السلام والاستنكاف عن ولايتهم فلا تلمهم ولم من يدعي من شيعتهم وطريقته طريقة اعدائهم فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور والقسم الثاني من الرياضات ما اسسه محمد واهل بيته الطاهرون صلى الله عليه وعليهم اجمعين وهي ما سنه الله تعالى لهم ودلهم عليه من آدابه وبينه لهم في كتابه ومجمله ان تأكل كل ما تشتهي نفسك من الحلال ناظرا الى اباحة الله واذنه او ندبه اليه لتقوى به على طاعة الله سبحانه مقتصرا على ما يخرجك عن الجوع المشغل والشبع المثقل مؤديا لشكر تلك النعمة بالحمد لله على نعمه وملاحظة انها منه وحده ابتدأك بها كرما وجودا ومجتنبا من ذلك كل ما نهى الله عنه وعن كل شبهة وكل مباح يؤدي اليهما ولو في الاحتمال او تميل معه نفسك الى الشهوات التي تطلبها نفسك لغير طلب الاباحة والاذن والندب من الله للتقوية على الطاعة بل لمجرد الشهوة الحيوانية او العادية فقد قال عليه السلام اياكم وموائد الملوك فان لها ضراوة كضراوة الخمر حابسا نفسك وشهوتك على ما لله او ما يؤدي الى ما لله تعالى والشراب واللباس والنكاح كذلك وينبغي لك الخلوة عن الناس وهي خلوة اهل البيت عليهم السلام لا خلوة الصوفية والرهبانية بل هي ان تخلي قلبك عن كل ما سوى الله تعالى الا ما كان لله من صلوة وعبادة وذكر وفكر وذكر موت واعتبار كما قال تعالى اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم وقوله عليه السلام المؤمن كلامه ذكر وصمته فكر ونظره اعتبار بمعنى انه لا يتكلم الا فيما يعنيه بان يقصر كلامه على ما كان من امر الدين وامر الاخرة وما كان من امر الدنيا على اقل ما يكفيه من الكلام واذا صمت فكر فيما يراد منه وكيف يرضي مولاه في كل ما يتعلق به من احوال العبادة والعبودية وفي كيفية الاستعداد للقاء مولاه بما يرضى به عنه وكيفية التخلص والانفصال واللحوق والاتصال واذا نظر اعتبر في المصنوعات عظمة الصانع واختلاف خفي تدبيره وسرعة حلول مقاديره من الغني والفقر والصحة والسقم والهداية والضلالة والسعادة والشقاوة والفرح والحزن والرضى والغضب والموت والحيوة وفي تقلب احوال الدنيا وفي الموت وما بعد الموت ويقرأ كتاب الله فيرى سنة الماضين علم اليقين او عين اليقين ويرى من نجا بما نجا ومن هلك بما هلك وبالجملة يعيش في هذه الدنيا غريبا لا يعرف احدا وان كان بين الناس وبين اهله واقاربه ومع هذا فلا يترك التكسب وطلب الرزق من الوجه الحلال ومنه انه لا يلهيه طلب الحلال عن ذكر الملك المتعال بل يجمل في الطلب كما قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ويجتهد في طهارته وفي صلاته لا على جهة الهوس والوسوسة بل على جهة شدة الاعتناء بشأن خدمة الملك الجبار جل جلاله باخلاص النية له والتزام الاداب الالهية كأنه بين يدي الله سبحانه وبالصدق مع الله في كل المواطن بحيث لا يفقده حيث يحب ولا يجده حيث يكره فاذا وقع خلاف ما وصفنا فليعلم ان هذا شأنه لشدة فقره ولا ملجأ للفقير الا الغني وليندم على ما فرط ولا يشتغل بغم ما مضى عن الاهتمام بما يأتي ثم لا يستحقر صغيرة من طاعة او معصية من الواجبات والمحرمات ومن المندوبات والمكروهات ومن الاداب والسنن مما هو شرط في الكونين كون التشريع وكون التكوين او متمم لشرط او مكمل له او متردد بينهما ولا يزال كذلك حتى يلحق بالذين صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى والى هذا الاشارة بقوله تعالى ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث وقال عليه السلام وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه اقول اذا قام بكل الاداب كان ممن عناه علي عليه السلام بقوله فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد الخ وان قام بالبعض كان له البعض كل بنسبته وهم عليهم السلام من اهل القسم الاول وبمثل ما ذكرنا يجاهد العاقل نفسه وقد جاهدوا عليهم السلام في الله سبحانه الكفار والمنافقين وجاهدوا انفسهم حق الجهاد على حد يقصر عنه جميع العباد وذلك لان الله سبحانه اجتباهم من جميع الخلق وآتيهم من نعمه ما لم يؤت احدا من العالمين فطلب منهم شكر تلك النعم فاوحى اليهم وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم فقاموا بامره كما امرهم فاخبر عليه السلام عنهم بذلك الوفاء الذي هو غاية الشكر بقوله وجاهدتم في الله حق جهاده
قال عليه السلام : حتى اعلنتم دعوته وبينتم فرائضه واقمتم حدوده
اعلن بمعنى اظهر ونشر والدعوة بمعنى الدعاء والسؤال ومنه اجيب دعوة الداع اذا دعان اي سؤاله لخلقه وعليه فهي مضافة الى ضمير الفاعل والسؤال هو قوله تعالى الست بربكم حين سألهم قبل ان يخلقهم كل واحد في وقت وجوده ومكان حدوده لما سألوه بلسان امكانهم وهم عليهم السلام اذ ذاك هم الداعون السائلون لانهم تراجمة وحيه ولسانه المعبر عنه وهم اصل مواد الخلق التي بالسنتها الاجابة الامكانية والتكوينية فسمع دعوة الله سبحانه من السنتهم عند الاداء والتبليغ عنه سبحانه كل شيء ولانهم الاعضاد والاشهاد والمناة المقدرون والاذواد والحفظة والرواد فقد اعلنوا دعوة ايجاده حتى ظهرت في كل شيء وانتشرت في سائر اقطار الاكوان واعلنوا دعوة امكانهم بالسنة قبولهم بالارشاد والامداد لانهم الاعضاد او يكون المراد سؤاله اي سؤالهم له وعليه فهي مضافة الى ضمير المفعول وذلك حين سألوه بعد ان امكنهم قبل ان يخلقهم بالسنة امكاناتهم بعبارات قبولهم كل في وقت وجوده ومكان حدوده فاعلنوا دعوته اي دعوة خلقه اياه سبحانه اي اظهروها ونشروها باثار هياكل توحيدهم عليهم السلام هذا في حكم التكوين واما في التشريع فدعوته لهم اذا اريد منها معنى السؤال يكون المراد به انه جل وعلا كلفهم بالامر والنهي وما ندب اليه وكرهه تخييرا لانه سبحانه لم يرض ان يطاع باكراه لعدم تحقق الطاعة مع الاكراه كما انه لم يعص بغلبة لعموم قدرته فكان المكلف بامره ونهيه غير مجبور بل هو مختار في الامتثال بامره والاجتناب عند نهيه لتتحقق الطاعة والمعصية ولهذا ورد خطابه لهم في التكليف بصورة السؤال فقال الست بربكم قالوا بلى مختارين للقبول منه والائمة عليهم السلام عيبة علمه تعالى ومستودع سره وامناء نهيه وامره فبلغوا عن الله ما امرهم بتبليغه حتى اعلنوا دعوته ولما كانوا حملة ولاية الله والقوام بامره ونهيه كان اتباعهم يهدي الى الحق والى طريق مستقيم وهذا لهم ليس غيره الا الضلال وهو قوله تعالى فماذا بعد الحق الا الضلال فمن اقتدى بهم اهتدى الى طاعة الله والى اجابة دعوته وقد حثوا على ذلك وبالغوا في الدعاء الى الله حتى اعلنوا دعوته على المعنى الثاني الذي قلنا فيه ان دعوة مضاف الى ضمير المفعول بمعنى الاستجابة لله وللرسول (ص) كما في قوله تعالى استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم وكلما يلحظ في التكوين يلحظ في التشريع وبالعكس
والدعوة ايضا من دعاه بمعنى ناداه اي طلب اقباله ويصح في هذا المعنى الوجهان السابقان اي ان الله سبحانه طلب اقبالهم عليه ليقبلوا منه ظاهر فيضه وامداده الذي به كونهم وبه قوامهم والائمة صلى الله عليهم هم الوسائط في ذلك الطلب وهم المبعوثون به وهم المترجمون له وهم المؤدون الى خلقه وهم المبلغون فيضه اليهم وحيث كان ذلك المدد والفيض لا يكون الا فيهم ولا تصل آثاره الى العباد الا عنهم وبهم وطلب منهم التبليغ وبلغوا عنه ما اراد منهم من التبليغ ظهر انهم اعلنوا دعوته على نحو ما اشرنا اليه مما تقدم من ان المواد من شعاع انوارهم والقبول من آثار هياكلهم وليقبلوا منه باطن فيضه وامداده الذي به حيوة كونهم وبه قوام ذواتهم وهم عليهم السلام اولوا امر الله ونهيه واولياء احكامه وحفظة شرائعه المبعوثون بدينه الداعون الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة فحضوا على الرضى وبالغوا في الاداء ودعوا الى طاعة الله وعبادته وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر حتى اقاموا الدين في السموات والارضين وهو قولهم الحق بنا عرف الله ولولانا ما عبد الله وقول الحجة عليه السلام في دعاء رجب فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت فقد اعلنوا دعوته حين دعا عباده الى معرفته وعبادته
والدعوة ايضا العبادة وفي الخبر الدعاء هو العبادة ويكون المعنى انهم اعلنوا عبادته اما منهم فلانهم عبدوه حق عبادته وجاهدوا فيه حق جهاده واما من الخلق فلانهم اسسوا لهم العبادة وامروهم بها واصطبروا عليها بل لم يقبل من احد من خلقه عبادة الا ما وافقت ملتهم وسنتهم كما امروا مصاحبة لولايتهم ومحبتهم وفي حديث علي بن الحسين عليهما السلام وقد سئل كيف الدعوة الى الدين فقال تقول بسم الله الرحمن الرحيم ادعوك الى الله والى دينه ثم قال وجماعه امران احدهما معرفة الله تعالى والاخر العمل برضوانه وان معرفة الله ان يعرف بالوحدانية والرأفة والرحمة والعزة والعلم والقدرة والعلو على كل شيء وانه النافع الضار القاهر لكل شيء الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وان محمدا عبده ورسوله وان ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى وما سواه هو الباطل فاذا اجابوا الى ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين اقول جماع الدعوة امران كما ذكر عليه السلام ومعرفة الله تدور على شيئين احدهما ما اشار اليه عليه السلام بقوله ان يعرف بالوحدانية الخ وثانيهما المراقبة وحفظ السر وذكر الله على كل حال واما العمل برضوانه فهو القيام باوامره واجتناب نواهيه على ما حددوه من حدود الله وقوام تلك الحدود ولايتهم والاقتداء بهم والأخذ عنهم والتسليم لهم والرد اليهم والتفويض اليهم ومحبتهم بالقلب واللسان والاركان والاعتصام بذمتهم والبراءة من اعدائهم واعتقاد ان الاعمال والمعارف لا تفيد شيئا الا بما ذكر بل تكون بغيرها معاصي وهباء منثورا ولا يكون العمل برضوانه كما ذكرنا مقبولا الا بمعرفتهم ولا تقبل معرفتهم الا بمعرفة الله كما وصف نفسه على السنتهم ولا تقبل معرفة الله الا بمعرفتهم فجماع الدعوة امران كل واحد منهما مرتبط بالاخر بل شرط له وركن له كما ذكرنا ففي الحقيقة هم اعلنوا دعوته بكل معنى على كل نحو وفي حق الحقيقة الله سبحانه اعلن بهم دعوته كذلك والي هذا المعنى اشار في دعاء شهر رجب بقوله فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت ولو اراد خصوص الاول الذي هو الحقيقة لقال فملئوا سماءك وارضك
وقوله : وبينتم فرائضه البيان فصل ما بين الاشياء وتبيان كل شيء يحتاج اليه الناس ويقال البيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير والفرق بين البيان والتبيان هو ان البيان جعل الشيء مبينا بدون حجة والتبيان جعل الشيء مبينا مع الحجة وفي الحديث انزل الله في القرءان تبيان كل شيء يعني كشفه والايضاح والسلطان والبيان والبرهان والفرائض جمع فريضة من فرض اي اوجب وبمعني وقت ومنه قوله تعالى فمن فرض فيهن الحج اي وقت وبمعنى العقد والميثاق ومنه قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة اي لا جناح عليكم فيما تراضيتم من عقد مستأنف من بعد انقضاء مدة الاجل الاول فقوله من بعد الفريضة اي من بعد العقد وهو الميثاق ايضا كما قال واخذن منكم ميثاقا غليظا ويقال للواجب فرض اما من فرض بمعنى قدر واما من فرض القوس وهو ما يوضع فيه الوتر لانه به ينتفع به لا بدونه فمعنى بينتم كشفتم ما ستر من اسرار فرائضه ورخصه واوضحتم ما غمض من احكامه ومأخذها وشيدتم اركان تسلطه على عباده بما حملكم من الولاية واودع عنكم من مقاليد الهداية واحكمتم عقد طاعته وما اخذ على عباده من الميثاق على اجابة دعوته ونهجتم سبيل معرفته في واضح المنهج بما اقمتم على ذلك من الحجج فبينوا فرائض امره وارادته بحدودها حتى ظهر لمن اخذ عنهم واقتدى بهم واهتدى بهديهم ان من الفرائض ما حددت بنفي الحدود وهي معرفته فانها اول الفروض ونهاية الطاعة لانها هيكل ظهوره لعباده فلو كانت محدودة لكان تعالى معروفا بالحدود فيعرف بنفي كل ما يجوز وبوجوب كل ما يمتنع عن الادراك لان الشيء انما يعرف بصفته وعلى ان فرض بمعنى وقت في العبادة ظاهر لان منها ما هو موقت في الوجوب والاداء كالصلوات والصيام ومنها موقت في الوجوب كالزكوة ومنها موقت في الاداء كالحج ومنها موقت بالعمر كصلوة الزلزلة واما في المعرفة فحيث كان حقيقتها انها صفته كان توقيتها وجودها ووجودها نفس وجود العارف وفرضها اي توقيتها حين كونها معلومة اي حين يقع عليها العلم بها واول وقتها هذا وآخره فناؤه في علة مبدئه وكونها معلومة هو ظهور العالم بها الذي هو هو لها لان الظاهر انما هو هو بظهوره وهو كلامه بظهوره بها فهو اولها وآخرها ولا اول لها ولا اخر غيره فلا اول لها والا لكان له آخر ولا آخر لها والا لكان له اول بل الاول والاخر له وهو خلقه وهو بكل خلق عليم ثم لما كان فناء العارف انما هو بكمال التجريد وكشف سبحات الجلال وكمال التجريد محو جميع الاشارات والنسب والاعتبارات وكل ما سوى الثابت بذاته سبحانه حتى لا يبقى الا الباقي فاذا نفيت كل راجع الى غيره ومستند الى سواه حصلت على آيته ووقعت على نشأتك من صفته ولست الا ما وصف لك من صفته وتعرف لك باصل فطرته كان باب ابتدائك حين خرجت باب فنائك حين دخلت كما قال سيد الشهداء عليه السلام في آخر دعاء يوم عرفة في مناجاته كما روي الهي امرت بالرجوع الى الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير ولما كان بدء بدئك حين خرجت هو باب فنائك حين دخلت وكان تعدد المكلفين انما هو لاختلاف المشخصات ومنها الرتبة والجهة وجب ان يكون لكل مكلف باب لبدئه وعوده لا يشاركه فيه غيره لان المشاركة انما تتحقق في الكل وذلك يوجب الاتحاد واما المشاركة في البعض فتوجب تعدد المخرج بسبب البعض الذي لم تقع فيه الشركة فظهر مما ذكرنا ان التوقيت ظهر في مراتب لا تكاد تنضبط لاختلاف المراتب الموقتات وهذا التوقيت في نفسه مختلف فمنه مع السرمد صلى الله على محمد وال محمد ومنه مع اول الدهر ومنه مع وسطه ومنه مع آخره ومنه مع المثال ومنه مع اول الاجسام او الاعراض على اختلاف مراتبها من الوجود من حق وباطل
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
وذلك تأويل قوله تعالى فسالت اودية بقدرها وعلى انه بمعنى قدر ففي الاعمال جرت الحكمة على طبق الموضوعات كما انه في الاعمال احتمال القوابل فقد بينوا بكل معنى يحتمله البيان جميع فرائضه سبحانه بكل معنى يحتمله الفرض من الوجوب والعقد والميثاق والتوقيت والتقدير والثبوت والحكم على حد لا يدانيه سواهم ولا يحمل اعباءه الا هم
واقمتم حدوده اقامة الشيء تعديل اركانه وحفظها من ان يقع زيغ او نقص في شيء منها او من متمماتها او من مكملاتها والحدود هي الاحكام لانها حدود افعال المكلفين واحكامها اما كونها حدود افعال المكلفين فلانها تضبطها عن الافراط والتفريط وتحبسها على الاعتدال الذي به قبول الخير والحق لا بغيره فالاحكام في الحقيقة تحديد الافعال وتعديلها على مقتضى الحق الذي هو الحكمة الالهية باطنا والامر بالاعمال الصالحة منها والنهي عن القبيحة منها ظاهرا وما يترتب على ذلك من الثواب في الموافقة والعقاب في المخالفة فهو ما خلقه الله بمقتضى ما يفعلون من اعمالهم وهو سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم واما كونها احكاما فلانها في الوجود تشريعات وجودية وتكليفات ذاتية وفي الشرع ميولات فعلية وضعية ودواع سببية اقتضائية تكون بها وجودات تشريعية وانما قلنا ان الميولات فعلية لانها منسوبة الى الفعل لا الى الذات واما وضعية فلملاحظة قوابلها من افعال المكلفين لان تمييزها وتشخصها انما هو بتلك القوابل واما دواع فلملاحظة انها بواعث اي ميولات لاقتضاء الفعل واما سببية فلملاحظة تضايفها لانها لا تظهر الا بالقابل ولا يتحقق القابل الا بها وذلك من حيث هي هي كما هو شأن الاحكام الوضعية واما اقتضائية فلملاحظة انها منشأ قوابلها لانها من نفوسها فهي اقتضتها وان كانت انما تتعين بها ففي الاول وجودات اقتضت شرعا قد نصت عليه وحكمت به وفي الثاني تكليفات اقتضت وجودا وحكمت به بنصها عليه فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك ان الاحكام حدود افعال المكلفين وحدود لوازمها وان الحدود احكام ميولات الفعل وان الميولات التي هي الاحكام باعتبار ومنشأ الاحكام باعتبار آخر لها ظاهر وباطن فباطنها ما سمعت مما اشرنا اليه وظاهرها الاوامر والنواهي الشرعية المعروفة وكل ذلك حدود الله اي احكامه وقد اقاموا حدود الله في كل رتبة اشرنا اليها من الاحكام والحدود بحق اقامتها من التعديل والحفظ اللذين بهما كمال اقامتها على ما ينبغي على حد لا يقوم به غيرهم عليهم السلام كما بيناه غير مرة في نظائرها
قال عليه السلام : ونشرتم شرائع احكامه وسننتم سنته
قال الشارح (ره) وان كان من الصادقين اكثر فانه كان لابي عبد الله عليه السلام اربعة الاف مصنف ومن غير المصنفين ما لا يحصى وكتاب الرجال لابن عقدة في بيان احوالهم وكتبهم والاضافة من قبيل خاتم فضة او ادلة الاحكام من الكتاب وغيره وسننتم اي بينتم سنته مفردا او جمعا واضافة السنة بمعنى الطريقة الى الله لكونه منه تعالى او سنة الرسول (ص) سنته تعالى انتهى
اقول نشر ضد طوى اي بسطوا لكم للخلق شرائع احكامه او بمعنى احيى كما في الدعاء وبها تنشر ميت العباد اي تحيي والشرائع جمع الشريعة هو الدين مأخوذ من الشريعة التي هي مورد الناس للاستسقاء سميت بذلك لوضوحها وظهورها وحاجة الخلق اليها كحاجتهم الى الماء بل اعظم بل هي الماء حقيقة والمراد انهم عليهم السلام احيوا شرائع احكامه اما بالتحمل لها والقيام بها او بالحفظ لها وتبليغ المكلفين اياها كما حد الله سبحانه او بالمعونة للمستجيبين من المكلفين بالهداية والدعاء والتسديد والتوفيق والقود اليها والذود عن خلافها والعمل بمقتضاها على اكمل وجه واشد مواظبة ومحافظة بين ظهراني المكلفين او المستجيبين فان ذلك ادعي لهم الى القيام وتحمل مشاقها او باستنباط احكامها من ثمار مقتضيات القوابل من احوال المكلفين في بيوتها من الجبال والشجر ومما يعرشون وربط كل منها بما يشاكله من افعالهم واقوالهم واعمالهم وما انطووا عليه من معتقداتهم ونياتهم حتى اقاموا تلك الحدود وشيدوا طاعة الاله المعبود فاداروا افلاكها على اقطابها في كل قرن وقدروا اقواتها بين ارضيها وسمواتها في ستة ايام سواء للسائلين يوم الاحد في شريعة آدم ويوم الاثنين في شريعة نوح ويوم الثلاثا في شريعة ابراهيم ويوم الاربعاء في شريعة موسى ويوم الخميس في شريعة عيسى عليهم اجمعين السلام ويوم الجمعة في شريعتهم التي شرعها لهم جدهم السيد الاكبر صلى الله عليه وآله الطاهرين فالخمس الاول فروع السادسة لانها الجامعة لجميع احكام الخمس وانما اختلف بعض احكامها باختلاف الموضوعات كما ترى اختلاف بعض احكام هذه الشريعة باختلاف موضوعاتها فان المصلي العاجز عن القيام في الصلوة يكون فرضه الصلوة من جلوس فالصلوة من قيام مع القدرة هي الصلوة من جلوس مع العجز بعينها وانما اختلفت باختلاف المتعلق كما اختلفت صورة الوجه الواحد في المرءاتين المختلفتين وقوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك الاية وقوله تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل وقوله تعالى ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك وامثال ذلك مما يوهم فرعية شريعة محمد صلى الله عليه وآله على الشرائع الأول وتبعيتها لها فانما جرى في الظاهر بهذه الصورة على ما تفهم العوام والاعراب من ان الانبياء عليهم السلام سبقوا وشرائعهم قبل شريعة محمد صلى الله عليه وآله ولما كانت الانبياء عليهم السلام عند عوام الناس في زمن محمد صلى الله عليه وآله حقا وانهم هم الداعون الى الله صدقا من جهة انهم سمعوا ذلك بالاخبار المتواترة ولم يكونوا حضروهم لتحصل من بعضهم النفرة عنهم لاستثقال التكليف فيقع منهم الانكار بل اعتقدوا نبوتهم لوجود المقتضى وهو التواتر وزوال المانع حسن ان يقال في اخبارهم ان هذا النبي المرسل اليكم حاله كحال الانبياء ولم يقل له في تكليف امته الا ما قد قيل للرسل من قبله في تكليف اممهم وما شرع لامته من الدين الا ما شرعوا لاممهم ولم يكن يأتي بامر مبتدع غير ما اتوا به اممهم عن الله تعالى ليكون هذا ادعى لهم الى القبول منه لدخوله صلى الله عليه وآله عندهم في جملة من اقروا بهم وصدقوهم ودخولهم في نحو من كان عندهم انهم يجب عليهم القبول من الدعاة الى الله تعالى بالحق فلهذا اتى التنزيل بصورة تبعيته وفرعيته لتأخر دولته صلى الله عليه وآله في ظاهر الزمان لظاهر البشرية وذلك لا يدل على اصالة فرعيته وتبعيته ليكون صلى الله عليه وآله تابعا لمن تقدم من الانبياء بل هم التابعون السائرون تحت لوائه الذي حمله وصيه علي عليه السلام بل لا يوجد حق من دين او غيره عند احد من الخلق الا ما كان عنهم وبهم لانهم الوسائط بين الله تعالى وبين جميع الخلق في كل شيء صدر من فعل الحق ففي الكافي في صحيح محمد بن مسلم قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ليس عند احد من الناس حق ولا صواب ولا احد من الناس يقضي بقضاء حق الا ما خرج منا اهل البيت واذا تشعبت بهم الامور كان الخطأ منهم والصواب من علي عليه السلام وفيه عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام ما بمعناه وفيما قال امير المؤمنين عليه السلام لسلمن وابي ذر انا الخضر معلم موسى انا معلم داود وسليمن وامثال ذلك مما هو صريح في المدعي فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك ان المراد من الشرايع التي نشروها جميع الشرائع مع ما يدل عليه ظاهر اللفظ من ان الجمع المضاف الاصل في استعماله افادته العموم وقد تقدمت الاشارة الى ان الاحكام يراد منها ظاهرا الاحكام الشرعية الخمسة وباطنا جميع احكام الوجود من مقتضيات الكون الوجودي والكون الشرعي من الاسباب الفعلية والمادية والصورية والغائية والمتممات للماهية من الوقت والمكان والرتبة والجهة والكم والكيف ومتممات كل منها ومكملاتها كما اشرنا اليه مرارا فان لكل منها كونا وشرعا فللكون شرع وللشرع كون وقد نشروا شرائع تلك الاحكام التي هي احكام الله سبحانه في صنعه وشرعه واليه الاشارة بقوله واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس فاوحى اليهم سبحانه ان يفتحوا تلك الابواب ويسكنوا تلك القباب ويستخرجوا منها الاسباب ويسلكوا بها طريق رب الارباب ويثجوا من افواههم طيب الشراب فيه شفاء من جميع الاوصاب لكل ذرة في الوجود من الماء الاول الى التراب
وقوله : وسننتم سنته السنة الطريقة والسيرة وهي في الحقيقة مجاز الخالق الى خلقه اي طريق ايجاده اياهم وارشاده لهم على ما تقتضيه الحكمة الالهية والعناية الربانية ومجاز الخلق الى خالقهم اي طريق قبولهم منه الايجاد والارشاد كذلك ولهذا سميت الطريقة المخصوصة سنة اذا كانت على المقتضي الطبيعي المتناسق من حق وباطل وانما تنسب اليه تعالى دونهم لانها منه قصدها وبه جورها لا منه فالجائر منها ليست سنته والقصد منها منه وبه وله واليه دونهم وان كانت بهم هي سنته تعالى المستقيمة في مستقيم قبولهم منه تعالى ومعوج عدم قبولهم منه قال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما يعني في الجعلين ان ربي على صراط مستقيم فيجري الجعل المستقيم باستقامته على ما تقتضيه قوابل الاعمال واعمال القوابل من الحق والباطل وكان الجعل الواحد جعلين لتعلق الاول بالمجعول المحبوب المرضي والثاني بالمجعول المكروه المغضوب وكلا الجعلين محبوب وموافقة المجعولين للجعلين محبوب وفي الدعاء لا يخالف شيء منها محبتك وسن سنة اي وضع طريقة متناسقة ولا تكون سنة الا كانت تدور على اصل هو قطب واحد يجمعها فلو كان لها اصلان قطبان لها لم تدر في حق او باطل والمثال في ذلك ان الرحى لا تدور على قطبين وانما تدور على واحد فان كان في وسطها الحقيقي دارت مستقيمة كالحق وان خرج عن الوسط الحقيقي اعوجت استدارتها كالباطل وكلما بعد القطب عن الوسط الحقيقي اشتد اعوجاجها وبالعكس ويقال سن الماء على وجهه ارسله ارسالا فقوله (ع) وسننتم سنته يعني وضعتم طريقته وجعلتموها كذلك لانهم محال مشيته لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون بل هو الفاعل عنهم او بهم كما اشار اليه قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى ومثله سن بمعنى ارسل فيكون على هذا سننتم سنته اي ارسلتم شريعته التي هي الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي وهو العلم على وجوه القوابل فقابل بالاستجابة وقابل بعدم الاستجابة ويفيد هذا المعنى انهم شرعوا لكل مكلف من جميع ذرات الوجود ما تقتضيه قابليته من الاحكام لم يحبسوا عن شيء ما اقتضاه من الاحكام بل ارسلوا جميع الشرائع والسنن واطلقوا قيودها حتى حامت اطيارها ووقعت على افنانها وغردت في اغصانها التي في اوطانها لم يقع منها شيء في غير موضعه ولا بغير اختياره بل ارسلوها في التقدير باكمل تدبير على صراط مستقيم ذلك تقدير العزيز العليم
قال عليه السلام : وصرتم في ذلك منه الى الرضا وسلمتم له القضاء وصدقتم من رسله من مضى
قال الشارح (ره) وصرتم في ذلك المذكورات منه تعالى الى الرضا اي صار ووقع ذلك منكم بحيث رضى الله عنكم او كنتم راضين عن الله تعالى وان لم يكن اظهارها كما تحبون ويؤيده قوله وسلمتم له القضاء في منعكم الطواغيت من اظهار شعائر الله كما ينبغي او في جميع الامور والرضا متعلق بالمظلومية لا بالظلم او بما قدره الله تعالى من ان لا يكون التكليف بالالجاء بل يكون بالاختيار ليجزي الذين اساؤا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى وصدقتم من رسله من مضى اي جميعهم مفصلا باخبار الله اياكم اعدادهم واحوالهم وان وجب علينا التصديق مجملا انتهى
اقول قد بين الشارح (ره) كثيرا من المقصود من هذا الكلام وانا ابين بعض ما لم يشر اليه من اسباب ما ذكر انشاء الله فقوله وصرتم في ذلك من القيام بما اراد منكم وهو فعظمتم جلاله واكبرتم شأنه ومجدتم كرمه وادمنتم ذكره ووكدتم ميثاقه واحكمتم عقد طاعته ونصحتم له في السر والعلانية ودعوتم الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلتم انفسكم في مرضاته وصبرتم على ما اصابكم في جنبه واقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة وامرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم في الله حق جهاده حتى اعلنتم دعوته وبينتم فرائضه واقمتم حدوده ونشرتم شرائع احكامه وسننتم سنته الى هذه الفقرة فالاشارة بذلك الى هذه الاحرف ان اعتبر ما منهم وهي قوابلهم وان اعتبر ما منه تعالى وهو امدادهم من كرمه فالاشارة الى قوله اصطفاكم بعلمه وارتضاكم لغيبه الى قوله وطهركم تطهيرا ويجوز ان تكون الاشارة الى المجموع
فعلى الاول يكون المعنى على ان الله تعالى رضي عنهم انهم بشدة قيامهم باوامره واجتهادهم وحسن قبولهم عنه حتى بلغوا فيه الغاية بل تجاوزوا النهاية كانوا اهل ان يرضي الله عنهم لانهم اتوا بكل ما يمكن مما يدخل تحت استطاعتهم لانه امرهم بذلك بقوله فاتقوا الله ما استطعتم عالمين بما اتوا وبمفصوله وبموصوله وعلى انهم رضوا عن الله لما اراهم الله سر ما اراد منهم ظهر الا مطلب لهم افضل ولا اكمل ولا اجمل ولا اجل منه استبشروا بذلك عن علم ورضوا عن الله تعالى والى هذا اشار الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب بقوله المستبشرون بامرك الدعاء
وعلى الثاني وهو اعتبار ما منه يكون المعنى على ان الله تعالى رضي عنهم انه سبحانه كانت غاية رضاه لهم فيما اجرى عليهم من فضله ورحمته وسابغ نعمه وكرمه حيث لا يمكن في المشية وجود خير يرضاه ويحبه الا اجراه لهم فبين ذلك بقوله اصطفاكم بعلمه وارتضاكم لغيبه واختاركم لسره واجتباكم بقدرته واعزكم بهداه واخصكم ببرهانه وانتجبكم بنوره وايدكم بروحه ورضيكم خلفاء في ارضه وحججا على بريته وانصارا لدينه وحفظة لسره وخزنة لعلمه ومستودعا لحكمته وتراجمة لوحيه واركانا لتوحيده وشهداء على خلقه واعلاما لعباده ومنارا في بلاده وادلاء على صراطه عصمكم الله من الزلل وامنكم من الفتن وطهركم من الدنس واذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا فتأمل رحمك الله في هذه الكلمات الشريفة كيف تضمنت من الفضائل والفواضل ما لا تدركه الافهام ولا تحيط به الاوهام مما خصهم به مما يدل على انه لو بقي مقام عند الله تعالى من مقامات الرضا الامكانية لم ينزلهم فيه لم يحسن من الحكيم العليم ان يخصهم بهذه الخواص التي لم تبق شرفا ولا مجدا ولا تكريما الا تضمنته واحاطت به وعلى انهم رضوا عن الله تعالى انهم عليهم السلام لم يكن في انفسهم من طلب الفضائل والقرب والتشريف والتكريم شيء يجدون بفقده نقصا في رضاهم او توقفا حيث اعلمهم اسرار ما اصطنع اليهم وحقائق ما اسدي اليهم فشاهدوا من ذلك ما يزيد على رضاهم من قرب لا يتناهى وتشريف لا يحصى وتكرمة لا تستقصى ينقلهم في رضوانه من مقام الى مقام اعلى ومن اجمال الى تفصيل ومن تفصيل الى تحصيل ومن تحصيل الى تحصيل فكل مقام حصلوا فيه حصل لهم به فوق الرضا وهكذا في سير لا غاية له ولا منتهى فان قلت الراضي بشيء اذا لم يكن حابسا نفسه بقيد القناعة لا يطلب غيره وانما يطلب غيره اذا لم يرض به او رضى به قانعا ورضي القانع رضى فقدان لا رضا وجدان هذا وقد قال سيدهم رسول الله صلى الله عليه وآله بارشاد الله رب زدني علما وهذا يدل على عدم حصول الرضا لعدم حصول المطلوب الذي فيه كمال الرضا كما هو المدعي لان الطلب تعب والرضى راحة قلت ان الذي به كمال الرضا كما هو المدعي هو ما حصل لهم ولكن لما كان ذلك ملأ الامكان ظاهره وباطنه وغيبه وشهادته فان الذي لهم كلما سوى الله تعالى حتى انفسهم من قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم وكان ذلك لا يتناهى في الامكان ابدا ولا يسعه ظاهر الامكان وجب في الحكمة ان يصل اليهم بالتدريج لان المتشخص من حيث حدوده المشخصة له لا يسع ما لا تكتنفه الحدود الا بالتدريج الذي لا يتناهى ولما كان كلما سوى الله تعالى قائما بفعل الله قيام صدور وكل شيء بيده وجب ان يسئلوه ما لهم عنده لانه انما ينزل على حسب القابل وليس قابل لذلك الا السؤال منه سبحانه فسئل صلى الله عليه وآله ما له عند الله ولو لم يكن لهم غير ما وصل اليهم والعياذ بالله لم يكن ما وصل اليهم موجبا لكمال الرضا الا مع اعتبار القناعة او العلم بانه ليس شيء غيره وهذا الطلب راحة لانه طلب محبوب فيه كمال الراحة واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وآله وجعلت قرة عيني في الصلوة وانما يكون مثل هذا الطلب تعبا عند من لم يعرفه ولم يذقه واما من علم علم معاينة فانه انما يستريح به كما اشار الى هذا امير المؤمنين عليه السلام واستلانوا ما استوعره المترفون
وعلى الثالث وهو اعتبار المجموع وهو ما منهم من القوابل وما منه وهو امدادهم من كرمه على ان الله تعالى رضي عنهم يكون المعنى انه سبحانه لما خلق ذلك النور وجعل تلك الصفة جاء المجموع نوريا بشريا واسعا كريما وسع الغيب بغيبه وشهادته والشهادة بشهادته وغيبه لا يحسن في الحكمة والامكان ان يكون لله رضا الا فيهم ولهم فرضي عنهم لانهم محل رضاه ومستودع محبته ولا يسع رضاه ومحبته الغير متناهيين غيرهم عليهم السلام لان حقائقهم في الامكان غير متناهية وعلى انهم رضوا عن الله تعالى يكون المعنى انهم رضوا عن الله تعالى ما اقامهم فيه حين اشهدهم خلق السموات والارض وخلق انفسهم واتخذهم اعضادا لخلقه واشهادا عليهم ومناة لذواتهم واعمالهم وآجالهم وارزاقهم وجميع احوالهم وحياتهم ومماتهم ومبتلون لهم وبهم واذوادا لشيعتهم عن المعاصي والرذائل ولاعدائهم عن الطاعات والفضائل على نحو ما ذكرناه مرارا وحفظة لهم وعليهم وروادا لخلقه يقدمون شيعتهم الى الجنة ينزلون كلا منزله ويسوقون اعداءهم الى جهنم ينزلون كلا منزله فلم يبق كمال في الامكان الا جعله لهم مما كان او يكون فقد رضوا عن الله سبحانه رضى وجدان
وقول الشارح وان لم يكن اظهارها كما تحبون جار على الظاهر من احوال البشرية وكذلك ما استشهد به من قوله (ع) وسلمتم له القضاء والا فلو شاء واجرى على ما يحبون ظاهرا كما جرى على ما يحبون باطنا بل جعل ذلك اليهم فهم اجروا باذن الله ما جرى من محبوب ومكروه راضين بكلا الحالين وما يظهر منهم عليهم السلام من التألم والشكوى عند جميل البلاء وعظيم الخطب فشيء لاحق للبشرية ولازم فهم في هذا المقام يجري عليهم كما يجري على غيرهم ويتألمون كما يتألم غيرهم وحيث كانوا عالمين بما لقوا وصاروا اليه يرجح عندهم ذلك الجانب حتى يتنعمون بذلك التألم في جنب الله لا نغماسهم في ما يرضيه ولا يجري عليهم من مكاره الدنيا الا بما يرضيه سبحانه كما سمعت مما روي عنهم عليهم السلام ان الحسين عليه السلام وانصاره عليهم السلام لم يجدوا الم الحديد وانهم في شدة عطشهم قلوبهم ثلجة باردة وذلك لانصراف جميع حواسهم ومداركهم الى المحل الاعلى فجرت عليهم الالام والقتل الذي ازهق انفسهم وهم متنعمون بنعيم اليقين والمعاينة يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما فاذا عرفت ما بينا لك ظهر لك ان رضاهم بكل ما جرى عليهم من محبوب ومكروه رضى وجدان لا رضى فقدان وكذلك في منع الطواغيت لهم من اظهار شعائر الله تعالى كما ينبغي وانا اضرب لك مثلا بيانا لو ارادوا منع الطواغيت عن التسلط بل قتلهم جميعا حتى لا يبقى منهم احد على وجه الارض اكانوا متمكنين من ذلك ام لا فان قلت لم يتمكنوا قلت لك اني اتكلم مع من يعرفهم وانت لم تعرفهم وان قلت انهم متمكنون من ذلك قلت يجوز لهم ان يتمكنوا من منع الظالمين ولا يمنعونهم فيكونون قد اعانوهم على الظلم فان قلت لو منعوهم لم يحصل التمكين من المعصية واذا لم يحصل لم يتمكن المكلف من الطاعة وايضا يرتفع حكم قوله تعالى ليميز الله الخبيث من الطيب وقوله تعالى ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وقوله تعالى الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وما اشبه ذلك قلت هذا حق ولكن يلزم من ذلك انهم راضون بما يكرهون كما يرضى المريض بالكي طلبا للعافية ويلزم من هذا ان الرضا كما يتعلق بالمظلومية كما قال الشارح يتعلق بالظلم من باب فعل الضرر لدفع الاضر ووجوب القبيح لدفع الاقبح كوجوب الكذب لنجاة المؤمن ولا يريد ان الرضا يتعلق بالظلم اولا وبالذات لان الرضا به لذاته رضا فقدان وقوله (ره) او بما قدره الله تعالى من ان لا يكون التكليف بالالجاء بل يكون بالاختيار الخ صحيح كما اشرنا اليه قبل هذا الا انه لا ينحصر التعلق فيه كما هو ظاهر او وقوله (ره) وصدقتم من رسله من مضى اي جميعهم مفصلا الخ هذا بيان ظاهري قشري لان تصديقهم للانبياء ليس بمجرد معرفة عددهم واسمائهم والاقرار بانهم انبياء كما هو ظاهر كلام الشارح بل بالادلة القاطعة والحجج الواضحة واظهار المعجزات لهم اي للانبياء الدالة على صدقهم او للمنكرين لهم الدالة على صدق المصدقين للانبياء في نبوتهم وما اشبه ذلك ومنها معرفة اسمائهم واحوالهم واعدادهم وبيان ما اوتوا من الوحي والمعجزات فافهم
قوله عليه السلام : فالراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمقصر في حقكم زاهق
قال الشارح (ره) فالراغب عنكم مع ظهور ذلك عنكم مارق عن الدين وان لم يكن معتقدا لمذهب الخوارج لان من لم يقل بامامتهم فهو كافر كما ورد به الاخبار المتواترة عن العامة والخاصة واللازم لكم بالقول بامامتكم او مع متابعتكم لاحق بكم بل هو مسلم كما روي ان سلمن منا اهل البيت او لاحق بالحق والمقصر في حقكم وامامتكم او رتبتكم العالية او متابعتكم او الجميع زاهق باطل انتهى
اقول رغب المتعدي بعن بمعنى زهد والمارق هو الذي مرق من دين الله كما يمرق السهم من القوس اي تجاوز بغير مهلة اي من زهد فيكم ولم يطلبكم بفؤاده وحقيقته مارق عن دين الله بمجرد عدم الرغبة بعد ما تبين له الحق وهو المعرفة بهم وهو معنى قوله تعالى ومن يشاقق الرسول اي يعاديه بسبب نصبه لعلي والائمة من ولده عليهم السلام خلفاء من بعده ويخالفه في نصه ويخالفهم وينصب لهم العداوة بان يقاتلهم او يرد قولهم او يصغر قدرهم او ينكر فضائلهم الظاهرة او يصرف وجوه الناس عنهم او يقدم عليهم غيرهم او يعادي محبهم لاجلهم او يوالي عدوهم لاجلهم او يحكم بخلاف حكمهم متعمدا كل ذلك عن علم منه بما فعل انه خلاف الحق من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين عليهم السلام وهو سبيل الله وهو الحق من الله نوله ما تولى من سلوك سبل الضلالة والغي وموالاة اعداء الله ومعاداة اولياء الله اي نخلي بينه وبين نفسه وشيطانه المقيض له حين عشا عن ذكر الرحمن ونصله جهنم وساءت مصيرا فان هؤلاء من حيث انهم عالمون بالحق كان خروجهم منه ليس لشبهة ليتوقفوا في الخروج ومروقهم من دين الله الذي هو ولايتهم عليهم السلام كما يمرق السهم من القوس لسرعة انتقالهم من الحق لانهم من نوع الباطل وقد اشربوا في قلوبهم اتباعه والميل في عالم الاظلة وانكروا هناك الحق واهله فماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل
واللازم لكم الخ يعني ان من لزمهم بالائتمام بهم والرد اليهم والايمان بظاهرهم وباطنهم وسرهم وعلانيتهم وحيهم وميتهم واولهم وآخرهم والتسليم لهم فيما يعلمون وما لا يعلمون بحيث لا يجدون منهم ومن كل ما صدر عنهم حرجا كما قال سبحانه في شأن محمد صلى الله عليه وآله ظاهرا وفي شأن علي بن ابي طالب عليه السلام باطنا فلا وربك لا يؤمنون اي لا يكمل ايمانهم ان اريد بهذا الايمان ايمان الخصيصين ولايتم ايمانهم ان اريد به ايمان الخواص ولا يؤمنون مطلق الايمان الخاص ان اريد به ايمان المحبين ولا يسلمون ان اريد به مطلق الايمان لغة اي اريد به مطلق الخروج عن الكفر كما قال سبحانه يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون فانها نزلت في شخص من المنافقين الذين اظهروا الاسلام وابطنوا الكفر وهو ابو الملاهي حتى يحكموك فيما شجر بينهم مما يختلفون فيه واختلط عليهم امره ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وينقادوا بظاهرهم او بظاهرهم وعدم انكار باطنهم او بظاهرهم وبباطنهم فالتسليم شرط في الايمان الاول اذا اختلفوا في اسرار الاعتقادات وفي الخطرات والواردات بل قد يحصل هذا التسليم لاهل هذا الايمان بمجرد حضورهم عند الامام عليه السلام لاستنارة قلوبهم بمقابلته او بحديثه او بتعريفه او بارادته او بذكره عند غيبته بل قد يكون ذلك لهم برؤيته في المنام او بذكره كذلك وهذا هو الذي اشار اليه الصادق عليه السلام في قوله انكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا ابوابا اربعة لا يصلح اولها الا باخرها ضل اصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا وخسروا خسرانا مبينا فجعل هذا التسليم نهاية الايمان من الابواب وروحها وبه قوامها فان الثالث الذي هو الصلاح بلا معرفة يكون خاينا والثاني الذي هو المعرفة بلا تصديق يكون انكارا ومنكرا والاول الذي هو التصديق بلا تسليم يكون نفاقا ومن الشواهد على ذلك اعدادها فالاول عدده اي عدد نفاق مائتان واحد وثلاثون والثاني ثلاثمائة وعشرة والثالث ستمائة واحد وستون
وفي الثاني وهو ايمان الخواص شرطه التسليم في الاعتقادات وفي الاحكام الشرعية فيما يتعلق بالمقاصد النفس والعقل والنسب والمال والدين وتشير الى هذا حسنة الكاهلي قال قال ابو عبد الله عليه السلام لو ان قوما عبدوا الله وحده لا شريك له واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله او صنعه النبي صلى الله عليه وآله الا صنع خلاف الذي صنع او وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الاية ثم قال ابو عبد الله عليه السلام فعليك بالتسليم ورواية الشحام عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له ان عندنا رجلا يقال له كليب فلا يجيئ عنكم شيء الا قال انا اسلم فسميناه كليب تسليم قال فترحم عليه ثم قال اتدرون ما التسليم فسكتنا فقال هو والله الاخبات قول الله عز وجل الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الى ربهم ه وعن جابر الجعفي عن ابي جعفر عليه السلام في حديث طويل فيه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون قال جابر فقلت له يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكيف لا يسئل عما يفعل قال لانه لا يفعل الا ما كان حكمة وصوابا وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شيء مما قضي كفر ومن انكر شيئا من افعاله جحد ه
وفي الثالث وهو مطلق الايمان الخاص وهو ايمان المحبين من هذه الفرقة وهم على ظواهر الخواص كما ان الخواص على ظاهر الخصيصين وهؤلاء على ظواهر ائمتهم عليهم السلام كما قال علي عليه السلام لكميل حين قال له اولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني وهؤلاء اذا اختلفوا شرط ايمانهم التسليم اذا كان الامام عليه السلام حاضرا او كان من الضروريات بين المسلمين لان ما فيه نوع دقة او شبهة لو كلفوا بمحض التسليم لكانوا غير مستطيعين لذلك لان احدهم انما يكون مسلما اذا لم تنبهه على ما كان يجهل فهو مسلم حين غفلته وسكوته لانه اذا التفت تصور الكفر ولقد سمعت من شخص من صلحائهم ونحن نعلمهم معرفة الله فسبقني الى الكلام فبادرته وقلت له اسكت لا تتكلم لما فهمت من سوء كلامه فسبقني وقال البارحة رأيت ربي وعنده جروان جبريل وميكائيل ويريد بالجروين كلبين صغيرين ولقد حضرت شخصا من كبارهم فذكروا الحسين عليه السلام والعرش فقال ابنه الحسين افضل من العرش فقال استغفر الله العرش موضع الرب وحج واحد منهم فقال لشخص وهو يطوف بالكعبة نحن نطوف بقبر ربنا وامثال ذلك مما لا يحصى لكثرته فهؤلاء على ظاهر الايمان والمحبة لاهل البيت عليهم السلام وهم في غفلتهم وسكوتهم مؤمنون بل ورد في الحديث ما معناه حين قال رجل للصادق عليه السلام كيف يقبل من هؤلاء مع ما هم عليه من الجهل قال عليه السلام ما معناه ان لم يقبل منهم حتى يكونوا مثلكم لا يقبل منكم حتى تكونوا مثلنا مما يدل على انه يقبل منهم وان الله تعالى يدخل محبي علي عليه السلام ومحبي محبيه الجنة فاذا اختلفوا لا يشترط في ايمانهم التسليم الا مع حضور الامام عليه السلام او في الضروريات المجمع عليها بين المسلمين لان غير ذلك لا تقوم الحجة عليهم به وكثير من هؤلاء يرجي امرهم الى يوم القيمة ومنهم المعار الايمان نعوذ بالله فان قلت كيف تجعلون المستعار من الشيعة وهو بادنى شيء ينقلب قلت انه لا يخرج من الايمان الا اذا انقلب وقبل ان ينقلب يجوز ان يثبت ايمانه اذا جرت له العناية بخاتمة الخير فهو من المؤمنين وفي الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون ابدا وجبل الاوصياء على وصاياهم فلا يرتدون ابدا وجبل بعض المؤمنين على الايمان فلا يرتدون ابدا ومنهم من اعير الايمان عارية فاذا هو دعا والح في الدعاء مات على الايمان فقوله وجبل بعض المؤمنين وقوله منهم صريح في ان من المعارين من المؤمنين من هو اذا لم يرتد والح في الدعاء مات على الايمان بل هو اصرح في المدعا لانهم اذا جاز دخولهم في المؤمنين حال كونهم معارين ما لم يصدر عنهم ما يسلبه منهم ففي لحاظ ثبوته بالالحاح في الدعاء جاز بطريق اولى
وفي الرابع وهو مطلق الايمان لغة يعني مطلق الخروج عن الكفر وهو ايمان المنافقين وشرطه التسليم في الحكم عليهم من الامام عليه السلام فانهم اذا سلموا بظاهر اقوالهم واعمالهم حصل لهم هذا الايمان وهو الاسلام المغاير للايمان وان سلموا بظاهرهم وباطنهم كانوا من اهل الثالث وفي الكافي عن ابي جعفر عليه السلام قال لقد خاطب الله امير المؤمنين عليه السلام في كتابه قال قلت في اي موضع قال في قوله ولو انهم وتلا الى قوله حتى يحكموك فيما شجر بينهم فيما تعاقدوا عليه لئن امات الله محمدا صلى الله عليه وآله لا يردوا هذا الامر في بني هاشم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت عليهم من القتل او العفو ويسلموا تسليما وبالجملة فاللازم لهم بالتسليم لهم على اختلاف مراتبه لاختلاف مراتبهم وبالاخذ بقولهم والرد اليهم والمحبة لهم ظاهرا وباطنا وسلوك رضاهم بالجنان والاركان واللسان لاحق بهم ومعهم حيثما كانوا الا انهم في اللحوق بهم والكون معهم والمجاورة لهم في مراتبهم عندهم عليهم السلام على حسب مراتبهم في الايمان بهم والاخلاص لهم وفيهم ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم اعمالهم وهم لا يظلمون وهو قوله تعالى فاولئك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فاللزوم لهم مختلف على مراتب لا تكاد تحصى واللحوق بهم على حسب اللزوم وشرط اللزوم للشيء ان يكون اللازم مع الملزوم سواء كان لزوم مساوقة كلزوم بعضهم لبعض او متابعة ونسبة واضافة ولحوق واختصاص وما اشبه ذلك كسائر شيعتهم مما سواهم من دون الدرة الى الذرة فان تقدم عليهم فهو زاهق وان تقدم بهم فهو مارق فالمفرط فيهم حتى يتجاوز بهم الى مقام الازل بان لا يجعل لهم ربا يؤبون اليه زاهق اي هالك وهو قوله عليه السلام هلك في اثنان محب غال ومبغض قال وهو المقصر في حقهم بان يعدل بهم غيرهم من سائر الخلق او يتقدم عليهم في قول او فعل وهو هالك وهو المقصر في حقهم فان حقهم على جميع الخلق ان يرفعوا مقامهم عن جميع الخلائق ويضعوا مقامهم عن مقام الخالق جل وعلا فمن ازالهم عن مقامهم الذي اقامهم الله فيه بوضع او برفع فهو هالك والى هذا المقام اشار علي عليه السلام بقوله نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا اي نحن الذين اصطنعنا الله سبحانه لنفسه واختصنا وجعلنا محال مشيته وخزنة علمه وحفظة حكمه والخلق بعد ان خلقنا سبحانه لذلك ولندعو اليه بالحق خلقهم سبحانه لنا اي ان الخلق صنعهم الله لنا وجعلنا اولياءه فيهم وهذا في بيان مقامهم وابانته من مقام الخالق بالوضع لانهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ومن مقام الخلائق بالرفع لان الله خلق الخلق لهم فكيف يعدل بهم غيرهم من الخلق الذين انما خلقوا كرامة لهم وهذا هو المقصر في حقهم وهو زاهق اي هالك ودينه بذلك باطل زاهق اي زائل وباطل وجاء فيهم تأويل قوله تعالى اخبارا عن حالهم يوم القيمة فكبكبوا فيها هم والغاون يعني الذين اغووهم حتى صدوهم عن علي واهل بيته عليهم السلام وجنود ابليس اجمعون يعني جنوده شياطين الانس والجن شياطين الانس اهل النفاق وشياطين الجن اهل المنكر لانهم ذرية ابليس قالوا وهم فيها يختصمون اي يلعن بعضهم بعضا ويقول الاتباع لائمتهم تالله ان كنا لفي ضلال مبين في دار الدنيا حيث اتانا الداعي من الله النذير المحذر من عذاب الله فدلنا على سبيل الله الذي في سلوكه النجاة فتركناه واتبعناكم عالمين بان اتباعكم لا ينجي من عذاب الله تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين اي ان النذير اوضح لنا ان طاعة ولي الله هي طاعة الله فمن اطاعه فقد اطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وخالفناه واطعناكم وهو قد اخبرنا ان طاعتكم معصية الله ومعصيتكم طاعة الله تعالى فسويناكم بالله حين اطعناكم في معصية ولي الله وخذلانه وهو الذي طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ووليه ولي الله وعدوه عدو الله وهؤلاء يهود هذه الامة ونصاراها ومن الدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله المجمع عليه بين العامة والخاصة لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه فقد كان من الامم الماضية يهود وكان بعدهم نصارى وبيانه في الكافي عن الباقر عليه السلام يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمد صلى الله عليه وآله ليس فيهم من اليهود والنصارى احد وتصديق ذلك قول الله عز وجل كذبت قبلهم قوم نوح كذب اصحاب الايكة كذبت قوم لوط ليس هم اليهود الذين قالوا عزير بن الله ولا النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله سيدخل الله اليهود والنصارى النار ويدخل كل قوم باعمالهم وقولهم وما اضلنا الا المجرمون اذ دعونا الى سبيلهم ذلك قول الله عز وجل فيهم حين جمعهم الى النار قالت اخريهم لاوليهم ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار وقوله كلما دخلت امة لعنت اختها حتى اذا اداركوا فيها جميعا تبرأ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا يريد بعضهم ان يحج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا لعظم ما نزل بهم وليس باوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولا حين نجاة
قال عليه السلام : والحق معكم وفيكم ومنكم واليكم وانتم اهله ومعدنه
قال الشارح (ره) كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحق مع علي وهو مع الحق اينما دار وقال (ص) اللهم ادر الحق معه حيثما دار كما رواه العامة في صحاحهم ومن طرق الخاصة متواترا عن النبي (ص) والائمة عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله انه قال الحق مع الائمة الاثني عشر وفيكم اي في متابعتكم ومنكم كما روي متواترا ان كل حق بايدي الناس فهو منا وكل باطل فهو منهم وذكر جماعة من العلماء انتساب جميع العلماء الى امير المؤمنين عليه السلام حتى الخوارج ومرادهم ان كل حق يوجد في كلامهم فهو منه عليه السلام واليكم اي ان ذكر الحق غيرهم فهو يرجع اليهم او ان استنبطوا شيئا من الحق فهو يرجع الى استنباطهم مثله حتى اهتدوا الى استنباطه ويظهر ذلك كله من تتبع آثارهم فان الكلمات الحقة التي تذكرها الصوفية في كتبهم فالكل منهم اما تقية من شيعتهم واما سرقة من مخالفيهم كما يظهر من كلمات الحسن البصري وغيره فان جميعها منقولة من امير المؤمنين عليه السلام وانتم اهله لان جميع علوم الانبياء الى نبينا صلى الله عليه وآله ومنه (ص) اليهم مع امامتهم وعصمتهم ومعدنه كما ذكر انتهى
اقول في القاموس الحق من اسمائه تعالى او من صفاته او ضد الباطل والامر المقضي والعدل والاسلام والمال والملك والواجب والموجود الثابت والصدق والموت والحزم وواحد الحقوق انتهى
فعلى الاول في المسمى ان الله معهم بالاصطناع والاختيار والرحمة والعناية واللطف وغير ذلك من جهات الفضل لا مطلق المعية فان ذلك لا يختص بهم بل الله سبحانه مع كل شيء وانما المراد بهذا المع انهم لما جاهدوا في الله في جميع ما اراد منهم مجاهدة لا يقوم بها احد من الخلق غيرهم شكر الله مجاهدتهم وهداهم سبيل رضاه اي رضاهم عنه ورضاه عنهم فلا يغفلون عنه طرفة عين لانهم هم الذين عنده في قوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون كما تقدم عن الصادق عليه السلام انهم هم من عنده وحيث كانوا كذلك كان معهم في كل حال حيث يحب ويرضى وشهد لهم بانهم محسنون فقال وان الله لمع المحسنين فهذا المع لا نهاية له ولا غاية لانه ظاهر ربوبية لا تثنى وعبودية بها لا تمنى وذلك كالقائم فان ربوبيته لا تثنى بالقيام بل توحد باحداثه والقيام لا يقدر بالقائم وانما يقدر بنفسه لا غيره وهو غير مقدر في الامكان يعني انه غير مقدر الا بانه غير مقدر وهذا هو المع الخاص العام بخلاف المع العام الخاص فانه ظاهر ربوبية مقدرة التعلق وعبودية مقدرة التحقق والى الاول اشار الصادق عليه السلام بقوله لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن الا انه هو هو ونحن نحن وبالاستثناء الى بعض الثاني وهو حالهم الثاني واما فيكم فلا يصح على المعنى الاول الا على تأويل مشية الله فيهم لانهم محال مشيته وعلمه وحكمه واوامره ونواهيه وامثال ذلك بمعنى عندهم وفيهم على حد معنى قوله تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اي وسع امري ونهيي واحكامي على خلقي وظهوري على عرشي برحمانيتي واما منكم واليكم فيمكن تصحيحه كالذي قبله على معنى ان الله منكم اي من نوركم بدأ خلقه واليكم ايابهم او من انواركم قدر الاعمال الصالحات واليكم تعود ومن ظاهركم وخلافكم وخلفكم قدر الاعمال الطالحات والى جهات ظهورها من خلفكم وخلافكم وما اشبه ذلك مما يصح ان ينسب اليه واما وانتم اهله فلا بأس به فانهم اهل الله على المعنى المجازي لانهم عليهم السلام مجاز الحق الى الخلق ومجاز الخلق الى الحق واما معدنه فلا يجوز وان صح تأويله يعني معدن علمه وحكمه وما اشبه ذلك لان اطلاق ذلك عليه ظاهرا ممنوع منه فلا يجوز التأويل الصحيح فيه هذا اذا اريد به الواجب الوجود سبحانه واما اذا اريد به الاسم الحق المخلوق فيصح المعنى في الستة الوجوه فان ذلك الاسم الحق المخلوق الذي هو ذو الجلال والاكرام معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه لانهم امر الله اما تسمع قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ولانهم شرط ظهوره كما انه شرط تحققهم مبني احدهما على صاحبه وهو ايضا فيهم لانهم محاله والقوام باحكامه ومنهم تظهر آثاره في متعلقاتها واليهم يرجع باثاره وهم اهله لانهم ظاهره في جميع الاشياء ومعدنه لانهم قابليات ظهوره وهم زيت مصباح نوره وهذا الاسم هو الصفة والفرق بينهما اذا نسبا اليه تعالى انما هو بالاعتبار لانه ان لوحظ فيه معنى الاسمية وهو جهة القصد والتعيين فهو اسم وان لوحظ فيه معنى الفعلية وهو جهة الكيف والاحداث فهم ( فهو ظ ) صفة وهذا الاسم اسم للظاهر بكل شيء وهذه الصفة صفة للاظهار لكل شيء ولا يقصد منهما ما يقع على الذات وانما يعين جهة الذات الى الخلق وتلك الجهة نفس ذلك الاسم لا غير لان الذات البحت غيب مستور عن غير ذاته البحت وليس هناك اسم ومسمى وانما هو اله واحد ولا كلام لاحد من خلقه فيه بصواب بل من تكلم فيه فانما يقول بالباطل وذلك لانه المجهول المطلق لا يعرفه احد الا من حيث يجهله واذا قيل اسمه فليس الا فعله المخلوق بنفسه وليس له صفة لذاته غير نفس ذاته بلا اعتبار تعدد ولا كثرة ولا مغايرة بكل فرض واعتبار فان التعدد والكثرة والمغايرة والفرض والاعتبار والامكان والحيث واللم والاين والمتى والوقوع وما اشبه ذلك خلقه محدثة بفعله ولا يجري عليه ما هو اجراه وما بينه بالحدود لا يبينه تعالى الله سبحان ربك رب العزة عما يصفون واذا قيل صفته فليس الا فعله لان الفعل صفة نفسه والا صفة فعله من الوحدة والسرعة وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وانقياد كل شيء لفعله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما اشبه ذلك وعلى اعتبار هذا الاسم وهذه الصفة يصح المعنى في الاحوال الستة بمعنى ان الاسم الذي هو الحق المخلوق وصفته ايضا معهم وفيهم ومنهم واليهم وهم اهله ومعدنه فمعهم كونه وفيهم وقوعه ومنهم بدؤ آثاره وتعلقاته واليهم مرد آثاره واحكامها وهم على هذا اهله لانهم محله وعلة ظهوره وعضد تعلقاته ومتعلقاته وهم معدنه اي معدن ظهوره او مدد ظهوره
وعلى الثاني وهو ان المراد بالحق ضد الباطل ان الولاية في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق على قراءة رفع الحق هي ولايتهم وهي الحق من ربهم كما قال تعالى وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس امثالهم فالحق المنزل على محمد صلى الله عليه وآله هو ولاية علي عليه السلام على الباطن وعلى باطن التأويل الحق علي عليه السلام او مع لحاظ ظاهر الظاهر المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وهو الاية الكبرى آية نبوته او آية توحيد الله الكبرى كما قال تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى على ان الكبرى مفعول رأى لا صفة آيات قال علي عليه السلام ليس لله آية اكبر مني ولا نبأ اعظم مني وقوله (ع) هذا يتوجه على احد معنيين اما ان يراد ليس لله آية على نبوة محمد صلى الله عليه وآله واختياره من سائر خلقه اكبر مني او ليس لله آية على توحيده ووجوده بعد محمد صلى الله عليه وآله اكبر مني لان محمدا صلى الله عليه وآله آية اكبر منه وعلى الوجهين وهما باطن التأويل او مع لحاظ ظاهر الظاهر في قوله تعالى والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم روى القمي انها نزلت في ابي ذر وسلمن وعمار والمقداد لم ينقضوا العهد قال وآمنوا بما نزل على محمد اي ثبتوا علي الولاية التي انزلها الله وهو الحق يعني امير المؤمنين عليه السلام فعلى الوجه الاول يكون الباطل ولاية من تقدم عليه وعلى الثاني يكون الباطل من تقدم عليه ويجوز ان يراد بالحق الذي هو ضد الباطل ما هو اعم من الوجهين وهو قوله صلى الله عليه وآله علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار فاذا قلنا الحق معهم يكون المعنى ان الولاية معهم او ان عليا عليه السلام مع اهل بيته ومع نفسه الطاهرة واهل بيته معه لا يفارقهم ولا يفارقونه وعلى العموم كما هو ظاهر الكلام كذلك كما تقدم من رواية الشارح (ره) ان كل حق بايدي الناس فهو منا وكل باطل فهو منهم فهذا الحق على المعاني الثلاثة معهم وفيهم يكون على المعنى الاول فيهم اي عندهم وان قلنا الولاية هي النور كان الكلام على ظاهره وعلى المعنى الثاني انه عليه السلام واحد منهم او ملازم لهم وملازمون له على هدى واحد وعلى المعنى الثالث ظاهر ومنهم على المعنى الاول ان الولاية منهم ان آثارها واحكامها وما يترتب عليها في الحقيقة صفتهم لان الولاية التي عندهم من ولاية الله وهو قوله تعالى وهو الحق من ربهم اي ان ولايتهم هي الحق من الله يعني من ولاية الله تعالى لان الله سبحانه هو الولي ولم يكن له ولي من الذل فاختار له اولياء من العز والتكرم واذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار فجعلهم حملة لواء ولايته واقامهم في سائر عالمه فالولاية الحق ذات الله تعالى ومظهر هذه الولاية يعني فعلها ومحل فعلها واثر فعلها ذواتهم عليهم السلام وهو قول علي عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك اي وباطني ولي وما ظهروا به من الولاية من الحق تعالى على الخلق هو صفتهم وشأنهم وفعلهم وقولهم وعملهم وهي اثر ربوبية العالم اذ مربوب وهي الامانة التي عرضت على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها الاية على بعض الوجوه فيها فما ظهروا به من الولاية منهم واليهم مصير امورها وهم اهله ومعدنه وهو ظاهر وعلى المعنى الثاني انهم نور واحد وطينتهم واحدة فكل من كل وفيهم ومنهم واليهم وهم اهله ومعدنه كما تقدم على التأويلات المذكورة وعلى المعنى الثالث اظهر
وعلى الثالث وهو اذا اريد بالحق الامر المقضى وهو الاكوان الوجودية المقضية في كل مرتبة من مراتب الفعل من الكون والعين والقدر والقضاء والاذن والاجل والكتاب سواء تحقق شيء منها في مرتبة او اكثر والاكوان التشريعية المقضية في كل مقام من مقام التكليف الالهي كذلك سواء كان مطابقا للواقعي الوجودي الشرعي المتحد ام الواقعي التكليفي المتعدد وسواء كانت الاكوان الاولى فيها ام في شرعها والثانية فيها ام في وجودها كل ذلك معهم اي عندهم او مصاحب لهم قائم بهم كقيام النور بالمنير وفيهم وهم محله وعيبة ملكوته وخزنة سره ومنهم بدا او بدئ لانهم علته واصله لانه صفتهم ونورهم وفرعهم واليهم مرده او ينتهي امده او هم غايته لانهم علته الغائية وهم اهله الذين لهم خلق وشرع او بهم خلق وشرع او فيهم كذلك او اليهم ينتهي او هم اسسوه او قاموا به او اظهروه او نشروه او قرروه او ثبتوه بالحجج او حفظوه وهم معدنه اي اصله الذي بني عليه او منه استخرج او به تقوم او علته الفاعلية باذن الله او المادية او الصورية او الغائية
