
قال العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي :
قال عليه السلم : بابي انتم وامي واهلي ومالي واسرتي
اقول بابي اصله معمول ثان لافدي وانتم مفعول اول والمعنى افديكم بابي وامي الخ فكثر استعماله وتداوله على السنتهم في مخاطباتهم فحذفوا افدي اختصارا لظهور معناه لكثرة الاستعمال حتى انتقش في اذهانهم عند ذكر بابي انتم وان لم يقصدوا تصوره وذلك لشدة حرصهم في طلب الاختصار فيقتصرون على اقل ما يدل على المقصود وان لم يكن في المنطوق بل اكتفوا بما كان في محل النطق كدلالة الاقتضاء والتنبيه والاشارة بل بالمفهوم والمجازات والاستعارات واللوازم البعيدة والامثال اذا امكن فهم المخاطب لها ولو بنصب قرينة فلما حذفوه لظهور المعنى تمادى بهم الحال والمداومة على الحذف لكثرة الاستعمال حتى غفلوا عن المعنى الفعلي الملحوظ فيه الحركة لعدم فائدة التجدد للفداء ودعاهم دوام الاستعمال الى دوام حضور الفداء نفسه في خيال المتكلم عند لفظ بابي انتم فاقيم متعلقه الذي هو بابي مقامه في التصدر ولما كان ظرفا كان غير صالح للابتداء الاصطلاحي مع انه المفعول الثاني كان المفعول الاول الذي هو انتم اولى بالابتداء الاصطلاحي لانه اسم ومقدم على بابي رتبة في الاصل فهو اولى برتبته ولما كان انتم لا يصلح لنيابة افدي لانه المفدي جعلوا بابي نائبا عن افدي لانه متعلقه ومعناه فيه ولما جعلوه نائبا عنه لانه الفداء اوجبوا تقديمه لينزل في مرتبة الفعل وكان خبرا لان الخبر مسند الى المبتداء والفداء مسند الى المفدي ولما كان انتم هو المبتدأ البس حلة المبتدأ وصورته لانه كان حين وجود الفعل ضمير المفعول وضمير المفعول ان كان متصلا كان كم وان كان منفصلا كان اياكم وليستا من ضمائر الرفع ليصلح ان يجعل مبتدأ فاتى بضمير الرفع الذي هو بمعناه اي ضمير الجمع المخاطبين لان الصحيح عندي ان الضمائر في الخطاب صورتان وضع الواضع للرفع صورة وهي ان بسكون النون والحقها علامات تميز معودها وهي الف بعد ان للمتكلم وحركت النون لالتقاء الساكنين وتاء مفتوحة للمخاطب المذكر ومكسورة للمخاطبة وتاء وميم والف للمثنى اما التاء فاتى بها لئلا يزيد المفرد على المثنى واما الميم للفرق بينه وبين ضمير المخاطب اذا لحقته الالف الاطلاق واما الالف فللفرق بينه وبين ضمير الجمع وانما خص الالف بالمثنى لانه ضميره في الغائب واما الجمع فلما قلنا في المثنى التاء لئلا يزيد المفرد والميم علامة الجمع وفي المؤنث النون المشددة وللنصب صورة وهي الكاف وحدها للمفرد على الاصل وكسرت للمخاطبة للفرق وفي المثنى بزيادة الميم والالف وفي الجمع بزيادة الميم للمذكرين والنون المشددة للمؤنث لما قلنا في الرفع وكل هذه الملحقات علامات فارقة وليست اصلية وزيد في صورة الانفصال ايا وهي دعامة يعتمد الضمير عليها عند انفراده عن فعله لا اصلية وهنا اختلافات للنحاة هل الضمير ايا وحدها او الكاف وحدها او المجموع وكذلك في ضمائر الرفع والاصح ما قلنا لك فلما عدلوا عن ضمير النصب اتوا بضمير الرفع والمعنى فيهما واحد وانما التغيير لاجل صورة الاعراب لصلوح كل صورة لما هي له لاسباب يطول ذكرها فقيل انتم فالضمير ان وما زاد على ان فعلامات فارقات فكان بابي خبرا مقدما وانتم مبتدأ مؤخرا ولو اخر الخبر على الاصل لما صح الاخبار لفساد المعنى لاجل انقلابه لان صورة انتم بابي تدل على كون المفدي فداء وبالعكس الا بان يقدر خبر يكون بابي معمولا له اي انتم مفديون بابي وتقديم بابي مع نيابته عن العامل المتقدم اعني افدى اولى من اصالة عدم تقديم الخبر للموجب ولفساد المعنى وانقلابه ومن التقدير لزيادة الكلفة فالتزموا التقديم لما سمعت فان قلت لم قدم الاب ثم الام وهكذا قلت لانه اتى بها على جهة الترقي وهو الانتقال من الاقوى الى الاضعف جريا على وفاق الغالب لان الغالب في الاثبات كذلك من الاقوى الى الاضعف وفي النفي من الاضعف الى الاقوى الا ان العكس قد يستعمل وان كان خلاف الاغلب قال الله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم وفي الدعاء ليلة الجمعة من الجمع الاربعين كما رواه ابن طاووس في مهج الدعوات ولا يأخذك نوم ولا سنة والام اضعف من الاب لانها تقتل بالابن ولا يقتل الاب ولاشتراط اذنه في مثل النذر وصوم المندوب دونها على الاشهر ويلزم الابن القضاء عنه ولا يلزم القضاء عنها على المشهور لان الاب اصل للولد والام فرع عليه ولهذا خلق من الاب العصب والعروق والمخ والعظم التي هي اصل الانسان وخلق منها اللحم والدم والشعر والجلد وهي ظاهره وقشره وذلك لان ما منه المادة وما منها الصورة وحديث من ابر قال عليه السلم امك قال ثم من ابر قال امك قال ثم من ابر قال امك قال ثم من ابر قال ابوك ولان الاب مقدم في الوجود والتكليف الاول كما في عالم الذر ولانها خلقت من نفسه اي من فاضل طينة نفسه وانما نسبت الى النفس ولم تنسب الى العقل لقلة ما منه وكثرة ما منها فانها ثلث من العقل وثلثان من النفس والاب بالعكس ومزاجه من الاصل في عقله ونفسه ومزاجها من الفاضل في عقلها ونفسها ووجوب اجابة ابنها لها في الصلوة دون الاب محمول على ملاحظة الضعف وعدم احتمالها ما يحتمله الاب فوجبت الشفقة بها والرأفة وانما قيل بابي انتم ولم يؤخر انتم الى آخر الفداءات للاهتمام والاعتناء بذكر المفدي بالمبادرة اليه ولئلا يتوهم من غفل عن بابي لبعده او يسهو فيجعل انتم خبرا للمذكورات او لما يقاربه منها فاذا وصل الى انتم والتفت الى ما قبله وجد مثلا اهلي ومالي انتم فيكون عنده خبرا وما قبله مبتدأ ويختل المعنى وملاحظة الكلام من اوله لئلا يختل المعنى فيه مشقة وكلفة ومبني اللغة العربية على السهولة والخفة كما هو مشاهد عند الاعلال وتوالي الامثال والتقاء الساكنين وعدم الابتداء بالساكن والتزام المد وغير ذلك فالتزموا التقديم في انتم على غير بابي لما قلنا ولا يلزم احتمال الاستيناف وتوهمه في وامي للفصل بانتم لظهور المعنى وذكر الام بعد الاب قرينة على ارادة التشريك بينهما ولانه لو احتمل الاستيناف كان مبتدأ ولو كان كذلك لوجب ذكر الخبر ولا يجوز حذفه لمعارضة العطف لذلك الاحتمال ولاصالة عدم الحذف وعدم ذكره دليل عدم احتماله وهذه العبارة تستعمل لبذل الحبيب والعزيز وقاية للاحب والاعز بحيث يفنى الحبيب والعزيز من كتاب الرعاية والمحافظة مطلقا كما هنا لعموم الاحاطة وشمولها لجميع الاقتضاءات او في رتبة ما يقتضيه المقام عند توهم محاذرة تغير الاحب والاعز او تبدله مطلقا او عن خصوص صفة الاحبية والاعزية او فنائه عنها او مطلقا مثلا اذا وجدت من ظهر بصفة حسنة قد هان عند ظهورها لك كل جليل وعزيز عندك قلت بابي انت وامي الخ اي افدي تغيرك عن هذه الصفة او تبدلك بغيرها مما لم يستدع ميل قلبي اليها او فناءك او فقدانك باحب الاشياء عندي واعزها علي وهي ابي وامي واهلي اي عشيرتي وذوي قراباتي والزوجات والاولاد والبنات والاصهار ومالي واسرتي بالضم اي رهطي الادنون اي ابذلهم وقاية لك من كل مكروه ومحذور وهذا تستعمله العرب عند الخطاب لمن يحترمون مقامه ويعظمون اكرامه فلما اراد خطابهم بان يشهدوا على ما انطوى عليه من الاعتقاد مما ابرزه باقراره الحتمي على جهة المعاهدة بالعهد المؤكد وكان قد احلهم من قلبه محلا اجل من ان يطلب منهم الشهادة اما لكونهم اجل قدرا من ذلك لعلو مرتبتهم كما كانت عادة المملوك القن الذليل الحقير انه لا يحسن منه ان يقول لسيده العظيم الجليل الشأن العالي المكان الشديد الاركان اشهدك على حسن حالي عندك مع ما يعلم من نفسه من وقوع كثير من التقصيرات في حق سيده ومولاه الاجل واما لعلمه باطلاعهم على حقيقة ما اشهدهم عليه فاستشهاده لهم سوء ادب ولم يكن له استغناء عنهم في حال من الاحوال مع انهم امروا عليهم السلم بذلك وامثاله لان القول عبادة اذا طابق الضمير ولما اراد تعظيمهم والتأدب معهم قبل ان يطلب الشهادة المعلومة بذل اعظم ما يقدر عليه ولم يقدر على شيء اعظم عنده من ان يدعو بان يكون اعز الاشياء عنده وعليه فداء فداء لهم من كل مكروه ومحذور فقال بابي انتم وامي واهلي ومالي واسرتي فان قلت اذا كانت علة جعله ابويه وغيرهما ممن ذكر فداء لهم هي عظم منزلتهم عنده وكبر شأنهم لديه على نحو ما ذكرت فهل يجري ذلك في تعظيم الله سبحانه وتعالى واجلاله لانه تبارك وتعالى شأنه اجل واعظم منهم ومن غيرهم وانما العظم وكبر الشأن بما افاض عليهم من آثار افعاله قلت هو الله سبحانه اجل من ان يساوي واكبر من ان يداني واعز من ان ينسب الى نسبة شيء من خلقه ولكنه لا يصح ذلك القول الا لمن يجوز ان تجري عليه المكاره او التغير او التبدل او الفناء او الفقدان وان لم ير بعض خلقه انه يجده او في حال فهو سبحانه موجود حاضر في كل حال فوجوده حال وجدانه كوجوده حال فقدانه فلا يصح ان يفرض عليه التحول عن حال ليدعا له بان يفدي من ذلك بمن دونه ولا يصح ذلك الا على من يجوز عليه التحول والتغير فلذا فدى من يجوز عليه ذلك
قال عليه السلم : اشهد الله واشهدكم اني مؤمن بكم وبما امنتم به كافر بعدوكم وبما كفرتم به
قال الشارح المجلسي (ره) اشهد الله لما اراد مخاطبتهم بالشهادة فداهم بابيه وامه واشهدكم كما هو المتعارف عند العرب اشهد الله تعالى واياهم بانه مؤمن بهم وبجميع ما امنوا به مجملا وان لم يعلم تفصيله وكافر اي جاحد وعدو لاعدائهم كما قال تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى فانظر الى كلامه تعالى كيف قدم الكفر على الايمان لبيان انه لا يمكن الايمان بدون عداوتهم كما ورد في الاخبار الصحيحة انه من قال اني مؤمن بالائمة عليهم السلم وليس لي شنأن بالمخالفين انه ليس بمؤمن بل هو من اعدائنا فان المحب من يحب اولياء المحبوب ويبغض اعداءه انتهى
اقول قوله اشهد الله واشهدكم اني مؤمن بكم الخ تجديد للعهد المأخوذ منه في التكليف الاول وموافاة منه اشهد الله واشهدهم عليها ليشهدوا له عند السؤال في القبر وعلى الصراط بل ليشهدوا له الشهادة الفعلية بان يكتبوا في قلبه الايمان بنور ولايتهم وفي اعماله قبولها وفي حسناته مضاعفتها وفي سيئاته التجاوز عنها وفي القدر الجاري عليه صرف سوئه وشره وجلب خيره وفي كتاب عداده انه من حزبهم وفي رتبته انه موصول بهم وفي سلوكه انه داخل مدخلهم وخارج مخرجهم وغير ذلك فان هذه وما اشبهها مترتبة على الموافاة وقوله وبما امنتم به يعني اني مؤمن بكم كما انتم عليه في المقامات التي اقامكم الله فيها على نحو ما اشير اليه فيما تقدم وبما امنتم به مما اطلعكم الله عليه مما اراده لكم ولغيركم من الحق من صفاته وافعاله وعبادته ومما انزل من كتبه ووحيه ومن جميع ملائكته ورسله وانبيائه واوليائه واصفيائه من المصطفين واتباعهم ومما اجراه على اعدائه من قدره وقضائه في ذواتهم واعمالهم الى غير ذلك من كل ما شاء واراد وقدر وقضى من مقتضيات فضله وعدله مجملا ومفصلا وقوله كافر بعدوكم يعني به اني جاحد لما يدعيه اعداؤكم من الاولين والاخرين مما ليس لهم او يدعيه لهم مدع من اتباعهم مما اغتصبوه من مقامات غيرهم ومن اموالهم وغير ذلك لا ان المراد اني كافر بوجود عدوكم او بوجود ما صدر منهم من الدعوى او التعدي بمعنى عدم وقوعه لان ذلك لا شك فيه ويجب الايمان به ولا يجوز انكار ذلك وانما الواجب انكاره وجحوده منهم ذلك وهو ما يدعونه وما اغتصبوه وما فعلوه من الاعمال التي لا يرضاها الله سبحانه فاس ولايتهم صلى الله عليهم الايمان ظاهرا وباطنا بما ثبت لهم من الايمان بهم وبما آمنوا به كما تقدم وبما سلب عنهم من الاسماء السوءي بالكفر بعدوهم على نحو ما اشرنا اليه فلهم عليهم السلم صفات ثبوتية وصفات سلبية كما قيل ان لله صفات ثبوتية وصفات سلبية والصفات الثبوتية قسمان صفات ذات وصفات افعال والصفات السلبية ترجع في ظاهر العبارة الى قسمين صفات ذات وصفات افعال اما الصفات الثبوتية الذاتية فهي في حقهم عليهم السلم في كل مرتبة من مراتبهم الاربع نفس الذات فيها واما الثبوتية الافعالية فهي نفس ظهور الذات بها في تلك المرتبة واما السلبية الذاتية فهي نفي ظاهر الاشتراك وظاهر الاشتراك ليس هو الذات ونفيه ليس هو الذات ايضا فلا تكون السلبية نفس الذات وان اطلق عليها الذاتية وان وصفت بها الذات وصفا صناعيا او تعريفيا وقوله تعالى باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب من هذا المعنى الذي اشرنا اليه فان ظاهر الباب اي ما كان وراءه وخلفه ليس هو الباب وان نسب اليه او كان به فانه ليس منه ولا اليه بخلاف باطنه فانه منه واليه واما السلبية الفعلية ففي الظاهر حكمها بالنسبة الى الافعال حكم الذاتية بالنسبة الى الذات بمعنى انها لا تكون صفة الا كما اشرنا اليه بالوصف الصناعي او التعريفي اما في الباطن يعني في نفس الامر فالسلبية الفعلية بحكم الثبوتية الفعلية لان نفي الممكن ممكن كما يقال في الظلمة انها عدم الضوء عما من شأنه ان يكون مضيئا عند من يجعلها عدم النور وهي نفي وقد قال الله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ولا يكون الشيء مجعولا وليس بشيء بل شيء مخلوق ويؤيده ما رواه علي بن يونس بن بهمن قال للرضا عليه السلم جعلت فداك ان اصحابنا اختلفوا فقال في اي شيء اختلفوا فتداخلني من ذلك شيء فلم يحضرني الا ما قلت جعلت فداءك من ذلك ما اختلف فيه زرارة وهشام ابن الحكم فقال زرارة النفي ليس بشيء وليس بمخلوق وقال هشام النفي شيء مخلوق فقال لي قل في هذا بقول هشام ولا تقل بقول زرارة ه وبيانه انك تقول تركت فعل كذا لما لم تفعله لان فعله ممكن لك فتركت ما كان فعله ممكنا لك فقولك تركت وقولي تركت لما لم تفعل وتعبيرنا عن هذا العدم بالفعل الماضي مسندا الى من لم يفعل دليل على حدوث فعل ممن اسند اليه وهو حركة ضميره بالترك وقول امير المؤمنين عليه السلم لابيالاسود والفعل ما دل على حركة المسمى يشمله للاتفاق على ان مثل مات زيد وظن عمرو وسمع بكر ورأى خالد وما اشبهها افعال وانها داخلة في كلامه عليه السلم لانها حركة المسمى كما في مات زيد فقوله كافر بعدوكم صفة سلب وثبوت على نحو ما اشرنا اليه هنا
وقول الشارح (ره) انه لا يمكن الايمان بدون عداوتهم يعني ان الايمان بهم عليهم السلم لا يمكن بدون عداوة اعدائهم وهو صحيح لان الايمان بهم هو الحق وهو لا يجامع الباطل الذي هو ولاية اعدائهم وعدم البراءة منهم وهو قوله تعالى ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم قال القمي ذلك بان الذين اتبعوا الباطل وهم الذين اتبعوا اعداء رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) وقال في قوله وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم عن الصادق عليه السلم قال بما نزل على محمد في علي هكذا نزلت وقال ايضا نزلت في ابي ذر وسلمن وعمار والمقداد لم ينقضوا العهد قال وامنوا بما نزل على محمد (ص) اي ثبتوا علي الولاية التي انزلها الله وهو الحق يعني امير المؤمنين (ع) ه فلما كان عدم البراءة من اعدائهم باطلا كانت البراءة من اعدائهم حقا وهي جزء الولاية لهم عليهم السلم لان البراية حق فاذا لم تنضم اليها البراءة لزمها عدم البراءة وهو الباطل ولا يجتمع الحق مع الباطل ولا يكون جزءا له ولا لازما والمراد بالاتيان بالايمان بهم وٱلكفر بعدوهم لبيان ان الايمان مركب منهما لا ان الايمان هو محبتهم والعمل بقولهم خاصة من دون البراءة من اعدائهم فاذا قلنا البراءة شرط لا يراد بالشرط هنا ما هو خارج عن المشروط الا اذا اريد به السلب على الظاهر او السلب الذاتي وهنا المراد به الفعلي على الباطن كما ذكرنا وقولنا على الباطن اذا لوحظ في الكفر بعدوهم والبراءة منه السلب واذا لم يلاحظ فيه السلب كان جزءا على الظاهر والباطن وظاهر كلام الشارح (ره) ان البراءة من عدوهم شرط في قوله لا يمكن الايمان بدون عداوتهم بقرينة قوله فانظر الى قوله تعالى كيف قدم الكفر على الايمان يعني في قوله فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله وفيه انه لو كان الامر كذلك مرادا لقال عليه السلم اني كافر بعدوكم وبما كفرتم به مؤمن بكم وبما امنتم به وانما يراد به الجمع كما قلنا نعم كلامه يحتمل ما قلنا ولو قيل انه لم يرد بكلامه هذا الاستشهاد على كلامه عليه السلم ليلزم ما فيه قيل لو لم يرد ذلك لما حسن جعله شرحا لكلامه عليه السلم
قال عليه السلم : مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم موال لكم ولاوليائكم مبغض لاعدائكم ومعاد لهم
اي اني مستبصر بشأنكم يعني مستبين له والمراد به المعرفة بشأنهم والشأن الخطب يخبر اني عارف بكم بالمعرفة النورانية يعني عرفت بدليل الحكمة والعيان انكم المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وانكم معادن كلمات الله واركان توحيد الله واياته ومقاماته وبيوت علمه وحكمه وغيبه وحقه وامره وانكم جنبه ويده ولسانه وعينه واذنه وقلبه ووجهه وظاهره وسره وانكم بابه وخزائنه ومفاتح غيبه التي لا يعلمها الا هو وكتابه المبين وصراطه المستقيم وانكم حججه واولياؤه والدعاة اليه وخلفاؤه في ارضه والنذر الاولى والنذر الاخرى والدعاة الى الله والى دينه الذين اوجب محبتهم وفرض طاعتهم وعرفت ايضا بدليل الحكمة والعيان ان من خالفكم هم الضالون عن سبيل الهدى في كل موضع من كتاب الله ذكر الضالين فانما عناهم واتباعهم مثل قوله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وذكر الرحمن هو الولي اي ومن يضعف نور بصيرته عن ولاية الولي بعد ظهور برهانها كالشمس في رابعة النهار او ومن يعرض عن الولي او عن ولايته او ومن يعم على قراءة فتح الشين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون فالسبيل هو الولي او ولايته وقرناؤهم من الشياطين يصدونهم عنه وعن ولايته وهدوهم الى سبيل الغي ويحسبون انهم مهتدون فضلوا عن سبيل النجاة بمخالفة الولي من بعد ما تبين لهم الهدى فالضلالة تستعمل في حق من خالفهم وفي اتباعهم كما ذكر عليه السلم هنا فان المراد بمن خالفهم المضلون لمن تبعهم واقتدى بهم عن سبيل الرشاد الضالون بانفسهم لاعراضهم عن ذكر الرحمن وبصد اتباعهم عنه فهم اهل الضلالة بمخالفتهم سبيل الهدى فان الهدى ان يتبع الحق عليه السلم ويدعو الى اتباعه وهم على العكس قال تعالى ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم فان قلت قوله تعالى ويحسبون انهم مهتدون يدل على انهم لا يعلمون بضلالتهم وانما يظنون انهم على الحق واللازم من هذا عدم ضلالتهم لان الله تعالى يقول وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون قلت انهم انما خلقوا بقبولهم الايجاد وما قبولهم الا موافقة ما امدوا به من الوجود وما امدوا الا بما هو هيئة فعله تعالى وما هيئة فعله تعالى الا صفة رضاه وما صفة رضاه الا اتباع اوليائه وموالاتهم والتسليم لهم والرد اليهم ومحبتهم بالقلب واللسان والجوارح ومعاداة اعدائهم والبراءة منهم فاذا كان كل مخلوق هكذا لانه انما خلقه الله ليعرفه ولا يعرفه الا بما وصف به نفسه له وما وصف نفسه له الا بنفسه ولهذا قال (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه وهم عليهم السلم حقيقة كلما وصف الله نفسه لخلقه من الدرة الى الذرة لانه سبحانه انما وصف نفسه لكل شيء من خلقه بهم عليهم السلم اي بصفة من صفاتهم وجب ان يعرفهم ويعرف حقيتهم كل شيء لان فطرته صفة حقيتهم ثم لما حسدهم اعداؤهم واستكبروا عن طاعتهم التي افترضها الله عليهم وعلى جميع خلقه التوت فطرتهم وتلونت بلون استكبارهم وتقدرت بهيئة حسدهم وعلوهم فكانت لهم صورتان صورة الفطرة التي هي الاجابة وهي الموافقة للوجود الذي هو المدد وبها عرفوا الولاة عليهم السلم وعرفوا حقيتهم وصورة الاستكبار والعلو والحسد التي هي الانكار والجحود وهي المخالفة للوجود الموافقة للماهية التي هي منشأ الشرور وبهذه الصورة انكروا معرفة الولاة وانكروا حقيتهم لان هذه الصورة الخبيثة صورة الباطل ولا توافق شيـٔا من الحق لانها ضده وهي التغير والتبديل المذكوران في قوله تعالى فليغيرن خلق الله وفي قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ولما كانت دواعيها كلها نفسانية دائرة مدار شهوتها كان عملهم بمقتضياتها ولما كانت الاولى دواعيها كلها عقلانية مخالفة لشهوات النفس ومقتضي انيتها الذي حصل به التكبر والعلو والحسد لم يعملوا بمقتضياتها التي هي معرفة الحق واهله وفروعها من الاعمال الصالحات تمكنت في حقائقهم واعمالهم مقتضيات الصورة المغيرة والمبدلة حتى كانت ذاتية لهم من حيث مواظبتهم على مقتضياتها فبصورة الفطرة الاولية عرفوا الحق بموافقته لها معرفة قامت بها عليهم الحجة وكانوا ضالين بمخالفتها وبصورة الاستكبار والعلو والحسد التي لبسوها واستبطنوها بالتغير والتبدل انكروا الحق واتبعوا الباطل وتدينوا به لموافقتها له ومطابقتها اياه حتى ظنوا انهم مهتدون الى طريق النجاة بها فهم في مشاعرهم بين داعيين متنازعين فبداعي الضلالة جحدوا بها وبداعي الهداية استيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وهما معمولان لجحدوا بها لا لاستيقنتها
وقوله : موال لكم ولاوليائكم اي محب لكم ولاوليائكم وصديق وناصر ومتابع بالقلب واللسان والاركان فالمحبة التي تعقد على الاخلاص والمتابعة في القلب بالمتابعة والتسليم لهم والبغض لاعدائهم وفي اللسان والاركان بالاخذ عنهم والاقتداء بهم والمجانبة لمن جانبوا وهذا كله وامثاله حدود فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي هيكل التوحيد كما مر مكررا يعني ان التوحيد له صورة والصورة انما هي الهندسة المشتملة على الحدود كالمثلث المشتمل على ثلاثة خطوط محيطة بسطح والمربع المشتمل على خطوط اربعة محيطة بسطح وهكذا وكذلك الاجسام فانها مواد اكتنفتها خطوط الصور ولا فرق في ذلك بين المعنوية وغيرها مثلا الايمان له حدود كما تقدم حد التصديق بالقلب والاعتقاد فيه بتوطين النفس على القيام بمتعلق مقتضاه من الخدمة والاعمال والاقوال وحد المجاهدة وحد الاخلاص وحد الانقياد وحد التسليم وحد عدم وجدان حرج في النفس فيما اقتضاه ذلك التصديق من الاعمال والاقوال والاحوال وحد الزهد وحد الورع وحد اليقين وحد العلم وحد المعرفة وحد الصلاح وحد المروة وحد الصبر وحد التوكل وحد الثقة بالله وما اشبه ذلك من الحدود كذلك هيكل التوحيد اي صورته التي استقر غيبه فيها لتمامها وكمالها لها حدود منها ما ذكر في حدود الايمان ومنها الاخلاص في تفريد الذات وتجريد الصفات وتوحيد الافعال وقطع الجهات في العبادة وهذا جملة حدود التوحيد لانه من جهة اصول حدوده الكلية له اربعة حدود الاول وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد والثاني ليس كمثله شيء والثالث هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه والرابع فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا واما فروع حدوده فليس في الوجود مما في الوجدان والعيان ولا في الغيب والفقدان شيء يرى قبل الله او بدون الله قال امير المؤمنين عليه السلم ما رأيت شيـٔا الا ورأيت الله قبله او معه ومعنى قوله عليه السلم او معه ليس او للتقسيم بان يكون ما يراه قسمين احدهما يرى الله قبله والاخر يرى الله معه ولا للترديد بان يكون ما يراه مترددا بين الحالين بل المراد شيئان كل منهما مراد احدهما ان يكون المعنى ما رأيت شيـٔا الا وارى الله قبله ومعه ويلزم هذا في حكم المنطوق ومحله وبعده اي يرى الله قبل الشيء ومع الشيء وبعده وثانيهما انه عليه السلم له حالتان حالة المقامات وفي هذه الحالة كل شيء يرى الله قبله اي لا يرى الا الله تعالى وحالة الامام عليه السلم وفي هذه الحال كل شيء يرى الله معه فاو في الوجه الثاني للتقسيم لحال الرائي عليه السلم فانه حالتان ومثل قول امير المؤمنين عليه السلم قول ابنه الحسين عليه السلم في ملحقات دعاء عرفة في المناجاة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاشارة ( الاثار خل ) هي التي تدل عليك الدعاء فاذا فقد حد من حدود التوحيد الكلية الاصلية او الفرعية نقص هيكله وكانت فطرة الله فيها تبديل وخلق الله فيه تغيير وبنسبة هذا التبديل والتغيير تنقص الولاية
وقوله (ع) : مبغض لاعدائكم ومعاد لهم الفقرة الاولى عبارة للركن الايمن من الولاية ( المعبر عنه بالتولي نسخة ) وهذه الفقرة عبارة للركن الايسر من الولاية المعبر عنه بالبراءة ولا ريب في تقابلهما تقابلا عاما فهما معا للتوحيد وللنبوة وللولاية وللشهادتين وللصلوة وللزكوة وللصيام وللحج ولسائر احكام الايمان كاليد اليمنى واليد اليسرى للانسان فان الدين انسان حقيقي معنوي ناطق باللسان العربي يسمع نطقه كل من عرفه ووجوهه متعددة باعتبار قوابله من المكلفين فيختلف في الحسن والقبح والكبر والصغر والتمام والنقص باختلاف قابله بحسب اتصافه به كالوجه اذا قابل المرايا المختلفة في كمها وكيفها واستقامتها واعوجاجها وصفائها وكدورتها وكبرها وصغرها وقربها وبعدها فان صورته المنطبعة فيها مختلفة بسبب ذلك الاختلاف ولكن لا بد من مقابلة الوجه ومن صقالة المرءاة اذ بدون احدهما لا يحصل الانطباق ( الانطباع ظ ل ) في الاتفاق والاختلاف نعم لو حصلت الصقالة وعدم مقابلة الوجه انطبع خلفه وضده كذلك الايمان اذا توجه الى المكلف بالتكليف به انطبع في المكلف وصفه وصورته على حسب استعداده وقابليته كما اشرنا لك به ولو لم يكلف به لم يحصل انطباع لعدم توجه الايمان اليه وعدم حصول القابلية الخاصة التي هي الاستطاعة الفعلية لا العامة التي هي الاستطاعة الامكانية نعم لو حصلت الاستطاعة الخاصة بالتكليف بالايمان الا ان هذا المكلف لم يقبل شيـٔا من الايمان بل قابل التكليف بالانكار والرد انطبع في قابليته خلف الايمان وضده وهو الكفر فاذا فهمت الاشارة والتمثيل ظهر لك ان هذا الانسان الشريف الذي هو باطن الانسان المعلوم ان كان مؤمنا لان الانسان اذا لم يكن مؤمنا كان حيوانا او شيطانا والصورة الانسانية الظاهرة معارة تنتزع منه حدوده هي الانسانية الحقيقية الناطقة وهي وهو مادتها والمكلف كلما نقص من تلك الحدود شيـٔا بتقصيره نقصت صورة ايمانه بما قصر فيه سواء كان من جهة يمين الايمان التي هي الولاية وما يتفرع منها ام من جهة يساره التي هي البراءة وما يتفرع منها فاذا عرفت هذا عرفت ان الفقرة الثانية مع مطابقتها للاولى وتقوم احديهما بالاخرى على عكس الاولى في التعبير وبمعناها في التقدير فيكون معناها مبغض لاعدائكم ولاوليائهم وعدو وخاذل ومخالف بالقلب واللسان والاركان فالبغض لهم يعقد على الاخلاص والمخالفة بالقلب بالمخالفة في الاعتقادات والانكار عليهم وبالمحبة لاعدائهم الذين هم انتم وشيعتكم وفي اللسان والاركان بترك الاخذ عنهم وبالاخذ بخلافهم في الاقوال والافعال والاعمال وبترك الاقتداء بهم والتشبه بهم في الملابس وسائر الاحوال الا لتقية لانها السد الذي ردمتموه بيننا وبينهم وبالموالاة لمن جانبوا وهذا كله وامثاله حدود فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي هيكل التوحيد كما كان في الاولى وليس الاولى خاصة هيكلا تاما للتوحيد ولا هذه ايضا بل هما معا تمام هيكل التوحيد لان الاولى متقومة بالثانية تقوم ظهور والثانية متقومة بالاولى تقوم تحقق لان الاولى هي مادة الايمان من النور والثانية هي صورة الايمان من الرحمة التي هي صبغة الله التي صبغ احباءه المؤمنين فيها وهو قوله تعالى الا من رحم ربك ولذلك خلقهم فالتوحيد الحق ما هدى الله سبحانه اهل محبته اليه وهم الذين خلقهم للجنة وخلق الجنة لهم ولا يتحقق ولا يعرف الا بحدوده التي تعرف بها لاوليائه وهي الاعتراف بالوحدانية والاستقامة عليها بالاعتراف بالنبوة والولاية لاوليائه والبراءة من اعدائه الذين هم اعداء اوليائه وشيعتهم وما يتفرع على هذه الحدود الكلية من جميع جزئياتها واجزائها والى هذا الاشارة بقوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون وفي تفسير القمي ثم استقاموا قال على ولاية امير المؤمنين عليه السلم وفي الكافي عن الصادق عليه السلم قال استقاموا على الائمة واحدا بعد واحد وقال علي عليه السلم في نهجالبلاغة واني متكلم بعدة الله وحجته قال الله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا الاية وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج امره وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ثم لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها فان اهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيمة وروى الطوسي في مجالسه باسناده الى ابيالصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال كنت مع الرضا (ع) لما دخل نيشابور وهو راكب بغلة شهباء وقد خرج علماء نيشابور في استقباله فلما صاروا الى المربعة تعلقوا بلجام بغلته وقالوا يا ابن رسول الله (ص) حدثنا عن ابائك الطاهرين حدثنا عن ابائك صلوات الله عليهم اجمعين فاخرج رأسه من الهودج وعليه مطرف خز قال حدثني ابي موسى بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن علي عن ابيه علي بن الحسين عن ابيه الحسين بن علي سيد شباب اهل الجنة عن امير المؤمنين عن رسول الله (ص) قال اخبرني جبرئل الروح الامين عن الله عز وجل تقدست اسماؤه وجل وجهه قال اني انا الله لا اله الا انا وحدي عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منكم بشهادة الا اله الا الله مخلصا بها انه قد دخل الجنة حصني ومن دخل حصني امن عذابي قالوا يا ابن رسول الله وما اخلاص الشهادة لله قال طاعة الله وطاعة رسوله وولاية اهل بيته عليهم السلم اقول وهذا الذي اشرنا اليه هو التوحيد الخالص الذي اشار اليه عليه السلم بقوله من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة فان المراد بالاخلاص القيام بهذه الشروط التي هي في الحقيقة اركان التوحيد فافهم بل ليس التوحيد الا هذا والى هذا اشار سبحانه بقوله انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون فان المراد بلا اله الا الله ذلك لانه سبحانه قال وقفوهم انهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون واقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا انكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا انا لذائقون فاغويناكم انا كنا غاوين فانهم يومئذ في العذاب مشتركون انا كذلك نفعل بالمجرمين انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون فتدبر سياق الايات وارتباطها بقوله وقفوهم انهم مسئولون فقد ورد من الطرفين ان المراد انهم مسئولون عن ولاية علي بن ابي طالب عليه السلم فمن ذلك ما في الامالي وتفسير القمي قال عن ولاية امير المؤمنين عليه السلم وكذا في عيون الاخبار عنه صلى الله عليه واله وفي العلل عنه عليه السلم انه قال في تفسير هذه الاية قال لا يجاوز عبد قدما حتى يسئل عن اربع عن شبابه فيما ابلاه وعن عمره فيما افناه وعن ماله من اين جمعه وفيما انفقه وعن حبنا اهل البيت وفي السادسة عشرة من مناقب ابن شاذان باسناده عن ابي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول اذا كان يوم القيمة امر الله الملكين يقعدان على الصراط فلا يجوز احد الا ببراءة امير المؤمنين عليه السلم ومن لم تكن له براءة امير المؤمنين عليه السلم اكبه الله على منخريه في النار وذلك قوله تعالى وقفوهم انهم مسئولون قلت فداك ابي وامي يا رسول الله (ص) ما معنى براءة امير المؤمنين قال مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله امير المؤمنين علي بن ابيطالب وصي رسول الله صلى الله عليه واله اقول فحيث لم يأتوا بهذه البراءة اخبر عنهم انهم اذا قيل لا اله الا الله يستكبرون فيدخل في الايات كل من لم يأت بما امر به الا انه اذا تمسك بالاصل المأمور به جاز في الحكمة العفو عن التقصير في بعض فروعه فلا يضره ذلك كما ان من ترك الاصل وتمسك بالضد المنهي عنه لم يجز في الحكمة القبول لشيء مما اتى به من الفروع فلا ينفعه ذلك وقد تقدمت الاشارة الى ذلك
قال عليه السلم : سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم
قال الشارح المجلسي تغمده الله برحمته اني صلح لمن صالحتم اياه بترك الجهاد معهم كما في زمان الغيبة اي لا اجاهد حتى تجاهدوهم او انا محب لشيعتكم وعدو لاعدائكم انتهى
اقول السلم الصلح والطاعة وبمعنى الاستسلام والمحبة والولاية والاسلام والمسالم فعلى معنى الصلح يكون بمعنى المصالح ليستقيم المعنى اي مصالح لمن صالحتم لاقتضاء المفاعلة المشاركة سواء كانت المصالحة بترك الجهاد كما ذكره الشارح ام بمعنى ترك المحاجة ام باستعمال التقية في مواضعها ام بالرضى عمن رضيتم عنه ورضى عنكم كما في بعض شيعتهم على تأويل يطول بيانه وعلى معنى الطاعة اني مطيع لمن اطاعكم وان عصاني لان طاعتكم موجبة لا تضر معها معصية لا تنافيها لان المعصية التي تنافي طاعتهم وطاعة الله هي عداوتهم وبغضهم وكل ما سوى هذه لا تضر مع طاعتهم نعم لو عصاه لانه مطيع لهم لم يكن مطيعا لهم والمراد بطاعة من اطاعهم طاعته فيما لهم او منهم لان المعنى انه مطيع لمن اطاعهم فيما هو طاعة لهم وعلى الاستسلام اني منقاد لمن انقاد لكم فيما لا ينافي مرادكم الذي هو مراد الله وعلى المحبة اني محب لمن احبكم بهوى القلب وثناء اللسان وعمل الاركان وعلى الولاية اني ولي لمن والاكم بالمعاني المذكور في الولي كما تقدم والاسلام كالطاعة والاستسلام والمحبة والولاية وان من سلمتم منه فيما تريدون منه كما سلم منكم فيما يريد الله سبحانه منكم فانا اواليه واصافيه ولا اجانبه ولا اعاديه فهو اي الاسلام كالمسالم وهذه السبعة المعاني في سلم تجري في سالمكم فينضم كل واحد منها في سلم مع كل واحد منها في سالمكم فتكون تسعة واربعين معنى وكل واحد منها يكون بالجنان وباللسان وبالاركان فتكون مائة وسبعة واربعين وينضم الى ذلك الاحتمالات المتعددة فيما تعددت فيه كما ذكرنا بعضها في معنى الصلح ويلاحظ في كل شق منها الحقيقة في حق بعض المسالمين والمجاز في بعض والاغلبية في بعض وامثال ذلك فيشتمل على جميع مراتب الايمان من كون السلم نفس المسالم في ولايتهم عليهم السلم او اخاه او انه تعارف معه عليها وعلى جميع آحاد فروعها ولا يشترط في كونه سلما للمسالم الموافقة في كل شيء مما اشير اليه والا لما وجد ذلك الا في الاربعة عشر المعصوم عليهم السلم كما لا تكفي الموافقة في شيء واحد من ذلك حيثما اتفق والا لما وقع اختلاف بين احد من الخلق والشرط الموافقة في الاصل الاعظم وفي معظم الاشياء بحيث لا يكون جهة المخالفة ارجح او مساوية فافهم وحيث كان المراد من السلم حقيقة الولاية وانما ذكر له وجوها لان هذه الوجوه من المعاني اللغوية للسلم وكلها عند اهل البيت عليهم السلم من الولاية فلذلك ذكرنا كثيرا منها هنا كان قوله عليه السلم وحرب لمن حاربكم يراد به البراءة من اعدائهم على نحو ما تقدم في موافقة الركنية لقوله سلم لمن سالمكم ومخالفة الضدية له والى ذلك الاشارة بقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين فان زللتم يعني عن الدخول في السلم الآية ففي اصول الكافي قال في ولايتنا وفي تفسير علي بن ابراهيم قوله ادخلوا في السلم كافة قال في ولاية امير المؤمنين عليه السلم وفي امالي الشيخ قال الصادق (ع) في ولاية علي بن ابي طالب عليه السلم ولا تتبعوا خطوات الشيطان قال لا تتبعوا غيره وفي تفسير العياشي عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلم الى ان قال اتدري ما السلم قال قلت لا اعلم قال ولاية علي والائمة الاوصياء من بعده قال وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان وعن ابي جعفر وابي عبد الله عليه السلم في هذه الاية قالا امروا بمعرفتنا وعن ابي جعفر عليه السلم قال السلم هم آل محمد صلى الله عليه واله امر الله بالدخول فيه وعن ابي جعفر عن ابيه عليهما السلم هو ولايتنا وقال امير المؤمنين عليه السلم وقد ذكر عترة خاتم النبيين والمرسلين وهم باب السلم فادخلوا في السلم ولا تتبعوا خطوات الشيطان اقول والاحاديث متظافرة في هذه المعنى بان السلم الولاية وخطوات الشيطان ولاية اعدائهم واذا وافقت في الضدية كان المؤمن حربا لاعدائهم بالمجاهدة بالسيف حيث يسوغ وبالمحاجة بالبراهين وبالمداهنة والتقية في مواضعهما وبالاعراض مطلقا الى فتح سد يأجوج ومأجوج او حتى يخوضوا في حديث غيره او بالمغفرة لهم اي عدم الانتقام ليكون الله عز وجل هو الذي ينتقم منهم لانه شديد الانتقام وهو قوله تعالى قل للذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون وايام الله الائمة عليهم السلم اي لا يوالونهم ولا يقتدون بهم واول وقت الانتقام قيام القائم عليه السلم اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وقولي حتى يخوضوا في حديث غيره اشير به الى ان خوضهم في ايات الله عليهم السلم اتخاذ اولياء من دونهم فحينئذ جهادهم قبل قيام ولي الله عليه السلم الاعراض عنهم الى ان يدخلوا في ولاية اخرى كامر معاشهم من بيعهم وشرائهم وزراعتهم وما اشبه ذلك وذلك لان الحديث والقول والكلمة وما اشبه ذلك في التأويل رجال طاهرون وعباد مكرمون كما نطقت به احاديث اهل العصمة عليهم السلم في تأويل كلام الله سبحانه قال تعالى ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون اي امام الى امام عن الكاظم عليه السلم او امام بعد امام عن الصادق عليه السلم وقال تعالى بكلمة منه اسمه المسيح وقال تعالى ما نفدت كلمات الله وقال تعالى لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي وهم الائمة عليهم السلم وقال تعالى الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني الاية وقال تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه واحسن القول هو احسن الحديث في الاية الثانية وهو الكتاب الناطق بالحق في قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق والحاصل ان من عرف التأويل من كلامهم صلى الله عليهم ظهر له ان القرءان يرجع تأويله وباطن تأويله باجمعه فيهم وفي شيعتهم وفي اعدائهم وفي شيعتهم وان كل الخلق اما معهم او مع اعدائهم وان ما اشرنا لك هنا من البيان والتلويح هو من وصف سلم لمن سالمهم حرب لمن حاربهم والله الموفق
قال عليه السلم : محقق لما حققتم مبطل لما ابطلتم
قال الشارح المجلسي (ره) محقق اي اعتقد انه حق او اسعي في بيان انه حق بالادلة كما في الابطال
اقول اني محقق لما حققتم اي اعتقد ان ما اثبتموه ثابت وما ابطلتموه باطل او اعلم ذلك بالادلة القاطعة فالاول متفرع على ما ثبت بالادلة القطعية عقلا ونقلا من انهم عليهم السلم عالمون لا يجهلون ومعصومون لا يكذبون ومسددون لا يخطئون ومؤيدون لا ينزفون وناصحون لا يغشون وحكماء لا يتجاهلون ولا يزهون وذاكرون لا ينسون ومتيقظون لا يغفلون ومتوسمون لا يهملون خلقهم الله له وخلق الخلق لهم واشهدهم خلق انفسهم وخلق كل شيء من خلقه واتخذهم اعضادا لخلقه واشهادا عليهم ومناة لهم واذوادا لهم وحفظة عليهم وروادا لهم وجعلهم محال مشيته والسنة ارادته فلا ينطقون الا عن الله عز وجل ولله وبامره لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فاذا ثبت لهم ما سمعت في حقهم بالادلة القاطعة ثبت ان الحق ما حققوه والباطل ما ابطلوه لا يشك في شيء من اقوالهم واحوالهم وافعالهم واعمالهم من لم يشك فيهم ولا فيما لهم والثاني ان من عرف لهم ما ذكرنا في حقهم اتاه الله علما ونورا وشرح صدره حتى يشاهد الغيب ويعرف الحق حقا كما عرفوه والباطل باطلا بما ابطلوه فان هذا هو الاحسان الذي وعد سبحانه من اتصف به ان يؤتيه العلم قال تعالى ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقال صلى الله عليه واله ليس العلم بكثرة التعلم وانما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء فينشرح فيشاهد الغيب وينفسح فيحتمل البلاء قيل وهل لذلك من علامة قال (ص) التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله وقال الباقر عليه السلم ما من عبد حبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة ه وقد ذكرنا فيما سبق معنى ما اشير اليه في هذا الحديث وغيره من الاخبار المتكثرة من انهم عليهم السلم ابواب الله ومصدر الفيض من خزانته فلا يصل الى احد من الخلق شيء الا بواسطتهم وقد مر مكررا فمن حقق متحققا فبما حققوه له لانهم الادلاء الى كل خير والهداة الى كل صواب وكذلك من ابطل باطلا فانما ابطله بما ابطلوه له والى ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ونا الذي هو ضمير المتكلم ومعه غيره اي هم عليهم السلم معه كما في كلام الصادق عليه السلم في قوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته الاية قال نحن الذين عنده ومعنى معه في الكلام انهم محل كلامه وتراجمته والحاكون عنه او ان نا ضمير المعظم نفسه وهم تلك النفس المتكلمة المحدثة وهم تلك العظمة وهم الصفة وهو الموصوف بهم وصفا فعليا وهم الاسماء وهو المسمى بهم تسمية التعريف والمحبة فتكون المعنى اني باتباعكم والاخذ عنكم والرد اليكم والتسليم لكم والاقتفاء لاثاركم والاهتداء بهداكم والتفويض اليكم في كل شيء محقق لما حققتم مبطل لما ابطلتم اذ ليس لي معرفة ولا علم الا منكم ولا بصيرة الا بكم ولا نور استضيء به في طرق حقائق الاشياء الا ما افدتمونيه من فاضل انواركم كما امركم الله سبحانه والذي حققوه عليهم السلم معرفة الله بما وصف به نفسه وتوحيده بما دلهم عليه ومعرفة ما وصف به نفسه وعرف به من افعاله وعلم من عبادته واتباع اوامره واجتناب نواهيه والاقرار بنبوة الانبياء ووصية الاوصياء عليهم السلم خصوصا نبوة نبينا محمد صلى الله عليه واله ووصية اوصيائه وامامتهم عليهم السلم والايمان بهم والاقرار بفضائلهم والتسليم لهم والرد اليهم والتفويض اليهم في كل شيء من التكاليف والاحوال والاعتقادات وجميع ما يريد الله من جميع خلقه في الدنيا والاخرة وان الله سبحانه اعطاهم عليهم السلم كل شيء وجعل لهم الدنيا والاخرة وقرن طاعتهم بطاعته ومعصيتهم بمعصيته ورضاهم برضاه وسخطهم بسخطه فلا يقبل طاعته من احد من خلقه الا اذا كانت مع طاعتهم وان التكليف تشييد لمجدهم وتأسيس لطاعتهم واظهار لفضائلهم ونشر لممادحهم ودعاء الى سلطانهم وان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم وانهم حجج الله وابوابه وبيوت الله وعينه ووجهه وحكمه وامره وعلمه وخزائنه ومفاتح غيبه وجميع معانيه وظاهره في خلقه وسفراؤه اليهم فيما يجري عليهم من احكام قضائه من خير او شر محبوب او مكروه وان ما انزل سبحانه من كتبه واوامره ونواهيه الى انبيائه ورسله والمستحفظين لدينه واحكامه وما اخبروا به عنه سبحانه مما يريد من عباده مما يتعلق باعمالهم واعتقاداتهم كاحكام تكليفاتهم وحياتهم ومماتهم في الايام الخمسة الذر والدنيا والرجعة والبرزخ والاخرة لم يكن شيء مما ذكر ونحوه ولا شيء من افراده وما يتفرع عليه الا ذكروه وحققوه واشاروا الى دليله عرف ذلك من عرفه وجهل من جهل وانكر من انكر فالمؤمن الثابت الايمان محقق لما حققوه على ثلاثة انحاء مؤمن اعتقد ذلك بالتسليم لهم وهو دليل اجمالي ومؤمن اعتقد ذلك مع التسليم لهم بسماعه ذلك من اقوالهم وارشاداتهم عليهم السلم بحسب مفهومه وقد يسمى دليلا تفصيليا والحق ان هذا التفصيل في صورة الدليل لا في حقيقته ولا في المدلول ومؤمن اعتقد ذلك بعلمه كما اشار اليه سبحانه بقوله ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون والمراد بهذا العلم الخاص انه قرأ الكتاب الكبير الذي كتب فيه القلم بيد الله عليه السلم كما امره عز وجل آياته وامثال ما شاء لما يشاء والكتاب الكبير هو آفاق العالم وكذا الكتاب الصغير وهو الانسان كتب ما كتب في الكبير فلما قرأ فيهما بتبيانهم عليهم السلم وشاهد ما اوقفوه عليه شاهد المدلول في الدليل وفي نفس المدلول والمدلول دليلا وهذا هو التفصيلي حقيقة وصاحب هذه المعرفة هو الذي عنيناه اولا بقولنا الثاني ان من عرف لهم ما ذكرنا في حقهم آتاه الله علما ونورا وشرح صدره حتى يشاهد الغيب ويعرف الحق حقا كما عرفوه الخ هذا في الحق وفي الباطل على هذا حرفا بحرف فقابل هذا بهذا في جميع التفاصيل
قال عليه السلم : مطيع لكم عارف بحقكم مقر بفضلكم
اقول قد تقدم معنى هذه ( هاتين ظاهر ) الفقرتين مفرقا ولا بأس بالاشارة الى مجمل ذلك هنا لان ذكره هنا يكون مجتمعا فيكون ادل ولئلا يحتاج الناظر الى التتبع في المراجعة وقد يحصل عنده بعض هذا الشرح ومطلوبه في البعض الاخر فلا يتم مطلوبه مع ان اعادته كما قال الشاعر :
اعد ذكر نعمان لنا ان ذكره هو المسك ما كررته يتضوع
فاقول قد تقدم فيما ذكرنا ان الله سبحانه خلقهم عليهم السلم له فلا يقع منهم فعل او عمل او قول او اعتقاد حقية حق او بطلان باطل او حركة او سكون الا له تعالى وما له الا ما امر به وما من شيء لشيء او عن شيء او بشيء الا به تعالى فهم عليهم السلم وما منهم وعنهم وبهم ولهم حمده وثناؤه ومعرفته وذكره وآلاؤه ثم خلق خلقه لهم وذلك لتتميم ما له وتكميله فلا يقبل الله سبحانه طاعة شيء من خلقه الا بطاعتهم ولا يقبل شيـٔا من طاعتهم الا له ولم يقبل شيـٔا له من طاعة خلقه الا لهم فليس لهم من الطاعات والاعمال الا ما كان له منهم لانهم عليهم السلم له ولا يكون شيء طاعة له الا ما كان لهم له فقوله مطيع لكم اي لكم لله فاطاعة المؤمن لهم حقيقة ان يعمل لله بكل ما امروا به وان ينتهي لله عن كل ما نهوا عنه وذلك عام في كل حق والنهي عن كل باطل ومن الاول مثلا ان يقول الخمسة ثلاثة واثنان ومن الثاني ان تقول الخمسة اثنان واثنان والى نحو هذا اشار تعالى حكاية عن بعض من عمل بالثاني الم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا ثم ان الطاعة قد تكون صورية بان تكون العبادة مثلا رياء فصورتها طاعة وحقيقتها معصية ولذا قال تعالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله الا قليلا اي مما لم يراؤا فيه او ان ذكر الله في صلاتهم قليل او بصورة صلاتهم او بالذكر والنسيان وقد تكون غير ثابتة بل تكون متزلزلة كمن عبد سمعة فعبادته واقفة بين القبول بنسبتها كما لو مات قبل ان يطلع عليها احدا وبين الرد كما اذا اطلع عليها احدا وكاعتقاد المنافق فانه وان طابق صورته الواقع كما اذا اقر بالحق وربما اثيب عليه بثواب الدنيا بمثل حقن الدماء وتحريم الاموال والدماء ظاهرا وكالتناكح والتوارث الا ان باطنه من ذلك المعتقد غير مطابق للواقع لانه منكر له وهو عالم به فكان في اقراره كاذبا كما قال تعالى حكاية عنهم قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون لان اعتقاد المنافق في الحقيقة رؤية الحق ومعرفته حقا لا الثبات عليه بان يجري على مقتضاه ولو بالعزم لان رؤية الحق ومعرفة كونه حقا لا غير لا يثبت به الايمان الذي هو الثبات على الحق الا باستعمال اركانه الثلاثة كل في محله وهي الاعتقاد الذي هو جزء الايمان كما ذكرنا والاقرار باللسان والعمل بالاركان وفي الخصال عن الصادق عليه السلم في الحديث الطويل والايمان هو معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالاركان فاذا حصلت هذه الثلاثة متطابقة لا يرد على شيء منها وارد من الاخر ينافيه بفعل او عزم تحقق الايمان وقول الاكثر منا انه التصديق القلبي لا غير وان ما ورد عنهم عليهم السلم من انه تصديق بالجنان واقرار باللسان وعمل بالاركان كما هو مذهب المعتزلة وجماعة منا فتوجيه صحته اما بان يراد به اقل ما يتحقق به مصداقه مع اعتبار العزم على الاقرار والعمل والا لكان هو المعرفة الذي هو شرط قيام الحجة على المكلف لانه جحد ما استيقن ومعنى جحوده انه لم يجر على مقتضي استيقانه ولو بالعزم ولهذا قال تعالى في حقهم وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا او ان التصديق اقوى اركانه واعظمها فاذا صدق فقد اتى بمعظم ما طلب منه او لانه مستلزم لهما غالبا او لانهما تصديق لساني واركاني كما انه عمل واقرار قلبي فيشملهما اذا اطلق واما تحققه بهما مع التطابق فهو الايمان الكامل فالتصديق المعري عنهما وعن العزم عليهما ليس ايمانا وقد تكون الطاعة قبول التكليف الوجودي المسمى بالشرعي الوجودي وهو ظاهر الشرعي وهذه في الحقيقة كلها يصدق عليها اسم الطاعة ظاهرا قال تعالى في رجل من المنافقين يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون فوصفه بالايمان لعلمه وقوله مع انه ما امن بالله طرفة عين وكذا ايمان صورته وهذه وامثالها تدخل في اسم الطاعة بوجه لكن لما كانت لا تترتب عليها نجاة مما اريدت للنجاة منه لم تدخل في الطاعة حيث تطلق مع ان ما قد يترتب عليها من الثواب كله او جله انما هو في الدنيا لا يكاد يصل الى البرزخ منه شيء فضلا عن ان يصل الى الاخرة فلا تدخل في الطاعة حيث تطلق نعم لو كان شيء من عمل يترتب عليه ثواب الدنيا لا غير لكنه يترتب عليه النجاة مما اريد للنجاة منه او حصول ما اريد له كالاوامر والنواهي الارشادية امكن دخول الامتثال به في الطاعة في قوله مطيع مثل ما استشار علي بن محمد علان خال الكليني صاحب الزمان عليه السلم في السفر للحج فنهاه عليه السلم فمضى وقتل فانه يصدق على ذلك المعصية وان كان النهي ارشاديا ولو لم يمض صدق عليه انه اطاع الا ان الطاعة يختلف باعتبار مراتب التكليف والمكلفين ولا يبعد ربط هذه الطاعة بقوله عارف بحقكم لان الطاعة باعتبار الاخلاص ومحبة القيام بخدمة الامر تكون على حسب المعرفة بحقه ولهم عليهم السلم في الوجود بحسب ما ندبوا اليه اربع مراتب كما الاولى مرتبة المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وحقهم هنا معرفتهم يعني معرفة الله سبحانه بهم وهو قول الحجة عليه السلم في دعاء شهر رجب يعرفك بها من عرفك وقولهم عليهم السلم من عرفنا عرف الله وقولهم عليهم السلم من لم يعرفنا لم يعرف الله وقول علي عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا الثانية مرتبة المعاني وحقهم معرفة انهم معانيه سبحانه يعني معاني افعاله فهم علمه وقدرته وحكمه وامره وعدله وعينه واذنه ولسانه وقلبه ووجهه ونوره ويده وعضده وكتابه وخزائنه ومفاتح خزائنه وعيبة علمه واسرار غيبه ومحال مشيته والسنة ارادته وصفاته العليا واسماؤه الحسنى وامثاله العليا ونعمه التي لا تحصى الى غير ذلك من معاني افعاله ومظاهر ابداعاته واختراعاته ومعنى معرفة انهم معانيه مشاهدة ذلك في عبادتهم ودعائهم وذكرهم وفكرهم واعتبارهم وفي جميع وجداناتهم ووجوداتهم فيتوجه الداعي الى الله بهم ويخاطبه ويناجيه بهم وهكذا الثالثة مرتبة الابواب ومعرفة حقهم فيها ان يعلم انهم ابواب الله التي منها يؤتى في سائر العبادات والدعوات والمناجاة وطريق قبول الاعمال ومنها يؤتي عباده ما يشاء من خلق ورزق وحيوة وممات في غيبهم وشهادتهم وفي ذواتهم واحوالهم واقوالهم وافعالهم واعمالهم وما منه صادرون واليه صائرون فلا يخرج من الخزائن خارج ولا يصعد اليها صاعد الا منهم وبهم فهذا ومثله من معرفته واعتقاده حقهم عليهم السلم في هذه المرتبة الرابعة مرتبة ظاهر الامامة وحقهم في هذه المرتبة فرض طاعتهم والاقتداء بهم والرد اليهم والاخذ عنهم والتسليم لهم وتفضيلهم على من سواهم وان لا يسوي بهم غيرهم في نسب ولا حسب ولا علم ولا شجاعة ولا كرم ولا تقوى ولا زهد ولا صلاح ولا ديانة ولا عبادة ولا اخلاص ولا قرب منزلة من الله ولا في شيء من محاسن الاحوال والافعال ومكارم الاخلاق لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن ممتحن وان كل ما نسب الى غيرهم من المحاسن والمكارم والصفات الحميدة فانما هو ذرة من تيار متلاطم بحار ما اوتوا من الفضائل كيف وقد سئل يحيي بن اكثم ابا الحسن العالم عليه السلم عن قوله تعالى سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ما هي فقال هي عين الكبريت وعين اليمين وعين البرهوت وعين الطبرية وجمة ما سيدان وجمة افريقية وعين ناجروان ( بلعوران خ ) ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى والحاصل حقهم ان تعتقد انهم اولياء الله على جميع خلقه واوصياء رسول الله صلى الله عليه واله وخلفاؤه على امته والقوام بدينه بعده وحفظة شريعته القائمون مقامه في كل شيء اقامه الله فيه لخلقه ما عدا النبوة فقولي لا يبعد ربط هذه الطاعة بقوله عارف بحقكم لانه اذا لم يعرف حقهم ربما اطاع بما ينافي حقهم فيكون تلك الطاعة معصية لهم وانما قلت لا يبعد لان كلام الامام عليه السلم يراد احد وجوه متعددة او يراد منه وجوه متعددة وقد وردت اثارهم عليهم السلم بما يدل على الارادتين وذلك لانه قد يلاحظ ويقصد احدها اي احد السبعين الوجه كما روي عنهم اما لانه المتعارف فينصرف الاطلاق اليه عرفا او يراد منه الابهام او التعميم ليعلم كل اناس مشربهم ويتيسر كل لما خلق له وينال ما كتب له وغير ذلك فان اريد الاول مثلا اتجه عدم ربط هذه الطاعة بمعرفة الحق وان اريد الاخير تعين الاخير وان اريد الوسط احتمل الربط وعدمه
وقوله عليه السلم مقر بفضلكم يحتمل بناؤه على ما قبله لان من عرف حقهم تبين له انهم لا يساويهم خلق فيلزمه الاعتراف والاقرار بفضلهم ويكون المراد من هذا الفضل ما هو اعم من الظاهر فيدخل فيه الاسرار والفضائل الظاهرة لان بناءه على ما قبله يترتب على المراتب الاربع ويظهر لك ان من فضائلهم ما لا يحتمله سواهم كما هو مقتضى الاولى وبعض الثانية ومنها ما لا يحتمله الا الخصيص من الشيعة الاخص فالاخص كالانبياء والمرسلين والكروبيين وكبعض المؤمنين الممتحنين اولي المدن الحصينة ومن شاؤا عليهم السلم تعليمهم وذلك كالبعض الاخر من الثانية وبعض الثالثة ومنها ما لا يحتمله الا الخواص من الشيعة كبعض الثالثة الاخر وبواطن مقتضى الرابعة ومنها ما يحتمله عوام الشيعة كظواهر مقتضى الرابعة وهذا المقر يعرف من فضلهم بقدر رتبته من الايمان ودرجته من الاحسان هل جزاء الاحسان الا الاحسان وقيمة كل امرء ما يحسنه ورتبته ما يتحقق ويستقر فيه ويستقيم عليه من درجات الايمان ويحتمل عدم بنائه على ما قبله ويكون الاقرار على حسب المعرفة والعزم على الموافاة والادراك وبدون المعرفة والادراك والعزم على الموافاة لا ينفع بل ربما يضر كما تقدمت الاشارة اليه في حق المنافقين نعم لو فقدت المعرفة والادراك لم يتحتم عليه العزم على الموافاة اذا لم يفهم ولم يعزم على عدم الموافاة لجهل او لخبث طينة فاذا فقد هذه الاشياء كفاه التسليم في حفظ اصل ايمانه اذا لم يجد في نفسه المنافاة كما اشار سبحانه اليه بقوله الحق في خطاب وليه الحق وخليفة رسوله المصدق صلى الله عليه واله فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فاذا لم يبن عليه ترجحت ارادة الخصوص من الطاعة لان الاقرار بالفضل من اعظم افرادها لانه اطاعة المرء لعقله فيما دله عليه من هذه الفضائل لان هذه الفضائل آثار افعال الربوبية بتراجمة العبودية في افعال السنة الربوبية وايديها وخلق الله المكلفين فيما فطرهم عليه من صبغته على هيـات تلك الاثار فمن لم يغير البنية ولم يبدل الفطرة لزمه الاقرار بفضائلهم التي هي تلك الاثار وهو لب الطاعة ومخ العبادة لانها هي الثناء على الله تعالى وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره وتمجيده بالسنة ارادته واليه الاشارة بما في الزيارة الجامعة الصغيرة التي رواها في المصباح قال اني لمن القائلين بفضلكم مقر برجعتكم لا انكر لله قدرة ولا ازعم الا ما شاء الله سبحان الله ذي الملك والملكوت يسبح الله باسمائه جميع خلقه والسلام على ارواحكم واجسادكم الخ وهم عليهم السلم اسماؤه الحسنى التي امركم ان تدعوه بها وفي تفسير العياشي عنه عليه السلم اذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله وهو قول الله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها قال نحن والله الاسماء الحسنى الذي لا يقبل الله عملا الا بمعرفتنا ه فتسبيحه تعالى باسمائه موالاتهم والبراءة من اعدائهم والاقرار بفضائلهم واعتقادها وبنقائص اعدائهم واعتقادها والتسليم لهم والرد اليهم وسؤال الله بهم والتسليم والصلوة عليهم وزيارة قبورهم وذكر ممادحهم ومثالب اعدائهم وذكر مصائبهم ورثاهم والبكاء عليهم ولهم وعند ذكر مناقبهم وما خصهم الله به فقد جعل سبحانه ذلك شعار الايمان والخضوع لعرفان الحق من الملك الديان فقال واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وقلت في ذكر فضائلهم ومصائبهم في قصيدة رثيت بها سيد الشهداء عليه وعلى آبائه وابنائه الصلوة والسلام :
فهيهات ما قضيت من شغفي بكم مناي ولا نوحي لكم وانقضى العمر
وقبله :
اهيم ببلواكم اهيم بحبكم ودمعي على الحالين من شغفي غمر
وبالجملة فيما خصصنا به ان الطاعة والاقرار بالفضائل متساويان لان المراد عندنا من الطاعة ليس مخصوصا بما هو المعروف عند العوام والاقرار بالفضائل ليس مقصورا على اللسان بل به وبالجنان وبالاركان وهو تأويل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا وقوله تعالى اولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون والاصل ان المعبود الحق جل وعز انما يدعي ويعبد ويسبح بما امر من اسمائه وهم اسماؤه فانك اذا قلت يا زيد فان المدعو هو الذات المسماة بهذا اللفظ واللفظ هو الاسم هذا اذا كان الاسم اسم ذات ومرتجل فان كان اسم فعل كان الاسم في الحقيقة هو اللفظ ومفهومه والمسمى هو المعنى باللفظ وبمفهومه لان اللفظ ح اسم فعل ومفهومه الفعل وهما اسمان للذات من حيث ظهورها بذلك الفعل الخاص كالقائم اذا جعلناه اسما لزيد فانا نريد باللفظ ما ظهر به زيد من القيام والمفهوم من هذا اللفظ هو ما ظهر به زيد من القيام فلفظ قائم ومعناه اي مفهومه اسمان لزيد من حيث ظهوره بالقيام فهم عليهم السلم اسماء له تعالى من حيث ظهوره تعالى بفعله لما فعل حقائقهم مفهوم الالفاظ التي يدعى بها كما لوحنا لك في المرتبة الثانية وليسوا عليهم السلم اسماء للذات البحت المقصودة بالعبادة لان الذات البحت لم يكن لها اسم يقع عليها واسماؤه الحسنى انما هي لما دل به على نفسه وعن ابن سنان قال سألت ابا الحسن عليه السلم هل كان الله عز وجل عارفا بنفسه قبل ان يخلق الخلق قال نعم قلت يراها ويسمعها قال ما كان محتاجا الى ذلك لانه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ونفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج ان يسمى نفسه ولكنه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانه اذا لم يدع باسمه لم يعرف فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه اعلى الاشياء انتهى فحيث ظهر لك انه سبحانه انما سمي نفسه لغيره وانهم اسماؤه التي تسمى بها لخلقه ليدعوه بها ويعبدوه بها ظهر لك انهم معاني افعاله واوامره ونواهيه ولو عرفت انطوى عليه ما ذكر في المرتبة الثانية رأيت ان جميع التكاليف وهيئات العبادات صفات معانيه وهيئات اوامره ونواهيه عرف من عرف ومن جهل فامامه اليقين ( سجين ظ )
قال عليه السلم : محتمل لعلمكم محتجب بذمتكم معترف بكم
قال الشارح المجلسي (ره) محتمل لعلمكم اي اعلم انه حق وان لم تصل اليه عقولنا محتجب بذمتكم اي مستتر وداخل في الداخلين تحت امانكم او اجعل الدخول في امانكم ما نعا من النار والشياطين كما ورد عن النبي (ص) انه قال الله تعالى محبة علي حصني من دخل حصني امن من عذابي رواه الصدوق وغيره انتهى
وقال السيد نعمت الله الجزائري تغمده الله برحمته في شرح التهذيب محتمل لعلمكم قيل معناه اني ارويه وان لم افهم معانيه اقول يجوز ان يكون اشارة الى ما روي عنهم عليهم السلم علمنا صعب مستصعب لا يحتمله الا نبي مرسل او ملك مقرب او عبد امتحن الله قلبه للايمان ومعناه ح اني مصدق بتفاصيل علومكم وان عندكم علم ما كان وما يكون الى يوم القيمة وكما روي عن امير المؤمنين عليه السلم قال لولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهي قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب محتجب بذمتكم اي احتجب عن شرور الدارين بالدخول في حماكم وجواركم وعهدكم انتهى اقول ظاهر قوله محتمل لعلمكم اني اعلم حقية علمكم عن علم وفهم لان الاحتمال في هذا المقام اغلب ما يستعملونه عليهم السلم في العلم به عن ادراك وان كان علمي لا يسع تفاصيل علمهم وقد يستعملونه هنا بمعنى التسليم فانه يطلق على العلم الراسخ كما قال تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فسمى اهل التسليم راسخين في العلم واثنى عليهم ثانيا فقال وما يذكر الا اولوا الالباب وقد يستعمل في الكتمان والحفظ ومما يدل على الأول قول الصادق عليه السلم ان حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكي وعر لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله قال من شئنا وفي رواية نحن نحتمله ه لان الملك المقرب الخ لا ينكرونه والا لكفروا فليس المراد بنفي الاحتمال الا عدم العلم والفهم ويؤيده ما في الرواية الاخرى من قوله نحن نحتمله لان المراد من احتمالهم لعلمهم فهمهم له وكذلك قال عمير الكوفي معنى حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل فهو ما رويتم ان الله تبارك وتعالى لا يوصف ورسوله لا يوصف والمؤمن لا يوصف فمن احتمل حديثهم فقد حدهم ومن حدهم فقد وصفهم ومن وصفهم بكمالهم فقد احاط بهم وهو اعلم منهم انتهى ومثله ما ورد عن الصادق عليه السلم في تفسيره للحديث الذي فيه لا يحتمله الا ملك مقرب الخ قال (ع) ان من الملائكة مقربين وغير مقربين ومن الانبياء مرسلين وغير مرسلين ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين وان امركم هذا عرض على الملائكة فلم يقر به الا المقربون وعرض على الانبياء فلم يقر به الا المرسلون وعرض على المؤمنين فلم يقر به الا الممتحنون فان قلت ان قولك لان الملك المقرب لا ينكره والا لكفر يشعر بان من انكره فقد كفر ويلزم من هذا ان الملك الغير المقرب والنبي الغير المرسل والمؤمن الغير الممتحن الذين لم يحتملوا ولم يقروا منكرون له قلت ان الانكار لا يكون ولا يتحقق الا بعد المعرفة كما قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون وقال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها فمن لم يحتمل او لم يقبل لا عن معرفة بل عن قصور لا يكون منكرا كما كان ذلك في حق آدم عليه السلم قال تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وفي العلل عنه عليه السلم في حديث واخذ الميثاق على اولي العزم انني ربكم ومحمد رسولي وعلي امير المؤمنين (ع) واوصياؤه من بعده ولاة امري وخزان علمي وان المهدي انتصر به لديني واظهر به دولتي وانتقم به من اعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا اقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم على الاقرار به ( عزم نسخة ) وهو قوله ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال انما هو فترك ه اقول ان الحجة عليه السلم كان حينئذ في بعض احوال الثانية او الاولى ظاهرا به للانبياء عليهم السلم فعرف اولوا العزم ووحدوا واعترفوا بذلك العهد المأخوذ عليهم لمحمد واهل بيته ولما عرض عليهم العهد للقائم عليه السلم وهو في تلك الحال قبل اولوا العزم ووقف آدم فلم يقر لعدم احتماله لحال القائم عليه السلم بالمعنى الاول لعدم فهمه ولم يجحد لعلمه انه عليه السلم من جملة من اقر لهم لانه محتمل لعلمه عليه السلم بالمعنى الثاني فكان عدم احتماله بالمعنى الاول لقصوره فلذا قال (ع) ولم يجحد وقد مرت الاشارة الى انه ما ابتلي احد من الانبياء الا بتقصيره في احتمال علومهم وما هم عليه وكل ما وقع من عدم الاحتمال من احد من شيعتهم فانما هو من المعنى الاول ولا سيما اهل العصمة من شيعتهم واما عدم الاحتمال بالمعنى الثاني فلا يقع من شيعتهم لان ذلك من شعار اعدائهم وما وقعت العقوبة عليه في حق بعض الانبياء عليهم السلم كيونس وايوب ويعقوب واشباههم عليهم السلم مع انه قصور فيهم ولم يجحدوا مع ذلك ليستحقوا العقوبة على عدم تسليمهم فانما هو لاجل سؤالهم عن العلة وعن البيان استعجالا وعدم صبر منهم على شدة البلاء فكان السؤال والاستعجال وعدم الصبر حيث لا يراد منهم منافيا لمقامهم من تحمل ولاية محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وآله وعليهم اجمعين وذلك بحكم حسنات الابرار سيئات المقربين وليس ذلك منافيا للتسليم لانه في الحقيقة انما هو قصور وقد علم بدليل الحكمة ان للقصور عقوبات بنسبة مراتبه يسرع الى اكثرها العفو والتجاوز اذا كانت مشوبة بنوع اختيار لتنسب الى الافعال الاختيارية فتكون دواعيها غير ثابتة الاصل للجهل والقصور بخلاف ما اذا لم تكن مشوبة بالاختيار فانها لاحقة بالافعال الطبيعية الجبلية فانها قد لا يسرع اليها العفو وقد لا يعفي عنها وان كانت في نفسها حقيرة فلاجل ان للقصور عقوبات ابتلي الانبياء عليهم السلم بنسبة قصورهم ولاجل كونه مشوبا بنوع اختيار اسرع العفو اليها لكونها غير ثابتة الاصل في دواعيها وما لم تكن مشوبة كانت طبيعية ثابتة الداعي ومما يدل على الثاني ما ذكر بعده من آية والراسخون في العلم يقولون آمنا به الاية وقد تقدم والاخبار فيه كثيرة ومما يدل على الثالث وهو كون المراد بالاحتمال الكتمان وحفظ السر ما رواه في البصائر عن ابي الحسن عليه السلم في تفسيره انما معناه ان الملك لا يحتمله في جوفه حتى تخرجه ( يخرجه ظ ) الى ملك مثله ولا يحتمله نبي حتى يخرجه الى نبي مثله ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه الى مؤمن مثله انما معناه الا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه الى غيره ه فعلى هذه المعاني يجري قوله محتمل لعلمكم ويكون الزائر بها عند هذه اللفظ يقصد ما هو عليه ان كان عرف نفسه انه من اهل اي مرتبة من المراتب الاربع اما المرتبة الاولى فلهم عليهم السلم لم يشاركهم في حقيقتها احد الا ما يظهر من آياتها على قلوب شيعتهم وحقائقهم فانها حقائقهم ولهم واما الثانية فيعثر بعض خصيصي شيعتهم في بعض معانيها كما جرى على بعض الانبياء عليهم السلم مثل ايوب عليه السلم لما سمع الكلام عند انبعاث المنطق شك وبكى وقال خطب جسيم وامر عظيم وقد ذكر ذلك وقد يثبت في بعض فيقصد احتمال علمهم هذا وان كان من اهل المرتبة الثالثة فكذلك ما عرفه قصد احتماله وكذلك ان كان من اهل الرابعة وما لم يعرفه من كل مرتبة قصد بالاحتمال المعنى الثاني وهو التسليم ويقصده فيما عرف ايضا وليعلم ان ما عرف فبتعليمهم وان ما سلم فيه فبتوفيق الله ببركتهم وبهم وعنهم وان كان من اهل المعنى الثالث وهو انه لا يحتمله اي يقدر على كتمانه حتى يخرجه الى مثله فلا بأس فيه ولا ينافي هذا قوله محتمل لعلمكم لانه يريد به الفهم والتسليم وعدم اخراجه الى من ليس من اهله ثم على المعنى الثالث كما فسره ابوالحسن عليه السلم وقع احتمال اشكال وهو انه اذا ورد هذا الحديث وجب على من سمعه من الاصناف الثلاثة من الملئكة المقربين والانبياء المرسلين والمؤمنين الممتحنين اعلام مثله فان كان هذا المثل اريد منه مطلق انه ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن ممتحن من غير ان يعتبر فيه ما اعتبر في الاول من عدم الكتمان لزم خلاف الظاهر من الخبر لان الظاهر منه ان هذا مقتضى الحديث ولو اريد بعض من هذا النوع لقال ان بعض اولئك لا يحتمله واطلاق الحديث واطلاق حديث تفسيره يقتضي ذلك ويلزم من هذا ان يكون آخرهم يخرجه الى اولهم وهو اول من سمعه واخرجه الى مثله وهو حينئذ لا يحتمله فيخرجه الى مثله وهكذا الى ان لا يبقي لجميع هذه الاصناف الثلاثة وقت ولا عمل ولا حال الا استماع حديث واحد من احاديثهم واسماعه المثل فيشتغلون بحديث واحد عن كل شيء بل على نحو من الاعتبار يقال وعن حديث آخر من احاديثهم مقتض لما اقتضاه الاول فيلزم في غير الاول انه لو فرض استماعه ما حصل اخراجه الى المثل لشغله بالاول وشغل المثل ايضا فيلزم انهم عليهم السلم لم يريدوا بتلك الاوصاف الا حديثا واحدا وكل ما سمعت خلاف المعروف والمتبادر من مرادهم ودفعه هو ان المراد ان الملك المقرب الذي لا يحتمل قد يخرجه الى مثله ملك مقرب يحتمل فيكتمه ولا يخرجه ولو كان غير محتمل اخرجه ولكن مراتب المقربين متفاوتة جدا ودفع ذلك النحو من الاعتبار انه انما يفهم منه انه اذا اخرجه استراح وسكنت سورة الحلاوة على نفس الملك بحيث لو سمعه مرة ثانيا لما اقتضى اخراجه ثانيا لان المثل قد سمعه منه فلا تتوق نفسه الى استماعه ثانيا واذا علم الاول ذلك من الثاني لم تتق نفسه الى اخراجه اليه وليس ابدا اخراج مثل تلك الاحاديث ولو حصل اخراج آخر جرى فيه كما جرى في الاول فلا يلزم شيء مما ذكر مع ان المراد بيان نوع هذه الصفة فقد تلزم في واحد خاصة فيخرجه الى مثله ثم لا يلزم في المثل ذلك وقوله محتجب بذمتكم الاحتجاب الاستتار والمراد ان الائتمام بكم والتسليم لكم والرد اليكم والاعتماد والاتكال على ذلك لانكم باب القدر والقضاء ووسيلة القبول والرضا حصن منيع لا يحاول وملجأ رفيع لا يطاول والذمة والذمام واحد وهو العهد والامان والضمان والحرمة والحق اما على معنى العهد فان الله سبحانه حين خلق الخلق خلقهم على صورة عهده اليهم وهو ما اخذه منهم من مقتضي احكام الولاية المطلقة الكبرى التي ذكرها الله في كتابه فقال فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وقال هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وهي الولاية ظهر بها علي واهل بيته الطاهرين صلى الله على محمد وعليهم اجمعين الله سبحانه اعطاها نبيه صلى الله عليه وآله وهم ظهروا بها وهي لواء الحمد في قوله (ص) اعطيت ثلاثا وشاركني علي فيها اعطيت لواء الحمد وعلي حامله واعطيت الجنة والنار وعلي قسيمهما واعطيت الحوض وعلي ساقيه واعطى علي ثلاثا ولم اعط مثلها اعطى زوجة ولم اعط مثلها واعطى ولدين ولم اعطى مثلهما واعطى حموا ولم اعط مثله ه والحمو بفتح الحاء ابو الزوجة هنا وحين اخذ على الخلق ذلك العهد الذي كرم به وبقبوله عباده الصالحين فقال الست بربكم ومعناه الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم وامامكم والائمة اولياؤكم وائمتكم ومعناه ما مر عليك من معرفة التوحيد وما يتعلق به ونبوة محمد (ص) وما يترتب عليها وامامة الائمة عليه وعليهم السلم وما يتفرع عليها واحوال التكاليف الشرعية والوجودية والعقلية والنفسانية والطبيعية والمادية والمثالية والجسمانية في الدنيا وفي البرزخ وفي الاخرة قالوا بلى فعاهدوه على الوفاء وعاهدهم على حسن الجزاء فقال واوفوا بعهدي اوف بعهدكم فعهده المأخوذ هو ولاية محمد وآله صلى الله عليه وآله وهو اصل الوجود ولب الاسرار وسر الانوار ونور الاقتدار وامر الواحد القهار وكل شيء من الخلق محتاج الى ذلك كل الينا راجعون وكل شيء خائف منه وهم من خشيته مشفقون وكل شيء قائم به ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وكل شيء في قبضته قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون وهو درع الله الحصينة التي يحفظ بها من يشاء ومن دخله كان آمنا من الشيطان وجنوده وكيدهم ومكرهم وخدائعهم وحيلهم واغوائهم وتزيينهم وكل شيء من سلطانهم وهو الذمام المذكور في دعاء الصباح والمساء اصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول من شر كل غاشم وطارق من سائر ما خلقت من خلقك الصامت منهم والناطق في جنة من كل مخوف بلباس سابغة ولاء اهل بيت نبيك محمد صلواتك عليه وعليهم محتجبا من كل قاصد لي باذية بجدار حصين الاخلاص في الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم موقنا بان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم الخ وهذا الذمام ولايتهم عليهم السلم رفيع المكان والمكانة فلا يطاوله شيء منيع حصين لا يحاوله شيء وهو منيع من سائر ما خلق الله من خلقه الصامت والناطق وهو الجنة بضم الجيم اي الدرع الحصينة او المجن بكسر الميم والجيم من كل مخوف اي من كل ما يخاف منه من ذي روح او نبات او جماد او عرض او جوهر او الم او هم او غم او وسواس او خاطر سوء او طبيعة او تخيل او تمثل او تعرض او شيء من الحميات وساير الاوجاع والالام وضربان العروق والارياح والاختلاجات وسوء الاحلام وما يخطر في اليقظة والمنام وما لا يحسن من الكلام في الدنيا والاخرة واللباس السابغة الدرع الظافية التي تشمل جميع البدن ولاء اهل بيت نبيك محمد (ص) ولاء مجرور على البدل من لباس سابغة يبين عليه السلم ان اللباس السابغة التي هي الدرع الظافية الحافظة للابسها من جميع المكاره هي ولاء اهل بيت محمد (ص) وكذا قوله من كل قاصد لي باذية بجدار حصين وهو ولايتهم عليهم السلم الاخلاص بالجر بدل من جدار حصين يبين عليه السلم ان الجدار الحصين هو الاخلاص في الاعتراف بحقهم بان يتولاهم ويقتدي بهم في كل شيء ويجعلهم الوسيلة بينه وبين الله سبحانه في كل شيء وان يكون ذلك كله مشفوعا بالبراءة من اعدائهم متلبسا باللعن لاعدائهم معتقدا ان الله لا يرد عملا على هذه الطريقة ولا يقبل عملا بدون شيء منها وهو قوله والتمسك بحبلهم موقنا بان الحق لهم الخ فلما اخذ من الخلق العهد المؤكد بما سمعت ونحوه على سائر خلقه قال شهدت عليكم بما عاهدتموني وقال يا اوليائي ويا ملائكتي اشهدوا قال محمد صلى الله عليه وآله شهدت لك يا رب بذلك عليهم وقال علي عليه السلم شهدت بذلك وقالت الائمة عليهم السلم شهدنا بذلك وقال الانبياء والمرسلون شهدنا بذلك وقال المؤمنون شهدنا بذلك وقالت الملائكة شهدنا فقال الله حكاية عن نفسه وعن اوليائه وملائكته شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين الايات فقال الله تعالى جريا على جميل عادته وابتداء تفضله ومنه اوفوا بعهدي الذي عاهدتموني عليه بمشهد الشاهدين اوف بعهدكم اي انه اقسم بعزته وجلاله ان من وفي له بعهده اي اتى يوم القيمة مواليا لهم معاديا لاعدائهم انه يقبل عمله وينجيه من النار ويدخله الجنة فقال المجيبون لخطابه المستجيبون لدعوته على لسان نبيه صلى الله عليه وآله حين قال لهم الست بربكم ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيمة انك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض لانه سبحانه وعدهم بالوفاء مع الموافاة واشهد على وعده لهم عباده الصالحين فلذا اخبر عن حال الشيعة المسلمين حين ذكرهم هذا المحضر الشريف قال واذا سمعوا ما انزل الى الرسول يعني ذكر ما اشرنا اليه ذكروا الموقف المكرم ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق بقلوبهم والسنتهم واعمالهم كما جرى منهم في ذلك الموقف ونسوه وذكرهم سبحانه على لسان نبيه واوليائه صلى الله عليه وعليهم يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين الذين اشهدتهم على عهد عبادك لك وعهدك لهم مع الموافاة وانا اقول ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول فاكتبنا مع الشاهدين والحاصل معنى الاحتجاب بذمتهم التي هي عهد الله وعهد خلقه بالموافاة الاحتجاب بالموافاة اي بان تستجيب له سبحانه بان تدخل في عهده بان يستجيب القلب له بما طلب منه واللسان بما دعي اليه والاركان بما امر به فاذا دخل في عهده بهذا الدخول فقد احتجب بذمتهم وامن من كل مخوف لما اشرنا اليه قبل من ان هذه الذمة هي اصل الوجود ولب الاسرار وسر الانوار ونور الاقتدار وامر الواحد القهار الخ ولذلك كانت امنا من كل شيء ولا يؤمن منها شيء وهو يجير ولا يجار ان كنتم تعلمون وقد كررنا هذا المعنى وامثاله في هذا الشرح في مواضع متعددة تأكيدا للبيان وتكريرا عن النسيان واذا فسرت الذمة بالامان الذي هو الحصن من كل مخوف عرفت مما ذكرنا ان الامان المطلق الذي لا يكون معه خوف ابدا انما هو ولايتهم عليهم السلم لانها طاعة الله فيما امر ودعى اليه وخوف مقام الله بما عرف من عظمته وكبريائه وعز جلاله ومن اطاع الله في كل شيء اطاعه كل شيء كما قال تعالى يا عبدي انا اقول للشيء كن فيكون اطعني اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون ومن خاف الله في كل شيء اخاف الله منه كل شيء ولا يراد من ولايتهم حقيقة الا طاعة الله في كل شيء وخوفه في كل شيء فاذا احتجب بذمتهم التي هي طاعة الله في كل ما امر به ظاهرا وباطنا وخوف مقام الله في كل ما نهى عنه ظاهرا وباطنا كان في امان الله وجوار الله وفي بيت الذي من دخله كان آمنا من جميع مكاره الدنيا والاخرة التي فيها سخط الله واما المكاره التي فيها رضى الله فانها محبوبات وانما كرهها المؤمن لعدم علمه الا ترى ان القتل من اعظم المكاره واذ كان في سبيل الله كان محبوبا مطلوبا لكل مؤمن بل هو غاية ما يتمناه فاذا كان في بيت الله الحرام هذا وجرى عليه بعض البلايا التي هي هدية الله الى عبده المؤمن كالفقر وكالقتل ظلما وكموت من يحب وكالامراض لم يكن ذلك مكاره حقيقة انما تجري على المؤمن رفعا لمقامه فان عند الله منازل في رضوانه لا تنال الا بالبلايا في الدنيا وكيف لا يكون المؤمن في حال البلاء آمنا من المكاره وهو في سلامة من دينه لان الله سبحانه اخبر ان من دخل هذا البيت الشريف كان آمنا فقال ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابرهيم ومن دخله كان آمنا وسلامة الدين هي الامن من مكاره الدنيا والاخرة وبلايا الدنيا مع سلامة الدين تكرمة من الله تعالى لعبده المؤمن ليرجع اليه محقا طاهرا مطهرا مستحقا للدرجات الرفيعة ولهذا ورد عن الكاظم عليه السلم من عاش في الدنيا عيشا هنيئا فليتهم في دينه فان البلايا اسرع الى المؤمن من اللمح بالبصر وعن الصادق عليه السلم المؤمن كثير البلوى قليل الشكوى وقال الباقر عليه السلم ان الله ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل بالهدية ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض وقال النبي صلى الله عليه وآله من حسن ايمانه وكثر عمله اشتد بلاؤه ومن سخف ايمانه وضعف عمله قل بلاؤه وعن الصادق عليه السلم المؤمن مبتلي طوبى للمؤمن اذا صبر على البلاء وسلم لله تعالى القضاء قال سعدان بن مسلم قلت جعلت فداءك من المؤمن الممتحن قال الذي قد امتحن بوليه وعدوه اذا مر باخوانه اغتابوه واذا مر باوليائه لعنوه فصبر على تلك المحنة كان مؤمنا ممتحنا وعن يونس بن يعقوب قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول ملعون كل بدن لا يصاب في كل اربعين يوما قلت ملعون قال ملعون قلت ملعون قال ملعون فلما رأني قد عظم ذلك علي قال يا يونس ان من البلية الخدشة واللطمة والعثرة والنكبة والهفوة وانقطاع الشسع واختلاج العين وما اشبه ذلك ان المؤمن اكرم على الله من ان يمر عليه اربعون يوما لا يمحصه فيها من ذنوبه ولو بغم يصيبه ما يدري ما وجهه والله ان احدكم ليضع الدراهم بين يديه فيزنها فيجدها ناقصة فيغتم بذلك ثم يعيد وزنها فيجدها سواء فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه ه وامثال ذلك كثير وقد تقدم غير هذه فاذا وقفت على هذه الاخبار ومثلها مع ما سمعت من سلامة دين من اقام الولاية وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم علمت ان من غير الله ما به مع انه لم يغير ما بنفسه فانما هو رفع لدرجته وحبس له عن الركون الى الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة ففي الحقيقة ما فعل الله به ليس تغييرا بل اصلاح وتحسين
وعلى معنى الضمان يكون المعنى اني محتجب بضمانكم اي باعتمادي على وعدكم على الله سبحانه انه اقسم بعزته وجلاله انه يدخل الجنة من احب عليا وان عصاه ولقد روي عن رضى الدين ابن طاووس (ره) انه قال سمعت القائم عليه السلم بسر من رأى يدعو من وراء الحائط وانا اسمعه ولا اراه وهو يقول اللهم ان شيعتنا خلقوا منا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا وولنا يوم القيمة امورهم ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات اكراما لنا ولا تقاصصهم يوم القيمة مقابل اعدائنا وان خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا ه اقول قوله عليه السلم اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا يراد منه حسن ظن في ان الذنوب لا تضر مع حبهم والحديث المروي من طرق الخاصة والعامة ان الله تعالى قال اقسم بعزتي وجلالي اني ادخل الجنة من احب عليا وان عصاني الحديث شاهد لما في الدعاء وقد تقدم هذا الحديث القدسي وجواب ما يرد عليه والمراد انهم عليهم السلم عهدوا الى شيعتهم بذلك والاخبار فيما يفيد هذا المعنى كثيرة فاذا وقع من محبهم ذنب ندم على ذلك ورجا من الله العفو والمغفرة ولم يقنط من الرحمة رجاء في حبهم وولايتهم واعتمادا على اخبارهم بذلك عن الله تعالى وهم لا يسبقونه بالقول مشفوعا بما وعدهم بالشفاعة لأهل ولايتهم فعهدهم الى محبيهم ضمان لهم بالنجاة لمن لقيهم منهم بذلك وهو والله كذلك يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك ودين نبيك صلى الله عليه وآله ولا تزغ قلبي يا رب بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب فلما كان اعظم المضار واشد المكاره القنوط واحسن الاعمال واحصن الحصون حسن الظن كان احتجابه بحسن الظن بضمانهم لمحبهم من اعظم المهلكات وهو القنوط عند عروض التقصيرات حصنا منيعا مما يخاف منه ويخشى لانه من جملة الذمة اذ قد عهدوا الى شيعتهم بذلك وفي غوالي اللألي بسنده المتصل الى المعمر السنبسي قال سمعت من مولاي ابي محمد الحسن العسكري عليه وعلى آبائه وولده افضل الصلوة والسلام يقول احسن الظن ولو بحجر يطرح الله فيه سره فتتناول نصيبك منه فقلت يا ابن رسول الله ولو بحجر فقال الا تنظر الى الحجر الاسود ه والاخبار عنهم عليهم السلم في ترغيب شيعتهم ووعدهم اياهم بالشفاعة وعدم المؤاخذة بذنوبهم وان عظمت وقبول اعمالهم وان ضعفت وان حبهم وولايتهم متمم لنقص اعمالهم وان سيئاتهم تبدل حسنات وغير ذلك كثيرة جدا والقرءان اياته تنطق بهذا ونحوه فهذا ونحوه عهده اليهم وقد احتجب وليهم بذلك واطمئن بعهدهم وذمتهم الناطق بضمانهم لهم بالنجاة ولله در من قال :
ولايتي لامير النحل تكفيني عند الممات وتغسيلي وتكفيني
وطينتي عجنت من قبل تكويني في حب حيدر كيف النار تكويني
