شرح الزيارة الجامعة الكبيرة - الجزء ٤

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - شرح الزيارة الجامعة الكبيرة - الجزء ٤

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

الجزء الرابع

من مصنفات

الشيخ الاجل الاوحد

الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي هذا الجزء الرابع من شرح الزيارة الشريفة الزيارة الجامعة الكبيرة :

قال عليه السلام : بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي ذكركم في الذاكرين واسماؤكم في الاسماء
قال الشارح المجلسي رحمه الله ذكركم في الذاكرين اي اذا ذكره الذاكرون فانتم فيهم او ذكركم لله في جنب الذاكرين ممتاز او كالشمس اذا ذكروا فانتم داخلون فيهم لكن اي نسبة لكم بهم لقوله فما احلى اسماؤكم وكذلك البواقي انتهى

وقال السيد نعمت الله الجزائري رحمه الله في شرح التهذيب ذكركم في الذاكرين الخ مبتدأ وخبر اي ذكركم موجود بين الذاكرين كما ان اسماءكم موجودة بين الاسماء الا ان ذكركم لا نسبة له الى ذكر الذاكرين وكذلك اسماؤكم بل هي احلى واشرف من كل ذكر ومن كل اسم وهكذا باقي صفاتكم فانها مشاركة لصفات البشر في الاسم مفترقة عنها بالمعنى انتهى

اقول قد تقدم الكلام في بأبي انتم وامي وان بأبي خبر مقدم وانتم مبتدأ مؤخر وانه اي بابي كان معمولا ثانيا لافدي وانتم كان معمولا اولا له فلما حذف لكثرة الاستعمال حتى انه غلب حضور معناه بالبال ضمن معناه المعمول الثاني لانه ثمرة عامله فناب عنه ولانه نفس الفداء فيكون اولى من انتم بالتضمن وبالنيابة ولاجل هذا تصدر وتقدم وتأخر المبتدأ وذكركم بدل من انتم بدل اشتمال اي بابي وامي ونفسي واهلي ومالي افدي ذكركم في الذاكرين الموجود في السن الذاكرين او في نفوسهم او في قلوبهم او المسموع من السنتهم او المرئي في اعمالهم فان اتباع سبيلهم والأخذ عنهم والرد اليهم والرضى بهم والتسليم لهم اعظم ما يذكرهم به شيعتهم واتباعهم او المعلوم من معتقدات ذاكريهم من شيعتهم واتباعهم فانه اعلى ما يذكرون به كما اذا اعتقد المؤمن العارف توحيد الله بتعريفهم عليهم السلام وبسبيل معرفتهم وبمعرفتهم فان هذا اعلى ما يذكرون به نفسي لساداتي وموالي الفداء فان شئت اسمعتك الحانهم والحان شيعتهم الاولين الذين جعلهم الله خلف العرش فاقول او يكون المعنى بابي وامي ونفسي واهلي ومالي افدي ذكركم لله ما بين الذاكرين باسراركم وعقولكم وانفسكم واشباحكم واجسامكم واجسادكم والفاظكم واعمالكم واحوالكم والوانكم وجميع ما لكم وذكركم لا نفسكم في هذه المراتب وذكركم لشيعتكم في ما لهم من هذه المراتب وذكركم لاعدائكم باعمالهم وبما لهم من هذه المراتب وذكركم لمن دونهم الى التراب والثرى او ذكر الله اياكم فيما ذكر وفيما لم يذكر فصار المعنى ان المصدر الذي هو المفدي بهذه الامور التي احب الاشياء واعظمها عندي بعد الله وبعدكم يا موالي يجوز ان يكون مضافا الى المفعول او الى الفاعل فعلى انه مضاف الى المفعول يكون ذاكركم هو الله سبحانه وتعالى في كل مرتبة من مراتب وجوداتكم من الحقيقة المحمدية الى التراب الطيب مما هو منسوب الى باطنكم وفيما هو منسوب الى ظاهركم من الجهل الى الارض السبخة وذلك يوم اتخذكم اعضادا واطوادا فبسط بكم عوامل افعاله كما قال تعالى اولم ‌يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون وقال تعالى ولله يسجد ما في السموات وما في الارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال حتى اعلن كل شيء بتوحيده وتمجيده وتسبيحه وتحميده فبذلك ذكركم خير الذاكرين حين ذكرتموه بذلك فانزل فيكم وبكم فاذكروني اذكركم او على انه مضاف الى المفعول ايضا ذكركم الذاكرون فالله سبحانه ذكركم بما ذكر به نفسه فجعل طاعتكم طاعته ومعصيتكم معصيته ورضاكم رضاه وسخطكم سخطه وذكر بكم من سواكم من خلقه وذكركم الذاكرون وذكروا بكم من عرفوا فباحب الاشياء عندي افدي ذكر الله تعالى لكم من بين ما ذكر تعالى من سواكم وافدي ذكر الذاكرين لكم من بين ما ذكروا ممن عرفوا وافدي ذكر الله تعالى بكم من سواكم من بين ذكر الله بسواكم من سواكم وافدي ذكر الذاكرين بكم من سواكم من بين ذكرهم بسواكم من سواكم وافدي ذكر الله تعالى لكم فيما احب من ملكه وبما ابغض من ملكه وافدي ذكر الذاكرين لكم فيهم وفي جميع مراتب وجوداتهم من الافئدة والعقول والارواح والنفوس والطبائع والمواد والاشباح والاجسام والاجساد والاعتقادات والمتيقنات والعلوم والاعمال والاقوال والاحوال وعلى انه مضاف الى الفاعل يكون المعنى فباحب الاشياء عندي افدي ذكركم لله تعالى بما ذكركم به في كل مقام ظهر بكم لكم ولمن سواكم من بين ذكر الذاكرين لله تعالى في كل مقام وبكل كلام وافدي ذكركم بالله تعالى لكل من شاء الله بما شاء كما شاء من بين ذكر الذاكرين بالله تعالى لمن شاء الله بما شاء كما شاء وافدي ذكركم لله تعالى فيما شاء من خلقه الذاكرين لالائه الشاكرين لنعمائه وافدي ذكركم بالله تعالى فيما شاء من خلقه الذاكرين لالائه الشاكرين لنعمائه فهذه الاشياء التي ذكرتها صور اغصان سدرة المنتهى واغصان شجرة طوبى في جنة المأوى وعلى هذه الغصون اطيار على صور الطواويس من امثالهم في قوالب الصافين والكروبيين والمسبحين لا اقدر ان اسمي باسمائهم ولا ينقش قلمي هيئات الحانهم لئلا يسمع من الناس صنفان فيهلك قوم ويخر صعقين قوم ولقد قال سلمن الفارسي عليه سلام الله لعلي امير المؤمنين صلى الله عليه وآله يا قتيل كوفان لولا ان تقول الناس واش واه رحم الله قاتل سلمن لقلت فيك مقالا تشمئز منه القلوب يا محنة ايوب وانا اقول لولا هذه العلة لبينت بعض تلك الاطيار واريتك الوانها كالوان الطواويس واسمعتك بعض الحانها المهلكة والمسكرة لحسن اصواتها ونغماتها على ان الاوراق تكاد تضيق عن بيانها وان سلمن الفارسي رحمنا الله به وبحبه لما اشار الى هذه الاطيار والحانها ونغمات سجعها على اغصان الشجرة نقشت لك بقلمي في هذا الشرح كثيرا من صور اغصانها واشجارها واوراقها واطيارها واعلم ان في لغة اهل البيت عليهم السلام فيما يتخاطبون به ويخاطبون به من علموه بعض لغاتهم معاني لا تجري على ظاهر اللغة العربية لان المعروف عنهم عليهم السلام ان اللغة تصرف على سبعين وجها في الكلمة الواحدة فقد يسمون الشيء بما يخالف المعنى المصطلح عليه ففي مثل ما نحن بصدده وهو انا قلنا ان قوله عليه السلام ذكركم في الذاكرين بدل اشتمال وقد يطلقون عليه بدل بعض من كل سواء قلت انه مجرد اصطلاح ام لمناسبة قوية فانك اذا قلت نفعني زيد علمه يقولون علمه بدل من زيد بدل اشتمال وهم عليهم السلام يطلقون عليه ما هو حكم بدل بعض من كل كما في رواية حمران بن اعين عن الصادق عليه السلام حين سأله فقال يا حمران كيف تركت المتشيعين خلفك قال تركت المغيرة وبنان البيان احدهما يقول العلم خالق ويقول الاخر العلم مخلوق قال فقال (ع) لحمران فاي شيء قلت انت يا حمران قال فقال حمران لم اقل شيئا قال فقال ابو عبد الله عليه السلام افلاقلت ليس بخالق ولا مخلوق فقال ففزع لذلك حمران قال فقال فايش هو قال فقال من كماله كيدك منك ه‍ فجعل عليه السلام العلم بعضا من الشيء فعلى هذا اذا قلت نفعني زيد علمه يكون علمه بدل بعض من كل وهذا معنى صحيح لان علماء العربية انما قالوا بدل اشتمال لان زيدا مشتمل على علمه وعلى قوله عليه السلام ان زيدا جملة بعضها الجسم وبعضها العلم وبعضها العقل وبعضها الحواس الظاهرة والباطنة وغير ذلك ولا يعني ببدل البعض الا كون البدل بعضا من جملة اسند العامل اليها اولا فظن السامع ان حكم العامل واقع على الجملة فبين المتكلم ان الجملة لم ‌يسند العامل الا الى بعضها وانما اتينا بالكل لكونه مقوما للمسند اليه بخلاف بدل الاشتمال وان كان بهذا النحو يعني انه لم ‌يسند الى الكل ولكن الجملة لم تكن مقومة للمسند اليه وانما هي ظرف له وهذا الاختلاف راجع الى المعنى لا الى اللفظ فان العلم اذا كان بدل بعض لم ‌يرد منه كونه صورة انتزاعية ليكون مظروفا فيتحقق الاشتمال وانما هو ركن الذات والصورة انما هي علامة كما قيل في الاعراب انه تغيير الاخر واما الحركات فهي علامات ففي ما نحن فيه على الظاهر يخلص المعنى في بدل الاشتمال واما على الباطن والتأويل يجوز ان يكون بدل بعض من كل او بدل كل من كل فعلى المعنى الظاهري بالقول بالاشتمال فالمراد بالذكر ما يحضر عند الذاكر من ذات المذكور او صفته ويحصل له او يقع عليه او يحصل له من ذات المذكور او صفته من قول او عمل او تصور او حضور ذهني او حسي عند وجود مقتض له واما على الباطن والتأويل فعلى ارادة بدل البعض نقول ان الذاكر لم يحط منهم عليهم السلام بجميع ما يقتضي المذكورية وانما يحيط بالبعض من جهاتهم فتتجه ارادة البعض لا رادة جهة واحدة من جهات كثيرة هي كل الشيء لا ان المراد هو الصفات ليقال هذا هو الاشتمال وانما يراد بالجهات الابعاض كما يقال جهات الشيء لاجزاء ماهيته مثلا للانسان جهتان جهة حيوانيته وجهة ناطقيته فتقول الان عرفت زيدا حيوانيته او ناطقيته وهذا على الاضافة الى المفعول وكان الذاكر من سواهم من الخلق فان كان هو الخالق سبحانه كان على هذا بدل كل من كل لانه تعالى محيط بهم في كل رتبة من مراتب وجوداتهم فاول مرتبة ذكرهم فيها ذكرهم بهم فبكل ما يعز علي افدي ذكر الله تعالى لكم بكم من بين ذكره لجميع خلقه بهم بل وبمحمد وآله صلى الله عليه وآله اي من بين ذكر الله تعالى لخلقه بهم ومن بين ذكر الله تعالى لخلقه بكم ولو قدرنا في معنى ذكر الله ارادة الاوصاف والاحوال فانه كما يذكرهم بهم يذكرهم باوصافهم وباحوالهم كان بدل اشتمال كما مر وهل يتمشى بدل كل من كل على تقدير الاضافة الى الفاعل الظاهر المعلوم من المذهب على ظاهر المذهب انه لا يتمشى وظاهر الروايات تنفيه منها ما رواه الكشي في رجاله بسنده عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال قال ابو عبد الله عليه السلام يوما لاصحابه لعن الله المغيرة ابن سعيد ولعن الله يهودية كان يختلف اليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق ان المغيرة كذب على ابي عليه السلام فسلبه الله الايمان وان قوما كذبوا علي ما لهم اذاقهم الله حر الحديد فوالله ما نحن الا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ما نقدر على ضر ولا نفع وان رحمنا فبرحمته وان عذبنا فبذنوبنا والله ما لنا على الله من حجة وما معنا من الله براءة وانا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون ويلهم ما لهم لعنهم الله لقد آذوا الله وآذوا رسوله في قبره وامير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي صلوات الله عليهم وها انا ذا بين اظهركم لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وجلد رسول الله صلى الله عليه وآله ابيت على فراشي خائفا وجلا مرعوبا يأمنون وافزع ينامون على فرشهم وانا خائف ساهر وجل اتقلقل بين الجبال والبراري ابرأ الى الله مما قال في الاجدع البراد عبد بني‌اسد ابو الخطاب لعنه الله والله لو ابتلوا بنا وامرناهم بذلك لكان الواجب الا يقبلوه فكيف وهم يروني خائفا وجلا استعدي الله عليهم وابرأ الى الله منهم اشهدكم اني امرء ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله وما معي براءة من الله ان اطعته رحمني وان عصيته عذبني عذابا شديدا او اشد عذابه ه‍ وامثال هذا كثير في رواياتهم واما بواطن اخبارهم فدالة على ذلك تصريحا وتلويحا اما التلويح فمثل ما في الاختصاص بسنده الى الحسن بن عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام قال خطب امير المؤمنين صلوات الله عليه فقال ايها الناس سلوني قبل ان تفقدوني ايها الناس انا قلب الله الواعي ولسانه الناطق وامينه على سره وحجته على خلقه وخليفته على عباده وعينه الناظرة في بريته ويده المبسوطة بالرأفة والرحمة ودينه الذي لا يصدقني الا من محض الايمان محضا ولا يكذبني الا من محض الكفر محضا ه‍ وامثال هذا كثير واما التصريح فممنوع منه وما اكثر ما كتبته في شرحنا هذا

بقي شيء من مكنون العلم على تقدير الاضافة الى المفعول وكون الذاكر هو الله سبحانه وهو ذكر الله لكم بخلقه وذكر الله لخلقه بكم فان المذكور في الاول افضل من الذكر والذكر في الثاني افضل من المذكور فان اريد بالذكر المصدر من غير تأويل بالمفعول كان المعنى بكل ما يعز علي افدي ذكر الله تعالى لخلقه بكم من بين ذكر الله تعالى لكم بخلقه وان اريد بالمصدر المفعول كان المعنى بكل ما يعز علي افدي ذكر الله تعالى لكم بخلقه من بين ذكر الله تعالى لخلقه بكم هذا اذا اريد بالذكر الذكر الظاهر وهو ما يحضر عند الذاكر ويحصل له من ذات المذكور او صفته او يقع عليه ويحصل له من ذات المذكور او صفته من قول او عمل او تصور او حضور ذهني او حسي عند وجود مقتض له واما اذا اريد به الباطن والتأويل كما تقدم فهو كالوجه الاول وهو عدم تأويل المصدر بالمفعول الا ان في فهم المراد من قولي ذكر الله تعالى لكم بخلقه اشكالا وفي قولي ذكر الله تعالى لخلقه بكم دقة وغموضا وقد بينته في مواضع من هذا الشرح ولكن اشير اليه هنا كما هو عادتي بالتكرير للبيان والايضاح

فاما الاشكال فاعلم انا نريد بالذكر في الباطن والتأويل هو الايجاد بالمشية التي هي الذكر الاول للمشاء كما في حديث يونس بن عبدالرحمن عن الرضا عليه السلام حين سأله عن المشية والارادة والقدر والقضاء والامضاء قال عليه السلام تعلم ما المشية قال لا قال عليه السلام هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال (ع) هي العزيمة على ما يشاء الحديث واراد عليه السلام بقوله هي الذكر الاول ان المشاء قبل ذلك موجود بالوجود الامكاني ولم يكن شيئا مذكورا بالتكوين يعني انه كان ممكنا ولم يكن مكونا فاول ما يذكر بالايجاد ان يشاء الله تعالى كونه فكونه يعني وجوده بدون ماهيته هو اول ما ذكر به فالكون في المشية وايجاد العين في الارادة فالمحدث بالمشية هو الكون اي الوجود والمحدث بالارادة هو العين اي المتقوم بمادته وصورته سواء كانتا مجردتين ام جسمانيين والوجود هو المادة البسيطة ولكن لا يظهر الا بالماهية ومتمماتها من المشخصات فاذا قلنا ان المراد بقوله ذكركم في الذاكرين ان هذا الذكر هو ايجادكم فاذا قلنا ايجاد الله لكم بخلقه صار المعنى ان الله سبحانه اوجدهم بخلقه وهذا في غاية الاشكال ورفع الاشكال ان نقول انهم عليهم السلام قد خلقهم الله سبحانه قبل الخلق بالف دهر وفي رواية بالف الف والذي فهمت من وجه الجمع بين هاتين الروايتين ان الخلق في الاولى الانبياء عليهم السلام وفي الثانية سائر المخلوقات فكانوا عليهم السلام يعبدون الله عز وجل ويسبحونه ولم يكن في الوجود الكوني غيرهم وكانوا عنده تعالى وكان ظهورهم في الوجود مساوقا لتحقق الامكان الراجح في حجب الغيوب ولم ينزلوا الى هذا العالم ولم يظهروا فيه لانه لم يخلق بعد فلم يمكن ظهورهم في لا شيء فلما خلق هذا العالم اوجدهم فيه ولم يكونوا موجودين في هذا العالم الا بوجود هذا العالم وهذا الخلق فكان الله تعالى موجدا لهم في هذا الخلق بهذا الخلق واضرب لك مثلا تعرف به المراد وهو من الامثال التي ضربها رب العباد وهو ان الشمس اذا طلعت طلعت بنورها واشراقها غير مفارق لها ولا فاقدة له فلو لم تقابلها الارض بكثافتها لم يظهر لها نور كما تراها في الليل فانها مقابلة للسموات ولم يظهر لها نور لعدم كثافة السموات ويظهر نورها في القمر والكواكب لكثافتها فاذا طلعت من الافق لو فرض عدم الارض او عدم كثافتها رأيتها كالجمرة لا نور فيها فاذا ظهرت الارض ظهر نور الشمس فاوجد الله سبحانه نور الشمس بالارض مع ان نور الشمس معها ومثال آخر انت سميع في ذاتك فاذا لم يقع بقربك صوت لم يظهر سمعك فاذا تكلم عندك متكلم وجد سماعك بوجود الصوت اي وجد ظهوره بوجود الصوت ولم يكن سماعك في نفس الامر معدوما وانما احدث حال كلام الغير بل شرط وجوده في الظاهر وتعلقه بمدركه وجود مدركه وشرط وجود نور الشمس في الارض وجود الارض مع انه قبل ذلك لم يكن معدوما وامثال ذلك كثير كالكسر والانكسار وكصورتك في المرءاة وغير ذلك وهذا معنى ان الله سبحانه اوجدهم عليهم السلام بخلقه ولا ريب ان ايجاد الله تعالى لهم عليهم السلام بخلقه كما سمعت لا يساوي ايجاد الله تعالى للخلق بهم عليهم السلام اذ لا فضيلة لهم عليهم السلام في كون ايجادهم بالخلق بل قد يتوهم من هذا حصول النقص في ظاهر حاجتهم الى من هو دونهم بخلاف كون ايجاد الخلق بهم فان فيه كمال الفضيلة ومعنى ايجاد الخلق بهم ان الله سبحانه خلق مواد جميع من خلق وما خلق من فاضل اشعة انوارهم وخلق صور الخلق كلهم من هيئات احوالهم واعمالهم هذا في صور المؤمنين والملائكة والنبيين وما لحق بهم واما صور الكافرين والشياطين والمنافقين وما لحق بهم فمن هيئات خلاف احوالهم واعمالهم وقد تقدم هذا المعنى في مواضع من هذا الشرح فان قلت كيف تفرض ما لم يكن في الواقع وهو ان الله سبحانه اوجدهم بخلقه فان هذا لا يكون لانه يلزم منه انهم يتكملون بمن دونهم مع انه لا دليل عليه قلت نعم قد كان هذا وهم كذلك يحتاجون لمن دونهم ويتكملون بهم الا ان حاجتهم الى من دونهم وتكملهم بهم ليس راجعا الى ذواتهم عليهم السلام لان ذواتهم كاملة بل من دونهم محتاجون اليهم ومتكملون بهم وانما ذلك التكمل وتلك الحاجة راجعان الى ما يكون لهم والى من ينتسب اليهم وذلك كالشجرة فانها تحتاج الى الورق الذي لا يوجد ولا بقاء له الا بمددها الا انها يحسن منظرها بوجود الورق وكالوزير فانه اذا صلحت رعيته كان بذلك وجيها عند السلطان واذا عصت رعية الوزير كان ذلك مبعدا له عند السلطان وان لم يقع منه تقصير فكذلك هم عليهم السلام فانهم ينتفعون بصلاح شيعتهم فيما يرجع الى كونهم ذوي اتباع صالحين بصلاحهم وهو زيادة في حسن ظاهرهم بحيث يكون ذلك فضيلة لهم نسبية لا ذاتية كما مثلنا بالشجرة والورق ولاجل هذا قالوا صلى الله عليهم لشيعتهم اعينونا بورع واجتهاد يعني اعينونا فيما تريدون منا من الشفاعة والعفو وترك حقوقنا فانكم اذا تورعتم واجتهدتم لم تحتاجوا الى ان نستشفع فيكم وقال صلى الله عليه وآله تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم الامم الماضية والقرون السالفة يوم القيمة ولو بالسقط الحديث فان قوله صلى الله عليه وآله مباه بكم الامم الماضية الخ مشعر بالانتفاع ولكنه كما قلنا لا يرجع الى تكمل ذواتهم بذلك بل يرجع الى بعض الاحوال الظاهرة منهم

وقوله عليه السلام : واسماؤكم في الاسماء
يراد منه بما ذكرت مما يعز علي افدي اسماؤكم في الاسماء اي من بين الاسماء والاسم انما وضع علامة للشيء قال في القاموس واسم الشيء بالكسر والضم وسمة وسماة مثلثين علامته انتهى وذكره في مادة سما تنبيها على انه من السمو لا من الوسم وتفسيره ينافي تنبيهه الا ان اختياره ما دل عليه تنبيهه كما هو اختيار البصريين في الاشتقاق والتفسير مقتضى معنى الاسم ولذا جرت به طبيعته كما هو اختيار الكوفيين وهو اولى لمطابقة الاشتقاق للمعنى لان الاسم انما وضع لتمييز المسمى فهو علامة له والعلامة من الوسم اليق بها من السمو لان الرفعة المعنية لا يراد بها المسمى ولا فائدة في ان يراد بها الالفاظ ودليلهم بالجمع والتصغير لا ينهض بالحجة لانه اذا قام الاحتمال بطل الاستدلال والاحتمال القائم المساوي بل الراجح لاجل صحة معناه هو انهم انما قال الصرفيون بانهما يردان الاسماء الى اصولها غالبا بقي فيه غير الغالب ولا يقال ان غير الغالب لا يعارض الاستدلال لانا نقول اذا رجعنا الى المعنى وكان معنا لا مع البصريين ورجعنا الى السبب الموجب لكون الجمع والتصغير يردان الاسماء الى اصولها غالبا شهد بصدق غير الغالب وكان غالبا في مورده وذلك لان شويكيا تصغير شاك مقلوب شائك انما لم يرده التصغير الى اصله لمعلومية اصله انه شائك وانما يرد ما كان اصله مجهولا لان ما كان اصله في الغالب مجهولا لو لم يرد الى اصله في التصغير والتكسير لجهل اصله بخلاف ما كان اصله معلوما فانه لا يجب مع احدهما الرد وان جاز لاسرار في الوضع يطول بها الكلام اذ لا يمكن تبيينها الا بذكر كثير من الامثال ليتبين الحال والاسم لما كان كثير الدوران في الكلام والاستعمالات والمحاورات وكان معلوم الاصل بشهادة معناه وانه علامة على المسمى التي لا يناسب معناها الا الاخذ والاشتقاق من الوسم لا من السمو لم يغيره التصغير والتكسير لان التغيير لما لا يستعمل الا على هذه الهيئة خلاف الاصل وخلاف الاستعمال وخلاف المأنوس ولو كان مجهول الاصل بحيث لو لم يرد الى اصله في بعض الاحوال لجهل اصله وجب رده الى الاصل في التصغير والتكسير حفظا لاصله وان خالف غالب الاستعمال بحيث لو كان الرد مصادما لغالب الاستعمال بحيث يحصل من الرد مجهولية الاستعمال ولو في بعض الاحوال وجب نصب قرينة لرفع هذا الاختلال ولما زال المحذور من جهل اصل الاسم وحصل المحذور من تغيير اصل سلاسة الاستعمال وخلاف المأنوس ابقى على اصل استعماله لمعلومية اصل وضعه وهذا مع حسنه وظهور دليله موافق لمعناه فيجب المصير اليه والشهرة ليست في مثل هذا الذي يخالف اصل معناه دليلا اذ رب مشهور ولا اصل له وفي عيون الاخبار ومعاني الاخبار عن الرضا عليه السلام في تفسير بسم الله قال عليه السلام يعني اسم نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة قيل له ما السمة قال العلامة ه‍ فتدبر هذا الحديث من حجة الله تعالى عليك هل ابقي للسمو المدعى رسما او اثرا وايضا سئل عليه السلام عن الاسم ما هو قال صفة لموصوف ه‍ ولا ريب ان العلامة صفة للشيء والسمو لا معنى له اما في المسمى فظاهر واما في اللفظ بان الاسم مرتفع على اخويه الفعل والحرف فاظهر في البطلان فاذا عرفت ما اشرنا اليه من ارادة كون الاسم علامة للمسمى ووقفت على ما قررنا في اصول الفقه من ان بين الاسماء والمعاني مناسبة ذاتية لانه علامة للمسمى ومميز له فاذا كان الواضع عالما بالمناسبة وقادرا عليها كان العدول عنها الى عدمها فيما يريد تمييزه عن الاشتباه مخالفا للحكمة ولا تقان الصنع لان العلامة اذا كانت مناسبة لذي العلامة في مادتها وصورتها كانت دلالتها ذاتية وارتباطها ارتباطا مع الموافقة فتكون ادل في التعريف واظهر في التمييز فان عثر عليها المخاطبون فذلك والا فكان الواضع لم يهمل الحكمة ولم يظلمها ولم يضع في غير ما جعلها مقتضية له فمن شاء اطلاعه على علل الاشياء واسبابها علمه ذلك بتفهيمه او بوضع القرائن له والامارات والا فهو يحب من المخاطب في غير ما يريد منه من ايقاع الافعال موافقة للامر التسليم والانقياد ومنه انه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون على انه كما عرف كثيرا من خلقه وترك كثيرا مما خلق على ابهامه على اكثر المكلفين لان الانقياد والتسليم في حقهم خير لهم من التعريف في كثير من الاشياء لان العباد خلقهم تعالى مختلفين منهم من يحسن تفهيمه كما يحسن تكليفه ومنهم من لا يحسن تفهيمه وان حسن تكليفه فان قلت هذا انما يتم على القول بان الواضع هو الله سبحانه واما على القول بان الواضع غيره فلا قلت لو قلنا بان الواضع غير الله لم يكن محذور في ان الالفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية لان الوضع لا يمكن الا ممن له قوة المعرفة التي لا تنقص عن المعرفة بالمناسبة واعتبارها يدل على هذا انا وجدنا في اللغة واشتقاق الالفاظ بعضها من بعض ونظمها على ما يوافق الحكمة ما يبهر العقول مع ما عرفنا من قصورنا عن اكثر اسرارها ولا يكون ذلك الا ممن يقدر على المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها على عدمها واذا كان قادرا على العلم بها وعلى فعلها مع معرفته بانها اكمل وادل على المطلوب واوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصا في الكمال وعدولا الى الاهمال عن الحكمة لان الاسماء في الحقيقة صفات المسميات فلو لم يكن بين الصفة وموصوفها مناسبة ذاتية ومطابقة حقيقية لكانت صفة زيد التي يطلب بها تمييزه تصلح لعمرو واذا صلحت لعمرو كان وصف زيد بها للتمييز عن عمرو يزيد في التباسه بعمرو فافهم ولا يلزم على كون الواضع غير الله لو اريد المناسبة ان يعرفها غيره لوجود المماثل له فيعلم مراده لان الشخص اذا صنع شيئا قد تكون له ارادات وملاحظات ومناسبات لا يعرفها غيره بل ربما لا يعرفها هو في وقت آخر وهذا ظاهر لا شبهة فيه واذا ثبت هذا قلنا لو فرضنا ان الواضع غيره تعالى يكون وضعه للمناسبة ولا يعثر على اكثر اراداته غيره فلزم الواضع ان يعرف غيره ما عني بالاسماء من المسميات بالترديد والتكرار حتى يعرفوا المقصود منها ولا يلزمه تفهيم المناسبات لان مطلوبه وهو التفهيم حاصل من دون تعريف المناسبات ومعرفة المناسبات وان كان اكمل للمخاطبين لكنه لو التزمها في تفهيم المعاني لتعذر اكثرها على اكثر المخاطبين اذ ليس كلهم اولوا ( اولى ظ ) افهام دقيقة والباب عميقة على انا لا نريد بالواضع الا الله سبحانه لانه تعالى اخبر في كلامه الصدق بذلك فقال تعالى وعلم آدم الاسماء كلها والجمع المحلي بالالف واللام يفيد العموم ثم اكد بكلها لئلا يتوهم العموم العرفي ثم عرضهم اي المسميات على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء والجمع المضاف يفيد العموم ليتطابق العامان ويرتفع الاحتمال ولم يكن حينئذ احد من الخلق يمكن ان يكون واضعا فاخبر بانه تعالى علم آدم الاسماء كلها من جميع اللغات والا لم يكن المعلم كل الاسماء وفي المجمع وتفسير العياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل ماذا علمه قال الارضين والجبال والشعاب والاودية ثم نظر الى بساط تحته فقال وهذا البساط مما علمه ه‍ وفي تفسير العسكري عليه السلام عن السجاد عليه السلام علمه اسماء كل شيء ه‍ والحاصل من يريد العلم لا يشك في ان الواضع هو الله فان الله سبحانه خالق كل شيء وقد بينا جميع هذا في فوائد الاصول من اراد البيان وقف عليه هناك والحاصل لما ثبت بالاشارة ان المراد من الاسماء هي العلامات المميزات والصفات المعينات للمسميات تبين لمن عرف المراد ان المراد بها الاعم من اللفظية والمعنوية لان العلامة والتمييز يحصل بكل منهما والاسم كما يسمى صفة كما في قول الرضا عليه السلام الاسم صفة لموصوف كذلك تسمي الصفة اسما كقول امير المؤمنين عليه السلام رواه الحسن بن سليمن الحلي في المختصر قال رواه بعض علماء الامامية في كتاب منهج التحقيق الى سواء الطريق باسناده عن سلمن الفارسي رضي الله عنه في حديث طويل معروف بحديث السحابة عنه عليه صلوات الله حين قال له سلمن واصحابه يا امير المؤمنين كيف تملك وتعلم بهذه الاشياء قال عليه السلام اعلم (ظ) ذلك بالاسم الاعظم الذي اذا كتب على ورق الزيتون والقى في النار لم يحترق وباسمائنا التي كتبت على الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء واستنار وانا المحنة النازلة على الاعداء وانا الطامة الكبرى اسماؤنا مكتوبة على السموات فاقامت وعلى الارض فانسطحت وعلى الرياح فذرت وعلى البرق فلمع وعلى النور فسطع وعلى الرعد فخشع الحديث فان المراد بالاسم هنا الصفة كما تقول كتب اسم الشمس على وجه الارض فاستنار يعني ان نور الشمس الذي هو صفتها حين اوقعه الله تعالى واوجده على وجه الارض استنار وكتب بمعنى اوجد وخلق كما قال تعالى اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه عن الباقر عليه السلام في قول رسول الله صلى الله عليه وآله اذا زني الرجل فارقه روح الايمان قال هو قوله وايدهم بروح منه ذاك الذي يفارقه ه‍ فبحضور هذا الملك الذي هو روح الايمان يكتب الله الايمان بواسطة فعل الطاعة اي يثبته في قلب المؤمن فيبيض ويستنير وبغيبته يحضره الشيطان المقيض فبحضور ذلك الشيطان يكتب الله الكفر والنفاق بواسطة فعل المعصية الموجبة لذلك في قلب الكافر والمنافق وفي الكافي وتفسير العياشي عن الباقر عليه السلام قال ما من عبد مؤمن الا وفي قلبه نكتة بيضاء فاذا اذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد وان تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فاذا غطى البياض لم يرجع صاحبه الى خير ابدا وهو قول الله عز وجل كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ه‍ واما ان الكتابة بالملك بواسطة الطاعة وبالشيطان بواسطة المعصية فما رواه في الكافي في قوله تعالى بروح منه عنهما عليهما السلام هو الايمان ه‍ اي ان الروح روح الايمان اي المكتوب به وعن الصادق عليه السلام ما من مؤمن الا ولقلبه اذان ( اذنان ظ ) في جوفه اذن ينفث فيها الوسواس الخناس واذن ينفث فيها الملك فيؤيد الله المؤمن بالملك وذلك قوله وايدهم بروح منه ه‍ وفعل الله تعالى انما هو بمقتضى الاسباب للفعل من تهيأ المكلف وميله وترجيحه للفعل واخذه في الفعل وروي في المجمع قد وردت الرواية الصحيحة انه لما نزلت هذه الاية يعني قوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن شرح الصدر ما هو فقال نور يقذفه الله تعالى في قلب المؤمن فينشرح صدره وينفسح قالوا فهل لذلك امارة يعرف بها فقال نعم الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ه‍ وفي التوحيد والعياشي عنه (ع) ان الله تبارك وتعالى اذا اراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده واذا اراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ثم تلا هذه الاية ه‍ فاذا فهمت هذه الاخبار ظهر لك ان الايمان الذي يكتبه الله تعالى في قلب المؤمن هو النور الذي يستنير به قلبه فيكون باعثا له على طاعة الرحمن ويكتسب به الجنان وهو النكتة البيضاء التي كتبها الله على يد ذلك الملك المسدد له بواسطة طاعة المكلف حتى ابيض قلبه واتصف بالبياض وسمي به وهو الايمان الذي كتب تعالى في قلب المؤمن فاذا عرفت هذا الكتب عرفت قوله عليه السلام وباسمائنا التي كتبت على الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء واستنار ولم يكتب على الليل على وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام وكذلك على النهار وانما كتبت اسماؤهم التي هي صفاتهم وكذلك كتبت على قلب المؤمن فاضاء واستنار وعلى قلب الكافر والمنافق فاظلم فان قلت كيف يظلم قلب المنافق والكافر اذا كتبت عليه مع ان اسماءهم نور قلت ان استنارة القلب باسمائهم اذا قبلها وظلمته اذا لم يقبلها لان الاسماء المرادة هي ولايتهم ومحبتهم وطاعتهم فاذا عرضت محبتهم وولايتهم على القلوب والليل والنهار مثلا وغير ذلك قبلها قلب المؤمن والنهار فاستضاءا واستنارا وانكرها الليل وقلب المنافق وقلب الكافر فاظلمت وذلك ما اشار اليه تعالى بقوله باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فالباب هو علي عليه السلام باب مدينة العلم باطنه الولاية اي اذا قبلها من عرضت عليه وظاهره يعني انكار ولايته ممن لا يقبلها وهو العذاب فان قلت كيف يكون النور ظلمة والرحمة عذابا قلت هذا ظاهر فان قبول النور نور وعدم قبوله ظلمة وقبول الرحمة رحمة وعدم قبولها عذاب لانهما ضدان ومثال ذلك ما قال الشاعر :

ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما

وحقيقة ولايتهم هي امتثال اوامر الله واجتناب نواهيه وذلك هو الرحمة وسبب الرحمة وهو الجنة وسبب الجنة وهو النور وسبب النور وهو الخير كله وانكار ولايتهم هو ترك اوامر الله وفعل نواهيه وذلك هو العذاب وسبب العذاب وهو النار وسبب النار وهو الظلمة وسبب الظلمة وهو الشر كله والولاية المشار اليها وانكارها يجري كل منهما في الاعتقادات والاعمال والاقوال وقبولها هو الخير خلقه الله فطوبى لمن اجراه على يديه وانكارها هو الشر خلقه الله فويل لمن اجراه على يديه فكل ما تسمع من كل خير وكل ما ترى من كل خير وكل ما تجد من كل خير الذي اعني به ولايتهم هي اسماؤهم التي كتبها الله على الواح المكلفين من اوليائه من الاعتقادات الصحيحة كتبها كتب على الواح افئدة اوليائه معارفها وفي قلوبهم معانيها وفي نفوسهم صورها وفي اشباحهم مثلها ومن الاعمال الصالحة كتبها كتب في جوارحهم صورها وفي نفوسهم مثلها وفي قلوبهم معانيها ومن الاقوال الطيبة كتبها كتب اصواتها في ألسنتهم وفي آذانهم هياكلها وفي خيالاتهم صورها فاستنارت هذه الالواح بما جرت به اقلام الحق عليها من اسمائهم صلى الله عليهم اجمعين وهو تأويل قوله تعالى واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وكل ما تسمع من شر وكل ما ترى من شر وكل ما تجد من كل شر الذي اعني به ترك ولايتهم وهو ولاية اعدائهم هي اسماء اعدائهم التي كتبها الله سبحانه على الواح المكلفين من اعدائهم بانكارهم لانواع ولاية محمد واهل بيته صلى الله عليه وعليهم من الاعتقادات الباطلة ومن الاعمال السيئة ومن الاقوال المنكرة على تفصيل ما ذكرنا في حق اهل الحق وكل ما تسمع وترى وتجد من خير او شر او حلو او مر او منير او مظلم او حسن او قبيح في جميع الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوانات والنباتات والمعادن والجمادات وما بين ذلك من البرازخ فهي اسماؤهم في كل محبوب واسماء اعدائهم في كل مكروه كتبها العدل الحكيم باقلام الحق المستقيم على حسب قوابلها وذلك قوله عز وجل انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا ففي البصائر عن الباقر عليه السلام هي الولاية ابين ان يحملنها كفرا وحملها الانسان والانسان ابو فلان ه‍ وهو ابو الدواهي وفي المعاني عن الصادق عليه السلام الامانة الولاية والانسان ابوالشرور وقول علي عليه السلام هي الصلوة لان الصلوة هي صورة الولاية والركن الاعظم من ظاهرها ومن صورتها فما وجدت من جمال او رأيت او سمعت فهو اسمهم كتب على ذلك الجميل واسم ولايتهم وكذا ما سمعت او رأيت او وجدت من نور او حلاوة او قوة او اعتدال او شفاء او دواء او اصابة او توفيق او غير ذلك من كل مستحسن في كل شيء فهو اسماؤهم وولايتهم كتبت في ذلك الشيء بقبوله لها وكل ما سمعت او رأيت او وجدت من اضداد ذلك كله في شيء فهو اسماء اعدائهم وولايتهم وعداوة محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله كتبت في ذلك الشيء بانكاره لولاية محمد وآله صلى الله عليه وآله وبقبوله لولاية اعدائهم التي هي انكار ولاية النبي وآله صلى الله عليه وآله فما تجد من حلاوة السكر فهي اسم من اسمائهم وما تجد من مرورة الصبر فهي اسم من اسماء اعدائهم وعن انس بن مالك قال دفع علي بن ابي طالب عليه السلام الى بلال درهما ليشتري به بطيخا قال فاشتريت به فاخذ بطيخة فقورها فوجدها مرة فقال يا بلال رد هذا الى صاحبه وائتني بالدرهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي ان الله اخذ حبك على البشر والشجر والثمر والبذر فما اجاب الى حبك عذب وطاب وما لم يجب خبث ومر واني اظن ان هذا مما لا يجيبني اخرجه الملا في سيرته قال بعد هذا وفيه دلالة على ان العيب الحادث اذا كان مما لا يطلع به على العيب القديم لا يمنع من الرد انتهى وفي الاختصاص بسنده عن قنبر مولي امير المؤمنين عليه السلام قال كنت عند امير المؤمنين عليه السلام اذ دخل رجل فقال يا امير المؤمنين انا اشتهى بطيخا قال فامرني امير المؤمنين صلوات الله عليه بشراء البطيخ فوجهت بدرهم فجاؤنا بثلاث بطيخات فقطعت واحدة فاذا هو مر فقلت مرة يا امير المؤمنين فقال ارم به من النار الى النار قال وقطعت الثاني فاذا هو حامض فقلت حامض يا امير المؤمنين فقال ارم به من النار والى النار قال فقطعت الثالث فاذا هو مدود فقلت مدودة قال ارم به من النار والى النار قال ثم ذهبت بدرهم آخر فجاؤنا بثلاث بطيخات فوثبت على قدمي وقلت اعفني يا امير المؤمنين عن قطعه كأنه تأثم بقطعه فقال له امير المؤمنين اجلس يا قنبر فانها مأمورة فجلست فقطعت فاذا هي حلوة فقلت حلوة يا امير المؤمنين فقال كل واطعمنا فاكلت ضلعا واطعمته ضلعا واطعمت الجليس ضلعا فالتفت الى امير المؤمنين صلوات الله عليه فقال يا قنبر ان الله تبارك وتعالى عرض ولايتنا على اهل السموات واهل الارض من الجن والانس والثمر وغير ذلك فما قبل منه ولايتنا طاب وطهر وعذب وما لم يقبل منه خبث وردى ونتن ه‍ ومثل معناه ما في بشارة المصطفى بسنده الى ابي‌ هريرة وما في العلل بسنده عن سليمن بن جعفر عن الرضا عليه السلام فهذه الحلاوة اسم ولايتهم اي صفتها والمرورة والحموضة والتدويد اسم ولاية عدوهم يعني انكار ولايتهم والمراد بهذه الفقرة الشريفة مثل ما قبلها يعني بما يعز علي افدي اسماءكم من بين الاسماء فان اسماءكم حبيبة عند جميع الخلائق من محبيهم ومبغضيهم علموا او لم يعلموا فان لم يعلموا فظاهر فانهم يحبون اكل السكر لحلاوته واكل المطاعم اللذيذة وشرب الماء البارد في ايام الصيف ولبس الثياب الحسنة والذهب والفضة والجواهر النفيسة وامثال ذلك والصفات الحسنة كالعلم والشجاعة والكرم والحلم والعقل وما اشبه ذلك ولا يعلمون ما هذه الصفات المحبوبة ومن اين نشئت والى من انتسبت ويكرهون اضدادها وهي اسماء ساداتهم وكبرائهم واسماؤهم يلعن بعضهم بعضا وان علموا فكذلك فلا يرون صفة ولا حالا من ائمتنا عليهم السلام الا وهو محبوب عندهم وانما يعادونهم حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق والحاصل ان اسماءهم التي اشار اليها منها ما ذكرنا من اسمائهم الصفاتية وما لم نذكر ومنها اللفظية فانها مشتقة من اسمائه تعالى يعني خلقها سبحانه من اسمائه كما خلق صفاتهم واسمائها من صفاته الفعلية واسمائها وكما خلق انوارهم اي وجوداتهم من نوره يعني النور الذي احدثه بنفس مشيته بغير واسطة غيره ونسبه الى نفسه تعالى واقره في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهذا معنى ما روي عن علي بن الحسين عليه السلام قال حدثني ابي عن ابيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله الى ان قال قال الله يا آدم هذه اشباح افضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وانا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسما من اسمي وهذا علي وانا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي وهذه فاطمة وانا فاطر السموات والارض فاطم اعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم اوليائي عما يعرهم ويشينهم شققت لها اسما من اسمي وهذا الحسن وهذا الحسين وانا المحسن المجمل شققت اسميهما من اسمي الحديث فتأمل في هذا الحديث يظهر انه سبحانه يريد بالاسم ما هو اعم من اللفظ ولو اراد خصوص اللفظ لما قال تعالى وهذه فاطمة وانا فاطر السموات والارض ولو اراد خصوص المعنى لما علقه بالالفاظ ولكنه تعالى يريد الاسماء المعنوية والاسماء اللفظية وهو المفهوم من احاديثهم الكثيرة ما ذكرنا وما لم نذكر فيكون المراد بقوله عليه السلام واسماؤكم في الاسماء على هذا ما ذكرنا في قوله (ع) ذكركم في الذاكرين من المعنيين احدهما ما ذكرنا هنا والثاني الظرفية الظاهرة من في ثم ان اعتبرنا اللفظية في اللفظية كانت اسماؤهم عليهم السلام في سائر الاسماء كالواحد في الاعداد وكالفعل في ما اشتق منه كضرب محركا في الضرب وكالصوت في الصدا وما اشبه ذلك فان الاعداد متقومة بامثال الواحد المتكررة فيها والمصادر متقومة بمواد افعالها وما فيها من الحروف كالضاد في المصدر مثال لما في الفعل الذي هو ضرب محركا يعني ان الضاد في المصدر مثال الضاد في الفعل والراء مثال للراء والباء مثال للباء فيه والصداء مثال للصوت مع انك ترى الواحد في الاربعة مثل الواحد والمادة في المصدر مثل مادة فعله والصدا مثل الصوت وكذلك هي في الاسماء كصورة المقابل للمرءاة في الصورة التي في المرءاة وهكذا وكذلك اذا اعتبرنا المعنوية مع المعنوية على نمط واحد والاصل في ذلك ما ثبت بالادلة القطعية من ان الظاهر صفة الباطن وآيته ودليله فهو مطابق والشهادة شاهد الغيب وسفيره قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك انتهى او كما قال وان اعتبرنا اللفظية في المعنوية فهي باعتبار كونها محلا لمعنويتها بمنزلة كن في المكونات وان اعتبرنا المعنوية في المعنوية فكاللفظية في اللفظية وان اعتبرناها في اللفظية لم يجز ذلك الاعتبار الا مجازا يعني باعتبار توسط الاسباب المتعددة والا لاحترقت اللفظية وفي الحديث ان لله سبعين ‌الف حجاب وروي سبعمائة وروي سبعين وروي غير ذلك من نور وظلمة لو كشف حجاب منها او لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه او كما قال (ص) ه‍ وانما قلنا ذلك كله لان الصانع عز وجل واحد والصنع واحد والمصنوع واحد او كواحد قال الله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فلذا قلنا من عرف شيئا من جميع جهاته فقد عرف الاشياء والله سبحانه يرزق من يشاء بغير حساب

قال عليه السلام : واجسادكم في الاجساد وارواحكم في الارواح وانفسكم في النفوس وآثاركم في الاثار وقبوركم في القبور
اقول الجسد لغة هو الجسم او اخص منه وفي القاموس محركة جسم الانسان والجن والملائكة والزعفران وعجل بني اسرائيل والدم اليابس ه‍ وفي مجمع البحرين قوله تعالى عجلا جسدا اي ذا جسد اي صورة لا حراك فيها انما هو جسد فقط او جسدا بدنا ذا لحم ودم ثم قال والجسد من الانسان بدنه وجثته والجمع اجساد وفي كتاب الخليل لا يقال لغير الانسان من خلق الارض جسد وكل خلق لا يأكل ولا يشرب نحو الملائكة والجن فهو جسد وعن صاحب البارع لا يقال الجسد الا للحيوان العاقل وهو الانسان والملائكة والجن ولا يقال لغيره جسد انتهى وقال في القاموس الجسم جماعة البدن او الاعضاء من الناس وسائر الانواع العظيمة الخلق كالجسمان بالضم الجمع اجسام وجسوم انتهى وفي مجمع البحرين تكرر في الحديث ذكر الجسم قيل هو كل شخص مدرك وفي كتاب الخليل نقلا عنه الجسم البدن واعضاؤه من الناس والدواب ونحو ذلك مما عظم من الخلق وعن ابي‌ زيد الجسم الجسد وكذلك الجسماني والجثماني وقد مر الفرق بينهما في كلام الاصمعي في جثم والجسم في عرف المتكلمين هو الطويل العريض العميق فهو ما يقبل القسمة في الابعاد الثلاثة انتهى وكلام الاصمعي الذي اشار اليه هو الجثمان الشخص والجسمان الجسم ه‍

اقول هذا بعض ما ذكره اهل اللغة وغيره من هذا النوع والمعروف المحصل من كلام اهل اللغة والعلماء والمفسرين ان الجسد هو جسم الحيوان الظاهر المشاهد وقد جرى اصطلاح اهل الصناعة الدائر على السنتهم في محاوراتهم ان الجسد هو المعدن كالمعادن السبعة الذهب والفضة والرصاصين والنحاسين والزيبق وكأن اطلاق الجسد في اصل اللغة على جسم الحيوان من حيث كونه لا روح فيه اغلبي او فيما تأخر من لغة العرب والا فيطلق على غيره كما ذكر في القاموس في اطلاقه على الزعفران وكاستعماله في ذي الروح كقولك جسد زيد ومنه ما في هذه الزيارة الشريفة الا ان يقال انما يطلق على ذي الروح من حيث هو بدون روح اي يراد به عند الاطلاق غير الروح لا الروح ولا المركب منهما ولعل اختصاص اهل الصناعة به في المعادن من هذا القبيل اما لانها لا ارواح فيها او لانهم فرضوا ناقصها كالرصاصين والنحاسين ومتوسطها كالفضة وكالزيبق وتامها كالذهب بالنسبة الى الاكسير الذي يكملها كالستة الاول او يجعلها مكملة لغيرها كالذهب كالاجساد من غير ارواح والروح هو الاكسير ولعل اختصاص اصحاب الافلاك بالجسم للطافتها كالارواح او لفرض ملازمة نفوسها لها على الدوام كما هو رأي اهل الطبيعة وجرى اصطلاح المسلمين منهم على ذلك لكون كلامهم معهم في مطلق تلك الاجرام واما الجسم بقول مطلق فهو المتحيز الذي يقبل القسمة في الجهات الثلاث وهو اما مطلق بسيط اي لا تركيب فيه كما قيل وهذا يسمى جسما من حيث جوهره وذاته ويسمى هيولي من حيث قبوله للصورة النوعية واما تعليمي وهو ما يعتبر فيه المقدار خاصة سموه بذلك لانهم يعلمون فيه اولادهم الهندسة التي الحدود والخطوط لا غير واما طبيعي لتعلق البحث فيه من حيث الطبيعة واحاديث اهل العصمة عليهم السلام وادعيتهم تارة يستعمل فيها اجسامهم وتارة اجسادهم وتارة اجسادهم واجسامهم وتارة اجسامهم بدل اجسادهم ولهم صلى الله عليهم في مخاطباتهم للمكلفين اعتبارات لا يطلع على كلها الا هم والمعروف عند من يعرف شيئا من لغاتهم سلام الله عليهم ان الاجساد يطلق في مقابلة الارواح والاجسام في اطلاقها اعم من ذلك والاشباح كالاجساد والارواح كالاجسام واعلم وفقك الله ان الانسان له جسدان وجسمان فاما الجسد الاول فهو ما تألف من العناصر الزمانية وهذا الجسد كالثوب يلبسه الانسان ويخلعه ولا لذة له ولا الم ولا طاعة ولا معصية الا ترى ان زيدا يمرض ويذهب جميع لحمه حتى لا يكاد يوجد فيه رطل لحم وهو زيد لم يتغير وانت تعلم قطعا ببديهتك ان هذا زيد العاصي ولم تذهب من معاصيه واحدة ولو كان ما ذهب منه او له مدخل في المعصية لذهب اكثر معاصيه بذهاب محلها ومصدرها وهذا مثلا زيد المطيع لم تذهب من طاعاته شيء اذ لا ربط لها بالذاهب بوجه من الوجوه لا وجه علية ولا وجه مصدرية ولا تعلق ولو كان الذاهب من زيد لذهب بما يخصه من خير وشر وكذا لو عفن وسمن بعد ذلك هو زيد بلا زيادة في زيد بالسمن ولا نقصان فيه بالضعف لا في ذات ولا في صفات ولا في طاعة ولا في معصية والحاصل هذا الجسد ليس منه وانما هو فيه بمنزلة الكثافة في الحجر والقلى فانهما اذا اذيبا حصل زجاج وهذا الزجاج بعينه هو ذاك الحجر والقلي الكثيفان لما ذاب زالت عنه الكثافة وليست من الارض فان الارض لطيفة شفافة وانما كثافتها من تصادم العناصر الا ترى الماء اذا كان ساكنا كان صافيا ترى ما تحته فاذا حركته لم تر ما فيه وهو يتحرك لتصادم بعض اجزائه ببعض مع قليل من الهواء فكيف بتصادم الطبائع الاربع وهذا الجسد كالكثافة في الحجر والقلي ليست من ذاتهما ومثال آخر كالثوب فانه هو الخيوط المنسوجة واما الالوان فهي اعراض ليست منه يلبس لونا ويخلع لونا وهو هو ولعل قول علي عليه السلام في جوابه للاعرابي في النفس الحسية الحيوانية يشير الى ذلك حيث يقول فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها ه‍ حيث صرح بعدم صورتها وبطلان وجودها واضمحلال تركيبها واما الجسد الثاني فهو الجسد الباقي وهو الطينة التي خلق منها ويبقى في قبره اذا اكلت الارض الجسد العنصري وتفرق كل جزء منه ولحق باصله فالنارية تلحق بالنار والهوائية تلحق بالهواء والمائية تلحق بالماء والترابية تلحق بالتراب يبقى مستديرا كما قال الصادق عليه السلام وقد قال علي عليه السلام في النفس النامية النباتية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة وعني بها هذا الجسد العنصري الذي ذكرنا واما الثاني الباقي هو الذي ذكره الصادق عليه السلام تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة اي مترتبة على هيئة صورته اجزاء رأسه في محل رأسه واجزاء رقبته في محلها واجزاء صدره في محله وهو تأويل قوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وهذا الجسد هو الانسان الذي لا يزيد ولا ينقص يبقى في قبره بعد زوال الجسد العنصري عنه الذي هو الكثافة والاعراض فاذا زالت الاعراض عنه المسماة بالجسد العنصري لم تره الابصار الحسية ولهذا اذا كان رميما وعدم لم يوجد شيء حتى قال بعضهم انه يعدم وليس كذلك وانما هو في قبره الا انه لم تره ابصار اهل الدنيا لما فيها من الكثافة فلا ترى الا ما هو من نوعها ولهذا مثل به الصادق صلوات الله عليه بانه مثل سحالة الذهب في دكان الصائغ يعني ان سحالة الذهب في دكان الصائغ لم ترها الابصار فاذا غسل التراب بالماء وصفاه استخرجها كذلك هذا الجسد يبقى في قبره هكذا فاذا اراد الله سبحانه بعث الخلائق امطر على كل الارض ماء من بحر تحت العرش ابرد من الثلج ورائحته كرائحة المني يقال له صاد وهو المذكور في القرءان فيكون وجه الارض بحرا واحدا فيتموج بالرياح وتتصفى الاجزاء كل شخص تجتمع اجزاء جسده في قبره مستديرة اي على هيئة بنيته في الدنيا اجزاء الرأس ثم تتصل بها اجزاء الرقبة ثم تتصل اجزاء الرقبة باجزاء الصدر والصدر بالبطن وهكذا وتمازجها اجزاء من تلك الارض فينموا في قبره كما تنمو الكماءة في نبتها فاذا نفخ اسرافيل في الصور تطايرت الارواح كل روح الى قبر جسدها فتدخل فيه فتنشق الارض عنه كما تنشق عن الكماءة فاذا هم قيام ينظرون وهذا الجسد الباقي هو من ارض هورقليا وهو الجسد الذي فيه يحشرون ويدخلون به الجنة او النار فان قلت ظاهر كلامك ان هذا الجسد لا يبعث وهو مخالف لما عليه اهل الاسلام من انها تبعث كما قال تعالى وان الله يبعث من في القبور قلت هذا الذي قلت هو ما يقوله المسلمون قاطبة فانهم يقولون ان الاجساد التي يحشرون فيها هي هذه التي في الدنيا بعينها ولكنها تصفي من الكدورة والاعراض اذ الاجماع من المسلمين منعقد على انها لا تبعث على هذه الكثافة بل تصفي فتبعث صافية وهي هي بعينها وهذا الذي قلت واياه اردت فان هذه الكثافة تفنى يعني تلحق باصلها ولا تعلق لها بالروح ولا بالطاعة والمعصية ولا باللذة والالم ولا احساس لها وانما هي في الانسان بمنزلة ثوبه وهذه الكثافة هي الجسد العنصري الذي عنيت فافهم وما ورد عن اهل البيت من ان اجسادهم الان رفعت الى السماء فان الحسين عليه السلام لو نبش في اول دفنه لرئي والان لم ير وانما هو الان معلق بالعرش ينظر الى زواره الى آخر معنى ما روى فمحمول على مفارقة الاجساد العنصرية التي هي البشرية للاجساد الاصلية فلم تدركها بعد مفارقة البشرية ابصار اهل الدنيا وقد تقدم فراجع