وعلى الرابع وهو العدل انه معهم اي انه صفتهم وظاهرهم وظاهره من قبله العذاب او شمالهم وكلتا يديه يمين او مصاحبهم لا يفارقهم ولا يفارقونه او سيرتهم وطريقتهم وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون او هم خزانه القوام به او حملة مباديه واسبابه ومنشأ احكامه وفيهم انهم مطارح اسباب احكامه من الله تعالى ومظاهر اسباب مقبولاته واوائلها وجعل قابلياتها او عندهم او بهم او عنهم كذلك ومنهم بدا لانهم مظاهر علله او بدئ لانه صفتهم او ابدئ لانه فعلهم او انهم خزنته او حملته او القوام به واليهم تنتهي ثمرته اولهم اقيم ولاجلهم شرع وهم اهله الذين شيدوا اركانه وعلوا بنيانه في سبيلي الله التكويني والتشريعي وهم معدنه اي ليس عندهم ظلم ولا فسق فهم معدن العدل والصلاح
وعلى الخامس وهو الاسلام وللاسلام اطلاقات يطلق على الاقرار بالشهادتين وهو مغاير للايمان اذا كان الاقرار باللسان خاصة على ما هو المعروف قال تعالى قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ولو وافقه الاعتقاد بالشهادتين صدق عليه الايمان لهذا الاعتقاد ولو كان مع عدم اعتقادهما بمعنى عدم نفيهما واثباته صدق عليه الاسلام وهل يصدق عليه الايمان لاجل الصورة احتمل العدم لظاهر الاية المذكورة واحتمل الجواز لانه مع اعتقاد عدمهما سمي في القرءان فاعل ذلك مؤمنا وهو اسوء حالا ممن لم يعتقد العدم كما قال يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون فانها نزلت في منافقين اظهروا الشهادتين فسماهم الله مؤمنين بذلك مع انه قد ورد فيهم انهم ما امنوا بالله طرفة عين وفي تفسير القمي مخاطبة لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين وعدوه ان ينصروه ولا يخالفوا امره ولا ينقضوا عهده في امير المؤمنين عليه السلام فعلم الله انهم لا يفون بما يقولون وقد سماهم الله المؤمنين باقرارهم وان لم يصدقوا انتهى والاحتمال الثاني اقوى عندي والاخبار ظاهرها ان الاسلام مغاير للايمان وتدل ايضا على اتحادهما في مادة وافتراقهما في اخرى اما الافتراق فظاهر واما الاتحاد ففي قوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام وهو الايمان او الكامل منه وفي الكافي قال قال امير المؤمنين عليه السلام لا نسبن الاسلام نسبة لم ينسبه احد قبلي ولا ينسبه ( ينسبها في الموضعين خ ) احد بعدي الا بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الاقرار والاقرار هو العمل والعمل هو الاداء ان المؤمن ( من خ ) لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن اتاه من ربه فاخذه ان المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى انكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا امرهم فاعتبروا انكار الكافرين والمنافقين باعمالهم الخبيثة ه فالايمان الكامل هو الاسلام الكامل الحقيقي واول ما يخرج الكافر من دار الكفر يدخل دار الاسلام وبين هذه المرتبة والمرتبة الكاملة منه مراتب متعددة يجتمعان في بعضها في الجملة ويفترقان في بعض على ما هو المعروف واذا اطلق الحق على الاسلام فيراد به الخالص سواء كان كل احوال الشخص ام بعضها كما لو اعتقد وعرف واقر وعمل ام كان منه بعضها من ابعاضها وكل خالص منه معهم عليهم السلام سواء كان تمام الاعتقاد الحق والمعرفة والاقرار والعمل الحقة او بعضها او ابعاضها او بعض بعضها على نحو المعيات السابقة وسواء كان ذلك كله اصل الاصول كالذي هم قائمون به ويراد منهم ام فروعه كما قامت به الانبياء والمرسلون والملائكة المقربون والصديقون وفروع فروعه كما يكون من الخصيصين والخواص من المؤمنين ام من تبعية ذلك كما كان من سائر المؤمنين ام من تبعية الاتباع وهكذا كما يكون من الحق من سائر الخلق الى الجمادات المجيبة وكون الاسلام الذي هو الحق انه صفتهم ولازمهم او احدهما لازم الاخر الحق مع علي وعلي مع الحق يدور معه حيثما دار وفرعهم لكونهم علة او موصوفين به او انه فعلهم او اثر فعلهم او ان احدهما مبني على صاحبه وفيهم على نحو ما تقدم من نظائر هذه الظرفية او بمعنى انحصاره فيهم ودخول اتباعهم معهم فيه بالتبعية حال الاتباع وروى القمي عن الصادق عليه السلام ان الصراط ادق من الشعر واحد من السيف فمنهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر عليه ماشيا ومنهم من يمر عليه حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا فتترك شيئا ه وهذا الاخير هو من يدخل معهم عليهم السلام في هذا الحق في حال الاتباع دون حال المعصية فان المعصية هي متاع النار وما تتعلق به من الشخص وتصدر عنه هو البعض الذي تأخذه وهو حكمه تعالى في قدره قال تعالى معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده ومنهم بدؤه لان اول التسليم على نحو ما تقدم في حديث امير المؤمنين عليه السلام ما صدر عنهم قبل خلق جميع الخلق حين كونهم قبل الخلق والتكوين وقبل مواقع صفات تمكين التكوين تكونوا بتمكينه مسلمين بتسليمهم له سبحانه والمعني انه جل وعز خلقهم بكينونته فهم غير مكونين كتكوين من سواهم لان تكوين من سواهم لا يكون الا بعد وقوع رؤس المشية على تقديرات الهيئات لتمكينات تكوينات الاشياء فالتقديرات هي مواقع نجوم المشية وبهذه المواقع تتمكن تلك النجوم من التكوينات وهذه هي سبل العلة الفاعلية وسبل العلة القابلية على طبق كل رتبة من سبل العلة الفاعلية ففي التقدير تقدر وفي الهيئة تهيأ وفي التمكين تمكن وفي التكوين تكون ولما كان التقدير انما يكون في تعدد جهات الاجزاء والهيئة تكون عند تغاير الصفات والتمكين يكون في ربط المختلفات والتكوين يكون في احداث المسبوق المماثل والمركب ولو بجهتين كالوجود والماهية مثلا كان جميع الخلائق ممن سواهم داخلين في هذه القيود فيشملهم الوجود المقيد وهم عليهم السلام في اصل حقيقتهم قد سبقوا تعدد جهات الاجزاء اذ لا تركيب في تلك الحقيقة الا بالاعتبار فهي قبل التقدير ولا صفات لها متغايرة لعدم التركيب فهي قبل التغاير وقبل الاختلاف وقبل المسبوقية المتماثلة فلا يصدق عليهم التكوين المعروف ويصدق عليهم انهم كانوا بكينونته قبل التكوين وان كانوا حادثين اقامهم بمشيته وفتقهم ورتقهم بيده وهذا قول الصادق (ع) في استشهاده على هذا المعنى بقول امير المؤمنين عليه السلام الحمد لله مدهر الدهور وقاضي الامور ومالك نواصي حكم المقادير الذي كنا بكينونيته قبل الخلق والتمكين وقبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين منه بدأنا واليه نعود لان الدهر فينا قسمت حدوده ولنا اخذت عهوده والينا برزت شهوده الخطبة
فقوله عليه السلام غير مكونين يعني به غير مكونين بالتكوين المقيد ذي الحدود والاجزاء والكثرة بل مكونين بالتكوين المطلق وهو خلق النفس الواحدة في باطن قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقوله ازليين يعني به الازل الاضافي فانه يصدق على كل سابق كالقدم كما تقدم واذا قيل ازل الازال اختص بالواجب الحق جل وعلا ثم ابان حدوثهم وفقرهم اليه تعالى بقوله منه بدأنا اي بفعله اخترع وجودنا لا من شيء واليه نعود اي نستند اليه في كل حال من احوالنا والحاصل منهم الاسلام لانه التسليم واول تسليم خلقه الله هو تسليمهم له ورضاهم بكل ما يرد عليهم منه تعالى خلقه عنهم بل بهم اذ هو قابليتهم الطاهرة الزاهرة وهي الزيت الذي يكاد يضيء ويسلم الى الله تعالى في كل شيء ولو لم تمسسه نار اي يكاد يسلم قبل ان يخلق وهذا مرادنا من قولنا تكونوا بتمكينه مسلمين بتسليمهم له او انه صفتهم او فعلهم او اثرهم او انه في كل احكامه في الدنيا والاخرة عبارة عن التسليم لهم او الثناء عليهم او الثناء على الله تعالى بهم او بفعلهم او بكل ما لهم او عنهم وهو قوله واليهم وهم اهله اي القوام به او المستحقون له او لانه لهم شرع او لانه اثرهم او صفتهم او طاعتهم او الطاعة لهم او طريقهم وما اشبه ذلك ومعدنه لانه فرعهم وهم اصله او بينات جدهم صلى الله عليه وآله وهو زبره او كما مر من صفة غيره
وعلى السادس والسابع يكون المعنى ان المال والملك معهم لانهم يد الله في قوله تعالى قل من بيده ملكوت كل شيء او انهما خلقا لهم وان كان غيرهم قد شاركهم في شيء فان كان الغير من اعدائهم فهو غاصب معتد يدخل في قوله تعالى وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون اي ظلموا ال محمد حقهم وروي لو ان غير ولي علي عليه السلام اتى الفرات وقد اشرف ماؤه على جنبيه ويزخ زخيخا فتناول بكفه وقال بسم الله فلما فرغ قال الحمد لله كان دما مسفوحا ولحم خنزير ه وان كان من مواليهم فلهم ان يتناولوا منهما ما شاؤا بشرط موالاة المالكين لهما ومتابعتهم في احوالهم فحينئذ يلحقون بهم عليهم السلام في التملك التبعي وان كانوا في الحقيقة انما خلقوا وخلقا لهم صلى الله عليهم وقد صرح سبحانه في كتابه بالاشتراط وكنى عن الشرط بالتقوى والايمان والعمل ثم بالتقوى والايمان ثم بالتقوى والاحسان قال تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين وقد اشرنا فيما تقدم الى بيان التقوى والايمان والاحسان او انهم عليهم السلام في مقام الابواب هم المانون فيهما باذن الله وهم بامره يعملون او انهم الذادة القادة فيهما بتسبيب الاسباب والموانع ذلك تقدير العزيز العليم وفيهم على معنى معهم ومنهم لانهم هم حقائق النعم واصول الكرم او على معنى القادة الذادة واليهم بمعنى العلة الغائية لانه سبحانه خلق الخلق لهم وخلق المال والملك وما يتعلق بهما لهم ولتتم حاجات الخلق فاذا تم نظامهم انتفعوا بهم فيما يريدون من اقامة دين الله واعلاء كلمته وقد لوح سبحانه لمن اغترف من بحر تعريفهم الى انتفاعهم بسائر الخلق وبما خلق لهم من كل شيء في قوله تعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين فان من سواهم انعامهم وجلودهم ظواهرهم من الاعمال والاحوال والاقوال من افعال ذواتهم وعقولهم وارواحهم ونفوسهم واشباحهم واجسامهم وبيوتهم مقتضيات ما ذكرنا من تلك الجبال والشجر ومما يعرشون وهي بيوت افكارهم لتجمع اليها ما تلتقطه من متعلقات تلك المقتضيات وترتبه انظارهم ويترجمونه علوما واحكاما وهذه البيوت هي بواطن هذه الانعام من نفوسهم واشباحهم واجسامهم وهذه الجلود التي هي ظواهرهم من الاعمال والاحوال والاقوال افعالهم وهي صفاتهم وهي الاصواف والاوبار والاشعار ولهم عليهم السلام في ذلك متاع يتوصلون به الى متعلقات احكام شرعية تترتب عليها قوابل لا يجادات بها تتم اشعة انوارهم ونهاياتها على ما به يستقيم النظام عنهم لهم فيمجدون كرمه ويعظمون شأنه ويدمنون ذكره ويؤكدون ميثاقه كما يحب ان يكون ذلك وهذا هو المتاع الى حين اي الى انهم يملئون السموات والارض حتى يظهر الا اله الا هو وهم اصله ومعدنه لان المال والملك انما يتكونان من مادة وصورة فالمادة وجودهما من اشعة انوارهم والصورة ماهيتهما من اشعة صفاتهم كما مر
وعلى الثامن وهو الواجب اذا اريد به المعبود بالحق فكما مر وان اريد به الامر اللازم فكونه معهم انما هو لانهم هم الذين يعرفون مواقعه او يحكمون به او هم الملزمون به باذن الله تعالى لانه تعالى هو المالك او لانهم هم المملكون وان اريد به مطلق الثبوت فكذلك لان كل شيء من الخلق سواهم ليس ثابتا ولا ثبوت معه ما لم يكن عنهم او بهم قال تعالى كل شيء هالك الا وجهه وفي الدعاء وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم الخ ولا يجوز استعمال معناه الضدي هنا يعني بمعنى السقوط الا على تأويل الاسقاط كما اشار اليه سبحانه وتعالى وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فالساقط معهم اي بمعنى انهم يسقطونه بموجب اسقاطه او برفع ما قام به والتخلية من الاخير والاذن في السقوط من الأخير ايضا وفي تسبيح شهر رمضان ويسقط الورق بعلمه برفع الورق وفتحها فالنسختان مبنيان على هذين المعنيين وفيهم اذا اريد به المعبود بالحق سبحانه يعرف مما تقدم وان اريد به الامر اللازم كان المعنى انه عندهم او لاجلهم او بمعنى انه منحصر فيهم اذ كل حكم وجودي او شرعي لم يكن لهم لم يكن وان كان فهو باطل مع انه بهم ايضا لانه لا يكون شيء الا بالله فان كان حقا فمن الله وبالله وان كان باطلا فبالله لا منه ولا يكون شيء بالله الا بهم وعنهم لانه سبحانه جعلهم اعضادا لخلقه فلا يتقوم شيء من سائر الخلق بدونهم كما مر مكررا وفي الزيارة بكم يمحو الله ما يشاء وبكم يثبت او استقراره او في شأنهم اولهم ملكه او منهم منشأوه ومثله مطلق الواجب بمعنى الثابت وبمعني الساقط على التأويل المذكور ومنهم واليهم اذا اريد به المعبود بالحق قدر السبيل اي سبيل الله منهم واليهم بمعنى ان ما اظهر لخلقه واعطاهم من كل شيء فهو منهم كما مر واليهم كذلك لانه سبحانه خلق خلقه وما اعطاهم من كل شيء لهم عليهم السلام فهم الصراط الاعظم لله سبحانه ثم من دونهم سائر ما خلق منهم اليهم اي خلقهم من فاضل انوارهم واليهم يعودون كما بدأهم فالخلق سبيل الله من السبيل الاعظم اليه ان الينا ايابهم واذا اريد به الامر اللازم فالمعنى انه بالله يعني ما منهم بالله او من الله عنهم او بهم ويجوز من الله ثم منهم او من الله ومنهم اما بمعنى ان ما من الله فهو هم وهم اصل كل خير وكل خير منهم وما منهم فهو ما سواهم واما بمعنى ان ما منهم هو ما من الله او بالله واما بمعنى ما من الله سبحانه فهو ما منهم لانهم خزائن جميع امداداته وان كانت الامدادات تدريجية الظهور وقبل الظهور ليست شيئا الا ان اسباب ايجاداتها وعلل اكوانها صفات ذواتهم وصفات افعالهم ولم تتعلق المشية بشيء الا بهم وعنهم فصح انهم خزائن جميع امداداته فاذا ظهر لك هذا ظهر لك ان ما لزم وجوده لتمام مقتضياته وانتفاء موانعه من الكونين الوجودي والشرعي انما لزم بهم او عنهم او بالزامهم باذن الله وان ما اريد به الثابت فهو فرع ثبوتهم وما اريد به الساقط فعلى نحو التوجيه المتقدم وهم اصله ومعدنه على معنى ما تقدم في امثاله ونظائره
وعلى العاشر وهو الموجود الثابت ان اريد به المعبود سبحانه كان كما مر في كل الصور وكان وصفه بالثابت لبيان ما هو الواقع او ان الموجود بالوصف يختص به تعالى وان اريد به غير الله تعالى كان احق ما يطلق على الحق المخلوق لا سيما مع الوصف المذكور لانه بالنسبة الى جميع الخلق احق بالموجود الثابت لعدم تغيره فانه بالنسبة الى جميع الخلق ساكن وجميع الخلق تدور عليه لا تقف ابدا وهو قد يراد به المشية وهو الحق الذي خلق به السموات والارض وقد يراد به المقام الاول وهو الشائي وهو قول الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وقد يراد به محله وهو الحقيقة المحمدية وهي الزيت باعتبار كما قال تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار او الماء باعتبار آخر كما قال تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي او قابلية المشية نفسها بنفسها على اعتبار آخر ففي الاعتبار الاخير هو المشية وهو الحق المخلوق وهو الحق الذي خلق به السموات والارض وعلى هذه الوجوه فلا منافاة في كونه معهم لان الشيء يكون مع محله ومع معلوله ومع مفعوله ومع نفسه وقد يطلق الحق المخلوق على الماء الثاني والمصباح الذي استنار به الكون وهو العقل الاول والروح الذي هو من امرنا وكونه معهم ظاهر وفيهم ومنهم واليهم وهم اصله ومعدنه كذلك ايضا لان العقل هو القلم وورد عنهم عليهم السلام انه اول غصن اخذ او نبت من شجرة الخلد وهي شجرتهم فهو معهم وفيهم ومنهم واليهم وهم اصله ومعدنه وقد يطلق ويراد بالموجود الثابت ما يغاير الموجود بعد فنائه والثابت قبل ان يوجد على رأي من يرى ان الثابت اعم من الموجود مثل من يقول ان الاعيان ثابتة في العين غير موجودة كما يقوله اهل التصوف مثل قول الملا محسن في الكلمات المكنونة فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في راي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل انتهى فهي عنده في عين ذاته بالقوة موجودة لكنها معدومة يعني غير متميزة كقطرة الماء في البحر ولا يصح ان يريد بها انها معدومة ليست شيئا بل يرى انها ثابتة ثبوتا مخالفا للعدم وانما لم يقل موجودة لانه يريد بالوجود والايجاد هذه التشخصات والحدود لانه في موضع آخر منها قال ان هذه الاعيان الثابتة ليست امورا خارجة عن الحق بل هي نسب وشئون ذاتية فلا يمكن ان تتغير عن حقائقها فانها حقائق ذاتيات وذاتيات الحق سبحانه لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والمزيد والنقصان انتهى كلامه ولو اراد انها ليست شيئا لماجعلها ذاتيات الحق اللاتي لا تتغير لان ذاتيات الحق ليست معدومات ولا عجب مما يعتقده فانه مذهب امامه مميت الدين ابنعربي ومثل من يقول ان الاعيان ثابتة في العلم غير موجودة ويجعلها صورا علمية معلقة بالقديم تعالى ومثل من يقول انها ثابتة في الامكان لم تلبس حلة الوجود فهي كالاواني الموضوعة في المكان المظلم فان الناظر اليها لا يرى شيئا وان كانت في نفس الامر متحققة فاذا اشعلت سراجا واشرق عليها ظهرت واهل هذه الاقوال الثلاثة كلهم اخطأوا الحق وقالوا بما ليس موجودا في نفس الامر ولا ثابتا ان هم الا يخرصون ومن قال بان الممكن لا يمكن ان يكون ممكنا لغيره وانما هو ممكن لذاته يلزمه القول باحد القولين الاولين البتة واما اهل القول الثالث فان ارادوا انها ثابتة بنفسها في الامكان فهم كالاولين وان ارادوا انها لم تكن شيئا اصلا لا موجودة ولا ممكنة بل كان الله سبحانه واحدا متفردا في وجوده ليس معه غيره ثم انه جعلها ممكنة فاذا اراد ايجاد ما شاء اوجده كما شاء فهو حق ولكنهم لا يقولون به لانهم يخبطون في القول والمعنى ويقولون المعقولات خمسة واجب لذاته وهو الله تعالى وواجب لغيره وهو المعلول عند وجود علته التامة وممتنع لذاته وهو شريك الباري وممتنع لغيره وهو المعلول عند عدم علته وممكن لذاته ولم يقولوا وممكن لغيره لئلا يلزمهم انه قبل فعل ذلك الغير اما واجب او ممتنع ولم يهتدوا الى الحق سبيلا فان الحق ان المعقول لا يكون الا مخلوقا وانه ليس الا الله وحده لا شريك له ثم احدث فعله واحدث به مفعوله لانه سبحانه امكنه في مشيته ولم يكن قبل ذلك ممكنا اذ ليس قبله الا الوجوب الحق فاذا اراد احدث ما اراد كيف اراد ولكن اكثر الناس لا يعلمون فاذا اريد بالحق الموجود الثابت مط وهو ما يغاير الموجود بعد فنائه والثابت قبل ان يوجد فيتناول الابداع والمبدع الاول وهو الماء الاول والعقل الذي هو المصباح وقد مرت الاشارة اليها والروح والنفس والطبيعة وجوهر الهبا وهذه معهم وفيهم ومنهم واليهم اما انها معهم فلانها متقومة بهم فلا تفارقهم واما انها فيهم فلانها ارواحهم القائمون باركان الوجود الموكلون بحمل العرش وما دونه واما انها منهم فلانها اغصان من شجرة هي حقيقتهم واما انها اليهم فلان ثمرتها مما هي قائمة به وموكلة عليه من خدمة الله في اقامة تسبيحه وتقديسه واظهار توحيده وعبادته في خلقه وما الامر عليه من عذر او نذر انما هي عنهم كما اشار اليه الحسن العسكري عليه السلام في شأن العقل الذي هو اولها قال وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة يعني انا عمرنا ارضنا ارض الامكان وغرسنا في تلك الجنان باسقات الاغصان وسقيناه بماء الوجود الذي هو حياتنا فاول من قبل النمو من تلك الاغصان روح القدس وذلك القبول هو اكل اول ثمرة الوجود فهم اصلها ومعدنها كذلك وانما حصرنا الموجود الثابت في هذه بناء على معتقد القوم ومصطلحهم من ان المجردات الدهرية قارة الذات باتة الثبات والتحقيق ان المخلوق ليس له ثبات الا بالاضافة الى ما دونه والا فحاجة المجرد الى علته ومبدئه اشد من حاجة من دونه وكلما قرب من المبدأ كان اشد حاجة وفقرا واسرع حركة حول مركز علته حتى يكاد يفنى عن نفسه فلذا كان اشد تحققا ممن هو دونه وكلما كان كذلك كان اشد تقلبا في ثباته وتغيرا في بقائه وكلما بعد كان اضعف حاجة وفقرا عند نفسه فلذا كان اضعف تحققا ممن هو فوقه واليه الاشارة بقوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة الاية هذا حكمه في نفسه وعند مثله والا ففي الحقيقة جميع الخلق في الحاجة والفقر والتغير سواء وانما تختلف الاشياء باختلاف اوقاتها وآجالها في الطول والقصر فاذا نظر الناظر الى المجرد وجده في بادي الرأي ساكنا ثابتا لطول اجله الذي يضمحل عند انقضائه واذا نظر الى المادي وجده متغيرا متبدلا لقصر مدته فيرى ان المجرد ثابت والمادي متغير وليس ذلك الا لاختلاف مدة البقاء
وعلى الحادي عشر وهو الصدق اعني ما يطابق الواقع من القول مطلقا سواء كان لفظيا او معنويا فيدخل فيه جميع الاعمال والافعال والحركات الحسية والنفسية والعقلية والسرمدية وهو معهم اما السرمدية فمنها السابق ذاتا ومنها المساوق ومنها اللاحق وصدق المعية على اللاحق انما هو باعتبار لزومه لهم ان كان متعلقا بما تحت حقيقتهم او باعتبار مساوقته لبعض تكميلات تلك الحقيقة فيكون لاحقا باعتبار ما سبق منها عليه او من تكميلاتها عليه واما العقلية والنفسية والحسية وسائر الاقوال المعنوية واللفظية فتصح المعية لكل نوع في رتبته من مراتبهم وما دونها مع المشاركة لصاحبة المرتبة فالعقلية معهم في رتبة العقول وفي رتبة الارواح مع مشاركة الروحية وفي رتبة النفوس مع مشاركة الروحية والنفسية وفي رتبة الطبائع مع مشاركة الروحية والنفسية والطبيعية وهكذا الى رتبة الاقوال الظاهرية بل الى رتبة الاقوال الحيوانية والنباتية والجمادية فكل شيء منها طابق الواقع فهو معهم في تلك الرتبة لان لهم ظهورا مع كل شيء فيترجمون ما يصل اليه من المدد الالهي بلسانه لانهم تراجمة وحي الله سبحانه وتعالى لكل مذروء ومبروء وفيهم يعني ان كل ما طابق الواقع من جميع مراتب الصدق فهو لهم او لاجلهم او عنهم ومنهم واليهم اي ان الصدق بكل نوع من انواعه منهم لانه فرعهم وفعلهم وصفة فعلهم واثره واليهم مرده او نفعه يعود او ينتهي حيث يعود كل شيء الى اصله وهم اصله ومعدنه اي انهم اصل الصدق لان الصدق في الاصطلاح هو القول الذي يطابق الواقع فالواقع هو الموجود في الكتاب الوجودي الالهي المعبر عنه باللوح المحفوظ وذلك هو نفسهم القدسية او نور نفسهم او نفسهم ونورها على اختلاف التعبيرات والقول اذا طابق في الاخبار به ذلك المعنى الموجود فهو الصدق ان اريد به محض المطابقة وكان فاعله صادقا وان لم يرد به ذلك كان القول في نفسه صدقا بل كان حقا ولم يكن صدقا الا على تأويل الحق لانهما في اللغة شيء واحد وانما يفرق بينهما في الاصطلاح بانه ان طابق الواقع القول كان حقا وان طابق القول الواقع كان صدقا فاذا لم يرد به الفاعل مطابقة الواقع كان حقا لمطابقة الواقع له وكان فاعله كاذبا والمراد بهذا القول قول كل لسان بكل لغة كما اشرنا اليه فاذا كان صدقا كان بارزا عن رضا الله ومحبته ورضا الله ومحبته فيهم لا يخرج شيء منهما عنهم لانهم هم الناطقون بالصدق على ذلك اللسان بل بهم وبفضلهم ترجم ذلك اللسان لكلامهم بنطقه عن نفسه لنفسه ولغيره فاذا عرفت هذا ظهر لك انهم اصل الصدق ومعدنه
وعلى الثاني عشر وهو الموت يكون معنى كون الموت معهم هنا هو عدم وجدانهم انفسهم حين وجدوا ربهم ولا يجوز ان يراد به الهلاك المعروف ولا الهلاك في الدين ولا العدم لانهم وجه الله الباقي بعد فناء كل شيء كما قال تعالى كل شيء هالك الا وجهه وقال تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام وقرئ ذو الجلال والاكرام ولا يختلف المعنى باختلاف القراءة عندنا لان الوجه المضاف يراد منه المضاف اليه اذ الاضافة بيانية على قراءة الجر ويجوز ان يكونوا هم المضاف والمضاف اليه هو الفعل او الوصف الاعلى والمقام الاولى وهو الرب المذكور في كلام الصادق عليه السلام كما في الكافي عن الصادق (ع) انه سئل كم عرج برسول الله صلى الله عليه وآله فقال مرتين فاوقفه جبرئل موقفا فقال له مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفا ما وقفه قط ملك ولا نبي ان ربك يصلي فقال يا جبريل وكيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي فقال اللهم عفوك عفوك الحديث يعني الاسم الاكبر المربي له صلى الله عليه وآله وهو عند علماء العرفان الاسم البديع وهو المربي للعقل الكلي والذي يظهر لي انه المقام الاعلى والوصف الاولى وهو في باب الايات من المعبود بالحق جل وعلا كالقائم من زيد وهو الشائي او المشية والمشاء ولمحمد وآله صلى الله عليه وآله مع ذلك حالات هو هم وهم هو الا انه هو هو وهم هم لانهم محله كالقيام والقائم فانهما معا صفة زيد صفة فعل ففي حالة اعتبار القيام في القائم وتقوم القائم بالقيام في الظهور والقيام بالقائم في التحقق هو هو وفي حالة اعتبار المغايرة احدهما غير الاخر فكان الموصوف بذي الجلال والاكرام هو الوجه الذي هو المقام الاعلى ففي الرفع يجوز ان يكون المراد بربك الاسم المربي فتكون الاضافة بيانية ويجوز هذا المعنى على الجر تبعا للفظ وان يكون المراد بربك المعبود بالحق جل وعلا ويجوز الجر ويراد بذي الجلال والاكرام هو الوجه يعني انه سبحانه وصف نفسه لخلقه بذلك الوجه ذي الجلال والاكرام ليعرفوه به اذ لا يعرف الا به ولا سبيل لاحد من خلقه ان يعرفه الا به وهو قول علي عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ه ولو قلت ان قوله ذي الجلال والاكرام بالجر صفة للمعبود بالحق لقلنا هذا حق لا شك فيه الا انه ان اردت بهذه الصفة صفته القديمة فليس لها عبارة لانها ذاته تعالى وان اردت بها صفته الاولى المحدثة فليست غير ذلك الوجه فافهم والمراد بالمقام الاعلى الذي هو الوجه المذكور المثل الاعلى الذي ليس كمثله شيء والفناء والموت والهلاك احدثها الله بهذا الوجه فلا تجري عليه وانما معنى كونه معهم وفيهم عدم وجدانهم انفسهم حيث وجدوا ربهم كما تقدم واما ان الموت منهم فان اريد به خروج الروح او الفناء يعني تفرق الاجزاء او عدم وجدان النفس عند وجدان الرب تعالى لمن دونهم اولهم فلهذا اختارهم الله على جميع العالمين فظاهر لانه سبحانه يفعل ذلك بهم لان اركان الوجود الاربعة الخلق والرزق والموت والحيوة من اشعة انوارهم او لوازمها على اعتبار ان الموت والفناء من المجتثات واما بالنظر الى الحقيقة فكل الاربعة من اشعة انوارهم او عنهم لان الله سبحانه اتخذهم اعضادا لخلقه وان اريد به هلاك الدين فمنهم ايضا لانهم كما كانوا يوردون المؤمنين طريق النجاة باعمالهم ومحبتهم كذلك هم يذودون الكفار والمنافقين عن طريق النجاة ويوردونهم طريق النار باعمالهم وبغضهم واما معنى كونه اليهم فانه يثني عليهم بالثناء الجميل اذ به تقع الاشياء مواقعها وتنعطف الفروع على اصولها وان من شيء الا يسبح بحمده وفي الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه واما معنى انهم اصله ومعدنه فيعرف مما سبق حيث تجعل المعاني في مواقعها
وعلى الثالث عشر وهو الحزم والحزم لغة ضبط الامر والاخذ فيه بالثقة ومعنى كون الحزم معهم ان هذا المراد منه وهو ضبط الامر والأخذ فيه بالثقة ان الله سبحانه خلقهم كذلك في حقائقهم وامداداته اياهم في وجوداتهم وقوابلهم في مراتب التكوين والتشريع مما اعطاهم وانزلهم منه هذه المنازل التي لا يحتمل الامكان اعلى منها كل ذلك بحقيقة ما هم اهله حين خلقهم وكذلك ما ترجموا لمن دونهم من فاضل ما امدهم واعطاهم وفيهم مما اقامهم به من ذلك واستحفظهم عليه لهم ولمن دونهم كما انزله سبحانه عليهم في كتابه الاول والاخر ومنهم الحزم في ارشادهم وتبليغهم وادائهم لكل ما يريد الله لعباده او من عباده بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء حيث امرهم فقال وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس اشيائهم وهو نصيبهم من الكتاب الذي قضى الله ان ينالهم على ايديهم واليهم كما تقدم في نظائره وهم اصله ومعدنه كما اشير اليه في بيان معهم وفيهم لانه لغيرهم فرع من فروعهم فهم اصله ومعدنه وحيث يكون لهم فهو صفتهم
واما على الرابع عشر فلا يراد هنا الا على تأويل انه فرد من افراد الوجود وكل الوجود بهم
قال عليه السلام : وميراث النبوة عندكم
قال الشارح (ره) من علوم جميع الانبياء وكتبهم واخلاقهم الكاملة حتى انه كان عندهم الواح موسى وعصاه وحجره وخاتم سليمن وقميص يوسف وذو الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه وعمامته ورايته وعنزته وغيرها وكان عندهم من الكتب الجامعة التي كان من املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط على عليه السلام بيده والجفر الذي فيه علوم الانبياء والمرسلين والمشهور انه الكتاب المعروف المرموز الذي بيننا وقيل غيره وهو عند صاحب الامر عليه السلام ومصحف فاطمة (ع) الذي فيه علوم ما سيأتي وكان باملاء جبريل عليه السلام وخط امير المؤمنين عليه السلام وكان ذلك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لدفع حزنها عليها السلام والمشهور انه الجفر الابيض الذي عندنا وهو كالجفر الاحمر في التركيب الا ان الجفر الاحمر من جميع حروف التهجي والابيض من الحروف النورانية التي في اوائل السور ويجمعها صراط علي حق نمكسه ( نمسكه ظ ) وقيل غيره وهو ايضا عند الصاحب عليه السلام ويظهر من بعض الاخبار ان الجفر الابيض غير مصحف فاطمة عليها السلام وانه ايضا كان عندهم وكان عندهم كتاب فيه اسماء شيعتهم وكتاب فيه اسماء مخالفيهم وبالجملة كل نبي ورث علما او غيره كما في الاخبار المتواترة فقد انتهى اليهم صلوات الله عليهم انتهى كلامه
اقول ميراث الانبياء على قسمين قسم يعدونه ميراثا وقسم لا يعدونه ميراثا والثاني هو ما تركوا مما يعد من حطام الدنيا من الدراهم والدنانير والخيل والانعام والحرث وما اشبه ذلك ولهذا ورد ان الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وانما ورثوا العلم فمن اخذ منه فقد اخذ بحظ وافر وورد ان العلماء ورثة الانبياء والمراد من نفي ما سوى العلم عدم اعتدادهم به مع انه قال الله تعالى مخبرا عن سؤال زكرياء من ربه وارثا يرثه وعن سليمن انه ورث من ابيه داود الصافنات الجياد ولكنهم لا يعدونه ميراثا لعدم التفاتهم الى الدنيا وما فيها والقسم الاول وهو ما يعدونه ميراثا قسمان احدهما العلم وثانيهما ما تركه الانبياء من آثار النبوة كنعل شيث وقميص يوسف وهذان يرثونهما لانهما علامة الامامة والولاية المطلقة وكل من كان عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله كان عنده العلم وميراث جميع الانبياء عليهم السلام وفي البصائر عن ابي جعفر عليه السلام قال ان السلاح فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل يدور الملك حيث دار السلاح كما كان يدور حيث دار التابوت اقول المراد بالملك المذكور الامامة كما قال تعالى وآتيناهم ملكا عظيما وهو الامامة وفيه عنه عليه السلام قال السلاح فينا بمنزلة التابوت اذا وقع التابوت على باب رجل من بني اسرائيل علم بنو اسرائيل انه قد اوتى الملك وكذلك السلاح حيثما دار دارت الامامة وفي ارشاد المفيد والاحتجاج عن سعيد السمان قال كنت عند ابي عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له امنكم امام مفترض طاعته قال فقال لا فقالا له وقد اخبرنا الثقاة انك تقول به سموا قوما وقالوا هم اصحاب ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب فغضب ابو عبد الله عليه السلام وقال ما امرتهم بهذا فلما رأيا الغضب بوجهه خرجا فقال لي تعرف هذين فقلت هما من اهل سوف وهما من الزيدية وهما يزعمان ان سيف رسول الله صلى الله عليه وآله عند عبد الله ابن الحسن فقال كذبا لعنهم الله والله ما رأه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولارءاه ابوه اللهم الا ان يكون رءاه عند علي بن الحسين عليهما السلام فان كانا صادقين فما علامة في مقبضه وما اثر في موضع مضربه وان عندي لسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وان عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه ولامته ومغفره فان كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله صلى الله عليه وآله وان عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله المغلبة وان عندي الواح موسى وعصاه وان عندي لخاتم سليمن بن داود (ع) وان عندي الطشت الذي كان موسى يقرب بها القربان وان عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله اذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين الى المسلمين نشابة وان عندي لمثل التابوت الذي جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني اسرائيل في اي بيت وجد التابوت على ابوابهم اوتوا النبوة ومن صار اليه السلاح منا اوتى الامامة ولقد لبس ابي درع رسول الله صلى الله عليه وآله فخطت على الارض خططا ولبستها انا فكانت وقائمنا من اذا لبسها ملأها انشاء الله وفي البصائر عن ضريس الكناسي قال كنت عند ابي عبد الله عليه السلام فقال ابو عبد الله ان عندنا صحف ابراهيم والواح موسى فقال له ابو بصير ان هذا لهو العلم قال يا ابا محمد ليس هذا هو العلم انما هو الاثرة انما العلم ما يحدث بالليل والنهار يوم بيوم وساعة بساعة وفي العلل عن الصادق عليه السلام في ذكر قميص يوسف عليه السلام قال المفضل بن عمر قلت جعلت فداك فالى من صار هذا القميص قال الى اهله وكل نبي ورث علما او غيره فقد انتهى الى محمد وآله اقول والاحاديث في ذلك كثيرة جدا في الخصوص والعموم ويكفي في ذلك الاشارة مع ان هذا معلوم من احاديثهم عند الشيعة وهي كثيرة مثل ما رواه في الكافي عن عبدالرحمن بن كثير عن ابي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان اول وصي كان على وجه الارض هبةالله بن آدم (ع) وما من نبي مضى الا وله وصي وكان جميع الانبياء مائة الف نبي وعشرين الف نبي منهم خمسة اولوا العزم نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وان علي ابن ابي طالب (ع) كان هبة الله لمحمد (ص) وورث علم الاوصياء وعلم ما كان قبله اما ان محمدا ورث علم ما كان قبله من الانبياء والمرسلين الحديث ومن ذلك ما تقدم في حديث ابان بن عثمن عن ابي عبد الله عليه السلام حين حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة ودعا عمه العباس بن عبد المطلب وامير المؤمنين عليه السلام وعرض عليهما الوصية واعتذر العباس وقبل علي عليه السلام فسلم اليه خاتمه والمغفر والدرع والراية والقميص وذا الفقار والسحاب والبرد والابرقة والقضيب والنعلين والقميصين والقلانس الثلاث والبغلتين الشهبا والدلدل والناقتين العضباء والقصوى والفرسين الجناح وحيزوم وحماره عفير وغير ذلك وكل ذلك معهم عليهم السلام مع ما ترك جميع الانبياء عليهم السلام مما يعدونه ميراثا من علم واثر وقد تقدم والابرقة ثوب طويل من الجنة يضيء بنور يكاد يخطف الابصار يشد بها وسطه مكان المنطقة وتفسير الشارح (ره) الجفر الاحمر انه من جميع حروف التهجي بخلاف الابيض فانه من النورانية المذكورة في اوائل السور لا ينطبق على اكثر رواياتهم ففي الكافي عن الحسين بن ابي العلا قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان عندي الجفر الابيض قال قلت واي شيء فيه قال فيه زبور داود وتورية موسى وانجيل عيسى وصحف ابراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة عليها السلام ما ازعم ان فيه قرءانا وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج الى احد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وارش الخدش وعندي الجفر الاحمر قلت واي شيء في الجفر الاحمر قال السلاح وذلك انما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل الحديث وما دل عليه هذا الحديث مخالف لما ذكره لانه قال عليه السلام ان الجفر الابيض فيه كتب الانبياء (ع) وهو رحمه الله مال الى انه ما اخذ من الحروف النورانية خاصة وذكر عليه السلام ان الجفر الاحمر فيه السلاح يعني حكم القصاص واقامة الحدود واحكام الجهاد وانه بعد ما ختمه رسول الله صلى الله عليه وآله لا يفتحه الا صاحب السيف وهو القائم عليه السلام والسيف ذو الفقار وهو كناية عن الجهاد في سبيل الله او سيف الحدود والقصاص او كناية عن القدرة والتسلط او عن انه لا تأخذه في الله لومة لائم وهو رحمه الله جعله المأخوذ من جميع حروف التهجي
قال عليه السلام : واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم
قال الشارح (ره) اي رجوعهم في الدنيا لاجل المسائل والزيارات وفي الاخرة لاجل الحساب كما روي عنهم عليهم السلام انهم الميزان اي الحقيقي او الواقعي او في الاخرة بقرينة وحسابهم عليكم كما قال تعالى ان الينا اي الى اوليائنا بقرينة الجمع ايابهم ثم ان علينا حسابهم وروي في الاخبار الكثيرة ان حساب الخلائق يوم القيمة اليهم ولا استبعاد في ذلك كما ان الله تعالى قرر الشهود عليهم من الملائكة والانبياء والاوصياء والجوارح مع انه قال تعالى وكفى بالله شهيدا وهو القادر الديان يوم القيمة ويمكن ان يكون مجازا باعتبار حضورهم مع الانبياء عند محاسبة الله اياهم انتهى
اقول قد تقرر في ادلة الكتاب والسنة في بواطن التفسير وفي دليل الحكمة ان الله سبحانه لا يجري افعاله في المفعولات الا على ما هي عليه مما ينبغي لها ويمكن فيها حين كونها وذلك لا يجري على جهة قسرها بل تكون في تكوينه لها مختارة ويلزم من ذلك ان افعالها تصدر عنها على جهة الاختيار وما تراه في بعضها من الاضطرار او الجبل بسكون الباء فهو ما يظهر لك في بادي الرأي ولو نظرت بالعين الحديدة ظهر لك انه ليس في شيء من الموجودات قسر اصلا بل كلها على الاختيار في صنع الله تعالى لها وفي صنعها لافعالها وما يصدر عنها وذلك شيء تكون به وتكون فيه وليست شيئا قبل بدئها واول ذكرها وهو سبحانه ذكرها بالاختيار واذا اردت معرفة كونها مختارة في كل حال فعليك بما كتبناه في الفوائد فاطلبه لتعرف حقيقة ما ذكرنا ثم انه جل وعلا نزلها من منازل ذكرها الاول في مراتب التكوين على حسب قبولها من عطائه لم تعدم في جميع احوالها اوامره بما فيه نجاتها ونواهيه عما فيه هلاكها وهي كما كانت مختارة في نفسها لانها صنع المختار بالصنع الاختياري كذلك افعالها مختارة في نفسها وفي تعلقاتها لانها صنع المختارين بالصنع الاختياري ولما كان الشيء المختار اذا لم يمنعه مانع من مقتضي اختياره لا يميل الا الى ما يلايمه وكان لا يلايم الشيء الا ما كان احدهما من الاخر او لازما له او متقوما به او مستمدا منه ومستعينا به وكان كل ما سواهم عليهم السلام من سائر الخلق اما لازما لهم متقوما بهم مستمدا من فضل خيرهم مستغنيا بهم او متقوما باللازم لهم لازما له كسائر اعدائهم فانهم ما وجدوا الا بفاضل وجود شيعتهم من جهة شمائلهم وجب في الحكمة رجوع الخلق اليهم كل واحد من الخلق يرجع بحكم التمكين والاختيار الى مبدئه منهم عليهم السلام ولما ثبت بالدليل كما اشرنا اليه فيما تقدم وقد يأتي ان المخلوق من حين ذكره الاول الذي هو مبدء شيئيته الى ان يعود اليه محتاج في بقائه الى المدد وفي جميع تلك المراتب في كل ذرة وحال هو مكلف محصور بالاوامر والنواهي في غيبه وشهادته وبينا سابقا ان كل ذرة في الوجود التكويني والتشريعي انما يوجدها الله سبحانه عنهم ولهم وقد انهي علمها اليهم في كل شيء من الوجودين وقد جعلهم سبحانه ما نين لكل ما شاء اي مقدرين كما تقدم عند ذكر بعض دعاء شهر رجب في بيان ومناة واذواد وجب في الحكمة الالهية ان يكون حسابهم عليهم وهذا بحمد الله لمن وفقه الله لفهم ما كشفنا له من السر واضح ليس عليه غبار بل ضروري لاولي الابصار الذين يفرقون بتوفيق الله بين الليل والنهار وذلك لبيانهم لهذا المعنى في احاديثهم في بواطنها وفي ظواهرها الاخبار عنه كثير فمنه ما في الكافي عن الباقر عليه السلام اذا كان يوم القيمة وجمع الله الاولين والاخرين لفصل الخطاب دعي رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) فيكسى رسول الله (ص) حلة خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب ويكسى علي (ع) مثلها ويكسى رسول الله (ص) حلة وردية يضيء لها ما بين المشرق والمغرب ويكسى علي (ع) مثلها ثم يصعدان عندها ثم يدعى بنا فيدفع الينا حساب الناس ونحن والله ندخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وعن الكاظم عليه السلام الينا اياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عز وجل حتمنا على الله في تركه لنا فاجابنا الى ذلك وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم واجابوا الى ذلك وعوضهم الله عز وجل وفي الامالي عن الصادق عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة وكلنا الله بحساب شيعتنا فما كان لله سألنا الله ان يهبه لنا فهو لهم وما كان لنا فهو لهم اقول والاحاديث في هذا المعنى متكثرة وانهم عليهم السلام اليهم يرجع حكم الاخرة كما يرجع حكم الدنيا وقد دل عليه العقل السليم والنقل في الكتاب العزيز ورد في تأويل قوله تعالى واليه يرجع الامر كله ما معناه ان الضمير في اليه للولي والضمير في فاعبده لله سبحانه ومعنى ذكر عبادته تعالى بعد ذكر رجوع الامر كله الى الولي عليه السلام ان المراد فاعبد الله بهذا الاعتقاد وهذه المعرفة لان ذلك افضل عبادة الله تعالى واشرفها واحبها اليه فانه جل وعلا يقبلها من العبد الأتي على ما هو عليه وروى الفقيه ابو الحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن شاذان رحمه الله في كتابه الذي جمع فيه مائة منقبة وفضيلة لاهل البيت عليهم السلام كلها من طرق العامة باسناده الى الحارث وسعد بن قيس عن علي بن ابي طالب (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا واردكم على الحوض وانت يا علي الساقي والحسن الرائد والحسين الامر وعلي بن الحسين الفارط ومحمد بن علي الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين وعلي بن موسى الرضا منير المؤمنين ومحمد بن علي منزل اهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب الشيعة ومزوجهم الحور العين والحسن بن علي سراج اهل الجنة يستضيئون به والهادي شفيعهم يوم القيمة حيث لا يأذن الله الا لمن يشاء ويرضى وباسناده قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن ابي طالب (ع) يا علي انا نذير امتي وانت هاديها والحسن قائدها والحسين ساقيها وعلي بن الحسين جامعها ومحمد بن علي عارفها وجعفر بن محمد كاتبها وموسى بن جعفر محصيها وعلي بن موسى الرضا معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها ومحمد بن علي قائمها وساقيها وعلي بن محمد سائرها وعالمها والحسن بن علي الهادي ناديها ومعطيها والقائم الخلف ساقيها ومناشدها ان في ذلك لا يات للمتوسمين
اقول ما دل عليه هذان الخبران وغيرهما مما يوهم اختصاص كل واحد منهم عليهم السلام بشيء من انواع الحساب والمجازاة والاعمال ليس لعدم صلوحه لغيره وعدم احاطته لان كل واحد منهم يقوم بكل شيء لانه الهيكل الاعلى والقلب الواسع في قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ولكن لما ظهروا في الهياكل المتعددة مع انهم شيء واحد لا كثرة فيه الا من جهة تغاير المكان والوقت والجهة والرتبة بنسبة بعضهم الى بعض والا ففي الحقيقة كما ان كمهم وكيفهم واحد كذلك هذه الاربعة بل لو قلت مع كمال التساوي والتعادل ان كمهم وكيفهم ايضا مختلفان بالنسبة صدقت فقد روي عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن الائمة (ع) بعضهم اعلم من بعض فقال نعم وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرءان واحد رواها الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصائر سعد بن عبد الله فلما ظهروا في الهياكل المتعددة لاختلاف المشخصات في الجملة اقتضت تلك الخصوصيات ترجيح صفة من صفاته تقتضي الحكمة اغلبية ظهوره بها وقد يظهر بغيرها لان سائر الصفات كلها تقتضيها تلك الخصوصيات ايضا الا ان الترجيح لا رجحية بعض المشخصات على بعض في الجملة والا فكلها عنده سواء لان حكمه عليه السلام مع باقيهم عليهم السلام ليس كحكم واحد من الناس مع الباقي لان المشخصات المقتضية فيهم للتعدد ضعيفة جدا لشدة الاتحاد بينهم لانهم نور واحد وعقلهم واحد ونفسهم واحدة ولهذا لا يقع بينهم اختلاف اصلا لا في علم ولا اعتقاد ولا حكم ولا قول ولا عمل ولا حال من الاحوال وانما يظهرون الاختلاف لحكمة يقصدونها وذلك لشدة وحدتهم كالذات الواحدة هي واحدة وفعلها واحد وانما يتعدد الفعل ويختلف باختلاف المتعلقات والاثار بخلاف سائر الناس وكون بعضهم اعلم من بعض لا ينافي اتحاد ذواتهم لانهم في مقام التساوي شيء واحد والزيادة شيء آخر كالتسعة فانها عين التسعة التي في العشرة وزيادة الواحد لا توجب تغاير التسعتين فاذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك ان المراد من قوله (ع) واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم الاياب اليهم يعني الى كل واحد وكذلك الحساب لا ان المراد ان الخلق يؤبون الى بعض او بعض الخلق الى بعض وبعض الى بعض اخر ولا ان حساب الخلق على بعض منهم او بعض الخلق على بعض وبعض على بعض آخر وان آب البعض او الكل الى بعض منهم او حاسب البعض او الكل بعض منهم لما قلنا في ترجيح بعض الصفات باعتبار المتعلق لان الواحد منهم عين الكل والبعض نفس البعض الاخر وكل واحد منهم عليهم السلام علة تامة لجميع الخلق اذ لا كثرة فيهم اصلا لانهم نور واحد فلو قال كل واحد منهم اياب الخلق الى وحسابهم علي لكان قوله صدقا بل حقا ثم اذا قلنا لك ان اياب الخلق اليهم نريد به ان كل فرد من جميع من سواهم من جماد ونبات وحيوان متوجه في سيره اليهم لانهم باب الله سبحانه وذلك كالاشعة من السراج فان كل جزء متوجه الى الشعلة المضيئة التي هي وجه النار الغائبة التي لا تدرك وليس لها تحقق ولا وجود الا بذلك التوجه لان الشعلة التي هي وجه النار الغائبة تمد الاشعة بما به بقاؤها فكذلك سائر الخلق فانهم عليهم السلام يمدونهم بما به بقاؤهم لانهم عليهم السلام وجه الله الغائب عن ادراك الابصار وكذلك اذا قلنا ان عليهم حسابهم نريد ان كل فرد من الخلق من جماد ونبات وحيوان حسابه عليهم لانه تنقلاته في الاياب اليهم حتى انك لتحاسب نفسك عن شيء ما او يحاسبك مثلك كذلك ولو كشف لك رأيت الذي يحاسبك الولي باذن الله الخاصة وهو تأويل قوله تعالى ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد وبالجملة فهنا اسرار لا تسعها الدفاتر ولا تكاد تميزها الخواطر
قال عليه السلام : وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم
قال الشارح (ره) وفصل الخطاب عندكم اي الخطاب الذي يفصل به بين الحق والباطل كما كان لامير المؤمنين صلوات الله عليه في الوقائع والاحكام فانه كان يحكم في كل واقعة بخلاف حكمه في الاخرة وروي عنهم ان لله تبارك وتعالى في كل واقعة حكما خاصا بها وسيجيء بعضها ويمكن التعميم بحيث يشمل جميع المسائل فانه كان لهم في كل مسئلة دليلا قطعيا يفرق بين الحق والباطل كما يظهر من الاخبار وآيات الله لديكم وهي اما المعجزات التي اعطيت جميع الانبياء (ع) وغيرها التي كانت بايديهم ويظهرونها بحسب المصالح او الايات القرءانية كما انزلت مع تفاسيرها ومحل نزولها وناسخها ومنسوخها وغير ذلك او الاعم لو لم ندخل الايات في المعجزات والا فكل آية بما فيها من الحقائق الكثيرة تدل على انها من الله تعالى وعلى صدق من ارسل اليه ومن يبينها وكتب العامة والخاصة مشحونة بذكر معجزاتهم مع ان ما وصل الينا بالنظر الى ما لم يصل الينا باعتبار حرق كتبنا كالقطرة بالنظر الى البحر وكذا ما اظهروه بالنظر الى ما لم يظهروه وعزائمه فيكم اي الجد والصبر والصدع بالحق او كنتم تأخذون بالعزائم دون الرخص او الواجبات اللازمة غير المرخص في تركها من الاعتقاد بامامتهم وعصمتهم ووجوب متابعتهم وموالاتهم بالايات والاخبار المواترة او الاقسام التي اقسم الله تعالى بها كالشمس والقمر والضحى بكم او لكم او السور العزائم او آياتها نزلت فيكم او قبول الواجبات اللازمة بمتابعتكم او الوفا بالمواثيق والعهود الالهية في متابعتكم انتهى
اقول فصل الخطاب الفصل بين اثنين والخطاب توجيه الكلام نحو الغير للافهام وقد ينقل الى الكلام الموجه نحو الغير وقيل فصل الخطاب هو فصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل وقيل الكلام المفصول الذي لا يشتبه على السامع وروي في عيون الاخبار عن الرضا عليه السلام انه معرفة اللغات وفي الجوامع عن علي عليه السلام هو قول البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وفي الكشاف وقيل للكلام البين فصل بمعنى المفصول كضرب الامير لانهم قالوا كلام ملتبس وفي كلامه لبس والملتبس المختلط فقيل في نقيضه فصل اي مفصول بعضه من بعض فمعنى فصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه ومن فصل الخطاب وملخصه ان لا يخطي صاحبه مظان الفصل والوصل فلا يقف في كلمة الشهادة على المستثنى منه ولا يتلو قوله فويل للمصلين الا موصولا بما بعده ولا والله يعلم وانتم حتى يصله بقوله لا تعلمون ونحو ذلك وكذلك مظان العطف وتركه والاضمار والاظهار والحذف والتكرار وان شئت كان الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور واردت بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والصواب والخطاء وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات وعن علي بن ابي طالب (ع) هو قوله البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وهو من الفصل بين الحق والباطل ويدخل فيه قول بعضهم اما بعد لانه يفتتح اذا تكلم في الامر الذي له شأن بذكر الله وتحميده فاذا اراد ان يخرج الى الغرض المسوق اليه فصل بينه وبين ذكر الله بقوله اما بعد ويجوز ان يراد بالخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخل ولا اشباع ممل ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله فصل لا نزر ولا هذر انتهى
اقول جميع ما نقل في معنى فصل الخطاب صحيح عندي لا ريب فيه لكن له معان ظاهرة ومعان باطنة فالظاهرة كما ذكر من الفصل بين شيئين من الكلام عند الانتقال من الكلام الاول الى الثاني سواء كان باما بعد وبعد ام لا والباطنة على انحاء متعددة منها ما روي انه قال امير المؤمنين عليه السلام البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه فان معناه يفصل بين الحق والباطل لان المعنى على ظاهره ان خطاب المدعي للمدعي عليه بطلب ما يدعيه وانكار المدعي عليه لذلك متلازمان على الثبوت والنفي فيفصل هذا الحكم بين هذين المتلازمين وهو خطاب كل منهما للاخر وعلى انه معرفة اللغات انه معرفة المراد منها اما بترجمة اللغة بلغة يفهمها من يوجه الخطاب اليه من لغته او غيرها مما يفهمها او معرفة حال ذلك الخطاب وهو ترجمة ذلك الخطاب بخطاب يكون صدقا بمطابقته للواقع او حقا بمطابقة الواقع له سواء كان الواقع واقعيا وجوديا او شرعيا مثلا انه على قول امير المؤمنين عليه السلام ان خطاب المدعي طلب الشيء والمنكر ينفيه وحال الخطاب فيهما الصادق المطابق للواقع الوجودي او الشرعي هو ما يقتضي ايراد البينة من المدعي لاثبات طلبه وايقاع اليمين من المنكر عند عدم بينة المدعي لنفي دعواه والبينة المقبولة من المدعي او اليمين من المنكر ترجمتا تلك الحال والحاكم هو العارف بهذه اللغات فان توفرت دواعي النور كان الواقعي الوجودي والا كان الشرعي وعلى انه فصل الخصام فالمراد به ما هو اعم من الدعاوي فيدخل فيه ما اختلف فيه انه حق او باطل كما في قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم والمميز للحق من الباطل بالحجة او بانقطاع الباطل او سلطانه او بظهور الحق او بقتل القائلين بالباطل جميعا وامثال ذلك هو فصل الخطاب المميز بين الحق والباطل وكل ما كان بهم او منهم او عنهم مما اشير الى ذكره في مقام الابواب بل وما فوقه وما تحته مما لهم من امر ونهي وصنع وتقدير في كل شيء فهو من فصل الخطاب الذي عندهم لانه قولهم عن الله وبالله او هو قول الله الحق انه لقول فصل وما هو بالهزل اي انه لقول هو فصل الخطاب فان كان بلفظ من اللفظ المعروف فهو الظاهر المشار اليه وان كان بلفظ من اللفظ الذي لم يكن مركبا من الحروف الهجائية وانما هو من الحروف الكونية على اي نحو كان فهو الباطن
وقول الشارح (ره) فانه يعني امير المؤمنين عليه السلام كان يحكم في كل واقعة بخلاف حكمه في الاخرة مدخول لانه ان اراد بقوله بخلاف مطلق المغايرة او بعكس الحكم لم يصح معناه لانه ان اراد بالاخرة هي الواقعة الاولى من غير اختلاف لم يصح مثل ذلك لان هذا خلاف الصواب كيف وقد روي عنه عليه السلام انه قال ما معناه لو سألتني عن مسئلة وسألتني عنها بعد سنة لم احكم فيها الا بما حكمت فيها اولا وان اختلفت الواقعتان ولو باختلاف موضوعها او محمولها او وقتها او غير ذلك مما يوجب تغيير متعلق الحكم ولو بشيء ما وجب تغيير الحكم وليس في مثل هذا عظيم امر يصلح دليلا لكون كلامه يفصل به الخطاب لتمييز الخطأ والصواب وان كانت جميع احكامه كذلك لكن لا يقال ان كلامه يفصل بين الحق والباطل لان له في كل واقعة حكما غير حكم الاخرى نعم يقال ان له في كل واقعة حكما يفصل به بين الحق والباطل لا ان له حكما فيها مخالفا لحكمه في الاخرى
وقول الشارح (ره) في بيان قوله عليه السلام وآيات الله لديكم وكذا في قوله عليه السلام وعزائمه فيكم صحيح متين وان كان على ما سلكنا في هذا الشرح يكون ما ذكره ظاهريا وهذا يفهم مما ذكرناه مرارا ونحن نشير الى شيء يكون اصلا لكلامه وان كنا ذكرناه سابقا فنقول قوله (ع) وآيات الله يعني بها المعجزات التي اجراها على ايدي انبيائه عليهم السلام مصدقة لدعويهم والتي لم يظهرها لاحد من الانبياء واجراها لهم وجعلهم يتصرفون في الوجود كيف شاؤا بل ورد عنهم عليهم السلام اذا شئنا شاء الله وذلك من اثر ما آتيهم الله من الاسم الاكبر الذي لا تسعه الارض ولا السماء لانه هو الاسم الذي استوى به الرحمن على العرش فصار العرش غيبا فيه فاعطى ذلك الاسم بالله كل ذي حق حقه وساق باذنه الى كل مخلوق رزقه وهو مقامه الاعلى الذي لا فرق بينه وبينه الا انه عبده وخلقه وهو علة اقتضاء ذواتهم عند ميلها الى شيء من الاشياء انفعاله بما شاءت كيف شاءت وان كان خارقا للعادة لان الجاري على العادة انما تسهل صدوره على النفوس لانسها بوقوعه بتوفر اسبابه والخارق للعادة انما استصعبت النفوس صدوره لعدم امكان اسبابه عادة فاذا كانت الذات كاملة بقابليتها او بمتمم لاقتضائها سببية ذلك بحيث تكون بما فيها تامة للعلية الموجبة لصدوره كان وقوع ذلك الشيء من المعتاد ودل وقوعه على كمال مقتضى ذلك كمالا خارجا عن ابناء ذلك النوع وعلى ان ذلك لو كان من نفس ذلك المقتضى لما كان من ابناء ذلك النوع لعدم تجويز وقوع مثل ذلك من شخص من ابناء ذلك النوع فلما وقع من ذلك الشخص امر خارق لا يمكن وقوعه من مثله من ابناء جنسه دل على ان ذلك ليس من فعله بنفسه وانما هو من فعل الله سبحانه تصديقا لذلك الشخص فيما يدعيه لانه سبحانه اذا اراد من عباده شيئا من التكاليف لا بد من تعريفهم ولا يمكن على مقتضى الحكمة في الخلق الا بواسطة من هو من جنسهم ولولا ذلك الامر الخارق للعادة لما حصل فرق بين المحق والمبطل ولا يجوز اجراؤه على يد المبطل لان ذلك تفويت للغرض المطلوب وذلك الكمال المقتضي لما ذكر لو جاز ان يوضع في محل لا يكون صالحا له لكانت افعاله جارية على خلاف الحكمة ويلزم منه بطلان التكاليف والنظام بل يجب ان يكون المحل مجانسا للحال كما قال تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته فايات الله التي هي المعجزات اظهرها بهم لا نبيائه عليهم السلام لتصديقهم في اظهار امر ولايتهم اولهم لاعلاء كلمتهم وتأسيس مدائحهم التي تتلى بالسنة اعمال الخلائق وحركات اجسامهم ونفوسهم وعقولهم بنشر الثناء عليهم فتكون لديهم لانها صفاتهم وآثار افعالهم بل مظاهرهم وصور افعالهم وامثالهم وهي آياتهم وصورهم قال علي عليه السلام في بيان معرفته بالنورانية بعد كلام طويل وصار محمد صاحب الجمع وصرت انا صاحب النشر وصار محمد صاحب الجنة وصرت انا صاحب النار اقول لها خذي هذا ( وذري هذا ظ ) وصار محمد صاحب الرجفة وصرت انا صاحب العدة وانا صاحب اللوح المحفوظ الهمني الله عز وجل علم ما فيه نعم يا سلمن ويا جندب وصار محمد يس والقرءان الحكيم ون والقلم وطه ما انزلنا عليك القرءان لتشقى وصار محمد صاحب الدلالات وصرت انا صاحب الايات وصار محمد خاتم النبيين وصرت انا خاتم الوصيين وانا الصراط المستقيم وانا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولا احد اختلف الا في ولايتي الى ان قال يا سلمن ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال (ع) انا الذي حملت نوحا في السفينة بامر ربي وانا الذي اخرجت يونس من بطن الحوت باذن ربي وانا الذي جاوزت موسى ابن عمران باذن ربي وانا الذي اخرجت ابراهيم من النار باذن ربي الى ان قال وانا عذاب يوم الظلة وانا المنادي من مكان قريب قد سمعها الثقلان الجن والانس وفهمه قوم اني لاسمع كل قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم وانا الخضر عالم موسى وانا معلم سليمن وداود وانا ذو القرنين الى ان قال وانا تكلمت على لسان عيسى بن مريم في المهد وانا آدم وانا نوح وانا ابراهيم وانا موسى وانا عيسى وانا محمد انتقلت في الصور كيف اشاء من رءاني فقد رءاهم ومن رءاهم فقد رءاني ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس وقالوا هو لا يزول ولا يتغير وانما انا عبد من عباد الله لا تسمونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لم تبلغوا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر لانا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وامناء الله وائمته ووجه الله وعين الله ولسان الله بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم لكفر لانه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون يا سلمن ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين (ع) قال (ع) من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت واوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب يا سلمن ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال (ع) انا احيي واميت باذن ربي وانا انبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم باذن ربي وانا عالم بضمائر قلوبكم والائمة من اولادي (ع) يعلمون ويفعلون هذا اذا احبوا وارادوا لانا كلنا واحد اولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا فانا نظهر في كل زمان ووقت واوان في اي صورة شئنا باذن الله عز وجل كنا ونحن اذا شئنا شاء الله واذا كرهنا كره الله الويل كل الويل لمن انكر فضلنا وخصوصيتنا وما اعطانا الله ربنا لان من انكر شيئا مما اعطانا الله فقد انكر قدرة الله عز وجل الحديث