وعلى معنى الحرمة ان المحب العارف بحقهم يصفهم بمثل ما اشرنا اليه في مواضع متعددة من هذا الشرح بحيث لا يجد في ذلك حدا يقف عليه الا بما اجملوه لنا من الحد الغير المتناهي كقول الصادق عليه السلم اجعلوا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا قال السائل نقول ما نشاء فقال عليه السلم وما عسى ان تقولوا والله ما خرج اليكم من علمنا الا الف غير معطوفة اقول نقلت هذا الحديث الشريف بالمعنى فقوله (ع) اجعلوا لنا ربا نؤب اليه تحديد بغير تناه لان المعنى انك تقول فيهم من العظمة والقدس والقهر والتسلط والعلم والاحاطة والتصرف ونحو ذلك بما لا يتناهى الا انك تعتقد ان ذلك كله وهم عليهم السلم صادرون عن فعل الله تعالى وقائمون به قيام صدور فاذا كشفت عن الوصف فاذا هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فاذا جمعت بين هذه الايات التي معناها ما ذكرنا لك لا غير من انهم قائمون بالله قيام صدور وبين ما سمعت مرارا متعددة وانهم مقامات الله التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينها وبينه الا انهم عباده وخلقه وانهم معانيه وظاهره في خلقه وانهم ابوابه وبيوته وانهم حججه وآياته وسفراؤه الى خلقه وانهم خلفاؤه وانهم اعضاده لخلقه وامناؤه واولياؤه عليهم وغير ذلك ظهر لك ظل الكبرياء والعظمة والعزة التي اظهرها سبحانه عليهم والبسهم جلابيب صفاتها حتى صغر لكبريائهم كل كبير وذل لعزتهم كل عزيز وانحط لعلو مكانهم كل رفيع واستحقر لعظمتهم كل عظيم وشاهدت عزة وجلالة وسلطنة انقاد لها كل ما في الامكان وان كل شيء واقف علي ذلك الباب ولائذ بذلك الجناب احتجبت ولذت بذلك الحرم ومددت يد طمعك وعين رجائك الى ذلك الكرم فكان احتجابك من كل ما تكره في الدنيا والاخرة بطمعك ورجائك في تلك الحرمة الظاهرة وذلك عهدهم الى محبيهم بقول الله سبحانه فيهم قال ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون وهم عليهم السلم رحمة الله التي وسعت كل شيء فاذا كان احتجابك بهذه الحرمة التي لا يرد الله سبحانه سائلا بها ولا يخيف مستجيرا بها ولا يعذب من استظل بفيئها ولا يسخط ولا يغضب على من لاذ بها كنت سائلا بوجهه الباقي الذي يتوجه اليه الاولياء ومستجيرا بكنفه الذي لا يضام ومستظلا بظل عرشه المجيد العظيم الكريم ولائذا برحمته التي وسعت داخلا في رحمته المكتوبة لعباده المتقين وهم الذين اتقوا ولاية اول الظالمين واجتنبوها كما قال تعالى والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وانابوا الى الله لهم البشرى واجتناب عبادة الطاغوت هو اجتناب الولاية الاولى والانابة الى الله هي الانابة والرجوع الى الولاية الاخرة قال تعالى بل تؤثرون الحيوة الدنيا والاخرة خير وابقى ثم قال ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى ولهذا روي ان الالواح التي نزلت فيها التورية تسعة الواح وان موسى اظهر لقومه سبعة وكتم اثنين عن قومه لعدم احتمالهم لما فيهما وكان مما فيهما بيان ما اشرنا اليه من المراد بالدنيا وعبادة الطاغوت والمراد من الاخرة والانابة الى الله تعالى فاذا كنت كذلك كنت آمنا من جميع محذورات الدنيا والاخرة لانك احتجبت بحرمتهم وجاههم عند الله وانه لقسم لو تعلمون عظيم
وعلى معنى الحق بمعنى متعلق الاستحقاق اي تقتضيه ذواتهم لا ضد الباطل وان كان الاصل واحدا لان المعروف من اطلاق قولك له حق على زيد او بحقه عليك ان له ملكا او قدرا او جاها لا ان المراد منه ضد الباطل والمراد من نسبة هذا الحق اليهم عند ربهم وعند جميع خلقه بيان استحقاقهم اما من جهة الله سبحانه فلأنه اجرى حكمته انه يعطي كل ذي حق حقه اي يعطي كل شيء ما تقتضيه قابليته وهو استحقاق قابليته من تفضل الحكيم سبحانه اذ لا يستحق شيء شيـٔا الا بفضله ومنه وكرمه وجعل ما لا يستحقه استحقاقا له تفضل ثان فاذا اقتضت قابلية الشيء مددا جعله الله بتفضله حقا له وقد اقتضت قابليتهم صلى الله عليهم اجمعين انه تعالى يخلقهم له وحده لا شريك له حتى من انفسهم كما مر مكررا واقتضت قابليتهم مددا من فضله لا يتناهى بالتدريج على قدر احتمالها وهذا المدد حقهم عليه بمعنى الملك من جهة ابتداء التفضل والحتم التكرمي وهذا المدد هو اسمه الاكبر وهو مجمع صفاته ومعانيه واسمائه وجميع شؤنه فهو احب الاشياء اليه واوجبها حقا عليه والزمها اكراما وتعظيما عليه واقربها اليه وقد اوجب على جميع ما خلق من حيوان ونبات وجماد جوهر وعرض من غيب وشهادة طاعة ذلك والانقياد له طوعا وكرها لا يخالف شيء منها محبته لانه سبحانه قد عرف جميع الاشياء جلالة شأنه وعظم خطره وحاجتها في وجودها وبقائها اليه وقوامها به وهذا المدد المشار اليه هو حقيقتهم منه سبحانه وتعالى القائمة بفعله تعالى ابدا قيام تحقق كقيام الانكسار بالكسر فافهم وهذا هو جاههم عند الله وحقهم عليه ومعنى هذا العند انه لا يخرج عنه الى غيره اي ليس له اعتبار في غير ما لله او انه لم يخله من يده ومعنى عليه ما اوجب على نفسه من اعطاء كل ذي حق حقه والجاه الوجه اي التوجه والاقبال فان التوجه والاقبال منه تعالى فانما هو اليهم خاصة لا الى سواهم الا بالعرض والتبعية لهم لان ما سواهم خلق لهم ومنهم عليهم السلم فانما هو اليه تعالى لا الى سواه الا بالعرض والتبعية لامتثال امره فوجههم اليه وجهه اليهم فلا يكون شيء اعظم ولا اعز من جاههم عنده تعالى وفي العياشي عنه عليه السلم ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة ثم سئل الله عز وجل بمحمد واهل بيته لما رحمتني فاوحى الله جل جلاله الى جبرئل ان اهبط الى عبدي فاخرجه قال يا رب وكيف لي بالهبوط في النار قال اني امرتها ان تكون عليك بردا وسلاما قال يا رب فما علمي بموضعه قال انه في جب من سجين فهبط في النار فوجده وهو معقول على وجهه فقال عز وجل يا عبدي كم لبثت تناشدني في النار قال ما احصي يا رب قال اما وعزتي وجلالي لولا ما سألت به لاطلت هوانك في النار ولكنه حتم على نفسي الا يسألني عبد بمحمد واهل بيته الا غفرت له ما كان بيني وبينه وقد غفرت لك اليوم ه فاذا احتجب المؤمن من شيعتهم بهذا الحق الذي لهم على الله تعالى والجاه الذي لهم عند الله امن من جميع محذورات الدنيا والاخرة واما من جهة سائر الحق فلما سمعت من انهم انما خلقوا لهم وقد تقدم في تفسير اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد من دعاء شهر رجب انهم عليهم السلم اعضاد لان الله سبحانه اتخذهم اعضادا لخلقه كما اشار اليه بالمفهوم في قوله وما كنت متخذ المضلين عضدا اي انما اتخذ الهادين اعضادا وقد علمت انه عز وجل غني مطلق فلا حاجة به الى شيء وانما المحتاج خلقه فاتخذهم اعضادا لخلقه كما اتخذ النجار الخشب عضدا لعمل السرير وقد تقدم ان الله سبحانه بعد ان خلقهم لما اراد خلق الخلق قبض من فاضل اشعة انوارهم فخلق منها وجودات الخلائق وموادهم وخلق صور اهل الخير وطيبي الاصل من ذي روح وغيره جوهر وعرض من هيئات اشعة انوارهم فالخلائق صورهم وامثالهم وخلق صور اهل الشر وخبيثي الاصل من ذي روح وغيره جوهر وعرض من عكوس هيئات اشعة انوارهم ولا ريب ان الشيء انما يتقوم بمادته وصورته فهم بهذا المعنى اعضاد الخلق وعلله واسبابه وبهم قوامه وهم حقائق حقائق الخلائق وذوات ذواتهم وانفس انفسهم كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم وقول علي عليه السلم انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات ه فحقهم على الخلق ما به قوام الخلق وهو الوجه الباقي بعد فناء الخلق المشار اليه في قوله كل شيء هالك الا وجهه فكل شيء خلق من وجهه منهم وبه قوامه واليه عوده وهو نور الله في المؤمن المتفرس لانه انما ينظر به فاذا احتجب من المكاره والمحذورات في الدنيا والاخرة بهذا الحق الذي هو ذمة حجج الله وعهدهم اليه وهو الفطرة التي لا تبديل لها والخلق الالهي الذي لا يغير وهو صبغة الله الحسنة وهو صبغة الرحمة المكتوبة وهو هيئة الولاية التي هي اخت النبوة وهو حدود الايمان وهو بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا وهو كتاب الله المبين الذي باحرفه يظهر المضمر كان آمنا من عقوبات الدنيا والاخرة وينبغي ان تعلم ان ما كان من جهة الله تعالى فهو حد حقهم وجاههم الاعلى وهو مس النار وفوارة الاسرار والانوار من سماء الاقتدار وما كان من جهتهم فهو حده الاسفل وهو الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار وان ما كان من جهة الخلق فهو بديع ما نطقت به ارادة الله بهم عليهم السلم من الدعوة الحسنى التي ارادها الله من المكلفين من اقامة الولاية التي بها صنعوا وعلى هيئتها صوروا ولها خلقوا اولها التوصيف واوسطها التكليف وآخرها التعريف وجميعها التشريف فافهم
وقوله عليه السلم : معترف بكم الاعتراف بهم الاعتراف بامامتهم وولايتهم وكونهم خلفاؤ الله في ارضه وحججه على بريته وبفرض طاعتهم وبكونهم اولى بالمخلوقين من انفسهم واولى بالله تعالى لانهم هم الذين له وهم الذين عنده واولى برسوله صلى الله عليه وآله لانهم خلفاؤه وامناؤه على رعيته وحفاظ شريعته وانصار دينه وانهم معصومون مطهرون مسددون وان الله سبحانه رفع رتبتهم ومقامهم على سائر خلقه واشهدهم خلق ما خلق وانهى اليهم العلم بهم وجعلهم اولياء على جميع ما خلق واخذ على كل شيء وجوب طاعتهم وفوض اليهم امرهم بالمعنى الصحيح من التفويض وان اياب الخلق اليهم وحساب الخلق عليهم وانهم ملوك الدنيا والاخرة وانهم ابواب الله في الدنيا والاخرة ومفاتح غيوبه وحملة كتابه وخزائنه التي لا تفنى وامثاله العليا واسماؤه الحسنى ونعمه التي لا تحصى والاعتراف بما يجري لهم من ما ذكر من صفات المراتب الثلاث الاولى والثانية والثالثة وقد تقدم ذكر كثير من ذلك وليس المراد الاعتراف باسمائهم بل الاعتراف بما انكره منهم الناصبون واعداؤهم الظالمون من مقامهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها وفضائلهم التي اثني الله عليهم بها على جميع السنة خلقه والاعتراف بالشيء انفعال العارف بمعرفته عن بصيرة حتى كانت معرفته صورة لحقيقة العارف به لان الاعتراف مطاوع عرف وعرف يستعمل في اصل اللغة ضد الانكار كما قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون وقال يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وقد يستعمل في معنى العلم فيقال ما عرفته اي ما علمته واكثر استعماله في القرءان واحاديث اهل العصمة عليهم السلم بالمعنى الاول فيقال ما عرفته اي انكرته ولا تستعمل غالبا في العلم بحقيقة الشيء عن بصيرة ولهذا لا يقابله الا الانكار واذا استعمل في معنى العلم قابله الجهل وهو عدم الصورة كالعلم فقوله معترف بكم يراد به ان معرفتي بكم على نحو المعرفة المشار اليها من كون المراد منها معرفة صفاتهم وما ينسب اليهم بنسبة احتمال العارف ممازجة لشعري وبشرى ودمي ولحمي وعظمي ومخي وقواي كلها الظاهرة والباطنة فان اعلى مشاعره الفؤاد الذي يستعمل غالبا في المعرفة المقابلة بالانكار وهو نور الله للمتوسم المتفرس منفعل بهذه المعرفة وما دونه من المشاعر كالعقل والقلب الذي هو محل اليقين وما دونه كالصدر الذي هو محل العلم وما دونه من الوهم والخيال والفكر والحس المشترك والمشاعر الظاهرة التي هي الحواس الخمس ومحالها وسائر الجسم منفعلات بها بالطريق الاولى وصدق الانفعال في جميعها العمل بمقتضاها لان العلم لا يثبت ولا يتحقق ولا يقبل الا بالعمل بمقتضاه كما ان العمل بغير علم لا ينفع فعن الحسن بن زياد الصيقل سمعت ابا عبد الله الصادق عليه السلم يقول لا يقبل الله عز وجل عملا الا بمعرفة ولا معرفة الا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ان الايمان بعضه من بعض وعن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلم لا حسب لقرشي ولا عربي الا بتواضع ولا كرم الا بتقوى ولا عمل الا بنية ولا عبادة الا بتفقه الا وان ابغض الناس الى الله عز وجل من يقتدي بسنة امام ولا يقتدي باعماله وعنهم عليهم السلم العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل عنه ه فاذا عمل بمقتضاه تصادقت هذه الفقرة مع ما كان قبلها
قال عليه السلم : مؤمن بايابكم مصدق برجعتكم منتظر لامركم مرتقب لدولتكم
قال الشارح المجلسي قدس سره مؤمن بايابكم مصدق برجعتكم تفسيره اني اعتقد انكم ترجعون الى الحيوة في الدنيا في الرجعة الصغرى كما قال تعالى ويوم نبعث من كل امة فوجا ممن يكذب باياتنا ولا ريب في ان القيمة يبعث جميع الناس لا فوج منهم وقد ورد الاخبار المتواترة عن النبي واهل البيت صلوات الله عليهم في الرجعة وانهم صلوات الله عليهم يرجعون الى الدنيا في زمان المهدي ويرجع جماعة من خلص المؤمنين وجماعة من اعدائهم سيما قاتلي الحسين عليه السلم صلوات الله عليه وصنف كثير من العلماء كتبا كثيرة في ذلك يظهر من فهرست الشيخ والنجاشي واطبق العامة تعصبا على خلافهم فمن ذلك ذكر مسلم في صحيحه انه لا يعمل باخبار جابر بن يزيد الجعفي مع انه ذكر انه روى سبعين الف حديث عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم لانه كان يقول بالرجعة مع انه ذكر الله تعالى رجعة عزير واصحاب اهل الكهف والملأ من بني اسرائيل بقوله تعالى الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم ورووا انه يكون في هذه الامة ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة منتظر لامركم اي غلبتكم على الاعادي في زمان المهدي عليه السلم او ظهور امامتكم مرتقب لدولتكم وغلبتكم انتهى
وقال السيد نعمت الله الجزائري (ره) في شرح التهذيب مؤمن بايابكم فيه دلالة على ان الائمة عليهم السلم كلهم يرجعون في الرجعة وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله والاخبار مستفيضة في الدلالة عليه وقد وفق الله سبحانه وله الحمد على الوقوف على ستمائة حديث وعشرين حديثا دالة على هذا المطلوب انتهى
اقول قد تقدم ما اشرنا اليه من معنى الايمان وانه التصديق او مع القول باللسان والعمل بالاركان كما هو المعروف في الاخبار وهذا الايمان يراد منه ما يراد من الايمان حيث يطلق في كل موضع فاذا اعتبرنا فيه التركيب كان المراد بالقول باللسان الرواية لرجعتهم والاخبار بها والدعاء بالفرج وما اشبه ذلك والمراد بالعمل بالاركان اصلاح العمل وكتمان الامر والانتظار واعداد السلاح للنصرة والاستعداد للقاء وما اشبه ذلك والاياب بكسر الهمزة الرجوع يعني اني مصدق برجعتكم فيكون معنى مصدق برجعتكم مؤمن بايابكم فعلى الظاهر يكون مصدق اخص من مؤمن ان اعتبرنا في الايمان القول باللسان والعمل بالاركان وعلى الباطن في مصدق بمعنى ان التصديق حقيقة لا يتحقق الا بالاعتقاد بالجنان والقول باللسان والعمل بالاركان يكون مساويا للايمان مع الاعتبار وعلى الظاهر في الاياب يكون اعم من الرجعة المذكورة لان المراد به ظاهرا مطلق الرجوع وعلى المعنى المقصود مساو للرجعة لان المراد به الاياب المخصوص وهو رجعتهم الى الدنيا وملكهم في تلك المدة التي قدرها على ما يظهر من بعض الاخبار ثمانون الف سنة او خمسونالف سنة ويأتي بعض الكلام في ذلك فيكون المعنى في الفقرتين واحدا وتغيير اللفظ للتحسين والفائدة في التكرير التأكيد او ما اشرنا اليه من العموم والخصوص والمساواة في مؤمن ومصدق وفي ايابكم ورجعتكم او الترقي على فرض عموم الاياب
واعلم ان الرجعة اذا اطلقت على جهة الحقيقة يراد بها رجوع من مات من الائمة عليهم السلم مع من يحشر معهم واولها على هذا خروج الحسين عليه السلم فروي حمران عن ابي جعفر عليه السلم قال ان اول من يرجع لجاركم الحسين عليه السلم فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر وعن محمد بن مسلم قال سمعت حمران بن اعين واباالخطاب يحدثان جميعا قبل ان يحدث ما احدث انهما سمعا ابا عبد الله عليه السلم اول من ينشق الارض عنه ويرجع الى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلم وان الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع الا من محض الايمان محضا او محض الشرك محضا وعن المعلي بن خنيس وزيد الشحام عن ابي عبد الله عليه السلم قالا سمعناه يقول ان اول من يكر في الرجعة الحسين بن علي عليهما السلم ويمكث في الارض اربعين الف سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه وفي تفسير العياشي عن رفاعة بن موسى قال قال ابو عبد الله عليه السلم ان اول من يكر الى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلم واصحابه ويزيد بن معوية واصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة ثم قال ابو عبد الله عليه السلم ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا وآخر من يرجع على ما ظهر لي رسول الله صلى الله عليه وآله وباقي الائمة عليهم السلم ما بين ذلك وترتيب خروجهم لم اعثر على جميعه من الاخبار ولم اسمع من احد شيـٔا من ذلك والذي وقفت عليه وفهمته من الاخبار ان اول من يظهر هو القائم عليه السلم ويملك سبع سنين او تسع سنين على اختلاف الروايات كل سنة قدر عشر سنين وفي تفسير القمي عسق عدد سني القائم عليه السلم وقاف جبل محيط بالدنيا من زمرد اخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم علي كله في عسق ه وفي غيبة الطوسي عن ابيالجارود قال قال ابو جعفر عليه السلم ان القائم عليه السلم يملك ثلثمائة وتسع سنين كما لبث اهل الكهف في كهفهم الحديث وفيها عن جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت ابا جعفر محمد بن علي عليهما السلم والله ليمكنن رجلا منا اهل البيت ثلثمائة سنة يزداد تسعا قال فقلت له متى يكون ذلك قال بعد موت القائم عليه السلم قلت له وكم يقوم القائم عليه السلم في عالمه حتى يموت قال تسع عشر سنة من يوم قيامه الى يوم موته وفي غيبة الطوسي عن عبدالكريم بن عمر الخثعمي قال قلت لابي عبد الله عليه السلم كم يملك القائم (ع) قال سبع سنة ( سبعين سنة ظ ) من سنيكم هذه وفي غيبة النعماني عنه (ع) ان ملك القائم (ع) تسع عشر سنة واشهر وفي آخر خطبة البيان يظهر وله من العمر اربعون عاما فيمكث في قومه ثمانين ه وقد نقل عن صاحب البحار انه يعتمد عليها وانها مشهورة بين الفريقين وفي ارشاد المفيد عن الخثعمي قال قلت لابي عبد الله عليه السلم كم يملك القائم عليه السلم فقال سبع سنين تطول الايام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم قال المفيد في الارشاد وهذا امر مغيب عنا وانما القى الينا منه ما يفعله الله تعالى يشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جل اسمه فلسنا نقطع على احد الامرين وان كانت الرواية بذكر سبع سنين اظهر واكثر ه وقال في البحار وتلميذه الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني في كتابه العوالم اعلم ان الاخبار المختلفة الواردة في ايام ملكه عليه السلم بعضها محمول على جميع مدة ملكه وبعضها على زمان استقرار دولته وبعضها على حساب ما عندنا من السنين والشهور وبعضها على سنيه وشهوره الطويلة والله يعلم بحقائق الامور اقول اما السبع او التسع فظاهرة الرجحان وان كان السبع ارجح لكثرة روايتها من الفريقين واما المقادير الباقية فالظاهر انها مدة لغير القائم عليه السلم بدليل رواية جابر المتقدمة حين قال متى يكون ذلك قال بعد موت القائم عليه السلم وما ذكر فيها باسمه فيراد به غيره لان كلا منهم قائم بالحق على انه لو سلمنا انه مراد فيجوز ان يكون المراد من الزيادة على السبعين بعضا قليلا منهم يقوم مقام كثير بمعنى ان ما اقام في خمس مخصوصة مثلا لا يقام الا في خمسين اما لكثرته او لعظمه او لعظم خطره او لعظم بركتها او باضافة ما اخترم من عمره عليه السلم لانه يقتل والظاهر ان المقتول يقتل قبل اجله بحيث لو لم يقتل لعاش واختلف في الباقي من عمر المقتول والذي فهمت من بعض الاخبار انه سنتان ونصف هذا في غير الامام عليه السلم واما الامام عليه السلم فيحتمل مساواته لغيره وانه اكثر لانه (ع) لم تجر عليه المصيبة لاجل ذنب ليكون هادما لبعض عمره وانما ذلك لمحبة الله للقائه ومحبته للقاء الله ولعل ذلك مما يزيد في العمر وان كان موجبا للموت ويحتمل ما ذكره في البحار ويحتمل غير ذلك وما في غيبة الطوسي عن المفضل بن عمر قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول ان قائمنا اذا قام اشرقت الارض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له الف ذكر لا يولد فيهم انثى ويبني في ظهر الكوفة مسجدا له الف باب وتتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها ه فالظاهر ان المراد بالقائم من قام منهم اي ان الامام القائم منا اذا قام اشرقت الارض الخ او يراد به رجوع القائم عليه السلم بعد ان يقوم ويرجع الحسين عليه السلم ويقتل ويقوم الحسين (ع) بعده وذلك عند رجوع علي عليه السلم آخر رجعة ونزول رسول الله صلى الله عليه وآله لانه (ع) ح يطول عمره فلا يرفع الا مع آبائه (ع) لانه قال ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له الف ذكر وفي رواية منتخب بصائر سعد عن الخثعمي عن الصادق عليه السلم الف ولد من صلبه ذكر كل سنة ذكر الحديث ويأتي بتمامه انشاء الله تعالى وفيه ان ابليس يقتل فيها وهي آخر كرة يكرها امير المؤمنين عليه السلم يقتله رسول الله (ص) في هذا الحديث المشار اليه بيان اكثر ما اشرنا اليه من المحامل والترتيب والمدد فتدبره اذا وقفت عليه انشاء الله تعالى
وعلى فرض ما رجحناه من السبع التي هي سبعون سنة اذا مضى منها قدر تسع وخمسين سنة خرج الحسين عليه السلم وهو صامت الى ان تمضي احدى عشرة سنة تمام مدة ملك الحجة عليه السلم فيقتل تقتله امرأة من تميم لها لحية كلحية الرجل يقال لها سعيدة لعنها الله وذلك انه يتجاوز في الطريق وهي على سطحها وتضربه بجاون صخر على ام رأسه عليه السلم فتقتله ويتولي امر تجهيزه الحسين عليه السلم ويقوم بالامر بعده الى ان تمضي ثماني سنين فيخرج علي امير المؤمنين عليه السلم لنصرة ابنه فيكون بين خروجه وبين خروج الحسين عليهما السلم تسع عشرة سنة ولعل ما روى مما تقدم من ثلثمائة وستين سنة وما يدانيها انها مدة بقاء علي عليه السلم مع ابنه الحسين عليه السلم ثم يقتل علي عليه السلم ولا اعلم كيفية قتله ولا من يقتله ولكن سمعت مشافهة انه يضرب على مفرق رأسه في موضع ضربة ابن ملجم لعنه الله ويمكن الاستدلال على هذا بما روي عن علي عليه السلم انه سأله ابن الكوا ما ذو القرنين أملك ام نبي فقال (ع) ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الايسر فمات فبعثه الله وسمي ذا القرنين وفيكم مثله ه يعني عليه السلم نفسه الشريفة وكونه مثله يقتضي انه في قتلته الثانية يضرب على قرنه ثم انه عليه السلم يكر مرة ثانية مع جميع شيعته ممن محض الايمان محضا هذا والحسين عليه السلم باق وهو قوله عليه السلم انا الذي اقتل مرتين واحيي مرتين ولي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة كما روي عن ابي عبد الله (ع) ان لعلي في الارض كرة مع الحسين (ع) الى ان قال ثم كرة مع رسول الله (ص) ويأتي تمامه وهذا شيء اختص به صلوات الله عليه دون سائر الائمة عليهم السلم وباقي الائمة والقائم عليهم السلم كلهم يرجعون بعد قتل علي وفاطمة ايضا معهم ولا اعلم ترتيب رجوعهم وهل هو دفعة ام كل بانفراده وان كان قلبي يحدثني انهم يرجعون متفرقين ويمكن الاستدلال على تفرقهم بقول الصادق (ع) في حديث المفضل في حق اعدائهم قال ويجازون بافعالهم منذ وقت ظهر رسول الله (ص) الى ظهور المهدي مع امام امام ووقت وقت وينزل رسول الله (ص) آخرهم وهم مجتمعون وذلك تأويل قول الحسين عليه السلم يوم كربلاء لا نصاره لن تشذ عن رسول لحمته هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه (ص) ويأتي ابليس لعنه الله وشيعته ممن كان موجودا في ذلك الزمان ومن كان مات وقد محض الشرك محضا فيقتتلون بالروحا ثم ينزل رسول الله صلى الله عليه وآله من السماء من ( في ظ ) ظلل من الغمام فيقتل ابليس وهو قوله تعالى هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر رسول الله صلى الله عليه وآله وروى القمي في قوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام عن ابي عبد الله عليه السلم قال الغمام امير المؤمنين عليه السلم وقال الصادق عليه السلم في نزول رسول الله صلى الله عليه وآله فعند ذلك يهبط الجبار عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر رسول الله صلى الله عليه وآله امامه بيده حربة من نور الحديث فامر الله هبط في علي الذي هو الغمام امامه رسول الله صلى الله عليه وآله وروي ان عمر الدنيا مائة الف سنة لال محمد صلى الله عليه وعليهم ثمانون الف سنة وليس لهم الا مدة رجعتهم واولها خروج القائم عليه السلم ومدته قد سمعت الكلام فيها وقد قلنا ان الرجعة تطلق على رجوع من مات منهم عليهم السلم وقد تطلق على مطلق دولتهم فيدخل فيها ملك القائم عليه السلم والاخبار بهذا ناطقة في كثير منها الا ان الذي يظهر لي من الاخبار ان قيام القائم عليه السلم ليس من الرجعة وان كان يطلق على ذلك هذا الاسم باعتبار من يبعث معه من الاموات او انه يذكر مع الرجعة فيسمى تغليبا او ان وقته لما كان على عكس وقت الدنيا في السعة والطول والعدل والرخاء وحمل الاشجار كل سنة مرتين واخراج الارض كنوزها واجتماع الملائكة مع الانس والجن ظاهرين وكمال الدين ورفع التقية بالكلية حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق وامثال ذلك سمي رجوعا ورجعة او انه عليه السلم لما كان غائبا كان خارجا من الدنيا وعند ظهوره يرجع الى الدنيا ولكن على كل تقدير فقيام القائم عليه السلم غير الرجعة وان ذكر في الرجعة فلعل المراد به رجوعه في الدنيا بعد القتل مع جده امير المؤمنين عليه السلم في الكرة الثانية ويدل على انه مغاير للرجعة ما روي في تفسير قوله تعالى وذكرهم بايام الله في الخصال عن الباقر عليه السلم ايام الله يوم يقوم القائم عليه السلم ويوم الكرة ويوم القيمة وعلى اي وجه فكون ملك آل محمد (ص) ثمانين الف سنة لا يتوجه الا على بعض ما اشرنا اليه سابقا او يكون منها بقاؤهم في الدنيا وان لم يكونوا متمكنين كمال التمكن الا ان لهم دولة خافية بها حفظ الله الدين الى قيام قائمهم عليهم السلم مع كثرة من يتصدى لمحو دينهم ويأبى الله الا ان يتم نوره لانه روي في الاختصاص عن ابي عبد الله عليه السلم انه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرءان في يوم كان مقداره خمسينالف سنة وهي كرة رسول الله صلى الله عليه وآله فيكون ملكه في كرته خمسينالف سنة ويملك علي عليه السلم في كرته اربعة واربعين الف سنة وروي ان مدة ملك الحسين عليه السلم خمسونالف سنة وتقدم في رواية المعلي والشحام اربعين الف سنة وروي غير ذلك ولم نقف على خبر مفصل لهذه الامور المبهمة ولا جامع لهذه الاعداد المختلفة والذي فهمته منها على اختلافها ان مدة ملك الحسين عليه السلم وغيره من الائمة عليهم السلم هي بعينها مدة ملك رسول الله صلى الله عليه وآله لان الملة ملته والدين دينه والدعوة دعوته وهم عماله في سلطنته وحفظة شريعته فما نسب اليهم فهو منسوب اليه على الحقيقة والحسين عليه السلم خرج على اول الدولة لم يمض منها عنه الا مدة تسع وخمسين سنة اختص بها القائم عليه السلم قبل خروجه (ع) وهي ايضا للحسين عليه السلم لان القائم عليه السلم طالب بثار الحسين عليه السلم فالمدة تنسب اليه وهو قتل يوم عاشوراء وليس له الا ميتة وهي رفعه مع آبائه وابنائه الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين وليس بعد رفعهم الى ان ينفخ اسرافيل (ع) في الصور نفخة الصعق الا اربعون يوما فنسبت الخمسون الى رسول الله صلى الله عليه وآله لانها مدة سلطنته وهؤلاء عماله وان تأخر رجوعه عنهم وتقدموا عليه لانهم عماله كما في رواية جابر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه السلم وظاهرها ان الضمير في عماله يعود الى علي عليه السلم ويحتمل انه يعود الى رسول الله (ص) لانه قال ثم كرة مع رسول الله (ص) حتى يكون خليفة في الارض وتكون الائمة (ع) عماله وبعد هذا اللفظ يدل على انه رسول الله (ص) قال وحتى يبعثه الله علانية فتكون عبادته في الارض كما عبد الله سرا في الارض ثم قال اي والله واضعاف ذلك ثم عقد بيده اضعافا يعطي الله نبيه (ص) ملك جميع اهل الدنيا منذ خلق الله الدنيا الى يوم القيمة حتى ينجز له موعده في كتابه كما قال ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ه وهو ظاهر بانه يعود الى الرسول (ص) واما ان مدة ملك علي عليه السلم اربعة واربعون الف سنة او ستة واربعون الفا او اربعون الفا فالذي افهمه ايضا انه يخرج بعد قيام الحسين عليه السلم وموت القائم (ع) بثماني سنين كما تقدم ويبقى في نصرته وطلب ثاره ما شاء الله وربما هي ما حملنا عليه احاديث مدة ملك القائم عليه السلم على روايات ثلثمائة وستين سنة او يشابه ذلك بزيادة او نقيصة ثم يقتل لعن الله قاتله ويلي امره وتجهيزه الحسين عليهما السلم ان لم يكن اخوه الحسن عليه السلم قد ظهر لانا لا نعلم ترتيب خروجهم ولا متى يخرج الراجع منهم الا ما ذكرناه من انه يخرج القائم (ع) اولا ثم الحسين ثم علي عليهم السلم في كرته الاولى ثم يكر الثانية اخيرا ثم ينزل السيد الاكبر رسول الله صلى الله عليه وآله واما باقي الائمة وفاطمة عليهم السلم فيخرجون ما بين خروج علي اولا وخروجه آخرا ولا نعلم الترتيب ولا الكيفية والله سبحانه اعلم وما بين قتله الى كرته الثانية لا نقطع بقدرها والذي فهمت مما اشرنا لك من ان مدة ملكه اربعة واربعون الف سنة وان مدة ملك الحسين (ع) ورسول الله صلى الله عليه وآله خمسون الف سنة وان عليا عليه السلم قتل وبين قتله وخروجه ثانيا مدة البتة وانهم يرفعون من هذا العالم الى السماء في وقت واحد وان مدة ما بين قتله وخروجه ثانيا اربعة آلاف سنة او ستة الاف سنة على اختلاف الروايتين او عشرةالاف على رواية الاربعين الف سنة انها مدة ملكه وان نزول رسول الله صلى الله عليه وآله بعد خروج علي عليه السلم الثاني وان هذا النزول اول خروجه صلى الله عليه وآله وفيه يقتل ابليس واما ما ذكرنا من مدة ملك الحسين عليه السلم من انها خمسون الفا مع ما ورد من انها اربعون الفا وترجيحنا للخمسين الالف فمن جهة انه خرج قبل علي عليهما السلم ويرفعان في وقت واحد وان عليا (ع) يقتل والحسين (ع) حي فانه يلزم من هذا ان المراد هو الخمسون والاربعون تحمل على احد المعاني السابقة في حمل اختلاف المدد الواردة وانما قلت ان رفعهم عليهم السلم من الارض الى السماء في وقت واحد مع اني لم اجد تصريحا في ذلك لما وجدت تلويحا من النقل اطمئن الى اشارته القلب وذلك ما روى ايوب بن الحر عن ابي عبد الله عليه السلم قال قلنا له الائمة بعضهم اعلم من بعض فقال نعم وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرءان واحد فانه قد لوح بتساويهم عليهم السلم في غير العلم الذاتي الرتبي الذي هو التلقي وباختلافهم فيه وبهذا يجمع بين الاحاديث الدالة على التساوي والدالة على التفاضل وهي كثيرة في الحكمين معا ووجه اطمئنان القلب به سكونه الى ما ثبت عنهم من معنى ان كل واحد منهم عليهم السلم علة تامة لوجود العالم في صدوره وفي بقائه فهو بالله علة فاعلية وهم بامره يعملون وشعاعهم بمشية الله علة مادية ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وظل هياكلهم بارادة الله علة صورية واحوالهم بقدر الله علة غائية ولا ينافي ما قلنا ما في منتخب بصائر سعد عن ابي عبد الله (ع) في الحديث القدسي الى ان قال تعالى يا محمد علي اول من آخذ ميثاقه من الائمة (ع) يا محمد علي آخر من اقبض روحه من الائمة (ع) الحديث لانه لا يلزم من تأخره عنهم طول مدة بقائه بعدهم مع اني لم ارد برفعهم في وقت واحد ان رفعهم دفعة وانما مرادي الا يكون بينهم تفاوت يعد بالالاف كما عدت مدة كل واحد منهم فاذا عرفت هذا ظهر لك ان حاجة جميع الخلق الى واحد منهم كحاجة الجميع الى الاخر والى الكل والى البعض والا لما صلح ان يكون الواحد منهم اماما في زمانه وقطبا للعالم ومحلا لنظر الله من العالم وغوثا لكل شيء وبابا لجميع فيوضات الله سبحانه على خلقه وواسطة بينهم وبينه في اكوانهم واعيانهم وآجالهم وجميع شؤن الخلق الى الله وتلقياتهم منه فواحدهم بالنسبة الى الخلق ككلهم وكلهم كواحد منهم فيكون المقتضي لرفع واحد عن ذاتيات الخلق مقتضيا لرفع الجميع وليس هذا جاريا في الدنيا لان رفعه في الدنيا ليس رفعا عن ذاتيات المكلفين لانه اذا اراد الله رفعه اليه استناب مكانه مثله حافظا لذاتياتهم وبعد الرجعة لا يستنيب فدل ما قلنا انهم يرفعون في وقت واحد قال في العوالم والرجعة عندنا تختص بمن محض الايمان ومحض الكفر دون من سوى هذين الفريقين فاذا اراد الله تعالى على ما ذكرناه اوهم الشياطين اعداء الله عز وجل انهم انما ردوا الى الدنيا لطغيانهم على الله فيزدادوا عتوا فينتقم الله منهم باوليائه المؤمنين ويجعل لهم الكرة عليهم فلا يبقى منهم الا من هو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب وتصفو الارض من الطغاة ويكون الدين لله تعالى والرجعة انما هي من ممحضي الايمان من اهل الملة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الامم الخالية انتهى اقول اما ان الرجعة تختص بمن محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا فلا اشكال فيه والاخبار منصبة عليه لا تعارض فيها ولا اختلاف لا يستثنى من ذلك الا من اهلك بالعذاب في الدنيا فانه لا كرة له قال تعالى وحرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون الا ان يكون عليه قصاص نعم من كان له قصاص بعث مع قاتله ليقتص منه فاذا اقتص منه بقي ثلاثين شهرا وهي ما اخترمه القاتل من عمره المكتوب له فانه لا بد ان يناله كما قال سبحانه اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ولهذا يموتون كلهم في ليلة واحدة لانهم كلهم مقتولون وقد بقي لهم من آجالهم هذا القدر وهو سنتان ونصف ولم يكونوا من اهل الرجعة ليعيشوا بالضعف من اعمارهم رواه في منتخب البصائر عن ابيابراهيم موسى بن جعفر عليهما السلم قال لترجعن نفوس ذهبت وليقتص يوم يقوم ومن عذب يقتص بعذابه ومن اغيظ بغيظه ومن قتل اقتص بقتله ويرد لهم اعداؤهم معهم حتى يأخذوا بثارهم ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهرا ثم يموتون في ليلة واحدة قد ادركوا ثارهم وشفوا انفسهم ويصير عدوهم الى اشد النار عذابا ثم يوقفون بين يدي الجبار عز وجل فيؤخذ لهم بحقوقهم ه
واما قوله دون من سلف من الامم الخالية فليس بصحيح لان الرجعة المنزل الاول من منازل الاخرة اعني البرزخ ولهذا يجتمع الناس والملائكة والجن وذلك لكشف الغطاء ولم تكن مختصة بهذه الامة لان الجنة التي تأوى اليها ارواح المؤمنين من جنان الدنيا ولم تكن مختصة بهذه الامة وهي جنة المقربين بعد الموت وهي الجنتان المدهامتان فان الله سبحانه قال ولمن خاف مقام ربه جنتان الى آخر الايات وهي للمقربين ثم قال عز وجل ومن دونهما جنتان والمراد بهذا الدون معنيان احدهما القرب لانه تعالى لما وعدهم يوم القيمة بالجنتين العظيمتين وعدهم بان لهم جنتين اقرب من الاوليتين يعني في البرزخ بعد الموت وثانيهما القلة والضعف بمعنى ان نعيم جنتي الدنيا في البرزخ انزل واقل واضعف من نعيم جنتي الاخرة وعدم دوامهم فيها بخلاف الاخرة لان النعيم يختلف شدة وضعفا بحسب اختلاف المتنعمين في اللطافة والبقاء وعدمهما وفي لطافة الزمان والمكان وعدمها وان كانت الجنتان المدهامتان في الحقيقة هي جنة الخلد فان المؤمنين اذا ماتوا راحت ارواحهم الى جنة الدنيا التي هي المدهامتان فاذا كانت القيامة صفيت وكانت هي جنة الخلد وراحوا اليها كما ان هذه الاجساد والاجسام في الدنيا هي اجسام الدنيا واجسادها فاذا رحلوا الى البرزخ كانت بعينها هي اجساد البرزخ واجسامه فاذا كان يوم القيمة كانت بعينها هي اجساد الاخرة واجسامها فقال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان في الاخرة وله من دونهما اي في البرزخ جنتان مدهامتان وقد ذكر الله سبحانه ذلك بان الجنتين في الدنيا هما الجنتان في الاخرة فقال تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده ما تيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا فقوله بكرة وعشيا صريح بارادة جنة الدنيا في البرزخ وقوله تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا صريح بارادة جنة الاخرة فقال في جنة الدنيا تلك جنة الاخرة فافهم ونظيره في النار فان النار في الدنيا نار البرزخ هي نار الاخرة قال تعالى وحاق بال فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة فاخبر انهم يعرضون عليها في الدنيا بقوله غدوا وعشيا فانهما لا يكونان في الاخرة ويعرضون عليها يوم تقوم الساعة يعني في الاخرة مع اتفاق المفسرين على ان ادخلوا آل فرعون كلام مستأنف واتفاق القراء على الوقف على الساعة والابتداء بادخلوا حتى انهم يرسمون عليها قف وذلك لبيان كونها معمولا ليعرضون فجنة الدنيا بعد التصفية جنة الاخرة ونار الدنيا بعد التصفية هي نار الاخرة واجسام الدنيا بعد التصفية هي اجسام الاخرة فاذا عرفت هذا عرفت انه لا اختصاص لهذه الامة بجنة الدنيا بل كل من محض الايمان محضا من الامم الخالية ومن هذه الامة سئل في قبره وراحت روحه الى جنة الدنيا تتنعم فيها وتأوى وادي السلام بظهر الكوفة في الجمع والاعياد او كل يوم كما في بعض افراد المؤمنين وعليه تحمل روايته ويزورون مواضع حفرهم واهاليهم الى رجعة آل محمد صلى الله عليه وآله فتظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة ولا ريب ان الارواح باقية حينئذ لا تبطل الا بين النفختين وذلك بعد الرجعة وارواح جميع المؤمنين الماحضين للايمان يأوون اليها وهذه الجنتان المدهامتان تظهران في الرجعة كما يأتي ان شاء الله تعالى في رواية منتخب البصائر قال الصادق عليه السلم وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله ه وايضا قد دلت الاثار على رجوع الانبياء عليهم السلم في الرجعة كما في قصة اصحاب الرس العجمي وانهم رسوا نبيهم اسمعيل بن حزقيل عليهما السلم وهو الذي ذكره الله في كتابه انه كان صادق الوعد الاية وان الله سبحانه اوحى اليه ان شئت اخرجتك ونصرتك عليهم حتى تنتقم منهم فقال يا رب احب ان ارجع مع الحسين عليه السلم وانتقم منهم نقلته بالمعنى مختصرا وفيه ايضا ما هذا لفظه فاذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر ابليس لعنه الله في جميع اشياعه منذ خلق الله آدم الى يوم الوقت المعلوم وفيه ايضا بعد فاذا كان يوم الوقت المعلوم كر امير المؤمنين (ع) في اصحابه وجاء ابليس في اصحابه انتهى ويفهم منه ان عليا يكر في جميع اصحابه كما كان لابليس اذ لا تخصيص لابليس واصحابه ولا قائل بالفرق وهو نص في ما نقوله من العموم ومثل ما روي في منتخب البصائر عن ابي جعفر الباقر عليه السلم قال قال امير المؤمنين عليه السلم الى ان قال واخذ ميثاق الانبياء بالايمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه يعني لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وآله ولتنصرن وصيه وينصرونه جميعا وان الله اخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلى الله عليه وآله بالنصرة بعضنا ببعض فقد نصرت محمدا صلى الله عليه وآله وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما اخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد صلى الله عليه وآله ولم ينصرني احد من انبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله اليه وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها الى مغربها وليبعثهم الله احياء من آدم الى محمد صلى الله عليه وآله كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الاموات والاحياء والثقلين جميعا فيا عجبا وكيف لا اعجب من اموات يبعثهم الله احياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله قد تخللوا سكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم واتباعهم من جبابرة الاولين والاخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل وعد الله الذين آمنوا منكم الاية وامثال هذا من الاخبار المتكثرة وليس هذا خاصا بالنبيين فمن تدبر ما اشرنا اليه من التعليل قطع بان الرجعة تشمل كل من محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا من جميع الامم للاشتراك في العلة
واعلم ان القول بالرجعة مطلقا مذهب الاكثر من الخاصة والعامة اما قيام القائم عليه السلم فقد انعقد عليه الاجماع من الفريقين والروايات من الفريقين مستفيضة والمنكر له لا يكاد يتحقق الا من غير المعتبرين والمعاندين واما القول ببعث الاموات معه فهو مذهب الاكثر من الشيعة وبعضهم انكر ذلك قال السيد المرتضى (ره) في الرد على من انكر ذلك قال واما من تأول الرجعة من اصحابنا على ان معناها رجوع الدولة والامر والنهي من دون رجوع الاشخاص واحياء الاموات فان قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة وبيان جوازها وانها تنافي التكليف عولوا على هذا التأويل للاخبار الواردة بالرجعة وهذا منهم غير صحيح لان الرجعة لم تثبت بالاخبار المنقولة فتتطرق التأويلات عليها فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحته باخبار الاحاد التي لا توجب العلم وانما المعول في اثبات الرجعة على اجماع الامامية على معناها بان الله تعالى يحيي امواتا عند قيام القائم عليه السلم من اوليائه واعدائه على ما بيناه فكيف يتطرق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل انتهى ومرادهم بان الرجعة تنافي التكليف ان من مات ارتفع التكليف عنه فاذا بعث لم يثبت انه مكلف الا مع ظهور المعجزات الباهرة والايات القاهرة بثبوت الوحي وقد انقطع بموت النبي صلى الله عليه وآله وهذا منهم كلام باطل لان الرجعة انما تكون مع خليفة النبي صلى الله عليه وآله الحافظ لدينه الذي قد نص (ص) عليه بان قوله وحكمه قول الله ورسوله وحكمهما والراد عليه راد على الله ورسوله (ص) وهو آت بمعجزات مثل معجزات النبي صلى الله عليه وآله تصدقه وتشهد له كما فعل الحجة عليه السلم للحسني لما غرز له هراوة رسول الله صلى الله عليه وآله غرسها في الحجر الصلد فتورق وقال السيد (ره) بعد كلام طويل ونقل لروايات العامة مستدلا بها على رجعة اقوام عند قيام القائم عليه السلم بما جرى في الامم السالفة مثل الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم وامثالها باحاديث لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة الخ ولتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع الى ان قال (ره) ورأيت في اخبارهم زيادة على ما تقوله الشيعة من الاشارة الى ان مولينا عليا يعود الى الدنيا بعد ضرب ابنملجم وبعد وفاته كما رجع ذو القرنين ونقل عن الزمخشري في الكشاف في حديث ذي القرنين قد ذكرنا بعضه فيما تقدم من سؤال ابنالكوا وذكر الطبرسي (ره) في تفسير قوله تعالى ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب باياتنا فهم يوزعون نحو ما ذكر السيد في المعنى الى ان قال على ان جماعة من العلماء تأولوا ما ورد من الاخبار في الرجعة على رجوع الدولة والامر والنهي دون رجوع الاشخاص لما ظنوا ان الرجعة تنافي التكليف وليس كذلك لانه ليس فيها ما يلجي الى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والايات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا وما اشبه ذلك وان كانت الاخبار تعضده وتؤيده انتهى قال الشيخ عبد الله ابن نورالله البحراني في كتابه العوالم بعد نقل الاقوال بتمامها كما سمعت مما اختصرنا من بعضها قال واذا عرفت هذا فاعلم يا اخي اني لا اظنك ترتاب بعد ما مهدت واوضحت لك في القول بالرجعة التي اجمعت الشيعة عليها في جميع الاعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار حتى نظموها في اشعارهم واحتجوا بها على المخالفين في جميع اعصارهم وشنع المخالفون عليهم في ذلك واثبتوه في كتبهم واسفارهم اقول ويأتي باقي كلامه وانت اذا تدبرت كلامهم وجدت انه دائر مدار اثبات مطلق الرجعة وهي قيام القائم عليه السلم وبعث بعض الاموات معه ومن انكر ذلك فقد سمعت ردهم عليه واما القول بالرجعة الخاصة كما ذكرنا الاشارة اليها غير قيام القائم عليه السلم بل رجوع جميع الائمة والقائم معهم ثانيا بعد ان يقتل ورسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة عليها السلم اول راجع هو الحسين عليه السلم وآخر راجع هو رسول الله صلى الله عليه وآله كما هو صريح الروايات المتكثرة المتواترة معنا وسنذكر بعضا منها قليلا لانها اكثر من ان يحصيها شرح مسئلة فظاهر عبارة السيد والمفيد والعلامة كما في خلاصته في ترجمة ميسر بن عبد العزيز وقال العقيقي اثنى عليه آل محمد (ص) وهو ممن يجاهد في الرجعة انتهى انهم انما يعنون قيام القائم (ع) خاصة وعبارة السيد المرتضى المتقدمة وهي ورأيت في اخبارهم يعني العامة زيادة على ما تقوله الشيعة من الاشارة الى ان مولينا عليا يعود الى الدنيا بعد ضرب ابنملجم وبعد وفاته كما رجع ذوالقرنين انتهى صريحة في ان مراده بدعوى الرجعة والانكار على منكرها هو قيام القائم عليه السلم حتى انه ما رأى ما ورد في ذلك خصوصا مما لا يكاد يحصي كثرة الا من كلام الزمخشري في الكشاف كما سمعت مما ذكرنا وجعل هذا زيادة على ما تقوله الشيعة والشيخ عبد الله بن نور الله البحراني جعل كلامهم الذي نقله في كتابه مما قد سمعت مختصر بعضه حجة على ثبوت الرجعة الخاصة التي ندعيها مع انه استقصى الروايات الواردة في ذلك في مجلد الرابع والعشرين من كتابه العوالم في احوال القائم (ع) ولا ادري ما اقول مع ان القائل بهذا الذي نشير اليه كثير وليس بعجيب لكثرة النصوص الواردة في ذلك وعدم وجود شيء من المعارض والقرءان ناطق بذلك في قوله واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون اذا قرئت كما انزلت من تأخيرها عن آية ويوم نحشر من كل امة فوجا الاية ليرتبط الكلام لعن الله من قدم ما اخره الله واخر ما قدمه الله والنظم الحق بين الايات هكذا ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب باياتنا فهم يوزعون حتى اذا جاؤا قال اكذبتم باياتي ولم تحيطوا بها علما ام ماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون فذكر الله الحشر الخاص وبعث بعضا ممن يكذب بايات الله عليهم السلم واذا وقعت عليهم الحجة وانقطعوا عن الجواب اخرج الله لهم دابة الارض وقد انعقد الاجماع من المسلمين ان خروج الدابة قبل يوم القيمة وبعد انغلاق باب التوبة وانغلاق باب التوبة عند الشيعة بعد قيام القائم عليه السلم لانه يستتيب اقواما واليهود والنصارى وسائر الملل ولا يقتل احدا الا بعد ان يعرض عليهم التوبة والاحاديث فاذا ثبت ان غلق باب التوبة بعد القائم عليه السلم قبل خروج دابة الارض وخروجها قبل يوم القيمة وقد ثبت ان دابة الارض عند الشيعة علي بن ابي طالب عليه السلم واحاديثهم متواردة بذلك ثبت ما ندعيه عند من يعيه وهذا ليس بعجيب كما قلنا انما العجيب انكار رجعتهم واحاديثهم وادعيتهم ناطقة بذلك كما ورد من الناحية المقدسة الى القاسم بن العلا الهمذاني وكيل ابي محمد العسكري عليه السلم في دعاء اليوم الثالث من شعبان يوم مولد الحسين عليه السلم اللهم اني اسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته بكته السماء ومن فيها والارض ومن عليها ولما يطأ لابتيها قتيل العبرة وسيد الاسرة الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتله ان الائمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في اوبته والاوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته حتى يدركوا الاوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير انصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار وفي آخر الدعاء فنحن عائذون بقبره من بعده نشهد تربته وننتظر اوبته آمين رب العالمين اقول متى هذه الاوبة التي يدركون فيها الاوتار ويثأروا الثار وما معنى الممدود بالنصرة يوم الكرة وامثال ذلك والزيارة التي نحن بصدد شرحها مشحونة بذلك والادعية والاخبار تزيد على ستمائة كما ذكره السيد نعمت الله فيما ذكرنا سابقا وكل هذا ما وصل الى من انكر ذلك وقد نقل عن المفيد (ره) في شرح اعتقاد ابنبابويه انه انكر الرجعة وجعل القول بها من خرافات الجهال ووقفت على قوله كما نقل الا اني الان لم يحضرني والا لاوردته وعبارته في آخر ارشاده تشعر بذلك وهي قوله وليس بعد دولة القائم عليه السلم لاحد دولة الا ما جاءت به الرواية من قيام ولد ان شاء الله ذلك ( ان ثبت ذلك خل ) ولم ترد به على القطع والثبات واكثر الروايات انه لن يمضي مهدي هذه الامة الا قبل القيمة اربعين يوما يكون فيها الهرج وعلامة خروج الاموات وقيام الساعة للحساب والجزاء والله اعلم بما يكون اقول ان كان هذا الامر دائرا مدار مجيء الروايات فلا يكون حكم من احكام الشرع ورد فيه مثل ما ورد في هذه المسئلة وهي نصوص مستفيضة متكررة في الكتب المعتبرة بل لا يكاد يوجد كتاب من كتب الشيعة وكتب الاخبار خاليا عن شيء منها ومن تتبع اثار اهل العصمة عليهم السلم حصل له القطع بان هذا مذهب الائمة عليهم السلم والذي دعاهم الى ان يقولوا ان دولة القائم عليه السلم آخر الدول وليس بعد دولته دولة وان بين دولته ونفخة الصور اربعين يوما ما فهموه من بعض الروايات وفيه ان الائمة عليهم السلم يطلقون القائم على كل قائم منهم فيتوهم بعض الناظرين انهم ارادوا به محمد بن الحسن العسكري عليه السلم مع انهم يقولون ان كل واحد منا قائم بالحق وورد ان ابليس يقتله القائم عليه السلم وورد ان الذي يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر الرجعات وهو المطابق للاخبار الموافق للاعتبار ويصدق على رسول الله صلى الله عليه وآله انه القائم بالحق بل هو بهذه الصفة احق من جميعهم وفيه ايضا ان احاديثهم مصرحة بان كل مؤمن له ميتة وقتلة ان من مات يبعث حتى يقتل ومن قتل يبعث حتى يموت والقائم المنتظر عجل الله فرجه الى قيامه لم يمت ولم يقتل ولا بد له منهما وروي انه اذا خرج وانتهت مدة ملكه يقتل تقتله سعيدة التميمية لعنها الله ولا بد ان يبعث حتى يموت وموته مع آبائه الطاهرين عليهم السلم رفعه معهم من الارض الى السماء وقد تقدم انه في وقت واحد واذا اجتمعوا عليهم السلم كان الملك والسلطان السيد الاكبر رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة وزراؤه حكام مالكون متصرفون بامره صلى الله عليه وآله في اقطار الارض فيجوز ان يقال ليس بعد دولته دولة لاحد وليس بينها وبين النفخة الاولى الا اربعين يوما ويراد بها دولته الثانية وهذا ظاهر انشاء الله وربما جعل من انكر ذلك الاخبار الواردة فيما اشرنا اليه اخبار آحاد لا توجب علما كما تقدم في كلام السيد المرتضى رحمه الله حيث جعل العمدة في اثبات ما ثبت الاجماع ولنا ان نقول ان الاجماع وان لم يثبت في ذلك الزمان الا على ما خصصه من خروج الصاحب عليه السلم جاز ان يثبت فيما بعده لان كثرة المخالف في ذلك الزمان تغطي كثيرا من الامارات وربما غرست الشبهة في القلوب بايراد الاحتمالات وفي هذا الزمان حين زالت تلك الغواشي ولم يوجد من ذكرها في مواضع المجادلة والمعارضة شيء وانما تذكر في الاحاديث والادعية ومجالس الذكر وطلب الفرج ظهرت الامارات وتراكمت حتى اطمأنت النفوس وسكنت الافكار حين اضمحلت المعارضات والموانع سهل اثبات الاجماع على هذا المدعى مع ما ورد فيه من النصوص الكثيرة منها ما تقدم ذكره عن السيد نعمت الله الجزائري انه قال وقفت على ستمائة وعشرين حديثا في هذا الباب والشيخ عبد الله بن نور الله البحراني الذي تقدم ذكره وبعض كلامه وقلنا يأتي تمامه قال وكيف يشك مؤمن بحقيقة الائمة الاطهار عليهم السلم فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح رواها نيف واربعون من الثقات العظام والعلماء الاعلام في ازيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الاسلام الكليني والصدوق محمد بن بابويه والشيخ ابي جعفر الطوسي والمرتضى والنجاشي والكشي والعياشي وعلي بن ابراهيم وسليم الهلالي والشيخ المفيد والكراجكي والنعماني والصفار وسعد بن عبد الله وابن قولويه وعلي بن عبد الحميد والسيد علي بن طاووس وولده صاحب كتاب زوائد الفرائد ومحمد بن علي ابن ابراهيم وفرات بن ابراهيم ومؤلف كتاب التنزيل والتحريف وابي الفضل الطبرسي وابي طالب الطبرسي وابراهيم بن محمد الثقفي ومحمد بن العباس بن مروان والبرقي وابن شهر اشوب والحسن بن سليمن والقطب الراوندي والعلامة الحلي والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم واحمد بن داود بن سعيد والحسن بن علي بن ابي حمزة والفضل بن شاذان والشيخ الشهيد محمد بن مكي والحسين ابن حمدان والحسن بن محمد بن جمهور العمي مؤلف كتاب الواحدة والحسن بن محبوب وجعفر بن محمد بن مالك الكوفي وطهر بن عبد الله وشاذان بن جبرئل وصاحب كتاب الفضائل ومؤلف الكتاب العتيق ومؤلف كتاب الخطب وغيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا ولم نعرف مؤلفه على التعيين ولذا لم ننسب الاخبار اليهم وان كان موجودا فيها واذا لم يكن مثل هذا متواترا ففي اي شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافة الشيعة خلفا عن سلف وظني ان من يشك في امثالها فهو شاك في ائمة الدين ولا يمكنه اظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملة القويمة بالقاء ما يتسارع اليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين وتشكيكات الملحدين يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره المشركون
اقول لا يذهب وهمك انه يعرض بذلك للشيعة المأولين لتلك الاخبار بل للمنكرين من العامة كما يدل عليه كلامه قبل هذا ثم قال ولنذكر لمزيد التشييد والتأكيد اسماء بعض من تعرض لتأسيس هذا المدعى وصنف فيه او احتج على المنكرين او خاصم المخالفين سوى ما ظهر مما قدمناه في ضمن الاخبار والله الموفق فمنهم احمد بن داود بن سعيد الجرجاني قال الشيخ في الفهرست كتاب المتعة والرجعة ومنهم الحسن بن علي بن ابي حمزة البطائني وعد النجاشي من جملة كتبه كتاب الرجعة ومنهم الفضل بن شاذان النيسابوري ذكر الشيخ في الفهرست والنجاشي ان له كتابا في اثبات الرجعة ومنهم الصدوق محمد بن علي بن بابويه فانه عد النجاشي من كتبه كتاب الرجعة ومنهم محمد بن مسعود العياشي ذكر النجاشي والشيخ في الفهرست كتابه في الرجعة ومنهم الحسن بن سليمن على ما روينا عنه الاخبار واما سائر الاصحاب فانهم ذكروها في ما صنفوا في الغيبة ولم يفردوا لها رسالة واكثر اصحاب الكتب من اصحابنا افردوا كتابا في الغيبة وقد عرفت سابقا من روى ذلك من عظماء الاصحاب واكابر المحدثين الذين ليس في جلالتهم شك ولا ارتياب وقال العلامة (ره) في خلاصة الرجال في ترجمة ميسر بن عبد العزيز فقال العقيقي اثنى عليه آل محمد (ص) وهو ممن يجاهد في الرجعة انتهى اقول اذا نظرت في الاخبار وفي كلام العلماء فيها وما الفوا فيها من الكتب وكثرة الجدال فيها بينهم وبين مخالفيهم ظهر لك ان هذه حال ما هو متواتر بين الفرقة لا حال اخبار الاحاد هذا وقد قال الشيخ في العدة ان خبر الواحد اذا كان واردا من طريق اصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مرويا عن النبي (ص) او عن واحد من الائمة (ع) وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر لانه ان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم ونحن نذكر القرائن فيما بعد جاز العمل به والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة فاني وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتى ان واحدا منهم اذا افتى بشيء لا يعرفونه سألوه من اين قلت هذا فاذا احالهم على كتاب معروف او اصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله هذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي (ص) ومن بعده من الائمة (ع) ومن زمن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته فلولا ان هذه الاخبار كان جائزا لما اجمعوا على ذلك ولا نكروه لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو الى آخره فاذا كان خبر واحد يقبلونه ويعملون به اذا كان صحيحا فكم من خبر صحيح في هذه المسئلة موجب على هذه القاعدة للعمل بمقتضاه والمقام ليس محلا للاطناب وانما ذكرت هذه الكلمات تنبيها على اثبات ما اثبته الله واثبته اولياؤه عليهم السلم وانما دعا المنكر له الى الانكار عدم احتماله وهو حق لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان كما قال امير المؤمنين عليه السلم في خطبته التي تسمى بالمخزون قال فيما نحن فيه ان امرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قبله ( قلبه ظ ) للايمان لا يعي حديثنا الا حصون حصينة او صدور امينة او احلام رزينة يا عجبا كل العجب بين جمدي ورجب فقال رجل من شرطة الخميس ما هذا العجب يا امير المؤمنين قال وما لي لا اعجب وسبق القضاء فيكم وما تفقهون الحديث الا صوتات بينهن موتات حصد نبات ونشر اموات الخ وفي معاني الاخبار بسنده الى الشعبي قال قال ابن الكوا لعلي صلى الله عليه يا امير المؤمنين ارأيت قولك العجب كل العجب بين جمدي ورجب قال ويحك يا اعور هو جمع اشتات ونشر اموات وحصد نبات وهنات بعد هنات مهلكات مبيرات لست انا ولا انت هناك ومنه بسنده عن عباية الاسدي قال سمعت امير المؤمنين صلوات الله عليه وهو متكي وانا قائم عليه لابنين بمصر منبرا ولا نقضن دمشق حجرا حجرا ولاخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب ولأسوقن العرب بعصاي هذه قال قلت له يا امير المؤمنين كأنك تخبر انك تحيي بعد ما تموت فقال هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني قال الصدوق (ره) ان امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه اتقي عباية الاسدي في هذا الحديث واتقى ابن الكوا في الحديث الاول لانهما كانا غير محتملين لاسرار آل محمد عليه وعليهم السلم وهذا صريح في هذه الدعوى وامثاله اصرح واصح والحمد لله رب العالمين
خاتمة ولنورد بعضا من آثارهم عليهم السلم مما يدل على ذلك وعلى بعض كيفيته ووقته ففي الاختصاص بسنده عن ابي عبد الله عليه السلم سئل عن الرجعة احق هي قال نعم فقيل له من اول من يخرج قال الحسين عليه السلم يخرج على اثر القائم عليه السلم فقلت ومعه الناس كلهم قال لا بل كما ذكره الله تعالى في كتابه يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجا قوم بعد قوم اقول المسئول عنه الرجعة الخاصة لا قيام القائم عليه السلم ولهذا قال اول من يخرج الحسين عليه السلم يخرج على اثر القائم عليه السلم يعني ان اول من يخرج في الرجعة وذلك بعد قيام القائم عليه السلم وعنه عليه السلم ويقبل الحسين عليه السلم في اصحابه الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران (ع) فيدفع اليه القائم عليه السلم الخاتم فيكون الحسين عليه السلم هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته اقول فيه دلالة على ان الرجعة لا تختص بهذه الامة كما توهمه بعضهم لان هؤلاء الانبياء (ع) ليسوا من هذه الامة وفي الاختصاص عن جابر الجعفي قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول الى ان قال (ع) ثم يخرج المنتصر الى الدنيا وهو الحسين عليه السلم فيطلب بدمه ودم اصحابه فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح وهو امير المؤمنين عليه السلم وفي الخرائج والجرائح بسنده عن جابر عن ابي جعفر عليه السلم قال قال الحسين عليه السلم لاصحابه قبل ان يقتل ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يا بني انك ستساق الى ارض العراق وهي ارض قد التقى بها النبيون واوصياء النبيين وهي ارض تدعى عمورا وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة (ظ) من اصحابك لا تجدون الم مس الحديد وتلا قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم تكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم فابشروا فوالله لئن قتلونا فانا نرد على نبينا صلى الله عليه وآله قال ثم امكث ما شاء الله فاكون اول من تنشق الارض عنه فاخرج خرجة يوافق ذلك خرجة امير المؤمنين (ع) وقيام قائمنا وحيوة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لينزلن علي وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا الى الارض قط ولينزلن الى جبرئل وميكائيل واسرافيل وجنود من الملائكة ولينزلن محمد وعلي وانا واخي وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق ثم ليهزن محمد (ص) لواءه وليدفعنه الى قائمنا مع سيفه ثم انا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله ثم ان الله يخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من ماء وعينا من لبن ثم ان امير المؤمنين عليه السلم يدفع الى سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ويبعثني الى المشرق والمغرب فلا اتى على عدو لله الا اهرقت دمه ولا ادع صنما الا احرقته حتى اقع الى الهند فافتحها وان دانيال ويوشع يخرجان الى امير المؤمنين عليه السلم يقولان صدق الله ورسوله ويبعث الله معهما الى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم ويبعث مبعثا الى الروم فيفتح الله لهم ثم لاقتلن كل دابة حرم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الارض الا الطيب واعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ولاخيرنهم بين الاسلام والسيف فمن اسلم مننت عليه ومن كره الاسلام اهرق الله دمه ولا يبقي رجل من شيعتنا الا انزل الله اليه ملكا يمسح عن وجهه التراب ويعرفه ازواجه ومنزلته في الجنة ولا يبقى على وجه الارض اعمى ولا مقعد ولا مبتلي الا كشف الله عنه بلاءه بنا اهل البيت ولينزلن البركة من السماء الى الارض حتى ان الشجرة لتقصف بما يزيد الله فيها من الثمرة ولتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء وذلك قوله تعالى ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون ثم ان الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفي عليهم شيء في الارض وما كان فيها حتى ان الرجل يريد ان يعلم علم اهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملون
اقول وليدفعنه الى قائمنا يعني ان رسول الله (ص) يدفع لواءه الى القائم عليه السلم والظاهر ان هذا في رجعة القائم عليه السلم بعد قتله ورجوعه لان هذه الحالة اول خروجه الى الدنيا وقد دلت الاخبار ان اول من يخرج الحسين عليه السلم وهو بعد القائم (ع) ورسول الله صلى الله عليه وآله اخر من يرجع فلا يراد به قيامه الاول لان قيام الاول قبل خروج الحسين عليه السلم الذي اول من يرجع فافهم وفيه ايضا اشارة ان ترتيب الاخرى كترتيب الاولى فان القائم (ع) اول من يخرج ويقوم بالامر ثم من بعده الحسين عليه السلم يقوم ويلي الامر فكذلك اذا رجع القائم عليه السلم والحسين عليه السلم حي ورسول الله صلى الله عليه وآله بعد ان نزل من السماء في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر يبعث ثم يبعث الحسين عليه السلم وليس ذلك لانه افضل من الحسين عليه السلم لان الحسين عليه السلم افضل منه ولكنها مراتب جرت بها الحكمة الالهية وقوله (ع) قبل فاخرج خرجة يوافق ذلك خرجة امير المؤمنين وقيام قائمنا وحيوة رسول الله صلى الله عليه وآله يريد به والله ورسوله (ص) واوصياؤه اعلم ان خروجه مستمر من قيام الحجة عليه السلم اول مرة الى خرجة امير المؤمنين عليه السلم الاولى الى خروجه ثانيا الذي ينزل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فهو موافق باستمراره لهم واعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل الخ فيه دلالة على قبول التوبة الى ذلك الوقت الذي هو خروج علي عليه السلم الثاني الذي ينزل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد استقرار الملك يغلق باب التوبة فتسم دابة الارض علي عليه السلم المؤمن بخاتم سليمن بن داود عليه السلم في جبينه فيبيض بها وجهه وتسم الكافر بعصى موسى عليه السلم على خرطومه فيسود بها وجهه فقوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون ورد فيه انها في حق القائم عليه السلم في قيامه وورد في رجوعه ورجوع آبائه عليهم السلم والثاني لتأويل آخرها وهو قوله تعالى ومن كفر بعد ذلك الخ اولى جمعا بين الادلة لان الظاهر من آخرها معنى لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل لان غلق باب التوبة لا يكون قبل ذلك كيف وهو في الرجعة الاخرى يعرض على اليهود والنصارى واهل الملل قبل استقرار دولتهم فمن قبل الاسلام قبل توبته
واقول ايضا قوله وليدفعنه الى قائمنا يعني ان رسول الله صلى الله عليه وآله يدفع لواءه الى القائم عليه السلم انه في قيام القائم عليه السلم اول ظهوره بعد غيبته قبل خروج الحسين عليه السلم وذلك لان كل قائم منهم لا يقوم الا باذن من الله تعالى ومن رسوله (ص) ومن وليه امير المؤمنين عليه السلم والائمة عليهم السلم فلا يقوم حتى يحضروه ولا يغيب حتى يحضروه ولا يموت حتى يحضروه كما حضروا الحسين عليه السلم يوم كربلاء وقالوا له عجل الينا فانا مشتاقون اليك فعند خروج القائم عليه السلم لا بد ان يحضروه وليس حضورهم هذا هو قيامهم في ذلك الوقت بل اذا هيئوه وتهيأ غابوا واذا قاموا لم يغيبوا فاذا هيأه رسول الله وعلي صلى الله عليهما وآلهما وقضي ما امر به وقتل ورجع بعد موته هيأه كما هيأه اول مرة فالحديث المذكور ظاهر في التهيئة في رجوعه وحديث الانوار المضيئة في رواية ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلم في قيامه فاذا قلنا ان عليا عليه السلم يخرج بعد الحسين عليه السلم والحسين عليه السلم يخرج بعد قيام القائم (ع) ورسول الله صلى الله عليه وآله يخرج اخيرا نريد به قيامه لنفسه فيما هو مكلف به وحديث الانوار المضيئة المشار اليه الى ان قال ابو جعفر عليه السلم يقول القائم عليه السلم لاصحابه يا قوم ان اهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل اليهم لاحتج عليهم مما ينبغي لمثلي ان يحتج عليهم فيدعو رجلا من اصحابه فيقول له امض (ظ) الى اهل مكة فقال ( فقل ظ ) يا اهل مكة انا رسول فلان اليكم وهو يقول لكم انا اهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين وانا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا الى يومنا هذا فنحن نستنصركم فانصرونا فاذا تكلم هذا الفتي بهذا الكلام اتوا اليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية فاذا بلغ ذلك الامام عليه السلم قال لاصحابه الا اخبرتكم ان اهل مكة لا يريدوننا فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوي في ثلثمائة وثلاثةعشر رجلا عدة اصحاب بدر حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي فيه عند مقام ابراهيم اربع ركعات ويسند ظهره الى الحجر الاسود ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي صلى الله عليه وآله ويصلي عليه ويتكلم بكلام لم يتكلم به احد من الناس فيكون اول من يضرب على يده ويبايعه جبرئل وميكائيل ويقوم معهما رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلم فيدفعان اليه كتابا جديدا هو على العرب شديد بخاتم رطب فيقولون له اعمل بما فيه ويبايعه الثلثمائة وقليل من اهل مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت وما الحلقة قال عشر الاف رجل جبرئل عن يمينه وميكائيل عن شماله ثم يهز الراية الجلية وينشرها وهي راية رسول الله صلى الله عليه وآله السحاب ودرع رسول الله صلى الله عليه وآله السابغة ويتقلد بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله ذي الفقار ه وفي خبر آخر ما من بلدة الا يخرج منهم طائفة الا اهل البصرة فانه لا يخرج منها احد ه اقول الظاهر ان المراد من هذا الخبر الاخير ان كل بلدة يتبع القائم عليه السلم منها احد هو من يتبعه من العشرةالالاف او مما زاد عليها لا ان المراد به من الثلثمائة والثلاثة عشر لان اولئك مخصوصون وليسوا من كل بلدة ولم اجد لذلك حديث معين ( حديثا معينا ظ ) الا ما في خطبة البيان وهي كما ترى نعم وجدنا بعض النقل عن بعض تلامذة المجلسي (ره) بخطه هكذا سمعت من استادي علامة العلماء والمجتهدين مولانا محمدباقر المجلسي (ره) ان اهل الخلاف نقلوا خطبة البيان ه اقول وهي وان لم تكن اغرب من كثير من الخطب المنسوبة اليه الا انا ما وجدنا نسختين متفقتين او متقاربتين وكان هذا هو الباعث على رد بعض العلماء لها او انكارها والحاصل نحن لسنا بصدد هذا على ان عدتهم مما لا يختلف فيه اثنان من القائلين بقيام الحجة عليه السلم وربما تكون المصلحة في عدم التعيين واما غير هذه الخطبة ففي كثير من الخطب والاخبار ذكر بعضهم من بعض البلدان والله اعلم وفي منتخب بصائر سعد بن عبد الله للحسن بن سليمن الحلي بسنده الى عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول ان ابليس قال انظرني الى يوم يبعثون فابى الله ذلك عليه فقال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم فاذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر ابليس لعنه الله في جميع اشياعه منذ خلق الله آدم الى يوم الوقت وهي آخر كرة يكرها امير المؤمنين عليه السلم فقلت وانها لكرات قال نعم انها لكرات وكرات ما من امام في قرن الا ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر فاذا كان يوم الوقت المعلوم كر امير المؤمنين عليه السلم في اصحابه وجاء ابليس في اصحابه ويكون ميقاتهم في ارض من اراضي الفرات يقال لها الروحا قريب من كوفتكم فيقتتلون قتالا لم يقتل مثله منذ خلق الله عز وجل العالمين فكأني انظر الى اصحاب علي امير المؤمنين عليه السلم قد رجعوا الى خلفهم القهقري مائة قدم وكأني انظر اليهم وقد وقعت بعض ارجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر رسول الله صلى الله عليه وآله امامه بيده حربة من نور فاذا نظر ابليس رجع القهقري ناكصا على عقبه فيقولون له اصحابه اين تريد وقد ظفرت فيقول اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله رب العالمين فيلحقه النبي صلى الله عليه وآله فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع اشياعه فعند ذلك يعبد الله عز وجل ولا يشرك به شيـٔا ويملك امير المؤمنين عليه السلم اربعة واربعين الف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي عليه السلم الف ولد من صلبه ذكر في كل سنة ذكر وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله ه اقول اعلم ان الاخبار التي لها تعلق بذكر قيام القائم ورجعة آبائه ورجعته عليهم السلم كثيرة لا يمكن ايرادها في هذا الشرح مع انها مختلفة اختلافا كثيرا متباينا لا يمكن الجمع بينها الا بتكلفات بعيدة اكثر الناظرين اليها ينكرونها ومع هذا ولا يمكن بتطويل ممل ولكني احببت ان اذكر بعض معاني ذلك على سبيل الاقتصار واحيله على الاخبار فمن طلب المأخذ ووجد في كلام واحد فحسن والا فهو مجموع من اشياء متفرقة لاني استفدت شيـٔا منها وانا اذكر ما استفدته والله سبحانه المسدد للصواب واليه المرجع والمأب فاقول ان الله سبحانه قال ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وفي القرءان كثير من هذا وقال امير المؤمنين عليه السلم لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يعود اعلاكم اسفلكم واسفلكم اعلاكم وليسبقن سباقون كانوا قصروا وليقصرن مقصرون كانوا سبقوا ه وغيبة الحجة عليه السلم من اعظم الابتلاء لطول المدة وعدم التوقيت مع شدة الحاجة وهي الساعة التي قال الله تعالى يسألونك عن الساعة ايان مرسيها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم الا بغتة الاية وقال عليه السلم كذب الموقتون يكررها ثلاثا الا ان لظهوره علامات منها خروج الدجال من اصفهان والسفياني عثمن بن عنبسة من دمشق وهو من ذرية يزيد بن معوية لعنهم الله في يوم واحد لعشر مضين من جمدي الاولى في السنة التي يخرج فيها القائم عليه السلم عجل الله فرجه بين خروجهما وخروجه عليه السلم ثمانية اشهر لا تزيد ولا تنقص وهما من المحتوم ويكون قبله غلاء وقحط شديد وقلة الامطار سبع سنين كسني يوسف (ع) وليس من المحتوم وهي سبع شداد وبعدها قيام القائم عليه السلم فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يمطر الناس اربعين يوما متوالية او اربعين مطرة او اربعا وعشرين مطرة على اختلاف الروايات اول المطر لعشرين مضين من جمدي الاولى وجمدي الثاني الى اول شهر رجب او اول جمدي الثانية وعشرة من شهر رجب على اختلاف الروايتين حتى تقع اكثر البيوت وبه تنبت لحوم الاموات الذين يرجعون ينشرون من القبور حتى يرجعوا الى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون ثم يختم ذلك باربع وعشرين مطرة تتصل فتحيى بها الارض من بعد موتها وتعرف بركتها وتزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي (ع) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون لنصرته وهو قول علي عليه السلم يا عجبا كل العجب بين جمدي ورجب وقد تقدم وخروج وجه علي (ع) وصدره في عين الشمس في شهر رجب وكسوف الشمس في نصف شهر رمضان وخسوف القمر في آخره او في الخامس منه على اختلاف الروايتين وعند ذلك يبطل حساب المنجمين ويصبح كل رجل من انصاره الثلاثمائة وثلاثةعشر يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان هذا وعند رأسه رقعة مكتوب فيها طاعة معروفة وفي هذا اليوم يصيح جبريل (ع) اول النهار من السماء الا ان الحق في علي وشيعته ويصيح ابليس في ذلك اليوم في الارض الا ان الحق في السفياني وشيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون والصيحة من المحتوم وقتل النفس الزكية بين الركن والمقام وهو رجل هاشمي اسمه محمد بن الحسن في الرابع والعشرين من ذيالحجة وهو من المحتوم وليس بينه وبين قيام القائم عليه السلم الا خمسعشرة ليلة وفي رواية ابي بصير قال قال ابو عبد الله عليه السلم ينادي باسم القائم في ليلة ثلث وعشرين من شهر رمضان ويقوم في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم بين الركن والمقام وجبرئل عن يمينه ينادي البيعة لله فتصير اليه شيعته من اطراف الارض تطوي لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ الله به الارض عدلا كما ملئت ظلما وجورا كل هذه في سنة واحدة وهي السنة التي يقوم فيها ولا يخرج الا في وتر من السنين سنة احدي او سنة ثلث او خمس او سبع او تسع ويكون ذلك اليوم العاشر من المحرم يوم النوروز وهو يوم الجمعة وما روي كما سمعت انه يوم السبت فالذي فهمت انه يخرج يوم الجمعة كما روي يدخل مكة عليه بردة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعلا رسول الله صلى الله عليه وآله المخصوفة وفي يده هراوته (ص) يسوق بين يديه اعنزا عجافا حتى يصل بها نحو البيت ليس ثم احد يعرفه ويظهر وهو شاب اقول ونقل انه يدخل البيت والخطيب على المنبر فيقتله ثم يغيب ويظهر عشية ذلك اليوم وهي ليلة السبت عشية الجمعة ان الجمع بينهما احد وجهين الاول ان تكون الجمعة تاسوعاء والسبت عاشوراء وظهوره في الجمعة غير معروف ويتعرف للناس يوم السبت الثاني ان عاشوراء الجمعة وعشيتها ليلة السبت التي يدعو فيها انصاره وهي ليلة احدعشر وهو يوم السبت وانما قيل فيه العاشر لان حكم ظهوره عليه السلم في العاشر انما هو فيه والاول اقرب قال عليه السلم يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء قال المفضل يا سيدي ومن اين يظهر وكيف يظهر قال عليه السلم يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده ويلج الكعبة وحده ويجن عليه الليل وحده فاذا نامت العيون وغسق الليل نزل اليه جبرئل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبرئل يا سيدي قولك مقبول وامرك جائز فيمسح يده على وجهه ويقول الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول يا معشر نقبائي واهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الارض ائتوني طائعين فترد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم في شرق الارض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في اذن كل رجل ( كصيحة واحدة في اذن رجل واحد خل ) فيجيئون ( يجيبون جميعهم خل ) نحوها ولا يمضي الا كلمح البصر حتى يكونوا كلهم بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله عز وجل النور فيصير عمودا من الارض الى السماء فيستضيء به كل مؤمن على وجه الارض ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا اهل البيت (ع) ثم يصبحون وقوفا بين يديه وهم ثلاثمائة وثلثةعشر رجلا بعدة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر اقول وفي حديث عن المفضل ابن عمر عن الصادق عليه السلم غير الحديث الاول قال عليه السلم لقد نزلت هذه الاية في المفتقدين من اصحاب القائم عليه السلم قوله عز وجل اينما تكونوا يأت بكم الله جميعا انهم ليفتقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة فبعضهم تطوي له الارض وبعضهم يسير في السحاب يعرف اسمه واسم ابيه وحليته ونسبته قال قلت جعلت فداك ايهم اعظم ايمانا قال الذي يسير في السحاب نهارا وعنه قال قال ابو عبد الله عليه السلم كأني انظر الى القائم عليه السلم على منبر الكوفة وحوله اصحابه ثلثمائة وثلثة عشر عدة اصحاب بدر وهم اصحاب الالوية وهم حكام الله في ارضه على خلقه حتى يستخرج من قبلته كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله صلى الله عليه وآله فيجفلون عنه اجفال الغنم فلا يبقى منهم الا الوزير واحد عشر نقيبا كما بقوا مع موسى بن عمران (ع) فيجولون في الارض فلا يجدون عنه مذهبا فيرجعون اليه فوالله اني لاعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به ه ومن الحديث الاول قال عليه السلم يا مفضل يسند القائم عليه السلم ظهره الى الحرم ويمد يده المباركة فترى بيضاء من غير سوء ويقول هذه يد الله وعن الله ( ويمين الله خل ) وبامر الله ثم يتلو هذه الاية ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما فيكون اول من يقبل يده جبرئل ثم تبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء ويصبح الناس يقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة وما هذا الخلق الذين معه وما هذه الاية التي رايناها الليلة ولم نر مثلها فيقول بعضهم لبعض هذا الرجل هو صاحب العنيزات فيقول بعضهم لبعض انظروا هل تعرفون احدا ممن معه فيقولون لا نعرف احدا منهم الا اربعة من اهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم باسمائهم ويكون هذا اول طلوع الشمس في ذلك اليوم فاذا طلعت الشمس واضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السموات والارضين يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد (ص) ويسميه باسم جده رسول الله صلى الله عليه وآله ويكنيه وينسبه الى ابيه الحسن الحادي عشر الى الحسين بن علي صلوات الله عليهم اجمعين بايعوه تهتدوا ولا تخلفوا عنه فتضلوا فاول من يلبي نداءه الملائكة ثم الجن ثم النقباء فيقولون سمعنا واطعنا ولا يبقى ذو اذن من الخلائق الا سمع ذلك النداء وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضا ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوه نهارهم كله فاذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من ارض فلسطين وهو عثمن ابن عنبسة الاموي من ولد يزيد بن معوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه فتضلوا فترد عليه الملائكة والجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون سمعنا وعصينا ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر الا ضل بالنداء الاخير وسيدنا القائم عليه السلم مسند ظهره الى الكعبة ويقول يا معشر الخلائق الا ومن اراد ان ينظر الى آدم وشيث فها انا ذا آدم وشيث الا ومن اراد ان ينظر الى نوح وولده سام فها انا ذا نوح وسام الا ومن اراد ان ينظر الى ابراهيم واسمعيل فها انا ذا ابراهيم واسمعيل الا ومن اراد ان ينظر الى موسى ويوشع فها انا ذا موسى ويوشع الا ومن اراد ان ينظر الى عيسى وشمعون فها انا ذا عيسى وشمعون الا ومن اراد ان ينظر الى محمد وامير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما فها انا ذا محمد وامير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما الا ومن اراد ان ينظر الى الحسن والحسين فها انا ذا الحسن والحسين عليهما السلم الا ومن اراد ان ينظر الى الائمة من ولد الحسين عليهم السلم ( فها انا ذا الائمة عليهم السلم نسخة ) فها انا ذا ويعد واحدا بعد واحد الى الحسين عليه السلم فلينظر وليسألني فانني انبئ بما انبؤا به اجيبوا الى مسئلتي فاني انبئكم بما نبئتم به وبما لم تنبئوا به الا ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني ثم يبتدئ بالصحف التي انزلها الله على آدم وشيث عليهما السلم فتقول امة آدم وشيث هذه والله الصحف حقا ولقد ارانا منها ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان اسقط منها وبدل وحرف ثم يقرأ صحف نوح وصحف ابراهيم عليهما السلم والتورية والانجيل والزبور فيقول اهل التورية والانجيل والزبور هذه والله صحف نوح وابراهيم عليهما السلم وما اسقط منها وبدل وحرف هذه والله التورية الجامعة والزبور التام والانجيل الكامل وانها اضعاف ما قرأنا منها ثم يتلو القرءان فيقول المسلمون هذا والله القرءان حقا الذي انزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وما اسقط منه وحرف وبدل ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر
اقول قد تقدم ان الدابة هو امير المؤمنين عليه السلم وانه يخرج مرتين الاولى بعد قيام الحسين عليه السلم بثمان سنين يطالب بدم ابنه الحسين عليهما السلم وينتقم من قاتليه ويقتل ويمكث ما شاء الله وقد تقدم احتمال مدة المكث ثم يخرج الخرجة الثانية التي ينزل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ويجتمع معه جميع شيعته وفي هذه يقتل ابليس وفيها يغلق باب التوبة وفيها يكتب في جبين المؤمن بخاتم سليمن بن داود (ع) ويسم على خرطوم الكافر بعصى موسى (ع) وفي رواية بالعكس وفي الخرجة الاولى لا يكتب اذا كتب غلق باب التوبة وباب التوبة مفتوح الى يوم الوقت المعلوم الذي يقتل فيه ابليس فيحمل هذا الكلام على الخرجة الثانية وان ذكر في سياق الخرجة الاولى بل ذكر قبل خروج الحسين عليه السلم في ظاهر هذا الكلام بل قبل مسير القائم عليه السلم من مكة ولو اريد به الاولى امكن ان يراد بالكتب في وجه المؤمن والكافر الكتب على من قتل منهما ح لان من قتل حينئذ حقت عليه الكلمة قال عليه السلم ثم يقبل على القائم عليه السلم رجل وجهه الى قفاه وقفاه الى صدره فيقف بين يديه ويقول يا سيدي انا بشير امرني ملك من الملائكة ان الحق بك وابشرك بهلاك سرايا ( جيش خ ) السفياني بالبيداء فيقول له القائم عليه السلم بين قصتك وقصة اخيك فيقول الرجل كنت واخي في جيش السفياني وخربنا الدنيا من دمشق الى الزوراء وتركناها جماء وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وكسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وخرجنا منها وعددنا زها ثلثمائة الف رجل نريد اخراب البيت وقتل اهله فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح بنا صائح يا بيداء ابيدي القوم الظالمين فانفجرت الارض وابتلعت كل الجيش فوالله ما بقي على وجه الارض عقال ناقة فما سواه غيري وغير اخي فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت الى ورائنا كما ترى فقال لاخي ويلك يا نذير امض الى الملعون السفياني بدمشق فانذره بظهور المهدي من آل محمد عليه وعليهم السلم وعرفه ان الله قد اهلك جيشه بالبيداء وقال لي يا بشير الحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين وتب على يده فانه يقبل توبتك فيمر القائم عليه السلم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه ويكون معه قال المفضل يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس قال اي والله يا مفضل ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته واهله قلت ويسيرون معه قال اي والله يا مفضل ولينزلن ارض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد اصحابه عليه السلم ستة واربعون الفا من الملائكة وستةالاف من الجن وفي رواية اخرى ومثلها من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يديه قال المفضل فما يصنع باهل مكة قال يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلا من اهل بيته ويخرج يريد المدينة قال المفضل يا سيدي فما يصنع بالبيت قال ينقضه فلا يدع منه الا القواعد التي هي اول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السلم والذي رفعه ابراهيم واسمعيل عليهما السلم منها وان الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء الله تعالى وليعفين آثار الظالمين بمكة والمدينة والعراق وسائر الاقاليم وليهدمن مسجد الكوفة وليبنينه على بنائه الاول وليهدمن القصر العتيق ملعون ملعون من بناه قال المفضل يا سيدي يقيم بمكة قال يا مفضل بل يستخلف فيها رجلا من اهله فاذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع اليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤسهم يبكون ويتضرعون ويقولون يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم وثم يستخلف عليهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرجع اليهم فيخرجون اليه مجززي النواصي يصيحون ويبكون ويقولون يا مهدي آل محمد غلبت علينا شقوتنا فاقبل توبتنا وارحم جيران بيت ربك فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد عليهم انصاره الجن والنقباء ويقول لهم ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا الا من وسم ( الا من آمن نسخة ) في وجهه بالايمان فلولا ان رحمة ربك وسعت كل شيء وانا تلك الرحمة لرجعت اليهم معكم فقد قطعوا الاعذار بينهم وبين الله وبيني وبينهم فيرجعون اليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من الالف واحد قال المفضل قلت يا سيدي واين يكون المهدي ومجتمع المؤمنين قال دار مملكته الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين بيت السهلة وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين قال المفضل يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة قال اي والله لا يبقي مؤمن الا كان بها او حواليها وليبلغن مربط شاة ( مجالس فرس خ ) الفي درهم اي والله وليودن اكثر الناس انه اشتري شبرا من ارض السبيع بشبر من ذهب والسبيع خطة من خطط همدان وليصيرن الكوفة اربعة وخمسين ميلا وليجاوزن قصورها كربلاء وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لاعطاه بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا الف مرة ثم تنفس ابو عبد الله عليه السلام وقال يا مفضل ان بقاع الارض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فاوحى الله اليها ان اسكني كعبة البيت الحرام ولا تفتخري على كربلاء فانها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وانها الربوة التي اوت اليها مريم والمسيح عليهما السلم والدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلم وفيها غسلت مريم عيسى عليهما السلم واغتسلت من ولادتها وانها خير بقعة عرج رسول الله عيسى صلى الله عليه منها وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها خيرة الى ظهور قائمنا عليه السلم قال المفضل يا سيدي ثم يسير المهدي الى اين قال عليه السلم الى مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله فاذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين قال المفضل يا سيدي ما هو ذاك قال يرد الى قبر جده صلى الله عليه وآله فيقول يا معشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله فيقولون نعم يا مهدي آل محمد فيقول ومن معه في القبر فيقولون صاحباه وضجيعاه ابو بكر وعمر فيقول وهو اعلم بهما والخلائق كلهم جميعا يسمعون من ابو بكر وعمر وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وعسى المدفون غيرهما فيقول الناس يا مهدي آل محمد (ص) ما هيهنا غيرهما انهما دفنا معه لانهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه وآله وابوا زوجتيه فيقول للخلق بعد ثلاث اخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما فيقول هل فيكم من يعرفهما فيقولون نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما فيقول هل فيكم احد يقول غير هذا او يشك فيهما فيقولون لا فيؤخر اخراجهما ثلاثة ايام ثم ينتشر الخبر في الناس فيفتتن من والاهما بذلك الحديث ويجتمع الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ويقول للنقباء ابحثوا عنهما وانبشوهما فيبحثون بايديهم حتى يصلوا اليهما فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما اكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها فتحيى الشجرة وتورق وتونع ويطول فرعها فيقول المرتابون من اهل ولايتهما هذا والله الشرف حقا ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ويخبر من اخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما فيحضرونهما ويرونهما ويفتتنون بهما وينادي منادي المهدي عليه السلم كل من احب صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وضجيعيه فلينفرد جانبا فيتجزأ الخلق جزئين احدهما موال لهما والاخر متبرئ منهما فيعرض المهدي عليه السلم على اوليائهما البراءة منهما فيقولون يا مهدي آل رسول الله نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم ان لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي بدا لنا من فضلهما انتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحيوة الشجرة بهما والله نبرأ منك وممن آمن بك وممن لا يؤمن بهما ومن صلبهما واخرجهما وفعل بهما ما فعل فيأمر المهدي عليه السلم ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كاعجاز نخل خاوية ثم يأمر بانزالهما فينزلان اليه فيحييهما باذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم وجمع النار لابراهيم (ع) وطرح يوسف في الجب وحبس يونس (ع) في الحوت وقتل يحيي (ع) وصلب عيسى (ع) وعذاب جرجيس (ع) ودانيال (ع) وضرب سلمن الفارسي واشعال النار على باب امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلم لاحراقهم بها وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط ورفس بطنها واسقاطها محسنا وسم الحسن وقتل الحسين عليهم السلم وذبح اطفاله وبني عمه وانصاره وسبي ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله واراقة دماء آل محمد (ص) وكل دم سفك وكل فرج نكح حراما وكل ربا وخبث وفاحشة واثم وظلم وجور وغشم منذ عهد آدم عليه السلم الى وقت قيام قائمنا عليه السلم كل ذلك يعده عليهما ويلزمهما اياه ويعترفان به ثم يأمر بهما فيتقص ( فيقتص ظ ) منهما في ذلك بمظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة ثم يأمر نارا تخرج من الارض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا قال المفضل يا سيدي ذلك آخر عذابهما قال هيهات يا مفضل والله ليردن ويحضرن السيد الاكبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والصديق الاكبر امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلم وكل من محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا وليقتصن منهما لجميعهم حتى انهما ليقتلان في كل يوم وليلة الف قتلة ويردان الى ما شاء ربهما ثم يسير المهدي (ع) الى الكوفة وينزل ما بين الكوفة والنجف وعدة اصحابه في ذلك اليوم ستة واربعون الفا من الملائكة ومثلها من الجن والنقباء ثلثمائة وثلاثة عشر نفسا قال المفضل يا سيدي كيف تكون الزوراء دار الفاسقين في ذلك الوقت قال في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن كلب الجزيرة ومن الرايات التي تسير اليها من كل قريب او بعيد والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الامم المتمردة من اول الدهر الى آخره ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا اذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان اهلها الا بالسيف فالويل لمن اتخذها مسكنا فان المقيم بها يبقى في شقائه والخارج منها برحمة الله والله يا مفضل ليصيرن امرها في الدنيا حتى يقال انها هي الدنيا وان دورها وقصورها هي الجنة وان نساءها هي الحور العين وان ولدانها هم الولدان وليظنن الناس ان الله لم يقسم رزق العباد الا بها وليظهرن فيها من الافتراء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله والحكم بغير كتابه ومن شهادة الزور وشرب الخمور والفجور واكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلها الا دونه ثم يخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتى ليمر عليها المار فيقول هيهنا كانت الزوراء ثم يخرج الحسنى الفتى الصبيح الذي من نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل احمد اجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز بالطالقان كنوز واي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب بل هي رجال كزبر الحديد على البراذين الشهب بايديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفا اكثر الارض فيجعلها له معقلا فيتصل به وباصحابه خبر المهدي عليه السلم ويقولون يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا فيقول اخرجوا بنا اليه حتى ننظر ما هو وما يريد وهو والله يعلم انه المهدي وانه ليعرفه ولم يرد بذلك الامر الا ليعرف اصحابه من هو فيخرج الحسنى في امر عظيم بين يديه اربعون الف رجل في اعناقهم المصاحف حتى ينزل بالقرب من المهدي عليه السلم ثم يقول لاصحابه انا نحن اهل بيت على هدى ثم يخرج من معسكره ويخرج المهدي عليه السلم ويقفان بين العسكرين فيقول الحسنى ان كنت مهدي آل محمد صلى الله عليه وآله فاين هراوة جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه اليربوع وناقته العضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبه البراق ومصحف امير المؤمنين عليه السلم فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد فتورق ولم يرد بذلك الا ان يرى اصحابه فضل المهدي عليه السلم حتى يبايعوه فيقول الحسنى الله اكبر مد يدك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسنى الا اربعين الفا اصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية فانهم يقولون ما هذا الا سحر عظيم فيختلط العسكران فيقبل المهدي عليه السلم على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة ايام فلا يزدادون الا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثم يقول لاصحابه لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها قال المفضل يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي عليه السلم قال يثور سرايا على السفياني الى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين عليه السلم في اثنى عشر الف صديق واثنين وسبعين رجلا اصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء ثم يخرج الصديق الاكبر امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلم وتنصب له القبة بالنجف ويقام اركانها ركن بالنجف وركن بهجر وركن بصنعاء وركن بارض طيبة لكأني انظر الى مصابيحها تشرق في السماء والارض كاضوء من الشمس والقمر فعندها تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما ارضعت الاية ثم يخرج السيد الاكبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله في انصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدقه واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه والرادون عليه والقائلون فيه انه ساحر وكاهن ومجنون وناطق عن الهوى ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ويجازون بافعالهم منذ وقت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الى ظهور المهدي عليه السلم مع امام امام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الاية ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون قال المفضل يا سيدي ومن فرعون وهامان قال ابو بكر وعمر قال المفضل يا سيدي ورسول الله وامير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما يكونان معه فقال ولا بد ان يطأ الارض اي والله حتى ما وراء الحاف اي والله وما في الظلمات وما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم الا وطئاه واقاما فيه الدين الواجب لله تعالى ثم لكأني يا مفضل انظر الينا معاشر الائمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله نشكو اليه ما نزل بنا من الامة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لامورهم من دون الامة بترحلنا عن حرم جدنا ( عن حرمه خل ) الى دار ملكهم وقتلهم ايانا بالسم والحبس فيبكي رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول يا بني ما نزل بكم الا ما نزل بجدكم قبلكم ثم تبتدئ فاطمة عليها السلم وتشكو ما نالها من ابي بكر وعمر واخذ فدك منها اليه في مجمع من المهاجرين والانصار وخطابها له في امر فدك وما رد عليها من قوله ان الانبياء لا تورث واحتجاجها بقول زكريا ويحيي عليهما السلم وقول عمر هاتي صحيفتك التي ذكرت ان اباك كتبها لك واخراجها الصحيفة واخذه اياها منها ونشره لها على رؤس الاشهاد من قريش والمهاجرين والانصار وسائر العرب وتفله فيها وتمزيقه اياها وبكائها ورجوعها الى قبر ابيها رسول الله صلى الله عليه وآله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد اقلقتها واستغاثتها بالله وبابيها رسول الله صلى الله عليه وآله وتمثلها بقول رقية بنت صفي :
قد كان بعدك انباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الارض وابلها واختل قومك فاشهدهم فقد لعبوا ( لغبوا خل )
ابدت رجال لنا فحوى صدورهم لما مضيت وحالت دونك الترب ( الحجب خل )
وكل قوم لهم قربى ومنزلة عند الاله على الادنين تقترب
قد كان جبريل بالايات يونسنا فغاب عنا فكل الخير محتجب
تهضمتنا رجال واستخف بنا لما مضيت وحالت بيننا الكثب
يا سيدي يا رسول الله لو نظرت عيناك ما فعلت في آلك الصحب
يا ليت قبلك كان الموت حل بنا اما اناس ففازوا بالذي طلبوا
وتقص عليه قصة ابي بكر وانفاد خالد بن الوليد وقنفذ وعمر بن الخطاب وجمع الناس لاخراج امير المؤمنين عليه السلم من بيته الى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال امير المؤمنين عليه السلم بنساء رسول الله صلى الله عليه وآله وجمع القرءان وقضاء دينه وانجاز عداته وهي ثمانون الف درهم باع فيها تليده وطارفه وقضاها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقول عمر اخرج يا علي الى ما اجمع عليه المسلمون والا قتلناك وقول فضة جارية ( فضة امة نسخة ) فاطمة ان امير المؤمنين عليه السلم مشغول والحق له ان انصفتم من انفسكم وانصفتموه وجمعهم الجزل والحطب على الباب لاحراق بيت امير المؤمنين عليه السلم وفاطمة والحسن والحسين وزينب وام كلثوم وفضة واضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة عليها السلم اليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجراءة على الله ورسوله تريد ان تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متم نوره وانتهاره لها وقوله كفى يا فاطمة فليس محمد حاضرا ولا الملائكة اتية بالامر والنهي والزجر من عند الله وما علي الا كأحد من المسلمين فاختاري ان شئت خروجه لبيعة ابي بكر او احراقكم جميعا فقالت وهي باكية اللهم انا نشكو اليك فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد امته علينا ومنعهم ايانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل فقال لها عمر دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة واخذت النار في خشب الباب وادخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الاسود وركل الباب برجله حتى اصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة اشهر واسقاطها اياه وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول وا ابتاه وا رسول الله ابنتك فاطمة تكذب وتضرب ويقتل جنين في بطنها وخروج امير المؤمنين عليه السلم من داخل الدار محمر العين حاسرا حتى القى ملاءه عليها وضمها الى صدره وقوله لها يا ابنت رسول الله قد علمت ان الله قد بعث اباك رحمة للعالمين فالله الله ان تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا ابقى الله على الارض من يشهد ان محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا ابراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على الارض ولا طائر في السماء الا اهلكه الله ثم قال يا ابن خطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل ان اشهر سيفي فافني غابر الامة فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبدالرحمن بن ابي بكر فصاروا خارج الدار وصاح امير المؤمنين عليه السلم بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردة الباب فاسقطت محسنا عليه السلم فقال امير المؤمنين عليه السلم فانه لاحق بجده رسول الله صلى الله عليه وآله فيشكو اليه وحمل امير المؤمنين عليه السلم لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وام كلثوم الى دور المهاجرين والانصار يذكرهم الله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله وبايعوه عليه في اربعة مواطن في حيوة رسول الله صلى الله عليه وآله وتسليمهم عليه بامرة المؤمنين في جميعها فكل يعده بالنصر في يومه المقبل فاذا اصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو اليه امير المؤمنين عليه السلم المحن العظيمة التي امتحن بها بعده وقوله لقد كانت قصتي مثل قصة هرون مع بني اسرائيل وقولي كقوله لموسى يا ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين فصبرت محتسبا وسلمت راضيا وكانت الحجة عليهم في خلافي ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله (ص) واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الاوصياء من سائر الامم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنهم الله وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعايشة الى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها الى البصرة وخروجي اليهم وتذكيري لهم الله واياك وما جئت به يا رسول الله فلم يرجعا حتى نصرني الله عليهما حتى اهرقت دماء عشرين الفا من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل فمالقيت في غزواتك يا رسول الله وبعدك اصعب منه يوما ابدا لقد كان اصعب الحروب التي لقيتها واهولها واعظمها فصبرت كما ادبني الله بما ادبك به يا رسول الله في قوله عز وجل فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل وقوله واصبر وما صبرك الا بالله وحق والله يا رسول الله تأويل الاية التي انزلها الله في من بعدك في قوله وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلنيضر الله شيـٔا وسيجزي الله الشاكرين ويقوم الحسن عليه السلم الى جده صلى الله عليه وآله فيقول يا جداه كنت مع امير المؤمنين عليه السلم في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه وبلغ اللعين معوية قتل ابي فانفذ الدعي اللعين زيادا الى الكوفة في مائة الف وخمسين الف مقاتل فامر بالقبض علي وعلى اخي الحسين وسائر اخواني واهل بيتي وشيعتنا وموالينا وان يأخذ علينا البيعة لمعوية فمن يأبى منا ضرب عنقه وسير الى معوية رأسه فلما علمت ذلك من فعل معوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلوة ورقيت المنبر واجتمع الناس فحمدت الله واثنيت عليه وقلت ايها الناس عفت الديار ومحيت الاثار وقل الاصطبار ولا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين الساعة والله صحت البراهين وتفصلت الايات وبانت المشكلات ولقد كنا نتوقع تمام هذه الاية بتأويلها قال الله عز وجل وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افأن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ولقد مات والله جدي رسول الله وقتل ابي عليهما السلام وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة وخالفتم السنة فيا لها من فتنة صماء عمياء لا تسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ولا يخالف واليها ظهرت كلمة النفاق وسيرت رايات اهل الشقاق وتكالبت جيوش اهل المراق من الشام والعراق هلموا رحمكم الله الى الافتتاح والنور الوضاح والعلم الجحجاح والنور الذي لا يطفأ والحق الذي لا يخفى ايها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن تكاثيف ( تكانيف خ ) الظلمة فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام الى منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق ولا نية افتراق لاجاهدن بالسيف قدما قدما ولاصبغن من السيوف جوانبها ومن الرماح اطرافها ومن الخيل سبابكها ( سنابكها ظ ) فتكلموا رحمكم الله فكأنما الجموا بلجام الصمت عن اجابة الدعوة الا عشرون رجلا فانهم قاموا الى فقالوا يا ابن رسول الله لا نملك الا انفسنا وسيوفنا فها نحن بين يديك لامرك طائعون وعن رأيك صادرون فمرنا بما شئت فنظرت يمنة ويسرة فلم ار احدا غيرهم فقلت لي اسوة بجدي رسول الله صلى الله عليه وآله حين عبد الله سرا وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما اكمل الله له الاربعين صار في عدة واظهر امر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت اللهم اني قد دعوت وانذرت وامرت ونهيت وكانوا من اجابة الداعي غافلين وعن نصرته قاعدين وعن طاعته مقصرين ولاعدائه ناصرين اللهم فانزل عليهم رجزك وبأسك وعذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت ثم خرجت من الكوفة راحلا الى المدينة فجاؤني يقولون ان معوية اسرى سراياه الى الانبار والكوفة وشن غاراته على المسلمين وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والاطفال فاعلمتهم انهم لا وفاء لهم فانفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم انهم يستجيبون لمعوية وينقضون عهدي وبيعتي فلم يكن الا ما قلت لهم واخبرتهم ثم يقوم الحسين عليه السلم مخضبا بدمه هو وجميع من قتل معه فاذا رءاه رسول الله صلى الله عليه واله بكى وبكى اهل السموات والارض لبكائه وتصرخ فاطمة عليها السلم فتزلزل الارض ومن عليها ويقف امير المؤمنين والحسن عليهما السلم عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين عليه السلم فيضمه رسول الله صلى الله عليه وآله الى صدره ويقول يا حسين فديتك قرت عيناك وعيناي فيك وعن يمين الحسين عليه السلم حمزة اسد الله في ارضه وعن شماله جعفر بن ابي طالب الطيار ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت اسد ام امير المؤمنين وهن صارخات وامه فاطمة تقول هذا يومكم الذي كنتم توعدون اليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا قال وبكى الصادق عليه السلم حتى اخضلت لحيته بالدموع ثم قال لاقرت عين لا تبكي عند هذا الذكر قال وبكى المفضل بكاء طويلا ثم قال يا مولاي ما في الدموع يا مولاي فقال ما لا يحصى اذا كان من محق ثم قال المفضل يا مولاي ما تقول في قوله تعالى واذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت قال يا مفضل والموءودة والله محسن لانه منا لا غير فمن قال غير هذا فكذبوه قال المفضل يا مولاي ثم ماذا قال الصادق عليه السلم تقوم فاطمة بنت رسول الله (ص) صلوات الله عليها فتقول اللهم انجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني وضربني وجرعني ثكل اولادي فتبكيها ملائكة السموات السبع وحملة العرش وسكان الهواء ومن في الدنيا ومن تحت اطباق الثرى صائحين صارخين الى الله تعالى فلا يبقى احد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا الا قتل في ذلك اليوم الف قتلة دون من قتل في سبيل الله فانه لا يذوق الموت وهو كما قال عز وجل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال المفضل يا مولاي ان من شيعتكم من لا يقول برجعتكم فقال عليه السلم اماسمعوا قول جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن سائر الائمة نقول ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال الصادق عليه السلم العذاب الادنى عذاب الرجعة والعذاب الاكبر عذاب يوم القيمة الذي فيه تبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار قال المفضل يا مولاي فامانتكم بالله عند شيعتكم ونحن نعلم انكم اختيار الله في قوله نرفع درجات من نشاء وقوله الله اعلم حيث يجعل رسالته وقوله ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم قال الصادق (ع) يا مفضل فاين نحن عن هذه الاية قال المفضل قول الله ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين وقوله ملة ابيكم ابراهيم هو سميكم المسلمين وقوله عن ابراهيم واجنبني وبني ان نعبد الاصنام وقد علمنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلم ما عبدا صنما ولا وثنا ولا اشركا بالله طرفة عين وقوله واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين والعهد عهد الامامة لا يناله ظالم قال يا مفضل وما علمك بان الظالم لا ينال عهد الامامة قال المفضل يا مولاي لا تمتحني بما لا طاقة لي به ولا تختبرني ولا تبتليني ( لا تبتلني ظ ) فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم اخذت قال الصادق عليه السلم صدقت يا مفضل ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا فاين يا مفضل الايات من القرءان في ان الكافر ظالم قال نعم يا مولاي قوله تعالى والكافرون هم الظالمون والكافرون هم الفاسقون ومن كفر وفسق وظلم لم يجعله الله للناس اماما قال الصادق عليه السلم احسنت يا مفضل فمن اين قلت برجعتنا ومقصرة شيعتنا تقول معنى الرجعة ان يرد الله الينا ملك الدنيا وان يجعله للمهدي ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد علينا قال المفضل لا والله ما سلبتموه ولا تسلبونه لانه ملك النبوة والرسالة والوصية والامامة قال الصادق عليه السلم يا مفضل لو تدبر القرءان شيعتنا لماشكوا في فضلنا اماسمعوا قوله عز وجل ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون والله يا مفضل ان تنزيل هذه الاية في بني اسرائيل وتأويلها فينا وان فرعون وهامان تيم وعدي اقول ثم استطرد المفضل الكلام والسؤال في النكاح الدائم والتمتع وذكر كثير من احكامهما الى ان قال الصادق عليه السلم ثم يقوم جدي علي بن الحسين وابي الباقر عليهما السلم فيشكوان الى جدهما ما فعل بهما ثم اقوم انا فاشكو الى جدي رسول الله صلى الله عليه ما فعل المنصور بي ثم يقوم ابني موسى فيشكو الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل به الرشيد ثم يقوم علي بن موسى فيشكو الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل به المأمون ثم يقوم محمد بن علي فيشكو الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل به المأمون ثم يقوم علي بن محمد فيشكو الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل به المتوكل ثم يقوم الحسن ابن علي فيشكو الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل به المعتز ثم يقوم المهدي سمي جده رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه قميص رسول الله (ص) مضرجا بدم رسول الله (ص) يوم شج جبينه وكسرت رباعيته والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول يا جداه وصفتني ( نصصت علي خل ) ودللت علي ونسبتني وسميتني وكنيتني فجحدتني الامة وتمردت وقالت ما ولد ولا كان واين هو ومتى كان واني يكون وقد مات ولم يعقب ولو كان صحيحا ما اخره الله تعالى الى هذا الوقت المعلوم فصبرت محتسبا وقد اذن الله لي فيها ( وقد اذن الله لي بامره فيها خل ) باذنه يا جداه فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ويقول جاء نصر الله والفتح وحق قول الله سبحانه وتعالى هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ويقرأ انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا فقال المفضل يا مولاي اي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال الصادق عليه السلم يا مفضل ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال اللهم حملني ذنوب شيعة اخي واولادي الاوصياء ما تقدم منها وما تأخر الى يوم القيمة ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين في شيعتنا فحمله الله اياها وغفر جميعها قال فبكيت بكاء طويلا وقلت يا سيدي هذا بفضل الله علينا فيكم قال الصادق عليه السلم ما هو الا انت وامثالك بلى يا مفضل لا تحدث بهذا الحديث اصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلون على هذا الفضل ويتركون العمل فلانغني عنهم من الله شيـٔا لانا كما قال الله تعالى فينا لا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون قال المفضل يا مولاي فقوله ليظهره على الدين كله ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ظهر على الدين كله قال يا مفضل لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ظهر على الدين كله ماكانت مجوسية ولا يهودية ولا نصرانية ولا صابئية ولا فرقة ولا خلاف ولا شك ولا شرك ولا عبدة اصنام ولا اوثان ولا اللات ولا العزى ولا عبدة الشمس والقمر ولا النجوم ولا النار ولا الحجارة وانما قوله ليظهره على الدين كله في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة وهي قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله قال المفضل اشهد انكم من علم الله علمتم وبسلطانه وبقدرته قدرتم وبحكمه نطقتم وبامره تعملون ثم قال الصادق عليه السلم ثم يعود المهدي على الكوفة وتمطر السماء بها جرادا من ذهب كما امطره في بني اسرائيل على ايوب ويقسم على اصحابه كنوز الارض من تبرها ولجينها وجوهرها قال المفضل يا مولاي من مات من شيعتكم وعليه دين لاخوانه ولاضداده كيف يكون قال الصادق عليه السلم اول ما يبتدئ المهدي عليه السلم ان ينادي في جميع العالم الا من له عند احد من شيعتنا دين فليذكره حتى ترد ( يؤدي ظ ) الشومة ( الثومة ظ ) والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والاملاك فيوفيه اياه قال المفضل يا مولاي ثم ماذا يكون قال يأتي القائم عليه السلم بعد ان يطأ شرق الارض وغربها الكوفة ومسجدها ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معوية لعنهما الله لما قتل الحسين بن علي عليهما السلم ومسجد ليس لله ملعون ملعون من بناه قال المفضل يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السلم فقال قال الله عز وجل فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ والمجذوذ المقطوع اي عطاء غير مقطوع عنهم بل هو دائم ابدا وملك لا ينفد وحكم لا ينقطع وامر لا يبطل الا باختيار الله ومشيته وارادته التي لا يعلمها الا هو ثم يوم القيمة وما وصفه الله عز وجل في كتابه والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
اقول لا ينافي هذا ما قدمناه لان ذكره (ع) هذا في جواب سؤال المفضل عن مدة ملكه عليه السلم يراد منه ملكه الثاني بعد رجعته لان الاول قد تقدم بعض الاحاديث بانه سبع او تسع او تسع عشرة سنة او غير ذلك كما تقدم فراجع وانما قلنا هذا لما ثبت عنهم عليهم السلم ان لكل مؤمن ميتة وقتلة وهو عليه السلم اذا ظهر ملك سبع سنين كل سنة بقدر عشر سنين ثم يقتل ويمكث ما شاء الله ثم يرجع ويكون ملكه هذا الى ما قبل نفخ الصور نفخة الصعق اربعين يوما كما ذكرنا سابقا وانما وصف ملكه بالدوام المؤبد مع انه من الظاهر اذا رفعهم الله قبل نفخة الصعق انقضت مدة ملكهم في الدنيا وبعد اربعين يوما ينفخ اسرافيل نفخة الصعق وتفنى الخلائق في قدر ما كانوا من المدد ثم يمكث الكون راكدا اربعمائة سنة ثم يبعث الله اسرافيل وينفخ في الصور نفخة النشور يوم القيمة لان ملكه وملك آبائه عليهم السلم في الحقيقة باق ابد الابدين لا يخرج عنهم ابدا لانهم موجودون لا يجري عليهم ما يجري على من سواهم وانما يرفعهم الله اليه ويكسر هذا الوجود لهم ويصفيه لهم ويصوغه لهم فهم مالكون لما ملكهم ربهم في حال وجود الملك مصوغا صيغة تحتمل الفساد كما في دار التكليف وفي حال كسره وتصفيته لهم كما في البرزخ وفي حال صوغه الصيغة التي لا تحتمل الفساد وبقائه لهم كما في الاخرة فلا يكونون بالله تعالى فاقدين لما وجدوا بالله ابدا فافهم
واعلم انه يكون قبل خروج الحجة عليه السلم علامات منها محتوم ومنها غير محتوم وما ذكرناه سابقا علامات تقع في سنة قيامه عليه السلم وانا اذكر بعضا منها ليكون هذا الشرح مشتملا على كثير من احوال ما يتعلق بقيامه عليه السلم واحوال رجعتهم عليهم السلم وهي كثيرة لا تكاد تحصى والمصرح به في احاديثهم انه من العلامات اقل مما اشاروا اليه انه من العلامات ولكن اشير لك الى ما اشاروا اليه مجملا اعلم ان قيامهم ورجعتهم صلى الله عليهم هي الساعة وهي القيامة الصغرى قال الله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشي الناس هذا عذاب اليم ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون الايات هذا من علامات القيامة الصغرى المشار اليها وقوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون هذه هي القيمة المعروفة عند العوام فكل واقعة جرت كلية او جزئية وكل حادثة وملحمة مما كان ومما يحدث فهو من علامات قيامهم ورجعتهم عليهم السلم وقد اشرت الى شيء من ذلك في قصيدة رثيت بها الحسين عليه السلم قلت في آخرها في خطاب بني امية وما فعلوا به عليه السلم وباهله واصحابه قلت :
ان لنتم ( نلتم ظ ) منهم ما لا يحل لكم فذا اليهم بحكم الله معدول
وكان ذلك من اشراط ملكهم وقطع دابركم ما فيه تعذيل
واما ( ما ظ ) ذكروه عليهم السلم في احاديثهم صريحا فكثير منه ما ذكرنا سابقا ومنه اختلاف بني العباس في ملك الدنيا وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب خسف قرية بالشام تسمى بالجامية وخسف بالبيداء كما ذكر في حديث المفضل وركود الشمس من عند الزوال الى اوسط اوقات العصر وطلوعها من المغرب وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين وهدم حائط المسجد ( سور الكوفة خل ) واقبال رايات سود من ناحية خراسان وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر وينعطف حتى تكاد يلتقي طرفاه وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا وتبقى في الجو ثلاثة ايام او سبعة ايام وخلع العرب اعنتها وتملكها البلاد وخروجها على سلطان العجم وقتل اهل مصر اميرهم وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه ودخول رايات قيس والعرب الى مصر ورايات كندة الى خراسان وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة واقبال رايات سود من المشرق نحوها وتنشق الفرات حتى يدخل الماء ازقة الكوفة وخروج ستين كذابا كلهم يدعي النبوة وخروج اثنيعشر من آل ابي طالب كلهم يدعي الامامة لنفسه واحراق رجل عظيم القدر من شيعة بنيالعباس بين جلوجاء وخانقين وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد وارتفاع ريح سوداء بها في اول النهار وزلزلة حتى ينخسف كثير منها وخوف يشمل اهل العراق وموت ذريع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وجراد يظهر في اوانه وفي غير اوانه حتى يأتي على الزرع والغلات وقلة ريع لما تزرعه الناس واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتل مواليهم ومسخ القوم ( ومسخ قوم ظ ) من اهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير وغلبة العبيد على بلاد السادات وموت احمر بالسيف وموت ابيض بالطاعون وعن ابي بصير ومحمد بن مسلم قالا سمعنا ابا عبد الله عليه السلم يقول لا يكون هذا الامر حتى يذهب ثلثا الناس فقلنا له فاذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى قال اما ترضون ان تكونوا الثلث الباقي
اقول قد وردت اخبار عنهم عليهم السلم بالموت الاحمر والموت الابيض حتى يهلك اكثر الناس والمراد بهذا الهلاك الموت المعلوم وهذا الحديث يحتمل ان المراد بذهاب الناس فيه من الموت الموت المعلوم فيكون قوله اما ترضون ان تكونوا الثلث الباقي يحتمل انه تسلية لشيعته او انهم حيث كانوا ممن محض الايمان محضا يرجعون او حيث انهم مستقيمون على الطريقة يجتنبون الفتن ويلزمون بيوتهم فيسلمون او ان الله سبحانه يدفع عنهم لنصرة الحجة عليه السلم او انه يريد به اناسا مخصوصين او على حذف حرف الجر اي من الثلث الباقي وما اشبه ذلك وهذه الوجوه وان كانت بعيدة من ظاهر الحديث لكنها ليست بعيدة من احد السبعين الوجه كما هو شأنهم عليهم السلم في اراداتهم من كلامهم ويحتمل هذا الحديث ان يراد بذهاب الناس هلاك دينهم وفسادهم في معتقداتهم ولا يراد منه ما يراد من الاخبار الاخر وشيعته لا يضرهم ما يجري في ذلك الزمان من الفتن والامتحان والابتلاء فهم الثلث الباقي على الحق وصحة الاعتقاد في انتظار الفرج وهذا اظهر واقرب من ظاهر الحديث وفي غيبة النعماني عن جابر الجعفي قال سألت ابا جعفر محمد بن علي عليهما السلم عن قول الله تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع فقال يا جابر ذلك خاص وعام فاما الخاص من الجوع فبالكوفة يخص الله به اعداء آل محمد فيهلكهم واما العام فبالشام يصيبهم خوف وجوع ما اصابهم به قط واما الجوع فقبل قيام القائم عليه السلم واما الخوف فبعد قيام القائم صلوات الله عليه واعلم ان العلامات المذكورة في الروايات كثيرة جدا ونحن نقتصر على ما ذكرنا وهيهنا خبر روي في جامع الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله من مشكلات الاخبار فيحمل على حكم البداء او ان العدد يراد به معنى غير ما يعرف كجعل الاحاد عشرات او اقل او على عد الزبر والبينات مربعا او مكعبا او على حكم التضارب كعد العشر مائة والعشرين اربعمائة والثلاثين تسعمائة او غير ذلك من هذا النوع او ان ابتداء العدد من وقت معلوم عندهم عليهم السلم كأن يريد بالست المائة بعد الالف او بعد الالفين او بعد الثلاثة الالاف وما اشبه ذلك او يكون توقيتا لحكم الاقتضاء وذلك لا ينافيه تغيره بحكم الوضع كحصول حوادث وملاحم ودعوات وغيرها من الاسباب السفلية او العلوية كالاوضاع الفلكية من نحو اقتران العلويات وتسبيحات المدبرات وما اشبه ذلك والله سبحانه ونبيه واوصياؤه عليه وعليهم السلم اعلم وهو انه روي عن النبي صلى الله عليه وآله ان في العشر بعد ستمائة الخروج والقتل ويمتلي الارض ظلما وجورا وفي العشرين بعدها يقع موت العلماء لا يبقي الرجل بعد الرجل وفي الثلاثين ينقص النيل والفرات حتى لا يزرع الناس على شطهما وفي الاربعين بعدها يمطر السماء الحجر كامثال البيض فهلك البهائم فيها وفي الخمسين بعدها يسلط عليهم السباع وفي الستين تنكسف الشمس فيموت نصف الجن والانس وفي السبعين بعدها لا يولد المؤمن من المؤمن وفي الثمانين بعدها تصير النساء كالبهم وفي التسعين بعدها تخرج دابة الارض ومعها عصي آدم وخاتم سليمن وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة ولا تسئلوا عما وراءها وفي خبر آخر وفي سنة ثمانين وسبعمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة مع لحية وسبال مثل الرجال تأتي من الصعيد في ما تيالف عنان وتسير الى العراق وهذه قصة طويلة عظيمة وفي سنة سبع وثمانين وسبعمائة يظهر من الروم رجل يقال له المزيد في سبعمائة قنطارية وهي علم على كل علم قنطارية صليب تحت كل صليب الف فارس افرنجي ونصراني وهذه قصة عظيمة طويلة وفي زمانه يخرج اليهم رجل من مكة يقال له سفيان بن حرب وفي خبر آخر من وقت خروجه الى ظهور قائم آل محمد (ص) ثمان اشهر لا تكون زيادة يوم ولا نقصان اقول وهذا الحديث مقطوع مرسل وكتاب جامع الاخبار الذي نقلت منه هذه الاخبار قد استثناه الشيخ محمد بن الحسن الحر رحمه الله مع ما استثنى من الكتب فلم ينقل في الوسائل منها شيـٔا وقال هذه كتب غير معتمد عليها لعدم ثبوت اسانيدها وعدم العلم بثبوت مؤلفيها الخ كلامه وعلى تقدير صحتها فقائله اعلم بما قال لانه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى صلى الله على محمد وآله ويحمل على نحو ما ذكرنا او بعضها او غير ذلك وحيث ثبت بما سمعت وما لم تسمع قيامهم ورجوعهم الى الدنيا وثبت بما تقدم وغيره من عدم الاطلاع على وقت القيام والرجوع لغير الملك العلام وانما لذلك الوقت علامات ودلائل حتى قال امير المؤمنين عليه السلم حين سئل عن ذلك ما المسئول باعلم من السائل وانما هي علامات ودلائل والحجة عليه السلم لا يعلم متى يقوم وانما يعرف ذلك اذا جاء الوقت انسل ذوالفقار من غمده ونظر في الاصلاب فلم ير في صلب كافر مؤمنا فاذا كان كذلك ظهر وعن الصادق عليه السلم انه سئل الم يكن علي عليه السلم قويا في بدنه قويا في امر الله فقال بلى قيل فما يمنعه ان يدفع او يمنع قال (ع) سألت فافهم الجواب منع عليا عليه السلم من ذلك آية في كتاب الله ( من كتاب الله ن ) عز وجل فقيل واي آية فقرأ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما انه كان لله عز وجل ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي عليه السلم ليقتل الاباء حتى تخرج الودائع فلما خرجت ظهر على من ظهر وقتله وكذلك قائمنا اهل البيت لن يظهر ابدا حتى تخرج ودائع الله فاذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله ه فان قلت ان الامام عليه السلم يعلم فيما وصل اليه عن النبي صلى الله عليه وآله وفي ليالي القدر وفي الوقت بعد الوقت وما تضمنت الواح الموجودات وما اشتمل عليه القرءان الذي فيه تفصيل كل شيء ما كتب في الالواح من آجال هذه الودائع وآجال نزولها في الاصلاب وخروجها منها وهو قوله تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين قلنا قد ذكرنا مرارا في مواضع متعددة من هذا الشرح وغيره انهم عليهم السلم لا يعلمون الغيب بمعنى ان كل ما اطلعوا عليه فبتعليم رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تعالى وتوقيفه على كل جزئي جزئي وان معنى ان عندهم علم ما كان وما يكون الى يوم القيمة هو ما ذكرنا سابقا على التفصيل المتقدم فراجعه وان المراد بما كان ما وجد وما يكون مما حتم كونه ولم يكن مشروطا وآجال هذه الودائع من المشروط واحكامه دائما تتجدد بتجدد المقتضيات الموجبة للمحو والاثبات فلا يعلمون المحتوم منها قبل ان يحتم ويصل اليهم فاذا وصل اليهم بتنصيص الحتم علموه وان وصل اليهم لا بالتنصيص فقد يكون ما وصل اليهم علمه محتوما في عالم الغيب لانه الموجب للاخبار به موقوفا في عالم الشهادة لجواز الموانع كالصدقة والدعاء والبر والاعمال الصالحة وكالزنا والذنوب التي تهدم العمر ويقرب البعيد من الاجل فقد تقع الموانع فلا يقع وقد لا تقع فيقع فهم حينئذ يقفون ولا يقولون لانهم لا يعلمون وفي هذا ومثله ترد ليالي القدر والنقر في القلوب والوقر في الاسماع ونطق ما في الالواح وما يرد في الوقت بعد الوقت وفي آجال هذه الودائع مقتضيات من الاباء والامهات ومن المطاعم والمشارب والاوقات والامكنة والمربيات من الارواح والروحانيات وآلاتها ومحال تصرفاتها مما يطول ببيانه الكلام فاذا فهمت ما لوحنا لك فيه عرفت انهم عليهم السلم يقولون كما قالت الملائكة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم وهو سبحانه يطلعهم على ما يشاء من غيبه فحيث ثبت هذا كان افضل الاعمال الايمان به والتسليم في كل ما يرد عنهم وانتظار فرجهم ومد عين الرجاء الى قيامهم والاستعداد لنصرتهم فانه هو الجهاد معهم في غيبتهم فعن الباقر عن آبائه عليهم السلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله افضل العبادة انتظار الفرج وعن ابي جعفر عليه السلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من اصحابه اللهم لقني اخواني مرتين فقال من حوله من اصحابه اما نحن اخوانك يا رسول الله فقال لا انكم اصحابي واخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ( بي ظ ) ولم يروني لقد عرفنيهم الله باسمائهم واسماء آبائهم من قبل ان يخرجهم من اصلاب ابائهم وارحام امهاتهم لاحدهم اشد يقينه ( بقيته خ ) على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء او كالقابض على جمر الغضا اولئك مصابيح الدجا ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة وفي المحاسن عن عبدالحميد الواسطي قال قلت لابي جعفر عليه السلم اصلحك الله والله لقد تركنا اسواقنا انتظارا لهذا الامر حتى اوشك الرجل منا يسأل في يديه فقال يا عبدالحميد اتري من حبس نفسه ( علينا ظ ) وعلى الله لا يجعل الله له مخرجا بلى والله ليجعلن الله له مخرجا رحم الله عبدا حبس نفسه علينا رحم الله عبدا احيى امرنا قال قلت فان مت قبل ان ادرك القائم (ع) فقال القائل منكم ان ادركت القائم عليه السلم نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه شهادتان ومن غيبة النعماني عن جابر بن يزيد عن ابي جعفر الباقر عليه السلم انه قال اسكنوا ما سكنت السموات والارض اي لا تخرجوا على احد فان امركم ليس به خفاء الا انها آية من الله عز وجل ليس من الناس الا انها اضوء من الشمس لا تخفى على بر ولا فاجر تعرفون الصبح فانه كالصبح ليس به خفاء ومن غيبة النعماني عن محمد بن مسلم قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول اتقوا الله واستعينوا على ما انتم عليه بالورع والاحتمال في طاعة الله وان اشد ما يكون احدكم اغتباطا بما هو فيه من الدين لو قد صار في حد الاخرة وانقطعت الدنيا عليه فاذا صار في ذلك الحد عرف انه قد استقبل النعيم والكرامة من الله والبشرى بالجنة وامن مما ( ممن ل ) كان يخاف وايقن ان الذي كان عليه هو الحق وان من خاف دينه على باطل وانه هالك فابشروا ثم ابشروا اما الذي تريدون الستم ترون اعداءكم يقتلون في معاصي الله ويقتل بعضهم بعضا على الدنيا دونكم وانتم في بيوتكم آمنين في عزلة عنهم وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم وهو من العلامات لكم مع ان الفاسق لو خرج لمكثتم شهرا او شهرين بعد خروجه ولم يكن عليكم منه بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم فقال له بعض اصحابه فكيف نصنع بالعيال ( قال ظ ) اذا كان ذلك يتغيب الرجال منكم فان خيفته وشرته فانما هي على شيعتنا فاما النساء فليس عليهن بأس انشاء الله قيل الى اين يخرج الرجال ويهربون منه فقال من اراد ان يخرج منهم الى المدينة او الى مكة او الى بعض البلدان ثم قال ما تصنعون بالمدينة وانما يقصد جيش الفاسق اليها ولكن عليكم بمكة فانها مجمعكم وانما فتنته حمل امرأة تسعة اشهر ولا يجوز انشاء الله ه
واعلم انا قد خرجنا بالاطالة بذكر بعض ما يتعلق بهذا اليوم العظيم الذي كان عند ربك مقداره خمسين الف سنة عن نمط ما نحن بصدده من الشرح ولكن لما كان فيها اشياء مجملة واشياء مجهولة احتجنا الى بعض التبيين والتنبيه لان الشيء اذا كلف الشارع به المكلف على ان يعتقده او يتهيأ للعمل به فلا بد من تبيينه للمكلف ليكون ذلك منه موافقا لمراد الشارع سواء كان ذلك المكلف به من اركان الاسلام او الايمان ام من مكملاتهما واخبار الرجعة ليس فيها تصريح ولا ترتيب واكثر ما ورد فيها مختلف متناف لا يمكن الجمع بينه الا باحتمالات بعيدة اكثر من يقف عليها لا يقبلها نعم تدل بكلها على امر حق لا شك فيه مجمل لا تمكن معرفته الا على جهة الاجمال فهي في دلالتها على هذا الامر المجمل متواترة معنى ولما كان بعض التكاليف فيها اجمال نبه عليه بقوله عليه السلم ابهموا ما ابهمه الله فالايمان بالرجعة شرط في كمال الايمان وباب يوصل المؤمن الى اليقين والاطمئنان فمن شك في شيء من ذلك لم يكمل ايمانه ولم تلجه روح اليقين ومن شك في ذلك كله لم يكن مؤمنا قطعا وانما الشك في اسلامه لان من جملة ذلك قيام القائم عليه السلم ولا يكاد ينكره احد من المسلمين الا شذاذ دعاهم الى ذلك العناد لبعض الشيعة ومكابرة لان النصوص من الطرفين مع كثرتها كلها مقبولة من الفريقين وانما يتكلمون ويؤلون لبعضها لما يظهر لهم من منافاة بعض منها لبعض في خصوص جزئيات منها والايمان بكل ما ورد فيها فما ظهر له عرفه وما امكنه الجمع بين المتنافيين الفه وما تعذر عليه اوقفه هو في الحقيقة التسليم والاخبات وشرح الصدر للاسلام وذلك علامات الخصيصين من اصحاب امير المؤمنين والائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وفي الحديث من لم يقل برجعتنا فليس منا اي ليس من شيعتنا الخصيصين وقد يكون من الشيعة الخاصين وهذا الحديث صريح بان المراد فيه الرجعة الخاصة التي يرجعون هم عليهم السلم فيها بانفسهم ولو اريد العموم كان المعنى ليس من شيعتنا اصلا بل هو من اعدائنا وارشدك انهم صلى الله عليهم انما خالفوا بين احاديثهم تقية من اعدائهم ومن كثير ممن يحبهم ويقول بامامتهم ويتبرء من اعدائهم فاذا فتحت على نفسك باب التسليم في كل ما يرد عنهم وبنيت امرك على قبول ذلك واستقمت على ذلك بحيث لا يعترض لقلبك خلافه ولا تلتفت ابدا ومضيت حيث تؤمر في قوله تعالى ويسلموا تسليما زال التنافي عنها بالكلية عندك وظهر لك انها قول واحد من قائل واحد في وقت واحد وما يلقيها الا الذين صبروا وما يلقيها الا ذو حظ عظيم وكل شيء من التكاليف الشرعية والوجود من هذا القبيل ولا سيما ما نحن بصدده
وقوله عليه السلم : منتظر لامركم اي منتظر لما كنت مؤمنا به من ايابكم ومصدقا به من رجعتكم وهذا الانتظار توقع الفرج من الله ومد عين الرجاء الى جهة كرم الوهاب بتعجيل فرجهم
وقوله عليه السلم : مرتقب لدولتكم معناه مثل معنى منتظر لامركم اذا اريد بالامر هنا الدولة او اريد بالدولة الولاية فان امرهم كما يراد به الولاية يراد به الدولة وكذلك الدولة والانتظار والارتقاب واحد الا ان الانتظار مشتق من النظر لان المنتظر بكسر الظاء لا يزال مادا بصره والارتقاب مشتق من الرقيب بمعنى الحافظ او بمعنى الحارس لان المرتقب يحارس ما يرتقبه ويتوجه اليه لا يشتغل عنه بشيء غيره ويحفظه لا يهمل ملاحظته ويكون هذا الانتظار والارتقاب بالقلب وباللسان وبالاركان على نحو ما مر في اول الكلام
قال عليه السلم : آخذ بقولكم عامل بامركم اعتراف مني باني لا ائتم بغيركم اذا قال القائلون وحكم الحاكمون وتشرع المتشرعون ولا اخذ بقول احد سواكم اي لا ادين الله في جميع ما اراد مني من التكاليف التي تقتضيها الربوبية من العبودية من امر التوحيد فما دونه الى ارش الخدش فما فوقه فاعتقادي لما اثبتم ومعرفتي بما عرفتم وعلمي بما علمتم وقولي عن قولكم وعملي على ما علمتم ودللتم فاذا وقع مني ما وافق ما عنكم حمدت الله بالثناء عليكم واثنيت عليه بالصلوة عليكم واذا وقع مني ما لا يطابق ما عنكم استغفرت الله واشهدته واشهدتكم على ذنوبي وتقصيري لما اجد في سري وعلانيتي وقولي وفعلي ان الحق والصلاح والسعادة والنجح بكل ما هو خير ومحبوب عند الله لكم وبكم ومعكم وفيكم وعنكم ولما اجد في سري وعلانيتي وقولي وفعلي ان هذا الذي اشهدت الله واشهدتكم عليه هو حقيقة الاخذ بقولكم ولما اجد في نفسي في سري وعلانيتي وقولي وفعلي ان ما خالف هذا الذي اشهدت الله واشهدتكم عليه مخالف للاخذ بقولكم فانا فيما يجري علي به القضاء من التوفيق والخذلان آخذ بقولكم لاني عامل بامركم معترف فيه بان المنة لله والفضل لله ثم لكم في التوفيق للمتابعة وبالتقصير والانقطاع والالتجاء في المخالفة
وقوله عليه السلم : عامل بامركم مثل معنى قوله آخذ بقولكم اذا جعلنا الامر بمعنى القول وبمعنى ما دعونا اليه وندبونا اليه من احكام الدين والاسلام واذا جعلناه بمعنى الولاية قدرنا مضافا محذوفا اي عامل بمقتضي ولايتكم وهو ما تقتضيه الربوبية من العبودية فيكون المراد من العبارتين واحدا وذكر بعض احكام الولاية فيهما يرجع الى ما تقدم فقد ذكرنا كثيرا منه مكررا فلا فائدة في ذكره
قال عليه السلم : مستجير بكم زائر لكم عائذ بكم لائذ بقبوركم
اقول المستجير الطالب للحفظ مما هرب منه والعارف بهم المحب لهم يستجير بهم اي يميل اليهم ليجيروه من مكاره الدارين وليبلغوه ما تقر به العين والميل اليهم بنحو ما تقدم بان يعتقد انهم حجج الله على خلقه ومعانيه لدعاته وظاهره للمستجيبين له وان يحبهم بحقيقة قلبه وحق فؤاده ونطق لسانه واعمال اركانه وهذه الثلاثة انما تكون محبة لهم ومحبوبة لهم اذا كانت عنهم وبهم ولهم مشفوعة بالتسليم لهم والاغتباط بذلك والرضي بالمطلوب والاغتنام بالخير المرغوب فاذا عرف فؤاده بهم وتيقن قلبه عنهم وشرح صدره بالعمل بالاخذ عنهم والتسليم والرد اليهم والرضى بما رضوه ورأه مغنما وغبطة وتشبه بهم في كل ما يقدر عليه وتبرأ من اعدائهم ومن كل وليجة دونهم في معرفة فؤاده ويقين قلبه وعلم صدره ونطق لسانه واعمال اركانه يعني على نحو ما يتولى به اوليائه مما اشرنا اليه في الاعتقادات والاقوال والاعمال يتبرأ به من اعدائهم في الاعتقادات والاقوال والاعمال فاذا استجار بهم عليهم السلم بهذه الاستجارة الحقيقية التي هي الاعتصام بذمام الله فهو جارهم حقيقة فاذا قال مستجير بكم فقد طابق ظاهره باطنه وقوله فعله
وقوله (ع) : زائر لكم اي قاصد اليكم والقصد على انحاء شتى منها انه يقصدهم عليهم السلم في حال ظهورهم ليأخذ عنهم ما يحتاج اليه من امور دينه من الاعتقادات والاعمال الشرعية والتأدبات الالهية التي تتم بها الصورة الانسانية وتكمل بها الهيئة الملكية وتصدق بها حقيقة العبودية وهذه هي اللباس الذي يواري سوءة المكلف عن الملكين الحافظين وهي الريش الذي يتزين به للقائهم وللقاء ربهم وربه وهي لباس التقوى الذي هو زينة للمؤمن وخير عند الله في الدنيا والاخرة ومنها انه يقصدهم بالائتمام بهم والتسليم لهم والرد اليهم والمجانبة لمخالفيهم مجانبة تنطبق على الائتمام بهم عليهم السلم والتسليم لهم والرد اليهم انطباق موافقة وتدل على صدق ولايتهم وصحة محبتهم عليهم السلم دلالة مطابقة كما هو حكم الاضداد في الافعال والاستعداد ومنها انه يقصدهم بامتثال ما قرروا من اوامر الله واجتناب ما حددوا من نواهي الله وذلك لانهم صلى الله عليهم لما كانوا وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء وباب الله الذي تظهر منه احكام القضاء واسرار البداء وكانوا انما يأمرون بامر الله وينهون بنهي الله ولا يريدون شيـٔا لانفسهم ولا لمخلوق الا مراد الله لانهم محال مشيته والسنة ارادته لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وقد جعلهم سبحانه لجميع ما خلق سبيله اليهم في جميع الامدادات من التكاليف والايجادات وسبيلهم اليه تعالى في الامتثالات والاستعدادات كان القصد اليهم لا يكون في حال من الاحوال الا بامتثال اوامر الله في الواجبات والمتممات كالنوافل مثلا للصلوات اليومية في بعض الاحوال على بعض الاعتبارات والمكملات كالنوافل مثلا للصلوات اليومية على البعض الاخر وكالاداب الشرعية والاخلاق الالهية وان لم يكن القصد كما قلنا كان اما بخلاف ذلك وهو قصد لاعدائهم او ليس لواحد منهما وهو قصد لصورتهم ومثالهم عنده وهذا حال من يميل ما مالت به الريح وهم فريقان في مأل امرهم اتباع لغيرهم الذين قال تعالى فيهم فريق في الجنة وفريق في السعير
وقوله عليه السلم : عائذ بكم اي لاج ومستجير بكم ومعنى ذلك ما تقدم مكررا من انه لا يتحقق ذلك الا بولايتهم ولا تتحقق ولايتهم الا بمحبتهم ولا تتحقق محبتهم الا بمتابعتهم في الاقوال والافعال والاعمال ظاهرا وباطنا كالاعتقادات ولا تتحقق متابعتهم الا بمعرفتهم ولا تتحقق معرفتهم الا بتصديقهم ولا يتحقق تصديقهم الا بالتسليم لهم كما مر واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلم انكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا ابوابا اربعة لا يصلح اولها الا باخرها ضل اصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا ان الله تبارك وتعالى لا يقبل الا العمل الصالح ولا يتقبل الا بالوفاء بالشروط والعهود ومن وفي لله بشروطه واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده اقول يريد واستكمل ما وصف في عهده ما اراد سبحانه بقوله الست بربكم قالوا بلى فقوله بلى هو ما وصف في عهده الذي هو من الله الست بربكم ومنه بلى واستكماله بالموافاة والقيام بالشروط والعهود وهي ما ذكرناه وهو التسليم الحقيقي وهو الاسلام الذي هو الدين عند الله وهو الايمان الكامل وهو امتثال جميع الاوامر واجتناب جميع النواهي وهو قوله عليه السلم وقال الله انما يتقبل الله من المتقين فمن اتقي الله تعالى فيما امره لقي الله مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله الحديث وقد تقدم
وقوله عليه السلم : لائذ بقبوركم اي ملتجئ فهو بمعنى عائذ او احد معنييه فعلى الاول يراد ان الالتجاء والاستجارة انما هي بهم صلى الله عليهم والالتجاء اليهم نفس الالتجاء الى الله تعالى والاستجارة بهم نفس الاستجارة بالله سبحانه وهو سبحانه يجير ولا يجار عليه ولا ملتجأ منه الا اليه وانما اتحد الالتجاء بهم والالتجاء بالله لانه لا يوجد سبحانه الا حيث وجدوا ولا يظهر الا حيث ظهروا وذلك لانه عز وجل انما وجده من عرفه بهم وانما ظهر بهم وانما عرف بهم لانهم عليهم السلم كما مر مكررا معانيه وابوابه وظاهره في خلقه واركان مقاماته وعلاماته وصفاته واسماؤه وذلك لان جهة الالتجاء اليه اذا طلبها العارف بهم لم يجدها الا اياهم وذلك لتقدس ذاته السبحانية عن النسب والانتسابات وجهات الخلق في الخلق وهو قول علي عليه السلم الحق انتهى المخلوق الى مثله اي مخلوق مثله فنزه الحق سبحانه عما سواه وقرن المخلوق بما ساواه فتكون المغايرة بين عائذ ولائذ للتحسين وانما ذكرت القبور مع ان الالتجاء انما هو اليهم لانهم الان لم يوجدوا لنا وانما توجد قبورهم والالتجاء الى قبورهم انما هو لاجل انها ابواب غيبتهم كما ان الغائب في بيته انما ينتظر ويرتقب عند الباب وعلى الثاني يراد ان الالتجاء والاستجارة اللذين هما طلب الامن من مكاره الدارين انما هما الدخول للبيت الذي جعله عز وجل امنا لداخليه حيث يقول ومن دخله كان آمنا وهم صلى الله عليهم البيت المشار اليه لا هذه البنية المشرفة الظاهر فكم من داخل فيه لم يأمن على نفسه فقد قتل ابن الزبير فيه ودخل القرامطة لعنهم الله الى مكة المشرفة ايام الموسم في سنة عشر وثلثمائة من الهجرة واخذوا الحجر الاسود وقتلوا خلقا كثيرا من الطائفين وغيرهم وممن قتلوه علي بن بابويه وكان يطوف فاقطع طوافه فضربوه بالسيف فوقع على الارض وانشد :
ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
ونقلوا الحجر الى القطيف وبقي عندهم عشرين سنة ورد الى مكة في سنة ثلاثين وثلثمائة وقيل بقي تسع عشرة سنة وفي امالي الصدوق قال تعالى للنبي (ص) في حق علي عليه السلم وجعلته العلم الهادي من الضلالة وبابي الذي اوتى منه وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري فهم عليهم السلم ذلك البيت وولايتهم ذلك البيت ومعرفتهم ذلك البيت فالالتجاء اليهم دخول هذا البيت واما الالتجاء الى قبورهم فلانها مدافنهم وتربهم فهو التجاء الى قبورهم وكون الالتجاء الى قبورهم التجاء اليهم لانهم فيها او لانها حفرهم لانهم ليسوا فيها بل رفعهم الله اليه احتمالان والاحاديث عنهم عليهم السلم اكثرها يدل على الثاني فان الاخبار منها ما يدل على انهم لا يبقون في قبورهم الا ساعة ومنها لا يبقون الا ثلاثة ايام ومنها انهم اول الامر يبقون ثم يرفعون كما في رواية كامل الزيارة وغيره لما سئل الصادق عليه السلم عن الحسين عليه السلم لو نبش وجد في قبره قال ما معناه اما في الاول فنعم واما الان فلا لانه الان متعلق بالعرش وهو دائما ينظر الى زواره وانما يزار موضع حفرته واما ما يدل على انهم في حفرهم فكثير مثل ما يروى انك تأتي الحسين عليه السلم مثلا وتزوره في قبره وتشير الى قبره وتخاطبه وتقول اشهد انك ترى مقامي وتسمع كلامي وترد علي سلامي واحتمال المجاز تعارضه اصلية استعمال الحقيقة والذي اعرف واعتقد ان مدلولي النوعين من الاخبار صحيحان على ظاهرهما وانما الاشكال والصعوبة في الجمع بينهما مع تنافيهما ظاهرا وذلك لغموض معنى رفعهما على الافهام قبل التنبيه عليه وانا انشاء الله تعالى آتيك اياه فخذه وكن لله من الشاكرين
اعلم ان اجسادهم واجسامهم عليهم السلم في غاية اللطافة بحيث لا تدركها الابصار بل ولا البصائر فقد روي عنهم (ع) ان الله خلق قلوب شيعتهم من فاضل اجسامهم وفي رواية ان الله خلق ارواح شيعتهم من فاضلة طينتهم او اجسامهم وخلق ارواحهم من فوق ذلك وخلق ارواح شيعتهم من دون ذلك وقد تقدم الاشارة الى ذلك مرارا وانما ظهروا للناس بما لبسوا من الصورة البشرية التي هي محل التغيير والتبدل وهي صورة كثيفة من العناصر الاربعة التي تحت فلك القمر وانما لبسوها ليتم ما اراد الله من انتفاع المكلفين بهم ولولاها لما قدر احد من الخلق ان يراهم او يدركهم او ينتفع بهم من قوله تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون وكانت الصورة البشرية وان كانت لهم عارضية لانها ليست منهم وانما هي من آثار آثارهم فلما انتهت الحاجة اليها وانقضت ولم يكن لها فائدة ولا مصلحة القوها في اصولها الاربعة كل في اصله فلما القوها كشف منهم ما اخفته البشرية بكثافتها ظاهرا فكانوا كما كانوا في اعالي عالم الانوار معلقين في اوائل عللهم من الامر الذي قام به كل شيء ومثال ظهورهم بالبشرية وما بعده مما اشرنا اليه الصورة التي ظهرت منك في المرءاة فان جرم الشيشة الصقيل للصورة بمنزلة الصورة البشرية لهم اي لظهورهم عليهم السلم اذ لولا جرم الشيشة وصقالته لماظهرت الصورة مع انها موجودة في ظلك وانما توقف ظهورها على الصورة البشرية التي هي الشيء الصقيل كالمرءاة والماء وما اشبههما فالصورة شبحك معلق بك مستقر في ظلك عارض لك لا ذاتي لانه نورك وشعاعك فاذا ذهبت المرءاة خفي الشبح لعدم شرط ظهوره فكان كما كان في اعالي عالم ظهورك الذي هو عالم انوارك اي انوار افعالك معلقا في اوائل علله من الامر الذي من فعلك اي ظهورك الذي قام به كل شيء من آثار ذلك الفعل فافهم هذا بيان الجواب على كشف جميع الاسباب ورفع الحجاب واما قشر الجواب فاعلم انهم انوار لا كثافة في اجسامهم بوجه بحيث لا تدركها الابصار بل اكثر البصائر وهي حينئذ في رتبة لطافة العرش فاذا زالت الكثافة البشرية التي هي علة الادراك قلنا انهم معلقون بالعرش وهم في حفرهم كما قد تقرر عند علماء الفن ان الصورة التي تراها في المرءاة من عالم المثال وهو يعني عالم المثال في الاقليم الثامن اسفله على اعلى محدد الجهات يعني ان الصورة المرئية اذا نسبت في الرتبة واللطافة تكون فوق محدب مجدد الجهاد ( محدد الجهات ظ ) لانه الطف الاجسام والصورة اي عالم المثال فوقه في الرتبة لا الجهة اذ ليس وراء محدب محدد الجهات شيء محدث فقول الحكماء الاولين المستمدين من مشكوة الوحي والنبوة ليس وراءه خلاء ولا ملاء يريدون انه لم يخلق الله سبحانه شيـٔا من الاشياء خارجا بالمكان والشيئية عن المحدد فلا وراء له لا انه له وراء خال او لا خال ولا ممتل كما توهم بعضهم ان وراءه المجردات وهي لا توصف بالخلاء والملاء بل المراد انه ليس له وراء واذا اردت ان ترى آيته ومثاله فانظر الى نفسك فترى انه ليس وراءك شيء منك فاذا قلت ان الروح وراء هذا الجسد لا تريد به الا انها غيب فيه بلا تحيز لا انها خارجة عنه ليكون وراء جسمك شيء منك لك فافهم التمثيل فاجسادهم عليهم السلم في قبورهم في رتبة الاجساد من اللطافة وهو معنى تعلقها بالعرش اي في الرتبة واللطافة فلو وجدت الصورة البشرية الأن وجدتهم في قبورهم فلما خلعوها في اصولها لم يجدهم في قبورهم احد الا ان يكون واحدا منهم عليهم السلم فانه يدرك ذلك لكونه من هنالك ولا يمنعه ما فيه من الصورة البشرية التي بها نجده لانها اذا نسبت الى نوريته كانت كالذرة في هذا العالم ولهذا صعد النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج بجسمه الشريف مع ما فيه من البشرية الكثيفة وبثيابه التي عليه ولم يمنعه ذلك عن اختراق السموات والحجب حجب الانوار لقلة ما فيه من الكثافة الاتراه يقف في الشمس ولا يكون له ظل مع ان ثيابه عليه لاضمحلالها في عظيم نوريته وكذلك حكم اهل بيته الثلاثة عشر المعصوم صلى الله عليهم اجمعين ومثال ذلك انك لو وضعت مثقالا من التراب في مثقال من الماء او اقل او اكثر بقليل كان الماء كدرا لكدورة كثافة التراب ولو وضعت مثقال التراب المذكور في البحر المحيط لم يظهر للمثقال التراب اثر بل يكون وضعه وعدمه بالنسبة الى البحر المحيط سواء نعم لو نظرت الى المثقال التراب في قدره من البحر المحيط قبل تموجه واستهلاكه ادركته كذلك هم عليهم السلم حال تعلق البشرية تدرك منهم ما تلبست به الكثافة البشرية حال ارادتهم التلبس والأن لم يريدوا التلبس وخلعوها في اصولها فاجسادهم في قبورهم معلقون بالعرش وعبارة اخرى اجسادهم في السماء في قبورهم وحفرهم المعلومة التي تأتي اليها زوار شيعتهم المؤمنين اللهم ارزقنا زيارتهم وادخلنا برحمتك في شيعتهم يا ارحم الراحمين فالناس حيث لم يدركوهم ولو نبشوا قبورهم لم يروهم يزورون مواضع آثارهم ولعمري انهم صلى الله عليهم فيها في السماء او معلقون بالعرش وفي كامل الزيارة لجعفر بن محمد بن جعفر بن قولويه باسناده عن عبد الله بن بكر الارجاني في حديث طويل عن الصادق عليه السلم وفيه قلت جعلت فداك اخبرني عن الحسين عليه السلم لو نبش كانوا يجدون في قبره شيـٔا قال يا ابن بكر ما اعظم مسائلك الحسين مع ابيه وامه والحسن في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله يحبون ويرزقون فلو نبش في ايامه لوجد فاما اليوم فهو حي عند ربه ينظر الى معسكره وينظر الى العرش متى يؤمر ان يحمله وانه لعلي يمين العرش معلق يقول يا رب انجز لي ما وعدتني وانه لينظر الى زواره وهو اعرف بهم وباسمائهم وباسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله من احدكم بولده وما في رحلهم وانه ليرى من يبكيه فيستغفر له رحمة له ويسئل اباه الاستغفار له ويقول لو تعلم ايها الباكي ما اعد لك لفرحت اكثر مما جزعت ويستغفر له كل من سمع بكاءه من الملائكة في السماء وفي الحائر وينقلب وما عليه من ذنب وفيه عن زياد بن ابي الحلال عن ابي عبد الله عليه السلم قال ما من نبي ولا وصي يبقى في الارض اكثر من ثلاثة ايام ثم يرفع روحه وعظمه ولحمه الى السماء وانما يؤتي مواضع آثارهم ويبلغونهم من بعيد السلام ويسمعونهم في موضع آثارهم من قريب قوله عليه السلم يبلغونهم من بعيد السلام يعني به ان الزوار يبلغون الائمة عليهم السلم من بعيد السلام فضمير الجمع الفاعل للزوار والمفعول للائمة عليهم السلم وانما كان التبليغ من بعيد لبعدهم عن الادراك وعن وجدانهم لانهم في السماء اي الخلوص والصفاء الذي لا يدركونه وهم عليهم السلم يسمعون زوارهم وهم في قبورهم من قريب لانهم حاضرون في قبورهم فضمير الفاعل في يسمعون لهم عليهم السلم والمفعول لشيعتهم وزوارهم فقوله عليه السلم لائذ بقبوركم المراد منه اني لائذ بقبوركم لانكم فيها ترون مقامي وتسمعون كلامي وتردون علي سلامي فانا لائذ بكم فيصير بمعنى عائذ بكم لائذ بكم فيختلف المعنى في العبارتين فيكون اني عائذ بكم اي معتصم بكم لائذ اي مستجير بكم فاذا جمعت بين الخبرين فرقت بين المتعلقين واذا جمعت المعلقين فرقت بين الخبرين لئلا يصير في الكلام تكرار والتأسيس خير من التأكيد
قال عليه السلم : مستشفع الى الله عز وجل بكم ومتقرب بكم اليه ومقدمكم امام طلبتي وحوائجي واراداتي في كل احوالي واموري
قال الشارح المجلسي (ره) مستشفع الى الله عز وجل بكم اي اجعلكم شفعائي الى الله تعالى واسأله بحقكم في قضاء حوائجي ومتقرب بكم اليه اي اجعلكم وسائل قربي اليه او اتقرب اليكم حتى اتقرب اليه تعالى فان قربكم قرب الله تعالى ومقدمكم امام طلبتي اي اسأله بحقكم او اصلي عليكم قبل الدعوات حتى تصير مستجابة كما ورد في الاخبار المتواترة ان الدعاء لا يقبل بدون الصلوة على محمد واهل بيته انتهى
اقول يراد بالاستشفاع بهم ان يتوجه الى الله تعالى باحضار صورهم امام قلبه المتوجه الى الله وهم امام توجهه متوجهون الى الله تعالى له فيدعو الله بتوجههم الى الله في استجابة دعائه وقبول توبته وان يقبله على ما هو عليه من تقصيره ويدخله في عباده الصالحين فهم المستشفعون له او هو المستشفع بهم بان يدعو الله عز وجل ويقسم عليه تعالى بحرمتهم وبحقهم وبجاههم عنده ان يستجيب دعاءه فيما يطلب من مالك الدنيا والاخرة فالسين في مستشفع للطلب منهم ان يطلبوا من الله له مطالبه فانه تعالى لا يردهم او للطلب من الله تعالى بحقهم وبجاههم فهو على الحالين مقدم لهم امام توجهه اليه تعالى فعلى الاول هم الشافعون له وعلى الثاني هو المستشفع من الله بهم وحرمتهم المقسم بها على الله هي ما اقامهم منه تعالى لعباده بان جعلهم اركان توحيده وآياته ومقاماته التي ظاهرها انهم عليهم السلم ظاهره في خلقه وبان جعلهم معانيه اي معاني اسماء افعاله من علمه وقدرته وسمعه وبصره وارادته ومحبته وامره وكتابه وسره ومفاتح غيبه والسنة ارادته ومحال مشيته وعيبة علمه وخزائن جميع آثار افعاله من عرفهم فقد عرف الله ومن انكرهم فقد انكر الله ومن احبهم فقد احب الله ومن ابغضهم فقد ابغض الله فهم اقطاب جهات مطالب الخلق من الله سبحانه كيف يحب الله من يبغض جهة محبته من الله او قطبها الذي عليه دارت او سببها الذي به كانت وكيف يعرف الله من ينكر جهة معرفته لله وحقهم على الله ان الله سبحانه خلقهم له كما هم له فخلصوا له فحقهم عليه خلقه اياهم له كما هم له فكان بهذا الحق ان كان لهم كل ما كان له وكل ما يكون له وذلك جميع ما كون في ملكه وما يكون فلا يكون له من ذلك ما ليس لهم ولا يكون لهم من ذلك ما ليس له لانه في الحالين انما كان له ليكون لهم فحقهم عليه حقه عليهم لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء وجاههم عنده هو جاهه عندهم لانهم امثاله العليا فلما اراد ان يعرف سبحانه تعرف لهم بانفسهم فعرفوه بما وصف به نفسه من انفسهم فذلك هو الجاه قال الله سبحانه كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام وقال تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم وهو الجهة ايضا كما في الدعاء عنهم عليهم السلم وجهك خير الوجوه وجاهك خير الجاه وجهتك اكرم الجهات الدعاء
وقوله عليه السلم : ومتقرب بكم اليه التقرب اليه سبحانه القيام باوامره واجتناب نواهيه والتأدب بادابه والتخلق باخلاق الروحانيين على النحو الذي دعا اليه ودل عليه وهو ان يأخذ الاوامر الالهية والمناهي الجبارية عنهم عليهم السلم ويمتثل بالاوامر ويجتنب المناهي على سنن تعليمهم وعملهم ويأخذ التأدبات والتخلق باخلاق المجردات عن كدورات البشرية عنهم عليهم السلم ويستعمل اعمال علومه بذلك على نحو استعمالهم لذلك مقدما لهم امام علومه واعماله واستعماله ليقتفي بهم لانهم الهادون ويستدل بهم وبدلالتهم لانهم الادلاء الراشدون معتقدا ان هذا النحو هو مراد الله من عباده ولذلك خلقهم واسكنهم في بلاده لا يقبل منها الا ما وافق رضاهم ولا يوافق الا ما اخذ عنهم على جهة الانقياد والتسليم المحض الذي يكون فيه المطيع كالميت وكالجماد لا يعتبر من شؤن نفسه في وجدانه الا ما اعتبروه له لطاعة الله فاذا كان هكذا طهر ظاهره وباطنه وتوافقا وصدق مع ربه خلف ساداته في جميع المواطن وزكا وزكاه الله سبحانه وطهره بما وفقه له من اتباعهم حتى كان قريبا منه فشابه وجهه في كتاب الله المحفوظ وهو قول علي عليه السلم وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها يعني انه يكون مثل عقله الذي هو رأس من العقل الكلي الذي هو عقل الكل في التقدس وعدم التلوث بشيء من شائبة الاجسام والجسمانيات لا ملابسة ولا مقارنة فيكون كالعقل شهوده ووجوده ورؤيته ودعوته وقوله وعمله وجميع احواله داعية الى عبادة الرحمن كاسبة مكسبة للجنان وهو القريب الى الله تعالى وحقيقة تقربه انما هو بهم عليهم السلم كما سمعت والدليل على هذا ان الاخبار المتكثرة من الفريقين حتى انه يمكن دعوى تواترها معنى انه لو عمل هذا العمل واعظم منه من لم يتول بهم ماكانت اعماله الا هباء منثورا وعن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي بن الحسين عن ابيه عن امير المؤمنين قال قال رسول الله (ص) يا علي انت امير المؤمنين وامام المتقين يا علي انت سيد الوصيين ووارث علم النبيين وخير الصديقين وافضل السابقين يا علي انت زوج سيدة نساء العالمين وخليفة خير المرسلين يا علي انت مولي المؤمنين يا علي انت الحجة بعدي على الناس اجمعين استوجب الجنة من تولاك واستحق دخول النار من عاداك يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو ان عبدا عبد الله الف عام ماقبل الله ذلك منه الا بولايتك وولاية الائمة من ولدك وان ولايتك لا يقبلها الله الا بالبراءة من اعدائك واعداء الائمة من ولدك بذلك اخبرني جبريل (ع) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اقول وقد تقدم بعض هذا الحديث وبعض غيره اقول ومعنى القرب انه لما فعل ما امر به كما امر به طهرت جملته ظاهرا وباطنا فكان بعظيم تزكيه وطاهريته من نوع الروحانيين ومن شكل جواهر العلل فكان بطهارته وصفائه قريب المكانة من المبدء الفياض لشدة قابليته وعظيم استمداده وتلقيه فان القريب من المنير اشد استنارة من البعيد ومرادنا بالقريب شديد الصقالة والصفاء لا قريب المكان من المنير فان المرءاة اشد استنارة من الجدار بنور السراج وان كان الجدار اقرب الى المنير من المرءاة وليس الا لصفائها فهو اذا تقرب بهم نال القرب من الله بهم لان من تولاهم وتبرأ من اعدائهم على نحو ما ذكرنا مرارا كان تابعا لهم وقابلا لوصلهم يتممون له ما نقص من قابليته ومقبوليته عن نيل درجات المقربين بفاضل حسناتهم واعمالهم وفاضل انوارهم فبذلك منهم يلحق بالمقربين
وقوله عليه السلم : ومقدمكم امام طلبتي وحوائجي واراداتي في كل احوالي واموري يراد من التقديم معنى الاستشفاع والتقرب بهم كما ذكرنا سابقا ومعنى اخر سنذكره بعد لا انه يتخيل عند العبادة صورهم ويتمثلهم كما يفعلونه اهل التصوف الذين يأمرون مريديهم به يقول الشيخ منهم لمريده اذا اردت ان تصلي فرض الظهر تتصور صورتي امام نيتك وتمثل هيئتي عند قصدك لانك قاصد الى معبود بينك وبينه مسافة طويلة وانت لم تقطعها وانا قد قطعتها ووصلت اليه وانت تابع لي وسالك مسلكي لا تصل الا باتباعي فاذا تخيلت صورتي امام قصدك وصورتي في خيالك هي حقيقة ظاهري الذي تشاهده ببصرك لان الخيال هو اصل الوجود والظاهر من آثاره قائم به وحقيقتي قد اتصلت بمعبودك وانت بخيالك اتصلت بحقيقتي وصلت الى معبودك بدلالتي وهدايتي وكذب لعنه الله لان مريده اذا تخيل صورته امام قصده كانت الصورة المحدودة بالابعاد هي معبوده المقصود بعبادته او وجه معبوده فان قيل انه يدعي انها ليست مقصودة بالعبادة قلنا اذا لم تكن مقصودة بالعبادة فهي اما دليل على المقصود بالعبادة او لا فان كانت دليلا فهي انما تدل بهيئتها فيلزمه ان يكون مدلولها على تلك الهيئة من التحديد والتخطيط وان لم يكن مدلولها كذلك فبأي شيء تدل عليه اذا لم تدل بهيئتها وان لم تكن دليلا ولا مدلولا فهي صورة شيطانية تشغله عن التوجه الى معبوده الذي ليس كمثله شيء بملاحظتها وانما المراد بتقديمهم عليهم السلم امامه في كل احواله لان المعبود الحق جل وعلا هو المقصود بالعبادة وحده والمطلوب منه كل خير وحده لا شريك له ولما كان سبحانه لا يشبهه شيء ولا يعرف كيف هو في سر وعلانية الا بما دل على نفسه ولا يدل على نفسه بغيره لان ذلك يضل المدلول فانك لو دللت على الطويل بالقصر لضل المدلول وانما يدل على نفسه بما يهدي المدلول وذلك لا يكون الا باسمائه وصفاته وهم صلى الله عليهم اسماؤه وصفاته والذات لا يمكن القصد اليها والارادة لها الا باسمائها وصفاتها ومع هذا فلا يجوز ان تتصور صورة النبي صلى الله عليه وآله او علي عليه السلم او الائمة عليهم السلم عند توجهك الى الله تعالى لان هذا شرك وكفر لان ما تتصور لا يدل عليه وما يدل عليه تعالى لا يمكن تصوره اذ لا صورة له والا لعرف تعالى بصورة فليس معنى التقديم لهم امام كل شيء لله تعالى من عبادة ودعاء وذكر وغيرها الا ان تدعوه وحده باسمائه وهم تلك الاسماء الا ترى انك اذا اردت ان تخاطب زيدا وتقصده وهو متعين قاعد عندك لم تقدر على ذلك الا باسمائه وصفاته فتقول يا زيد ولا تريد الاسم ولا تتصوره وانما تعني المعنى المدعو ولكن لا تقدر ان تتوصل الى جهة توجهه واقباله اليك الا باسمه او صفته فتقول يا قاعد ولست تريد القعود ولا تلاحظه ولا تتصوره الا ان مقصودك هذا المعنى المعلوم عندك بصفة القعود او بالاشارة اليه فتقول هذا غير ناظر الى الاشارة فاذا دلك الاسم والصفة والاشارة على زيد في حال منك قد خلي وجدانك منها وملاحظتك ونظرك فهي اسماؤه وصفاته وآياته الدالة عليه ولا يدل شيء منها عليه حين وجدانه لانه حينئذ حجاب جلال لوجدانك انيته كما امر به الصوفي من تصور صورته امام توجهه ولكن لما كان علم التصوف عندهم شرطه ان يكون جاريا على مذهب السنة والجماعة كما صرح به عبدالكريم الجيلاني في اول كتابه الانسان الكامل ونظرهم بهذا العلم الخبيث علم الضلالة والكفر ومقصدهم المعارضة والمباهاة لائمة الهدى صلى الله عليهم ليصرفوا وجوه الناس اليهم ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون والله سبحانه بلطيف تدبيره يضل به كثيرا ممن مال اليهم واتبعهم واقتدى بهم ويهدي به كثيرا ممن رد عليهم وانكرهم وتبرأ منهم ومن اتباعهم وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه يعني الميثاق الذي اخذ عليهم الا يقولوا على الله الا الحق ويقطعون ما امر الله به ان يوصل وهو ما امر به من اتباع اهل البيت عليهم السلم والرد اليهم والتسليم لهم في قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون لانهم قد ضلوا باعتقاداتهم الفاسدة كما اشرنا الى بعضها سابقا واضلوا كثيرا ممن اصغي اليهم وضلوا عن سواء السبيل اي عن وسط الحق في قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا فافهم فلما كان علمهم مبنيا على غير الصراط المستقيم اضلهم الشيطان عن طريق الحق ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد وزين لهم ان هذا التصور هو الدليل الى الله كما ان ذا الصورة هو الذي يدلك بعلمه عليه وبنفسه واخلاقه كذلك صورته تدل خيالك على الله فزين لهم الشيطان ان يتصوروا صنما يحدثونه باوهامهم يتوجهون اليه في عبادتهم مع انه مكنوف بالحدود والمقادير فلما تنبه بعضهم الى هذه الحدود نطق له الشيطان على السنة مشائخهم وكبرائهم بان الوجود واحد يتكثر وهو واحد في كثرته ويتحدد و هو غير متعين في تعينه وتشخصه فقال شعرا :
كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن الي
كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي
والحاصل لا حاجة الى التطويل في بيان مخازيهم وقبيح معتقداتهم ونحن مرادنا بتقديم ائمتنا عليهم السلم امام عبادتنا وذكرنا ودعائنا انا نعبد الله على نحو عبادتهم وبما عبدوه ونعرفه بما عرفوه ونصفه بما وصفوه وندعوه سبحانه باسمائه وصفاته ومعانيه كما مثلنا سابقا ومعنى ذلك انا مثلا اذا قلنا يا رحيم فانا ندعو معبودا وصف نفسه برحمة حادثة خلقها واشتقها من لطفه وهم عليهم السلم تلك الرحمة الحادثة ولا نريد بها الرحمة التي هي ذاته لان تلك لا عبارة لها ولا كيف لانها هي هو بلا اعتبار تعدد ولا كثرة ولا مغايرة فلا تقع عليه العبارة ولا تعينه الاشارة ولا تميزه الصفات ولا تكتنفه الاوقات وانما الرحمة التي هي معنى من معاني اسمائه احدثها وتعبد بها خلقه قال تعالى ولله الاسماء الحسنى اي ملكه وخلقه فادعوه بها فتقول يا رحيم يا كريم يا جواد يا غفور وهكذا الى سائر اسمائه وهي هم عليهم السلم ففي تفسير العياشي عنه عليه السلم قال اذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله وهو قول الله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها قال نحن والله الاسماء الحسنى الذي لا يقبل الله عملا الا بمعرفتنا وفي التوحيد عن ابي عبد الله عليه السلم قال الله غاية من غياه والمغيي غير الغاية ووصف نفسه بغير محدودية فالذاكر الله غير الله والله غير اسمائه وكل شيء وقع عليه اسم شيء سواه فهو مخلوق الا ترى الى قوله العزة لله العظمة لله وقال ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وقال قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعو فله الاسماء الحسنى فالاسماء مضافة اليه وهو التوحيد الخالص اقول قوله عليه السلم فالاسماء مضافة اليه هو ما ذكرت لك اي منسوبة اليه لانها ملكه واسماؤه وخلقه وقوله عليه السلم اولا وكل شيء وقع عليه اسم شيء سواه فهو مخلوق هو ما ذكرنا سابقا فانا ندعوا معبودا وصف نفسه برحمة حادثة خلقها واشتقها من لطفه واشتق هذا اللطف من رأفته واشتق هذه الرأفة من قدرته اي من اقتداره وليس المراد من هذه القدرة عين ذاته فان ذاته لا يشتق منها شيء وليس المراد من قوله عليه السلم سواه في قوله عليه السلم وكل شيء وقع عليه اسم شيء سواه استثناء من الموقوع عليه اسم شيء ليكون المعنى انه تعالى وقع عليه اسم شيء وما سواه وقع عليه اسم شيء الا انه مخلوق بل المراد من سواه البيان للموقوع عليه والمعنى وكل شيء وقع عليه اسم شيء مما سواه فافهم لانه تعالى لا يقع عليه شيء ولا يقع على شيء اذ ليس بينه وبين ما سواه نسبة وليس بين ما سواه وبينه نسبة الا نسبة الاحتياج الى صنعه ومدده وفيضه في كل ما ينسب له فقولي في قوله تعالى ولله الاسماء الحسنى انهم هم الاسماء الحسنى وقولي في قوله فادعوه بها فتقول يا رحيم يا كريم يا جواد يا غفور وهكذا الخ اريد به انهم عليهم السلم تلك الرحمة المحدثة التي هي ركن رحيم والكرم المحدث الذي هو ركن كريم والجود المحدث الذي هو ركن جواد والمغفرة المحدثة التي هي ركن الغفور وهذه الاسماء تقومت بهذه المعاني المحدثة لان هذه الاسماء اسماء افعال الذات العلية وهي التي امرنا ان ندعوه بها فكريم اسم فاعل الكرم فهو اسم فعل والكرم ركنه الذي تقوم به وهم عليهم السلم ذلك الكرم الذي هو ركن اسم كريم ومتقوم به وانما كان كريم اسما لتقومه بالكرم وكريم هو دليلنا على المعبود والمدعو سبحانه والمقصود بالعبادة وبالسؤال والدعاء هو مدلول كريم ومسماه على وجه تضمحل فيه هذه الاسماء الدالة والمطالب والطالبين عن الوجدان بلا اشارة ولا كيف وهكذا في جميع اسمائه سبحانه والى هذه الرتبة وهي رتبتهم في المعاني الاشارة بقولهم عليهم السلم حيث يقولون عليهم السلم نحن معانيه يعني معاني افعاله لانه تعالى لم يعرف الا بما عرف به نفسه ولم يتعرف لاحد من خلقه الا بصفات افعاله وصفات افعاله آثارها الدالة عليها كما تدل اثار افعال النار من الحرارة والاحراق على افعالها وافعالها تدل بما تقومت به على نفس النار من جهة القصد اليها والمعرفة لها ولا نريد ان تلك الاسماء اي اسماء افعالها كالمحرق والمسخن والمحرر بكسر الراء الاولى تدل عليها اي على كنهها دلالة تكشف عن حقيقتها وانما نريد انها تدل عليها من جهة ما ظهرت به لنا من افعالها اي تعرفت لنا به لانها لم تظهر لنا بذاتها وانما ظهرت بافعالها فافهم فان هذا آية ما اشرنا اليه من معنى انهم هم الاسماء الحسنى التي امرنا ان ندعو الله بها مثل يا كريم يا رحيم كما مر وهو حقيقة معنى ومقدمكم امام طلبتي وحوائجي الخ