واما الجسمان فالاول هو ما تخرج به الروح وهو مع الروح ويفارق الجسد الباقي والموت يحول بينهما وهو مع الروح في جنة الدنيا عند المغرب وتأتي فيه الى وادي السلام وتزور فيه بيته ومحل حفرته وروح المنافق مع ذلك الجسم في نار الدنيا عند مطلع الشمس وعند غروبها تأوى فيه الى برهوت وتسري فيه في وادي الكبريت في المركبات المسخوطات الملعونات وذلك حال الفريقين الى نفخة الصعق ثم تبطل الارواح فيما بين النفختين وتبطل كل حركة من الافلاك ومن كل ذي روح ونفس حيوانية او نباتية وذلك مدة اربعمائة سنة ثم يبعثون في الاجسام الثانية وذلك لان تلك الاجسام تصفي وتذهب كثافتها وهي الاجسام الاولى كما قلنا في الاجساد حرفا بحرف ويحشرون في الاجسام الثانية وهي هذه التي في الدنيا بعينها لا غيرها والا لذهب معها ثوابهم وعقابهم ولكن هذا الجسم الذي في الدنيا هو بعينه هذا المرئي لطيف وكثيف فاما الكثيف فيصفى وتفنى كثافته التي سميناها الجسد الاول العنصري ويبقى لطيفه في قبره وهو الجسد الثاني الباقي واما اللطيف فيظهر به في البرزخ وهو مركب الروح وهيكلها الى نفخة الصور فيصفى وتذهب كثافته التي سميناها جسما اوليا ويبقى لطيفه في الصور في ثلاثة مخازن وتذهب الكثافة بالتصفية من ثلاثة مخازن وهذه الستة المخازن في ثقبة تلك الروح فتأتي الروح بما في المخازن الثلاثة العليا اذا نفخ اسرافيل نفخة النشور وتنزل الى القبر وتلج بما معها في ذلك الجسد اللطيف فيحشرون واعلم بانك لو وزنت هذا الجسد في الدنيا وصفي بعد الوزن حتى ذهب منه الجسد العنصري وبقي الجسد الباقي الذي من هورقليا ثم وزنته وجدته لم ينقص عن الوزن الاول قدر حبة خردل لان الكثافة التي هي الجسد العنصري عرض والاعراض لا تزيد في الوزن دخولا ولا تنقص خروجا فلا تتوهم ان المحشور والمثاب والمعاقب شيء غير ما هو موجود في الدنيا وان غير وصفى بل هو والله هذا بعينه وهو غيره بالتصفية والكسر والصوغ كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب في الاحتجاج للطبرسي وعن حفص بن غياث قال شهدت المسجد الحرام وابن ابي‌ العوجاء يسأل ابا عبد الله عليه السلام عن هذه الاية فقال ما ذنب الغير قال ويحك هي هي وهي غيرها قال فمثل لي في ذلك شيئا من امر الدنيا قال نعم ارأيت لو ان رجلا اخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها وفي تفسير علي بن ابراهيم قيل لابي عبد الله عليه السلام كيف تبدل جلودهم غيرها قال ارأيت لو اخذت لبنة فكسرتها وصيرتها ترابا ثم ضربتها في القالب اهي كانت انما هي ذلك وحدث تغير آخر والاصل واحد ه‍ فبين عليه السلام ان هذه الجلود المبدلة غير جلودهم وهي جلودهم فالمغايرة مغايرة صفة فكذلك ما نحن فيه فان الجسد الذي في الدنيا المرئي بعينه هو المحشور بعد التصفية كما ذكرناه مكررا فاذا فهمت ما ذكرنا فاعلم ان المراد بالاجساد المذكورة الاجساد الباقية لا الاجساد العنصرية التي هي نفس الكثافة لان هذه ليست شيئا معتبرا في حقيقة الاجساد الا كاعتبار العصف في الحب وقوله تعالى ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون يراد به انه تعالى خلق الانسان من نطفة امشاج اي من نطفة ابيه ونطفة امه وتلك النطفة خلقها تعالى من صفوة الغذاء وخلق تعالى الغذاء من صفوة التراب فكان هذا التراب الظاهر المعروف هو محل قوي العناصر ومطرح اشعة الكواكب الحاملة لقوي طبائعها الحاملة لاشعة نفوسها فالوجود الفائض بفعل الله تعالى من كتم غيب الامكان كامن في جواهر الوجود وهي مجتمع ذلك الوجود الفائض بقوابله وانفعالاته وهذه الجواهر كامنة في رقائق تنزلاته المعبر عنها بورق الاس الاخضر وهي كامنة في الصور النفسية المعبر عنها بالذر وعالم الاظلة وهذه كامنة في الطبائع والهيولي المتقومة في ظهورها بالاشباح وهذه كامنة في طبائع الكواكب ونفوسها وتؤدي الكواكب ما استودعت بمن جعله الله سبحانه قائما عليها ومدبرا لها ووكيلا على نفوسها وافعالها وحركاتها وجميع ما يراد منها بخلقها من الملائكة المدبرة امرها في احكام العلية وامر مطارح اشعتها واحكام سببيتها وامر مسببات مواليدها الى مطارحها من التراب والمعادن والنبات والحيوانات ثم من الاغذية والنطف الى ان تتكون الاجساد من العناصر وهي اكمام الاجساد الباقية وهي مراكب الاجسام الحاملة للارواح فاذا قيل الاجساد يراد منها الباقية لا الفانية العرضية التي صحبت آدم عليه السلام عند نزوله من الجنة ولزمت ذريته لمحل الخطايا والتقصيرات واما الائمة عليهم السلام فمالحقهم ذلك الا مجازا لاجل اهل التقصيرات ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وبهذا يظهر لك جواب ما قيل انه قد ثبت عن الصادق عليه السلام ما معناه ماذهب مال في بر او بحر الا ولله فيه حق ولا صيد صيد في بر او بحر الا بترك الذكر ذلك اليوم فكيف هذا وقد قتل الائمة عليهم السلام ونهبت اموالهم والجواب ما اشرنا اليه ان ما لحقهم من ذلك فليس على الحقيقة وانما هو على المجاز حيث انضم اليهم واحتسب عليهم من ضعفاء شيعتهم ومحبيهم اهل المعاصي والذنوب والتزموا عليهم السلام بتقصيرات محبيهم فلحقهم ما سمعت ويحتمل ان يراد بالاجساد الاعم فارادة الفاني لكونه حاملا للباقي والحاصل الامر الجامع لهذه الفقرات شيء واحد وهو ان اجسادهم عليهم السلام في اجساد ما سواهم كالسراج في اشعته وعكوسات الاشعة من الاظلة اللازمة لها التي هي امثلة اجساد اعدائهم وارواحهم في ارواح من سواهم ونفوسهم في نفوس من سواهم بنسبة واحدة هذا على ظاهر الحال والا فالامر اعظم من هذا لما ذكرنا مرارا فيما تقدم مما روي عنهم صلى الله عليهم ان قلوب شيعتهم خلقت من فاضل اجسامهم يعني ان قلوب شيعتهم خلقت من اشعة اجسامهم ومن عرف هذا وتبين له ان وفق له ان قلوب شيعتهم المدركة للكليات نسبتها في نوريتها الى نورية اجسامهم صلى الله عليهم كنسبة الواحد الى السبعين وهذه نسبة الشعاع الى المنير فاذا غمض عليك هذا فاعتبر بما روي عن سيد الشهداء عليه السلام لعن الله قاتله وظالمه ان رأسه الشريف يقرأ القرءان وهو على رأس السنان حتى سمع يقول ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا فاسألك بالله هل تعرف من نفسك انك اعلم بكتاب الله وبمعناه وظاهره وباطنه وتأويله من رأس الحسين عليه السلام وهو جزء جسمه ام لا فان قلت اجد في نفسي ذلك فلست من شيعتهم ومحبيهم والعياذ بالله وان قلت لا اجد ذلك فذلك ما قلت لك الا ان المخاطبات وما يجري مجراها من الادعية والزيارات تجري على المتعارف فلذا قلنا ان اجسادهم عليهم السلام في اجساد من سواهم كالسراج في اشعته والامر الواقع ان اجسادهم في اجساد من سواهم كجرم الشمس في شعاع القمر يعني مثل ما هو اربعة الاف وتسعمائة في واحد من افراد ذلك العدد ثم ان المعنى هنا مثل ما تقدم في نظائره في الفداء يعني بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي افدي اجسادكم في الاجساد اي ما بين الاجساد اعني بما هو عزيز علي وحبيب لدي وابذله وقاية لاجسادكم من كل محذور ومكروه على كل حال يوافق مرادكم فعلى هذا المعنى من قال ذلك من شيعتهم وزائريهم غير عامل بما امروا به كذبوه في ما يدعيه الا ان يتجاوزوا ويتركوا حقهم فان ذلك اليهم لان الاعمال الصالحة بالنية المخلصة على نهج ولايتهم وولاية اوليائهم والبراءة من اعدائهم وممن رضي بفعالهم واقوالهم الى يوم القيمة هي جل نصرتهم والمجاهدة بين ايديهم لاعدائهم الظاهرة والباطنة بل كل نصرتهم ووقايتهم عن كل ما يكرهونه نعم لو قال ذلك بنية التوبة او متلبسا بالندم او بالخضوع والحياء معترفا في نفسه بالتقصير قبلوا منه هديه فيتصدق بثلثه على شيعتهم المستحقين فان تمكن ان يجعل هذا الثلث الذي تصدق به من هديه مواخاة لهم فذلك المطلوب والغاية والا فتعارف وهو اقل المجزي وثلث من ذلك الهدى يهديه اليهم صلى الله عليهم وهو التسليم لهم والرد اليهم والتفويض اليهم كما تضمنته الزيارة التي رواها الشيخ رحمه الله في المصباح في شهر رجب التي اولها الحمد لله الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب الى ان قال فيها انا سائلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض فبكم يجبر المهيض ويشفي المريض وعندكم ما تزداد الارحام وما يغيض اني بسركم مؤمن ولقولكم مسلم الخ ومن ذلك الاعتماد والاتكال كما في الدعاء المنقول عن السيد رضى‌الدين علي بن موسى بن طاووس قدس الله سره عن الحجة عليه السلام اللهم ان شيعتنا خلقوا منا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا وولنا يوم القيمة امورهم ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات اكراما لنا ولا تقاصصهم يوم القيمة مقابل اعدائنا وان خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا انتهى فافهم الاشارة واتخذها بشارة واعلم مع ما سمعت انه قد جاءت الاخبار الصحيحة عنهم عليهم السلام ان الله سبحانه لا يتجاوز ظلم ظالم وجاء ايضا انه لا ينجي الا العمل الصالح مع عفو الله وغير ذلك فتخلص من التنافي من غير انكار فان الانكار هو الكفر وعليك فيما اشكل عليك الرد اليهم فان الرد اليهم نصفه من الاعتماد والاتكال والنصف الاخر من ثلث الهدى الباقي وهو الذي تأكل منه ولكن لا تأكل منه الا ان تذكر اسم الله عليه اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد فباحب الاشياء الى واعزها لدي افدي اجسادكم من بين الاجساد واخصها لشرفها وعليتها وبقائها وتأصلها وتقدسها وطهرها اذ كل ما سواها من جميع الاجساد بل والنفوس ناقص منحط الرتبة في كل مقام هذا كله على ظاهر الحال ولو سلكت طريق التأويل وظاهر الظاهر جاز لك ان تريد بالاجساد المفدية ما لهم من اجساد غيرهم فان حقائق اجساد ما سواهم لهم وهم اولى بها من غيرهم فانهم يلبسون ما شاؤا ويخلعون ما شاؤا فهم اولى بجسد زيد منه لان ذلك الجسد من شعاعهم اعطوه زيدا عارية فهم اولى به من زيد لان المادة لهم ومنهم وقد تقدمت الاشارة الى هذا مرارا فراجع وانما جاز هذا بمعنى انهم اختصوا ببعض منها دون بعض مع ان كلها لهم لانهم انما يلبسون احسنها لبعده عن التغيير او لقلة التغيير فيه لاستقامة طبيعة من البسوه اياه او لصلاحه وعمله الموافق لسنتهم فقل تغييره فكانت صورته اقرب الى حاله حال بروزه عنهم عليهم السلام فلذا حسن ان يفدي لشرفه وارادته مع انه خلاف الظاهر لتنزيه اجسادهم الاصلية عن الذكر او لعدم الاطلاع عليها من سائر الخلق فارادة امثالها اولى ومثال ذلك في الاستشهاد بكلام قيس بن الملوح مجنون ليلى حسن قال :

سلامي على جيران ليلى فانها اعز على العشاق من ان يسلما
فان ضياء الشمس نور جبينها نعم وجهها الوضاح يشرق حيثما

وانما قلنا انهم يلبسون احسنها اذا لم يحصل صارف عن الاحسن من سبب القابلية كما كان جبرئل عليه السلام في كل وقت ظهر فيه لاحد من الانبياء او حين ظهر لمريم عليهم السلام فانه يظهر في اجمل صورة في ذلك الزمان كما كان يظهر لمحمد صلى الله عليه وآله في صورة دحية بن خليفة الكلبي لانه اجمل اهل زمانه وذلك لما قلنا من ان اجمل صورة توجد في زمان الظهور تكون اقرب الى تلك الحقيقة الطاهرة الطيبة لاعتدال مزاجها وان كانت لا تبلغ اعتدال تلك الحقيقة الطيبة فانه لو خرج محمد صلى الله عليه وآله او الائمة عليهم السلم السلام على ما هو عليه من جمال صورته المطابقة لحقيقته لما رءاها احد من ملك او نبي او غيرهما الا وصعق لوقته ولكن الله سبحانه قدر ظهورهم على قدر احتمال من دونهم ممن يظهرون له كما اشرنا فيما تقدم من ان نورهم يزيد على الشمس بالف ‌الف‌ الف مرة واربعة ‌الاف‌ الف مرة وسبعمائة ‌الف مرة وعشرة ‌الاف مرة وانما قلنا اذا لم يحصل صارف عن الاحسن من سبب القابلية لانه لو حصل صارف كذلك لبسوا ما اقتضته القابلية المتغيرة الا انه في ظاهرهم بان يرى ظاهرهم في ذلك ومن لم يكن على عينيه غطاء رءاهم على ما هم عليه في هذه الحال كما ترى الشمس اذا اشرقت على المرايا المتلونة بالخضرة والحمرة والصفرة مثلا وبالاعوجاج والصغر ظهر نورها بلون القابل والبصير لا يرى في نورها تغييرا لان التغيير انما هو في القابل ومن ذلك ما رواه ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي ورواه صاحب كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء في كتابه عن جابر بن عبد الله الانصاري قال شهدت البصرة مع امير المؤمنين عليه السلام والقوم قد جمعوا مع المرأة سبعين الفا فما رأيت منهم منهزما الا وهو يقول هزمني علي ولا مجروحا الا يقول جرحني علي ولا من يجود بنفسه الا وهو يقول قتلني علي ولاكنت في الميمنة الا وسمعت صوت علي ولا في الميسرة الا وسمعت صوت علي ولا في القلب الا وسمعت صوته ولقد مررت بطلحة وهو يجود بنفسه وفي صدره نبلة فقلت له من رماك بهذه النبلة فقال علي بن ابي طالب فقلت يا حزب بلقيس ويا جند ابليس ان عليا لم يرم بالنبل وما بيده الا سيفه فقال يا جابر اما تنظر اليه كيف يصعد في الهواء تارة وينزل في الارض اخرى ويأتي من قبل المشرق مرة ومن قبل المغرب اخرى وجعل المغارب والمشارق بين يديه شيئا واحدا فلا يمر بفارس الا طعنه ولا يلقي احدا الا قتله او ضربه او اكبه لوجهه او قال مت يا عدو الله فيموت فلا يفلت منه احد فتعجبت مما قال ولا عجب من اسرار امير المؤمنين عليه السلام وغرائب فضائله وباهر معجزاته ه‍ وروي في المجلي ايضا عن المقداد بن الاسود الكندي ان عليا عليه السلام يوم الاحزاب وقد كنت (ظ) واقفا على شفير الخندق وقد قتل عمرا وتقطعت بقتله الاحزاب وافترقوا سبع‌ عشرة ( سبعة‌ عشر في خ ) فرقة واني لأرى كل فرقة في اعقابها عليا يحصدهم بسيفه وهو عليه السلام في موضعه لم يتبع احدا منهم لانه عليه السلام من كريم اخلاقه انه لا يتبع منهزما ه‍ فهذان الحديثان صريحان في ظهوره عليه السلام فيما شاء وتعدد مظاهره ولا سيما الثاني حيث قال فيه يحصدهم (ع) بسيفه وهو (ع) في موضعه واما الاول فالاستشهاد به ظاهر حيث انه ظهر في الصورة القبيحة وهي صورة مروان بن الحكم للاتفاق على ان طلحة انما رماه بالنبلة مروان بن الحكم ولما كان طلحة قد حضره الموت وعاين الملائكة كشف عنه غطاءه فبصره حينئذ حديد فشاهد الحقيقة ان الذي رماه هو علي عليه السلام في صورة مروان بن الحكم لكونه الة هلاكه فاقتضت قابلية هلاكه على يديه ظهوره عليه السلام في صورته لان مقتضى قوابل افعاله سبحانه وتعالى ان تظهر اسباب تعلقها بالمفعولات على ما اقتضته تلك القوابل تمشية لاحكام الحكمة الالهية على النظم الطبيعي فظهرت صورة رضوان خازن الجنان عليه السلام على احسن صورة كما هو مقتضى النعيم وظهرت صورة مالك خازن النيران عليه السلام على اقبح صورة كما هو مقتضى التعذيب والتأليم وان عليا صلوات الله عليه ليظهر في احسن صورة لاوليائه وآنسها ويظهر في اوحش صورة لاعدائه وهذا مقتضى الحب والبغض فلما كان طلحة في حالة النزع والمعاينة وهي حالة كشف الغطاء لم ير مروان بن الحكم وانما رأى عليا عليه السلام ومن لم يكشف عنه الغطاء لكمال او لاحتضار لم ير عليا عليه السلام وانما يعاين مروان بن الحكم فعلى عدم وجود الصارف عن الاحسن فلا اشكال في جواز الفداء لتلك الاجساد لتشرفها بهم ولاجل هذا استشهدنا بكلام مجنون ليلى حيث يقول

سلامي على جيران ليلى

وقد تقدم واما مع الصارف عن الاحسن ووجود المقتضي للبس غير الاحسن فالطريق فيه مثل توجيه الثناء على جهة العدل والحكمة في خلق ابليس وخلق الشر بعمل العاصي وخلق الكفر بعمل الكافر فافهم

وقوله عليه السلام : وارواحكم في الارواح يراد منه ان الروح هنا غير النفس لذكر النفوس بعد ذلك نعم قد يراد منه ما هو اعم من ذلك فيشمل العقول الا ان يقال ان العقول في حقهم عليهم السلام غير متعددة وانما عقلهم واحد وهو العقل الكلي وليس بشيء فانه كما ان عقولهم غير متعددة كذلك ارواحهم غير متعددة وانما هو روح واحدة والجواب للاحتمالين المتعارضين معا ان تعدد الارواح في حقهم من حيث ظهوره في المتعدد ظاهرا وكذلك العقول والاتحاد فيهما من وحدة حقيقة عقلهم وحقيقة روحهم فتشمل الارواح العقول لاطلاق الارواح عليها واما النفوس فلا تراد من الارواح هنا لذكر النفوس وذلك لان الروح قد يطلق ويراد منها النفس كما يقال قبض روحه اي نفسه وقد يراد بها العقل كما قال صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله روحي اي عقلي هذا ما يراد من معنى الروح من حيث اللفظ باعتبار استعمال لفظه واما ما يراد منه من معناه من حيث الوضع فالعقل هو الكون الجوهري وهو المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة النفسية والمثالية وهو محل المعاني ايضا وهو مدرك المعاني كذلك بنفسه ويدرك الصور النفسانية بالنفس والمثالية بالخيال والاشباح المادية بالحواس الظاهرة فاذا ادرك المعاني بنفسه فهو حينئذ كتاب في قرطاس فهو هي في نوره واما النفس فهي الصور المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وليست مجردة عن الصور النفسية وعلى الحقيقة مجردة عن الصور المثالية فزيد في العقل معنى لا صورة له بل هو كالنطفة اي كما هو في النطفة والعلقة وفي النفس مثله اذا كسى لحما وانشى خلقا آخر واما الروح فهي برزخ بين العقل والنفس فزيد فيها كالمضغة والعظام فالعقل صورته الالف القائم هكذا والنفس صورتها الالف المبسوط هكذا والروح صورته الالف القاعد هكذا على هيئة قائم الزاوية فقيام العقل كناية عن بساطته وانبساط النفس كناية عن انتشاره لكثرة الصور وقعود الروح عبارة عن برزخيته فانه بين بين لا كبساطة العقل لانه لا هيئة له الا المعنوية ولا ككثرة النفس لانها عبارة عن الصور بل هي على هيئة ورق الاس فاذا قيل ورق الاس في الاخبار فالمراد به الرقائق الروحية يعني المضغ المجردة وهي الارواح واما الذر فهي الصور النفسانية فانها على صورهم في الدنيا وانما كانت الروح بصورة ورق الاس لانها كاملة في نفسها وكل كامل مستدير استدارة صحيحة ولما لم تكن تامة في التجرد مطلقا بل لها نوع ارتباط ببعض افعالها بالجسم وهي في ذاتها وفي بعض افعالها مجردة مفارقة كان وجهها الاعلى متوجها الى العقل بكل ذاتها وببعض افعالها كان ما يلي الجهة العليا منها يعني ما يلي العقل دقيقا للطافته ومفارقته للارتباط وكان اسفلها واسعا لغلظه وتعلقه في الجملة بالاجسام فلما ارتبطت ببعض افعالها السفلية بالاسفل الذي هو الجسم ومالت بطبعها الى جهة العقل صاعدة الى نحوه امتدت فكانت صورتها باعتبار فعليها العلوي المفارق والسفلى المقارن كصورة ورق الاس والروح هي الكون الهوائي والنفس هي الكون المائي كما روي عن جعفر بن محمد عليهما السلام والعقل في انوار العرش هو الابيض والروح هو الاصفر والنفس هو الاخضر ومثل هذا قوله عليه السلام وانفسكم في النفوس

اما الاشارة الى المعنى المراد من النفس فقد ذكرناه قبل هذا وهنا مع ذكر الروح على جهة الاشارة الى بعض احوالها ونقول هنا النفس المذكورة يراد منها صدر العقل ومركبه لان النفس اذا اطلقت يراد منها احد امور :

احدها الكلية الاولية وهي بقول مطلق حقيقة الشيء من حيث ربه ويراد منها الوجود والنور الذي خلق منه والفؤاد والنفس التي من عرفها فقد عرف ربه وحقيقته من حيث نفسه ويقال لها الماهية وهذه خلقت من نفس الاولى من حيث نفسها اي من جهة انفعالها وقبولها للايجاد وهي حقيقة الظلمة فيه واصل الشرور والمعاصي كما ان الاولى حقيقة النور فيه واصل الخيرات والطاعات وحقيقته مطلقا وهي العين والمائية ومجمع البحرين وهي النفس الناطقة المشار اليها في تمييزها بانا وذلك قول علي عليه السلام كما رواه في الغرر والدرر الشيخ عبدالواحد بن محمد بن عبدالواحد الايدي قال عليه السلام وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه‍ اقول وتمام اعتدال مزاجها وكماله كما قال عليه السلام اذا كان نصفها الاسفل نفسا كاملة كما يأتي ولا يكون كذلك الا اذا كان الاعلى هو الماء الذي كان العرش عليه فاذا كان كذلك كانت به هي قلب العبد المؤمن الذي قال تعالى فيه ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن

وثانيها النفس الامارة بالسوء المعبر عنها بالجهل ولها سبع مراتب : الاولى الامارة بالسوء شأنها الخروج عن الطاعة وفعلها المعاصي والثانية الملهمة وهي الاولى بعد ان تعلم بعض الخيرات يكون لها تروح وانتباه مع ما هي فيه من الحالة الاولى والثالثة اللوامة وهي الاولى بعد ان تعلم بعض الخيرات وتتعلم وتعمل فتكون لها حالتان وميلان ميل بحقيقتها فهي حالة الامارة بالسوء وميل بالحالة الثانية من تطبعها وفعلها بعض الخيرات فتلومه على فعل الخير بطبعها وعلى فعل الشر بتطبعها والرابعة المطمئنة وهي اذا تركت طبعها وتطبعت باطباع العقل وكانت اخته حين علمها مما علمه الله فتعلمت وتخلقت بالخيرات كما قال تعالى في التأويل فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين فحينئذ يرضي بفعلها العقل ويأكل من صيدها كما في تأويل قوله تعالى تعلمونهن مما علمكم الله فان الله سبحانه علم العقل بان العبد لا يملك شيئا بل كلما كسب وحصل فهو لسيده لا يأكل منه الا ما اطعمه منه ولا يمضي حتى يأذن له ويترك اذا امره بالترك فهذا حال العقل في معاملته مع ربه وهو حال العبد المطيع مع سيده فلذا قال تعالى في ذكر الكلاب المعلمة للصيد قال وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فان الله علمهم بان العبد لا يكون صادقا مع سيده الا بما ذكرنا ونحوه فعلموا كلابكم بنحو ما علمكم الله بانهن لا يأكلن ما يصدن ولا يمضين اذا رأين الصيد الا بامر صاحبهن واذا امرهن بالترك تركن فاذا كن كذلك فقد تعلمن فكلوا مما امسكن عليكم فكذلك النفس اذا علمها العقل بانها لا تفعل شهوتها الا بامره واذا امرها بالترك تركت واذا فعلت شهوتها بامره انما فعلتها له فكذلك هذه النفس اذا فعلت ما امرها به العقل من مقتضى ما تعلمته منه فقد سكنت فيما تطبعت عليه من اخلاق العقل وقرت فهي مطمئنة والخامسة النفس الراضية وهي بعد ما اطمئنت واستقامت على الاطمئنان فتح الله عليها باب الرضا فرضيت بما اجرى عليها من فضل او عدل وذلك هو حال صدق العبودية فاذا استقامت على ذلك حتى كانت تلقى كلما يجري عليها من احكام القدر بالرضى رضيها الله ورضي عنها وهي السادسة المسماة بالمرضية لان الله سبحانه رضي عنها ورضيها لنفسه واصطنعها له والسابعة النفس الكاملة التي اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد كما تقدم عن علي عليه السلام وهي بما قامت مظهر الرحمانية في النشأتين التي وسعت كل شيء

وثالثها اللاهوتية الملكوتية الكلية وهي قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدءت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدءت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ومن جهلها ضل وغوى كما قال علي عليه السلام للاعرابي حين سأله عن النفس وهذه النفس هي المسماة باللوح المحفوظ وهي نفس فلك البروج وكتاب الابرار فيه لانه عليون وكتاب الابرار صورهم وصور اعمالهم واقوالهم وكثير من معتقداتهم فيها يعني في ظلها وشعاعها وهي في الحقيقة نفس الامام عليه السلام وهي النفس التي نسبها الله تعالى اليه وسميها نفسه ولهذا قال عليه السلام فهي ذات الله العليا وقوله عليه السلام اصلها العقل دليل على ما قلناه وقول عيسى بن مريم عليه السلام تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك في تفسير التأويل هذه هي النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى ويظهر من كلامه عليه السلام في قوله وعودها اليه اذا كملت ان المراد بهذه النفس هي التي وسعت الرحمانية وهو ما ذكرناه في الكاملة من النفس المقابلة للعقل وهذه هي مركب العقل فهي منه لانها اول مظاهره وتنزلاته بدليل قوله ومنها بدئت الموجودات ولا بأس بذلك الا ان هذه ركن من مظهر الرحمانية من اربعة اركان فمجموع الاربعة هي العرش بخلاف تلك فانها مع ما قامت به تمام المظهر وهذه الاركان الاربعة التي هي العرش اركان تلك مع ما قامت به فانها مع ما قامت به كزيد مثلا وهذه الاربعة كالجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة في زيد فان حقيقة زيد مربعة بهذه الاربع وهذه النفس هي التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلام في جوابه لكميل بن زياد قال عليه السلام والكلية الالهية لها خمس قوي بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدؤها من الله تعالى واليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية الحديث

ورابعها الناطقة القدسية وهي قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية سبب فراقها عند تحلل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة قال عليه السلام هذا في جوابه للاعرابي وفي جوابه لكميل بن زياد لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة ه‍ اقول يجوز ارادة الاتحاد بين هذه وبين المائية المتقدمة المعبر عنها بانا فان هذه قد يعبر عنها بانا ويجوز ارادة المغايرة بين المائية وبين هذه فان المراد بتلك العين اي الحقيقة الجامعة لهذه وللوجود والمراد بهذه القوة المتقومة بذلك الوجود المعبر عنه بالمادة اي الحصة الحيوانية وهي صورة اجابة تلك الحصة لدعوة الحق وهيئتها المتميزة بالحدود الشريفة والمشخصات الكريمة اللطيفة كالعلم والحلم والصدق والخير والتقوى والمروة والطاعة والسخاء وغير ذلك من حدود التقدس والحكمة

وخامسها النفس الحيوانية وهي قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك وبدء ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها هذا كلامه عليه السلام في حديث الاعرابي وفي جواب كميل قال عليه السلام والحسية الحيوانية لها خمس قوي سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبعاثها من القلب ه‍ فقوله عليه السلام اصلها الافلاك اي اصل حركتها وجرمها لانها بخار تكون عن الطبائع الاربع المتعلقة بالدم الاصفر المتعلق بالعلقة الدم التي في تجاويف القلب الصنوبري من الجانب الايسر اكثر وذلك البخار تألف من بخار حار يابس جزؤ ومن بخار حار رطب جزؤ ومن بخار بارد رطب جزءان ومن بخار بارد يابس جزؤ فامتزجت وطبختها الحرارة والرطوبة بمعونة تأثيرات اشعة الكواكب والعناصر حتى نضجت نضجا معتدلا وتلطفت حتى ساوت فلك القمر في التلطف والاعتدال فاثرت فيها نفسه فتحرك بحركته مثاله اذا قربت خشبة يابسة من الجمر بحيث لا يصل الجمر اليها ولا يماسها ولكن بحرارته اصفرت الخشبة واسودت لشدة حرارة الجمر فلما كلستها حرارة الجمر حتى وصلت الى رتبة الفحمية اشتعلت بالنار وان لم تماسها لقربها منها في الرتبة ومساواتها لما تعلقت به النار فكذلك هذه الابخرة فكما ان تلك الخشبة كان وجهها المقارب للحرارة حتى شابه ما اشتعلت به قد تعلقت به النار حتى كان نارا كذلك تلك الابخرة لما نضجت وتلطفت حتى شابهت فلك القمر تعلقت نفسه بها فتحركت بحركته وقال عليه السلام في النفس الناطقة وبدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية وقال عليه السلام هنا وبدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية لان الناطقة هيئة الادراك والمعرفة والعلم والفهم فتوجد عند مبادي اسباب التمييز المعبر عنه بالولادة الدنيوية واما الحيوانية الحسية فهي من لوازم الجسم لان الجسم الحيواني لا يكاد ينفك عن الحركة الحسية فلاجل ذلك ذكرها عليه السلام معه فقال وبدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية

وسادسها النفس النباتية قوة اصلها الطبائع الاربع بدء ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو والزيادة وسبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة هذا كلامه عليه السلام للاعرابي وجوابه لكميل لها خمس قوي ما سكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد ه‍ اقول هذه النفس تتألف من العناصر على نحو ما ذكرنا من حال الحيوانية الحسية في التأليف فلا بد من وجود جزء من الحرارة وجزء من الهواء وجزءين من الماء وجزء من التراب فتجتمع الاجزاء في ارضها فتنحل بمعونة حرارة الفصل ورطوبته وتكون الاربعة غذاء واحدا فتتحرك حركة النمو بما فيها من الحرارة والرطوبة فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة يعني ان ما فيها من الاجزاء النارية تلحق بالنار العنصرية فتمتزج بها وتلحق الاجزاء الهوائية بالهواء فتمتزج بها والاجزاء المائية تلحق بالماء والترابية بالتراب فتضمحل مميزات الاجزاء ومشخصاتها ويمتزج كل جزء باصله والظاهر ان المراد بها هنا هي الثالثة وهي اللاهوتية الملكوتية الكلية المسماة باللوح المحفوظ وهذه النفس كما وصفها امير المؤمنين صلوات الله عليه فيما نقلنا عنه هي نفسهم الشريفة فلذا قال عليه السلام فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وجنة المأوى الى آخر ما قال (ع) وانما قال فهي ذات الله لانه يريد انها ذات خلقها الله تعالى ونسبها الى نفسه تشريفا لها ولانها لا تكون في حال من احوالها لغيره تعالى وذلك قوله تعالى واصطنعتك لنفسي وفي الانجيل خلقتك لاجلي وخلقت الاشياء لاجلك الخ وقال امير المؤمنين عليه السلام نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا اي نحن الذين اصطنعنا له وصنع الخلق لنا وجميع الانفس منها كالشعاع من المنير فهي نفس النفوس كما روي عنه عليه السلام انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات وبالجملة يكون المعنى كما تقدم على الوجه الاول يعني بما يعز علي افدي انفسكم ما بين نفوس ما سواكم او في نفوس الخلق كما تقول افدي نفسك في جسدك فعلى الوجه الاول تصدق المغايرة الصالحة للتخصيص بالمماثلة وعلى الثاني انما تكمل الظرفية اذا اعتبرت الربوبية فان فرض الظرف نفوس الخلق مع اعتبار الربوبية كان المفروض مظروفا افعال نفوسهم وآثارها المتعلقة بنفوس الخلق بالصنع وبالمواد والصور لشؤنهم عليهم السلام اي افدي افعال نفوسهم وامداداتهم او ثأثيراتها في نفوس ما سواهم فقد احكموا بالله سبحانه الصنع والصنيع كما قال تعالى فاسلكي سبل ربك ذللا فان النحل بما اوحى سبحانه اليها والهمها قد احكمت الصنع والصنيع حيث سلكت سبل ربها ذللا فيما علمها من عمل العسل والشمع وهذا مثالهم ومثال صنعهم وصنيعهم فبتسبيحهم سبحت الملائكة وبتهليلهم وتمجيدهم هللوا ومجدوا وكذلك سائر الخلائق ولولاهم ما عبد الله ولولاهم ما عرف الله ولولاهم ما خلق الله خلقا وحيث خلق فبهم خلق ما خلق وبهم رزق ما رزق وبهم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه وبهم يحيي وبهم يميت وبهم يحشر الاموات وبهم ينبت النبات وبهم ينزل الماء من السماء وبهم فتح الله الخلق وبهم يختم ولم يكلهم الى انفسهم فيفعلون بانفسهم بل يفعلون بالله لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ولم يتخذ الله سبحانه غيرهم اعضادا لخلقه فيفعل بدونهم بل يفعل بهم ما شاء ولا يفعل الا بهم لانهم محال مشيته والسنة ارادته

وقوله عليه السلام : وآثاركم في الاثار وقبوركم في القبور اقول قال الله سبحانه سنكتب ما قدموا وآثارهم الاثار هي اعمالهم وسننهم او آثار اقدامهم في سعيهم في اعمالهم يعني انا لا نترك شيئا من احوالهم حتى اثار اقدامهم او المراد آثار اعمالهم في ارزاقهم وآجالهم واعمارهم وقلوبهم وارواحهم ونفوسهم واجسامهم وجميع احوالهم حتى لا نغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيناها او آثار هديهم وتعلمهم وتعليمهم وعلومهم وهدايتهم واضلالهم وغير ذلك فقوله عليه السلام وآثاركم يراد منه كما في الاية لانه اقتباس منها والمعنى افدي اعمالكم ما بين الاعمال واقوالكم ما بين الاقوال واحوالكم ما بين الاحوال وعلومكم ما بين العلوم وما اشبه ذلك لان اثارهم صلى الله عليهم تقال على جميع آثار افعالهم الباطنة كالاعتقادات التي هي المعارف للتوحيد من معرفة صفات افعال الحق سبحانه وآثارها ونبوة الانبياء وولاية الاولياء وما يتبعه من احوال النشأتين وعلى جميع آثار افعالهم الظاهرة من الاوامر والنواهي والاداب وما يترتب على شيء من ذلك موجبات ثواب او عقاب او استنارة قلوب عن اعمال صالحة وسواد قلوب عن اعمال طالحة ومن علوم اسسوها وسنن اقاموها وغير ذلك من الكلم الطيب والسعي المشكور من حركة او سكون او تحريك او تسكين مما يتعلق بالقلوب والاعمال والاقوال للدنيا والاخرة لهم ولاوليائهم ولاعدائهم ظاهرا وباطنا فانهم عليهم السلام في ذلك كله المبدء والمعاد فالعلة الفاعلية بهم والعلة المادية منهم اي من شعاعهم وظلهم والعلة الصورية بهم على حسب قوابل الاشياء من خير وشر والعلة الغائية هم لان الاشياء خلقت لاجلهم اما اولياؤهم ومحبوهم واتباعهم وسائر الطاعات وانواع الخيرات فظاهر واما اعداؤهم ومبغضوهم واتباعهم وسائر المعاصي وانواع الشرور فلان وجودها شرط لوجود اضدادها فكما ان اصلهم عليهم السلام نور واصل شيعتهم ومحبيهم واتباعهم نور وكذلك الطاعات وانواع الخيرات نور وهم اصل نور شيعتهم ومحبيهم واتباعهم بذواتهم ونور الطاعات وسائر انواع الخيرات فرع نور اعمالهم كذلك اعداؤهم ومبغضوهم اصلهم ظلمة وظلمة اصل اتباعهم فرع ظلمة اعدائهم وظلمة اصل المعاصي وانواع الشرور فرع ظلمة اعمالهم مثلا الامام نور ونور اصل شيعتهم فرع نور ذواتهم وشعاعه واصل الصلوة نور وهو اي اصل الصلوة فرع نور اعمالهم اي فرع نور ولايتهم واصل عدوهم ظلمة واصل الفحشاء ظلمة متفرعة من ظلمة اعمال عدوهم وغصبهم مقامهم وانما اتبعهم اتباعهم على الفحشاء لان اولئك الاتباع ظلمة اصلهم متفرعة من ظلمة ذوات متبوعيهم فلذا اتبعوهم في الاعمال لان ذلك فرع اتباعهم في الذوات وقد ذكر بعض ما ذكرنا الامام جعفر بن محمد عليهما السلام ان الاعمال فروع الرجال ذكره في الحديث الطويل الذي كتبه للمفضل بن عمر كما رواه الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري بسنده الى المفضل وذلك حين سأله عن اقوام يزعمون ان الدين هو معرفة الرجال فمن عرف ان الصلوة رجل فقد اقام الصلوة وان لم يصل وكذلك من عرف ان الزنا رجل فقد اقام الدين وان زنا والحديث طويل في هذا المعنى فكتب له الجواب مفصلا فكان مما كتب عليه السلام ان قال اخبرك انه من كان يدين بهذه الصفة التي كتبت تسألني عنها فهو عندي مشرك بالله تبارك وتعالى بين الشرك لا شك فيه واخبرك ان هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن اهله ولم يعطوا فهم ذلك ولم يعرفوا حد ما سمعوا فوضعوا حدود تلك الاشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم ولم يضعوها على حدود ما امروا كذبا وافتراء على الله ورسوله وجراءة على الوصي فكفى بهذا لهم جهلا الى ان قال (ع) واخبرك ان الله تبارك وتعالى اختار الاسلام لنفسه دينا ورضي من خلقه فلم يقبل من احد الا به وبه بعث انبياءه ورسله ثم قال وبالحق انزلناه وبالحق نزل فعليه وبه بعث انبياءه ورسله ونبيه محمدا صلى الله عليه وآله فافضل الدين معرفة الرسل وولايتهم وطاعتهم هو الحلال فالمحلل ما احلوا والمحرم ما حرموا وهم اصله ومنهم الفروع الحلال وذلك سعيهم ومن فروعهم امرهم شيعتهم واهل ولايتهم بالحلال من اقام الصلوة وايتاء الزكوة وصوم شهر رمضان وحج البيت والعمرة وتعظيم حرمات الله وشعائره ومشاعره وتعظيم البيت الحرام والشهر الحرام والطهور والاغتسال من الجنابة ومكارم الاخلاق ومحاسنها وجميع البر ثم ذكر بعد ذلك فقال في كتابه ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( فعدوهم اهم المحرم كذا ) واولياؤهم هم الداخلون في امرهم الى يوم القيمة فهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والخمر والميسر والزنا والربا والدم والميتة ولحم الخنزير فهم الحرام المحرم واصل كل حرام وهم الشر واصل كل شر ومنهم فروع الشر كله ومن ذلك الفروع الحرام واستحلالهم اياها ومن فروعهم تكذيب الانبياء وجحود الاوصياء وركوب الفواحش الزنا والسرقة وشرب الخمر والمسكر واكل مال اليتيم واكل الربا والخدعة والخيانة وركوب الحرام كلها وانتهاك المعاصي وانما يأمر الله بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى يعني مودة ذي القربى وابتغاء طاعتهم وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وهم اعداء الانبياء واوصياء الانبياء وهم المنهى عن مودتهم وطاعتهم يعظكم به لعلكم تذكرون واخبرك اني لو قلت لك ان الفاحشة والخمر والميسر والزنا والميتة والدم ولحم الخنزير هو رجل وانا اعلم ان الله قد حرم هذا الاصل وحرم فرعه ونهى عنه وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا وشركا ومن دعا الى عبادة نفسه فهو كفرعون اذ قال انا ربكم الاعلى فهذا كله على وجه ان شئت قلت رجل وهو الى جهنم ومن شايعه على ذلك فانهم مثل قول الله انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير لصدقت الحديث اقول وهذا الحديث مشتمل على ما هو من هذا النوع وغيره مما هو صريح في كثير مما نذكره وذكرناه في هذا الشرح مما قد تشمئز منه القلوب من اسرار محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وآله وانما تشمئز منه القلوب من ضعف الايمان والا فالواجب على المحب الذي يدعي امامتهم ووجوب طاعتهم وانهم اولى بالمؤمنين من انفسهم انه اذا ورد عليه منهم الخبر الوارد بالطريق الذي ورد به خبر الوضوء فعمل به على جهة الوجوب في كتاب واحد ان يقبله ويعتقد مضمونه فان انكره عقله لدليل معمول عليه رده الى اهله وقال هم اعلم بما قالوا وان انكره لا لدليل فعليه ان يخالف هوى نفسه اذ الواجب ان يعتقد انهم اعلم منه ولا يقولون بارائهم وانما هو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البصائر بسنده عن عنبسة قال ( سئل ظ ) رجل ابا عبد الله عليه السلام عن مسئلة فاجابه فيها فقال الرجل ان كان كذا وكذا ما كان القول فيها فقال له مهما اجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسنا نقول برأينا من شيء وروي في البحار عن سليم ابن قيس في كتابه ان علي بن الحسين عليه السلام قال لابان بن ابن ابي‌ عياش يا اخا عبد قيس فان وضح لك امر فاقبله والا فاسكت تسلم ورد علمه الى الله فانك في اوسع مما بين السماء والارض ه‍ والاحاديث بهذا المعنى مستفيضة في ذلك فاذا لم تقبل عنهم (ع) الا ما قبله عقلك لم تقبل من رسول الله صلى الله عليه وآله ولا من الله سبحانه وتعالى فليس لك عذر مع دعوى التشيع في عدم القبول الا ان تحتمل عدم صحة الورود بان ترد الخبر بضعف السند وبمخالفة المذهب وبجهالة الكتاب وهذا قد يتفق لك في خبر لا دائما فاذا ورد في كتاب الكافي مثلا حديث في الوضوء وله معارض الا ان سند الاول اصح مثلا عملت بالاول ولا تتوقف في ذلك وليس لك مرجح الا صحة السند والحال انك لا تدرك الصحة بعقلك ليكون ما رددته غير موافق لعقلك واذا ورد حديث في الكافي بل عشرة احاديث في الكافي صحيحة السند وليس لها معارض الا ان عقلك لا يدرك معناه فينبغي منك كما قبلت حديثا له معارض مع انك لم تدرك معناه وانما قبلته لصحة سنده ان تقبل العشرة الاحاديث الصحيحة التي لا مانع لها الا عدم ادراكك لها وهذا كحديث الوضوء الذي قبلت مع وجود المعارض وعدم الادراك بل هذه العشرة اولى بالقبول لعدم المعارض ووجود المعارض في حديث الوضوء مع انك في احكام الشريعة التي لا تعرف بعقلك منها شيئا تثبت الحكم بحديث واحد له معارض وتدين الله به وتقول هذا حكم الله في حقي وحق مقلدي وتؤسس حكما تقول هو حكم الله وتجريه عليك وعلى غيرك وتنكر احاديث متكثرة لنفسك خاصة فان قلت العقل ينكرها قلت ان اردت عقلك انت ومثلك فقل انا لا اعرفه ولا تقل اضرب به عرض الحائط او هذا من احاديث الغلاة او المفوضة لان من يؤمن به ويعرفه اكثر من ان يحصى فان اردت معرفته فاطلبه منهم وتعلم منهم ولا ترى في نفسك انك كبير مستغن عن التعلم كما يرونك العوام والجهال وانت في نفسك وعند الله سبحانه صغير محتاج للتعلم وذلك لانك تقر بتلك الاحاديث وتصدق كل حديث يؤيدها على جهة الاجمال فاذا فصل لك ما صدقت بمجمله انكرته وذلك انك تسمع من الاحاديث الصحيحة الواردة في الكتب المعتبرة احاديث كثيرة لا ينكر مجملها احد بل كل احد يقبلها على سبيل الاجمال وتقبلها بلا شك منك ولا تردد وذلك مثل قولهم عليهم السلام ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر ه‍ بهذا المعنى احاديث كثيرة ومثل قولهم ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان وقولهم ان حديثنا صعب مستصعب وعر وفي آخر اجرد ذكوان ثقيل مقنع لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال عليه السلام نحن وفي رواية من شئنا او مدينة حصينة قيل فما المدينة الحصينة قال القلب المجتمع وفي آخر ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الى الناس نبذا فمن عرف فزيدوه ومن انكر فامسكوا لا يحتمله الا ثلث ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وفي حديث آخر في معاني الاخبار عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال حديث تدريه خير من الف ترويه ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا وان الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج وفي البصائر عن ابي جعفر او عن ابي عبد الله عليهما السلام قال لا تكذبوا بحديث اتيكم به احد فانكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه وفيه عن ابي الحسن عليه السلام انه كتب اليه في رسالته ولا تقل لما بلغك عنا او نسب الينا هذا باطل وان كنت تعرف خلافه فانك لا تدري لم قلنا وعلى اي وجه وصفة ه‍ وفيه عن ابي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول اما والله ان احب اصحابي الى اورعهم وافقههم واكتمهم لحديثنا وان اسوءهم عندي حالا وامقتهم الى الذي اذا سمع الحديث ينسب الينا ويروي عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأز منه وجحده وكفر بمن دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج والينا اسند فيكون بذلك خارجا من ولايتنا وفيه عن سفيان بن السمط قال قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ان الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالامر العظيم فتضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه قال فقال ابو عبد الله عليه السلام اليس عني يحدثكم قال قلت بلى قال فيقول لليل انه نهار والنهار انه ليل قال فقلت له لا قال فقال رده الينا فانك ان كذبت فانما تكذبنا وفيه عن المفضل بن عمر قال قلت لابي عبد الله عليه السلام باي شيء علمت الرسل انها رسل قال قد كشف لها عن الغطاء قال قلت لابي عبد الله عليه السلام باي شيء علم المؤمن انه مؤمن قال بالتسليم لله في كل ما ورد عليه ه‍ والاحاديث بهذا المعنى كثيرة جدا وانت تقبلها وتنكر تفصيلها وما معناه الا انه يرد عنهم الحديث الذي لا يدرك العقل معناه فيقبله المؤمن بالتسليم ويرده من ليس بمؤمن وليس معنى المقبول هو ما يدركه العقل فان ما يدركه العقل يقبله وان كان حديث كافر ودهري لان الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها اخذها وانما المراد به ما يقبله من باب التسليم لهم والرد اليهم باعتقاد انه ليس كلما قالوه تدركه عقولنا وان لم يجب علينا اعتقاده اذا خالف ظاهر الاعتقاد وليس لك ان تقول هذا الذي نرده مخالف لظاهر الاعتقاد لان الذي نرده موافق في الاجمال كما تعتقده ويخالف تفصيلك لانك تفصل على ما يخالف الاجمالي الذي تعتقده مثلا قالوا عليهم السلام اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن ‌تبلغوا الحديث ومعناه في كل ما تنسب اليهم اي اجعل لهم ربا يرجعون اليه في كل ما تنسبون الينا لا مطلقا يعني ليس المراد اجعلوا لنا ربا نرجع اليه في العلم بمعنى لا نعلم الا به الا انا نقدر بدونه ونسمع بدونه وهكذا بل المراد انا لا نعلم شيئا حتى في الان الثاني مما علمنا الا به ولا نقدر على شيء الا به ولا نحكم على شيء الا به ولا نريد شيئا الا به ولا نترك شيئا الا به ولا يكون لنا من الامر شيء في قليل ولا كثير لا في الدين ولا في الدنيا ولا في الاخرة الا به وهذا معنى اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن ‌تبلغوا الحديث فتفهم وتدبر في هذه الكلمات وما قبلها من كل هذا الشرح وما يأتي منه فانه جار على هذا النحو وهو تفصيل كثير مما سمعتموه مجملا فان هذا من المستصعب الذي لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وهذا الذي علي في النصيحة وكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فقوله عليه السلام وآثاركم في الاثار يراد منه علومهم واعمالهم وما اقاموه عن امر الله من كل ما اشرنا اليه فيما يعز علي افدي آثاركم في الاثار اي ما بين الاثار افديها من كل شيء حتى من عدم قبول المكلفين لها والاقتداء بها والاخذ بها والسلوك مسلكها ومن الدثور والاضمحلال وان كان في نفس الامر لا دثور يعتريها ولا اضمحلال لها فان الله سبحانه هو الحافظ لها وكيف لا تقبل ايضا والله عز وجل جعل حيوة الخلق ورزقهم ومعاشهم وبقاءهم بها بل بها يمطرون وبها يرحمون وبها يدخل الجنة من قبلها ويدخل النار من ردها مع ان كل شيء يقبلها فهل ترى احدا يكره بقاءه وحياته ورزقه ودفع المكاره عنه وما اشبه ذلك وكل ذلك مما ذكرنا لك وانما يردها الحاسدون المتكبرون على نحو ما سبق واما على معنى الظرفية فكون اثارهم في الاثار ظاهر على نحو ما تقدم من انه لا يكون حق في ايدي جميع المكلفين الا ما كان عنهم ولا باطل الا ما لم يكن عنهم روى المفيد في المجالس بسنده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال اما انه ليس عند احد من الناس حق ولا صواب الا شيء اخذوه منا اهل البيت ولا احد من الناس يقضي بحق ولا عدل الا ومفتاح ذلك القضاء وبابه واوله وسنته امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فاذا اشتبهت عليهم الامور كان الخطأ من قبلهم اذا اخطأوا والصواب من قبل علي ابن ابي طالب اذا اصابوا وفيه بسنده عن يحيى بن عبد الله بن الحسن قال سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول وعنده ناس من اهل الكوفة عجبا للناس يقولون اخذوا علمهم كله عن رسول الله صلى الله عليه وآله فعملوا به واهتدوا ويرون انا اهل البيت لم نأخذ علمه ولم نقتد به ونحن اهله وذريته في منازلنا انزل الوحي ومن عندنا خرج الى الناس العلم افتراهم علموا واهتدوا وجهلنا وضللنا ان هذا محال ه‍ اما لانهم عليهم السلام كما كانوا اسبابا في الاسباب اي اسباب الاسباب في كل مقام من مراتب وجودات الجواهر كذلك اثارهم اسبابا لاثار من سواهم قد تقومت باثارهم في موادها وهيئاتها واما لانهم معلمون بتعليم كلي فلم يبق كلي في الخلق ولا جزئي الا اوقفوا كل من له اهلية العمل في شيء من الاشياء مما يتصور في حق احد من الخلق عليه اما بقول واما بعمل واما لانهم هادون بهداية الله واما بمعنى التوفيق فان الله سبحانه بهم حبب الى شيعتهم الايمان وزينه في قلوبهم اذ الحب من الله عز وجل والتحبيب بهم والتزيين انما هو اظهار آثار جمالهم على ما شاء كما شاء لمن شاء هذا في آثار الطيبين الطيبات ظاهر واما كون آثارهم عليهم السلام في آثار الخبيثين الخبيثات فعلى نحو ما اشرنا اليه فيما سبق من نظائرها لانهم بما آتيهم الله من فضله سبقوا اهل الخيرات فيما عملوا من الاعمال الصالحات فعملوا اعمالهم الصالحة بتعليمهم وهدايتهم واتباعا لهم واقتفاء لاثارهم بل هم المناة المقدرون لكل شيء منهم الموردون لهم حوض هدايتهم وولايتهم الذائدون لهم عن ورود حياض اعدائهم الشياطين الداعين الى النار وسبقوا اهل الشرور فيما عملوا من الاعمال الطالحة الخبيثة فعملوا الاعمال الطيبة الصالحة تعليما لهم ليقتدوا بهم فخالفوهم استكبارا عن امرهم واستنكافا عن اتباعهم فهم عليهم السلام المناة المقدرون لكل شيء منهم الذائدون لهم عن ورود حوضهم باعراضهم لان حوضهم لا يرده احد الا بطاعتهم وامتثال امرهم والاقتداء بهم اذ ليس له طريق الا ذلك وذلك لما قال تعالى لهم لعنهم الله في قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير قال تعالى لهم لعنهم الله سيروا فيها ليالي واياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا يعني اجعل لنا طريقا اليك والى رضاك غيرهم لنصل اليك بدونهم وبغير واسطتهم فاخبر الله عنهم فقال وظلموا انفسهم اي ارادوا من انفسهم ما لا يمكن في حقها او ظلموا وسائطهم عليهم السلام الى كل خير بارادة تأخيرهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها فان الله سبحانه بفضله عليهم جعلهم الدعاة اليه والى رضوانه ولم يجعل لاحد من خلقه طريقا الى شيء من الخير الا بواسطتهم فحاولوا تأخيرهم عن مرتبة الوساطة العامة والبابية المطلقة فظلموهم بدعواهم مراتبهم او ظلموا انفسهم بارادتهم منها ما لا يمكن في حقها الا بالوساطة المخصوصة فكان تركهم الاقتداء بهم مستلزما لضلالتهم لان من ترك الهداية ركب الضلالة اذ لا واسطة بينهما ومستلزما لكون الائمة صلى الله عليهم ذائدين لهم عن طريق الهداية باعراضهم عن طريقها وموردين لهم طريق الضلالة باستحبابهم لها وميلهم اليها وذلك كله باذن الله تعالى اما الاستلزام الاول فظاهر واما الاستلزام الثاني فلما ثبت انه لا يكون شيء الا باذن الله وقدره وقضائه وقد جعلهم عليهم صلوات الله اجمعين اولياء امره وقدره وقضائه فهم بامره يعملون وهذا هو المراد من كلام الحجة عليه وعلى آبائه الطاهرين صلوة الله وسلامه في دعاء شهر رجب المشهور الذي مر الاستشهاد به مرارا كثيرة حيث يقول اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد وقد تقدم بعض بيان هذه الكلمات فقوله مناة جمع ما ني اي مقدرون واذواد جمع ذائد اي يذودون من شاؤا بامر الله واذنه عما شاؤا الى ما شاؤا وقد تقدم ذكر حديث ابي ‌الطفيل عامر بن واثلة قال قلت يا امير المؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي وليصرفن عنه اعدائي وفي رواية ولاوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي الحديث واوصيك وصية ناصح الا تستغرب هذه الاشياء او تنكرها فانا لا نريد بذلك انهم عليهم السلام فاعلون او خالقون او رازقون بل نقول الله سبحانه هو الخالق والرازق وهو الفاعل لما يشاء وحده عز وجل لم نجعل له شريكا في شيء الا انا نقول انه سبحانه لا يفعل شيئا بذاته لتكرمه وتنزهه عن المباشرة وانما يفعل ما يشاء بفعله وبمفعوله من غير تشريك بل هو الفاعل وحده اما فعله للشيء بفعله فهو انه اذا اراد شيئا كان ما اراد كما اراد من غير حركة ولا ميل ولا انبعاث ولا تفكر ولا روية وليس معه شيء يفعل به ما يفعل زائد على فعله لما فعل اذ ليس شيء غير ذاته المقدسة وفعله ومفعوله فلا شيء يصح عليه اطلاق الشيئية الا ذاته ثم فعله شيء بشيئية ذاته اي ان فعله انما هو شيء بذاته تعالى ومفعوله انما هو شيء بفعله واما مفعوله فهو تعالى يفعل بما شاء من مفعولاته ما شاء من صنعه مثلا اذا اراد ان ينبت الحنطة خلق لها الارض بفعله او شيء من مفعوله وخلق الماء كذلك وخلق زيدا مثلا يزرعها وخلق لزيد جميع ما يتوقف عليه عمله من القوى والعلوم وتسليطه على البذر والماء والارض فاذا القي البذر في الارض وسقاه كما علمه الله والهمه انبت الله سبحانه بهذه الاشياء التي هي مفعولاته ما شاء من صنعه فقال تعالى افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون والله سبحانه هو الزارع وحده من غير تشريك مع غيره وكذلك ما خلق في الارحام كما روي انه خلق ملكين خلاقين يقتحمان الى البطن من فم امه فهما يقدرانه كما امرهما وكذلك ميكائل جعله موكلا بالارزاق وهو تعالى وحده هو الرزاق ذو القوة المتين وكذلك ملك الموت جعله موكلا على قبض الارواح قال تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم مع انه تعالى قال الله يتوفى الانفس حين موتها واذا قلنا هو الفاعل سبحانه نريد انه يفعل بفعله لا بذاته لان كل فاعل لا يفعل الا بفعله ومرادنا بفعله الذي يفعل به ما شاء هو فعله ومفعوله فان مفعوله يفعل به كما يفعل بفعله لا فرق بينهما الا بشيئين احدهما ان فعله احدثه بنفسه ومفعوله احدثه بفعله وثانيهما ان فعله يفعل به كل ما سواه تعالى فهو عام وكلي وغير متناه في تعلقاته ولا اول له في الامكان ومفعوله خاص وجزئي ومتناه في تعلقاته بالنسبة الى الفعل لا مطلقا فانه ايضا غير متناه بالنسبة الى نفسه وله اول في الامكان فان اوله الفعل الذي به كان وهذا المقام من غامض الاسرار وسر الاقدار فان اتى له ذكر فيما بعد فتحت بابه الذي ما فتح قبلي ومرادنا ان هذه الاشياء من الفاعلين والمفعولات والافعال كلها قائمة في وجوداتها وفي كل ما يصدر عنها وتفعله بفعله تعالى قيام صدور يعني كقيام الكلام بالنسبة الى نفس المتكلم وشفتيه واضراسه ولهاته وحلقه وحركته فيها مع قيامه بالنسبة الى الهواء فلو صح عنهم عليهم السلام انهم قالوا انا نفعل شيئا من ذلك فليس فيه اشكال كما سمعت قوله تعالى في حق عيسى عليه السلام واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني ولا يلزم منه غلو ولا جبر ولا تفويض ولا شيء ينافي الحق بوجه ما لانه اذا ورد شيء من ذلك فمرادنا منه ما ذكرنا اولا وهو كمال العبودية والادلة من الكتاب والسنة جارية على ذلك متواردة فيه وانما نتوقف في صحة ورود ذلك عنهم وانت اذا عرفت هذه الجملة وامثالها لا ترد عليك شبهة قط واما كلام بعض العلماء بنفي كثير من هذا وحكمه بكفر من اتى بشيء منه ولو بلفظة وان لم يعرف المراد منها وتصحيح بعضهم لبعض الوجوه فليس الامر الواقعي كما قال النافي معمما ولا كما قال المصحح مخصصا لان الصراط المستقيم ادق مما ذهبا اليه وانا انقل لك بعض عباراتهم وبعض ما كتبت عليها ليتبين لك اذا عرفت ان الاستقامة في الدين في غير ما ذكروا وان كان في بعض ما ذكروا حق او حق للضعفاء وقد ذكرنا سابقا شيئا في ذلك وهنا احببت ايراد بعض كلامهم لما في نفسي مما اسمع من الجهال لعل ناظرا في ذلك يذكر او يخشى قال الشيخ عبد الله ابن نورالله البحراني في كتابه عوالم العلوم وهو من تلامذة محمدباقر المجلسي وكل كلامه او جله من البحار قال بعد نقله لاعتقاد الصدوق (ره) ونقل كلام المفيد (ره) عليه قال تتميم وتحقيق اعلم ان الغلو في النبي والائمة عليه وعليهم السلام انما يكون بالقول بالوهيتهم او بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية او في الخلق او في الرزق او ان الله تعالى اتحد بهم او انهم يعلمون الغيب بغير وحي او بالقول في الائمة عليهم السلام انهم كانوا انبياء او القول بتناسخ ارواح بعضهم الى بعض او القول بان معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي والقول بكل منها الحاد وكفر وخروج عن الدين كما دلت عليه الادلة العقلية والايات والاخبار السالفة وغيرها وقد علمت ان الائمة عليهم السلام تبرؤا منهم وحكموا بكفرهم وامروا بقتلهم وان قرع سمعك شيء من الاخبار الموهمة لشيء من ذلك فهي اما مأولة او هي من مفتريات الغلاة ولكن افرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفة الائمة عليهم السلام وعجزهم عن ادراك غرائب احوالهم وعجائب شؤنهم فقدحوا في كثير من روايات الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم من الغلو نفي السهو عنهم او القول بانهم يعلمون ما كان وما يكون وغير ذلك مع انه قد ورد في اخبار كثيرة لا تقولوا فينا ربا وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وورد ان امرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وورد لو علم ابو ذر ما في قلب سلمن لقتله وغير ذلك مما مر وسيأتي فلا بد للمؤمن المتدين الا يبادر برد ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم ومعالي امورهم الا اذا ثبت خلافه بضرورة الدين بقواطع البراهين او بالايات المحكمة او بالاخبار المتواترة كما مر في باب التسليم وغيره