وقول الشارح (ره) او الايات القرءانية لا يريد باو الترديد بل المراد به معنى العطف وكونها عندهم ان تفاسيرها المتعددة من ظاهر وظاهر ظاهر الى سبعة ومن باطن وباطن باطن الى سبعة ومن تأويل وباطن كذلك وما يراد منها من امر ونهي ودعاء وترغيب وترهيب وقصص وامثال واخبار وحد ومطلع وعبارة واشارة وتلويح وتصريح وايماء ومجمل ومبين وعام وخاص وناسخ ومنسوخ وماض ومستقبل وشيء لشيء وشيء من شيء وشيء الى شيء وشيء في شيء وشيء بشيء وشيء بدل شيء وحقيقة ومجاز وحقيقة بعد حقيقة ومجاز بعد مجاز ومجاز بعد حقيقة وحقيقة بعد مجاز ومحكم وظاهر ومتشابه ومرجوح ومتساوي وابهام وايهام واختبار وتعمية وفتنة ومخادعة وغير ذلك مما اشتملت عليه آيات القرءان عندهم لان القرءان وجه الفعل في ايجاد الاشياء بخلق وجعل وتقدير وفي رواية العياشي باسناده عن حمران بن اعين عن ابي جعفر عليه السلام ظهر القرءان الذين نزل فيهم وبطنه الذين عملوا بمثل اعمالهم اقول لهذا الحديث الشريف ظاهر وباطن فالظاهر في قوله ظهر القرءان هو ان معناه ان الظاهر حكم النزول كما نزلت انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون في تحريم هذه الاشياء والباطن فيها انه سبحانه نهي عن اتباع رجل اعرابي وثان مثله وثالث ورابع وموالاتهم وحرمها على كل مسلم وعلل ذلك بقوله انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء لمحمد واهل بيته عليه وعليهم السلام في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله محمد صلى الله عليه وآله كما قال تع ذكرا رسولا وعن الصلوة ولاية علي عليه السلام وانها لكبيرة الا على الخاشعين والظاهر في قوله وبطنه الذين عملوا بمثل اعمالهم هو انه اذا ذكر سبحانه قوم شعيب مثلا وانهم عذبوا بعذاب يوم الظلة لانهم يبخسوا المكيال يريد بهم من بخس المكيال من هذه الامة وانهم يعذبون بعذاب يوم الظلة بمعنى انه لا يموت شخص من هذه الامة كان يبخس في الكيل وهو غير تائب توبة نصوحا الا بعذاب يوم الظلة وان لم يشاهده اهل الدنيا لحكم قوله تعالى ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعي هذا ظاهر ما اراد من هذا البطن واما باطنه وهو ما يدل عليه فهو من معناه ومن دلالاته ما ذكرنا من بعض معاني الفاظه الاحد والعشرون التفسير الدائرة على امور ذكرنا منها ستة واربعين يعني انهم يعملون بمثل قوابلهم اي بنفس قوابلهم لاثر القرءان حيث كانت عنه مقبولاتهم لانه وجه الفعل ومقبولاتهم اثره لان الفعل وان كانت شيئية المفعول من شيئيته الا انه لاضمحلاله في ظهور الفاعل به وظهور المفعول به كأنه امر اعتباري بالنسبة الى توهم الاوهام والي ما يظهر في لفظ معنى التكوين اذا قال كن فيكون فان فاعل امر الفاعل هو المكون لان ضمير كن يعود اليه وان كان كن امرا لله تعالى فهو ذو التحقق والظهور في التكون عند خفاء التكوين لشدة البساطة والمغايرة لاثاره فلا تدركه لانه انما يظهر بها بل لا يكاد يعرف له تحقق الا بها وان كان في الواقع لا تحقق لها الا به بل انما هي عبارة عن ظهوره فهي تأكيد له كمثل ضربا فانه تأكيد لضرب فحيث كانت علة مدركيته صح ان تكون باطنه كأنه بدونها اعتباري او ان تبيانه لكونها عاملة بمثل اعمالها او باعمالها باطن لتبيانه ما ذكر او لان كون باطن ارادة الاولين بالذكر هو ارادة من عمل عملهم من هذه الامة او ان ايجاد هذه الامة باطن ايجاد الاولين ممن هو على سننهم او ان ذكرهم باطن ذكر الاولين كذلك او ان المقصود هؤلاء بالذات واولئك انما قصدوا بالعرض اما لان هؤلاء المقصودون بالخطاب والانذار والتبشير وذكر اولئك على جهة التمثيل كما ذكرنا بالعرض او من جهة ان هؤلاء في الخير والشر اصل اولئك ومما يشير الى بعض ما ذكرنا ما روي عن ابي عبد الله عليه السلام قال نزل القرءان باياك اعني واسمعي يا جارة وعنه عليه السلام قال ما عاتب الله فهو يعني به من قد مضى في القرءان مثل قوله ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا عني بذلك غيره اقول ورد في هذه الاية اخبار كثيرة بعضها يدل على ان المراد به النبي (ص) وبعضها المراد به غيره والكل له وجه وتفصيل ذلك يطول ولكن اشير الى قليل منه يعرف المراد بالتعريف منه انه (ص) عني بذلك لرفع التهمة عنه بانه مفتر اذ لو كان مفتريا لما تهدد نفسه وعاتبها وليدل على انه عبد مأمور او على فرض المسئلة لو لم نجعلك معصوما لوقع ذلك منك او لبيان وجه معذوريته فيما يفعل من اوامر الله او في خصوص امر الولاية او فرض ذلك فتنة لمن يتهمه لينطق بما اضمر او لبيان حكم العبودية عند الربوبية ولهذا نقل في مجمع البيان قيل لما نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وآله اللهم لا تكلني الى نفسي طرفة عين ابدا وما اشبه ذلك ومنه انه لم يعن بذلك وانما هو من باب اياك اعني واسمعي يا جارة كما روي وفي هذا اشكال وهو ان ظاهر هذه الرواية كما تقدم انه انما عاتب غيره ممن هو من المذمومين وعلى هذا كيف يصح انه ثبته الله لان ذلك الغير ممن خذله الله حتى تولي غير ولي الله ويمكن ان يراد بهذا الغير سائر المؤمنين من الممدوحين بل الانبياء عليهم السلام كما دلت عليه النصوص وهذا الركون القليل الصادق بمجرد الميل والالتفات لا ينافي العصمة كما دلت عليه النصوص في ابتلاء الانبياء بترددهم او توقفهم في الولاية وبيان هذا التوقف قد اشرنا اليه فيما تقدم بما لا ينافي العصمة بوجه ما لانه في الحقيقة التفات مجرد او تنبه في التفهم او باقتضاء البشرية او مطلق القصور كما ورد ان العقل ما اكمله الله الا فيمن يحب وهو محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله ومنه ان المعنى بذلك هو النبي صلى الله عليه وآله بسبب ما ضم اليه من محبيهم وشيعتهم كما قيل انما نسي آدم عليه السلام حين عهد الله لما في صلبه من الذرية الذين شأنهم النسيان او يقع منهم النسيان وكذلك لما رأي ذريته في الذر ورأى ابنه داود عليه السلام قصير العمر عمره اربعون سنة واستقله ووهبه من عمره ستين سنة وكتب عليه كتاب بذلك وشهد عليه فيه جبريل وميكائل فلما حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة قالوا انت وهبتها داود فانكر ذلك وشهد عليه جبرئل وميكائل فقبض روحه ملك الموت فانكاره لما في صلبه من ذر المنكرين فلما تحمل صلى الله عليه وآله تقصيرات شيعة اهل بيته وفيهم من كاد يركن الى الذين ظلموا ال محمد حقهم لما فيه من اللطخ لولا ان ثبته الله فخوطب صلى الله عليه وآله بحالهم لتحمله عنهم او عنوا بخطابه لا نضمامهم اليه كذلك وعن الفضيل بن يسار قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية ما في القرءان آية الا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف الا وله حد ولكل حد مطلع ما يعني بقوله ظهر وبطن قال ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما تجري الشمس والقمر كلما جاء منه وقع قال الله تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم نحن نعلمه اقول البطن الذي هو تأويله منه ما مضى اي وقع تأويله والمراد ما ظهر في هذا العالم من المفعولات والاحكام وما وجد في الاعتقادات كما في تفسير قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه فان من باطنه ان كل شيء ضال باطل دينه الا وجهه وهو محمد وآله الطاهرون صلى الله عليه وآله وشيعتهم فمعنى الهلاك هلاك الدين او ان المراد منه كل شيء ميت او فان الا وجهه محمد وآله صلى الله عليه وآله فانهم باقون ان ماتوا لم يموتوا وان قتلوا لم يقتلوا ولقد روي في قوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ما معناه انه اذا نفخ اسرافيل في الصور نفخة الصعق مات كل ذي روح وبطلت كل حركة وبقيت الافلاك ساكنة عاطلة اربعمائة سنة فينادي الجبار جل جلاله يا ارض اين ساكنوك اين المتكبرون اين الجبارون اين من اكل رزقي وعبد غيري اين الجبارون اين الذين ادعوا معي الها آخر لمن الملك اليوم فلا يجيبه احد فيرد على نفسه فيقول لله الواحد القهار وروى ثم تنطق ارواح انبيائه ورسله وحججه فيقولون لله الواحد القهار وروي عنهم عليهم السلام ما معناه نحن السائلون ونحن المجيبون وهذا ونحوه مما وجد في الاعتقادات من البطن واما ما لم يكن بعد من الحوادث والاحكام فمنه ما ينزل محتومه على امام العصر عليه السلام في ليالي القدر وفي الوقت بعد الوقت والساعة بعد الساعة واما ما كان من الاعتقادات فاكثره لم يظهر في اهل الدنيا الى ان يقوم القائم عليه السلام عجل الله فرجه لان الناس لا يطيقونه فاذا قام عليه السلام واشرقت الارض بنور ربها استنارت قلوبهم واحتملوه ومنه ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث جابلقا وجابرصا الى ان قال عليه السلام يتلون كتاب الله عز وجل كما علمناهم وان ما في تعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولانكروه ه اقول والحد الحكم والمطلع بتشديد الطاء وفتح اللام محل الاطلاع من موضع عال يعني مصعدا يصعد اليه من علمه وعنه عليه السلام ان للقرءان ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا الى سبعة ابطن وعن امير المؤمنين عليه السلام ما من آية الا ولها اربعة معان ظاهر وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو احكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد بها ومن طريق العامة عن الصادق عليه السلام انه قال كتاب الله على اربعة اشياء العبارة والاشارة واللطائف والحقائق فالعبارة للعوام والاشارة للخواص واللطائف للاولياء والحقائق للانبياء
والحاصل ان كل شيء فبيانه بكل ارادة في القرءان قال الله تعالى ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فقول الشارح (ره) فكل آية بما فيها من الحقائق الكثيرة الخ يراد منه ما اشرنا اليه وكل ذلك عندهم او المراد بالايات ما اودعه الله سبحانه في سائر خلقه من الامثال التي ضربها للخلق مما فيه اعتبارهم وتعليمهم وتعريفهم وجميع ما يراد منهم مما نصبها آية مبينة مبصرة في الافاق وفي انفس الخلق كما قال تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وضربنا لكم الامثال سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وكل ذلك لديهم اما بمعنى انهم العالمون الذين يعقلونها او انها ضربت لهم او انها صدرت عنهم او انها آياتهم او انها آيات محامدهم والثناء عليهم او انها من صفاتهم وآياتهم او انهم المعرفون بها او الدالون عليها او الموردون حياض الانتفاع بها والذائدون عنها او انها هم وكونهم لديهم لان الشيء عند نفسه ما دام هو اياه ويتقوم بنفسه ويمسكه الله به فهو لدي نفسه ما شهدها واذا فقدها لم يكن لدي نفسه ولو في الوجدان
وقول الشارح (ره) في وعزائمه فيكم صحيح مليح ولكن في بعضه اجمال يحتاج الى تفصيل وفي بعضه تسامح واقتصار والكلام في كل كلمة يطول به المسلك زيادة عما سلكناه فنقتصر في ما ذكر على ما ذكر بقي حرف اغفله كما هي عادته او مبلغه وهو انه من معاني العزائم هنا احتامه في الاكوان بماضي مشيته ونافذ حكمه فيما كان وما يكون مما انطوت عليه خزائن عرشه من الخلق والرزق والموت والحيوة بمقتضي اعمالهم الشرعية والكونية والزامه في الاحكام التشريعية وهي ما توعد على تركها بالعقاب لا انها ما قابل الرخص كما يظهر من عبارة الشارح على بعض وجوهه اذ من الرخص ما يكون عزيمة كالقصر للمسافر بل كل رخصة نص الله عليها فقد عزم بها الا ما اخرجها بدليل من نص في كتاب او سنة او دليل عقلي قطعي او اجماع ولذا روي عن النبي صلى الله عليه وآله ان الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه او قال بفرائضه فخذوا برخص الله ولا تشددوا على انفسكم ان بني اسرائيل لما شددوا على انفسهم شدد الله عليهم اقول والتشديد منهم ترك الرخص ومنه تعالى ايجاب الاخذ بها او دليل لا يجاب الاخذ بها فالعزيمة الالزام بالحكم سواء كان للاقتضاء او الوضع او بالرخص وسواء كان مطابقا للواقعي الوجودي المتحد او الواقعي التشريعي المتعدد
واما ما كان مطابقا للاعتقاد مطلقا او الراجح او الظن او الشك او الوهم او المرجوح او الريب او الوسوسة او النجوى او السفسطة فعلى الظاهر ان العزيمة لا تنزل لاقتضاء شيء منها لانها على الظاهر لا حقائق لما تعلقت به في الواقع وان دارت بين ثابت وغيره اما الاعتقاد فان كان عن علم كان علما والا فهو دعوى علم وان طابق الواقع عن غير علم او لم يطابق وهو معنى الاطلاق في عبارتنا فلا متعلق لها ظاهرا واما الراجح والظن فان كانا ممن له الاستيضاح فهما علم لا انهما ظاهر او ظن قائمان مقام العلم على ما حققناه في الفوائد التي كتبناها في اصول الفقه والا فلم يتحقق متعلقهما تحققا متعينا يصلح لا نزال العزيمة والفرق بينهما مع اشتراكهما في الرجحان ان الراجح هو ما تظهر امارات تحققه في نفسه بنفسه وانتفاء الطرف المقابل له والظن تظهر امارات تحققه وانتفاء الطرف المقابل له في نفس الظان او من خارج غير جهة المظنون واما الشك فهو تردد النظر في الطرفين وانتقاله من واحد الى الاخر قبل استقراره وان قوي ميله الى احدهما دون الاخر ما لم يكن ذلك الميل سببا لزهده في ذلك لان مجرد الميل لا يخرجه عن التساوي في الجملة وما هذا شأنه لم يستقر له متعلق يستقر فيه فلا تقتضي الحكمة انزال العزيمة في مثل ذلك ولو فسرناه بقول من جعل الشك عدم تحقق شيء او نفيه لكان عدم التحقق اولى واما الوهم وهو الطرف المرجوح من الظن والمرجوح وهو الطرف المرجوح من الراجح فاولي بعدم التحقق المقتضي لعدم تعلق العزيمة واما الريب وهو احتمال الطرف المقابل للطرف المتحقق باستقرار النظر القلبي واطمئنانه عليه ولا تحقق في متعلقه اذا كان الطرف المتحقق عن علم او لاحقا بالعلم كظن المستوضح بادلة الحق وترجيحه ولو كان الطرف المتحقق عن اعتقاد بغير علم او عن علم وانس نظره بذلك الريب فهو اول مبادي الشك ولا يزيد في كل احواله عن الشك وفي الحديث النبوي عنه صلى الله عليه وآله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا
واما الوسوسة فهو ان يلتفت النظر الى الطرف المقابل للحق او الى ما نهى عن الالتفات اليه غير مريد للالتفات ولا محبا له وانما ذلك لانه عود نفسه بالالتفات الى مثل ذلك من خدع الشيطان بواسطة الغفلة عن ذكر الله تعالى فتبعث النفس نظرها الى ذلك بما تعودته مما علمها الشيطان وعلامة هذا انه اذا وقع ذلك منه تضجر وتأوه وتألم لانه لا يحب وقوعه منه ولهذا قال صلى الله عليه وآله لمن وقع منه ذلك التأوه لاجل ما وقع منه ذلك محض الايمان ومتعلق هذا ايضا كذلك لا يعزم على المكلف به لعدم تحققه بل قد يعزم عليه باعتقاد عدم تحققه وعدم ضرره ولهذا قال صلى الله عليه وآله رفع عن امتي تسعة الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة وفي الخلق ما لم ينطق بشفة اقول قوله صلى الله عليه وآله والتفكر في الوسوسة يريد به ما كان في الله تعالى اذا تفكر فيما لا يجوز عليه تعالى كما تفكر الرجل الذي اتاه (ص) فقال يا رسول الله هلكت فقال له هل اتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله تعالى فقال لك الله من خلقه فقال له اي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك والله محض الايمان قال ابن ابيعمير فحدثت بذلك عبدالرحمن بن الحجاج فقال حدثني ابي عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما عني بقوله هذا والله محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيث عرض ذلك في قلبه انتهى وقوله وفي الخلق اذا ظن خلاف مقتضي الشرع في احد اذا لم يتكلم به وكان ذلك ايضا وسوسة بغير تعمد وقصد
واما النجوى فهو ان يذكره الشيطان شيئا ينافي الحق او المحبة في اليقظة او في النوم وربما استجره الى ما يناسبه فيذكره القائل به وربما قاده الى انه لو كان القائل كيف كان يكون فيدخل هما من ذلك عليه وربما يكون ذلك الهم شاغلا عن حظه من ذكر الله وربما يكون منشأ للوسوسة فمثال ما ينافي الحق كأن يذكره ولاية الغير ويستجره الى ان تلك ولاية تدعو الى النار لمناسبتها لدخول النار ثم يذكره فلانا الذي تولى ذلك الامام الضال المضل ويقوده الى ان يفرض نفسه لو كان هو المتولي فيدخل عليه من ذلك هما يشغله عن ذكر الله ومما ينافي المحبة مثلا انه اذا كان يقرأ في قوله تعالى ولكن تعمي القلوب التي في الصدور يسبب له سببا حتى يمس صدره عند قرائة هذه الاية فيذكره ان ذلك المس قد يكون سببا لان يدخل قلبه في اطلاق هذه الاية فيدخل عليه من ذلك حزنا يشغله عن ذكر الله وفي النوم كما يصور له ما ينافي الحق او محبته بحيث يحزنه كذلك قال الله تعالى انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون يعني بان يذكر الله كما تقدم سابقا ويعتقد ان ذلك لا يضره الا ان يشاء الله فيستريح من ذلك الهم والحزن فيذهب عنه طائف الشيطان وهذه النجوى بجميع انواعها لا تحقق لمتعلقها فلا عزيمة فيها والفرق بين النجوى والوسوسة ان النجوى يقدر المكلف على الخروج عنها ما لم تعتد نفسه بها فتكون من الوسوسة لان الوسوسة بسبب اعتياد النفس بها لا يكاد يتمكن من تركها لظهور الشيطان في النفس التي تعودت بذلك حتى ملك قيادها فهو يأمرها وينهاها فهي تطيعه كارهة له ولطاعته
واما السفسطة فهو اعتقاد ان كل ما يمكن موجود او يجوز ان يوجد في عالم الاجسام على جهة التمايز ولا تزاحم بين شيء منها بحيث يكون الف جبل مثلا كل واحد منها طوله خمسة فراسخ وعرضه فرسخ قد حلت كلها في بيت حيوان اصغر من النملة فلما كانت تلك الجبال الجسمانية في هذه المحل الصغير الجسماني بقي منه مكان يسع اجرام السموات والارض ويدخل ذلك الحيوان في بيته ولا يحس بشيء من تلك وهي اجسام محسوسة في مكان محسوس ولا شك ان هذه لا تحقق لشيء منها فلا يعزم فيها فهذا الكلام ومثله في هذه الاشياء المذكورة على الظاهر
واما على جهة الباطن فكل شيء من هذه الامور فلها تحققات لكل بنسبته فكما ان المعلوم متحقق كذلك المعتقد بفتح القاف والراجح والمظنون والمشكوك والموهوم والمرجوح والمستراب فيه او به والموسوس فيه والمناجي فيه او به والمسفسط فيه فان لكل تحققا في محله وكذلك فعل فاعله وكذلك حكم فاعلها معها وحكم فعله لها وحكم ما يترتب فيها من التكوينات بحسب ملائكتها او شياطينها وحكم ثوابها او عقابها او عدم المؤاخذة بها والتأثر بها وعدمه كما وكيفا في الوجود وشرعه وفي الشرع ووجوده فتجري عزائمه سبحانه فيما توفرت قوابله واسبابه منها بما احب منها وكره في تمكينها وتكوينها وكل ذلك عندهم كما دلت عليه رواية محمد بن سنان وغيرها كما تقدم عن ابي جعفر عليه السلام في قوله ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا الف دهر ثم خلق الاشياء واشهدهم خلقها واجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء وفوض امر الاشياء اليهم في الحكم والتصرف والارشاد والامر والنهي في الخلق لانهم الولاة فلهم الامر والولاية والهداية فهم ابوابه ونوابه وحجابه الحديث
قال عليه السلام : ونوره وبرهانه عندكم وامره اليكم
قال الشارح (ره) ونوره من العلوم والحقائق والهدايات وبرهانه من الدلائل والمعجزات عندكم وامره من الامامة واظهار العلوم اليكم كما روي في الاخبار ان الواجب عليكم ان تسئلوا ولم يجب علينا ان نجيبكم كما قال الله تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب والظاهر انه في غير الواجبات او التقية التي خصهم الله وشيعتهم بها او يكون من خصائصهم ولذلك يسمون باولي الامر او يكون المراد بالامر الفعل بان يكونوا نائبين عن الله تبارك وتعالى في الشريعة بحسب ما تقتضيه عقولهم المقدسة كما يظهر من الاخبار الكثيرة الواردة في التفويض الى النبي والائمة صلوات الله عليهم او يعم الفعل بالدعوات او بالتفويض كما يكون للملائكة ويظهر من الاخبار الكثيرة لكن منع الاصحاب من روايتها والعمل بها لئلا يؤدي الى القول بالوهيتهم كما وقع لبعض الناقصين من الغلاة كما ورد النهي عن النجوم لذلك كما سيجيئ انتهى
اقول النور قيل هو كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها وتلك اما من ذات الشيء كالشمس او من غيره كالجدار المستنير بنور الشمس والظلمة قال محققوا المتكلمين والمشاؤن من الفلاسفة انها عدم الضوء عما من شأنه ان يكون مضيئا فهي تقابل النور تقابل العدم للملكة وقال قوم انها كيفية وجودية فهي تقابل النور تقابل التضاد وقال ابن ابيجمهور في المجلي واما اهل الباطن والاشارات فقالوا ان كان في الوجود ما لا يحتاج الى تعريف وشرح فهو الظاهر الجلي في نفسه المظهر لغيره ولا شيء في الوجود اظهر من النور فلا شيء اغني منه عن التعريف فالنور هو الظهور وذلك اما لذوات قائمة بنفسها كالعقول والنفوس او هيئات نورانية قائمة بالغير روحانيا ولما كان الوجود بالنسبة الى العدم كنسبة الظهور الى الخفاء والنور الى الظلمة كانت الموجودات من حيث خروجها من العدم الى الوجود كالخروج من الخفاء الى الظهور والظلمة الى النور فيكون الوجود كله نورا والعدم كله ظلمة والنور والضوء عندهم واحد وينقسم الى ما هو نور وضوء في نفسه والى ما ليس بنور في حقيقة نفسه والاول ينقسم الى ما هو ليس بهيئة لغيره بل قائما بنفسه وتسمى بالانوار المجردة والنور المحض والانوار الالهية كالعقول والنفوس والى ما يقوم بغيره ويكون هيئة عارضة له ويسمى الانوار العرضية وهي ما لا تقوم بذاتها بل يفتقر الى محل تقوم به سواء كان محلها الانوار المجردة او الاجسام وتسمي بالهيئة والنور العارض والثاني وهو ما ليس بنور في حقيقة نفسه ينقسم الى مستغن عن المحل وهو الغاسق اعني الجوهر الجسماني المظلم في ذاته من حيث جسميته فانه مظلم لا نور فيه والي ما هو محتاج الى المحل فهو هيئة لغيره وهو الهيئة الظلمانية وهي المقولات التسع العرضية فليست الظلمة الا عدم الضوء والنور حسب على ما هو رأي الاشراقيين من الحكماء وليست الظلمة من الاعدام التي يشترط فيها امكان الاتصاف بالضوء كما هو رأي المشائين ومحققي المتكلمين فانهم قالوا انها عدم الضوء عن محل يمكن اتصافه بالنور ولهذا لم يكن الهواء عندهم مظلما لامتناع قبوله النور لشفيفه وعند الاشراقيين هو مظلم لانه ليس بمضيء وتمسك الاولون بالعرف ويكذب ادعاء العرف ان من كان سليم البصر وفتح عينيه في الليلة الظلماء ولم ير شيئا سمي ما عنده ظلمة جدارا كان او هواء او غيرهما انتهى
اقول ما ذكره الفريقان في حقيقة النور والظلمة مدخول يرد عليهم المنع في كثير مما قالوا نعم يمكن تصحيح ذلك او بعضه بالبناء على الظاهر واما اذا بني الامر على ما هو الواقع كما يحكم دليل الحكمة به فيتبين الخلل العظيم كقول الاولين الظلمة عدم الضوء بزعمهم انها ليست شيئا لانها عدم وكيف ذلك والله سبحانه خلقها واما الاخرون القائلون بانها كيفية وجودية فاصابوا في كونها وجودية وهي كيفية على بعض الوجوه لا في كل حال وقول اهل الباطن ولا شيء في الوجود اظهر من النور فيه ان الوجود اظهر منه واذا لم تلحظ الظهور الظاهري الذي عند العوام وانما تنظر بعين الحقيقة رأيت جميع افراد الوجود متساوية في الظهور فان النور كما يظهر بنفسه فالظلمة تظهر بنفسها وكما يظهر النور غيره كذلك تحجبه الظلمة فالفعلان في نفسيهما سواء والمظهر والمحجوب كان الوجود فيهما على السواء والاظهار والحجب من غيرهما وليس الاظهار اظهر من الحجب فافهم هذه الدقيقة التي اشرنا اليها على ان الظهور ان ارادوا به كالمنسوب الى النور عندهم لزمهم ان يكون هذا النور اظهر من خالقه تعالى وتقدس ان يكون شيء اظهر منه حيث قالوا لا شيء في الوجود اظهر من النور فان قالوا هو سبحانه نور بهذا المعنى قيل لهم هو ليس ظاهرا لغيره بنفسه لانا لا نريد بقولنا ظاهر بنفسه عند نفسه ولا عند من فوقه لان كل شيء بهذا المعنى ظاهر بنفسه يعني عند نفسه وعند من فوقه وانما نريد بالظاهر بنفسه عند من يساويه او من هو دونه فان قيدوا الوجود ايضا بالممكن قيل العقول ممكنة وليست ظاهرة بنفسها فان قالوا المراد تحققه في نفسه قلنا الغاسق المحجوب متحقق في نفسه فان قيل المراد ظهوره باثره قلنا يصدق على من تكلم في ظلمة تحجبه عن الرؤية وليس النور والضوء واحدا بل الضوء اقوى ولهذا قال تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا والمروي عنهم (ع) ان النور شعاع الضياء والضياء هو المنير وهو البهاء والنور سناء وقولهم اما لذوات قائمة بنفسها كالعقول والنفوس فهو ايضا جار على الظاهر واما على الحقيقة فليس شيء قائم بنفسه الا الله سبحانه وما سواه فقائم به قيام صدور وقولهم او هيئات نورانية الخ فيه ان كل حادث على الحقيقة ذات لما دونه هيئة لما فوقه فهي ذوات اضافية وهيئات اضافية لاشتراكها في افتقارها الى ما فوقها وافتقار ما تحتها اليها فكل محدث عرض بالنسبة الى ما فوقه جوهر بالنسبة الى ما دونه نعم هذا صحيح على الظاهر وقولهم فالوجود كله نور والعدم كله ظلمة انما يتمشي على الظاهر ايضا والا ففي الحقيقة ان ارادوا بالعدم الا شيء فليس ظلمة بل لا عبارة عنه حقيقة والظلمة شيء مخلوق والا فالعدم محدث فهو من الوجود فالظلمة وجود لا عدم فالاولى لهم ان يعرفوا الظلمة بغير العدم وبغير الخفاء ان ارادوا التعريف على الحقيقة وانما هي تعرف بالنقص وذلك ان الاشياء على ثلاثة اقسام قسم تزيد لطيفته من الفيض وخصوصيته من عناية ربه تعالى على نفس وجوده وهو الكامل كالسراج فانه بتماميته لا يحتاج في ظهوره الى ما يعينه وبكماله يتمم نقص الغاسق عن الظهور بنفسه كالحجر مثلا وقسم خصوصيته من العناية بقدر وجوده وهو التام كالجمرة مثلا فانها بتماميتها لا تحتاج في ظهورها بنفسها الى ما يعينها ولكنها لا تتمم غيرها لعدم فاضل خصوصيتها عن نفس وجودها وقسم خصوصيته من العناية انقص من وجوده كالحجر وهذا القسم يحتاج في ظهوره بنفسه الى ما يعينه والمظلم من هذا القسم والمنير من القسم الاول والنور والظلمة من القسم الثاني لان هذا القسم وجهه الاعلى الى المنير فهو منه وهو النور ووجهه الاسفل الى المظلم فهو منه وهو الظلمة فكمال النور من المنير ونقص الظلمة من المظلم وكمال المنير لكونه واجدا ونقص المظلم لكونه فاقدا والنور هو ظهور المنير به يعني ان ظهور المنير هو النور لا ان الظهور مغاير للنور لانه ليس شيئا الا ظهور المنير للغير لكن المنير لم يظهر بذاته وقيام تلك الصفة بموصوفها قيام صدور لا قيام عروض كما يدل كلامهم في قولهم والي ما يقوم بغيره ويكون هيئة عارضة له فنور الشمس مثلا كلمتها المتصلة المتتابعة فهو الفقير المطلق اللائذ بجناب المنير والسائل الواقف ببابه ووجهه هو المرئي من المنير والظلمة نفسه وماهيته من حيث هو هو وخلفه المقابل لوجهه فان قلت قولكم لا تعرف بالعدم وانما تعرف بالنقص متناقض لان النقص هو عدم شيء ويدل عليه قولكم ونقص المظلم لكونه فاقدا فيصير المعنى تعرف بالعدم لا تعرف بالعدم قلت ان اردتم بالعدم المعنى الوجودي قلت به وانما منعته لانكم تريدون به معنى عدم لا شيء فغيرت العبارة لاثبات الشيئية ولما كان هذا الشيء المشار اليه لا عبارة له الا عدم او نقص او فقدان مثلا ونفينا العدم الذي هو اظهر في لاشيء بقي ان المراد بالنقص شيء وجودي لانا لا نريد بالظلمة الا انية النور وهي موجودة وان كان وجودها مترتبا على وجود النور فهي شيء ولو لم تكن شيئا لم يكن النور شيئا فجعلناها نقصا لان تحققها انما هو بالنور وتمامها وشرط وجودها وتمام قابليتها للوجود هو النور فهي نقص النور وهو تمامها واثر كمال المنير ولما كان النور اثر المنير وصفته وفعله ومن فعله ومنسوبا اليه اطلق على فعل الله تعالى وفضله ونعمه وجميع ما منه تعالى والظلمة وان كانت وجودية فهي ايضا عن فعله وبفعله الا انها ليست من فعله ولا منسوبة اليه لانها ماهية اثر فعله وانيته فلا تطلق على فعل الله تعالى وفضله ونعمه وجميع ما منه وانما تنسب الى ما منه بدئت وهو نفسها قال الله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر فيقال نور الله ويراد منه فعله وهدايته وفضله ونعمه وعبده المطيع له الداعي اليه ولا يقال ظلمة الله وان كانت تنسب الى فعله ايضا لكن لما كان تأثير فعله على مقتضي القوابل وكانت قوابل النور والخيرات موافقة لامره ورضاه لانها اشباح امره ورضاه وهياكله نسبت الى فعله فيقال من فعله وقوابل الظلمة والشرور لما كانت مخالفة لامره ورضاه لانها اشباح عكوس اوامره ومضاداته وهياكلها وخلاف محبته لم يجز نسبتها الى فعله فلا يقال من فعله وانما يقال بفعله لا منه ولا اليه الا انها لا تكون الا عن نفسه ثم جعلنا الشمس عليه دليلا واذا عرفت هذا لم تعترض على ما قدمناه من ان الظلمة موجودة كالنور وان الوجود خير كله او انها تنسب الى الفعل كما ينسب النور اليه ولما كان النور موافقا لامر الله ومحبته ورضاه وارادته اطلق على كل خير فقيل في قوله تعالى الله نور السموات والارض يعني مدبر امرها بحكمة بالغة او منورهما بمعنى ان كل شيء استضاء به والمروي عن الرضا عليه السلام هاد لاهل السموات وهاد لاهل الارض وروى البرقي هدى من في السموات وهدي من في الارض وفي قوله تعالى ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور قيل من لم يجعل الله له نورا بتوفيقه ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له وعن الصادق عليه السلام اماما من ولد فاطمة عليها السلام فما له من نور وفي التوحيد في آية النور عن مولينا الصادق عليه السلام هو مثل ضربه الله لنا وعنه عليه السلام الله نور السموات والارض قال كذلك الله عز وجل مثل نوره قال محمد صلى الله عليه وآله كمشكوة قال صدر محمد صلى الله عليه وآله فيها مصباح قال فيه نور العلم يعني النبوة المصباح في زجاجة قال علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر الى قلب علي عليه السلام الزجاجة كأنها قال كأنه كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية قال ذاك امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار قال يكاد العلم يخرج من فم العالم من ال محمد (ص) من قبل ان ينطق به نور على نور قال الامام في اثر الامام وفي الكافي عن الباقر عليه السلام يقول انا هادي السموات والارض مثل العلم الذي اعطيته وهو نوري الذي يهتدي به مثل المشكوة فيها المصباح فالمشكوة قلب محمد (ص) والمصباح نوره الذي فيه العلم وقوله المصباح في زجاجة يقول اني اريد ان اقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة كأنها كوكب دري فاعلمهم فضل الوصي يوقد من شجرة مباركة فأصل الشجرة المباركة ابراهيم عليه السلام وهو قول الله عز وجل رحمت الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد وهو قول الله عز وجل ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم لا شرقية ولا غربية يقول لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق وانتم على ملة ابراهيم وقد قال الله عز وجل ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وماكان من المشركين وقوله يكاد زيتها يضيء مثل اولادكم الذين يولدون منكم مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون يكادون ان يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك وروى القمي عن الصادق عليه السلام عن ابيه عليه السلام في هذه الاية الله نور السموات والارض قال بدء بنور نفسه مثل نوره مثل هداه في قلب المؤمن كمشكوة فيها مصباح المشكوة جوف المؤمن والقنديل قلبه والمصباح النور الذي جعله الله فيه يوقد من شجرة مباركة قال الشجرة المؤمن زيتونة لا شرقية ولا غربية قال على سواء الجبل لا غربية لا شرق لها ولا شرقية لا غرب لها اذا طلعت الشمس طلعت عليها واذا غربت غربت عليها يكاد زيتها يعني يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضيء وان لم يتكلم نور على نور فريضة على فريضة وسنة على سنة يهدي الله لنوره من يشاء قال يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء ويضرب الله الامثال للناس قال فهذا مثل ضربه الله للمؤمن قال فالمؤمن من يتقلب في خمسة من النور مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومصيره يوم القيمة الى الجنة نور قال الراوي قلت لمولينا جعفر الصادق عليه السلام انهم يقولون مثل نور الرب قال سبحان الله ليس لله مثل اماقال فلا تضربوا لله الأمثال في بيوت اي كمشكوة في بعض بيوت او يوقد في بيوت يعني ذلك النور المضروب له المثل المذكور في الاية في بيوت اذن الله ان ترفع وتعظم كما قال تعالى لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه فانه سبحانه اخبر ان تلك البيوت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة اي قائمون بفرائض الله التي هي ولايتهم وفروعها وسننه التي هي الموالاة في الله والمعاداة في الله والمراد بها هنا غير ما هو من الفرائض كموالاة وليهم ومعاداة ولي عدوهم وكونها سننا لكونها تابعة لموالاتهم ومعاداة عدوهم فلا تلهيهم ولاية الاول والثاني ولا شيء من فروعهما عن النبي صلى الله عليه وآله ومتابعته في كل ما جاء به عن الله وهذا ذكر الله ولا عن الوصي عليه السلام ولا عن شيء من فروعه وهذا هو اقام الصلوة ولا عن احد من شيعتهم فيما عرفوا من الحق وقاموا بموجبه بشكر ما اتوا وهو ايتاء الزكوة ولا عن ظواهر هذه البواطن لان الظواهر فروع هذه البواطن كما ذكرنا وهذا على قراءة من لم يقف على اسمه ويقف على الاصال كما هو قراءة اهل البيت وقرأ به بعض القراء السبعة فاذا كان هذا النور الممثل به في هذه الاية في بيوت وهم الائمة عليهم السلام كما سمعت كان معنى الظرفية على نحو ما ذكرنا في قوله عليه السلام ان الحق معهم وفيهم بجميع الاعتبارات فراجع
والبرهان هو الحجة على نحو ما تقدم ذكره ويجوز الاتحاد كما هو في الاصل في الايجاد والتعدد بالاعتبار ويحتمل بينهما العموم والخصوص المطلق او من وجه فاذا عرفت ما ذكرناه في جميع حروفه ظهر لك ان نور الله وبرهانه على كل معنى تقدمت الاشارة اليه عندهم فاذا عرفت هذا فاعلم ان بين النور والبرهان المشار اليهما وبينهم عليهم السلام النسب المشار اليها اي الاتحاد باعتبار والتعدد باعتبار آخر ويحتمل باعتبار ان يكون بينهما العموم المطلق او من وجه والعند المذكور ان اريد منه معنى الظرفية لزمه حكم المتقدم في ان الحق فيهم وان اريد به معنى القرب المعنوي الذي بمعنى لدي اعتبر في المذكور حكم لدي اي الموافق له من النور والبرهان وان اريد به الظاهري اعتبر فيه منهما ما يوافق مقامه فالاتحاد في الاول ذاتي والتعدد والعموم بمعنييه اعتباري وفي الثاني الاتحاد والعموم بمعنييه اعتباري والتعدد ذاتي وفي الثالث الاتحاد والعموم والتعدد كالثاني في الجملة لان هذه الاعتبارات المذكورة فيها تسامح واجمال لئلا يؤدي الى الملال
وقوله عليه السلام : وامره اليكم يراد منه عند الاطلاق الشأن والشأن يستعمل في اشياء متعددة اعظمها قدرا وسعة وقربا وشمولا الولاية وليس وراء عبادان قرية لاشتمالها على جميع جهات مشية الله وما ترتبط به مما دخل في الامكان مما قضي وامضي او قضي ولم يمض واخترم او قدر ولم يقض او اريد ولم يقدر او كون ولم يرد او امكنه سبحانه ولم يكونه وهو مجموع شئون المعبود جل وعلا فيما سواه قال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وهذه الولاية المذكورة في هذه الاية الشريفة على تفسير الظاهر صعبة الادراك لا يعرف المراد الا المؤمن الممتحن الذي هو اقل من الغراب الاعصم واعز من الكبريت الاحمر وذلك لان الافهام انما تتوجه الى حق بحت وعلى هذا لا يحسن هنالك لاقتضائها المغايرة بين الولي والولاية والمغايرة منتفية في رتبة الذات البحت وعلى التفسير الباطن يهون الخطب على الافهام لاجل تقدير المضاف اي لولي الله الحق فان جعل الحق صفة للولي اريد منه الحق المخلوق على الوجوه المتقدمة في شرح قوله عليه السلام والحق معكم وفيكم الخ وان جعل صفة لله كان ظاهرا على الحقيقة الا ان فيه اشعارا ان ولاية الولي من الحق الذي هو اعلم حيث يجعل ولايته فانه تعالى لا يجعلها عند من يقع منه باطل قط لا قليل ولا كثير وانما هو الحق من الله الحق وهو قوله تعالى وهو الحق من ربهم اي ان الولاية هي ظهور الولي الحق سبحانه وتعالى لخلقه بما لهم وعليهم في كل شيء وهو قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ومحلها الذي يسعها قلب محمد صلى الله عليه وآله كما قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وقلب الولي من قلب النبي (ص) كالضوء من الضوء والي هذا اشار صلى الله عليه وآله بقوله اعطيت لواء الحمد وعلي حامله وقلبه هو العرش الذي تجلى عليه واستوى برحمانيته
واما على تفسير باطن الباطن فهو سهل جدا بعد ما يعرف ذلك لان الولاية معنى اضافي فلا يعقل الا في الخلق وذلك كله في قوله تعالى واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه اي فاعبد الله باقامة ولاية الولي عليه السلام وهي القيام بجميع ما يريد الله سبحانه من المكلف وتوكل على ولاية الولي عليه السلام بمعنى الاعتماد على وعد الله لمن قام بولاية الولي عليه السلام بالنجاح والفلاح لانها كما قال صلى الله عليه وآله حب على حسنة لا تضر معها سيئة وبغض على سيئة لا تنفع معها حسنة وقال تعالى اقسم بعزتي وجلالي اني ادخل الجنة من احب عليا وان عصاني واني ادخل النار من ابغض عليا وان اطاعني ومعنى الحديث الاول ان من مات على حبه دخل الجنة لانه مات شهيدا كما قال سيدنا الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم او قتلتم لالى الله تحشرون والشهادة تكفر كل ما سبقها من السيئات ومعنى الثاني ان من احب عليا فقد اتى الله تعالى باكبر طاعاته عنده فاذا عصاه كان عاصيا فيما لا يعدل تلك الطاعة فهو من ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن ابغض عليا فقد اتى الله تعالى باكبر معاصيه عنده فاذا اطاعه فيما سواها لم تعدل تلك المعصية وهو حينئذ ممن قال الله تعالى ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم فاذا عرفت هذا ظهر لك معنى رجوع الامر كله الى الله سبحانه فمن احب عليا لله تعالى نجى ومن احبه لغير الله ولو لعلي نفسه من غير ما يرجعها لله هلك كما في محبة الغلاة وان جعلت ضمير اليه يعود الى الولي صح ذلك بشرط التقييد فان الله سبحانه حيث خلق الاشياء فوض امر خلقه الى وليه علي خلقه وحيث فوض ذلك الى وليه لم يرفع يده سبحانه عن شيء من ذلك بل هي ووليه عليها في قبضته يتصرف فيها كيف شاء ويتصرف فيها الولي كيف شاء الله سبحانه لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون الايات فالله هو الولي ثم من دونه باذنه وليه عليه السلام فالولي وولايته قائمان بمدد الله كقيام الصورة في المرءاة بالشاخص وهذا هو سر قوله عليه السلام وامره اليكم اي امره الذي لا يشاركه فيه غيره في كل حال اليكم اي تعملون فيه بامره ولو جاز استقلالهم به ولو كان قيامهم به باذن الله جاز استغناؤه عن الامر الحق سبحانه وهو باطل لان الخلق لا يستغني عن الحق ولانه لو كان كذلك لم يكن امرا له بل هو امرهم وتسقط ح فائدة اليكم هذا كله وامثاله اذا اريد بالامر الولاية ولو اريد به شيء مما يتفرع عنها كالامر الذي هو ضد النهي دخل في المعنى الاول الكلي بالطريق الاولى وكذلك كل معنى حق يطلق عليه لفظ الامر فانه من فروع الولاية وهو راجع اليهم باذن الله رجوع الصفة الى الموصوف والفعل الى الفاعل بل انهم العضد في ايجاده والله سبحانه انما اقامه بهم وهذا حكم جار في كل شيء من الحق واما الامر الباطل فكل شيء منه ليس منهم ولا اليهم وان كان انما يوجد بخلاف ما هم عليه واليه الاشارة بقوله تعالى باطنه فيه الرحمة وهو الامر الحق وظاهره من قبله العذاب وهو الامر الباطل وقول الشارح (ره) او يكون المراد بالامر الفعل بان يكونوا نائبين عن الله تبارك وتعالى في الشريعة بحسب ما تقتضيه عقولهم المقدسة الخ قول ليس بمستقيم على ظاهره لان من تدبر كلامهم ووفق لفهمه عرف بعقله وبالكتاب والسنة ان المراد بالامر الفعل وانه ليس المراد منه الفعل الخاص بالشريعة بل بها وبسائر الافاعيل وانهم ليسوا نائبين عنه لان النيابة تقتضي عزله عن ملكه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وانما المراد بذلك انه سبحانه يفعل بهم ما شاء لا انهم نوابه في الفعل بل هو الفاعل وحده لا شريك له في فعله وانما هم محال فعله واعضاد خلقه لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون على حد ما ذكر في حكم الاماتة فانه قال تعالى الذين تتوفيهم الملائكة وقال تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم فظهر ان الملائكة يفعلون باذن ملك الموت وله القيومية عليهم في جميع افعالهم وقال تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها فحين اخبر تعالى بان ملك الموت موكل دل ذلك على ان من دونه من الملائكة اعوانه واتباعه وانه سبحانه هو الفاعل لا يشركه في فعله احد كما يشعر به قوله الله يتوفى الانفس اذ لم يقل يتوفى الله الانفس لانه لما كان ملك الموت موكلا من الله على توفي الانفس والله هو الذي يتوفى الانفس دل على نفي النيابة وتفرده بتوفي الانفس اذ لو ثبت نائب عنه في ذلك لم يكن يفعل شيئا لان الفاعل هو النائب والا لم يكن نائبا فتفسير الفعل عنه بان يكونوا نائبين ليس بصحيح الا ان يريد المجاز وهو لا يقتضي الالوهية وقوله بحسب عقولهم فيه ان الظاهر من مراده انهم فوض اليهم الامر فوضعوا الاحكام على حسب ما تدركه عقولهم وهذا ليس بصحيح لا لان عقولهم لا تبلغ مدارك الاحكام ومقتضيات موضوعاتها لان مدارك الاحكام وتلك المقتضيات انما هي شؤن عقولهم وصفات افعالهم واحكامها بل لان ذلك يستلزم عزل الحق عن الخلق المقتضي للالوهية وانما جعل اليهم ما فعلوه باذن الله تعالى لوجوه : الاول انهم محال مشية الله فما صدر عنهم فهو عن الله وبمشية الله قال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى الثاني انهم بعد ان غمسهم في انوار فيوضاته القدسية استولت الانوار على ذواتهم فمحقت انياتهم فلم يصدر عنهم شيء الا ما صدر عن الله لانهم في كل حال من احوالهم لم يكن لهم اعتبار من انفسهم الا بقدر ما بقي من صافي انياتهم مما يمسك وجوداتهم عن التلاشي فهم الذين لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون كما تقدم فليس يصدر عنهم شيء الا بما شاء او بمشية ما شاء يعني في الحقيقة بما شاء وفي الصورة بمشية ما شاء الثالث ان الله سبحانه خلقهم على هيئة ارادته وهيكل وحدته وصورة كينونته ولهذا قال علي عليه السلام انا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة وقال عليه السلام ظاهري امامة وباطني غيب لا يدرك والهيئة والهيكل والصورة المراد منها واحد وهو المعبر عنه في لسان الشارع عليه السلام بالطينة التي تجري الافعال وتقع الاعمال على وفق مقتضاها فاذا كانت ماهيتهم هيئة الارادة ووجودهم نور المشية جرت افعالهم واقوالهم على ما يوافق مراد الله وهو يقول سبحانه الله اعلم حيث يجعل رسالته الرابع ان حقائقهم هي تراجمة مشية الله فافعالهم معنى مشيته اما في الوجود التشريعي فظاهر واما في الوجود التكويني فلما تقرر من ان العلة الفاعلية يتوقف ظهور تأثيرها على العلة المادية والصورية والغائية وقد تقدم انهم عليهم السلام هم العلل الثلاث لجميع الخلق بل الرابعة باعتبار توقف الظهور عليهم او انهم بهم التمكين الذي هو علة القابليات وهو وجه العلة الفاعلية فلهذا قال علي عليه السلام في خطبته يوم الغدير والجمعة في ذكر خلقهم عليهم السلام قال فجعلهم السن ارادته ففعلهم فعل الله اظهره عنهم وكلامهم كلام الله تكلم بهم وهكذا الخامس انه سبحانه فرغهم له عز وجل فاخلا افئدتهم وجميع مشاعرهم مما سواه ثم ملأ ما فرغ له من افعاله واوامره ونواهيه فجعلهم خزائن علمه وغيبه وحكمه واقتداره وحفظهم له وسددهم وعصمهم عما ليس له فامرهم ففعلوا بامره وهم بامره يعملون وهو قوله لنبيه صلى الله عليه وآله لتحكم بين الناس بما اريك الله ولا تكن للخائنين خصيما فقوله بما اراك الله يريد به بما اعطاه من الفهم في كتابه وهو وان كان رأيه (ص) الا انه الرأي الذي اوحى به اليه فانه مجمل كلي محفوف بالعصمة والتسديد من الله تعالى ولهذا قال تعالى بما اراك الله ولم يقل بما ترى وان كان المقصود منه هذا لكن لما كان رأيه صلى الله عليه وآله ليس منه ولا مستندا الى خصوص نفسه بل هو من الله مستند الى نفسه باذن الله قال بما اراك الله وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية والله مافوض الله الى احد من خلقه الا الى رسول الله صلى الله عليه وآله والي الائمة عليهم السلام قال الله تعالى انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله وهي جارية في الاوصياء عليهم السلام وفي الاحتجاج عنه عليه السلام انه قال لابي حنيفة وتزعم انك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله (ص) صوابا ومن دونه خطاء لان الله قال فاحكم بينهم بما اراك الله ولم يقل ذلك لغيره اقول انما كان رأيه صلى الله عليه وآله ورأي اوصيائه عليهم السلام صوابا لما قلنا من انهم اذا فعلوا انما فعل الله تعالى عنهم او بهم ولا فعل لهم من نحو ذاتهم الا على نحو ما قررنا فافهم واما من رد الاخبار الواردة بهذا التفويض مع كثرتها وعدم قبول اكثرها للتأويل الا على نحو ما قررنا حذرا من ان يلزم القول بالوهيتهم عليهم السلام فدعواه صحيحة على ما فهم من التفويض المستلزم لعزل الحق تعالى عن ملكه وفهمه للاخبار ليس بصحيح فالذي عليه ان يقف وينفي عنهم الربوبية ولا يرد الاخبار مع كثرتها وشهرتها وصراحتها بل يقول هم اعلم بما قالوا لئلا يكون من اهل هذه الاية بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه مع ان كلامنا هذا اذا فهمته فتح لك الابواب المقفلة وكشف لك عن الاسرار المعضلة فافهمه راشدا
قال عليه السلام : من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن احبكم فقد احب الله ومن ابغضكم فقد ابغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله
قال الشارح (ره) من والاكم فقد والي الله لان الله تعالى امر بموالاتكم ومحبتكم وقرنكم بنفسه في آيات كثيرة او انهم لما اتصفوا بصفات الله وتخلقوا باخلاق الله صاروا كأنهم هو كما قال الله تعالى ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله فما ظلمونا اي اولياءنا ولكن انفسهم يظلمون ولقوله صلى الله عليه وآله من رءاني فقد رأى الحق ولقوله (ص) متواترا حرب علي حرب الله ولقوله صلى الله عليه وآله فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله الى غير ذلك من الايات والاخبار وكذلك البواقي من العداوة والمحبة والاعتصام انتهى
اقول قوله لان الله تعالى امر بموالاتكم ومحبتكم وقرنكم بنفسه اما في امر فلأن من والاهم فقد امتثل امر الله ومن امتثل امر الله فقد والاه لانه اذا لم يمتثل امره فقد عاداه واما في قرن فلانه تعالى ساوى بينهم وبينه في تكليف خلقه بالطاعة له ولهم كما اشار اليه الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك ومن المراد من ذلك من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله ومن اطاعهم فقد اطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله فلا فرق بينهم وبينه في هذا ونحوه لا في الذات ولا في الصفات ولا في الافعال ولا في العبادة ولهذا قال الا انهم عبادك وخلقك وفي الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم قال ان الله تبارك وتعالى لا يأسف كاسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لانه جعلهم الدعاة اليه والادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ان ذلك يصل الى الله كما يصل الى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني اليها وقال ايضا من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال ايضا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وكذا الرضا والغضب وغيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل الى المكون الاسف والضجر وهو الذي انشأهما واحدثهما لجاز لقائل ان يقول ان المكون يبيد يوما ما لانه اذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير فاذا دخله التغيير لم تؤمن عليه الابادة ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للاشياء لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه فافهم ذلك انشاء الله
اقول قوله او انهم اتصفوا بصفات الله وتخلقوا باخلاق الله صاروا كأنهم هو الخ فيه شيئان احدهما ان المراد منه هو معنى قرنكم بنفسه فجعله مغائرا له لا معنى له الثاني قوله صاروا كأنهم هو لا يصح لان تشبيههم به باطل ممنوع من استعماله واعتقاده حرام باطل وذلك لانه ان اراد منه انهم عليهم السلام كأنهم ذاته البحت وقع التشبيه الممنوع منه وان اراد منه كأنهم معاني افعاله ومثله بضم الميم والثاء مثل قائم وقاعد من زيد او معانيه المغايرة لذاته البحت كالعلم والحكم والقدرة والامر وما اشبه ذلك فهم ذلك المراد ولا مغايرة كما هو ظاهر مراده فالاولى ان يقول ولانهم لما اتصفوا الخ ليكون من قوله وقرنكم بنفسه لا قسيما ولا يقول كانهم هو بل يقول فهم هو وهم غيره كما قال الصادق عليه السلام لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن ونحن نحن وهو هو وقول الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الخ فان اراد بقوله كأنهم هو هذا المعنى صح المعنى لكنه غير مستعمل عند اهل الشرع لما يظهر من فساد ظاهره المتضمن للتشبيه
واما توهم حصول المغايرة من قوله قرنكم وقوله لما اتصفوا بصفات الله الخ فمردود لانه سبحانه انما قرنهم لجهة الجامعية التي هي علة الاقتران وهو اتصافهم بصفات الله فانهم لما اتصفوا بصفات الله كما اتصفت الحديدة المحمية في النار فانها لما قاربت النار ظهرت صفتها فيها حتى كانت تفعل فعلها ولا فعل للحديدة وانما الفعل للنار فان تأثيرها بصفتها ظهر على الحديدة والحديدة حافظة للصفة ومحل لها فاثرت بواسطة الحديدة الحافظة ظهر فعل الله فيهم بواسطة الصفة ففعل الله بفعله بواسطتهم لانهم محال المشية ولا فعل لهم وانما الفعل لله تعالى بفعله وهم حافظون للفعل المؤثر كما حفظت الحديدة لحرارة النار التي هي فعلها والصفة ظهرت فيهم كما ظهرت صفة النار في الحديدة ولهذا نسب فعلهم اليه على الحقيقة قال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فهذا علة قرنه اياهم بنفسه وهذا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير وغيره في هذا العالم وفي كل عالم من مراتب الوجود فانه صلى الله عليه وآله قال يوم الغدير الست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي موليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وقد تواتر هذا الحديث معنى عند جميع المسلمين اما عندنا معاشر الشيعة فهو اشهر من ان يذكر واظهر من ان يسطر اذ لا يختلف فيه اثنان بل لا يجهله واحد واما عند غيرنا من العامة فقد نقله علماؤهم نقلا متواترا واعترفوا بتواتره وصحته وممن ذكر ذلك منهم محمد بن يحيى بن بهران في شرحه للقصيدة الموسومة بالقصص الحق في مدح خير الخلق صلى الله عليه وآله لشرفالدين يحيي بن شمسالدين قال في شرح قوله :
لا سيما عند قرب الحادث الجلل المريع للدين والاسلام باديه
من مثل ما كان في حج الوداع وفي يوم الغدير الذي امسى ينبيه
ابان في نصه من كان خالقنا له يوالي ومن هذا يعاديه
وهو الحديث اليقين الكون قد قطعت بكونه فرقة كانت توهيه
قال واما حديث يوم الغدير فهو من الاحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وقد روي من طرق كثيرة عن خلق كثير من الصحابة رضى الله عنهم بعضها روايات اهل البيت عليهم السلام وبعضها روايات غيرهم من علماء الحديث وفي بعض الروايات زيادات وما ينكره الا مكابر مباهت فمن روايات اهل البيت وشيعتهم ما رووه بالاسناد عن البراء بن عازب قال اقبلت مع النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع فكنا بغدير خم فنودي فينا ان الصلوة جامعة وكسح للنبي صلى الله عليه وآله تحت شجرتين فاخذ بيد علي بن ابي طالب رضى الله عنه وقال الست اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال هذا مولى من انا موليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر فقال هنيئا لك يا ابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ورووا بالاسناد الى زيد بن ارقم قال نزل رسول الله صلى الله عليه وآله بين مكة والمدينة عند سمرات خمس دوحات عظام فقام تحتهن واناخ (ص) عشية فصلي ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما شاء الله ان يقول ثم قال ايها الناس اني تارك فيكم امرين لن تضلوا ما اتبعتموهما القرءان واهل بيتي عترتي ثم قال تعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من كنت موليه فان عليا موليه فقال رجل من القوم ما يألوا ان يرفع ابن عمه وروى بعضهم من طريق الحاكم ابي سعد المحسن بن كرامة فقام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيبا بغدير خم واخذ بيد علي فرفعها حتى رأى بعضهم بياض ابطه ثم قال الست اولى بكم من انفسكم قالوا اللهم نعم فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقام عمر فقال بخبخ يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة قال الحاكم ابو سعد وحديث الموالاة وغدير خم قد رواه جماعة من الصحابة وتواتر النقل به حتى دخل في حد التواتر فرواه زيد بن ارقم وابو سعيد الخدري وابو ايوب الانصاري وجابر بن عبد الله الانصاري ثم ذكر رواية بعضهم وهي تتضمن ما تقدم مع زيادات وروي بالاسناد الى عبدخير قال حضرنا عليا ينشد الناس في الرحبة فقال انشد من سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام اثنا عشر رجلا كلهم من اهل بدر فيهم زيد بن ارقم فشهدوا انهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لعلي بن ابي طالب عليه السلام واما روايات غير اهل البيت وشيعتهم فقد روي عن الرسالة النافعة للامام المنصور بالله عن مسند الامام احمد بن حنبل هذا الحديث المذكور من طرق كثيرة بنحو ما سبق وحكاه ايضا عن جامع رزين وعن مناقب ابنالمغازلي الشافعي وذكر انه رفع الحديث المذكور الى مائة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال وقد ذكر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمسة واربعين طريقا وافرد له كتابا سماه كتاب الولاية وذكر ابو العباس احمد بن عقدة خبر يوم الغدير وافرد له كتابا وطرقه من مائة طريق وخمس طرق ولا شك في بلوغه حد التواتر وحصول العلم به ولمنعلم خلافا ممن يعتد به من الامة وهم بين محتج به ومتأول له الا من ارتكب طريقة البهت ومكابرة العيار تم كلامه وفي المستدرك بالاسناد الى زيد بن ارقم قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونزل غدير خم امر بدوحات فقمن قال كأني دعيت فاجبت اني تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الاخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال ان الله جل وعز مولاي وانا ولي كل مؤمن ومؤمنة ثم اخذ بيد على فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال وذكر الحديث بطوله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله وفيه عن زيد بن ارقم نزل رسول الله (ص) بين مكة والمدينة عند سمرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت السمرات ثم راح رسول الله صلى الله عليه وآله عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ووعظ فقال ما شاء الله ان يقول ثم قال ايها الناس اني تارك فيكم امرين لن تضلوا ان اتبعتموه ( اتبعتموهما ظ ) وهما كتاب الله واهل بيتي عترتي ثم قال اتعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم ثلث مرات قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلي مولاه انتهى ولفظ انتهى من قول محمد بن يحيى ابن بهران وانما نقلت كلامه كله عند ذكر دعوة النبي صلى الله عليه وآله مع ان ثبوتها لا تحتاج الى استشهاد فانه اظهر من الاستشهاد عليه لان كلامه هذا حجة على من انكر النص على علي عليه السلام يوم الغدير واحببت ان انقله في كل رسالة وكتاب من كتبنا حتى لا يعز تحصيله على طالبه والحاصل ان الله سبحانه خلق الف الف عالم والف الف آدم كل عالم منها اقام فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام في هذا المشهد ودعا بهذه الدعوة التي هي علة قرن الله تعالى اياهم بنفسه او من جملة علل ذلك وهي قد تكون علة سابقة باعتبار او مساوقة باعتبار آخر او لاحقة كما ان من العلل ما هو كذلك
بقي شيء هو ان ما في حديث الكافي والتوحيد المتقدم من ان المراد من قوله تعالى فلما آسفونا وما ظلمونا وامثال ذلك هو هم عليهم السلام لان الأسف والظلم وغير ذلك لا يجري عليه يدل على انه يجري عليهم وفيه اشكال وهو انهم اذا جرى عليهم كيف يحسن في هذه الحال ان يقرنهم بنفسه التي لا يجري عليها ذلك والجواب انهم عليهم السلام لهم جهتان جهة بشرية وجهة الهية فمن حيث الجهة البشرية تجري عليهم هذه الامور والحوادث وتستفزهم الامور ومن حيث الجهة الالهية قرنهم بنفسه لانهم في هذه الحال لا تجري عليهم هذه الامور والحوادث وكيف تجري عليهم وهم الذين اجروها على من شاؤا كما شاؤا ولما جاز نسبة ما لحق الجهة البشرية بالحقيقة الى الجهة الالهية بالمجاز جاز نسبة ما لحق الجهة الالهية بالمجاز اليه سبحانه بمجاز المجاز لانه سبحانه وتعالى كما ان الجهة الالهية له كذلك الجهة البشرية له لانها للذي له فهي له فيجوز نسبة ما لحق التابع الى متبوع المتبوع كما ينسب الى المتبوع لان التابع تابع بما لحقه والمتبوع تابع كذلك ومعنى مجاز المجاز ان المتبوع تابع لمتبوعه
قال عليه السلام : انتم السبيل الاعظم والصراط الاقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء
قال الشارح (ره) فان طريق متابعتهم في العقائد والاعمال اقوم الطرق وامتنه ( امتنها ظ ) بل هو الطريق او طرقهم في مراتب القرب الى الله وان كان لغيرهم من اهل الحق طرق اخر وشهداء دار الفناء كما تقدم وشفعاء دار البقاء للاخبار المتواترة بشفاعتهم لاصحاب الكبائر كما هي لرسول الله صلى الله عليه وآله انتهى
اقول قوله عليه السلام انتم السبيل الاعظم يريد انهم عليهم السلام سبيل الله الى خلقه في كل ايجاد او تكليف فلا يوجد شيئا ولا يمد شيئا بما له او بما به لمن دونه الا بواسطتهم فهم سبيل الايجاد والفيض من فعل الله سبحانه فلا يستمد شيء من الخلق في صدور او بقاء الا بهم ومنهم ولهم كما لا يستمد شيء من اشعة السراج من فعل النار في صدور او بقاء الا بالشعلة المرئية ومنها ولها كذلك هم عليهم السلام فان آية الله تعالى هي النار الغائبة اعني الحرارة واليبوسة الجوهرين وحرارة النار الغائبة هي فعلها وهي آية مشية الله تعالى والشعلة المرئية التي الدخان المستحيل من الدهن بحرارة النار المنفعل بالاضاءة عن حرارة النار هي آية الحقيقة المحمدية فالشعلة هي سبيل النار الى ايجاد جميع الاشعة واضاءتها بها ومنها ولها كذلك لا يستمد شيء من جميع الخلق من الذوات والصفات الجواهر والاعراض الاجسام وغيرها من فعل الله تعالى الا بواسطة الحقيقة المحمدية التي هي الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ومنها ولها وهي حقيقتهم عليهم السلام وهي السبيل الاعظم ووصف هذا السبيل بخصوص العظم دون الكبر لاختصاص الكبر بالظاهر وعموم العظم للظاهر والباطن وعلى جهة التفضيل لانه في مقام من العظم يقصر عنه ادراك كل مخلوق سواهم كما قال تعالى وانك لعلى خلق عظيم استعظمه الله سبحانه في الكون بل والامكان وصورة التفضيل لبيان ان سبل الله الى خلقه متعددة متفاوتة بعدد انفاس الخلائق وكل واحد منها عظيم بالنسبة الى ما يتوقف عليه وفيها الكلي والجزئي والاضافي وليس فيها ما يسع جميع شؤن الالوهية الا حقيقتهم عليهم السلام وقد لوح سبحانه بذلك في تأويل قوله تعالى يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته الاية فلا تنسبوه الى الالوهية ولا الى جامعية شؤنها وانما جامع شؤنها الحق المخلوق وصرح سبحانه به في الحديث القدسي قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فهم السبيل الاعظم في كل خير نازل من خزائنه تعالى وفي كل خير صاعد من اعمال الخلائق وذلك لان السبيل هو الطريق واعلم اني نسيت شرح هذه الكلمة حين شرحت هذه الزيارة فذكرني بها بعض المشائخ ذكره الله برحمته في الدنيا والاخرة فرحم الله من وقف على هذه الكلمات والحقها باصل الشرح في محلها لاني جعلت هذه الكلمات من الشرح بعد ما تعددت نسخه