واعلم ان التوحيد الخالص له مراتب وليس وراء هذه المرتبة التي هي رتبة المعاني مرتبة اعلى منها على ما وصل الى في اسرار اهل العصمة عليهم السلم الا مرتبة المقامات وهذا فيما اعرف واعتقد بالنسبة الى ما دون العصمة واما اهل العصمة عليهم السلم فلهم مراتب لا يصل اليها احد سواهم بكل وجه فلاندعيها ولا نريدها باطلاقات عباراتنا لانا لا نعرفها نعم قد تصلح عباراتنا لها عند من يعرفها ويصل اليها ولهذا تراهم عليهم السلم يعبرون بهذه العبارات التي نعبر نحن بها عن مقاصدنا اما انا فاخذ من عباراتهم عليهم السلم اذا حضرتني اذا امكنني الاداء بها عن مطلبي والله سبحانه ولي التوفيق واعلم اني في كل موضع من هذا الشرح وغيره اذا اقتضى المقام ذكر هذا المعنى ذكرته وبينته كل ذلك لعلمي بصعوبة معرفته وان الاكثر لا يعرفون شيـٔا من هذا وانما الناس يحومون حول القول بالغلو او عدم معرفة مقام اهل البيت عليهم السلم من الله تعالى فاذا نظرت في اكثر الخلق لم تكد تجد الا غاليا او قاليا فلهذا كثيرا ما اكرر ذكره لعل الله سبحانه ان يفهم من ينظر في هذا الشرح طالبا للاعتقاد الحق ويهديه سواء السبيل وكأني باقوام يقولون ان حسنوا القول :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
فاقول لهم :
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكا
واقول لهم ايضا :
فهب اني اقول الصبح ليلأ يعمى الناظرون عن الضياء
واعلم ان الافهام والمعارف قسمها عدل حكيم عليم بين خلقه كما قسم بينهم ارزاقهم وآجالهم وقد اشار سبحانه الى ذلك بقوله أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات الاية لكنه سبحانه جعل المقسوم من جميع ذلك على قسمين قسم لا ينال الا بالسعي والطلب من الجهة المجعولة لذلك وقسم لا ينال بالسعي وانما ينال بالعناية الالهية وهو سبحانه اعلم حيث يضع احسانه واما القسم الاول فينال بالطلب واقرب الطرق الى تحصيله واصحها وانجحها اصلاح النية والعمل والصدق مع الله في جميع المواطن وبنسبة ما تحسن تدرك واما القسم الثاني فالله يرزق من يشاء بغير حساب
وقوله عليه السلم : وحوائجي وارادتي في كل احوالي واموري يريد به اني مقدمكم على النحو الذي ذكرنا اي بكل تقديم من استشفاع وتوجه واستهداء وانتهاء اليكم في كل نحو من انحاء وجوداتي ووجداناتي في حوائجي وارادتي بمعنى اني اطلبها بكم من الله سبحانه او منكم بالله اي بالله تفعلون وبامره تعملون او عنكم اي اتوصل الى ادراكها عنكم اي انتم بالله توصلونني الى نيلها او لكم لاني لكم لان اعمال شيعتهم زيادة في جاههم كما تحصل زيادة الثواب في الصلوة باللباس الابيض وبالطيب فان الزيادة عرضية قال (ص) تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم الامم الماضية والقرون السالفة يوم القيمة ولو بالسقط الحديث وقوله (ع) اعينونا بورع واجتهاد الحديث وهذا كله في جميع ما اريد ويراد مني مما يتعلق بالاركان واللسان من جميع الاعمال للدنيا والدين من جميع حوائجي ومما يتعلق بالجنان من جميع الاعتقادات والمعارف والعلوم للدنيا والدين من جميع اراداتي وهو قوله (ع) في كل احوالي واموري لانه (ع) جمع فيه كلما اشرنا الى تفصيله
قال عليه السلم : مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم واولكم وآخركم
قال الشارح المجلسي تغمده الله برحمته مؤمن بسركم وعلانيتكم اي باعتقاداتكم واعمالكم انها لله حقا او باسراركم مجملا وشاهدكم من الائمة الاحدعشر وغائبكم من المهدي (ع) واولكم انه علي بن ابي طالب عليه السلم وآخركم بانه المهدي (ع) لا كما تقوله العامة والواقفية وغيرهما او الحيوة الاولى والرجعة انتهى
قد تقدم معنى الايمان وانه اعتقاد بالجنان وعمل بالاركان وقول باللسان ويصدق على احدها كما هو المتعارف في اصطلاح المتكلمين انه التصديق بالله وبالرسول صلى الله عليه وآله وبجميع ما جاء به الرسول (ص) مما علم ضرورة مجيه (ص) به وعلى الاول كافة المعتزلة وجماعة من الامامية واكثر المتقدمين منا والاخبار منصبة عليه ومبني كلامنا في هذا الشرح عليه سواء قيل بان ذلك هو الايمان او الكامل منه والسر قال في النهاية فيه صوموا الشهر وسره اي اوله وقيل مستهله وقيل وسطه ومن كل شيء جوفه فكأنه اراد الايام البيض وفي مجمع البحرين والسر الذي يكتم ومنه هذا من سر آل محمد اي من مكتوم آل محمد الذي لا يظهر لكل احد قال بعض شراح الحديث اعلم ان سر آل محمد صعب مستصعب فمنه ما تعلمه الملائكة والنبيون وهو ما وصل اليهم بالوحي ومنه ما يعلمه هم ولم يجر على لسان مخلوق غيرهم وهو ما وصل اليهم بغير واسطة وهو السر الذي ظهرت به آثار الربوبية عنهم فارتاب لذلك المبطلون وفاز العارفون فكفر به فيهم من انكر وفرط وغلا فيهم من تجاوز (ظ) وافرط وفاز من ابصر وتبع النمط الاوسط انتهى فعلى معنى كلام النهاية يكون المعنى اني مؤمن باولكم اي اول كونكم وعلى هذا لا يراد مطلق السر لانه قد يطلق ويراد به ما يقابل العلانية ويصدق على كل مرتبة لهم من المقامات والمعاني والابواب وكذلك مرتبة الاشباح فاذا فسرنا السر بالاول لم نعرف لهم اولا اعلى من المقامات التي اشار اليها الحجة عليه السلم في دعاء كل يوم من شهر رجب في قوله فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت الدعاء فقوله عليه السلم ومقاماتك يراد منه اول كونهم في الوجود الراجح المعبر عنه بالوجود المطلق وبرزخ البرازخ وهذا هو السر المقنع بالسر في قول الصادق عليه السلم على ما رواه في البصائر قال (ع) ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر ه وقد تقدم ومعنى كونه مقنع بالسر ما قلنا ان السر يراد منه في الاطلاق ما يقابل العلانية فيكون المرتبة العليا منه التي هي المقامات مقنعة بالسر الذي هو مرتبة المعاني لهم عليهم السلم وهي مقنعة بالسر الذي هو مرتبة الابواب لهم عليهم السلم وهي مقنعة بالسر الذي هو مرتبة الاشباح لهم عليهم السلم والاظلة المعلقة بالعرش اي الصافون الحافون حول العرش المسبحون وعن الصادق عليه السلم كنا انوارا صفوفا حول العرش نسبح فيسبح اهل السماء بتسبيحنا الى ان هبطنا الى الارض فسبحنا فسبح اهل الارض بتسبيحنا وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون الحديث وانما حفت الملائكة بعرش ربهم ائتماما بهم عليهم السلم حيث رأوهم قد حفوا بعرش ربهم وصفت كما صفوا وسبحت كما سبحوا وهذه المقامات المشار اليها المذكورة في الدعاء هي الصفة المنسوب اليها جميع احكام الافاعيل والموجودات واليها تنتهي جميع الاثار والمكونات والفيوضات وهي اسم للفاعل الذي ابدع بها كل شيء وتعرف بها لكل شيء والفاعل هو المسمى بها سمي نفسه بها حين احدث بها من احدث لمن احدث ليدعوه بها وبتلك الصفة التي هي المقامات التي هي اسم الفاعل ظهر الفاعل للخلق بهم لان الفاعل ظهر باسمه لكل مبتدع به ولذلك قال عليه السلم في الدعاء لا فرق بينك وبينها اي في جميع الفيوضات والصدورات والاثار والوجودات اذ بها فعل ما فعل وعنها اظهر ما اظهر كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله والمراد بالمثال هنا اسمه كقائم اسم فاعل القيام فانه في القيام كالصورة في المرءاة وفي الظاهر جعل طاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ورضاهم رضاه وسخطهم سخطه وقوله عليه السلم الا انهم عبادك وخلقك يعني ان تلك الصفة التي هي المقامات واسم الفاعل الذي احدث ما احدث وتعرف لمن تعرف خلقه وصنعه يعني احدثه بنفسه واقامه بنفسه وصنع به ما صنع فهو سبحانه هو الفاعل وحده لا شريك له وهو بحكمته يفعل ما يشاء بما يشاء كما يشاء لا اله الا هو العزيز الحكيم كما زرع سبحانه الحنطة بزيد الحارث من بذرها بالماء والارض في الفصل الصالح للزرع وهو سبحانه يقول افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون وفي قرب الاسناد للحميري باسناده عن ابي الحسن الرضا عليه السلم الى ان قال (ع) قال ابو جعفر عليه السلم في النطفة قال فاذا تمت الاربعة الاشهر بعث الله تبارك وتعالى اليها ملكين خلاقين يصورانه ويكتبان رزقه واجله وشقيا وسعيدا الحديث وفي الكافي في صحيح زرارة عن ابي جعفر عليه السلم الى ان قال ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الارحام ما يشاء الله يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان الى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة في اصلاب الرجال وارحام النساء فينفخان فيها روح الحيوة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن باذن الله تعالى ثم اوحى الله الى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ امري واشترطا لي البداء فيقولان يا رب ما نكتب قال فيوحي الله عز وجل اليهما ان ارفعا رؤسكما الى رأس امه فيرفعان رؤسهما فاذا اللوح يقرع جبهة امه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته واجله وميثاقه شقيا او سعيدا وجميع شانه قال فيملي احدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن امه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا في كل عات او مارد الحديث وغير ذلك من الاخبار الدالة على انه سبحانه يخلق ما تشاء بما يشاء كيف يشاء واذا اشتبه عليك ما اشرنا اليه فانظر الى ما في هذا العالم من الاشياء التي يعملها العاملون والله سبحانه هو الفاعل لها كما مثلنا لك بالزرع واعلم ان كل ما هنا فهو آية ما هنالك ودليله اما تسمع قول الله سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقول الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هيهنا ه ولولا خوف الاطالة لشرحت كلمات هذا الدعاء الشريف وان مد الله ومكن شرحت الدعاء كله وبينت ما فيه من الاسرار التي لا يحتملها الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان واياك ان تنسب اليهم (ع) او الى احد من الخلق من ملك او نبي او غيرهما شيـٔا من افعاله تعالى بعد ما بين لك سبحانه فقال تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وقال قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار كما انك لا تقول ان الارض والماء هما اللذان يزرعان الزرع وانما المعنى انه سبحانه ما امرك بامر ولا نهاك عن شيء من جميع ما كلفك به الا على لسان محمد وآله صلى الله عليه وآله وقد اخبروك وانت تعلم انه سبحانه هو الامر وهو الناهي وحده ولا شريك له في شيء من ذلك وان كانوا هم الحاملين لامره ونهيه والمبلغين عنه لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فكذلك في جميع ما تسمع مما ننسبه اليهم من افعاله هو الفاعل على ايدي من يشاء من خلقه من الانبياء والملائكة والحيوانات والنباتات والطبائع والعناصر فمن شاء من خلقه جعلهم تراجمة لفعله لمن شاء من خلقه وذلك حكمه وقضاؤه في صنعه وفي وحيه وامره ونهيه على حد سواء فافهم ولا تتوهم غير هذا فتكون من الكافرين والله يحفظك في هذه الغمرات
و الحاصل السر الاول الاسم الذي استقر في ظل الله اي في نفس ذلك الاسم فلا يخرج منه الى غيره والضمير في منه وغيره يعود الى الله بمعنى ان الله سبحانه خلقه له فلا يكون لغيره كما ذكرنا سابقا مرارا كثيرة وهذا احد معاني جعل الضميرين يعودان الى الظل الذي هو ذلك الاسم نفسه او معنى جعل الضميرين يعودان الى الظل احد معاني انه خلقه له وحده لا شريك له فاذا قال المعصوم عليه السلم وخصيص شيعته مؤمن بسركم جاز ان يريد هذا السر واما من سواهم وسوى خصيص شيعتهم لا يمكن ان يريده وان سمع وصفه وسلم فانه لا يمكن ان يريده لانه لو كشف له ما يراد منه انكره فكيف يمكن ان يؤمن به او يكون تسليمه ايمانا به اما سمعت قول الصادق عليه السلم في حق انصار القائم عليه السلم الثلثمائة والثلاثة عشر الذين اختارهم الله من اهل الارض لنصرته وهم اصحاب الالوية وحكام الله في ارضه على خلقه وذلك لما دعاهم اول ما يخرج ليلة عاشوراء وهم في مشرق الارض ومغربها اجابوه فاتوه كلمح البصر منهم من تنطوي له الارض ومنهم من تحمله السحاب فلما اجتمعوا حوله قال عليه السلم استخرج من قبلته كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله صلى الله عليه وآله فيجفلون عنه اجفال الغنم فلم يبق منهم الا الوزير واحدعشر نقيبا كما بقوا مع موسى بن عمران (ع) فيجولون في الارض فلا يجدون عنه مذهبا فيرجعون اليه فوالله اني لاعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به ه انظر كيف كفروا بذلك المقام الذي ظهر به لهم وهم من عرفت فكيف يحتمله الا اهله كالوزير عيسى بن مريم عليه السلم واحدعشر نقيبا الذين امتحن الله قلوبهم للايمان وعند من عرف هذا السر الذي هو سر مقنع بالسر اذا كمل ايمانه به نوع من الايمان به لو علم ابوذر ما في قلب سلمن لقتله او لكفره وهو تأويل قوله تعالى وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد وهذا هو
جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
والحاصل الايمان بهذا السر لا يكون الا بالاعتقاد بالجنان والعمل بالاركان والقول باللسان ولو تكلفنا ان نستعمل الايمان الذي هو التصديق كما تقدم ذكره في هذا السر الخاص فارق المعرفة واليقين والعلم وفارق الايمان الحق الذي هو شرط الشفاعة وعبارة مجمع البحرين التي نقلها ابنطريح رحمه الله عن بعض شراح حديث ان سر آل محمد صعب مستصعب وهي قوله ومنه ما يعلمه هم ولم يجر على لسان مخلوق غيرهم وهو ما وصل اليهم بغير واسطة وهو السر الذي ظهرت به آثار الربوبية عنهم فارتاب لذلك المبطلون وفاز العارفون فكفر به فيهم من انكر وفرط الى آخر ما تقدم تصلح لهذا السر الذي نعنيه ولا نعلم ما في ضمير صاحبها فلعله عرف ولعله ما عرف وانما هو كما قال الشاعر :
قد يطرب القمري اسماعنا ونحن لا نفهم الحانه
هذا اذا اريد به السر الاول وان اريد به الوسط والجوف فكذلك لانا لا نريد بالوسط والجوف الا الاول في البدء ولا نريد بالاول الا الوسط والجوف الذي هو قلب الشيء ولبه وان اريد به ما يقابل العلانية كما مثلنا به بانه كونهم معانيه وابوابه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فالايمان الكامل على نحو ما مر واما هذا السر فقد قلنا اولا انه كونهم معانيه سبحانه اي معاني اسمائه وافعاله كما تقدم وكونهم ابوابه تعالى التي منها يؤتي ومنها يمنع ويعطي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي ويقبض ويبسط ويميت ويحيي ويأمر وينهي الى غير ذلك من افاعيله وكونهم اشباحا وهي ابدان نورانية لا ارواح فيها كما روي عنهم عليهم السلم والشبح ظل النور وقد مضى تفسير هذه والكلام في الايمان بهذه الاسرار كما مر وان الايمان الحقيقي لا يتحقق من غير اهل العصمة عليهم السلم وشيعتهم الخصيصين كما مر واما الخاصون من شيعتهم فمنهم من قد يتمكن من الايمان ببعض من مراتب بعض هذه الاسرار واكثرهم لا يتمكنون من ذلك واما الخصيصون فربما عرفوا تلك الاسرار مجملة ولكن الاشكال في الاتيان بالايمان الكامل بها وما اكثر المقصرين في ذلك او بعضه لان الايمان بالقلب وبالجوارح وباللسان بأن يصرفها فيما خلقت له امر صعب قد عثر في مواضع من ذلك كثير من الانبياء عليهم السلم مع عصمتهم حتى انه ورد عن اهل البيت عليهم السلم ما معناه ان على الصراط لعقبات كؤدا لا يقطعها بسهولة الا محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله واما اذا اقتصرنا على ما تعرفه العوام او على ما يظهر من الكلام صدق لغة على المصدق بمفهوم لفظ السر لا كما ذكره الشارح تغمده الله برحمته في تفسيره السر بالاعتقاد قال مؤمن بسركم وعلانيتكم اي باعتقاداتكم واعمالكم انها لله حقا ففسر السر بالاعتقادات والعلانية بالاعمال يعني اني معتقد ان اعتقاداتكم حقة واعمالكم صحيحة وانت اذا عرفت اخبارهم ظهر لك ان هذا المفهوم لا يكون مصداقا للسر لان المفهوم ان كان هو المصداق في نفس الامر كان حقا والا فهو اما دليل المصداق وآيته او هو موهوم ولا يكون دليلا وآية فهو موهوم بل يعتقد ان عندهم علوما واعتقادات صحيحة مطابقة لما عند الله وفي نفس الامر لا يعرفها غيرهم ولا يطلع عليها احد سواهم وان الله سبحانه اظهر عليهم من آثار الربوبية كالاطلاع على الضمائر واحياء الموتى وابراء الاكمه والابرص وغير ذلك اسرارا لم يظهرها على غيرهم فيصدق بهذه وامثالها مجملة فيصدق مفهوم السر على ذلك ظاهرا وينال حظه من ثواب ذلك الايمان بنسبته
وقوله عليه السلم : وعلانيتكم يراد منه ظاهرهم عليهم السلم وهو كونهم ائمة هدى مفترضي الطاعة وخلفاء الله في ارضه وحججه على عباده وامناءه في بلاده وهو قول علي عليه السلم ظاهري امامة وباطني غيب لا يدرك ولوازم هذه العلانية ما ذكرناه سابقا من وجوب الرد اليهم والاخذ عنهم ووجوب متابعتهم والتسليم لهم في كل ما يرد عنهم وهذه العلانية هي ظاهر الامامة والولاية والخلافة اي اني عاهدت الله حين قال لي الست بربكم بقولي بلى على الايمان بظاهركم وباطنكم بالايمان الذي ذكرناه
وقوله عليه السلم : وشاهدكم وغائبكم اي مؤمن بشاهدكم اي الائمة الاحدعشر وغائبكم الحجة عليه السلم او شاهدكم اي الناطق منكم يعني قطب الوقت ومحل نظر الله من العالم المسمى بالغوث على اصطلاح اهل التصوف ويسميه افلاطون مدبر العالم وارسطو انسان المدينة وهو الفارقليطا اي مظهر الولاية او الموجود المقابل لمن مضى ولمن يأتي او الحاضر او الشاهد على المكلفين او لاعمالهم او العالم بالشهادة او المدبر الى الخلق او بالملك المحدث المدبر لهم او عنهم على الاحتمالين او القائم على كل نفس بما كسبت الى غير ذلك وغائبكم اي الامام الصامت ولا بد لكل زمان من ناطق وصامت والصامت موقوف على الاذن من الناطق فغيبوبته بغيبوبة الاذن فهو ناطق بالناطق وحاضر شاهد به اي باذن الناطق ويتوقف الاذن على وجود الناطق الا في الحسن والحسين عليهما السلم فان الحسين عليه السلم ناطق مع وجود الحسن عليه السلم وانما هو صامت مع حضوره ومشاهدته فيتوقف الاذن على حضوره خاصة في حق الحسين عليه السلم او الغائب غير الموجود ممن مضى منهم (ع) وممن سيأتي او من غاب عن مشاهدة المؤمن به او من هو في حال المراقبة منهم فانه حينئذ غائب عن الخلق كلهم وعن نفسه فلا يكون حينئذ شاهدا على احد من المكلفين ولا مشاهدا لاعمالهم ولا عالما بالشهادة بل ولا الغيب من الخلق او المراد بالغائب المدبر الى الخلق او عنهم على الاحتمالين على حكم العكس في الشاهد المقبل او غير القائم على كل نفس بما كسبت وذلك اذا تجلي لهم بلا واسطة وفي اكمال الدين واتمام النعمة سئل الصادق عليه السلم عن الغيبة التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله كانت تكون للنبي صلى الله عليه وآله عند هبوط جبرئل (ع) فقال لا ان جبرئل (ع) كان اذا اتى النبي صلى الله عليه وآله لم يدخل عليه حتى يستأذنه فاذا دخل قعد بين يديه قعدة العبد وانما ذلك عند مخاطبة الله اياه بغير ترجمان ولا واسطة ه اخبر عليه السلم ان تلك الغيبة انما تكون لمحمد صلى الله عليه وآله عند مخاطبة الله اياه بغير ترجمان ولا واسطة وانما الترجمان له نفسه يترجم الوحي حين القائه عليه له به
وقوله عليه السلم : واولكم وآخركم يراد منه اني مؤمن باولكم الذي هو سركم كما مر وآخركم الذي هو علانيتكم التي هي ظاهركم في الأكوان الوجودية وفي التكوينات الشرعية او اولكم علي بن ابي طالب عليه السلم قال تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين اي وضع ببكة وهو موضع البيت الظاهر شرفه الله ووضع فيه البيت الباطن عليه السلم او رسول الله صلى الله عليه وآله وعنهم عليهم السلم اولنا محمد واوسطنا محمد وآخرنا محمد او القائم عليه السلم لانه اول من يظهر منهم ويقوم بالحق او الحسين عليه السلم لانه اول من يرجع وينشق التراب عن راسه وآخركم القائم عليه السلم او الحسن العسكري عليه السلم اذا جعلنا القائم عليه السلم افضل التسعة او فاطمة عليها السلم لانها على قول آخرهم في الرتبة والفضل وهو الذي يظهر لي او علي بن ابي طالب عليه السلم لانه آخر من يرجع في كرته الاخيرة او رسول الله صلى الله عليه وآله لانه آخر من ينزل من السماء في الرجعة او المراد اولكم في الدنيا اي يومكم الاول في الدنيا وآخركم في الرجعة اي يومكم الاخر او اولكم علي بن ابي طالب عليه السلم لانه اول من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وآخركم علي بن ابي طالب عليه السلم لانه آخر من فارق رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته او اولكم علي عليه السلم لانه القائد وآخركم هو لانه هو السائق او اولكم اي اوليتكم في كل خير وآخركم اي آخريتكم كذلك او اولكم اي بكم فتح الله وآخركم اي بكم يختم او اولكم اي اول من وجد وآخركم اي آخر من يبقى او اولكم اي النشأة الاولى وآخركم اي النشأة الاخرى او على معنى لكم الاولى ولكم الاخرى الى غير ذلك
قال عليه السلم : ومفوض في ذلك كله اليكم ومسلم فيه معكم
قال الشارح المجلسي (ره) ومفوض في ذلك كله اليكم اي اعتقد الجميع من قولكم او اسلم جميع اموري اليكم حتى تصلحوا خللها حيا وميتا ومسلم فيه معكم اي كما سلمتم لله تعالى اوامره عارفين اياها فانا ايضا مسلم وان لم يصل عقلي اليها او كالسابق تأكيدا انتهى
وقال السيد نعمت الله الجزائر في شرح التهذيب ومفوض في ذلك كله اليكم يعني ان ما طلبت منكم من الشفاعة واللجاء اليكم مفوضة اليكم ان شئتم فافعلوه او اني مفوض اموري اليكم بسبب ذلك التصديق لتصلحوها ومسلم فيه معكم مسلم بالتشديد اي مفوض اموري الى الله تعالى مع اموركم التي سلمتموها اليه انتهى اقول قال في النهاية في الدعاء فوضت امري اليك اي رددته يقال فوض الامر اليه تفويضا اذا رده اليه وجعله الحاكم فيه انتهى
اقول معنى التفويض في اللغة كما سمعت وعلى هذا يكون المعنى انتهاء بعد التصديق او مبالغة فيه او تفريعا عليه اني في استشفاعي الى الله عز وجل بكم وتقربي بكم اليه وتقديمي لكم امام طلبتي وحوائجي واراداتي في كل احوالي واموري وكذا في ما ذكر قبل ذلك مفوض وراد في ذلك كله اليكم اي اني رضيت بكم حاكمين في كل احوالي واموري وبحكمكم في جميع ذلك كله لاني مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم واولكم وآخركم او بسبب ايماني هذا او ان مقتضى ايماني هذا واستقامتي عليه لا اشك ولا ارتاب تفويض جميع اموري وجميع احوالي مما قضي لي وعلي ومما يراد مني ومما خلقت له اليكم مسلم جميع ذلك اليكم ولكم تسليما واعلم ان التفويض عرفا له معنيان : احدهما القول بنسبة الافعال او بعضها ولو فعلا واحدا الى احد من الخلق على جهة الاستقلال والمفوضة من قال بذلك او من يؤل قوله الى ذلك سواء المنسوب الى فعل العبد على الاستقلال من الذوات او الصفات او الافعال فمنهم من قال ان الله تعالى خلق محمدا صلى الله عليه وآله وفوض اليه خلق الدنيا فهو الخلاق لما فيها وقال بعضهم فوض ذلك الى علي عليه السلم ومنهم المخمسة قالوا ان الله فوض الامر الى سلمن وابي ذر والمقداد وعمار وعمرو بن امية الضمري فهم المدبرون للدنيا وممن قال بالتفويض المعتزلة قالوا ان الله فوض افعال العباد اليهم وفي مجمع البحرين ومن القدرية المعتزلة لانهم شهروا انفسهم بانكار ركن عظيم من الدين وهو كون الحوادث بقدرة الله تعالى وقضائه وزعموا ان العبد قبل ان يقع منه الفعل مستطيع تام يعني لا يتوقف فعله على تجدد فعل من افعاله تعالى وهذا معنى التفويض يعني ان الله تعالى فوض اليهم افعالهم انتهى وقال في قدر وفي الحديث ذكر القدرية وهم المنسوبون الى القدر يزعمون ان كل عبد خالق فعله ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته فنسبوا الى القدر لانه بدعتهم وضلالهم وفي شرح المواقف قيل القدرية هم المعتزلة لاسناد افعالهم الى قدرتهم وفي الحديث لا يدخل الجنة قدري وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء ابليس انتهى وقال الشيخ محمد بن ابيجمهور الاحسائي في كتابه كشف البراهين في شرح زاد المسافرين للعلامة ادام الله اكرامه ومذهب المعتزلة يسمى بالتفويض بمعنى ان العبد مفوض في افعاله مختار فيها وان الله تعالى فوضه في اختيار الطاعة والمعصية وجعل زمام الاختيار بيده وقالت الاشاعرة مذهب المعتزلة يسمى بالقدر لانهم يقولون ان فعل العبد مستند الى قدرته وجعلوا للعبد قدرة فهم القدرية وهو غلط لان القدرية هم الذين يقولون ان افعال العبد بتقدير الله وقضائه وهم الاشاعرة لا المعتزلة ولهذا انه روي عن النبي صلى الله عليه وآله ان قائلا قال له ان قوما من الذين يرتكبون القبائح والمعاصي ويقولون ذلك بتقدير الله عز وجل فقال عليه السلم القدرية مجوس هذه الامة فشابه بين القدرية وبين المجوس من وجوه ثلثة الاول ان المجوس اعتقدوا اعتقادات سخيفة وقالوا بمقالات فاسدة لزمهم منها محالات كثيرة والقدرية كذلك الثاني ان المجوس نكحوا امهاتهم وبناتهم واخواتهم ونسبوا ذلك الى انه في شرعهم منزل من الله تعالى فنسبوا اليه ما ليس من فعله والقدرية نسبوا افعالهم القبيحة الى الله تعالى فشابهوهم الثالث ان اعتقاد المجوس مثل اعتقاد القدرية في نسبة الافعال القبيحة الى الة الشر والافعال الحسنة الى آلة الخير وانه لا فعل لهم كذلك القدرية فشابهوهم انتهى اقول اما المفوضة فمعلوم انهم المعتزلة ومن قال بمثل مقالتهم واما الجبرية فمعلوم انهم الاشاعرة واما القدرية فقد يطلق هذا اللفظ في الاخبار على المفوضة مرة وعلى الاشاعرة اخرى الا ان اكثر الاطلاقات يراد منه المفوضة كما قال (ع) لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما الحديث وعنهما عليهما السلم فسئلا عليهما السلم هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة قالا نعم اوسع مما بين السماء والارض ه اما على معنى نسبتهم افعالهم الى قدرتهم على الاستقلال او على معنى تركهم القدر سموا بالقدرية كما قال ابوالمظفر من علماء العامة ما معناه ان العرب ربما يسمون الشيء بخلاف ما عرف به فسموا الغراب اعور لشدة ابصاره وقوته وكان رجل في العرب لا يحب الخبز فسموه آكل الخبز وسموا القدرية بهذا لتركهم القول بالقدر ونخاف انما سمينا السنة لتركنا السنة انتهى معنى كلامه وهذا متعارف ويجوز الاطلاق على المجبرة لقولهم بالقدر لكن الاكثر في الاطلاق على المفوضة والاحاديث دالة على ان القول بالتفويض كفر وشرك لانهم اذا اسندوا فعلا الى شيء على الاستقلال فقد جعلوه شريكا لله في سلطانه واثبات الشريك انكار وجحود للواجب الحق تعالى لان التشريك انما يكون بين الحوادث المتشابهة وفي التوحيد عن الصادق عليه السلم قال ان الناس في القدر على ثلاثة اوجه رجل يزعم ان الله عز وجل اجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر ورجل يزعم ان الامر مفوض اليهم فهذا اوهن الله في سلطانه فهو كافر ورجل يزعم ان الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون واذا احسن حمد الله واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ ه فجعل حكم المجبر والمفوض واحدا وقال عليه السلم من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ه فيحكم على المفوض بالشرك كالمجبر بالطريق الاولى وفي عيون الاخبار عن الرضا عليه السلم الى ان قال (ع) والقائل بالجبر فهو كافر والقائل بالتفويض مشرك والحاصل المأل واحد وعن امير المؤمنين عليه السلم قال ان ارواح القدرية تعرض على النار غدوا وعشيا حتى تقوم الساعة فاذا قامت الساعة عذبوا مع اهل النار بانواع العذاب فيقولون يا ربنا عذبتنا خاصة وتعذبنا عامة فيرد عليهم ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر وعن ابي عبد الله عليه السلم قال ما انزل الله هذه الايات الا في القدرية ان المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر ه اقول والايات ظاهرة في ان القدرية هم المفوضة لان المجبرة من اقوى ادلتهم عندهم بان كل شيء مخلوق لله وحده بقدره وقضائه والاية يتوهم منها كل من لم يقتد بمحمد واهل بيته صلى الله عليه واهل بيته انها صريحة في مطلوب المجبرة واما من اقتدى بهديهم عليهم السلم عرف انها رد على المفوضة ومن سلك مسلكهم خاصة وقول صاحب مجمع البحرين المتقدم وزعموا ان العبد قبل ان يقع منه الفعل مستطيع تام يعني لا يتوقف فعله على تجدد فعل من افعاله تعالى غير منقح ولا يمكن تقرير الحال وتبيينه الا ببيان حقيقة المسألة وهي المنزلة بين المنزلتين ولسنا بصددها ولكن الامر ان التكليف لا يتوجه الا الى من كان مستطيعا للفعل على الوجه المأمور به لكن الاستطاعة قسمان : الاستطاعة الامكانية وهي شرط صحة توجه الخطاب اليه بالتكليف وهي كما قال الرضا عليه السلم في الكافي حين سئله علي بن اسباط عن الاستطاعة فقال يستطيع العبد بعد اربع خصال ان يكون مخلي السرب صحيح الجسم سليم الجوارح له سبب وارد من الله اقول هذا السبب الوارد هو القدر في فعل العبد وهو مدد الطاعة بالمعونة والنور الذي مادتها وايجادها من تلك المادة ومن صورة فعل العبد ومدد المعصية بالتخلية والخذلان الذي هو مادة المعصية وايجادها من هذه المادة ومن صورة العبد قال يعني علي بن اسباط جعلت فداك فسر لي هذا قال ان يكون العبد مخلي السرب صحيح الجسم سليم الجوارح يريد ان يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها فاما ان يعصم نفسه فيمتنع كما امتنع يوسف عليه السلم او يخلي بينه وبين ارادته فيزني فيسمي زانيا ولم يطع الله باكراه ولم يعصه بغلبة ه والقسم الثاني الاستطاعة الفعلية وهو قول ابي عبد الله عليه السلم عن الاستطاعة تستطيع ان تعمل ما لم يكون قال لا قال فتستطيع ان تنتهي عما قد كون قال لا فقال له ابو عبد الله عليه السلم فمتى انت مستطيع قال لا ادري قال فقال ابو عبد الله عليه السلم ان الله خلق خلقا فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لم يفوض اليهم فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل اذا فعلوا ذلك الفعل فاذا لم يفعلوه لم يكونوا مستطيعين ان يفعلوا فعلا لم يفعلوه لان الله تعالى اعز من ان يضاده في ملكه احد قال البصري فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال ففوض اليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فاذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصري اشهد انه الحق وانكم اهل بيت النبوة والرسالة ه فاذا اراد صاحب مجمعالبحرين بقوله مستطيع تام ان استطاعة العبد قبل الفعل امكانية وان تمامها الذي اشار اليه بتجدد فعل من افعاله تعالى هو ما اشرنا اليه في ذكر الوارد من الله الذي به تتم الاستطاعة من معونة المطيع بالمدد ومعونة العاصي بالتخلية والا لم يكن متمكنا من فعل المعصية واذا لم يتمكن من فعلها لم يتمكن من فعل الطاعة واذا لم يتمكن من فعل الطاعة لم يحسن تكليفه واذا لم يحسن تكليفه قبح ايجاده ومن ايجاد الطاعة بفعل المطيع والمعصية بفعل العاصي فهو حسن وحق والا فهو باطل لانه يلزم منه التشريك في الفعل بينه وبين الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وذلك لان المنزلة الحق بين المنزلتين الباطلتين احد من السيف وادق من الشعر ولكنها لمن علمه الامام عليه السلم اياها اوسع مما بين السماء والارض واثبت من الجبال الرواسي وفي الكافي عن ابي عبد الله عليه السلم قال سئل عن الجبر والقدر فقال لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق لا يعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم ه اقول وهذه المنزلة ليست كما يذهب اليه كثيرون فان من وفق لمعرفتها علم بانهم قائلون بالتفويض لان ادراكها صعب وان كان اللفظ عنها سهلا ففي التوحيد عن مهزم قال قال ابو عبد الله اخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا قال قلت في الجبر والتفويض قال فاسألني قلت اجبر الله العباد على المعاصي قال الله اقهر لهم من ذلك قال قلت ففوض اليهم قال الله اقدر عليهم من ذاك قال قلت فأي شيء هذا اصلحك الله قال فقلب يده مرتين ثم قال لو اجبتك فيه لكفرت ه فقوله عليه السلم لو اجبتك فيه لكفرت صريح في ان المنزلة الحق ليست مجرد لفظ لا جبر ولا قدر ولا معنى ذلك انه تعالى امرهم ونهاهم وقوله (ع) لو فوض اليهم لم يحصرهم بالامر والنهي انما هو لبيان الدليل للسائل ان المفوض اليه لم يؤمر ولم ينه بل يترك وهواه وللتنبيه على الاستدلال بان المحدد عليه في افعاله لم يفوض فيها ولا معنى ذلك انه خلق لهم الالة لانه لو خلق لهم آلة الفعل وخلاهم من يده لم يكونوا شيـٔا لما قد تقرر بان الموجود الباقي محتاج في بقائه الى المدد والمعنى الثاني ما ذكر في احاديث اهل العصمة عليهم السلم في حق النبي واهل بيته صلى الله عليه وآله من ان الله تعالى خلقهم ثم خلق الخلق واشهدهم خلق جميع خلقه وانهى اليهم علومهم وفوض اليهم امر خلقه على ما تسمع من الاخبار فمن ذلك ما في كشف الغمة عن مناقب الخوارزمي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله لما خلق السموات والارض دعاهن فاجبنه فعرض عليهن نبوتي وولاية علي بن ابي طالب (ع) فقبلنهما ثم خلق الخلق وفوض الينا امر الدين فالسعيد من سعد بنا والشقي من شقي بنا نحن المحلون لحلاله والمحرمون لحرامه وفي بصائر الدرجات عن ابي جعفر عليه السلم قال ان الله خلق محمدا عبدا فادبه حتى اذا بلغ اربعين سنة اوحى اليه وفوض اليه الاشياء فقال ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ومنه عن ابي جعفر عليه السلم قال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله دية العين ودية النفس ودية الانف وحرم النبيذ وكل مسكر فقال له رجل فوضع هذا رسول الله صلى الله عليه وآله من غير ان يكون جاء فيه شيء قال نعم ليعلم من يطيع الرسول ومن يعصيه وفي تفسير العياشي عن جابر الجعفي قال قرأت عند ابي جعفر عليه السلم قول الله عز وجل ليس لك من الامر شيء قال بلى والله ان له من الامر شيئا وشيئا وشيئا وليس حيث ذهبت ولكني اخبرك ان الله تبارك وتعالى لما امر نبيه (ص) ان يظهر ولاية علي عليه السلم فكر في عداوة قومه له ومعرفته بهم وذلك للذي فضله الله به عليهم في جميع خصاله كان اول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وبمن ارسل وكان انصر الناس لله ولرسوله واقتلهم لعدوهما واشدهم بغضا لمن خالفهما وفضل علمه الذي لم يساوه احد ومناقبه التي لا تحصى شرفا فلما فكر النبي صلى الله عليه وآله في عداوة قومه له في هذه الخصال وحسدهم له عليها ضاق من ذلك فاخبر الله انه ليس له من هذا الامر شيء انما الامر فيه الى الله ان يصير عليا عليه السلم ولي الامر بعده فهذا عني الله فكيف لا يكون له من الامر شيء وقد فوض الله اليه ان جعل ما احل فهو حلال وما حرم فهو حرام قوله ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا ومن الاختصاص للمفيد (ره) عن جابر بن يزيد قال تلوت على ابي جعفر عليه السلم هذه الاية من قول الله ليس لك من الامر شيء فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله حرص على ان يكون علي ولي الامر من بعده فذلك الذي عني الله ليس لك من الامر شيء وكيف لا يكون له من الامر شيء وقد فوض الله اليه فقال ما احل النبي صلى الله عليه وآله فهو حلال وما حرم النبي صلى الله عليه وآله فهو حرام ومنه ومن بصائر الدرجات عن الثمالي قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول من احللنا له شيـٔا اصابه من اعمال الظالمين فهو حلال لان الائمة منا مفوض اليهم فما احلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام ومن الاختصاص عن محمد بن سنان قال كنت عند ابي جعفر عليه السلم فذكرت اختلاف الشيعة فقال ان الله لم يزل فردا متفردا في الوحدانية ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة عليهم السلم فمكثوا الف دهر ثم خلق الاشياء واشهدهم خلقها واجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء وفوض امر الاشياء اليهم في الحكم والتصرف والارشاد والامر والنهي في الخلق لانهم الولاة فلهم الامر والولاية والهداية فهم ابوابه ونوابه وحجابه يحللون ما شاؤا ويحرمون ما شاؤا ولا يفعلون الا ما شاء عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فهذه الديانة من تقدمها غرق في بحر الافراط ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتبهم الله فيها زهق في بر التفريط ولم يوف آل محمد حقهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم ثم قال خذها يا محمد فانها من مخزون العلم ومكنونه اقول والاخبار الواردة بهذا المعنى كثيرة غير ما ذكر وقد كثرت فيها اقاويل العلماء بين راد لها وبين واقف عنها غير باحث فيها وانها من المتشابه لتواردها مع مخالفتها في العقل لمقتضى التوحيد وبين مـٔول لها والحق انها غير منافية للعقول السليمة المستنيرة بنور هداية اهل العصمة عليهم السلم وذلك ان التفويض المنافي للتوحيد هو كون المفوض اليه مستقلا بما فوض فيه ونسب اليه ولا شك ان هذا شرك بالله مناف للتوحيد ولم يرد عن اهل البيت عليهم السلم ما يدل على ذلك في حقهم ولا حق مخلوق غيرهم بل ورد عنهم نفيه عنهم وعن كل احد من الخلق فمن ذلك ما في نوادر محمد بن سنان قال قال ابو عبد الله عليه السلم لا والله مافوض الله الى احد من خلقه لا الى رسول الله صلى الله عليه وآله ولا (ظ) الى الائمة عليهم السلم فقال انا انزلنا اليك الكتاب لتحكم بين الناس بما اريك الله وهي جارية في الاوصياء (ع) وفي الاختصاص للمفيد (ره) عن عبد الله ابن سنان مثله وفي عيون الاخبار عن يزيد بن عمير بن معوية الشامي قال دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلم بمرو فقلت له يا ابن رسول الله (ص) روى لنا عن الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلم انه قال لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين فما معناه قال من زعم ان الله عز وجل يفعل افعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم ان الله عز وجل فوض امر الخلق والرزق الى حججه عليهم السلم فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر فهو كافر والقائل بالتفويض مشرك وفيه عن ياسر الخادم قال قلت للرضا عليه السلم ما تقول في التفويض فقال ان الله تبارك وتعالى فوض الى نبيه (ص) امر دينه فقال ما اتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال عليه السلم ان الله عز وجل خالق كل شيء وهو يقول عز وجل الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وفي غيبة الطوسي عن كامل بن ابراهيم المدني حين وجهه قوم من المفوضة والمقصرة الى ابي محمد يعني الحسن العسكري عليه السلم ليسأله عن مقالتهم الى ان قال فسلمت وجلست الى باب عليه ستر مرخي فجاءت الريح فكشفت طرفه فاذا انا بفتي كأنه فلقة قمر من ابناء اربع سنين او مثلها فقال يا كامل بن ابراهيم فاقشعررت من ذلك والهمت ان قلت لبيك يا سيدي فقال جئت الى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة الا من عرف معرفتك وقال بمقالتك فقلت اي والله قال اذن والله يقل داخلها والله انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية قلت يا سيدي ومن هم قال قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله ثم سكت (ع) عني ساعة ثم قال وجئت تسأله عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا اوعية لمشية الله فاذا شاء شئنا والله يقول وما تشاؤن الا ان يشاء الله ثم رجع الستر الى حالته فلماستطع كشفه فنظر الى ابومحمد عليه السلم متبسما فقال يا كامل ما جلوسك قد انبأك بحاجتك الحجة من بعدي فقمت وخرجت ولم اعاينه بعد ذلك الحديث وفيه توقيع خرج من صاحب الامر عليه السلم نسخته ان الله تعالى خلق الاجسام وقسم الارزاق لانه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فاما الائمة عليهم السلم فانهم يسئلون الله تعالى فيخلق ويسئلونه فيرزق ايجابا لمسئلتهم واعظاما لحقهم وروي زرارة انه قال للصادق عليه السلم ان رجلا من ولد عبدسبا يقول بالتفويض فقال وما التفويض قال ان الله تعالى خلق محمدا وعليا ففوض اليهما فخلقا ورزقا واماتا واحييا فقال عليه السلم كذب عدو الله اذا انصرفت اليه فاقرأ عليه هذه الاية هذه الاية في سورة الرعد ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار فانصرفت الى الرجل فاخبرته فكأنما القمته حجرا او قال فكأنما خرس وقد فوض الله عز وجل الى نبيه صلى الله عليه وآله امر دينه فقال الله عز وجل ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا وقد فوض ذلك الى الائمة عليهم السلم وغير ذلك من الاخبار الصريحة الدالة على نفي التفويض عنهم وعن جميع الخلق الناطقة بعدم وروده عنهم في حق جميع الخلق فيكون التفويض المذكور في الاخبار السابقة يراد به غير هذا المعنى الباطل الذي هو الشرك بالله وانما معناه هو التفويض الحق على معان كلها صحيحة :
احدها انه سبحانه اوحى اليهم علوم ما يحتاج اليه الخلق واحكامهم مما شاء جملة وتفصيلا منها ليلة المعراج على محمد صلى الله عليه وآله ومنها ما ينزل في ليالي القدر ومنها القذف في القلوب والنقر في الاسماع ومنها علم ما كان وعلم ما يكون اي غابر ومزبور وهو قول موسى بن جعفر عليه السلم مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه ماض وغابر وحادث فاما الماضي فمفسر واما الغابر فمزبور واما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع وهو افضل علمنا الحديث واعلمهم جهات التحمل والتبليغ فهم المؤدون الى من امروا بالاداء لا غيرهم فقد فوض اليهم تبليغ ما امرهم بتبليغه كما حدد لهم فهم بامره يعملون وليس معنى كلامنا انه فوض اليهم تبليغ ما امرهم بتبليغه ورفع يده لان هذا من التفويض الباطل الذي هو الشرك بالله لان كل شيء سواه تعالى انما هو شيء بكونه في قبضته اذ لا وجود لشيء ولا قوام الا بامره بل مرادنا بانه فوض اليهم ذلك التبليغ انهم حملة امره ونهيه بقدرته وتراجمة وحيه بقوته ومشيته فافهم وانما سمي هذا تفويضا لانه تعالى خصهم به دون غيرهم لان غيرهم لا يقدر على تحمل ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اي لم تقدر الارض والسماء على تحمل اوامره ونواهيه وجهات تصرفات نظام عالمه وانما قدر على ذلك قلب عبده محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله وذلك لقرب كونهم من محدب كرة الوجود الراجح ولهذا خلقهم قبل الخلق بالف دهر كما تقدم في رواية الاختصاص
وثانيها انه تعالى خلقهم على هيئة مشيته وهي صورة مقتضاها اذا لم يحصل لها قاسر عن مقتضاها ان تجري على طبق مشيته وانما خلقهم ليجروا على مشيته فاذا انهى اليهم علما ليبلغوه الى من شاء كانت ارادتهم ترجمان ارادته ولذلك خلقهم ومع هذا لم يرفع يده كما تقدم في جميع اقوالهم واعمالهم وحركاتهم وسكناتهم فهم بامره يعملون لا بشيء من ارادتهم ولا ميل انفسهم وهذا معنى حديث البصائر المتقدم في قوله ان الله تعالى خلق محمدا عبدا فادبه حتى اذا بلغ اربعين سنة الحديث وكذا قوله تعالى وانك لعلى خلق عظيم وانا اضرب لك مثلا لهذا المعنى اذا كان عندك ماء في الارض فاذا اردت ان تجريه الى جهة الشرق حفرت له في الارض طريقا منخفضا الى الجهة التي تريد اجراءه اليها على قدر ارادتك وصرفته اليها فيجري على حسب ما حفرت له فهو حين صرفته فجري فانك لم تمنعه مما صرفته اليه فانت قد فوضت اليه جريانه فيما صرفته اليه ولكن هو بنفسه لم يجر وانما المجري له انت بما حفرت له فكذلك هم عليهم السلم خلقهم الله على صورة مشيته فمقتضى بنيتهم وفطرتهم الجريان على مشيته لان الاثر لا يخالف في صفته صفة مؤثره فلا يكون ظل الطويل قصيرا ولا العكس ولا المعوج مستقيما ولا العكس وانما خلقهم على تلك الهيئة ليجروا عليها فهو اجراهم على ما يشاء كما انك اجريت الماء على ما تشاء بما صنعت له من هيئة جريانه فيما حفرت له مع انه تعالى لم يخلهم في جميع احوالهم من قبضته كما تقدم وكيف يقال بان هذا تفويض او استقلال وانت لا يقال لك فيما صنعت بالماء حين قدرت له جريانه انك فوضت اليه الجريان مع ان الماء في جريانه ليس في قبضتك بل هو قائم بنفسه وانما حصرته على سبب الجريان وهو تعالى حصرهم على سبب الجريان على ارادته بما خلقهم عليه من هيئة ارادته ومع هذا لم يخلهم من يده في جميع احوالهم ووجودهم وانما قوامهم وقوام جميع الخلق بامره تعالى كقوام الصورة في المرأة بظهور الشاخص ومقابلته فافهم
وثالثها انه تعالى خلقهم له لا لسواه ولا لانفسهم فجعلهم السنة ارادته ومحال مشيته ففي الحقيقة ليس لهم مشية وانما مشيتهم مشية الله فاذا شاءوا فانما شاء الله كما قال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقال تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله فهو تعالى يشاء بهم ما شاء ولا مشية لهم وليس لمشيته محل غيرهم وجميع ما يجريه على خلقه من جميع الاشياء فانما هو بمشيته تعالى وهم محل تلك المشية وهم السنة تلك الارادة وهذا معنى قول الحجة عليه السلم في جوابه المتقدم لكامل بن ابراهيم المدني قال (ع) بل قلوبنا اوعية لمشية الله فاذا شاء شئنا والله يقول وما تشاؤن الا ان يشاء الله ه
ورابعها انهم عليهم السلم اطاعوه في كل حال وصدقوا معه في كل موطن فاوجب على نفسه تعالى اجابتهم في كل ما سألوا وارادوا جزاء بما كانوا يعملون فمعنى فوض اليهم الامر ان كل ما ارادوا فعله لهم واجراه على حسب ارادتهم والعلة انهم باستقامة عقولهم واستواء فطرتهم لا يشاؤن الا ما هو محبوب له تعالى مراد له عز وجل وذلك كما تقدم في التوقيع ان الله تعالى خلق الاجسام وقسم الارزاق لانه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فاما الائمة عليهم السلم فانهم يسئلون الله فيخلق ويسئلونه فيرزق ايجابا لمسئلتهم واعظاما لحقهم ه
وخامسها المراد بالتفويض الاذن فيما وليهم عليه وصرفهم فيه مما حدد لهم فانه انزل عليهم الكتاب الذي فيه تفصيل كل شيء فقال انا انزلنا عليك الكتاب لتحكم بين الناس بما اراك الله وعناهم في هذا بقوله هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وقد يكون بعض الاشياء معلقة على شروط او موقتة باوقات فيمنعون من فعل ذلك الى ان يقع ما علق عليه مثل وتخفى في نفسك ما الله مبديه ومثل لا تحرك به لسانك لتعجل به ومثل ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فاذن له فيما لم يعلق على شيء هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ومنع مما هو معلق او موقت ولا تعجل بالقرءان من قبل ان يقضي اليك وحيه فجعل الاذن والرخصة في امضاء ما امر بتبليغه تفويضا لانه قبل الاذن ( كان نسخة ) محصورا بالمنع من الامضاء
وسادسها ان الاشياء لما كانت لهم مخلوقة واحكامها التي بها صلاح نظامها في النشأتين عندهم لانهم عليهم السلم هم خزائن تلك الغيوب وهم الاولياء على الاشياء التي لم تخلق الا لهم ولم يكونوا لذواتهم عالمين بوضع الاسباب لمسبباتها والاجزاء في مواضعها المشخصة لها الا بتعليمه وهدايته انهى اليهم ما يتوقف عليه التأدية الى ما شاء تتميما للنعمة واكمالا للتفضل ليؤدوا بقوته ومدده وتوقيفه لهم على ما خفى عنهم وذلك هو التفويض الحق بتسبيب الاسباب ورفع الموانع
وسابعها ان الله سبحانه هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير قال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ثم لما كان الحق جل وعلا كنهه تفريق بينه وبين خلقه متعاليا عن كل مجانسة ومناسبة لم يمكن للمخلوقات التلقي عنه تعالى والقبول ولم يمكن ان يكون شيء مفعولا بغير فعل فاحدث الفعل بنفسه اي نفس الفعل والفعل لا يتقوم الا بمحل ومتعلق ويجب في الحكمة ان يكون اول متعلق للفعل مناسبا له وقريبا منه وحاملا له ومؤديا عنه فان كان بخلاف ذلك كان الفعل والصنع على خلاف ما ينبغي وخلاف ما ينبغي خلاف الكمال وخلاف الكمال دليل الحاجة والعجز والجهل والواقع خلاف ذلك كله فوجب ان يكونوا عليهم السلم مناسبين للفعل لانهم اول متعلق للفعل وبهم تقوم كما تقومت استضاءة نور الشمس بالارض لانها متعلق الاستضاءة فوجب ان يكونوا الواسطة في كل شيء لكل شيء فللحكمة جعلهم اولياء على خلقه وتراجمة وحيه والولاية هي التفويض الحق الذي سمعت فافهم
وهذا الذي ذكرنا اليه من اول الكلام الى هيهنا اشارة الى بيان التفويض العرفي منه الباطل المنفي في الاخبار الاخيرة ومنه الحق المثبت في الاخبار الاولة وانما ذكرت هذا مع ان المحتاج اليه في شرح ومفوض في ذلك كله اليكم انما التفويض اللغوي وهو الرد اليهم والتسليم لهم على كل حال لاجل الاشارة الى تبيين التفويض الحق في الجملة تقوية لكثير ممن يطرح الاخبار الصحيحة الصريحة لشبهة ان التفويض باطل ويزعم انها مخالفة للعقول وانت اذا فهمت ما ذكرنا لك عرفت انها موافقة للعقول وان انكارها تقصير وتفريط في حقهم صلى الله عليهم اجمعين
وقوله عليه السلم : ومسلم فيه معكم يراد منه معنى التفويض اليهم والتسليم هو الاخبات ولا يكمل ايمان المؤمن الا بالتسليم فيما علم وفيما لا يعلم يقول الصادق عليه السلم فيما تقدم من حديث الكافي انكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا ابوابا اربعة لا يصلح اولها الا باخرها ضل اصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا الحديث اقول الصلاح بدون المعرفة هو الكوكب الذي رءاه ابراهيم الخليل عليه السلم حين اراه الله ملكوت السموات والارض والمعرفة بدون التصديق هو القمر الذي رءاه والتصديق بدون التسليم هو الشمس التي رءاها فكان الصلاح والمعرفة والتصديق طرق ضلالة اذا لم ترتبط بالتسليم وفي الكافي عن الكاهلي قال قال ابو عبد الله عليه السلم لو ان قوما عبدوا الله وحده لا شريك له واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله او صنعه النبي صلى الله عليه وآله الاصنع خلاف الذي صنع او وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الاية يعني قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ثم قال ابو عبد الله عليك بالتسليم وفيه عن سدير قال قلت لابي جعفر عليه السلم اني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض قال فقال وما انت وذاك انما كلف الناس ثلاثة معرفة الائمة والتسليم لهم فيما ورد عليهم والرد اليهم فيما اختلفوا فيه ه وفيه عن الشحام عن ابي عبد الله (ع) قال قلت له ان عندنا رجلا يقال له كليب فلا يجيء عنكم شيء الا قال انا اسلم فسميناه كليب تسليم قال فترحم عليه ثم قال اتدرون ما التسليم فسكتنا فقال هو والله الاخبات قول الله عز وجل الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الى ربهم وفيه عن يحيى بن زكرياء الانصاري عن ابي عبد الله عليه السلم قال سمعته يقول من سره ان يستكمل الايمان كله فليقل القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد (ص) فيما اسروا وما اعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني ه وفيه عن ابي بصير قال سألت ابا عبد الله عليه السلم عن قول الله عز وجل الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه الى آخر الاية قال هم المسلمون لال محمد الذين اذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه جاؤا به كما سمعوه ه فقد ظهر لمن نظر في احاديثهم واعتبر ان التسليم اعلى درجات الايمان وبه كماله ولا تثبت الاستقامة الا به لشدة الابتلاء والاختبار اذ لا يبقي احد من الخلق بعدهم عليهم السلم الا ويرد عليه من الابتلاء الالهي ما لا يسلم له دينه معه الا بالتسليم حتى الانبياء والمرسلون ولذلك ابتلوا واصيبوا حتى يرجعوا الى القبول والتسليم لمحمد واهل بيته صلى الله عليه وآله وينيبوا كما تقدمت الاشارة في حق يونس عليه السلم وانه انما التقمه الحوت لتردده في ولاية امير المؤمنين عليه السلم وذلك لما امر بالايمان به فقال كيف اؤمن به ولم اره وايوب عليه السلم حين شك وبكى عند سماع انبعاث المنطق وقال امر عظيم وخطب جسيم وقد تقدم ذكر ذلك فلما تابا ورجعا واعترفا قبلت توبتهما وكذلك سائر الانبياء عليهم السلم والمؤمنون فيما ابتلوا به عند التوقف وقبلت توبتهم بالتسليم وكماله ان تكون في كل ما يرد عنهم عليهم السلم فانيا عن كل ما سواه واليه الاشارة بتأويل قوله تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون اللهم بلغنا ووفقنا لذاك ولا تخلنا طرفة عين من رضاك
قال عليه السلم : وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم تبع ونصرتي لكم معدة
قال الشارح المجلسي (ره) وقلبي لكم مسلم بالاسلام او التسليم اي سلم بمعناه او بمعنى الصلح اي لا اعتراض لقلبي على افعالكم ولا يخطر ببالي اعتراض لاني اعلم يقينا انكم لله ومن الله ورأيي لكم تبع اي لا رأي لي مع رأيكم ونصرتي لكم معدة اي انتظر خروجكم والجهاد في خدمتكم مع اعدائكم او اعددت نصرتي لاعلاء دينكم صورة ومعنى بالبراهين والادلة مع اعادي ما امكن انتهى
اقول القلب يطلق ويراد به العقل والفؤاد او هو العقل والفؤاد وقد يفرق بينها فالقلب هو وسط الشيء وقد يطلق على الجسم الصنوبري الا اذا كان في مقام الادراك فانه ح يراد به ما يتعلق به تعلق التدبير ولا شك ان الانسان اي النفس الناطقة المعبر عنه بانا انما هو المتعلق بالصنوبري لا بالدماغ الا ترى انك اذا اشرت الى نفسك وقلت هذا شيء عندي او مأت الى صدرك الى جهة الصنوبري ولم تؤم الى رأسك والمفهوم من الاخبار ان القلب هو العقل وهو خزانة المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة النفسانية والمثالية وهو متعلق بالجسم الصنوبري بوسائط تعلق التدبير فاقربها الى الصنوبري العلقة الدم التي في تجاويفه الى الجانب الايسر اكثر وفوقها الدم الاصفر التي تقومت العلقة به وفوقه الابخرة المتألفة من عناصرك بامداد عناصر العالم الكبير المعتدلة بان تكون جزءا من الحرارة النارية ومن الهوائية جزءا ومن المائية جزئين ومن الترابية جزءا فنضجت نضجا معتدلا بكر الكواكب باشعتها والعناصر بدورها حتى شابهت الافلاك فتحركت بتبعية حركتها لمساواتها لها واتحادها بها رتبة وهي النفس الحيوانية الحسية وفوقها ما تنزل عليها من النفس الكلية الذي هو مركب العقل المشار اليه وهو القلب في قوله تعالى ولكن تعمي القلوب التي في الصدور والصدر هو ما تنزل من النفس الكلية وهو فيك بمنزلة اللوح المحفوظ في العالم الكبير وهذا هو مقر العلم الذي هو الصورة المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والفؤاد هو النور الذي ينظر به المؤمن المتوسم في قوله (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله والمراد به الوجود وهو اعلى مشاعر الانسان وهو يدرك الشيء لا في جهة ولا بهيئة ولا باشارة ولا كيف وهو مقر المعارف الالهية ومقتضاه حب الله سبحانه وايثاره على ما سواه ولهذا نسبه الامام عليه السلم الى نور الله ولم يقل وجود المؤمن مع ان الصادق عليه السلم فسره بالوجود في قوله اي بنوره الذي خلق منه ولكن لما كان هو العارف بالله والداعي الى محبة الله والى ايثاره على ما سواه نسبه اليه تعالى فقال ينظر بنور الله ويقابله الماهية والانية ومقتضاها الانكار لان المعرفة يقابلها الانكار وهو ضدها العام قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون وقال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ولا يقابله الجهل والشك الا اذا اريد بالفؤاد القلب او النفس والقلب مقر اليقين وضده العام الشك ولا يقابله الجهل الا اذا اريد به النفس واما الصدر فهو مقر العلم وضده العام الجهل ولا يقابله الشك الا اذا اريد به القلب ولا الانكار الا اذا اريد به الفؤاد فالعلم في النفس المعبر عنها في الاية بالصدر وقد يطلق عليه الفلك الثامن اي باطنه ومثالها اي صفتها التي يقال لها في النحو اسم الفاعل كالقائم لزيد في الفلك السادس فلك المشتري اي نفسه وعيناها اللتين ( اللتان ظاهر ) تبصر بهما في الفلك الثالث الذي هو فلك الزهرة فلك الخيال اي نفسه
بقي بيان العقل وما اشتهر انه في الدماغ وان القلب في الصدر وقد قلنا انهما شيء واحد الا ان المنسوب الى الدماغ هو التعقل لا العقل فانه هو القلب الذي في الصدر والقلب انسان مثلك بجميع ما لك من الهيئات والطباع الظاهرة والباطنة فلو ظهر عقلك لكان كل من رأه عرف ان هذا هو انت لا يفرق بينكما الا انك انت تخبر عن نفسك وهو يخبر عنك وكذلك علمك وخيالك وفكرك ووجودك وجميع ما لك ولهذا سمى الانسان قرية كما ورد في تفسير قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وهذا الانسان الشريف الذي هو القلب متعلقه وكرسيه هو الصدر منك ورأسه وتعقله في الدماغ منك الاتحس انك اذا اردت ان تتعقل معنى انما تنظره بعينين في دماغك كما ان عينيك في رأسك كذلك قلبك عيناه في رأسه لان الباطن طبق الظاهر ثم اعلم انه في اللغة يطلق القلب على العقل واللب والفؤاد وكذلك الفؤاد وكذلك الحقيقة العقلية والشرعية التفرقة كما بينا لك نعم نسبة الفؤاد الى العقل كنسبة العقل الى التعقل فان الاصل الفؤاد والعقل وزيره وكرسيه وعيناه فيما دون مقامه فاذا نظر بنفسه ادرك الشيء لا في جهة بلا كيف ولا اشارة ولا تعدد فيما يدرك وانما يدرك مثالا لا يشبهه شيء نعم اذا نظر بالعقل ادرك ما ادركه العقل وبه وبالنفس ادرك ما ادركته النفس واما العقل فيدرك الشيء في جهة معنوية بكيف معنوي واشارة معنوية ولهذا تعقل معنى السكني من البيت في جهة غير الجهة التي فيها تدرك معنى الزينة من الخاتم بحيث تميز هذا من هذا بكيف معنوي واشارة معنوية وجهة معنوية غير ما يميز بها الاخر واما العلم فيدرك صورة المعلوم الخارجي ينتزعها منه وتكون هي معلومه يعلمها بها فاذا حضر الخارجي انطبقت تلك الصورة عليه لانها صورته اخذها منه الخيال عارية فاذا حضر كان هو اولى بها فاذا حضر الخارجي كان هو بعينه معلومه يعلمه به نفسه لا بصفة غيره واليه الاشارة بقول علي (ع) لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وقال الشاعر :
رأت قمر السماء فذكرتني ليالى وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
والقلب هو العقل وهذا النور الشريف خير كله يسمى بالقلب اما لتقلبه في المعاني او انه دائما يتقلب في احواله ولهذا امر اهل العصمة عليهم السلم شيعتهم انهم يقولون كل يوم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك ودين نبيك (ص) ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب واما لان المعاني تقلب فيه اي تفرغ فيه ويسمى بالعقل لانه يعقل صاحبه ان عمل بمقتضاه ولم يكابره عن جميع معاصي الله اي يحبسه عنها ولهذا ورد عن الصادق عليه السلم ان العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان فقيل والذي في معوية قال (ع) تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بعقل وليس العقل شرعا التمييز الذي هو مناط التكليف بل هو النور الحق المكتسب من العمل الحق ومن هنا قال جعفر بن محمد صلوات الله عليه بالعقل يستخرج غور الحكمة وبالحكمة يستخرج غور العقل والمراد بالحكمة العلم العملي اي المقرون بالعمل فانه هو الذي يزيد في العقل كما قال تعالى في الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته الحديث فقوله عليه السلم وقلبي لكم مسلم يراد من القلب النور الحق المكتسب من العمل الحق سواء اردت به القلب والعقل اذ هما شيء واحد ام العلم لان العلم المقرون بالعمل هو ثمرة العقل المستنير كما قال تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولوا الالباب يعني ما يعلمون العلم الحق الا اصحاب العقول ام الفؤاد لانه هنا اولا قال تعالى واجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وذلك لانها هي الكنه الاصلي فاذا مالت وهوت دل ذلك على ان صاحبها مخلوق ممن مالت اليه وهوت فيكون تسليمه لهم عن علم منه وكشف موانع غريبة ليست من النور لانه صفة مالت الى موصوفها وفرع التف الى اصله فاذا مال ذلك القلب اليهم والتفت الى شيء من احكامهم او آدابهم او اعتقاداتهم او اعمالهم او اقوالهم او احوالهم او شيء منهم او عنهم انضم الى ملائمه ومطلوبه وباب مطلوبه فلا تحصل له نفرة في شيء هذا ان عرف وان لم يعرف استهلكت طبيعته وجدانه في وجودهم عليهم السلم فيصدق على الفرضين صدق كون القلب مسلما لهم على جهة الحقيقة لانه خلق من فاضل طينتهم فهو يحن الى اصله ويميل الى ما منه بدئ ويطمئن ويسكن في مقر كنهه فاذا قلبي لكم مسلم مفوض في كل شيء مما يكون منكم ويرد عنكم لان قلبي من فاضل طينتكم خلق واليها يعود ولما كان بدء قلب المؤمن مخلوقا من فاضل طينتهم عليهم السلم كما دلت عليه الاخبار والمراد بالفاضل هو الشعاع وهو في اللطافة والشرف والنورية من طينتهم نسبته اليها نسبة الواحد الى السبعين فطينتهم كالسراج مثلا وقلوب شيعتهم كالاشعة ورتبة الاشعة من السراج في النورية والشرف والقوة نسبة الواحد من السبعين فلما كانت قلوب شيعتهم كذلك قد وجب في الحكمة وهي ايجاد الشيء على ما هو عليه مما ينبغي له ان يكون الشعاع عند المنير لا يجد نفسه ولا شعور له الا بما اعطاه المنير وكذا ما خلق من الشعاع بالطريق الاولى كانت قلوب شيعتهم اذا اتصلت بجهتهم وتوجهت الى احوالهم لا تجد انفسها ولا تشعر بما لها من الاحوال وهذا معنى التسليم والتفويض الحق المراد هنا فافهم وتحمل الاسرار فقد كشفت لك الاستار
وقوله عليه السلم : ورأيي لكم تبع الرأي هو نظر القلب واختياره يقال هو على رأي زيد اي يقول بقوله ويذهب مذهبه يريد ان قلبي لا يرى اعتقادا ولا مذهبا ولا عملا الا بما ترون من ذلك اي انه تابع لكم في كل شيء لا انه في رأيه موافق لرأيهم لان ذلك دليل الاستقلال وعدم الاحتياج وهذا لا يكون ممن خلق من شعاعهم وفاضل طينتهم بل يكون رأيه تبعا لرأيهم لانه في الحقيقة ناش عن رأيهم بل هم سلكوا به ما سلك كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلم في حديث ابي الطفيل عامر بن واثلة قال قلت يا امير المؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي وليصرفن عنه اعدائي وفي رواية ولاوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي الحديث والمراد به الدين الحق الذي من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابدا فلم يصدق بالحق مصدق الا من اوردوه حوض التصديق ولم يعمل عامل عملا صالحا الا من سددوه واوردوه حوض الاعمال الحقة وهو الاسلام والاستسلام وفي الحقيقة اعمال شيعتهم فاضل اعمالهم والحمد لله الذي هدانا لهذا وماكنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وقد اشار الى التبعية التي اشرنا اليها وهي التبعية الخاصة بهم من ائمتهم عليهم السلم العامة لكل شيء محمد بن علي الباقر عليهما السلم في ما رواه في العلل عن ابي اسحق الليثي قال قلت لابي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلم في حديث طويل الى ان قال اخبرني يا ابراهيم عن الشمس اذا طلعت وبدا شعاعها في البلدان اهو بائن من القرص قلت في حال طلوعه بائن قال اليس اذا غابت الشمس اتصل ذلك يعود كل شيء الى سنخه وجوهره واصله وروى ابو الفتوح الرازي في كتاب اداء الحقوق في الاخوان سأل المفضل الصادق عليه السلم ما كنتم قبل ان يخلق الله السموات والارضين قال كنا انوارا حول العرش نسبح الله تعالى ونقدسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم سبحوا فقالوا يا ربنا لا علم لنا فقال لنا سبحوا فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا الا انا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فاذا كان يوم القيمة التحقت السفلى بالعليا ثم قرن عليه السلم بين اصبعيه الوسطى والسبابة وقال كهاتين ثم قال يا مفضل اتدري لم سميت الشيعة شيعة يا مفضل شيعتنا منا ونحن من شيعتنا اما ترى هذه الشمس اين تبدو قلت من مشرق قال والى اين تعود قلت مغرب قال عليه السلم هكذا شيعتنا منا بدءوا والينا يعودون ه فقد ظهر لك مما ذكرنا ومما استشهدنا به من الاخبار معنى تبعية الرأي على جهة الحقيقة فمن كان كذلك فهو صادق في دعواه ومن لم يكن كذلك فقد يكون مراده بالتبعية الموافقة بل لا يعرف سواها كما شاهدنا من اكثر الخلق من عالم وجاهل وان كان يقول ان رأيي تبع لرأيهم فليس كذلك كيف ونحن نجده يصرف اكثر احاديثهم اذا لم يفهمها اما لقصوره ولاجل قاعدة عنده ربما لا تنطبق الا على مذهب غيرهم ولا يرضي بالوقوف عند ما لا يعرفه من احاديثهم مع اني وجدت كثيرا مما يردها ويطرحها هو الحق الصريح وهو مذهب ائمته عليهم السلم فان كان صادقا في قوله ورأيي لكم تبع فلم يرد اخبارهم ويصرفها الى قاعدته والواجب عليه اما الوقف وردها اليهم والاقرار بعدم فهمها او تصحيح قاعدته عليها لا تصحيحها على قاعدته وفي نهج البلاغة ان رجلا قال لامير المؤمنين عليه السلم صف لنا ربك لنزداد له حبا وبه معرفة فغضب عليه السلم فخطب الى ان قال فانظر ايها السائل فما دلك القرءان عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وائمة الهدى (ع) اثره فكل علمه الى الله سبحانه فان ذلك منتهى حق الله عليك واعلم ان الراسخين في العلم هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضروبة الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين ه فان كان علي بن ابي طالب عليه السلم اماما لك تأتم به فاقبل قوله هذا والا فانت ذاك الذي قلنا
وقوله عليه السلم : ونصرتي لكم معدة اعلم انك قد عاهدتهم على ان تنصرهم في كل موطن على عدوهم وذلك حين اخذ الله عليك العهد بذلك في عالم النفوس فاحضرك في ذلك المشهد مع جميع الخلائق فاوقف كلا في رتبة كونه مع من كان في رتبته فاخذ عليك العهد معهم هنالك على ان تنصروهم كلا بما يستطيع فقال الست بربكم فعاهدتموه على النصرة لهم على عدوهم اذا دعوكم في كل كرة فقلتم بلى وشهد عليكم جل وعلا واشهدهم واشهد ملائكته وانبياءه ورسله والمؤمنين وانا على ذلكم من الشاهدين فانزل صك الشهادة بقوله تعالى شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين الايات فدعوكم عليهم السلم الى النصرة في توحيده تعالى بان من اراد الله بدأ بهم ومن وحده قبل عنهم ومن قصده توجه بهم ومعنى الاول انهم ابوابه والادلاء عليه ومعنى الثاني انهم اركان توحيده والواصفون له اي لم يقبل من الوصف الا ما وصفوه به ومعنى الثالث انهم معانيه واسماؤه والشفعاء عنده لمن ارتضى دينه ودعوكم الى النصرة في ان تصفوه بما وصف به نفسه على السنتهم وتعرفوه بما تعرف به على ايديهم وان تؤمنوا به وبملائكته وكتبه ورسله وانبيائه واوليائه وبما جاؤا به من عند ربهم من احوال النشأتين وان تؤمنوا بعبده ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وبخلفائه واهل بيته عليهم السلم علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة عليهم السلم وانهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وعليهم عن الله بما هم اهله على نحو ما مر عليك مرارا وان تؤمنوا بالموت وما بعده من احوال البرزخ وان تؤمنوا باليوم الاخر وما اخبروا به من احواله وبالجنة والنار وان تؤمنوا بما بين ذلك من قيام قائمهم ومن رجعتهم الى دار الدنيا واقامتهم الحق واظهارهم على الدين كله حتى يملئوا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وحتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق وان تؤمنوا بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من عنده من امور الاعتقادات والتكاليف في الاعمال والاقوال من جميع ما يتعلق باحوال الدنيا والاخرة وان تؤمنوا بان الحق لهم ومعهم ومنهم وفيهم وبهم وان طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله ورضاهم رضى الله وسخطهم سخط الله ووليهم ولي الله وعدوهم عدو الله بالجنان والاركان واللسان ودعوكم الى ان تنصروهم بالجنان بان تعتقدوا ما اعتقدوا وتروا ما رأوا وتوالوا من والوا وتجانبوا من جانبوا على معنى ما تقدم في ورأيي لكم تبع وبالاركان بان تقتدوا بهم في اعمالهم فتعملوا ما عملوا وتتركوا ما تركوا وتنصروهم بالسيف اذا دعوكم الى ذلك وباللسان بان تقولوا ما قالوا وتسكتوا عما سكتوا وتنصروهم بنشر فضائلهم وقبائح اعدائهم ما استطعتم وبالاحتجاج لاقامة اقوالهم ودينهم ومذهبهم وابطال اقوال مخالفيهم بحججهم عليهم السلم وتنصروهم بالولاية لهم ولاوليائهم وبالبراءة من اعدائهم وان تنصروا بالصلوة عليهم والدعاء لهم ولشيعتهم وبلعن اعدائهم وبالبراءة منهم ومن اتباعهم وفي تفسير الامام عليه السلم فقال رجل يا ابن رسول الله اني عاجز ببدني عن نصرتكم ولست املك الا البراءة من اعدائكم واللعن لهم فقال له الصادق عليه السلم حدثني ابي عن ابيه عن جده عليهم السلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه من ضعف عن نصرتنا اهل البيت فلعن في خلواته اعداءنا بلغ الله عز وجل صورته جميع الاملاك من الثرى الى العرش فكلما لعن هذا الرجل اعداءنا لعنا ساعدوه ولعنوا من يلعنه ثم ثنوا فقالوا اللهم صل على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ولو قدر على اكثر منه لفعل فاذا النداء من قبل الله عز وجل قد اجبت دعاءكم وسمعت نداءكم وصليت على روحه في الارواح وجعلته عندي من المصطفين الاخيار الابرار ه اقول هذا نصرهم بلعن اعدائهم فكل حق وكل ما يريده الله من خلقه من الواجبات والمندوبات والاخلاق الحسنة من احوال الغيب كسائر الاعتقادات والمعارف والعلوم ومن احوال الشهادة كسائر الاعمال والاقوال من افعال وتروك فهم الداعون اليه والمجاهدون في سبيله وقد دعوا جميع الخلق الى نصرتهم في ذلك كله فمن عمل بما امروه به عن الله فقد نصرهم وجاهد معهم واذا مات على ذلك فهو شهيد داخل في عناية الله سبحانه وارادته بقوله تعالى والشهداء عند ربهم لهم اجرهم ونورهم ومن ترك ذلك او شيئا منه فقد فر عن معسكر جند الله وحزبه ومن فعل ذلك الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله فاذا ترك واجبا او فعل محرما وهو مقر بالاساءة والتقصير فقد تحيز الى فئة ويرجي له الخير ومن ندم وعزم على الطاعة وعلى عدم العود في المعصية فهو متحرف لقتال وهو ناج ايضا فالنصرة المعدة لهم يكون صاحبها عاملا للطاعات تاركا للمحرمات مقرا بالتقصيرات عازما على ترك المعاصي وتدارك الطاعات فلا يفقد من مواضع الخير ومجالس الذكر واماكن محبة الله اما باطنا وظاهرا واما باطنا فذلك الذي نصرته لهم معدة فان كان ذلك ظاهرا وباطنا فهو المجاهد حقا وان كان مرة كذلك ومرة باطنا لا غير فهذا مرابط والحاصل من بذل جهده في نصرتهم فيما يجاهدون فيه لله من جميع مراضيه فان نصرته لهم معدة واذا قال ذلك فهو صادق فيما ادعاه والا فلا
قال عليه السلم : حتى يحيي الله دينه بكم ويردكم في ايامه ويظهركم لعدله ويمكنكم في ارضه
قال الشارح المجلسي (ره) حتى يحيي الله دينه بكم في الرجعة مع المهدي (ع) ويردكم بالرجعة في ايامه اي ايام ظهور دينه فانه ايام الله ويمكنكم في ارضه بالدولة الباهرة كما قال تعالى وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم انتهى
اقول حيوة الدين الاتيان به على طبق ما امر الله تعالى به وهذا ظاهر وانما الخفاء في تبينه على جهة الحقيقة فنقول مطابقة العمل للامر قد يتحقق بصورة العمل بان تكون صورته مطابقة للامر اذا اتى بها مقرونة بشرط الصحة فصلوة الظهر اذا اتى بها على الهيئة المعروفة ان كانت مقرونة بشروط الصحة كالطهارة والستر والوقت والاستقبال مع التمكن والظاهر عندي ان مع التمكن قيدا للاربعة على بعض الاحوال ليدخل وجوب صلوة فاقد الطهورين في الوقت وان وجب القضاء بعد التمكن يقال لها في الجملة انها حية اذا كانت مسقطة للقضاء وقد لا يقال لها حية باعتبار انها قد لا تقبل كما لو لم يقبل عليها بقلبه وقد تقبل باعتبار انها مجزئة لصدق الامتثال فيها فتكون حية اما لو اتى بها مطابقة للامر مقبلا عليها بقلبه فانها انشاء الله تعالى حية فالحيوة الموجبة للقبول متحققة وغير الموجبة متحققة الاجزاء والمتحققة القبول اقوى من المتحققة الاجزاء ومنشأ الاولى من صحة الصورة وحصول الاقبال ومنشأ الثانية من صحة الصورة خاصة والمراد من قوله حتى يحيي الله دينه بكم من نوع الحيوة الاولى اذ لو اريد من نوع الحيوة الثانية لما حسن ان يقال حتى يحيي الله دينه بكم لان هذا لا يقال الا على فرض ان دينه الأن ميت ولا يعتبر مطلق الحيوة الموجودة الأن والا لما قال ذلك مع انها الأن موجودة قطعا فيكون مراده الحيوة الكاملة لما دلت عليه النصوص انه اذا قام قائمهم عليه السلم وضع يده على رؤس العباد فكملت بذلك احلامهم وايمانهم ولا يكون قبل قيامه عليه السلم فاذا قام عليه السلم اخذ ايمان المؤمنين في الاستكمال وينتهي في رجعتهم بعد ظهوره عليه السلم وهو بعد القتل راجع معهم كما تقدم او يراد بالحيوة وجودهم وظهورهم بين الخلائق متمكنين من التصرف نافذي الامر لان الحيوة انما تكون بهم وفي قوله تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات روي في الكافي عن بريد قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول في هذه الاية ميتا لا يعرف شيئا ونورا يمشي به في الناس اماما يأتم به كمن مثله في الظلمات الذي لا يعرف الامام وعنه قال سألت ابا جعفر عليه السلم عن هذه الاية فقال الميت الذي لا يعرف هذا الشأن يعني هذا الامر وجعلنا له نورا اماما يأتم به يعني علي بن ابي طالب (ع) كمن مثله في الظلمات قال بيده هكذا هذا الخلق الذين لا يعرفون شيـٔا ه فالميت الذي لا يعرف ولايتهم (ع) واحييناه عرفناه ولايتهم عليهم السلم واظهرنا له اماما يأتم به يتدين بين اديان الناس بهداه فيجوز ان يكون ذلك في الدنيا ولكن لا يكون كاملا ويصدق عليه الموت في بعض الاحوال ولا تصدق عليه الحيوة حقيقة الا اذا كان كاملا في الولاية ولا يكون ذلك الا اذا كانوا ظاهرين متمكنين آمنين كما قال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا فالوعد من الله سبحانه لهم بالتمكين لهم في الارض حيث لا مانع ولا مدافع ولا منازع وليبدلنهم من بعد خوفهم في هذه امنا فاذا اراد ان يحيي الله تعالى دينه كما يحب ردهم اي رجعهم في ايامه اي الرجعة وخروج قائمهم عليهم السلم واظهرهم لعدله فيظهر بهم عدله كما يحب حتى يملأها بهم قسطا وعدلا كما ملئت باعدائهم جورا وظلما ومكنهم في ارضه في مشرقها ومغربها فقوله عليه السلم حتى يحيي الله دينه بكم نهاية لصبر المؤمن وتسليم قلبه لهم فيما يرد عليه وعلى المؤمنين وعلى الدين من جور الظالمين وتحريف المبطلين وتبديل المعاندين مما يغيرون به مقتضيات ولايتهم عليهم السلم وحدود دينهم مع علم المؤمن المسلم لهم بانهم لو سألوا الله تعالى ان يزيل ذلك لفعل لهم ما طلبوا منه فرضي ذلك المؤمن بما صدر عنهم وبما اصابه واصاب المؤمنين بمسمع منهم وبمنظر وبما حدث في الدين من المعاندين وقد كان بعين الله سبحانه وهم يعلمون والله قادر على اصلاح دينه وهم بالله قادرون فصبر ذلك المؤمن ورضي عن الله سبحانه وعن اوليائه وسلم ولم يجد في نفسه حرجا مما قضى الله ورسوله صلى الله عليه وآله لما قلنا سابقا من اضمحلال وجدانه في وجودهم
وقوله (ع) : ويردكم في ايامه يراد منه انكم بعد ما خرجتم من الدنيا او من التمكين فيها واستيلاء اعدائكم الظالمين على سلطانكم يحللون ما حرم الله ويحرمون ما حلله الله ويقربون من بعده الله ويبعدون من قربه الله ويبدلون كلام الله ويغيرون احكام الله يردكم الى ايامه اي الدنيا او الى التمكين فيها حتى يرجع اليكم سلطانكم وايام الله ثلاثة الدنيا والرجعة او قيام القائم عليه السلم والقيمة الكبرى فاما القيمة والرجعة فظاهر واما الدنيا التي مضت ولا تعود مع انها قد تكون كناية عن دولة الفاسقين ودولة الفاسقين لو عادت لم يتمكنوا عليهم السلم من العدل في الارض فكيف تراد من الايام هنا فلعل المراد بالرد الى الدنيا باعتبار مقابلة الاخرة لانها هي الدنيا اي الاولى او المراد بالرد اليها استدراك ما فاتهم فيها من اصلاح رعيتهم فانهم يستدركون ذلك بان يحيي من له مظلمة ويحيي معه ظالمه فيقتص منه او قصاص فيقتص منه ويبعث من نقص ايمانه ليستكمله ومن لم يحصل له ما طلبه من العلوم لله تعالى ليتعلم ما احب وامثال ذلك او المراد بالايام الاعم ونسبت اليه لظهور عدله وحيوة دينه فيها او المراد بالايام الائمة عليهم السلم وفي الحديث لا تعادوا الايام فتعاديكم والمراد بها هم عليهم السلم فالاحد امير المؤمنين عليه السلم والاثنين الحسن والحسين والثلاثا علي بن الحسين (ع) والباقر والصادق عليهم السلم والاربعاء الكاظم والرضا والجواد والهادي والخميس الحسن العسكري (ع) والجمعة هو القائم عليه السلم واليه تجتمع الامم والسبت رسول الله صلى الله عليه وآله وردهم في الايام المراد به انهم خرجوا الى الدنيا مظلومين مضطهدين لم يخرجوا فيها على ما هم عليه لانهم سلاطين الدنيا والاخرة واليهم ترجع الامور كلها فلما غصبوا سلطانهم وازيلوا عن مقامهم حتى غير اعداؤهم الدين وحرفوا الكتاب المستبين واراد الله اظهار دينه واعلاء كلمته ردهم في ايامه اي ردهم الى الدنيا فيما هم عليه من ظهورهم برفع الموانع عنهم واذلال اعدائهم الناصبين لهم الغاصبين لحقهم وتمكينهم من مراتبهم التي خلقهم فيها وخلقها لهم فهم ايام الله وردهم في ايامه اي على ما هم عليه من كونهم ملوك الدنيا والاخرة او المراد بالايام اوقات ظهور افاعيله في خلقه من خلق ورزق وحيوة وممات كليات او جزئيات حيث كانوا ابوابه لجميع فيوضاته فان قلت على هذا لا معنى للرد لانهم اذا كانوا ابواب فيوضاته لم يخرجوا عن تلك الايام ليقال انه في الرجعة يردهم فيها ولو كانوا خرجوا تعطل الفيض قلت انهم لم يخرجوا بالكلية اصلا والا لفسدت السموات والارض ومن فيهن ولكنهم عليهم السلم لما لم يكونوا متمكنين من جهة اقامة الدين على ما ينبغي كان غاية وساطتهم في اصلاح الوجود الكوني بما فيه من الشرع الكوني وهو ظاهر التكوين فلا يكون الوجود الكوني مستقيما على ما ينبغي بظاهر التكوين وانما يستقيم بباطنه وسره وباطن التكوين وسره هو الكون الشرعي ولم يكونوا في دولة الباطل متمكنين من اقامته فاذا رجعوا ذهبت بظهورهم وتمكنهم دولة الباطل واضمحلت واقاموا الكون الشرعي واستقامت الاشياء على كمال ما ينبغي واستدار الفلك كهيئته يوم خلق الله السموات والارض لانهم اقاموا العوج بان اعطوا كل شيء مدد معونته على ما يراد منه فهنالك صدق ان الله تعالى ردهم في ايامه اي اوقات ظهور افاعيله من جميع الخلق والرزق والحيوة والموت
وقوله عليه السلم : ويمكنكم في ارضه من قوله تعالى ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وعن امير المؤمنين عليه السلم قال هم آل محمد صلى الله عليه وآله يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل اعداءهم وفي نهج البلاغة قال عليه السلم لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا عقيب ذلك ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض الاية وفي معاني الاخبار عن الصادق عليه السلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله نظر الى علي والحسن والحسين عليهم السلم فبكى وقال انتم المستضعفون بعدي فقيل للصادق عليه السلم ما معنى ذلك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله قال معناه انكم الائمة بعدي ان الله تعالى يقول ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة الاية فاذا كانت الفقرة مقتبسة من قوله تعالى ونمكن لهم في الارض كان معناها ان الله تعالى يجعلهم ائمة يقتدي بهم وانه لا يكون بعد ملكهم ملك لمخلوق والا لماتم التمكين اذا تمكن بعدهم في الارض غيرهم لان المعنى ظاهر في الاية حيث قال ونجعلهم ائمة يقتدى بهم اي لا يقتدي بغيرهم الا عنهم ونجعلهم الوارثين للارض فلو تمكن بعدهم في الارض احد كان هو الوارث للارض لانه هو الاخير لا هم فلعل العطف في ونمكن لهم في الارض في الاية تفسيري
قال عليه السلم : فمعكم معكم لا مع عدوكم آمنت بكم وتوليت آخركم بما توليت به اولكم
قال الشارح المجلسي (ره) فمعكم معكم اي فانا معكم بالقلب واللسان او هنا وفي الرجعة او كرر للتأكيد وتوليت آخركم بما توليت به اولكم اي اتولي كل واحد منكم بنحو ما توليت به امير المؤمنين عليه السلم فان كل واحد آخر بالنسبة الى سابقه او اعتقد بوجود المهدي عليه السلم الأن لا كما تقوله العامة انه غير موجود الأن بل يوجد ويخرج مع انهم قائلون بوجود الخضر والياس وغيرهما وقائلون بان النبي صلى الله عليه وآله قال لا يزال امر الدين قائما ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وبانه قال (ص) من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فعلى قولهم لا دين لهم ويموتون كفارا ونحن ايضا قائلون بهذا القول انتهى