واما التفويض فيطلق على معان بعضها منفى عنهم عليهم السلام وبعضها مثبت

والاول التفويض في الخلق والرزق والربوبية والاماتة والاحياء فان قوما قالوا ان الله خلقهم وفوض اليهم امر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون وهذا الكلام يحتمل وجهين احدهما ان يقال انهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وارادتهم وهم الفاعلون حقيقة وهذا كفر صريح دلت على استحالته الادلة العقلية والنقلية ولا يستريب عاقل في كفر من قال به وثانيهما ان الله تعالى يفعل ذلك مقارنا لارادتهم كشق القمر واحياء الموتى وقلب العصى حية وغير ذلك من المعجزات فان جميع ذلك انما يحصل بقدرته تعالى مقارنا لارادتهم لظهور صدقهم فلا يأبى العقل من ان يكون الله تعالى خلقهم واكملهم والهمهم ما يصلح في نظام العالم ثم خلق كل شيء مقارنا لارادتهم ومشيتهم هذا وان كان العقل لا يعارضه كفاحا لكن الاخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صراحا مع ان القول به قول بما لا يعلم اذ لم يرد ذلك في الاخبار المعتبرة فيما نعلم وما ورد من الاخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وامثالها فلم يوجد الا في كتب الغلاة واشباههم مع انه يحتمل ان يكون المراد كونهم عللا غائية لا يجاد جميع المكونات وانه تعالى جعلهم مطاعين في الارض والسموات ويطيعهم باذن الله تعالى كل شيء حتى الجمادات وانهم اذا شاؤا امرا لا يرد الله مشيتهم ولكنهم لا يشاؤن الا ان يشاء الله واما ان الاخبار في نزول الملائكة والروح بكل امر اليهم وانه لا ينزل ملك الى السماء لامر الا بدأ بهم فليس ذلك لمدخليتهم في ذلك ولا للاستشارة بهم بل له الخلق والامر تعالى شأنه وليس ذلك الا لتشريفهم واكرامهم واظهار رفعة مقامهم

الثاني التفويض في امر الدين وهذا ايضا يحتمل وجهين احدهما ان يكون الله تعالى فوض الى النبي (ص) والائمة (ع) عموما ان يحلوا ما شاؤا ويحرموا ما شاؤا من غير وحي والهام او يغيروا ما اوحى اليهم بارائهم وهذا باطل لا يقول به عاقل فان النبي صلى الله عليه وآله كان ينتظر الوحي اياما كثيرة لجواب سائل ولا يجيب من عنده وقد قال تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وثانيهما انه تعالى لما اكمل نبيه (ص) بحيث لم يكن يختار من الامور شيئا الا ما يوافق الحق والصواب ولا يحل بباله ما يخالف مشيته تعالى في كل باب فوض اليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصلوة وتعيين النوافل في الصلوة والصوم وطعمة الجد وغير ذلك مما مضى وسيأتي اظهارا لشرفه وكرامته عنده ولم يكن اصل التعيين الا بالوحي ولم يكن الاختيار الا بالالهام ثم كان يؤكد ما اختاره (ص) بالوحي ولا فساد في ذلك عقلا وقد دلت النصوص المستفيضة عليه فيما تقدم في هذا الباب وفي ابواب فضائل نبينا (ص) ولعله رحمه الله ايضا انما نفي المعنى الاول حيث قال في الفقيه وقد فوض الله عز وجل الى نبيه (ص) امر دينه ولم يفوض اليه تعدي حدوده وايضا هو (ره) قد روي كثيرا من اخبار التفويض في كتبه ولم يتعرض لتأويلها

الثالث تفويض امور الخلق من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم وامر الخلق باطاعتهم فيما احبوا وكرهوا وفيما علموا جهة المصلحة فيه ( وما لم يعلموا ظ ) وهذا حق لقوله تعالى وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا وغير ذلك من الايات والاخبار وعليه يحمل قولهم نحن المحللون حلاله والمحرمون حرامه اي بيانهما علينا ويجب على الناس الرجوع فيها الينا وبهذا الوجه ورد خبر ابي ‌اسحق والميثمي

الرابع تفويض بيان العلوم والاحكام بما ارادوا ورأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم او بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالواقع من الاحكام وبعضهم بالتقية ويبينون تفسير الايات وتأويلها وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل عاقل ولهم ان يبينوا ولهم ان يسكتوا كما ورد في اخبار كثيرة عليكم المسئلة وليس علينا الجواب كل ذلك بحسب ما يريهم الله من مصالح الوقت كما ورد في خبر ابن‌اشيم وغيره وهو احد معاني خبر محمد بن سنان في تأويل قوله تعالى لتحكم بين الناس بما اريك الله ولعل تخصيصه بالنبي (ص) والائمة (ع) لعدم تيسر هذه التوسعة لسائر الانبياء والاوصياء (ع) بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد وان اصابهم الضرر والتفويض بهذا المعنى ايضا حق ثابت بالاخبار المستفيضة

الخامس الاختيار في ان يحكموا بظاهر الشريعة او بعلمهم وبما يلهمهم من الواقع ومخ الحق في كل واقعة وهذا اظهر محامل خبر ابن‌سنان وعليه ايضا دلت الاخبار

السادس التفويض في العطاء فان الله تعالى خلق لهم الارض وما فيها وجعل لهم الانفال والخمس والصفايا وغيرها فلهم ان يعطوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا كما مر في خبر الثمالي وسيأتي في مواضعه فاذا احطت خبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الاخبار الواردة فيه وقد عرفت ضعف قول من نفي التفويض مطلقا ولما لم يحط بمعانيه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم انتهى كلامه واما ما كتبت عليه فقد كتبت عليه كلاما قليلا على قدر هامشة الكتاب مجملا يجمع لك ان فهمته طرق الحق في اقوال الفريقين من الغلاة والمفوضة لان كثيرا ممن يقال فيه بالغلو وهو في الواقع مقصر في شأنهم عليهم السلام واما التفويض فالاخبار فيه كثيرة جدا بين نفي واثبات وانت اذا عرفت الامر الواقع من فعل الخالق ومن الخلائق عرفت التخلص بطور غير ما ذكره رحمه الله لانه نقل الاقوال وقدر فيها بميزانه وكل احد كذلك لان العيار الذي تزن به العلماء واحد لا يتعدد وانما يتعدد بحسب افهامهم ولو خلص الحق لم يخف على ذي حجى فكتبت هكذا : الحق الاولى بالقبول هو ان جميع الاشياء لا يستغني عن مدد الله تعالى في وجودها وبقائها وفي جميع احوالها فاعلة او مفعولة ذاتا او صفة جوهرا او عرضا فلا يكون شيء الا بالله ولا يحدث شيء شيئا الا بالله ومع هذا كله فالعباد مستقلون بافعالهم لم يفعلوها مع الله ولا يستغنون في شيء من افعالهم عنه تعالى فلم يفعلوا شيئا بدون الله تعالى لا فرق في شيء من هذا كله بين محمد وآله صلى الله عليه واله ولا بين غيرهم افهمت هذا ام لا فان فهمت جميع هذه الاشياء فقد كنت على الحق فلا تكون غاليا اذ لا ترى لاحد فعلا بدون الله ولا مشركا اذ لا ترى انهم فاعلون مع الله ولا كافرا كذلك اذ لا ترى انهم فاعلون بدون الله ولا مفوضا اذ لا ترى انهم بنعم الله فاعلون على الاستقلال كما يفعل الوكيل عن موكله وان لم تفهم ما ذكرت لك فان سكت فربما تنجو والا فلا بد ان تقول باحد هذه الامور المهلكة اذا فارقت ما حددت لك انتهى ما كتبت مختصرا مقتصرا لضيق الهامشة واعلم ان جميع الامور من هذه وامثالها لا تستقيم منها شيء على شيء من الحق الا اذا كان مبنيا على هذه الحدود التي حددت لك بقي فيما ذكر رحمه الله اشياء ربما لا تبنى على هذه الحدود في ظاهر القول وهي قوله في الغلو ان منه القول بانهم عليهم السلام كانوا انبياء وهذا حق من جهة التسمية ودعوى الوحي اليهم على جهة التأسيس بغير واسطة من البشر ومن كون محمد صلى الله عليه وآله غير خاتم النبوة وفي كل ذلك ارتفاع لا يخفى

واما القول بتناسخ ارواح بعضهم فهذا معنى ليس فيه ارتفاع ليكون من الغلو الا على ارادة قدم نفوسهم وذلك شيء آخر نعم القول بالتناسخ في نفسه وان كان باطلا لا يوجب الكفر لكونه غلوا ولا يكون باطلا لذلك وانما كان باطلا موجبا للكفر لان من قال به يريد به قدم النفوس وانتقالها من جسم الى جسم وانه لا جنة ولا نار ولا معاد فمن هذا كان باطلا والقول به كفرا واما القول بان معرفتهم تغني عن جميع الطاعات فكذلك ليس من الغلو بقول مطلق فان ممن قال بذلك يريد به ان الدين الذي اراده الله من خلقه هو معرفة الرجال والاعمال انما هي اسماء الرجال ولهذا يقول به في اعدائهم ويرى ان الفحشاء فلان عدوهم فاذا عرفه اتى بما امره الله وان زني ويقول ان معنى صلوا اي توالوا الامام عليه السلام لا ذات الاركان فاذا توالي كفاه ذلك وان لم يصل وان معنى لا تزنوا اي لا تتوالوا فلانا فاذا تبرأ منه كفاه وان زني فهؤلاء ليسوا من الغلاة وان حكم عليهم بالكفر من جهة انكارهم لضروريات الدين نعم لو ان شخصا رأي بان معرفة الامام عليه السلام تغني عن العمل لانه عليه السلام هو المعبود ومعنى عبادته معرفته كان غاليا واما قوله في الرد على المقصرين فيهم عليهم السلام حتى قال بعضهم من الغلو نفي السهو عنهم او القول بانهم يعلمون ما كان وما يكون الخ فليس بصحيح على عمومه اما في نفي السهو عنهم فان اريد انهم لا يسهون بتأييد الله وتسديده وعصمته لهم فهو حسن وان اريد به ان ذلك من انفسهم فهو باطل وكذلك في العلم وما ورد من الاخبار التي يشير اليها فالمراد منها هذا فان المخلوق لا يستغني عن الخالق سبحانه طرفة عين في كل شيء فمن لم يلاحظ هذا المعنى فيهم في جميع احوالهم فهو غال ملعون

وأما قوله في التفويض وثانيهما ان الله تعالى يفعل ذلك مقارنا لا رادتهم كشق القمر الخ فهذا وان كان في معنى التفويض في الجملة يمكن قبوله على وجه لكنه كلام ليس بصحيح لان قوله يفعل ذلك مقارنا لا معنى له في التفويض ولا في نفس الامر اما في التفويض فيراد منه انه تعالى فوض اليهم شيئا اي اوصل وانهي واما انه يفعل مقارنا فاي معنى للتفويض في هذا واما نفس الامر فلا معنى للمقارنة بافعاله تعالى فانه تعالى اذا جعل شيئا سببا لشيء ليس المراد انه يفعل ذلك الشيء مقارنا لذلك السبب لان المقارن لا سببية له بوجه ما وانما المراد انه تعالى يفعل ذلك الشيء بذلك السبب كأن يكون سببا ماديا او سببا صوريا كالمشخصات الستة وما يلزمها ويلحق بها

وقوله وان كان العقل لا يعارضه كفاحا الخ فان الاخبار السابقة انما تمنع منه اذا اريد منه على النحو الذي ذكر ولو اريد به ما اشرنا اليه سابقا كانت الاخبار السابقة واللاحقة دالة عليه وداعية اليه وذلك لان الله سبحانه خلقهم على هيئة مشيته وصورة ارادته واودعهم اسمه الاكبر الذي هو سر سلطنته في بريته واخذ على جميع الاشياء الميثاق بطاعتهم التي هي شرط تكونها كما اشار اليه الحسين عليه السلام في الحديث المذكور في ترجمة عبد الله بن شداد حين عاده وهو مريض فهربت الحمي من عبد الله فقال قد رضيت بما اوتيتم به حقا والحمى لتهرب منكم فقال عليه السلام له والله ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لنا يا كباسة فاذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول لبيك قال اليس امرك امير المؤمنين عليه السلام الا تقربي الا عدوا او مذنبا لكي يكون كفارة لذنوبه الحديث وقد تقدم فقول الحمي له عليه السلام لبيك حين ناديها وقوله عليه السلام لها الم يأمرك امير المؤمنين عليه السلام بيان لقوله عليه السلام والله ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لنا وذلك ظاهر في ان جميع الاشياء تمتثل امرهم وقوله (ره) في تعليله انه لم يرد ذلك في الاخبار المعتبرة ليس بشيء لان الاخبار المعتبرة فيه لا تكاد تحصى مثل امر الهادي عليه السلام لصورة السبع التي في مسند المتوكل فقام سبعا فاكل الساحر الهندي وامر الرضا عليه السلام لصورتي السبع اللتين في مسند المأمون فقاما سبعين فاكلا خادم المأمون حين سب الرضا عليه السلام وامثال هذا في الاخبار المعتبرة كثير جدا وفي القرءان المجيد وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم وكيف ينكر هذا وامثاله ويقبل ما هو اعظم في حق الملائكة الذين هم من سائر خدامهم وبنحو ما تجوزه في الملائكة الذين فيهم موكل بالسحاب وتصريف الرياح وتقدير الموت والحيوة والرزق والخلق وغير ذلك تجوزه فيهم بالطريق الاولى اذ لا يجوز شيء من ذلك لاحد من الملائكة مع كثرة وروده في حقهم وصحته وثبوته عند جميع المسلمين الا بشرط ان يكون على وجه لا يلزم منه الغلو ولا التفويض كما انا لا نجوز شيئا في حقهم حيث يرد عنهم الا على وجه لا يلزم منه الغلو ولا التفويض ثم اني اراك تقبل كل ما ورد من هذا النحو في شأن الملائكة غافلا عن اشتراط هذا الشرط وتتوقف في قبول شيء مما ورد في شأنهم عليهم السلام مع اشتراط هذا الشرط هذا مع انك تظهر انهم افضل من الملائكة وان الملائكة خدامهم وخدام شيعتهم تلك اذا قسمة ضيزى وقوله فيما عدا المعجزات لا معنى له لان ما عدا المعجزات هو ما يعمله عامة الناس وانما يتوقف من يتوقف فيما تعجز عنه البشر وهو المعجز واما غير المعجزات فهو ما تعمله العامة من الاكل والشرب والنكاح والكتابة وامثال ذلك مما يعمله ابناء النوع من غير الخارق للعادة فلعل توقفك انما هو في تمكنهم من الاكل والشرب وعدمه لئلا يلزمك اذا نسبت اليهم فعل الاكل والشرب القول بالغلو او التفويض ما ادري كيف هذا الكلام وما اعجبه واما احتماله ارادة كونهم عللا غائية للايجاد الخ فيمكن تصحيحه على طور آخر غير ما ذكره وكذا قبول طلبتهم وارادتهم وما ذكره من الوجه الثاني من المعنى الثاني فصحته على طور فوق ما ذكره فاذا اردت حقيقة ذلك فاطلبه فيما سبق من كلامنا في هذا الشرح وكذلك باقي ما ذكر من المعاني لان فهمه لهذه الاشياء بعقل النقل عن القائلين بذلك لا بعقل النقل عنهم عليهم السلام واعلم اني ذكرت هذه الكلمات في غير محلها لان محلها ما سبق في قوله عليه السلام ومفوض في ذلك كله اليكم الا اني هناك اقتصرت وهنا حصل موجب في وقت الكتابة فاستطردت هذه النبذة ولا حول ولا قوة الا بالله

وقوله عليه السلام : وقبوركم في القبور المعنى فيه كالمعنى المراد مما قبله والمراد من القبور هذه الاجداث الظاهرة والرموس الطاهرة التي دفنوا فيها ويحتمل ان يراد بها الطبائع التي استجنت فيها العقول والارواح والنفوس متمازجة غير متمايزة ظاهرا وذلك قبل التفصيل الثاني لان هذه الامور الثلاثة كانت في الهيولي الاولى الجوهرية بالقوة متمايزة وبالفعل متمازجة وقبلها كانت متمايزة بالفعل لم تسبق هذه الحال لها حال كانت فيه متمازجة لا بالفعل ولا بالقوة لانها في توحدها الاول لا تكثر فيها تكثر تعدد وانما خصصنا بالنفي تكثر التعدد لا مطلقا اذ لم تخلق بسيطة كما قال الرضا عليه السلام ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ه‍ بل انما برز كل شيء في الوجود متكثرا تكثر تركيب اذ لا بد لكل موجود من ان يكون له اعتباران اعتبار من ربه وهو وجوده واعتبار من نفسه وهو مائيته وهذا اشد الاشياء المكونة بساطة فهو واحد في الكون الجوهري ثم تنزل الى الكون الهوائي ثم تنزل الى الكون المائي فكان في الكون الاول عقله وحده وفي الكون الثاني روحه فحصل اثنان متمايزان وفي الكون الثالث نفسه فحصلت ثلاثة متمايزة بالفعل لم تسبق بتمازج قط لا بالفعل ولا بالقوة فلما نزلت الى هذه المنزلة كانت فيها متمازجة بالقوة ومتمايزة بالفعل فلما نزلت الى الطبيعة المسماة بالقبر المعنوي كانت الثلاثة فيها متمازجة بالفعل متمايزة بالقوة فالثلاثة في الدنيا كالثلاثة قبل الطبيعة وهي في القبور بعد الدنيا كهي في الطبيعة هذا بقول مطلق في الجملة والا ففي الحقيقة انما يكون هذا التشبيه ويجري فيمن لم يمحض الايمان محضا والكفر محضا واما من محض الايمان محضا والكفر محضا فامتزاج الثلاثة انما يكون في الرحلتين رحلة الخروج من الدنيا الى القبور ورحلة الخروج من القبور الى المحشر مثل دخولك في النوم الى ان تنام فيعود التمايز وخروجك من النوم الى اليقظة فيعود التمايز وكذلك في الرحلتين الاولتين رحلة الدخول في الطبيعة ورحلة الخروج منها فالطبيعة هي القبر الاول قبل الدنيا وهو المشار اليه بقوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحيكم ثم يميتكم ثم يحييكم يعني وكنتم امواتا قبل هذه الدنيا وذلك بعد ان كلفهم في عالم الذر فقال لهم الست بربكم قالوا بلى فاجاب من اجاب وانكر من انكر وسكت من سكت ثم كسرهم في الطبيعة فكانوا طينا وترابا ثم احياكم اي بعثكم من قبور طبائعكم كما قال تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس نزلت في شأن من كانوا امواتا بالكفر والنفاق وقولنا ان المعنى في هذا كالمعنى يشمل كلما ذكرنا هنا فيكون المعنى افدي قبوركم ما بين القبور وعلى الظرفية يكون المراد ان قبورهم الطبيعية في سائر القبور الطبيعية لغيرهم بالقيومية اما الطبيعية الطيبة فبباطن طبائعهم واما الخبيثة فبظاهرها من قبلها ولهذا اخبر تعالى عن موت طبائع من سواهم الا من جعل له نورا من طبائعهم عليهم السلام احياه به وجعله يمشي به في الناس ففي الكافي بسنده الى بريد قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول في هذه الاية ميتا لا يعرف شيئا ونورا يمشي به في الناس اماما يأتم به كمن مثله في الظلمات لا يعرف الامام وفي تفسير العياشي مثله وفيه عن بريد العجلي قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن هذه الاية قال الميت الذي لا يعرف هذا الشأن يعني هذا الامر وجعلنا له نورا اماما يأتم به علي بن ابي طالب كمن مثله في الظلمات قال بيده هكذا هذا الخلق الذين لا يعرفون شيئا وفي مناقب ابن‌شهراشوب قال الصادق عليه السلام كان ميتا عنا فاحييناه بنا وفي تفسير علي ابن ابراهيم قال جاهلا عن الحق والولاية فهديناه اليها وجعلنا له نورا يمشي به في الناس قال النور الولاية وفي الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام قال في حديث طويل وقال الله عز وجل يخرج الميت من الحي ويخرج الحي من الميت فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج من الحي الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن والميت الكافر وذلك قوله عز وجل اومن كان ميتا فاحييناه فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكانت حياته حين فرق الله عز وجل بكلمته كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها الى النور ويخرج الكافر من النور الى الظلمة بعد دخوله في النور وذلك قوله تعالى لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وقوله تعالى احييناه وجعلنا لا ينافي ما اشرنا اليه من القيومية المرادة من الظرفية لان قيومية الخلق انما هي شيء وقيومية بامر الله وفعله وقوله عليه السلام حين فرق الله بينهما بكلمته المراد بالكلمة فيه هي الفعل وهي المشية والارادة المعبر عنهما بكن بل على قوله حين فرق الى آخره تكون تلك القيومية قيومية فعله اما لان القيومية حقيقة انما هي قيومية فعله عز وجل او لان طبايعهم عليهم السلام ايضا فعله لانا قد بينا فيما سبق ان فعله لما شاء ليس بذاته وانما هو بفعله او بمفعوله وان مفعوله فعله لمفعولات ذلك المفعول وهو المشار اليه بقوله عليه السلام والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ه‍ اذ لو لم تكن افعال مفعوله مفعولات له تعالى بفعله الذي هو مفعوله لكانت مفعولات لمفعوله بدونه تعالى فيلزم التفويض المستلزم لأثبات الشريك له في ملكه تعالى عما يشركون كما انه لو كانت مفعولات له بدون مفعوله لزم الجبر سبحان الله عما يصفون وليس قولنا انها مفعولات له تعالى بمفعوله انا نريد انها حدثت به تعالى مع مفعوله بل هو عز وجل واحد في فعله لا يشرك احدا والمفعول مستقل بفعله وحده ولا يفعل الا ما شاء الله والمراد ان الله سبحانه يحدث مادة الفعل بالعبد والعبد يحدث صورة الفعل بالله والله سبحانه يخلق العمل من تلك المادة وتلك الصورة وذلك العمل المخلوق من تلك المادة وتلك الصورة هو الثواب والعقاب ولذلك اختص ذلك الثواب او العقاب بذلك العبد دون غيره ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب كل هذا وامثاله مما تقدم مبني على الصنع بالاسباب لاجل التعريف والبيان وترجيحا لجانب اللطف بالعباد والا فانه عز وجل سبب من لا سبب له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن حسبنا الله ونعم الوكيل

قال عليه السلام : فما احلى اسماءكم واكرم انفسكم واعظم شأنكم واجل خطركم واوفى عهدكم
قال في القاموس الحلو بالضم ضد المر حلى كرضى ودعا وسرق حلاوة وحلوا وحلوانا بالضم واحلولى وحلى الشيء كرضى واستحلاه وتحلاه واحلولي بمعنى وقول حلي كغني يحلولي في الفم وحلى بعيني وقلبي كرضى ودعا حلاوة وحلوا وحلوانا او حلى في الفم وحلى بالعين انتهى وفي غيره ما يقرب من معناه فالحلاوة هي ما يلايم في كل شيء بحسبه وما يلذ له وتستعمل للحسية والمعنوية فالحسية تدرك باللسان للقوة الذائقة وبالانف للقوة الشامة وبالعين للقوة الباصرة وبالاذن للقوة السامعة وبالبشرة للقوة اللامسة فالملايم لها حلاوة والمنافر لها ضدها والمعنوية قسمان باطنة ومعنوية فالباطنة خمس الحس المشترك وفعله ادراك الخيالات الظاهرة والمراد انه قوة مركبة من بين الحسين الظاهر والباطن وهو معنى كونه مشتركا فتدرك به كون الشيء الواحد اذا ادرته كرة وهذا الشخص المسمى بالحس المشترك له عينان العين اليمنى من الحواس الباطنة والعين اليسرى من الحواس الظاهرة لان اليمنى تنظر بالماء الذي وضع الخيال كرسيه عليه مثلا اذا نظرت الى شيء ادرته انطبعت صورة ذلك الشيء نفسه في عين هذا الشخص اليسرى وانطبعت دورته في عينه اليمنى فرأيت دائرة لم يجدها هذا الشخص الا في ذلك الماء الذي وضع الخيال كرسيه فيه فيستحلي ما لا يمه والثاني الخيال قيل انه واضع كرسيه على الماء وطبعه مائل الى الرطوبة وهو كثير النسيان لكنه سريع الانفعال بما يرد عليه والثالث الوهم قد وضع كرسيه على النار وطبعه مائل الى اليبوسة قيل انه بعيد الفهم الا انه اذا فهم لا ينسي كذا قيل وهذا الشخص مثل منه من ظاهره فيما يسطو به على اعدائه واما حقيقته فانه قد وضع كرسيه على النهر الذي يصب في الحوض وطبعه بارد فيما يلقي به اولياءه والرابع الفكر قيل انه وضع كرسيه في الهواء وطبعه مائل الى البرودة يكذب ويتهم ويفتري فيها ويحكم على الذي لا يعرف فلا يلتفت اليه وقيل ان لونه اشهب وطبعه يتقلب وهو مظهر عطارد الكوكب فهو ابدا يكتب والخامس الحفظ قيل هو شخص قد وضع كرسيه على الارض وطبعه مائل الى الاعتدال وهو يحفظ افعال البوابين كلها قيل وهو الشخص الذاكر الذي قد وضع كرسيه على الماء وطبعه مائل على ( الى ظ ) الحرارة والظاهر ان وجه اختلاف الطبعين ومحل الكرسي انما هو بالنظر الى حالتي هذا الشخص فانه انما سمي ذاكرا لانه لا يكون حافظا مع النسيان واذا لوحظ كونه ذاكرا انما يلاحظ في حالة تلقيه من البوابين وهذه حالة يضع فيها كرسيه على الماء لان الماء منه القوة الدافعة وهذه الحالة ايضا تقتضي الحرارة لانها حالة الطلب والاخذ من البوابين واذا لوحظ كونه حافظا انما يلاحظ في حالة اطمئنانه وسكونه عن الاخذ والطلب وهو في هذه الحالة قد وضع كرسيه على الارض لان القوة الماسكة منها وطبعه حينئذ الاعتدال يعني عدم حرارة الطلب والتلقي فهذه الخمسة حلاوتها ما يلايمها بنسبته والمعنوية عندنا ما يجدها العقل ويدركها بغير واسطة من الروح والنفس وغيرهما واما ما تدركه الروح فله اعتباران من حيث عدم تمام الصورة يقال له معنوي اذا ادركته بغير واسطة ومن حيث ان ما فيها انما هو المضغ المعنوية وهي مخلقة وغير مخلقة يقال له باطني فيلحق بالاعتبار الاول بالعقل وبالاعتبار الثاني بالنفس ثم انه قد تقدم ان الاسم يطلق على اللفظي وغيره وهو النقشي والتصوري والعددي والمعنوي الذي هو الصفة كالنور للشمس فاللسان يدرك الاسم المعنوي ويجد حلاوته بالقوة الذائقة وقد تقدم الاشارة الى ذلك عند قوله عليه السلام واسماؤكم في الاسماء مما دلت عليه الاحاديث المتكثرة وقد ذكرنا فيما مضى بعضا منها في البطيخ وغيره من طرق العامة والخاصة بانهم عليهم السلام عرضت ولايتهم على كل شيء فما قبلها استحلي وما لم يقبلها مر وخبث مع قول علي عليه السلام كما مر لسلمن انا الذي كتب اسمي على العرش فاستقر وعلى السموات فقامت وعلى الارض فرست وعلى الريح فذرت ( فدارت خ ) وعلى البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى النور فسطع وعلى السحاب فدمع وعلى الرعد فخشع وعلى الليل فدجى واظلم وعلى النهار فانار وتبسم ه‍ والاسم هو الصفة كما تقدم عن الرضا عليه السلام لما سئل ما الاسم فقال صفة موصوف فان قلت ان هذه الاخبار من موضوعات الغلاة ولو سلمت كان معناها غير هذا لان ما تقول غير معقول قلت الاحاديث الدالة على هذه المعاني روتها اعداؤهم الذين يبالغون في اطفاء نورهم ومحو فضائلهم وانت يا محبهم الذي عرضك الله لخيرهم وخلقك لتكون مظهرا لفضائلهم حاولت في اطفاء انوارهم ومحو فضائلهم بطور لم تصل اليه اعداؤهم فلعلك لست الصديق الذي قال فيه الشاعر :

احذر عدوك مرة واحذر صديقك الف مرة فلربما انقلب الصديق فكان اعلم بالمضرة

وايضا سلمنا ان فيها احاديث مكذوبة لكن لا نسلم انها كلها مكذوبة بل اكثر ما فيها متواتر المعنى والحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها اخذها ثم فأي ضرر تخافه واي محذور تخشاه في ذلك فان كنت تقول اخاف الكفر والغلو فتدبر ما بينت لك في مواضع كثيرة من هذا الشرح يظهر لك على جهة القطع والضرورة انك مع هذا القول من المقصرين لا من الغالين فان قلت من اين لك هذه التوجيهات الغريبة والتأويلات البعيدة قلت لك ليست بعيدة وانما استبعدتها لعدم انسك بها انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا على انك تدبر كلامي ولا تستعجل فان الله سبحانه يقول بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله والشاعر يقول :