وتفسير الشارح لكلام الامام عليه السلام في قوله والصراط الاقوم بان طريق متابعتهم اقوم الطرق وهو تعريف بالمجاز المستلزم للحذف والتقدير وهو خلاف الاصل بل الحق انهم في كنه حقيقتهم صراط الله المستقيم بمعنى انه لا يصل من الله سبحانه شيء الى احد من خلقه الا بواسطتهم من عطاء ومنع وتعرف وتعريف وارشاد وتكليف ولا يصل الى الله سبحانه من احد من خلقه شيء من عمل او دعاء او غير ذلك من حال او مقال الا بهم فهم عليهم السلام طريق الله الى سائر خلقه وطريق الكلم الطيب والصفات الحميدة والاعمال الصالحة من الخلق الى الله وقد تقدم من هذا كثير فلا فائدة في الاطناب فيه ومعنى الاقوم ان الخط المستقيم الذي هو اقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين قد تختلف باختلاف تحقق القصر عند المعتبر وفي نفس الامر وفي حال دون حال فيصح التفضيل بينها في هذه الاعتبارات وبان ما به استقامة سائر الخلق اقوم وبان الاستقامة على ما يوافق جميع متعلقاته في المادة والصورة وفي جميع الاحوال لمراد الله ومحبته اقوم منها على ما يخالف مراد الله ومحبته في جميع الاحوال او في بعضها والي هذا المعنى اشار عليه السلام في خلق ادم فاغترف جل جلاله من الماء العذب الفرات غرفة بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله تعالى منك اخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهديين الدعاة الى الجنة واتباعهم الى يوم القيمة ولا اسئل عما افعل وهم يسئلون ثم اغترف من الماء المالح الاجاج غرفة فصلصلها فجمدت فقال تعالى ومنك اخلق الفراعنة والجبابرة واخوان الشياطين والعتاة والدعاة الى النار واشياعهم الى يوم القيمة ولا اسئل عما افعل وهم يسئلون الحديث فجعل غرفة اليمين الى الجنة وغرفة الشمال الى النار مع انه قال وكلتا يديه يمين
وقوله عليه السلام وشهداء دار الفناء تقدم في بيان قوله واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم ما يدل على حقيقة هذا والاحاديث عنهم عليهم السلام كما مضى وما لم نذكره في ذلك اكثر من ان تحصى واشهر من ان تخفى ومن ذلك ما رواه في الكافي قال قال ابو عبد الله عليه السلام في قوله تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال نزلت في امة محمد صلى الله عليه وآله خاصة في كل قرن منهم امام منا شاهد عليهم ومحمد صلى الله عليه وآله شاهد علينا يعني انهم عليهم السلام يشهدون على الانبياء ان الله تعالى ارسلهم ويشهدون للانبياء (ع) انهم ابلغوا رسالات ربهم ويشهدون لمن اجابهم واطاعهم باجابته واطاعته وعلى من اعرض وعصى باعراضه وعصيانه ويشهدون على محمد صلى الله عليه وآله ان الله ارسله ويشهدون له صلى الله عليه وآله انه بلغ ما امر بتبليغه وعلى امته ولهم كذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله بما حملهم الله من امر الخلافة ولهم بما ادوا ما حملوا وبلغوا ولمن اجاب بما اجاب وعلى من اعرض باعراضه ومنه ما تقدم في رواية عبد الله بن بكر الارجاني الطويلة عن الصادق (ع) وفيها وما من ليلة تأتي علينا الا واخبار كل ارض عندنا وما يحدث فيها واخبار الجن واخبار اهل الهواء من الملائكة وما من ملك يموت في الارض ويقوم غيره الا اتينا بخبره وكيف سيرته في الذين قبله وما من ارض من ست ارضين الى السابعة الا ونحن نؤتى بخبرهم
اقول ظاهر كلامه عليه السلام هذا وما اشبهه ان ما شهدوا به من احوال الخلائق ممن سبقهم او كان في زمانهم او من بعدهم انه من اخبار الملائكة والجن اياهم والمعروف من الاية الشريفة وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون والاحاديث الاخر ان جميع اهل الارض لا يخفى عليهم شيء من احوالهم ويرونهم بنور الله وذلك لان الله سبحانه اعطى الامام عليه السلام عمودا من نور يرى فيه اعمال الخلائق كرؤية الشخص في المرءاة وان الدنيا باسرها وجميع ما فيها بل والعالم العلوي وما فيه عند الامام عليه السلام كالدرهم في يد احدكم يقلبه كيف شاء فهم يعاينون جميع ما في العالم وهو تأويل قوله تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وقول الصادق (ع) في رواية عبد الله بن بكر الارجاني المتقدم ذكرها قال عبد الله قلت جعلت فداءك فهل يرى الامام ما بين المشرق والمغرب قال يا بن بكر فكيف يكون حجة على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم وكيف يكون حجة على قوم غيب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليهم ( عليه ظ ) وكيف يكون مؤديا عن الله وشاهدا على الخلق وهو لا يريهم وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم وقد حيل بينهم وبينه ان يقوم بامر ربه فيهم والله يقول وما ارسلناك الا كافة للناس يعني به من على الارض والحجة من بعد النبي صلى الله عليه وآله يقوم مقام النبي صلى الله عليه وآله وهو الدليل على ما تشاجرت عليه الامة والاخذ بحقوق الناس والقائم بامر الله والمنصف لبعضهم من بعض فاذا لم يكن معهم من ينفذ قوله وهو يقول سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فأي آية في الافاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال ما نريهم من آية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث وقد تقدم وهذا صريح في المعاينة بغير اخبار الملائكة وتوجيه اخبار الملائكة لهم والجمع بين الاخبار من وجهين :
الاول ان الشخص اذا نظر شيئا وادركه فان حقيقة ذلك ان الله سبحانه لما خلق المشاعر المدركة وجعلها مقتضية لذلك قيض لذلك الاقتضاء ملائكة من جنس ذلك المشعر ينقلون صور المدركات واشباحها ومعانيها اليها فالملائكة العقليون ينقلون معاني المدركات الى العقول باقتضائها لذلك والنفسانيون ينقلون صورها الى النفوس والمثاليون ينقلون اشباحها الى الحس المشترك والخيال او الى ما بينهما فلا يظهر شيء من المدركات في شيء من المشاعر الا في وقته الذي قدره الله تعالى له فاذا جاء وقته وتمت مقتضياته انزلته الملائكة الموكلون به باذن الله تعالى من خزائنه الى محله الذي يظهر فيه كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم
الثاني ان الملائكة الذين يأتونهم بما يرونه ويطلعون عليه لهم بمنزلة الخواطر للانسان فان الخاطر والوارد من الانسان هو الذي يأتي الانسان بما يتوجه اليه قلبه ومع ذلك فهو من قلبه كالالتفاتة من الانسان فانه لا يرى من خلفه مثلا الا اذا التفت اليه فالتفاتته هي التي ارته من خلفه وان كان في الحقيقة انما رءاه الانسان لكن الالتفاتة تتوقف عليها المقابلة التي هي سبب الرؤية كذلك الخاطر ولذا تقول خطر على قلبي او خيالي كذا وانما الخاطر من قلبه فافهم العبارة المكررة المرددة للتفهيم فاذا عرفت هذا ظهر لك انهم يشاهدون كل شيء معاينة وان البعد والحجب لا تحجب ابصارهم وان ابصارهم تدرك ما لا تدركه عقول من سواهم وقوله شهداء دار الفناء يراد منه انهم الشهداء في دار التكليف لانهم محال امر الله في قوله افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت والقائم الولي عليه السلام باذن الله تعالى وقوله وعندنا كتاب حفيظ والكتاب الحفيظ نفس الولي عليه السلام وقوله ان كل نفس لما عليها حافظ والحافظ الولي عليه السلام فما دام التكليف فهم يشهدون لمن وفي بما وفي وعلى من نكث بما نكث والمراد من دار التكليف هذه الدنيا وقيام القائم عليه السلام والرجعة وما سبق هذا من التكليف الاول في الذر الاول والذر الثاني وذلك قوله تعالى شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين وان اختلفت احوالها فانها يجمعها الفناء والتكليف واما في الاخرة فليس فيها فناء وليس فيها ظاهرا تكليف ليحتاج الى الشهداء نعم فيها الجزاء فيحتاج الى الشفاعة لبعض من يستحقها ممن ارتضى دينه فلهذا فرق (ع) بين العبارتين وقولي ليس فيها تكليف ظاهرا اشير فيه الى ان فيها تكليفا ولكنه للمؤمنين بكل ما يشتهون وللكافرين بكل ما يكرهون والتكليف في الدنيا بما فيه مشقة مما تحبه النفوس وتكرهه ولكن العقول تحب جميع تكاليف الدنيا فمن قام بحكم الدنيا صفت له الاخرة فيكون تكليفه بكل ما يشتهيه ومن خالف الامر في الدنيا واتبع شهوة نفسه كان حكم التكليف عليه بكل ما يكره قال تعالى اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون والاصل في ذلك كله ان الانسان لما خلق مركبا مما من الله ومما من نفسه جرى عليه حكم الحكمة بالتكليف الشاق على ما من نفسه ليخلص عن هذه الانية ويكون بقبوله الامر عاملا بعقله فيطيب له العمل ويلتذ بالمشاق كما هو محبة العقل قال امير المؤمنين عليه السلام واستلانوا ما استوعره المترفون وانسوا بما استوحش منه الجاهلون فجاء يوم القيمة بحسنه من ربه واحسانه من نفسه راضيا مرضيا فلما كان هكذا الا انه لا يخرج بهذا عن الامكان والحاجة المقتضيين لدوام المدد المقتضي للتكليف لانه تمكين من الله وقبول منه جرى عليه حكم الحكمة بالتكليف بكل ما يشهيه لانه انما هو حسن واحسان وليس عند الله في دار ثوابه الا ما يلايم هذا ويوافقه والاخر العاصي يكون بمخالفته الامر جاهلا عاملا بجهله وشهوة نفسه فيتصعب عليه العمل ويتألم بالمشاق كما هو محبة النفس فجاء يوم القيمة باساءته من نفسه منسيا من رحمة الله تعالى لان جهته من ربه اضعفها ومحقها حتى لا يبقي منها الا ما يحفظ بقاءه لانها حادثة لا بقاء لها الا بالمدد ولا مدد لها الا بالاعمال الصالحة ولما لم يمدها اضمحلت اما ما بقي منها فقد استخبث لغلبة الظلمة لانه لها فساورها واغتذي بغذائها فحق عليه القول في امم قد خلت من قبله من الجن المستولين عليه والانس هي قد تشوهت من صورته بمساورتها واغتذائها بغذائها فقال الله تعالى القيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله الها آخر فالقياه في العذاب الشديد وقال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم وقال تعالى ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم في العذاب مشتركون فكان في الجنة تكليف للمؤمنين بكل ما يشتهون ويحبون وفي النار تكليف للمنافقين والكافرين بكل ما يكرهون يعني انه ليس لاهل الجنة شهوة ومحبة غير ما يجري لهم وليس لاهل النار كراهة ومنافرة غير ما يجري عليهم ومحمد واهل بيته الطيبون صلى الله عليه وعليهم يقدرون ذلك كله ويوصلون استحقاق كل الى مستحقه وهو قوله تعالى وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص وهم شهداء ذلك كله فهم شهداء دار الفناء ودار البقاء ولكن عبر عليه السلام في كلامه بما يظهر لانهم لا يخاطبون الناس الا بما يعرفون
قوله عليه السلام : وشفعاء دار البقاء وذلك ان محمدا صلى الله عليه وآله قد اعطاه الله تعالى الشفاعة باذنه لمن رضى الله دينه فيشفع في اهل بيته عليهم السلام للأذن لهم في الشفاعة لشيعتهم الذين يشهدون بالحق اي بان الحق لهم وفيهم ومعهم وبهم وهم يعلمون ذلك بالعلم والهدى والكتاب المنير لانهم مستحقون لان يشفع لهم كما قال تعالى ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون وهذه الاية لعلي واهل بيته عليه وعليهم السلام ومن دونهم لشيعتهم بشفاعتهم فيشفعون لهم ليشفعوا فيمن شاؤا من اهاليهم واقاربهم وجيرانهم واخوانهم ممن ارتضى الله دينه في قوله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وذلك من قوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء فعلى الاصالة والحقيقة قال الصادق عليه السلام في هذه الاية الذين آمنوا النبي وامير المؤمنين وذريته الائمة والاوصياء الحقنا بهم ولم تنقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد في علي (ع) وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة وعلى التبع عن النبي صلى الله عليه وآله ان الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وان كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الاية وعن الصادق عليه السلام في هذه الاية قصرت الابناء عن عمل الاباء فالحقوا الابناء بالاباء لتقر بذلك اعينهم وعنه عليه السلام قال اطفال المؤمنين يهدون الى آبائهم يوم القيمة
واما انهم لا يشفعون الا لمن ارتضى دينه فلان الشفاعة ليست في الحقيقة امداد من لا يحسن له الامداد ولا في ترك حق يقبح تركه وانما هي لمن يحسن اعطاؤه او في ترك حق لا يقبح ولا لمن تحسن الشفاعة في حقه ويستحقها لما في امكان قابليته مع المعين لها من الشفيع او في تمكينها فالاول من العدل وان كان ما من المعين من الفضل والثاني من الفضل وكذا في ترك حق لا يقبح تركه لوقوع مقتضى ذلك الحق في طرف من تلك الحقيقة مرجوح فتحسن المطالبة به ويحسن تركه فاذا توجهت الشفاعة المقبولة يعني باذن الله لمن ارتضى دينه الذي به ذلك للترجيح حسن في الحكمة ترك ذلك الحق وقبح في الحكمة المطالبة به فالشفاعة في تركه من الفضل لان راجحية ما كان مرجوحا من الفضل ومن العدل باعتبار استحقاق القابل كما في الدعاء وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه ويحمل عليه قوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعي واذا لم يرتض دينه بان كان منكرا لولايتهم قبحت الشفاعة له في الحكمة لانها حينئذ اما امداد ومعونة بما يقبح في الحكمة او ترك حق يقبح فيها تركه ثم هي جائزة لاهل الكباير من المحبين وفي الخصال عن الصادق عليه السلام واصحاب الحدود فساق لا مؤمنون ولا كافرون ولا يخلدون في النار ويخرجون منها يوما والشفاعة جائزة لهم وللمستضعفين اذا ارتضى الله دينهم وفي التوحيد عن الكاظم عليه السلام عن ابيه عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال انما شفاعتي لاهل الكبائر من امتي واما المحسنون منهم فما عليهم سبيل قيل يا ابن رسول الله (ص) كيف تكون الشفاعة لاهل الكبائر والله تعالى يقول ولا يشفعون الا لمن ارتضى ومن يرتكب الكبيرة لا يكون مرتضي فقال ما من مؤمن يرتكب ذنبا الا ساءه ذلك وندم عليه وقال النبي صلى الله عليه وآله كفى بالندم توبة وقال صلى الله عليه وآله من سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولا تجب له الشفاعة وكان ظالما والله تعالى ذكره يقول ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع فقيل له يا ابن رسول الله (ص) وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه فقال ما من احد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم ان سيعاقب عليها الا ندم على ما ارتكب ومتي ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ومتي لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له لانه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار واما قول الله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى فانهم لا يشفعون الا لمن ارتضى دينه والدين الاقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيمة
فقوله عليه السلام وشفعاء دار البقاء يشعر بالحصر لمكان الثناء عليهم وهو كذلك ومن سواهم من ملك الشفاعة فعنهم شفع وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى فما لنا من شافعين ولا صديق حميم قال الشافعون الائمة والصديق من المؤمنين وعن الباقر والصادق عليهما السلام والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى يقول اعداؤنا اذا رأوا ذلك فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وعن الباقر عليه السلام وان الشفاعة لمقبولة ولا تقبل في ناصب وان المؤمن ليشفع في جاره وما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الاذى فيشفع فيه فيقول الله تعالى انا ربك وانا احق من كافي عنك فيدخله الله تعالى الجنة وما له من حسنة وان ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع في ثلاثين انسانا فعند ذلك يقول اهل النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وعن النبي صلى الله عليه وآله ان الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله تعالى اخرجوا له صديقه في الجنة فيقول من بقي في النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك ان الشفاعة كلها من الله تعالى لهم بواسطة محمد صلى الله عليه وآله وهم يشفعون لمن يشاؤن من شيعتهم ليشفعوا فيمن شاؤا فكل شافع من دونهم فشفاعته بشفاعتهم فهم شفعاء دار البقاء لا غيرهم
قال عليه السلام : والرحمة الموصولة والاية المخزونة
قال الشارح (ره) والرحمة الموصولة من الله الى الخلق كما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله في قوله وما ارسلناك الا رحمة للعالمين فهم رحمة لهم في الدنيا والاخرة وبهم تصل رحمة الله تعالى الى العباد وتشعر به الصلوة عليه وآله صلوات الله عليهم والاية المخزونة لخلص عباده وهم العارفون ببعض رتبهم انتهى
اقول الرحمة الموصولة يعني بالله اي بفعله وفعله الخير وهو النور الذي تنورت منه الانوار كما تقدم وهو نور محمد صلى الله عليه وآله وانوار اهل بيته عليهم السلام من نوره كالضوء من الضوء وهو اسمه المكنون الاكبر الاعز الاجل الاكرم الذي يحبه ويهواه ويرضى به عن من دعاه واستجاب له دعاءه وحق عليه الا يرد سائله به فوصل ذلك النور الذي هو الرحمة به تعالى فجعل طاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ورضاهم رضاه وسخطهم سخطه وهكذا في جميع ما ينسب اليه تعالى فمن وصلهم وصله الله ومن قطعهم قطعه الله وقال ابو محمد الحسن العسكري عليه وعلى آبائه وابنه الحجة السلام في تفسيره لقوله عز وجل الرحمن ان الرحمن مشتق من الرحمة وقال قال امير المؤمنين صلوات الله عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول قال الله تعالى انا الرحمن وهي من الرحم شققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته ثم قال امير المؤمنين عليه السلام ان الرحم التي اشتقها الله تعالى من اسمه بقوله انا الرحمن هي رحم محمد صلى الله عليه وآله وان من اعظام الله اعظام محمد وان من اعظام محمد اعظام رحم محمد وان كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد صلى الله عليه وآله وان اعظامهم من اعظام محمد (ص) فالويل لمن استخف بشيء من رحم محمد صلى الله عليه وآله وطوبى لمن عظم حرمته واكرم رحمه ووصلها ه
اقول قد مضى بعض البيان في معنى الرحمة وذكر في هذا الحديث ان الرحم قد اشتقها من اسمه يعني الرحمن والاشتقاق يحتمل اللفظي والمعنوي اما اللفظي فلاتحاد مادتيهما ظاهرا واما في الحقيقة فراء رحم صفة راء رحمن وحاء رحم صفة حاء رحمن وميم رحم صفة ميم رحمن كما نقول في اخذ حروف ضربا المصدر من حروف ضرب الفعل على ما نختاره من ان الاسم مشتق من الفعل ولو عكسنا عكسنا فالاشتقاق على ما قلنا في الحقيقة في اللفظ وفي المعنى كاشتقاق نور الشمس من جرم الشمس او كاشتقاق القمر من الشمس او كالاشتقاق الاول في اللفظي والثاني في المعنوي او بالعكس واما المعنوي فلان الرحمن استوى برحمانيته على العرش والرحم حملة العرش والعرش قلب العبد المؤمن صلى الله عليه وآله فالرحم مظهر رحمانية الرحمن ومتعلقها فالرحم صفة الرحمن او حملة الصفة او مظهر الصفة فعلى الاول هي الصفة وعلى الثاني هي المؤدية لاثارها الى القوابل وعلى الثالث ان فتحت الميم والهاء هي محل ظهورها فالرحمانية قائمة بالرحم قيام ظهور والرحم قائمة بالرحمانية قيام تحقق وان ضممت الميم وكسرت الهاء هي مثل الرحمن الاعلى والذي لا فرق بينه وبينها الا انها عباده وخلقه ومعانيه اركانها فهي مظهرة الرحمانية وآثارها على الواح القابليات واعيان الموجودات فاشتقاقها من اسمه على الاول انها صفة الرحمن يعني صفة فعله اي اسمه الاكبر وعلى الثاني انها اولياء افاعيل ذلك الاسم ومحاله وعلى الثالث انها عضد اسمه في اظهاره او في ظهوره فاما اشتقاق الصفة من الموصوف كما في الاول فظاهر واما اشتقاق اولياء افاعيل الشيء منه فلان اولياءه ان كانوا مشتقين منه اي صدروا عنه وولاهم ما دونهم من افعاله صح ان ذلك الشيء فاعل لتلك الافاعيل حقيقة بواسطة اوليائه ولو لم يكونوا مشتقين منه لماجاز ان يكون فاعلا لما فعل اولياؤه وان كان فعلهم باذنه ومن المعلوم ان الرحمن فاعل لافاعيله حقيقة ولا فاعل سواه ولا شيء الا ما كان عنه فاولياؤه انما هم شيء به والمفعول انما يكون مفعولا للفاعل حقيقة اذا كانت حقيقته تأكيدا لفعله وغاية من غاياته فان ضربا حقيقة مفعول لزيد لانه تأكيد لفعله وغاية من غاياته في قولك ضرب زيد ضربا بخلاف عمروا في قولك ضرب زيد عمروا فانه ليس مفعولا له وانما وقع ضربه عليه فليس تأكيدا لضربه ولا غاية من غاياته واما اشتقاق المحل من الحال فلان المحل من مشخصات الحال الخاصة والمشخصات الخاصة لا توجد قبل ما شخصته والا لما كانت خاصة لان الخصوص فرع المختص فصح اشتقاق المحل واما اشتقاق عضد الشيء منه فلان المراد به ما يتوقف عليه الشيء في ظهوره او فعله في اظهاره اما توقفه في ظهوره على العضد فكما في المحل الذي يتوقف ظهور الحال عليه مثل المتساوقين كالكسر والانكسار فان الكسر الحال يتوقف ظهوره على المحل الذي هو الانكسار ويقال انه قائم بالانكسار قيام ظهور والانكسار قائم بالكسر قيام تحقق فهو مشتق من الكسر وعضد للكسر لتوقف الكسر عليه في ظهوره والمراد ان الرحمن الذي هو الاسم انما تظهر التسمية به للمعبود جل وعلا الذي احدث الرحمة اذا تحققت الصفة التي هي منه كالقائم لا يسمى به زيد الذي صدر من فعله القيام الا اذا تحقق القيام اذ بدونه لا يسمى قائما كذلك بدون الرحم التي هي الرحمة او محل الرحمة او مظهر الرحمة لا يطلق اسم الرحمن الذي هو اسم الصفة في التعريف والتعرف على المعبود الحق تعالى من حيث هو مصدر الرحمة لان الرحمن اسم له تعالى من حيث هو مصدر الرحمة والمعبود والمعروف تعالى يعبد ويعرف ليس من هذه الحيثية وان كان طلب الرحمة منه من تلك الجهة وطلب الرزق من جهته والمغفرة من جهتها فالجهة وجه الطالب والمعني تعالى بالجهة وغيرها غير ذلك كله كمال توحيده نفي الصفات عنه كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه
واما توقف اظهاره على العضد فلان ما يريد اظهاره الذي هو متعلق الاظهار يتوقف على العلة المادية والصورية والغائية والعلل الثلاث لكل محدث من كل ما سواهم عليهم السلام منهم فالمادة من فاضل نورهم والصورة مثال هياكلهم والغاية في كل شيء لهم وحاجتهم قال تعالى في الحديث القدسي خلقتك لاجلي وخلقت الاشياء لاجلك فلو لم تكن العضد في الظهور والاظهار مشتقا منه صادرا عنه لكان فعل الفاعل متوقفا على ما ليس منه ولا به ويكون ناقصا محتاجا الى الغير تعالى الله ان يكون مفتقرا الى غيره وتعالى فعله ان يكون متوقفا على ما ليس منه ولا به فمحصل كلام امير المؤمنين عليه السلام ان الرحم التي اشتقها من اسمه الرحمن الخ ان الرحم هي الصفة العامة وهي صفة الرحمن التي قال تعالى فيها ورحمتي وسعت كل شيء وهي خاصة بعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الاطهار من ذرية الحسين صلى الله عليهم اجمعين ومن سائر الخلق ممن سبقت له العناية باتباعهم فله من تلك الرحمة ومن تلك الرحم الماسة بنسبة قبوله من ذلك المقام اعني مقام المتابعة والمشايعة وهو رتبة الشعاع من ذلك كما وكيفا وهو السر في قوله عليه السلام وان كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد صلى الله عليه وآله واعلم ان الاحاديث الدالة على ان المراد بالرحمة هم عليهم السلام بكل معنى وان ما ظهر من الرحمة وآثارها فمنهم ومن آثارهم لا تكاد تحصى فلا حاجة الى ذكر شيء منها لشهرتها وعدم الخلاف بين المؤمنين في دلالتها على ذلك المعنى وقوله عليه السلام الموصولة اي موصول بعضها ببعض بالله تعالى فالشيعة موصولون بائمتهم عليهم السلام والائمة موصولون بمحمد صلى الله عليه وآله ومحمد (ص) موصول بالله وهو قول امير المؤمنين عليه السلام حين قال اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله فسأله ابن عباس كيف ينظر بنور الله قال عليه السلام انا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من شعاع نورنا وقول الصادق عليه السلام حين سأله المفضل ما كنتم قبل ان يخلق الله السموات والارضين قال كنا انوارا حول العرش نسبح الله تعالى ونقدسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم سبحوا فقالوا يا ربنا لا علم لنا فقال لنا سبحوا فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا الا انا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من ذلك النور فاذا كان يوم القيمة التحقت السفلى بالعليا ثم قرن (ع) بين اصبعيه الوسطى والسبابة وقال كهاتين ثم قال يا مفضل اتدري لم سميت الشيعة شيعة يا مفضل شيعتنا منا ونحن من شيعتنا اما ترى هذه الشمس اين تبدو قلت من مشرق قال والى اين تعود قلت مغرب قال عليه السلام هكذا شيعتنا منا بدءوا والينا يعودون وقال الصادق عليه السلام لسليمن يا سليمن ان الله تعالى خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته واخذ ميثاقهم لنا بالولاية ولعلي امير المؤمنين فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة وان المؤمن ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه
اقول الاحاديث في هذه المعاني كثيرة وهو ان المؤمن خلق من نورهم وانما سمي شيعيا لانه خلق من شعاع نورهم وانهم متصلون بهم كما اتصل الشعاع بالشمس وقد تقدم انهم عليهم السلام هم الرحمة وهي الرحم اي انهم الرحم المشتق من اسم الرحمن وهي الرحمة وان شيعتهم تبع لهم في ذلك الاشتقاق فكل مؤمن ومؤمنة من رحم محمد صلى الله عليه وآله بهذا المعنى فهم من الرحمة الخاصة المكتوبة التي هي صفة الرحيم وكان بالمؤمنين رحيما والرحيم صفة الرحمن ومشتق منه على الاصح فهم وشيعتهم الرحمة الموصولة بالله اي بمشيته ومحبته وارادته يعني ان شيعتهم منهم وهم من محمد صلى الله عليه وآله وهو (ص) محل فاحببت ان اعرف ومعنى اخر من وصلهم وصله الله برحمته ورضوانه ومحبته ومن قطعهم قطعه الله من رحمته ووصله بغضبه وقطعه من رضوانه ووصله بسخطه وقطعه من محبته ووصله بمقته ومعنى آخر ان وصلهم طاعتهم والتولي بهم والتبري من اعدائهم والتسليم لهم والرد اليهم والاعتراف بحقهم وان ذلك من حقهم وان تدعو الله بهم وان تعبده بحبهم وبطاعتهم مخلصا لله وحده في عبادته بطاعتهم وبما ذكرنا كله فكل ما يكون لله فهو عنهم ومنهم وهو موصول بالرحمة والرضا والمحبة وكل ما ليس لله فهو قطعهم وقطعهم موصول بالغضب والسخط والمقت فان قلت هذا الكلام يدل على ان كل ما كان عن الرحمة فهو موصول كالرحمة لاحق بها وهو ظاهر قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء ومن المعلوم الذي لا شبهة فيه ان ما لم تتناوله الرحمة ليس بموجود فلا يكون مقطوعا لانه ليس شيئا يقطع وما تناولته الرحمة فهو موصول فمن قطعهم موجود فيلزم ان يكون موصولا قلت ان الرحمة الواسعة منها الفضل ومنها العدل والكل داخل في الوجود هو وما تناوله فالموصول من الفضل والمقطوع من العدل والمراد من الوصل ما كان من الفضل الذي هو صفة الرحيم وهي الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين لا تصاله بالثواب الذي هو المدد الثابت الاصل النوراني لا تصاله بالظهور السرمدي الذي لا غاية له ولا نهاية في البقاء الامكاني الراجح ولا في الحسن والجمال واللذة والملايمة والمطابقة في آثاره من حيث ربه تعالى والمراد من القطع ما كان من العدل الذي هو قسيم صفة الرحيم من صفة الرحمن لما يترتب عليه من القصاص والمجازاة الذي هو الخذلان والترك وهو المجتث الاصل الظلماني لتوجهه الى نفس النوراني الذي هو ضده من حيث نفسه فكان ما من الرحمة الخاصة موصولا لا تصاله بما لله وما من الله تعالى وكان القطع مفصولا لاقتصاره على نفسه فقوله عليه السلام والرحمة الموصولة يحتمل وجهين احدهما ان ما كان عقابا وعذابا وما لا يلائم النفس لا يسمى رحمة لان المفهوم منها المحبوب والملايم فيجوز ان تكون الصفة لبيان ما هو الواقع بحسب العرف وثانيهما ان الصفة ليست لبيان ما هو الواقع وانما هي للتخصيص لان المنافر والمنافي ايضا من الرحمة الواسعة لانه مقتضى العدل الا انه رحمة مقطوعة عن الخير والمحبة بسبب سوء الاعمال واليه الاشارة بما في رواية اياك اثيب واياك اعاقب في شأن العقل اذا لم يقبل فلما كان للرحمة الواسعة جهتان جهة موصولة بالله تعالى لما تشتمل على آثارها من الامور المحبوبات التي لا غاية لها وجهة مفصولة عن الخير لما تشتمل عليه آثارها من الامور المكروهات التي لا غاية لها وصفهم عليهم السلام بانهم الرحمة الموصولة يعني اياهم وشيعتهم خاصة
وقوله عليه السلام : والاية ٱلمخزونة الاية بمعنى العبرة والعلامة والعجيبة والشخص والامارة ومن القرءان كلام متصل الى انقطاعه ويختلف المراد منها باختلاف الاطلاقات بسبب اختلاف المقامات مثل قوله تعالى لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين اي دلائل قدرة الله تعالى وحكمته وعلامات لنبوتك يا محمد وقوله تعالى ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الايات ليسجننه حتى حين يعني الدلالات على براءته من شهادة الصبي وقد القميص من دبر واستباقها الباب حتى سمع مجاذبتها اياه على الباب وقوله تعالى لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير اي من عجائب قدرتنا كذهابه الى بيتالمقدس في برهة من الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيتالمقدس وتمثيل الانبياء ووقوفه على مقاماتهم وقوله تعالى فيه آيات بينات مقام ابراهيم اي علامات واضحات كأثر قدمي ابراهيم عليه السلام والحجرالاسود ومنزل اسمعيل وقوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق اي العبر والعلامات كالكسوف والخسوف والزلازل وما يعرض في السماء وفي انفسهم كالجوع والشبع والعطش والري والمرض والصحة والغني والفقر وقوله تعالى وجعلنا ابن مريم وامه آية اي عجيبة وانما لم يقل آيتين لان قصتهما واحدة وقيل لان الاية فيهما واحدة وهي الولادة من غير فحل وقال في سفينة نوح (ع) ولقد تركناها آية فهل من مدكر نقل انه ابقي الله سفينة نوح حتى ادركها اوائل هذه الامة اي شيئا من اجزائها الى زمان بعثة النبي (ص) وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله بلغوا عني ولو آية والمراد بالاية هنا الكلام المفيد وان كان قليلا وقوله تعالى في تسع آيات اي المعجزات وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس على اموالهم والسنين اي الجدب وقيل التسع غير اليد والعصي وهي السبع المذكورة وفلق البحر ونقص من الاموال والانفس والثمرات والايات المشتركة بين آل فرعون وبني اسرائيل الايات المذكورات وفلق البحر والحجر ورفع الطور وغيرها مختصة والحاصل ان هذه المعاني في الحقيقة متقاربة يرجع بعضها الى بعض وعلى اي فرض كان فليس لله آية اظهرها لعباده الا هم او منهم اولهم او عنهم كما دلت عليه اخبارهم منها ما في الكافي عن اسباط بن سالم قال سألت ابا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن قول الله تعالى وعلامات وبالنجم هم يهتدون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله النجم والعلامات الائمة عليهم السلام وفيه عن داود الرقي قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قوله تبارك وتعالى وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون قال الايات الائمة والنذر الانبياء صلوات الله عليهم اجمعين وفيه عن يونس بن يعقوب رفعه عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله كذبوا باياتنا كلها يعني الاوصياء كلهم وقول علي عليه السلام انا عصي موسى انا ناقة صالح واذا اردت ان تقف على حقيقة ما اشرت لك فانظر الى خطب علي عليه السلام كالخطبة المشتملة على معرفته بالنورانية وغيرها ولا سيما خطبة البيان فانها قد اشتملت على كثير من ذلك وهي وان كانت نسخها مختلفة الا انها مشهورة لا تكاد تخفى حتى انه نقل عن العلامة الفاخر محمدباقر المجلسي (ره) انه قال ان اهل الخلاف نقلوا خطبة البيان وبالجملة هذه الدعوى التي ندعيها عليهم مسلمة عند العارفين المؤمنين فجميع العجائب والمعاجز والدلائل والعلامات والعبر والايات فالمراد بها هم وآياتهم كما قال السجاد عليه السلام في قوله تعالى وكانوا باياتنا يجحدون وهي والله آياتنا وهذه احدها وهي والله ولايتنا واعلى كل آية واعظمها هم عليهم السلام وهو ما رواه ابوحمزة عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداءك ان الشيعة يسئلونك عن تفسير هذه الاية عم يتساءلون عن النبأ العظيم قال ذلك الى ان شئت اخبرتهم وان شئت لم اخبرهم ثم قال لكني اخبرك بتفسيرها قلت عم يتساءلون قال هي في امير المؤمنين عليه السلام كان امير المؤمنين عليه السلام يقول ما لله تعالى آية اكبر مني ولا لله نبأ اعظم مني ه ويجري لاخر الائمة ما يجري لاولهم فهم الاية الكبرى كما قال تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى اذا جعلنا الكبرى مفعول رأي لا صفة لا يات وذلك حين خاطبه الله سبحانه ليلة المعراج بلسان علي عليه السلام فانه صلى الله عليه وآله رأى ح انه ليس لله آية اكبر من علي عليه السلام لانه صلى الله عليه وآله رأى عليا عليه السلام لسانا عليا في المقام الاعلى ينطق بما اوحى سبحانه على عبده الذي يؤمن بالله وكلماته صلى الله عليه وآله وذلك وراء ما سمع ايوب من الانبعاث عند المنطق فشك وبكى وقوله عليه السلام المخزونة يعني التي لا يعلمها الا الله وهم لانهم ذلك الاسم المخزون المكنون الذي استقر في ظل الله فلا يخرج منه الى غيره وذلك الظل هو الولي كما قال عليه السلام السلطان ظل الله في ارضه والمراد بعدم خروجه منه الى غيره انه لا يعرفه غيره وانه لا يكون الا له تعالى لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه اي لا يكون لغير الله فيما مضى منه ومن جميع احواله ولا فيما يأتي منه ولا من احواله ويجوز ان يكون المراد به الكناية عن عزتها فان الشيء العزيز عند الشخص يخزنه ويصونه عن غيره ولقد قال شاعر في هذا المعنى في محبوبه يبالغ في ستره عن غيره قال :
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان
ولو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
ويجوز ان يكون انهم الاية التي يجب ان تكون مخزونة عنده سبحانه لانها لو ظهرت انمحق من نورها كل من انتهى اليه شيء من نورها فيجب خزنها وسترها لاجل ذلك او لانها لا يسعها مكان من دون ما هي مخزونة فيه لاحاطتها بكل ممكن فلا يسعها ممكن او لان رتبة وجودها لا يمكن ان يوجد قبلها شيء ولا فيها ولا معها ليكشفها ولا يدانيها شيء ليعرفها فاقتضى حالها في الحكمة ان تكون مخزونة او لان صلاح نظام العالم لا يتوقف على اظهارها فاقتضت الحكمة سترها وقول الشارح رحمه الله المخزونة لخلص عباده وهم العارفون ببعض رتبهم ظاهره انها مدخرة لهم فان اراد ان اثابتهم وتقريبهم ورفعهم لدرجات الخلص مدخرة امكن صحته على بعد لمخالفته للظاهر واشتماله على المجاز والحذف والا فلا معنى له وانما المراد ما سمعت مما ذكرنا وما اشبهه
قال عليه السلام : والامانة المحفوظة والباب المبتلى به الناس
قال الشارح (ره) والامانة المحفوظة الواجب حفظها على العالمين ببذل انفسهم دون نفوسهم واموالهم دون اموالهم واعراضهم او امامتهم تجوزا لقوله تعالى انا عرضنا الامانة الخ وقوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وروي في الاخبار الصحيحة ان المراد بها الامامة وان المخاطب بها في الاخيرة الائمة عليهم السلام بان يؤدوها الى الامام الذي بعده من الله تعالى والباب المبتلى به الناس كباب حطة ابتلى به بنوا اسرائيل بدخولها سجدا وقولهم حطة فدخله جماعة فقالوا حطة اي حط ذنوبنا ونجوا وبعضهم قالوا حنطة وهلكوا كذلك من دخل في باب متابعتهم نجى ومن لم يدخل هلك كما ورد في الاخبار الكثيرة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وعلي بابها وقال الله تعالى واتوا البيوت من ابوابها انتهى كلامه
اقول الامانة هم عليهم السلام انزلهم الله سبحانه من غيب قدسه الى عباده نورا يستضيئون به روى القمي في قوله تعالى فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا قال النور امير المؤمنين عليه السلام وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام الامامة هي النور وذلك قوله تعالى آمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا قال النور هو الامام وعن الباقر عليه السلام في هذه الاية فقال النور والله الائمة عليهم السلام لنور الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشيهم بها ه فحيث انزلهم الى الخلق الزم خلقه الوفاء بما عاهدوه من الوفاء بحفظ ما انزل اليهم حين قال لهم الست بربكم قالوا بلى وقد ترجم هذا العهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير للناس بلسانهم ليبين لهم فقال الست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى فقال من كنت موليه فعلي موليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وفي مختصر بصائر سعد الاشعري عن موسى بن جعفر (ع) قال قال الصادق عليه السلام من صلى على النبي صلى الله عليه وآله فمعناه اني على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله الست بربكم فانزل عليه شاهد الترجمة قرءانا ناطقا بلسان عربي مبين يفهم مراده من سبقت له العناية بفهمه قال تعالى وقوله الحق انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون فلما كلفهم سبحانه وترجم ذلك التكليف محمد صلى الله عليه وآله لهم بقوله الست اولى بكم من انفسكم وشهد الله لترجمته بقوله انما وليكم الله الاية واكمل لهم الدين بالمراد من تبيين نبيه صلى الله عليه وآله انزل في عباده اية الجزاء فقال تعالى فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا والوفاء بما عاهدهم عليه من حفظ الامانة المنزلة اليهم وهو النور وهو الائمة عليهم السلام وهو ولايتهم وهو الدين الخالص لله وحفظهم الواجب من الله على خلقه ان يحفظوا انفسهم عليهم السلام وما لهم وعرضهم ودينهم ومعرفتهم وحبهم والولاية بهم والبراءة من اعدائهم والرد اليهم والتسليم لهم في كل حال والتزام حدودهم والقيام باوامرهم واجتناب نواهيهم على حسب ما حددوا ببذل انفسهم دونهم ومالهم واهليهم بالسنتهم وايديهم وقلوبهم وجميع جوارحهم لا يعصونهم في شيء يمتثلون اوامرهم ويجتنبون نواهيهم ويؤثرونهم على انفسهم في كل شيء فمعنى المحفوظة التي امر الله بحفظها على هذا الوجه ونحوه ومعنى المحفوظة ايضا انه سبحانه حفظها وسترها على نحو ما ذكرنا في المخزونة ومعنى المحفوظة ايضا انه سبحانه جعلها في حفظه ورعايته فلا يقدر احد من الخلق ان يخفض قدرهم او يغيرهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وهو معنى قوله تعالى يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره المشركون وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام يريدون ليطفئوا ولاية امير المؤمنين عليه السلام بافواههم والله متم الامامة لقوله الذين آمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا فالنور هو الامام (ع) والقمي والله متم نوره بالقائم من ال محمد عليهم السلام اذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لا يعبد غير الله ه ومعنى المحفوظة ايضا انه سبحانه حفظها بالعصمة والتأييد والتسديد والامداد بالنور الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومعنى قولنا انهم الامانة لان الله سبحانه انزلهم من غيب قدسه الى عباده نورا يستضيئون به انهم انما صنعهم لاجله وصنع من سواهم لهم فلما كان من سواهم لا ينتفعون به الا مع بقائه وصلاحه وبقاؤه وصلاحه لا يمكن الا بالاستمداد من النور والاستمداد من النور لا يكون الا منهم عليهم السلام وبواسطتهم ولا يمكن وصول من سواهم الى مقامهم انزلهم تراجمة عنه نورا يستضيء به من سواهم فكانوا عليهم السلام امانته عند عباده لانهم له وحده كما قال تعالى في الحديث القدسي خلقت الاشياء لاجلك وخلقتك لاجلي وقربي ه ولك ان تفسر الامانة بولايتهم وكل ما ذكر فيهم يذكر في ولايتهم بلا فرق الا ان الكلام يكون فيه مجاز على الظاهر لانهم غير الولاية ولك ان تجعلهم اصل الولاية فتكون هي صفة لهم وهو معنى التفويض الصحيح الذي ذكروه في اخبارهم كما اشرنا اليه سابقا لا التفويض الباطل المستلزم رفع سلطان الحق تعالى عن ملكه بل معنى التفويض الحق هو ما فوض سبحانه الرمي الى محمد صلى الله عليه وآله وبين حقيقة هذا التفويض الحق بقوله الحق وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فحاصل هذا التفويض ومعناه جعلهم اولياء على جميع خلقه يتصرفون فيهم بامر الله كما شاء الله ان يفعلوا فهم اذا شاؤا شاء الله ولا يشاؤن الا ان يشاء الله وهو قوله تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب فالسر الجامع لانهم يفعلون ما شاؤا ولا يشاؤن الا ان يشاء الله هو قوله هذا عطاؤنا اي بمشيتنا وقوله فامنن او امسك اي بمشيتك فهذا ولايتهم التي هم اصلها ولك ان تجعل الولاية اصلا لهم وذلك لان الولاية هي ولاية الله الازلية قال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وهم مظاهر تلك الولاية وذواتهم صفتها ومثلها ودليلها فما هم الا آيتها قال علي عليه السلام انا صاحب الازلية الاولية فعلى اعتبار انها الاصل قال تعالى وما رميت ولكن الله رمى وعلى اعتبار انها الفرع قال تعالى اذ رميت فعلى الفرعية هي المجاز وعلى الاصلية هم المجاز وهو قول الباقر عليه السلام في قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم فقال يا جابر اتدري ما سبيل الله قلت لا والله الا اذا سمعت منك فقال القتل في سبيل على عليه السلام وذريته فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله الحديث وهذا الحديث جار على فرعية الولاية فعلى فرعيتها هي الامانة المحفوظة بما قلنا وفيهم اعتباران حينئذ فباعتبار انهم المقامات العليا هم المودعون والمستحفظون بالبناء للفاعل وباعتبار انهم المعاني او الابواب هم ايضا الامانة المستحفظة بالبناء للمفعول وعلى اصليتها هم الامانة المستحفظة بالبناء للمفعول وهي المستحفظة بالبناء للفاعل والامانة المحفوظة هي الامانة المعروضة في قوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا وقال الرضا عليه السلام الامانة هي الولاية من ادعاها بغير حق كفر وفي البصائر عن الباقر عليه السلام هي الولاية ابين ان يحملنها كفرا وحملها الانسان والانسان ابوفلان وفي المعاني عن الصادق عليه السلام الامانة الولاية والانسان ابوالشرور المنافق فهذه الروايات تدل على ان الامانة هي الولاية ويجوز ان يكون المعروض هم الائمة عليهم السلام فعن الصادق عليه السلام ما معناه ان الله عرض ارواح الائمة على السموات والارض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال ثم قال فولايتهم امانة عند خلقي فايكم يحملها باثقالها ويدعيها لنفسه فابت من ادعاء منزلتها وتمنى محلها من عظمة ربهم فلما اسكن الله آدم وزوجته الجنة وقال لهما ما قال حملهما الشيطان على تمني منزلتهم فنظرا اليهم بعين الحسد فخذلا حتى اكلا من شجرة الحنطة الى ان قال فلم تزل انبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الامانة ويخبرون بها اوصياءهم والمخلصين من امتهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الانسان الذي قد عرف باصل كل ظلم منه الى يوم القيمة وذلك قول الله تعالى انا عرضنا الامانة الاية فدل على ان المعروض الائمة والامانة ولايتهم والاية تدل على ان المعروض هو الامانة والمراد واحد لان عرضهم لقبول ولايتهم والتكليف بها فعرضهم لعرضها وعرضها بعرضهم
قوله عليه السلام : والباب المبتلى به الناس المراد بالباب باب حطة قيل هو باب القرية التي امروا بدخولها وهي اريحا قرية من قرى الشام وقيل باب القبة التي كانوا يصلون اليها وقيل باب حطة من بيت المقدس وهو الباب الثامن وذلك بعد التيه وفي تفسير العسكري عليه السلام وكان خلافهم انهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا قالوا ما بالنا نحتاج ان نركع عند الدخول هيهنا ظننا انه باب متطامن لا بد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع والى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى ثم يوشع بن نون ويسجدوننا في الاباطيل وجعلوا استاههم نحو الباب وقالوا بدل قولهم حطة ما معناه حنطة حمراء فذلك تبديلهم اقول قالوا حطا سمقاثا اي حنطة حمراء بلغة القبط وقيل طوطئ لهم الباب اي خفض ليخفضوا رؤسهم فلم يخفضوها ودخلوا متزحفين على اوراكهم وعلة ذلك ان الله سبحانه مثل على الباب مثال محمد وعلي صلى الله عليهما وامرهم ان يسجدوا تعظيما لذلك ويجددوا على انفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما لان الله تعالى امر نبيه عليه السلام ان يأخذ العهد والميثاق لمحمد وعلي صلى الله عليهما على بني اسرائيل في اصل اسلامهم وبين لهم ان النصر على الجبارين والفتح انما يحصل من الله تعالى بالتوجه اليه تعالى بهما والاخلاص لهما والقيام بولايتهما فلما فتح بهما عليهم ودخلوا القرية مثل صورتهما على باب القرية وامرهم بالسجود لله تعظيما لهما وشكرا لنعمته عليهم بهما ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله لوح بالسر لاهله بقوله لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة والقذة ( بالقذة ظ ) حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه واظهر هذا المعنى للخاصة والعامة ليكون حجة على الجاحدين وفي عيون الاخبار عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لكل امة صديق وفاروق وصديق هذه الامة وفاروقها علي ابن ابي طالب ان عليا سفينة نجاتها وباب حطتها وفي الخصال قال علي عليه السلام واما العشرون فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول مثلك في امتي مثل باب حطة في بني اسرائيل فمن دخل ولايتك فقد دخل الباب كما امر الله عز وجل وفيه يقول امير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل ونحن باب حطة وفي كتاب التوحيد عنه عليه السلام قال انا باب حطة وفي روضة الكافي قال عليه السلام الا واني فيكم ايها الناس كهرون في آل فرعون وكباب حطة في بني اسرائيل وعن الباقر عليه السلام عنه عليه السلام انه قال نحن باب حطتكم والاحاديث في هذا المعنى كثيرة والمراد بالباب المبتلي به الناس كما ذكرنا باب حطة وهم باب حطة هذه الامة كما قال عليه السلام نحن باب حطتكم بل باب حطة كل الخلق من الحيوانات والنباتات والجمادات لانهم هم ذمام الله المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول الذي ذل له كل شيء وقد اخذ الله سبحانه الميثاق على جميع خلقه الصامت منهم والناطق بقبول ولايتهم فمن قبلها صلح ومن لم يقبلها فسد وباب حطة الذي في بني اسرائيل مثلهم لبني اسرائيل ولهذا مثل سبحانه عليه مثال محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما هذا ما يظهر للناس والذي يشاهده الخواص ان مثال محمد وعلي وآلهما صلى الله عليهما وآلهما القيه الله سبحانه في هوية كل مخلوق من الصامت والناطق واليه الاشارة بقول جعفر بن محمد عليهما السلام :
فيا عجبا كيف يعصي الالهام كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له اية تدل على انه واحد
وذلك من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فقال الصادق عليه السلام نحن الايات التي اراكم الله اياها لانه عليه السلام قال لعبد الله ابن بكر الارجائي وهو يقول سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فاي آية في الافاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال ما نريهم من آية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا فنفي كل آية في الافاق غيرهم مع نص القرءان على اثباتها فليس المراد بالايات غيرهم فاذا كان في الحجر اية تدل على انه تعالى واحد ثبت ان تلك الاية مثالهم لانهم عليهم السلام هم هياكل التوحيد وآثار النور من الوجود تلوح على هيئة تلك الهياكل اي تظهر على تلك الهيئة وتلك الهيئة هي مثالهم الذي القيه الله سبحانه في هويات الاشياء ثم لما كان التكليف على حسب مقتضي ذوات المكلفين وافعالهم لانه سبحانه انما كلفهم بطاعته لما هم عليه في ذواتهم وفي انبعاث افعالهم عنهم وذلك تأويل قوله تعالى ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اي انا ما اتيناهم من الايجاد والتكليف الا بما هم عليه من مقتضي ذواتهم وافعالهم وجب ان تكون تلك المقتضيات التي هي كينونات ذواتهم وافعالهم مرتبطة بوجوهها من صفاتهم عليهم السلام التي هي مبادي هيئات اولئك المكلفين وتلك المبادي هي ابواب حطتهم اي المكلفين بكسر اللام وامثال هذه الابواب معارف وآداب واوامر ونواهي وارشادات ودلائل وهي ابواب حطتهم اي حطة المكلفين بفتح اللام واشباح الابواب الاولى ممثلة على ابواب حطة المكلفين بفتح اللام التي هي المعارف والاداب والاوامر والنواهي والارشادات والدلائل فامر الله عز وجل عباده اجمعين بالدخول في هذا الباب سجدا خاضعين لله تعالى وتعظيما لتلك الامثال التي هي معلقة على ابواب حطتهم التي هي تكاليفهم وشكرا لتلك النعمة العظمى التي هي الهداية والتبصرة والتمكين والتوفيق والدلالة على تلك الابواب الموصلة الى بيوته التي اذن الله ان ترفع شأنا وقدرا عن النظائر والاشباه ويذكر فيها اسمه بان ينزل مقامها عن مقام الاله الذي لا يعبد سواه واعتقادا لولايتهم عليهم السلام وان يقولوا حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا فمن قام بحكم هذه الولاية فله خير منها كما قال تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها وهم المحسنون الذين لهم الزيادة من الله على قدر احسانهم ومن ظلمهم حقهم وبدل قولا اي امام جور وضلالة غير الذي قيل له اي امر به من اتباع امام الهدى والحق فقد هلك فجرت سنة الله في هذه الامة كما جرت في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وانما ابتلي الناس بدخول هذا الباب مع انه باب السعادة في الدنيا والاخرة لا يشك فيه احد منهم لان التكليف جرى عليهم بالاختيار ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وهو مخالف لهوى النفس وشهوتها وخلي بينهم وبين الشيطان فزين لهم ما بين ايديهم وما خلفهم لانه فتح عليهم باب هوى انفسهم فطابقت دعوته هوى انفسهم فتسلط عليهم فصدهم عن السبيل وماكان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة اي ولاية امير المؤمنين (ع) ممن هو منها في شك وقول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام مثلك في امتي مثل باب حطة في بني اسرائيل مع ان مقتضى ما قررنا ان يقال مثل باب حطة في بني اسرائيل مثلك في امتي يريد به انهم لما كانوا عالمين بقصة باب حطة وكانوا مصوبين رأى من دخل في ذلك ساجدا لله تعالى ممتثلا لما امر به من قول حطة مقرين بنجاته منكرين على من لم يسجد مخطئين لرأيه معتقدين لهلاكه وذلك لانهم لم يبتلوا به وانما ابتلي به غيرهم كانت الحكمة في ان يدعوهم الى ما جهلوا امره بان يشبهه بما اقروا به واعتقدوه بعد ما بين الله لهم من الامثال والادلة فيما رأوا باعينهم وسمعوا باذانهم وفهموا بقلوبهم من جريان افعال من تأخر من الامم على سنن من مضى وطباعهم واخلاقهم حتى عرفوا في انفسهم ان الطبيعة تقتضي وجود مثل باب حطة في هذه الامة او اذا وجد في هذه الامة نظيره لم يكن مستغربا بل هو جار على ما ينبغي لتشابه الطباع بين سائر الامم فخاطبهم بالتنظير بما عرفوه لتلزمهم الحجة فان قلت من اين قلت انهم فهموا ذلك مع انهم اعراب وجهال لا يعرفون مثل هذا الذي لا يعرفه الا آحاد العلماء قلت انما قلت ذلك وحكمت به لما ثبت عند كل احد ان من لم يقبل ما دعاهم اليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقد ضل عن طريق الحق وقد قال الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون فلو لم يبين لهم ذلك لما حكم عليهم بالضلالة حين ردوا تنظير رسول الله صلى الله عليه وآله لهم لانهم لا يعلمون وليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله
قال عليه السلام : من اتيكم نجى ومن لم يأتكم هلك
المراد باتيانهم معرفتهم والرد اليهم ومعرفة فرض طاعتهم ووجوب النصيحة لهم واللزوم لجماعتهم وموالاتهم والاقتداء بهم والكون معهم والتسليم لهم في كل حال وذلك لما ذكرنا سابقا انهم باب وجود الخلائق وباب التكليف لهم بالشرائع والطرائق والحقائق وهم في ذلك كله وجه الاله الخالق سبحانه من توجه الى الله بهم فقد توجه الى الله تعالى ومن توجه الى الله تعالى بدونهم فقد خر من السماء سماء الحق والهداية وهوي في سبل الباطل والضلالة فتخطفه الطير اي الشياطين او تهوي به الريح اي هوى النفس الامارة بالسوء في مكان من الضلالة سحيق بعيد لا غاية له من الخذلان كما قال تعالى قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا وانما قال تعالى الرحمن ولم يقل الله مع ان الفاعل في الحقيقة واحد لانه سبحانه يفعل ذلك بهم بوليه عليه السلام لانه يذودهم بانكارهم له ولاهل بيته عليه وعليهم السلام عن الكوثر ويوردهم الحميم وهو قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس يعني المنكرين للائمة عليهم السلام كانوا باياتنا لا يوقنون يعني يشكون في امامة الائمة عليهم السلام من بعد ما تبين لهم الهدى ومما ورد عنهم في وجوب معرفتهم على جميع الخلق في الكافي عن زرارة قال قلت لابي جعفر عليه السلام اخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق فقال ان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم الى الناس اجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في ارضه فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله واتبعه وصدقه فان معرفة الامام منا واجبة عليه ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يصدقه ويعرف حقهما فكيف تجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما قال قلت فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما انزل الله يجب على اولئك حق معرفتكم قال نعم اليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا قلت بلى قال اتري ان الله هو الذي اوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء والله ما اوقع ذلك في قلوبهم الا الشيطان لا والله ما الهم المؤمنين حقنا الا الله اقول قد دل هذا الحديث وامثاله على وجوب معرفتهم وقوله (ع) فكيف تجب عليه معرفة الامام الخ لا يلزم منه ان معرفة الامام لا تجب الا على المسلمين خاصة كما توهمه بعضهم مثل الملامحسن في الوافي حيث استدل به على ان الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الاسلام قال كما هو الحق خلافا لما اشتهر بين متأخري اصحابنا انتهى والحق وجوب ذلك على الكفار وقد ادعى كثير منهم الاجماع على انهم مكلفون بشرائع الاسلام وهذا الحديث ليس المراد منه هذا الظاهر بل المراد بيان التلازم لانه من لم يؤمن بالله ورسوله كيف يؤمن بهم اي لا يثبت له ايمان بهم ولا يقبل منه ومن لم يؤمن بهم وانكرهم كيف يؤمن بالله ورسوله اي لا يثبت له ايمان بهما ولا يقبل منه ويؤيده ما رواه جابر قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول انما يعرف الله ويعبده من عرف الله وعرف امامه منا اهل البيت ومن لا يعرف الله تعالى ويعرف الامام منا اهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا فقولي بيان التلازم ان المراد انه لا يعرف الله من لا يعرفهم ولا يعرفهم من لا يعرف الله وهذا واضح وشرط الايمان المعرفة فاذا توقف الايمان بهم على الايمان بالله والايمان بالله على الايمان بهم لزم انه لا يجب الايمان بهم حتى يؤمن بالله ولا يجب الايمان بالله حتى يؤمن بهم والا لما كان الايمان بهم شرطا في الايمان بالله واحاديثهم كما سمعت وتسمع ان شاء الله ناصة على الشرطية بلا خلاف بينهم عليهم السلام في ذلك مع ما روي عنهم عليهم السلام ما معناه وعن علي عليه السلام وعن النبي صلى الله عليه وآله مثل ما اختلفوا في الله ولا في وانما اختلفوا فيك يا علي وان جميع الامم الماضية الذين اهلكوا بالعذاب انما اهلكوا لانكارهم ولاية الائمة عليهم السلام فلو قيل بانه لا يجب الايمان بهم الا على من آمن بالله لماجاز اهلاك الكفار بانكارهم الولاية مع انهم لم يؤمنوا بالله وهذا معنى احاديثهم وليس هذا محل هذه المسئلة لننقل الاحاديث وكلام العلماء ونبين كيفية الاستدلال وانما نبهت على هذا استطرادا في الجملة حين ذكرت الحديث في الاستدلال على وجوب معرفتهم والرد اليهم وفرض طاعتهم وكان مشتملا على ما يوهم هذه الشبهة وفيه ايضا عن مقرن قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول جاء ابنالكوا الى امير المؤمنين عليه السلام فقال يا امير المؤمنين وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيميهم فقال نحن على الاعراف نعرف انصارنا بسيميهم ونحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ونحن الاعراف يعرفنا الله تعالى يوم القيمة على الصراط فلا يدخل الجنة الا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار الا من انكرنا وانكرناه ان الله تعالى لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا ابوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى نته فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون فلا سواء من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهب الناس الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر ربها لا نفاد لها ولا انقطاع وفيه عن عبد الحميد بن ابي العلا قال دخلت المسجد الحرام فرأيت مولي لابي عبد الله عليه السلام فملت اليه لاسأله عن ابي عبد الله عليه السلام فاذا انا بابي عبد الله عليه السلام ساجدا فانتظرته طويلا فطال سجوده على فقمت وصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد فسألت موليه متى سجد فقال من قبل ان تأتينا فلما سمع كلامي رفع رأسه ثم قال يا ابا محمد ادن مني فدنوت منه فسلمت عليه فسمع صوتا خلفه فقال ما هذه الاصوات المرتفعة فقلت هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة فقال ان القوم يريدونني فقم بنا فقمت معه فلما رأوه نهضوا نحوه فقال لهم كفوا انفسكم عني ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان فاني لست بمفت لكم ثم اخذ بيدي وتركهم ومضي فلما خرج من المسجد قال لي يا ابا محمد والله لو ان ابليس سجد لله تعالى بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله تعالى ما لم يسجد لادم (ع) كما امره الله تعالى ان يسجد له وكذلك هذه الامة العاصية المفتونة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وبعد تركهم الامام الذي نصبه نبيهم (ص) فلنيقبل الله لهم عملا ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث امرهم ويتولوا الامام الذي امروا بولايته ويدخلوا في الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم يا ابا محمد ان الله افترض على امة محمد صلى الله عليه وآله خمس فرائض الصلوة والزكوة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في اشياء من الاربعة ولم يرخص لاحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة وفيه عن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس في مسجد الخيف فقال نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه ثلث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم اخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين واللزوم لجماعتهم فان دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون اخوة تتكافى دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم هذا برواية البزنطي وبرواية حماد بن عثمن عن ابان عن ابن ابي يعفور مثله وزاد فيه وهم يد على من سواهم الحديث