اقول قوله فمعكم معكم اي اذا جبلت فطرتي واستقر رأيي وعملي واستقام اعتقادي واطمئن قلبي وسكنت نفسي على ما تقدم مما سمعت ونطق به لساني وقد وجدت فيما انطوت عليه سريرتي وعقد عليه قلبي وكشف عن بيان حقيقته فؤادي ان مبدأ ذلك والمقتضي له والكاشف له والداعي اليه والمرشد الى سبيله المستقيم والمحبب الى قبوله ليس مني ولا عني ولا من احد من الخلق الا بواسطتهم خاصة عن الله اذ بدونهم لا يكون شيء من ذلك ولا حق في غيره ولا نجاة الا به ولم يرد الله غير ذلك وكان لا بد لكل من لم يكن مستقلا من الانضمام الى من يكون مستقلا وبه الاستقلال وكان تعالى لم يجعل له بابا ولا واسطة ولا دليلا عليه ولا عضدا لجميع خلقه الا اياهم عليهم السلم وجب ان يكون كل من سواهم منضما اليهم طوعا كاوليائهم ومحبيهم ولهم اجرهم او كرها كاعدائهم ومبغضيهم وعليهم وزرهم واليه الاشارة بقوله تعالى باطنه فيه الرحمة لاوليائهم وظاهره من قبله العذاب لاعدائهم ولا قوام للمنضم الا بالانضمام اليهم عبر عنه بقوله فمعكم معكم على التأكيد للانقطاع والانتهاء لا مع عدوكم لانهم على العكس في جميع ما ذكر واما ما ذكره من بعض المعاني لهذه الفقرة فهو صحيح فيجوز ان يراد بالاخر القائم عليه السلم على معنى ان ولايتي للقائم عليه السلم هي ولايتي لعلي بن ابي طالب او كما ان ولايتي لعلي بن ابي طالب (ع) بعد وجوده وتحققه كذلك ولايتي للحجة (ع) بعد وجوده وتحققه وهذا المعنى اي اني توليت من هو موجود انسب من كون توليت بمعنى اعتقدت او ان ولايتي لكل لاحق منكم هي ولايتي لكل سابق منكم او ان كل واحد منهم عليهم السلم فله اول وآخر فاوله من جهة حقيقته كالمقامات والمعاني والابواب والاشباح فالمقامات اول حقيقي والمعاني والابواب والاشباح اوليتها اضافية والامام والحجة والمفترض الطاعة والخليفة آخر فقول المؤمن توليت آخركم اي اول كل واحد منكم اي آمنت وصدقت وامتثلت واثنيت واطعت آخر كل واحد منكم اي كونه عندي خليفة الله في ارضه وخليفة رسوله وولي الله وامام الخلق وحجة الحق المفترض على كل الخلق طاعته بما توليت به اولكم اي اول كل واحد منكم يعني آمنت وصدقت وامتثلت وانثيت واطعت اول كل واحد منكم اي كونه عندي اسم الله الاعظم وآيته الكبرى ومحل مشيته ولسان ارادته ومعاني اسماء افعاله وحامل صفات افعاله وترجمان وحيه ووجهه الذي اليه يتوجه اولياؤه وبابه الذي منه يؤتى وبشره المحتجب به عن الاشياء وحجابه الذي ظهر به للاسماء وقول الشارح (ره) لا كما تقوله العامة انه غير موجود يريد به بعض العامة لا عامتهم لان لهم في ذلك ثلاثة اقوال : احدها ان القائم الموعود بخروجه هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السلم كما تقوله الشيعة وان الله تعالى بقدرته وحكمته قد اطال عمره كما اطال عمر الخضر والياس وعلي بن عثمن بن ابي الدنيا وانه في زمن علي عليه السلم والى الان هو موجود وانه لا يموت الا عند النفخ في الصور لانه شرب من عين الحيوة كما نقله الصدوق رحمه الله في كتابه اكمال الدين واتمام النعمة وكابليس مع نطق القرءان ببقائه الى يوم يبعثون واجماع المسلمين على ذلك وكالشياطين كما قيل بانهم لا يموتون الا بسبب بل قيل ذلك في الحية ايضا وكالملائكة وقدرة الله في مثل ذلك لا تنكر الا ان القائل بذلك منهم قليل نقله ابنحجر في الصواعق المحرقة له وثانيها ان القائم هو عيسى بن مريم (ع) ونقلوا عليه روايات وفسروا قوله تعالى وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته وان ضمير به وموته يعود الى عيسى وانه هو المنتظر ولان الله تعالى قال وماقتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم وقال تعالى بل رفعه الله اليه وثالثها انه المهدي العباسي من بنيالعباس وانه الأن لم يوجد ولا بد ان يوجد والحق ما دلت عليه الروايات من الفريقين واجماع اهل البيت عليهم السلم وشيعتهم وهو انه محمد بن الحسن العسكري عليه السلم عجل الله فرجه فيجوز ان يكون توليت آخركم الخ بمعنى آمنت بوجود آخركم عجل الله فرجه وسهل مخرجه او ببقائه وانه حي الى ان يخرج طالت الازمنة او قصرت قبل الموت او بظهوره قبل الموت حتى يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما
قال عليه السلم : وبرئت الى الله عز وجل من اعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقكم والمارقين من ولايتكم والغاصبين لارثكم الشاكين فيكم المنحرفين عنكم ومن كل وليجة دونكم وكل مطاع سواكم ومن الائمة الذين يدعون الى النار
قال الشارح المجلسي (ره) ومن الجبت ومن الطاغوت والشياطين بني امية وبنيالعباس وحزبهم اتباعهم والغاصبين لا رثكم من الامامة والفيء فدك والخمس وغيرها الشاكين فيكم اي في امامتكم كانهم وان لم يقولوا بامامتهم ولكن يحتملونها او غيرهم من الشاكين ومن كل وليجة اي معتمد عليه كعلمائهم وفقهائهم كما قال الله تعالى ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله تعالى ولا رسوله (ص) ولا المؤمنين وليجة والمراد بالمؤمنين هنا الائمة عليهم السلم كما في الاخبار الكثيرة ومن الائمة الذين يدعون الى النار وهم ائمتهم لانهم قائلون بان ائمتنا داعون الى الجنة بلا خلاف بينهم انتهى
اقول برئ بمعنى امتنع وذلك بعد ذكر توليت اي انقدت واطعت بظاهري وباطني وسري وعلانيتي وقولي وفعلي لكم ناسب ذكر ركن الدين الايسر وان كان معلوما عند ذكر الركن الايمن من الدين الذي هو الولاية والطاعة المطلقة لان الاقبال يلزمه الادبار عن ضده العام كما اذا قلت انا غربت لزمك انك تركت جهة الشرق وامتنعت من التشريق لكن لما كان بعض العامة يدعي انه متوالي بعلي واهل بيته وباصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قامت الادلة عقلا ونقلا ان ذلك ممتنع بان يتوجه الى الشيء في حال توجهه الى ضده العام ذكر البراءة لبيان توهم من توهم ذلك وللرد عليه وعلى من يقول احب الكل تحظ بالكل ولان النطق له تكليف خاص لا يسقط بقيام القلب بمعناه وليتعلم من لا يعلم ويتنبه من لم يتنبه ولتشهد به الارواح حين تسمعه ولينتقش في الالواح حين يقرعها فلما ذكر الموالاة ناسب ذكر ضدها العام لما قلنا فقال وبرئت الى الله عز وجل اي امتنعت ولم اطع ولم انقد بظاهري وباطني وسري وعلانيتي وقولي وفعلي من طاعة اعدائكم ومحبتهم والميل اليهم والاخذ عنهم والتسليم لهم والرد اليهم والتجأت في ذلك الى الله عز وجل واستجرت به من ذلك الميل وان يجري ذكره في قلبي واسارير صدري والا يكلني الى نفسي الامارة بالسوء فتميل الى ابويها لان كل انسان له ستة اباء ابوا عقله محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما قال تعالى ووصينا الانسان بوالديه حسنا من نور ( صفة خ ) محمد صلى الله عليه وآله مادته وهي الأب ومن نور صفة علي عليه السلم الباطنة صورته وهي الأم اذا كان ذلك الانسان مؤمنا لان الصورة صبغ الرحمة باطنه فيه الرحمة وقال الصادق عليه السلم ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة الحديث وان كان الانسان كافرا او منافقا فمن ظل صفة علي عليه السلم الظاهرة وظاهره من قبله العذاب لان عليا عليه السلم شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وابوا نفسه الامارة بالسوء الاول والثاني وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما فمادتها من الاول من سجين وطين خبال وصورتها النكري والشيطنة قال تعالى تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر وهو الثاني والمنكر صفته يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا فمن الاول الأب ومن الثاني الام وابوا الجسم الابوان المعروفان وصاحبهما في الدنيا معروفا وبرئت الى الله عز وجل من اعدائكم اي لذت الى الله واعتصمت به من ان يميل قلبي او يجري في فكري او ينطق لساني بذلك وانما كانت الولاية الركن الايمن من الدين لانها المقصود والمدد وانما كانت البراءة الركن الايسر من الدين لانها نفي المنافي بعد الثبوت لانه في عالم الكثرة لم تتحقق الولاية الحق الا بالبراءة لكون الولاية في حكم الجهل وما يصل اليه الجهل وما قد يلم به اعم من الولاية الحق لحضور الولاية الباطل عند الولاية الحق في مشهد الكثرة والجهل فكانت البراءة هي الركن الايسر للحوقها للولاية وانما كانت ركنا لاعتبار الملازمة بينهما وانما اعتبرت الملازمة لان المكلف لا ينفك عن الفعل او الترك والولايتان متنافيتان تنافيا كليا ففعل شيء في احدي الولايتين ترك له في الولاية الاخرى وتروك الولاية الحق واجبات ففعل هذه التروك محرمات فيها وهي افعال الولاية الباطل وافعال الولاية الحق واجبات وتروكها محرمات فيها وهي تروك الولاية الباطل فمن ترك واجبا من الله فقد فعل تركا معتبرا في الولاية الباطل ومن فعل محرما عند الله فقد فعل فعلا معتبرا في الولاية الباطل فلا يخلو المكلف عن احدهما ابدا فالولاية الباطل ضد عام للولاية الحق وكل فعل او ترك فيها فهو ضد عام لنقيضه في الولاية الحق فكانت الولاية الحق لا تتقوم في مشهد الكثرة الا بالبراءة من الولاية الباطل
وقوله عليه السلم : ومن الجبت والطاغوت عطف تفسيري او خاص على عام والجبت الصنم والكاهن والساحر والسحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله تعالى وفي حديث الباقر عليه السلم المراد به الاول وفي القاموس الطاغوت اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والاصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة اهل الكتاب ه والطاغوت فلعوت مقلوب طغي وهو تجاوز الحد ويجيء مفردا كقوله تعالى يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وجمعا كقوله تعالى والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت ويجمع مفرده على طواغيت وكذلك الجبت يجمع على جوابيت وفي الدعاء اللهم العن الجوابيت والطواغيت وكل ند يدعي من دون الله ه وفي حديث الباقر عليه السلم المراد بالطاغوت الثاني وفيما كتب الرضا عليه السلم للمأمون في الحديث الطويل الذي جمع فيه كثيرا من الاصول والفروع قال عليه السلم ولا ايمان الا بالبراءة من الجبت والطاغوت اللذين ظلما آل محمد حقهم واخذا ميراثهم وغصبا خمسهم واخذا فدك من فاطمة صلى الله عليها وهما باحراق البيت والصك عليها وغيرا سنة نبيهم صلى الله عليه وآله ه والصك هنا الباب
وقوله عليه السلم : والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الى آخره يراد منه في الشياطين الخواص مثل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر والحمار والسامري والانصاب والازلام او مطلقا ويدخل فيه المذكورون والسلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا بذراع ابليس وفي حديث الرضا عليه السلم الطويل المذكور قال عليه السلم والبراءة من الناكثين ود وسواع واراد بهما طلحة والزبير قال (ع) اللذين هتكا حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله ونكثا بيعة امامهم واخرجا المرأة وحاربا امير المؤمنين عليه السلم وقتلا شيعة رسول الله صلى الله عليه وآله المتقين والبراءة من يغوث نعثل الذي ضرب الاخيار ونفاهم وشردهم في البلدان وآوي الطرداء واللعناء وجعل الاموال دولة بين الاغنياء منهم واستعمل السفهاء والبراءة من يعوق ونسر معوية وعمرو بن العاص واتباعهم الذين حاربوا امير المؤمنين عليه السلم وقتلوا المهاجرين والانصار واهل الفضل والصلاح من التابعين والبراءة من الحمار الذي يحمل الاسفار ابيموسي الاشعري واهل ولايته والبراءة من السامري واصحابه الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا اولئك الذين كفروا بايات ربهم بولاية امير المؤمنين عليه السلم ولقائه ان يلقوا الله بغير ولايته وامامته فحبطت اعمالهم فلانقيم لهم يوم القيمة وزنا كلاب النار اقول في كلام امير المؤمنين عليه السلم وهو يخطب في البصرة بعد رجوعه من وقعة الجمل وكان الحسن البصري مستترا ويكتب كلماته عليه السلم لينسبها اليه فزجره وقال مه ثم قال عليه السلم اما ان لكل امة سامري وسامري هذه الامة هذا قال الرضا عليه السلم والبراءة من الانصاب والازلام ائمة الضلالة وقادة الجور كلهم اولهم وآخرهم والبراءة من الشقي المرادي نظير عاقر الناقة الذي كان اشقى الاولين والاخرين والبراءة من يزيد بن معوية لعنهما الله واصحابه الذين قتلوا الحسين بن علي عليهما السلم الحديث اقول انه عليه السلم ذكر البراءة من هؤلاء بعد ذكر الايمان فقال والايمان اداء الفرائض واجتناب المحارم وهو معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالاركان الى ان قال ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والحساب والميزان والصراط ولا ايمان الا بالبراءة من الجبت والطاغوت الى آخر ما تقدم فدل على ان البراءة ركن للولاية العامة الكلية التي هي جميع ما يريد الله من المكلفين في مقام التكليف الذي عبرنا عنه سابقا بمقام الكثرة والجهل كما اشرنا اليه وعلى تفسير الشارح للشياطين ببني امية وبني العباس الذين هم السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا بذراع ابليس ثلثون من بني امية ومن ترأس لهم من اتباعهم واربعون خلفاء بني العباس وفي تفسير علي بن ابراهيم قال معنى السلسلة السبعون ذراعا في الباطن هم الجبابرة السبعون ه يعني الثلاثين من بني امية والاربعين من بني العباس فعلي ذلك يكون ضمير في حزبهم يعود على السبعين ومن ذكر قبلهم ممن تقدم عليهم ويجوز ان يراد بالشياطين من ذكره الرضا عليه السلم في الحديث السابق بخصوصهم فيكون الحزب شاملا لبعض الثلاثين وكل الاربعين واتباع الجميع المشاركين لهم الى يوم القيمة وفي تفسير القمي عن الصادق عليه السلم او كظلمات فلان وفلان في بحر لجي يغشاه موج يعني نعثلا من فوقه موج طلحة والزبير ظلمات بعضها فوق بعض معوية ويزيد وفتن بني امية الحديث والبحر اللجي هو الدنيا وفي الحديث الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير الحديث وقد جعل الاول والثاني ظلمات ومن بعده ممن ذكر ظلمات وجعل بعضها فوق بعض يشعر بان الاربعين داخلون في الحزب والحاصل انا اذا اعتبرنا في البراءة الضدية العامة للولاية الحق العامة دخل في المتبرأ منهم كل ظالم من الصامت والناطق حتى نشترط في كمال الايمان الولاية للارض والماء العذبين والبراءة من الارض والماء المالحين والظالمين لكم يشمل كل من ادعي ما ليس له فانه ظلم لال محمد لانهم صلى الله عليهم حقهم الحق في كل شيء فمن تعدى حدا من الله فقد ظلمهم عليهم السلم والجاحدين لحقكم يدخل فيه كل من عرف ان حق آل محمد صلى الله عليه وآله الحق وتعدي حدا من حدود الله بعد العلم اي المعرفة الذوقية بذلك والجاهل بذلك ناقص الايمان الا انه لا يدخل في ذلك فان كان من اهل المحبة لاهل البيت عليهم السلم فاولئك يبدل سيئاتهم حسنات وان لم يكن من اهل المحبة والولاية فامره مرجي لامر الله فاذا قامت قيامته حاسبه بعمله فاما الى الجنة واما الى النار والمارقين من ولايتكم كالخوارج او اعم والغاصبين لا رثكم كمن تقدم اولا ويدخل فيهم كل من اتبعهم على ذلك والارث كفدك والعوالي والخمس والجلوس للحكم والتولي لأمور المسلمين والتسلط عليهم وامثال ذلك واما ميراثهم الحقيقي الذي هو العلم وآثار الانبياء ودلائل الامامة فان ذلك عندهم لا يمكن احد من الخلق على ازالته عن رتبته التي وضعه الله فيها الشاكين فيكم يدخل في هذا كل من دخله شك او ريب في امامتهم وكونهم حجج الله المفترضين الطاعة على المكلفين وفي شيء من فضائلهم الظاهرة المشهورة وفيما ورد في حقهم من بعد ما تبين له الهدى واما من لم يعلم فحكمه الارجاء لأمر الله يوم القيمة وكذلك حكم المنحرفين عنكم من بعد ما تبين له الهدى ومن كل وليجة دونكم الوليجة البطانة والاصل من يتخذه الرجل لسره ويعتمد عليه بخلاف ما يظهر للناس وكل من اتخذ وليجة من دونهم عليهم السلم بعد البيان من الله فهو يعبد وليجته من دون الله من حيث لا يدري واليه الاشارة بقوله تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ويقول الصادق عليه السلم في الحديث السابق في الايمان قال (ع) هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون وكل مطاع سواكم اي كل مطاع سواكم فهو مطاع في معصية من جميع الخلق وكل من اطيع من جميع الخلق في طاعة الله فهو طاعتهم واطيع لهم وليس هو اذ ذاك سواهم سواء علم المطيع او المطاع بذلك ام لا والاصل في هذا ما ذكرناه سابقا ان ما كان لله فهو لهم وما كان لهم فهو لله وما لا يكون لله لا يكون لهم وما لا يكون لهم لا يكون لله الا انا سابقا بينا دقيقة يفرق بها بين الحق والباطل وهو ان ما يكون لهم لا بد وان يكون صحيحا وحقا ولا يكون لهم شيء من الباطل فايما عمل اوقع لهم خاصة فليس لله وليس لهم لانه عمل باطل وليس لله وليس لهم الا الحق وايما عمل اوقع لله خاصة فهو لهم لانه حق وصحيح فاذا اخلص العمل لله كان صحيحا وصح ان يكون لهم لان الله سبحانه غني عن كل شيء وانما امر بالاعمال لهم وعلى الله سبحانه جزاء من اطاعه في ذلك وانما امر بعبادته خاصة لتصح العبادة ولو وقعت لهم عليهم السلم كانت باطلة ولا يصل اليهم منها شيء وانما كانت الاعمال لهم لانها زرعهم ومن زرع حصد وقد تقدم بيان كون هذا زرعهم في خلال هذا الشرح في مواضع متفرقة فراجع ومن الائمة الذين يدعون الى النار وهم الذين اتخذوا الههم هواهم لانهم يحكمون بما يوافق اغراضهم وشهوات انفسهم وعلى مقتضى حوائجهم وقد ائتموا بهم والسفل ومن يريد الله اضلاله لم يقبل الحق من الله فيكله الى نفسه فيأتم بامثال هؤلاء الائمة ائمة الضلال الذين حكي الله تعالى عن قولهم يوم القيمة لمن اضلوهم فحق علينا قول ربنا انا لذائقون فاغويناكم انا كنا غاوين وفي الكافي عن الصادق عليه السلم ان الامام في كتاب الله تعالى امامان قال الله تعالى وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لا بامر الناس يقدمون امر الله قبل امرهم وحكم الله قبل حكمهم قال وجعلناهم ائمة يدعون الى النار يقدمون امرهم قبل امر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون باهوائهم خلاف ما في كتاب الله عز وجل ه فان قلت كيف يمكن ممن يتصف بالتمييز ان يفعل شيئا يدخل به النار مع علمه بذلك ويقينه كما اخبر الله عن علمه بذلك وقصده اليه قال تعالى وجعلناهم ائمة يدعون الى النار وقال تعالى فحق علينا قول ربنا انا لذائقون فاغويناكم انا كنا غاوين فانهم اخبروا في الاخرة عن حالهم في الدنيا انا لما حقت علينا كلمة ربنا بتعذيبنا اغويناكم والاغواء في الدنيا قلت ان الكافر والمنافق لا بد وان يكون عالما بما دعي اليه انه حق بحيث لا يجهل شيئا والا لما قامت الحجة عليه لان الله تعالى بكرمه ولطفه وغناه عما سواه انما امر عباده وكلفهم لصلاحهم ونفعهم كما قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولا يكلف الغافل ولا الجاهل بما يؤمر به ولا يحمل على غير العالم بما يؤمر به فابان على السنة اوليائه ليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله الناس في سعة ما لم يعلموا وقال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وامثال ذلك ولو كلف الغافل لكان تكليفا بما لا يطاق وهو قبيح عقلا لا يفعله الغني المطلق ولو حمل على الجاهل لكان ظلما وما ربك بظلام للعبيد واما قوله تعالى وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فذلك جهل بين علمين ويقين بين شكين والعلة في ذلك ان الله سبحانه خلق كل شيء على صفة ما تعرف له به وما تعرف لشيء الا بالحق المبين لانه سبحانه هو الحق المبين وحقيقة كل شيء ما تعرف له به ولم يكلفه بشيء الا بوصف ما تعرف له به لان جميع الافعال صفات الفاعلين فكل فعل فهو صفة فاعله فلما ابرز من كتم غيب الامكان ما تعرف به له الذي قلنا انه حقيقته وجب ان تكون له انية من نفسه اذ لا يمكن الا يكون هو اياه ويتميز في نفسه عند نفسه فذلك الفائض البارز هو وجوده ومادة كونه المقبولة وتلك الانية اللازمة هي ماهيته وصورته وقابليته للتكوين وهذا معنى قولهم كل شيء مكون فله اعتبار من ربه واعتبار من نفسه فالاعتبار الذي من ربه هو نور الله وهو وجوده وهو مادته وهو ما تعرف له به والاعتبار الذي من نفسه هو ظلمة فقره وهو ماهيته وهو صورته وهو ما عرف به نفسه انه هو فكلما ترك اعتبار نفسه وعمل باعتبار ما من ربه قوي نوره واستقامت فطرته واعتدل مزاجه واستنار عقله وهكذا الى ان يفارق الاضداد والى مثل هذا المقام اشار تعالى بقوله ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته ه وكلما ترك اعتبار ما من ربه وعمل باعتبار نفسه قويت ظلمته وتغيرت خلقته وتبدلت فطرته واعوج مزاجه وطبع على قلبه وهكذا الى ان يرى الحق من جهة تغييره لخلقته باطلا والباطل حقا وليس هذا دائما عليه لان خلقته التي من الله موجودة فبابصاره بعين فطرته يرى الحق حقا والباطل باطلا وبابصاره بعين الصورة المتغيرة يرى الحق باطلا والباطل حقا ومثال هذا ما نقل بعض الثقات انه رأي مرءاة اتى بها من عمل الافرنج اذا نظر فيها الانسان يرى وجهه وجه كلب لانهم في صب زجاجتها عوجوها فاذا نظر فيها انطبعت الصورة على حسب الزجاجة كما اذا رأيت وجهك في السيف المصقول فانك تراه طويلا متغيرا تغيرا فاحشا في الدقة والطول اذا نظرت فيه بالطول وترى الوجه عريضا عرضا فاحشا اذا نظرت فيه بالعرض فمن جهة اصل فطرة الانسان يرى وجهه في تلك المرءاة الافرنجية له عينان وانف وجبهة وفم ولا يرى صورة جماد كصورة الجدار او الشجرة ومن جهة تغير الزجاجة التي هي القابلة لا يرى وجه انسان وانما يرى وجه كلب وذلك لتغير الهيئة كذلك الانسان خلق في احسن تقويم لانه صفة ما تعرف به الحق سبحانه له فانه انما تعرف له بالحق ثم رده بعمله السيء اسفل سافلين لان هذا هو صورته حين غيرها عن فطرة الله التي فطره عليها وبدلها كان صفة هذا التغيير والتبديل اسفل سافلين كما كان صفة التغيير والتبديل في تلك المرءاة صورة كلب فافهم فلما كان هؤلاء المغيرون والمبدلون لخلق الله والمبتكون آذان الانعام خلقوا على فطرة الحق التي هي صورة تعرف الله تعالى له وهي الصورة الانسانية التي هي صفة الحق كما ذكرنا سابقا بان الصورة الانسانية شكلها مركب من حدود وهي علم وحلم وتقوى وزهد ويقين ومعرفة وصلاح وتصديق وتسليم ورضي ومروة وشجاعة وكرم وعفو وتجاوز وصفح وصبر وغير ذلك ومن كانت هذه صفته يقبل الحق ويعتقده ويستقيم عليه فلما امر هؤلاء بمقتضي ما فطروا عليه وذكروا به في الدعوة الالهية عتوا وعصوا وخالفوا جميع ما امروا به وهو تغيير خلق الله وتبديله وتبتيك آذان الانعام وهذه صورة انكار ما تعرف لهم به خالقهم وهي الصورة الحيوانية ان هم الا كالانعام والصورة الشيطانية شياطين الانس والجن وشكلها مركب من حدود وهي جهل وخرق وتهتك وطمع وشك وانكار وطلاح وتكذيب واعتراض وسخط وشره وجبن وبخل ومناقشة ومقاصة ومحاسبة وجزع وغير ذلك ومن كانت هذه صفته يقبل الباطل ويعتقده ويستقيم عليه فلما كانت الحالتان موجودتين فيهما كان يعرف الحق بالفطرة الاصلية ويقبل الباطل بالصورة التبديلية فهو لا يستقر على حال يعرف الحق انه حق ويتركه بالصورة الثانية وينكر الباطل بالاولى ويقبله ويعمل به بالثانية وهكذا حاله ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء فاخبر سبحانه عن معرفتهم بالحق وقبولهم للباطل فقال وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فاذا عرفت ما فصلنا لك ظهر لك الجواب في كل ما ذكرت من السؤال وعرفت الصواب فهم يعرفون حقية كلما كلفوا به بالصورة الاولى ويجحدونه ويعملون بخلافه بالثانية ويعلم ان عمله هذا موجب لدخول النار بالاولى وينكر وجود النار والبعث بالثانية فيدعوه انكاره هذا لوجود البعث والجنة والنار الى العمل بما يوجب دخول النار ويدعو اتباعه الى ذلك فهؤلاء الائمة يدعون الى النار وهم يعلمون في حال وهم لا يعلمون في اخرى وهذه احوال الائمة والدعاة الى النار واكثر اتباعهم ممن عرف ومن لم يعرف موقوف لامر الله كما تقدم فافهم
وقول الشارح (ره) لانهم قائلون بان ائمتنا داعون الى الجنة بلا خلاف بينهم فيه شيء لان اتباعهم على ثلاثة اقسام : قسم منهم تبين لهم الحق وعاندوا عليه بعد ان بين لهم الله الحق في انفسهم فهؤلاء في دعويهم واعتقادهم في ائمتهم مثل ائمتهم فيما ذكرنا من الشك والتردد لاجل مقتضي الصورتين وقسم منهم تبين لهم الحق فكتموا امرهم فهم يعملون بعمل ائمتهم ويقولون بقولهم ظاهرا ولهم في انفسهم احوال متعددة منهم من يقر بخطأ ائمتهم ولكنه لملازمته لعملهم قد يختم له بالسوء لان العمل هو الذي يحدث الله به الصورة من احدي الصورتين فان كان يعمل بعملهم غير معتقد له بل اذا تمكن من العمل الحق عمل به فهذا مؤمن وان كان لا يعتقده ولكن لا يعمل بالحق مع التمكن فهذا فاسق ينظر الله في يوم تقوم قيامته في حياته او يوم القيمة وان كان يعتقده ولم يتبين له الهدى فهو مرجي لامر الله وان تبين له الهدى فهو منهم لان الاعمال السيئة ترين على القلب وتخرجه من الحق الى الباطل كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا اي الا قليلا ممن كفر على جهل ولم يتبين له الحق او الا قليلا من احوالهم يؤمنون ولا ينفعهم لانهم مقيمون على اعتقاد الكفر بعد البيان ومن هذا القسم الثاني ابو بكر بن قريعة من علمائهم وقد سئل عن ما هم عليه في خلوة فقال للسائل :
يا من يسائل دائباعن كل مسئلة سخيفة
لا تكشفن مغطأ فلربما كشفت جيفة
ولرب مستور بدا كالطبل من تحت القطيفة
لولا حدود صوارم امضى مضاربها الخليفة
وسيوف اعداء بها هاماتنا ابدا نقيفة
لكشفت من اسرار آل محمد جملا طريفة
تغنيكم عما رواه مالك وابو حنيفة
واريتكم ان الحسين اصيب في يوم السقيفة
ولاي شيء الحدتبالليل فاطمة العفيفة
ولما حمت شيخيكم عن وطئ حجرتها المنيفة
آه لبنت محمد ماتت بغصتها اسيفة
ان الجواب لحاضر لكنني اخفيه خيفة
وكلامه هذا كما ترى ظاهر الانكار عليهم والله اعلم بما في قلبه وقسم منهم لم يتبين لهم الحق فهؤلاء لا حكم لاقرارهم ولا انكارهم حتى يتبين لهم الهدى في الدنيا او في الاخرة فيلحق باحد الفريقين فريق في الجنة وفريق في السعير وكثير من هؤلاء شاهدناهم اذا رضي عليهم او غضب علينا اثني على ائمته وجعلهم الدعاة الى الجنة واذا غضب عليهم او رضي علينا طعن عليهم وربما لعنهم واذا كانت اتباعهم على هذه الاقسام فلا يقال بقول مطلق انهم قائلون بان ائمتهم داعون الى الجنة بلا خلاف
قال عليه السلم : فثبتني الله ابدا ما حييت ( ما بقيت خل ) على موالاتكم ومحبتكم ودينكم
مقتبس من قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الاخرة وفي الكافي عن سويد بن عفلة عن امير المؤمنين عليه السلم في صفة الحساب في القبر الى ان قال فاذا ادخل قبره اتاه ملكا القبر يجران اشعارهما ويخدان الارض باقدامهما واصواتهما كالرعد العاصف وابصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك ومن امامك فيقول الله ربي والاسلام ديني ونبيي محمد صلى الله عليه وآله وامامي على فيقولان له ثبتك الله فيما يحب ويرضي وهو قول الله عز وجل يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الاخرة الحديث وفي الفقيه وقال الصادق عليه السلم ان الشيطان ليأتي الرجل من اوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضله عما هو عليه فيأبى الله عز وجل له ذلك وذلك قول الله عز وجل يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الاخرة وغير ذلك من الاحاديث ولما كانت القلوب قد تزيغ وتتقلب امر اهل العصمة عليهم السلم شيعتهم بان يقولوا كل يوم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك ودين نبيك صلى الله عليه وآله ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب لان القلوب وسائر الممكنات انما تقوم بامر الله ولا قوام لها من نفسها الا ان الاشياء مختلفة في لزوم الصفات لموصوفاتها والتوابع لمتبوعاتها لان الوصف ان كان للصورة الاولى الاصلية كان لزومها اشد وانفكاكها ابعد وان كان يجوز عليها ذلك ففي حديث التكليف الاول في عالم الذر في حكم قبض قبضة بيمينه فقال للجنة ولا ابالي وقبض قبضة بشماله فقال للنار ولا ابالي واشترط لنفسه البداء في اصحاب الشمال ولم يشترط ذلك في اصحاب اليمين وذلك لان الصفة اللازمة من اعمال اصحاب الشمال من الصورة الثانية التي هي الشجرة المجتثة بخلاف الصفة اللازمة من اعمال اصحاب اليمين من الصورة الاولى التي هي الشجرة التي اصلها ثابت فالملزوم في المجتثة اصله عدم اي مستند الى الافتقار والملزوم في الثابتة اصله وجود اي مستند الى الاستغناء بمدد الغني ولذا كان اللزوم في الخير اشد من اللزوم في الشر والانفكاك في الخير ابعد من الانفكاك في الشر ولما استقر اليقين على معنى ما ذكر مما وصفهم به ونسبه اليهم وانه سبيل الهدى وطريق النجاة من النار وغضب الجبار وطريق النجاح والظفر بالجنان ورضى الرحمن اغتبط بما تفضل به عليه مولاه المتفضل المنان واستحقر نفسه في مقام عظيم هذه النعمة الكبرى سأل ربه الذي ابتدأه بهذا الفضل العظيم من غير استحقاق ان يثبته عليه ما ابقاه يعني في الدنيا التي هي محل التبدل والتغير لانه ان لم يعصمه المتفضل ابتداء غير ما بنفسه فيغير الله ما به من نعمة فاذا ثبته على ذلك الى الموت استقر الفضل مقره ولم يخف عليه بمجري عادة الفضل ولما كان سبحانه لا يسئل عما يفعل وهو على ما يشاء قدير فان ابقاه فهو ملكه ادامه على ملكه وان شاء ان يغيره فالملك له يتصرف في ملكه كيف يشاء اذ لم يكن له شريك في الملك امر بالدعاء بالتثبيت في الدنيا التي هي محل التغير الكوني وفي الاخرة التي هي محل التغير الامكاني والخلق كله له وفي قبضته في الدنيا والاخرة ودعاء منكر ونكير كما مر في الحديث للمؤمن مع انه خرج من دار التغير الكوني بالتثبيت في الدنيا والاخرة من ذلك القبيل لان الاخرة والدنيا في التغير الامكاني سواء الا له الخلق والامر واليه يرجع الامر كله الا الى الله تصير الامور وانما امر بالدعاء مع ان السبب في التثبيت الاعمال الصالحة لان الدعاء هو الركن الاعظم من السبب من جهة انه من القدر بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد كما قاله علي بن الحسين عليهما السلم لما سأله رجل فقال جعلت فداك أبقدر يصيب الناس ما اصابهم ام بعمل فقال عليه السلم ان القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد فالروح بغير جسد لا تحس والجسد بغير روح صورة لا حراك بها فاذا اجتمعا قويا وصلحا كذلك العمل والقدر الحديث رواه في التوحيد وفي كثير من النسخ ما بقيت مكان ما حييت والمراد من اللفظتين هو ان المراد بالحيوة في دار الدنيا وبالبقاء ( دار الاخرة نسخة ) وانما خص التثبيت بالدنيا لما قلنا من انها هي دار التغير الكوني فاذا سلم في الدنيا الى ان خرجت روحه سلم من التغير والانقلاب غالبا لمن محض الايمان محضا او محض الكفر محضا اما من لم يمحض فحكمه موقوف على بلوغه مقام المحض سواء كان في الدنيا او في الاخرة
وقوله (ع) : على موالاتكم المراد به الموالاة الصورية ولهذا عطف عليها المحبة والدين والعطف يقتضي المغايرة ولو اريد بها الولاية الحقيقية لما عطف عليها المحبة والدين اذ كل شيء مما يحب الله ويريده من احد من خلقه فهو من الولاية الا ان يراد بالعطف عطف الخاص على العام كما قيل في قوله تعالى فيهما فاكهة ونخل ورمان وعطفهما على فاكهة مع انهما منها لزيادة مزية لانهما لم يخلصا للتفكه لان ثمرة النخل فاكهة وطعام والرمان فاكهة ودواء كذلك المحبة والدين فان المحبة ربما تكفي عن ظاهر الولاية حتى ان الاخبار وردت من الفريقين بما ظاهره الاكتفاء بها في النجاة يوم القيمة مثل ما رووا من طرق متعددة انما سميت فاطمة لان الله فطم محبها ومحب محبها ومحب محب محبها من النار في عدة احاديث لم يكن عندي الكتاب الذي وجدتها فيه ولكن هذا محصل معنى اكثرها ومثل ما روي من طرقهم ايضا كما رواه ابنشاذان عنهم وقد تقدم ومن طرقنا ايضا ما معناه قال تعالى اقسم بعزتي وجلالي اني ادخل الجنة من احب عليا وان عصاني واقسم بعزتي وجلالي اني ادخل النار من ابغض عليا وان اطاعني والاحاديث في ان حبهم منج من النار لا تكاد تحصى وكذلك الدين فانه في الظاهر غير الولاية وفي الكافي قال ابو عبد الله عليه السلم يسئل الميت في قبره عن خمس عن صلاته وزكاته وحجه وصيامه وولايته ايانا اهل البيت فتقول الولاية من جانب القبر للاربع ما دخل فيكن من نقص فعلي تمامه وفي رواية عن احدهم عليهم السلم ما معناه اذا دخل المؤمن في قبره دخل معه خمس صور صورة عن يمينه وصورة عن يساره وصورة من قبل رأسه وصورة من قبل رجليه وصورة ترفرف من فوقه فيأتيه العذاب من عن يمينه فتدفعه الصورة التي عن يمينه ويأتيه من يساره فتدفعه الصورة التي عن يساره ويأتيه من قبل رأسه فتدفعه الصورة التي من قبل رأسه ويأتيه من قبل رجليه فتدفعه التي من قبل رجليه فتقول الصورة التي ترفرف من فوقه لهن ما نقص منكن فعلي تمامه وان عجزتم فانا اكفيكم اياه فقال السائل له عليه السلم ما هذه الصور فيقول عليه السلم اما التي عن يمينه فالصلوة واما التي عن يساره فالزكوة واما التي عند رأسه فالصيام واما التي عند رجليه فالسعي الى المساجد واما التي ترفرف عليه فولايتنا وامثال ذلك من الاخبار وهي تدل على ان الدين والاعمال غير الولاية والمراد بالولاية هنا ولايتهم وولاية مواليهم والبراءة من اعدائهم ومحبتهم ومحبة محبيهم وبغض اعدائهم وهي المرادة في هذا الكلام من الزيارة واما الولاية المطلقة التي ما بقي احد من الخلق غيرهم لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن ممتحن الا وقع منه تقصير فيها في شيء من احوالها فالمحبة والدين وجميع الاعمال من التكاليف الشرعية والوجودية منها
وقوله عليه السلم : ومحبتكم يراد منه الدعاء بالتثبيت على محبتهم وهي في الحقيقة منبعثة من الفؤاد لتفرعها على المعرفة واذا انبعثت عن غير الفؤاد لم تكن حقيقية بل يجوز ان تكون لغرض لان المحبة الذاتية الحقيقية هي التي تكون لمحض الذات مع قطع النظر عن الصفات الفعلية سواء وافقت ارادة المحب ام خالفت لانها ليست ملحوظة كما قلت في بعض قصيدة في الغزل :
فان جفا وان وفي وان صفي فهو الحبيب اي حال ارتضى
يتبعه قلبي لا احواله فلينق من احواله بما يشا
وهذه قد تكون عن معرفة وقد تكون عن جهل فان كانت عن معرفة بصفات المحبوب فلا تكون المحبة حقيقية يعني غير معللة الا بأحد وجهين : احدهما ان المحب وجد صفات المحبوب عين مطلوبه فيكون حينئذ المحبة حقيقية فانه اذا احب تلك الصفات كانت حقيقية غير معللة بغير المحبوب فالمحبوب تلك الصفات المطلوبة لا الموصوف ومحبة الموصوف ليست حقيقية لانها معللة بصفاته المطلوبة وان وجدها غير المطلوبة او وجد بعضها كذلك لم تتحقق الحقيقية الا على الوجه الثاني الذي نذكره فالذات ليست مطلوبة والصفات كذلك فاذا احب فهو لطمع او خوف وثانيهما ان يكون المطلوب للمحب هو ذات المحبوب بغير التفات الى شيء من صفاته وهنا تكون المحبة على الاصح حقيقية سواء وافقت صفاته ام خالفت وانما قلت على الاصح لان العلماء قد اختلفوا مع ظاهر اتفاقهم على ان المحبة اذا وقعت من شخص فانها راجعة الى نفس المحب وشهوته وهوى نفسه وانما اختلفوا في محبته لله سبحانه هل يمكن ان تكون خالصة لله تعالى ام تكون كمحبة غيره فانه انما احب الله تعالى ليدخله الجنة او ينجيه من النار او ليقربه اليه او يعلمه او يرزقه وامثال ذلك فتكون محبته راجعة الى نفسه والاصح امكان وقوعها لله خالصة بدون التفات نفسه لان المفروض وقوع ذلك من العارف بالله تعالى والشخص لا يكون عارفا بالله سبحانه على جهة الحقيقة بحيث يشاهد الجمال الحق الا في حال لا يجد نفسه ولا شيئا من الخلق كما قال علي عليه السلم كشف سبحات الجلال من غير اشارة وقال الصادق (ع) دنوه من الخالق بلا اشارة ولا كيف وهو معرفة النفس التي هي معرفة الرب وان كانت عن جهل فقد تحصل الحقيقية اذا كان المحبوب حقيقة المحب والمحب فرعه اي خلق من فاضل طينته اي من شعاع نوره كمثل الشيعي مع ائمته عليهم السلم فانه ربما يسمع ذكرهم او شيـٔا من فضائلهم فيبكي لميل فؤاده وجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وليس حين بكى عند ذكرهم رجاء للثواب او دفعا للعقاب ولكن بمجرد الطبيعة وميل الفرع الى الاصل فهذه محبة حقيقية غير معللة بالاغراض ولا تكون من غير الفرع للاصل مع الجهل فلا تحقق منه في محبة الله تعالى لعدم كون المحب فرعا عن الله تعالى بمعنى انه خلق من فاضل شعاعه ولا من فعله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لان المخلوق اصله من الامكان والامكان محل الفعل والفعل حدث بنفسه والحاصل قولي اولا وهي في الحقيقة منبعثة من الفؤاد لتفرعها على المعرفة تعريف للحقيقية لان ما لم تكن من الفؤاد تكون طلبا لشيء من الاشياء في مظان وجوده ومحبة اهل البيت عليهم السلم الحقيقية موجبة للنجاة من النار ولدخول الجنة البتة واما المحبة المعللة فتقبل في الدنيا واما في الاخرة فلا بد من الاختبار حيث الله يقول ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء الاية فالمعللة لا تبقى وانما تبقى الامور الحقيقية واما الامور العارضة فهي فانية لا تبقى الى الاخرة والى هذا اشار تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين فظهر لمن تدبر كلامي وفهم مرامي ان المحبة الجزئية ولاية جزئية وهي المنبعثة من الفؤاد وهي احد افراد الولاية الكلية والمحبة الكلية هي بعينها الولاية الكلية لان الجزئية تولي الفؤاد لانها فرع المعرفة بقي تولي القلب باليقين والتصديق والتسليم وتولي النفس بالذكر الجميل والتخيل الحسن وتولي اللسان بالحديث الحسن والكلم الطيب وتولي الاركان بالاعمال الصالحة التي امر الله بها فمجموع الجميع هو الولاية الكلية والمحبة الحقيقية الكلية وهذه المذكورة في الزيارة هي الجزئية لعطفها على الولاية وعطف الدين عليها او على الولاية والعطف مقتض للمغايرة
وقوله (ع) : ودينكم يراد به الطاعة والجزاء بمعنى اسأل الله ان يثبتني على طاعتكم ولو اريد بعطف المحبة والدين العطف التفسيري جاز كما ذكرنا هناك في المحبة الكلية فيكون المراد بالدين ما فسره به بعضهم بانه وضع الهي لاولي الالباب يتناول الاصول والفروع قال الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام والمراد بالاسلام هنا الايمان الكامل كما يدل عليه قول امير المؤمنين صلى الله عليه وآله على ما في الكافي لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه احد قبلي ولا ينسبه احد بعدي الا بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الاقرار والاقرار هو العمل والعمل هو الاداء ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن اتاه من ربه فاخذه ان المؤمن يرى يقينه في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا امرهم فاعتبروا انكار الكافرين والمنافقين باعمالهم الخبيثة ه فهذا الاسلام هو الايمان الكامل وله مراتب مختلفة غير متناهية وهي مراتب الولاية الكلية وفي الكافي عن ابي عبد الله عليه السلم قال ان الله تعالى وضع الايمان على سبعة اسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه سبعة الاسهم فهو كامل محتمل وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا الى سبعة ثم قال لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتى ينتهي الى السبعة وفيه عن شهاب قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول لو علم الناس كيف خلق الله تعالى هذا الخلق لم يلم احد احدا فقلت اصلحك الله وكيف ذاك قال ان الله تعالى خلق اجزاء بلغ بها تسعة واربعين جزءا ثم جعل الاجزاء اعشارا فجعل الجزء عشرة اجزاء ثم قسمه بين الخلق فجعل في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزءا تاما وفي آخر جزءا وعشر جزء وآخر جزءا وعشري جزء وآخر جزءا وثلثة اعشار حتى بلغ به جزئين تامين ثم بحساب ذلك حتى بلغ بارفعهم تسعة واربعين جزءا فمن لم يجعل فيه الا عشر جزء لم يقدر على ان يكون مثل صاحب العشرين وكذلك صاحب العشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الاعشار وكذلك من تم له جزء لا يقدر على ان يكون مثل صاحب الجزئين ولو علم الناس ان الله تعالى خلق الخلق على هذا لم يلم احد احدا ه فتأمل في هذه المراتب التي هي الايمان الذي هو الاسلام الذي هو الدين ومع هذا فكم فيه من خبايا في زوايا هي من الولاية الكلية وفي الحب بالنظر الى اعلى مراتبها كذلك لكن هذه الفقرات بناها عليه السلم على ما هو المتعارف الظاهر
قال عليه السلم : ووفقني لطاعتكم ورزقني شفاعتكم وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم اليه
اقول توفيق الله توجيه الاسباب نحو الخير المطلوب والاصل في ذلك ان الله تعالى جعل لكل شيء سببا وهي من دواعي علة بدئه من جهة الفيض والتمكين ومن جهة القبول والتمكن وقد جعل لكل شيء ضدا فجعل من جهة الضد من دواعي قبضه وتخليته ما نعا والاسباب والموانع ناقصة الوجود والتأثير ولا تتم فيهما الا بالتعلق بالاشياء المقدرة بها ولا يكون المانع اقوى من السبب المقتضى الا اذا تساويا في الرتبة والوقت والمكان والكم والكيف والجهة فتبقى الاسباب المثبتة والموانع النافية شايعة في كلياتها معلقة في اصولها غير متميزة في انفسها حتى ترد المشية بالاذن فيتوجه السبب الى المسبب الامكاني بالتمكين ويبقي المسبب مغموسا في بحر الكمون حتى يتوجه نور السبب الى تقدير المسبب بالقبول والتمكن او ترد الارادة بالمنع فيتوجه المانع الى الشيء الامكاني بالصرف فان وردا في مشهد المتممات الستة انتفي الايجاد لقوة المانع وكذا وان ورد المانع قبل وان ورد السبب في مشهد المتممات الستة قبل المانع وجب الايجاد ولا حكم لورود المانع الا للمحو ان كان صالحا للكل او للبعض
ثم اعلم ان الاسباب قد تكون بسيطة بمعنى انها لا تحتاج في تأثيرها الى متممات من جهة القوابل وهي ما سبق به الكتاب من العناية الازلية وقد تكون مركبة بمعنى انها تحتاج في تأثيرها الى متممات من جهة القوابل اما لكونها قليلة في جانب المسبب او لوجود مانع فيحتاج الى مرجح للمقتضى عليه ولما كان المؤمن خلق من فاضل طينتهم بدليل محبته لهم وولايته والتسليم والرد اليهم كما سمعت ثبت المقتضى وهذا لا شك فيه ولكن قد ثبت في العقل وفي النقل ان كل شيء فهو مؤجل الوجود بمعنى ان ظهوره في الكون موقت مضبوط الاول والاخر والاشياء مختلفة فمنها ما وقته طويل يبقي الى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ومنها الى البرزخ الى اوله او اوسطه او آخره ومنها الى الموت ومنها ما ينتهي في الدنيا وهذه الاسباب المقتضية من ذلك فقد يكون الشخص مؤمنا خمس سنين ثم يتغير كالمعارين نعوذ بالله من سخط الله ومنهم من يتغير عند خروج نفسه ومنهم الثابت المستمر الى ان يدخل الجنة ولما ثبت في العقل والنقل ان الله مالك الامور وهي في قبضته هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه اذ لا بقاء لشيء الا بمدده الابتدائي في كل آن ابدا والا لكان مستغنيا عن الله تعالى ولهذا وجب على المطيعين ان يخافوا مكر الله والا كانوا عاصين ووجب على العاصين الرجاء في الله والا كانوا كافرين وثبت ان غير المعصومين مزجت طينتهم بطينة العاصين فلهذا تقع منهم المعاصي وثبت ان اعظم الاسباب المقتضية بل جلها بل كلها الاعمال الصالحة للخير والسيئة للشر وثبت ان الدعاء والانقطاع من اشد الاعمال تأثيرا حتى انه جعله تعالى هو العبادة فقال تعالى ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وثبت ان القلوب تزيغ فعن الكاظم عليه السلم في حديث هشام يا هشام ان الله حكي عن اقوام صالحين انهم قالوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب حين علموا ان القلوب تزيغ وتعود الى عماها ورداها الحديث وفي العياشي عن الصادق عليه السلم اكثروا من ان تقولوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ولا تأمنوا الزيغ ه وانما كانت تزيغ لان ثباتها بيده تعالى وللطخ الخبيث المقتضى للاعمال الخبيثة التي شأنها الرين على القلوب ثبت على كل مؤمن ان يسأل الله ان يثبته على دينه ولما كان ما ذكره عليه السلم في كلمات هذه الزيارة الشريفة هو حقيقة الايمان والولاية والمحبة والدين وظاهرها وباطنها سأل الله ان يثبته على ذلك ولما كان ذلك كله عبارة عن طاعتهم سأل الله تعالى ان يوفقه لها ليكون الدعاء متمما لما نقص من مقتضى كونه وتمكينه ومن مقتضى قابليته وتمكنه
وقوله عليه السلم : ورزقني شفاعتكم الرزق ما ينتفع به ولما كان جميع ما خلق الله تعالى من الجواهر والاعراض من المعاني والاعيان من كل شيء انما خلقه بمشيته وارادته وذلك اما يحبه او يكرهه وكل شيء احبه فقد دل عليه وامر به وكل شيء كرهه فقد دل عليه ونهي عنه وكل ذلك لمصلحة عباده من فعل او ترك فما احبه فقد امر به وما امر به فهو نافع للمأمور وتركه قد يكون مضرا به او يكون ما نعا من الكمال غير مضر بالتمام وما كرهه فقد نهي عنه وما نهى عنه ففعله ضار للمنهي عنه وقد يكون تركه نافعا له في تمامه او في كماله بعكس المأمور به فالرزق اذا اريد به ما ينتفع به فهو من المحبوب فلا يكون الحرام رزقا وان احتسب عليه من رزقه فانه يحاسب عليه خلافا للعامة حيث جعلوا الحرام من الرزق فانه مما ينتفع به وغلطوا فانه وان استقام به البدن من جهة ان الله احتسبه عليه من رزقه ولكن القلب والصدر والدين لا تستقيم به بل يرين على القلب ويضيق الصدر بتعارض دواعي الحق من تأثير الفطرة الحق ودواعي الباطل من تأثير الغذاء الحرام فسأله تعالى ان يرزقه ما ينتفع به في تمامه وكماله والشفاعة مأخوذة من الشفع وهو غير الوتر وفي القاموس الشفع غير الوتر وهو الزوج وقد شفعه كمنعه ويوم الاضحى وقيل في قوله تعالى والشفع والوتر هو الخلق لقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين او هو الله عز وجل لقوله تعالى ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم انتهى اقول مراد من نقل الفيروزبادي عنه ان الله سبحانه اقسم بنفسه فقال والشفع والوتر فانه تعالى هو الشفع لانه ما يكون شيء من خلقه واحد او اكثر الا هو تعالى معه فقد شفع كل شيء من خلقه وهو تعالى وتر اي على ما هو عليه في عز وحدانيته تعالى فمعنى الشفاعة ان ينضم الى الشخص المشفوع له غيره في بلوغ مطلوبه او دفع محذوره فسأل الله تعالى ان يرزقه شفاعتهم عليهم السلم بان يضمهم الله تعالى اليه في نيل جميع مطالبه ودفع جميع ما يخاف ويحذر لانهم كما روي عنهم هم الشافعون وفي الخصال عن الصادق عليه السلم عن علي عليه السلم قال ان للجنة ثمانية ابواب باب يدخل منه النبيون والصديقون وباب يدخل منه الشهداء والصالحون وخمسة ابواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا فلا ازال واقفا على الصراط وانا ادعو واقول رب سلم شيعتي ومحبي وانصاري ومن تولاني في دار الدنيا فاذا النداء من بطنان العرش قد اجيبت دعوتك وشفعت في امتك ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل او قول في سبعين الفا من جيرانه واقربائه وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد الا اله الا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا اهل البيت ه وانما قال ورزقني شفاعتهم لان محمدا صلى الله عليه وآله يشفع لاهل بيته عليهم السلم ليؤذن لهم بان يشفعوا فيشفعون لشيعتهم بان يشفعوا وشيعتهم باذنهم عن ائمتهم عن النبي صلى الله عليه وآله عن الله تعالى يشفعون لمن شاؤا وفي تفسير القمي عن الصادق عليه السلم والله لنشفعن للمذنبين من شيعتنا حتى يقول اعداؤنا اذا رأوا ذلك فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وفي الكافي عن الباقر عليه السلم وان الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب وان المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الاذي فيشفع فيه فيقول الله تعالى انا ربك وانا احق من كافي عنك فيدخله الله الجنة وما له من حسنة وان ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلثين انسانا الحديث وفي المجمع عنه صلى الله عليه وآله ان الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله تعالى اخرجوا له صديقه في الجنة فيقول من بقي في النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ه فقوله ورزقني شفاعتكم ظاهره ان تشفعوا لي في ذنوبي ويحتمل ان يراد منه ان تشفعوا لي لأكون شافعا لاهلي وجيراني واصدقائي ويمكن ان يقال ان العارف العالم هو من اهل الشفاعة كما قال تعالى ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون كما دلت عليه النصوص وشهدت به العقول لا يمنعه من ذلك الا المعاصي فاذا شفعوا له في ذنوبه كان شافعا باذنهم وربما يشفعون لمذنب ويكون من اهل الجنة ولا يكون شافعا باذنهم لانه لم يكن عالما عن بصيرة على انه لو كان كل واحد شافعا لكان كثير شافعين مشفوعا لهم فيلزم في كثير من المواضع الدور لتوقف كونه شافعا على كونه مشفوعا له ثم اذا علم ان اهل الشفاعة اي الذين يأذنون لهم ائمتهم لا يكونون من جهال شيعتهم فعلى ظاهر الحال ان القائل لهذه الفقرات الشريفة لا يكون جاهلا بحالها ومن لم يكن جاهلا بحالها فهو ممن يصلح للشفاعة البتة فيترجح بهذا اللحاظ ارادة ان يشفعوا له لكي يكون شافعا
وقوله (ع) : وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم اليه اقول يراد من خيار الموالي قسمان : الاول الابدال سموا بذلك لانهم على ما قيل لا يخلو العالم من اربعين منهم لبقاء النظام وان كان في بعض الاوقات قد يزيدون لانهم قالوا لا بد لبقاء النظام من قطب وهو الغوث وهو محل نظر الله من العالم ومن اركان اربعة تتلقى عنه ما يتلقى من الوحي والالهام فيما يتعلق بتدبير العالم من خلق ورزق وحيوة وممات وتكليف على نحو ما اشرنا اليه سابقا من ان القطب هو خزانة المالك عز وجل بمعنى ان ما اراد ابرازه وايجاده وحياته ومماته ورزقه وتكليفه وغير ذلك من متعلق الارادة فقد انهي علم ذلك كله الى قطب العالم عليه السلم والاركان الاربعة تتلقي منه وتؤدي احكام ذلك على ما حدد الله لوليه عليه السلم ولا بد من اربعين بدلا وان كان قد يزيدون لكنهم لا ينقصون فان مات واحد من الاربعين تفضل الله على واحد من النجباء فعلى درجته حتى يكون بدلا من الذي مات فهو على هيئته وعبادته حتى يكون مثله ولهذا يسمى بدلا ولا بد من نجباء سبعين لا اقل من ذلك ولا بد من ثلاثمائة وستين صالحا ولم اجد هذا التفصيل من طرقنا وان نقله بعض علمائنا وظني انه من طرق العامة لان المتصوفة منهم ذكروه في كتبهم وانما وجدنا من طرقنا ما رواه صاحب كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء باسناده الى جابر بن يزيد الجعفي عن علي بن الحسين عليهما السلم في حديث طويل الى ان قال يا جابر اوتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الامام رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا الحديث والمراد بالامام هو القطب وبالاركان الاربعة الاركان المذكورة وبالنقباء الابدال الذين قالوا انهم اربعون ولم نجد في كتبنا مما فهمت ووقفت عليه ما يشير الى الاربعين وانما تشير الى انهم ثلاثون في قوله عليه السلم ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة كما رواه في الكافي والحاصل ان القسم الاول من خيار الشيعة الابدال وهم النقباء في حديث علي بن الحسين عليه السلم
والقسم الثاني النجباء وفي بعض احاديثنا سموا (ع) الاول بالخصيصين والثاني بالخواص وسماهم علي بن الحسين عليهما السلم بالنقباء والنجباء وقد تقدمت الاشارة الى ان الخواص قد لا يعرفون مقام الامام عليه السلم في رتبة المقامات والمعاني والابواب وقد يعرفون ذلك لا على سبيل الحقيقة بل على جهة المجاز والاجمال وفي الحقيقة ما معرفتهم الا محض التسليم لما يدرك من مفاهيمها وما ادرك من مفاهيمها لا يطابق المصداق الحقيقي ولهذا ورد لو يعلم ابوذر ما في قلب سلمن لقتله او لكفره لان سلمن من الخصيصين وابوذر من الخواص والخصيص يحتمل معرفة المقامات والمعاني والابواب وقوله وجعلني من خيار مواليكم يعني بان يوفقني لطاعتكم بحيث لا اعصيكم في شيء فاني اذا كنت كذلك فان فتح الله لي باب ما غلقته عني حجب الغيوب كنت من الخصيصين والا كنت من الخواص وفي الغالب ان المؤمن اذا لازم طاعتهم انفتحت له ابواب الغيوب ونال المطلوب وفي حديث الاسرار قال تعالى يا احمد ان العبد اذا جاع بطنه وحفظ لسانه علمته الحكمة فان كان كافرا تكون حكمته حجة عليه ووبالا وان كان مؤمنا تكون حكمته له نورا وبرهانا وشفاء ورحمة فيعلم ما لم يكن يعلم ويبصر ما لم يكن يبصر فاول ما يبصره عيوب نفسه حتى يشتغل بها عن عيوب غيره وابصره في دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان في مواضع وابصره حيل الشيطان وحيل نفسه حتى لا يكون لنفسه وللشيطان عليه سبيل ه هذا اذا كان كثير النظر والاعتبار في ملكوت السموات والارض والتفكر في آثار الصفات واما اذا كان همه العبادة والطاعة وامتثال الاوامر واجتناب المناهي واصلاح امر دينه وآخرته ولم يكن كثير التدبر في كتاب الله والنظر في مخلوقات الله سبحانه فان مثل هذا يكون من الخواص ولا يكون من الخصيصين لانه لم يفتح له ابواب الغيوب وهذا الزائر سأل الله ان يجعله من خيار مواليهم واذا استجاب الله له وضع في موضعه اللائق به من القرب على العبد ان يسعي لاصلاح شأنه وليس عليه ان يكون موفقا
وقوله التابعين لما دعوتم اليه آل محمد صلى الله عليه وآله دعوا الى الله سبحانه كما اراد والدعاء الى الله تعالى الى معرفته ومعرفة ما يصح عليه ويمتنع منه ومعرفة انبيائه وحججه وملائكته وكتبه ومعرفة اوامره ونواهيه ومعرفة ما اراد واحب من خلقه وما كره وسخط وطاعته وامتثال اوامره ونواهيه واجابته الى ما دعا اليه على السنة انبيائه واوليائه صلى الله على محمد وآله وعليهم اجمعين والتابعون لما دعوا اليه هم المستجيبون لهم بالقبول والطاعة والامتثال كما اخبر الله سبحانه في كتابه فقال يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم اي اذا دعاكم فاستجيبوا لا فاجيبوا لان الاستجابة تستلزم الاجابة والامتثال والاجابة لا يستلزم الامتثال فمعنى التابعين المؤتمون بكم في جميع احوالكم واعمالكم واقوالكم واعتقاداتكم مما يتعلق بالنفس والمال والنسب والعرض والدنيا والدين والاخرة فمن فارقهم في شيء متعمدا ردا عليهم في شيء مما ذكر خرج من امان الله الى غضب الله وسخطه وماويه جهنم وبئس المصير ومن فوض الامر في جميع ما ذكر لم يفارقهم في شيء عن عمد ردا عليهم فالجنة مرده وان اتى بذنوب الثقلين
قال عليه السلم : وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم
قال الشارح المجلسي (ره) يقتص اي يتبع انتهى
اقول سأل الزائر المؤمن ربه ان يجعله ممن يقتص آثار آل محمد صلى الله عليه وآله ومعنى يقتص يتبع مستخبرا او مطلقا وليس المراد ان الاستخبار الواقع حالا علة للاتباع بل الاستخبار احد معلولات الاتباع وانما المراد ان يكون متبعا حقيقيا اي لا يكون في حال غير متبع فيكون فيها مستقلا نعوذ بالله من طلب الاستقلال بدونهم فان من شذ عنهم شذ الى النار لا فرق في هذا بين حكم العمل والقول والاعتقاد وليس القول بوجوب اخذ المعارف والاصول الدينية عن العقل منافيا لما نقوله لان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم والعقل انما حكم له باصابة الحق لان نوره من نورهم الا ترى من يدعي العقل من اعدائهم بل ربما تشهد له انت بالعقل الدقيق والفهم الشديد عند التحقيق وكذلك كثير من اهل الملل والانتحال من الكفار والمسلمين مع انهم لا يدركون بعقولهم في اعتقاداتهم الا الاعتقادات الباطلة مثل مميت الدين بن الاعرابي في فتوحاته المكية بل حتوفاته وفي الفصوص وغيرها مع ما هو عليه من شدة الرياضات ودعوى المكاشفات حتى خضعت له رقاب اشباه العلماء فاعتقدوا حقية اختياراته وتركوا كلام اهل العصمة عليهم السلم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهم يعتقدون فيهم ان روح القدس لا يزال معهم يسددهم عن الخطا والغفلة والسهو والنسيان ومع هذا فيتركون كلامهم وحكمتهم ويرون رأي هذا الملحد وليس هو على مذهبهم بما موه لهم من العبارات وزين لهم مزخرف الاعتقادات حتى انه قال بوحدة الوجود وهو كفر وقالوا به وقال بان اهل النار مرجعهم الى النعيم وقالوا به وحكم بان فرعون مات مؤمنا طاهرا مطهرا واستحسنوا كلامه حتى قال الملاصدرا الشيرازي هذا كلام يشم منه رائحة التحقيق وقال ما معناه ان السامري جرى في صنعه العجل على محبة الله لان الله سبحانه يحب ان يعبد في كل صورة وقال ان علم الله بالخلق مستفاد منهم وقال به الملا محسن الكاشي في الوافي في باب الشقاوة والسعادة وقال بان مشية الله احدية التعلق يعني ليس له ان شاء فعل وان شاء لم يفعل لئلا ينقلب علمه جهلا وقال به الملا محسن في المكان المشار اليه من الوافي في مقام بيان ان قوله تعالى ولو شاء لهديكم اجمعين انما فرض امكان هداية الجميع راجع الى حكم العقل بان الممكن قابل للهداية والضلالة من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام وفي نفس الامر ليس للحق فيه الا امر واحد قال قبل هذا الكلام فمشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك انتهى كلامه وما انتهى هو عن غيه وهذه عبارة ابنعربي في الفصوص نقلها في الوافي وذكر في حتوفاته المكية منكرات من القول والاعتقاد يضيق بذكرها المقام وقد قبلها كثير لدقة فهمه وعظم تمويهه حتى ان فخرهم وشرفهم عندهم فهم كلامه فضلا عن ان يردوه وكله في مقابلة كلام ائمتهم عليهم السلم ويـٔولون ( يأولون ظاهر ) كلام الامام عليه السلم ويردونه الى كلام ابن عربي وعبد الكريم الجيلاني وامثالهما ولو كان العقل يستقل في ادراك شيء من الاعتقادات بدون انوارهم صلى الله عليهم لاهتدي هؤلاء واتباعهم ولو عاينت ما كنا نعاين لرأيت قطعا ان العقول التي في جميع من سواهم لا تستغني عن مددهم ونورهم حتى في امر البيع والشراء والاكل والشرب والخياطة وجميع الصنائع والزراعات فضلا عن امر الاعتقادات ورب قائل نحن لا نحتاج اليهم عليهم السلم في شيء من احوال الاعتقادات وانما نحتاج اليهم في الشرعيات فينبغي ان يقال له :
اذا كنت ما تدري ولا انت بالذي تطيع الذي يدري هلكت ولا تدري
واعجب من هذا بانك ما تدري وانك ما تدري بانك ما تدري
اما يعلم انهم علل الوجود الكوني فكيف يكون معلول بدون علة وقد اشرنا الى ادلة ما ذكرنا فيما قبل فراجع
وقوله (ع) : ويسلك سبيلكم المراد بالسبيل هنا في الظاهر هو الولاية الظاهرة من امر الدين من احكام الاسلام والايمان في الدنيا والاخرة مما قرروه بالقيام به على حسب ما امرهم الله تعالى به من التبليغ والتعريف والامر بما امر الله سبحانه والنهي عما نهي عنه والقيام بالواجبات والمندوبات والاداب الشرعية والاخلاق الالهية وترك المحرمات والمكروهات وما لا ينبغي من الاخلاق الذميمة حتى اشادوا الدين بالعمل والعلم والتبيين بالقول والعمل فهذا ومثله سبيلهم وسبيلهم في كل شيء قصد وهي اقصر الطرق واقربها الى الله تعالى والسبيل في الباطن هو الامام عليه السلم وولايته ومعنى السلوك على الاول اتباعه في جميع ما جعل الله له من الامامة في احوال الدنيا والدين والاخرة وعلى الثاني القيام بمقتضى احكامها من المحبة لهم ولاوليائهم والبغض لاعدائهم والتابعين لهم
وقوله (ع) : ويهتدي بهديكم في اهدنا الصراط المستقيم قيل ادللنا عليه وثبتنا وعن الصادق عليه السلم ارشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ الى جنتك من ان نتبع هوانا فنعطب او نأخذ بارائنا فنهلك ه فالهداية بمعنى الارشاد والدلالة الموصلة الى المطلوب او الى ما يوصل الى المطلوب والظاهر انه يكون ذلك في المتعدي بنفسه وفي المتعدى باللام وبالى والفرق بينها مدخول وقوله تعالى يهدي الى الحق والى طريق مستقيم يرد قول من فصل وفرق لان المراد بالحق والطريق المستقيم هو الدين المطلوب لا الموصل الى المطلوب وكذا ظاهرا قوله ويهتدي بهديكم ان المراد به الحق لا الموصل اليه لانه لا يسئل من الله ان يوفقه الى ما يوصل المطلوب لان الموصل الى المطلوب هو تبيين طريق الخير والشر كما قال تعالى واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي على الهدى فان المراد به تعريف طريق الخير وتعريف طريق الشر ولم يسأل هذا واما التوفيق لطاعتهم حتى يعمل كما عملوا ويترك كما تركوا فان ذلك هو المطلوب لا الجنة كما قاله الاكثرون وان سلمنا فمطلوب الداعي صحة اتباعهم وسلوك طريقهم كما هو صريح هذه الكلمات والمعلوم منها هو اقتصاص آثارهم وسلوك سبيلهم والاهتداء بهديهم واما النعيم في العقبي من جميع ما اعد الله فيها للمطيعين فهو آثار تلك ولوازمها وعوارضها ففي الحديث ما معناه لم يحضرني ان الصادق صلوات الله عليه سمع رجلا يقول من الشيعة اللهم ادخلني الجنة فقال عليه السلم انتم في الجنة ولكن سلوا الله الا يخرجكم منها ان الجنة هي ولايتنا ه وانما قلنا ان المطلوب هو العمل الصالح الصحيح المقبول نظرا الى الصحيح من الاقوال في ان الاعمال هل تجسم وهي الثواب والعقاب كما قال تعالى ان الذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وقال تعالى وما تجزون الا ما كنتم تعملون ام هي غيرها وقد جعل الله لكل عمل اجرا معينا اذا كان يوم القيمة وكشف عن الخلق الغطاء عرفوا موافقة كل جزاء لعمله الموجب له على كمال العدل المستقيم ام الاعمال صور الثواب والعقاب ومعنى هذا ان كل شيء فله مادة منها يخلق وله صورة عليها يخلق وله ايجاد فيه يخلق وله حيوة لها يخلق فلا بد من هذه العلل الاربع لا يكون بدونها فالاولى العلة المادية وهي امر الله سبحانه ونهيه وذلك مادة الثواب والعقاب كما تقوله انت ان الوجود الذي هو خير كله هو مادة المؤمن والكافر فهو مع الطاعة مؤمن وايمان ومع المعصية كافر وكفر والثانية العلة الصورية وهي فعل المكلف لانه ان وافق الامر والنهي كان ايمانا وطاعة وكان مقبولا فيخلق الله منهما بالعلة الثالثة التي هي العلة الايجادية التي فيها يخلق كما قبل كما اشار اليه سبحانه حين عاتب الكفار من النصارى حيث لم يفهموا ما اراد الله منهم بالقيام به وقالوا نحن لم نفهم ذلك لان قلوبنا انت خلقتها مطبوعا عليها فرد سبحانه عليهم وقال لم اخلقها كذلك الا باعمالهم وانكارهم ولو اطاعوا ولم ينكروا لفتحت عليهم باب الفهم والتوفيق فقال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فخلقهم كما قبلوا ولم يقبلوا الا الكفر والانكار فخلق في العلة الفاعلية للرابعة التي هي العلة الغائية وهي التي كل الخلق ميسرون لها اذ كل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله والاخير عندي هو الصحيح وهو ان عمل العبد صورة ثوابه وعقابه فاذا عمل الطاعة فالمراد انه قد عمل بما امر الله به فكان عمله صورة ثوابه وامر الله الذي امتثل به من حيث هو ممتثل به مادة ثوابه والغائية روح ثوابه والفاعلية مؤثرة تكوينه وكونه ومحدثتهما واذا عمل المعصية فالمراد قد عمل بخلاف ما امر الله به فكان عمله صورة عقابه ومخالفة امر الله يعني امر الله المخالف بفتح اللام مادة عقابه ومخالفة الغائية اي الغاية المخالفة بفتح اللام روح عقابه وجريان الفاعلية في دوران مقتضى عمله عليها على خلاف التوالي محدث تكونه وقابله ومؤثرهما وكذلك امتثال النهي في الطاعة ومخالفته في المعصية فكان على ما قررنا ان المطلوب هو هديهم وسبيلهم الى الله عرف من عرف ومن انكر فامامه اليقين
قال عليه السلم : ويحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم ويملك في دولتكم ويشرف في عافيتكم ( عاقبتكم خل ) ويمكن في ايامكم وتقر عينه غدا برؤيتكم
قال الشارح المجلسي (ره) ويكر اي يرجع في رجعتكم اي جعلني من الخلص حتى ارجع معهم ويملك في دولتكم اي صيرني ملكا لاعلاء كلمة الله فان كل واحد من الخلص في الرجعة يصير ملكا من الملوك كما كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين صلوات الله عليه ويشرف في عاقبتكم بالقاف والفاء اي جعلني شريفا معظما في عاقبة امركم وهي الدولة او في زمان سلامتكم من الاعادي انتهى
اعلم ان الحشر عند اهل البيت عليهم السلم حشران الحشر الاصغر وهو عند قيام القائم عليه السلم في السنة التي يخرج فيها يكون الحشر في اول شهر رجب وهو قول علي عليه السلم كما تقدم قال عجب واي عجب بين جميدي ورجب فسئل عن ذلك العجب فقال عليه السلم وما لي لا اعجب من اموات يضربون هام الاحياء وقد تقدم في ذكر الرجعة ذكر ذلك ويكون ايضا عند رجعتهم عليهم السلم وهو قوله تعالى ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب باياتنا فهم يوزعون فانه قال من كل امة وآية الحشر الاكبر وحشرناهم فلمنغادر منهم احدا وكذلك قوله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وهو القائم عليه السلم الذي هم فيه مختلفون منهم من قال مات ومنهم من قال لم يوجد ومنهم من قال هو عيسى بن مريم ومنهم من قال هو المهدي العباسي من بنيالعباس وهو الأن في الاصلاب قال تعالى ليبين لهم انه من صلب الحسن العسكري عليهما السلم وانه الأن موجود حي الى ان يخرج ويملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وليعلم الذين كفروا بنص القرءان والروايات الصحيحة انهم كانوا كاذبين والدليل على ان المراد بهذا الحشر حشر الرجعة قوله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم لانهم من المسلمين ولو كان المراد بهم الكفار ما اقسموا بالله جهد ايمانهم كما قال عليه السلم وهو القيمة الصغرى والثاني الحشر الاكبر وهو القيمة الكبرى ويحشر كل ذي روح من الانس والملائكة والجن والشياطين وجميع الحيوانات البرية والبحرية والهوائية والنارية ويحشر فيها كل من له شيء او عليه شيء او منه شيء او فيه شيء من النباتات والمعادن والجمادات وما بينها وما بين ما ذكر من البرازخ واهلها وما له شيء كارض مظلومة من عرق ظالم بكسر العين وسكون الراء مثلا والذي عليه كالعكس والذي منه كالاسباب الوضعية المخالف تأثيرها لمراد الله تعالى والذي فيه كالازمنة والامكنة تحشر لتشهد للعاملين فيها او عليهم فافهم هذه الجملة فان تحتها كنزا من علوم الغيب اشار اليها سبحانه بقوله وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون وبقوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وقد عبدوا من دون الله جميع المعادن والنباتات والحجارة والعناصر والنجوم والحيوانات وغيرها وفي بشارة المصطفى باسناده الى ابي هريرة قال كنت انا وابوذر وبلال نسير ذات يوم مع علي بن ابي طالب عليه السلم فنظر علي الى البطيخ فحمل درهما فدفعه الى بلال فقال ائتني بهذا الدرهم من هذا البطيخ فاخذ علي (ع) بطيخة فقطعها فاذا هي مرة فقال يا بلال ابعد هذا البطيخ عني واقبل علي حتى احدثك بحديث حدثني به رسول الله صلى الله عليه وآله ويده على منكبي ان الله تبارك وتعالى طرح حبي على الحجر والمدر والبحار والجبال والشجر فما اجاب الى حبي عذب وما لم يجب الى حبي خبث ومر واني لأظن هذا البطيخ مما لم يجب الى حبي وفي الاختصاص باسناده الى قنبر مولي امير المؤمنين عليه السلم قال كنت عند امير المؤمنين عليه السلم اذ دخل رجل فقال يا امير المؤمنين انا اشتهي بطيخا فامرني امير المؤمنين صلوات الله عليه بشراء البطيخ فوجهت بدرهم فجاؤنا بثلاث بطيخات فقطعت واحدة فاذا هي مرة فقلت مرة يا امير المؤمنين فقال ارم به من النار الى النار قال وقطعت الثاني فاذا هو حامض فقلت حامض يا امير المؤمنين فقال ارم به من النار والى النار قال وقطعت الثالث فاذا هو مدود فقلت مدودة قال ارم به من النار والى النار قال ثم ذهبت بدرهم آخر فجاؤنا بثلاث بطيخات فوثبت على قدمي وقلت اعفني يا امير المؤمنين عن قطعه كأنه تأثم بقطعه فقال له امير المؤمنين اجلس يا قنبر فانها مأمورة فجلست فقطعت فاذا هو ( هي خل ) حلوة فقلت حلوة يا امير المؤمنين (ع) فقال كل واطعمنا فاكلت ضلعا واطعمته ضلعا واطعمت الجليس ضلعا فالتفت الى امير المؤمنين صلوات الله عليه فقال يا قنبر ان الله تبارك وتعالى عرض ولايتنا على اهل السموات واهل الارض من الجن والانس والثمر وغير ذلك فما قبل منه ولايتنا طاب وطهر وعذب وما لم يقبل منه خبث وردي ونتن ه وروي عنه (ع) ما معناه انه سئل قد نجد في بعض الرطب مثل الرماد قال عليه السلم ان الله وكل بها ملكا اذا تركت الذكر ذلك اليوم ضربها بمنقاره فتفسد ه وامثال ذلك كثير ولا دلالة لمن يعقل اصرح من قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا ومن انكر مثل هذا او اوله على المجازات والكنايات وانكر معناه الحقيقي فهو ممن قدر عظمة الله على قدر عقله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولو قال لا اعلم لكان اسلم له
فاذا فهمت ان الحشر حشران كل حشر منهما امره وملكه راجع الى محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين وذلك لان الله سبحانه خلقهم وخلق لهم كل شيء وكل شيء فجميع ما له وعليه لا يكون الا في الدنيا والاخرة والرجعة وهي ايامهم وزمان ملكهم الذي اعطاهم مالكهم فهم ملوك الدنيا وهم ملوك الرجعة وهم ملوك الاخرة وهذا ظاهر والمؤمن العارف بحقهم الزائر لهم يسئل الله ان يحشره في زمرتهم اي في جماعتهم وظاهر الكلام ان الحشر المطلوب هو الحشر الاكبر لانه عطف عليه حكم الرجعة فقال ويكر في رجعتكم فيكون سأل الاجتماع معهم في الرجعة وفي القيمة ويحتمل ان يراد بالحشر المسئول هو الاول بان يبعثه في ذلك الوقت ويكر معهم اي يصير معهم وهو بعيد الا ان يراد بقوله ويكر بيان وتفسير ليحشر او يكر معهم اي يرجع معهم بعد الموت ويكون يحشر معناه يبعث ويجمع عليهم او يريد بالحشر ما هو اعم فيدخل الحشران لانهم يومان لسلطنتهم وتنصب على ملايمته الفقرات التي قبله والتي بعده وانما سأل الحشر معهم الذي هو مشفوع بالكرة او مفسر بها على تقدير ارادته بالخصوص وكذا في العموم لان حصول هذا الحشر الاول مستلزم لحصول محض الايمان وهو الايمان الكامل بالفعل او القوة القريبة لان من لم يمحض الايمان لم يحشر في الحشر الاول وان اتاه الخبر بخروج القائم عليه السلم حتى يفرح في قبره ويستبشر الا انه لا يخرج الا ان يكون له قصاص او عليه قصاص فان هؤلاء يحشرون حتى يقتص للمقتول من القاتل ويعيش المقتول بعد اخذ القصاص من قاتله ثلاثين شهرا ثم يموتون في ليلة واحدة لانهم لا حيوة لهم وانما بقي لهم من عمر الدنيا ثلاثين شهرا قطعها القاتل وبقي لهم مما كتب في اللوح المحفوظ من ارزاقهم رزق ثلاثين شهرا فبعثوا ليستوفوا قصاصهم ويعيشوا كمال عمرهم المكتوب لهم وينالوا نصيبهم من الكتاب من الرزق لانهم مامحضوا الايمان محضا واما من محض الايمان محضا فلقلبه المستنير ونفسه الصافية مددا وآجالا وغايات لا تسعها الدنيا ولا تسع مقتضياتها فانه مثلا يعزم على طاعات واخلاصات ومراتب من التسليم والاخلاص والتوكل والتفويض كل زمان الدنيا لا يقوم بها في حقه وتلك النيات والارادات اعطاها الله سبحانه عبده بحقيقة ما هو اهله ولكن الدنيا في حقه لا تفي بها لعدم تأهله في الدنيا لها بدون متمم وفي الرجعة يحصل المتمم فيتمم المقتضي بما كتب لهم في اللوح الحفيظ فيرجعون مع المتفضلين بتتميم ما نقص عليهم وهم ائمتهم صلى الله عليهم فيعيشوا بالضعف من اعمارهم في الدنيا او باضعاف مضاعفة وكذلك من محض الكفر محضا على العكس ممن محض الايمان محضا وقد يعرف في الدنيا من محض الايمان محضا كما رواه في مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري للحسن بن سليمن الحلي (ره) بسنده الى جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر عليه السلم قال سألته عن قول الله عز وجل ولئن قتلتم في سبيل الله او متم فقال يا جابر اتدري ما سبيل الله قلت لا والله الا اذا سمعت منك فقال القتل في سبيل علي عليه السلم وذريته فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله وليس من احد يؤمن بهذه الاية الا وله قتلة وميتة انه من قتل فينشر حتى يموت ومن يموت ينشر حتى يقتل ه
اقول ظاهر هذا الحديث ان محض الايمان هو معرفة الامام عليه السلم بالنورانية وظاهر الاية الشريفة ذلك مع بعض الاعمال الصالحة وهي قوله تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون فان المراد به من محض الايمان محضا بدليل قوله وحرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون يعني ان من اهلكناه في الدنيا بالعذاب لا يرجع في رجعتهم عليهم السلم وحكم هذه الاية مرتبط بالتي قبلها فدل مفهومها ان من لم يهلك بالعذاب يرجع وقد ثبت انه لا يرجع الا من محض الايمان محضا ومن محض الكفر محضا وانما المفهوم على ماحض الكفر لان ماحض الايمان لا يهلك بالعذاب في الدنيا ليعتبر المفهوم في حكم الراجع منه وانما دل في الكفر على ماحض الايمان لان الرجوع في الفريقين شرطه ان يكون ماحضا فهما متساويان في الرجوع لتساويهما في شرطه وهذه المعرفة النورانية التي هي دليل ماحض الايمان لا تنحصر في مدلول آية ولئن قتلتم في سبيل الله الاية بل ضابطها ما في رواية داود بن كثير الرقي على ما رواه الطوسي (ره) باسناده اليه قال قلت لابي عبد الله عليه السلم انتم الصلوة في كتاب الله عز وجل وانتم الزكوة وانتم الحج فقال يا داود نحن الصلوة في كتاب الله عز وجل ونحن الزكوة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله ونحن الايات ونحن البينات وعدونا في كتاب الله عز وجل الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والانصاب والازلام والاصنام والاوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير يا داود ان الله خلقنا فاكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على ما في السموات وما في الارض وجعل لنا اضدادا واعداء فسمانا في كتابه وكنى عن اسمائنا باحسن الاسماء واحبها اليه تكنية عن العدو وسمى اضدادنا واعدائنا في كتابه وكنى عن اسمائهم وضرب لهم الامثال في كتابه في ابغض الاسماء اليه والى عباده المتقين ه قوله عليه السلم تكنية عن العدو لان اعداءهم دائما يتتبعون القرءان والاحاديث فايما آية وجدوا فيها دلالة على اسمائهم عليهم السلم بمدح او امر باتباعهم حذفوها وغيروها وكذلك الخبر فكني عن اسمائهم لئلا يحذفوها مثلا ويوم يعض الظالم على يديه لو قال يعض ابوفلان يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا وقال مع الرسول عليا اماما دالا على الله تعالى وعلى ما تحب يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا وقال لم اتخذ الثاني خليلا وصاحبا وبطانة من دون من امر الله بالكون معه لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وقال لقد اضلني عن على او عن ولايته او عنهما معا وكان الشيطان للانسان خذولا وقال وكان الثاني لعلي خذولا وصادا عنه وعن ولايته لحذفوا ذلك وغيروه فلما كنى بذلك فهموا التكنية وقالوا هذه الايات ما نفتضح بها لان الناس ما يفهمون ذلك وهو شيء القاه الله سبحانه في قلوبهم من قوله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون لتبقى تذكرة للمؤمنين والقى في قلوبهم انا لو غيرنا ما اشار اليه وكنى عنه لزم تغيير اكثر كتابه او كله وهو اشد فضيحة فالاولى الاقتصار في التغيير على ما تفهمه العوام على ان العوام اذا مالوا معنا ما نبالي بالخواص لقلتهم والحاصل هذا الحديث ومثله ميزان لمحض الايمان ولمحض الكفر فمن سمعه وعرفه وقبله عن معرفة فهو ماحض للايمان ومن سمعه وعرفه وانكره عن معرفة فهو ماحض الكفر ورتبة الخواص من الشيعة لا تقصر عن ادراك هذه المعرفة بل اكثرهم يعرف ما اشرنا اليه من الحديث واعلم ان شرحنا مشتمل على مراتب من معرفتهم لا تحتملها الخواص بل تكفر بها وانما يعرفها الخصيصون من الشيعة وفي هذا المعنى قال عليه السلم لو يعلم ابو ذر ما في قلب سلمن لكفره او لقتله فالداعي السائل بان الله سبحانه يحشره في زمرتهم قد يكون يقصد انه يبلغه ذلك بحصول شرطه من التوفيق لمعرفتهم بالنورانية وقد لا يفهم ذلك فيكون دعاء بما لا يفهم في الحقيقة وقد يستجاب فيوفق للمعرفة وقد لا يستجاب لجهله بما يسئله وانما اشرنا الى بيان شرط الرجوع معهم في رجعتهم لئلا يجهل الداعي شرط مطلوبه هذا اذا اريد بالحشر المطلوب الاول او هو مع الثاني على جهة الملاحظة لهما معا حال الدعاء واما اذا اريد به الحشر الاكبر فلا يستلزم ذلك لعدم اعتباره فيه
وقوله (ع) : ويكر في رجعتكم يقال كر عليه كرا وكرورا وتكرارا عطف عليه وكر عنه رجع والمعنى اني ارجع اي اعطف عليكم كأنه في حال البرزخ مستدبر الدنيا مستقبل الاخرة فلما جاء وقتهم استقبل الدنيا راجعا عاطفا عليهم وقد يراد منه ما يراد من الحشر كما قال تعالى وحشرنا عليهم اي جمعنا عليهم وعطفنا كأن المحشور سالك غير جهة المحشور عليه فعطف والمعنى واضح لان المراد منه العود الى الدنيا ويكر بضم الكاف كيمد وقد تقدم بيان المراد من الرجعة فراجعه
وقوله عليه السلم : ويملك في دولتكم اي اسأل الله سبحانه ان يجعلني في زمان دولتكم وتمكينكم من الارض مملكا اي مالكا لامور رعية من قبلكم او ملكا حاكما من جهتكم ليجعلني من الذين ينتصر به لدينه من اتباعكم الصادرين عن امركم وهذا لا يكون الا لمن قد كمل ايمانه وبلغت معرفته ولطف حسه وزكا عمله وخلصت نيته والا لم يجعلوه واليا على اصلاح جهال شيعتهم فحقيقة المطلوب هذه الصفات الموجبة للتمليك عندكم لا مجرد الجاه والعزة لان ذلك محرم في رجعتهم بمعنى انه لا يكون لا بمعنى انه ممنوع منه شرعا فان هذا لا يختص بذلك الوقت بل في هذا الوقت ايضا هو محرم وانما المطلوب رفع الدرجة عند الله والقرب منه بالتوفيق لكمال الايمان باخلاص النية وتزكية العمل المقبول عند الله وعندهم وبلوغ المعرفة لله ولهم وقوة الفهم فيما يحب الله فان من كان كذلك جعله ممن ينتصر به لدينه ويظهر به الحق ويزهق به الباطل وفي الدعاء واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري ه وروي الشيخ ياسين بن صلاحالدين البحراني في كشكوله انه كتب رجل الى ابي عبد الله عليه السلم يسأله ان يدعو الله له ان يجعله ممن ينتصر به لدينه فاجاب رحمك الله انما ينتصر الله لدينه بشر خلقه ه ووجه الجمع ان السائل طلب اعلى المراتب لهذه النصرة بان لا يكون في نصرته لدين الله تابعا لغيره وذلك مقام الامام عليه السلم ومقام النبي صلى الله عليه وآله ومقام خلفائه ومقام الانبياء واوصيائهم عليهم السلم اذا لم يكن ثم اشرف منه يأخذ عن الله تعالى بغير واسطته وعلم عليه السلم من نيته ذلك فكره ذلك اليه بان النصرة تكون من شر خلق الله كما قال تعالى في شأن بختنصر وذلك في قوله تعالى وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وانشأنا بعدها قوما آخرين فلما احسوا بأسنا اذا هم منها يركضون قيل القرية حضور قرية بالحجاز مما يلي الشام ارسل اليهم نبي اسمه شعيب بن ذيمهدم وقتلوه وقبره باليمن بجبل يقال له متين كثير الثلج وهو غير شعيب صاحب مدين وفي ذلك الوقت اصحاب الرس اليمنى وهو غير اصحاب الظلة اصحاب الرس قوم شعيب صاحب مدين وغير الرس العجمي اصحاب اسمعيل بن حزقيل واصحاب الرس اليمنى في وقت قصة حضور قتلوا نبيهم واسمه حنظلة بن صفوان وطبخوه واكلوه فاوحى الله الى ارميا ان ائت بختنصر واعلمه اني قد سلطته على ارض العرب واني منتقم بك منهم واوحى الى ارميا ان احمل معد بن عدنان على البراق الى ارض العراق كيلاتصيبه النقمة فاني مستخرج من صلبه نبيا في آخر الزمان اسمه محمد صلى الله عليه وآله فحمل معد وهو ابن اثنتيعشرة سنة وكان مع بني اسرائيل الى ان كبر وتزوج امرأة اسمها معانة ثم ان بختنصر نهز بالجيوش وكمن للعرب في مكان وهو اول من اتخذ المكامن في الحروب فيما زعموا ثم شن الغارات على حضور فقتل وسبا وخرب العامر ولم يترك لحضور اثرا قال الله تعالى فمازالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ثم وطئ ارض العرب يمنها وحجازها واكثر القتل والسبي وخرب وحرق ثم كر راجعا الى السواد والحاصل انه سبحانه انتصر لدينه ببخت نصر شر خلقه وسمى قوة بخت نصر وتسلطه عليهم بأسا له فقال تعالى فلما احسوا بأسنا اذا هم منها يركضون وكما ينتصر لدينه بشر خلقه كذلك ينتصر لدينه بخير خلقه وانما نهى عليه السلم السائل عن دعوى ذلك ولو قصد بان يكون تحت لواء امام معصوم عليه السلم لمانهاه لان هذا المقام العالي اذا لم يكن في الانتصار تابعا لغيره لا يقوم فيه الا نبي او وصي نبي او شقي فالمؤمن الزائر يريد بسؤاله من الله تعالى ان يكون مملكا في دولتهم عليهم السلم اي بامرهم ومنصوبا من قبلهم لان من وفق لذلك فقد كمل له خير الدنيا والاخرة
قوله (ع) : ويشرف في عاقبتكم الشرف العلو والمكان المرتفع والمال والمجد والمجد قد لا يستعمل الا بالاباء والعاقبة الولد وآخر كل شيء وفي نسخ كثيرة في عافيتكم بالفاء وبعدها ياء مثناة من تحت السلامة من البلايا والمحن ومن الامراض والالام فالمؤمن الزائر سئل الله ان يرفع درجته فيما يمكن له او يجعل مكانه او مكانته عالية بمتمم من فاضل خيرهم عليهم السلم لما يمكن له في عاقبتهم اي في وقت آخر امرهم وهو ملك الارض كلها مشرقها ومغربها من قوله تعالى والعاقبة للمتقين والمتقون هم الصالحون في قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون اي يملكها ويملك امرها وامر من عليها وذلك عاقبتهم وعلو المكان والدرجة والمكانة رفع شأنه بتقريبه عندهم والمال فانه شرف رفعة في اعين الخلق وفي الحديث عن الصادق عليه السلم اكرموا اهل الشرف والشرف هو المال والمعنى ان الله سبحانه وضع الاشياء في مواضعها فاذا اغني شخصا سواء كان لاستحقاق لانه شاكر للنعمة او لاملاء واستدراج فان المال اذا انضم اليه الاهانة والذلة لا يجد صاحبه فيه اثر النعمة والتفضل لان المستحق اذا وجد معه العزة والتكريم شاهد التفضل عليه وشكر الله تعالى والمستدرج اذا وجد العزة معه والتكريم شاهد التفضل وكونه نعمة من الله فتقوم عليه الحجة بخلاف العكس بل ربما مع العكس يشاهد التنغص والكدر فلا يراها نعمة فقال عليه السلم اكرموا اهل الشرف والشرف المال والمراد باكرامهم وتعظيمهم انزالهم المنزلة التي وضعهم الله فيها من لوازم المال لا للاحتيال في تحصيل شيء من مالهم فان ذلك ممنوع منه وفي الحديث من تواضع لغني لاجل غناه ذهب ثلثا دينه او كما قال لاني نقلته بالمعنى الذي حضرني حال الكتابة وعلى نسخة عافيتكم بالفاء والمثناة بعدها من تحت المراد انهم جرى عليهم في منح التكليف لهم ولشيعتهم في هذه الدنيا كل بلاء من الغصب والضرب والقتل والسبي والسب والغيبة في اعراضهم والقذف وغير ذلك من اعدائهم ما لا يجري على احد ممن مضى من الامم وممن يأتي وما لحقهم منهم من التكذيب والرد عليهم وتغيير احكام الله خلافا لهم وما اشبه ذلك وما ابتلوا به من الفقر والهم والغم والجوع وضيق المعيشة وغير ذلك من بلايا الدنيا مما لم يبتل به خلق حتى فسروا قوله تعالى واما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين انه قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله فسلام لك يا محمد من اصحاب اليمين واليمين علي بن ابي طالب عليه السلم يعني ما سلمت من احد من الخلق الا من شيعة علي واصحابه بمعنى ان كل شيء من الخلق من حيوان ونبات وجماد اخلص اليك بالاذية فيك وفي اهل بيتك وفي شيعتهم لاجلهم حتى الجمادات كالارض السبخة والحديد وما اشبه ذلك من الجمادات والنباتات والحيوانات اذوكم من اول التكليف الى ان يقوم قائمكم عجل الله فرجهم وفرجه وفرجنا بهم فتنكشف عنكم البلايا من جميع ما تكرهون وذلك زمان عافيتكم وسلامتكم انتم وشيعتكم من المكاره كلها فسأل ان يشرف في زمان عافيتكم من المكاره كلها او يشرف ببركة عاقبتكم او عافيتكم ففي بمعنى الباء للمصاحبة او السببية او هي للظرفية على المعنى الاولى فقولنا اولا سأل الله ان يرفع درجته فيما يمكن له يعني بالفعل او بالقوة وهو ما يحصل له بحبهم والتسليم لهم واتباعهم في اقوالهم وافعالهم فانه ليس حاصلا له بالفعل اي بدون العمل بل الاعمال القلبية واللسانية والاركانية فانها متممات لقابليته لما فضل من افاضاتهم فعن الباقر عليه السلم ما من عبد حبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة ه وذلك لانه اذا حبهم اي بقلبه ولسانه وزاد في حبهم بالعمل بسنتهم والاقتداء بافعالهم والاخذ باثارهم واخلص في معرفتهم بنحو ما كتبنا لك في هذا الشرح مما لم يكتب في كتاب ولم يجر في خطاب ولم يسمح به جواب فقد تم له ما يمكن له بمتممات قابليته وامكان ما بقوته وح يكون قلبه مفتاحا لخزائن علومهم ولسانا لا رادتهم وهو معنى قولنا فيما يمكن له وانما قلنا هذا بيانا لغاية ترقيه واحترازا عن توهم وصوله الى رتبة العصمة بتقريبهم له فانه بذلك لا يكون معصوما ابدا ما دام هو اياه لان النور من حيث هو نور لا يكون منيرا ابدا نعم لو شاء الله او شاؤا من الله كان ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون وهو سبحانه قادر على قلب حقيقة الى حقيقة اخرى وقولهم بامتناع انقلاب الحقائق باطل الا ان يراد به خصوص امتناع انقلاب القديم حادثا والحادث قديما وظاهر كلام كثيرين ان هذا ليس هو المراد بقولهم او يراد ان الشيء حال كونه هو اياه غيره في حال كونه اياه وهذا فرض جنون لا فرض عقل واما غير هذين فانقلاب الحقائق بعضها الى بعض ممكن كامكان وجودها وعدمها بلا فرق وعلى تفسير الشرف بالمال يكون المسئول اليسار من الطاعات والحسنات بمعنى اسأل الله تعالى في زمن عاقبتكم المحمودة التي تجتمع فيها القلوب على ارادة الطاعات او في زمن عافيتكم المسعودة التي تسلمون فيها انتم ومن تابعكم من جميع المحذورات ان يمكنني من كمال طاعتكم ونهاية خدمتكم حتى اكون ذا يسار من الحسنات كما فسر به دعاء الوضوء في غسل اليد اليمنى اللهم اعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري على احد الوجهين بان يعطيني كتابي بيميني وبراءة الخلود في الجنان بسبب يساري من الحسنات ضد الاعسار فانه افضل كل يسار وفي عيون الاخبار عن الرضا عليه السلم ما معناه انه قال عليه السلم ان ام سليمن عليه السلم قالت لابنها يا بني اياك وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل يدع الرجل فقيرا يوم القيمة ه يعني لقلة حسناته