فهب اني اقول الصبح ليل أيعمى الناظرون عن الضياء

وانا انما قلت عن الدليل القطعي الضروري ودليلي على هذه الدعوى انك تأمل كلامي من غير معارضة حتى تفهمه فاذا فهمته كما اردت فيما اوردت ولم يحصل لك القطع البديهي فاعلم اني مفتر كذاب والميعاد يوم الحساب ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون والانف يشمه ولقد روي ما معناه ان فاطمة عليها السلام لما وضعتها خديجة رضى الله عنها بل عليها سلام الله لانها وعاء السلام ونور دار السلام لما وضعتها فاح الطيب حتى ملأ جميع الارض والافاق كلها كما ان الشمس اذا طلعت اشرق اسمها على جميع الافاق كذلك الحورية القدسية صلى الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها لما طلعت في هذه الدار فاح الطيب الذي هو اسمها على ما قررنا لك والعين تدرك بالقوة الباصرة الاسم المعنوي والاسم النقشي اما ادراك العين لحلاوة الاسم المعنوي فظاهر لان الالوان الجميلة والرياش من اللباس والهيئات الحسنة والصور الجميلة المستحسنة في سائر الحيوانات وسائر النباتات وسائر المعادن والجمادات من جميع الصفات من الالوان والمقادير الهندسية والاشكال والصقالة والشفافية والصلابة فيما يستحسن فيه واللين كذلك والخفة فيما تستحسن فيه والثقل كذلك والحاصل جميع الصفات واضدادها فيما يستحسن فيه وتدرك الاذن بالقوة السامعة ما كان صوتا او ظل صوت كالصدا وكذلك البشرة تدرك بالقوة اللامسة ما كان كيفية من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وما كان صلابة ولينا وما كان هندسة والحاصل ما اشير اليه من كونه مدركا عند ذكر العين منه مدرك للباصرة واللامسة ومنه مدرك للباصرة ومنه مدرك للامسة وكل ذلك اسماؤهم واسماء اسمائهم فما كان مستحسنا بنسبة ملايمة المدرك ادرك حلاوته وكذلك الحواس الباطنة فانها لا تدرك في محالها الا الاسماء المنتزعة من الجواهر والاعراض وهي اسماؤهم واسماء اسمائهم على نحو ما ذكرنا في الحواس الظاهرة فاسماؤهم اللفظية يدرك حلاوتها اللسان لسلامتها من الغرابة والتعقيد والتنافر وما اشبهها المتعلقة بمواد الاسماء وهيئاتها فلا يكون اسلس منها عند النطق بها والاذن كذلك في اصواتها في موادها وهيئاتها فاللفظية للأذن والرقمية للعين والصورية للخيال والمعنوية للعقل والعددية والمعنوية فكرية او عقلية روح الرقمية واللفظية فالعددية قوي اللفظية وكمية تنزل المعنوية فاذا تنزلت في الاستنطاق ظهرت باسمائها كما قيل ان بينات اسم محمد صلى الله عليه وآله زبر اسلام فلما تنزلت اعداد بيناته ظهرت باسمها وهو اسلام الذي هو صفة النبوة واثرها لان البينات صفة الزبر واسمه فبينات اسم محمد صلى الله عليه وآله : ي م ا ي م ا ل وعددها مائة واثنان وثلاثون وهو عدد زبر اسلام لانه واحد وستون وثلاثون وواحد واربعون وهي مائة واثنان وثلاثون وبينات اسم علي عليه السلام زبر ايمان لان بينات اسمه : ي ن ا م ا وذلك مائة واثنان وانما كان نفس بينات اسم علي عليه السلام ايمان من غير جمع ولا استنطاق بخلاف بينات اسم محمد صلى الله عليه وآله فيحتاج في ظهور اسلام منها الى جمع اليائين الى م ليكون سينا لظهور الايمان من صفته عليه السلام لاختصاصه وعدم اشتراكه بغير المؤمنين بل هو علامة المؤمنين ومحك الايمان والنفاق لانه الميزان الحق حتى انه روي ان عايشة قالت :

اذا ما التبر حك على محك تبين غشه من غير شك
وفينا التبر والذهب المصفى علي بيننا شبه المحك

وهو اليمين التي قبض سبحانه بها قبضة فقال للجنة ولا ابالي ولم يشترط لنفسه في ذلك البداء واما محمد صلى الله عليه وآله وان كان اصل الخير والهدى وانما علا علي عليه السلام بعلو محمد صلى الله عليه وآله وتشرف بشرفه فانه كان في الظاهر مشترك الاتباع فلم تكن نفس بينات اسمه اسلام الا بالجمع لان من اتباعه من ليس من الاسلام في شيء فاذا جمع اي ضم كل شيء الى اصله خلص به الاسلام الذي يجري عليه ظاهر الشريعة ولاجل هذا الاشتراك قال صلى الله عليه وآله ما اختلفوا في الله ولا في وانما اختلفوا فيك يا علي فاذا جرت اعداد اسمائهم كما سمعت على الخيال وجد لذة الاستقامة في الاستنطاق لموافقته الطبع من غير تكلف فلاجل ما يجد من حلاوة اسمائهم ينشرح الصدر بحلاوة المعرفة وطعم الايمان وان كان قد اختلفوا في حلاوة الايمان هل هي معقولة ام محسوسة في قوله عليه السلام حرام على قلوبكم ان تجد حلاوة الايمان حتى تذهب في الدنيا وظاهر الحديث في قوله على قلوبكم انها معقولة والحق انها في العقول في ما يتعلق بالجنان معقولة وفيما يتعلق باللسان والاركان محسوسة وليس الشرح الا بالهدى كما قال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام وهو تأويل قوله تعالى الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء وقال تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب واحسن القول هو الامام كما في قوله تعالى ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون في الكافي في هذه الاية عن الكاظم عليه السلام امام الى امام وفي تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام امام بعد امام واما المعنوية فما تدرك به عقول شيعتهم من البصائر فمما كتب عليها من اسمائهم كما كتب اسم الشمس على الارض فاشرقت بذلك الاسم اي بنورها وكذلك ما تدركه ارواحهم ونفوسهم وسائر مشاعر الانسان وحواسه فكله اما اسماؤهم او اسماء اسمائهم وليس في شيء مما ادركه من اسمائهم او اسماء اسمائهم منافرة له بل كلها ملايمة محبوبة وهي الحلاوة المرادة وقد توجد الملايمة في شيء غير ما ينسب لهم الا انه بحال دون حال كما في بعض ما على الارض الذي جعله الله زينة لها ليبتلي به عباده ايهم احسن عملا فان امثال ذلك قد يستحسن في حال النظر الى زينة الدنيا ولو نظر الى زوالها وفنائها لم يستحسن فحلاوته لا يتعجب منها واما ما ينسب اليهم صلى الله عليهم فهو مستحسن في كل حال فلذا صح على الحقيقة ان يتعجب من كمال ملايمته ولزومها فيقال ما احسن ذلك وما احلاه فلذا قال عليه السلام فما احلي اسماءكم ومرادنا باسماء اسمائهم ما كان اسما لافعالهم الحقيقية وافعال شيعتهم التي اخذوها عنهم وتابعوهم بها فانها وان كانت اسماء شيعتهم الا انها اسماء اسمائهم لان مسمياتها اما شيعتهم او افعالهم وكل ذلك اسماؤهم فاذا صح ان يراد بالاسماء ما هو اعم من اللفظية كما دلت عليه الروايات وغيرها وعرفت المراد من الحلاوة العموم فهي في كل مدرك بنسبته وعرفت ان المدركات انما تدرك بنسبة رتبته من الشعور وحلاوته بنسبة ملايمته لما ادرك فهي باعتبار قوة الملايمة وضعفها مشككة وعرفت ان الملايمة من اسمائهم عليهم السلام اعظم من غيرها من سائر الاسماء اما اسماء الخلق فظاهر واما اسماء الخالق عز وجل فاعظمها ذواتهم واسماؤهم عليهم السلام المعنوية لان اسماءه ( ئهم خ ) المعنوية هي ذواتهم وصفاتهم واسماؤهم المعنوية واسماءه تعالى اللفظية مسمياتها ذواتهم واسماؤهم المعنوية اذ ليس له تعالى اسماء الا اسماء افعاله وهم معاني افعاله فاذا تبين لك هذه الامور عرفت ما اردنا من معنى قوله عليه السلام فما احلى اسماءكم وربما وجدت حلاوة اسمائهم في بعض مشاعرك ومداركك او كلها والله يرزق من يشاء بغير حساب

وقوله عليه السلام : واكرم انفسكم المتعجب منه كرم نفوسهم بمعنى سخائها الشامل لجميع الموجودات من جميع الخلائق بل جميع الممكنات اما المكونات فلما تقدم مما اشرنا اليه من ان جميع الكائنات انما تكونت باربع علل الاولى الفاعلية وهي انما تقومت بهم لانهم محال مشية الله والسنة ارادته واما الثانية فالعلة المادية وكل مكون انما خلق من فاضل انوارهم لان فاضل انوارهم اي شعاعها هو الوجود المقيد الذي خلق منه مادة كل مكون وهذا معنى قول الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب اعضاد يعني ان الله تعالى اتخذهم اعضادا لخلقه اشار عليه السلام بذلك الى مفهوم قوله تعالى وما كنت متخذ المضلين عضدا يعني اني انما اتخذت الهادين عضدا صلى الله عليهم وهو عضد الخلق كما اتخذ النجار الخشب عضدا لعمل السرير فافهم وقد تقدم هذا المعنى مكررا فراجع والثالثة العلة الصورية لان الله سبحانه خلق صور المكونات من اشباح صورهم يعني صور امثالهم ومقاماتهم في اعمالهم واقوالهم عن باطنهم الذي فيه الرحمة واتباعهم صبغوا في هذه الهياكل الشريفة التي هي صبغ الرحمة الذي اليه اشار جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فهذا النور هو المادة الذي هو الفاضل المذكور سابقا والصبغ هو هذه الهياكل واما اعداؤهم فصورهم من صور امثالهم ومقاماتهم في اعمالهم واقوالهم عن ظاهرهم الذي من قبله العذاب ومعنى هذا ان من اجاب دعوة الله في الذر الى طاعتهم خلقه من حدود اعمالهم لا يجاده وتلقينهم له كلمة القبول وان من لم يجب دعوة الله سبحانه في الذر الى طاعتهم خلقه من حدود ذودهم له وتركهم له ومنعهم المعونة فقبل بداعي انية نفسه وهو الانكار وهو ظاهرهم الذي من قبله العذاب وازيدك بيانا في هذين انك تلقى من احبك واطاعك بباطن رحمة منك وعطف عليه ولطف به فيظهر له من باطنك الرحمة واللطف البشرى فاذا انت قد ظهرت له في احسن صورة واجمل صفة وتلقي من ابغضك وعصاك بغضب واعراض عنه ووجه عبوس فحالتك التي لقيته بها مثالك ومقامك اي ظهورك بالغضب وهو ظاهر من قبلك لان الرحمة سبقت الغضب في الوجود فهي باطن وذاتي والغضب انما عرض للمنافي فهو ظاهر ولهذا تنسب الرحمة الى الذات وينسب الغضب الى الفعل فيقال ان الله هو الغفور الرحيم ولا يقال الغضوب قال تعالى ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم والرابعة العلة الغائية ولولاهم لم يخلق الله شيئا من خلقه وانما خلقهم لاجلهم فكل من سواهم من الخلق لهم فانظر الى خيرهم الواصل الى كل واحد من الخلق في اصل تكونه واما الممكنات فكل واحد منها لائذ بما هو فيه من الفقر بجناب الغني الحميد سبحانه وتعالى وهم عليهم السلام ذلك الجناب المنيع والشأن الرفيع كما في دعائه عليه السلام الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك وهذا كله في الوجود الذي هو ظاهر الشيء واما ما يتعلق بالاعتقادات والاعمال الصالحة التي لاجلها جاء التكليف وهم اصله وهو فرعهم وذلك لانهم هم المعلمون للخلائق معرفة الخالق وكيفية طاعته وعبادته وتسبيح الملائكة وتهليلهم وتمجيدهم لله سبحانه وسائر الخلق قال علي عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقد ذكر الله سبحانه ذلك في كتابه فقال تعالى واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه فاخبر تعالى بان نبيه صلى الله عليه وآله منعم وذو فضل في قوله تعالى الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله ويجري لهم ما يجري لرسول الله صلى الله عليه وآله وقد تواردت اخبارهم عليهم السلام بخيرهم الفائض على سائر الخلق والمؤمنون يعرفون ذلك هذا على معنى الكرم بمعنى السخاء وعلى معنى الرضا والحسن كما في قوله تعالى انه لقرءان كريم اي حسن مرضي يكون المعنى التعجب من حسن انفسكم في ذاتها وفي طباعها فان كل من عرف من ذلك استحسنه وارتضاه من اوليائهم ومن اعدائهم وانما يعادونهم حسدا لهم على ما يشاهدونه وعلى معنى النفع يدخل في الاول لان المعنى فيه ما اعم نفع انفسكم واشده وعلى معنى التفضيل كما في قوله تعالى ارأيتك هذا الذي كرمت علي اي فضلت علي يكون المعنى ما اشد تفضيله سبحانه اياكم على من سواكم حتى اغناكم بما آتيكم عن جميع خلقه وجعل جميع خلقه محتاجين اليكم في كل شيء وكذلك على معنى التفضيل بحسن الصورة واعتدال المزاج واعتدال القامة والتمييز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والهداية الى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الارض والتمكن من الاعمال والصناعات وانسياق الاسباب والمسببات الى ما يعود اليه عملهم بالمنافع الى غير ذلك كما في قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم فانه يكون المعنى انكم في هذه الاشياء التي كرم بها بنوادم على ما سواهم في اقصى مراتب امكانها في اصل وجودها ومع انضمام ما نيطت به تبلغ كمالا على وجه غير متناه في امكانها فلذا حسن التعجب على الحقيقة مع مشاركة بني النوع فيها ظاهرا ليتمكن بالمقايسة من مقتضى التعجب وقولي ظاهرا قيد للمشاركة وللنوع لان الحقيقة ان ما كان لهم عليهم السلام من هذه الامور لم يشركهم فيه احد اذ لم يصل احد من الخلق الى رتبتهم ليشاركهم وكذلك النوع فانهم انما يدخلون في النوع ظاهرا والا ففي الحقيقة هم خلق آخر فوق بني آدم وانما بنوادم بمنزلة الاسماء مثل لفظ زيد ومعناه اذ لا يقال في الحقيقة ان اللفظ من نوع زيد الذي هو الحيوان الناطق وانما دخلوا في النوع ظاهرا كما دخل روح القدس الذي هو من امر الله في نوع الملائكة مع انه ليس من نوعهم ولهذا قال عليه السلام انه خلق اعظم من الملائكة ولهذا لما امر الله تعالى الملائكة بالسجود لادم فقال لهم اسجدوا لادم فلما سجدوا اخبر عن ذلك فقال فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس فلم يستثن الا ابليس مع ان روح القدس وروح من امر الله والروح الذي على ملائكة الحجب الاثنان لم يسجدوا فلما عاتب ابليس بعدم السجود قال له استكبرت ام كنت من العالين وهم هؤلاء الاربعة ولو كانوا من الملائكة لسجدوا هذا وكثيرا ما يطلق على احدهم الملك فقال امير المؤمنين عليه السلام لما سئل عن العقل الذي هو روح من امر الله قال ملك له رؤس بعدد الخلائق الحديث فدخولهم (ع) في نوع بني آدم كدخول هؤلاء العالين في نوع الملائكة فلا مشاركة في هذه الامور التي فضل الله بها من شاء بمعنى انهم عليهم السلام خلقهم الله سبحانه قبل الخلق بالف دهر على هذه الصفات المحمودة فلما اراد ان يخلق سائر خلقه اخذ من فاضل شعاعهم مواد الخلق وصورهم واخذ من فاضل شعاع هذه الامور المذكورة وهو اسماؤها فخلق عليها سائر بني آدم اعني هذا النوع كما ان حقيقة هذا النوع موادهم وصورهم خلقها من اسماء موادهم عليهم السلام وصورهم وانما شركنا في ما فيهم من هذه الصفات غيرهم لاجل ظاهر التسمية فلك ان تقول ان ما في بني آدم من هذه الصفات مجازات تلك الحقائق كما ان حقيقة بني آدم مجازات حقائقهم عليهم السلام وهم مجازات الحق عز وجل اما ترى قوله تعالى في حق علي عليه السلام وان هذا صراطي مستقيما وانهم ليصدونهم عن السبيل والائمة عليهم السلام كذلك ولك ان تقول ان ما فيهم حقيقة وما في بني آدم حقيقة بعد حقيقة وعلى هذا التوجيه يكون التعجب مما لا يدرك كنهه ولا صفته الا من جهة ادراك الاسماء وعلى معنى الايمان كما روى خير الناس مؤمن بين كريمين اي بين ابوين مؤمنين لانه يكتسب مع ايمانه من ايمانهما فالتعجب كذلك كما قال تعالى في حق جدهم صلى الله عليه وآله فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته الاية فانهم قد حذوا حذوه وجرى لهم ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وعلى معنى مكارم الاخلاق كما روي انه صلى الله عليه وآله خص بها وهي عشرة وهي من شعب الايمان اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة والتعجب حينئذ في كمالها لهم واجتماعها فيهم وعلى معنى التقوى كما قال تعالى ان اكرمكم عند الله اتقيكم اي اشدكم تقوى لله او اشدكم عملا بالتقية فظاهر وكذا اذا اخذ من القدس فما اكرم انفسهم واطهرها

وقوله عليه السلام : واعظم شأنكم واجل خطركم يراد به ما اعظم امركم او حالكم اي ما اعظم ما تكونون فيه من شأن لان الله سبحانه خلقهم له لا لانفسهم ولا لشيء غيره تعالى فهم محال مشيته والسنة ارادته ففعلهم فعله تعالى وقولهم قوله تعالى فكيف توصف عظمة شأنهم وهم ابدا في حال لله فيهم وفي خلقه ولهم في هذين الحالين حال خاصة اما في المقامات او في المعاني او في الابواب في كل رتبة بنسبة ما يخصها وتلك الحال الخاصة يقال عليها المقامات اما دائما كالاولى التي هي المقامات او في حال الاتصاف والظهور كما في الثانية اعني رتبة المعاني والثالثة اعني رتبة الابواب وفي هذه الحال الخاصة قال الصادق عليه السلام لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن وفي بعض نسخ الرواية الا انه هو ونحن نحن ه‍ وهذا شأنهم في المقامات فلا شيء اعظم من شأنهم في مراتب جميع المخلوقات وهذا اذا اريد بالامر هذا الحال وان اريد به الولاية التي هي ملزوم هذا الشأن المذكورة فاشد عظما لانها هي ولاية الله التي ذكرها في كتابه فقال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا فالولاية الحق هي ذاته المقدسة فولاية الله بذاته هي ذاته بلا مغايرة لا في نفس الامر ولا في الفرض والاعتبار وولاية الله بفعله ومشيته هم محلها لانها هي مشيته وولاية الله بهم هي ولايتهم وما اشد عظمها

وقوله عليه السلام : واجل خطركم قد تقدم بيان هذا في بيان قوله عليه السلام الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم بما يناسب هذا الترتيب فذكر هناك العظم للخطر والكبر للشأن والجلالة للامر وهنا ذكر العظم للشأن والجلالة للخطر ويفهم من الموضعين اتحاد العظم والجلالة والكبر واتحاد الشأن والامر والخطر والمعنى في اللغة في الموضعين متحد او متقارب والاتحاد الظاهر من الموضعين اما باعتبار ما تعرفه اهل اللغة او باعتبار استعمال واحد في شيء حقيقة وفي غيره مجازا ولا يستنكر لتقاربها ففي اللغة الشأن الامر والحال وفيها الامر بفتح الهمزة وسكون الميم بمعنى الشأن والحال وفيها الخطر القدر والعظمة والمنزلة وفيها اكبر اي اعظم قال تعالى اكابر مجرميها يعني عظماء فلما رأينه اكبرنه اي استعظمنه وفيها الجلال العظمة والحال ان المعنى بحسب اللغة متقارب وفي النهاية ومن اسماء الله تعالى ذو الجلال والاكرام الجليل وهو الموصوف بنعوت الجلال والحاوي جميعها هو الجليل المطلق وهو راجع الى كمال الصفات كما ان الكبير راجع الى كمال الذات والصفات والعظيم راجع الى كمال الذات انتهى واما اهل العرفان واهل التصوف ففرقوا بين الجلال والعظمة والكبرياء فجعل بعضهم الجلال صفة الذات والجمال صفة الجلال وبعضهم عكس ومرادهم ان العظمة والجمال صفة للجلال لان الجلال التقدس والعزة والعلو والعظمة صفته ومن عكس جعل الجلال صفة للعظمة فجعل التقدس والعزة والعلو الصفة وبعضهم جعل الجلال من صفات القهر والجبروت والمفهوم من ظاهر الاخبار والادعية مساواة العظمة للجلال مثل قوله عليه السلام في دعاء يوم الاحد من مصباح المتهجد لطفت في عظمتك دون العظماء فقوله لطفت في عظمتك مشعر بأن العظمة ضد اللطف وقال عليه السلام بعد ذلك يا لطيف اللطفاء في اجل الجلالة فجعل الجلالة ضد اللطف وظاهر هذا اتحاد العظمة والجلال وانما قلنا انه ظاهر لانه يمكن مطابقته لما في النهاية بان نقول اللطف يكون في الصفات ويكون في الذات فيكون قوله عليه السلام لطفت في عظمتك يراد منه اللطف في الذات وقوله عليه السلام يا لطيف اللطفاء في اجل الجلالة يراد منه اللطف في الصفات ووصف الكبرياء بالعظمة والعظمة بالكبرياء في قوله والكبرياء العظيم الذي لا يوصف والعظمة الكبيرة يشعر بالمغايرة وكذا الاضافة في قوله في جلال عظمتك وكبريائك والمغايرة تؤيد الفرق

بقي الكلام في هذا الفرق الذي ذكره ابن‌ الاثير وغيره هل هو الفرق المذكور في الاخبار والادعية ام الفرق غير ما ذكره اهل اللغة والذي فهمت بعد ثبوت ان جميع الصفات كلها راجعة الى الافعال ومعاني الافعال لان الذات صفاتها عينها فلا تعدد ولا مغايرة ولهذا يكون معناها واحدا فهو تعالى يسمع بما يبصر به ويبصر بما يعلم به فحياته عين قدرته وسمعه وبصره وهكذا لان المراد بمعنى هذه الالفاظ هو الذات فلا تغاير فيها باعتبار ولا حيث لا في نفس الامر ولا في الفرض ان الكبرياء ابعد من العظمة والجلال بالنسبة الى المبدء لانها صفة ظاهرها عالم الملك من ذواته وصفاته ولهذا ورد وصفها بالعرض كما في الدعاء عريض الكبرياء والعرض من صفات الاجسام ومبادي الاجسام ولا يقال عريض العظمة او الجلال واما الجلال فان اريد منه معنى العزة كان راجعا الى كمال الذات وكان اخص من العظمة لان العظمة راجعة الى صفات الاضافة والعزة راجعة الى صفات القدس وان اريد منه معنى العظم ضد القلة والحقارة والصغر كان راجعا الى كمال الصفات كما في النهاية وان امكن رجوعه الى كمال الذات بتكلف معنى العظمة واما العظمة فراجعة الى كمال الذات وكمال الصفات فورد ما معناه كان عظيما قبل عظمته وهذه العظمة المسبوقة يراد منها ما يرجع الى الصفات الفعلية لانه سبحانه كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه لم يسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا ه‍ فقوله عليه السلام واجل خطركم معناه متفرع على ما يراد من الجلالة فان شئت قلت معناه ما اعظم قدركم او ما اكبر قدركم او ما اعز قدركم

وقوله عليه السلام : واوفى عهدكم اي ما اوفى عهدكم الذي عاهدتم عليه الله حين خلقكم له بقوله تعالى الست بربكم اي الم اخلقكم لي لا لغيري ولا لا نفسكم او الست خلقتكم لي وحدي او اخلقكم لي قالوا بلى بوجوداتهم وعقولهم وارواحهم ونفوسهم وطبائعهم واشباحهم واجسامهم واجسادهم وجواهرهم واعراضهم واعمالهم واقوالهم واحوالهم اي عاهدناك بكل جهاتنا على اجابتك الى ما اردت منا فانا لك وانا اليك راجعون فكانوا له كما اراد منهم فصح على الحقيقة ما اوفى عهدكم لان كل واحد من مشاعرهم وكل واحد من ظاهرهم وباطنهم من غيبهم ومن شهادتهم من الحواس الخمس واعضائهم من اجسامهم ومن احوالهم عاهد الله سبحانه على ما اراد منه وخلقه لاجله وفي لله تعالى على اكمل وجه يراد منه فلذلك قال عليه السلام على الحقيقة فما اوفى عهدكم هذا فيما عاهدوا الله عليه ومثله فيما عاهدوا عليه رعيتهم لمن وفي لهم بالولاية لانهم اذا وعدوا على الله تعالى انجز لهم ولا يردهم ولا يكون ذلك لغيرهم من الخلق فمن اوفي بعهده منهم بعد الله سبحانه وهذا ظاهر وفي بعض نسخ الزيارة واصدق وعدكم وعلى هذه النسخة يكون قوله عليه السلام فما اوفي عهدكم خاصا بالعهد الظاهر وفي الباطن كالاجابة في قوله تعالى قالوا بلى وكذا في اياك نعبد واياك نستعين وامثاله لان اجابة دعاء الله سبحانه عهد لا وعد لانه تعالى يطلب حقه على جهة الحتم ويؤكد الدعوة بالميثاق الغليظ فلذا قلنا انه عهد باطن لانه لم يكن فيه لفظ العهد ويكون ما تبرع به المكلف او ندب اليه ولم يوجبه عليه كسائر النوافل هو الوعد نعم لو تبرع به والزم نفسه به فانه من العهد كما قال تعالى ورهبانية ابتدعوها ماكتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فمارعوها حق رعايتها الاية والوعد على المشهور الصحيح ليس بواجب وما ورد فيه مما ظاهره الوجوب لوجود لفظ الوجوب فيه فمحمول على معناه اللغوي اي الثبوت او الوجوب المعتبر في الكمال بمعنى عدم تحقق كمال الايمان بدونه كما مدح الله تعالى به اسمعيل بن حزقيل في قوله تعالى انه كان صادق الوعد واما على عدم اعتبار هذه النسخة فيكون قوله فما اوفي عهدكم شاملا للعهد وللوعد وان اريد بالعهد الخاص الوجوب والوعد عدم الوجوب لعدم المنافاة بين ارادة معنيين مختلفين بلفظ واحد على الاصح لان هذه الارادة متضمنة لا رادتين لكل ارادة يعلم ذلك بقرينة وضع اللفظ للمعنيين او صلوحه لهما بالحقيقة والمجاز فاذا ورد هذا اللفظ الذي هذه حاله ولم يدل دليل على ارادة احدهما فيتعين او نفيه فيتعين الاخر دل على ارادتهما معا فان كانا حقيقيين وتنافيا ففي وقت الحاجة يجب على الامر ان يعين احدهما وفي غير وقت الحاجة لا محذور فيه والفائدة فيه تهيؤ المكلف للامتثال بما يعين عليه عند الحاجة ولا بد ان يعين الحكيم على المكلف ولو فرض وقت الحاجة وعدم التعيين فلا مناص عن القول بالتخيير اذا لم يحتمل عدم التكليف لان الناس في سعة ما لم يعلموا والتخيير من وجوه العلم واحتمال عدم التكليف مع ورود ما يدل على التكليف ليس الا بدليل صارف ويقع بينهما الترجيح حينئذ وان كان حقيقة ومجازا ولم يكن صارف عن الحقيقة تعين الحقيقة وان حصل التكافؤ للقرائن والامارات فلا مانع من ارادتهما مثل قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم على جعل النكاح حقيقة في الوطي مجازا في النكاح او بالعكس واما على القول بانه حقيقة فيهما معا فمن الاول والحاصل ان الوعد ملحوظ فيما نحن فيه لانهم صلى الله عليهم اولى بصدق الوعد من جميع من سواهم فان صحت النسخة والا فهو مراد من العهد ولا ينافيه ان الوعد يخبر عنه بالصدق والعهد بالوفي لان الوفي والصدق يصدق احدهما على الاخر في المعنى وهذا ظاهر

قال عليه السلام : كلامكم نور وامركم رشد ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير وعادتكم الاحسان وسجيتكم الكرم
قال الشارح المجلسي كلامكم نور علم وهداية من الله تعالى والرشد الهداية والخير والسجية الطبيعة انتهى