وقوله صلى الله عليه وآله لا يغل من الغلول او الاغلال يعني لا يخون او من الغل بمعنى الحقد والشحناء اي لا يدخله حقد يزيله عن الحق وبالجملة ان الاحاديث في وجوب معرفتهم والرد اليهم وفرض طاعتهم ووجوب النصيحة لهم واللزوم لجماعتهم وموالاتهم والاقتداء بهم والكون معهم والتسليم في كل حال وان من كان معهم نجى وكان من المفلحين وان من لم يأتهم او رد عليهم او اعترض عليهم او عدل بهم سواهم او تقدمهم او تأخر عنهم او قدم عليهم غيرهم او شك فيهم او في شيء من فضائلهم او مال بقلبه الى من فعل شيئا من ذلك وكان ذلك منه بعد ان تبين له الهدى فهو هالك وهو من الخاسرين
قال عليه السلام : الى الله تدعون وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبامره تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون
قال الشارح (ره) الى الله تدعون بالحكمة العملية وعليه تدلون بالحكمة العلمية من المعارف والحقائق وله تسلمون بالتخفيف والتشديد والى سبيله ترشدون الخلق باتم الارشاد والحمل لبيان احوال حياتهم او مع اخبارهم المنقولة المتواترة عنهم انتهى
اقول انهم عليهم السلام يدعون الى الله بما دعا به رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله صلى الله عليه وآله دعا الى الله بما امره به ربه سبحانه وتعالى قال عز وجل ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فالحكمة هي الهدى وهو العلمي الذوقي فمنه ما يتعلق بالعمل وهو الحكمة العملية ومنه ما هو معقول وهو الحكمة العلمية فهم يدعون الى الله تعالى بالحكمة على المعنيين العلمي والعملي اما العلمي فمدركه بالفؤاد وهو يستند الى الكتاب والسنة وهو طريق التوسم كما قال عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وذلك هو الذي خلق منه كما قال الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته واخذ ميثاقهم لنا بالولاية ولعلي امير المؤمنين عليه السلام فالمؤمن اخو المؤمن لأبيه وامه ابوه النور وامه الرحمة وان المؤمن ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه اقول قد تقدم هذا الحديث وبهذا العلم يحصل الهدى الى المعارف الحقة واما العملي فهو ايقاع الافعال والاقوال والاعمال على حسب ما يريد الله تعالى بحدوده المشفوعة بالاخلاص لوجه الله الكريم بالتولي لهم والتبري من اعدائهم والتسليم لهم والرد اليهم والاقتداء بهم والانتظار لفرجهم وبهذا يحصل الهدى الى ثمرات تلك المعارف وبهذا العملي يزكو العلمي وينمو وبالعلمي يمحض العملي لله سبحانه فالعلمي هو دليل الحكمة ظاهرا والعملي هو دليل الحكمة باطنا وان شئت بالعكس واحدهما يكون منشأ للاخر او مصلحا او يزيد فيه والي هذا المعنى اشار الصادق عليه السلام بقوله بالحكمة يستخرج غور العقل وبالعقل يستخرج غور الحكمة والموعظة الحسنة هو الكتاب المنير وهو نور اليقين ومدركه العقل وهو يستند الى الكتاب والسنة ومنه قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد وقوله تعالى افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون وفائدة دليله تحصل بالتوفيق وحجيته ملزمة للمكلفين وهو اجلى الادلة عند المنصفين الطالبين للحق المبين وهو الدليل المنبه للغافلين على آيات رب العالمين فهو حاكم من الله لا يرد حكمه الا القوم الضالون والمجادلة بالتي هي احسن هو العلم وهو ما يتركب من المقدمات سواء كانت قطعية كما في البرهان الذي قد يطلق عليه الحكمة في اللغة والظاهر ام مقبولة ام ظنية مع الترتيب الصحيح كما في الخطابة لينجذب العامي بالتدريج الى البرهان القاطع كما استجر سبحانه المنكرين للبعث حين قالوا ائذا كنا عظاما ورفاتا ائنا لمبعوثون خلقا جديدا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم كونوا حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم فقرر لهم دعويهم على اعظم مما فرضوه فاطمأنوا بهذا الفرض لان الحديد والحجارة وما اشبه ذلك ابعد في الاعادة من العظام والرفات اي الحطام فلم يحيلوا الاعادة وانما طلبوا معرفة المعيد سبحانه فقرر لهم انه المبتدئ اولا فجوزوا ذلك لانه في اذهانهم اصعب من الاعادة وهم معترفون بالمبدئ سبحانه ولكنهم ما رأوا الاعادة فقالوا هذا الوعد لم نره فمتى يكون فنقلهم من استبعاد ما جوزوه الى تجويز استقرابه بقوله قل لهم عسى ان يكون قريبا حين فرض لهم امكان قربه وهو يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده فروعهم بحالة الطاعة بعد الانكار الموجبة للاستيصال وحلول النكال لانها ليست عن اختيار ورضي بل لقوة الدعوة وعظم الخطب ثم اردفه بما يدلهم على تحقق الوقوع في صورة شدة القرب وان كان في نفس الامر بعيدا لانه آت فانهم يظنون انهم مالبثوا الا يوما او بعض يوم فانظر بعين البصيرة كيف نقلهم مع عظيم انكارهم من حال الى اخرى الى ملزوم اقراره وهذا شأن المعجز الذي هو تنزيل من حكيم حميد وفائدة هذا نافعة جدا لان من الناس من لا يحتمل البرهان ابتداء ام مسلمة ام مشهورة مع الترتيب الصحيح كما في مقام الجدل ومنه قوله تعالى وجادلهم بالتي هي احسن وان لم يكن المجادلة مختصة بهذا الصنف لانه معنى اصطلاحي بل هو لغة واصطلاحا خاصا يشمل الاقسام كلها لانها قسيمة لدليل الحكمة ودليل الموعظة الحسنة في الاصطلاح الخاص وفائدة هذا الصنف قطع اهل العناد في الدين والخلاف فيه وابطال شبههم او الاحتراس عن سوء اضلالهم وفيه حفظ الدين عن تغيير المنتحلين وتأويل المبطلين كما فعل الرضا عليه السلام بالنصراني حيث قال له وما ننقم على عيساكم الا ضعفه وقلة صيامه وصلاته قال الجاثليق افسدت والله عليك وضعفت امرك وما كنت ظننت الا انك اعلم اهل الاسلام قال الرضا عليه السلام وكيف ذلك قال الجاثليق من قولك ان عيسى كان قليل الصيام وقليل الصلوة وما افطر عيسى يوما قط ولا نام ليلا قط ومازال صائم الدهر وقائم الليل قال الرضا عليه السلام فلمن كان يصوم ويصلي قال فخرس الجاثليق وانقطع ام مخيلة كما في مقام الشعر وفائدته انبساط النفس بالمدح او انقباضها بالذم وذلك في انحاء شتى ومنه ما قال علي عليه السلام في ذم الجماع عورات تجتمع وحياء يرتفع وقال فيه ايضا مبال في مبال وربما يترتب على الصنف منافع كثيرة وربما يحدث اخلاقا حميدة كالكرم والشجاعة والديانة وقد يؤثر الحزن والبكاء واضدادهما والنوم والسهر وغير ذلك خصوصا اذا حسن الترتيب متوافق الكلم وموزونه وكان بالحان موافقة للحال فانه يؤثر تأثيرا بليغا جدا وهذا هو العلم ومدركه النفس ومستنده الكتاب والسنة وقد يراد من المجادلة بالتي هي احسن الهدى وبالعلم الحكمة وقد يراد من المجادلة الكتاب المنير يعني قد يطلق احدها ويراد به واحد من تلك الثلاثة التي هي العلم والهدى والكتاب المنير والفارق بينها الاعتبار والحاصل انهم عليهم السلام الى الله يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن وهذه الثلاثة الطرق مجملة هي الهدى والكتاب المنير والعلم التي اشار سبحانه اليها في حق اعدائهم الذين يجادلون بالباطل ويصدون عن سبيل الله قال تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فان قلت اذا اريد من هذه الثلاثة الثلاثة الاول لم يجر على طبق ما ذكر سبحانه لانه ذكر ان بعض المنافقين يجادل في الله بغير واحد من هذه الثلاثة فجعل هذه الثلاثة آلة للمجادلة وانت جعلت آلة المجادلة العلم خاصة قلت اراد سبحانه وهو العالم ان من لم يستعمل واحدا من هذه الثلاثة في الاستدلال على دعواه فهو المجادل بالباطل واما اذا استعمل واحدا منها فان كان دليل الحكمة فهو حكيم عليم وان كان دليل الموعظة الحسنة فهو نذير وان كان دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو عالم وليس واحد منهم يجادل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير بل الاول يجادل بالهدى كما مر والثاني بالكتاب المنير والثالث بالعلم والمجادل بواحد منها في الحقيقة داع الى الله وانما قال الى الله تدعون ولم يقل تدعون الى الله ليدل على الحصر بمعنى انهم لا يدعون الى غيره في حال من الاحوال وهذه خاصة لهم اذ كل من سواهم فله حال من احواله يدعو الى غيره وان ندرت فان قلت فالانبياء غيرهم وهم معصومون فكيف تكون لهم حالة غير الدعاء الى الله تعالى قلت ان غير محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين من جميع الخلق قد تجري عليهم الغفلة والسهو وهو في هذه الحال من جهة الكون داع الى الله اذ لا يقوم احد من الخلق ولا بقاء له الا بهذه الدعوة وهذه الحال لا تغفل عن الله تعالى طرفة عين وهي في الحقيقة حال من احوال محمد واهل بيته عليه وعليهم السلام وهي لهم واما من جهة الشرع فهو في حال غفلته داع الى نفسه او الى طبيعته وجبلته فلا تنحصر احوال غيرهم في الله تعالى ابدا يعني في رضاه ومحبته لا فيما يصير اليه اذ كل شيء صائر اليه الا الى الله تصير الامور فعنهم عليهم السلام كانت دعوة الوجودي الكوني وما يلزمه من الاحكام الشرعية الخمسة لجميع من سواهم وكانت دعوة الشرع لهم ايضا وما يترتب عليه من الوجودات الدهرية وما فوقها من السرمدية وما دونها من الزمانية والشارح (ره) جعل دعاءهم الى الله بالحكمة العملية والدلالة عليه تعالى بالحكمة العلمية وهو كذلك في الظاهر لا غير واما في الحقيقة فكل من الحكمتين صالح لكل من المقامين ويكون الدعاء الى الله تعالى بالحكمة العلمية وتكون الدلالة على الله بالحكمة العملية كما في العكس الا انه باطن وذلك ظاهر
فقوله عليه السلام وعليه تدلون يجوز فيه انهم يدلون عليه بالحكمة العلمية الشاملة لدليل الحكمة ودليل الموعظة الحسنة ودليل المجادلة بالتي هي احسن بطرقه المتقدمة وانهم يدلون عليه بالحكمة العملية الشاملة عند العارفين بالله للاكوان الوجودية وشرعياتها وللاكوان الشرعية ووجوداتها وتفصيل هذه تقدم مكررا وكذلك وعليه تدلون انما قدم الظرف ليدل على الحصر لانهم لا يدلون على غيره بل انما يدلون عليه او على ما يدل عليه
وقوله عليه السلام وبه تؤمنون يعني انهم يؤمنون بوجوده واحديته وسائر صفاته في افعاله وبافعاله في مفعولاته وان كل ما سواه فمنه وبه وله واليه وبما تعرف لهم به من وصفه وتعرض لهم به من رحمته ولطفه وبما وصف به نفسه وبوعده ووعيده وبكتبه ورسله وملائكته وان الدين كما وصف وان الاسلام كما شرع وان القول كما قال وان القرءان كما انزل وانه هو الحق المبين وان محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وانهم حجج الله على خلقه ومعانيه في بلاده وظاهره في عباده وابوابه في افعاله وبيوته في ملكوته وخزائن علمه وحفظة سره وتراجمة وحيه واركان توحيده واصل الايمان به واساس التسليم له وودائعه عند خلقه وما اشبه ذلك من انحاء الايمان وكل ذلك في الحقيقة هو الايمان بالله فكل موضع ذكر المؤمنون فهم المعنيون بذلك او الايمان فلهم وكل من سواهم تابع في الاصل والفرع وفي تفسير العياشي عن سلام عن ابي جعفر عليه السلام في قوله آمنا بالله وما انزل الينا قال عني بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجرت بعدهم في الائمة عليهم السلام ثم رجع القول عن الله في الناس فقال فان آمنوا يعني الناس بمثل ما آمنتم به يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين والائمة من بعدهم عليهم السلام فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق وفيه عن المفضل بن صالح عن بعض اصحابه في قوله قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط اما قوله قولوا فهم ال محمد عليهم السلام لقوله فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ه ولما كان حقيقة الايمان العليا التصديق بكل حق والقيام به والنفي لكل باطل والتجنب له كان اكمل الايمان بالله الايمان بكل حق والقيام به والنفي لكل باطل والتجنب له لانه ايمان لا تكون معه حالة منافية فكان الله اولى بالحق الخالص لانه سبحانه استخلصه لنفسه فقال الا لله الدين الخالص ولا يقوم كما ينبغي لوجهه الكريم من يشوبه التغيير او يلحقه التظنين لان من يأخذه سهو الغفلة يتغير حين اخذته الغفلة عن الاذعان الى عدمه وهذا قد نفاه عليه السلام عنهم بقوله وبه تؤمنون فافهم
وقوله عليه السلام وله تسلمون بالتشديد والتخفيف بمعنى الانقياد والاذعان وتفويض الامور كلها اليه سبحانه والاسلام الذي هو الاقرار بالشهادتين من المخفف وعلى ما بين صلى الله عليه وآله من صفة مقتضاه من قوله (ص) المسلم من سلم الناس من يده ولسانه انه من السلامة الا ان يكون من باب ظاهر الظاهر وعلى ما نسبه امير المؤمنين عليه السلام من قوله لا نسبن الاسلام نسبة لم ينسبه احد قبلي ولا ينسبه احد بعدي الا بمثل ذلك الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الاقرار والاقرار هو العمل والعمل هو الاداء الحديث هو الدين الخالص في قوله تعالى الا لله الدين الخالص وهو العبادة العامة لاشتمالها على كل ما يريد الله الخاصة لخلوصها عن شائبة الشرك بما سوى الله وهو قوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام وهذا الاسلام في الحقيقة هو معنى الايمان المراد في قوله وبه تؤمنون بالمعنى الذي ذكرنا واشرنا اليه وعلى المشدد يراد به منهم خلع انياتهم عن التحقق ومحق ذواتهم عن التذوت عند ذكره تعالى في ظهوره ومناجاته ودعائهم واجابتهم وامره ونهيه وبعثه في جميع اكوانهم به في كونهم اذنه وعينه ولسانه ويده وقلبه وحكمه وعلمه وامره ومعانيه كلها وابوابه وبيوته ومساجده وغير ذلك كما هم حيث اقامهم له واصطنعهم لنفسه لم يبق منهم الا فعله وصفته واسمه وآيته ولذا قال تعالى وهم بامره يعملون وقال تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وهذان المعنيان من المخفف والمشدد على ما اشرنا اليه يجتمعان بالاتحاد ويفترقان بالترادف
وقوله عليه السلام وبامره تعملون يراد منه نفي جميع اعمالهم الجنانية والاركانية واللسانية بما لهم ولغيرهم لمن سواه سبحانه وهو قوله تعالى لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون والقول يراد منه كل ما يقوم بامر الله مما يصدر عن فعله فان كل شيء كلمة له سبحانه فالمشية كلمته التي انزجر لها العمق الاكبر والعقل كلمته واللوح كلمته وعيسى كلمة منه اي من كلمته وهم عليهم السلام الكلمات التامات التي لا يتجاوزهن بر ولا فاجر وبالجملة ان الالفاظ قسمان ظاهرة وهي المشتملة على الحروف التي هي الاصوات المخصوصة وباطنة وهي الذوات والصفات والاعمال والحركات المشتملة على الحروف الكونية الكلية والجزئية مما جاءت لمعني بنفسها او مع انضمام غيرها اليها من جميع ذرات الوجود في كل شيء بحسبه من الجواهر والاعراض وآجالها مقدرة بنسبة بقاء الكلمات التي تركبت منها فتفني بفنائها فاذا فنيت فنيت عن وقتها الذي قامت فيه ولم تفن من الذي قبله وقد يبقي شيء منها في وقته ويكون فناؤه باعتبار تجاوز من فني عنه كامثال الاشخاص واحوالهم واعمالهم وازمنتهم فان امس انما فني عنا اليوم مثلا لانا سرنا عنه الى اليوم وامس باق في مكانه بما فيه من الامثال والاحوال والاعمال الا ترى انك اذا التفت اليه خيالك رأيته بما فيه من الامثال والاحوال والاعمال ولو كانت معدومة لم تجدها لان المعدوم لا يوجد وذلك لان خيالك ونفسك مرءاة تنطبع فيها صورة المقابل لها ولو كانت تلك فانية لما انطبع في خيالك صورها كما ان المرءاة لا ينطبع فيها صورة بدون مقابل لها مع القطع بان ما في الخيال والمرءاة ليس ذاتا وانما هو صفة والصفة لا تتحقق بغير موصوف على انك لا تقدر ان تذكر ان زيدا رأيته يصلي في المسجد في العام الماضي حتى يلتفت خيالك الى ذلك المكان في ذلك الوقت المخصوص فكل مرة ذكرته انما تذكره بعد الالتفات الى الزمان والمكان المخصوصين والمثال المعين فان شككت فيما بينت لك فاذكره بغير ذلك الالتفات فانك لا تقدر ابدا لان ذكراك انما هي انتقاش تلك الصور في مرءاتك فالاشياء باقية في رتبتها التي رتبها الله تعالى فيها لانها حين دخلت في ملكه بايجاده لها كانت عنده في كتابه الحفيظ فكيف تخرج عن ملكه وهو قوله تعالى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقوله تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقد تقدم من هذا كثير والحاصل الذوات كلماته بفعله والكلمات اللفظية خلقه وعباده وان من شيء الا يسبح بحمده فالحروف اللفظية في جميع اللغات عالم برأسه وابوهم آدم عليه السلام وهو في اللفظ الالف اللينة طوله ثلاثة وثلاثون ذراعا بذراع الشارع عليه السلام وفي اولاده مثل ما في اولاد ابينا آدم عليه السلام من التناكح والتناسل والتحابب والتباغض والتواخي والتشابه والنمو والانس والوحشة وغير ذلك لانها عالم تام مماثل لعالمنا الا انه مثالنا وظاهرنا كما قال الرضا عليه السلام الاسم صفة موصوف وكما اشار امير المؤمنين عليه السلام الروح في الجسد كالمعنى في اللفظ ولقد تلطف في الاشارة نفسي فداؤه فاذا عرفت ما اشرنا اليه فاعلم ان قوله لا يسبقونه بالقول يراد ما يشتمل اللفظي والمعنوي على نحو ما ذكرنا وقوله وهم بامره يعملون اي للقولين ثم اعلم ان قوله تعالى لا يسبقونه بالقول على حد قوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم الاية وقوله وهم بامره يعملون على حد وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى قال تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وقال تعالى هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه فابان في هاتين الايتين وفيما اشبههما من آيات كتابه المجيد تفرده بالصنع وحده لا شريك له الا له الخلق والامر فلم يكن لاحد سواه شيء من الخلق الا باذنه يعني هو المتفرد بالخلق الحق الا باذنه والذين من دونه اي من دون اذنه انما يخلقون افكا باطلا ثم لوح لاهل الاشارة بان من كان يعمل باذنه يعمل الحق قال في حق عيسى عليه السلام واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني ولكن عيسى عليه السلام وان كان خلق باذن الله ما هو حق لكنه من الطين الذي لم يخلقه ونفخ فيه من الروح التي لم يخلقها فالمادة خلقها الله والصورة التي احدثها عيسى بحركات يديه وضميره خلقها الله بيدي عيسى وضميره ويدا عيسى وضميره خلقها الله وحركاتهما خلقهما الله وعيسى خلقه الله وكلما قلنا فيه وفي ضميره ويديه وحركاته فهي قائمة بامر الله سبحانه قيام صدور فالله يخلق بما شاء ما شاء كيف شاء قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار فاذا سمعت منا انا نقول بانهم عليهم السلام بامره يعملون كل شيء فمرادنا به ان ذلك على حد ما ذكرنا هنا في حق عيسى عليه السلام فاذا عرفت فقل ما شئت ان قدرت وهو قولهم الحق اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا فقال السائل نقول ما شئنا فقال وما عسى ان تقولوا والله ما خرج اليكم من علمنا الا الف غير معطوفة ه هذا معنى قول الصادق عليه السلام
وقوله عليه السلام : والى سبيله ترشدون السبيل الطريق يذكر ويؤنث والمراد بسبيل الله معرفته وطاعته ودينه ووليه وولايته وقد تقدم من هذا كثير ولعل هذه الفقرة بيان لما قبلها فان معنى الى سبيله ترشدون الى الله تدعون اي الى معرفته وطاعته وامتثال اوامره واجتناب نواهيه وهو معنى وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبامره تعملون وكل ما اريد منها فيما اشرنا اليه يراد هنا وفيه زيادة تراد هنا ولا تراد فيما قبلها الا بتكلف لا فائدة فيه وهي انهم عليهم السلام سبيله فاذا اريد بسبيله غيرهم فظاهر وان اريد به هم فيجب ان تعتبر مغايرة الداعي والمدعو اليه بان يكونوا يدعون العباد الى انفسهم من حيث هم سبيل الله لئلا ترجع الدعوة الى انفسهم خاصة لانه كفر وكذلك ينبغي هذا الاعتبار في وبامره تعملون لانهم امر الله فاذا اريد بالامر في هذه الفقرة هم فلا بد من ملاحظة انهم يعملون بانفسهم من حيث انهم امر الله وكذا بقوله تحكمون فانهم قوله تعالى فاذا اردناهم بالقول في مثل هذه الفقرة فلا بد من ملاحظة انهم قوله لا انهم قول مطلق لاستلزامه المحذور
وقوله عليه السلام : وبقوله تحكمون يراد منه ما اشرنا اليه من المراد بالقول من اللفظي والمعنوي ويراد من الحكم الحكم الشرعي وحكم ايجاده والحكم الايجادي وحكم شرعه ويراد من القول اللفظي ما نزل اليهم وما نزل عنهم وما نزل بهم ومن القول المعنوي ما نزل بهم وما نزل منهم واما ما ينزل اليهم فمنهم في الحقيقة وذلك لان الممكن لا بقاء له ولا تقوم بدون المدد فهو ابدا يتلاشي ويضمحل بالتدريج وابدا يصاغ ويعاد بالتدريج والمدد الوارد عليه ليس لغيره وانما هو له لانه مما يمكن له بخصوصه ومما مضى منه بمعنى ان ما مضى منه يعود اليه لان ما اضمحل من وجوده يلحق بالعدم الامكاني في وجهه من الامكان الراجح فاذا نزل عليه ذلك المدد من وجهه من الامكان الراجح وجد بوجوده وبيانه ان وجه زيد من الامكان الراجح اي المشية وما تقومت به وتحققت وظهرت به هو كنهه الذي لا يفنى ووجهه الذي لا يهلك ولا غاية له في الامكان ولا نهاية وزيد ظاهره وباطنه من غيبه وشهادته مثال ذلك الوجه وصورته كالصورة في المرءاة بالنسبة الى الوجه المقابل للمرءاة وجعل المدد يجري من الوجه ويتصل بالصورة وبه تقومها وبقاؤها ولو وقف لحظة فقد زيد كما ان الصورة في المرءاة لو فقدت مقابلة الوجه لحظة فقدت لان بقاءها بذلك وقد وكل الله بذلك ملائكة تمكين التكوين كلما اعوجت قوابل جزء من ذات زيد عن مقابلة وجه ذلك الجزء حتى فني ولحق بالامكان الاصلي من ذلك الوجه اقامت الملائكة ما اعوج من تلك القوابل حتى قابلت وجهه فظهر في زيد مثل ما فقد منه وكلما تجددت له قوابل لم تكن عنده وجهتها الملائكة الى وجه زيد من الامكان الراجح فيعطيها ما سألته بلسان استعدادها فتحمله الملائكة الى تلك القوابل المتجددة بعد اقامتها للمقابلة ويكون اول ظهور ذلك المدد الى الكون وتحققه مقابلة القوابل للوجه فلا يرد عليه شيء من المدد الا ما كان له مما يمكن له وما مضى منه هو مما يمكن له فهو عائد اليه فالعائد من المدد هو ما ذهب عنه في اصل المادة وهو غيره في ظاهر الصورة واما في باطنها فهو هو وهذا معنى قولنا واما ما ينزل اليهم فهو منهم في الحقيقة لانه جل وعز يقول سيجزيهم وصفهم وان ليس للانسان الا ما سعى هذا باطنه واما ظاهره فلو كان ما ذهب من زيد لا يعود وان ما يأتيه جديد لكان زيد ابدا جديدا لم يكن له عمل يثاب عليه ولا يعاقب به لان المباشر للعمل ذهب واتى جديد لم يعمل شيئا وهذا في كل لحظة كما ترى في النهر الجاري ما ذهب منه لم يعد وما اتى فجديد وليس كذلك بل ما ذهب منه يعود بعد العدم الى الوجود كما بدأكم تعودون فان كان ما عاد حين ذهب طائعا عاد مسفرا مستبشرا وان كان حين ذهب عاصيا واتبع بالتوبة النصوح عاد منه كالاول ومنه خاليا من الصفة وان لم يتبع بالتوبة النصوح عاد عليه غبرة ترهقه قترة قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ثم لما كان ما يمكن للشيء غير متناه في الامكان ابدا وجب ان يكون المدد غير متناه لان خزائنه سبحانه لا تتناهى ولا يظهر فيها النقص بكثرة الانفاق بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ولا ريب لانها من الممكن ولو كانت من القديم لماجاز الانتقال على القديم والتغير فما ينزل اليهم عليهم السلام فهو منهم لانه مما يمكن لهم والشيء حقيقة انما هو شيء بما يمكن له فان قلت ان الشيء شيء بالفعل قبل ان ينزل اليه ما ينزل اليه قلت انما كان شيئا بما نزل اليه ولا يمكن قيامه لحظة بدون ما ينزل اليه ليتحقق له شيئية بدون المدد وحيث قلنا ان ما ينزل اليه هو ما ذهب عنه او ما له وجب ان يكون على هيئة نهر يجري مستديرا يرجع عوده على بدئه الا انه كرة تدور لا الى جهة يظهر عليها ما خفي منها فاذا عرفت ذلك فيعتبر عند ارادة القول المعنوي اذا عنيتهم به انهم قوله يحكمون به من حيث انهم قوله لئلا يرجع الحكم الى انفسهم فافهم
قال عليه السلام : سعد من والاكم وهلك من عاداكم وخاب من جحدكم وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم وامن من لجأ اليكم وسلم من صدقكم وهدي من اعتصم بكم
قال الشارح (ره) وخاب من جحدكم ولم يؤمن بامامتكم فانه من الخاسرين الهالكين وضل من فارقكم وترك متابعتكم في الاعمال او من كان من المستضعفين فانهم الضالون وروي ان لله فيهم المشية وفاز ونجا من تمسك بكم علما وعملا وامن من العذاب من لجأ اليكم بالاعتقاد والمتابعة والاستشفاع وسلم من الهلاك من صدقكم في الامامة وغيرها وهدي على صيغة المجهول من اعتصم بكم كما قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله وهو الائمة عليهم السلام كما في الاخبار المتكثرة انتهى
اقول السعادة ضد الشقاوة والمراد من ضد السعادة هنا هلاك الدين الذي هو الشقاوة الحقيقية في الدارين فيراد بقوله سعد من والاكم حيي حيوة طيبة في الدارين لانه في مقابلة هلك من عاداكم فسعادته في الدنيا توفيقه لافعال الخير وقبول اعماله وان كانت ناقصة لان ولايتهم تتم ما نقص من اعمال محبيهم واثابته على القليل بالكثير ودفع البلايا عنه الا البلايا الجميلة فانها قد ترد على محبيهم هدية من الله سبحانه اما لرفع درجته فان عند الله مقامات لاوليائه شريفة لا تنال الا بالمحن والبلايا في هذه الدنيا واما لتكون كفارة لذنوبه واما لتدفع بلايا اعظم منها كما روي عن امير المؤمنين عليه السلام حين اتاه سلمن الفارسي وهو مغط رأسه فقال له ما معناه ما لك يا ابا عبد الله مغط رأسك فقال ان في زكاما فقال ما معناه ان في كل شخص ستة عروق عرق الجنون وعرق الجذام وعرق العمي وعرق الطاعون وعرق البرص وعرق البواسير فاذا تحرك عرق الجنون ارسل الله عليه الزكام فيبطله واذا تحرك عرق الجذام انبت الله الشعر في الانف فيبطله فلا تأخذه بالمنقاش وخذه بالمقراض لطيفا واذا تحرك عرق العمي ارسل الله عليه الرمد فيبطله واذا تحرك عرق الطاعون ارسل الله عليه السعال فيخرجه بلغما واذا تحرك عرق البرص ارسل الله عليه الدمامل فيخرجه قيحا واذا تحرك عرق البواسير ارسل الله عليه شقوق الاعقاب فيبطله فهذه وامثالها بلايا من الله ليصلح بها عبده ويدفع بها عنه ما هو اعظم منها مع ما فيها لوليه من الاجر العظيم واما البلايا الجميلة فقد ورد فيها كثير من الاحاديث واحب ان اذكر شيئا منها هنا لانها من اعظم ما ينبغي للمؤمن ان يعرفه ليشكر الله على نعمة البلاء وليعرف انها اعظم النعم فمنها ما روي عن الكاظم عليه السلام من عاش في الدنيا عيشا هنيئا فليتهم في دينه فان البلاء اسرع الى المؤمن من اللمح بالبصر وعن الصادق عليه السلام المؤمن كثير البلوى قليل الشكوي وروي عن النبي صلى الله عليه وآله من حسن ايمانه وكثر عمله اشتد بلاؤه ومن سخف ايمانه وضعف عمله قل بلاؤه وقال الباقر عليه السلام ان الله ليتعاهد الرجل بالبلاء كما يتعاهد الرجل بالهدية ويحميه عن الدنيا كما يحمي الطبيب المريض وعن الصادق عليه السلام ما من مؤمن الا وهو يذكر في كل اربعين يوما ببلاء يصيبه اما في ماله او في ولده او في نفسه فيؤجر وهو لا يدري من اين هو وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من شيء يصيب المؤمن من تعب ولا نصب ولا هم ولا اذى الا كفر الله عز وجل به خطاياه وعنه صلى الله عليه وآله طينة المؤمن من كل شيء الا الكذب والخيانة وعنه (ص) ان ولي علي عليه السلام لن تزول له قدم حتى تثبت له اخرى وعن سعدان بن مسلم عن الصادق عليه السلام المؤمن مبتلي طوبى للمؤمن اذا صبر على البلاء وسلم لله تعالى القضاء قلت جعلت فداءك من المؤمن الممتحن قال الذي امتحن بوليه وعدوه اذا مر باخوانه اغتابوه واذا مر باعدائه لعنوه فصبر على تلك المحنة كان مؤمنا ممتحنا ومن كتاب التمحيص عن يونس بن يعقوب قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول (ظ) ملعون كل بدن لا يصاب في كل اربعين يوما قلت ملعون قال ملعون قلت ملعون قال ملعون فلما راني قد عظم ذلك علي قال يا يونس ان من البلية الخدشة واللطمة والعثرة والنكبة والهفوة وانقطاع الشسع واختلاج العين واشباه ذلك ان المؤمن اكرم على الله من ان يمر عليه اربعون يوما لا يمحصه فيها من ذنوبه ولو بغم يصيبه ما يدري ما وجهه والله ان احدكم ليضع الدراهم بين يديه فيزنها فيجدها ناقصة فيغتم بذلك ثم يعيد وزنها فيجدها سواء فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه وفي كتاب مسكن الفؤاد عند فقد الاحبة والاولاد لشيخنا الشهيد الثاني روي ان اسماء بنت عميس رضى الله عنها لما جاءها خبر ولدها محمد بن ابي بكر انه قتل واحرق بالنار في جيفة حمار قامت الى مسجدها فجلست فيه وكظمت غيظها (ظ) حتى شخبت يداها دما وفيه ايضا عن ابي عبد الله عليه السلام قال دعي النبي صلى الله عليه وآله الى طعام فلما دخل الى منزل الرجل نظر الى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ولم تسقط ولم تنكسر فعجب النبي صلى الله عليه وآله منها فقال له الرجل اعجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق نبيا ما رزيت شيئا قط فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يأكل من طعام الرجل (ظ) شيئا وقال (ص) من لم يرز فما لله فيه من حاجة ه اقول وهذا قليل من كثير فتأمل في هذه الاحاديث فانها تدل على ان البلايا من اعظم نعم الله على عبده المؤمن فيجب شكرها وان الرخاء من الله لعبده فان كان بعد بلاء وشدة فهو محمود لانه ترويح له وتفريح وتذكير له ليرجو في الشدة الرخاء ثم لا يديم له الرخاء لئلا يركن الى دار الفناء وهكذا حاله مع محب على واهل بيته عليهم السلام وهو معنى قوله تعالى ما ترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته ولا بد له منه فهذا من سعادة محبي علي عليه السلام وهو من البلاء الحسن في قوله تعالى وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا ومنها توفيقه لاصابة الصواب في الاقوال والافعال والاعمال والاعتقادات والعلوم ومنها دفع الشبه والشكوك عنه بنور يقذفه الله في قلبه لمحبته له او يقدر له من يعلمه او يلقي ما يشاء اليه من الامدادات في المنام وغيره ومنها ظهوره على اعداء الدين بتلقينه الحجة كما قال تعالى انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحيوة الدنيا وهو وعد من الله سبحانه بنصر الحجة ولنيخلف الله وعده ومنها ان يجعل الله له بولايتهم قلبا ذاكرا تخطب عليه الملائكة وتنقر فيه بالالهامات والافكار الصائبة حتى يعرف آيات الله في الافاق وفي نفسه ويعقلها ويعرف موصوله ومفصوله ويعرف حيث وكيف ولم ويخلص لله الوحدانية في افكاره واطواره واعماله واقواله كما قال تعالى يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر الا اولوا الالباب وهم شيعتهم عليهم السلام خاصة وليس لغيرهم من سائر الناس لب بل لهم قلوب لا يفقهون بها الحكمة ولهم اعين لا يبصرون بها الاية ولهم آذان لا يسمعون بها الموعظة فالحكمة نورهم والاية صفتهم والموعظة فعلهم صلى الله عليهم اجمعين اولئك يعني الناس غير شيعتهم كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون يعني عن ذكر الله محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله بدليل قوله بعد هذا ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها اي فاعبدوه بها واعرفوه بها واطيعوه بها واسئلوه بها وفي قوله ولله الاسماء الحسنى نكتة وهي ان اعداءهم هم الاسماء السواي وليست لله ولايدعى بها وانما يدعى بها الشيطان ومنها ان يجعل الله تعالى له لسانا ذاكرا اي مشتغلا بذكر الله مثل اللهم صل على محمد وال محمد ومثل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ومثل الكلام في العلوم النافعة لله او فيما للعلوم النافعة والمواعظ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح بين الناس والكلام في امر معيشته على الوجه المشروع وبالجملة جميع ما يعنيه من الكلام الراجح في ظاهر الشرع وباطنه ومنها ان يجعل الله له بدنا على البلاء صابرا على نحو ما اشير اليه في الاخبار المتقدمة من الرضا وعدم الشكوي ليبدله الله لحما غير لحمه ودما غير دمه وبشرا غير بشره يعني لا يعصي الله فيها ومنها ان يقدر الله له زوجة صالحة تسره اذا نظر اليها وتطيعه اذا امرها وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها وماله كما في الخبر ومنها ان يبصره الله بعيوب نفسه حتى يشتغل بها عن عيوب غيره ويكون بما اطلع به على نفسه ابدا ماقتا لها يرى نفسه مقصرا في طاعة ربه فهو مستح منه خائف وجل غير آمن من العقوبة وهو لعلمه بكرم ربه راج للمثوبة ومنها ان يظهر الله اعماله الصالحة للناس ليكون محبوبا عند القلوب بمعنى ان كل من رءاه استحسن معاملته مع ربه من صديق وعدو وفي عيون الاخبار قال حدثنا ابوالصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول اوحى الله الى نبي من انبيائه اذا اصبحت فاول شيء يستقبلك فكله والثاني فاكتمه والثالث فاقبله والرابع فلا تؤيسه والخامس فاهرب منه قال فلما اصبح مضى فاستقبله جبل اسود عظيم فوقف وقال امرني ربي عز وجل ان آكل هذا وبقي متحيرا ثم رجع الى نفسه فقال ان ربي جل جلاله لا يأمرني الا بما اطيق فمشى اليه ليأكله فكلما دنا منه صغر حتى انتهى اليه فوجده لقمة فاكله فوجدها اطيب شيء اكله ثم مضى فوجد طشتا من ذهب فقال امرني ربي ان اكتم هذا فحفر له وجعله فيه والقى عليه التراب ثم مضى فالتفت فاذا الطشت قد ظهر قال فعلت ما امرني عز وجل فمضى فاذا هو بطير وخلفه بازي فطاف الطير حوله فقال امرني ربي ان اقبل هذا ففتح كمه فدخل الطير فيه فقال له البازي اخذت صيدي وانا خلفه منذ ايام فقال امرني ربي ان لا اؤيس هذا فقطع من فخذه قطعة فالقيها اليه ثم مضى فلما مضى فاذا هو بلحم ميتة منتن مدود فقال امرني ربي عز وجل ان اهرب من هذا فهرب منه ورجع ورأي في المنام كانه قد قيل له انك قد فعلت ما امرت به فهل تدري ما ذلك قال لا قيل له اما الجبل فهو الغضب ان العبد اذا غضب ودخل النار لم ير نفسه وجهل قدره من عظم الغضب فاذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي اكلها واما الطشت فهو العمل الصالح اذا كتمه العبد واخفاه ابي الله الا ان يظهره ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الاخرة واما الطير فهو الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته واما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه واما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها انتهى فمثل سبحانه العمل الصالح اذا كتمه صاحبه لله تعالى فانه يظهره ليزينه بين عباده وذلك من سعادة الدنيا ومنها ان يحييه حيوة طيبة بان يرزقه الرضي بما قسم له وذلك اثر صدق المحبة لهم وفي قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة قال القمي القنوع بما رزقه الله وسئل علي عليه السلام عنها اي الحيوة الطيبة فقال هي القناعة وعن النبي صلى الله عليه وآله انها القناعة والرضا بما قسم الله تعالى وامثال ذلك مما يخص الله سبحانه به عباده الصالحين وسعادته بين الدنيا والاخرة ان لا يقبض روحه الا برضاه ليكون باختياره محبا للقاء الله لان من كره لقاء الله كره الله لقاءه فان علم انه محب للبقاء في الدنيا ابتلاه بالمحن في الدنيا حتى يكره البقاء فان خيف عليه القنوط روح بالرخاء فاذا خيف عليه الركون شدد عليه حتى يكره البقاء فيها وهو معنى ما ترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته الحديث يعني اكره ان اقبض روحه وهو غير راض فاكون قد اسأته او اكره مساءته بمعنى اني اذا قبضت روحه وهو غير راض ختم له بالسوء فاذا قرب اجله وحضر اتاه محمد واهل بيته والملائكة وملك الموت وكل يوصي ملك الموت به ويكون عليه اشفق من الام الشفيقة ثم تأتيه ريح منسية من الجنة تنسيه اهله وما يحب في الدنيا ثم ريح مسخية حتى يسخى بنفسه واهله وما يحب للقاء الله ثم يظهر له ملك الموت بصورة رضا ائمته عنه ويخاطبه بصورة لحنهم فيمد الاول الى مادة روحه والثاني الى هيئتها فتنجذب اليهما انجذاب اشتياق كانجذاب الصفة الى موصوفها والحديد الى المغناطيس فتنسل من اقطار بدنه كانسلال الشعرة من العجين لما تستنشق من طيب نسيم اللقاء في دار البقاء وهو قوله تعالى فروح وريحان وجنة نعيم ثم تنقل الى جوار ائمته في الجنتين المدهامتين والى وادي السلام الذي هو دار السلام وسعادته في الاخرة بما يتنافس فيه من الدرجات في الجنان والنعيم فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون حيث لا ترد عنهم شهوة الا بما يحب الله ورسوله والائمة صلى الله عليه وآله فهو مكلف بما يشتهي نفسه وهذا الذي سمعت من نوع السعادة انما هي لمن والاهم اي لمن آمن بهم بسرهم وعلانيتهم واحبهم وجحد اعداءهم وما يدعونه من مقامهم وابغضهم وهذا الايمان بولايتهم على الفتح فانها بمعنى التصرف المطلق كما مر مكررا وعلى الكسر فانها بمعنى الملك والسلطان والمعنيان جاريان في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا اي الولي الذي جعله الله مظهرا لهذه الولاية خير ثوابا اي لمحبيه والمتوالين به المتبعين له وهو قوله عليه السلام نحن العمل ومحبتنا الثواب وما جرى له في هذه الولاية جرى للحامل لها لا فرق بينه وبينهم الا انهم عباده وخلقه اي بينه فيما نسب الى افعاله وبينهم فيما نسب اليهم بامره فانه انما يفعل بما شاء من محال افعاله ومتعلقاتها وهم محال افعاله وبهم فعل ما فعل كما في قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقوله عليه السلام وهلك من عاداكم معناه على الضد مما سمعت في من والاهم يجريان على نمط واحد هذا في الخير وذلك في الشر فراجع وتفهم
وقوله عليه السلام : وخاب من جحدكم اي خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين اما خسران الدنيا فلما يرد عليه من ظلمات الباطل والشكوك الموجب للرين على قلوبهم والطبع حتى لا يوفقوا لشيء من الحق لا في اعتقاد ولا في عمل ولا في طهارة مولد ولا لرزق حلال وذلك لجحودهم ولاية ال محمد صلى الله عليه وآله لانهم اطاعوا الشيطان وذلك تأويل قوله تعالى تالله لقد ارسلنا الى امم من قبلك فزين لهم الشيطان اعمالهم فهو وليهم اليوم من قوله تعالى واتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين وقوله تعالى وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين وقوله تعالى سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا لان اولئك لما اتتهم رسلهم بالتوحيد والنبوة والولاية جحدوا ولاية محمد وآله صلى الله عليه وآله وزين لهم الشيطان ولاية غيرهم فقبلوها لما بينهم من المشاكلة في الجور والضلالة فالشيطان وليهم في الدنيا يخرجهم من النور الذي اتت به الانبياء من الدعوة الى قبول الولاية الى الظلمات التي هي ولاية اعدائهم وهو وليهم اليوم يصور لهم الشيطان في قبورهم عيناه من نحاس ولهم عذاب اليم هذا لمن جحد الولاية ومن جحد الولاية من هذه الامة بعد ظهور الايات القاطعات في الافاق وفي انفسهم بتبيين سيد المرسلين صلى الله عليه وآله حتى حصل لهم اليقين بالحق كما قال تعالى في حقهم وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا بعد البيان كما جحدها الاولون فقال الله تعالى فقد مضت سنة الاولين الذين زين لهم الشيطان وهؤلاء وليهم الشيطان يخرجهم من نور الولاية والهداية الى ظلمات الضلالة والغواية كما ذكرنا بخلاف من تولى بهم فان الله وليه يخرجه من ظلمات الجهل والضلالة والغواية الى نور العلم والولاية والهداية واما خسرانهم في ما بين الدنيا والاخرة فلما يلقون من الشدة من حضور اولياء الله وامرهم الملائكة النازعات غرقا بالتشديد عليهم يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين وذلك عند النزع وعند السؤال ومن الضرب بالمرزبة ومن الدخان في قبورهم وفورة الحميم واما خسرانهم في الاخرة فنزل من حميم وتصلية جحيم لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ومعنى جحدكم اي جحد كونهم ائمة واولياء واوصياء رسول الله صلى الله عليهم فان قلت كيف يكونون جاحدين وهم لا يعلمون ومن المعلوم ان الجحود لا يكون الا بعد المعرفة وقد قال الله قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا قلت قد ثبت ان الله سبحانه عدل لا يجور وصادق لا يكذب فقال في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق صلى الله عليه وآله وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وقال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وامثال ذلك من القرءان ومن الاحاديث فيجب بمقتضى الادلة القطعية ان تكون الاية الاولى محكمة وان تكون الثانية متشابهة وبيان ردها الى المحكم فيه الجمع بين المختلفات من الايات والروايات فان في الروايات ما يطابق الثانية كما تقدم من قول الصادق عليه السلام هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يؤمنون هو ان الله سبحانه خلق الخلق باجابتهم دعوته اذ قال الست بربكم فخلقهم كما اجابوه وان اختلفت اجابتهم ولا ريب ان هؤلاء لم يجيبوا كما دعوا الا ظاهرا وقلوبهم منكرة وهم مستكبرون فكانت صورة ظواهرهم كهيئة هيكل الحق فاذا سمعوا الحق استيقنوا به وكانت قلوبهم بسبب انكارها باعثة لهم على انكار الحق فلما فعلوا خلاف ما استيقنوا به حدثت فيهم صورة الانكار التي هي ثمرة تغيير خلق الله فكانوا بمقتضى صورة انكارهم يميلون الى الباطل الذي هو ولاية ائمة الجور ويرضون بها ويعملون بمقتضاها حتى تشوهوا بصور الباطل وبمقتضي هيئة ظواهرهم التي هي الصورة الانسانية الناشية من الاجابة الظاهرة يستيقنون الحق ولا يعملون بمقتضاها لان آلات العمل تملكتها صورة الانكار وكانت اولى بها من صورة الاجابة لسبق صورة الانكار الى استعمال الالات في مقتضاها حتى انست بها بخلاف صورة الاجابة فبصورة الانكار احب الباطل ومال اليه وبصورة الاجابة التي هي الفطرة استيقن بحقية الحق وبصورة الانكار انكر الحق وبصورة الاجابة انكر الباطل فهو بين المتجاذبين متردد بين الطرفين فهم في ريبهم يترددون قد جعل الله بهما صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون فلو لم يعرف الحق لم تقم عليه الحجة بتركه ولو لم يعرف الباطل لم يستحق ثوابا على تركه وفي حال الانكار والعمل بموجبه يحسب انه يحسن صنعا وفي حال الاجابة واستيقان الحق مع ترك العمل بموجبه يقطع بضلالته فهو على جميع الاحوال مضطرب الاعتقادات والاقوال والاعمال
قوله عليه السلام : وضل من فارقكم اي ضاع وتاه ولم يدر اين طريقه او اين مطلبه ولم يهتد الى طريق نجاته او مقصوده وبمعني بطل قال تعالى والذين كفروا فتعسا لهم واضل اعمالهم وبمعنى الهلاك قال تعالى ان المجرمين في ضلال وسعر يعني ان من فارقهم ولم يقتد بهم ويقر بامامهم ويتولاهم ويتبرأ من اعدائهم بل تولي باعدائهم واقتدى بهم ودان الله بحبهم ونصب لائمة الهدى العداوة والبغضاء فقد ضل وتاه ولم يدر اين طريق نجاته لا نحصار طريق النجاة في اتباع ائمة الهدى عليهم السلام فاذا لم يتبع سبيلهم عليهم السلام واتبع غيرهم تفرقت بهم السبل عن سبيله فاما الى اليهودية او الى النصرانية او الى المجوسية او الى الدهرية او الى الثنوية او الى عبدة الكواكب او الى غير ذلك وكلها تصد عن سبيله الحق ولم يدر اين مقصوده بل اذا جاء مقصوده لم يجده شيئا لانه بدون ولاية اولياء الله كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء وبطلت اعماله لان شرط الصحة مطابقتها لامر الله تعالى وامر الله لا يعرف الا من نبيه صلى الله عليه وآله قال تعالى ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم وكيلا وامرهم امر رسول الله صلى الله عليه وآله والله ورسوله وهم عليهم السلام امروا باتباعهم ومجانبة اعدائهم ارشادا للمؤمنين وان شرط صحة الاعمال وقبولها ولايتهم وطاعتهم فيما امروا به ونهوا عنه ومحبتهم وترك ولاية عدوهم ومخالفتهم فيما امروا به ونهوا عنه لان الرشد في خلافهم وبغضهم بالجنان والاركان واللسان بحسب الامكان روى القمي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا قال اما والله انهم كانوا يصومون ويصلون ولكن كانوا اذا عرض لهم شيء من الحرام اخذوه واذا ذكر لهم شيء من فضل امير المؤمنين عليه السلام انكروه قال والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوة من شعاع الشمس وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الاية قال ان كانت اعمالهم لاشد بياضا من القباطي فيقول الله عز وجل لها كوني هباء وذلك انهم كانوا اذا شرع لهم الحرام اخذوه اقول القباطي بالفتح جمع القبطية بالضم على غير قياس وقد يكسر ثياب بيض رقيقة تنسب الى القبط بالكسر وهم اهل مصر لانهم يعملونها وانما غيرت النسبة للاختصاص كما غيرت في الدهري بالضم منسوب الى الدهر بالفتح هذا في نسبة الثياب للفرق بينه وبين الانسان ولو نسب الانسان قيل قبطي بالكسر على الاصل وقوله عليه السلام وذلك انهم كانوا اذا شرع لهم الحرام اخذوه فيه اشارة الى انهم يأخذون بحكم ائمة الضلال يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان يعني ابليس او الثاني ان يضلهم ضلالا بعيدا يعني يصدهم عن ولاية اولياء الله وذلك هو الضلال البعيد الذي لا ينتهي الى خير ابدا ولا ينتهي ابدا بخلاف ما لو كانوا متوالين واخذوا الحرام فان ذلك لا يوجب لهم الضلال البعيد وانما كانت اعمال اولئك هباء منثورا لانهم والوا اعداء الله وعادوا اولياء الله وفي البصائر عن الصادق عليه السلام انه سئل في هذه الاية اعمال من هذه فقال اعمال مبغضينا ومبغضي شيعتنا ه فبطلان اعمال من فارقهم وجعلها هباء منثورا انما هو لمفارقتهم وعدم محبتهم والاقتداء بهم وميلهم الى اعدائهم لان شرط الصحة والقبول هو محبتهم والاقتداء بهم عليهم السلام ولهذا كانت شيعتهم ومحبوهم تقبل منهم اعمالهم لان الشرط متحقق بل لو وقعت منهم السيئات بدلت لهم حسنات اما لان سيئاتهم في الحقيقة ليست منهم بل هي من لطخ اعدائهم كما دل عليه حديث ابي اسحق الليثي الطويل حديث الطينة عن الباقر عليه السلام من ان الله يأمر يوم القيمة ان تؤخذ حسنات اعدائنا فترد على شيعتنا لانها من طينتهم وتؤخذ سيئات محبينا فترد على مبغضينا قال وهو قوله تعالى فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات واما لاقرارهم بذنوبهم فانه في حق محبي على واهل بيته عليهم السلام توبة منها كما روي عن الباقر عليه السلام قال يؤتي بالمؤمن المذنب يوم القيمة حتى يوقف موقف الحساب فيكون الله هو الذي يتولى حسابه لا يطلع على حسابه احد من الناس فيعرفه ذنوبه حتى اذا اقر بسيئاته قال الله تعالى للكتبة بدلوها حسنات واظهروها للناس فيقول الناس ح ما كان لهذا العبد سيئة واحدة ثم يامر الله به الى الجنة فهذا تأويل الاية وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة واما لحبهم اهل البيت عليهم السلام فانه يكفر الذنوب لانه حسنة لا يضر معه سيئة واما لان الله يتحمل عنهم سيئاتهم جزاء لطاعتهم له تعالى في اعظم الطاعات قال رسول الله صلى الله عليه وآله حبنا اهل البيت يكفر الذنوب ويضاعف الحسنات وان الله ليتحمل عن محبينا اهل البيت ما عليهم من مظالم العباد الا ما كان منهم على اصرار وظلم للمؤمنين فيقول للسيئات كوني حسنات واما لخوفهم من معصية الله والمجازاة عليها فانه ندم وتوبة ولو كان يوم القيمة كما في جهالهم الذين ما تنبهوا الا يوم القيمة وهم عند الله من المحبين فروى القمي عنه اي عن الرضا عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة اوقف الله عز وجل المؤمن بين يديه وعرض عليه عمله ونظر في صحيفته فاول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعد فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه فيقول الله بدلوا سيئاته حسنات واما لان سيئاتهم لما تحملها ائمتهم عنهم وكانوا عليهم السلام قد استغفروا الله منها فغفرها لهم وهم لا يعلمون بذلك بل مازالوا خائفين منها فاذا كان يوم القيمة وجدوا سيئاتهم مكفرة وحسنات خوفهم موفرة فكان ما ظنوا انهم مأخوذون به من السيئات حسنات واما لما يشرقون به من فاضل حسناتهم على شيعتهم فانها تقلبها حسنات كما لو تصرف شخص في مال زيد بغير اذنه فانه سيئة ثم ان زيدا بعد ذلك اباح له تصرفه وابرأه من التصرف فانه ح ينقلب ذلك الحرام حلالا وامثال ذلك من الشفاعات وهجران المعاصي مع غلبة الطاعات ومن مغفرة اللمم لمن اجتنب كبائر الاثم والفواحش ومن الاتكال على حبهم ومن حسن الظن في الله ومن مد بصر العاصي الى جهة ربه تطلعا الى مغفرته ومن الشهادة في سبيل الله ومن تحمل القاتل ومن الانتقال من الاسلام الى الايمان وامثال ما ذكر وكل هذا فانما هو لمحبيهم الذين حقت لهم من الله سبحانه الكلمة الحسنى اذ قال تعالى للجنة ولا ابالي وقال تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون وكذلك ضل بمعنى هلك فان من فارقهم فقد هلك هلاك الشقاء الذي لا سعادة بعده ابد الابدين لانه يفقد كل خير وكل راحة وكل سرور وكل نعمة وكل تنعم وكل فرح وكل فرج وكل روح وكل انس وكل استغناء وكل شبع وكل ري وكل نوم وكل ادراك وكل ملايم وكل موافق وكل سعد وبالجملة يفقد كل ما يحب ولا يفقد شيئا مما يكره لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور بانعم الله تعالى
وقوله عليه السلام : وفاز من تمسك بكم فاز اي نجى وظفر بالخير وتمسك اي اعتصم يعني ان من اعتصم بولائهم فقد نجى من النار ومن غضب الجبار ونجي من الضلالة لان اتباعهم هدى من الضلالة ونور في الظلمات وظفر بسعادة الدنيا وسعادة الاخرة كما مر والمراد بالتمسك بهم الاعتصام بذمامهم وهو ولايتهم وهو ذمام الله المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول والذمام هو العهد حين قال لهم في التكليف الاول الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي والائمة من بنيه عليهم السلام اولياؤكم وحججي عليكم قالوا بلى فقال الله تعالى يا اوليائي عليهم اشهدوا عليهم فقالوا شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون ثم اخذ عليهم العهد ثانيا كما مر بمشهد انبيائه ورسله فقالوا بلى فقال يا انبيائي ورسلي اشهدوا عليهم فقالوا شهدنا الخ ثم اخذ عليهم العهد ثالثا بمشهد عباده المؤمنين العارفين فقالوا بلى فقال يا عبادي اشهدوا عليهم فقالوا شهدنا الخ ثم اخذ عليهم العهد رابعا بمشهد الملائكة فقالوا بلى فقال يا ملائكتي اشهدوا عليهم فقالوا شهدنا الخ وكذلك اشهد عليهم سائر خلقه فشهد عليهم كل شيء من حيوان ونبات وجماد وهذا الذمام الذي من تمسك به فاز هو ولايتهم الكلية وهي التي اخذت لها العهود والمواثيق من جميع الخلق وهي معرفة الله سبحانه ومعرفة اوليائه وانبيائه والايمان بسرهم وعلانيتهم وما دلوا عليه من التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد والصلوة والزكوة والصوم والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجميع التكاليف الشرعية والاداب الالهية فهذه هي الولاية التي فاز من تمسك بها واما الولاية الخاصة التي هي التولي بهم والتبرئ من اعدائهم فمن تمسك بها فاز الا ان بعض من تمسك بهذه يفعل الكبائر وربما لا تناله شفاعة فيطهر بالنار قبل ان يدخل الجنة وذلك لان الولاية الخاصة قد تغيرها المعاصي لان المعاصي هي من ولاية عدوهم فاذا اجتمعا في شخص فان لم تزل الولاية الخاصة كانت مقتضية للنجاة موجبة للجنة سواء كان ذلك بعد التطهير بالنار كما في بعض المحبين الفاعلين للكبائر ام بعد العفو بنحو شفاعة او عناية سبقت له او غيرهما كما مر وان اعتاد المعاصي حتى انست بها نفسه وكانت طبيعة له ولم تتداركه رحمة بل خلي ونفسه ورضي بها حتى رانت على قلبه وتبذخ بها ولم ينكرها قلبه بل اطمأن بها اخذ في بغض اهل البيت عليهم السلام فكان عاقبة امره خسرا بخلاف صاحب الولاية الكلية فانه في الدنيا ما خرج عن الولاية من المعرفة والعلوم النافعة والاعمال الصالحة والاداب الشرعية من التقوى والحلم والورع والزهد والكرم والشجاعة والفهم والنباهة وحسن الخلق وغير ذلك واما في الاخرة فانه منذ خرجت روحه دخلها اي الجنة الى نفخة الصعق ويوم الحشر هو في ظل عرش الرحمن ثم يدخل لا يرى ما يكرهه في جميع المواقف واما ما بين النفختين فانه في الجنة ايضا وان بطل تركيباته والجنة هي ولايتهم كما دلت عليه احاديثهم فعن الصادق عليه السلام ما معناه انه سمع رجلا من محبيه يقول اللهم ادخلنا الجنة فقال عليه السلام انتم في الجنة ولكن سلوا الله الا يخرجكم منها ان الجنة هي ولايتنا وهو تأويل قوله تعالى واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ على احد وجوه الاستثناء فيها
قوله عليه السلام : وامن من لجأ اليكم اي امن من المعاصي ببركة ولايتهم او ان الالتجاء اليهم مانع من المعاصي او ان المراد بالالتجاء اليهم انما هو في الاقتداء بهم ولا ريب ان ذلك مانع من المعاصي صغيرها وكبيرها اذ لا شيء منهما فرع لهم عليهم السلام وانما هو فرع لاعدائهم او المراد الامن من الخطاء في الاعتقاد او الاحكام لان من اقتصر في جميع احواله على الالتجاء اليهم فهو آمن من الجهالة والضلالة والخطاء وذلك تأويل قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين ففي الاحتجاج عن الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري وقد تقدم في هذه الاية قال عليه السلام بل فينا ضرب الله الامثال في القرءان فنحن القرى التي بارك الله فيها وذلك قول الله عز وجل فيمن اقر بفضلنا حيث امرهم ان يأتونا فقال وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها اي وجعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة والقري الظاهرة الرسل والنقلة عنا الى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله تعالى وقدرنا فيها السير فالسير مثل للعلم سير به ليالي واياما مثل لما يسير من العلم في الليالي والايام عنا اليهم في الحلال والحرام والفرائض والاحكام آمنين فيها اذا اخذوا عن معدنها الذي امروا ان يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال والنقلة من الحرام الى الحلال وعن السجاد عليه السلام الى ان قال آمنين من الزيغ ه وذلك على نحو ما تضمنت هذه الاحاديث وامثالها عنهم عليهم السلام او ان المراد الامن من خطوات الشيطان ووسوسته وتزيينه لقوله تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين اما انه لا يقدر على من التجأ اليهم عليهم السلام ان يخرجهم من الايمان او من الاسلام الى الكفر وان زين لهم بعض المعاصي لان قلوبهم بولاية ائمتهم مطمئنة لا يتسلط عليها الشيطان كما في معاني الاخبار باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام في هذه الاية قال ليس على هذه العصابة خاصة سلطان قال قلت وكيف جعلت فداك وفيهم ما فيهم قال ليس حيث تذهب انما قوله ليس لك عليهم سلطان ان يحبب اليهم الكفر ويبغض اليهم الايمان وفي روضة الكافي عنه عليه السلام انه قال لابي بصير يا ابا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان والله ما اراد بهذا الا الائمة عليهم السلام وشيعتهم واما انه لا يتسلط على قلوبهم لان قلوبهم منيرة بحب ائمتهم وولائهم واتباعهم والتسليم لهم والرد اليهم او لان قلوبهم خلقت من فاضل اجسام ائمتهم عليهم السلام وقد اشترط الله تعالى على ابليس قضاء بمقتضي الحكمة لان الانوار تمحق الظلمات والظلمات ليس لها سلطان على النور لعدم طاقتها به ولبعد رتبته عنها ولان قلوبهم حزب الله وجنده وحزب الله وجنده هم الغالبون ولان الشيطان انما يتسلط في اغوائه واضلاله بجهة ظلمته المجتثة الاصل فيأتي من يغويه من الجهة المناسبة لجهته من الجهل والغفلة عن ذكر الله والشهوة والغضب والحسد والتكبر وامثال ذلك لانه يزرع شبهته في المحل المناسب فتنمو حتى تعظم تلك الجهة الخبيثة فتستولي على اضدادها من جنود العقل فتذهب ملائكتها الى مراكزها من النور فتستولي اضدادهم من الشياطين على منابر تلك الملائكة من قلب ذلك الشخص فيطبع على قلبه فمن لم تكن هذه الجهات وامثالها فيه او كانت ضعيفة مهجورة لم يقدر الشيطان ان يتسلط عليه لانه لا يجد بابا يدخل عليه منه ولو دخل ولم يجد مناسبا كان ما فيه من نور الوجود الذي تقومت به ظلمته مناسبا لنور المؤمن فيكون سببا ووصلة لاشراق نور المؤمن على ظلمة الشيطان فيحترق باشراق نور المؤمن ولاجل ما ذكرنا كان من لجأ اليهم عليهم السلام آمنا من حيل الشيطان لانه اخذ من النور واستمد من النور واعتصم بالنور واحتجب بتفويض امره اليهم بالنور قال الله تعالى انه ليس له سلطان على الذين آمنوا يعني بمحمد وآله صلى الله عليه وآله وعلى ربهم يتوكلون اي اعتصموا بذمة الله التي لا تخفر وهي ولايتهم والبراءة من اعدائهم بالجنان والاركان واللسان انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون اي يتولون غير ولي الله فان ذلك هو تولي الشيطان وادخالهم في ولاية ال محمد صلى الله عليه وآله هو عبادة الشيطان مع الله تعالى والحاصل ان من لجأ اليهم على ما اشرنا اليه فانه امن من جميع ما يكره الله سبحانه لعباده المؤمنين في الدنيا والاخرة