وقوله عليه السلم : ويمكن في ايامكم التمكين يراد به ما تقدم في معنى المراد من يملك في دولتكم ويشرف في عاقبتكم بان يجعله بما يوفقه له من طاعته وطاعة اوليائه ومحبته لهم والقيام بواجب حقوقهم ومندوبها واليا مملكا مقدما على اكثر ابناء صنفه بكمال ايمانه واخلاص نيته متصرفا في امورهم على ما حدد ائمتهم عليهم السلم له مما امر الله وهدى اليه وايامهم يراد منها ما يراد من دولتهم وعاقبتهم وعافيتهم وهو زمان سلطنتهم وتمكينهم في الدنيا او يراد من ايامهم ايام الله اي التي يظهر فيها دينه ويعلي كلمته بهم وهي آلاؤه ونعمه او هي قهره ونقمه وهي ما في الخصال عن مثني الحناط قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول ايام الله يوم يقوم القائم عليه السلم ويوم الكرة ويوم القيمة وفي تفسير علي بن ابراهيم ايام الله ثلاثة يوم يقوم القائم ويوم الموت ويوم القيمة وفي تفسير العياشي عن ابي عبد الله عليه السلم في قول الله وذكرهم بايام الله قال آلاء الله يعني نعمه فاذا فسرت بالالاء اريد منها انها زمان اتمام دينه واكمال نعمته على عباده المؤمنين بما يفيض عليهم من بركات السماء والارض وقد ذكر ابن طاووس (ره) في كتاب سعد السعود اني وجدت في صحف ادريس النبي على محمد وآله وعليه السلم عند ذكر سؤال ابليس وجواب الله تعالى له قال يا رب فانظرني الى يوم يبعثون قال لا ولكنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم فانه يوم قضيت وحتمت ان اطهر الارض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي وانتخب لذلك الوقت عبادا لي امتحنت قلوبهم للايمان وحشوتها بالورع والاخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقي والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي واجعلهم رعاة الشمس والقمر واستخلفهم في الارض وامكن لهم دينهم الذي ارتضيته لهم ثم يعبدونني لا يشركون بي شيئا يقيمون الصلوة لوقتها ويؤتون الزكوة لحينها ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والقى في ذلك الزمان الامانة على الارض فلا يضر شيء شيئا ولا يخاف شيء من شيء ثم يكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضا وانزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها واذهب سم كل ما يلدغ وانزل بركات من السماء والارض وتزهر الارض بحسن نباتها وتخرج كل ثمارها وانواع طيبها والقى الرأفة والرحمة بينهم فيتساوون ويقتسمون بالسوية فيستغني الفقير ولا يعلو بعضهم بعضا ويرحم الكبير الصغير ويوقر الصغير الكبير ويدينون بالحق وبه يعدلون ويحكمون اولئك اوليائي اخرت لهم نبيا مصطفي وامينا مرتضي فجعلته لهم نبيا ورسولا لهم وجعلتهم له اولياء وانصارا تلك امة اخرتها للنبي المصطفى واميني المرتضى ذلك وقت حجبته في علم غيبي ولا بد انه واقع ابيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك اجمعين فاذهب فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم ه واذا فسرت بالنقمة فظاهر لانها الايام التي ينتقم الله سبحانه فيها من اعدائه واعدائهم اما في الاخرة او في الرجعة وكذلك اذا فسر الاول بقيام القائم عليه السلم واما اذا فسر بالدنيا كما في ظاهر التفسير قال في الاية في الكشاف اي انذرهم بوقائعه التي وقعت على الامم قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ومنه ايام العرب لحروبها وملاحمها الخ واقول بل تجري الى قيام القائم عليه السلم فكذلك لان الله تعالى ينتقم فيها منهم وان امهلهم حتى يستوفوا ما كتب لهم من الاجال والارزاق وحتى يبلغوا دركاتهم في هويهم في جهنم منها فان لكل درجات مما عملوا فهو في هذه الدنيا يهوى في جهنم باعماله واعتقاداته واقواله فهو يسير سيرا حثيثا هاويا حتى يصل الى قعرها من رتبته فيموت فمنهم من يستدرجه بالنعم حتى يأخذه بغتة ومنهم من يبتليه بالمرشدين والادلة فيهلكهم على ايدي دعاته بما يستحقه من انواع الهلاك من الموت او القتل او الطاعون او المسخ او الخسف او غير ذلك ولا يظلم ربك احدا ومنهم من يهلكه باقامة الحجة عليه حتى يحترق بها وفي كل ذلك يكون المؤمن مملكا في ايامهم في كل شيء بحسبه فان من علمه حجتهم عليهم السلم حتى كسر بها حجة عدوهم فقد ملكه معاني ما علمه وجعله واليا على كثير من اتباعه من الشيعة الاخذين منه وعلى كثير من الملائكة حتى سلطهم على ناصري عدوه من الشياطين فيهزونهم باذن الله تعالى ولقد كنت قاعدا في الاحساء في دكان عطار فحضر معنا رجل من مشائخ الناصبة فسألني العطار وكان شيعيا بمحضره عن وجه النصب في قراءة فامسحوا برؤسكم وارجلكم الى الكعبين فتكلمت له وتعرضت للناصب بذكر بعض حججهم ليدخل معنا في البحث فدخل فاخذت في ابطال مذهبهم في غسل الرجلين وكلما تواني عن الكلام او غفل عن حجتهم ذكرته حتى انقطع ولم يقدر على رد جواب ابدا واسود وجهه في مجلسه ذلك سوادا لا يخفى على الغبي فضلا عن الذكي ثم قام ومضى بيته ولم يخرج عشر ايام الا الى قبره لا رحمه الله حين اخرجوه ووضعوه في حفرة النار وهذا من انتقام الله سبحانه في الدنيا لاوليائه عليهم السلم وانتصاره لدينه اجريه على يدي فضلا منه وحده لا شريك له بل من ذلك ما اذا عرفت ان الوزغ عدو لهم فقتلته نصرة لهم فانه يصدق عليك انك مكنت في ايامهم في الدنيا بقتل اعدائهم والانتقام وذلك حين كانوا وزغا ولو كانوا بصورة الانسان لما تمكنت من ذلك فالدنيا يوم من ايامهم المخفية فهم متمكنون فيها وان لم يكن التمكن ظاهرا ولو لم تعرف هذا لم تتقرب الى الله بقتل حيوان صغير لانك لم تمكن في ايامهم كلها وهذا منها وان كان خفيا روي ابو الفتح محمد بن علي بن عثمن الكراجكي (ره) في كتاب كنز الفرائد قال وروى ابو نصر قال كنت عند الامام الباقر محمد بن علي صلوات الله عليه ذات يوم وسام ابرص على حائط ينق فقال صلوات الله عليه هل فيكم احد يدري ما يقول هذا المسخ قلنا ما ندري فقال صلوات الله عليه ولكني ادري ما يقول يقول لان شتمتم معوية لاشتمن عليا فقلنا يا ابن رسول الله لو امرت بقتله فقال صلوات الله عليه لغلام يا غلام اقتل هذا الوزغ فانه مسخ وهو عدو مولينا امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه قلت جعلت فداك يا ابن رسول الله (ص) وهذا الوزغ ممن يبغض امير المؤمنين صلوات الله عليه قال يا ابانصر تدري ما كان هذا الوزغ قبل ان يمسخ في هذه الصورة قلت الله ورسوله وابن رسوله اعلم قال صلوات الله عليه كان رجلا من بني امية وكان جبارا عصيا ذا سلطان شديد وحشم وعبيد فمسخه الله عز وجل كما ترى ثم قال صلوات الله عليه ايما رجل قتل وزغا وعاد مريضا ومشى على اثر جنازة مؤمن في يوم واحد اوجب الله عز وجل له الجنة ه والحاصل المراد من سؤال التمكين في ايامهم لاقامة دين الله واعلاء كلمته لا لنيل حظوظ الدنيا فافهم
وقوله (ع) : وتقر عينه غدا برؤيتكم قرت العين كناية عن الفرح والسرور وفي القاموس وعينه تقر بالفتح والكسر قرة وتضم وقرورا بردت وانقطع ماؤها اذا رأت ما كانت متشوقة اليه ه والمراد بالغد يوم القيمة او يوم يقوم القائم عليه السلم او يوم الرجعة وهذه الاحتمالات مبنية على ما تقدم من قوله عليه السلم يحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم يعني انه اذا حصل الاجتماع وهذا في المعنى مرتب على ما قبله وهو قوله فثبتني الله ابدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ووفقني لطاعتكم ورزقني شفاعتكم وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم اليه وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم ويملك في دولتكم ويشرف في عاقبتكم ويمكن في ايامكم ومعنى ترتبه على هذه التي قبله في المعنى ان قرة عينه على كمال ما ينبغي انما تحصل له اذا استجيب له دعاؤه في هذه كلها فاذا استجيب له دعاؤه فيها على نحو ما اشرنا اليه حصل له كمال السرور ونهاية الفرح الذي هو غاية قرة العين لانه اذا بقي من طلباته شيء كان عند رؤيتهم مغموما لفوات حال يحبون ان يكون عليها محبهم ويلقيهم بها فلذا قلنا انه مرتب على ما قبله معنى وانما قلنا معنى لانه في الظاهر معطوف عليها فهو من جملتها
قال عليه السلم : بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي
قد تقدم الكلام في معنى بابي انتم الخ فان قلت هنا ذكر النفس وفيما سبق لم يذكر النفس فما الفائدة في ذلك قلت لانه لما ذكر سابقا كثيرا مما هم اهله من صفاتهم وفداهم عند ذكرها بما ذكر وكان قد ذكر بعد ذلك من صفاتهم ما ذكر وعظم الشأن في نفسه وكبر في قلبه ولم يبق عنده شيء اعز ولا احب من نفسه بل كل عزيز وحبيب فانما كان عزيزا وحبيبا لاجلها فداهم بها فان قلت لم لم يقتصر عليها وكيف ذكر من ذكر قبل ذلك معها مع ان ذكره اولا كاف قلت لو اقتصر عليها ربما فهم من ذلك الاختصاص هنا بها وهناك بهم او على جهة البدلية والتخيير بمعنى انه انما يفديهم باحدهما فذكرهم معها ليدل على استحقاقهم لذلك كله ولما ذكرهم وذكر نفسه دل على ان هذا غاية جهده ولو وجد غير ذلك لبذله فان قلت لم قدم الاب مع ان الاولى تقديم النفس لان كل محبوب فانما هو لاجلها قلت قد يقال انما اخر النفس لانه ذكر المذكورات على جهة الترقي من الاضعف الى الاقوى والترقي قد يكون في الاثبات من الاضعف الى الاقوى وان كان خلاف الغالب والذي يظهر لي ان الجواب الحق ان الترقي جار على حكم الاغلب وقد تقدم كثير من الجواب وانما الاب بحكم الاقوى لتقدمه على النفس واصالته وكذا الام ولاحترامهما ولان ذلك من المعروف المأمور بالمصاحبة به وقولي سابقا في هذا البحث بحيث يفنى الحبيب والعزيز من كتاب الرعاية مرادي عند التفدي ومعنى كتاب الرعاية والمحافظة الذي اشرت اليه في قوله عليه السلم بابي انتم وامي الخ السابق لا هذا اريد به ان كل شيء تحبه او تكرهه او تحذره فهو في كتاب عندك مسطور يسمونه اهل الظاهر والقشر بالخيال واهل الشرع عليهم السلم يسمونه بالكتاب وقد اشرنا فيما تقدم الى ما يبين هذا فراجعه وانما يصح ان يقال له الخيال لان لخيالك عينين يلاحظ بهما ما في كتابي الزمان والمكان من الامثال القائمة المعلقة بالاعيان الخارجية تعلق الظل بالشاخص فاذا ظهر لك المخاطب مثلا بما استمال به كل قلبك من الصفة المستحسنة احببت دوامها عليك ولحظت احتمال تغيرها او تبدلها بما لم تستحسن او فناء الذي قامت به ملاحظة بلا تشخص لذلك المكروه الذي حذرته لاستغراق تعيينك في تعينه لك وانما يرد المحذور على وهمك لا على جهة التعين ولذا اكثر الناس لا يتوهمه فضلا عن ان يجده او يعرفه وهو ما ذكرت فلا تصغ الى غير ما ذكرنا :
يا ابن الكرام الا تدنو فتبصر ما قد حدثوك فما رائ كمن سمعا
فاذا عرفت هذا فاعلم ان الصفة التي ظهروا بها لمن عرفهم هي مجموع ما اشتملت عليه مشية الله من كل صفة مستحسنة في نفس الامر ليس في الامكان مثلها او احسن منها وقد اشتملت هذه الزيارة المباركة على الاشارات الى كثير من ذلك وقد ضمنا في هذا الشرح كثيرا من معاني قولهم اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم على اني ولله الحمد لم اقل فيهم ما شئت وانما قلت فيهم ما شاؤا لي ان اقول فيهم فقلت باذن الله واذنهم ما لو سمعه السميع لصم والبصير لعمي وهذا وامثاله من صفاتهم الحقية التي هي الاسماء الحسنى والامثال العليا والنعم التي لا تحصى هي تلك الصفة المقتضية لميل القلوب العارفة بهم الى حد يفنى عنده الجنان وتدأب في القيام بمدحه الاركان وينطق في تيار لجته اللسان بكل لغة لها منه ترجمان الى ان قال بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي ثم التفت القلب الى ان يجملها او اغلبها في بعض جوامع الكلم فعلمه الامام عليه السلم
فقال عليه السلم : من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم
قال الشارح المجلسي رحمه الله من اراد الله بدأ بكم فانه لا يمكن الوصول الى معارفه ومرضاته الا باتباعهم في العقد والعمل ومن وحده قبل عنكم اي كل من يقول بتوحيد الله يقبل عنكم فان البرهان كما يدل على التوحيد يدل على وجوب نصب الخليفة المعصوم او لم يوحد الله ولم يعبده حق عبادته من لم يقبل العلوم منكم او عرف التوحيد وغيره من المعارف من قولكم وادلتكم او نهاية مراتب التوحيد لا يوصل اليها الا بمتابعتكم او من لم يقبل منكم فهو من المشركين او من عرف الله حق معرفته فهو يقبل منكم كلما تقولونه انتهى
اقول هذه الفقرات الثلاث من جوامع الكلم لان كل واحد يراد منها كل معنى فقوله (ع) من اراد الله بدأ بكم يراد به من اراد ان يعرف الله قصدهم ليعرفوه معرفة الله وما يصح عليه ويمتنع لانهم السنة ارادة الله ولا يعرف مراد الله الا بتعليمه ولا يعلم احدا من خلقه الا بهم لانهم محال مشيته والسنة ارادته وظاهره في خلقه ونوابه في عباده وابوابه في بلاده وامثاله العليا في بريته وقصدهم اي ليعرفهم فاذا عرفهم عرف الله بمعرفتهم لانهم ايات معرفته فمن عرفهم فقد عرف الله لان الشيء انما يعرف بصفته وهم صفته وآثار صفته فاذا عرفت الصفة عرفت الموصوف بتلك الصفة بهيئتها كالطويل فانك اذا عرفت الطول عرفت الطويل الموصوف بالطول بهيئة الطول وكالقائم اذا عرفت القيام عرفت القائم الموصوف بالقيام باثره الذي هو القيام وذلك انه سبحانه لما كان لا يعرف بالكنه لان الشيء لا يدرك الا ما هو من جنسه وفي رتبته وح يحيط به فاذا احاط به كان اعلى منه كما في رواية المفضل عن الباقر (ع) الى ان قال في قوله تعالى الله نزل احسن الحديث فاحسن الحديث حديثنا لا يحتمل احد من الخلائق امره بكماله حتى يحده لان من حد شيئا فهو اكبر منه ه ولما اراد ان يعرف تعرف لعباده بصفة يعرفونه بها ولا تكون الا مخلوقة من جنسهم فاول ما تعرف تعرف لمحمد وآله الطاهرين الثلاثة عشر المعصوم صلى الله عليه وآله بهم اي ظهر لهم بهم يعني وصف نفسه وكنههم ذلك الوصف وتعرف للانبياء عليهم السلم بهم بمحمد وآله صلى الله عليه وآله ومعنى ذلك ظاهرا لتفهمه ان النور صفة المنير فيعرف المنير بما وصف به نفسه وهو النور لانه يشابه ظهور المنير به كالشمس فان نورها يشابه ظهورها به ونور القمر كذلك ولا يشابه نور الشمس ونور الشمس لا يشابه نور القمر لان كل واحد انما ظهر بنوره الذي هو صفة ظهوره به ودليله عليه لا بنور غيره فافهم فالوصف الاول حقيقة محمد وآله صلى الله عليه وآله ونور هذا الوصف الذي لا يوجد ولا يظهر الا به لكونه صفته حقيقة الانبياء عليهم السلم ونور تلك الحقيقة الذي لا يوجد ولا يظهر الا بها لكونه صفتها حقيقة المؤمنين وهكذا فالمؤمنون انما يعرفون الله بهيئة ظهوره لهم بالانبياء الذين لا يعرفون الله الا بهيئة ظهوره لهم بمحمد وآله صلى الله عليه وآله كما لو قابلت مرءاة فان وجهك ينطبع فيها بلا واسطة فاذا قابلت المرءاة مرءاة اخرى كان في المرءاة الثانية صورة المرءاة الاولى فيها صورة وجهك وهكذا فالذي يقابل الثانية انما يرى صورة الوجه المنطبعة في صورة الاولى فلم ير الا صورة الصورة والظاهر بها في الثانية صورة المرءاة الاولى لا نفسها والصورة التي في الثانية مركبة من مادة وصورة فالمادة ظهور الاولى بما فيها من الصورة للثانية والصورة صفاء زجاجة الثانية واستقامتها او اعوجاجها وبياضها او سوادها وكبرها او صغرها ولهذا يختلف صورة الاولى وما فيها من صورة الوجه باختلاف الثانية في الصفاء والكدورة والاستقامة والاعوجاج والبياض والسواد والكبر والصغر ومادة الصورة التي في الاولى ظهور الظاهر لها بفعله اياها وصورتها هيئتها من صفاء واستقامة وبياض وكبر فقوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اذا اريد بالمعنيين محمد وآله صلى الله عليه وآله كان المراد بالايات الايات الكبرى ويصدق قول امير المؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه حقيقة النفس وحقيقة المعرفة وليس فوق هذه رتبة واذا اريد بهم غيرهم عليهم السلم احتمل وجهان :
احدهما ان المراد بالانفس محمد وآله صلى الله عليه وآله كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم اي جاءكم رسول من آل محمد صلى الله عليه وآله لانهم هم انفس الخلق وذواتهم اي هم انفس النفوس وذوات الذوات والمعنى ان الخلق يعرفون الله بهم لانهم الايات الكبرى قال امير المؤمنين عليه السلم ليس لله آية اكبر مني ولا نبأ اعظم مني رواه في الكافي وفي قوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى اذا جعل الكبرى منصوبا على انه مفعول رأي وهو افعل التفضيل اي رأي عليا عليه السلم الذي ليس لله آية اكبر منه ليلة المعراج لم يصل الى مكان الا ويراه امامه وخاطبه الله بلسانه هذا على معنى الاية وعلى معنى الحديث ان من عرفهم فقد عرف الله كما تقدم
وثانيهما ان المراد بالانفس انفس الخلق اي سنريهم آياتنا اي آيات معرفتنا في انفسهم والمعنى كما مثلنا لك بالمرءاة المقابلة للمرءاة المقابلة للوجه فانك ترى صورة الوجه في صورة المرءاة وذلك لانك اذا عرفت نفسك عرفت وصف الله تعالى نفسه لك الظاهر لك فيهم وبهم عليهم السلم وقصدهم ليعرفهم لان معرفتهم هي معرفة الله حقيقة والى الثلاثة المقاصد اشار علي عليه السلم بقوله نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا اي لا يعرف الله الا بما وصفناه تعالى ودللنا عليه فمن اعرض عن شيء مما دللنا عليه من صفاته فانما اعرض الى الشيطان وهذا على المقصد الاول الذي هو مأخذ الخواص من شيعتهم وله معنى ثان فوق هذا اي لا يعرف الله الا بمعرفتنا يعني انا اركان توحيده فمن انكرهم فقد انكر الله ومن لم يعرفهم لم يعرف الله فلم يعرف الله من وحد الله ولم يشهد ان محمدا رسول الله ولم يوحد الله من شهد الا اله الا الله وحده لا شريك له وشهد ان محمدا رسول الله ولم يشهد ان عليا ولي الله صلوات الله عليه ولم يوحد الله من شهد الا اله الا الله وشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وشهد ان عليا ولي الله صلوات الله عليه ولم يشهد بان الائمة الاحدعشر عليهم السلم حجج الله في ارضه وخلفاؤه في بلاده وامناؤه على دينه في عالمه وهكذا وهذا المقصد الثاني هو طريق الخصيصين من شيعتهم وله معنى ثالث وهو انك لا تعرف زيدا الا بظاهر منه من صفة او اسم او اشارة وهذا آية معرفة الله في قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون فاذا عرفت بأي شيء عرفت زيدا عرفت الله سبحانه الاتسمع الى قول الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث فلما تأملنا معرفتنا بزيد وجدنا طريقنا الى معرفته انما هو وجهه الذي نتوجه اليه من صفته واسمه والاشارة اليه ولا سبيل لنا الى غير ذلك من الاحاطة بكنهه ولما طلبنا معرفة خالقنا الذي لا يمكن ان يعرف من نحو ذاته استرشدناه فارشدنا بناطق كتابه وترجمانه الذي ارسله الينا صلى الله عليه وآله فقال في كتابه وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وكأين من آية في السماء والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون فاخبرنا العالمون الذين يعقلون آيات الله فقال صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال علي عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه فلما طلبنا معرفة نفسنا من حيث هي موجودة قائمة بنفسها لم نقدر على ذلك الا بمعرفة صفتها واسمها والاشارة اليها ثم نظرنا فاذا الذي عرفناها به هو اثرها وصفة فعلها وما ينسب اليها ولما نظرنا في الاثر وصفة الفعل وما ينسب الى الشيء وجدناه وجه معرفتها الذي يدل بما فيه على جهة المبدئية فالاثر يدل على مؤثره يعني من التأثير لا مطلقا كما تدل الكتابة على الكاتب من هذه الجهة ولهذا اذا رأيت الكتابة حسنة استدللت بذلك على استقامة حركة يد فاعلها ولا تدل على جماله او كماله او علمه او تقويه لان الاثر انما يدل بما فيه على جهة المبدئية له وكذلك صفة الفعل تدل على فاعل لا على ذات وكذا احوال النسب كالاشارات والاوضاع والاقترانات وامثال ذلك هذا ونحن قد عرفنا حدوث انفسنا بالفقر والتركيب والتغير والتحول وغير ذلك من صفات الحدوث فلما طلبنا معرفة انفسنا من حيث هي وجدنا انموذجا منقوشا فهوانيا قدر في التوصيف على قدر التعريف لان النقش يقع على قدر الرق المنشور المنقوش ففتشنا حقيقته فاذا هو قول الواصف لنفسه بذلك القول فلما قرأناه عرفناه بانه الوجه الذي يتوجه اليه طالب المعرفة ورأينا فيه مرايا قد انتقش فيها وجه الوجود والغنا والبقاء والدوام السرمدي ولا ريب ان المنتقش وجه ونور وهو قول علي عليه السلم انما تدرك الالات انفسها وتشير الادوات الى نظائرها وقال عليه السلم انا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة وفي الاية الشريفة وان الى ربك المنتهى وقال علي عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فعرفنا بما كتب لنا من ذلك الانموذج صورة وجه تبارك وتعالى له الجلال والاكرام وهو اسم المعبود وظاهر الوجود ومنبع الكرم والجود وهو العلي العظيم فتوجهنا الى المسمى بهذا الاسم الكريم المعنى بهذا الوصف العلي العظيم وهذا سبيل معرفتهم يعني بهذا يعرفهم من عرفهم ومن عرفهم بهذا فقد عرف الله تعالى حق ما يمكن من معرفته وهو قول الصادق عليه السلم وهو المكون ونحن المكان وهو المشيء ونحن الشيء وهو الخالق ونحن المخلوقون وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن اسماؤه وهو المحتجب ونحن حجبه الحديث
اقول الذي وجدته في نسخة انيس السمراء هكذا وهو المكون بكسر الواو ونحن المكان وفي النسخة بضم الميم بمعنى المكون بفتح الواو ويجوز ان يكون بفتح الميم بمعنى المكون بفتح الواو وانما اطلق عليه لانه محل التكوين او قابل التكوين ويحتمل انه ونحن الكان بغير ميم قبل الكاف اي الممكن قال في مجمع البحرين وفي الحديث ان الله كان اذ لا كان اي لم يكن شيء من الممكنات فخلق الكان اي الممكن الكائن كذا عن بعض الشارحين وهذا المقصد الثالث لاهل العصمة عليهم السلم وطريق كمل شيعتهم في الرجعة ولمحمد وآله صلى الله عليه وآله حال اخبروا عنه في احاديثهم على ما رواه كثير من علمائنا وهو قول الصادق عليه السلم لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن وقول الحجة عليه السلم في دعاء شهر رجب كما تقدم يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء وقد تتحد هذه الحال مع المقام الثالث وقد يتعددان والتعدد بالاعتبار
وقوله عليه السلم ايضا من اراد الله بدأ بكم يراد به من اراد وجه الله والتقرب اليه بالاعمال الصالحة بدأ بكم يعني اخذها عنكم وسلم اليكم وفوض في ذلك كله اليكم ظاهرا بالقول والعمل وباطنا بالاعتقاد والاعتماد مشفوعة بحبكم وولايتكم لان ذلك شرط في قبولها وتزكيتها والنظر اليها كما دلت عليه اخبارهم وقد ذكرناه مرارا وقوله عليه السلم ايضا من اراد الله بدأ بكم يراد به انكم سبيله الى عباده وسبيل عباده اليه فمن سلك الى الله من غيركم فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق فلا يصل الى الله ولا يصعد اليه من عمله شيء لان الله لم يجعل له طريقا موصلا اليه غيرهم او ان مريد الله تعالى لا يقدر على الوصول الى الممكن له من القرب الا بهم لانهم صلى الله عليهم يقوون العباد على التوصل الى نهايات حظوظهم من خيره تعالى لانهم جعلهم الله اعضادا لخلقه واشهادا ومناة واذوادا وحفظة وروادا ومعنى اعضاد يقوون كل ضعيف ويتممون كل ناقص ويرشدون كل ضال حتى يبلغوه كل ما له من الوجود واشهاد له وعليه ومناة يقدرون كل شيء بعمله فيما هو عليه من السعادة والشقاوة والغني والفقر والقوة والضعف وغير ذلك باذن الله وامره الذي حملهم اياه واذواد يمنعون كل شيء عما ليس له لعدم قبوله له وحفظة اي معقبات من مستقبله وماضيه يحفظونه من امر الله ورواد في الخير قادة ودعاة وادلاء وفي الشر سائلون ومحاسبون وتاركون ومبوؤن كلا مسكنه من الجنة او النار او من اراد الله استشفع بكم اولا او قدمكم امام طلبته مقسما على الله عز وجل بكم لانه تعالى لا يرد سائلا اقسم عليه بكم او لانكم اسماؤه التي يدعى بها وصفاته التي يعرف بها ونعمه التي يسئل من فاضلها وخزائن رحمته التي ينفق منها او من اراد الله بدأبكم في الارادة لتعذر ارادة الله بدون ارادتكم لانكم جهته ووجهه الذي يتوجه اليه من اراد الله او من اراد الله بدأ بكم اي ارادكم ليكون بكم مريدا لله بارادتكم اي بفاضل ارادتكم او وجودكم او كرمكم وجودكم او بتعليمكم او بدلالتكم وارشادكم او بقيوميتكم وحفظكم له او من اراد الله لزمه ان يريدكم اولا لانكم واسطة بينه وبين جميع خلقه فاذا اراد الله باي معنى مما ذكر وغيره فالارادة والمراد من الله او لله او بالله والمريد كلها مخلوقة لله وهم الواسطة في ذلك كله فلا بد ان يبدأ بالواسطة والا لم يكونوا في حال عدم البدء بهم واسطة وقد تقدم بيان كونهم عليهم السلم واسطة في كل شيء مرارا فراجع ان توقفت في معنى ذلك
وقوله عليه السلم : ومن وحده قبل عنكم ما ذكره الشارح (ره) في بيان هذه الفقرة الا ان الوجه الثالث وهو قوله او عرف التوحيد وغيره من المعارف من قولكم لا يجري على ظاهر اللفظ وانما يصح على التأويل بمعنى ان من عرف التوحيد وغيره من المعارف الحقة قد قبل عنكم ما قلتم في بيانه وتعريفه ووصفه والا لم يعرف التوحيد فاذا رأينا اعتقاده صحيحا وقوله حقا حكمنا بانه قد قبل الحق لما جاءه منهم وذلك لما قام عليه البرهان عقلا ونقلا انه لا يكون عند احد من الخلق حق الا ما كان عنهم لا فرق بين اول الخلق وآخرهم فيلزم كل ذي حق قبوله لما علم من الحق وقبوله من مفيض ما قبل من الحق ولو لم يقبل من المفيض للحق لم يقبل الحق فاذا قبل الحق لزمه انه قبل عن مفيضه والمتفضل به وعن جميع ما هو سبب في كونه او ايصاله ولما ثبت انهم عليهم السلم هم سبب كون كل حق لجميع من سواهم من الخلق وسبب ايصاله بل وسبب قبوله فبمثل هذا التوجيه يتجه كلامه رحمه الله في كونه تفسيرا لقوله عليه السلم ومن وحده قبل عنكم بل كل وجوهه الستة تحتاج في تطبيقها على ظاهر كلامه عليه السلم الى نحو ما وجهنا به الوجه الثالث فان قوله رحمه الله في الوجه الاول اي كل من يقول بتوحيد الله يقبل عنكم فيه لقائل ان يقول كثير ممن يقول بتوحيد الله وهو ناصب لهم العداوة قد جعل ديدنه الرد عليهم فاين قبوله عنهم لكن اذا وجهناه قلنا المراد بالقول بتوحيد الله القول الحق ولا يحصل لاحد من الخلق الا بالقبول عنكم لانه اذا لم يكن طريق الى الحق الا منهم فلا بد من القبول منهم او يكون ليس قوله حقا وتعليله (ره) بان البرهان الدال على التوحيد دال على وجوب نصب خليفة معصوم لا يلزم منه ان من قال بالتوحيد قبل عنهم فان هذا لا يلزم في حق الانبياء عليهم السلم ولا اوصيائهم عليهم السلم ولا في احد من المؤمنين لان كل من سواهم لم يكن بابا لجميع ما افاض الله من العلوم والمعارف وغيرهما ليصدق عليه ان من وحد الله قبل اي لزمه القبول عن ذلك الباب وانما ذلك خاص بهم عليهم السلم وفي الثاني تفسير لمفهوم كلامه عليه السلم وهو متجه على قصد ارادة كونهم عليهم السلم باب كل شيء وارادة اللزوم المذكور الا انه في الثاني اظهر وفي الرابع وهو قوله او نهاية مراتب التوحيد لا يوصل اليها الا بمتابعتكم ان كلامه هذا يدل على ان كل ما دون النهاية من مراتب التوحيد يمكن الوصول اليها بدون متابعتهم فان اراد المتابعة الظاهرة امكن ان يقال لا بأس به لو اردنا على ما تفهمه العوام فان اكثر المراتب انما تعرف بعقولهم حتى انا نقل لنا قول بعض ممن يقال انه من الشيعة انه قال نحن لا نحتاج الى الائمة عليهم السلم في المعارف والاعتقادات لانها امور عقلية وانما نحتاج اليهم في الشرعيات وان اراد ما في نفس الامر فهو خطأ لان العقول كلها جميع انوار بصائرها من فاضل انوارهم فاذا اردنا ان نعرفك حقيقة عقل زيد قلنا ان العقل الكلي الذي هو من امر الله ملك له رؤس بعدد الخلائق من ولد ومن لم يولد فلزيد رأس من العقل يخصه وهو على صورته في متعلقه من زيد فاذا تم نمو دماغ زيد مثلا ظهر نور ذلك الرأس واشرق على دماغ زيد فاستضاءة دماغ زيد بذلك النور المشرق من ذلك الرأس المختص به هي عقله فعقل زيد هو استضاءة دماغه باشراق نور ذلك الرأس وذلك الرأس وجه من ذلك الملك وذلك الملك هو عقلهم عليهم السلم فعقلهم الذي هو الملك الكلي الذي هو من امر الله كالشمس وعقل زيد كاستضاءة الجدار المشرقة باشراق نور الشمس على وجه الجدار فكما ان استضاءة الجدار انما هي عبارة عن اشراق نور الشمس على وجهه فلا قوام لها الا بوجود الاشراق كذلك عقل زيد انما هو عبارة عن اشراق وجه ذلك الرأس من الملك فلا قوام له الا بوجود اشراق ذلك الرأس والاشراق من كل منير ليس الا عبارة عن ظهور المنير بصفته لمن ظهر له وقد دلت الاخبار المستفيضة والعقول المستريضة بانوارهم عليهم السلم على ان جميع عقول الخلق انما هي ظهورات العقل الكلي وتعلقاته فكيف يستغني الظهور عن الظاهر وكيف يتحقق للظهور وجود او اظهار لشيء بغير الظاهر وكيف يستغني شيء عن علله الاربع حتى يفرض له تقوم او شيئية بدونها فاذا عرفت ذلك ظهر لك ان جميع مراتب التوحيد من البداية الى النهاية لا يوصل الى شيء منها لشيء من الخلق الا بمتابعتهم ولكن من لم يعرف ما هم عليه مما رتبهم الله سبحانه فيه من مراتب امثاله تعالى وافعاله لا يرى ان الاشياء بهم قامت وانهم علل اكوانها واعيانها على نحو ما اشرنا اليه سابقا وفي الخامس تفسير للمفهوم وهو حسن جار على ما ينبغي وفي السادس من الوجوه التي ذكرها رحمه الله سر مستور ان اراده فقد تفوق وتعمق وهجم على كنز من العلم لا ينفد ان كان قصده تفصيله وان عني اجماله فحسن ولكن لا يستخرج الكنز الذي لا ينفد لان مجمله ينفد والاشارة الى بيان ما ذكرنا على سبيل الاختصار انه قال عليه السلم ومن وحده قبل عنكم والشارح رحمه الله قال او من عرف الله حق معرفته فهو يقبل منكم كل ما تقولونه لانه اذا عرف الله حق معرفته فقد عرف جميع الشروط المتوقف عليها حقية المعرفة وركن الشروط المذكورة بل كلها معرفتهم في رتبتهم من المقامات والمعاني والابواب وفي ولايتهم من احكام ربوبية وارشاد وهداية وحفظ وتقدير وايراد وذود ومعونة ونصرة وخذلان منوطة بكل الخلق اجراها العليم الحكيم بهم على جميع الخلائق وهم صلى الله عليهم اذ ذاك عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم مما لم يفعلوه وما خلفهم مما فعلوه او بالعكس على الاحتمالين ولا يشفعون لشيء من الخلائق باعطاء وتمكين وتمكن وحفظ ومعونة الا لمن ارتضى دينه ممن تولاهم وتبرأ من اعدائهم وسلم اليهم ولم يجد في نفسه شيئا مما فعلوه وقالوا به واخبروا به عن انفسهم فيما لهم وفيما لاتباعهم وفيما على اعدائهم ويسلم تسليما وهم من خشيته مشفقون خائفون من ان يروا انفسهم في شيء مما ذكرنا وغيره ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين اي ومن يقل من اعدائهم اني استغنى عن الولي الذي جعله الله محل مشيته ولسان ارادته في شيء قليل او كثير من الوجود الكوني او شرعه والوجود الشرعي او شرعه فذلك نجزيه جهنم لان من وجد في نفسه انه مستغن عنهم بنفسه او بشخص غيرهم فقد اشرك بالله من حيث لا يعلم لان الله تعالى امره بالاخذ عنهم والتسليم لهم وان الراد عليهم راد على الله والراد على الله مشرك وقد اخبر الله تعالى عن حكمهم وانهم مشركون حيث يقول ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين يعني ما وضعوا اصناما ظاهرة يعبدونهم من دون الله ويصلون لهم ولكنهم اتخذوا رجالا من دون ولي الله فامروهم بخلاف ما امر الله فاطاعوهم في خلاف امر الله فعبدوهم من حيث لا يعلمون فرد عليهم سبحانه فقال انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون وقال الصادق عليه السلم حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون ولا يعرف الله احد حق معرفته حتى يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها معرفتهم عليهم السلم كما وصفت لك وفسرت الاية به فاذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم وهو قد قبل عنهم لانه قبل العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف اذ لا يكون ذلك من غيرهم
وقوله عليه السلم : ومن قصده توجه بكم اي ومن قصده من حيث القصد الذي امر به لما لا يملكه غيره من خير الدنيا والاخرة لان كل شيء فانما يطلب منه ولا يوجد عند غيره كما قال في محكم كتابه من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة وهذا العند خزائنه في عالمه التي لا تنفد توجه بكم اي استشفع بكم ليستجيب له فيستجيب له ولا يرد من سأله بكم وذلك لانهم صلى الله عليهم في الحقيقة هم خزائن المطالب كلها لانهم خزان الله في ارضه وسمائه ففي البصائر عن الثمالي عن ابي جعفر عليه السلم في قول الله تبارك وتعالى صراط الله الذي له ما في السموات وما في الارض الا الى الله تصير الامور يعني عليا انه جعل عليا خازنه على ما في السموات وما في الارض من شيء وائتمنه عليه ه اقول ما تفيد العموم فكل شيء فعندهم خزائنه وهم خزائنه وعندهم مفاتحه وهم مفاتحه واما قوله عليه السلم يعني عليا فيريد ان معنى الا الى الله تصير الامور انها تصير الى علي عليه السلم وبيان ذلك ان الامور حادثة مخلوقة والحادث المخلوق لا يصل الى القديم ولا يرجع اليه سبحانه لانه متعال عن كل شيء وانما المعنى ان الامور ترجع وتصير الى امره تعالى وامره تعالى جعله عند وليه فالمصير اليه مصير الى الله والراد اليه راد الى الله تعالى وقد قال الله تعالى ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم وقد دلت الادلة القاطعة مع الاجماع على ان اياب الخلق اليهم عليهم السلم وحسابهم عليهم فان الاخبار متواترة معنى بذلك كما في هذه الزيارة الشريفة واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم فهذا معنى قوله عليه السلم في بيان الا الى الله تصير الامور يعني عليا مراده ان الله سبحانه بقوله الا الى الله اي الا الى علي عليه السلم لان عليا عليه السلم جعله الله ولي الامور فالرجوع الى الله رجوع اليه ثم انه بين عليه السلم معنى قوله يعني عليا فقال انه جعل عليا خازنه على ما في السموات وما في الارض من شيء وائتمنه عليه ه وهذا ظاهر لا ينكره الا اهل الغباوة ومن طبع الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة لان هذا اليوم قد انعقد على معناه اجماع الفرقة المحقة وهو حال متوسطة بين قول الغالي وقول القالي اما الغالي فيبطل قوله قولنا ان الله سبحانه متعال عن الحوادث لا تصل اليه وانما اصطفى من خلقه عبادا معصومين مطهرين مكرمين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ووليهم جميع امور سلطنته على خلقه وليس هذا تفويضا كما يتوهمه الجاهلون لان التفويض لو قيل بانه جعل الامور اليهم ورفع يده وهذا كفر وشرك كما تقدم وانما نريد انه جعل الامور اليهم فهم بامره وهدايته وقدرته يعملون يدبرهم فيما ولاهم عليه كيف شاء لا يتحركون ولا يسكنون ولا يريدون ولا يتركون الا بقدرته ومشيته وامره في كل جزئي جزئي وهم عليهم السلم قد اخبروا بهذا كله في جميع ما ورد عنهم فالمنكر لهذا منكر لهم وقال لهم الاتسمع قولهم الحق اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم واما القالي فهو من وضعهم وازالهم عن هذه الرتبة التي رتبهم الله فيها سبحان الله ما اكثر ما اردد هذه المعاني في هذا الشرح وغيره مما جرى به قلمي ونطق به فمي والاغيار ينكرون كأنهم لا يسمعون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون
والحاصل لما كانوا عليهم السلم خزانه سبحانه وتعالى في ارضه وسمائه وفي جميع عالمه كما قال عليه السلم في خطبته يوم الغدير ويوم الجمعة كما رواه الشيخ في المصباح وقد ذكرته فيما مضى واذكره هنا تذكرة لمن يخشى قال في خطبته عليه السلم واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الامم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار اقول تأمل قوله عليه السلم اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه ثم ذكر العلة في ذلك لانه تعالى لا تدركه الابصار الخ فوجب في الحكمة ان يتولي امر الخلق من هو من الخلق لتدركه ابصارهم ويفهمون كلامه فاقام محمدا صلى الله عليه وآله في سائر عالمه تعالى اي في جميع خلقه في الاداء اليهم ما شاء الله تعالى ان يؤديه اليهم مقامه ثم انه عليه السلم ذكر بعد هذا الكلام آل محمد صلى الله عليه وآله فقال وان الله تعالى اختص لنفسه من بعد نبيه صلى الله عليه وآله من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وجعلهم الدعاة بالحق اليه والادلاء بالارشاد عليه لقرن قرن وزمن زمن انشأهم في القدم قبل كل شيء مذروء ومبروء انوارا انطقها بتحميده والهمها شكره وتمجيده وجعلها الحجج على كل معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية واستنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعا له بانه فاطر الارضين والسموات واشهدهم خلق خلقه وولاهم ما شاء من امره جعلهم تراجمة مشيته والسن ارادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون يحكمون باحكامه ويستنون بسنته ويعتمدون حدوده ويؤدون فرضه الخطبة وقوله عليه السلم في القدم يراد بالقدم القدم الامكاني الذي هو اول الامكان الراجح لا القدم الذي هو الوجوب والازل تعالى الله عما سواه علوا كبيرا فتدبر هذه الكلمات من خطبته عليه السلم يظهر لك صحة ما اشرت اليه لاني لا اقول الا بقولهم ولكن بحمد الله سبحانه وفضله وفضلهم علموني مرادهم من كلامهم ومن ادعي ما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان فلما كانوا خزانه سبحانه في ارضه وسمائه وفي سائر عالمه كان مصير الامور اليه مصيرها اليهم لما قلنا فهم خزائن جميع مطالب الخلائق ومقاصدها فيكون من قصد الله في حاجة او باداء امر امره به او اجتناب نهي نهاه عنه او لمعرفته ومعرفة ما اراد من صفاته واسمائه وكتبه ورسله وحججه عليهم السلم يعني من قصد الله تعالى في شيء من الاشياء توجه بهم اي استشفع بهم او سلك في طريقه الى الله تعالى طريقهم او جعلهم ادلاء على الله تعالى او انهم وجهه واذا قصد الله توجه بقلبه وعمله ولسانه بوجهه تعالى وجهته وهم وجهه وهم جهته او سلك طريقه وسبيله وهم طريقه وسبيله او يستضيء في طريقه الى الله تعالى بنورهم او انهم عضد وجود القاصد الى الله تعالى او سأل الله تعالى بهم كما هو عادة من عرفهم ومن لم يعرفهم اما من لم يعرفهم فانه يتصور كريما على من يملك حاجته فيسأله به فقد يتوهم ان ذلك الكريم حجزة كريمة على مالك حاجته فيسأله بها وفي الحقيقة لا يملك حاجة احد من الخلق الا الله تعالى ولا اكرم عليه من محمد وآله صلى الله عليه وآله فاذا سأل السائل مالكا بكريم عليه فقد عني في التصور المالك والكريم عليه واصاب وقد اخطأ في التصديق حيث جعل المالك زيدا او شجرا وجعل الكريم عليه الذي يسئله بجاهه عمرا او شيئا آخر وان كان قد اخطأ الطريق لجهله او عناده الذي غطي نور بصيرته لكن قد يدرك حاجته لمحض عنايته في التصور الاجمالي واما من عرف فانه يخصصهم باسمائهم ففي جامع الاخبار والامالي بالاسناد الى معمر بن راشد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول اتى يهودي النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر اليه فقال يا يهودي حاجتك قال انت افضل ام موسى بن عمران عليه السلم النبي الذي كلمه الله وانزل عليه التورية والعصي وفلق له البحر واظله بالغمام فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه يكره للعبد ان يزكي نفسه ولكني اقول ان آدم عليه السلم لما اصاب الخطيئة كانت توبته ان قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما غفرت لي فغفرها الله له وان نوحا لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما انجيتني من الغرق فنجاه الله منه وان ابراهيم لما القي في النار قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما انجيتني منها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وان موسى لما القي عصاه واوجس في نفسه خيفة قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما آمنتني فقال الله جل جلاله لا تخف انك انت الاعلى يا يهودي ان موسى لو ادركني ولم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه ايمانه شيئا ولا نفعته النبوة يا يهودي ومن ذريتي المهدي اذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه وفي قصص الراوندي باسناده عن الرضا عليه السلم قال لما اشرف نوح (ع) على الغرق دعا الله بحقنا فدفع الله عنه الغرق ولما رمي ابراهيم عليه السلم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه بردا وسلاما وان موسى عليه السلم لما ضرب طريقا في البحر دعا الله بحقنا فجعله يبسا وان عيسى عليه السلم لما اراد اليهود قتله دعا الله بحقنا فنجي من القتل فرفعه اليه ه والعارفون بهم في معرفتهم على مراتب لا تتناهى وفيها قال صلى الله عليه وآله وقال الصادق عليه السلم ايضا لو يعلم ابوذر ما في قلب سلمن لقتله او لكفره ولا يعرفهم كنه معرفتهم الا الذي خلقهم وهم يعلمون من ذلك ما علمهم الله تعالى والذي كتبت لك فوق معرفة الجمهور وهو يدور على ستة استار كل ستر تحته الف معنى اثنان منها مذكوران في الكتب وعلى السن العلماء وهما الظاهر والباطن واثنان منها عند العرفاء وعند اهل التصوف وهما ظاهر الظاهر والتأويل وكل طائفة تتكلم فيهما على حسب ما تذهب اليه وتعتقد فبعض منهم يصيب الحق وهو يعلم وما اقل هذا البعض على ما رأيت ممن شافهت او نظرت في كتبه وبعض يصيب الحق ولا يعلم واكثرهم يخطئون وكذلك اصحاب الظاهر والباطن :
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
واثنان منها وهما باطن الباطن وباطن التأويل فلا يكاد يوجدان في السطور وقد يوجدان في الصدور سيما باطن الباطن وقد ملأت منهما كتبي ورسائلي لا سيما هذا الشرح ولكني اكني عن ذلك خوفا عليه وعلي وعلى من يسمعه كما قال :
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان
ولو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
وكم سائل يسأل عن ذلك فبعض اسكت عنه وبعض اسوفه وبعض اعطيه من جراب النورة وبعض اقول له لا يجوز لك ان تسئل عن هذا :
ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
ويكفيك قول سيد العابدين عليه السلم :
اني لاكتم من علمي جواهره كي لا ترى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابو حسنا لي الحسين واوصى قبله الحسنا
ورب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
فخذها قصيرة من طويلة
قال عليه السلم : موالي لا احصي ثناءكم ولا ابلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم وانتم نور الاخيار وهداة الابرار وحجج الجبار
قال الشارح رحمه الله موالي منادي لا احصي ثناءكم كما انه لا يمكن الثناء على الله لانه لا يمكن لغيرهم معرفة كمالاتهم كما روي في الاخبار الكثيرة انه قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا وانتم نور الاخيار اي كيف احصي ثناءكم وامدحكم كنه مدحكم واصف قدركم والحال انكم نور الاخيار اي منورهم ومعلمهم وهاديهم مع انه لا يمكنني معرفة الاخيار من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين او انتم كالشموس من بينهم ولا يمكن رؤية الشمس كما ان البصر عاجز عن رؤية الشمس كذلك البصيرة عاجزة عن ادراك مراتبهم وكمالاتهم وصفاتهم فانهم مرايا كماله تعالى وصفاته تقدس ذكره انتهى
اقول المولي له معان احدها المحب وثانيها ولاء الاسلام كقوله تعالى ذلك بان الله مولي الذين آمنوا اي القرب والدنو والنصرة والصداقة كما قال تعالى عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وثالثها المالك ورابعها العبد وخامسها المعتق بكسر التاء وسادسها المعتق بفتح التاء وسابعها الرب وثامنها الناصر وتاسعها المنعم بكسر العين وعاشرها المنعم عليه وحاديعشرها التابع وثانيعشرها مالك الطاعة وما سوى هذه لا يمكن اجراؤه واما هذه المعاني الاثنا عشر فبعضها ظاهر وبعضها بتأويل ونشير الى ما سنح عند الكتابة كما هي عادتنا فنقول على الاول يكون معنى موالي اي يا احبائي وذلك لما جعله الله لكم على كل مسلم ومسلمة من اجر رسالة جدكم صلى الله عليه وآله فقال تعالى قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى والمحبة الصادقة هي كما سمعت مما مر عليك من انها هي الطاعة كما امروا والخدمة بما ارادوا والاستبطان لما اسروا والاعلان بما اظهروا فان صدقهم في المواطن بهذه وامثالها فهم مواليه وهو موليهم حقا وان كذبهم فيما عاهدهم عليه في الذر بعدم الموافاة فان عفوا وتسامحوا فهم اهل العفو والتسامح والاغضاء عن محبيهم والا فلهم ان يردوه ويحجبوه حتى يتوب الى الله تعالى ويخلص في الدعوة وعلى الثاني يكون المعنى يا مقربي الى الله تعالى والى ما يحب من طاعته ورضاه وجنته والى من يحب اي اليكم يا سادتي والى من احبكم بان يحشر معهم ويجمعني معهم في مستقر من رحمته من حبكم وولايتكم وجواركم في الدارين ويا ناصري على اعدائكم بالغلبة والحجة وعدم تسلطهم على غوايتي بتسديدكم وتأييدكم من الانس والجن والشياطين وعلى اعدائي من النفس الامارة بالسوء وعلى سكانها ومجاوريها من الشياطين من الانس والجن ومن الدنيا الغرارة الخداعة بزينتها وتمويهاتها وشهواتها الصادة عن طاعة الله تعالى وطاعتكم ومن الشيطان الغوي المجتهد في اضلالي عن طريق قصدكم وازلالي عن نهج ولايتكم بالميل الى اعدائكم والى شيء من اعمالهم واتباعهم ويا مؤلفين بيني وبين كثير ممن كان عدوا لكم ولي حتى فتحتم عليهم باب هدايتكم وحببتم اليهم طريقتكم وسلوك نهجكم حتى كانوا احبائي فيكم بعد ان تباغضنا فيكم واصدقائي بعد ان تعادينا فيكم وانصاري بعد ان تقاطعنا وتخاذلنا فيكم وعلى الثالث يكون المعنى يا مالكي طاعتي اي ان الله تعالى فرض طاعتكم بفرض طاعته وجعلكم اولى بي من نفسي في احوال نفسي وعقلي ومالي وديني ودنياي وآخرتي وما خولني ربي كما قال تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا فاثبت سبحانه لمحمد وعلي واهل بيتهما صلى الله عليهما وآلهما ما اثبت لنفسه من الولاية على خلقه وشركهم في سلطانه على خلقه حتى خصهم بما انفرد به عن جميع خلقه بان جعل كل ما له من خلقه لهم عليهم السلم ولا شيء مما لهم له الا بهم يعني انهم عليهم السلم له تعالى وما سواهم لهم فكل شيء سواهم فهو له تعالى بهم لا بدونهم لان ما سواهم بدونهم ليس شيئا يقع عليه التملك وانما جعله الله شيئا بهم فحيث كان شيئا كان لله بتبعية كونهم لله تعالى فهم اعضاد الخلق وابواب الرزق واسباب الرتق والفتق الا انه لا يكون لهم عليهم السلم شيء الا ما كان لله ليصح كونه وما ليس لله تعالى فهو باطل ولا يكون الباطل لهم فافهم وقد تقدم هذا المعنى سابقا وعلى الرابع يكون المعنى هو المعنى الثاني للثالث وهو ان معنى المالك مالك الرق وقد تقدم في اول الشرح الاشارة الى هذا وانه هل يصح هذا المعنى كما تشير اليه احاديثهم ام لا لانه لم يسمع ظاهرا عنهم ذلك على جهة الحقيقة ولم يسم احد في زمانهم من شيعتهم بذلك فلا تجد فيما سبق وفي زمانهم من سمي عبدمحمد ولا عبدعلي ولا عبدالحسن ولا عبدالحسين وللاول اطباق شيعتهم في هذه الاعصار في جميع الاقطار على استعمال ذلك من غير انكار والحجة عليه السلم بين ظهرانيهم وقد تواردت الاخبار عنهم صلى الله عليهم بان الارض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم فان كان هذا تغييرا في الدين واتيانا بما ليس منه فيه كان زيادة ونقيصة يجب على الامام عليه السلم رد الزائد واتمام الناقص لان التغيير زيادة باطل ونقصان حق او احدهما واطباقهم على ذلك مع وجود حجة الله بينهم عجل الله فرجه وسهل مخرجه ولم يردهم على ذلك دليل الصحة فان قلت ان سلمنا رضاه عليه السلم بذلك لم نسلم ارادة الرقية فلعل العبودية يراد منها عبودية طاعة واذا قام الاحتمال بطل الاستدلال قلت انما يبطل الاستدلال بقيام الاحتمال المساوي واما الاحتمال المرجوح فلا يبطل الاستدلال لان الرجحان امارة الصحة ولا يعارض المرجوح الراجح وذلك لان الاصل في الاستعمال الحقيقة على ان الصادق عليه السلم قد اقر ابابصير على ذلك وذلك حين اراد ان يبين له ان كل شيء قليل او كثير فله عندهم حكم حتى ارش الخدش ونصف الجلدة وثلث الجلدة فقال لابي بصير ائذن لي يريد يحركه او يغمزه باصبعه ليمثل له بان في ذلك ارشا فقال ابو بصير له (ع) انما انا لك يعني لا تحتاج الى الاذن مني فاني ملكك فاقره على ذلك ولو تتبعت الاخبار الواردة عنهم وجدت ما قلت لك ومنها ما اشار امير المؤمنين عليه السلم اليه في قوله نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا يعني ان الخلق صنعهم الله لنا وقد تقدم الكلام في هذا فان قلت فاذا يجوز للامام ان يبيع الحر على هذا لانه ملكه قلت هذا امر مبني على ما اتوا به المكلفين من ظاهر الشريعة ولم يأتوهم بجواز بيع الحر ولم يظهروا حكما خاصا يجري على العموم لان هذا لا يجوز شرعا والذي تكلمنا عليه انما هو حكم خاص فلا يظهرونه لئلا يكون عاما بخلاف ما هو عليه في نفس الامر ولو اظهروا الخاص مخصصا لوقع الاشتباه وعظم البلاء ووقع من اهل الاقرار الانكار اماسمعت ما تقدم في قصة اصحاب القائم عليه السلم حين دعاهم ليبايعوه فانكروا عليه وتركوه حتى ان الصادق عليه السلم قال والله اني لاعرف الكلام الذي قاله لهم فيكفرون به نعم اذا استقر حكمهم عليهم السلم في رجعتهم عرفت ما قلنا على ان الاجماع منهم ومن شيعتهم منعقد على انهم اولى بالخلق من انفسهم ومعناه عام في كل شيء فان امرك بشيء ما وجب عليك القبول فان حرم عليك مالك الحلال حرم عليك لانه اولى به منك كما هو شأن الموالي مع مماليكهم وان امرك بقتل نفسك او ولدك وجب وهكذا في كل شيء وما ذكره صاحب مجمع البحرين في تفسير المولي من انه بمعنى مالك الرق والمعتق والمعتق قال وهذه الثلاثة ساقطة في قول النبي (ص) من كنت موليه فعلي موليه الى ان قال لانه (ص) لا يملك بيع المسلمين ولا عتقهم من رق العبودية الخ صحيح على الحكم الشرعي الظاهري في هذه الدار لان الاحكام ترد على جهة العموم فلا تخصص ولو خصصت لزم اما تخصيص كل ما هو مخصص في نفس الامر بهم فلا يمكن الانتفاع بافعالهم واعمالهم ولا يقع التأسي بهم في حال وهو مناف للغرض من الخليفة والحجة او تخصيص بعض دون بعض وهو ترجيح من غير مرجح فملكوا شيعتهم ما امرهم الله تعالى بتمليكه على حسب ما تقتضيه دولة الباطل حتى يمكنهم الله في الارض فيحكمون بالحق الوجودي لا رتفاع التقية وذهاب الموانع فافهم وعلى الخامس يكون المعنى انكم الذين اعتقتموني من رق الكفر والجهالة والضلالة والمعاصي ومن رق الفقر والحاجة ومن رق الضعف والخمول حتى انعم الله علي بتحرير الاسلام والايمان بكم وعلمني بكم ما لم اكن اعلم وهداني بكم الى ما يرضيه ووفقني لطاعته وطاعتكم واغناني بكم وسد خلتي بكم وقواني بكم ورفع ذكري بكم ونوه باسمي بكم وانكم الذين وهبتموني نفسي حتى جعلني الله سبحانه بهم وبحبهم وبولايتهم واتباعهم مؤديا لحقه الذي وجب علي له تعالى بخلقه اياي ورزقه لي وحياتي ومماتي وجميع ما انعم به علي وبدئي وقوامي وملكي ومرجعي والسادس يعلم من الخامس والسابع يكون المعنى فيه كالثالث يعني بمعنى المالك ويكون بمعنى المربي والمصلح اي يا ايها الذين تربونني باذن الله في جميع اطوار التكوين وشرعه وفي جميع احوال التشريع وكونه وتصلحونني بتعليمكم وارشادكم واعانتكم بفاضل علمكم ورشدكم وعملكم والثامن يعلم من الثاني في احد وجوهه كما تقدم والتاسع والعاشر من الطرفين يعلمان مما تقدم في الثاني وفي السابع وبان افضل النعم نعمة الاسلام والايمان اي يا من انعم الله علي بسببهم بنعمة الاسلام والايمان او على الظاهر يا ايها المنعمون علي بنعمة الاسلام والايمان كما قال تعالى واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه بنعمة الاسلام وعلى معنى المفعول اي المنعم عليه اي يا ايها الذين اتم الله عليهم نعمته حتى جعلهم محال مشيته والسنة ارادته وخزائن رحمته او يا ايها الذين هديهم الله باصطناعهم لنفسه الصراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم يعني صراطهم حتى وصل فاضل تلك النعم والهدايات وآثار الرحمة اليه فصح له ان يقول موالي جمع مولي بمعنى المنعم عليهم وعلى الحادي عشر يكون المعنى ايها المطيعون لله التابعون لامره ومشيته وارادته الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون واضاف ظهورهم بهذه الصفات اليه حيث كان احد متعلقات آثار تلك الصفات وعلى الثاني عشر يكون المعنى يا مالكي طاعتي اي يا مفترضي الطاعة علي وعلى جميع الخلائق يا اوليائي ويا مالكي اختياري في بدواتي في اعلاني واسراري ووجه ذلك ان الاختيار انما نشأ من ميل الوجود والماهية بداعي فقرهما الى ما يتممهما من المدد الذي لا قوام للممكن الا به وذلك الميل اقتضاؤهما وقابليتهما لذلك المدد فلما كان الوجود يدور على وجهه من علته على التوالي كان مدده الذي به بقاؤه كل ما يحبه الله من الخيرات الوجودية الثابتة الاصل بما يحبه الله سبحانه من الخيرات التشريعية في الاعتقاد والاقوال والاعمال ولما كانت الماهية تدور على وجهها من نفس الوجود من حيث نفسه بدون وجهه من علته على خلاف التوالي لانها هي وجميع ما لها بعكس الوجود وجميع ما له هي وكل شيء منها ضد عام لعكسه مثلا الوجود ضد الماهية وصفته النور وصفتها الظلمة وصفته الخير وصفتها الشر فاذا رضي غضبت بسبب رضاه واذا غضب بذلك رضيت وان انبعث قرت وان قر انبعثت وان تحرك سكنت وان سكن تحركت وان اقبل ادبرت وان ادبر اقبلت وان فعل تركت وان ترك فعلت وهكذا كان مددها الذي به بقاؤها عكس مدد الوجود وهو كل ما يكره الله سبحانه من الشرور المجتثة الاصل بما يكرهه الله سبحانه من الشرور الصادرة بمخالفة الاوامر الشرعية بالترك والنواهي الشرعية بالفعل وذلك في الاعتقادات والاقوال والاعمال ولما كان الانسان مركبا منهما وهو عبارة عنهما منضمين غير متمازجين تمازج استهلاك ولا متمايزين تمايز انفكاك الا باثارهما من الاعتقادات والاقوال والاعمال فلا يصدر عن ذلك الانسان شيء من الخير الا بميل الوجود الى ما يجانسه من النور الثابت الاصل ولا يصدر عنه شيء من الشر الا بميل ماهيته الى ما يجانسها من الظلمة المجتثة الاصل وكان لا يستغني عن المدد باحدهما لحظة واذا لتلاشى جرى له عنهما الاختيار لانه اذا مال الوجود بفقره الى شيء مالت الماهية بفقرها الى ضد ذلك الشيء والميلان صادران عن ذلك الانسان لانه عبارة عنهما فكل ميل له وعنه فلما كان كل هذه الاشياء انما هي ذلك الانسان لم يكد يفرق بين الميلين فخلق الله له خلقا اختارهم لنفسه وجعلهم محال مشيته والسنة ارادته لم يكن لهم ميل فعلي الا من جهة وجودهم الى كل خير وان كان لهم ميل امكاني من جهة ماهيتهم الى كل شر وذلك لان الله سبحانه علم منهم في زمان اعمالهم وامكنتها الا يفعلوا الا ما يحبه اعانهم فاستولى وجودهم بتلألئ انواره على ماهيتهم حتى فنيت ظلمتها وكادت هي ان تفنى وتتلاشى فلم يبق لها رسم الا للوجود ولا فعل الا في الامكان فلذلك جعلهم الادلاء اليه والهادين الى سبيله فهم يميزون للمكلف بين ميليه وداعييه لئلا يلتبس عليه داعي الخير وداعي الشر بالامر بكل داع الى الخير وبالنهي عن كل داع الى الشر ووجود المكلف ظهور الله تعالى بنورهم وشعاعهم عليهم السلم للمكلف وماهيته قبول ذلك الظهور بمقتضاه ولا شك انه اي ذلك القبول بارشادهم وهداهم هذا في الخير وفي الشر قبول ذلك الظهور بخلاف مقتضاه ولا شك انه اي ذلك القبول بتركهم له وتخليتهم له ونفسه المعبر عنه عندهم بالذود والطرد كما قال امير المؤمنين عليه السلم لابي الطفيل حين سأله عن حوض محمد صلى الله عليه وآله الذي يسقي منه في الدنيا ام في الاخرة قال عليه السلم بل في الدنيا اورده اوليائي واذود عنه اعدائي وقد تقدم فاذا عرفت ما ذكرنا صرح لك صحة ما قلنا لك في الوجه الثاني من الثاني عشر من قولنا ويا مالكي اختياري في بدواتي في اعلاني واسراري
وقوله عليه السلم : لا احصي ثناءكم اي لا اقدر ان اعدد ممادحكم قال في مجمع البحرين وفي حديث الدعاء لا احصي ثناءك انت كما اثنيت على نفسك اي لا اطيقه ولا احصي نعمك واحسانك وان اجتهدت انت كما اثنيت على نفسك هو اعتراف بالعجز اي لا اطيق ان اثني عليك كما تستحقه وتحبه انت كما اثنيت على نفسك بقولك فلله الحمد رب السموات وما في كما موصولة او موصوفة انتهى وظاهره ان احصي بمعنى اطيق والظاهر ان معناه اعد وفي القاموس واحصاه عده فيكون المعنى لا اقدر ان اعد الثناء عليكم لانه في كل شيء ثناء عليهم وقال الغزالي في الاحياء ليس المراد انه عاجز عما ادركه بل معناه الاعتراف بالقصور عن ادراك كنه جلاله وعلى هذا فيرجع المعنى الى الثناء على الله تعالى باتم الصفات واكملها التي ارتضاها لنفسه واستأثر بها مما هو لائق بجلاله تعالى انتهى وهذا وان كان له وجه بمعنى اني لا احيط بك علما ولا يعلمك غيرك فانت كما قلت لكن الظاهر من هذا اللفظ ان المعنى فيه انه اذا ذكر بعض الثناء على الله تعالى بذكر بعض صفاته اعترف بالعجز عن تعدادها واحصائها وانما يعدها ويحصيها هو عز وجل وقوله عليه السلم انت كما اثنيت على نفسك لا يدل على ارادة الكنه بقوله انت لان الخطاب لا يعين الا بقيد والكنه لا يطلب بالقيد لانه غير الكنه ويلزم منه التعدد والكثرة وهو تعالى وان كان انما يثني في الظاهر على نفسه بنحو ما نثني عليه مثل قوله تعالى فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب العالمين الا ان الكلام يقع من المتكلم على حسب علمه وارادته فيكون قوله ذلك لنفسه غير قولنا ذلك لنفسه والى مثل هذا اشار تعالى بقوله في الرد على من يعارض القرءان حين تحديهم فقال فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله والا اله الا هو يعني فان عجزوا عن الاتيان بعشر سور مفتريات مثل القرءان على دعويهم بانه مفتري فاعلموا ان الكلام يكون بنسبة عقل المتكلم وعلمه ولو كان القرءان من عند غير الله لامكن الاتيان بمثله لان كل من لكلامه نظير فله نظير ولعلمه نظير ومن لا نظير له ولا لعلمه فلا نظير لكلامه قال فاعلموا انما انزل بعلم الله ولا مثل لعلم الله ولا مثل لكلامه ومن لا مثل لكلامه فلا مثل له فلا اله الا هو فاذا اثني على نفسه بشيء مثل الاية المذكورة مثلا فلا يقدر احد من الخلق ان يثني عليه بمثل ذلك وان اثني عليه بما تضمنته الاية لان ما سواه لا يعلم علمه ولا يريد ارادته فكلام الغزالي ان حصر المعنى فيه فقد اخطأ الصواب وان احتمله مع عدم منعه من الظاهر فلا بأس هذا معنى لا احصي ثناءكم في الجملة بقي معنى لا احصي باعتبار جهة تعلقه ومعنى الثناء اما الاول فالاحصاء في الثناء مثلا بالنسبة الى نعمه تعالى من اين اتت وكم توقفت على اسباب لا تكاد تحصى والى اين تنتهي ولهذا قال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ولم يقل نعم الله ليقال انها كثيرة لا تحصى من جهة عد افرادها وان كانت هي كذلك واعظم مما يدخل في الاوهام الا ان المراد مباديها واسبابها وما سخر لتلك النعمة من المدبرات في الاوقات المتجددة والامكنة المتعددة في الابتداء والانتهاء وقد ذكر ذلك سلمن الفارسي رضى الله عنه كما في عيون الاخبار عن الرضا عليه السلم عن ابيه موسى بن جعفر عن ابيه الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم السلم قال دعا سلمن اباذر رحمة الله عليهما الى منزله فقدم اليه رغيفين فاخذ ابو ذر الرغيفين فقلبهما فقال سلمن يا ابا ذر لا ي شيء تقلب هذين الرغيفين قال خفت الا يكونا ناضجين فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا ثم قال ما اجرأك حيث تقلب هذين الرغيفين فوالله لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش وعملت فيه الملائكة حتى القوه الى الريح وعملت فيه الريح حتى القاه الى السحاب وعمل فيه السحاب حتى امطره الى الارض وعمل فيه الرعد والملائكة حتى وضعوه مواضعه وعملت فيه الارض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح وما لا احصيه اكثر فكيف لك ان تقوم بهذا الشكر ه فنبه سلمن رضى الله عنه اباذر على سر لا يعثر عليه الا مثل سلمن وذلك من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ولا ريب ان الرغيفين شيء وخزائنهما عنده في ملكه كل خزانة في محلها من الوجود يدبرها فيه بامر الله الملك الموكل بها وهو رأس من الملك الموكل بتلك الرتبة مثلا معناهما اي الرغيفين في الجبروت الذي هو عالم العقول موكل بهما هناك ملك عقلي وهو وجه ورأس من الملك الاكبر المسمى بالعقل الكلي وروح القدس وروح من امر الله فلما قال الله تعالى للملك الكلي الذي هو العقل الكلي ادبر فادبر يعني فتنزل بصور الاشياء في النفس يعني كتب القلم باذن الله تعالى في اللوح فالقلم هو ذلك الملك المسمى بالعقل الكلي وبروح القدس وبروح من امر الله صلى الله على محمد وآله والنفس اي الكلية هي اللوح المذكور في الاخبار وهو عليون كلا ان كتاب الابرار لفي عليين فلما تنزل العقل بصور ما كان وما يكون الى يوم القيمة في النفس الكلية اي اللوح نزل بكل صورة من تلك الصور الملك الموكل بها وهو رأس من الملك الاكبر النازل بالكل وهذا رأس منه خاص بالرغيفين نزل بالرغيفين في محلهما من الوجود النفسي اي في رتبتهما من اللوح حتى سلمهما بيد الملك النفسي الموكل بهما في هذه الرتبة وهكذا في رتبة الطبيعة وفي رتبة المواد وفي رتبة المثل بضم الميم والثاء المثلثة والاشباح التي هي اظلة الانوار الجوهرية ثم الى الافلاك ثم العناصر ثم الى الارض والمواد وقد تقدم بعض البيان لهذا المقام ولا يمكن تمام البيان هنا الا بالخروج عما نحن بصدده ولا فائدة مهمة هنا الا مجرد الاشارة الى ان الاشياء متعددة الاوقات والامكنة وفي كل رتبة يدبرها الملك الموكل بها وهو من جنس تلك المرتبة الى ان يصل الرغيفان مثلا الى عند الاكل فاذا وصلا اليه قطعا نصف مسافة وجودهما ثم يأخذان في العود الى ما منه بدئا واول العود كسرهما ثم الاكل والقطع بالاسنان والتنعيم وارسال الماء من تحت اللسان من النهرين المعدين لبذرقة الطعام ثم الازدراد والبلع ثم الكيلوس وينقسم اسفله الى الشعر واعلاه الى الكيموس ثم الى الغذاء المشاكل والى النطف والاولاد وهكذا الى ما لا غاية له في الامكان وهذا نصف المسافة الاخر ولا يمكن ان يحصي العباد مراتب لقمة واحدة مثلا في النزول والصعود ولهذا افرد سبحانه ذكر النعمة فقال تعالى وان تعدوا نعمت الله لا تحصوها فخزائن الشيء اطواره في مراتب وجوداته وقد روي عن علي عليه السلم انه قال قال تعالى رفيع الدرجات ذو العرش وفي العرش مثل ما خلق الله في البر والبحر وذلك قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه ه والعرش له اطلاقات في الشرع فيجوز ان يراد به في هذا الحديث العرش العلمي او الوجودي وعلى الاول ظاهر وعلى الثاني يمكن توجيه ما روي في التوحيد عن الباقر عليه السلم عليه وذلك حين سئل عن قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فقال (ع) تأويل ذلك ان الله تعالى اذا افني هذا الخلق وهذا العالم وسكن اهل الجنة الجنة واهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا اناث يعبدونه ويوحدونه وخلق لهم ارضا غير هذه الارض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم لعلك ترى ان الله تعالى انما خلق هذا العالم الواحد او ترى ان الله لم يخلق بشرا غيركم بلى والله لقد خلق الله الف الف عالم والف الف آدم انت في آخر تلك العوالم واولئك الادميين ه
اقول الف الف عالم والف الف آدم هذه اشارة الى القوس النزولي فان مراتبه من اول مرتبة من الامكان الراجح الى عالمنا هذا بهذا المقدار سواء اريد بها خصوص العدد المذكور ام مطلق الكثرة وسواء اريد بها ان الاجناس الف وتحت كل جنس الف نوع ام ان الانواع الف وتحت كل نوع الف شخص ام ان الاجناس او الانواع الف الف غير انواع كل جنس او افراد كل نوع والذي في نفسي ان المراد بالاعداد على اي فرض واحتمال ليس خصوص العدد بل كناية عن الكثرة بهذا العدد لمن لا يحتمل ذكر ما هو اكثر منه والا فمقتضي الفيض الذي ملأ السرمد بلا ابتداء غيره ولا انتهاء سواه ان الواقع اكثر لان الذي يجمعه العدد ويحصيه المقدار منقطع وفيض الله الصادر عن فعله لا من شيء غير متناه في الامكان وانما هو متناه وفان ومنقطع عند خالقه ومحدثه لا من شيء ولا لشيء الا ابانة لقدرته واظهارا لكرمه وجوده سبحان من خلق كل شيء لا من شيء واحاط بهم علما واحصيهم عددا ولا تنفر من قولي بلا ابتداء ولا انتهاء فتتوهم القول بقدم شيء غير الله تعالى فان فيضه لا غاية له ولا نهاية وهو حادث وخزائنه لا تفنى وهي حادثة مصنوعة وعطاياه لا تتناهى ومراتب الاعداد لا تتناهى والجنة ونعيمها لا تتناهى بل هذه النار التي تورون مثل نار السراج لا تتناهى ولو اجتمع جميع الخلق ابد الابدين لم تنقص ولا يتصور فيها نقص وهذه وامثالها من الأشياء التي لا تتناهى كلها مخلوقة محدثة لا من شيء متناهية عنده منقطعة في علمه فانية عند قدرته وقد احاط بكل شيء علما وقدرة فهو قبل ما لا يتناهى بما لا يتناهى وبعد ما لا يتناهى بما لا يتناهى وانما قلنا لا تتناهى في الامكان مثل نعيم اهل الجنة وطعامهم وشرابهم لا يتناهى ولا غاية له ولا انقطاع ابدا وتألم اهل النار وما اعد لهم من انواع العذاب لا يتناهى بمعنى انها لا تنقطع ابدا كلما ذهب تنعم او تألم اعاد مثله فهي باقية ابدا ببقاء مدد الله سبحانه وفيضه الصادر عن فعله تعالى الذي اقام به كل شيء فاذا سألتني وقلت لي ان كانت حادثة فهي مسبوقة بالعدم فهي منقطعة قلت لك العدم ليس شيئا يسبق وانما معنى كونها مسبوقة بالعدم ان ما قبلها كان ولم تكن هي فهي في رتبة ما قبلها معدومة فالعبارة الكاملة ان يقال الحادث هو المسبوق بغيره يعني وجد ما قبله قبل ان يوجد هو ثم وجد وان كان معناك وهذا المعنى واحدا في المأل الا ان في عبارتك توهم ان العدم شيء والا لم يحصل سبق وانت لا تريد انه شيء فكيف يسبق الحادث فهذا قوس النزول للمخلوق المشار اليه بقوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقوس الصعود والمرد الى الله تعالى كذلك فكيف يمكن لأحد من الخلق ان يحصي نعمة من نعم الله تعالى في مراتب نزولها وصعودها على نحو ما اشرنا اليه فافهم واعلم ان حديث الباقر عليه السلم يدل على ان هذا الخلق المجدد بعد استقرار اهل الجنة فيها واهل النار فيها لهم قنديل معلق بالعرش غير هذا القنديل وليسوا من الالف الف لانه عليه السلم قال انت في آخر تلك العوالم يعني الف الاف وهؤلاء المجددون بعد اولئك كلهم فهم خارجون عنهم وعالمهم خارج عن هذه العوالم لان القناديل المعلقة في العرش الف قنديل فعالمنا هذا بجميع سمواته وارضيه وما فيهن وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن في قنديل واحد وهو قنديل ابينا آدم ابي البشر عليه السلم وهذا العالم المجدد في قنديل آخر غير عالمنا وهو قوله وخلق لهم ارضا غير هذه الارض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم والحاصل مما نحن بصدده ان المكلف يعجز ان يحصي نعمة واحدة من نعم الله سبحانه كما نبهناك عليه ولا يمكن ان يثني عليه الا بما دل عليه من الثناء على نفسه في تعريفه اياهم نفسه وذلك الثناء يحصون طرفه الاسفل الذي بايديهم واما طرفه الاعلى الذي بيده تعالى فلا يحصيه احد غيره واما يده تعالى التي هي محمد وآله صلى الله عليه وآله فتحصي من ذلك الثناء من طرفه الاعلى ما شاءه تعالى مشية اكوان واما ما لم يشأ منه اكوانه وانما شاء امكانه فانهم عليهم السلم لا يحصونه ولا يحيطون به علما وهو قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء اي ولا يحيطون بشيء من علمه مما امكنه في السرمد والوجود الراجح من كينونيته التي هي الربوبية اذ مربوب الا بما شاء كونه من ذلك فانه تعالى جعلهم عليهم السلم اعضاد ذلك كما تقدم مرارا فهم يحيطون به والاحصاء تعداد الفواضل والفضائل التي هي الثناء في كل شيء حتى نفس المحصي واحصاؤه لها منها واذا اردت ان تعرف شيئا من ذلك فتأمل في كلام سيد الشهداء عليه السلم في دعاء عرفة وانا اورده لتعرف ما اشرنا لك قال عليه السلم في الثناء على الله تعالى فاي انعمك يا الهي احصي عددا او ذكرا ام اي عطاياك اقوم بها شكرا وهي يا رب اكثر من ان يحصيها العادون او يبلغ علما بها الحافظون ثم ما صرفت ودرأت عني اللهم من الضر والضراء اكثر مما ظهر لي من العافية والسراء وانا اشهدك يا الهي بحقيقة ايماني وعقد عزمات يقيني وخالص صريح توحيدي وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري واسارير صفحة جبيني وخرق مسارب نفسي وحذاريف مادة عرنيني ومسارب صماخ سمعي وما ضمت واطبقت عليه شفتاي وحركات لفظ لساني ومغرز حنك فمي وفكي ومنابت اضراسي وبلوع حبائل بارع عنقي ومساغ مطعمي ومشربي وحمالة ام رأسي وجمل حمائل حبل وتيني وما اشتمل عليه تامور صدري ونياط حجاب قلبي وافلاذ حواشي كبدي وما حوته شراشيف اضلاعي وحقاق مفاصلي واطراف اناملي وقبض عواملي ودمي وشعري وبشرى وعصبي وقصبي وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي وما انتسج على ذلك ايام رضاعي وما اقلت الارض مني ونومي ويقظتي وسكوني وحركتي وحركات ركوعي وسجودي ان لو حاولت واجتهدت مدي الاعصار والاحقاب لو عمرتها ان اؤدي شكر واحدة من انعمك وما استطعت ذلك الا بمنك الموجب علي شكرا آنفا جديدا وثناء طارفا عتيدا اجل ولو حرصت والعادون من انامك ان نحصي مدي انعامك سالفة وآنفة لما حصرناه عددا ولا احصيناه ابدا هيهات اني ذلك وانت المخبر عن نفسك في كتابك الناطق والنبأ الصادق وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها صدق كتابك اللهم وبلغت انبياؤك ورسلك الدعاء فتدبر ما ضمنه صلوات الله عليه من معددات لنعمه تعالى هي نعمه تعالى فهي تثني عليه بكل ما منها وبها ولها وبانفسها وتعدد نعمه تعالى وانما يعد كل شيء ما عنده من غيره ومن نفسه اذ ليس في الامكان الا آثار جوده وكرمه فاثني على نفسه بها واثنت عليه بانفسها وكل ما سوى محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله فمن اشعتهم واثر وجودهم فاثنى عز وجل عليهم بمن سواهم واثنى على نفسه تعالى بهم عليهم السلم وبمن سواهم بواسطتهم اي بكونهم ثناء عليهم عليهم السلم وذلك ما قاله بعض النحاة في اعراب البسملة قال والرحمن صفة لله والرحيم صفة للرحمن وكون الرحيم صفة لله انما هو لكونه صفة الصفة ولا ريب ان صفة الصفة صفة وهو الحق عندي وان كان خلاف المشهور هذا في ظاهر اللغة واما في باطنها فالمعبود سبحانه هو الحق المتصف بالالهية والمتصف بالرحمانية والمتصف بالرحيمية فصفة الرحيم الرحمة المكتوبة للمؤمنين وكان بالمؤمنين رحيما اي بشيعتهم (ع) رحيما وصفة الرحمن الرحمة التي وسعت كل شيء وهم صلى الله عليهم السلم رحمة الله التي وسعت كل شيء فوسعت اهل الحق من كل جنس بالفضل ووسعت اهل الباطل من كل جنس بالعدل وشيعتهم الرحمة المكتوبة فالاسماء الثلاثة في البسملة مسماها هو المعبود بالحق تبارك وتعالى والاسماء ثلاثة وهي اسماؤه اي اسماء افعاله يظهر مثاله بها في مراتبها واضرب لك مثلا تعرف به وان تقدم مكررا في مواضع متعددة زيد ذات واحدة بسيطة لا كثرة فيها بوجه والقائم والقاعد والمضطجع اسماؤه اي اسماء افعاله يظهر بها مثاله وهو القائم والقاعد والمضطجع وهي اي المعاني الفعلية اسماء به اي بالمثال وهو مثال بها لانها بدونه قيام وقعود واضطجاع وهي اركانه وهي معه قائم وقاعد ومضطجع فالمسمي واحد وهو زيد وهو آية المعبود بالحق عز وجل لأولي الالباب والقائم مثل الله في البسملة فانه اسم ومثال للظاهر بالالوهية عز وجل والقاعد مثل الرحمن فيها فانه اسم ومثال للظاهر بالرحمانية عز وجل والمضطجع مثل الرحيم فيها فانه اسم ومثال للظاهر بالرحيمية عز وجل فمثال زيد ظهر بالقائم في رتبة القيام لانه اسم لمحدث القيام وظهر بالقاعد في رتبة القعود لانه اسم لمحدث القعود وظهر بالمضطجع في رتبة الاضطجاع لانه اسم لمحدث الاضطجاع فالاسماء الثلاثة اسماء للظاهر بافعال هذه الاحداث الثلاثة والظاهر بافعالها مثال زيد ووجهه ومقامه في كل رتبة بما لها وهذه آيات الله في انفس الخلق فاقرأ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فالثناء على الله عز وجل لا يحصيه خلق وانما اثني على نفسه تعالى بهم وبما لهم فهم الثناء على الله تعالى وبهم الثناء على الله تعالى وهم المثنون على الله تعالى فالاول والثاني كما قال عليه السلم في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وقال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ايضا والثاني والثالث لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فاذا كان هذا مكانهم من الوجود فكيف يمكن احد سواهم يحصي ثناءهم قال عليه السلم كما ان الله لا يوصف كذلك النبي صلى الله عليه وآله لا يوصف وكما ان النبي صلى الله عليه وآله لا يوصف كذلك المؤمن لا يوصف ه والمراد بالمؤمن هنا على احتمال هو الامام عليه السلم وعلى احتمال آخر مطلق المؤمن والامام عليه السلم هنا اولى في الوصف الجميل من الحقير والجليل وقوله لا احصي ثناءكم معناه عند من عرفهم بما عرفوه اي بما وصفوا انفسهم له ان كل من عرف شيئا من ذلك فانما ادرك ما ارتسم في مشاعره من متجلى صفاتهم ولا يدرك حقيقة ما تجلى له من تلك الصفات ثم ان كل ما سواهم فاعلاه واكبره واوسعه احاطة شيعتهم عليهم السلم والشيعة انما هم اشعتهم خلقوا من انوارهم وجزء الشعاع لا يسع كل ظهور المنير بكل الشعاع وانما يسع مقداره ومقداره هو ما اوتي والذي اوتي الجزء من الشعاع هو رسم بعض صفة ما تجلى به المنير لا كل الصفة المتجلي بها ولا حقيقة المتجلى بها وثناؤهم عليهم السلم هو كل ما تجلوا به وحقيقته فثبت بالحكم البت والقطع المثبت ان كل ما سواهم لا يحصي ثناءهم من هذين الوجهين الاول كل الثناء والثاني حقيقة بعض ما احصاه من ثنائهم فافهم فقد جمعت لك اجوبة ما يرد عليك من الاحتمالات في هذه العبارات المكررة