اقول من كون كلامهم عليهم السلام نورا انه هداية لمن طلب الهداية ودليل لمن اراد الاستدلال لان النور هو الدليل والبرهان الذي به تثبت حقيقة الشيء كما قيل ان القرءان نور لانه الدليل على كل ثابت والبرهان على حقية كل حق وبطلان كل باطل وذلك لانهم صلى الله عليهم لا يتكلمون الا عن القرءان لان الله عز وجل قال في كتابه في شأن جدهم نبيه صلى الله عليه وآله وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى فاخبر انه صلى الله عليه وآله ما ينطق عن هوى نفسه وانما ينطق بالوحي او عن الوحي وهم صلى الله عليهم يحذون حذوه فلا ينطقون الا عن الله ورسوله صلى الله عليه وآله فكلامهم نور اي حق لا يأتيه الباطل من بين يديه اي فيما اخبروا به عما مضى ولا من خلفه فيما يخبرون به عما يأتي وكلامهم نور اي هداية وبرهان به يتحقق المتحقق ويزهق الباطل وكلامهم نور تستنير به قلوب المسلمين لهم القابلين عنهم والنور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره وكلامهم عليهم السلام هكذا ظاهر في نفسه اي بين التحقق والحقية لعدم اختلافه من حيث معناه الذي يريدونه منه وعدم منافاة بعضه لبعض مع اختلاف ظاهره لاجل مصالح رعيتهم فمن اخذ بكل كلامهم وفهم مرامهم بالتسليم لهم والرد اليهم بحيث يجعل فهمه تابعا لمرادهم من كلامهم وجده كله نورا اي حقا وصوابا واصابة للحق والهداية والرشاد وما هو الا كالقرءان لانه مثاله ومنه اخذ مبني على معانيه والفاظه واشاراته وتلويحاته وجميع مأخذه وانحائه وفي حديث امير المؤمنين عليه السلام في تقسيم ما في ايدي الناس من الحديث قال عليه السلام وان امر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرءان ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ومحكم ومتشابه وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان كلام عام وكلام خاص مثل القرءان وقال الله عز وجل في كتابه ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عني الله به ورسوله (ص) الحديث والى ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالى ويحق الحق بكلماته يعني ان كلماته تظهر الحق وتبينه لانها نور والنور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره فعلى الظاهر الكلمات هي القرءان وما انزل تعالى من الوحي على رسله واوليائه ولا شك ان كلام محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله منها اي من بعضها او اخذ منها وعلى الباطن الكلمات هي محمد وآله صلى الله عليه وآله وعلى هذا فالمظهر للحق اي الذي اظهر الله به الحق واحقه به هو وجودهم وذواتهم واعمالهم واقوالهم واحوالهم وهذه الخمسة كلها كلمات الله اما الاول والثاني فهما كلام الله ويجوز ان يقال هما كلامهم باعتبار القابلية كما مر سابقا مرارا من ان المفعول هو فاعل فعل الفاعل كما اذا قلت لك اضرب فان اضرب فعل امر وهو فعلي وامري وانت فاعله لانك المأمور بالضرب ففاعل اضرب ضمير يعود اليك تقديره انت ولا يعود الى فلا يقال تقديره انا وكذلك ما نحن فيه فان امره تعالى في ايجادك كن وفاعله ضميرك اي انت فهو سبحانه المكون فمنه التكوين وليس جزءا من المفعول ومنك التكون وهو جزؤك المعبر عنه بالماهية والقابلية لانك مركب من شيئين من الوجود اي المقبول وهو اثر فعله تعالى لا فعله ومن الماهية وهي القابل وهو فعلك فانت فاعل فعل فاعلك وصانعك بمعنى القابل الذي هو جزؤك وبذلك خلقهم وبه اختلفوا وقد سبقت كلمته الحسنى لمن استجاب له الاستجابة الحسنى واما الثلاثة الاخر فهي كلام الله تعالى بهم عليهم السلام وكلامهم بالله سبحانه وكلها نور بكل معنى يراد منه وقد يستعمل بمعنى القول الذي هو الفعل وذلك كما في قوله تعالى ووقع القول عليهم بما ظلموا اي العذاب وهو مما اشرنا اليه من الخمسة التي هي كلماتهم باعتبار فعلي هذا فكونه نورا مطلقا انما هو على ما قررنا مرارا من ان فعل الثواب والنعيم بالفضل والعدل نور لانه حق وصواب ورشد وهداية ولانه مظهر لما اقتضت الحكمة الالهية اظهاره من الممكنات لكونه سببا للتكوين على نحو الحكمة ومن ان فعل العقاب والتأليم بالعدل نور لانه حق وصواب لكونه جاريا على مقتضى قوابل الاشياء ودواعيها على نحو قوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما يعني في شرحه صدر من يريد هدايته للاسلام وجعل صدر من يريد ان يضله ضيقا حرجا فان صراطه في فعله تعالى شرح الصدر للهداية وجعله ضيقا حرجا للضلالة مستقيم اي جار على اكمل وجه يقتضيه العدل والحق لا اعوجاج فيه بوجه ما لانه اعطي على حسب السؤال وصنع على مقتضى القبول منه تعالى فكلامهم صلى الله عليهم نور اذا اريد منه الفعل على هذا النحو ولا يعني بالنور الا هذا ونحوه

وقوله عليه السلام : وامركم رشد يراد منه انهم لا يأمرون الا بما فيه الهداية والصلاح للمأمور في الدنيا والآخرة وانهم سلام الله عليهم يلاحظون فيه الترجيح لو تعارض صلاح الدنيا وصلاح الدين كما هو شأن الطبيب الماهر العليم بالمعالجة وهذا شيء معلوم عند جميع المسلمين ظاهرا بل كان ذلك في هويات جميع الخلائق وطبائعهم تدركه افكارهم وتصوراتهم وان جهل الاكثرون في التصديق وذلك بان في الوجود الخارجي او الذهني على اختلاف الانظار من الخلائق من يكون هذا شأنه بمعنى انه لا يأمر الا بما فيه الصلاح او الاصلح لو تعارض الصلاحان وان ذلك يكون منه عن علم وبصيرة بالاصلح وعن قصد نصح وعدم غش للرعية وعدم مجازفة في المعالجة بل على نحو قوله تعالى وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس اشياءهم وذلك الترجيح في الاصلح كثير فيما ورد عنهم عليهم السلام كمن استخار عند النبي صلى الله عليه وآله في السفر الى الشام للتجارة فاخبره بانها نهي فخالف ومضى واصاب مالا كثيرا فلما رجع اخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال (ص) له لعلك قد فاتك واجب فاخبر انه فاتته صلوة العشاء فقال صلى الله عليه وآله له ما معناه ما فاتك من خير الصلوة اعظم مما اصبت من المال وكما نهي الحجة عليه السلام عجل الله فرجه علي بن محمد علان عن الحج فخالف ومضى الى الحج فقتل وغير ذلك فان الاول رجح فيه الدين والثاني رجح فيه النفس على الدين وقد يكون بالعكس كما قال تعالى والفتنة اشد من القتل وليس هذا مختصا بشيء دون شيء بل جميع اوامرهم ونواهيهم لانها لم تكن من هوى انفسهم وانما تكون بمشية الله وارادته وامره لانهم محال مشية الله والسنة ارادته وحملة امره ونهيه والتكاليف الالهية التي هي علة ايجادات الموجودات كلها معتبر فيها ما هو الاصلح على نحو ما اشرنا اليه وبذلك صنعهم ولذلك خلقهم وبه امرهم واليه دعاهم وهم عليهم السلام خزنة حكمه وامره ونهيه وهم لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون

وقوله عليه السلام : ووصيتكم التقوى يراد منه انهم لا يوصون الا بتقوى الله كما يفيده تقديم الوصية والمراد بالتقوى تقوى الله فيما يتعلق بمعرفته وصفاته وافعاله وعبادته فدعوا الى توحيد الله سبحانه فقالوا انه تعالى خلق كل شيء لا من شيء يكون معه لانه سبحانه انما هو اله واحد ليس معه شيء فكل شيء ممكن او موجود في نفس الامر اي في الخارج او الذهن او بالفرض والتقدير فهو مخلوق له تعالى لان كل ما يسمى او يشار اليه او يتصور او يفرض وجوده او امكانه او يحتمل فهو شيء قد صنعه تعالى في مكان حدوده ووقت وجوده ما عدا وجهه الكريم وانما استثنينا بناء على الظاهر المتعارف من انه تعالى يسمى باسمائه ويفرض وجوده ويمكن بالامكان العام وفي الحقيقة انما الموجود آياته ومظاهره والمسمى بالاسماء مقاماته وآياته واسماؤه لان ذاته المقدسة لا تقع عليها الاسماء ولا شيء من جهات التعاريف اذ كل ما سواه خلقه ولذا قال ابو جعفر عليه السلام كما في الكافي قال (ع) ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه وكل ما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله وفي آخر قال عليه السلام وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله فهو مخلوق والله خالق كل شيء وفي حديث ابي عبد الله عليه السلام زيادة تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فقوله عليه السلام ما خلا الله جار على المتعارف من انه تعالى يسمى باسمائه ويوصف بما وصف به نفسه لخلقه ويعرف بذلك ويعبد بذلك وبذلك امر خلقه وطلب منهم ذلك اذ لا يمكن لهم ما وراءه وكل هذه اشياء محدثة لانها بالضرورة غيره وكل شيء غيره فهو مخلوق له تعالى ومعلوم ان المخلوق لا يقع على الخالق لانه لا يقع عليه الا ما يصل الى الازل ولا يصل المصنوع الى الازل ولا ينزل الازل في الحدوث لان الازل هو ذاته الحق سبحانه ولكن يعرف بها المعرفة الرسمية وقد رضي من عباده بذلك لانهم لا يقدرون على غيرها وانما يعرف بها معرفة استدلال عليه لا معرفة تكشف له كما اذا وجدت الاثر دلك على وجود المؤثر واذا وجدت الصفة دلتك على وجود الموصوف وبهذا النحو يعرف بما وصف به نفسه تعالى لخلقه بالاشياء الحادثة مع انها في الحقيقة لا تقع عليه وهو قول الرضا عليه السلام حين قال له عمران الصابي يا سيدي الا تخبرني عن الله تعالى هل يوحد بحقيقة او يوحد بوصف قال الرضا عليه السلام ان الله المبدئ الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه فردا لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا ولا شيء يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره ولا من وقت كان ولا الى وقت يكون ولا بشيء قام ولا الى شيء يقوم ولا الى شيء استند ولا في شيء استكن وذلك كله قبل الخلق اذ لا شيء غيره وما اوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم ه‍ فاخبر عليه السلام بانه لا يقع عليه شيء لانها صفات محدثة وترجمة يعني ان ما اراده سبحانه منا ترجمه لنا في ايجاده ووصفه نفسه لنا بما نعرف مما هو من نحونا ونوعنا من صفات الخلق وبها نفهم ما يريده منا وهو متعال عن كل شيء الا انها تدلنا عليه كما قلنا وهو قول الرضا عليه السلام ولو كان صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه واسماؤه لا تدعو اليه والمعلمة من الخلق لا تدركه بمعناه كانت العبادة من الخلق لاسمائه وصفاته دون معناه فلولا ان ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لان صفاته واسماءه غيره ه‍ وايضا دعوا عليهم السلام الى توحيده بصفته بما وصف به نفسه من انه ليس كمثله شيء فلا يقترن بشيء ولا يقترن به شيء لان الاقتران صفة خلقه فلو صح عليه لشابه الاشياء في اقتران بعضها ببعض ولا يخرج من شيء ولا يخرج منه شيء باي نوع فرض لان ذلك ولادة وهو تعالى لم يلد ولم يولد فمن قال بان الخلق منه بالسنخ او الظل فقد شبهه بخلقه ومن قال بان الخلق تنتهي اليه فقد اثبت له الاقتران بغيره لانه يكون نهاية لغيره وهو اقتران يمتنع من الازل وكذلك قول من قال بان بينه وبين شيء من الحوادث ربطا بوجه ما وكذا دعوا عليهم السلام الى توحيده في فعله تعالى يعني انه متفرد بالايجاد فكل شيء صنعه او يصنعه قال تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وقال تعالى ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار فكل محدث فمادته من فعله واما صورته فاما من فعله او بفعله كالمعاصي فانها وان كانت من فعل العباد على جهة الانفراد من غير مشاركة معه تعالى الا انها بفعل الله كتحريك الشاخص لظله فانه وان كان منه والتحريك منه الا انه بالنور اذ بدون النور لا يمكن له تحريك لعدم وجود ظل يحركه فكل شيء من الله او بالله فما كان منه فالامر فيه ظاهر وما كان به فمادته وقوى فاعله من الاته ومن اراداته وافكاره وتصوراته وجميع مداركه من الله وما اختص به من الفعل فبالله فمن ادعى ان احدا غيره تعالى يخترع شيئا من المواد فهو مشرك ومن ادعى ان غيره يخترع شيئا من الصور بدون الله تعالى اي لا من الله ولا بالله فهو مفوض والمفوض مشرك وكذا دعوا عليهم السلام الى توحيده في عبادته كما قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وهذا التوحيد اذا اريد به الحقيقي يعتبر فيه توحيده تعالى في كل ما يصدق عليه انه عبادة او عبودية فيوحده في جميع العبادات الاصطلاحية المعروفة وفي الخلق بجميع جهاته وفي الرزق كذلك وفي الحيوة كذلك وفي الممات كذلك فيوحده في التوكل وفي الاعتماد وفي الحفظ وفي رعاية كل شيء على نحو ما مر من ان المراعي اما منه او به وهنا تنبيه على حقيقة من حقائق التوحيد وهو ان قولنا هذا الشيء منه نريد به انه من فعله اي اثر من فعله اي من المحل الممكن الامكان الراجح لفعله فحقيقته مخترعة بتبعية اختراع فعله تعالى يعني انها محل فعله ومتعلقه فهي متقومة بالفعل تقوم تحقق والفعل متقوم بها تقوم ظهور والشيء المكون من تلك الحقيقة متقوم بالفعل تقوم صدور ابدا فلا حقيقة له الا بفعله تعالى ولا وجود له الا من فعله تعالى اي من اثر فعله وقولنا هذا الشيء به نريد به ان حقيقته من نفس ما منه تعالى من حيث نفسه ووجوده من اثر شعاع فعله تعالى فما به تعالى مبني على ما منه تعالى والشيء بحقيقة الشيئية واحد لا شريك له تعالى وما سواه شيء بفعله تعالى واما فعله تعالى فشيء بفعل الله الذي هو ذلك الفعل اي بنفسه من حيث هو فعل الله تعالى فهذا مختصر ما اوصوا عليهم السلام به من تقوى الله تعالى فيما يتعلق بتوحيده في ذاته وتوحيده في صفاته وتوحيده في افعاله وتوحيده في عبادته بان يجتنب مخالفة شيء من ذلك في قليل او كثير وما اشرنا اليه على جهة الاجمال ووصيتهم صلى الله عليهم مجملا ومفصلا وكذا بتقوى الله فيما تتعلق به اوامره ونواهيه مما هو من جهة النفس ومما هو من جهة الخلق وذلك كما هو مفصل في احاديثهم وافعالهم واعمالهم واقوالهم واحوالهم مما اشتملت عليه شريعة جدهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله فان الله سبحانه قد امر بذلك وسمي الأخذ به وترك مخالفته تقوى فقال تعالى وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا واتقوا الله وانما ذكرت الاشارة الى ما يتعلق بالتوحيد لغموضه وكثرة المذاهب فيه المخالفة لوصيتهم عليهم السلام وقلة العبارة واما ما يتعلق بالاوامر والنواهي من التقوى مما اشتملت عليه الشريعة الغراء من المفروض والمندوب والجائز والمرجوح والممنوع منه فيلزم من ذكر بعضه التطويل الطويل الذي ليس هذا محله مع ظهوره وقلة الاختلاف فيه وتصدي الاصحاب رضوان الله عليهم لذكره وتفصيل ابوابه ويجمع ذلك كله انهم عليهم السلام اوصوا ان تتقي الله تعالى بفعل جميع اوامره وترك جميع نواهيه وبالميل الى ما احب وعما كره وان اخذت بما جوز فبقصد الاخذ برخصته وكذا ان تركت فبهذه وامثالها كانت وصيتهم ولم يأمروا بشيء قليل او كثير من اضداد هذه بل نهوا عنه بقلوبهم والسنتهم وايديهم وافعالهم واعمالهم واحوالهم وما وقع من خلاف تقوى الله تعالى من هذا الخلق المتعوس فانما وقع ردا عليهم صلوات الله عليهم وخلافا لامرهم وعلى الله سبحانه اعلاء دينه واظهار كلمته بهم بان يمكنهم في ارضه ويستخلفهم في سائر عالمه والله منجز وعده ومتم نوره ولو كره المشركون اللهم عجل فرجهم وسهل مخرجهم واسلك بنا محجتهم ومنهاجهم يا كريم

وقوله عليه السلام : وفعلكم الخير يراد منه انهم لا يفعلون الا الخير لحصر المبتدا في الخبر والمراد من الفعل ما هو اعم من عمل الجوارح كما هو مقتضى العصمة والتسديد والتوفيق اما مشاعرهم الباطنة فهي مستغرقة في العبودية فعلا وفي العبادة بعثا يعني انهم ببواطنهم من الافئدة والقلوب والارواح والنفوس والطبائع مستغرقون في الرضى بما يرد عليهم من محبوب النفوس ومكروهها بل هم بها طالبون لما يرد عليهم منه سبحانه كما قال امير المؤمنين صلى الله عليه وآله الطيبين اما آن لاشقيها ان يخضب هذه من هذا واشار الى لحيته ورأسه فذلك وامثاله هو الصدق في العبودية وهي الرضا بما يفعل وهم بها باعثون لجوارحهم والسنتهم على العمل بما يرد والقيام بوظائفه كما امروا على اكمل وجه اراد سبحانه منهم وهذا وامثاله هو الصدق في العبادة وهي الفعل لما يرضي واما جوارحهم وظواهرهم فهم بها ابدا مشتغلون بخدمة ربهم لا تأخذهم سهو الغفلات لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون كما روي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون الى قوله مشفقون قال يا مفضل الستم تعلمون ان من في السموات هم الملائكة ومن في الارض هم الجن والبشر وكل ذي حركة فمن الذين قال ومن عنده قد خرجوا من جملة الملائكة والجن والبشر وكل ذي حركة فنحن الذي كنا عنده ولا كون قبلنا الحديث فلا يوجد لهم لحظة في غير فعل الخير لان الله سبحانه ديموم ديوم قيوم فلا فترة تعتريه ولا تأخذه سنة ولا نوم وفي كل ذلك دائم الفيض وهو قوله تعالى وما كنا عن الخلق غافلين وفي كل آن من فعله قابل لفيضه دائم في خدمته وهم القابلون للفيض الدائم بدوام التسبيح والتقديس الدائمون بكمال الخدمة وكل من سواهم لا يقومون بخدمة قبول كل الفيض كما قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ولا يصح ان يفضل منهم وقت او مكان لفعل الشر وانما فضل ذلك منا لانا لم نسع الفيض فنعصي حال عدم القبول والمراد من الخير ما هو اعم من الخير الذي هو احد جنود العقل الخمسة والسبعين كما هو مذكور في احاديث جنود العقل بل المراد به ما يشمل العقل وجنوده فان جميع تلك من فعلهم فان الله سبحانه قد جمعها فيهم وبهم قسم فواضلها على سائر خلقه وهم بامره يعملون فالعقل الكلي الذي هو عقل الكل وهو آدم الرابع على جهة الاجمال هو عقلهم وقد اكمله فيهم وبهم قسم فاضله على سائر اوليائه من انبيائه ورسله على حسب قوابلهم من فاضله الذي هو اشعته وتلك الاشعة هي اولاده فان الله سبحانه قد خلق الف الف عالم والف الف آدم ونحن الان في آخر العوالم وآخر الادميين فعلى جهة الاجمال عقول المرسلين والانبياء عليهم السلام اولاد آدم الرابع الذي هو عقل محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله وعقول المؤمنين اولاد هؤلاء الاولاد فلذا قال صلى الله عليه وآله انا وعلي ابوا هذه الامة والاصل في هذه الابوة هذا وذلك لان كل مولود فله ستة آباء ابوان لعقله وهما محمد وعلي صلى الله عليهما وآله محمد (ص) اب العقل اي مادته فان مادته من صفة نوره صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام الاب الثاني فان صورة العقل من صفة نوره عليه السلام والصورة هي الاب الثاني اي الام وله ابوان لنفسه الامارة بالسوء وهما الاعرابيان ابو الدواهي اب النفس الامارة بالسوء وابو الشرور الاب الثاني وهو امها وله ابوان لجسده فاشار تعالى الى ابوي العقل بقوله ووصينا الانسان بوالديه حسنا والى ابوي الامارة بالسوء بقوله وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما والى ابوي الجسد بقوله وصاحبهما في الدنيا معروفا فقولنا وبهم قسم فاضله لان هذا الفاضل اولاد عقلهم كما ذكرنا فيصدق توليدهم والقسمة بهم على فعلهم ويصدق على العقل وجنوده الخير الذي هو فعلهم لان العقل الكلي قد يصدق عليه انه فعلهم اما على اعتبار قابليتهم له عند ايجاد الله سبحانه له فيهم او لانه تربيتهم وزرعهم كما اشار اليه العسكري صلوات الله عليه في نسبتهم بقوله عليه السلام والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وروح القدس هذا هو العقل المشار اليه فاخبر انه اول من ذاق ثمرة الوجود من حدائقنا وان ذلك الذوق بهم لا غير بقرينة قوله في الكليم عليه السلام لما عهدنا منه الوفاء فافهم وكون العقل خيرا فمما لا ريب فيه لانه نور لا ظلمة فيه الا قدر ما يقيمه من مسمي الضدية ولأجل صفائه وخلوصه لربه لم يكن له جهة مخالفة فكانت الجنان ثماني وكانت النيران سبعا لان الوجه في ذلك ما قلنا وذلك لان الحواس الخمس في العالم الصغير والنفس والجسم اذا استعملت كل واحدة منها في الخير كانت بابا من ابواب الجنان وآية لنظيرها في العالم الكبير وجناته سبع جنات وان استعملت كل واحدة منها في الشر كانت بابا من ابواب النيران وآية لنظيرها في العالم الكبير ونيرانه سبع فكل واحد من هذه السبعة يصلح للخير فيكون بابا من الجنان ويصلح للشر فيكون بابا من النيران واما العقل في العالم الصغير فيصلح ان يستعمل في الخير فيكون بابا اعلى من ابواب الجنان وآية لنظيره في العالم الكبير وهو جنة عدن وهي الثامنة العليا ولا يصلح ان يستعمل في الشر لانه خير ونور ولهذا لم يكن بابا في النيران فكانت الجنان ثماني والنيران سبعا ولهذه العلة قال الصادق عليه السلام حين سئل عن العقل العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ولما سئل عما في معوية قال تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بعقل يعني انها ادراك يشابه ادراك العقل ولكن العقل لا يمكن استعماله في الشر لان الشر ظلمة وهو من جنود الجهل الذي هو ظلمة لا نور فيه الا قدر ما يقيمه من النور الذي هو ضده بحيث لا يكون لما فيه من النور تأثير لاضمحلاله كما ان ما في العقل من الظلمة لا يكون له تأثير لاضمحلاله واذا كان العقل خيرا كما سمعت لم تكن له جنود الا من نوعه فكل جنوده خير ولا يجوز ان يكون في جنوده شيء من الشر لان وجود ذلك في جنوده انما يكون لو كان في العقل شائبة من الشر لها تأثير وتعين لينسب ذلك الذي من الشر اليها فاذا كان خيرا محضا على نحو ما ذكرنا كانت جنوده كذلك وهم عليهم السلام لا يفعلون بانفسهم الا الخير وكذلك فعلهم بما منهم وبما ينسب اليهم من حيث هو منسوب اليهم نعم قد يفعلون بغيرهم اي بدواعي غيرهم ما هو شر وهو قوله تعالى وظاهره من قبله العذاب وقد يفعلون بمن ينسب اليهم لا من حيث ينسبون اليهم ذلك ايضا فان من ينسبون اليهم كشيعتهم قد يفعلون المعاصي الموجبة للعذاب ولكنهم انما فعلوا ذلك من حيث ميلهم الى طريقة اعدائهم فيأكل المؤمن العاصي بمعصيته من شجرة الزقوم من بعض اوراقها وهو من هذه الحيثية ليس مشايعا لهم وانما هو مائل الى اعدائهم وهم عليهم السلام من وراء المقصرين من اشياعهم بالتلافي من الاستغفار والذود عن المعاصي والدعاء لهم حتى يأكل ذلك العاصي من طلع شجرة الزقوم اعوذ بالله من سخط الله فيخرج من حزبهم ويلحق باعدائهم استجير بالله من غضب الله ومن غضبهم وانما قلنا قد يفعلون بغيرهم اي بدواعي غيرهم ما هو شر لان ذلك الفعل القاؤهم للعاصي وتخليتهم له يعني ان الله سبحانه انما يعصي من عصاه اذا لم يقبل منه تعالى اذا خلاه من يده وهم عليهم السلام يده ففعل تعالى به ما فعل هو بنفسه وهم محال فعله صلى الله عليهم اجمعين وقولنا يفعلون بغيرهم ما هو شر مثل قوله تعالى في الحديث القدسي وانا الله لا اله الا انا خلقت الخير فطوبى لمن اجريته على يديه وانا الله لا اله الا انا خلقت الشر فويل لمن اجريته على يديه وذلك لان الله تعالى يفعل الاشياء بقابلياتها كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم وهم خزائن حكمه على عباده فيحكمون باذن الله على فاعل الشر بفعل الشر وانما رددت هذا المعنى لسوء ظني بفهم اكثر الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون ولكن اكثرهم يجهلون ولكن اكثرهم لا يعقلون

وقوله عليه السلام : وعادتكم الاحسان اقول قد تقدم فيما ذكرنا سابقا وفيما ذكرناه في كثير من رسائلنا ان المخلوق لا يكون الا مركبا كما قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين وكما قال الرضا عليه السلام ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ه‍ فكل محدث مركب من مادة وصورة وان شئت قلت من وجود وماهية والمعنى واحد والوجود نور احدثه الله بفعله فهو اثر فعله ونور منه يجري مجراه لانه ابدا في طاعة ربه لا يجد نفسه ولهذا اطلق عليه نور الله في قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله فقال الصادق عليه السلام يعني من نوره الذي خلق منه والعقل وجه منه والله سبحانه المحسن وقد اظهر احسانه وجميله اللذين هما صفة فعله بفعله فيما عامل به بريته من ذلك الجميل والاحسان واجرى بذلك عادته وانما يجري على العصاة احكام الغضب لانهم لم يقبلوا جميله واحسانه فعاملهم بفعلهم وهو رد جميله واحسانه فكان رد الجميل قبيحا ورد الاحسان اساءة قال تعالى وماظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ولله در من قال :

ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما

فلما اجرى سبحانه عادته بفعله ومشيته وارادته على الاحسان كانوا صلى الله عليهم عادتهم الاحسان لانهم لا يفعلون الا بامره وهم محال مشيته والسنة ارادته وحملة امره وهم بامره يعملون فلما كانوا كذلك لم تكن الاساءة عادتهم لان الاساءة مبدأوها الماهية وهم عليهم السلام لا ينظرون الى انفسهم قط ولا الى ما سوى الله والماهية ظلمة احدثها الله سبحانه بفضل فعله الذي احدث به الوجود لفائدة تقوم الوجود الا انهم عليهم السلام ليس فيهم من الماهية الا قدر ما يمسك وجودهم فماهيتهم فانية الاعتبار مضمحلة الوجدان والتعين فلا اعتبار لها فلا يقع منهم شيء من مقتضى الماهية فلا تكون لهم الا عادة الاحسان وما روي في الدعاء الهي عادتك التفضل والاحسان وعادتنا الاساءة والعصيان ولا تغير عادتك بتغيير عادتنا بجاه محمد وآله الطاهرين يشعر بان ما سوى الله عادته الاساءة والعصيان لانه من حيث نظره الى نفسه كان سالكا طريق ماهيته التي هي ظلمة لا تقتضي من شأنها الا الاساءة والعصيان وهذا ظاهر ولكن فيه اشكال في قوله بتغيير عادتنا اذ المعنى انا غيرنا عادتنا من الفضل والاحسان الى الاساءة والعصيان من وجهين احدهما قوله عادتنا الاساءة والعصيان وثانيهما ان المناسب للكلام السابق انا غيرنا عادتنا وهي الاساءة والعصيان الى الفضل والاحسان وهذا ينافي قوله لا تغير عادتك لان المعنى ان الداعي الى تغيير عادتك انما هو تغيير عادتنا الى الاساءة والعصيان واما اذا غيرناها الى الفضل والاحسان فليس بموجب لتغيير عادته بل موجب لاستمرار عادته سبحانه وتعالى وحله ان للمخلوق عادة من حيث فعل خالقه وهي الفضل والاحسان وهي جهة وجوده لانه اثر فعل خالقه المتفضل المحسن سبحانه وتعالى وعادة من حيث نفسه وهي الاساءة والعصيان لان هذا هو مقتضى الماهية وحيثيته من جهة فعل ربه وجودية ولها اولوية الاعتبار فلهذا صح قوله بتغير عادتنا لانها وجودية والاعتبار بالوجودي اولى من العدمي وحيثيته من جهة نفسه عدمية ولها اولوية الالتفات الى النفس وان كانت عدمية فلهذا صح قوله وعادتنا الاساءة والعصيان لانهم بنظرهم الى انيتهم غالبا كانت عادة لهم غالبة وان كان من حيث الوجود وانه ينبغي وان الله تعالى انما خلقهم لهذا اولا وبالذات وانما خلق ماهيتهم وانيتهم لاستقامة ما خلقهم لاجله فالماهية والانية انما خلقهما تعالى ثانيا وبالعرض الا انهم تعودوا بعادة الوجود اولا ثم بعد ذلك تغيروا وتعودوا بعادة انيتهم فلذا قالوا باعتبار الاولى بتغير عادتنا وباعتبار الثانية قالوا عادتنا الاساءة والعصيان واما محمد واهل بيته الطاهرون صلى الله عليه وعليهم اجمعين فانهم لم يتغيروا عن العادة الاولى لان ماهياتهم وانياتهم لعدم التفاتهم اليهما في حال ضعفتا وكادتا تفنيان في نور وجودهما فلم يتعينا ليكونا داعيين الى ما يناسبهما من الاعمال فلم تتغير عادتهم الاولى فلذا قال عليه السلام وعادتكم الاحسان

وقوله عليه السلام : وسجيتكم الكرم يراد من السجية الغريزة والطبيعة التي جبل عليها الانسان وورد في وصف النبي صلى الله عليه وآله خلقه سجية اي طبيعة من غير تكلف وهذا منه واعلم ان الطبيعة قد تكون من الحقيقة الاولية التي هي الامكان وقد تكون من المادة وقد تكون من الصورة وقد تكون من مجموعهما والصورة قد تكون من القابلية الكونية التكوينية وقد تكون من القابلية الكونية الشرعية لان قوابل الاشياء للوجود انما هي اعمال المصنوعين الا ان منها ظاهرة كالاولي ومنها باطنة كالثانية وما يكون من المجموع قد يكون مركبا من المادة والاولى وقد يكون منها ومن الثانية وقد يكون كل منها من الجبروت او من الملكوت او من الملك او مما بينها اي بين الجبروت والملكوت او بين الملكوت والملك يعني من احد البرزخين بين الذرين والطبيعة للشخص تكون من واحد من هذه اي الحقيقة الاولية ومن هذه الاحد والعشرين او من اكثر وقد تكون له من كلها ولا تكون من جميعها في الخيرات والفضائل الا في خير الخلق ولا تكون من جميعها في الشرور والرذائل الا في شر الخلق فهم صلى الله عليهم سجيتهم الكرم والحلم والرفق والرحمة وسائر الفضائل على اكمل وجه يمكن لان جميع المراتب اذا صلحت كانت المرتبة الواحدة منها اصلح فيها منها في غيرها اي في غير اجتماعها لان كل واحدة مع الاجتماع تعين ما قبلها بنصف قوتها ويعين ما بعدها بنصف قوتها بخلاف انفرادها او مع اجتماع بعضها فان القوي لا تتضاعف كما تتضاعف مع اجتماع الكل وقد يراد بالطبيعة الطبيعة الاصطلاحية وهي الرابعة العشرة التي يشار اليها في اركان العرش بالنور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة وهذه يكون فيها الكسر الاول بعد الصوغ الاول الذي هو الخلق الثاني ومنشأ السعادة والشقاوة وفي هذه الطبيعة استقرار الطبائع الذاتية والاكتسابية وفي هذه قال تعالى للمجيبين للجنة ولا ابالي وقال للمنكرين للنار ولا ابالي لما قلنا من استقرار الطبائع هنا لان الطبائع المفارقات بالذات استقرت بالاجابة المقترنة بالافعال بالطبائع الماديات بواسطة او بغير واسطة الا ان الظاهر ان المراد هنا بالطبيعة ما يعم هذه وغيرها ولما كانوا عليهم السلام محال مشية الله سبحانه والسنة ارادته وابواب اوامره ونواهيه وخزائن كرمه وجوده ومفاتح خزائنه لزم ان تكون سجيتهم الكرم لانهم في جميع افاعيله جعلهم الوسائل والوسائط بينه وبين خلقه فكل الوجود خير وكل خير فهو منهم بامر الله تعالى يعني ان الله سبحانه خلق كل ما في الوجود بهم لان جميع ما في الوجود اما خير والله خلقه من فاضل انوارهم واما شر والله خلقه بمقتضي قابليته وقابليته نشأت من انكار صاحب الشر لولايتهم لما عرضت عليه فهم اصل الكرم وفرعه ومبدؤه سبحان من خلقهم على قبول كل خير منه وجعلهم كذا فضلا منه ومنا عليهم ولقد قلت في قصيدة نظمتها في مرثية سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام في ذكر بعض الثناء عليهم صلى الله عليهم قلت :