قال عليه السلام : وسلم من صدقكم اي ان من صدقهم سلم من الخطاء والزيغ والشك والضلالة والنفاق ومن المعاصي كلها والفواحش ما ظهر وما بطن لانه فعل موافق لامر الله كما قال تعالى يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين لانهم لا ينطقون الا عن الله ولهذا امر بالكون معهم ارشادا لبريته الى طريق النجاة وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل قال وقد جعل للعلم اهلا وفرض طاعتهم بقوله اتقوا الله وكونوا مع الصادقين اي امر الخلق بالكون معهم والتولي بهم والتبرئ من اعدائهم والرد اليهم والاخذ عنهم والتسليم اليهم في كل شيء وفي التهذيب في دعاء صلوة يوم الغدير ربنا انك امرتنا بطاعة ولاة امرك وامرتنا ان نكون مع الصادقين فقلت اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم وقلت اتقوا الله وكونوا مع الصادقين فسمعنا واطعنا ربنا فثبت اقدامنا وتوفنا مسلمين مصدقين لاوليائك ولا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب وفي تفسير العياشي عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت اصلحك الله اي شيء اذا عملته استكملت حقيقة الايمان قال توالي اولياء الله محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ثم انتهى الامر الينا ثم ابني جعفر واومأ الى جعفر وهو جالس فمن والى هؤلاء فقد والى اولياء الله وكان مع الصادقين كما امره الله الحديث فمن صدق من اخبر الله بصدقهم وامر بالكون معهم فقد سلم من جميع المضار والمكاره في الدنيا والاخرة ومعنى سلم انه لا يصيبه منها شيء كما في الدعاء وتخرجني من الدنيا آمنا وتدخلني الجنة سالما اي من النار بان لا يكون من الذين اصيبوا بشيء من النار ولو بدخول الضحضاح من نار ويحتمل انه يكون سالما من نار جهنم وان طهر في الضحضاح من نار لانه ليس من حقيقة النار وانما هو من ظلها ويحتمل ان يكون سالما منها في البرزخ او سالما مما هو منها من جميع مكاره الدنيا والاخرة كالهم والمرض والفقر والحر والبرد الزائدين على ما يلايم الطباع وما اشبه ذلك ومن ظاهرها في البرزخ ومنها يوم القيمة وحديث ابي حمزة دال على ان المراد بالموالاة الحقيقية هي القيام بجميع ما امر الله واراد والاجتناب عن جميع ما نهى وكره لان به استكمال حقيقة الايمان والكون مع الصادقين وهذا لا يكون الا باقامة الولاية بالقلب والفؤاد من المعرفة وحسن الاعتقاد وثباته وباللسان من الاقوال الخالصة في الثناء عليهم من صلوة وقراءة ودعاء وتسبيح ومن كل ما يعني محبهم من الاقوال في مصالح دنياه وآخرته وبالجوارح من الاعمال الصالحة كما سنوا واسسوا وهو كذلك لان الله سبحانه يقول انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها الاية مع ان السموات والارض والجبال قد قبلن منها ما يقدرن عليه وهو قوله ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين والحاصل ان من صدقكم في جميع ما قالوا عن الله عز وجل من اعتقاد وقول وعمل وآداب فقد سلم من جميع مكاره الدنيا والاخرة لانهم لله تعالى فلا يتقولون عن الله ولا يتكلفون ما لم يرده الله سبحانه
قال عليه السلام : وهدي من اعتصم بكم هذه الفقرة تصلح شاهدا للتي قبلها يعني ان الذي صدقهم ظاهرا بالاقرار وباطنا بالعمل والمتابعة فقد سلم مما يكره الله سبحانه في الدنيا والاخرة وهو معنى هدى من اعتصم بهم لان من اعتصم بهم ظاهرا بالاقرار وباطنا بالعمل والمتابعة فقد هدى الى كل ما يحب الله سبحانه في الدنيا والاخرة وان كان الاول في النفي والثاني في الاثبات لاستلزام كل منهما الاخر والمراد بهذه الهداية الهداية للتي هي اقوم يعني ان من اعتصم بهم على ما هو المتعارف من الاعتصام هدى اليهم اي الى معرفتهم وهدي الى ولايتهم اي الى القيام بمقتضاها في متابعتهم كما امروا وكما عملوا وفي قوله تعالى ان هذا القرءان يهدي للتي هي اقوم في الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام قال يهدي للامام وفيه عنه عليه السلام قال يهدي اي يدعو وفي تفسير العياشي قال يهدي الى الولاية فعلى الاول يهدي الى معرفة الامام عليه السلام وعلى الثاني يدعو اليه اي الى معرفته والائتمام به والاتباع له والاخذ عنه وعلى الثالث يهدي الى الولاية العامة الشاملة لجميع ما احب للعبد مما يريد منه كما تقدم وانما قلنا المراد بهذه الهداية الهداية للتي هي اقوم المفسرة في الاية بما سمعت وقلنا يعني ان من اعتصم بهم على ما هو المتعارف الخ لان من اعتصم بالقرءان هدى الى ولايتهم واليهم والتي هي اقوم ولايتهم وهم يعني معرفتهم عليهم السلام فمن اعتصم بهم هدى الى ذلك بطريق اولى لان القرءان كتاب الله الصامت وهو حبل طرفه بيد الله وطرفه الاخر بيد خلقه الا انه نزل على طبق الخلق والخلق فيهم النص والمحكم والظاهر والمأول والمتساوي حاله والمشتبه والنسخ والاختلاف والتضايف وما لا يكون منه كل ما يمكن له الا بمتمم وما يكون منه الخير باضافة الخير والشر باضافة الشر ومنهم السابق بكله واللاحق بكله او بالبعض فيهما والمرجو وفي الباطن دون الظاهر وبالعكس وما اشبه ذلك والقرءان كذلك وما كان هذا حاله لا يستقل بالاصلاح الا بكتاب الله الناطق المطابق له في كل شيء والكتاب الناطق وان كان ينبئ عن الصامت الا انه يستقل بالاصلاح فلذا قلنا من اعتصم به هدى للتي هي اقوم اي معرفته وولايته بطريق اولى لان القرءان انما يهدي اليهم والى ولايتهم وفي معاني الاخبار عن علي بن الحسين عليه السلام قال الامام لا يكون الا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها وكذلك لا يكون الا منصوصا فقيل يا ابن رسول الله (ص) فما معنى المعصوم فقال هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرءان يهدي الى الامام وذلك قول الله عز وجل ان هذا القرءان يهدي للتي هي اقوم ه هذا على ظاهر يهدي وعلى تأويله بمعنى يدعو كما تقدم في حديث الكافي يكون اعم من الهداية فيكون القرءان يهدي الى الاعتصام بهم وبولايتهم او يدعو وعلى كل تقدير فالمعتصم بهم اولى بالهداية من المعتصم بما يدعو اليهم او يهدي اليهم ولما قلنا من ان الاعتصام بالناطق اقوم من الاعتصام بالصامت فافهم
قال عليه السلام : من اتبعكم فالجنة مأويه ومن خالفكم فالنار مثواه
اقول هذان الحكمان لا تختلف فيهما الشيعة وكثير من العامة قائلون بهما من جهة النصوص الواردة في هذا المعنى من الفريقين وانما يدعون انهم من اتباعهم ومحبيهم وان ما هم عليه هو مذهب محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله كذا قاله بعضهم وقد رووا احاديث لا تكاد تحصى بطرقهم عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الصحابة وعن ائمتنا عليهم السلام في هذا المعنى فمنها ما رووه ان امير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي انت امير المؤمنين وامام المتقين يا علي انت سيد الوصيين ووارث علم النبيين وخير الصديقين وافضل السابقين يا علي انت زوج سيدة نساء العالمين وخليفة خير المرسلين يا علي انت مولي المؤمنين يا علي انت الحجة بعدي على الناس اجمعين استوجب الجنة من تولاك واستحق دخول النار من عاداك يا علي والذي بعثني بالحق بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو ان عبدا عبد الله الف عام ماقبل الله ذلك منه الا بولايتك وولاية الائمة من ولدك وان ولايتك لا يقبلها الله الا بالبراءة من اعدائك واعداء الائمة من ولدك بذلك اخبرني جبرئل (ع) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر رواه ابو الحسن محمد بن احمد بن علي ابن الحسين بن شاذان في مناقبه من طرقهم وفيه عن ابي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول اذا كان يوم القيمة امر الله الملكين يقعدان على الصراط فلا يجوز احد الا ببراءة امير المؤمنين عليه السلام ومن لم تكن له براءة امير المؤمنين اكبه الله على منخريه في النار وذلك قوله تعالى وقفوهم انهم مسئولون قلت فداك ابي وامي يا رسول الله ما معنى براءة امير المؤمنين قال مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله امير المؤمنين علي بن ابي طالب وصي رسول الله وفيه عن امير المؤمنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسئل عن قوله تعالى القيا في جهنم كل كفار عنيد يا علي اذا جمع الله الناس يوم القيمة في صعيد واحد كنت انا وانت يومئذ عن يمين العرش فيقول الله تعالى يا محمد ويا علي قوما والقيا من ابغضكما وكذبكما في النار وفيه عن ابن عباس قال قال (ص) الى ان قال عن الله تعالى واني آليت بعزتي ان لا ادخل النار احدا تولاه يعني عليا (ع) وسلم له وللاوصياء من بعده ولا ادخل الجنة من ترك ولايته والتسليم له وللاوصياء من بعده وحق القول مني لاملئن جهنم واطباقها من اعدائه ولاملئن الجنة من اوليائه وشيعته وفي امالي الطبرسي باسناده عنه (ص) انه قال مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح (ع) من ركبها نجى ومن تخلف عنها زخ في النار وروى القمي في قوله تعالى وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية قال هم الذين خالفوا دين الله وصلوا وصاموا ونصبوا لامير المؤمنين عليه السلام علموا ونصبوا فلا يقبل منهم شيء من افعالهم وتصلي وجوههم نارا حامية وفي الكافي عن الصادق (ع) قال لا يبالي الناصب صلى ام زنى وهذه الاية نزلت فيهم وعن امير المؤمنين (ع) كل ناصب وان تعبد واجتهد فمنسوب الى هذه الاية وروى القمي كل من خالفكم الخ وبالجملة فالاحاديث من الطرفين في هذا المعنى اكثر من ان تحصى والسر في هذا الحكم قد اشرنا اليه فيما مضى ومنه انهم عليهم السلام هم الرحمة التي وسعت كل شيء المشتملة على الفضل الذي هو الرحمة المكتوبة لمحبيهم وشيعتهم ودارها الجنة وعلى العدل الذي يترتب عليه في حق اعدائهم دخول النار وغضب الجبار وذلك لان الله سبحانه خلق الجنة وما اعد لاهلها من حبهم واتباعهم والتسليم لهم وخلق النار وما اعد لاهلها من عداوتهم وبغضهم ولاجل هذا كان علي عليه السلام قسيم الجنة والنار لان الله عز وجل لما خلقهم واشهدهم خلق جميع عباده وانهى اليهم امرهم والقيام عليهم بما كسبوا واعلمهم علم ذلك وجعلهم المانين لكل شيء باذنه كما امرهم وكان قد خلقهم من نوره اي اول نور احدثه وارتضاه ونسبه اليه تشريفا له ولم يخلق نورا غيره الا منه اي من اشعته كشيعتهم ومحبيهم من الانس والجن والملائكة وسائر الحيوانات الخيرة والنباتات العذبة والجمادات الطيبة او عنه اي من عكوس اشعته وهي اظلتها وظلمات نفوسها كاعدائهم واتباع اعدائهم من الانس والجن والشياطين وسائر الحيوانات الشريرة والنباتات المرة والحامضة والمسوسة والجمادات الخبيثة والسبخة كان علي عليه السلام قسيم الجنة بين اهل الجنة بان يضع كل شخص في درجته ويجزيه بقدر طاعته ومحبته وقسيم النار بين اهل النار بان يضع كل شخص من اهلها في دركه ويجزيه بقدر معصيته وبغضه وشركه وما ربك بظلام للعبيد وهو تأويل قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وقوله تعالى وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وقوله تعالى يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا ولقد نزل كتاب الله سبحانه كله لهم وعلى اعدائهم والامام عليه السلام هو صاحب ذلك المقام والقيام على كل نفس بما كسبت باذن الله تعالى ولما كانت الجنة مخلوقة من ولايتهم وحبهم واهلها خلقوا منها كلا ان كتاب الابرار لفي عليين والنار خلقت من بغضهم وولاية مبغضيهم واهلها خلقوا منها كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وكان قد جرت حكمة الحكيم وعدله المستقيم على ان كل شيء يرجع الى اصله ويميل بطبعه الى ما منه خلق وكل ميسر لما خلق له وجب ان يكون من اتبعهم فالجنة مأويه ومن خالفهم فالنار مثويه لان ذلك هو مقتضي العدل وضده ظلم وما ربك بظلام للعبيد لان المخلوق انما سئل من خالقه في رتبة امكانه قبل تكوينه ان يخلقه على ما يتحقق به ويوافق له فاعطاهم ما سألوه ومقتضى طلبتهم ان يكون المطيعون في الجنة والعاصون في النار الا ترى ان الشمس يكون منها النور ويكون عنها الظل واذا عادت الاشياء الى اصولها عاد النور الى الشمس ولو عاد الى الجدار فني لانه لا يوافقه الا الشمس ولا يتحقق الا بها وعاد الظل الى الجدار ولو عاد الى الشمس فني لانه لا يوافقه الا كثافة الجدار ولا يتحقق الا بها فان قلت ان من له عقل واختيار لا يطلب بعقله واختياره ما يشقيه فلو كانوا مختارين لطلبوا ما يسعدهم قلت الامر كما قلنا من انهم باختيارهم ورضاهم طلبوا منه ما يشقيهم وهم يعلمون ودليل هذا القطعي الذي لا شك فيه عند كل من له ادنى ادراك اذا طلب الحق ان هؤلاء الظلمة في الدنيا يطلبون ذلك وهم يعلمون انه يشقيهم ويقتلون انفسهم في طلب ما يشقيهم وهم يعلمون ان السعادة في ترك ذلك ويقدرون على تركه فاذا رأيت هذا وعرفته فيهم مع كمال تمييزهم وتمام اختيارهم فقل فيهم في اصل الخلق لان هذا آية ذلك ودليله كما قال عز من قائل سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم بحيث لا يجحده الا مكابر والظاهر دليل الباطن وصنع لا يختلف ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فان قلت لو ان الله هديهم لماضلوا السبيل ولكنه منعهم اللطف والمعونة على طاعته لانه وكلهم الى انفسهم قلت ان الله تعالى لم يطع باكراه لمنافاة الاكراه للطاعة وانما يطاع بالاختيار وقد طلب منهم الهداية الى سبيله باختيارهم بان بين لهم ما يحب ودعاهم اليه وما يكره ونهاهم عنه وحذرهم بطشه على المخالفة كما قال تعالى واما ثمود فهديناهم بالبيان والتعريف والترغيب والترهيب فاستحبوا العمى على الهدى بعد ما تبين لهم ما فيه نجاتهم وهذا هو اللطف بهم الذي لا يبلغ جبرهم واكراههم على الطاعة لئلا تبطل الطاعة لان المكره على الطاعة ليس بمطيع واما المعونة فهي قسمان معونة البيان والتعريف والهداية وهذه واجبة في الحكمة على الله لكل مكلف لان ذلك شرط التكليف ومعونة المدد وتلك لا تحسن الا لمن طلبها واستعد لها وطلبها والاستعداد لها لا يتحقق الا بالميل الى الطاعة وطلب اسبابها فاذا مال وطلب واستعد اتاه منها بقدر ميله واستعداده وطلبه شيئا فشيئا لئلا يقع المقبول على غير قابل فلا يكون المقبول مقبولا فيقع العبث الا ترى الى الشمس في اشراقها لو لم يكن كثيف يظهر فيه الاشراق لما امكن منها الاشراق لان اشراقها وعدمه على السواء فلما امدهم بالمعونة الاولى التي هي هداية البيان والتعريف والترغيب والترهيب ولم يميلوا الى القبول منه ولم يريدوه بل طلبوا خلاف ما اراد منهم تركهم وهو الخذلان وهو المد بالتخلية قال تعالى قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا وهو قوله عز وجل ونذرهم في طغيانهم يعمهون فان قلت انما ضلوا لانه سبحانه خلقهم من الظلمة ولو خلقهم من النور لاهتدوا لان كل شيء يميل الى اصله قلت لو خلقهم من النور لم يكونوا هم الذين من الظلمة بل يكونوا هم الذين من النور ثم لا يخلو هل يخلق من النور اي من عكسه ظلمة ام لا فان خلق ظلمة فان خلق منها خلقا رجع الكلام على ما هو الواقع ويعود السؤال وان لم يخلق منها خلقا لم يحسن ان يخلق من النور خلقا لانه ضده وظله ولا يكون الضد الا بتمام المقابلة وكمال المكاثرة ولا يكون الظل الا على صفة شاخصه فلا يكون ظل المتعدد متحدا ولا ظل الطويل عريضا وبالعكس ولا الدقيق غليظا وبالعكس والا لم يكن ضدا او ظلا بل يكون شيئا وجوابه في الشق الثاني وهو قولنا ام لا يعني لم يخلق ظلمة اي خلق نورا ولم يجعل له ضدا سواء كان معه شيء آخر ليس له ضد ام لا وهذا لا يقع في الحكمة ايجاد مخلوق لا ضد له واليه الاشارة بقول الرضا عليه السلام واعلم ان الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدور فليس في كل واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل احدهما يدرك بالاخر وجعلهما مدركين بانفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده والله تعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ويعضده ولا يمسكه والخلق يمسك بعضه بعضا باذن الله ومشيته الحديث وهو قول الله عز وجل ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فان قلت اذا سلمنا هذا في الخلق لم نسلمه في التكليف وما يترتب عليه لان من خلق من النور يميل الى الطاعة وتهون عليه ومن خلق من الظلمة بالعكس فينبغي الا يكون التكليف يجري عليهما على السواء لان من خلق من الظلمة اذا عصي معذور لقلة نوريته فلا يميل بطبعه الى الطاعة التي هي من النور بخلاف من خلق من النور قلت ان هذا انما يتوجه لو كان التكليف فيهما على حسب ما في من خلق من النور من النورية اما اذا كان التكليف فيهما على حسب بعض ما في من خلق من الظلمة من النورية فانه يتساوي ميلهما في الامكان والاستطاعة الى الطاعة لان من فيه عشرة اجزاء من النور وتسعون جزءا من الظلمة اذا كلف على قدر جزء واحد من النور يساوي من فيه تسعون جزءا من النور وعشرة اجزاء من الظلمة في هذا التكليف اذ لا يختلف الحال فيهما بالنسبة الى التكليف في الاستطاعة والامكان مضافا الى تساوي الانذار والاعذار والترغيب والترهيب والامهال والاناة الا ترى انك لو كلفت بحمل مثقال صيرفي وكلف جبرئل بحمله لما كان لك ان تعتذر عن حمله بان جبرئل اقوى منك على حمله لا نكما في حمله متساويان نعم لو كلفكما بحمل الجبل لكان لك ان تقول اني لا استطيعه وجبرئل يستطيعه او كلفكما بما لا تقدر انت عليه الا بمشقة لكان لك ان تقول هذا يشق علي ويخف على جبرئل ولكن التكليف على دون الوسع والطاقة وهو الوسع الذي ذكره سبحانه في قوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها بخلاف الوسع الذي الجهد فافهم
ثم اعلم ان هنا ابحاثا شريفة تكشف لشبهات ترد على العلماء قد تصعب الكشف عنها على اكثر الافهام ولكن المقام لا يقتضي ذكرها لانه يحتاج الى تطويل كثير وارجو من الله سبحانه ان يوفق لذكرها في خلال هذا الشرح مفرقة لان جمعها في هذا الشرح يخرجه عما يليق به والحاصل ان من اتبعهم في الجنة البتة على اي حال كانت منه اذا خرج من الدنيا على الاسلام محبا لهم وان من خالفهم في النار البتة على اي حال كانت منه اذا خرج من الدنيا على مخالفتهم لا ينفعه توحيده ولا عبادته وذلك لان من اتبعهم خلق في الخلق الثاني من عليين واليها يعود ومن خالفهم خلق في الخلق الثاني من سجين وهي طينة خبال واليها يعود وانما خلق المتبعون من عليين لاجابتهم وقبولهم حين قال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم والائمة من ذريته اولياؤكم قالوا بلى وطينة عليين هي صورة الاجابة وهي صبغهم في الرحمة كما قال جعفر بن محمد عليه السلام وكذلك خلق المخالفون لهم من سجين لان طينة سجين هي صورة الانكار لذلك العهد وهي صبغهم في الغضب الذي هو تبديل خلق الله وتغييره
قال عليه السلام : ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك ومن رد عليكم في اسفل درك من الجحيم
قال الشارح (ره) ومن رد عليكم اقوالكم وان لم تكن موافقة لعقله الناقص انتهى
اقول الجحود الانكار بعد العلم كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا والكفر على خمسة وجوه كما في حديث الصادق عليه السلام الكفر في كتاب الله على خمسة اوجه كفر الجحود وهو على وجهين جحود بالربوبية والا جنة ولا نار كما قاله صنف من الزنادقة والدهرية الذين يقولون وما يهلكنا الا الدهر والوجه الاخر من الجحود هو ان يجحد الجاحد وهو يعلم انه حق واستقر عنده كما قال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم والثالث كفر النعمة قال تعالى لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد الرابع ترك ما امر الله به وعليه قوله تعالى افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الخامس كفر البراءة وعليه قوله تعالى في قول ابراهيم لقومه كفرنا بكم اقول هذه الوجوه الخمسة فيمن جحدهم اما الاول فلان من جحدهم فقد كفر بالله وباليوم الاخر كفر جحود لان الايمان بالله وربوبيته واياته وكتبه ورسله واليوم الاخر مقرون بالايمان بهم فمن لم يؤمن بهم لم يؤمن بالله ولا بربوبيته وآياته وكتبه ورسله واليوم الاخر والنصوص في ذلك لا تكاد تحصى من الفريقين حتى ان مما رواه اعداؤهم كما في مناقب ابنشاذان في الثانية والتسعين عن امير المؤمنين عليه السلام الى ان قال عن رسول الله صلى الله عليه واله عن الله عز وجل الى ان قال تعالى وان لم يشهد الا اله الا انا وحدي او شهد بذلك ولم يشهد ان محمدا عبدي ورسولي او شهد بذلك ولم يشهد ان علي بن ابي طالب خليفتي او شهد بذلك ولم يشهد ان الائمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر باياتي وكتبي ورسلي ان قصدني حجبته وان سألني حرمته وان ناداني لم اسمع نداءه وان دعاني لم استجب دعاءه وان رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما انا بظلام للعبيد الحديث ولقد كان كثير من اعدائهم يصرحون في خلواتهم بانكار البعث والرسالة والربوبية وذلك لان حبهم والاتباع لهم والاقتداء بهم جمع جميع انحاء الايمان والاسلام فلم يخرج عن ولايتهم شيء منهما كما ان عداوتهم وخلافهم قد جمعا جميع انحاء الكفر واحواله لا يخرج عنهما شيء منه بل ليس للكفر معنى في الحقيقة الا عداوتهم ومخالفتهم لان العارف بولايتهم يعاين هذا رأي العين فليس لله معصية الا معصيتهم ولا طاعة الا طاعتهم ولا معرفة الا معرفتهم والى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وآله ليلة اسرى بي الى السماء قال لي الجليل جل جلاله الى ان قال تعالى وعرضت ولايتكم على اهل السموات واهل الارضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو ان عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم اتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم الحديث وهو السابع عشر من مناقب ابن شاذان وفي المناقب الحديث الخمسون عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما ان خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد لله فاوحى الله تعالى اليه حمدتني وعزتي وجلالي لولا عبدان اريد ان اخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك يا آدم قال الهي فيكونان مني قال نعم يا آدم ارفع رأسك وانظر فرفع رأسه واذا مكتوب على العرش لا اله الا الله محمد نبي الرحمة وعلى مقيم الحجة من عرف حق علي زكا وطاب ومن انكر حقه لعن وخاب اقسمت بعزتي ان ادخل الجنة من اطاعه وان عصاني واقسمت بعزتي ان ادخل النار من عصاه وان اطاعني ولعلة ما اشرنا اليه من ان عداوتهم لا تجتمع مع التوحيد والاسلام والايمان والاقرار بالبعث في قلب واحد قال الاعرابي الكبير حين عاتبته زوجته على شرب الخمر في شهر رمضان نهارا فقال :
دعينا نصطبح يا ام بكر فان الموت نفث عن هشام
ونفث عن ابيك وكان قرما شديد البأس في شرب المدام
ايوعدنا ( ايخبرنا خ ) ابن كبشة سوف نحيى ( ان سنحيي خ ) وكيف حيوة اشلاء ( اصداء خ ) وهام
اذا ما الراس زايل منكبيه فقد شبع الانيس من الطعام
ويقتلني اذا ما كنت حيا ويحييني اذا رمت عظامي
ولم يكتف بجمع المال حتى امرنا بالصلوة وبالصيام
الا من مبلغ الرحمن عني باني تارك شهر الصيام
وتارك كل ما اوحى الينا حديثا من خرافات الانام
فقل لله يمنعني شرابي وقل لله يمنعني طعامي
ولكن الحكيم رأى حميرا فالجمها فتاهت باللجام
وهذا صريح في جحوده لله تعالى وربوبيته وكتبه ورسله واليوم الاخر واما قوله الا من مبلغ الرحمن عني وقوله فقل لله فقد قاله على ما هو المتعارف الجاري على الالسن او لان الطبيعة والفطرة تغلب صاحبها عند بداهته على الاقرار بالصانع ولعله يرى انه الدهر او الطبيعة او النور والظلمة او الكواكب كالدهرية والثنوية والمزدكية والصائبة وغيرهم وتلفظه بصورة قول اهل الاسلام اما بطبعه او لتحفظه وتستره
واما قولي لعله يرى الخ فذلك من قوله تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون ففي المعاني عن امير المؤمنين عليه السلام الا واني مخصوص في القرءان باسماء احذروا ان تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم انا السلم لرسول الله صلى الله عليه وآله يقول الله عز وجل ورجلا سلما لرجل وروى العياشي عن الباقر عليه السلام الرجل السلم للرجل حقا علي وشيعته وفي الكافي عنه عليه السلام اما الذي فيه شركاء متشاكسون فلان الاول يجمع المتفرقون ولايته وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا ويبرء بعضهم من بعض واما رجل سلم لرجل فانه فلان الاول حقا وشيعته ه فان قوله عليه السلام يجمع المتفرقون ولايته الخ ان كل ذي رأي ومذهب وبدعة ممن يدخلون في اسم الاسلام وغيرهم من كل ما لا يحب الله تعالى فانه يستند الى ولايته كما تدل عليه احاديث قيام القائم عليه السلام وسيرته ونبشه للقبرين وحسابهما على جميع ما حدث في الدنيا مما لا يرضي به الله سبحانه منذ سكن آدم عليه السلام الارض الى قيام القائم عليه السلام وانه منهما واعترافهما بذلك واقامته عليه السلام الحد عليهما على جميع ذلك لانهما هما السبب في كل ذلك والمؤسسان له مع ان كل طائفة تبرأ من الاخرى ومن عملها وان كان طرق جميع الباطل واعمال اهله من ولايتهما وانما سمى علي وشيعته بالسلم لرسول الله صلى الله عليه وآله فلانهم له (ص) اي لله ولرسوله صلى الله عليه وآله لم يكن للشيطان فيهم نصيب وليس له عليهم سلطان وهو تأويل قوله تعالى واما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين واليمين علي عليه السلام وفي ربيع الابرار للزمخشري ان الابيات المتقدمة قد تمثل بها عمر وهو سكران والظاهر انها للاول ويحتمل انه تمثل بها عمر ايضا
واما الاعرابيون الذين بعده فقد وقع منهم من هذا كثير ونقل ان الثاني قال حين امر بالصيام :
ءاوعد في الجنان بشرب خمر وانهى الان عن ماء وتمر
احشر ثم نشر ثم بعث حديث خرافة يا ام عمر
و دخل ابو سفيان على الاعرابي الثالث حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا ابن اخي هل علينا من عين فقال لا فقال ابوسفيان تداولوا الخلافة فتيان بني امية فو الذي نفس ابيسفيان بيده ما من جنة ولا نار وقال الاعرابي الرابع حين قالت زوجته انها لا تنكح زوجا بعده :
اذا مت يا ام الحمير فانكحي فليس لنا بعد الممات تلاقيا
فان كنت قد اخبرت عن مبعث لنا احاديث لهو تجعل القلب واهيا
وقد جرى من تبعهم على منهاجهم الا تسمع ما قاله يزيد لعنه الله :
لعبت هاشم في الملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
ولعبنا نحن في دولتنا وكذا الأيام والدهر دول
فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا ومما يكفي في هذا المقام الصحيفة التي كتبها الثاني للرابع وهي التي اخرجها يزيد لعنه الله لما عاتبه عبد الله ابن عمر على قتل الحسين عليه السلام واقرأه اياها وعرفها بخط ابيه ولقد رأيت في كتاب عتيق من تأليفات بعض اصحابنا المتقدمين ما معناه ان الاعرابي ابا الشرور اصحر مع بعض اصحابه فظهر لهم الرجيم وسجد لابي الشرور واقسم له باللات والعزى انك معبودي وناصري ثم انشأ يقول بابيات قدر اثني عشر بيتا ما حفظت منها الا قوله :
انت الذي صيرتني بعد الصغار مكبرا
وتركت احمد في الخلافة هاجرا فيما يرى
ومنعت فاطمة الوراثة بالحديث المفترى
الى آخر كلامه ثم ان ابا الشرور سجد للغرور واقسم باللات والعزى والهبل الاعلى اني ما عبدت معبودهم الا خوفا من اسيافهم وانما انت معبودي ثم انشأ يقول :
اعل هبل اعل هبل اعل ابونا انت من نار من الطين اجل
اعز من امر الورى بالخلاف لم تزل وان (خ) رماك بالبلا على الجحيم لم تبل
يا ملكا دولته بالارض تجتاح الدول ويا عزيزا تاه بالفخر على شيخ الرسل
يا باطلا في اكثر الناس به الحق بطل ويا مطاع الأمر بين الاخرين والاول
بالنقد اسعفت وشانيك على الوعد حصل حسبك فخرا ان يقول الله ابليس فعل
حسبي رضاك وقلا الرب وارباب الملل
فاعتبر يظهر لك ان من جحدهم عليهم السلام وجحد ولايتهم ومقامهم فهو من القسم الاول لما قلنا من تغييرهم فطرة الله فهم لا يعلمون ومن القسم الثاني لعلمهم بما انكروا كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما لال محمد صلى الله عليه وآله حقهم وعلوا عليهم فانظر كيف كان عاقبة المفسدين واسئل عنهم جبل الكمد وعيون بقر ومطلع الشمس وعين برهوت وعين الكبريت
واما الوجه الثالث وهو كفر النعمة فهو قوله تعالى لئن شكرتم نعمتي التي انعمت بها عليكم وهم الاوصياء عليهم السلام وولايتهم التي هي سبب سعادتكم في دنياكم وآخرتكم بان تتولوهم وتقتدوا بهم وتسلموا لهم وتردوا اليهم جميع اموركم وتحبوهم وتنصروهم بقلوبكم وايديكم والسنتكم وتؤثروهم على انفسكم واهليكم وتعبدوا الله باقتفاء آثارهم والاخذ عنهم وتتبرءوا من اعدائهم لازيدنكم من العلوم والحكم والتوفيق للاعمال الصالحة ورفع ثقل العمل عنكم والهداية لمحبة الله ورضاه عنكم ومن دفع البلاء السوء عنكم وسعة الرزق الحلال الذي يحصل به الكفاف والرخاء والعيش الهني وهو قوله تعالى ولو ان اهل القرى آمنوا بعلي واهل بيته الطاهرين وبولايتهم واتقوا ولاية اعدائهم لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولئن كفرتم ان عذابي لشديد اي ولئن جحدتم نعم الله عليكم وهم ال محمد صلى الله عليه وآله بان نصبتم لهم العداوة والحرب او قدمتم عليهم غيرهم او انكرتم فضائلهم الظاهرة او رددتم عليهم او اقتديتم بغيرهم وما اشبه ذلك عن معرفة كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ان عذابي اياكم على كفركم نعمتي لشديد ولذا قال تعالى ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون من انكارهم لنعمة الله وكفرهم بها بعد الاستيقان قال الله تعالى الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وروى القمي عن الصادق عليه السلام نزلت في الافجرين من قريش بني المغيرة وبني امية فاما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم واما بنوامية فمتعوا الى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي انعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز وروي عن امير المؤمنين عليه السلام ما بال اقوام غيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعدلوا عن وصيه لا يتخوفون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الاية قال نحن النعمة التي انعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيمة وعن الصادق عليه السلام يعني بها قريشا قاطبة الذين عادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وجحدوا وصيه فكان كفر النعمة الكبرى كفر جحود كما تقدم في الوجه الثاني وكفر النعمة الصغرى كفر شكر اما الكبرى فقد سمعت ما اشرنا اليه واما الصغرى فان ذكر نعمة عليه في نفسه من سمع وبصر وذوق ولمس وشم وقوة ولذة وعافية وعقل وادراك وامن وصحة وطعام وشراب وغير ذلك فعرفها بقلبه من الله فقد شكرها واستحق من الله سبحانه الثواب على ذلك فيما يتعلق بنفسه من المعرفة والهداية وفيما يتعلق بمعاشه بنسبة تأثر ظاهره بما في نفسه وان حمد الله بلسانه استحق المزيد على ذلك في المقامين وفي الكافي عن الصادق عليه السلام من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله من قبل ان يظهر شكرها على لسانه وفيه عنه عليه السلام ما انعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد وفيه عنه عليه السلام ما انعم الله على عبد بنعمة صغرت او كبرت فقال الحمد لله الا ادى شكرها وان لم يعرف انها نعمة فان كان جاهلا بكونها نعمة فليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله والا فان كان غافلا فهو حينئذ ممن رفع عنه ذلك حين غفلته وان كان تقصيرا منه وقصورا في رتبته وان لم يكن غافلا ولا جاهلا بل عرف بفطرته كونها نعمة من خالقه تعالى وجحدها بسوء عمله وتطبعه من بعد ما تبين له الحق فانه يكون بذلك جاحدا للربوبية ويكون ممن جحد النعمة الكبرى لانه يدخل في قوله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الفاسقون وفي قوله عليه السلام فيأخذ في بغضنا اهل البيت
واما الوجه الرابع وهو ترك ما امر الله به وهو قوله تعالى الى ان قال افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الاية ثم قال عليه السلام فكفرهم بترك ما امر الله عز وجل ونسبهم الى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال فما جزاء من يفعل ذلك منهم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون الاية فنقول اذا ترك المكلف ما امر الله به فلا يخلو اما ان يكون ترك وهو عند نفسه انه مقصر فهو ماقت لنفسه في تركه ما اوجب الله عليه فهذا لا يكون كافرا بهذا الترك ولا يدخل في قوله تعالى اولئك لهم خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون الى اشد العذاب بل يرجى له الخير لانه مؤمن كما تقدم سابقا وان ترك ما علم وجوبه منكرا له او متهاونا بحكم الله بعد العلم فهو من اعدائهم وممن يدخل في هذه الاية لانه اما جاحد او يلزمه الجحود فقوله عليه السلام فكفرهم بترك ما امر الله عز وجل يراد منه الترك عن انكار او تهاون وقوله عليه السلام ونسبهم الى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده يراد منه انهم بتركهم ما امر الله به انكارا او تهاونا خرجوا عن الايمان حقيقة والا لقبله منهم ونفعهم عنده وانما نسبهم الى الايمان لفعلهم بعض ما امروا به لغرض انفسهم كما تركوا البعض الاخر لغرض انفسهم فالنسبة للصورة الظاهرة كما سمي الله ثالثهم مؤمنا في قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ولم ينفعهم عنده لانهم ما امنوا له تعالى فلم يقبل ما ليس له لان ترك ما امر به من فروع اعدائهم عليهم السلام فاذا ترك المكلف ما اوجب الله انكارا دل على انه ليس ممن يتولاهم اذ لا يجتمع ذلك مع ولايتهم ابدا
واما الوجه الخامس وهو كفر البراءة وهو قوله تعالى كفرنا بكم اي برئنا منكم جحدناكم وانكرناكم وتبنا عن الميل اليكم فمن برئ منهم عليهم السلام فقد كفر بالله وجحد وجوده تعالى وتوحيده وربوبيته وكتبه ورسله واليوم الاخر لان الاقرار بهذا كله من ولايتهم كما اشرنا اليه في مواضع من هذا الشرح فهذه الوجوه الخمسة في حق عدوهم ترجع الى كفر الجحود كما مر الا من وقعت منه عن غير علم وفي الخصال عن الاصبغ بن نباتة قال قال امير المؤمنين عليه السلام والكفر على اربع دعائم على الفسق والعتو والشك والشبهة والفسق على اربع شعب على الجفاء والعمى والغفلة والعتو فمن جفا حقر الحق ومقت العلماء واصر على الحنث العظيم ومن عمي نسي الذكر واتبع الظن والح عليه الشيطان ومن غفل غرته الاماني واخذته الحسرة اذا انكشف الغطاء وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب ومن عتا عن امر الله تعالى تعالي الله عليه ثم اذله بسلطانه وصغره بجلاله كما فرط في جنبه وعتا عن امر ربه الكريم والعتو على اربع شعب على التعمق والتنازع والزيغ والشقاء فمن تعمق لم ينب الى الحق ولم يزدد الا غرقا في الغمرات فلم تحتبس عنه فتنة الا غشيته اخرى وانخرق دينه فهو يهيم في امر مريج ومن نازع وخاصم قطع بينهم الفشل وذاقوا وبال امرهم وساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة ومن ساءت عنده الحسنة اعتورت عليه طرقه واعترض عليه امره وضاق مخرجه وحري ان يرجع من دينه ويتبع غير سبيل المؤمنين والشك على اربع شعب على الهول والريب والتردد والاستسلام وهو قوله عز وجل فباي آلاء ربك يتمارى المتمارون فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ومن تردد في الريب سبقه الاولون وادركه الاخرون وقطعته سنابك الشياطين ومن استسلم لهلكة الدنيا والاخرة هلك فيما بينهما ومن نجى فباليقين والشبهة على اربع شعب على الاعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأويل المعوج وتلبيس الحق بالباطل ذلك بان الزينة تزيل عن البينة وان تسويل النفس يقحم على الشهوة وان المعوج يميل بصاحبه ميلا عظيما وان التلبيس ظلمات بعضها فوق بعض فهذا الكفر ودعائمه وشعبه انتهى اقول ان هذه الشعب الستعشرة شعبة للكفر كلها موجودة في اعدائهم واتباع اعدائهم لا يخرج احد عن شيء منها لان الكون منحصر في الحق والباطل والحق منحصر في ال محمد صلى الله عليه وآله وفي شيعتهم والباطل منحصر في اعدائهم نعم من خالفهم ومال الى اعدائهم عن جهل قد يصدر منه حق دنياوي او برزخي او اخروي ويرجع على ما سبق له في الكتاب واما من كان منه ذلك من بعد ما تبين له الهدى فلا يقع منه حق ابدا لان الحق لا يتحقق وجوده الا باستناده اليهم عليهم السلام فاذا مال عنهم من بعد ما تبين له الهدى ظلما وعلوا لم يجد في خلافهم شيئا من الحق اللهم الا ان نقول انهم قد يصدر عنهم اعمال تشابه الحق في صورته وهو تأويل قوله تعالى يحسبه الظمان ماء والظمآن هو الكافر الجاحد لولايتهم فهذه الصور قد ينالون به بعض ثواب الدنيا اما لاقتضاء الصورة او لانها قابلية نصيبهم من الكتاب السابق فيعافي من البلاء في الدنيا ان شاء الله ويرزق ان شاء الله وهكذا وذلك لما قلنا من الانحصار المذكور وفي الكافي عن ابي جعفر عليه السلام قال ان الله تعالى نصب عليا علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء بعداوته دخل النار وفيه عن ابي ابراهيم عليه السلام قال ان عليا باب من ابواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج من بابه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة التي لله تعالى فيهم المشية وفي اخرى عنه عليه السلام ان عليا باب من ابواب الهدى الحديث السابق فافهم
وقوله عليه السلام : ومن حاربكم مشرك اقول المراد بالمحارب لهم من شهر سيفه لقتالهم في طاعة اولياء الشيطان ويدخل فيه من اطلق لسانه في سبهم وسب محبهم لاجل حبه اياهم والرد عليهم والمعارضة لهم فيما يحكمون به ويأمرون به وينهون عنه اذا صدر ذلك عنه من بعد ما تبين له الهدى ومن ابغضهم بقلبه لرضا عدوهم بعد المعرفة والشرك شرك طاعة وشرك عبادة والمراد هنا شرك العبادة وهو الذي لا يغفر وهو انكار علي وولايته وفي تفسير العياشي عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال اما قوله ان الله لا يغفر ان يشرك به يعني انه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي عليه السلام وفيه عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال قوله ان الله لا يغفر ان يشرك به انه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي (ع) واما قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يعني لمن والى عليا عليه السلام وفي عيون الاخبار عن الرضا عليه السلام باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله يحاسب كل خلق الا من اشرك بالله فانه لا يحاسب ويرمى به في النار ويغفر ما دون ذلك اي ما دون الشرك صغيرا كان او كبيرا وقوله الا من اشرك فانه لا يحاسب الخ يراد به ان الحساب انما هو لتمييز اعماله بالوزن فترجح الحسنات فيدخل الجنة او السيئات فينظر فيها فان كانت السيئات ليست ذاتيات لوجوده ولا لقلبه نظر فيها فان بلغت في تطهيرها مكث ثمانين سنة وضع في الطبقة العليا من النار اي في حظائرها حتى يتخلص من نجاستها واخباثها ثم يدخل الجنة ويغسل في عين الحيوان هذا اذا لم تنله شفاعة من امامه او من صديقه وان لم تبلغ مكث ثمانين سنة فروي انه يعفى عنه وذلك اما في عرصة المحشر باهوال يوم القيمة او بالعرض على النار او بمناقشة الحساب او بعذاب البرزخ او عند الموت او ببلايا الدنيا وان كانت ذاتيات لوجوده او لقلبه فلا تطهر الا بذهاب بنيته الذاتية فلا يكون هو اياه فلا يحاسب لان حسناته حينئذ لا تكون ذاتية له بل يجب ان تكون عارضة اما من لطخ المؤمن او من البرزخ الذي يتقوم به اللطخ وهذه يجزى بها في الدنيا من دفع بلاياها وتوسعة رزقه واظهار جاهه في الناس واستيلائه على غيره او دفع شدة النزع عنه عند الموت او في البرزخ او يوفي اجرها عند اول دخوله النار مفرقا عليه بحيث لا يحس بالتخفيف ولا يسئل يوم القيمة ولا يوضع له ميزان وهو قوله تعالى فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان فباي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيميهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام لعدم الفائدة في حسابه وانما جعل سبحانه من لم يتول بهم مشركا به سبحانه لان ولايتهم ولاية الله وهم وجهه في الامكان الذي يتوجه اليه الاولياء وهم ظاهره في الخلق كما تقدم في حديث جابر بن يزيد قال علي بن الحسين عليه السلام واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فيكم الحديث لانه جل وعلا جعلهم عينه الناظرة في عباده وولاهم امر خلقه وانهى اليهم علمهم فمن اشرك غيرهم في ولايتهم فقد اشركه في ولاية الله وايضا هم عليهم السلام امرهم امر الله وحكمهم حكم الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله فاذا اطاع عدوهم فقد اشرك في طاعة الله وايضا حكمهم حكم الله في خلقه فاذا اخذ بغير حكمهم فقد وضع لخلق الله حكما غير حكم الله وقد تقدم ان حكم الله مادة الوجود الشرعي فاذا حكم بغير حكم الله جعل للوجود الشرعي مادة من غير امر الله وايضا حكم الله هيكل توحيده وهو وصفه نفسه لخلقه واذا عمل بحكم غيرهم وصف الله بوصف اعدائهم ووصفهم بوصف الله فعرف الله بهم وهو قوله تعالى حكاية عنهم تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين حيث امرنا باتباع اوليائه وامرتمونا بترك اتباعهم فاطعناكم وتركنا امر الله رب العالمين فهذه المعاني وما اشبهها شرك عبادة فمن كان منه شيء منها بعد البيان فان الله تعالى لا يغفره وكل ذلك من ولايتهم حقيقة لان مراد الله سبحانه تعلق بخلقه على قسمين :
احدهما ذاتي وهو ما تعلق بمحمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله ومراده منهم انهم له وحده لا شريك له ولذلك خلقهم وما اراد منهم فهو لهم فهم ذلك المراد مادة وصورة وغاية فهم حقيقة تلك العلل الثلاث وركن العلة الفاعلية قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم فهو اول السبعة والقرءان العظيم لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم مما لا يخرج عنك وعن ملكك الا باذنك وعفوك الى اجل مسمى فيما نزل عليك من قولنا لم اذنت لهم ومن قولنا ولقد عفا عنكم ولا تحزن عليهم حيث اخذوا بعفوك بغير اذنك ولم يعلموا انه باذنك العفو فلا تحزن على ضلالتهم وعدم اهتدائهم حين اغتصبوا ما جرى لهم به القضاء وهذا العفو هو المغفرة في قوله تعالى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون وهو عفو الوعيد لا عفو الفضل المستعقب لاذن الندب بمعنييه ولاذن الرخصة
وثانيهما عرضي وهو ما تعلق بمن سواهم فان من سواهم من سائر الخلق خلقهم الله تعالى لهم عليهم السلام واليه الاشارة بقول سيد الوصيين صلوات الله عليه نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا اي صنعهم الله لنا وفي الحديث القدسي قال تعالى خلقت الاشياء لاجلك وخلقتك لاجلي وقربي الحديث فما اراد الله من سائر خلقه في ايجادهم وشرعه وفي تكليفهم ووجوداته من سائر الحيوانات والنباتات والجمادات من الغيب والشهادة فهو اصلاح لمن اراد منه ذلك وايجاد له وتتميم وتكميل ليبلغ الكتاب فيهم اجله وكل ذلك لهم ولشئونهم عليهم السلام يوم ظعنهم ويوم اقامتهم جعله تعالى لهم اثاثا ومتاعا الى حين من صحبة كل شيء منها حتى يرجعوا ليس معهم غيرهم فيمحض المراد الذاتي وحده ولا غاية له في نفسه وفي ما دونه والله من ورائهم محيط فمراد الله من خلقه يدور على ولايتهم فلا شرك الا الشرك بهم وبولايتهم ولا كفر الا الكفر بهم وبولايتهم واذا اريد بالشرك شرك الطاعة فان الشرك في طاعتهم شرك بطاعة عدوهم وعلى ما تقدم من ان طاعتهم عين طاعة الله تعالى وطاعة عدوهم شرك بالله شرك عبادة يتحد المعنيان في حقهم فمن حاربهم على اي معنى بعد المعرفة شرك عظيم لا يغفره الله سبحانه
قوله عليه السلام : ومن رد عليكم في اسفل درك من الجحيم اي من رد عليكم من سائر خلق الله من الصامت والناطق حكمكم وكذب قولكم وترك امركم ونهيكم استكبارا وعلوا بعد المعرفة بكم وبمقامكم فهو في النار فقوله عليكم يعني انه رده للحكم ليس لعدم فهمه او لاستثقاله على نفسه او لشهوته بل عليكم ظلما وعلوا وهذا وان كان يتحقق الرد عليهم من النباتات والجمادات ظلما وعلوا في كل بحسبه الا ان قوله عليه السلام في اسفل درك من الجحيم لا يتحقق المراد هنا الا في حق رؤس ائمة الضلالة الذين هم طلع شجرة الزقوم كما قال تعالى طلعها كانه رؤس الشياطين اي طلعها هو رؤس الشياطين لان المشبه نفس المشبه به في القرءان وفي احاديثهم المتلقاة عنهم في التفسير الباطن وذلك من حكم اسفل لانه للتفضيل ويؤيد ان المراد بهم رؤس ائمة الضلال الذين هم في اسفل درك من الجحيم ما في الاحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل في خطبته يوم الغدير يقول فيه معاشر الناس سيكون من بعدي ائمة يدعون الى النار ويوم القيمة لا ينصرون معاشر الناس ان الله وانا بريئان منهم معاشر الناس انهم وانصارهم واشياعهم واتباعهم في الدرك الاسفل من النار ولبئس مثوى الظالمين وانما قيل للنار دركات لان طبقاتها متتابعة متداركة بعضها فوق بعض وقد يقال لها درجات باعتبار اختلاف مراتبها لاختلاف مراتب اهلها وفي تفسير علي بن ابراهيم بلغني والله اعلم ان الله جعلها سبع درجات اعلاها الجحيم يقوم اهلها على الصفا منها تغلي ادمغتهم فيها كغلي القدر بما فيها والثانية لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى والثالثة سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعةعشر والرابعة الحطمة ومنها يثور شرر كالقصر كانه جمالات صفر تدق من صار اليها مثل الكحل فلا تموت الروح كلما صاروا مثل الكحل عادوا والخامسة الهاوية فيها ملوك يدعون يا مالك اغثنا فاذا اغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيه صديد ما يسيل من جلودهم كانه مهل فاذا رفعوه ليشربوا منه سقط لحم وجوههم فيها من شدة حرها وهو قول الله تعالى وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار كلما احترق جلده بدل جلدا غيره والسادسة هي السعير فيها ثلثمائة سرادق من نار في كل سرادق ثلثمائة قصر من نار في كل قصر ثلثمائة بيت من نار في كل بيت ثلثمائة لون من عذاب النار فيها حيات من نار وعقارب من نار وجوامع من نار وسلاسل من نار واغلال من نار وهو قول الله انا اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالا وسعيرا والسابعة جهنم وفيها الفلق وهو جب في جهنم اذا فتح اسعر النار سعرا وهو اشد النار عذابا واما صعود فهو جبل من صفر من نار وسط جهنم واما الاثام فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو اشد النار عذابا ه فدل هذا على ان الجحيم هي العليا من النار وعليه اما ان يكون المراد بمن رد عليهم الاتباع لا ائمتهم وظاهر قوله في اسفل درك من الجحيم يدل ان المراد بهم ائمتهم لا الاتباع وفي حديث اسحق بن عمار من كتاب الخصال عن ابي الحسن موسى عليه السلام يقول ان في النار لواديا يقال له سقر لم يتنفس منذ خلقه الله عز وجل لو اذن الله عز وجل له ان يتنفس بقدر مخيط لاحترق ما على وجه الارض وان اهل النار يتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذره وما اعد الله فيه لاهله وان في ذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع اهل الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما اعد الله فيه لاهله وان في ذلك الجبل لشعبا يتعوذ جميع اهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما اعد الله فيه لاهله وان في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ جميع اهل ذلك الشعب من ذلك القليب ونتنه وقذره وما اعد الله فيه لاهله وان في ذلك القليب لحية يتعوذ جميع اهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما اعد الله في انيابها من السم لاهلها وان في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسة من الامم السالفة واثنان من هذه الامة قال قلت جعلت فداءك من الخمسة والاثنان قال (ع) اما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل ونمرود الذي حاج ابراهيم (ظ) في ربه قال انا احيي واميت وفرعون الذي قال انا ربكم الاعلى ويهود الذي هود اليهود وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الامة اعرابيان ه وهذا يدل ظاهره ان الحية وما فيها من الصناديق لائمة الضلال كلها في سقر ومن المعلوم ان هؤلاء المذكورين لا يكون احد اشد عذابا منهم فلا تكون نار اسفل منها وفيه دلالة ايضا على ان الجحيم ليست هي السفلى وهذا يعطي ان من ذكرهم الهادي عليه السلام في الزيارة هم الاتباع وفي الخصال عن الصادق عن ابيه عن جده عليهم السلام قال ان للنار سبعة ابواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون وباب يدخل منه المشركون والكفار ومن لم يؤمن بالله طرفة عين وباب يدخل منه بنوامية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه احد وهو باب لظي وهو باب سعير وهو باب الهاوية يهوي بهم سبعين خريفا فكلما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في اعلاها سبعين خريفا ثم هوى بهم كذلك سبعين خريفا فلا يزالون هكذا خالدين مخلدين وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وانه لاعظم الابواب واشدها حرا ثم قال والباب الذي يدخل منه بنو امية هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار حطما لا يسمع لهم واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون اقول ذكر عليه السلام هنا اربعة ابواب والظاهر ان الاول منها هو اعلاها وعليه فيكون الباب الذي يدخل منه مبغضوهم هو الرابع يعني الوسط من السبعة فيحتمل ان يراد بالاسفل الاوسط الذي احاطت به الابواب هذا ظاهر اللفظ ان الاصل في الابتداء الابتداء بالاول والاظهر من المقام وبعض ما يستفاد من اخبارهم عليهم السلام انه عليه السلام ابتدأ بالرابع فيكون الباب الذي يدخلون فيه بنو امية هو السادس وهو الاربع النيران سقر وسعير والحطمة والهاوية ولهذا ذكرها كذلك اما لان الباب لسقر ويؤدي الى السعير ومنه الى الحطمة ومنه الى الهاوية او لان كل باب يسمى باسم الاخر لاشتماله على ما في الاخر من انواع العذاب وان كان بطور ثان فهو ما في الاخر في النوع فيطلق عليه وغيره في الشخص فيسمى بغيره وفي رواية ان النار اسفلها الهاوية وعلى هذا يكون المراد بمبغضيهم ائمة الضلال وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام ان جهنم لها سبعة اطباق بعضها فوق بعض ووضع (ع) احدى يديه على الاخرى فقال هكذا وان الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض فاسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية وفي رواية اعلاها جهنم واسفلها الهاوية اقول لعل كون جهنم اعلاها انها اعلى طبقاتها فقد روي انها ثلاث طبقات اسفلها الفلق وفيه الصناديق ولا ريب ان الصناديق في اسفل طبقة من النار وكون الهاوية اسفلها انها اسفل من بعض الطبقات كما تشير اليه ما قدمنا من الاخبار ولا سيما حديث الخصال حيث جعل بابها لبني امية خاصة ومن المعلوم ان في النار من هو اسوء حالا منهم فيجب ان تكون ناره اسفل من الهاوية وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الفلق قال صدع في النار فيه سبعون الف دار في كل دار سبعون الف بيت في كل بيت سبعون الف اسود في كل اسود سبعون الف جرة سم لا بد لاهل النار ان يمروا عليها
اقول قوله ان يمروا عليها يدل بظاهره على ان الفلق طريق لاهل النار وان فيها اسفل منه ويحتمل ان المراد باهل النار اصحاب التوابيت وان المرور عليها هو المصير فيها وهو الذي يظهر لي ولا يقال لو كانت الفلق اسفل لما عرضت على اهل التكليف يوم القيمة من الاطفال والمجانين والجهال والمستضعفين وما اشبههم ممن لم يمحض الكفر والايمان محضا لانا نقول انما تعرض عليهم تشديدا للتكليف كما عرضت اول مرة في الذر ليتحقق صدق المطيع لامر الله بدخولها وروى القمي قال الفلق جب في جهنم يتعوذ اهل النار من شدة حره سئل الله ان يأذن له ان يتنفس فاذن له ان يتنفس فاحرق جهنم الحديث وهذا مؤيد لما اشرنا اليه من ان الفلق في جهنم وانه يتعوذ من حره النار التي منها جهنم فهي اسفل الطبقات ومحل الصناديق لانها هي الجب والصناديق اختلف ظاهر الروايات في عددها فروي واحد وهو يراد به النوع او الجب الجامع لها او اعظمها وروي اثنان لاعرابيين فيراد به الاعظم او العلة فيها وروى اربعة او ستة لا ربعة من الاولين واثنين من الاخرين وروي سبعة كما تقدم وروي ثمانية لا ربعة من الاولين واربعة من الاخرين وروى اثنا عشر لستة من الاولين وستة من الاخرين والجمع بينها على نحو ما ذكرنا واذا اطلعت على ما ذكرنا فاعلم ان الظاهر من المراد من قوله ومن رد عليكم انهم الاعرابيان ومن اتبعهم على بيان من امره فيكون المراد باسفل درك من الجحيم اما ان المراد مطلق النار او ان المراد باسفل درك منها ما نزل عنها سواء فرضت الجحيم هي الاعلى او الوسطى او السفلى فان مراده عليه السلام انهم لعنهم الله وابعدهم من رحمته الواسعة اشد عذابا من جميع اهل النار من المنافقين والمشركين والكفار وانما استحقوا ذلك لان محمدا صلى الله عليه وآله قد بين لهم الحق في افئدتهم وقلوبهم ونفوسهم وسرهم ( وظ ) علانيتهم وباطنهم وظاهرهم بما لم يقدر احد من خلق الله ان ياتي بمثله في الظهور ورفع الشبه والجهل والغفلة عنهم حتى جعل لهم تلك الخفايا ضروريات لا يشكون فيها ومع هذا فقابلوه بالانكار والجحود والعداوة الشديدة وسعوا غاية جهدهم في اذاه واذى اهل بيته بما لا يقدر على مثله احد من المنافقين والمشركين والكافرين فكانت امثالهم وصفاتهم وبدعهم قائمة باحقادهم وباطلهم ما دام النظام قد ملئت جميع الظلمات واسست الشبهات والعناد والجحود لجميع البريات ممن كان او يكون الى يوم القيمة فاذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرون ( كافرين نسخة ) يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين فثمرات تلك الامثال الباقية ابد الدهر يعذبون بها بقدر مبلغها من سخط الله وغضبه ويعذب بفاضلها جميع اهل النار من الاولين والاخرين ويعذبون ايضا بمثل عذاب من عذب بسببهم من الاولين والاخرين وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وليسئلن يوم القيمة عما كانوا يفترون
قال عليه السلام : اشهد ان هذا سابق لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي
قال الشارح (ره) اشهد ان هذا اي وجوب اتباعكم او كل واحد من المذكورات سابق لكم فيما مضى من الائمة او في الكتب المتقدمة انتهى
اقول قد مضى معنى اشهد واما هذا فهو اسم اشارة الى القريب والقرب المستعمل فيه اعم من القرب الحقيقي فيستعمل فيه وفي القرب العرفي او المستحضر في الذهن عند المتكلم وان توقف فهمه عند المخاطب على نصب قرينة من المتكلم لو اقتضى الحال ذلك فاذا فهمت معنى هذا بنحو ما ذكرنا فيحتمل ان يكون المشار اليه من اتبعكم فالجنة مأواه الى اشهد وهذا بناء على اعتبار القرب الحقيقي وان يكون من قوله سعد من والاكم الى قوله اشهد وهو الظاهر من سياق الكلام وان يكون من قوله من اتاكم نجى وهذا اقرب من احتمال ان يكون من قوله الى الله تدعون وان يكون من قوله انتم الصراط الاقوم وان يكون من قوله من والاكم فقد والى الله وان يكون من قوله واشهد انكم الائمة الراشدون المهديون الخ وان يكون من اول الزيارة وان كان بعيدا وانما احتملنا هذا لان ما ذكر من الاحتمال الاول الحقيقي او ما يقرب منه في القرب انما هو من فروع ما ذكر من الزيارة من الاوصاف التي استحقوا بها ما يشهد بثبوته لهم عليهم السلام في كل وقت ومكان ثم ان قوله عليه السلام اشهد ان هذا سابق لكم الخ شهادة منه بحقيقة ما ذكر في نفس الامر وتعليم لشيعته لا مجرد خصوص التعليم ولا ينافي هذا قوله وان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة لما ثبت عنهم عليهم السلام انهم يتفاضلون في مراتبهم لانهم وان كانوا متفاضلين في مراتبهم من جهة اختلاف القرب الى المبدء وترتب بعض مراتبهم على بعض فان طينتهم وارواحهم وانوارهم شيء واحد وهو نور واحد تعددت هياكله باعتبار تغاير جهاتهم من حيث احاطتهم بمبدئهم كما قال عليه السلام فجعلكم بعرشه محدقين وليس ذلك الترتب والتغاير في مراتبهم وجهاتهم الا على نحو ما قال علي عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء فقد جمعتهم حقيقة واحدة في رتبة واحدة فلا يكون قوله اشهد مخصوصا بالتعليم