وقوله عليه السلم : ولا ابلغ من المدح كنهكم معطوف على ما قبله عطف ترق وهو الانتقال من الاقوى الى الاضعف كما هو الاغلب لانه في سياق النفي وهو بيان للوجه الثاني الذي هو عدم ادراك كنه ما ادرك من الثناء اي لا احصي جميع ثنائكم وممادحكم ولا ابلغ اي ولا اصل الى كنه ما احصيته من ثنائكم وممادحكم وقوله (ع) كنهكم اي كنه ثنائكم وانما كان ادراك كنه الثناء اضعف من الاحاطة بالثناء لان الادراك لكنه ما احصاه اسهل في العادة من الاحصاء للكل او في الواقع اما في الاول فلأن الاحصاء له قرب من رتبته وهو مقتض في العادة لادراك الكنه غالبا واما في الثاني فلأن بعض ما يحصي من الفضائل الظاهرة التي يدرك كنهها واما الاحصاء فممتنع لكل من دونهم كما قال تعالى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب الا ان هذا الامتناع مبني على كون الاشياء على ما هي عليه لان ما هو دونهم من حيث هو دونهم لا يحصى ثناءهم واما في مشية الله سبحانه فيمكن ان يرفع من شاء الى ما شاء حتى يحصي ثناءهم والامكان في مشية الله لا يلزم منه الوقوع بل قد يكون باعتبار عدم وقوعه بحكم الممتنع وتسميه بالممتنع في الحكمة لانه معلوم لله تعالى وكل معلوم له تعالى فهو ممكن في مشيته مقدور له الا المعلوم بذاته الذي هو ذاته فهو معلوم له بلا اعتبار مغايرة ولا تعدد حيثية لا في نفس الامر ولا في الفرض والاحتمال والامكان فانه ح نفس العلم ونفس القدرة فلا يمكن فرض القدرة الا على مقدور غير القدرة ولو بالفرض وهو محال هنا وقول المتكلمين ان العلم اعم من القدرة لانه يتعلق بالممكن والواجب والممتنع والقدرة انما تتعلق بالممكن خاصة جهل بعموم القدرة وخصوص العلم لان العلم هو القدرة وانما يختلفان ويتعددان باعتبار المفهوم واما باعتبار المصداق فهو واحد العلم نفس القدرة في نفس الامر وانما تعددا واختلفا باعتبار اختلاف متعلقهما وجهته من حيث الفهم والادراك والمفهومان حادثان وهما عنوان المعنى القديم الذي هو واحد بكل اعتبار جل وعلا فانا ان اردنا العلم القديم فهو الله سبحانه وان اردنا العلم الحادث المرتبط بالمعلوم فهو المعلوم او صفة المعلوم والاول غير مرتبط بشيء لان ذاته تعالى غير مرتبط بشيء والاول ليس هو المعلوم ولا صفة المعلوم لان ذاته تعالى ليس هو المعلوم الحادث ولا صفته واذا قلت هو المعلوم القديم وجب الاتحاد وامتنع التعدد والكثرة ولو باعتبار الفرض والاحتمال والامكان والثاني اي العلم الحادث مرتبط بالمعلوم لانه اما نفس المعلوم على قول او صفته على آخر واذا اردنا القدرة القديمة فهو الله سبحانه وان اردنا الحادثة فهي المتعلقة بالحادث والممتنع ليس شيئا فكما لا يكون مقدورا لا يكون معلوما لانه لو كان معلوما لكان اما نفس العلم فلا يكون ممتنعا لان العلم موجود واما موصوفا والعلم صفته على القول الاخر بان العلم صفة المعلوم ويجب ان يكون على هذا الممتنع موجودا لان العلم صفته وهي موجودة ولا يجوز في العقول ان تكون الصفة موجودة والموصوف ممتنع الوجود فان قلت انا نتصور شريك الباري سبحانه وهو معنى العلم قلت هذا غلط فاحش لان المتصور انما هو شيء موجود تسمونه باوهامكم شريك الباري سبحانه ومصداقه انما هو اللات والعزى وهبل وامثالها مثلا تبعا بتفكركم في احوال متخذيها اربابا لهم حيث سموها شركاء فنظرتم بخيالاتكم في احوالهم فانتزعت خيالاتكم صورا متخيلة من احوالهم سميتموها شركاء عند الرد عليهم وابطال دعوتهم وتلك التي في اوهامكم صور مخلوقة لكم اي ان الله سبحانه احدثها بمقتضي اوهامكم فانتم الذين خلقتموها باوهامكم كما قال تعالى وتخلقون افكا وايضا هذه التي في اوهامكم وتزعمون انها صورة شريك الباري سبحانه هل هي ذات قائمة في اوهامكم بنفسها او ظل فان كانت ذاتا قائمة بنفسها فهي موجودة محدثة متحيزة في اوهامكم وليست ممتنعة وان كانت ظلا فالظل انما يوجد اذا كان الشاخص موجودا ويلزم ان يكون ذو الظل الذي هو عندكم شريك الباري سبحانه موجودا لا انه ممتنع واذا كان موجودا لزم تجهيل الواجب تعالى لانه سبحانه قال قل اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض فاخبر عز وجل بانه لا يعلم له شريكا في السموات ولا في الارض فنفي علمه تعالى بشريكه وانتم تقولون انا نعلم له شريكا لانكم تقولون انا نتصوره والتصور هو العلم ما لكم كيف تحكمون فدعوى عموم العلم القديم وخصوص القدرة القديمة وهما معا نفس الذات وذلك مستلزم لا تحادهما موجبة لجعل الشيء الواحد اعم من نفسه او لمغايرتهما للذات ومغايرة احدهما للاخر وذلك كفر وشرك نعم لو اريد بتعلق القدرة التعلق الكوني خاصة امكن فرض عموم تعلق العلم بمطلق المعلومات وخصوص تعلق القدرة بالمقدورات الكونية لا بمطلق المقدورات فانها ح مساوية للعلم لان المعلومات منها كونية ومنها امكانية وهي بعينها مطلق المقدورات فان منها كونية ومنها امكانية وقولنا قبل واما في مشية الله فيمكن ان يرفع من شاء الى ما شاء حتى يحصي ثناءهم فيه سؤال يحسن التنبيه عليه لانه من تمام البيان اذ ربما يتنبه الناظر في هذا الكلام للشبهة ولا يتمكن من الجواب سألني بعض المفكرين هل يمكن ايجاد مثل محمد صلى الله عليه وآله وهل يمكن ايجاد شخص بشرى افضل منه وقبله صلى الله عليه وآله فاجبته بكلام مجمل غير مبين يعني يحتاج في فهمه لمن ينظر فيه الى البيان قلت قد خلق الله سبحانه مثل محمد صلى الله عليه وآله وهو علي بن ابي طالب عليه السلم فانه مثل محمد صلى الله عليه وآله واليه الاشارة بتأويل قوله تعالى ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها فالايات محمد وآله صلى الله عليه وآله فحين مات محمد صلى الله عليه وآله اتى بعلي وهو مثله وحين مات الحسن العسكري اتى بالحجة عليه السلم وهو خير منه لانه افضل الثمانية على ما يظهر من رواياتهم فقد خلق الله تعالى مثل محمد صلى الله عليه وآله وهو علي عليه السلم لان المثل يصدق بالمساواة في كل شيء تراد في المقام وقد لا يلتفت الى ما يختص واحد في نفسه به اذ لا يلحظ عند المقايسة وقد يصدق المثل للشيء نفسه وذلك لان الشيء يقال انه خلق على صورته اي على شكله ومثله يعني على ما هو عليه وانما قلنا ذلك لما برهن عليه ودل عليه الدليل العقلي والنقلي ان اول ما فاض من فعل الله الحقيقة المحمدية وفلك الولاية بل هما للمشية كالانكسار للكسر يعني لا يتحقق الانكسار الا بالكسر ولا يظهر الكسر في الوجود الكوني الا بالانكسار فاحدهما متقوم بالاخر كذلك فعل الله كالكسر والحقيقة المحمدية وفلك الولاية كالانكسار وهذا في السرمد وهو اي الفعل المحدث بنفسه وليس قبله قبل اذ كل قبلية ابتدائية فهي حادثة بالفعل فالفعل لا يوصف بالقبلية الحادثة والسرمد هو وقت الفعل واما قوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله العقل فالمراد به اول ما خلق الله من الوجود المقيد وهو عالم الجبروت الذي وقته الدهر والفعل والحقيقة المحمدية وفلك الولاية من الوجود المطلق وهو الوجود الحادث بنفسه اي خلقه الله بنفسه وهو قوله عليه السلم خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية قال الرضا عليه السلم لعمران الصابي والمشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد وقد ثبت بالدليل العقلي والنقلي ان ما كان سابقا في الوجود الاصلي فهو افضل واشرف فالحقيقة المحمدية افضل من العقل الكلي لانها قبله لانها في السرمد والوجود المطلق الراجح واما العقل فهو في الدهر والوجود الجائز المقيد فاذا عرفت هذا ظهر لك ان الحقيقة المحمدية قد ملأت الوجود المطلق الذي ليس وراءه امكان وانما وراءه وجوب فالحادث الممكن غير الحقيقة المحمدية وفلك الولاية ليس له مكان هناك اما قبله فليس قبل الوجود الراجح الا الوجود الحق الواجب واما معه فليس ثم فراغ لغيره حتى يكون فيه ولا يدخل فيه الا ما كان فوقه واما بعده فله مكان تحته ويلزم ان الحال فيه انقص لان ما فوقه اعلى منه وافضل فيظهر من هذا التقرير انه لا يمكن ايجاد شخص بشرى افضل منه او قبله لا في دائرة العقل لان كل ما فيها تحته وهو فوقها والاعلى اشرف ولا فيما فوقها لان ما فوقها ليس الا الحقيقة المحمدية وليس فوق الحقيقة المحمدية رتبة لشيء يصدر عن مشية الله سبحانه فلو فرض وجود شخص هناك لم يكن الا هذا صلى الله عليه وآله نعم قد خلق الله سبحانه مثله وافضل منه في دائرة الدعوى والباطل المسماة بدائرة الجهل ومعنى هذا ان رؤس الشياطين واهل الضلالة واصحاب الكبر والحسد والدعوى تميل ماهياتهم المظلمة بما تقتضيه من صفاتها الخبيثة بسبب دواعي فقرها وعدمية اصلها المجتث الى دعوى تلك الرتب العالية والاستعلاء على اصحابها عليهم السلم فيخلق الله بمقتضى تلك الاوهام المنكوسة الخبيثة امثالا وصورا قد كتبها قلم الجهل الكلي بمدد الخذلان في الثرى وما تحته تجد انفسها مثلا للحقيقة المحمدية واعلى منها وافضل وقبلها وليس لشيء من ذلك اصل كما انه سبحانه وتعالى احدث في اوهام المشركين حين صنعوا حجرا على صورة شخص من نوعهم وقالوا هذا الهنا وهو شريك اله الخلق سبحانه فاحدث الله عز وجل من تلك الدعاوي والميولات صورا وامثالا لما يتوهمونه في اوهامهم بمقتضاها وهذا معنى قولنا قد خلق الله سبحانه مثله وافضل منه في دائرة الدعوى والباطل يعني ان في الوجود الظلماني العرضي شيئا يدعيه اصحاب البعد من الخير بانه مثل محمد صلى الله عليه وآله وافضل منه وقبله فان قلت اذا كان باطلا فلم اقررتموهم على تلك التسمية الباطلة قلت كما قال الله سبحانه الشمس والقمر بحسبان حيث قال اصحاب امامي الضلالة فلان شمس هذه الامة وفلان قمرها وكما قال تعالى في حق ابي جهل ذق انك انت العزيز الكريم استهزاء به لانه كان يقول انا العزيز الكريم فان قلت كيف يجوز ان يكون الله سبحانه يخلق صورا للباطل تكون سببا لاضلالهم وغوايتهم قلت انه سبحانه خلق الاشياء واعطى كل ذي حق حقه فخلق المرءاة وجعلها قابلة لان تحكي ما قابلها فتنطبع فيها صورته فهو جعلها كذلك فهي بجعله على حسب قابليتها تقتضي ان تنتقش فيها صورة المقابل وهو سبحانه جعل صورة المقابل تنتقش في المرءاة وهو ينقش الصورة بكونها قابلة لان تنتقش في المرءاة بكونها قابلة لان تنتقش فيها الصورة فالله عز وجل فعل كل شيء بقابليته للفعل فاذا قابلت المرءاة انسانا لم يتركها بغير نقش صورة ولم ينقش فيها صورة طير بل ينقش فيها صورة انسان لانه هو المقابل وهو تعالى ينقش الصورة في المرءاة بذي الصورة ولو لم ينقش فيها صورة لكان تعالى قد منع عطيته لانه خلق المرءاة دالة ولو نقش فيها غير صورة المقابل لكان قد منع عطيته ايضا وهي حكم المقابلة ولكانت المنقوشة اما صورة للفعل واما لغيره واما ليست صورة والكل باطل فكذلك الخيال وما يرتسم فيه فان الله سبحانه جعله مرءاة وحكمه حكم المرءاة في كل شيء ولا عجب في ذلك فانه تعالى جعل الرحم عاقدا للنطفة ومحلا لحرث النسل فاذا وقعت النطفة الحرام خلق منها ولد الزنا ولا يجوز في الحكمة ان يمنعه ما اعطاه مما خلقه لاجله من كونه عاقدا للنطفة الحلال فلو لم يخلق به النطفة الحرام ويخلق به النطفة الحلال لما كان يخلق بالاسباب والمقتضيات ولو كان كذلك اتحد المخلوق وارتفع الثواب والعقاب للزوم الجبر فلا يفعل سبحانه الا بالقابلية كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف يعني ما نفهم ما تقول لان الله سبحانه خلقنا هكذا فرد الله عليهم وقال بل طبع الله عليها بكفرهم يعني انما طبع على قلوبهم بكفرهم ومثال ذلك ايضا انه تعالى خلق الحديد يقطع لمنافع الخلق فاذا ذبح عمرو زيدا بالسيف ظلما فلا بد ان يجري القدر باحداث الذبح فلو لم يحدث الذبح لزم منع عطيته تعالى للحديد بانه يقطع لان القطع من جملة منافع الناس بالحديد التي هي علة انزاله والامتنان به ولزم عدم تمكن عمرو من المعصية والارادة بدون وقوع المراد لا تكفي في التمكن لا سيما في هذه الامة المرحومة واذا لم يتمكن من المعصية لم يصح منه وقوع الطاعة لان الطاعة انما تصح من العبد المكلف اذا كان قادرا على تركها فيفعلها مختارا متمكنا من تركها واذا لم يتمكن من تركها لم يتمكن منها واذا لم يتمكن منها لم يحسن تكليفه لعدم الفائدة بدون ذلك واذا لم يحسن تكليفه لم يحسن ايجاده فكان من شروط الايجاد التمكن من المعصية وان كان انما وجد للطاعة والتمكن من المعصية انما يكون اذا كان مختارا وانما يكون مختارا اذا خلق بمقتضى قابليته فاذا وقفت على هذه الاسرار المكررة في هذه العبارات فهمت قولنا ان الله سبحانه خلق في دائرة الجهل الكلي والدعوى المجتثة مثل محمد صلى الله عليه وآله وافضل منه وقبله في الرتبة وكل ذلك في اوهام اولئك الجاهلين المدعين خلق ذلك المثال الباطل بمقتضي اوهامهم وميلها كما تقدم فعلى ما قررنا ان ما فرضناه من امكان ايجاد من يحصي ثناءهم عليهم السلم غيرهم نقول اما ايجاد شخص واحد فهو وان كان ممكنا لكنه غير واقع يعني لم يوجد شخص واحد غيرهم يحصي ثناءهم اما ايجاد كثيرين من اشخاص واصناف وانواع واجناس وغير ذلك من جواهر واعراض معان واعيان كلية وجزئية مجردة ومادية سرمدية ودهرية وزمانية ركنية وبرزخية فهي ممكنة وواقعة وهي الالواح والكتب ونعني بها جميع المكونات غيرهم فانها تحصى جميع ثنائهم (ع) وذلك جميعها لا بعض منها فان البعض انما يعد ما فيه من ثنائهم وذلك الذي فيه هو الامانة فكل شيء يثني عليهم بما اودعه الله سبحانه وائتمنه عليه من جميل صفاتهم وممادحهم ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها يسبح الله باسمائه جميع خلقه ومرادنا بجميع ثنائهم الممادح الصفاتية الغير الذاتية سواء كانت فعلية ام نسبية ام سببية ام غير ذلك يعني كل ما هو غير الذاتية اما الذاتية فلا يحصيها بعد الله سبحانه الا هم عليهم السلم ويمكن ان يراد بالكنه في قوله ولا ابلغ من المدح كنهكم الكنه الذاتي فيكون المعنى لا احصي ثناءكم اي ممادحكم وفضائلكم ولا ابلغ اي لا اصل او لا احيط او لا ادرك اي لا اصل الى حقيقتكم او لا احيط بها علما او لا ادركها ومن في قوله من المدح للابتداء اي ابتدئ في طلب معرفة كنهكم واحصائها من المدح ولم يذكر الانتهاء لعدم الغاية للطالب في مطلوبه وهو على الوجه الاول ظاهر وهو كنه مدحكم وثنائها بتقدير مضاف واما على الوجه الثاني وهو عدم التقدير اي لا ابلغ من المدح حقيقتكم فيراد من المدح الوصف والتبيين اطلق عليه لعدم انفكاكه عن الثناء بل لا عبارة له الا بذكر الثناء والفضائل فلا بد منه وان لم يقصد ويجوز ان تكون من للتبيين وهو على الاول ايضا ظاهر اي لا ابلغ كنه وصفكم وثنائكم الذي هو المدح واما على الثاني فلا يصح الا بما يؤل الى الاول الا على وجه بعيد من افهام اكثر الزائرين وان كان كما قال تعالى انهم يرونه بعيدا ونريه قريبا بان يأول كنههم على معنى الصفة العليا لله سبحانه بمعنى ان حقيقتهم عالم فاحببت ان اعرف وهو غاية الثناء على الله تعالى والحمد له اذ ليس وراء ذلك شيء في الامكان وهو قول علي عليه السلم ليس لله آية اكبر مني ولا نبأ اعظم مني فحقيقتهم الثناء على الله بما اثني به على نفسه مما ابتدع من الثناء وهذا الثناء محدث يتعالى عز وجل عنه وانما هو الثناء على نفسه لخلقه ليعرفوه فمحمد وآله صلى الله عليه وآله اولى الخلق به فهو لهم على نحو ما تقدم في قولنا انه تعالى خلقهم له وخلق ما سواهم لهم ومعنى انه خلقهم انهم من جهته له وحده تعالى ومن جهة ما سواه خلقهم لانفسهم فهم لديه عبيد ارقاء لا يمكن ان يتحرروا ومن جهة الخلق هم احرار ابرار لا يجري عليهم الاسترقاق بل وهبهم انفسهم في خلقه واخذهم من انفسهم له سبحانه قال تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم فهو صلى الله عليه وآله اول السبع والقرءان العظيم فافهم ويجوز ان يكون من في قوله من المدح بمعنى في كما في قوله تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض اي في الارض وقوله تعالى اذا نودي للصلوة من يوم الجمعة اي في يوم الجمعة والمعنى لا ابلغ في المدح بان يكون المدح ظرفا للبلوغ والاحاطة والادراك فان اريد بالمدح ما يتعلق بالقلب من الاعتقادات كان ما في الظرف مما به البلوغ والاحاطة والادراك من عالم الاسرار مما لا طريق الى ادراكه الا بالفؤاد لان القلب ظرفه فان كانت هذه القرية مدينة حصينة تعلق بها الجعل الرباني واليه الاشارة بقوله تعالى ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم والا فبنسبة ما يحصن منها يقيم الصلوة وبنسبة اقامته الصلوة يحصل البلوغ له وان اريد بالمدح ما يتعلق باللسان من الاقوال كان ما في الظرف مما به البلوغ والاحاطة والادراك من عالم الانوار وهي المعاني الحقة المأثورة عن اهل الحق عليهم السلم من الكتاب والسنة ودليل العقل المؤيد بالكتاب والسنة اي يشهدان له بالصدق فانهما شاهدا عدل قد قبل الله شهادتهما فاذا شهدا اجاز الله شهادتهما وذلك ذخائر اليقين وصفايا الايمان من كنوز الاستقامة كما اشار اليه سبحانه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وان اريد بالمدح ما يتعلق بالاركان من الاعمال كان لازم ما في الظرف مما به البلوغ والاحاطة والادراك من عالم الاشباح من الابدان التي لا ارواح لها ومن الهياكل النورانية التي لها ارواح وهي الاظلة والذر وقد يطلق على ورق الاس اي الارواح وهي مراتب العلوم وما قبلها مراتب اليقين والايمان وما قبل مراتب اليقين والايمان مراتب المعارف والحقائق الحقة وانما قلت هنا لازم ما في الظرف لان الاعمال الموافقة لامتثال الامر واجتناب النهي هي الزراعة الصالحة بالبذر الصالح في الارض الصالحة في الفصل الصالح التي تثمر العلوم المتحققة ثم تثمر بالعلوم المتحققة الايمان الثابت واليقين القار ثم يثمر بالعلوم المتحققة وبالايمان المستقيم وباليقين الثابت المعارف الحقة ويجوز ان تكون من للتعليل والسببية وبمعنى الباء للاستعانة مثالهما قوله تعالى وتريهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي فهي في من الذل للتعليل والسببية اي لاجل الذل وسبب استيلائه على جميع مشاعرهم وقواهم حتى خشعوا ينظرون من طرف خفي وفي من طرف خفي للاستعانة بمعنى الباء اي استعانوا على التمكن من اضعف النظر من طرف خفي اي بطرف ضعيف الحركة لاستيلاء الذل على حواسهم الباطنة والظاهرة فعلى التعليل والسببية يكون المعنى من اجل المدح وبسببه اي من اجل طلب مدحكم بما تستحقونه من الثناء لا ابلغ كنه ثنائكم على تقدير المضاف اي احصاء ممادحكم وفضائلكم يعني لا ابلغ حقيقة ممادحكم وفضائلكم لا في الاحصاء لان كل من سواهم ثناء عليهم ومدح لهم وكل شيء انما يحصي نفسه وما له من الافعال والنسب والاوضاع ولا في المعنى لاني لا احيط بمعاني كل من سواهم ومعاني ما لمن سواهم من الافعال والنسب والاوضاع وعلى عدم تقدير المضاف فبطريق اولى لان من يقصر بمبلغ جهده عن بلوغ احصاء الاثار والصفات وعن معاني بعضها ينحط عن بلوغ الحقيقة واكتناهها بطريق اولى وقول بعض الصوفية بان الله سبحانه تستحيل الاحاطة بصفاته لعدم تناهيها واما ذاته فيدركها الواصلون ويتأولون مثل قوله تعالى من كان يرجو لقاء الله فان اجل الله لات وقوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وغير ذلك هذيان وشرك وكفر لان الصفات ان كانت ذاتية فهي اما مساوية للذات كما في القديم تعالى واما جزء الذات كالناطق للانسان والجزء تحت الذات وان كانت فعلية فهي شأن من شؤن الذات فكل ما تصدق عليه الصفة باي اعتبار فهو لا يزيد عليها فافهم وعلى الاستعانة يكون المعنى لا احصي عدد ممادحكم وفضائلكم مع استعانتي على الاحصاء وادراك معانيها من المدح اي بالمدح يعني مع استعانتي على ذلك بما وقفت عليه مما ورد عنكم في بيان فضائلكم مما عرفتم به من جهل قدركم ومقامكم ومنزلتكم عند الله سبحانه وبما علمني الله بكم من ثنائكم وعظم شأنكم ومع استعانتي ايضا بذلك لا ابلغ معرفة كنهكم اذ لم يصل الى من ذلك الا جزء من اظلة اشعتكم ولهذا لا ابلغ بجميع مشاعري مما ذكرت في حمل من في من المدح على معنى في الظرفية وبما اثمرت في الزراعة الصالحة اعني القاء البذر الصالح في الارض الصالحة في الفصل الصالح على نحو ما سبق مما اشرنا اليه في التمثيل لما يلزم الاعمال من المعارف الحقة والعلوم القطعية فانها وان كانت تصل الى بعض اسرارهم لكنها لما كانت ذواتها من اثار اجاباتهم لربهم حين اجرى فيهم حكم الامتثال فلا يمكن في ذواتها الادراك والاحاطة لان الادراك انما يمكن للمساوي في الرتبة وللاعلي واما النازل فلا يدرك الكنه ومن اجل ذلك قال صلى الله عليه وآله يا علي ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا ه فلرسول الله صلى الله عليه وآله رتبة في معرفة الله تعالى لا يصل اليها احد من الخلق وعلي عليه السلم لم يصل اليها لانه لم يكن مساويا له صلى الله عليه وآله بل مقامه دونه وتحت تلك الرتبة رتبة يصل اليها علي عليه السلم فيجتمع فيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهي مقام ما عرف الله الا انا وانت نجتمع في معرفة الله تعالى في رتبة لا يصل اليها الا انا وانت وهي مقام ما عرفك الا الله وانا يعني لعلي عليه السلم رتبة في الوجود الكوني لم يشاركه فيها الا رسول الله عليه وآله السلام فصح بما اختص به علي عليه السلم من دون ابنه الحسن عليه السلم او فاطمة عليها السلم على احد القولين ان يقول ما عرف الله الا انا وانت ولا عرفني الا الله وانت ولا عرفك الا الله وانا فاذا صدق بهذا الحرف الذي تفرد به عليه السلم انه لا يعرفك الا الله وانا صح ان كل من سواهم لا يعرفهم لان عليا عليه السلم زاد عليهم صلى الله عليهم معرفة بحرف واحد وهم عليهم السلم زادوا على الخلق معرفة بما لا يتناهى في رتبة الخلق
هنا فائدة في الاشارة الى الحرف الذي يتفاضلون به وقدر مدته اما الحرف فهو في تقدم الذوات بعضها على بعض كما تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلم وعلي على الحسن والحسن على الحسين والحسين على القائم والقائم على الائمة الثمانية وهم على فاطمة على ما ظهر لي صلى الله عليهم اجمعين فتقدم المتقدم على المتأخر حرف من العلم والوجود الذاتي فسبقه حرف وجودي ظهر به الحق تعالى فيه ظهورا لم يشاركه المتأخر فهو زائد بما اختص به من العلم بالله تعالى وهو ظهوره به فيه قبل وجود المتأخر وهكذا فهذا هو الحرف الذي نشير اليه لا انه شيء يرد عليه بعد تمامه ولم يصل الى من بعده من الائمة عليهم السلم لقيام الدليل عقلا ونقلا انه لا يصل الى سابقهم شيء الا ويجب عليه ان يؤديه الى اللاحق وهو تأويل قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها كما في الكافي باسناده الى احمد بن عمر قال سألت الرضا عليه السلم عن قول الله عز وجل ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها قال هم الائمة عليهم السلم من آل محمد صلى الله عليه وآله ان يؤدي الامانة الى من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه وعن المعلي بن خنيس قال سألت ابا عبد الله عليه السلم عن قول الله عز وجل ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها قال امر الله الامام الاول ان يدفع الى الامام الذي بعده كل شيء ه الى غير ذلك فثبت ان الامام الاول لو كانت زيادته التي بها يفضل على من بعده مما يرد عليه بعد تمامه ولم تصل الى الثاني لكان الثاني ناقصا ولكنها كانت رتبة ذاته اذا سبقت في الوجود الكوني واما قدر مدة ذلك الحرف فلم نقف على تصريح خاص عنهم عليهم السلم بذلك وانما ورد عنهم ان بعضهم اعلم من بعض كما تدل عليه رواية مختصر بصائر سعد الاشعري للحسن بن سليمن الحلي بسنده الى ايوب بن الحر عن ابي عبد الله عليه السلم قال قلنا له الائمة بعضهم اعلم من بعض فقال نعم وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرءان واحد ه نعم قد يستفاد ذلك من بعض الروايات مثل ما رواه جابر بن عبد الله في تفسير قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتى وصل الى جلال العظمة في ثمانين الف سنة ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور علي فكان نوري محيطا بالعظمة ونور علي محيطا بالقدرة الحديث وهو طويل فان قوله (ص) ثمانين الف سنة يعني من سني الدنيا يستفاد منه انه مقدار ما سبق به عليا صلى الله عليهما وآلهما والعظمة مصدر النبوة والقدرة مصدر الولاية فكانت لمحمد صلى الله عليه وآله وجعلها لعلي عليه السلم كما يظهر من الاخبار وهي كثيرة مثل قوله (ص) اعطيت ثلاثا وشاركني علي فيها اعطيت لواء الحمد وعلي حامله واعطيت الجنة والنار وعلي قسيمها واعطيت الكوثر وعلي ساقيه الحديث واعلم ان السبق المشار اليه في حق اهل العصمة عليهم السلم بينهم وبين الخلائق مختلف في الروايات ففي بعضها اربعونالف سنة وفي بعضها اربعة عشرالف سنة وفي بعضها ثمانية عشر الفا وغير ذلك من الاختلافات المتكثرة وهي محمولة على اختلاف المراتب والمقامات
وقوله عليه السلم : ومن الوصف قدركم مثل ما قبله في المعنى ظاهرا وقد يراد من العطف التفسير والبيان وقد يراد منه غير ذلك لان الاصل فيه اقتضاء المغايرة فيراد من الوصف ذكر احوال الموصوف وتعدادها او الكشف عن معانيها سواء تضمنت المدح ام غيره هذا هو المراد من الوصف الا ان المقام يقتضي ذكر ما يتضمن المدح والثناء وتعداد الفضائل والفواضل وهؤلاء صلى الله عليهم لما كانوا اول فائض مخترع من الفعل الالهي كانوا في اصل تكونهم على اكمل ما يمكن في باب الايجاد والاختراع ومن كان كذلك لا ينفك ذكره ووصفه عن الثناء والمدح لانه على اي اعتبار فهو منبع الكمالات فمن ذكر احوالهم باي اعتبار فهو يثني عليهم وقولي فائض مخترع لبيان ما هو الواقع لا ان الفائض منه مخترع ومنه غير مخترع اذ ليس شيء كامن فيظهر وانما يظهر ما هو مخترع لم يكن قبل الاختراع شيئا ومعنى ظهوره وجوده والقدر هو مبلغ الشيء والعظم وقياس الشيء بالشيء والمراد اني لا ابلغ من الوصف مبلغكم من الوجود الكوني وقربكم من المبدأ ولا عظمكم في الواقع ولا نسبتكم من الخلق والكلام في من في قوله من الوصف كالكلام في من المدح بجميع ما ذكر هناك فلا حاجة الى اعادته وكذلك الكلام في قدركم باعتبار ملاحظة الكنه والذات وباعتبار تقدير مضاف محذوف وما يترتب على ذلك من المعاني كالكلام على قوله كنهكم كما تقدم
وقوله عليه السلم : وانتم نور الاخيار المراد بالاخيار على الظاهر الانبياء والرسل ومن يقرب منهم كاوصيائهم من اهل العصمة كما قال تعالى واذكر عبادنا ابراهيم واسحق ويعقوب اولي الايدي والابصار انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار واذكر اسمعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار ويجوز ان يراد بالاخيار ما هو اعم من اهل العصمة فان اريد الاول كان التنوير او ظهورهم عليهم السلم بعقول الانبياء والرسل واوصيائهم وبارواحهم وانفسهم لهم بغير واسطة وان طالت المدة بين ذواتهم صلوات الله عليهم وبين ظهورهم بعقول الانبياء والرسل واوصيائهم وبارواحهم وانفسهم فقد اشار بعض اخبارهم انها الف دهر وبعضها بغير ذلك اذ ليس بينهم وبين الانبياء والرسل خلق كما ليس بين المنير وبين الشعاع شيء وان طالت المسافة بل قد يقال بعدم التناهي في الوجود الكوني لان اقرب اجزاء الشعاع الى المنير لا يكون بشدة قربه منيرا اي جزءا من المنير ابدا فليس بينهما فصل ولا وصل ابدا وهذا آية ما اشرنا لك من هذا السر المستور فبما اشرنا لك من البيان يظهر لك ان فهمت المراد انه لا واسطة في ذلك وان اريد الثاني كان التنوير او ظهورهم عليهم السلم لمن ظهروا له بما ظهروا به بواسطة او باكثر من ذلك
ثم اعلم ان قوله نور الاخيار ظاهره انهم عليهم السلم نفس نور الاخيار فان اريد الحقيقة لزم على هذا الظاهر الحلول او الاتحاد ويلزم على الوجهين المساواة ومساواتهم لغيرهم او مساواة غيرهم لهم لم تصح اذ ليس احد في رتبتهم وفي التأويل ورد في تفسير قوله تعالى قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين ان الضمير في فكبكبوا فيها يعود الى بني امية والغاوون بنو العباس كما في تفسير القمي ومعلوم انهم ما وضعوا اصناما يعبدونها من دون الله وانما اتخذوا رجالا ائمة من دون اولياء الله الذين امرهم الله بالائتمام بهم فاطاعوهم في معصية الله فقد سووا بهم اولياء الله ومن سوى باولياء الله غيرهم فقد سوى ذلك الغير بالله رب العالمين لان اولياء الله عليهم السلم امرهم امر الله ونهيهم نهي الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله لانهم لا يعملون الا بامر الله ولا يقولون الا عن الله من ان الله سبحانه امرهم ونهاهم وامر جميع خلقه بطاعتهم فمن سوى بهم غيرهم فقد سوى الغير بالله رب العالمين وانما قال هنا رب العالمين ولم يقل بالله للاشارة الى ان محمدا واهل بيته عليهم السلم هم ملوك الاخرة ومالكوها من عطاء الله وفضله عليهم كما هم ملوك الدنيا ومالكوها كما قال تعالى ان الارض يرثها عبادي الصالحون وقال ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وذلك لان اياب الخلق اليهم وحسابهم عليهم فهم القوام بامر الخلق عن الله تعالى فقال اذ نسويكم برب العالمين للتنبيه بذكر الربوبية في هذا المقام على انهم المدبرون لأحوال الخلق يوم القيمة كما امرهم الله تعالى لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فلو اريد بقوله (ع) نور الاخيار الحقيقة لزم ما ذكر وما روي في قوله تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم بمعنى ان الانفس هم الائمة عليهم السلم لانهم ذوات الذوات كما روي عن علي عليه السلم فمن نحو ما نحن بصدده واذا اريد المجاز كان معناه احد الوجهين اللذين ذكرناهما اما ان المعنى انهم المنورون للاخيار بمعنى ان حقائق الاخيار من النبيين والمرسلين والاوصياء والصالحين مطارح لاشعة اشراقاتهم ومرايا تنطبع فيها صور امثالهم فانوار جميع الخلائق من اشعة انوارهم مستضيئة كاستضاءة وجه الجدار الايمن والمرءاة بشعاع الشمس عند مقابلتها فانوار حقائقهم ما حكت عن صور تلك الانوار وما انطبعت فيها من هياكل تلك الشئون والاقدار فهم بهذا المعنى انوار الاخيار على المجاز لان حقيقة نور الاخيار انما هي مثال ظهور انوارهم على مرايا ذوات الخلق فمعنى انتم نور الاخيار مثال ظهور انواركم على مرايا ذوات الاخيار نورهم وقد قلت في قصيدة نظمتها في مدح علي وفاطمة والاحد عشر من نسلهما عليهم السلم افضل الصلوة وازكى السلام في ذكر القائم عليه السلم وان الانبياء عليهم السلم بشروا به وان انوارهم من اشعة انواره :
فنوره وحيهم ووجهه قبلتهم فحيث صلوا وصلوا
اي فحيث توجهوا الى وجهه عليه السلم ودعوا وصلوا الى ما طلبوا من ربهم واما قولي فنوره وحيهم فمعناه ان الوحي الذي نزلت عليهم به الملائكة من الله سبحانه فهو شعاع نوره عليه السلم وذلك كما في قوله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا والمراد به الملك الذي هو من امر الله الذي يكون مع محمد وآله صلى الله عليه وآله بكله فانه منذ هبط عليهم ما صعد قط وهكذا يكون مع جميع الانبياء والرسل عليهم السلم بوجه من وجوهه ورأس من رؤسه فانه ما هبط على مخلوق ابدا الا على محمد واهل بيته الطيبين صلى الله عليه وعليهم واما ما كان منه قبلهم عليهم السلم من اول ما اكل الباكورة من حدائقهم الى ان خرجوا فانما هو تنزلاته حين خلقه الله تعالى فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل فالادبار الاعظم والاقبال الاعز الاجل الاكرم ما كان بهم صلى الله عليهم ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا اي جعلنا ذلك الروح الذي هو من امرنا نورا اي كتابا منيرا وهو القرءان نهدي به من نشاء من عبادنا والمعنى المراد ان الوجود المقيد اول ما ظهر منه في الوجود الكوني معنى ولفظ متساوقان في الظهور يعني كل معنى فله اسم فهما مبني كل منهما على صاحبه فالمعنى هو الملك المذكور الذي هو القلم بعبارة والعقل بعبارة والروح من امر الله بعبارة وروح القدس باخرى واللفظ هو القرءان ولهذا وحد الضمير العائد اليه وثني الصفة فقال فيه من حيث هو معنى روحا من امرنا ومن حيث لفظ نهدي به من نشاء من عبادنا فافهم وقولي سابقا كان التنوير او ظهورهم عليهم السلم بعقول الانبياء والرسل واوصيائهم وبارواحهم وانفسهم لهم بغير واسطة مرادي منه بالتنوير ما اشرت اليه واما قولي او ظهورهم عليهم السلم بعقول الانبياء الخ فالمراد ان عقول الانبياء والرسل واوصيائهم حقيقتها ظهورهم (ع) بها لهم وان شئت قلت لها وكذلك ارواحهم ونفوسهم فهي تشهد لهم صلى الله عليهم بسر ما اودعوها مما وعته من ظهورهم بها بانهم نور الاخيار وهداة الابرار وحجج الجبار فسبحوا الله باسمائه ومجدوه بنعمائه وآلائه وهو تأويل قوله فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم
وقوله (ع) : وهداة الابرار لعل المراد بهم من كان التنوير لهم او الظهور بعقولهم بالواسطة لانه الاغلب في الاستعمال وقد يستعمل في المقربين ولكن استعماله في اصحاب اليمين اغلب واما الاخيار فيستعمل في المقربين وفي اصحاب اليمين ولكنهما اذا اريد بواحد منهما المقربين فهو من المشكك لان بين المقربين بعضهم بعضا درجات متفاضلة لا تكاد تتناهى في مراتب الامكان بمعنى ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله وان كانوا من المقربين بينهم وبين من سواهم مراتب لا يصل اليها احد ممن سواهم ابدا وان بلغ كل مبلغ كما ذكرنا سابقا من ان النور وان قرب من المنير غاية القرب لا يكون من المنير بل هو ابدا نور من المنير وشعاع منه فمن سواهم لا يزال مستمدا للهداية منهم كل ما وصل رتبة وضعت له رتبة اعلى من الاولى وهكذا بلا نهاية ولا غاية فان اهل الجنة لا ينتهي نعيمهم وكل استمدادهم لا سيما في النعيم الاعظم الغير المتناهي الذي هو الرضوان كما قال تعالى ورضوان من الله اكبر لانه الحجاب الاعلى وعالم فاحببت ان اعرف واليه تنتهي النهايات في الامكان ولا نهاية له وكل ذلك انما هو بهم وعنهم فهم يدلجون بين يدي المدلج من الخلق والله سبحانه يدلج بين يدي المدلج منهم ومن خلقه بهم
وقوله عليه السلم : وحجج الجبار قد تقدمت الاشارة الى معناه وان له معاني متعددة في كل رتبة من مراتب الوجود بحسبها مثلا ما ظهرت على الانبياء والرسل عليهم السلم واتوا به من المعجزات كاحياء الموتى ونطق الجمادات والحيوانات العجم وقلب الجمادات حيوانات كعصي موسى وغير ذلك فانها آياتهم وامثالهم وذلك ما اشار اليه علي ابن الحسين عليهما السلم كما تقدم في رواية جابر بن يزيد الجعفي في حديث طويل ثم تلا عليه السلم قوله تعالى فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا باياتنا يجحدون وهي والله آياتنا وهذه احدها وهي والله ولايتنا يا جابر الحديث ومن المعاني كونهم تراجمة لوحيه الوجودي الكوني والوجودي التشريعي كما تقدم فيكون من الاول ترجمة الاغذية والامزجة للاجسام النامية بمعنى ان الله سبحانه خلقهم عليهم السلم على اكمل وجه يمكن في مقام الخلق في اعتدال الامزجة والتركيب بحيث لا يمكن ذلك الا في تأليف انوارهم الذاتية وخلق من فواضل تلك الامزجة المعتدلة والتأليفات المتسقة جميع الخلائق سواهم كل شيء على حسب قابليته وجعلهم كما ذكرنا سابقا علل جميع الخلائق العلل الفاعلية لكونهم محال مشيته والسنة ارادته وايدي ايجاده وابداعه والعلل المادية لكون مواد الاشياء من فاضل انوارهم واشعة وجوداتهم والعلل الصورية لكون صور الاشياء من فاضل هيئات ذواتهم وحركاتهم واقبالاتهم وادباراتهم للمؤمن على نحو التوالي والموافقة وللكافر على نحو خلاف التوالي وعلى المخالفة والعلل الغائية لكون الاشياء السنة الثناء عليهم قال تعالى وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين فبهم خلق ما خلق ولهم خلق ما خلق وعلى مثالهم خلق ما خلق فاختلفت الاشياء باختلاف اجابتها وقبولها فمن اختلف واعوج وضعف واسود والتوي وزاد ونقص فمن قابليته وتقصيره وسوء اجابته ولم يأتهم ربهم سبحانه الا باكمل مزاج واحسن تأليف لانه اتيهم بفاضل مزاج اصفيائه عليهم السلم وشعاع تأليفهم ولكنهم اختلفوا لاختلاف دواعيهم فمن لم يستقم لعدم اجابته فمقصر ملوم والحجة عليه المزاج المستقيم الذي اتاه الله به فغيره باختياره واعلم ان وجوه معنى كونهم حجة عليهم السلم كثيرة ظاهرة وباطنة كما في تأويل قوله تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فالظاهرة معلومة والباطنة ذكرت منها هنا وجهين وفيما تقدم ذكرت اكثر من ذلك وان اعددها لم احصها ولكن تعرف بكلامي وما مثلت به نوع ذلك فان فهمت مرادي وسألت الكريم الجواد سبحانه بنحو لسان استعدادي اعطاك ما شاء فانه الغني الحميد ومن الثاني ما عبروا عنه بهذه الاوامر والنواهي وهو في الظاهر ظاهر لا يكاد يخفي وفي الباطن باطن لا يكاد يدري واغلب ما سوى هذين من معاني حجج الجبار من الاول ويعلم كثير منها مما مضى
قال عليه السلم: بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه وبكم ينفس الهم ويكشف الضر
قال الشارح المجلسي رحمه الله تعالى بكم فتح الله اي في جميع الفيوض والخيرات كما يشعر به الصلوة او في الخلق فانه اول ما خلق ارواحهم كما في الاخبار المتكثرة وتقدم بعضها او لكم خلق الله الخلق او انتم وسائط الفيوض الالهية وبكم يختم كما في الرجعة والمهدي او كل خير يصل الى احد فانه بسببكم لانهم العلة الغائية وبكم ينزل الغيث كما ورد في الاخبار الكثيرة لانهم المقصود بالذات او بدعائهم كما ورد ايضا متواترا وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض مع حصول اسبابه من ادعاء الولد والالهة الباطلة كما قال تعالى تكاد السموات يتفطرن من فوقهن وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا الا باذنه عند قيام الساعة او غيره ان اراد انتهى
اقول بكم فتح الله في كل وجود بل في كل امكان اما في الايجاد فمن حيث كونهم العلل الاربع للخلق كله على نحو ما اشرنا اليه في العلة الفاعلية لكون التمشية اليها لا تجري على الظاهر لانه غلو ممنوع منه وانما يقال في العلة الفاعلية على نحو ما ذكرنا سابقا من كون الفاعلية هي المثال المتقوم بالفعل فان المثال الذي هو اسم الفاعل كالقائم لزيد هو المشية المتقومة بالحقيقة المحمدية تقوم ظهور بمعنى ان المثال هو المشية حال تعلقها بالحقيقة المحمدية كما تقول ان السراج هو النار حال تعلقها بالدهن والاولى في التحقيق ان يقال انه الحقيقة المحمدية حال تعلق المشية بها وربطها بها كما تقول ان السراج هو الدهن حال تعلق المشية بها المعبر عنه في الاية الشريفة اية النور بمس النار في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار والمراد من هذا ان السراج المضيء للغير الذي تعلقت به الاشعة وتوجهت اليه في عبادتها له بافتقارها اليه في تلقي وجوداتها منه انما هو في الحقيقة الدهن الذي تكلس بحرارة النار ويبوستها حتى كان دخانا فانفعل بالضياء عن مس النار التي هي الحرارة واليبوسة فمسها هو فعلها ابرزته بنفسه لا من ذاتها لانه ليس جزءا منها وهذا هو الذي اشار اليه تعالى قال يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولم يقل يكاد النار تضيء ولو لم تتعلق بالدهن لان الاستنارة انما هي من الدهن وذلك لشدة صفائه وبياضه قال يكاد يضيء لكنه لا يضيء الا بمس النار فالدهن هو المضيء بمس النار وهيهنا قال ابن سينا في الاشارات اعلم ان استضاءة النار السائرة لما ورائها انما تكون اذا علفت شيئا ارضيا ينفعل بالضوء عنها الى ان قال فاذا طفئت انفصلت النار هواء والكثافة دخانا انتهى فقد ثبت بالاية الشريفة وكلام الحكماء ان السراج المضيء الذي تعلقت به الاشعة ووجدت بافاضته وتحققت بظهوره وقامت باستمدادها منه انما هو الدخان المستضيء بمس النار اي المنفعل بالضياء عنها وهذا الدخان المستضيء ليس من النار وانما هو اجنبي منها وهو دهن قد كلسته وجففته ونعمته حتى يبس وخف فقرب منها فاستنار بتأثيرها فهو عرش لها قد استوت عليه بظهور فعلها فاعطت كل جزء من الاشعة على قدره فالاشعة صفات لما ظهر بالدهن عليه من تأثير النار بفعلها فيه والمثال هو السراج والسراج هو الدهن المستضيء بمس النار كما تلونا عليك والحقيقة المحمدية هي الزيت المستضيء بمس النار والزيت هو الوجود المخترع بالفعل فاستضاءته بهذا الاختراع فالحقيقة المحمدية بالاختراع هو المثال المشار اليه فكما ان السراج الظاهر الذي بينا لك انه في الحقيقة هو الدخان المنفعل بالاستضاءة عن مس النار هو علة وجود الاشعة بل لا وجود لشيء منها الا بكونه صورة ظهور ذلك السراج وهو العلة الفاعلية لتلك الاشعة كذلك الحقيقة المحمدية بالاختراع اي بكونها محلا له هي علة وجود الاشعة وهي العلة الفاعلية لها لان الحقيقة المحمدية بذلك هي اسم الفاعل فهي كالقائم بالنسبة الى زيد من حيث هو فاعل القيام وهذا اية معرفة ذلك للعالمين بكسر اللام وقولي هذا اشارة الى قائم والى السراج وقولي آية معرفة ذلك اشير به الى قول امير المؤمنين صلوات الله عليه من عرف نفسه فقد عرف ربه مشيرا الى قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فان الايات الدالة على ما ذكرت لك في الافاق كالسراج والقائم والشمس والكلام والاصوات والصدا من الصوت والصورة في المرءاة وغير ذلك وفي الانفس معرفة النفس مجردة عن سبحات الجلال بلا اشارة الى التجريد فهي الاية الكبرى فهذا مراد لي من قولي هذا بقرينة ذكري آية معرفة ذلك فافهم فيكون المعنى بهم فتح الله ايجاد الاشياء وبهم يختم يعني بهم يختم على فم القلم الاعلى فلا ينطق ابدا واما في الوجود فهم عالم الحمد في قوله الحمد لله رب العالمين فانه قد افتتح الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والارض وختمه بالحمد فقال وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين هذا دليل الافتتاح في الظاهر باول سورة الانعام وفي الباطن باول فاتحة الكتاب ليكون اول الكتاب التكويني مدلولا لاول الكتاب التدويني ولوصفه تعالى عند الحمد برب العالمين لتدل في الافتتاح والاختتام على اعتبار الايجاد والتربية والملك على اختلاف احوالها ولهذا قال وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين فهم عليهم السلم اول الخلق في الكون والبدء وآخر الخلق والعود وما قيل من ان اول ما خلق الله العقل فهو وان كان ظاهره العموم الا انه مخصوص بالوجود المقيد وهم عليهم السلم كانوا في الوجود المطلق وقد دلت اخبارهم ان الوجود المقيد من زرع حدائقهم فان العقل هو القلم وقد ورد انه اول غصن من شجرة الخلد وقال الحسن بن علي العسكري عليه السلم في تاريخه قال وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة يعني روح القدس هو المذكور المسمى بالروح من امر الله وبالعقل الكلي وبالقلم والباكورة هي اول الثمرة يعني ان روح القدس اول من ذاق ثمرة الوجود الكوني من حدائقنا التي غرسناها في ارض الجرز والارض الميتة واليه الاشارة بقوله تعالى حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون والبلد الطيب يعني مثل قابلية العقل الكلي يخرج نباته باذن ربه يعني باسمه البديع وهو اكله اول ثمرة الوجود والذي خبث كقابلية الجهل الاول ومظاهره ورؤسه فالله سبحانه فتح الوجود الكوني فكانوا ولم يكن خلق كما مر فيما رواه جابر ابن عبد الله الانصاري كما في رياض الجنان قال قلت يا رسول الله اول شيء خلقه الله تعالى ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم واقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم واقام الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء واقام الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء واقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله من انفاسها ارواح الاولياء والشهداء والصالحين انتهى وقد تقدم هذا الحديث وانما اعدته تسهيلا وقد اشتمل على جهات كثيرة من العلوم خصوصا فيما نحن فيه ولا يمكن بيان ذلك لاستلزامه الطول لكن لا بد من قليل يحصل به بعض الاشارة منه ان قوله صلى الله عليه وآله ما شاء الله يراد منه بيان الرتبة وهي دهر من الدهور التي ذكروها عليهم السلم انهم قبل الخلق بالف دهر وقد يعبر عنه باربعين الف عام او ثمانين الف عام او اربعة عشرالف عام او غير ذلك باختلاف مقامات التعبير والخلق الذين هم قبله قد يراد منه ما في الجبروت او الملكوت او الملك او ما بينها من البرازخ في سلسلة الطول او في سلسلة العرض كما قيل في الالف الف عالم ان المراد منها الاجناس او الانواع او الاصناف في العوالم الثلاثة في سلسلة الطول او سلسلة العرض او فيهما ومنه ان المراد بالقلم عقل الكل والمراد بالعقل المذكور في مقام الرجاء عقل النوع وقد يعبر عن الاول بغيب فلك محدد الجهات وعن الثاني بغيب فلك زحل ومنه ان العرش مركب من اربعة انوار احدها النور الابيض وهو المراد بعقل الكل فان قيل فلم ذكر العرش قبل مع ان الاجزاء سابقة في الوجود على المركب والجواب ان العرش هو الكل والكل في الرتبة سابق على الجزء باعتبار البساطة والتركيب فان الجملة كالشجرة مقدم على الابعاض كالاغصان في هذا اللحاظ كما في قوله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى كشجرة طيبة انا الشجرة وفاطمة اصلها وعلى لقاحها الخ ويحتمل ان المراد بالعرش هنا المشية او الحقيقة المحمدية المعبر عنها بالوجود الراجح والماء الذي به حيوة كل شيء والدواة الاولى وذلك كله قبل عقل الكل كما تقدم ومنه ان كون ارواح الاولياء والشهداء والصالحين من تنفس ارواح الانبياء ككون ارواح الانبياء من تنفس ارواحهم صلى الله عليهم اجمعين والحاصل ان من المعلوم انهم كانوا ولم يكن خلق ففتح بهم الوجود ويعودون اليه تعالى حيث لا يكون خلق سواهم لان كل مخلوق فمدي عوده بقدر مدي بدئه لا ينقص ولا يزيد فمن كان مدي بدئه منذ خمس سنين مثلا لا يكون مدى عوده خمس سنين ويوما والا لكان موجودا قبل اول وقت وجوده ولا فرق في جميع انحاء الوجود لكل موجود فكما لا يختلف المدي في وجود ذاته لا يختلف في ادراكاته لان الادراك مساوق للوجود هذا في الوجود الكوني وكذلك فتح سبحانه بهم الوجود الامكاني وذلك لان الامكان كله وان كان في الوجود الراجح في الجملة الا ان الممكنات فيه مرتبة قد ترتبت معلولاتها على عللها فمنها من امكنه المبدع المريد جل وعلا بنفسه ومنها من امكنه بواسطة امكان آخر ومنها بوسائط كما في الوجود الكوني حرفا بحرف بل الكوني شرح الامكاني فكان امكانهم صلى الله عليهم اجمعين بنفسه لم يتوقف في امكانه الا على خلق المشية فيه وهو قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور وامكان غيرهم متوقف على امكانهم فبهم فتح الله الوجود الامكاني وبهم يختم فيعودون حيث لا يكون خلق ثم ما ذكره الشارح المجلسي رحمه الله جار هنا على بعض ما اشرنا اليه وان لم يكن متسقا لانه قابل بكم فتح الله الفيوض والخيرات بقوله بكم يختم كما في الرجعة ويجوز بكم فتح الله الاسلام وبكم يختمه في الرجعة كما قال تعالى ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فان قلت قولك بتساوي البدء والعود يلزم منه القدم لانهم بل سائر الخلق باقون في الجنة والنار بلا نهاية ولا انقطاع في الاخرية فاذا كان البدء مساويا للعود لزم ان يكون البدء لا نهاية له ولا انقطاع في الاولية ولا يعني بالقديم الا هذا فيلزم من القول بتساوي البدء والعود القول بقدم العالم او انقطاع النعيم والعذاب الاليم وفناء الجنة والنار واهلهما والقول باللازمين او احدهما كفر قلت لا يلزم ذلك لاني اقول ان الاشياء مسبوقة بالعدم بمعنى ان الله سبحانه كان ولا شيء معه ثم خلق ما شاء مما تعلمون ومما لا تعلمون ولا نعني بالحادث الا ما كان بعد ان لم يكن وما وجد غيره قبله وجميع ما سوى الله تعالى خلقه الله ولا ريب انه لم يكن في الازل لان الازل ليس الا ذاته عز وجل وخارج الذات خارج الازل وليس الا الحادث سواء طالت مدته ام قصرت واذا لم يكن في الازل لزمه شيئان احدهما كونه مسبوقا بصانعه تعالى وثانيهما كونه مسبوقا بالعدم اي عدم وجوده في الازل واما توهم من ذهب الى ان القول بوجود شيء من الاشياء قبل الزمان فهو قول بقدم العالم اذ لا حادث الا الحادث في الزمان فهو غلط لان الزمان مخلوق ولم يخلق في الزمان فيتسلسل مع الاتفاق على ان اول ما خلق الله العقل ولو كان في الزمان لم يكن اول مخلوق بل يجب ان يكون قبل الزمان وكذا الماء على قول انه اول ما خلقه الله واما قول قديم زماني وذاتي فشيء لا معنى له صحيح وليس في كلام اهل العصمة عليهم السلم وانما مبني كلامهم عليهم السلم على ان كل ما سوى الله مخلوق خلقه الله تعالى وان اول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وآله واما قديم زماني وحادث زماني فاصطلاح باطل لاستلزامه القول الباطل والحق ما قاله اهل الحق عليهم السلم من ان الله سبحانه ليس معه شيء وكل ما سواه فهو محدث خلقه الله لا من شيء وصنعه لا على احتذاء شيء بل احدث فعله بنفسه لا من شيء غير نفسه حين احدثه وشق المادة من كينونة فعله بفعله وخلق الصورة من انفعال المادة وخلق المصنوع في وقت الفعل فما كان ظرفا للامكانات فسرمد وما كان للممكنات فدهر وزمان فوقت الفعل على حسب تعلقه بالمفعول فبساطة الوقت ولطافته بسبب تعلقه بمفعول بسيط لطيف وتركيب الوقت وغلظه وكثافته بسبب تعلقه بمفعول مركب وغليظ وكثيف فوقت كل شيء بحسبه وما بينها من البرازخ فعلى حسب حالها فالزمان مخلوق يجري فيه حكم ما يجري في غيره فلا معنى لقديم زماني او حادث زماني فان كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يك شيئا ولا فرق بين المحقق عند الناس والمقدر بالنسبة الى صنع الله تعالى ولكن اكثر الناس لا يعلمون فخذها قصيرة من طويلة تهتد سواء السبيل
بقي هنا شيء ينبغي الاشارة الى التنبيه عليه على جهة الاقتصار لعل الله ان يجعله سببا لتوفيقه عبده لفهمه ان كان ممن كتب من اهله وهو انا قد ذكرنا هنا ما يدل على ان الزمان فيه لطيف وغليظ وبسيط ومركب وهذا شيء مستغرب لانه لم يوجد في كتاب ولم يسمع في جواب فاعلم ان الوجود الذي خلق الله منه كل شيء بسيط لا يكون شيء من المخلوقات ابسط منه ولا الطف ومادة كل شيء منه وانما اختلفت الاشياء في اللطافة والكثافة بسبب المشخصات والوجود وان كان في نفسه مختلفا في مراتبه فما كان منه مشرقا الطف واشرف مما كان منه اشراقا الا انه الى آخر مرتبة منه لطيف في غاية اللطافة بالنسبة الى المركبات وهي انما كانت غليظة وكثيفة مع ان مادتها الوجود اللطيف من جهة المشخصات فالمشخصات ان كانت لطيفة كان المركب منها لطيفا كالعقول والارواح والنفوس وان كانت كثيفة كان المركب منها كثيفا وان كانت مادته التي هي من الوجود لطيفا والمشخصات كثيرة منها الاعتقادات والاقوال والاعمال والاحوال ومنها الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة ومنها لوازم لها كالوضع والنسبة والكينونة وغير ذلك فالوقت من الاصول المشخصة فالوجود المتشخص بالسرمد الطف من المتشخص بالدهر وهو الطف من المتشخص بالزمان بل ما في الزمان مختلف باختلافه ففلك المحدد الطف من فلك الثوابت لان زمانه الطف من زمان فلك الثوابت وكذلك في المكان وسائر المشخصات ولهذا تكون حركته اسرع لرقة المتعلق وهكذا الى الارض فهي ابطأ من كل الاجسام وكل ما قلت ارضيته قويت حركته واسرعت وبالعكس وهكذا ولو كان الغلظ والرقة راجعا الى المادة لتساوت الاجسام في القوة والحركة فافهم فان قلت ان المشخصات من الوجود ايضا فلم اختلفت قلت هي ايضا لها مشخصات نوعية قبل تشخيصها لغيرها وشخصية مع تشخيصها للغير ولهذا اختلفت واختلفت بها المتشخصات بها فان قلت ان فلك الثوابت الطف من السموات السبع فلم كانت حركته ابطأ منها وهو خلاف ما ذكرتم قلت هي الطف من السبع ولكن لكثرة كواكبها ابطأت حركتها لان الادلة دلت على ان لكل كوكب فلك تدوير منها او خارج مركز وان تقاربت حركاتها المختلفة لعلة ذكرناها في بعض اجوبتنا فلاختلاف الدائرات فيها ابطأت حركة مجموعها ولقلة مختلفات السبع بالنسبة الى فلك الثوابت اسرعت حركاتها فافهم هذا كله في الكون الوجودي وشرعه اي بكم فتح الله الكون الوجودي في العلل والمعلولات وبكم يختم كذلك وبكم شرع الوجودي في العلل والمعلولات وبكم يختم كذلك وكذلك في الكون التشريعي ووجوده على نحو ما مر من التفصيل الا ان التكوين الوجودي ظاهر التكوين التشريعي والتشريعي باطنه والشرع الكوني ظاهر الوجود الشرعي والوجود الشرعي باطنه وقد اشرنا الى هذا المعنى فيما سبق وفي بعض رسائلنا على وجه الاقتصار واما على جهة كمال البيان فلما كتبه لانه يقتضي بسطا كثيرا ولم يحصل داع موجب الى ذلك وغيري لم يذكره لان هذه اشياء لا يعرفونها ولم تذكر في كتب احد لعدم علمهم بذلك وانما هذه الاشياء مذكورة في كلام اهل العصمة عليهم السلم وعليها الف حجاب فلا يعرفها الا هم او من شاؤا بتعليم خاص منهم عليهم السلم لان الله سبحانه قال وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وهم عليهم السلم يعلمونها من شاؤا بامر خاص من الله سبحانه نعم قد يذكر بعض الحكماء الالهيون خصوصا اهل العلم المكتوم قواعد او مسائل تدل على نوع ما اشرنا اليه فان قبلت مني ما اقول فمن توفيق الله سبحانه والا فاعلم ان الله سبحانه بذل الحكمة والانوار لاهلها ونشرها في السماء كما نشرت الشمس نورها في السماء والهواء ولا يلقيها الا مع حصول قابليتها من عبده كما ان نور الشمس لا يظهر الا في كثيف كمد فافهم
وقوله عليه السلم : وبكم ينزل الغيث قد تقدم ان الشارح المجلسي (ره) قال كما ورد في الاخبار الكثيرة لانهم المقصود ( المقصودون ظ ) بالذات يشير الى ما ذكرنا مرارا كثيرة من انهم العلل الاربع خصوصا العلة الغائية لان الغيث من فوائد نزوله انه مثل للدنيا قال تعالى انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح كذلك الدنيا في نعيمها الزائل وقوله فاختلط به نبات الارض يراد منه انه ينحل منه جزءان مشاكلان في جزء من التراب مشاكل بتسخين الشمس فيكونان بعد الانحلال شيئا واحدا غذاء للنبات فتمص منه العروق غذاء الاغصان وقال تعالى كماء ولم يقل كمثل ماء لان نفس الماء ونزوله هو مثل الدنيا لا ان مثله مثل الدنيا بل هو بنفسه مثل الدنيا ولو اريد به ان مثله مثل الحيوة لقال كمثل ماء كما قال في نظائر هذا مثل قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا وقال مثل الذين حملوا التورية ثم لم يحملوها كمثل الحمار وامثال هذا في القرءان وكلام الائمة عليهم السلم كثير فاذا اريد الاتحاد لم يأت بمثل كما قال تعالى في تمثيل حال المنافقين قال في تشبيه المثل بالمثل مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله الاية وقال في تشبيه المثل بالشيء او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق الاية فافهم فان البيان يحتاج الى تطويل وانه مثل للاخرة قال تعالى ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت ان الذي احياها لمحيي الموتى وانه مثل للدنيا والاخرة قال تعالى وانزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد هذا مثل للدنيا ومثل الاخرة واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج فهذا من فوائده وهم عليهم السلم الذين يعقلون الامثال المضروبة فلهم نزل الغيث ومن فوائده رزق العباد والعباد غنمهم والغيث ينبت علف غنمهم لان من سواهم انعامهم تعمل لهم ما يراد منهم من اقامة الوجود الكوني وشرعه والكون الشرعي ووجوده قال تعالى وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين وما ورد في تفسير قوله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه ما معناه الى علمه من اين يأخذه انا صببنا الماء صبا اي العلم ثم شققنا الارض شقا وهي قلب الامام عليه السلم فانبتنا فيها يعني من انواع العلوم حبا من علم الولاية وعنبا من رحيق المعرفة وقضبا من علوم الاحكام وزيتونا من اخلاق الكرم والزهد ونخلا من لذة الايمان ومحبته يعني الولاية كما قال تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وحدائق غلبا من مراتب اليقين والاستقامة وفاكهة وابا من علوم الطريقة والاب مثل لما تعلمه العوام من الشريعة او ان الفاكهة ما بطن وتحقق من العلوم للانسان والاب ما ظهر منها وظن للجاهل متاعا لكم اي للمؤمنين العالمين العارفين ولانعامكم اي لرعيتكم وعوامكم فانهم انعام العلماء كما اشار اليه الصادق عليه السلم في كلامه لعبيد بن زرارة قال والذي فرق بينكم هو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه وهو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتأمن الحديث وهذه المعاني التي اشرت الى ذكرها في تأويل الاية اخذته من معاني احاديث متعددة لفقت بعض معانيها وعبرت عنه بما يناسب معنى ما نحن فيه من هذا الشرح فانه طلب مني على هذا النحو لا على النحو الظاهر وبالجملة فكونهم العلة الغائية في نزول الغيث فمعلوم بل في كل شيء كما يشير اليه كلامه رحمه الله الا ان ظاهر الفقرة الشريفة يدل على كونهم سببا او ان وجودهم او فعلهم او دعاءهم او كون المطر مطلوبا لهم لبعض شؤنهم الكونية او الشرعية لهم او لغنمهم آلة لا نزال المطر والمراد بالالة السبب الصوري او المادي والمراد بكونهم غير انهم آلة بمعنى الصوري او المادي لان الاول يراد منه العلة الفاعلية سواء اريد بالعلة الفاعلية فعل الفاعل ام محل الفعل وترجمانه والحامل له ولا نريد بالعلة الفاعلية ذات الفاعل لان ذلك غير جائز بل ولا واقع وانما نريد بها فعله كما ذكرناه فيما سبق مكررا فراجع
وقوله عليه السلم : وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه ما اشار اليه الشارح (ره) من معناه من قوله مع حصول اسبابه من ادعاء الولد والالهة الباطلة الخ له وجه ولكنه ناقص فالاقتصار على خصوص ما ذكره ليس في الحقيقة بشيء وان كان في الظاهر له وجه لان المراد ان الله سبحانه يمسك بهم السماء لانهم عمدها وبهم قوامها فهي قائمة بهم قيام صدور وقيام تحقق لانهم امر الله قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وفي الدعاء وكل شيء سواك قام بامرك او لانهم محال امر الله وقد صرحوا بذلك في احاديثهم عليهم السلم بانهم امر الله الوجودي ومحال امر الله الفعلي فبهم امسك الله السموات والارض وكل شيء سواء قيل بان لله ولدا او بان معه شريكا ام لم يقل لانهم للاشياء كلها العلل المادية والصورية كما ذكرنا سابقا والله سبحانه يمسك الشيء بمادته وصورته نعم لو قال رحمه الله تعالى ان من معنى ذلك ان الله تعالى يمسك السماء ان تقع على الارض اذا حصل لها مقتضي ذلك من دعوى الولد والشريك لم يكن به بأس وكان مما يراد من ذلك اللفظ ومعنى ما اشرنا اليه من ان الله سبحانه بهم عليهم السلم يمسك كل شيء سواهم من الخلق ان كل شيء له اصل يقوم الشيء به وذلك الاصل هو صورته من امر الله يعني ان لامر الله هيئات ورؤسا بعدد الخلائق وهي تلك الاصول المشار اليها كما ان لكل جزء من شعاع الشمس وجها من الشمس يستمد ذلك الجزء من ذلك الوجه وهو وجهه الذي لا يهلك وبه قوامه كما اشار اليه سبحانه كل شيء هالك الا وجهه على احد التفاسير بان الضمير في وجهه يعود الى الشيء وذلك الجزء من الشعاع خلق من ذلك الوجه من الشمس وهو وجهه منه بدئ واليه يعود وبينهما مسافة لا يقطعها ذلك الجزء ابدا مع شدة سيره اليه وسرعته فهم ذلك المنير الذي فيه وجوه كل شيء من الخلق وكل شيء اقامه الله عز وجل بوجهه من المنير الذي هو امر الله صلى الله عليهم اجمعين
ومعنى قوله عليه السلم الا باذنه كما في الاية الشريفة فهو ان الاشياء بمشيته دون قوله مؤتمرة وبارادته دون نهيه منزجرة فلما شاء امسك بمشيته السماء فلا تزال قائمة حتى يأذن لها ان تقع وامساكه بامره واذنه بامره وامره هو مشيته ومحال مشيته وحملتها والسنة ارادته وكلماتها اللهم صل على محال مشيتك والسنة ارادتك وخزائن كرمك ومفاتح غيبك واسلك بنا محجتهم ومنهاجهم وتوفنا على ولايتهم ومحبتهم وعلى البراءة من اعدائهم واجعلنا من انصارهم على الحق في السر والعلانية يا ارحم الراحمين
وقوله عليه السلم : وبكم ينفس الهم نفس بتشديد الفاء بمعنى فرج ووسع يقال نفس عنه كربته اي فرجها وكان في نفس من امره والنفس محركة هنا بمعنى السعة اي في سعة من امره والهم الحزن او الحزن قوي الهم وهو مما يتعلق بالقلب قيل انواع الرذائل منها نفسانية ومنها بدنية ومنها خارجية والأول بحسب القوى التي للانسان العقلية والغضبية والشهوية والهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوية والعجز والكسل بالبدنية والضلع والغلبة بالخارجية اقول مراد القايل بالعقلية النفسانية اي التي في الجانب الايسر من القلب ان كان للدنيا وما يرتبط بها ويكون لها وان كان ذلك الاعتناء والتوجه للاخرة او لما يرتبط بها ويكون لها سواء في تحصيل محبوب او تخلص من محذور ففي الجانب الايمن فلما كان الهم لا يخلو من احدهما وكان مصدر الداعيين من القلب من جانبه الايمن او الايسر وهو يطلق على القلب قيل يتعلق بالعقلية والهم والغم قيل يطلق احدهما على الاخر لانهما بمعنى الحزن او الغم بمعنى التغطية لانه يغطي السرور والحلم والهم بمعنى الاعتناء بالشيء وتوجه النفس الى طلبه وجهة تحصيله او التخلص منه وقيل الهم لما سيكون وينفي النوم والغم لما كان ويجلب النوم وربما قيل بالعكس بان الغم لما يأتي والهم لما مضى والعكس اشهر واظهر ومعنى بكم ينفس الهم بكم يفرج الكرب والضيق لان من اهتم لما سيقع به محبوس العزيمة والانبعاث في مطمورة همه وكون ذلك التفريج بهم على نحو ما مر
وقوله عليه السلم : ويكشف الضر اي بهم يكشف الامراض والاوجاع وسوء الحال يعني يزيلها بهم لاجل وجودهم فيمن ابتلي بالضر كما قال تعالى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم او لان من ابتلى بالضر انما هو بتقصيره في ولايتهم واذا تسامح الولي وعفا عن حقه كما قال تعالى ولقد عفا عنكم وقوله تعالى ويعفو عن كثير او ان المبتلي تاب ورجع كما قال تعالى وانيبوا الى ربكم واسلموا له اي انيبوا الى الله سبحانه باقراركم بالولاية كلها لمن جعله الله سبحانه وليا واسلموا له اي للولي بتسليم الامر له او اسلموا لله سبحانه بتسليم الامر لولي الامر الذي ولاه الله الامر فاذا عفا صاحب الحق عن حقه او تاب وادى المطلوب بالحق لولي الحق كشف الله تعالى الضر الذي هو اثر تقصيره في الولاية بسبب ولايتهم او لاجل اقامة ولايتهم او ان مقتضي انية المكلف استحقاق الضر ومقتضي ولاية محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله او مقتضي ذواتهم عليهم السلم كشف الضر فاذا اجتمع المقتضيان في محل واحد كان حكم الوجود والغلبة للاقوى منهما وهو الولاية ولما كانت الولاية ولاية الولي المخلوق كانت غير مستقلة بالاحداث بل كان ربها ومالكها الحق سبحانه وتعالى هو الذي اجراها على عبده ووليه وهو الذي خلقها سبحانه وخلق بها ما شاء فكان عز وجل بها يكشف الضر وكذا اذا اردنا بالضمير في بكم الحقيقة ( المحمدية صلى الله عليه وآله ) حقيقة كان تعالى بها يكشف لانها اسمه الاعظم ومحل مشيته ومظهر فعله وكذا اذا قلنا المراد من بكم بدعائكم وغير ذلك وكيفية هذا الكشف في حق المكشوف به والمكشوف عنه والمكشوف يتوقف بيانها على تطويل ويشتمل على بيان البيوت التي يتخذها المكشوف به من المكشوف عنه ليستخرج منها مقتضياتها منها وهي المكشوف فيسكنها المكشوف به مدة الاستخراج وتقع في المكشوف به ارادة الكاشف سبحانه وتعالى على حسب مقتضى قوابل الجميع من المكشوف به والبيوت التي يسكنها والمكشوف عنه والمكشوف مع ما يتممها من قوابل الوقت والمكان والاسباب الخارجة كالاوضاع والاضافات والنسب وغير ذلك مما يطول به الكلام واتخاذ هذه البيوت مما اشار اليه تعالى في تأويل قوله ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا فتأويل ثم كلي من كل الثمرات هو معنى بكم وتأويل فاسلكي سبل ربك ذللا هو معنى يكشف الضر فافهم او فاسئل وتعلم وسلم تعلم والله سبحانه ولي التوفيق
قال عليه السلم : وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته
يراد من النزول الهبوط من اعلى معنوي كالانبياء عليهم السلم فانهم حال التلقي للوحي في مكان عال علوا معنويا لا يصل اليه احد من اممهم الى اسفل حسي وهو مقامهم في التأدية والبلاغ الى اممهم او الهبوط من اعلى معنوي وحسي معا كنبينا محمد صلى الله عليه وآله فانه حال التلقي للوحي في اعلى مقام معنوي كمقام او ادنى وحسي فانه صلى الله عليه وآله تجاوز بجسمه الشريف مقام الاجسام حتى وقف في معراجه بجسمه الشريف على كل جسم من اجسام الدنيا جزء وكل في جرية من جريات البراق وعلى كل جسم من اجسام الاخرة في الجرية الاخرى كذلك فوقف على كل جسم من النشأتين في اول بدئه وآخر عوده وما بينهما وكذلك وقف بجسمه وروحه على كل قلب وروح وجسم مما سواه وسوى اهل بيته عليهم السلم في الدنيا والاخرة كما ذكرنا لك ووقف بجسمه صلى الله عليه وآله على اجسام اهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين وبعقله وروحه على عقولهم وارواحهم وعلى عقله وروحه صلى الله عليه وآله كذلك اي في النشأتين في جريتين الى اسفل حسي وهو مقامه في التأدية والبلاغ الى امته ظاهرا ومعنوي وهو مقامه في التأدية والبلاغ الى عقولهم وارواحهم ونفوسهم وطبايعهم وموادهم وصورهم والى جميع الحيوانات والنباتات والمعادن وسائر الجمادات اما بنزوله الى مرتبة كل واحد منها او رفع ما يبلغه الى مقامه في تبليغه اياها او الى اعلى معنوي كما قال تعالى نزل به الروح الامين على قلبك ويراد من الهبوط النزول من اعلى حسي يلزمه المعنوي الى اسفل حسي او من اعلى معنوي الى اسفل معنوي كما قال تعالى قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك فانه مقام اعلى من حاله في السفينة وان استلزم الاسفل الحسي والى اسفل معنوي كما قال تعالى قال اهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها والحاصل ان الفارق بينهما الاستعمال في المقامات المختلفة والا فهما ظاهرا بمعنى واحد في هذا المقام والا فقد يراد من النزول السكون واللبث في المكان والمجاورة والحلول فلا يتحدان الا بتمحل ولكن المقام يقتضي ارادة اتحادهما ظاهرا او تقاربهما وعلى هذا فان اعتبرنا الظاهر كان التعبير بهما في مقام كل منهما انما هو لتحسين اللفظ برفع توهم التكرير وان اعتبرنا التأويل كان الانسب بالانبياء النزول لظهور النزول اذا ذكر مع الهبوط في المعنوي لعدم صعودهم عليهم السلم الصعود الحسي ولا شرفيته على الهبوط وان كان بمعناه كما ذكرنا في الفرق بين صاحب وذو الا اذا استلزم الحسي كما قال في نوح عليه السلم فانه لا نقص فيه لانه جمع المعنوي والحسي فهو كالنزول والانسب بالملائكة عليهم السلم اذا ضموا الى الانبياء عليهم السلم الهبوط لنقص مقامهم عن الانبياء ولنزولهم من الاعلى الحسي فيلزمه الاسفل الحسي ومعنى هاتين الفقرتين ظاهر وهو انهم صلى الله عليهم جامعون لجميع علوم ما كان وما يكون فجميع ما نزل على الانبياء عليهم السلم من الوحي والكتب وما سمعوه من الملائكة وما علموه من الجمادات والحيوانات وجميع الهاماتهم من جميع ما حدثهم به روح القدس وسائر الملائكة فهو عند محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله وجميع ما هبطت به الملائكة مطلقا سواء كانت الملائكة ملائكة الوحي او الالهام او التدبير للامر او زواجر السحاب او غيرهم كما اشار اليه سيد الساجدين عليه السلم في دعاء الصحيفة في الصلوة على الملائكة قال وحمال الغيب الى رسلك والمؤتمنين على وحيك ثم قال عليه السلم والذين على ارجائها اذا نزل الامر بتمام وعدك وخزان المطر وزواجر السحاب والذي بصوت زجره يسمع زجل الرعود واذا سبحت به حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق ومشيعي الثلج والبرد والهابطين مع قطر المطر اذا نزل والقوام على خزائن الرياح والموكلين بالجبال فلا تزول والذين عرفتهم مثاقيل المياه وكيل ما تحويه لواعج الامطار وعواجلها ورسلك من الملائكة الى الارض بمكروه ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخاء والسفرة الكرام البررة والحفظة الكرام الكاتبين وملك الموت واعوانه ومنكر ونكير ورومان فتان القبور والطائفين بالبيت المعمور ومالك والخزنة ورضوان وسدنة الجنان والذين لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون الى غير ذلك فان هؤلاء ونظائرهم من الملائكة ينزلون باحكام ما وكلوا به على جميع الاشياء مثل ما اشار اليه عليه السلم ومثل قوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا الاية فما من ذرة في الارض ولا في السماء الا وعليها ملائكة يؤدون اليها جميع احكام خلقها ورزقها ومماتها وحياتها مما يتلقونه من فوارة القدر وكل ذلك عند الامام عليه السلم وكل شيء احصيناه في امام مبين وهو قوله تعالى ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وفي احتجاج الطبرسي عن ابي عبد الله عليه السلم حديث طويل فيه قال لصاحبكم امير المؤمنين عليه السلم قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب وقال الله عز وجل ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وعلم هذا الكتاب عنده ه ولو شرحت بعض ما اشار اليه عليه السلم في ذكر الملائكة وما اومي اليه مما اقامهم الله فيه من تدبير امور العالم لتحير فيه ذو اللب الحكيم ولوقف عنده الماهر العليم الا من علموه فقبل واتى الله بقلب سليم واما بيان الفقرتين على ما اشرنا اليه فقد مر مكررا وعلى ما اتت به اخبارهم عليهم السلم فذلك كثير متواتر معنى فمنه ما رواه في البصائر بسنده عن ابي جعفر عليه السلم قال ان لله علما عاما وعلما خاصا فاما الخاص فالذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل واما علمه العام الذي اطلعت عليه الملائكة المقربون والانبياء المرسلون فقد وقع ذلك كله الينا الحديث اقول هذا مما اشرت اليه بقولي فما من ذرة في الارض ولا في السماء الخ ومرادي بقولي في الارض الارض الظاهرة والارض الباطنة ليشمل ما في الوجود الكوني باجمعه فانه ليس في الوجود الكوني ذرة ولا درة الا وقد وكل الله بها ملائكة في جميع ما لها وعليها واعطاهم علم جميع جهات التصرف فيما وكلوا به وكذلك الانبياء عليهم السلم فيما ارسلوا به الى اممهم في جميع ما يراد منهم واخبر الباقر عليه السلم ان جميع ذلك وقع الينا وفيه بسنده عن ضريس عن ابي جعفر عليه السلم قال سمعته يقول ان لله علمين علم مبذول وعلم مكفوف فاما المبذول فانه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل الا ونحن نعلمه واما المكفوف فهو الذي عنده في ام الكتاب اذا خرج نفذ ه اقول معنى نفذ اي لا مرد له بخلاف العلم الاولى والظاهر ان المراد بالاول الذي هو المبذول هو صورة المعلوم كالصورة التي تكون في خيالك التي انتزعها الخيال من كون زيد قائما اما لانك شاهدته قائما في آن او اخبرت بقيامه في ذلك الان مثلا فانه بعد ذلك الان يجوز ان يتغير فلو اخبرت بقيامه بعد ذلك الوقت ولم يكن زيد حاضرا عندك جاز فيه التغير والتبدل والبقاء واما العلم الثاني الذي هو المكفوف فهو نفس قيام زيد لا صورته المنتزعة الخيالية بل هو العلم الحضوري ومعنى كونه مكفوفا هو انه موجود حين هو موجود وذلك في زمان وجوده ومكان حدوده وحيث لم يكن عنده سبحانه مضى ولا استقبال ولا امتداد فما يكون عندنا كان عنده ففي حال كونه مستقبلا عندنا اذا اخبرنا به حصل لنا صورته المنتزعة وهو لم يحصل عندنا فيجوز في الصورة التغير والتبدل والبقاء وهذا المستقبل عندنا هو عنده تعالى حاصل بنفسه في مكان حدوده وزمان وجوده حاضرا لا مستقبلا كما عندنا فاذا خرج اي كان عندنا حاضرا بنفسه في زمان وجوده ومكان حدوده نفذ اي لم يمكن تغيره وتبدله يعني انه كان فلا يمكن حين كان انه ما كان فهو يعلم الشيء بنفس الشيء لا بصورته لا غير ويعلم صورته بنفسها في الثلاث الصفحات كلا بما هي عليه صفحة ما لا يجري في كونه البداء بعد كونه وصفحة ما يجري في كونه البداء وصفحة ما لا يجري في كونه البداء بعد كونه ويجري البداء في بقائه وثباته وفي فنائه وتبدله وتغيره فهذه الثلاث الصفحات من اللوح المحفوظ فالاولى منها جف فيها القلم وهو رطب في الثانية والثالثة يجري فيهما بمشية الله سبحانه والاولى لا تتعلق المشية بشيء مما فيها الا كما هو فيها فقد ختم فيها على فم القلم فلا ينطق ابدا وذلك لان جميع ما في المرتبة الاولى ليس في شيء من الامكان الا كما هو لا غير وفيه بسنده عن سدير قال سمعت حمران بن اعين يسئل ابا جعفر عليه السلم عن قول الله تبارك وتعالى بديع السموات والارض قال ابو جعفر عليه السلم ان الله ابتدع الاشياء كلها على غير مثال كان وابتدع السموات والارض ولم يكن قبلهن سموات ولا ارضون اما تسمع لقوله تعالى وكان عرشه على الماء فقال له حمران بن اعين ارأيت قوله عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا فقال له ابو جعفر عليه السلم الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا وكان والله محمد صلى الله عليه وآله ممن ارتضاه واما قوله عالم الغيب فان الله تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه بما يقدر من شيء يقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده اليه من المشية فيقضيه اذا اراد ويبدو له فيه فلا يمضيه فاما العلم الذي يقدره الله ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الينا ومنه بسنده الى ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلم قال ان لله علمين علم لا يعلمه الا هو وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فنحن نعلمه وفيه بسنده الى ابراهيم بن عبدالحميد عن ابيه عن ابي الحسن الاول عليه السلم قال قلت جعلت فداك النبي صلى الله عليه وآله ورث علم النبيين كلهم قال لي نعم قلت من لدن آدم الى ان انتهى الى نفسه قال نعم قلت ورثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة والعلم قال ما بعث الله نبيا الا وقد كان محمد صلى الله عليه وآله اعلم منه قال قلت ان عيسى بن مريم كان يحيي الموتى باذن الله تعالى قال صدقت وسليمن بن داود كان يفهم كلام الطير قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل فقال ان سليمن بن داود عليه السلم قال للهدهد حين فقده وشك في امره ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين وكانت المردة والريح والنمل والجن والانس والشياطين له طائعين وغضب عليه فقال لاعذبنه عذابا شديدا او لاذبحنه او ليأتيني بسلطان مبين وانما غضب عليه لانه كان يدله على الماء فهذا وهو طير قد اعطي ما لم يعط سليمن وانما اراده ليدله على الماء فهذا لم يعط سليمن وكانت المردة له طائعين ولم يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه ان الله عز وجل يقول في كتابه ولو ان قرءانا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى فقد ورثنا نحن هذا القرءان فعندنا ما نسير به الجبال ونقطع به البلدان ونحيي به الموتى باذن الله عز وجل ونحن نعرف ما تحت الهواء وان كان في كتاب الله لا يات ما يراد بها امر من الامور التي اعطاها الله الماضين والمرسلين الا وقد جعل الله عز وجل ذلك كله لنا في ام الكتاب ان الله تبارك وتعالى يقول وما من غائبة في السماء والارض الا في كتاب مبين الحديث وبالجملة ما ورد عنهم عليهم السلم مما هو صريح في ان جميع ما وصل الى الملائكة والانبياء والمرسلين بل وجميع الخلق من العلوم بكل نوع فهو عندهم كثير لا يكاد يمكن حصره فعلى ما سمعت مما ذكرنا من الاحاديث قد يتوهم ان جميع ما عندهم هو جميع ما عند الملائكة والرسل والانبياء فهم مساوون لهم وليس كذلك وانما ذلك ان الانبياء والمرسلين والملائكة منذ خلقوا وكلفوا بما يراد منهم من تدبير انفسهم وتدبير من دونهم مما وكلوا به وان الله سبحانه بعظيم فضله وجزيل منه ولطيف صنعه وسابغ احسانه انهى اليهم علم ذلك كله وما يتوقف ما يراد منهم عليه من علم وعمل وقد انتهى ذلك كله الى محمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم وكان الله سبحانه قد خلق محمدا وآله صلى الله عليه وآله قبل خلق اولئك كلهم بالف دهر فبقوا في حجب الغيوب يسبحون الله ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه يطوفون حول حجب الاسرار قائمين باحكام الاقدار ولم يكن خلق معهم لا ارض ولا سماء ولا هواء ولا ماء ولا انس ولا جان وقد اعطاهم الله الجواد المتفضل من علوم تلك المقامات والمراتب ما انتظم به ذلك الوجود ولذلك عرف باياته المعبود سبحانه كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلم في خطبته حيث قال لم تكن الدعائم من اطراف الاكناف ولا من اعمدة فساطيط السجاف الا على كواهل انوارنا ونحن العمل ومحبتنا الثواب وولايتنا فصل الخطاب ونحن حجبة الحجاب ( حجة الحجاب خ ) الخ وجميع ما وصل الى الملائكة والانبياء والمرسلين ومن دونهم من الخلائق من العلوم في العلوم التي وصلت اليهم من الله سبحانه وخصهم بها ولم يطلع عليها احدا غيرهم كالقطرة في البحر الخضم الذي لا ساحل له ويؤيده ما في كتاب المختصر للحسن بن سليمن بسنده قال وجد في ذخيرة احد حواري عيسى عليه السلم رق مكتوب بالقلم السرياني منقولا من التورية وذلك لما تشاجر موسى والخضر عليهما السلم في قصة السفينة والغلام والجدار ورجع موسى الى قومه سأله هرون عما استعلمه من الخضر وشاهده من عجائب البحر قال بينما انا والخضر على شاطئ البحر اذ سقط بين ايدينا طائر اخذ بمنقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق ثم اخذ ثانية ورمى بها نحو المغرب ثم اخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء ثم اخذ رابعة ورمى بها نحو الارض ثم اخذ خامسة والقيها في البحر فبهت الخضر وانا قال موسى (ع) فسألت الخضر عن ذلك فلم يجب واذا نحن بصياد يصطاد فنظر الينا وقال ما لي اراكما في فكر وتعجب فقلنا في امر الطائر فقال انا رجل صياد وعرفت اشارته وانتما نبيان لا تعلمان قلنا لا نعلم الا ما علمنا الله عز وجل قال هذا طائر في البحر يسمى مسلم لانه اذا صاح يقول في صياحه مسلم واشار بذلك الى انه يأتي في آخر الزمان نبي يكون علم اهل المشرق والمغرب واهل السماء والارض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر ويرث علمه ابن عمه ووصيه فسكن ما كنا فيه من المشاجرة واستقل كل واحد منا علمه بعد ان كنا معجبين ومشينا ثم غاب الصياد عنا فعلمنا انه ملك بعثه الله عز وجل الينا يعرفنا بنقصنا حيث ادعينا الكمال ه وفي بصائر الدرجات باسناده الى ابي جعفر (ع) قال لما لقي موسى (ع) العالم كلمه وسائله نظر الى خطاف يصفر يرتفع في السماء ويتسفل في البحر فقال العالم لموسي اتدري ما يقول هذا الخطاف قال وما يقول قال يقول ورب السماء ورب الارض ما علمكما في علم ربكما الا مثل ما اخذت بمنقاري من هذا البحر قال فقال ابو جعفر عليه السلم اما لو كنت عندهما لسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما فيها علم ه وفيه عن ابي عبد الله (ع) وهو في الحجر فقال ورب هذه البنية ورب هذه الكعبة ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لاخبرتهما اني اعلم منهما ولا نبأتهما بما ليس في ايديهما ه وفي بعض روايات الحديث الاول واخذ قطرة فرمي بها نحو الشمال واخرى نحو الجنوب او كما قال او كمعناه وكلامهم عليهم السلم وادعيتهم وخطبهم واحاديثهم صريحة في هذا المعنى وانما قال عليه السلم وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته على ما هو الشأن الاعلى عند العوام
قال عليه السلم : والى جدكم بعث الروح الامين وان كانت الزيارة لامير المؤمنين عليه السلم فقل والى اخيك بعث الروح الامين
اقول المراد بالروح الامين جبرئل عليه السلم من قوله تعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين وقال علي بن الحسين عليهما السلم في دعائه لحملة العرش والملائكة المقربين من الصحيفة وجبريل الامين على وحيك المطاع في اهل سمواتك اشارة الى قوله تعالى انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين اما انه الروح فلأنه مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وليس المراد بالمجرد المتصف بالغني المطلق المستغني عن كل شيء حتى انه لا يحتاج في تقومه الى مادة ولا صورة ولا وقت كما توهمه بعض فقال من قال بالتجرد في شيء من الخلق فهو كافر كما ذكره صاحب البحار وغيره وانكروا هذا المعنى بالكلية وادعوا انه لم يرد في اخبار اهل العصمة عليهم السلم ما يوهم ذلك فضلا عما يدل عليه وليس الامر كما توهموا ولا كما ادعوا ولا كما انكروا من ورود شيء في ذلك بل الحق كما بيناه سابقا وهو ان مراد القائلين بالتجرد ان المجرد كالعقول والنفوس والارواح والملائكة الموكلين بما هنالك يراد منه انه مجرد عن العناصر الاربعة والزمان لا انه ليس له مادة بل له مادة نورانية من نوع ما نسب اليه فان كان ما نسب اليه عقلا فعقلانية وان كان روحا فروحانية وان كان نفسا فنفسانية وان كان طبيعة فطبيعية او مادة مجردة اي هيولي فهيولانية او شبحا فمثالية وله وقت وهو الدهر الذي هو وعاء مجردات كيف يكون مخلوق ولا مادة له بل لا بد له من مادة الا ان من المخلوقات ما خلق من مادة مخترعة لم تكن قبله شيئا ومنها ما خلق مادته من ذي المادة المخترعة هذا في الجواهر واما في الاعراض فكذلك الا ان مادة كل شيء بحسبه فمادة الجوهر اما مادة جوهرية مخترعة جل البديع وتعالى علوا كبيرا واما مادة عرضية خلقت من هيئة معروضها فان العرض خلق من هيئة الجوهر التي هي ماهيته وقابليته وماهيته وقابليته هي انفعال المادة عند فعل الفاعل فلا يكون شيء الا وله مادة وصورة ووقت ومكان الا الواحد الحق تعالى فان وقته ذاته ومادته عين ذاته وعين صورته اي كينونته ومكانه عين ذاته فلا مكان له ولا وقت ولا مادة ولا صورة بكل اعتبار فلا مغايرة فيه ولا كثرة لا في الفرض ولا في الاعتبار ولا في التقدير لان كل هذه من الممكنات ولا امكان فيه تعالى اذ لا يجري عليه ما هو اجراه فاذا قلنا ان النفوس والعقول والملائكة مجردات فنريد هذا المعنى ولهذا نحن نعتقد ان النفس مجردة وانها جسم لطيف وكذلك جميع الملائكة نعم لنا عبارات نستعملها في محلها لا في غيرها الملائكة العقلانية والعقول جواهر مجردة والملائكة النفسانية والنفوس اجسام لطيفة والكل عندنا مجرد يعني عن المدة الزمانية والمادة العنصرية لا مطلقا وقولهم ان التجرد المدعى لغير الله تعالى لم يوجد في الاخبار غفلة عن الاخبار كيف وقد ذكرنا سابقا معنى ذلك في رواية كميل عن علي عليه السلم حين سأله الاعرابي فقال وما النفس اللاهوتية الملكوتية فقال قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدئت الموجودات واليها تعود الحديث فقوله قوة لاهوتية الخ صريح في التجرد بل اعظم مما نريد من التجرد وكذا ما رواه صاحب الغرر والدرر من قول علي عليه السلم وقد سئل عن العالم العلوي فقال (ع) صور عارية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث وهذا اصرح من الاول في ما ندعيه وقد تقدم وغير ذلك فانكاره ليس بصحيح وقوله الامين يعني به الامين على وحي الله في جميع ما اوحى اليه بان يؤديه الى الانبياء والرسل وفي الافاعيل التي وكل بها وما يترتب عليها من الاحكام مما في حيطة التسعين الاسم من الاسماء المتعلقة بربع الوجود وهو ركن الايجاد في العوالم الثلاثة ثلاثون اسما لعالم الجبروت في جميع ما يتعلق بايجاد العقول وثلاثون اسما لعالم الملكوت في جميع ما يتعلق بايجاد النفوس واما الارواح فبرزخ بين العقول والنفوس وثلاثون اسما لعالم الملك في جميع ما يتعلق بعالم الملك واما ان جبرئل عليه السلم مطاع ثم فما قاله زينالعابدين عليه السلم المطاع في اهل سمواتك وانما كان مطاعا في ملائكة السموات لانه صاحب الايجاد وصاحب الوحي والتبليغ الى الرسل وغيرهم وامين الله على وحيه فامره فيهم من وحي الله وفعل الله فلو لم يمتثلوا امره استحقوا العقوبة من الله تعالى وفي حديث العيون في المعراج عنه صلى الله عليه وآله حين وصل الى خازن النار مالك في سماء الدنيا لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها قال صلى الله عليه وآله فقلت لجبريل وجبرئل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم امين الاتأمره ان يريني النار فقال له جبريل يا مالك ار محمدا النار فكشف عنها غطاء وفتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت وارتفعت حتى ظننت لتتناولني مما رأيت فقلت يا جبريل قل له فليرد عليها غطاءها وفيه ثم صعدنا الى السماء الرابعة الى ان قال ثم رأيت ملكا جالسا على سرير تحت يديه سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه هو فصاح به جبرئل عليه السلم فقال قم فهو قائم الى يوم القيمة الحديث فانظر كيف تمتثل الملائكة امر جبريل عليه السلم لانه مطاع فيهم لكونه القائم بركن الايجاد بالتسعين الاسم كما ذكرنا سابقا وصاحب الوحي والتبليغ وصاحب الكسوف والخسوف والزلازل والصيحات والصواعق واما قوله فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه هو فالظاهر والله سبحانه اعلم ان المراد انه وقع في نفسه انه روح القدس لما رأى من جلالته وكثرة جنوده فابان له جبريل عليه السلم انه خادم يمتثل امر جبريل عليه السلم الذي هو خادم للروح فامره بالقيام المشعر بالخدمة وقول زين العابدين عليه السلم المكين لديك المقرب عندك اشار به الى قوله تعالى ذي قوة عند ذي العرش مكين وانما خص كونه مكينا عند ذي العرش دون سائر الصفات لان العرش هو المظهر الجامع للرحمة الواسعة وكان العرش ينقسم الى اربعة اركان ركن احمر احمرت منه الحمرة وفيه مائة وخمسون الف ركن يحمل كل ركن منها ستمائة الف ملك ومائة وخمسون ملكا وهذا ركن الخلق من قوله تعالى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ومنهم المتلقي عنه والقائم بجهات هذه الملائكة الحاملين له جبريل عليه السلم ويعينه اسرافيل بنصف قوته وعزرائيل بنصف قوته وركن اخضر اخضرت منه الخضرة وفيه مائة وخمسون الف ركن يحمل كل ركن منها ستمائة الف ملك ومائة وخمسون ملكا وهذا ركن الممات ومنهم المتلقى عنه والقائم بجهات هذه الملائكة الحاملين له عزرائيل عليه السلم ويعينه جبرئل بنصف قوته وميكائيل بنصف قوته وركن اصفر اصفرت منه الصفرة وفيه مائة وخمسون الف ركن يحمل كل ركن ستمائة الف ملك ومائة وخمسون ملكا وهذا ركن الحيوة ومنهم المتلقى عنه والقائم بجهات هذه الملائكة الحاملين له اسرافيل عليه السلم ويعينه جبريل بنصف قوته وميكائل بنصف قوته وركن ابيض منه البياض ومنه ضوء النهار وفيه مائة وخمسون الف ركن يحمل كل ركن منها ستمائة الف ملك ومائة وخمسون ملكا وهذا ركن الرزق ومنهم المتلقى عنه والقائم بجهات هذه الملائكة الحاملين له ميكائيل عليه السلم ويعينه اسرافيل بنصف قوته وعزرائيل بنصف قوته وكل واحد من هؤلاء الملائكة الاربعة الحاملين للعرش يعني المتلقين عن اركانه يحمل ما حمل منه بثلاثة احرف من الاسم الاعظم وهي بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين ومعنى قولي في كل واحد يتلقى عن ركن ان المراد بالاركان اربعة ملائكة وهو ( وهم ظ ) العالون الذين لم يسجدوا لادم لان السجود انما هو لاجل ظهور انوارهم في صلب آدم عليه السلم وهو الروح من امر الله ويطلق على ملكين احدهما الابيض وهو المعبر عنه بالقلم وبالعقل الكلي وهو عقل محمد صلى الله عليه وآله وثانيهما الاصفر وهو المعبر عنه بالروح في قوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله روحي واشار علي بن الحسين عليهما السلم اليهما معا بقوله والروح الذي هو من امرك فانه يطلق عليهما فاشار بهذا الى ركنين واشار الى الركنين الاخرين بقوله والروح الذي هو على ملائكة الحجب فانه يطلق على الاخضر والاحمر والمراد بملائكة الحجب الكروبيون وهم شيعة علي واهل بيته عليهم السلم من الخلق الاول اي من عالم الغيب جعلهم الله خلف العرش وهذه الاربعة هم اركان العرش وهم الانوار الاربعة ويعبر عن الاخضر باللوح وقد اشار الصادق عليه السلم كما رواه في المعاني في معنى نون والقلم وما يسطرون قال (ع) واما نون فهو نهر في الجنة قال الله عز وجل اجمد فجمد فصار مدادا ثم قال عز وجل للقلم اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن الى يوم القيمة فالمداد من نور والقلم قلم من نور واللوح لوح من نور قال سفين فقلت له يا ابن رسول الله (ص) تبين لي امر اللوح والقلم والمداد فضل بيان وعلمني مما علمك الله فقال يا ابن سعيد لولا انك اهل للجواب ما اجبتك فنون ملك يؤدي الى القلم وهو ملك والقلم يؤدي الى اللوح وهو ملك واللوح يؤدي الى اسرافيل واسرافيل يؤدي الى ميكائيل وميكائيل يؤدي الى جبرئل وجبرئل يؤدي الى الانبياء والرسل ثم قال (ع) لي قم يا سفين فلا امن عليك ه