وقوله عليه السلام : سابق لكم فيما مضى اي فيما مضى من الدهور الالف الدهر كما مر والازمنة وهي زماننا هذا الجسماني ودهورنا فانها لهم ازمنة وقد ذكرنا مرارا ان قلوب شيعتهم التي وقتها الدهر من فاضل اجسامهم التي وقتها زمان لهم وان كان دهرا لغيرهم وانما قلنا والازمنة بالجمع لان دهر الانبياء زمان لهم وللانبياء عليهم السلام زمان لهم هو دهر للمؤمنين وللمؤمنين زمان هو دهر لمن دونهم من الحيوانات او من بحكمهم وكل ما سوى دهرهم صلى الله عليهم فهو لهم زمان فلهم دهور تفردوا بها وشاركوا غيرهم في اوقاتهم فهم مع كل طبقة في وقتهم يشاركونهم في دهرهم اذا كانوا فيهم وفي زمانهم واذا لم يكونوا فيهم كان ذلك الدهر زمانا لهم فلهم مع غيرهم حالتان ولهم مع ربهم سبحانه حالتان ولهم مع انفسهم حالة واحدة فلهم مع غيرهم دهور وازمنة ولهم مع الله تعالى سرمد ودهور وازمنة ولهم مع انفسهم دهور وزمان وان شئت قلت دهر وزمان وان شئت قلت دهر وازمنة فهذا المشار اليه سابق لهم ثابت هو او حكمه او مع حكمه في كل وقت من السرمد الى هذا الوقت اي من الفعل الى الماء والارض الجرز في الاكوان النورانية الى العقول في الاكوان الجوهرية الى الارواح في الاكوان الهوائية الى النفوس في الاكوان المائية الى الطبائع في الاكوان النارية الى المواد والاشكال في اكوان الاظلة والذر انهم كذلك كما وصفوا به انفسهم وان من خالفهم وانكرهم ورد عليهم كما وصفوه وانما جرى لهم ذلك فيما مضى وفيما يأتي لان ذلك فرع لحكم ذاتي يقتضي ما ذكره عليه السلام اقتضاء لا يرده حكم من احكام الامكان ممن دونهم لان كل من دونهم ملكوته في قبضة امر الله الذي هو ذلك الحكم الذاتي الذي هو مقتضى ذواتهم واليه الاشارة بقوله عليه السلام في دعاء الصباح والمساء اصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول الخ وفي الدعاء اللهم اجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد فان قلت ظاهر ما استدللت به اقتضاؤه لبعض ما ذكر وهو في اتباعهم ومحبيهم لان قوله بذمامك المنيع وقوله درعك الحصينة انما يدل على حفظ من التجأ بهم دون هلاك من خالفهم ورد عليهم والمدعي هو الامران كلاهما قلت ان الشيء اذا ثبت له انه حافظ لكل من التجأ به من كل مخوف ثبت له في دليل الحكمة انه لا ملجأ سواه والا لعادله الملجأ الاخر فلم يكن حافظا لمن حاد عن ذلك الملجأ لانه قد فرض انه مساو له واذا حفظ عنه لم يساويه ذلك الاخر بل يكون ناقصا عنه واذا ثبت انه ناقص لم يكن مجيرا من التام وتنحصر النجاة في التام فيهلك من حاد عن التام لانه لا ملجأ دونه لقيام الكل به او عنه فان قلت عموم قولك هذا يدل على ان الله تعالى لا يجير منهم عليهم السلام قلت هذا كلام لا يقال لانا قد بينا فيما مضى في مواضع كثيرة انهم عليهم السلام ليسوا اغيارا لحكم قضاء الله بل حكمهم عين حكم الله اذ لا حكم لهم الا ما حكم الله بهم عليهم وعلى من دونهم فما ذكر عليه السلام فيما سبق من قوله سعد من والاكم وهلك من عاداكم وامثاله معناه حقيقة سعد من والي الله تعالى وهلك من عادى الله تعالى ومن والى الله هو من والاهم اذ ليس لله ولاية في خلقه غير ما جعل لهم ومن عادى الله تعالى هو من عاداهم اذ ليس لله عداوة غير ما جعل لهم والا لما صح قولهم الحق من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله فافهم لانه سبحانه وتعالى انما احب ما كان له وانما ابغض ما كان لعدوه الشيطان والذين له هم محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله واتباعهم من كل شيء والذين للشيطان هم اعداؤهم واتباع اعدائهم من كل شيء وهو قوله تعالى حكاية عن عدوه الشيطان الرجيم وتسلطه على اوليائه لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لا تينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين وانما قلنا ان ذلك فرع لحكم ذاتي لان الشيء الذي به شيئية اشياء يجب له الا يكون لشيء منها شيئية بغيره والا لم تكن به شيئيته بل بغيره سواء استقل ذلك الغير بها او شاركه وهذه الشيئية هي فرع ذلك الحكم وهذا الفرع مركب من اثبات ونفي في كل فرد والا لم يتميز عن ضده فمن والاهم وتبرأ من اعدائهم تحققت فيه شيئية السعادة ومن عاداهم تحققت فيه شيئية الشقاوة ومن تولي ولم يتبرأ لم يتول لانه لم يتميز عن العدو ولم يتزيل ومن تولى عدوهم ولم يتبرأ منهم لم يتول عدوهم لانه لم يتميز عن الولي ولم يتزيل وهذا مستضعف او في حكمه كما ذكره الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام كما في الاحتجاج قال عليه السلام انما الناس ثلاثة مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا فذلك ناج محب لله ولي وناصب لنا العداوة يتبرء منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد حقنا ويدين الله بالبراءة منا فهذا كافر مشرك فاسق وانما كفر واشرك من حيث لا يعلم كما يسبوا الله عدوا بغير علم كذلك يشرك بالله بغير علم ورجل اخذ بما يختلف فيه ورد علم ما اشكل عليه الى الله مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يعادينا ولا يعرف حقنا فنحن نرجو ان يغفر الله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف قوله عليه السلام مع ولايتنا اي رد علمها الى الله تعالى لانها عنده مما اشكلت عليه
قال عليه السلام : وان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض
قال الشارح (ره) كما ورد في الاخبار الكثيرة ان ارواحهم مخلوقة من اعلى عليين وابدانهم من عليين وانوار علومهم وكمالاتهم واحدة طابت الارواح وطهرت الابدان او الجميع بعضها من بعض كما قال الله تعالى ذرية بعضها من بعض اي من طينة واحدة مخلوقة من نور عظمته تعالى انتهى
اقول الروح الكلي واحد وهو روحهم عليهم السلام وانما تعددوا بتعدد الهياكل التي هي هياكل التوحيد لاختلاف الجهات التي هي جهات قبولهم لا المراتب فانها بالنسبة الى مبدئهم سواء في القرب الا ترتب بعضهم على بعض ولا الكم الا بتفاضلهم في الترتب ولا في الكيف الا ما نشأ منه عن تفاضل الترتب ولا الوقت والمكان الا ما نسب الى الترتب واعلم ان للروح في مقام ذكرهم عليهم السلام اطلاقين يطلق ويراد به العقل الكلي والقلم وهو الركن الايمن الاعلى من العرش ويطلق ويراد به الروح الكلي المتوسط رتبة بين العقل الكلي والنفس الكلية وهو الركن الايمن الاسفل من العرش وقد اشار اليهما امير المؤمنين عليه السلام كما في الكافي عن ابن رئاب رفعه الى امير المؤمنين عليه السلام انه قال ان لله نهرا من دون عرشه ودون النهر الذي دون عرشه نور نوره وان في حافتي النهر روحين مخلوقين روح القدس وروح من امره وان لله عشر طينات خمسة من الجنة وخمسة من الارض ففسر الجنان وفسر الارض ثم قال ما من نبي ولا ملك من بعده جبله الا نفخ فيه من احدى الروحين وجعل النبي من احدى الطينتين قلت لابي الحسن الاول ما الجبل قال الخلق غيرنا اهل البيت فان الله عز وجل خلقنا من العشر طينات ونفخ فينا من الروحين جميعا فاطيب بها طيبا
اقول الظاهر ان المراد بالنهر نهر الوجود المقيد لانه يفيض من العرش والروحان والطينتان تفصيل العرش اذا اريد بالطينتين الباطنتان فروح القدس هو النور الابيض من العرش والروح من امره هو النور الاصفر من العرش ويطلق على كليهما روح من امر الله والطينتان اذا اريد بهما الباطنتان يطلق عليهما وعلى احدهما الروح الذي على ملائكة الحجب اي موكل عليهم وهما النور الاخضر الاعلى عن يسار العرش والنور الاحمر الاسفل عن يسار العرش وظاهر الطينتين من عليين العليا الاولى جنة عدن وجنة المأوى وجنة النعيم وجنة الفردوس وجنة الخلد وهي طين الجنان والسفلي طين الارض وهي مكة والمدينة والكوفة وبيت المقدس والحائر وقوله عليه السلام ما من نبي ولا ملك الخ يراد منه والله اعلم ان كل نبي وكل ملك ينفخ فيه من الروح الثانية التي هي روح من امره وبها العصمة فمن شعاعها كانت الانبياء معصومين ومن نور شعاعها كانت الملائكة معصومين ومحمد واهل بيته الطاهرون صلى الله عليه وآله نفخ سبحانه فيهم من الروحين جميعا يعني فيهما جميع الروحين ومن سواهم نفخ فيهم من شعاع الثانية وهي روح من امره روح العصمة واما الاولى التي هي باب الله فلم ينفخ منها في احد ولم تكن عند خلق الا عند محمد وآله صلى الله عليه وآله فماكانت لأحد من الانبياء وساطة وسفارة في شيء قليل او كثير في الدنيا والاخرة لانفسهم او لاحد من اممهم الا الى محمد واهل بيته عليه وعليهم السلام فاذا سمعت ان احدا من الانبياء عليهم السلام كان بابا بين الله وبين امته فانما هو بين امته وبين محمد واهل بيته عليهم السلام الذين هم شفعاء جميع الخلق وكذلك حكم الطينتين ومن الدليل على ان من سواهم لا ينفخ فيه من ذات ما ينفخ فيهم وانما هو من شعاعها ما رواه في البصائر عن جابر الجعفي قال كنت مع محمد بن علي عليهما السلام فقال يا جابر خلقنا نحن ومحبينا من طينة واحدة بيضاء نقية من اعلى عليين فخلقنا نحن من اعلاها وخلق محبينا من دونها فاذا كان يوم القيمة التقت العليا بالسفلي واذا كان يوم القيمة ضربنا بايدينا الى حجزة نبينا (ص) وضرب اشياعنا بايديهم الى حجزتنا فاين ترى يصير الله نبيه وذريته واين ترى تصير ذريته محبيها فضرب جابر يده على يده فقال دخلناها ورب الكعبة ثلثا ومنه عن ابيالحجاج قال قال لي ابو جعفر عليه السلام يا اباالحجاج ان الله خلق محمدا وال محمد من طينة عليين وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك وخلق شيعتنا من طينة دون عليين وخلق قلوبهم من طينة عليين فقلوب شيعتنا من ابدان ال محمد وان الله خلق عدو ال محمد من طينة سجين وخلق قلوبهم من طين اخبث وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين وخلق قلوبهم من طين سجين فقلوبهم من ابدان اولئك وكل يجر الى بدنه اقول قد ذكرنا مرارا ان المراد بقولهم عليهم السلام من دون ذلك او من فاضل طينة كذا كما في بعض الاخبار هو الشعاع وكذلك اذا قيل من نضح كذا ومن عرق كذا وقد يستعمل النضح والفضل بمعنى الجزء والقسيم والادلة الخارجة فارقة وذلك كما في البصائر عن بشر بن ابيعقبة عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام قالا ان الله تعالى خلق محمدا من طينة من جوهرة تحت العرش وانه كان لطينته نضح فجبل طينة امير المؤمنين عليه السلام من نضح طينة رسول الله صلى الله عليه وآله وكان لطينة امير المؤمنين (ع) نضح فجبل طينتنا من فضل طينة امير المؤمنين عليه السلام وكان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فقلوبهم تحن الينا وقلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد على الولد ونحن خير لهم وهم خير لنا ورسول الله صلى الله عليه وآله لنا خير ونحن له خير ه فاستعمل عليه السلام النضح والفضل في الجزء والقسيم وعلى الاصل من كون المراد منه الشعاع في قوله فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فلا يشتبه عليك بعد التنبيه وايضا لا يذهب عليك ما في بعض الاحاديث كما في هذا الخبر من انهم اذا خلقوا من رسول الله او من امير المؤمنين عليهما السلام كانوا متأخرين عن مقامهما مع انا نقول انهم في مقام واحد وقد ورد هذا عنهم ذلك وانهم خلقوا من نور واحد روى الصدوق في كتاب المعراج عن رجاله الى ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يخاطب عليا صلوات الله عليه ويقول يا علي ان الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنا امام عرش رب العالمين نسبح الله ونقدسه ونحمده ونهلله و(ظ) ذلك قبل ان يخلق السموات والارضين فلما اراد ان يخلق آدم خلقني واياك من طينة واحدة من طينة عليين وعجننا بذلك النور وغمسنا في جميع الانوار وانهار الجنة الحديث وفي رياض الجنان باسناده مرفوعا الى جابر بن يزيد الجعفي قال قال ابو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يا جابر كان الله ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول فاول ما ابتدأ من خلق خلقه ان خلق محمدا وخلقنا معه من نور عظمته فاوقفنا اظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا ارض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس نسبح الله ونقدسه ونحمده ونعبده حق عبادته ثم بدا لله تعالى ان يخلق المكان وكتب على المكان لا اله الا الله محمد رسول الله على امير المؤمنين ووصيه به ايدته ونصرته ثم خلق الله العرش فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك الحديث فذكر في الحديث الاول انهما من طينة واحدة وفي الثاني انهم خلقوا معه لان المراد بكونهم معه صلى الله عليه وآله من طينة واحدة في وقت واحد من السرمد وما دل على تأخرهم عنه (ص) فالمراد به ترتبهم عليه ولا ريب انهم متاخرون عنه رتبة لا وقتا مغايرا بل هم معه في سرمد واحد وان كان له اوله حتى انه مقدر عندهم عليهم السلام بثمانين الف سنة وهو وقت الحرف الذي فضل عليا عليهما السلام من العلم وبه كان افضل منه روى ذلك جابر بن عبد الله في تفسير قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتى وصل الى جلال العظمة في ثمانين الف سنة ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور علي عليه السلام فكان نوري محيطا بالعظمة ونور علي محيطا بالقدرة ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار الحديث فاخبر ان نوره صلى الله عليه وآله بقي يطوف بالقدرة ثمانين الف سنة والظاهر ان المراد منه ان يطوف على حكم الولاية هذه المدة التي هي مقدار سبق ظهور الولاية على النبوة التي هي العظمة وجلال العظمة فلما وصل نازلا الى مقام النبوة سجد لله تعظيما لانه هو شأن النبوة بخلاف الحال الاول الذي هو شأن الولاية فانه مقام ربوبية لا مقام عبودية فقام بالنبوة وقام علي بالولاية بعد محمد صلى الله عليه وآله وهو قوله فكان نوري محيطا بالعظمة اي النبوة ونور علي محيطا بالقدرة اي الولاية والاحاطة في المقامين لهذين العظيمين القيام بموجب ما يراد منه في حكمه فعبر عن القيام بجميع احكامها بالاحاطة بها فظهر مما اوردنا ومما نبهنا عليه ان ارواحهم ونورهم وطينتهم واحدة وان تعددوا وانما ذلك كنور السراج لا كالسراج ونوره كما اذا نسب اليهم من سواهم بل هم كالسراج من السراج كما قال علي عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء وهذا هو شأن البدل واليه الاشارة بقوله تعالى ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير ومما يشير الى ان طينة شيعتهم من شعاع طينتهم وفرع عنها لا من حقيقتها ما تقدم في حديث محمد بن مروان في من (كذا) الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيب وخلق ارواح شيعتنا من طينتنا وابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة الحديث وما في رياض الجنان عن ابن عباس انه قال قال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال فقلت يا امير المؤمنين كيف ينظر بنور الله قال عليه السلام لانا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من شعاع نورنا فهم اصفياء ابرار متوسمون نورهم يضيء على من سواهم كالبدر في الليلة الظلماء اقول ويدخل في اسم الشيعة الانبياء عليهم السلام بل لهم الاسم وهم الشعاع وسائر المؤمنين من شعاع نور الانبياء عليهم السلام روي في البصائر عن عبدالغفار الجازي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الناصب من طينة النار وقال اذا اراد الله بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير الا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر الا انكره قال وسمعته يقول الطينات ثلاثة طينة الانبياء والمؤمن من تلك الطينة الا ان الانبياء هم صفوتها وهم الاصل ولهم فضلهم والمؤمنون فرع من طين لازب كذلك لا يفرق الله بينهم وبين شيعتهم وقال طينة الناصب من حمأ مسنون واما المستضعفون فمن تراب لا يتحول مؤمن عن ايمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشية فيهم جميعا ه اقول ظاهر هذا الكلام الاخير وهو قوله ولله المشية فيهم جميعا ينافي قوله لا يتحول مؤمن عن ايمانه وذلك لان روايات تكليف الذر دالة على ان الله تعالى قال لاصحاب اليمين للجنة ولا ابالي ولم يشترط فيهم البداء وقال لاصحاب الشمال للنار ولا ابالي واشترط فيهم البداء ولم يشترط في اصحاب الجنة فقوله ولله فيهم المشية جميعا مناف لهذا ورفع الاشكال ان عدم اشتراط البداء في المؤمنين من الفضل والجود فجرت الحكمة مطابقة لمقتضي الفضل والجود كما جرت على ذلك المقتضي باشتراط البداء في الناصبين وفي الواقع ان الحكم الغير المشروط والمشروط هما من الممكنات المقدورات له تعالى والشرط فيهما وفي كل شيء حكم قيام الاشياء به قيام صدور وعدم الاشتراط في اصحاب الجنة من الفضل والجود ولو شاء صرف ما شاء الى ما شاء كما شاء فلا منافاة بين الحديثين
وقوله عليه السلام : طابت وطهرت لان المراد بالطيب والطهر التخلص من الرذائل والنقائص الظاهرة والباطنة من الذنوب النفسانية والجسمانية في التكليفات الشرعية او التكليفات الوجودية من السفاح الظاهري كما وقع عقد النكاح على غير الوجه الشرعي لخلل في لفظ العقد او في القصد كما لو وقع على غير المقصود انكاحه او نكاحه او بغير رضى الطرفين او احدهما او من يعتبر رضاه او قصده في الطرفين او احدهما او لكونه ممن قد حصل له النصاب قبل ان يفارق منهن شيئا او لكونها في عدة الغير او نكاحه او فاقدين للولي الذي يتوقف النكاح عليه او احدهما او لكونهما محرمين او احدهما او احدهما كافر او بينهما رضاع او مصاهرة محرمان او جمع محرم كالاختين او على العمة والخالة بغير رضاهما او كونهما من المحارم او نكح الزوجة بظن انها اجنبية او المطلقة ثلاثا قبل ان تنكح زوجا غيره او تسعا للعدة او متلاعنين او ظهار قبل التكفير او ايلاء كذلك او خلع او مبارأة قبل الرجوع في البذل في العدة وغير ذلك او السفاح الباطني كما لو كان الصداق المعين من حرام على اشكال او كانا او احدهما مبغضين لائمة الهدى او احدهم عليهم السلام عن بصيرة او معتقدين او احدهما كون العقد والنكاح على الكتاب والسنة والولاية والبراءة غير مبيح للنكاح مع البصيرة وما اشبه ذلك او نكح زوجته بظن انها اجنبية او بشهوة الاجنبية وما اشبه ذلك ومن ترك شيء من الواجبات والمندوبات وفعل شيء من المحرمات والمكروهات من جميع ما يريد الله من عباده من امر التوحيد فما دونه الى ارش الخدش فما فوقه بحيث يكون الطيب الطاهر الخالص من هذه النقائص وما اشبهها لطيب طينته وطهارة طبيعته في جميع احواله واعماله واقواله واعتقاداته ينطبق طريقه على الصراط المستقيم بغير تكلف بل باستقامة فطرته وطهارة خلقته فيكون في جميع احواله لا يفقده الله سبحانه حيث يحب ابدا ولا يجده حيث يكره ابدا فذلك الطيب الطاهر فقوله طابت وطهرت يريد الارواح والنور والطينة وارواحهم هي ماء الحيوة والنور الاصفر وهي واحدة وانما تعددت رقائقها لما قلنا سابقا من تعدد جهات التمكين والتمكن اللذين بهما ترتب بعضهم على بعض في دهر واحد لهم هو لغيرهم سرمد اضافي وطيبها لحقيقة ما هم اهله من نحو ما ذكرنا ونورهم هو وجودهم المعبر عنه بالفؤاد والكنه والحقيقة والنفس وهو واحد لعدم تمايزهم فيه او يراد به العقل وهو ايضا لهم واحد وان حصل لهم تمايز معنوي فيه باعتبار تعدد جهات التمكين والتمكن كما في الارواح وهو النور الابيض وطيبه كما اشرنا اليه ولانه لا ينظر الى نفسه بل الى جهة ربه كما ان الفؤاد لا ينظر الا الى ربه فالروح قد استولى عليها نور ربها حتى لم يبق منها الا صورة حدودها والعقل قد استولي عليه نور ربه حتى لم يبق منه الا معنى حدوده وقال السهروردي في قصيدته في صفة الواصلين :
منهم من عفا ولم يبق للشكوى ولا للدموع فيه مقيل
ليس الا الانفاس تخبر عنه وهو عنها مبرء معزول
والفؤاد قد اضمحل في النور فهو نور ربه قال صفيالدين :
انحلني الحب في هواك فلو تفقدتني المنون لم ترني
واليه الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وطينتهم طيبها وطهرها لانها هندسة الايمان بالله وهيئات امتثال امر الله واجتناب نهيه وحدود مراقبة الله وكيفية الصدق مع الله في كل المواطن وهيكل توحيد الله وصورة عبادة الله وطاعته وما كان هكذا لا يكون الا هكذا كما وصفنا سابقا
وقوله عليه السلام : بعضها من بعض يريد انها شيء واحد فاذا فرضت بعضا منها فهو من البعض الاخر وذلك الاخر من ذلك البعض لان ما لا يكون هكذا لا تتحقق فيه الوحدة الحقيقية لانك اذا فرضت بعضا لشيء وهو حين فرض فصله مغاير للبعض الاخر بمعنى انه لم يكن منه بل هما معا من شيء آخر غيرهما فهذا ليس واحدا حقيقيا حين الاجتماع لان اجزاءه مغايرة بعضها لبعض حين الفصل بخلاف ما اذا كان كل واحد من الاخر فان هذا شيء واحد لا يتكثر بالفصل بل هو واحد في الفصل كما هو قبل الفصل فتأمل وتفهم فانه دقيق جدا والمراد ان ارواحهم ونورهم وطينتهم في الطيب والطهر مما اشرنا اليه من النقائص واحدة لا تفاضل فيها بوجه من الوجوه ثم اكد هذا الاتحاد بقوله بعضها من بعض وهذا المعنى يظهر منه انه لا يريد بالنور الفؤاد وانما يريد به العقل اذ لو اريد به الفؤاد لزم تساويهم في الفضل وقد ثبت عنهم تفاضلهم في الدرجات فان النبي صلى الله عليه وآله افضل منهم باجماعهم ونصوصهم المتواترة معنى واجماع شيعتهم الا ما يظهر من بعض الجهال منهم ممن لا يعد من العلماء بل ولا من شيعتهم العارفين فان منهم من يجعل الاربعة عشر سواء ومنهم من يجعل محمدا وعليا صلى الله عليهما وآلهما سواء ومنهم من يفضل عليا على محمد صلى الله عليه وآله وهذا ملحق بالغرابية الكفرة القائلين محمد بعلي اشبه من الغراب بالعراب والذباب بالذئاب وقالوا بعث جبرئل الى علي فغلط الى محمد ويلعنون لعنهم الله صاحب الريش يعنون به جبرئل عليه السلام ومنهم من يستثني محمدا وعليا ويسوي بين الباقين واما المعتبرة اقوالهم من العلماء فاجمعوا على فضل النبي صلى الله عليه وآله على الكل وبعده علي على الباقين ثم اختلفوا فمنهم من قدم فاطمة عليها السلام على الباقين كما هو في الذكر ومنهم من فضل الحسنين عليهما السلام عليها وعلى التسعة من ذرية الحسين والتسعة سواء ومنهم من جعل فاطمة عليها السلام بعد الائمة عليهم السلام وهم سواء الا علي فانه افضل ومنهم من جعل محمدا صلى الله عليه وآله افضل الخلق اجمعين ثم علي عليه السلام ثم الحسن ثم الحسين ثم القائم ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة عليهم السلام وهذا هو الذي يترجح عندي ومنشأ اختلاف الكل اختلاف الاحاديث ظاهرا ثم القائلون بالتفاضل اختلفوا هل ذلك لزيادة العلم او له وللعمل او عناية من الله تعالى او لزيادة سائر الصفات في بعضهم على بعض كالقوة والشجاعة والكرم وغير ذلك وليس هذا محل بيان هذا وايراد ادلة القائلين والاصح عندي ان التفاضل لزيادة جميع الصفات للفاضل ومن فتش عن ادلة ذلك وجدها في احاديثهم وكان مما يشتبه فيه كثيرا حتى خفي على فحول العلماء زيادة علم بعضهم على بعض لورود احاديثهم بان نورهم سواء وعلومهم سواء وان اللاحق منهم يحيط بجميع ما عند السابق عند آخر دقيقة من عمر السابق والحق انها مخصصة وان العلوم التي يتساوون فيها هو ما يحتاج اليه جميع الخلق ويتفاضلون فيما يخص كل واحد روي الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري باسناده الى ايوب بن الحر عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلنا الائمة بعضهم اعلم من بعض فقال نعم وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرءان واحد ه
اقول وهذا ما قلنا من ان ما يتساوون فيه من العلوم هو ما يحتاج اليه الخلق لان كلا منهم حجة مستقل على سائر الخلق فلا يجوز ان يكون حجة عليهم وليس عنده جميع ما يحتاجون اليه واما ما يتفاضلون فيه فهو ما يخصهم من معرفة الله سبحانه لان معرفة كل شخص هو كنه ما ظهر له الله سبحانه وتعالى به وهو حقيقته التي هي آية ربه الكبرى له ولا ريب انه ظهر لمحمد قبل ان يظهر لعلي فعند محمد صلى الله عليه وآله حرف من العلم لا يعلمه على وقد تقدم الايماء الى طول ذلك الحرف وعرضه وانه ثمانون الف سنة في وقت القدرة من السرمد وظهر سبحانه لعلي قبل الحسن وللحسن قبل الحسين وللحسين قبل القائم وللقائم قبل الثمانية ولهم قبل فاطمة صلى الله عليهم اجمعين فهم فيما ينتقل ويحول من العلوم سواء واما ذات الشيء فلا ينتقل الى غيره فافهم ولا ينافي هذا كونهم سواء فانهم سواء آمنا بالله وما انزل الى نبيه صلى الله عليه وآله وما انزل اليهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون والحاصل ان هذه الحقيقة التي هي آية الله الكبرى وبها التفاضل هي الوجود المعبر عنه بالفؤاد فينبغي ان يحمل قوله ونورهم على العقل وذكرنا في تفسير النور انه هو العقل او الفؤاد لبيان ان النور قد يطلق على كل واحد منهما وقد يقال للعقل نور وللفؤاد سر كما في بعض الاخبار ولو ابقينا الكلام على اطلاقه او عمومه ولم يخصص النور بالعقل امكن حصول الوحدة في الفؤاد ولا ينافيه التفاضل كما نقول ان النور المتشعشع من السراج واحد حقيقة وان اختلفت مراتبه باختلاف القرب الى السراج وان حملنا الاختلاف على ترتب بعضهم على بعض لانا لا نريد به الا ذلك الترتب الذي قدر وقته في السرمد بالنسبة الى الزمان او الدهر ثمانين الف سنة
قال عليه السلام : خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين
قال الشارح (ره) مطيفين اي مستفيضين من علمه او طائفين بالعرش الصوري في الاجساد المثالية كالطواف بالبيت انتهى
اقول اما ان الله تعالى خلقهم انوارا من نوره قبل ان يخلق شيئا من خلقه فهو معلوم متواتر معنى في احاديثهم واما انه سبحانه جعلهم بعرشه محدقين فهو ايضا لا اشكال فيه انما الاشكال في جعلهم بعرشه محدقين بعد ان خلق العرش فهم قبل خلق العرش يسبحونه في الكان والمكان ام خلق العرش قبل ان يخلقهم فلما خلقهم جعلهم محدقين بالعرش ام ظهروا مع العرش اي خلقوا مع خلقه فلم يظهر العرش في الوجود الا بهم او لم يظهروا في الوجود الا في العرش ام فيه تفصيل كما يأتي والمعروف من اطلاقات رواياتهم ان العرش يطلق ويراد به احد معاني نذكر بعضها يتميز بعضها من بعض بالمقام اي بخصوص مقام الاطلاق فيطلق ويراد به الملك وملكوت الاشياء واسبابها والعلم الباطن واصل مطلع البدع وعلم الكيف والكون والقدر والحد والاين والمشية وصفة الارادة وعلم الالفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدئ وعرش الاحدية على ما اصطلحنا عليه كما هو المفهوم من اخبارهم من ان الاحدية المعروفة صفة فعل وعرش الوحدانية والمثل الاعلى بمعنى التقدس والمثل الاعلى بمعنى الالوهية والربوبية والرحمانية والمثل الاعلى بمعنى الاية الكبرى والنبأ الاعظم والاسم الاكبر والاسماء الحسنى والخلق والرزق والحيوة والممات وعلى اللوح المحفوظ وعلى الواح المحو والاثبات وعلى كل فرد فيما تحته من الافاعيل وعلى محدد الجهات وعلى كل فلك فيما تحته وكل عنصر فيما تحته فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون ومما يدل صريحا على تعدد المراد ما رواه في التوحيد باسناده الى حنان بن سدير قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال ان للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كل سبب وضع في القرءان صفة على حدة فقوله رب العرش العظيم يقول الملك العظيم وقوله الرحمن على العرش استوى يقول على الملك احتوي وهذا ملك الكيفوفية في الاشياء ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الاشياء كلها والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاين والمشية وصفة الارادة وعلم الالفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدئ فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم اي صفته اعلم من صفة الكرسي وهما في ذلك مقرونان قلت جعلت فداءك فلم صار في الفضل جار الكرسي قال انه صار جاره لان علم الكيفوفية فيه وفيه الظاهر من ابواب البداء واينيتها وحد رتقها وفتقها فهذان جاران احدهما حمل صاحبه في الظرف وبمثل صرف العلماء ويستدلوا على صدق دعواهما لانه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز فمن اختلاف صفة العرش انه قال تبارك وتعالى رب العرش عما يصفون وهما وصف عرش الوحدانية لان قوما اشركوا كما قلت لك قال تبارك وتعالى رب العرش رب الوحدانية عما يصفون وقوم وصفوه بيدين فقالوا يد الله مغلولة وقوم وصفوه بالرجلين فقالوا وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى الى السماء ووصفوه بالانامل فقالوا ان محمدا قال اني وجدت برد انامله على قلبي فلمثل هذه الصفات قال رب العرش يقول رب المثل الاعلى عما به مثلوه ولله المثل الاعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم فذلك المثل الاعلى ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بادني الامثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به فلذلك قال وما اوتيتم من العلم الا قليلا فليس له شبه ولا مثل ولا عدل وله الاسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره وهي التي وصفها في الكتاب فقال فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه جهلا بغير علم فالذي يلحد في اسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن انه يحسن فلذلك قال وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون فهم الذين يلحدون في اسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها يا حنان ان الله تبارك وتعالى امر ان يتخذ قوم اولياء فهم الذين اعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم فارسل محمدا صلى الله عليه وآله فكان الدليل على الله باذن الله عز وجل حتى مضى دليلا هاديا فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من امر ربه من ظاهر علمه ثم الائمة الراشدون عليهم السلام اقول آخر هذا الحديث الشريف ليس فيه ظاهرا استشهاد على ما ذكرنا من امر العرش وانما ذكرته لبيان ان المراد بهذا الكلام هو بيان بعض ما يطلق عليه العرش من مراتب اطلاقاته العليا فان قوله تعالى سبحان الله رب العرش عما يصفون ان المراد بالعرش هنا المثل الاعلى كما ذكر عليه السلام واشار بهذا الكلام الى ان من دعاه باسمائه الحسنى فقد وصفه بما له تعالى من صفاته وسماه باسمائه التي ظهر بها لمن عرفه بها وهو تأويل قوله الرحمن على العرش استوى اي وصف نفسه لعباده الصالحين بصفاته وسمى نفسه لهم باسمائه عليهم السلام ليعرفوه بها واسماؤه الذين سمي نفسه بها وامر عباده ان يدعوه بها هم محمد وآله المعصومون صلى الله عليه وآله وصفاته التي وصف نفسه بها لمن احب ان يعرفه كما يحب هي ولايتهم عليهم السلام ومن الحد في اسمائه تعالى بان وصفه بولاية اعدائهم التي هي صفات النقص تعالى الله عن ذلك وسماه باعدائهم الذين هم الاسماء السوءي وزعم ان الله تعالى امر ان يدعى بها فقد اشرك من حيث لا يعلم لانه اتخذ رجالا اولياء وقد نهي الله تعالى عن ولايتهم واتباعهم وامر بالبراءة منهم وعدل عمن جعلهم الله اولياء وادلاء هادين وامر بولايتهم واتباعهم ونهي عن عداوتهم وعن البراءة منهم وامر بالبراءة من اعدائهم فمعنى العرش هنا المثل الاعلى اي سبحان الله رب العرش اي رب المثل الاعلى الذي هو ما وصف نفسه به من ولاية اوليائه وسمى نفسه بهم لمن اراد ان يدعوه بها اي انزهه بهذا الوصف وبهذه التسمية عما يصفه الملحدون به من تلك الاوصاف القبيحة وسموه بتلك الاسماء السوءي الذين هم اعداء اولياء الله واسمائه الحسنى وهذا المعنى الذي ذكرته لك من هذا الحديث صريح ظاهر لمن خاطبه به اولياؤه صلوات الله عليهم فاذا كان هذا المعنى الذي هو المثل الاعلى الذي هو العرش في بعض اطلاقاته كما ذكره الصادق عليه السلام في هذا الحديث صريحا وتلويحا فمعنى استوائه تعالى على هذا العرش ظهوره تعالى بتلك العزة المرادة من هذا المثل الاعلى وهو العرش هنا وهو قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون ولقد اجاد عبدالحميد بن ابي الحديد في هذا المعنى بنسبة معرفته حيث قال في مدح علي عليه السلام في قصيدته الرائية :
صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر
يجل عن الاعراض والاين والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر
يعني ان صفاتك اسماء لله تعالى وذاتك جوهر منزه عن صفات الجواهر من الاعراض والوقت والمكان والمواد ولهذا قال بعض اعداء الدين منهم ان الشيخ عبدالحميد غلا في علي عليه السلام في هذين البيتين وانا اقول انه قصر في هذين البيتين وفي غيرهما ومعنى استوائه على هذا العرش ايضا ظهوره بعزته فيهم حتى تكرموا وتقدسوا عن كل ما ليس له سبحانه قال تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ومعنى استوائه على هذا العرش ايضا ظهوره بهم لمن سواهم بما شاء كيف شاء لانهم ابوابه الى خلقه واعضاده لهم ووسائله اليه وقد تقدم ان المثل الاعلى بمعنى الاية والدليل وبمعني التقدس كما ذكرنا هنا وفي كل واحد اطلاق العرش يصدق عليه باعتبار وما ذكرنا مما اشير اليه في الحديث صريحا وتلويحا ومن غيره مما يطلق عليه العرش باعتبار كل واحد قد كتبت عليه اسماؤهم عليهم السلام وروي عن ابيسلمن راعي رسول الله صلى الله عليه وآله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ليلة اسرى بي الى السماء قال لي الجليل جل جلاله آمن الرسول بما انزل اليه من ربه قلت والمؤمنون قال صدقت يا محمد من خلفت في امتك قلت خيرها قال علي بن ابي طالب قلت نعم يا رب قال يا محمد اني اطلعت الى الارض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من اسمي فلا اذكر في موضع الا ذكرت معي فانا المحمود وانت محمد ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وشققت له اسما من اسمائي ( اسمي ظ ) فلا اذكر في موضع الا ذكر معي فانا الاعلى وهو علي يا محمد اني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولده من سنخ نوري من نوري ( من نور ظ ) وفرضت ولايتكم على اهل السموات واهل الارض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو ان عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع او يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحدا ولايتكم ماغفرت له حتى يقر بولايتكم يا محمد تحب ان تراهم قلت نعم يا رب فقال لي التفت عن يمين العرش فالتفت واذا انا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون وهو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب دري فقال يا محمد هؤلاء الحجج وانه يعني المهدي عليه السلام الحجة الواجبة لاوليائي والمنتقم به من اعدائي ه اقول قد بين في هذا الحديث معنى كتابتهم على العرش وعلى الاشياء ومعنى كونهم محدقين هو كونهم في ضحضاح من نور قياما يصلون لان المراد بكتابتهم اثبات صورهم واشباحهم او في اشباحهم لا اثبات حقيقتهم لانها فوق مراتب الصور والاشباح ومعنى الضحضاح هو سناء النور والمراد به نور شفافية العرش وصقالته التي تنطبع فيه الصور والاشباح كما ترى في المرءاة لان الصور انما تظهر في صقالتها وهو ضحضاح من نورها وشفافيتها وانما ظهرت صورهم في ضحضاح من نور العرش لان العرش حقيقتهم هنا وله اطلاق آخر وهو عبارة عن معانيهم ورقائقهم وصورهم وطبائعهم وهذه الاربعة الاشياء هي اركانه فالعرش كالشجرة والاركان كاصلها واغصانها وهذه الصور ضحضاح بالنسبة الى تلك الحقيقة وقد اشار علي بن الحسين عليه السلام الى هذه الاركان كما رواه في التوحيد عنه عليه السلام قال ان الله عز وجل خلق العرش ارباعا لم يخلق قبله الا ثلاثة اشياء الهواء والقلم والنور ثم خلقه من انوار مختلفة فمن ذلك النور نور اخضر اخضرت منه الخضرة ونور اصفر اصفرت منه الصفرة ونور احمر احمرت منه الحمرة ونور ابيض وهو نور الانوار ومنه ضوء النهار ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كل طبق كاول العرش الى اسفل السافلين ليس من ذلك طبق الا يسبح بحمد ربه ويقدسه باصوات مختلفة والسنة غير مشتبهة ولو اذن للسان منها فاسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه له ثمانية اركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم الا الله عز وجل يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولو حس شيء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة والعلم وليس وراء هذا مقال ه اقول بناء على ما قررنا مرارا ان العرش في هذا الحديث ثالث رتبة للحقيقة المحمدية والهواء الذي هو العمق الاكبر والقلم الذي هو الوجود المسمى بالماء الاول الحامل للعرش وكان عرشه على الماء وهذا باعتبار انه الاسم المربي وهو اسمه البديع والنور هو الدواة الاولى وارض الجرز او هو الماء الحامل للعرش ثاني مرتبة للحقيقة المحمدية والاولى نفس المشية وصورتها وعالم فاحببت ان اعرف والانوار الاربعة اعني الابيض معانيهم والاحمر طبائعهم والاصفر رقائقهم والاخضر اشباحهم وصورهم هي الخامسة من مراتب العرش ان جعلنا قوله ثم خلقه بمعنى جعله وان جعلناه تفسيرا للاول كان مرتبة رابعة للعرش وضمير ثم جعله ضمير العرش وهذه الاطباق وهذه الالسن مظاهر تلك الاشباح وشؤنها تسبح الله وتقدسه وتعبده بالثناء عليهم ونشر فضائلهم وهو تأويل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده اي بحمد الله يعني يسبح الله بنشر مدائحهم على الواح الموجودات وقوله وبينه اي بين الشيء من كل ما دون العرش الى الثرى من جميع الافراد وبين احساسه بشيء من تلك الانوار الذي هو علة فنائه واضمحلاله الجبروت اي العقول الحائلة بتعقلها لمعانيها عن الاحساس بتلك الانوار والكبرياء من عجائب الملك الدالة على القدرة وهي اعظم حائل بينه وبين الاحساس بتلك الانوار والعظمة من اشعة الملكوت المانعة من الاحساس بتلك الانوار والقدس الظاهر من نطق السنة الحوادث بشهادة نقائصها وفقرها كذلك والرحمة الظاهرة بالحيوة التي هي الحجاب الاعظم كذلك والعلم الذي تحصل منه هذه المراتب الخمس في كل شيء بنسبته وهو اشدها واغلظها ولهذا قال عليه السلام وليس وراء هذا مقال ومما يدل على ان اسماءهم مكتوبة على كل شيء احاديث لا تكاد تنضبط من الفريقين ولم يوجد حديث يشتمل على جميع الاشياء اجمالا فضلا عن التفصيل لكنها متفرقة في الاحاديث ولنورد منها واحدا وبه يعرف من عرف وهو ما رواه في الاحتجاج عن القاسم بن معوية بن عمار قال قلت لابي عبد الله عليه السلام هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وآله رأى على العرش لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ابو بكر الصديق فقال سبحن الله غيروا كل شيء حتى هذا قلت نعم قال ان الله عز وجل لما خلق العرش كتب على قوائمه لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الماء كتب على مجراه لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اسرافيل كتب على جبهته لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل جبرئل كتب على جناحيه لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل السموات خلق على اكنافها لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الارضين كتب في اطباقها لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الجبال كتب في رؤسها لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله علي امير المؤمنين وهو السواد الذي ترونه في القمر فاذا قال احدكم لا اله الا الله محمد رسول الله فليقل علي امير المؤمنين ولي الله (ص) اقول قد دل هذا الحديث وامثاله على ان اسماءهم مكتوبة على كل شيء والعنوان في ذكر الكتابة انما هو للعرش وقد اشرنا الى ان كل شيء يطلق عليه اسم العرش باعتبار وذكر هذا الحديث وغيره لخصوص علي امير المؤمنين عليه السلام لا يدل على التخصيص بل احاديثهم الصحيحة على ان كلما يجري لواحد منهم يجري للاخر هذا في الظاهر واما في الباطن فالمراد بامير المؤمنين هو علي عليه السلام والائمة الا في امرة المؤمنين فانها لا تصح لغيره صلوات الله عليه ولعن الله من تسمي بها غيره من جميع الخلق فقوله عليه السلام خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين يريد به ما اشرنا لكم من الكتابة ككتابة الصورة في المرءاة والنور في السراج والحركة في المتحرك والقوة في ذي القوة والادراك في ذي الادراك والطعم في ذي الطعم والحيوة في الحي والصوت في الصائت ومنه وما اشبه ذلك وفي الاختصاص عن سماعة قال كنت عند ابي عبد الله عليه السلام فارعدت السماء وابرقت فقال ابو عبد الله عليه السلام اما انه ما كان من امر هذا الرعد ومن هذا البرق فانه من امر صاحبكم فقلنا من صاحبنا قال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ه اقول وقد اشرنا فيما تقدم ودلت عليه احاديثهم انهم يظهرون في الصور كيف ما شاؤا وهذا الظهور في كل شيء لكل شيء ففي العرش كونهم محدقين به ظهورهم فيه باشباحهم وبايجاداتهم وتأثيراتهم بالله وبايجاد الله وصنعه لما صنع بهم من خلق ورزق وحيوة وممات فافهم
واما كونهم انوارا فهو معلوم وقد تقدم بعض الاشارة الى ذلك وملخص البيان ان المراد بالانوار الانوار الوجودية يعني ان الله سبحانه خلقهم من النور لم يكن فيهم شيء من الماهية والانية الا ما يقوم به الوجود تقوم الظهور في اصل وجودهم وكذا في وجوداتهم الشرعية فهم انوار لا ظلمة فيهم لا في اكوانهم الوجودية ولا في اكوانهم الشرعية لان الاكوان مطلقا لا تتقوم الا بمقوم من الاعيان لان ظهورها يتوقف على شيء من الانية تتخصص به وهذا الشيء المقوم بكسر الواو وان كان ظلمة في حقيقته الا انه بالنسبة الى نورية ذلك الكون وقوته وسعته يكاد ذلك المقوم بكسر الواو يضمحل ويفني في نفسه واما في حكمه فليس له ذكر ولا اعتبار له لفنائه واستيلاء الانوار العظيمة عليه فلا يكون نور في الامكان اخلص في النورية من جميع الشوائب والنقائص منهم بعد المشية فلذا قال عليه السلام خلقهم الله انوارا فافهم ما اشرنا اليه ومحدقين اي مطيفين يعني محيطين بالعرش اما بمعنى انهم مكتوبون على كل جهة من جهات العرش بحيث يصدق عليهم انهم محيطون به حقيقة بالاجتماع او التفريق واما بمعنى ان كل واحد على الانفراد حامل للعرش واما بمعنى استنارته بانوارهم او بمعنى انهم المظهرون لما اودع الله فيه لانه خزانة الفيض وهم الخزنة والحفظة وهم المفاتيح او انهم الخازنون باذن الله تعالى فيه او عندهم لما ظهر به من صفة رحمانيته فيه ومن اثرها الذي به قام كل شيء او بمعنى انهم مستفيضون من علمه مما ظهر به فيه قال الشارح (ره) او طائفين بالعرش الصوري في الاجساد المثالية كالطواف بالبيت انتهى اقول يجوز ان يكون بمعنى طوافهم بالعرش المعنوي العقلي على المعاني التي ذكرناها كلها وبالعرش الروحي والنفسي والطبيعي والهيولاني والمثالي والجسمي والجسماني وفي كلها على المعاني المذكورة كلها الا ان الطواف في المعنوي معنوي وفي الصوري صوري وهكذا كل شيء بحسبه لان التحصيل من شيء والحفظ له والفتح لخزائنه وخزن نفائسه فيه والحمل له والانفاق على الغير مما خزن فيه وما اشبه ذلك طواف به وكذا اذا كان المراد بالعرش قلبهم او ذاتهم او ذاتياتهم او ظاهرهم او افعالهم وتخصيص طوافهم بالعرش الصوري وفي الاجساد المثالية غفلة او قصور في معرفتهم
قال عليه السلام : حتى من علينا بكم
قال الشارح (ره) بان جعلكم ائمتنا
اقول قد ثبت انهم النعمة الكبرى وآلاء الله العظمي على كل من سواهم في كل مقام ولما خلقهم الله سبحانه في التعين الاول حيث احب ان يعرف بان يعرفوه بما عرفهم من نفسه وان يعرفه من سواهم بهم وبسبيل معرفتهم جرت حكمته على ان خلق ما شاء من خلقه على ما هم عليه فخلقهم ليس معهم شيء من الخلق فبقوا يوحدونه الف دهر قبل ان يخلق شيئا غيرهم وفي رواية الف الف دهر وهم اذ ذاك يوحدونه ويعبدونه بتوحيده صاعدين ويعبدونه ويوحدونه بعبادته نازلين الى ان خلق لهم اهل محبته وطاعته من الانبياء والمرسلين واتباعهم من المؤمنين ومن الصافين المسبحين بصنائعه وافعاله من الملائكة الحافين حول عرشه ومن منهم على ارجاء سمواته وارضيه وسائر خلقه فاشهدهم امر من خلقهم لاجلهم وانهي اليهم العلم بهم وجعلهم الهداة لهم الى ما فيه نجاتهم واعضادهم الى كل خير من سعادة الدنيا والاخرة بحيث لا يسعد من سعد الا بهم ولا يشقى من شقي الا بمخالفتهم وترك متابعتهم فبفضل وجودهم اوجد الله من سواهم وبفاضل عقلهم عقلوا وبهداهم اهتدوا وبمتابعتهم نجوا من الهلكات وبهم يرزقون وبهم تقبل اعمالهم ويدفع عنهم ما يكرهون من البلايا التي استحقوها باعمالهم فهم اصل كل خير وبهم يدفع كل شر فلا منة اعظم من منة الله تعالى بهم على عباده المؤمنين فقول الشارح (ره) بان جعلكم ائمتنا يمكن ان يراد منه كلما اشرنا اليه فان اراد ذلك فبها والا فقد ذكرنا لك فيما اشرنا اليه اصول المنن الذين تنزلوا بها لاصلاح انعامهم في دار التكليف وليستعدوا فيها بالزاد المبلغ الى دار الجزاء والمعاد الى ان يستقر كل شيء في دار قراره التي لا يظعن عنها وهو تأويل قوله تعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين وكذلك اذا استقر الفريقان المؤمنون في الجنة والكافرون في النار قدروا لاهل الدارين مقتضي اعمالهم من ثمار امثالهم مما لا يتناهى من فيض الفضل وقدر العدل فقد من الله علينا بهم من اول ذكرنا الذي لا نهاية له الى آخر ذكرنا التي لا غاية له فافهم
قال عليه السلام : فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه
قال الشارح (ره) اشارة الى ان هذه الايات التي بعد آية النور وردت فيهم كما ان الايات التي بعدها وردت في اعدائهم كما ورد في الاخبار المتكثرة والمراد بالبيوت البيوت المعنوية التي هي بيوت العلم والحكمة وغيرهما من الكمالات والذكر فيها كناية عن الاستفاضة منهم او الصورية التي هي بيوت النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام في الحيوة ومشاهدهم بعد الوفاة انتهى
اقول يجوز ان تكون المراد ان تلك الانوار التي كانت محدقة بعرشه انزلها في هذه الاجساد الشريفة وهي بيوت تلك الانوار ومخازنها التي اذن ان يرفع شأنها ويعلى قدرها على ما سواها بما حل فيها من تلك الانوار وانما كانت الاجساد بيوتا لانها مساكن تلك الانوار كل نور في مخزن فالنور العقلي في الدماغ وهو رأس القلب ومساكن احساسه والنور النفسي في الصدر اي صدر القلب ووجهه الخيال والنور الروحي بين الصدر والدماغ في الهواء الذي بينهما والنور الطبيعي تحت الصدر في الدخان الحامل للروح الحيواني والنور المادي في الدم الاصفر في الجانب الايسر من القلب الصنوبري وتلك الانوار هي النجوم المذكورة في قوله تعالى فلا اقسم بمواقع النجوم وهذه البيوت هي مواقعها يعني انها تتعلق بتلك الاجساد ويجوز ان يكون المراد بالبيوت هي تلك الانوار ومعنى جعلها في بيوت جعلها بيوتا وهو كناية عن تنزلها وجمودها وظهورها كما تقول نزل المطر في الثلج اي جمد فكان ثلجا ويشير الى هذا المعنى ما رواه في الكافي عن الصادق عليه السلام وقد تقدم وهو في قوله وصل الله طاعة ولي امره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الامر لم يطع الله ولا رسوله وهو الاقرار بما انزل من عند الله خذوا زينتكم عند كل مسجد والتمسوا البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه فانه قد خبركم انهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار الحديث فانه قال عليه السلام والتمسوا البيوت يعني بها البيوت المذكورة في الاية وفي هذه الزيارة ثم قال فانه يعني الله تعالى قد خبركم انهم رجال الاية وهذا صريح في المدعي لمن وعى وهذا على قراءة من لم يقف على اسمه وقرأ يسبح بالبناء للمفعول ووقف على الاصال ويبتدئ بقوله رجال اي هم رجال فاخبر الصادق عليه السلام ان رجال خبر وان المبتدأ الذي هو هم يعود اي البيوت لانه عليه السلام قال التمسوا البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ثم قال عليه السلام فانه يعني الله تعالى قد خبركم انهم يعني البيوت رجال وهذا ظاهر صريح صحيح فانه كثير الاستعمال في القرءان وفي كلام سادات الزمان عليهم السلام مثل وأتوا البيوت من ابوابها ومثل قوله تعالى وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا فقد سمى الرجال قرى وسماهم بيوتا وسماهم ابوابا ومثل ذلك قوله تعالى ان اول بيت وضع للناس اي اول امام وضع حجة واماما للناس للامام الذي وضع اي ولد ببكة اي وضعته امه في وسط الكعبة وهو علي بن ابي طالب امير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليه لانه اول خليفة نصب اماما وهاديا للناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فابانه عمن يلتبس به عند الجهال بقوله تعالى للذي ببكة اي وضع ببكة مباركا له في ذريته الطيبين عليهم السلام وهدى للعالمين كما قال تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد فيه آيات بينات اي فيه الائمة الاطهار عليهم السلام آيات بينات وهو قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم قال الصادق عليه السلام وقد تقدم مكررا قال عليه السلام فاي اية في الافاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال عليه السلام وقال وما نريهم من آية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث فهذا من معنى بينات وقوله مقام ابراهيم هو قول الله عز وجل حكاية عن دعوته واجعل لي لسان صدق في الاخرين وهم الائمة عليهم السلام وقوله تعالى وجعلها اي ابراهيم كلمة باقية في عقبه وهم الدعوة والكلمة الباقية في عقبه الى يوم القيمة وفي الكافي عن الباقر عليه السلام ان قتادة قال له والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدامهم فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك فقال له اتدري اين انت انت بين يدي بيوت اذن الله ان ترفع الخ الاية فانت ثمت ونحن اولئك فقال له قتادة صدقت والله جعلني الله فداءك والله ما هي بيوت حجارة ولا طين اقول وقد تقدم ان البيوت تطلق عليهم وعلى ولايتهم ويجوز ان يكون المراد بالبيوت المساكن الظاهرة والمشاهد المنورة كما ذكره الشارح (ره) ويدل عليه ما رواه القمي عن الباقر عليه السلام هي بيوت الانبياء وبيت علي (ع) منها وروى من افاضلها وعنه عليه السلام هي بيوتات الانبياء والرسل والحكماء وائمة الهدى رواه في اكمال الدين وفي الكافي عن الصادق عليه السلام هي بيوت النبي صلى الله عليه وآله وقوله (ع) اذن الله ان ترفع يراد بالاذن المعنى الظاهري وهو الامر يعني امر الله برفع شأنها وتعظيمها وبنائها والمراد بالبناء عمارتها لا رفع بنيانها وتعليته في الصورة اذ لا فائدة فيه الا اذا اقتضى الحال توقف التعظيم عليه فانه يدخل في الامر به هذا اذا اريد بها المساكن الظاهرة والمشاهد المنورة ولو اريد بها انوارهم وحقائقهم كما تقدم او اجسامهم كذلك كان الامر بتعظيمها ورفع شأنها واجبا في الحكمة فهو اولى لانه هو المقصود بالذات واما تعظيم المشاهد والمساكن فانما هي بالعرض واذا اريد بالاذن المعنى الباطني فهو القدر والقضاء والحكم اي ايجاد ذلك في اللوح المحفوظ والرخصة لذلك في ظهوره في الاكوان والاعيان الوجودية وفي الاكوان والاعيان الشرعية سواء اريد بالبيوت الحقائق ام الانوار ام الاجسام ام البيوت التي هي المساكن الظاهرة والمشاهد المنورة فانه سبحانه قد قدر وقضى وامضى ما حكم وحتم بما سمعت منها ورأيت وما لم تسمع ولم تر حتى كان من ذلك ما نص تعالى على تكوينه وكونه في محتوم حكمه مما كان وما يكون في قوله تعالى يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وهو قوله الحق الكائن الذي لا مرد له من الله
وقوله عليه السلام ويذكر فيها اسمه اقتباس من الاية وبيان للمراد منها والمراد من الذكر الفعل والتلقي والقول والعمل بالجنان واللسان والاركان والمراد من الاسم صفة مستحق التسبيح والتقديس والتحميد والتهليل والتكبير وما اشبه ذلك من الدال على الاسم والصفة كسبحن الله وسبحن رب السموات والارض سواء كان باللسان في المقال ام بالطبيعة في الحال ام بالجنان في الاعتقادات والمراقبات والتلقيات ام بالاركان في الاعمال فكل واحد من الذكر والاسم منه تمكين وتمكن وايجاد وشرع وجودي ووجود كوني فعلي وانفعالي وحكم في قدر وقضاء وامضاء وعمل وقول وحال ووجود شرعي فعلي وانفعالي وحكم تكليفي وحكم في قدر وقضاء وامضاء وعمل وقول وحال وكل واحد من الشرع الوجودي ومن الوجود الكوني ومن الوجود الشرعي والحكم التكليفي تجري فيه الحكمة والعناية الالهية على جهتين احديهما انه يأمر ويريد الامر به ووقوع متعلقه وهو واقع كائن وكذا نهي ويريد النهي عنه وعدم وقوع متعلقه وهو ايضا غير واقع وثانيتهما انه يأمر ويريد الامر به ولا يريد وقوع متعلقه وهو غير واقع وينتهي ويريد النهي عنه ولا يريد عدم وقوع متعلقه وهو واقع وهذان الحكمان لمشيته وارادته في امره ونهيه جاريان في الكون الوجودي وشرعه وفي الكون الشرعي ووجوده في المراتب السبعة باعتبار متعلقاتها المشية والارادة والقدر والقضاء والاذن والاجل والكتاب فالتمكين لطف الفاعل وهو عرشه الذي يظهر عليه بالعلة الفاعلية وهو استواؤه عليه والتمكن قدرة القابل وهي كرسيه وظاهر علمه تعالى وهو الذي وسع ذلك العرش واليه الاشارة بما رواه في التوحيد عن زرارة قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل وسع كرسيه السموات والارض السموات والارض وسعن الكرسي ام الكرسي وسع السموات والارض فقال بل الكرسي وسع السموات والارض والعرش وكل شيء في الكرسي ه والايجاد هو العلة الفاعلية وهو فعله تعالى قال علي عليه السلام في خطبته المعروفة باليتيمة علة ما صنع صنعه وهو لا علة له والوجود الكوني فعل وهو مادة الموجود وانفعال وهو صورة الموجود فالوجود هو المادة والماهية هي الصورة فالمادة من التمكين والصورة من التمكن فالفعل هو العلة المادية وهو المقبول والانفعال هو العلة الصورية وهو القابل والحكم في الكائن منها في خلقه الثاني سواء طابقت الارادة الرضا ام خالفت في قدر وقضاء وامضاء واذن واجل وكتاب والعمل من الفاعل تمكين وصنع وقول ومن المفعول تمكن وقول وقبول والقول من الفاعل سؤال وصنع وعمل ومن المفعول جواب وفعل وامتثال والحال من الفاعل وقوع فعله وتعلقه بمفعوله ومن المفعول تعلق الاطوار باوطارها والوجود الشرعي فعل وهو الامر والنهي الذاتيان والعرضيان وذلك مادة الثواب والعقاب وتوابعهما في التتميم والتكميل وانفعال وهو القبول والامتثال والعمل المطابق للامر والنهي او عدم القبول وعدم الامتثال والعمل المخالف للامر والنهي وذلك صورة الثواب والعقاب وتوابعهما في التتميم والتكميل وله تمكين وتمكن وايجاد كما في الوجود الكوني قال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما يخلق بالعمل الموافق لامره ونهيه الثواب على صورة ذلك العمل ويخلق بالعمل المخالف لامره ونهيه العقاب على صورة ذلك العمل وهذا صراطه المستقيم ولا يظلم ربك احدا وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم والحكم التكليفي الذي هو مادة الثواب مع الموافقة والعقاب مع المخالفة امر ونهي ذاتيان لوجود الغاية التي لاجلها جرى التكليف في كل فرد من افرادهما وعرضيان قسمان ما كان متمما فكالذاتيين الا انه تابع فهو عارض وما كان مكملا فقد توجد الغاية في بعض افراده وقد لا توجد وهو قسمان احدهما ما شرع لوجودها في بعض افراده وهو الموظف المستدرك عند فواته الا اذا كان للوقت وقد خرج وثانيهما ما شرع لمحض التكميل وليس من حقه الاستدراك لانه وان وجد في بعض افراده تلك الغاية على جهة الاتفاق او لانه من مكملات القابل لها فقد يكون له مدخل في ذلك في الجملة الا انه ليس بمراد على جهة الطلب واما الاباحة فما كان منها فيه الرخصة باصل الخلق للامتنان ومصالح النظام فعمل العامل به للرخصة لاحق بعمله بالامر العرضي والتارك للاحتياط كذلك وعمله وتركه للاهمال لاحق بالنهي العرضي وذلك لان احكامها معلومة في الكتاب الحفيظ وانما دخلت في الاباحة لان الناس في سعة ما لم يعلموا وليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله فلا تظهر احكامها الا بعد التكليف لا انها لا حكم لها اصلا كما قد يتوهم من انها خلقت هكذا مهملة ثم حددت بالاحكام بل كانت الاحكام في الاسباب والعلل والكليات قبل قوابلها الجزئية وظهرت الاحكام الخاصة في الوجود مع متعلقاتها وقوابلها على جهة التساوق والتضايف وما كان منها فيه الرخصة بتسوية الشارع فالعمل به والترك له مع العلم بالتسوية لاحق بالامر العرضي وليس لهذا حكم في اللوح الحفيظ غير هذه التسوية في هذا الوقت ويجوز تبدله باختلاف الوقت او الموضوع والحكم الالهي في الكائن منها في خلقه الثاني سواء طابقت الارادة الرضا ام خالفت في قدر وقضاء وامضاء واذن واجل وكتاب كما في الوجود الكوني لانه وجود مثل هذا الوجود ففي هذا اولى والاولوية في الشدة والضعف والعمل من الفاعل تمكين وصنع وامر ونهي ومن المفعول تمكن وامتثال ودعاء والقول من الفاعل دعوة وصنع وامر ونهي ومن المفعول استجابة وامتثال وعمل وفعل والحال من الفاعل وقوع تكليفه وتعلقه بالمكلف ومن المفعول عمل معنوي وقول وصفي وهو مطابقة صفات الاطوار للاوطار والحاصل ان الوجود الشرعي كالوجود الكوني وان اختلفت العبارة في بعض المواضع ففي الحقيقة المراد واحد الا ان الوجود الكوني في الحقيقة كالوجود الشرعي لان الاصل والعلة والباطن واللب والعلة المادية والعلة الصورية والعلة الغائية بل والعلة الفاعلية باعتبار توسط الشرعي بين الفاعل وبين الكوني هو الوجود الشرعي واما الوجود الكوني هو الفرع والمعلول والظاهر والقشر فكل هذه المراتب في الحق ذكر الله تعالى على اختلافها فيذكرون بهذه المراتب اسم الله سبحانه في تلك البيوت باسمائه التي هي وجوه هذه المراتب المذكورة ومعنى اخر هذه الامور المذكورة هي اسماؤه تعالى التي يذكرونه بها في البيوت التي هي مواقع هذه الامور المذكورة والتي هي مأخذها والتي هي اظلتها والتي هي حقائقها والتي هي مشارقها والتي هي مغاربها والتي هي تطورها اولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ومعنى آخر ان هذه الامور المذكورة بجميع السنتها تسبح الله تعالى وتذكر اسمه الذي هو الثناء عليهم بنشر فضائلهم وبث ممادحهم صلوات الله عليهم في بيوت هي ما اشرنا اليه وهي ولايتهم وهي آثار رحمة الله التي هي ذواتهم وهي هذه الامور ذواتها واحوالها فالتمكين اسم لله تعالى والتمكن اسم لله تعالى والاثنان اسم واحد له تعالى والايجاد اسم واحد له تعالى والثلاثة التمكين والتمكن والايجاد اسم واحد له تعالى وهكذا كل واحد من هذه الامور المذكورة اسم والكل اسم وبعضها اسم وكل واحد منها ذكر والاثنان ذكر لله واحد والكل ذكر واحد والبعض ذكر واحد وكلها وكل واحد منها ذاكر ومذكور به ومذكور فيه
قال عليه السلام : وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيبا لخلقنا وطهارة لا نفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا
قال الشارح (ره) وجعل عطف على اذن بالخبرية او الانشائية الدعائية ولا بأس به لكونه بصورتها كما في قوله تعالى حسبنا الله ونعم الوكيل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيبا مفعول ثان لجعل لخلقنا بالضم اي جعلكم الله في بيوت تصير الصلوة فيها واظهار الولاية سببا لكرامة الله علينا بالاخلاق الحسنة او يكون عطفا على من وهو اظهر وطهارة لا نفسنا من الرذائل كما حلانا بالفضائل وتزكية لنا من الاعمال القبيحة او في القيمة انتهى