والحاصل الاربعة الملائكة المذكورة المشار اليها هي الانوار الاربعة التي هي اركان العرش في حديث علي بن الحسين عليه السلم واسرافيل وميكائل وجبرئل وعزرائيل هم حملة العرش يعني المتلقين عن الاربعة الاول الذين هم العالون وروي في البحار من الاختصاص عن ابن عباس في حديث طويل في مسائل عبد الله بن سلام فاخبرني عن جبريل في زي الاناث ام في زي الذكور قال صلى الله عليه وآله في زي الذكور ليس في زي الاناث قال فاخبرني ما طعامه قال طعامه التسبيح وشرابه التهليل قال صدقت يا محمد قال فاخبرني ما طول جبريل قال انه على قدر بين الملائكة ليس بالطويل العالي ولا بالقصير المتداني له ثمانون ذوابة وقصة جعدة وهلال بين عينيه اغر ادعج محجل ضوءه ما بين الملائكة كضوء النهار عند ظلمة الليل له اربع وعشرون جناحا خضراء مشبكة بالدر والياقوت مختمة باللؤلؤ وعليه وشاح بطانته الرحمة ازراره الكرامة ظهارته الوقار ريشه الزعفران واضح الجبين اقنى الانف سائل الخدين مدور الجبين حسن القامة لا يأكل ولا يشرب ولا يمل ولا يسهو قائم بوحي الله الى يوم القيمة قال صدقت يا محمد والحديث طويل اقول وروي ان له ستمائة جناح كل جناح ما بين المشرق والمغرب وروي انه ينغمس كل يوم في عين الحيوان فينتفض فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا من ذهب فتطير تلك الملائكة وتقع على سدرة المنتهى فتكون صفراء وهو قوله تعالى اذ يغشى السدرة ما يغشى ولعل الجمع بينهما ان المراد بكل جناح من الاربع وعشرين جناح نوعية هي خمسة وعشرون جناحا شخصية والله اعلم والروح الامين بقرينة بعث الظاهر ان المراد منه جبرئل عليه السلم وبكون المراد منه في الاية اياه والا فيحتمل ان يكون هو الروح الذي هو من العالين لانه لم ينزل قبل محمد صلى الله عليه وآله الى احد قط ومنذ نزل لم يصعد قط ويكون الثناء ببعثه الى جدهم ابلغ بخلاف جبرئل عليه السلم فانه نزل على جميع الانبياء والرسل عليهم السلم ويصعد وينزل فان قلت ان قول الزائر انما هو في مقام الثناء عليهم عليهم السلم لا في مقام الثناء على جدهم صلى الله عليه وآله فذكر الثناء على جدهم صلى الله عليه وآله اما لانه لا ينزل الروح الامين اليهم وهذا مخالف لما دلت عليه الاحاديث المتكثرة من انه ينزل اليهم ويخدمهم وانما انكسرت الملائكة عنه حين فاخروه لانه افتخر بخدمتهم وهذا معلوم وكثيرا ما ينزل في حجراتهم ويطأ فرشهم مع الملائكة الكروبيين واما انه ينزل ولكن لا فخر لهم في نزوله عليهم وانما الفخر في نزوله على جدهم ويلزم انهم افضل من جدهم صلى الله عليه وآله ولا شك انهم انما شرفوا بجدهم صلى الله عليه وآله قلت ان قول الزائر انما هو في مقام الثناء عليهم بنزول الروح الامين على جدهم صلى الله عليه وآله وان كان ينزل اليهم ولكنه انما ينزل اليهم للخدمة او لبيان ما ابهم فيما انزل على جدهم صلى الله عليه وآله او وقت او شرط او حان وقته وكلها تفريع وبيان لما نزل على جدهم ولم ينزل عليهم بوحي مؤسس لان الوحي قد انقطع بموت محمد صلى الله عليه وآله ولهذا قال جبرئل عليه السلم حين حضرت جدهم صلى الله عليه وآله الوفاة هذا آخر نزولي الى الدنيا فالان اصعد ولا انزل ابدا يعني لا انزل بوحي مؤسس لان ذلك انقطع بموت خاتم النبوة صلى الله عليه وآله وان كان ينزل ببيان مبهم وحضور مؤجل وحتم مشروط وغير ذلك ومن ثم قال والى جدكم بعث الروح الامين ولم يقل نزل وان كان يستعمل في المعنى المراد من بعث الا ان ذكر بعث قرينة الوحي المؤسس مأخوذ من بعث بمعنى ارسل الظاهر في الرسالة والنبوة لان اصله من بعث من مات لان النبوة والرسالة تحيي ميت القلوب والدين ونزول الملك بالوحي المؤسس افضل من نزوله بالوحي المبين لان هذا تابع ولم ينزل بالمؤسس الا على جدهم محمد صلى الله عليه وآله وهو فخرهم وشرفهم وبه شرفوا فصح قصد الثناء عليهم بما هو ثناء على جدهم صلى الله عليه وآله فان قلت انما يصح الثناء على جدهم صلى الله عليه وآله اذا كان جبريل افضل منه ليكون بعثه اليه شرفا في حقه واما على العكس فلا يكون ثناء قلت انما كان الثناء ببعث جبريل لكونه بعثا بالوحي والقرءان لا من جهة خصوص بعث جبرئل عليه السلم وقد قال تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا الاية وقال تعالى في القرءان وانه لذكر لك ولقومك اي وانه لشرف لك فان قلت تفصيت من اشكال ووقعت في مثله واشكل فان المعروف ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله افضل من جميع ما خلق الله فان جعلت القرءان قديما كما هو مذهب الاشاعرة فلا اشكال ولكنه مخالف لما عليه الفرقة المحقة ودل عليه الدليل القطعي العقلي والنقلي على حدوثه واذا قلنا بحدوثه كان صلى الله عليه وآله افضل من القرءان وكذلك آله عليهم السلم ويعود الاشكال قلت قد دل الدليل العقلي والنقلي على ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله افضل من القرءان مثل انا كتاب الله الناطق وهذا كتاب الله الصامت ومثل قولهم عليهم السلم على اختلاف عباراتهم في هذا المعنى وهو اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا الحديث وقولنا انهم افضل من القرءان لا ينافي كونهم مربوبين وان لهم ربا يؤبون اليه في كل شيء واما كون القرءان الثقل الاكبر وهم الثقل الاصغر فالمراد ان القرءان هو عقلهم وقرين عقلهم وذلك في قوله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا الاية فان المراد بالروح من امر الله هو العقل الكلي المذكور سابقا وهو عقله صلى الله عليه وآله في قوله (ص) اول ما خلق الله العقل وقول الصادق عليه السلم وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وقوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله القلم اول ما خلق الله نوري اول ما خلق الله روحي اول ما خلق الله عقلي اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر اول ما خلق الله الماء على اختلاف الروايات من الفريقين واتفاقهم على ان المراد بها شيء واحد وضمير جعلناه نورا يعود الى القرءان ولم يتقدم له ذكر وانما ذكر الروح من امرنا وهو الملك والاشارة الى بيان المقام على جهة الاقتصار ان القلم والعقل وما اشبهه من المذكورات يراد منها عقله صلى الله عليه وآله والعقل هو وجه الفؤاد والوجود والحقيقة والذات والعقل وزيره ايضا وهو مرءاة الحقيقة اليمنى ووجهها وهذه الحقيقة المحمدية هي محل المشية وزيتها وبعد تعلق نار المشية بالزيت وجد السراج والمصباح وهو هذا العقل ولا ريب ان الحقيقة اشرف من العقل ولما اوجد الله سبحانه ذلك المصباح من نور تلك الحقيقة المحمدية التي هي الشجرة المباركة التي اعتصر منها الزيت واخرج منها النار افترق ذلك المخلوق منها الذي هو المصباح الى لفظ ومعنى متساوقين احدهما مبني على صاحبه فالمعنى عقلهم واللفظ قرءانهم فعقلهم قرءان وقرءانهم عقل فلما تنزل الى عالم الشهادة كان الامام شريك القرءان فان قسمت هذا الحجة الظاهرة الى عقل وجسم كان العقل الذي هو القرءان كما اتحدا في الاية المتقدمة فانهم الثقل الاكبر والجسم الحامل للقرءان الثقل الاصغر فالعقل اكبر من الجسم وافضل والعاقل اكبر من العقل وافضل فمن حيث ان القرءان عقلهم وقسيم عقلهم وان جميع علومهم مستندة اليه وان هذا هو المعروف بين عامة المكلفين والمخاطبين وانهم لو قيل علمهم من غير القرءان مثلا لانكرهم الرعية وكذبوهم واتهموهم ولما ركنوا الى قولهم ولا اطمئنوا بالائتمام بهم والاخذ عنهم فمن حيث ذلك كله وما اشبهه حسن ان يقال هو الثقل الاكبر مع انه بالنسبة الى اجسامهم عند الانقسام كذلك ومن حيث انهم الكتاب الناطق والعاقلون فهم مجموع القسمين اكبر وافضل مع ان الحقيقة الجامعة للكل حقيقتهم وان العقل والقرءان نور تلك الحقيقة وصفتها وفرعها فهم افضل واكبر ولكن لما كان ما اخبروا به من العلوم وما اضمروا مستندا الى القرءان والى الوحي صح كون نسبته اليهم ثناء عليهم وفخرا لهم ولا منافاة كما ان الشخص جميع ما عنده من العلوم تنسب الى عقله ومنه صدرت ويصح الثناء عليه بها بل يصح الفخر والثناء للمرء بعبيده وخيله واعماله وافعاله وهو اكبر وافضل منها وتمدح الشجرة ويبدو حسنها بورقها الذي يستمد منها ويفتقر اليها وقد اشار صلى الله عليه وآله الى ذلك بقوله تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم الامم الماضية والقرون السالفة يوم القيمة ولو بالسقط واعلم اني اجملت الامر فان اشكل عليك شيء فتدبر كلامي لاني اقتصرت خوفا من الاطالة والمقام مقام دقيق ولكن اذا فهمت المراد فقد شربت شربة لم تظمأ بعدها ابدا فان قلت بقي شيء وهو انه قد تقدم فيما ذكرت ورويت ان الاربعة العالين اشرف الملائكة وافضلها وفي حديث سفين المتقدم ان القلم وهو ملك يؤدي الى اللوح وهو ملك وهو يؤدي الى اسرافيل وهو يؤدي الى ميكائل وهو يؤدي الى جبريل وحيث علم بالحديث المذكور وغيره وبالدليل العقلي ان السابق المؤدي افضل من اللاحق المؤدي اليه وهذا ظاهر ومعنى هذا ان يكون القلم افضل من اللوح وهو افضل من اسرافيل وهو افضل من ميكائيل وهو افضل من جبرئل وجبرئل افضل من محمد صلى الله عليه وآله وقد علم وانت ذكرت ايضا ان جبرئل خادم لهم بل قد روي ان رجلا من شيعتهم وهو سلمن افضل من جبريل كما رواه في الاحتجاج واذا كان كذلك كيف يكون واسطة بينه وبين الله سبحانه فان ذلك يقتضي ان يكون جبرئل افضل قلت لا اشكال في كونهم افضل خلق الله وانما ثبت فضل لاحد من خلق الله من فاضل فضلهم ولامتثاله لامرهم وقيامه بواجب حقهم لا فرق في ذلك بين الملائكة المقربين والانبياء والمرسلين ولا بين سائر الحيوانات والنباتات والجمادات ولا الذوات والصفات وانما تفاضلت المخلوقات في الفضل لتفاضلها في القرب منهم والقيام بولايتهم لكن لما كانوا علة الموجودات كما تقدم مكررا كان كل شيء اذا نسب اليهم كجزء من نور الشمس اذا نسب اليها وكالجزء من الشعاع اذا نسب الى السراج وكالصورة في المرءاة اذا نسبت الى الشاخص وكالصوت اذا نسب الى الصائت وكالاثر اذا نسب الى المؤثر فجميع الموجودات بنحو هذه النسب اليهم (ص) والشيء قد يتوسط بعض آثاره وصفاته وافعاله وقواه بينه وبين مطلبه وجبريل عليه السلم من حقيقة محمد صلى الله عليه وآله شأن من شؤنه وشعاع من نوره فهو في الحقيقة يأخذ من حقيقة محمد صلى الله عليه وآله بل من عقله لان جبريل كالشأن وكالخطرة التي ترد عليك فانك قد تنسى الشيء ثم قد تسئل عنه فتقول لا ادري ثم قد تذكره فتقول جاء على بالي كذا او تقول خطر على قلبي كذا فهذا الوارد الذي اتاك حتى ذكرك ما نسيت فمن اين اتاك بما نسيته انما اتاك من قلبك او من فؤادك الذي هو وجودك وحقيقتك فقد اخذ ذلك الوارد الذي هو التفاتة من عقلك ما نسيته واتى به الى خيالك فتصورته فقلت لمن سألك عن تلك المسئلة التي نسيتها جاء على خاطري كذا فالذي اتاك به هو الوارد وهو التفاتة عقلك اخذ المسئلة من قلبك فاتى بها الى خيالك يعني اخذ منك واتى به اليك فجبرئل هو هذا الوارد اخذ من عقله وقلبه واتى به اي بالوحي اليه والعقل والقلب واحد ولكن اذا قلت اخذ من عقله تبادر الى الملك الذي هو الملك من امر الله والقلم وروح القدس والروح والعقل الكلي والمراد واحد واذا قلت اخذ من قلبه تبادر الى العرش الذي هو عبارة عن اربعة اركان احدها هذا الملك الذي هو العقل وهو اعلاها واعظمها فقوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن معناه الرحمن على العرش استوى وقوله الرحمن على العرش استوى يعني ظهر بالولاية فاعطى كل ذي حق حقه وروي ان النبي صلى الله عليه وآله قال يا جبريل من اين تأخذ الوحي قال من ميكائيل قال وميكائيل من اين يأخذ الوحي قال من اسرافيل قال واسرافيل من اين يأخذ الوحي قال من ملك قال وذلك الملك من اين يأخذ الوحي قال يلهمه الله الوحي او قال يقذف الله الوحي في قلبه ه نقلت الحديث بالمعنى وهذا كما سمعت فيما مر عليك في تفسير نون في رواية سفين فان قلت فما معنى قوله في الحديث السابق حديث المعراج في شأن النبي صلى الله عليه وآله فوقع في نفسه انه هو وهذا ينافي العصمة وان معه ملكا يسدده قلت يجري عليه صلى الله عليه وآله هذا ومثله اذا غاب عنه الملك المسدد وكذلك الائمة عليهم السلم ولكنه اذا غاب عنهم لا يغيب الا باذن الله تعالى ليقع منهم بعض مقتضي البشرية ليفرق بينهم وبين حال الربوبية الذي لا يشغله شأن عن شأن وهم يشغلهم شأن عن شأن يعني اذا اقبلوا على شأن وارادوا الاقبال على شأن آخر انتقلوا عن الاول الى الاخر فيدركون الشأنين المتغايرين باقبالين متعاقبين وان لم يكن كم زماني بين الاقبالين منهم كما بين الاقبالين منا بل قد يكون كما دهريا او كما سرمديا كما اشار تعالى اليه في قوله ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه فاذا لم يكن له الا قلب واحد وجب له التنقل في الامور المتغايرة المتباعدة ولا كذلك حكم الربوبية وما اشار ابن الجوزي لمن سأله وهو يخطب وقيل ان علي بن ابي طالب تقولون انه لا يغفل عن الله طرفة عين خصوصا في صلاته فكيف اشعر بالسائل حين تصدق بالخاتم فقال على الفور :
يسقى ويشرب لا تلهيه سكرتهذ عن النديم ولا يلهو عن الكاس
اطاعه سكره حتى تمكن منفعل الصحاة فهذا واحد الناس
غير مناف لما قلنا لانه عليه السلم اشعر بالسائل لله واعطاه لله تعالى وهذا من الله الى الله كما لو ذكر الله في الصلوة او صلى على محمد وآله صلى الله عليه وآله فانه لا ينافي الاقبال على الله ولا ينافي الصلوة ولا يعد اجنبيا منها منافيا ما لم يكن كثيرا مخلا بنظمها او بقراءتها او الموظف فيها او ما حيا لها على ان ما يقع منهم من هذا النحو لا يقع بما يتعلق بشيء من امور الدين ولا يقع منهم منافي الدين وانما يقع ما يخصهم ومع هذا كله فيقع بصنع من الله سبحانه وتعالى فيهم لغرض يكون فعله في الحكمة ارجح من تركه فان الضرر الذي يدفع به الاضر نفع باعتبار ما يراد منه كالقطع والكي طلبا للسلامة والعافية كيف لا يكون المعصوم كذلك والله سبحانه يقول وانك لعلى خلق عظيم ويقول الله اعلم حيث يجعل رسالته
وقوله عليه السلم : وان كانت الزيارة لامير المؤمنين عليه السلم فقل : والى اخيك بعث الروح الامين
يشير فيه الى ان عليا هو اخو رسول الله صلى الله عليه وآله من حديث المواخاة وهو مشهور بين الفريقين ولم يرد ان رسول الله صلى الله عليه وآله جد لعلي عليه السلم في استعمال ما فلا يكون بينه وبين اهل بيته فرق وانما لم يقل والى ابيك بعث الروح الامين مع انه ورد في تسميته صلى الله عليه وآله اباالقاسم ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان ابا لعلي عليه السلم وكان حين وضعته امه فاطمة بنت اسد في جوف الكعبة وخرجت به دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخل اهتز امير المؤمنين عليه السلم وضحك في وجهه وقال السلام عليك يا رسول الله (ص) ورحمة الله وبركاته ثم تنحنح باذن الله تعالى وقال بسم الله الرحمن الرحيم قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون الخ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قد افلحوا بك وقرأ تمام الايات الى قوله اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انت والله اميرهم تميرهم من علومك فيمتارون وانت والله دليلهم وبك يهتدون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة اذهبي الى عمه حمزة فبشريه به فقالت فاذا خرجت انا فمن يرويه قال انا ارويه فقالت فاطمة انت ترويه قال نعم وذلك قول الله تعالى فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قال فسمى ذلك اليوم يوم التروية الحديث فكان يرضعه من ابهام يده وفي معاني الاخبار باسناده الى الحسن بن علي بن فضال قال سألت الرضا عليه السلم لم كنى النبي صلى الله عليه وآله بابي القاسم قال لانه كان له ابن يقال له قاسم فكنى به قال فقلت له يا ابن رسول الله (ص) فهل تراني اهلا للزيادة فقال نعم اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال انا وعلي ابوا هذه الامة قلت بلى قال اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله اب لجميع امته وعلي عليه السلم فيهم بمنزلته قلت بلى قال اما علمت ان عليا قاسم الجنة والنار قلت بلى قال فقيل له ابو القاسم لانه ابو قاسم الجنة والنار فقلت له وما معنى ذلك فقال ان شفقة النبي صلى الله عليه وآله على امته شفقة الاباء على الاولاد وافضل امته علي عليه السلم ومن بعده شفقة علي عليه السلم عليهم كشفقته صلى الله عليه وآله لانه وصيه وخليفته والامام بعده فلذلك قال النبي صلى الله عليه وآله انا وعلي ابوا هذه الامة الحديث لان كونه ابا لعلي صلى الله عليهما وآلهما غير مشهور وغير معروف فقد يحصل من ينكره او يتردد في معناه بخلاف الاخوة
قال عليه السلم : آتاكم الله ما لم يؤت احدا من العالمين
قال الشارح المجلسي قدس سره فان اريد بالخطاب النبي مع الائمة صلى الله عليه وعليهم فظاهر والا فالنبي صلى الله عليه وآله مستثنى منه انتهى
اقول هذه الفقرة من قوله تعالى حكاية عن قول موسى عليه السلم لقومه واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا وآتيكم ما لم يؤت احدا من العالمين يعني آتاكم ما لم يؤت احدا من الخلق او من عالمي زمانهم وممن قبلهم من فلق البحر وتظليل الغمام وانزال المن والسلوى وغير ذلك مما آتيهم ولم يؤت غيرهم والاظهر عند اكثر المفسرين ان المخاطبين في الاية هم امة موسى عليه السلم وعن سعيد بن جبير وابي مالك ان المخاطبين في الاية امة محمد صلى الله عليه وآله فعلى القول الاخير يجوز ان يراد بموسى محمد صلى الله عليه وآله وقومه بنو اسرائيل وبنو اسرائيل آل محمد ففي رواية العياشي عن الصادق عليه السلم انه سئل عن قول الله تعالى يا بني اسرائيل فقال هم نحن خاصة ه وهذا اما لان اسرائيل بمعنى عبد الله ومحمد صلى الله عليه وآله هو عبد الله قال وانه لما قام عبد الله يدعوه واما لان اسرائيل مثل له صلى الله عليه وآله فتتبادر الارادة والقصد عند الاطلاق اليه وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه سمع يقول انا عبدك اسمي احمد انا عبد الله اسمي اسرائيل فما امره فقد امرني وما عناه فقد عناني ه وعليه يكون المراد بالعالمين كل ما يصح ان يعلم ويعلم ويعلم به وذلك كل الخلق لان الله سبحانه خلقهم له وحده ويلزم خلقهم له ما به بقاؤهم واستمدادهم لما هم له ولما لهم وخلق الخلق لهم وجعلهم اولياء على خلقه قواما على بريته فوجب لهم في الحكمة كل ما يحتاج اليه رعيتهم وهذا عند رعيتهم مفرقا على جميعهم وجميع ما خلق لهم اي للرعية ووجب لهم في الحكمة كل ما يخصهم مما به بقاؤهم واستمدادهم لما هم له ولما لهم ووجب لهم في الحكمة ما به قاموا بخدمته فيما يشاء كما يشاء فهو سبحانه اتى جميع العالمين الذين هم جميع الخلق جميع ما يحتاجون اليه في احوال النشأتين وما به صلاحهم وبقاء نظامهم في الدارين مفرقا بمعنى ان بعض ذلك يوجد عند بعض العالمين وبعضه يوجد عند البعض الاخرين ولم يجمع الكل عند احد منهم الا محمد واهل بيته المعصومين صلى الله عليه وآله الطاهرين فانه جمع لكل واحد منهم جميع ما كان عند جميع الخلائق مفرقا فهم عليهم السلم مساوون لكل الخلق اي كل واحد منهم مساو لكل الخلق اعطي الخلق مما في قوابلهم وسعه وزادهم الله على جميع الخلائق ما يختصون به مما به بقاؤهم واستمدادهم لما هم له سبحانه ولما هم لهم وما اعطى جميع الخلائق في هذا الا كجزء من مائة الف جزء من مثقال الذر مما يختصون به وزادهم على ما يختصون به ما به قاموا بخدمته فيما يشاء كما يشاء وما يختصون به من هذا جزء من سبعين جزءا وهاتان الزيادتان لم يعطهما ولا شيئا منهما احدا من خلقه لا مجتمعا ولا مفرقا ولا يحتملهما سواهم فصح بهما او باحدهما ان يقال اتيهم ما لم يؤت احدا من العالمين وعلى قول الاكثر من المفسرين للاية يراد بالعالمين عالمي اهل زمان بني اسرائيل فالعموم مخصص بما علم من الدين فان اجماع المسلمين منعقد بان محمدا صلى الله عليه وآله آتاه الله ما لم يؤت احدا من الاولين والاخرين واحاديث اهل العصمة عليهم السلم متظافرة بان جميع ما وصل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وصل اليهم وذلك كما دل عليه ما ورد عنهم في تفسير قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها ففي معاني الاخبار بسنده الى يونس ابن عبدالرحمن قال سألت موسى بن جعفر عليه السلم عن قول الله عز وجل ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها فقال هذه مخاطبة لنا خاصة امر الله تبارك وتعالى كل امام منا ان يؤدي الى الامام الذي بعده ويوصي اليه ثم هي جارية في سائر الامانات الحديث وفي الكافي بسنده الى المعلي بن خنيس قال سألت ابا عبد الله عليه السلم عن قول الله عز وجل ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها قال امر الله الامام الاول ان يدفع الى الامام الذي بعده كل شيء ه وغير ذلك فانهي رسول الله صلى الله عليه وآله جميع ما انتهى اليه من الله سبحانه الى علي عليه السلم وامره ان يدفع جميع ذلك الى من بعده وكذلك امر من بعده واحدا بعد واحد الى آخرهم يجري لاخرهم ما يجري لاولهم كما نصوا عليه في احاديثهم ومن ذلك ما رواه في بصائر الدرجات بسنده الى ابي جعفر الثاني عليه السلم قال فضل امير المؤمنين عليه السلم ما جاء به اخذ به وما نهى عنه انتهى عنه وجرى له من الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله مثل الذي جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله والفضل لمحمد صلى الله عليه وآله المتقدم بين يديه كالمتقدم بين يدي الله ورسوله والمتفضل عليه كالمتفضل على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله والراد عليه في صغيرة او كبيرة على حد الشرك بالله فان رسول الله صلى الله عليه وآله باب الله الذي لا يؤتى الا منه وسبيله الذي من سلكه وصل ( الى ظ ) الله وكذلك كان امير المؤمنين عليه السلم من بعده وجرى في الائمة عليهم السلم واحدا بعد واحد جعلهم الله اركان الارض ان تميد باهلها وعمد الاسلام ورابطة على سبيل هداه ولا يهتدي هاد الا بهداهم ولا يضل خارج من هدى الا بتقصير عن حقهم وامناء الله على ما اهبط من علم او عذر او نذر والحجة البالغة على من في الارض يجري لاخرهم من الله مثل الذي جرى لاولهم ولا يصل احد الى شيء من ذلك الا بعون الله وقال امير المؤمنين عليه السلم انا قسيم الجنة والنار لا يدخلها ( لا يدخلهما ظ ) داخل الا على حد قسمي وانا الفاروق الاكبر وانا الامام لمن بعدي والمؤدي عمن كان قبلي ولا يتقدمني احد الا احمد صلى الله عليه وآله واني واياه لعلى سبيل واحد الا انه هو المدعو باسمه ولقد اعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا والانساب وفصل الخطاب واني لصاحب الكرات والرجعات ودولة الدول واني لصاحب العصي والميسم والدابة التي تكلم الناس ه اقول قوله عليه السلم الا انه هو المدعو باسمه يعني به اني انا شريكه في جميع الكمالات الا انه مسمى باسم غير اسمي يدعا به وبه يتميز ويحتمل اني شريكه في العلم والولاية المطلقة وغير ذلك الا انه يدعا بالنبي ولا ادعا به او ان الله سبحانه صرح باسمه في كتابه عند الخطاب بالوحي ولم ادع بذلك او انه اذا دعي باسمه تميز مني واذا دعيت باسمي لم اتميز منه يعني باسم الصفة فانه كما قال عليه السلم في وصف الاسلام الى ان قال فيه تفصيل وتوصيل وبيان الاسمين الأعلين اللذين جمعا فاجتمعا لا يصلحان الا معا يسميان فيعرفان ويوصفان فيجتمعان قيامهما في تمام احدهما في منازلهما لهما جرى بهما ولهما نجوم وعلى نجومهما نجوم الخطبة قوله يسميان فيعرفان اي يسميان محمد وعلي فيتميزان يوصفان نبي وولي فيجتمعان اذ لا منافاة بين النبي والولي فان النبي ولي يعني اذا دعيت باسمي فقيل ولي لم اتميز منه فاني ولي وهو ولي واذا دعي باسمه فقيل نبي تميز مني وقوله عليه السلم واني لصاحب الكرات يعني به صاحب الحملات في الحروب كما قال صلى الله عليه وآله فيه كرار غير فرار او صاحب الرجعات كما قال عليه السلم ولي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة او كما قيل ان له رجعة قبل قيام القائم عليه السلم ومعه وبعده اقول وانا لم يحضرني رواية تدل على ان له عليه السلم رجعة قبل القائم عليه السلم بل الاخبار التي وقفت عليها انما تدل على ان له رجعتين مع القائم (ع) وبعده وقد تقدم الكلام على هذا في ذكر الرجعة وهذا القائل وهو الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني في كتابه الذي الفه المعروف بالعوالم هو اعرف بما قال وقيل في معنى صاحب الكرات انه عرض عليه الحق كرات في الميثاق في عالم الاظلة والذر وفي الرحم وعند الولادة وعند الموت وفي القبر وعند البعث وعند الحساب وعند الصراط وعند الجنة والنار وغيرها ومن ذلك ما روي في بصائر الدرجات بسنده الى ابي جعفر الثاني عليه السلم قال قال ابو عبد الله عليه السلم انا انزلناه نور كهيئة العين على رأس النبي والاوصياء صلى الله عليه وآله لا يريد احد منا علم امر من امر الارض او من امر السماء الى الحجب التي بين الله وبين العرش الا رفع طرفه الى ذلك النور فراى تفسير الذي اراد فيه مكتوبا وفيه بالسند المذكور قال يعني ابا جعفر الثاني عليه السلم سأل ابا عبد الله عليه السلم رجل من اهل بيته عن سورة انا انزلناه في ليلة القدر فقال ويحك سألت عن عظيم اياك والسؤال عن مثل هذا فقام الرجل فاتيته يوما فاقبلت عليه فسألته فقال انا انزلناه عند الانبياء والاوصياء لا يريدون حاجة من السماء ولا من الارض الا ذكروها لذلك النور فاتيهم بها فان مما ذكر علي ابن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه من الحوائج انه قال لابي بكر يوما لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم فاشهد ان رسول الله صلى الله عليه وآله مات شهيدا فاياك ان تقول انه ميت والله ليأتينك فاتق الله اذا جاءك الشيطان غير متمثل به فقال ان جاءني والله اطعته وخرجت مما انا فيه قال فذكر امير المؤمنين عليه السلم لذلك النور فعرج الى ارواح النبيين فاذا محمد صلى الله عليه وآله قد البس وجهه ذلك النور واتى وهو يقول يا ابا بكر آمن بعلي وباحد عشر من ولده (ع) انهم مثلي الا النبوة وتب الى الله برد ما في يديك اليهم فانه لا حق لك فيه قال ثم ذهب فلم ير فقال ابو بكر اجمع الناس فاخطبهم بما رأيت وابرأ الى الله مما انا فيه اليك يا علي على ان تؤمنني قال (ع) ما انت بفاعل ولولا انك تنسى ما رأيت لفعلت قال فانطلق ابو بكر الى عمر ورجع نور انا انزلناه الى علي فقال له قد اجتمع ابو بكر مع عمر فقلت او علم النور قال ان له لسانا ناطقا وبصرا نافذا يتجسس الاخبار ويستمع الاسرار ويأتيهم بتفسير كل امر يكتتم به اعداءهم فلما اخبر ابو بكر الخبر عمر قال سحرك وانها لفي بني هاشم لقديمة قال ثم قاما يخبران الناس فمادريا ما يقولان قلت لماذا قال لانهما قد نسياه وجاء النور فاخبر عليا عليه السلم خبرهما فقال بعدا لهما كما بعدت ثمود ه اقول قوله في الحديث الاول نور كهيئة العين الظاهر عندي ان المراد بالعين العين الباصرة يعني تنطبع فيه الاشياء كالعين او بها الابصار كالعين لانها آلة القوة الباصرة لان المراد بهذا النور على ما اعرف بحيث لا اكاد اشك فيه هو الروح من امر الله وهو عقلهم يعني العقل الكلي الذي يكون مع سائر الانبياء ببعض وجوهه يسددهم عن السهو والخطاء والنسيان وهو بكليته عند محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله منذ نزل عندهم لم يصعد ولا يصعد عنهم ابدا ولم ينزل قبلهم قط الا بوجه من وجوهه وهو نور ليلة القدر كما قال تعالى تنزل الملائكة والروح فهذا الروح هو نور هذه السورة لان مدار جميع ما ينزل في ليلة القدر من كل امر حكيم عليه ومنه وهو النور الابيض من انوار العرش وهو ركنه الايمن الاعلى والاسفل الايمن هو الاصفر وهذا النور الابيض هو العمود المذكور في البصائر بسنده الى الثمالي قال قال ابو جعفر عليه السلم ان الامام منا يسمع الكلام في بطن امه حتى اذا سقط على الارض اتاه ملك فيكتب على عضده الايمن وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فاذا شب رفع الله له عمودا من نور يرى فيه الدنيا وما فيها ولا يستتر عنه منها شيء ه وفي مرسلة جميل بن دراج فاذا قام بالامر رفع له في كل بلد منار ينظر فيه الى اعمال العباد وغير ذلك من الاخبار فهذا العمود والمنار يراد منه الروح المشار اليه وهو عقل الولي وقوله عليه السلم في الحديث الاول كهيئة العين على رأس النبي والاوصياء عليه وعليهم السلم يراد منه انه العقل ومتعلق العقل الرأس من العاقل وكونه كهيئة العين ان له عينين يبصر بهما يجده كل من له وجدان وانما قال كهيئة العين ولم يقل له عينان لان العقل ليس هو شيء غير المدرك ليقال له عينان فتكون العينان بعضه بل هو العينان ولكنه ليس عينين كما هو المعروف وانما هو ادراك اقوى واجلي من ادراك البصر فشبه صفته في الادراك كهيئة العين في الادراك وقال بعض العلماء المراد بالعين عين الشمس يعني من جهة النور ولا شك انه كذلك بل نوره اقوى من نور الشمس في الظاهر باربعة الاف مرة وتسعمائة مرة وفي الحقيقة هذا العقل اقوى من نور الشمس الفي الف مرة وسبعمائة الف مرة وثلاثة وثمانين الف مرة ومائتي مرة الا ان الظاهر من المراد بالمشبه بهيئته هو العين الباصرة لان هذا الملك هو عين الله الناظرة في عباده وقوله (ع) الا رفع طرفه الى ذلك النور اي التفت الى غيبه فنظر بعقله وقوله (ع) فراى تفسير الذي اراد مكتوبا فيه اي منتقشا في صدره صورته اي في خياله الذي هو الصدر الذي هو محل القلب اعني العقل وهو الملك المشار اليه فافهم وقوله عليه السلم في الحديث الثاني الا ذكروها لذلك النور يعني اراد من عقله ان يكون كذا وعقله هو لسان مشية الله تعالى ومحل امره الذي هو كن فيكون لانه علة الاشياء وسببها وقوله عليه السلم فعرج الى ارواح النبيين الخ اي التفت الى جهة مطلوبه والتفاتته هو عروجه فافهم ما لوحت به مكررا وقد تقدم في مواطن كثيرة ما فيه بيان كثير من هذه المطالب فان قلت ان قول السائل انما هو في السورة فقال عليه السلم انا انزلناه عند الانبياء والاوصياء عليهم السلم ومعلوم ان السورة لم تنزل الا في هذا القرءان فما معنى قوله عليه السلم انا انزلناه عند الانبياء والاوصياء عليهم السلم قلت ان المراد من هذه السورة هو نزول الملك عليهم في ليالي القدر بما يسئلون عنه وذلك حاصل لهم فان ليلة القدر ثابتة لم ترتفع منذ نزلت على ادم عليه السلم الى آخر الدهر وفي كنز الفوائد للشيخ محمد بن علي بن عثمن الكراجكي قرأ على السيد المرتضى والشيخ الطوسي بسنده الى ابي جعفر عليه السلم انه قال لقد خلق الله تعالى ليلة القدر اول ما خلق الدنيا ولقد خلق فيها اول نبي يكون واول وصي يكون ولقد قضي ان يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها تفسير الامور الى مثلها من السنة المقبلة فمن جحد ذلك فقد رد على الله تعالى علمه لانه لا يقوم الانبياء والرسل والمحدثون ايضا يأتيهم جبريل عليه السلم او غيره من الملئكة قال اما الانبياء والرسل فلا شك في ذلك ولا بد لمن سواهم من اول يوم خلقت فيه الارض الى آخر فناء الدنيا من ان يكون على اهل الارض حجة ينزل ذلك الامر في تلك الليلة الى من احب من عباده وهو الحجة وايم الله لقد نزل الملئكة والروح بالامر في ليلة القدر على آدم عليه السلم وايم الله مامات آدم الا وله وصي وكل من بعد آدم من الانبياء قد اتاه الامر فيها ووضعه لوصيه من بعده وايم الله انه كان ليؤمر النبي فيما يأتيه من الامر في تلك الليلة من آدم الى محمد صلى الله عليه وآله اوص الى فلان ولقد قال الله في كتابه لولاة الامر من بعد محمد صلى الله عليه وآله خاصة وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم الى قوله هم الفاسقون يقول استخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه يعبدونني لا يشركون بي شيئا يقول يعبدونني بايمان الا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن قال غير ذلك فاولئك هم الفاسقون فقد مكن ولاة الامر بعد محمد صلى الله عليه وآله بالعلم ونحن هم فاسئلونا فان صدقناكم فاقروا وما انتم بفاعلين الحديث والمراد بذلك نزول الملائكة عليهم بالامر في ليالي القدر فان قلت فقوله عليه السلم الا ذكروها لذلك النور بالاشارة كيف يكون ولم يجر له ذكر قلت ان قوله لذلك اشارة الى معود الضمير في قوله انا انزلناه لانه يعود الى الملك المشار اليه المسمى بالروح فان قلت ان الظاهر من معود الضمير هو القرءان قلت نعم هو كذلك والروح قرين القرءان وقسيمه كما تقدمت الاشارة الى ذلك في قوله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به الاية فسماه روحا وهو الملك المذكور وجعله نورا وهو القرءان المسطور فالروح هو النور المعنوي والقرءان هو النور اللفظي وتقدم الكلام فراجع ثم اعلم ان النسيان المذكور في الحديث الثاني في الموضعين بمعنى الترك فقوله عليه السلم لولا انك تنسى اي تترك ما رأيت لفعلت وقوله (ع) لانهما قد نسياه اي تركاه والحاصل اذا تفهمت ما ذكرنا مع انه قليل من كثير ظهر لك ان الله سبحانه آتيهم الله ما لم يؤت احدا من العالمين اي من الخلائق اجمعين لان المراد بالعالمين جميع اجناس العوالم بعموم الجمع المحلي بالالف واللام وجميع افرادها بعموم الالف واللام المراد منهما الاستغراق وهو ما قاله امير المؤمنين عليه السلم كما في تفسير العسكري وعيون الاخبار في تفسير الحمد لله رب العالمين قال (ع) قولوا الحمد لله رب العالمين وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات الحديث
قال عليه السلم : طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم
قال الشارح المجلسي رحمه الله طأطأ اي خضع او خفض ولم يصل كل شريف لشرفكم اي اليه او لاجله وبخع بالباء الموحدة والخاء المعجمة اي خضع كل متكبر لطاعتكم اي فيها او لاجل اطاعتكم لله وذل كل شيء لكم بقدرة الله تعالى انتهى
وقال السيد نعمت الله الجزائري في شرح التهذيب وبخع بالباء الموحدة من تحت والخاء المعجمة وفي بعض النسخ بالنون والخاء المعجمة وكلاهما بمعنى الاقرار والاعتراف انتهى
اقول يقال طأطأ راسه طامنه وخفضه والشرف العلو والمكان العالي الحسي كما في الحديث كان يكبر على شرف من الارض والمعنوي ومنه يسمى الرجل العالي المقام والمكانة شريفا لعلو رتبته وقد يقال لمن نال شيئا لم ينله بعض امثاله من الناس حتى انه ليقال لصاحب المال المتمول والمتملك شريفا وروي في الحديث اذا اتاكم شريف قوم فاكرموه سئل ما الشريف فقال الشريف من كان له مال ه لانه عالي الرتبة بين من لم يملك مثله من المال ولا يختص بامر بل كل من فاق بعض ابناء جنسه في شيء فهو شريف وقد شرفه الله تشريفا علاه ورفع درجته وقد يفرق بينه وبين الحسب فان الحسب الشرف من قبل الاباء اي لابائه شرف ومراتب عالية وشرف الرجل من نفسه فلما كان الشرف العلو الرتبة والشريف العالي وهو بخلاف معنى طأطأ ابان عليه السلم ان كل شريف يخضع ويخفض رأسه خشوعا وخضوعا لشرفكم من جميع العالمين لانه لما ذكر ان الله سبحانه آتيهم ما لم يؤت احدا من العالمين كما اشرنا الى بيانه سابقا لزم من ذلك ان مقامهم عليهم السلم اعلى من كل مقام وصل اليه احد من الخلق من الجمادات والنباتات والحيوانات لان علو العالي اما ان يكون بسبب نجابة الشخص او طهارة مولده او نورية طينته وطيبها او استقامة خلقه بفتح الخاء وضمها واعتدال مزاجه وحسن صورته او صوته او قوته او شجاعته او كرمه وسخائه وجوده وزهده وتقويه وورعه ويقينه ومعرفته وعبادته او علمه او قدرته او اقتداره او انقياد اشياء لامره او ارادته او محبته او الاحتياج اليه في شيء مما ذكر او غيره او حفظه او فهمه او غير ذلك من جميع الصفات الحميدة والاخلاق الحسنة والطباع المستقيمة والاحوال المحبوبة للنفوس والعقول والمستطابة للاوهام والافهام والاحلام مما يتميز من اتصف به من بعض اهل نوعه او كلهم من كل محبوب ومطلوب ومرغوب او من جهة ما خصه الله به من النعم والفضائل العظيمة والمنن الابتدائية او من جهة شرافة الاباء وطهارة الامهات وتطهير الاصل والفرع من جميع الخبائث والارجاس الظاهرة والباطنة وما اشبه ذلك وهم صلى الله عليهم قد جمعوا جميع ذلك وجمع الله لهم متفرقه حتى انهم حلوا في كل كمال وطهر وقدس بمكان لا يصل الى ادنى ادانيه احد من خلق الله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل بل لا يمكن في الامكان كون ولا ذو كون يفوق عليهم او يساويهم في شيء من ذلك لان كل من سواهم مما خلق الله سبحانه معلول لهم ومحتاج اليهم واثر من آثارهم ولزم من جميع ما ذكر ان يطأطئ كل شريف لشرفهم اذ ليس في الكون مما خلق الله سبحانه شريف يفوقهم او يساويهم بل كل من سواهم معلول لهم اقامه الله تعالى بهم قيام صدور او قيام ظهور او قيام تحقق او قيام عروض لما لهم او منهم او عنهم او بهم فيخضع كل عال لعلوهم خضوع افتقار واستمداد وانقياد اذ لا يعبد الله سبحانه وتعالى الا بذلك لا فرق في ذلك بين محبهم ومبغضهم ان الله سبحانه يقول اولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون فعن اليمين محبوهم واليمين على امير المؤمنين عليه السلم والشمائل اصحاب الشمال وائمتهم ائمة الضلال والكل داخرون منقادون يسجدون لله سبحانه بقبول قدره تعالى فيهم ويعبدونه بالاقرار بوحدانيته ونبوة محمد نبيه صلى الله عليه وآله وبولاية اوليائه على وآله الاحد عشر عليه وعليهم السلم وبالبراءة من اعدائهم وهو تأويل قوله تعالى ان الله فالق الحب والنوى فان الله سبحانه وتعالى كما فلق الحب الذين هم المحبون فلق النوى الذين هم المناوون ومافلق سبحانه الا من قبل الفلق منه تعالى وماقبل من هو مكره وانما يقبل من هو مطيع في القبول احب كالمؤمنين او كره كالمنافقين فان اعداءهم يعصونهم وهم يطيعونهم ويكرهونهم وهم يحبونهم كيف يطيعونهم وهم نصبوا لهم العداوة حتى غصبوهم ما جعله الله لهم من المراتب والفيء وقتلوهم وسبوهم وساموهم كل اهانة ومع ذلك يحبونهم كمال المحبة بمعنى انهم لعنهم الله لا يرون فيهم عليهم السلم شيئا يكرهونه ولا حالا لا يستحسنونه ولا عملا ولا قولا ولا حركة ولا سكونا الا ما هو الاحسن المطلوب والاحب المرغوب ولكنهم لا يقدرون على شيء من ذلك فحسدوهم وبلغ بهم الحسد على تلك الفضائل التي لا تحصى والمناقب التي لا تعد ولا تستقصي الى ان سعوا في ابطال تلك المناقب وحط تلك المراتب لما عجزوا عن نيلها وانحطوا عن تحصيلها كما سعى ابليس اللعين ابوهم وشيخهم وامامهم في كيد آدم عليه السلم لما وجده اهلا لفضائل يعجز عنها ويقصر دونها حسده وسعى في افساد هممه بالخيرات وفي اهلاكه وطرده عن حظه من الفضائل فسلك جنوده المنافقون وفروعه الظالمون في اطفاء انوار الله التي اشرقها وابانها لعباده حسدا وبغيا ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون وهذا هو معنى قول الصادق عليه السلم اما والله لو قدروا ان يحبونا لاحبونا ولكنهم لا يقدرون فقوله عليه السلم لاحبونا لانا لا يصدر عنا شيء يكرهه احد وانما لا يقبلونه لما فيهم من الحسد والاعوجاج الصادرين من تغيير خلق الله وتبديل فطر الله التي فطر الناس عليها فهم مطيعون لانهم يعلمون ان هذا هو الصواب والصلاح كما قال الثاني لابنه لما سأله قال لو قلدوها الاصلع لهجم بهم على الهدى ولانهم لا يردون ما ذادهم ولي الله عليه السلم عنه ولا يصدرون عما اوردهم ومحبون لهم لانهم لا يرون منهم الا الصفات المطلوبة لهم ولجميع الخلق والمحبوبة عند الكل بل لا تجد احدا من اعدائهم الا وهو يحب اكل السكر وحلاوته من اسماء ولايتهم عليهم السلم ولا تجد احدا من اعدائهم الا وهو يكره اكل الصبر ومرارته من اسماء ولاية ائمة الضلال ومن اسماء بغض ائمة الهدى عليهم السلم فكلهم يكرهون انفسهم وصفاتها بحيث لو كان ذلك في غيرهم لما قبلوا منه شيئا كما في الحديث القدسي في بعض كتب الله ولعله الزبور يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك ولم يعلم الموصوف لسارعت بالمقت اليه واليه الاشارة بقوله عليه السلم في الدعاء لا يخالف شيء منها محبتك ومع هذا كله فهم عاصون لهم ولله حيث لم يأخذوا عنهم ولم يأتمروا بامرهم وينتهوا بنهيهم وكارهون لهم لما في طبائعهم من الاعوجاج الناشئ من تغيير خلق الله وتبديل فطرة الله التي فطر الناس عليها فلهذا قلنا انهم عليهم اللعنة يحبون ائمة الهدى عليهم السلم وهم يبغضونهم ويسبحون الله وهم عاصون له لانه تعالى اخبر ان كل شيء يسبح بحمده وما تسبيحهم له تعالى الا باسمائه وهم عليهم السلم اسماؤه فيحبونهم ويسبحون الله تعالى بذلك لاجل ما خلقهم وفطرهم عليه من فطرة الاسلام وفي الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وقد تقدم مكررا ويبغضونهم ويستكبرون عن عبادة الله سبحانه كذلك لاجل ما غيروا من خلق الله سبحانه وما بدلوا من فطرته ولاجل ما اشرنا اليه من قولنا فلق سبحانه النوى الذين هم المناوون ومافلق سبحانه الا من قبل الفلق منه تعالى وماقبل وهو مكره وانما يقبل من هو مطيع في القبول احب كالمؤمنين او كره كالمنافقين ولاجل هذا الذي اشرنا اليه ايضا بخع كل متكبر لطاعتهم فان كثيرا من المتكبرين لا يخضع لطاعتهم عليهم السلم الا على النحو الذي اشرنا فانه بعض الدواعي الى ان يذل لهم المتكبرون من اعدائهم وليس قولي من اعدائهم تخصيصا لعموم المتكبرين فيكون من محبيهم متكبرون بل ولا تقييدا لمطلق ليقال قد يصدق على بعض محبيهم التكبر وان لم يوضع بازائه لان محبيهم اهل الخضوع والخشوع والخشية وما يصدر عنهم من المعاصي التي هي في الحقيقة من ولاية ائمة الضلال والاكل من شجرة الزقوم وذلك استكبار عن طاعتهم التي هي طاعة الله لان امر الله ونهيه يجري على المكلفين بواسطتهم فطاعتهم طاعة الله تعالى فليس ذلك من حقيقتهم من ربهم ولهذا تراه يفعل المعصية وهو في قلبه ماقت لنفسه ولفعله وان غلبته الشهوة لما فيه من امكانها من قبل الماهية وانما فعل المعصية بما فيه من لطخ طينة المتكبرين واتباع المتكبرين فالتكبر منسوب الى مبدئه وهو طينة اللطخ وهي من المتكبرين ولهذا اذا كان يوم القيمة ولحق كل شيء باصله لحقت طينة المتكبر التي في المؤمن التي عصي بها مع ما كان عنها من الذنوب الى ذلك المتكبر المنافق وليس ذلك ظلما لان المؤمن حقيقة لم يعص وانما المعصية من ذلك اللطخ فلحقت معه الى اصلها فان قلت وان سلمنا ان اللطخ من المنافق وانما ترتب عليه من المعاصي يلحق به ويلحقان بالمنافق ولا شيء من ذلك على المؤمن بل هذا حق ولكن ذلك المؤمن لو لم يكن فيه ما يلائم ذلك اللطخ لم يصبه الا ترى الى المعصوم لعدم وجود ما يلايم اللطخ فيه لم يصبه فلما كان فيه ما يلائم اللطخ اصابه واللطخ من طينة الخبيث المنافق وهو لطخ ظلماني عدمي المدد مجتث الاصل ولا يلايمه الا ما كان كذلك وهو من حقيقة المؤمن فيصدق عليه التكبر لما قررتم ان العاصي متكبر ولما ثبت ان عليه عقوبة ما من مجاورة اللطخ العاصي فانه محل له ولمعصيته فيلحقه ما يحقق هذا الصدق وهو وصمة مجاورة المعصية ومكانيتها قلت ان المؤمن فيه ما يلايم اللطخ وهو اسفل طينته وهو وان كان لاحقا بالطيب الا انه قابل للكدورة لكثافته وسفليته وقلة نوريته لانه ظاهر الطيب من الجانب الشمال ولكنه في الحقيقة من الطيب المنير الا ان نوريته ضعيفة لقربها من الطين المظلمة بفتح الياء وما فيها من الكدورة لا يبلغ مقام الظلمة التي توجب لمحلها فعل المعصية نعم اذا حصل لها اللطخ من الخبيث كان متمما لما فيها من الكدورة فكانت به مقتضية لمحلها فعل المعصية فهي باللطخ محل لملزوم التكبر وهو المعصية واذا عاد اللطخ بما فيه من المعصية لم يبق في المحل الذي تعلق به اللطخ الا كدورته الاصلية وهي لا تقتضي المعصية بنفسها من غير متمم لظلمتها ولا سيما بعد مفارقة اللطخ بما صدر عنه من المعصية فان طينة المؤمن طيبة منيرة لانها من شعاع محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله فيقوي القوي منها نور الضعيف منها فبما بينا لك يظهر لك ان قولي من اعدائهم في قولي الى ان يذل لهم المتكبرون من اعدائهم ليس للتخصيص وانما هو للبيان لما هو الواقع وعلى ما اولنا وقررنا يظهر ان المراد من قوله عليه السلم وبخع كل متكبر لطاعتكم غير شيعتهم قطعا وغير سائر محبيهم على الظاهر عند الفهم وعلى التأويل في الحكم لان شيعتهم ومحبيهم ليسوا من المتكبرين لان المتكبر من ترفع على ولي الامر من الله ولان شيعتهم يطلبون طاعتهم بل لا محبوب لهم مثل طاعة مواليهم فلا يقال خضع للطاعة الا لمن لا يريدها ولكن لا مناص له عنها وهذا حال اعدائهم لا شيعتهم
وقوله عليه السلم : وخضع كل جبار لفضلكم مثل ما قبله في كل شيء الا ان ظاهر المراد من الطاعة هو امتثال الامر والانزجار عند النهي وظاهر المراد من الفضل هو الاقرار بالفضل والقبول من حامليه والتسليم لراويه وناقليه واما باطن المقامين فلا منافاة بين ارادة احدهما من لفظ الاخر فان الاقرار بالفضل منه وجوب امتثال الامر والانزجار عند النهي وكذلك امتثال الامر والانزجار عند النهي منه قبول ما ورد في بيان فضلهم والتسليم لرواته فانهم عليهم السلم قد امروا بذلك ونهوا عن الشك فيه والتردد والاحتمال في مقابلته كما نهي تعالى عن ذلك في تأويل قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه صلوات الله وسلامه عليه
وقوله عليه السلم : وذل كل شيء لكم معناه كما قبله
بقي تنبيه وهو ان كل ما سواهم انما يطأطئ ويبخع ويخضع ويذل لهم عليهم السلم لما يجد في نفسه من وجود شيء له شرف ومجد ليس في امكانه ان يبلغ ادنى ادانيه وله عزة وكبرياء ليس في امكانه مقابلته ولا مساواته بل لا يجد في نفسه وان تعزز وتكبر في نفسه وعند غيره الا الانقياد لطاعته سواء تطابقت فطرة الله سبحانه فيه مع طبيعته العملية كالمؤمنين ام تقابلتا كالمنافقين وسواء عرفا ذلك بالتصور والعلم ام لا وسواء عرفاهم عليهم السلم بانهم هم ارباب ما شاهدوا من الكبرياء والعزة والشرف ام لا وله فضائل ومناقب ليس في امكانه بلوغ ادنى اداني بعضها له ولغيره سواهم وله عزة ليس في امكانه ان يحوم حول ادنى مراتبها هو او غيره سواهم وفي هذه كلها وما يجري مجراها من الصفات الحميدة كالعلم والقدرة والغني بالله عن كل من سواهم من الخلق في كل شيء وحاجة كل من سواهم اليهم في كل شيء وغير ذلك يجري جميع المخلوقات على حد واحد بل قد كان كل من اتصف بشيء من هذه الصفات الحميدة بالحق لا بالدعوى كالانبياء والاوصياء والاولياء تكون ذلته وطاعته وخضوعه لهم اشد بنسبة ما اوتي لقوة معرفته فمن عرفهم وعرف ذلك منهم فذلك والا فكما قلنا يجد في نفسه وجود شيء قد تفرد بخصال حميدة لا يدانيه احد من الخلق فيها بحيث تجد في نفسه انحطاطه وانحطاط غيره عن ادنى مرتبة من مراتبها فقد يشرق بعض اشعتها على بعض الخلق من صادق ومدع واذا نسبه من وجده في نفسه او غيره الى ما آتيهم الله سبحانه من جزيل عطائه لم يجده شيئا وطأطأ لشرفهم وبخع لطاعتهم وخضع لفضلهم وذل لهم على نحو ما قلنا يعني سواء عرف وتصور ام لا وسواء ظهرت له عليهم صلوات الله عليهم ام على غيرهم كما لو رأي نهر الفرات في حال احتياجه الى الشرب والسحاب الهامي حال احتياجه الى المطر والدواء حال مرضه والطبيب الماهر حال احتياجه الى المعالجة ونظر الى الجبل العظيم ونسب قدرته الى حمله بنفسه كما هو والجبل كما هو وكذا لو رأى السماء ونسب قدرته الى صعوده كما هو والسماء كما هو او نسب قدرته على خوض الماء الى خوض البحر المحيط كما هو والبحر كما هو وامثال هذه فانه يجد العجز في نفسه والقصور عن ذلك وانما وجد العجز لما ظهر له من امر لا يحتمله وكذلك الحال في نفس الامر فانه لا يحتمله فلا تنفك نفسه عن الخضوع والانقياد والذلة فما ظهر له من عظم هذه او افتقاره الى ما لا استغناء له عنه منها فانه اثر قليل وحال ضعيف بل ظل متلاشي مما هم عليه صلوات الله عليهم من العزة والعظم والاستغناء بالله عما سواه واحتياج ما سواهم اليهم وانحطاط مقاماتهم ومراتبهم وهممهم دونهم عليهم السلم بل دون ما ظهر من آثار ما هم عليه على هذه الامور المذكورة ومعنى قولي سواء ظهرت له عليهم صلوات الله عليهم ام على غيرهم هو هذا المذكور كما يجد في نفسه مثلا من عجزه عن حمل الجبل لعظم الجبل وثقله لا تنفك نفسه عن وجدان ذلك وهو اثر من آثار عظمتهم بل آثار الاثار الى سبعين الفا في رتبة النزول وما عظم الجبال لولا اشراق جزئي من آثار عظمتهم وهكذا سائر ما ذكر وما لم اذكر هذا في جانب الحب والرغبة والرجاء والمطلوب وفي جانب الكراهة والرهبة واليأس والمحذور على العكس وكل لا يتناهى في الامكان قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء واعلم انا قلنا كما اشار عليه السلم بقوله فيما تقدم حتى لا يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه ه تدبر في هذه الكلمات هل بقي شيء لم يعرفه الله ما هم عليه عنده سبحانه فاذا قلت لم يبق شيء قلت لك وهل احد غيرهم يعلم ذلك او يحصي ذلك فيكون مساويا لهم او اعلى منهم فاذا قلت لا قلت لك فقد دل هذا على ان كل شيء من الخلق عرف منهم ما لا يحيط به ولا يحصيه ولا ريب انه يلزم منه خضوعه وذلته واقراره بالعجز والقصور سواء عرف الشيء بنفسه ام اثره فيهم ام في غيرهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
قال عليه السلم : واشرقت الارض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم بكم يسلك الى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن
قال الشارح المجلسي رحمه الله واشرقت الارض بنوركم اي بنور وجودكم وهدايتكم وفاز الفائزون بولايتكم اي لم يصل احد الى مرتبة من المراتب الا بسبب اعتقاد امامتكم ومحبتكم ومتابعتكم بكم يسلك الى الرضوان خازن الجنان الموصل اليها او الجنة او رضى الله سبحانه فانه اعلى الدرجات انتهى
اقول قوله عليه السلم واشرقت الارض بنوركم اقتباس من قوله تعالى واشرقت الارض بنور ربها وروي عن الصادق عليه السلم في هذه الاية قال رب الارض امام الارض قيل فاذا خرج يكون ماذا قال يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الامام وروي المفيد عن الصادق عليه السلم قال اذا قام قائمنا اشرقت الارض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة اقول قوله عليه السلم في الاية رب الارض امام الارض لان الرب هو المربي لها والمصلح وهذه صفة الامام وقوله يستغني الناس عن ضوء الشمس يحتمل وجوها وظني انها كلها مرادة ولهذا قلت يحتمل وجوها ولم اقل يحتمل احد وجوه منها ان المؤمن اذا قام القائم عليه السلم تنكشف له العلوم والاسرار كما روي عن علي عليه السلم انه قال اذا قام قائمنا يستغني كل احد عن علم الاخر وهو تأويل قوله تعالى يغن الله كلا من سعته ويشرف على حقائق الاشياء لشدة نور قلبه من جهة مقابلة الامام عليه السلم لقلب المؤمن فيشرق قلبه بنوره عليه السلم ويكمل ايمانه في اركانه الثلاثة الاعتقاد فيثبت على ما لو سمعتموه لكفرتم كما كان في حق سلمن وابيذر واللسان فينطق بما يوضح عن مراد امامه عليه السلم من كل ما احب الله تعالى ان يقال والاركان فيعمل بعمل امامه عليه السلم لانه حينئذ قوي الايمان والعلم والمعرفة والامام عليه السلم دائما ناظر اليه فانه في وجوده يراه كل احد في مشرق الارض ومغربها وهو في مكانه كما يرون القمر لانه عليه السلم اذا خرج وضع يده على رؤس الخلائق فيكمل بذلك ايمانهم فيكونون في جميع الاعمال على حد الصدق مع الله والاخلاص في العمل بنسبة ما يمكن في حقه فاذا كان بهذا المقام من العلم والاطلاع على حقائق الاشياء بما يمكن له والصلاح والدين والتقوى والزهد والورع واليقين والايمان الكامل في غاية ما يمكن في حقه من صحة الاعتقاد وصدق اللسان ومطابقته للقلب والاخلاص في الاعمال الصحيحة الصالحة التي هي مطابقة لمراد امامه عليه السلم الى غير ذلك بحيث يصدق عليه انه متابع لامامه عليه السلم في الاعتقادات والاقوال والاعمال فيكون اذ ذاك منشرح الصدر للاسلام ممتحن القلب للايمان فاذا اطمأن على ذلك رفع الله عن بصيرته الحجاب وارقاه في الاسباب وفتح له الابواب واراه ما استتر وغاب فحينئذ يستغني بهذا النور الذي هو نور امامه عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الامام (ع) كما قال جعفر بن محمد عليهما السلم وتذهب الظلمة كما في الحديث الاخر بحيث يشاهد الاشياء في الظلمة كما يشاهدها في النور فمعنى ذهبت الظلمة يعني لا تحجب ابصارهم لقوة بصائرهم لا انه لا ظلمة في الوجود
ومنها ان اشراق الارض بنور الامام عليه السلم كناية عن ظهور الحق وانتشار العدل عند ظهوره عليه السلم حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق فان العدل الذي ينشره تزين به الارض كالنور بعد ما ملئت ظلما وجورا الذي هما ظلمة باطنية وقد روي الظلم ظلمات يوم القيمة ففي دولة الظالمين قد عمت ظلمة الظلم واذا قام القائم اللهم عجل فرجه ذهبت هذه الظلمة
ومنها زمان رجعتهم ليس مثل زمان الدنيا بل هو زمان واسطة بين زمان هذه الدنيا وبين زمان الاخرة فهو وان لم يكن على حد لطافة زمان الاخرة لكنه الطف من زمان الدنيا فيستغني العباد بنور وجودهم عليهم السلم عن ضياء الشمس ونور القمر وان كانا موجودين لشدة صفاء ذلك الزمان ببركة وجودهم وتذهب هذه الظلمة الموجودة في هذه الدنيا لانها انما حدثت بكثافة الارض وكثافة الارض انما حدثت بوقوع المعاصي فيها ولهذا قيل ان البقاع التي لم يطأ عليها ابن آدم بذنوبه شفافة لا ترى كمثل السموات وانما هذه الكثافة حدثت من ذنوب العباد وفي زمان رجعتهم عليهم السلم تطهر الارض من المعاصي واهلها فتذهب الظلمة لذهاب علتها ولان ذلك الزمان زمان البرزخ ولهذا يرى الناس الملائكة رأي العين والجن وسائر الارواح وتظهر الجنتان المدهامتان وقد روي ان عليا عليه السلم قال في وصف حال رجعتهم وزمانها وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله وقد تقدم هذا الحديث في ذكر الرجعة فراجعه وعلى هذا تذهب هذه الظلمة وان وجدت ظلمة بنسبة ذلك الزمان كما اشار اليه قوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وذلك في حقهم وحق اصحاب جنان البرزخ من الارواح فان الوقت واحد الا ان تلك الظلمة لا تحجب ابصارهم فصح انهم يستغنون عن ضوء الشمس وصح ان هذه الظلمة التي الان موجودة تذهب هنا كما ذهبت عن ارواح المؤمنين عند مفارقتهم للابدان في هذه الدنيا
ومنها ان الامام عليه السلم اذا ظهر بسط العدل والحق في الارض وارتفع الجور والظلم منها وهذا نور الامام عليه السلم الذي اشرقت به الارض وتزينت بظهور البركات حتى ان الاشجار تحمل في كل سنة مرتين وتظهر الكنوز ويستغني الناس حتى ان الرجل ليحمل زكوة ماله ويطلب فقيرا يأخذها فلا يجده ويظهر في الارض ظاهر قوله تعالى لاصحاب الزراعات من المؤمنين كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء وكانت الارض قبل ظهوره عليه السلم قد ملئت ظلما وجورا والناس في تلك الظلمات ظلمات الظلم والجور يسعون فيها ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج المؤمن يده لم يكد يراها فانهم حينئذ لم يجعل الله لهم نورا اي لم يظهر لهم اماما وهذه الظلمات المشار اليها سنة الشمس وبدع القمر فان الشمس والقمر اعرابيان من المنافقين اسسا هذه الظلمات التي كان المؤمن لا يبصر فيها يده وهي اثرهما ونور الشيء اثره وكان اصحابهما يسمونهما بالشمس والقمر فانزل الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وآله الشمس والقمر بحسبان وحسبان اسم النار كما قال تعالى ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا اي يرسل عليها نارا فلما كانا يسميان بالشمس والقمر ويسمون ما احدثا من البدع حقا وهدى والحق ضياء كضياء الشمس والهدى نور كنور القمر قال عليه السلم ان العباد كانوا ينتفعون في هذه الدنيا في سعيهم الى الاخرة بهذه البدع التي هي ظلمات بعضها فوق بعض ويسمونها ضياء ونورا اي حقا وهدى مع انها ظلمة فاخبر بانه اذا قام قائمهم عليهم السلم اشرقت الارض بنور عدله واستغنى العباد بنور عدله عن ضياء ذلك الشمس ونور ذلك القمر وذهبت تلك الظلمة
ومنها ان من حكمة خلق الشمس انها حارة فتسخن العالم بحرارتها فتصلح بها الزروع والثمار والابدان والارواح بتقوية الحرارة الغريزية المصلحة لمطارح الارواح ويعين القوي والطبائع على تجفيف الرطوبات الفضلية من القلب والدماغ فيستضيء البدن باشراق الانوار المعنوية لا رتباطها بها فتتعلق بها الارواح والعقول تعلق التدبير ومن حكمة خلق القمر انه بارد فيبرد العالم ببرودته لان الشمس حارة ولو استمرت حرارتها احرقت ما كانت اصلحته كما لو اردت ان تجفف ثوبك الرطب على النار لتلبسه فصلاحه منها حتى تجف رطوبته ولو تركته بعد ما جف احرقته وفسد فكما ان الشمس انما جعلت تعاقب القمر لتسخن ما برده لان البرودة لو دامت افسدت العالم كذلك القمر يعاقبها ليبرد ما زاد من حرارتها على القدر النافع ذلك تقدير العزيز العليم فاذا كثرت معاصي العباد ادبهم سبحانه وروعهم بان حجب عنهم نور الشمس في وقت الحاجة اليه او حجب عنهم نور القمر في وقت الحاجة اليه وذلك في الكسوف والخسوف فينحبس عنهم المدد المصلح ويقع في العالم اثر فقدان ذلك المصلح فتحدث مفاسد في زروعهم واشجارهم ومواشيهم وابدانهم ونفوسهم واراداتهم وعقولهم وعزائمهم واعمالهم وغير ذلك مما يريد سبحانه على قدر ما استحقوه بعضا من بعض او من كل فامرهم حين حبس عنهم المدد الظاهري بذنوبهم بان يفزعوا الى الله سبحانه ويتوبوا ويستغفروا ويصلوا ففتح لهم بما امرهم به باب المدد الباطني الذي هو اقوى في اصلاح ما فسد بفقدان المدد الظاهري فكان هذا العمل والصلوة مغنية عن ضوء الشمس ونور القمر مع انها فرع من فروع الامام عليه السلم وباب لبعض بيوت ولايته ومساكنها لانها هي وجميع الاعمال مبنية على ولايته ومحبته وطاعته والاقرار بفضائله والامتثال لامره والانزجار عند نهيه فاذا ظهر انما يظهر باقامة الاعمال الصالحة التي هي قوام المدد الباطني الذي به صلاح الدنيا والاخرة على اكمل وجه يريده الله سبحانه من عباده فبظهوره وبما اقام من دين الله تصلح الشمس والقمر وجميع الافلاك والعالم العلوي والسفلي وجميع الخلائق من الحيوانات والنباتات والمعادن والجمادات فتستغني العباد بنوره عن ضوء الشمس ونور القمر لانهما في الحقيقة آلتان لنوره واقوى من هذه الالة فان نور الشمس اقوى من نور القمر بسبعين مرة ونور الامام عليه السلم اقوى من نور الشمس في كل ما خلقت الشمس له وما يراد منها الف الف الف مرة واربعة الافالف مرة وسبعمائة الف مرة وعشرة الاف مرة كما اشارت اليه رواية علي بن عاصم في باب الرؤية عن الصادق عليه السلم نور الشمس جزؤ من سبعين جزءا من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش والعرش جزؤ من سبعين جزءا من نور الحجاب والحجاب جزؤ من سبعين جزءا من نور الستر الحديث والحجاب هم الكروبيون وهم شيعتهم من الخلق الاول خلق الله تعالى انبياءه على صورهم فنوح عليه السلم على صورة احدهم واسمه يعني نوح سمي باسمه وابراهيم عليه السلم على صورة احدهم واسمه وموسى عليه السلم على صورة احدهم واسمه وهذا هو الذي تجلى للجبل حين سأل موسى ربه ما سأل فجعله دكا وعيسى عليه السلم على صورة احدهم واسمه وبنور هذا الكروبي كان عيسى عليه السلم يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى فاذا عرفت ما ذكرنا تبين لك ان العباد يستغنون عن ضوء الشمس ونور القمر بنورهم عليهم السلم اذا رجعوا الى الدنيا ومكنهم الله في الارض لاظهار دينه وقوله عليه السلم واشرقت الارض بنوركم يريد به ما ذكرنا في الارض وما كان في هذه الدنيا ايضا وان كان في دولة الباطل اذ لولا وجودهم في هذه الدنيا في قلوب شيعتهم والسنتهم وابدانهم وفي صدور المسلمين والسنتهم وابدانهم لاشتدت الظلمة وتراكمت فلم يعبد الله سبحانه في ارضه من سائر خلقه الا بما اضطروا اليه لانه من لوازم الايجاد اذ لو لم يوجدوا عليهم السلم لم يوجد مخلوق فلما وجدوا وجد الخلق واضطر الخلق في ايجادهم الى عبادة الله سبحانه بشرع الكون الوجودي ولما ظهروا عليهم السلم في هذه الدنيا اظهروا في الخلق عبادة الله عز وجل بشرع الكون التشريعي الاختياري لانه اثر ظهورهم في هذه الدار وتمكينهم اي تمكين الله سبحانه اياهم في القوالب وان لم يمكنهم في الظاهر واذا رجعوا الى الدنيا مكنهم في الارض وما فيها فيظهرهم على الدين كله ولو كره المشركون اللهم عجل فرج محمد وال محمد صلى الله عليه وآله واجعلنا من انصارهم واتباعهم واللازمين لهم في الدنيا والاخرة بفضلك ومنك انك ذو الفضل العظيم والمن الجسيم وانت ارحم من كل رحيم
وقوله عليه السلم : وفاز الفائزون بولايتكم المراد به ان من والاكم فقد فاز اي ظفر بمطلوبه او من قوله تعالى فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز اي فقد نجى كقوله تعالى وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم اي بسبب منجاتهم يعني بسبب العمل الصالح او فاز الناجون او الظافرون بولايتكم لانها هي الخير او خير الخير او كل الخير او هي الجنة كما قال الصادق عليه السلم لمن سمعه يقول اللهم ادخلنا الجنة قال انتم في الجنة ولكن سلوا الله الا يخرجكم منها ان الجنة هي ولايتنا فولايتهم هي الجنة وهي نعيم الجنة وهي سبب الجنة وهي صورة الجنة وهي معنى الجنة فاذا جعلت الفوز بالمطلوب والظفر بالمحبوب هو الولاية كان المراد بالولاية النعيم كما في قوله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم وفي عيون الاخبار عن الرضا عليه السلم ليس في الدنيا نعيم حقيقي فقال له بعض الفقهاء ممن حضره فيقول الله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم اما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد فقال له الرضا عليه السلم وعلا صوته كذا فسرتموه انتم وجعلتموه على ضروب فقالت طائفة هو الماء البارد وقال غيرهم هو الطعام الطيب وقال آخرون هو طيب النوم ولقد حدثني ابي عن ابي عبد الله عليهما السلم ان اقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عز وجل ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فغضب وقال ان الله عز وجل لا يسئل عباده عما تفضل عليهم به ولا يمن بذلك عليهم والامتنان بالانعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف الى الخالق عز وجل ما لا يرضي المخلوقون ولكن النعيم حبنا اهل البيت وموالاتنا يسئل الله عنه بعد التوحيد والنبوة لان العبد اذا وفي بذلك اداه الى نعيم الجنة الذي لا يزول وفي الكافي عن الصادق عليه السلم في هذه الاية ان الله عز وجل اكرم واجل ان يطعمكم طعاما فسوغكموه ثم يسألكم عنه ولكن يسألكم عما انعم عليكم بمحمد وبال محمد صلى الله عليه وآله فعلى ان المراد بالولاية النعيم يترتب على ذلك بعض نعيم ليس مطلوبا لعدم علم الفائز به بكنهه بل ولا يخطر على قلبه وهو مما يترتب على الولاية من النعيم كما قال تعالى فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين وكما في الرواية ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكذلك قوله تعالى ولدينا مزيد فان هذا المزيد الذي قال تعالى لدينا لم يكن مما يشاؤن لانهم لا يعلمونه ولا من الذي قال تعالى فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين لان المزيد يرد على اهل الجنة قبل هذا وانزل منه رتبة لان المزيد وان لم يشأه المؤمن لعدم علمه به الا انه قد يعلمه غيره بخلاف ذلك فانه لا تعلمه نفس ويترتب عليها ما هو معلوم بالاجمال وما هو معلوم بالتفصيل ومن هذا محبتهم وهي محبة الله وفي حديث الاسرار قال الله تعالى يا احمد ان في الجنة قصرا من لؤلؤة فوق لؤلؤة ودرة فوق درة ليس فيها قصم ولا وصل فيها الخواص انظر اليهم كل يوم سبعين مرة واكلمهم كلما نظرت اليهم ازداد ملكهم سبعين ضعفا واذا تلذذ اهل الجنة بالطعام والشراب تلذذوا اولئك بذكري وبكلامي وحديثي الحديث هذان اذا جعلت المطلوب الذي ظفر به الفائز هو الولاية والمحبة وان جعلت الولاية صورة المطلوب قلت المراد بالولاية هو طهارة الباطن بالمعرفة لله سبحانه واسمائه وصفاته وافعاله وبمعرفة محمد واهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الاطهار من ذرية الحسين صلى الله على محمد وعلي وعليهم اجمعين وبمعرفة انبيائه ورسله وكتبه وباليوم الاول الذي هو رجعتهم عليهم السلم وباليوم الاخر ومعرفة محمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم معرفة انهم معانيه ومعرفة انهم ابوابه وبمعرفة انهم ائمة الهدى واعلام التقى والعروة الوثقى وبمعرفة اركان قائمهم ونقباء شيعتهم ونجبائهم وطهارة الظاهر من رفع الاحداث عن الجسد بالوضوء وبالغسل والتيمم ورفع الاخباث عن الجسد والثياب للعبادات من الاحياء والاموات وعن الاواني للاستعمال وعن المطاعم والمشارب للاكل والشرب وعن المساكن للسكنى ونحو ذلك واقامة الصلوة وايتاء الزكوة وصيام شهر رمضان او بالتزام وما كان مندوبا من الصيام او اعتكاف او حج للبيت الحرام او لزيارة لاحدهم عليهم السلم والقيام بما حدد من الحدود والاحكام وبما ابان من معاملة سائر الانام وبالجملة فهي جميع ما اراد معرفته من احوال النشأتين وامر به عباده من اعمال الدارين وبيان هذا بالاشارة على وجه الاجمال ان كل صورة معنوية خلقها الله سبحانه في العبد او للعبد اولا وبالذات فهي من صور الولاية كصورة الايمان مثلا فان الصورة محدودة بخطوط واوضاع كما في هيئة السرير فانه مربع مستطيل فيحيط به خطان طويلان متوازيان وخطان قصيران متوازيان كذلك الايمان فانه صورة انسانية ربانية يحيط بها خطوط معنوية كثيرة كخط التوحيد في احواله الاربعة توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة فالاول : وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد والثاني : ليس كمثله شيء والثالث : اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات والرابع : ولا يشرك بعبادة ربه احدا وكخط الشهادة بالرسالة يجمعهما اشهد الا اله الا الله وحده في هذه الامور الاربعة لا شريك له في شيء منها واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وما يتبع ذلك من الاقرار بنبوة انبياء الله ورسله وكخط الولاية والاقرار بان عليا واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين خلفاء الله واوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله واولياء الله وحججه على خلقه وامناؤه على وحيه وحفاظه على خلقه ومناره في بلاده والولاية لهم ولشيعتهم الى التراب الطيب والبراءة من اعدائهم واشياعهم الى التراب المالح والارض السبخة وكخط الايمان بالموت والقبر والمسئلة والبرزخ والنشر والحشر والحساب والصراط والميزان وتطائر الكتب والختم على الافواه وانطاق الجوارح والنار وما اعد فيها من العذاب والاغلال والحوض والجنة وما اعد لاهلها من الملابس والمشارب والنكاح وبرجعة محمد وال محمد صلى الله عليه وآله الى الدنيا حتى يملئوا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما والاقرار بالبداء والا جبر ولا تفويض الى غير ذلك من الامور التي يجب الايمان بها مما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من احوال النشأتين وكخط الاعمال كالصلوة والزكوة والصيام والحج والجهاد وغير ذلك وكخط المروة والشجاعة والكرم والزهد والورع والتقوى واليقين والتجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والقول بالعلم وعدم القول مع الجهل وترك هوى النفس الامارة واتباع دواعي العقل وامثال ما ذكرنا فان الصورة التي تحيط بها هذه الخطوط على جهة التبعية والتفقد ولو غالبا هي صورة الايمان ولو كان ذلك على جهة الاصالة والتفقد على جهة الاحاطة مع عدم الترك لشيء منها ولا لبعض من شيء كانت صورة الايمان التي هي محل العصمة وصورة الايمان المطلقة صورة كلية ذات صور متعددة من صور الولاية وهي صور متعددة مثلا الطهارة صورة تامة منها لاشتمالها على الحدود التي حددوها المذكورة في علم الشريعة من الوضوء والغسل بالماء الطاهر المباح والتيمم بالتراب الطاهر المباح على الوجه الذي امر به في الامور الثلاثة وكذلك الصلوة والزكوة وغيرهما فكل شيء مما امر الله به او ندب اليه فهو صورة من صور الولاية الظاهرة والباطنة ومجموع باطن هذه الصور صورة الايمان الكامل وباطن باطنها صورة العصمة وصور عكوساتها من صور المعاصي اي عكوسات ما مثلنا به صور ولاية اعدائهم فامتثال اوامر الله سبحانه واجتناب مناهيه كلها ظاهرها وباطنها علميها وعمليها اعتقادا وقولا وعملا هو صورة الولاية الكلية وعكس ذلك كله ولاية الاشرار وائمة الكفار فانهم صالوا النار فولاية الحق وما يترتب عليها من الاعتقادات الحق والاعمال الحق والاقوال الحق وما تثمر تلك من انواع النعيم الذي لا ينقطع ابدا وجميع ذلك هو باطن الامانة وباطن الباب من الرحمة المكتوبة لعباده المؤمنين وولاية الباطل وما يترتب عليها من الاعتقادات والاعمال والاقوال الباطلة وما تثمر تلك من انواع العذاب الاليم المخلد ابدا جميع ذلك هو ظاهر الامانة وظاهر الباب الذي من قبله العذاب وذلك من قوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فالسور محمد صلى الله عليه وآله لانه مدينة العلم والباب على صلى الله عليه وآله باطنه وهو القيام بولايته فيه الرحمة اي المكتوبة وكان بالمؤمنين رحيما وظاهره خلاف ولايته وهو اتباع ولاية اعدائه وبغضه من قبله اي من جهته العذاب فان المحبة منسوبة اليه وهي الجنة لمحبيه والبغض منسوب اليه وهو النار لمبغضيه فكانت الجنة واهلها واعمالها التي اوصلتهم اليها من ولايته وهي محبته وكانت النار واهلها واعمالها التي اوصلتهم اليها من خلاف ولايته وظاهرها الذي هو وراءها وخلفها وخلافها وهي بغضه وعداوته فكانتا منسوبتين اليه ولهذا كان عليه الصلوة والسلام قسيم الجنة لانها من حبه وقسيم النار لانها من بغضه فظهر لمن نظر واعتبر ان قوله عليه السلم في الفقرة الشريفة وفاز الفائزون بولايتكم جامع لكل خير فمن فاز بها فقد ظفر بكل خير في الدنيا والاخرة اللهم يا مقلب القلوب والابصار صل على محمد وآله الاطهار وثبتنا على ولايتهم ومحبتهم وعلى البراءة من اعدائهم في الدنيا والاخرة انك ذو الفضل العظيم
وقوله عليه السلم : بكم يسلك الى الرضوان اي بولايتكم ومحبتكم واتباعكم فيما امرتم وفيما نهيتم عنه وبالتسليم لكم والرد اليكم والاخذ عنكم وباللزوم لكم مع البراءة من اعدائكم ومن اتباعهم والراضين بافعالهم والمقتدين بهم والمسلمين لهم والرادين اليهم والعاملين باقوالهم والمقتدين بافعالهم اذ لا تتحقق ولايتكم الا بالبراءة منهم يسلك الطريق الموصل الى الرضوان او بكم لانكم الادلاء الى كل خير وذلك لانهم القائدون الى الجنة من اتبعهم واحبهم وتولي بهم او ببركة وجودكم او لاجل حبكم وولايتكم او لاجلكم يسلك الله تعالى بمن اتبعكم واحبكم او من عمته بركة وجودكم او لاجل حبكم او لاجلكم طريق الرضوان او يوصله الرضوان وهو الجنة او يراد به رضوان الله او يراد به انه سبحانه يجعل محبيكم وتابعيكم مجاورين لمحمد صلى الله عليه وآله في جنة عدن لانه صلى الله عليه وآله هو الرضوان كما في تأويل قوله تعالى ورضوان من الله اكبر او يراد من الرضوان ما قيل ان اهل الجنة لاهلها مقامات ومراتب في القرب كلما استقروا في رتبة من مراتب القرب ما شاء الله انتقلوا الى مقام فوقه وهكذا فقيل اول مقام لهم مقام الرفرف الاخضر ثم ينتقلون منه الى مقام الكثيب الاحمر او الاصفر المسمى بارض الزعفران وهو اعلى من مقام الرفرف علوا كبيرا واشرف واقرب فاذا مكثوا فيه ما شاء الله تعالى انتقلوا الى مقام الاعراف وهو اعلى من مقام الكثيب الاحمر او ارض الزعفران علوا كبيرا واشرف واقرب فاذا مكثوا فيه ما شاء الله تعالى انتقلوا منه الى مقام الرضوان وهو اعلى مما ذكر واشرف واقرب بما لا يكاد يوصف ويمكثون فيه ما شاء الله بلا غاية ولا نهاية وليس وراء هذا مقام الا انه له درجات ينتقلون من درجة الى اخرى اشرف من الاخرى ولا نهاية لذلك فانهم قبل وصول هذه الرتبة التي هي الرضوان كل جمعة تأتيهم الملائكة المقربون بنجائب من نور من نجائب الجنة فيقول للمؤمن ان ربك يدعوك ليجزيك او يزيدك من فضله وعطاياه فيركب ويصعد حتى يصل الى المقام الذي دعى اليه فيعطى ضعف ما عنده من ممالك الجنة ونعيمها ولا يزال هكذا كل جمعة وهو يتنقل في المقامات كما ذكر ويعطي في كل مقام مما فوقه حتى ينتهي في سيره في الدرجات وتنقله في مقامات القرب الى ان يصل الى الرضوان فاذا دعى واتى قال يا رب لا حاجة لي الى العطاء فيقال له بلى رضاي عنك ولا يزال هكذا ابدا كلما وفد على ربه زاده رضي عنه جديدا ليس في الجنة نعيم يدانيه فيمكثون يتنقلون في مقامات الرضوان ودرجات القرب الى الرحمن بلا غاية ولا نهاية فعلى هذا يكون المراد من الفقرة بكم يسلك المؤمن او يسلك الله به او يسلكون به الى الرضوان الذي ليس وراء نعيمه نعيم هذا معنى ما قيل
والذي يجول في نفسي من معنى الرضوان المذكور هنا وهو الرتبة القصوى من نعيم اهل الجنة وفيها تكون تحف اهل الجنة فيها رضى الله سبحانه ان اول هذا المقام بحر الحجاب الابيض وهو اعلى الحجب واشرفها والطفها واشفها وهو اول ما خلق الله من الحجب ولهذا كان هو النهاية في التقييد ليس وراء ذلك الا البيان ورفع الحجاب وهذا آخر المقال لان اهل الجنة في هذا المقام الذي هو كمال الرضوان وغاية الرضوان المسمى بالبيان والعيان ورفع الحجاب وهو الذي اشار اليه سيد الوصيين علي امير المؤمنين صلى الله عليه وآله في جوابه لكميل بن زياد حين سأله ما الحقيقة فقال له ما لك والحقيقة يا كميل فقال أولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فقال اومثلك يخيب سائلا فقال عليه السلم الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقال زدني بيانا قال محو الموهوم وصحو المعلوم فقال زدني بيانا قال هتك الستر وغلبة السر الحديث فقوله عليه السلم محو الموهوم المراد بالموهوم هو ما قبل مقام الحجاب الابيض لانه ليس من الموهوم مطلقا ولكنه برزخ المعلوم والمراد بالمعلوم هو ما اشرنا اليه بقولنا البيان والعيان ورفع الحجاب الذي هو الحجاب الابيض المشار اليه لان البيان مقام لا بياض فيه ولا سواد ولا شيء الا شيء ليس كمثله شيء وهو آية الله ودليل الله سبحانه وما وصف به نفسه لعباده المقربين عنده وهذا المقام غاية الرضوان واعلى الجنان وآية الرحمن وهو اول ما فاض من فعل الله خلقه الله سبحانه وجعله اصل الاصول ونهاية المحصول وهو شيء ليس كمثله شيء وكيف يكون مثله شيء وانما خلقه الله دليلا عليه ليعرف به فلو شابهه شيء لكان ذلك الشيء مثل الله تعالى بكسر ميم المثل والله سبحانه ليس له مثل فلا يكون شيء مثل هذا لان هذا هو وصف الله نفسه لعباده فلو كان شيء يشابهه لكان الله تعالى وصف نفسه بوصف لا يختص به بل يشاركه فيه غيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذا المقام ايضا هو صحو المعلوم لانه تعالى وصف نفسه بوصف لا يشاركه فيه غيره فصحا المعلوم لمن عرفه في وصفه كما وصف نفسه فالبيان هو رفع الحجاب واول الرضوان الحجاب الابيض وآخر الرضوان وكماله وغايته البيان وهو الذي اشار اليه امير المؤمنين عليه السلم كما رواه جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر عليه السلم انه قال يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال فقلت له وما البيان والمعاني قال فقال علي عليه السلم اما البيان فهو ان تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا الحديث وهذا اول ما خلق بعد المشية فخلق الله سبحانه منه ما شاء فاول ما خلق منه هذا الحجاب الابيض فالبيان هو الولاية الكبرى والحجاب الابيض هو اليد اليمنى وذلك قوله تعالى يد الله فوق ايديهم وهو هذه اليد ولا يصل احد من خلق الله الى هذا الرضوان المشار اليه الا بهم صلوات الله عليهم
وقوله عليه السلم : وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن انما قال غضب الرحمن للسجع ولمعني آخر لا يليق هنا ان يقال غضب الله وان كان يجوز من حيث المعنى لان المراد بالرضوان هو الرحمة المكتوبة وهو سبحانه تجلى يعني استوى على عرشه بصفة الرحمن فقال الرحمن على العرش استوى وقال ثم استوى على العرش الرحمن فاسئل به خبيرا فالرحمة التي هي صفة الرحمن التي استوى بها على عرشه وهي الرحمة الواسعة كما قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء وهي صفة الرحمن العامة للمؤمن والكافر وهي على قسمين صفة فضل وصفة عدل فالفضل هو الرحمة المكتوبة كما قال تعالى فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة الاية وهي صفة الرحيم الخاصة بالمؤمنين يوم القيمة وكان بالمؤمنين رحيما والعدل هو المقاصة نعوذ بالله من سخط الله والغضب من العدل لانه تعالى اذا غضب على من عصاه عامله بعدله المستجار بك يا الله من عدلك فكانت صفة الرحمن تنقسم الى فضل وهو رحمة والى عدل وهو غضب واستوى على عرشه بهاتين الصفتين صفة الفضل وهي الرحمة المكتوبة التي هي صفة الرحيم الخاصة بالمؤمنين وصفة العدل وهي الغضب ومجموع الصفتين هي الرحمة الواسعة التي هي صفة الرحمن فلما كان الغضب والرحمة هما الرحمة الواسعة التي هي صفة الرحمن وذكر ان بهم عليهم السلم يسلك الى الرضوان الذي هو الرحمة المكتوبة ناسب ان يذكر كما هو الواقع ان على من جحد ما هو سبب الايصال الى الرحمة غضب الرحمن ولم يناسب ان يقال غضب الله فافهم ونريد بالجاحد من جحد بعد المعرفة واليقين كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا اي جحدوا بها ظلما وعلوا بعد الاستيقان وقدم الرضوان على الغضب في الذكر كما تقدم عليه في الاولوية لرجحان الرضى على الغضب وفي الوجود كما قال تعالى سبقت رحمتي غضبي وفي مناقب ابن شاذان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال (ص) الا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا الا ومن مات على حب آل محمد مات على الايمان وكنت انا كفيله بالجنة ه ومن امالي الطبرسي بسنده الى صالح بن ميثم التمار رحمه الله قال وجدت في كتاب ميثم رضى الله عنه يقول تمسينا ليلة عند امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلم فقال لنا ليس من عبد امتحن الله قلبه بالايمان الا اصبح يجد مودتنا على قلبه ولا اصبح عبد سخط الله عليه الا يجد بغضنا على قلبه فاصبحنا نفرح بحب المحب لنا ونعرف بغض المبغض لنا واصبح محبنا مغتبطا بحبنا برحمة من الله ينتظرها كل يوم واصبح مبغضنا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار فكان ذلك الشفا قد انهار في نار جهنم وكان ابواب الرحمة قد فتحت لاصحاب اهل الرحمة فهنيئا لاصحاب الرحمة برحمتهم وتعسا لاصحاب النار مثويهم ان عبدا لن يقصر في حبنا لخير جعله الله في قلبه ولنيحبنا من يحب مبغضنا ان ذلك لا يجتمع في قلب واحد ماجعل الله لرجل في قلبين ( من قلبين ظ ) يحب بهذا قوما ويحب بالاخر عدوهم والذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب لا غش فيه نحن النجباء وافراطنا افراط الانبياء وانا وصي الاوصياء وانا حزب الله ورسوله والفئة الباغية حزب الشيطان فمن احب ان يعلم حاله في حبنا فليمتحن قلبه فان وجد فيه حب من الب علينا فليعلم ان الله عدوه وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين ه فان قلت من جحد ولايتهم ان كان عن جهل فمقتضى الحكمة انه لا يؤاخذ بفعله وان كان يعتقد ان ولايتهم حق فلا معنى لكونه جاحدا مع انه معتقد وان كابر مقتضى عقله فامره واضح لان معنى مكابرة عقله ترك العمل بمقتضاه وترك العمل بمقتضاه ليس جحودا اذ الجحود فعل قلبي ولم يقع من القلب الا الاعتقاد لا الجحود قلت الجحود الحقيقي هو الانكار وغير الحقيقي هو عدم قبولهم لا عن معرفة وقد يقع ممن تكون عاقبته الى خير كما اذا لم يقبلهم عن جهل فلما عرف قبلهم وقد يكون ممن يختم له بالسو أي كمن ينكرهم في التكليف الثالث يوم القيمة واما الجحود الحقيقي لا يكون عن جهل وهو الانكار بعد التعريف وحكم هذا ظاهر فالجحود غير الحقيقي وهو ما كان عن جهل ففي الدنيا ضلال وصاحبه على ظاهر الاسلام ويوم القيمة يكلف ويلحق باحد الفريقين المؤمنين او الكافرين واما مع الاعتقاد بان ولايتهم حق فلا يخلو اما ان يثبت اعتقاده ويتحقق او لا فان ثبت اعتقاده فهو مؤمن وان ظهر منه خلاف الحق فللتقية كما وقع من كثيرين لان الاعتقاد بولايتهم اذا ثبت صدر عنه مقتضاه من المتابعة والتسليم والائتمام والرد اليهم وغير ذلك الا مع التقية من اظهار لوازمه ومقتضياته فانه معها قد يظهر خلاف ما يقتضيه مع وجود لوازمه الذاتية من المحبة والميل القلبي وهذا هو معنى ثبوته فانه لا تتخلف آثاره الا لمانع فاذا عرض المانع منع من الاظهار لا من الاستقرار كما قال تعالى من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان واما اذا لم يثبت كما اذا عرف انهم عليهم السلم ائمة الهدى وولايتهم من الله سبحانه ولكن ليس معه من هذا الا هذا التصور واما لوازمها فلا ترد على قلبه الا بالذكر والتصور ومعرفة ان هذا حق بل الدواعي والميولات القلبية على خلاف ذلك لما يعارض تلك المعرفة وذلك التصور من المنافيات كالحسد والتكبر الحابسين للوازم ذلك التصور وتلك المعرفة والمانعين من الميل القلبي الى شيء منها ولا يثبت الاعتقاد ولا يسمى ذلك التصور وتلك المعرفة اعتقادا الا بما يحققه ويثبته من لوازمه مع انتفاء الموانع من ذلك وهذا التصور وهذه المعرفة يقال لها استيقان لعدم حصول تصور مناف لها في محلها من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها لان فطرة الله التي فطر الناس عليها ليس لها خطوط وحدود وهيئات الا هذا التصور والمنافي انما عرض من هيئة تغيير الفطرة وتبديلها فما حصل من التصورات الحقة من هيئة فطرة الله التي فطر الناس عليها المسمى بالاستيقان في قوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فهو شرط التكليف وسبب قيام الحجة عليهم اذ لو لم يعرفوا ويتصوروا ما كلفوا به لما قامت الحجة عليهم فلا منافاة بين الجحود والاستيقان كما قال تعالى لان هذه المعرفة لم تثبت لوجود الموانع النافية لما يثبت به هذا الاستيقان كما اشرنا اليه فتفهم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله اللهم يا مقلب القلوب والابصار صل على محمد وآله الاطهار وثبت قلبي على دينك ودين نبيك صلى الله عليه وآله ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب وصلى الله على محمد وآله الاطياب
وقع الفراغ من الجزء الثالث من الشرح الشريف للزيارة الشريفة الزيارة الجامعة ويتلوه انشاء الله الجزء الرابع والحمد لله رب العالمين وكتب احمد بن زين الدين الاحسائي في اوائل شوال سنة تسع وعشرين ومائتين بعد الالف من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلوة وازكى السلام عليه وآله الانجاب الكرام صلى الله عليه وعليهم اجمعين حامدا مصليا مسلما مستغفرا تمت