اقول يجوز ان يراد بالصلوات المجعولة عليهم قولنا اللهم صل على محمد وال محمد ظاهرا بان نسئل الله تعالى لهم ان يرحمهم وان يرحم بهم وان يصلهم برحمته وان يمدهم بمدده الذي استوى به على عرشه لجميع خلقه بهم من جميع رحمانيته التي غيبت العرش بظهوره بها عليه وباطنا بان يكون نريد من قولنا اللهم صل على محمد وال محمد هو انا نسئلك يا ربنا الصلوة عليهم اجابة لما اخذت علينا من العهد المؤكد لهم بان نعبدك بحبهم وبالقيام بحدود فروعهم واوامرهم ونواهيهم بالتي ندبتهم بها الينا وندبتنا الى اجابتهم في دعوتهم اليك في كل ما دلوا عليه كما اشار اليه موسى بن جعفر عليهما السلام قال قال الصادق عليه السلام من صلى على النبي وآله فمعناه اني انا على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله الست بربكم ه رواه في مختصر بصائر سعد الاشعري وظاهر هذا الوجه هو المراد من قوله عليه السلام هنا ظاهرا وما ذكره الشارح (ره) ليس مرادا ظاهرا لانه لا يتجه الا على معنى لا يريده (ره) وسنذكره ان شاء الله تعالى واما باطن هذا الوجه كما دل عليه هذا الحديث الشريف فهو مراد له عليه السلام قطعا بل حقيقة الارادة له واما ظاهره الذي قلنا انه المراد ظاهرا فانما كان مرادا له عليه السلام ظاهرا لانه جزئي لهذا الباطن او جزء لان معنى هذا الباطن تعاهد منا لما اخذ علينا من الميثاق لهم بالقيام بجميع التكاليف التي هي صور ولايتهم وهياكلها واداء منا لتلك الامانة فقولنا اللهم صل على محمد وال محمد من ذلك والطهارة من الحدث الاصغر والاكبر الظاهرين والباطنين من ذلك والطهارة الترابية ايضا من ذلك في مواضعها المشروعية والصلوة بجميع اصنافها ظاهرة وباطنة من ذلك والزكوة ظاهرة وباطنة من ذلك والصيام ظاهرا وباطنا من ذلك والحج والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحكام الله في جميع ابواب الشريعة من ذلك وآداب الله في جميع فرائضه وسننه وما دعا اليه من معرفته بصفاته التي وصف بها نفسه لعباده ومعرفة انبيائه ورسله وحججه وكتبه وملائكته وآياته وامثاله والنظر في عجائب مصنوعاته في الافاق وفي الانفس بل جميع ما لله فيه رضا من اعتقاد واجتهاد وعمل وقول وحال وفعل من احوال الدنيا والاخرة من ذلك واما ان جعل صلواتنا عليهم بمعنى ان الله جعلهم في بيوت تصير الصلوة فيها واظهار الولاية سببا للكرامة من الله الخ فمما لا معنى له الا على تأويل بعيد ووقوع مثل هذا المعنى من مثل الشارح مستغرب نعم لو اراد جعلهم في مقامات لله بان جعلهم اركانا لمقاماته تعالى وكون الصلوة فيها عبارة عن توجهنا الى تلك المقامات في جميع احوال عباداتنا ومعارفنا ودعائنا ليكون المعنى انهم ذلك الوجه الذي يتوجه اليه الاولياء في كل حال من الطاعات واظهار الولاية لهم من المحبة لهم والاقتداء بهم والرد اليهم والتسليم لهم والبراءة من اعدائهم سببا لكرامة الله كان معنى صحيحا الا انه لا يريده بوجه وهنا معنى آخر ان الصلوات يجوز ان يراد بها الصلوات اليومية وكونها عليهم بمعنى انها لهم فان الصلوة وان رجحنا ثبوت الحقيقة الشرعية على مصطلح اهل الاصول كما هو الحق في المسئلة لكنا قد قررنا هناك انها قد نقلها الشارع من اللغة عن معناها اللغوي المعروف واستعملها بوضع جديد وانما اخذ هذا اللفظ نقلا من اللغة واستعمله في مراده بعد ان هجر المعنى الاول ليكون ادل على فهم مراده مما لو وضع لفظا لم يعرفوه في لغتهم واقرب تناولا لهم وآنس لهم باستعمال لغتهم في لغته وابلغ استمالة لقلوبهم واشرنا الى ان هذا تحقيق هذه المسئلة في الظاهر واما في الحقيقة قلنا فيه سر عجيب لا يعرفه الا من لطف حسه وكشف عن عين بصيرته الغطاء والاشارة اليه ان الواضع واحد وهو الله تعالى على الصحيح وهو الذي وضع الالفاظ الشرعية واللغوية فوضع لفظ الصلوة على ذات الاركان المخصوصة وعلى الدعاء من باب التشكيك وقلنا بعد ذلك ولنقبض العنان فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية وانما قلنا هناك هذا الكلام لانه من العلوم الظاهرة ونحن في هذا الشرح لم نسلك فيه الا كشف الاسرار لانه هو المطلوب منا في هذا الشرح فنقول مرادنا هناك ان لفظ الصلوة وضع على ذات الاركان المعلومة لانها في الحقيقة دعاء وصلوة وعلى الدعاء المعروف لانه صلوة ولكن تحقق الدعاء في الصلوة التي هي صورة الولاية باطن وعام في ذات الاركان وتحقق الصلوة في الدعاء المعروف باطن وخاص يعني ان معنى الدعاء في ذات الاركان باطن عام كمعنى ذات الاركان في الدعاء المعروف الا انه خاص فكان المعنى من مدلول لفظ الصلوة يوجد في ذات الاركان قويا شاملا لكل خير وكل مطلب وفي الدعاء ضعيفا خاصا ببعض الخير والمطلب فلذا كان الوضع فيهما من باب المشكك وقد قلنا ايضا ان معنى صلى معدى بعلى هو معنى دعا معدى باللام لدفع اعتراض مشهور فاذا عرفت هذا فلك ان تجعل قوله (ع) وجعل صلواتنا عليكم اي الصلوة اليومية عليكم اي دعاءنا لكم فانها باللسان والاركان والجنان لانها طلب من الله بكل مشعر وجارحة وحركة وسكون وهيئة كل نوع وصنف من انواع المدد وصنفه وانما كانت الصلوة اليومية وسائر الصلوات الواجبات والمندوبات مجعولة عليهم صلوات الله عليهم لانها في الحقيقة صورة ولايتهم وحكاية مدحهم وذكر ثنائهم فمعنى عليهم لهم او الصلوة عليهم بمعنى الدعاء لهم ومعنى لهم ما قلنا انها صورة ولايتهم وحكاية مدحهم وذكر ثنائهم او انها من فروعهم او ان الله تعالى تعبد عباده بطاعتهم وطاعتهم عبارة عن امتثال الخلق اوامر الله والاخلاص في عبادته تعالى كما امر سبحانه ومعنى كون ذلك هو طاعتهم انهم لله سبحانه وحده فطاعتهم طاعته وعبادته وانما لم نقل ان عبادتهم عبادته لان عبادتهم ان كانت عبارة عن عبادته تعالى وحده لا شريك له فهي عبادته لانهم ينطقون عن الله ومن استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله الحديث وان اعتبر كونهم فيها معه او كون العبادة لهم بمعنى انها ليست له كان شركا او كفرا وكان ذلك معصيتهم لان العبادة لا تكون طاعة لله تعالى ولا تكون تلك العبادة طاعتهم حتى تقع لله وحده لا شريك له على الوجه الذي اسسوه كما تقدم من كونهم اسماءه التي يدعى بها ووجهه الذي يتوجه اليه من قصده سبحانه وبابه الذي يؤتى منه ودليلهم اليه وشرط قبوله للاعمال من العباد فعبادة الخلق لله سبحانه التي يقبلها وامرهم بها هي وقوعها على الوجه الذي اسسوه فاذا كانت كذلك خالصة لله سبحانه وحده لا شريك له صح كونها عبادة الله حقا وصح كونها طاعتهم لان الله سبحانه خلقهم له لا لانفسهم ولا لغيره وهذه الوجوه التي فسرنا بها معنى لهم مجملة وتفصيلها ان الله سبحانه منزه عن كل ما سواه من كل شيء ثم انه اصطفى مما خلق صفوة ليس في جميع خلقه ما يساويهم عنده ولا يدانيهم ليعرفوه بما عرفهم من انفسهم وخلق لهم خلقه ليمدهم من ثمرات اعمالهم من خيرات وصفهم بها قال تعالى وجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وقال تعالى اليه يصعد الكلم الطيب اي اليهم ولهم كما قال تعالى الطيبات للطيبين ومن شرور وصف بها اعداءهم وبرأهم منها قال تعالى والخبيثات للخبيثين ثم قال اولئك اي الطيبون مبرءون مما يقولون ومعنى اليه يصعد الكلم الطيب انه الى اوليائه لان الحوادث لا تداني الازل سبحانه فاذا كانت الصلوات كما سمعت زكت وطابت وكانت طيبا لخلق العاملين له وطهارة لانفسهم الخ وقول الشارح (ره) بالضم خلاف المعروف وخلاف ما في النسخ المشهورة بل لم اقف في شيء من النسخ الصحيحة مما وقفت عليه على الضم ولم اسمع من احد ذلك وان كان يجوز وقوعه ولم اقف عليه ومعناه ايضا يجوز ولكن المعروف المشهور في النسخ الذي يقبله العقل السليم والطبع المستقيم هو الفتح هنا والمراد به طيبا لمولدنا لان غير شيعتهم لم تطب مواليدهم كما نطقت به اخبارهم فاذا تألفت البنية من الطينة الطيبة التي قبلت ولايتهم والماء العذب الذي هو الماء الثجاج النازل منهم على هيئة ولايتهم وصورة صفتهم طاب خلقهم بالفتح واذا طاب خلقهم بالفتح طاب خلقهم بالضم لانه صفة البنية ولما اخذ على الخلق الميثاق بالطاعة لهم عليهم السلام والرد اليهم والتسليم لهم في كل شيء وكان الخلق كلهم متساوين في رتبة القبول وعدمه كان الناس امة واحدة كان من قبل طيب المعدن والعنصر لان قبوله صلاته عليهم بكل معنى فجعل الله سبحانه تلك الصلوات عليهم وقبول ولايتهم سببا لطيب مولدهم وطينتهم وخلقهم بالضم وطهارة لانفسهم لطيب الماء الذي خمرت به طينتهم وهو ماء ولاية ائمتهم عليهم السلام وتزكية لهم لانهم بانقيادهم والتسليم لائمتهم عليهم السلام قبلت اعمالهم على ما هم عليه من المعاصي والذنوب بمجرد عملهم ببعض الطاعات لا يمانهم بالحق واهله وبراءتهم من الباطل واهله وتلك التزكية من قوله تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون وقوله تعالى الا من تاب وعمل صالحا فاولئك يبدل سيئاتهم حسنات وقوله تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين وروى زكريا ابن آدم قال دخلت على ابي الحسن الرضا عليه السلام فقال يا زكرياء بن آدم شيعة على رفع عنهم القلم قلت جعلت فداءك فمن اي العلة في ذلك قال انهم اخروا الى دولة الباطل يخافون على انفسهم واموالهم ويحذرون على امامهم يا زكرياء بن آدم ما احد من شيعة على اصبح صبحة اتى بسيئة وارتكب ذنبا الا امسى وقد ناله غم حط عنه سيئته فكيف يجري عليهم القلم رواه ابراهيم ابن سليمن القطيفي في رسالته في الفرقة الناجية وفيها عن فرات بن احنف قال كنت عند ابي عبد الله عليه السلام اذ دخل رجل من هؤلاء الملاعين فقال والله لاسوءنه في شيعته فقال يا ابا عبد الله اقبل الى فلم يقبل واعاد عليه فلم يقبل فاعاد الثالثة فقال ها انذا مقبل فقل ولن تقول خيرا فقال ان شيعتك يشربون النبيذ فقال وما بأس بالنبيذ اخبرني ابي عن جابر بن عبد الله ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يشربون النبيذ قال ليس اعنيك النبيذ انما اعنيك المسكر فقال شيعتنا ازكى واطهر ان يجري للشيطان في امعائهم رسيس وان فعل ذلك المخذول فيجد ربا رؤفا ونبيا بالاستغفار عطوفا ووليا عند الحوض ولوفا ثم قال له عليه السلام اخبرني ابي عن علي بن الحسين عن ابيه عن علي بن ابي طالب عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئل عن الله تعالى انه قال يا محمد اني حظرت جنة الفردوس على جميع النبيين حتى تدخلها انت وعلي وشيعته الا من اقترف منهم كبيرة فاني ابلوه في ماله او بخوف من سلطانه حتى تلقاه الملائكة بالروح والريحان وانا عليه غير غضبان فيكون ذلك جزاء لما كان منه فهل عند اصحابك هؤلاء شيء من هذا فلم او دع ه
ومن الادلة على قولنا في تعليل تزكية شيعتهم لانهم بانقيادهم الى آخره من الرسالة المذكورة روي ابن عباس زيادة على الحديث الذي رواه ابوهريرة عن النبي صلى الله عليه وآله منها قال ابن عباس فقلت يا رسول الله اوصني فقال عليك بمودة علي بن ابي طالب والذي بعثني بالحق نبيا لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسئله عن حب على وهو تعالى اعلم فان جاء بولايته قبل عمله على ما كان منه وان لم يأت بولايته لم يسئله عن شيء وامر به الى النار ه ومثله ما رواه الصدوق بسنده الى ميسر قال سمعت ابا الحسن الرضا عليه السلام يقول لا يرى منكم في النار اثنان لا والله ولا واحد قال قلت فاين ذا من كتاب الله فامسك هنية قال فانني معه ذات يوم في الطواف اذ قال يا ميسر اليوم اذن لي في جوابك عن مسئلتك كذا قال قلت فاين هو من القرءان قال في سورة الرحمن وهو قول الله عز وجل فيومئذ لا يسئل عن ذنبه منكم انس ولا جان قال ان من قد غيرها ابن اروي وذلك انها حجة عليه وعلى اصحابه ولو لم يكن فيها منكم لسقط عقاب الله عن خلقه اذ لم يسئل عن ذنبه انس ولا جان فلم يعاقب اذا يوم القيمة ه وكفارة لذنوبهم لان قبولهم الولاية دخولهم في الرحمة التي هي تلك الصلوات التي جعلها الله منهم عليهم تزكية لهم فلم تكن في حقيقتهم ظلمة تقتضي مقارفة الذنوب ولكن حين كسروا بعد التكليف الاول ورجعوا الى الطين اصابهم لطخ من مجاورة اهل النار وبذلك اللطخ قارفوا الذنوب ولما كانت هذه الذنوب ليست من حقيقتهم وانما هي من لطخ طينة اعداء ائمتهم عليهم السلام اقتضت الحكمة ان ترجع تلك الذنوب على اولئك الاعداء لانها من طينتهم كما هو شأن العدل نعم ان ذلك اللطخ انما جاز ان يتعلق بالمؤمن الذي حقيقته من نور مع ان ذلك اللطخ ظلمة لان في المؤمن شيئا من الظلمة وهو الذي تقوم به وجوده وهو وان كان قد استولى عليه نور الوجود بحيث لا يقتضي من نفسه الذنوب الا بمعونة غيره الا انه قد بقيت فيه شائبة الظلمة والسواد فلذا يكون لونه ازرق وهذه الزرقة من لون تلك الظلمة المشوبة بالنور فكان بينه وبين ذلك اللطخ مناسبة فتعلق به اللطخ المقتضي للمعصية فكان ذلك الشيء بضمه الى ذلك اللطخ صالحا للمعصية فكانت هذه الذنوب وقعت بمقتضيين مقتض ذاتي وهو اللطخ ومقتض عرضي وهو ذلك الشيء من المؤمن فما كان من الذاتي رجع الى الكافر وما كان من العرضي رجع الى المؤمن فلما انبسط على المؤمن نور الولاية وتخلله ماء المحبة زال عنه ذلك العرضي لانه كالثوب لما اصابته نجاسة من بول الغير واصابه الماء الجاري زالت عنه النجاسة فرجع الثوب الى اصله من الطهارة وروى الفقيه ابو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة قدس الله روحه في كتابه المسمى بالتمحيص عن عمر النيسابوري قال قلت لابي عبد الله عليه السلام اني لارى من اصحابنا من يرتكب الذنوب الموبقة فقال لي يا عمر لا تشنع على اولياء الله ان ولينا ليرتكب ذنوبا يستحق بها العذاب فيبتليه الله في بدنه بالسقم حتى يمحص عنه الذنوب فان عافاه ابتلاه في ولده فان عافاه ابتلاه في اهله فان عافاه في اهله ابتلاه بجار سوء يؤذيه فان عافاه من بوائق الدهر شدد عليه خروج نفسه حتى يلقاه وهو عنه راض قد اوجب له الجنة ه وعن ابيالصباح الكناني قال كنت انا وزرارة عند ابي عبد الله عليه السلام قال لا يطعم النار من وصف هذا الامر فقال زرارة ان ممن يصف هذا الامر من (ظ) يعمل بالكبائر فقال او ما تدري ما كان ابي يقول في ذلك انه كان يقول اذا ما اصاب المؤمن من تلك الموبقات شيئا ابتلاه الله ببلية في جسده او بخوف يدخله عليه حتى يخرج من الدنيا وقد خرج من ذنوبه ه والاحاديث في ذلك كثيرة وانما كان طهر المؤمن من الذنوب بالبلايا لان البلايا قسمان قسم بلاء حسن وقسم بلاء سوء فالاول هو الذي به يبتلي الله المؤمن قال تعالى وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا وهو التمحيص والتخليص من الذنوب وانما يجد المؤمن المه لان الذنوب من فيح جهنم فاذا انفصلت عنه تألم بالانفصال بعد الاتصال به للزومها له فهي كالجزء من صفته او منه وانما لم يتألم بها قبل التوبة منها او الابتلاء بسببها لانه قبل ذلك حال الاتصال كانت كالجزء منه والشيء لا يتألم بجزئه وانما يتألم بانفصاله منه وعليه تأويل ما روي ان من يخرج من النار يتألمون بها عند خروجهم منها وقد تقدم في بيان سعد من والاكم ان البلاء منه سعادة المؤمن وانه من ولاية ال محمد صلى الله عليه وآله والصلوة عليهم من ولايتهم فظهر لك سر انه سبحانه جعل صلواتنا عليهم وما خصنا به من ولايتهم كفارة لذنوبنا ان جعلنا ان البلاء هو المكفر لان الولاية هي الربوبية والولي يصلح ما هو ولي عليه كل شيء بما يناسبه كما يصلح الصيقل السيف بالصقالة والصائغ الذهب المغشوش بالتصفية وهذا للسيف والذهب من البلاء الحسن وهو من تدبير الولي لما هو ولي عليه لان الولي له ربوبية على ما هو ولي عليه فهو له فلذا قلنا ان هذا البلاء للمؤمن من ولايتهم فلذا يكفر الذنوب اما انه عليه السلام مع ما ابطن اظهر فانه قال وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولا يتكم طيبا لخلقنا وطهارة لا نفسنا وتزكية لنا فابطن فيها ثم اظهر فقال وكفارة لذنوبنا فبناء على ان ذنوب شيعتهم تكفرها البلايا في الدنيا كما تقدم في الاحاديث لانهم عليهم السلام فسروا ذلك التكفير بالبلايا في الدنيا وهذا المعنى ظاهر في ظواهر احاديثهم وفي بواطنها ان حبهم وولايتهم تكفر الذنوب والسر في ذلك ان حبهم وولايتهم نور من كل ظلمة وحيوة من كل موت وطهر من كل دنس ورجس وشفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين فاذا تفضل الله بهما على عبد كان منيرا ظاهره ببعض الاعمال الصالحات وباطنه بحسن الاعتقاد والاقتصاد والسداد فاذا وقعت منه سيئة فلم تصدر من قلبه بل وقعت منه وقلبه منكر عليه فتكون مجتثة ليست متأصلة فيه مع تأصل النور فيه لانه خلق من طينة ائمتهم وهي نور ومن ماء ولايتهم وهو نور وحين خاطبهم في الذر اجابه فغمسه في رحمته وهي نور فالانوار متأصلة فيه ولا نفاد لها وظلمة السيئة مجتثة نافدة لعدم تأصلها وقلتها فاذا وقعت منه وندم عليها استولت عليها تلك الانوار فمحقتها بواسطة الندم لان الندم على فعل السيئة من نور ولايتهم اذ معناها تجديد العهد المأخوذ عليه وكذا عدم الاصرار ومنه عدم العزم على البقاء على المعصية فان تلك الانوار تمحوها كما نقول في النهر الجاري اذا تنجس موضع منه فتغير بالنجاسة فزال التغير بتدافعه فانه يطهر ولا يحتاج الى نزح ما فيه النجاسة الذي هو مثل البلاء للمؤمن الذي يكون مكفرا للسيئة بل تلك الانوار التي اشرنا اليها هي انهار تجري من الكوثر وهي بكثرة جريانها وتدافعها تزيل التغير الذي حدث من المعصية المجتثة فيطهر صاحبها ولا يحتاج الى البلاء الذي هو نزح المتنجس وازالة النجاسة لان حبهم يستهلك الذنوب كما ان الماء الذي له مادة تجري يستهلك النجاسة فلا تحمل خبثا كما هو حكم الكر اذا لم يتغير منه ما لا يبقى بعده كر لم يتغير وكالجاري اذا لم تتغير المادة فالتغير في المؤمن الذي لا يبقي معه كر غير متغير هو ولاية اعدائهم فان من كان كذلك والعياذ بالله كان نجسا لا يطهر اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم واما الذي يبقي معه حال المعصية اصل الايمان الذي هو بمنزلة بقاء كر طاهر يطهر بزوال النجاسة كما مثلنا لان المحب خلقه الله من النور وغمسه في الرحمة فيعود الى الرحمة وفي الكافي بسنده الى ابي عبيدة الحذاء قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن الاستطاعة وقول الناس بها وتلا هذه الاية ولا يزالون الى قوله خلقهم قال يا اباعبيدة الناس مختلفون في اصابة القول وكلهم هالك قال قلت قوله الا من رحم ربك قال هم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله ولذلك خلقهم يقول لطاعة الامام الرحمة التي يقول ورحمتي وسعت كل شيء يقول علم الامام وسع علمه الذي هو من علمه كل شيء ه وامثال ذلك فاذا ابطن الامام عليه السلام في قوله وكفارة لذنوبنا كان مما يريد ما ذكرنا لك
قال عليه السلام : فكنا عنده مسلمين بفضلكم ومعروفين بتصديقنا اياكم
قال الشارح (ره) فكنا عنده في علمه بانا من المصلين عليكم او الموالين لكم او مطلقا مسلمين بالتسليم القلبي الحقيقي بفضلكم على العالمين ومعروفين بتصديقنا اياكم بالامامة والفضيلة وهذه فضيلة لنا يجب علينا شكرها والتحدث بها انتهى
اقول يقول فكنا تفريع على جعله لصلاتنا وما خصنا به الخ وقوله عنده اي في كتابه الحفيظ يعني كنا عنده مكتوبين باسمائنا وصفاتنا في اللوح المحفوظ بانا مسلمون بتشديد اللام اي منقادون لطاعتكم وللاقتداء بكم والولاية لكم والبراءة من اعدائكم ووفقنا لذلك بسبب تفضلكم علينا بما انتم اهله من النور والهداية والنصيحة والدعاء لنا بذلك او بسبب تفضل الله علينا بكم حين جعلنا لكم موالي واتباعا الحمد لله رب العالمين او الباء بمعنى اللام اي منقادين ندين بفضلكم على جميع الخلق وانما خلق خلقه لكم ويؤيد نسخة تشديد اللام قوله بتصديقنا اياكم وعلى نسخة تخفيف اللام يكون المعنى كنا بسبب ما اجراه علينا من فضله مما ذكر سابقا ولاحقا مسلمين منقادين اي يسلم منا الناس لما بنا من العدل والانصاف وعدم التعدي على احد وعدم التجاوز لحدود الله مما امدونا من فضلهم من التأييدات والتوفيقات او يسلم منا رسول الله صلى الله عليه وآله لم نؤذه في اهل بيته ولا احكام شريعته كما في تأويل قوله تعالى واما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين او بمعنى ان من لم يتول ولم يتبرأ ولم يتابع الائمة عليهم السلام في افعالهم واعمالهم واقوالهم ليس بمسلم اي ليس بكامل الايمان الذي هو الاسلام الكامل كما قال تعالى ان الدين عند الله الاسلام او ليس بمسلم بل هو كافر كفر الجاهلية الاولى وانما كنا عند الله مسلمين بفضلهم وانما يقال ان كل من سوى شيعتهم كافر لما روي في كثير من الاخبار مثل ما رواه في الخصال بسنده عن مالك الجهني قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيمة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم من ادعى اماما ليست امامته من الله ومن جحد اماما امامته من عند الله ومن زعم ان لهما في الاسلام نصيبا ه
وقوله (ع) : ومعروفين بتصديقنا اياكم اي معروفين عند الناس بانا اتباعكم وشيعتكم المصدقين لكم فيما قلتم وفعلتم وعملتم او معروفين عند الامم الماضية بذلك او في كتبهم فانها نزلت من السماء بوصف محبيهم ووصف اعدائهم كما اخبر الله تعالى في كتابه بل تؤثرون يعني اعداءهم الحيوة الدنيا اي ولاية الاول وتصديقه اي تسميتهم له بالصديق والاخرة اي ولاية علي عليه السلام لمحبيه خير وابقى فانه عندهم هو الصديق الاكبر والفاروق الاعظم او معروفين عند اهل السماء من الملائكة المستغفرين لشيعتهم ومحبيهم لا يحصى عددهم الا الله روى القمي في قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله الى قوله وذلك هو الفوز العظيم عن ابي عبد الله عليه السلام انه سئل هل الملائكة اكثر ام بنوادم فقال والذي نفسي بيده لملائكة الله في السموات اكثر من عدد التراب في الارض وما في السموات موضع قدم الا وفيها ملك يسبحه ويقدسه ولا في الارض شجرة ولا مدر الا وفيها ملك موكل (ظ) بها يأتي الله كل يوم بعملها وما منهم احد الا ويتقرب كل يوم الى الله بولايتنا اهل البيت ويستغفر لمحبينا ويلعن اعداءنا ويسئل الله ان يرسل عليهم العذاب ارسالا وانما خص عليه السلام ملائكة الارض بهذا مع انه لا يختص بهم فان الله سبحانه يقول الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا الخ وقد قال ابو جعفر عليه السلام والذين يحملون العرش يعني رسول الله صلى الله عليه وآله والاوصياء من بعده يحملون علم الله ومن حوله يعني الملائكة يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا يعني شيعة ال محمد (ص) ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا من ولاية فلان وفلان وبني امية واتبعوا سبيلك اي ولاية ولي الله وقهم عذاب الجحيم الى قوله ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم يعني عليا عليه السلام فذلك صلاحهم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته يعني يوم القيمة وذلك هو الفوز العظيم لمن نجاه الله من هؤلاء يعني ولاية فلان وفلان الحديث وامثال ذلك مما يدل على ان جميع الملائكة يستغفرون لمحبيهم لان السؤال ليس بهذا الصدد وانما هو بصدد كثرتهم وانهم يسبحون الله ويقدسونه وربما اقتضى المقام استغراب ان جميع الملائكة انما تسبيحهم هو الثناء عليهم والاستغفار لشيعتهم بل للثناء على شيعتهم بمثل ما هو مذكور في الايات المذكورة كقوله تابوا واتبعوا سبيلك وكقوله وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم بل قد يقتضي الانكار فاذا كان المقصود لهم من احاديثهم مفرقا فيها خف على الناس من اعدائهم ومن ضعفاء شيعتهم وقول الباقر صلوات الله عليه والذين يحملون العرش يعني رسول الله صلى الله عليه وآله الى اخره لا يراد منه اختصاص الاستغفار للشيعة بمن حول العرش من الملائكة اذا فسر الذين يحملون العرش بمحمد واهل بيته وان كان لو فسر الذين يحملون العرش بالملائكة كانوا من المستغفرين لان ذكره عليه السلام لذلك لبيان باب اعظم وفتح قفل مقفل محكم من العلم وادرج من حول العرش من الملائكة معهم عليهم السلام واخبر ان الذين يحملون العرش على اي تفسير ومن حول العرش يعني ممن دونه الى ما تحت الثرى اذ كل ذلك حول العرش يستغفرون لشيعتهم فان قلت ان عليا عليه السلام داخل في الاوصياء بل هو اولهم واخصهم بذلك وهو السبيل في الاية فيلزم ان يكون المعنى في حقه عليه السلام رب اغفر للذين تابوا واتبعوني وهذا النمط من الخطاب قد يتوحش منه بعض الناس وقد يتخذه بعض الاعداء دليلا للطعن عليه صلوات الله عليه وعلى المذهب قلت هذا المعنى لا بأس به ولا مطعن على المحق ومن وجب عليه تعريف نفسه لتوقف الدعوة والهداية والتوفيق عليه مع ان مثل هؤلاء الذين تجوز عليهم الاعتراض عليه يقنعون ان يقال لهم ان السبيل هو الاسلام والايمان وما امر الله به وان كان يقال لهم ان الاسلام والايمان وما امر الله به لا يتم الا بولايته فانه يكون اخف على نفوسهم على انه يقال ايضا يجوز ان يكون المراد من السبيل هي ولاية محمد واهل بيته عليهم السلام ولا يلزم ان يعني كل واحد منهم ما يخص نفسه بل ما يشترك فيه هو وغيره او ما يخص غيره ولا محذور في شيء مع انا نقول انهم كثيرا ما يستغفرون لشيعتهم ويدعون لهم ولا يكادون يتقون فيه ولا يستترون به واعداؤهم يسمعون ذلك وامثاله ولا يتوهم فيهم احد شيئا لان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم فلا يجد الناقد فيهم ما يكره واما النفوس التي عرقت فيها الوساوس والشياطين فلا عبرة بما يوسوسون به والحاصل ان الذين يحملون العرش مطلقا اي سواء كان المراد بهم الملائكة او الملائكة العالين او محمدا واهل بيته عليه وعليهم السلام وسواء كان المراد بالعرش العرش الاعلى الذي هو المشية فهم عليهم السلام يحملونها لانهم محالها او ما دونه من نحو ما تقدم يستغفرون للشيعة والاخبار مشحونة بذلك فهم معروفون في السماء عند محمد وآله صلى الله عليه وآله وعند العالين من الملائكة وعند المقربين منهم وعند سائرهم وانما كانوا معروفين بتصديقهم ائمتهم واتباعهم او هم معروفون عند الله بذلك التصديق ومعنى كونهم معروفين عند الله انه تعالى ميزهم بما قبلوا مما دعا اليه او من المعرفة التي هي علة المحبة اي محبوبين عنده تعالى او انه سبحانه اعطاهم بتصديقهم محبته والتصديق هنا هو بالصلاح والمعرفة والتصديق بمتابعة الاقوال والاحوال والاعمال والافعال والاعتقاد وبالتسليم لهم والرد اليهم
قال عليه السلام : فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين
قال الشارح (ره) اشرف محل المكرمين وافضل مراتبهم واعلى منازل المقربين من المرسلين وارفع درجات المرسلين وهي درجات نبينا صلى الله عليه وآله فيلزم منه افضليتهم على الانبياء كما ذكره العلامة النيسابوري في تفسير قوله تعالى وانفسنا وانفسكم بانه لا تزال الشيعة قديما وحديثا يستدلون بهذه الاية على افضلية علي عليه السلام على جميع الانبياء عليهم السلام بانه نفس النبي (ص) وهو افضل وقال ويؤيده ما روي عنه (ص) انه قال من اراد ان ينظر الى آدم في علمه والي نوح في عبادته والي ابراهيم في خلته والى موسى في هيبته والى عيسى في زهده والى يحيى في ورعه فلينظر الى علي بن ابي طالب فان فيه سبعين خصلة من خصال الانبياء بان كل واحد منهم امتاز عن سائرهم بخصلة واحدة بهذه الخصال فمن اجتمع فيه جميعها فهو افضل والاخبار عندنا متواترة بذلك في جميع الائمة (ع) انتهى
اقول قوله عليه السلام فبلغ الله بكم يجوز فيه معنيان احدهما ما ذكره الشارح (ره) من ان الله تعالى بلغهم عليهم السلام اشرف محل المكرمين الخ فتكون الباء زائدة على هذا الوجه وهو وان كان بعيدا عن مفاد هذا الكلام الا انه محتمل على بعد اما انه محتمل فلانه يجوز ان يكون معطوفا على قوله خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين فرتب على خلقهم وجعلهم محدقين بعرشه ان بلغهم سبحانه من جزيل فضله ما الحقهم بمقام نبيه محمد صلى الله عليه وآله الذي هو اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين على الحقيقة لان هذا الاشرف والاعلى والارفع متفاوت المراتب والحقيقي منها مرتبة محمد صلى الله عليه وآله واما انه على بعد فلانه عليه السلام انما ذكر هذا لانه جعله غاية لطاعتهم والاقتداء بهم والولاية لهم والبراءة من اعدائهم وهو قوله عليه السلام وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيبا لخلقنا الخ بمعنى ان الله سبحانه وتعالى بلغ بهم محبيهم الدرجات الرفيعة كما يأتي وثانيهما ان المراد انه سبحانه حين جعل الصلوات عليهم والولاية لهم طيبا لخلق محبيهم المصلين عليهم المتوالين بهم وطهارة لانفسهم وتزكية لهم وكفارة لذنوبهم حتى قبل من شيعتهم القليل من اعمالهم واثابهم عليه الجزيل من ثوابه فقال تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون بلغ بهم اشرف محل المكرمين الخ ثم لما كان تبليغ الله سبحانه لعباده المؤمنين المتوالين بهم المحبين لهم اعالي الدرجات انما هو على حسب قيامهم بواجب حق ساداتهم عليهم السلام وطاعتهم ومحبتهم وولايتهم والبراءة من اعدائهم وكانت تلك الاعالي متفاوتة لا تكاد تتناهى في مقامها وجب ان يعتبر فيها باعتبار المبلغين بفتح اللام وباعتبار تلك المراتب في العلو والدنو وفي الذاتي والعرضي وجهان : احدهما ان نقول يراد بالمبلغين بفتح اللام الانبياء والمرسلون بعد محمد وآله صلى الله عليه وآله فانهم مستثنون لانهم اما ان نقول هم المبلغ بهم بفتح اللام من سواهم او هم المبلغون بكسر اللام باذن الله من سواهم ومعنى ان الله سبحانه بلغ الانبياء والمرسلين اعلى الدرجات يعني اعلا درجات التابعية مما لكل واحد من امكانه بان يبلغ الانبياء اعلى درجات النبوة التابعية كل واحد منهم ما يمكن في حقه على حسب قيامه بمقتضى ولايتهم وان يبلغ المرسلين اعلى درجات الرسالة التابعية كل واحد منهم ما يمكن في حقه على حسب قيامه بمقتضي ولايتهم فبلغ بهم وبطاعتهم الانبياء اقصى مراتب الانبياء والمرسلين اقصى مراتب المرسلين والاوصياء اقصى مراتب الاوصياء يعني اقصى ما يقتضيه امكان كل واحد من مقامه بعمله فان كل واحد منهم بلغه الله تعالى بهم ما اقتضاه امكانه من رتب التابعية لانهم اجمعين اتباع محمد وآله صلى الله عليه وآله والمتبوعية في كل مرتبة عالية له ولاهل بيته صلى الله عليه وآله وثانيهما ان يراد بالمبلغين بفتح اللام المؤمنون والصالحون من شيعتهم وتبليغ الله لهم على حسب قابليتهم بمحبة ائمتهم وولايتهم لهم والاقتداء بهم من التابعية فعلى هذا الوجه وهو ان المبلغين بفتح اللام هم المؤمنون والصالحون يكون المراد من قوله اشرف محل المكرمين ان المكرمين هم المؤمنون الخواص والخصيصون وهم الذين اكرمهم باتباع ائمتهم ورفعهم بهم عن مقام من سواهم من سائر خلق الله من الطائع والعاصي لانه جعلهم بذلك مكرمين قد بلغوا ما خلقهم الله له من الخير يعني انه بلغهم ببركة ائمتهم اقصى ما يمكن في حقهم من المراتب العليا وان اريد بالمكرمين اهل العصمة من الانبياء والمرسلين بقرينة عطف مقاميهما على مقامهم كان المراد بالتبليغ الانضمام اليهم والمجاورة لهم وايصالهم الى صفات ما وصله الانبياء والمرسلون واليه الاشارة بقوله تعالى فاولئك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فاشار تعالى هنا الى هذا المعنى المشار اليه بقوله مع وبقوله رفيقا واما التبليغ فيراد منه انه سبحانه بلغ من شاء ما شاء من الدرجات العاليات بمحمد وآله صلى الله عليه وآله او ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله بلغوا من شاؤا ما شاؤا من الدرجات العاليات على حسب ما اقتضته قوابلهم بالله سبحانه كما علمهم وامرهم واذن لهم واعانهم وهو الفعال لما يريد فهو سبحانه هو المبلغ بكسر اللام وحده لا شريك له بهم في الفرضين
قال عليه السلام : حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع
قال الشارح (ره) حيث لا يلحقه لاحق ممن هو دونكم ولا يفوقه فائق منهم على الانبياء كاولي العزم وان فاقوا على غيرهم لا يفوقون عليكم والنبي (ص) وامير المؤمنين (ع) مستثنيان بالاخبار ولا يسبقه سابق في فضيلة من الفضائل عليكم ولا يطمع في ادراكه طامع لانهم يعلمون انها موهبة خاصة من الله تبارك وتعالى بكم لا يمكن الوصول اليها بالسعي والاجتهاد انتهى
اقول يحتمل هذا الكلام معنيين احدهما وهو الظاهر ان الضمير البارز في يلحقه ويفوقه ويسبقه وادراكه يعود الى اشرف محل واعلى منازل وارفع درجات لان المراد به شيء واحد وهذا ظاهر على الوجه الذي ذكره الشارح (ره) وهو الذي قلنا انه بعيد عن مفاد الكلام مع انه يخالف ما اراد هنا ان اريد بمعود الضمير في يلحقه واحد منهم عليهم السلام كما هو محتمل على ما يأتي وان اريد به اشرف واعلى وارفع ارتبط الاول مع الثاني الا ان فيه بعد الاول كما ذكرنا سابقا فعلى ظاهر ما اراد هنا مرتبا على ما ذكر في الاول يكون المعنى ان الله تعالى بلغكم محلا عاليا بحيث لا يلحقه لاحق اي لا يدركه لاحق يعني لا يصل اليه غيرهم او لا يكون محل لاحد غيرهم يساويه في الشرف والرفعة ولا يفوقه فائق اي لا يكون محل ومقام اشرف منه ولا خيرا منه ولا يسبقه مكان سابق باعتبار سبق اهله اياهم ولا يطمع احد اي لا يكون احد يؤهل نفسه لادراك محلهم بل الخلق كلهم يجد كل واحد منهم في نفسه القصور عن ادراكه فلا يطمع فيه طامع ومعنى ادراكه هو ما يراد من يلحقه فلعله اتى بالثاني في الادراك لبيان اللحوق وفي يطمع لانه اخص من يلحق لان لا يلحقه يشمل من طمع وعجز ومن لم يطمع واما لا يطمع فلا يعم ويحتمل ان بينهما عموما وخصوصا من وجه لان بعض من لم يلحق يطمع وبعض من لم يطمع يلحق فتخصص احدهما بالاخر حتى كان المراد من احدهما هو المراد من الاخر وانما اتى بهما ليجمع بين عدم الطمع لظهور القصور من كل احد وعدم اللحوق لا نحطاط كل من سواهم عن ذلك المقام
وثانيهما ان الضمير البارز في يلحقه ويفوقه ويسبقه وادراكه يعود الى الواحد منهم وهذا مبني على ان المبلغ بفتح اللام يراد به محبهم الذي يصلي عليهم ويتوالى بهم الذي جعل الله تعالى صلاته عليهم وما خصه به من ولايتهم طيبا لخلقه وطهارة له الخ كما هو الظاهر كانوا عليهم السلام هم الذين بلغ الله بهم محبهم اشرف محل المكرمين الى آخر الكلام فيحتمل راجحا الا يراد بقوله حيث لا يلحقه اي بمعود الضمائر البارزة ذلك المحل لان ذلك المحل الذي بلغه المحب المذكور يلحقه لاحق ويفوقه فائق ويسبقه سابق ويطمع في ادراكه طامع وانما يراد به الامام عليه السلام الذي هو واحد منهم عليهم السلام فانه حقيقة هو الذي لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع وكلام الشارح (ره) في هذا معلوم لانه ظاهر في هذا حيث يقول كاولي العزم وان فاقوا على غيرهم لا يفوقون عليكم والنبي (ص) وامير المؤمنين (ع) مستثنيان بالاخبار انتهى ويؤيد هذا المعنى الثاني ما بعد هذا من الزيادة من قوله (ع) حتى لا يبقي ملك مقرب الخ وقوله (ره) والنبي (ص) وامير المؤمنين (ع) مستثنيان بالاخبار ليس بجيد لان المراد بهذا المقام او بهذا الولي ما يجتمعون فيه لان لهم حالتين حالة يجتمعون فيها الاربعة عشر المعصوم عليهم السلام وهي ما يحتاج اليه جميع الخلق فانهم فيه سواء لا يزيد احد منهم على احد ولا ينقص وهذه الحالة هي المشار اليها في هذه الزيارة في جميع فقراتها وحالة يزيد بعضهم على بعض وينقص بعضهم عن بعض وفي هذه الحالة لا يختص الاستثناء بالنبي وعلي صلى الله عليهما وآلهما لان مقاماتهم متفاوتة كتفاوتهم فالنبي صلى الله عليه وآله سبقهم ولا يبلغ احد منهم مقامه وعلي عليه السلام بعد النبي (ص) سبقهم ولا يبلغ احد منهم بعد النبي (ص) مقامه وكذلك الحسن بعد علي ثم الحسين ثم القائم ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة عليهم اجمعين صلوات الله وسلامه وهذه الحالة ليست مرادة هنا فلا يتجه استثناؤه والا توجه استثناء آخر ايضا وآخر ويحتمل مرجوحا انه اراد بمعود الضمائر محلهم العالي المذكور وان قوله لا يفوقون عليكم مجاز اي لا تفوق محالهم على محلكم وانما جعلناه مرجوحا مع انه هو الظاهر من كلامه السابق حيث جعلهم هم الذين بلغهم الله اشرف محل المكرمين الخ لان الظاهر من كلامه الاخير الذي نحن بصدده انه هو المعنى الذي جعلناه راجحا بدليل قوله وان فاقوا على غيرهم لا يفوقون عليكم اذ الاصل في الاستعمال الحقيقة وقولهم ان الاستعمال اعم من الحقيقة احتمال مرجوح لا يخرج عن الاصل ما لم يكن راجحا او مساويا واحتمال انه اراد لا يدفع الايراد
ثم انا قد اشرنا سابقا ان هذا المحل الذي لا يلحقه لاحق اذا اريد به الذاتي جاز باعتبار ان يراد به الحال به اي الذي بلغه الله ذلك المحل وهو كناية عن تقريبه اليه وباعتبار آخر يراد به مرتبته وهو صفته التي جزاه الله اياها فعلى الاعتبار الاول يجوز ان يراد به المقامات المعبر عنها بانا كما في الحديث القدسي قال تعالى خلقت الاشياء لاجلك وخلقتك لاجلي باطنك انا وظاهرك للفنا ه ونقل في الانجيل قال تعالى اعرف نفسك ايها الانسان تعرف ربك ظاهرك للفنا وباطنك انا ه وان يراد به معانيه سبحانه وعلى الاعتبار الثاني يجوز ان يراد به معانيه بالنسبة الى مقامه او ابوابه بالنسبة الى معانيه واذا اريد به العرضي جاز ان يراد به الذاتي الاضافي فيفيد معنى قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه لانه من المقامات الدنيا والمعاني الجزئية والابواب الخاصة في كل بحسبه وان يراد منه نسبته الى من بلغوا تبعيته من الاتباع لان الحكم العرضي انما هو في نسبتهم اليه لان المراد منها بلوغهم المحل الذي ينسب اليه بالتبعية كما تقدم لانه ذاتي بالنسبة اليهم وهو الاضافي المذكور لا فرق بينهما الا ان الاول اريد فيه من الذاتي الحقيقي عند الاطلاق في رتبة الاتباع هو الذاتي الاضافي لانه يصدق عليه انه لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق الخ لعظيم التوفية منهم عليهم السلام لمحبيهم وكمال التصفية وفي الثاني اريد نسبة الحقيقي اليهم وهي وان كان الواقع منه هو الاضافي الا انه لما اريد المبالغة في الاكرام والترغيب ذكروا الذاتي الحقيقي كما ورد عنهم عليهم السلام في كثير من ترغيباتهم لشيعتهم بان من كان كذا او فعل كذا فهو معنا في درجتنا ولما دل الدليل العقلي والنقلي القطعيان على ان بلوغ الذاتي الحقيقي لغيرهم مستحيل وجب ان يصار الى اقرب مثال وصفة يمكن ان يبلغها التابع بحسن اعماله على ما ذكرنا سابقا مكررا فافهم
قال عليه السلام : حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شانكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه وقرب منزلتكم منه
قال الشارح (ره) حتى لا يبقى اي لم يبق احد في عالم الارواح والاجساد الا عرفهم في الكتب المنزلة وعلى السنة الانبياء والمرسلين وصدق مقاعدكم انكم صادقون في هذه المرتبة وانها حقكم كما قال تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر انتهى
اقول قول الشارح (ره) اي لم يبق احد في عالم الارواح والاجساد يوهم حصر تعريفه تعالى لهم عليهم السلام في هذين العالمين وهو رحمه الله مقامه اعلى من ان يقتصر فهمه على حصر تعريف الله اياهم في اهل هذين العالمين فيحتمل انه اقتصر عليهما على جهة التمثيل او جريا على ما تعرفه العوام ويمكن ان يعتذر له بانه اقتصر عليهما لان ما سواهما داخل فيهما اما من باب التبعية او ان كل شيء له روح وجسم بحسبه ولا يختص الجسم بهذا المعروف بل كثيرا ما يقال روح الارواح وذات الذوات ويراد ان الارواح جسم لتلك الروح والذوات جسم لتلك الذات وفيما تقدم في حديث جابر بن يزيد من الكافي عن ابي جعفر عليه السلام قال يا جابر ان الله اول ما خلق خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين فكانوا اشباح نور بين يدي الله قلت وما الاشباح قال ظل النور ابدان نورانية بلا ارواح الحديث فسمى الاشباح وهي مقادير لا مادة تحلها ابدانا والبدن محركة من الجسد ما سوى الرأس كذا في القاموس وفسر الجسد بالجسم وانما سمي بدنا لانه بدن للمادة روحه المادة فهو جسدها ولاجل ان روحه المادة قال عليه السلام ظل النور اي هيئته كما ان الصورة في المرءاة ظل الشاخص وهيئته وهي بدن له فكذلك ما في هذا الحديث والحاصل انه (ره) ان اراد ما اشرنا اليه والا فهو المراد لان الله سبحانه بفضله على جميع خلقه عرف كل شيء مما خلق من حيوان ونبات وجماد من جوهر وعرض مقام محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وآله واخذ عليه الميثاق بالطاعة لهم كما دلت عليه الاخبار ومن ذلك ما تقدم في حديث حمران بن اعين في ذكر عبد الله بن شداد الليثي حين مرض وعاده الحسين عليه السلام فلما دخل من باب الدار طارت الحمي عن الرجل فقال قد رضيت بما اوتيتم به حقا حقا والحمى لتهرب منكم فقال له والله ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لنا يا كباسة قال فاذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول لبيك قال اليس امرك امير المؤمنين عليه السلام الا تقربي الا عدوا او مذنبا لكي يكون كفارة لذنوبه فما بال هذا الحديث فقد نطقت الحمى بلسان عربي مبين حين ناداها الحسين عليه السلام وهي ليست في الظاهر من الجواهر والكلام المسموع منها فعل الاجسام وقد اقسم عليه السلام واخبر انه ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لهم فكيف يأمر الله شيئا بطاعتهم ولم يعرفه مقامهم منه وقد ذكرنا مرارا في هذا الشرح ان الله تعالى خلقهم له وخلق الخلق لهم وان الله سبحانه اشهدهم امر خلقه وكل ذلك وامثاله صريح في انه عز وجل عرف كل شيء اياهم واما ما ذكره عليه السلام فانه جار على المتعارف في الظاهر ويعلم من الادلة الخارجة انه يريد كل شيء لانهم ذكروا في احاديثهم العموم فلا يجوز ان يريد هنا الخصوص لئلا تختلف احاديثهم باطنا وفي الواقع على انه عليه السلام قد اجمل ذلك كله بقوله ولا خلق فيما بين ذلك شهيد اي فيما بين كل ما ذكر من الوسائط والاعراض والفواضل والنسب والاوضاع والاسباب والشروط والموانع والمسببات وهو ما ذكر من الاثني عشر المذكورة وما بينها كالملك المقرب والشيطان المريد فان الملك في الطرف الاعلى من الغيب الجزئي والشيطان المريد في الطرف الاسفل من الغيب الجزئي وما بينهما من ذرات الوجود من الغيب والشهادة من البسائط من الجواهر والاعراض وكالنبي المرسل والجبار العنيد فان النبي المرسل في الطرف الاعلى من النور الجامع والجبار العنيد في الطرف الاسفل من الظلمة الجامعة وما بينهما من ذرات الوجود من الغيب والشهادة من المركبات والكليات من الجواهر والاعراض وكذلك ما بين كل متخالفين من المراتب في الذوات والصفات فانها كلها خلق شهيد يعني اشهده الله معرفتهم باخذ الميثاق عليه لهم كما سمعت من كلام الحسين عليه السلام في شأن الحمي ومما اشرنا اليه حركتك وسكونك ونومك ويقظتك وفرحك وحزنك وضحكك وبكاؤك وشبعك وجوعك وريك وعطشك وصحتك ومرضك ونموك وذبولك وطاعتك ومعصيتك وامثالك وطبايعك واطوارك واوطارك واحوالك ووجودك وعقلك وعلمك وجهلك وموتك وحياتك وكل شيء منك من عين او معنى فانه خلق فيما بين ظاهرك وباطنك واولك وآخرك وذاتك وصفاتك ودنياك وآخرتك شهيد اي اشهده الله معرفتهم واخذ عليه الميثاق لهم بالطاعة وهو تأويل ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وقوله تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وتأويل وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا وقالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها مع قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون
قوله : الا عرفهم جلالة امركم اي لم يبق مما ذكر شيء الا عرفهم عظم امركم اي ولايتكم وسلطانكم والسلطان الذي لهم عليهم السلام هو ما اقامهم فيه من ان الله سبحانه انما خلقهم له لا لانفسهم ولا لغيرهم وهذا المقام اعلى مقاماتهم وخلق ما سواهم لهم وهو معنى انا لله وانا اليه راجعون في حقهم لانهم خلقهم له عز وجل وفي حقنا لانه تعالى خلقنا لهم ومن خلقهم لهم حقيقة فهم له بعين تلك الحقيقة لانهم له تعالى وحين خلق ما سواهم اشهدهم خلقهم كما اشهدهم خلق انفسهم اي ان اشهاده تعالى لهم خلق خلقه فرع وصفة لاشهاده تعالى لهم خلق انفسهم وهو سر التشبيه في قولنا كما اشهدهم وانهي تعالى اليهم علم خلقه وعلم امرهم به في خلقه من صنع وتقدير وتبليغ واداء في التكوينات والتشريعات فترجموا لهم امر الله تعالى على حسب قوابلهم في التكوينين في متقن التدبير في تربيتهم واصلاحهم استنطاقا لهم بما اودع الله سبحانه في حقائقهم من تسبيحه وتهليله وتقديسه وعبادته بطاعتهم والولاية لهم والبراءة من اعدائهم وبمحبتهم والتسليم لهم والرد اليهم ونشر فضائلهم وبث مدائحهم والثناء عليهم وهو قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده وقولهم عليهم السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وقد ذكرنا هذا المعنى فيما مضى مرارا في المواضع المختلفة تنبيها على اتحادها فتدبر معنى ما اوردته هنا وتفهمه فانك ترى امرا عظيما جليلا كبيرا لا تحتمله عقول اولي الالباب وهذا هو الوصف الظاهر من سلطانهم وامرهم اماسمعت ما قدمنا من قول الصادق عليه السلام ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر فان قلت اذا كان هذا الذي اشرت اليه لا يكاد ان يدركه من لطف حسه وصفي ذهنه وكشف عن عين بصيرته مع انه ظاهر امرهم فشأن باطن امرهم لا يدركه غيرهم وهو كما ذكرت ولكن كيف يصح ان يقال انه لم يبق شيء من خلق الله تعالى كما تضمنه كلامه عليه السلام الا عرفهم جلالة امرهم لان ما اشرت اليه لا يفهمه الا آحاد شيعتهم الخصيصون وهو ظاهر امرهم وقد بينت ان المعرفين بفتح الراء هم جميع الخلق من الحيوانات والنباتات والجمادات من الذوات والصفات الذاتية والفعلية واكثرهم لا يعرفون مما وصفت حرفا واحدا قلت المراد بقوله عليه السلام الا عرفهم جلالة امركم انه تعالى عرف كل شيء جلالة امرهم بان يعرف مما يظهر له من ظاهرهم جلال وعظمة لا يحتمله وهذا المعنى يتساوي فيه جميع من سواهم فان الانبياء والمرسلين يظهر لهم من شأنهم ما لا يحتملونه وليس ذلك منتهاهم ولا جزء من مائة الف جزء وانما يعرفون منه ما يحتملونه وما يحتملون منه الا بقدرهم واليه الاشارة بقوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها وذلك كما تقبل المرءاة من ضوء الشمس والذي احتملوه من شعاعهم هو ما كتبوه في حقائقهم التي هي نفس ذلك المكتوب وكذلك الجمادات ظهر لها من شأنهم ما لا تحتمله لانها انما احتملت من شعاعهم ما كتبوه في حقائقها التي هي نفس ذلك المكتوب وذلك كما يحتمله الحجر من ضوء الشمس فقد عرف سبحانه كل واحد من خلقه جلالة امرهم عليهم السلام على نحو ما اشرنا اليه وكيف لا يعرف مخلوق وهو مخلوق لانه انما خلق بما قبل وانما قبل بما عرف وانما عرف بما قبل فلو لم يعرف لم يقبل ولو لم يقبل لم يخلق والخطر محركة مثل الشيء وعديله ولا يستعمل الا في الشيء الذي له قدر ومزية والشأن الخطب وهو الامر تقع فيه المخاطبة والحال والمراد من عظم الخطر عظم القدر في علو الذات او الصفات على نحو ما اشرنا اليه لان كل احد وكل شيء اراه الله تعالى عظما بكسر العين وفتح الظاء المعجمة من علو ذواتهم لا يقدر على اكتناهه ومن سمو صفاتهم لا يعرف قدره ويراد من كبر الشأن بكسر الكاف وفتح الموحدة انه سبحانه اوصل الى كل شيء تعريفا لشأن ذواتهم وصفاتهم لا ينال احد من معناه الا ما احتملته قابليته من آثار معنى ذلك التعريف ففي الحقيقة نزل التعريف من الله سبحانه لخطرهم وشأنهم على حقيقة ما هما عليه في حقهم فهم قبلوا التعريف كما اراد لم يشركهم في ذلك شيء من خلق الله في شيء من تلك الحقيقة ولاحت اثاره على هياكل ما سواهم على حسب قوابلهم وقوله عليه السلام فيما يأتي موالي لا احصي ثناءكم ولا ابلغ من المدح وصفكم ومن الوصف قدركم حكاية وتعليم لمن سواهم والا فانه عليه السلام يحصي ثناء نفسه وآبائه الستة وابنه العسكري وفاطمة عليهم السلام ومدح وصفهم ووصف قدرهم والباقي يبلغ من كنههم ما اجتمع معهم فيه وما دونه وانما كلامه هنا لغيرهم
وقوله عليه السلام وتمام نوركم يريد به ان نورهم تام ليس فيه في رتبة الامكان نقص والمراد من النور حقائقهم وصفاتهم وافعالهم واعمالهم وكل ما لهم واليهم ومنهم وعنهم وبهم فان قلت كيف لا يكون في نورهم نقص بقول مطلق وقد قلت كما مر ان بعضهم اعلم من بعض وبعضهم افضل من بعض وقد قلت انهم كلهم محتاجون الى المدد من الله تعالى ابدا فهم دائما في الزيادة وذلك يدل على نقص فيهم قبل الزيادة بها تموا وقبل الزيادة الثانية هم ناقصون وبها تموا وهكذا فلا يفارقهم النقص قلت مرادنا بنفي النقص في وجوه احدها انهم في كل مقام تامون قبل الزيادة وبعدها لانهم قبل الزيادة الجديدة لم يكن شيء ينبغي ان يكون لهم فلا يكون بل كلما ينبغي فهو حاصل لهم وما لم يحصل قبل حصوله لا ينبغي لتوقفه على اسباب كونه وعينه وقدره وقضائه ولا يراد منهم شيء يتوقف على ما لا ينبغي ليحصل النقص بفقده وفاقد ما لا ينبغي له ليس ناقصا بسبب فقده وثانيها ان الزيادة المتجددة ليست للتتميم ليكونوا قبلها ناقصين وانما هي للتكميل والزيادة للتكميل لا تستلزم النقص قبلها وان فرض في مراتب الكمال لا ينافي التمام لان التمام راجع الى الذات والتكميل راجع الى الصفات وثالثها ان التمام المذكور اضافي اي بالنسبة الى من دونهم من سائر الخلق فانهم لم يجعلهم الله اولياء على ما خلق وابوابا لاحكام سلطانه وفيهم نقص عما يراد منهم فعله او تبليغه او اداؤه وان قلنا بتفاوت ما بين حالتيهم قبل الزيادة وبعدها ورابعها ان المراد بقولنا ليس فيه في رتبة الامكان نقص ان ذلك النور التام ليس فيه في رتبة الامكان المساوي الذي تساوي فيه الوجود والعدم وهو مقام الكون اي المشاء مشية الكون لانه في هذه تام ليس فيه نقص والا لظهر النقص في ما تحته من آثاره وافعاله فلما وجدنا افعاله ومصنوعاته وآثار افعاله وصفاته سبحانه وتعالى ليس فيها نقص في شيء بل هي محكمة في غاية الاتقان وكمال الصنع قطعنا بان عللها التي هي العلة المادية والعلة الصورية والعلة الغائية بل ما هو فوق ذلك وكل ذلك هم عليهم السلام ومنهم وما تترتب عليه يجب ان تكون تامة بل اتم من معلولاتها قطعا وتفضل عليها لا اقل من سبعين مثلا وانما كان كذلك لانه سبحانه انما خلق الاشياء على حسب اسبابها وما تترتب عليه وكل ذلك من نورهم ولانريد بالامكان الامكان الراجح الذي هو مظهر البدع والافاضات المخترعة لا من شيء التي لا نهاية لها ولا غاية قال سبحانه ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء اي لا يحيطون بشيء من علمه الذي هو راجح الوجود الا بما شاء اي ان علمه المساوي الوجود وهو المشاء بالمشية الكونية المتعلقة بالاكوان يحيطون به لانهم محل تلك المشية لا المشاء بالمشية الامكانية المتعلقة بالامكان الذي هو محل الرجحان وفي هذه الاية وجه آخر وهو ان المراد بالعلم الذي لا يحيطون بشيء منه هو العلم الواجب الذي هو ذاته سبحانه وتعالى والمحاط به هو العلم المشاء الحادث فعلى هذا الاستثناء منقطع وعلى الاول يحتمل ثلاثة وجوه احدها انه متصل لان العلمين حادثان وثانيها انه منقطع لان الثاني ليس من الاول ولا يطلق عليه حقيقة ولا يدخل في مفهومه الا لفظا بل لا يكاد يتناوله ليحتاج الى اخراج ما لولا الاستثناء لدخل فيه في حال انه لم يكن داخلا في الواقع وانما اتى به لبيان ما يحيطون به وثالثها انه ليس بمتصل ولا منقطع وانه قسم ثالث وانما لم يتعرض له اهل العربية لانهم لا يعرفونه وانما يعرفه من عرف حقيقة هذا المشار اليه فاذا نظر الى ما قرره علماء العربية وجده لا يدخل في واحد منهما ووجب عليه في دليل الحكمة ان يجعله قسما ثالثا كما هو شأن جميع احوال برزخ البرازخ لانه لا يدخل في حكم الوجوب ولا حكم الحدوث ولهذا قال الاكثر منهم بالوجوب وقال اهل العصمة عليهم السلام بالحدوث ودلت اخبارهم باشاراتها على انه لا اول له الا عين ذاته اوجده الله بنفسه ولم يكن قبله شيء الا الازل الحق تعالى ولا معه شيء غيره والله سبحانه بكل شيء محيط وانما اذكر هذه الاشياء وامثالها وان لم اكن بصددها تنبيها لطالب الحكمة على بعض الاسرار الالهية والعلوم المخزونة المكنونة لعله يقرع باب الحكمة على النحو الذي لا يفتح لاحد بابها الا به
واما ان بعضهم اعلم من بعض وافضل من بعض فلا يستلزم نقص المفضول هنا لان المراد بالمفضول هو من لم يوجد في وقت الفاضل ورتبته فاذا وجد ساواه في جميع ما وصل اليه من ربه الا هذا الحرف وهو سبق الوقت والرتبة مثاله اذا كان عندك سراج ثم اشعلت منه سراجا مساويا له في القدر في النور والفتيلة والدهن فانه مساو له والاول وجد قبله والثاني وان ساواه ولكنه اشعل منه فهو افضل من الثاني فهذا مرادنا بذلك وهو قول علي عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء فافهم
واما ان كلهم محتاجون الى المدد فحق ولكن لا يستلزم النقص كما قلنا في الوجه الاول لانه سبحانه لا يمدهم بشيء كان عنده مكون قبل الامداد ليكونوا فاقدين لما يحتاجون اليه لوجوده في رتبة اعلى من رتبتهم فينزل عليهم وانما يوجد الله سبحانه الامداد في ظهوره عليهم كما توجد الشمس مدد نورها المشرق على الارض في اشراقه على الارض لا قبله لانه لا قابل له غيرها فهو متوقف على وجود الارض توقف ظهور اذ ليس له كون قبل ظهوره عليها الا ترى الى صورتك في المرءاة فانها حين ظهرت في المرءاة تامة لا نقص فيها وتبقى موجودة مدة مقابلتك لها وفي تلك المدة لا تتصور نقصا فيها غير افتقارها اليك مع انها لا تقوم لحظة الا بما تمدها من ظهورك لها بها فهي في كل لحظة طرية جديدة بل في الحقيقة انما تقومت بالمدد تقوم صدور ومع هذا فلا تمدها بما ليس منها ولها بل عدمها لازم لوجودها فما فقد من كونها لحق بامكانها فكمن فيه بعد انخلاع لباس الكون وما وجد لها بالمدد فهو ما كمن في امكانها بعد ما البسته ما نسجت له منه بتعيناته وتشخصاته حلة الكون المناسبة للمستمد فظهر لها على حسب حالها من الوقت والمكان والرتبة والجهة والوضع بمعنييه الاخيرين اعني نسبة الاجزاء بعضها الى بعض ونسبة الاجزاء الى الامور الخارجة ومن الكيف والكم وغير ذلك فاذا عرفت ما اشرنا اليه هنا وسابقا ظهر لك ان الصورة لا تستغني عن المدد لحظة والا لاستغنت ابدا وان المدد كل لحظة جديد ما كان قبل الان وانه لا يكون من غير ما لها ولا منها وان الصورة بذلك نهر مستدير على نفسه يعني كرة مجوفة تدور على وجه ظهورك بها لها لا الى جهة فاذا عرفت هذا في الصورة مع انها ابدا ليست ناقصة الا نقص الافتقار الى ظهورك لها بها عرفت انهم عليهم السلام ابدا تامون مع استمرار استمدادهم من فيضه تعالى الاعلى الذي هم به متقومون على نحو ما اشرنا لك به من التمثيل بالمرءاة فتفهم واقرأ وارق
وقوله : وصدق مقاعدكم المقاعد جمع مقعد وهو مكان القعود والمراد بها مراتبهم التي رتبهم الله فيها مثلا رتبهم الله في المقامات يعني ان الله سبحانه وله الحمد كان والا تعين له بل هو كنز مخفي فاول ظهوره فيما احب من تعريفه نفسه بهم وكل ما سوى هذا المقام لا يعرف الا شؤن هذا المقام وهو الذي عناه الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب في قوله ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك وهو قول النبي صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقول علي عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وذلك لان اول هذه المقامات واشرفها مقام النبي صلى الله عليه وآله فهو اعرف الخلق بالله سبحانه فيعرفون اي الخلق المعبود جل وعلا بصفات الصفات وهي صفات افعاله وصفات مظاهره واما هم صلوات الله عليهم فيعرفونه تعالى بهذه الصفات والمظاهر انفسها لانهم انفسها وليس في الامكان معرفة اعلى من هذه ولم يتعرف تعالى بمقام اعلى منه ولهذا قال في دعاء شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك والمراد من المستثنى هو المراد من المستثنى منه وانما ذكر الضمير في المستثنيى للبيان بتعريفها بما تظهر فيه آثار الخلق والا فالمراد واحد ولهذا لما اخذ في تبيين المستثنى المنصوص عليه بالعبودية والخلق انث الضمير ليعلم ان المراد منهم تلك بقوله فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك فاذا عرفت هذا المقعد الحق الذي كلما يدعا من دونه هو الباطل عرفت انه في غاية الصدق في الامكان وكيف لا وقد نص عليه الحجة عليه السلام بقوله لا فرق بينك وبينها والمقعد الثاني فيما دون ذلك وهو معانيه التي لا تعرف الا هي ولا يعرف الا بها والمقعد الثالث فيما دون الثاني وهو مقعد الابواب وهم في هذا المشهد سبيل الله الى خلقه وسبيل خلقه اليه والمقعد الرابع فيما دون الثالث وهو كرسي الامامة والقاعد عليه الامام المفترض الطاعة من الخالق سبحانه والحجة على الخلق والمقعد الخامس فيما دون ذلك مقعد الافعال والاعمال ومنها الاداء والتبليغ والصدق في هذه المقاعد وان كان في نفسه مختلفا اختلافا شديدا الا انه يجمعه شيء واحد وهو الصدق مع الله في كل المواطن على حد لا يبلغه من سواهم بحيث لا يفقدهم حيث يحب ولا يجدهم حيث يكره وذلك لان هذا الصدق في هذه المقاعد الخمسة هو ما عناه الصادق عليه السلام وادنى حد الصدق الا يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان ومثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع روحه ان لم ينزع فماذا يصنع وهذا مثال لهم لا لغيرهم فان كان احد من غيرهم بهذه الصفة فانه بنسبة مقامه لم يبلغ غاية الصدق لان ما يدل عليه هذا اللفظ اذا اريد به المفهوم يكون مشككا متفاوت المراتب واما اذا اريد به المعنى فلا يزاحمهم فيه احد
وقوله عليه السلام : وشرف محلكم ومنزلتكم عنده الشرف الرفعة والعلو والقدر والمحل بفتح الحاء المكان وبفتحها وبكسرها المكان والوقت والمنزلة مكان ومكانة ورتبة ووقت فقد عرف كل خلقه علو مكانهم ورفعته وسبق وقتهم وقرب مكانتهم فالمكانة في الامكان كمحدب محدد الجهات في الاجسام والرتبة فيه كالمحدد في الاجسام والوقت فيه من السرمد في المكانة كالزمان في محدب المحدد وفي الرتبة كالزمان في المحدد واما المكان فالمكانة فيه كالمحدب في المكان والرتبة فيه كالمحدد في المكان والوقت في المكان كالمكان في الوقت يعني انهما متساوقان وكل رتبة من احدهما في رتبة مساوقه كما ذكرنا في بعض رسائلنا في الزمان والمكان والجسم فانا بينا ان زمان محدب محدد الجهات في اللطافة كالمحدب وكمكانه وزمان المحدد في اللطافة كالمحدد ومكانه وزمان فلك البروج فيها كفلك البروج ومكانه وزمان السموات السبع في اللطافة مثلها ومثل مكانها بل كل سماء مكانه وزمانه مثله وزمان الارض وسائر الجمادات مثلها ومثل مكانها كذلك فكلما لطف الجسم لطف زمانه ومكانه بنسبة لطافته وكلما كثف كثف فكذلك حكم وقت مراتبهم ومكانها في مقام او ادنى حرفا بحرف لان الامكان الراجح الذي هو مكان الابداع والحقيقة المحمدية وفلك الولاية المطلقة والسرمد الذي هو وقت هذه الثلاثة وهذه الثلاثة كلها من شبه واحد يعني كل مرتبة من واحد منها كمثل مساويها من الاخرين في اللطافة والشرف والرتبة والرفعة
وقوله عليه السلام : وكرامتكم عليه الكرامة بمعنى العزازة اي عدم النظير او قلة النظير لا بمعنى ضد الذل فكرامتهم عليه انهم عنده ليس لهم مثل ولا نظير
وقوله عليه السلام : وخاصتكم لديه اي عنده او ان لدي اخص من عند لان لدي قد تستعمل لاقرب مراتب ما تصدق عليه العند او لأعلي من اعلى مراتب ما تصدق العند لان لدي يقال لما يختص به من دون كل ما سواه كما في قوله عليه السلام وباسمك الذي استقر في ظلك فلا يخرج منك الى غيرك واما عند فلما في ملكه وخزائنه وفي كل ما تحت يده فلدي للاشرف والاقرب فهي اخص من عند فلذا ذكر الخاصة بلدي لا بعند ومعنى خاصتكم لديه انهم له قد استخلصه لهم في القدم من بين سائر الامم كما قال علي عليه السلام في خطبة الغدير والجمعة فيؤل معنى وكرامتكم عليه الى معنى وخاصتكم لديه وبالعكس وقد تقدم بيان ذلك مرارا
وقوله عليه السلام : وقرب منزلتكم منه حتى قال من اطاعهم فقد اطاعني ومن عصاهم فقد عصاني وقال عليه السلام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وذلك لانه سبحانه خلقهم في القرب واقامهم في القرب حتى جعلهم معانيه وابوابه وبيوته ومعرفته وعبادته والثناء عليه كما اشار اليه في الزيارة الجامعة الصغيرة التي اولها السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك ايها النبي المرسل والوصي المرتضى والسيدة الكبرى والسيدة الزهراء والسبطان المنتجبان والاولاد الاعلام والامناء المنتجبون قال في اخرها اشارة الى انهم الثناء عليه يسبح الله باسمائه جميع خلقه والسلام على ارواحكم واجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ه وجعلهم ظاهره في خلقه واسماؤه ( اسماءه ظ ) وصفاته ونعمه وحججه على خلقه ومظاهر صفاته وافعاله في خلقه صلى الله عليهم اجمعين
تم الجزء الثاني من شرح الزيارة الجامعة ويتلوه الجزء الثالث والحمد لله رب العالمين تمت