جادوا وسادوا وشادوا المجد ثم هم لطالبي كل معروف مغاييل
معارف في البرايا عارفون بهم هادون والغير جهال مجاهيل
فشأنهم نسك والفتك فعلهم وذاك لله تعزيز وتذليل
سحب الحيا هاطلات من عطائهم اليهم مدت الأيدي المحاصيل
فراحتا الدهر من فضفاض جودهم مملوءتان وما للفيض تعطيل

اقول والشاهد في البيت الاخير فان راحتي الدهر راحة اليد اليمنى هي مجموع ما في عالم الغيب من الممكنات وراحة اليد اليسرى هي مجموع ما في عالم الشهادة مملوءتان من فيض كرمهم وجودهم والفضفاض الكثير الذي بعضه على بعض والواسع فان جميع من في هذين العالمين قد غمرهم كرمهم واليه الاشارة بقوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها والمراد من قولي وما للفيض تعطيل ان نعم الله وعطاياه سبحانه لا تتناهى لا في الدنيا ولا في الاخرة فلا غاية لنعيم الاخرة وكل ذلك من اثر فعل الله عز وجل وهم محال فعله وارادته وعلى ايديهم اجرى نعمه لمن يشاء لا سواهم لانهم ابواب فعله وفضله وكرمه وبهم اظهر كرمه وبهم اوصل سيوب فضله وشابيب كرمه الى من يشاء وهذا حكم الدنيا والاخرة فان خيرات الجنان لا غاية لها ولا نهاية لا في الاتصال والاستمرار ولا في الزيادة والتضاعف ولا في تجدد النعيم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومما لا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين فان كل ذلك وما اشبهه من كرم الله الذي اجراه عليهم ونسبه اليهم ووصفهم به كما اجرى الرأفة والرحمة على نبيه صلى الله عليه وآله ونسبهما اليه ووصفه بهما فقال تعالى حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فاذا فهمت ما ذكرنا ظهر لك حقيقة ان سجيتهم الكرم على كل من في ملك الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

قال عليه السلام : وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحزم
الشأن الامر والحال والمراد في ظاهر العبارة هنا الحال يعني ان مقتضى ذاتكم وطبيعتكم وخلقكم بضم الخاء واللام ويجوز بفتح الخاء وسكون اللام اي بنيتكم ونشؤ موادكم وتخطيط صوركم وتركيبكم الحق وهو الثابت يعني مطابقة ما في نفس الامر من كل شيء لشأنهم لان كل ما في الكون من سواهم فهو ممادحهم ومناقبهم وثناؤهم لان الاثار والصفات اذا كانت حقا فهي ممادح الموصوف والمؤثر والصدق وهو مطابقة شأنهم عليهم السلام لما في نفس الامر من افعاله تعالى وصفاته العليا واسمائه الحسنى فانه عز وجل لما خلقهم له واصطنعهم لنفسه لم يكونوا في حال ما من احوالهم غيبا وشهادة لانفسهم ولا لاحد سواه سبحانه فكانوا السنة صدق نطقوا بوجوداتهم وبمائياتهم وبعقولهم وارواحهم ونفوسهم وطبايعهم وموادهم واشباحهم واجسامهم واجسادهم واعمالهم واقوالهم وحركاتهم وسكناتهم بذكره والثناء عليه بما هو اهله فكانوا بكلهم ذكر الله تعالى والثناء عليه فنطقوا بهذه الالسنة بما طابق ما اراد منهم وخلقهم له ومن كان في حال لغيره تعالى فقد كذب اذ لم يطابق ما في نفس الامر لان غير الله تعالى ان اعتبر انه شيء فانما هو شيء بفعل الله تعالى شيئية صدور فشأنهم الحق على اعتبار مطابقة الواقع لهم وشأنهم الصدق على اعتبار مطابقتهم للواقع او فشأنهم الحق باعتبار انهم بالله وشأنهم الصدق باعتبار انهم لله او فشأنهم الحق باعتبار انهم متلقون وشأنهم الصدق باعتبار انهم مؤدون او فشأنهم الحق باعتبار انهم مقاماته وعلاماته وشأنهم الصدق باعتبار انهم كلماته وآياته او فشأنهم الحق باعتبار ذواتهم وحقائقهم وشأنهم الصدق باعتبار اقوالهم واحوالهم او فشأنهم الحق باعتبار ولايتهم وشأنهم الصدق باعتبار عبوديتهم وهذا الفرض جامع لما ذكر ولما لم يذكر ولما لم يخطر على قلب بشر سواهم وما ابتلي احد من الانبياء والمرسلين عليهم السلام ومن دونهم من الصالحين الا باحتمال التخصيص في حقية عموم ولايتهم وصدق شمول عبوديتهم وان عممت المراد من الشأن بما يشمل الامر فان اردت به امركم الكلي العام كنت مريدا به ولايتهم الكلية وعليه فالحق والصدق والرفق وكل صفة ربانية وخلق الهي آثارها ومظاهر تأثيراتها وشؤنها وافرادها وصفاتها وامثالها وهو قول الصادق عليه السلام كما في البصائر ان امرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر وعنه عليه السلام ان امرنا هذا مستور مقنع بالميثاق من هتكه اذله الله وعنه عليه السلام ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر ه‍ وان اردت به الخاص من الامر وهو الحكم بين الناس او الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان الله سبحانه يقول ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وفي التوحيد عن امير المؤمنين عليه السلام اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولي الامر بالمعروف والعدل بالاحسان وفي رواية واولي الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ه‍ وهذا الامر بعض ذلك الامر الكلي لان المراد بالكلي هو ما قال تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وهذا الامر الجزئي هو الحكم بين الناس بحكم الله الذي انهاه اليهم وفي تفسير قوله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول في تفسير القمي قال الصادق عليه السلام فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والى الرسول والى اولي الامر منكم وفي نهج البلاغة في معنى الخوارج لما انكروا تحكيم الرجال قال (ع) انا لم نحكم الرجال وانما حكمنا القرءان وهذا القرءان انما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان وانما ينطق عنه الرجال ولما دعانا القوم الى ان نحكم بيننا القرءان لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله تعالى وقال الله سبحانه فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول فرده الى الله ان نحكم بكتابه ورده الى الرسول ان نأخذ بسنته فاذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن احق الناس وان حكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فنحن اولاهم به وغير ذلك مما يدل على ان المراد باولي الامر اولياء الحكم بالحق بين الناس وهو بعض الاول لان الحكم ينقسم الى شرعي والى وجودي والاول الكلي يشمل القسمين وقد مر بيان هذا في مواضع متعددة وكون الثاني حقا وصدقا كما تقدم في الاول في المطابقة واما الرفق الذي هو لين الجانب والمعالجة بما هو اسهل واخف فانما ذكر مع الحق والصدق وان كان لا ينافي غيرهما لانه اوفق بتحسين الكلام من جهة اتحاد آخرها في حرف واحد ومن جهة تساويها في الحروف لكون كل ثلاثة والتحسين ملحوظ في هذه الزيارة الشريفة كما هو مطلوب السائل له عليه السلام مع انه معهما اليق واوفق لان المراد من هذا الشأن كما ذكرنا سابقا من المطابقة ومن التلقي والتأدية وغيرها والرفق فيها اتم واكمل اما المطابقة المذكورة فهي متفرعة على التلقي والتأدية لانهما اصل لجميع الوجوه المذكورة وغيرها وهذا الاصل مقرون بالرفق من الفاعل سواء كان هو الله سبحانه لانه عز وجل حليم ذو اناة لا يعجل اما انه حليم فلرحمته الواسعة المشتقة منه اي من الحلم يعني انه رحيم لانه حليم وهو حليم لانه رؤف وهو رؤف لانه قادر فيتأنا عباده في ايجادهم ليقبلوا عنه باختيارهم وفي ما يريد منهم اقامة للحجة عليهم واتماما لنعمته عليهم ورأفة بهم لعلمه بضعفهم وليجزي قوما بما كانوا يكسبون ولا يعجل لانه تعالى لا يخاف الفوت لانه لا يكون شيء الا بامره واذنه وهذا شأنه عز وجل في معاملته لخلقه ام هم صلى الله عليهم لانهم في التأدية الوجودية والتشريعية منه تعالى باذنه الى خلقه يجرون على اخلاقه تعالى التي اجراها عليهم كما اخبر عن نبيه صلى الله عليه وآله عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم حتى انتهى بهم الحال بسبب ما افاض عليهم من رحمته حتى جعلهم خزائن رحمته وكرمه وفضله ولطفه الى ان تحملوا عن شيعتهم جميع ذنوبهم وتقصيراتهم وفدوهم بانفسهم وانما لم يتحملوا عن اعدائهم مع عموم صفحهم وعفوهم فرارا من الوقوع في القبيح ومخالفة الحكمة لان مخالفة الحكمة مناف للمقام الرفيع الذي بلغهم الله عز وجل اياه لانهم انما بلغوا هذا المقام لملازمتهم للحسن والحكمة في كل حال ولو فارقوا ما اراد منهم من ملازمة الحق والحسن والحكمة والمعاذ بالله لا نحطوا عن مقامهم الى اخس المراتب وهو قول النبي صلى الله عليه وآله ولو عصيت لهويت واشار سبحانه الى هذا لاهل الجهل بهم عليهم السلام قال تعالى بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وهو سبحانه لم يرتض دين اعدائهم فلو عفوا عنهم وشفعوا لشفعوا لمن لم يرتض وهو قول اني اله من دونه فافهم وانما كان العفو عنهم قبيحا لانهم لم يقبلوا العفو لسدهم ابوابه باعمالهم ومنعهم اسبابه بافعالهم وانما قلت لاهل الجهل بهم عليهم السلام لان اهل العلم بهم والمعرفة لهم يعلمون ان المراد بمن يقل منهم اني اله من دونه هم اعداؤهم على حد ما ذكرنا سابقا في رفع شبهة ترد على قوله تعالى تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين اذا فسرت الايتان بما ورد عنهم عليهم السلام في هؤلاء القائلين انهم اعداؤهم يقولون في الجحيم لمن اضلهم من ساداتهم وكبرائهم تالله ان كنا يعني في الدنيا لفي ضلال مبين حيث عدلنا بكم ولي الله الذي امرنا بطاعته رب العالمين سبحانه فامرتمونا انتم بمعصيته فقبلنا امركم وتركنا امر رب العالمين فسويناكم برب العالمين وهذا الذي فعلوه عليهم السلام بشيعتهم غاية الرفق واللطف فكان التكليف من الفاعل للامر سبحانه والتأدية من الفاعلين للتبليغ عليهم السلام مقرونين بالرفق والحلم والرأفة وسواء كان القابل المتلقي عن الله تعالى هو اياهم صلى الله عليهم ام المكلفين المتلقين عنهم فلا بد من الرفق ولهذا كثيرا ما يأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله بالتأني والصبر وعدم الاستعجال فقال تعالى فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت وغير ذلك من الايات وكذلك الروايات ما لا يكاد يحصى ولقد قال عليه السلام في هذا المعنى كلاما جامعا قال عليه السلام ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق فان المبت لا ظهرا ابقى ولا ارضا قطع ه‍ يعني انكم تعمقوا في هذا الدين المتين في العلم والعمل برفق على حسب مقتضى المطلوب من علم او عمل بالمبادرة وعدم التسويف فيما يصلح بذلك اي بقدر ما يصلحه بغير زيادة وبالتأني وعدم الاستعجال فيما تفسده المبادرة والعجلة بقدر ما يصلح به بغير زيادة مهلة يفوت به المطلوب في كل شيء بحسبه في استقامة الحال في الطلب ثم ضرب عليه السلام مثلا للطالب بالمسافر وقال ان المبت الذي يحث دابته باكثر مما تقدر عليه حرصا على سرعة قطع المسافة لا ظهرا ابقي ولا ارضا قطع يعني انه تموت دابته فلم يبق له ظهر يركبه ولاقطع ارضا لموت دابته والدابة في المثل هي نفسك التي تحمل اثقالك الى بلد لم تكن بالغا له الا بشق الانفس والمسافة طريقك الى ما دعيت اليه والذي دعيت اليه لقاء الله سبحانه والدار الاخرة فافهم

وقوله عليه السلام : وقولكم حكم وحتم يراد منه انهم عليهم السلام لما لم يتقولوا على الله عز وجل بعض الاقاويل وانما قولهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله سبحانه وعن امير المؤمنين عليه السلام وعن الملك المحدث ومن ذلك تفصيل لكل جزئي جزئي ومنه جمل وكليات تنطبق على جميع جزئياتها مفصلة وهم باذن الله سبحانه واذن رسوله وامير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما يفصلون وقد خلقهم الله تعالى وجبلهم على الحق والصواب كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وانك لعلى خلق عظيم وهم يجري لهم ما يجري لرسول الله صلى الله عليه وعليهم ومعهم روح القدس يسددهم فيجري منه لهم ما يطابق ارادتهم لانه لا يريد الا ما اراد الله وهم حملة ارادة الله تعالى فليس لهم ارادة غير ارادته وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فاذا ارادوا فانما اراد الله عز وجل لان ارادته انما يجريها على قلوبهم قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن صلى الله عليه وعليهم وليس المراد من الحديث القدسي حلوله في قلوبهم تعالى عن ذلك علوا كبيرا وانما المراد حلول فعله ومشيته وارادته فافهم فاذا استنبطوا جزئيا من كلي فهو على طريق القطع والضرورة لانهم كشف الله تعالى لهم الاسباب والمسببات من ملكوت السموات والارض فاريهم حقايق الاشياء واعيانها من ملكوت السموات والارض من الدنيا والاخرة كما ارى ابراهيم ملكوت السموات والارض فهم يعاينون ذلك فعلمهم في الحقيقة مستند الى الحس في الغيب والشهادة اما سمعت انه صلى الله عليه وآله لما هاجر الى المدينة واخذ يبني مسجده خفض له جبريل عليه السلام الارض فبني مسجده على عين الكعبة لانه حينئذ يشاهد البنية المشرفة ولما اسرى به الى السماء واحاط بجميع ملكوت الدنيا والاخرة في ليلته واصبح في بيته واخبر اصحابه بذلك وانه اتى بيت المقدس بالشام وربط البراق في الحلقة التي كان الانبياء عليهم السلام يربطون فيها دوابهم وكان في المنافقين والمشركين من سافر الى الشام ورأى بيت المقدس فكذبوا وقالوا ان كنت صادقا فصف لنا المسجد الاقصى والبيت المقدس فاتى جبرئل عليه السلام فاقتلع المسجد الاقصى والبيت المقدس ونصبه امام وجهه يرى ذلك هو وهم لا يرون شيئا فوصف لهم ذلك كما رأوا فكل الاسباب والمسببات قد رأوها معاينة فيحكمون بما اريهم الله ولهذا اشار تعالى اليهم في تأويل قوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس وفي تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام نحن والله النحل الذي اوحى الله اليه ان اتخذي من الجبال بيوتا امرنا ان نتخذ من العرب شيعة ومن الشجر يقول من العجم ومما يعرشون يقول من الموالي والذي يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه اي العلم يخرج منا اليكم وفي تفسير العياشي عنه عليه السلام النحل الائمة والجبال العرب والشجر الموالي عتاقه ومما يعرشون يعني الموالي والعبيد ممن لم يعتق وهو يتولى الله ورسوله (ص) والائمة والثمرات المختلفة الوانه فنون العلم الذي قد يعلم الائمة (ع) شيعتهم وفيه شفاء للناس يقول في العلم شفاء للناس والشيعة هم الناس وغيرهم الله اعلم بهم ما هم ولو كان كما تزعم انه العسل الذي يأكله الناس اذا ما اكل منه وماشرب ذو عاهة الا شفي لقول الله تعالى فيه شفاء للناس ولا خلف لقول الله تعالى وانما الشفاء في علم القرءان لقوله وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة لاهله ولا شك فيه ولا مرية واهله ائمة الهدى الذين قال الله ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وفي شرح الايات الباهرة مثل معنى ما ذكر الا ان فيه والجبال شيعتنا والشجر النساء المؤمنات وبالجملة فهم عليهم السلام يحكمون بالحكم القطعي المستند الى معاينة الاسباب والمسببات المعبر عنه في التأويل بقوله ان اتخذي من الجبال بيوتا فان المراد بالبيوت التي يسكنونها هي جهة تعلق الخطاب من المكلف فانه انما يتعلق بالمكلف لوصف في فعله او ذاته مقتض للتعلق لما بينهما من المناسبة والعلاقة الذاتية كما قررناه في محله ومن شاهد ذلك فقد سكن ذلك البيت الذي هو جهة التعلق وقوله فاسلكي سبل ربك ذللا يشير الى المعاينة واصابة الحق فيه على جهة القطع كما هو سبل الله تعالى في عباده ولذا قال علي عليه السلام حين اخبر عن بعض احوال الغيب كل ذلك علم احاطة لا علم اخبار ه‍ والمراد من الاحاطة المشاهدة بقرينة قوله لا علم اخبار ومن جملة تلك الجمل والكليات الرجم للغيب وهي المفصلات وهو ان يرجم الغيب بالقرعة بالهامه تعالى اذا لم يذكر الحكم الجزئي او الكلي لا في الكتاب ولا في السنة فان الملك الذي هو روح القدس يقذف الله في قلبه الرجم وشرط اصابته فيلقيه الى الامام عليه السلام فاذا ساهم عليه السلام وقال الكلام الذي هو شرط الاصابة لم يخط الحكم الواقعي جزئيا كان ام كليا ابدا فاعلمهم الله عز وجل اذا ساهموا في طلب حكمه تعالى باصابته دائما فاذا ساهم عليه السلام في طلب معرفة حكمه تعالى فخرج الرجم وقع القذف به من الله تعالى في قلب الملك المسدد ففي البصائر بسنده الى عبدالرحيم قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ان عليا عليه السلام اذا ورد عليه امر لم يجئ به كتاب ولا سنة رجم به يعني ساهم فاصاب ثم قال يا عبدالرحيم وتلك المفصلات قال في البحار عقيب هذا الحديث الشريف بيان قوله ساهم اي استعلم ذلك بالقرعة وهذا يحتمل وجهين : الاول ان يكون المراد الاحكام الجزئية المشتبهة التي قرر الشارع استعلامها بالقرعة فلا يكون هذا من الاشتباه في اصل الحكم بل في مورده ولا ينافي الاخبار السابقة لان القرعة ايضا من احكام القرءان والسنة والثاني ان يكون المراد بالاحكام الكلية التي يشكل عليهم استنباطها من الكتاب والسنة فيستنبطون منهما بالقرعة ويكون هذا من خصائصهم عليهم السلام لان قرعة الامام عليه السلام لا تخطي ابدا والاول اوفق بالاصول وسائر الاخبار وان كان الاخير اظهر انتهى اقول قوله (ره) والاول اوفق بالاصول ان اراد بها اصول الفقه فليس لها مدخل في تحقيق هذه المسئلة لان اصول الفقه اغلبها جارية على ما عرف من العرف واللغة واما ما له تعلق بالاصول من الاخبار فهو وارد في كيفية الاستنباط والتراجيح ولا تعلق لشيء من ذلك ولا ما اشبهه ببيان حقائق الاشياء ومعرفة هذه المسئلة انما تعرف بمعرفة الامام عليه السلام ومعرفة تلقيه العلوم ومعرفة جهات علومه ومعرفة الملك وكيفية القذف في قلبه من الجناب الاقدس وما اشبه هذه لا شيء من اصول الفقه له تعلق بهذا بوجه من الوجوه وان اراد بها اصول الدين فان كان بطريق المتكلمين والحكماء فكذلك لانهم انما يبحثون على مذاقهم وقواعدهم وان كان بطريق اهل البيت عليهم السلام فهي بالثاني اوفق والحاصل ان الموجب لقطعية قرعتهم في الاول موجب للقطعية في الثاني لان ذلك انما هو من الاسم الاكبر ومعه لا فرق بين الاول والثاني وليس ما حكموا به وافتوا به عن هوى الانفس او عن الرأي او الظن وانما قالوا هذا وغيره عن الله سبحانه لانه تعالى يعلمهم ما شاء بطرق متعددة في الظاهر وهي طريق واحد عن الله عز وجل يأتي به محمد صلى الله عليه وآله عن الله تعالى في وسائط متعددة كلها صادقة عن الله تعالى يعني عن رسول الله صلى الله عليه وآله منها منه صلى الله عليه وآله وعن الملك المحدث وعن جبرئل عليه السلام وعن الملائكة وعن القرءان وعن اللوح وعن القلم وعن الاقلام وعن الالواح وعن الافلاك وعن العناصر وعن الجمادات وعن المعادن وعن النباتات وعن الحيوانات وعن الخطرات والارادات والافكار والحركات وعن القرعة وعن الاسم الاكبر وعن الاسم الاعظم وعن سائر علومهم المزبورة كالغابر والمزبور والكتاب والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام والف باب كل باب يفتح الف باب والوراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله والنكت في الاذن والقذف في القلب والوحي ونور ليلة القدر وعلم المنايا والبلايا والانساب وفصل الخطاب ومعاقل العلم وابواب الحكم وضياء الامر وعري العلم واواخيه وسلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وميراثه ومواريث الانبياء عليهم السلام والجفرين جلد ماعز وجلد ضان وكتاب ارض وعن العلم الحادث وهو ما يحدث بالليل والنهار يوما بيوم وساعة بساعة والامر بعد الامر والشيء بعد الشيء الى يوم القيمة والاثرة وهي علوم جميع الانبياء والمرسلين وعلم محمد صلى الله عليه وآله وعليهم وغير ذلك من جهات علومهم صلى الله عليهم واعظمها ما يحدث بالليل والنهار ساعة بساعة على حسب ما يلتفتون اليه كلما طلبوا وجدوا وهنا بحث شريف لولا ان بيانه يتوقف على ذكر مقدمات كثيرة لذكرته الا اني ذكرت اكثره في هذا الشرح مفرقا لكثرة شرائط فهمه والله المستعان والاواخي جمع اخية بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة وبعدها المثناة التحتانية مشددة عود يدفن طرفاه في الحائط ووسطه بارز تربط به الحيوانات واما الجفران ففي احدهما السلاح وفي الاخر الحروف وبعبارة احدهما احمر والاخر ابيض والحاصل ان لهم عليهم السلام في كل شيء علما حقا من جميع ذرات العالم العلوي والسفلى والغيب والشهادة والبدء والعود والدنيا والاخرة فكل ما حتم وما كان فقد انتهى اليهم وما لم يحتم اما بان يكون مشروطا في الغيب والشهادة او مسكوتا عنه فلا يعلمونه وما كان محتوما في الغيب خاصة يعني لم يرسم نقيضه من الكائنات في عالم الواح عالم الغيب ولم يحتم في عالم الشهادة فلهم ان يقولوا ولهم ان يسكتوا فان قالوا لم يحتموا ما لم يحتم لهم وقولي من الكائنات احترازا عما في الامكان فان كل ممكن فله ضد في الامكان في النور او في الظلمة وبالجملة فهم لا يقولون الا عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ولا يقولون من انفسهم الا عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله ففي البصائر بسنده عن محمد بن شريح قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول والله لولا ان الله فرض ولايتنا ومودتنا وقرابتنا ما ادخلناكم بيوتنا ولا اوقفناكم على ابوابنا والله ما نقول باهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول الا ما قال ربنا وفيه عن علي بن النعمان مثله وزاد في آخره اصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم وفيه الى ان قال (ع) مهما اجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسنا نقول برأينا من شيء ه‍ وقد دلت الادلة القطعية عقلا ونقلا انهم لا يقولون عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله الا على جهة الحتم والقطع لانهم قد عاينوا ذلك عيانا وفيه بسنده عن بريدة الاسلمي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال قال رسول الله (ص) يا علي ان الله اشهدك معي سبع مواطن حتى ذكر الموطن الثاني اتاني جبريل فاسرى بي الى السماء فقال اين اخوك فقلت ودعته خلفي قال فقال فادع الله يأتيك به قال فدعوت فاذا انت معي فكشط لي عن السموات السبع والارضين السبع حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها فلم ‌ار من ذلك شيئا الا وقد رأيته كما رأيته ه‍ وفيه بسنده عن ابن ‌مسكان قال قال ابو عبد الله عليه السلام : وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين قال كشط لابراهيم عليه السلام السموات السبع حتى نظر الى ما فوق العرش وكشط له للارض ( الارض خ‌ل ) حتى رأى ملأ الهواء وفعل بمحمد صلى الله عليه وآله مثل ذلك واني لارى صاحبكم والائمة من بعده وقد فعل بهم مثل ذلك ه‍ وهذا عندنا مما لا ريب فيه ومن كان هذه حالهم يجب ان قولهم حكم وحتم اما انه حكم فلأن قولهم قول الله تعالى واما انه حتم فكذلك ولان قولهم قد قضى وامضى فيكون حتما لانه انما وصل اليهم بعد ان قضى وامضى واذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فيه لله تعالى فهو حكم وحتم

وقوله عليه السلام : ورأيكم علم وحزم الرأي قيل التفكر في مبادي الامور والنظر في عواقبها وعلم ما يؤل اليه من الخطاء والصواب وهذا تفسير الرأي الصواب كرأي المعصوم (ع) وقيل الرأي اعم من ذلك لصدقه على الاستحسان والقياس ومنه عند الفقهاء اصحاب الرأي هم اصحاب القياس والتأويل كأصحاب ابي‌ حنيفة وابي الحسن الاشعري ومنه قوله عليه السلام من قال في القرءان برأيه فقد اخطأ ه‍ يعني قال فيه بما رءاه مما لم يكن مستندا الى كتاب او سنة واليه الاشارة بقوله تعالى ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ولحنه ان من اتبع هواه اي ما تميل اليه نفسه لاستناده الى الدليل من برهان او يقين او هدى من الله فالاول دليل المجادلة بالتي هي احسن والثاني دليل الموعظة الحسنة والثالث دليل الحكمة فهو مهتد موفق للصواب لان الضال المخطئ من يحوم حول نفسه فمن مال الى رأيه غير مستند الى واحد من هذه الثلاثة فهو ضال مخطئ اقول ان تفسير الرأي الاول اتى به القائل تفسيرا لرأي النبي صلى الله عليه وآله فلذا قلت بعده وهذا تفسير الرأي الصواب كرأي المعصوم عليه السلام لبيان مراد القائل ومن تدبر ظهر له ان هذا التفسير اعم من رأي المعصوم عليه السلام ومن رأي غيره بنظره بعقله وان كان مستندا الى الكتاب والسنة فان الاول لا يخطئ الواقع ابدا والثاني يخطئ ويصيب فالاولى في تفسير رأي المعصوم عليه السلام ان المراد بالتفكر في مبادي الامور والنظر في عواقبها وعلم ما يؤل اليه من الخطأ والصواب هو التفكر على نحو ما اشرنا اليه في تأويل قوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا بان يستنبط بنظر الله وينظر بعين الله في كل شيء بما امره الله ودله عليه بما خلقه على اكمل استقامة وجبله على الصواب بحقيقة ما هو اهله من صدق القبول عنه في كل المواطن وبما افاض على فؤاده من ضياء المعرفة وعلى قلبه من نور اليقين وعلى صدره من شعاع شرحه لدينه وعلى جميع حواسه من العلم والتسديد وعلى اركانه من نور العمل والقيام بحق العبودية والعبادة فهو يسلك في استنباطه ونظره سبل ربه ذللا وذلك اراه الله ورفع له منار هدايته ومصباح تأييده وتسديده وتوفيقه وارشاده وايده بروح منه لا يسهو ولا يلهو ولا يغفل ولا يجهل فلا يكون من رأيه على نحو ما سمعت الا مصيبا للواقع من مطلوبه ولا كذلك غيره وان تفكر في مبادي الامور ونظر في عواقبها وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والله مافوض الله الى احد من خلقه الا الى رسول الله صلى الله عليه وآله والى الائمة عليهم السلام قال الله تعالى انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله وهي جارية في الاوصياء وفي الاحتجاج عنه عليه السلام انه قال لأبي‌ حنيفة وتزعم انك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله صوابا ومن دونه خطأ لان الله قال فاحكم بينهم بما اريك الله ولم يقل ذلك لغيره ه‍ فاذا فهمت ما ذكرنا ثبت لك ان رأيهم عليهم السلام بامر الله تعالى وانهم لا يخطئون ابدا لانهم معصومون مؤيدون مسددون فيكون رأيهم علما اي جازما ثابتا مطابقا للواقع وقوله وحزم الحزم ضبط الرجل امره والاحتياط في حفظه وقوله عليه السلام الحزم مساءة الظن يراد منه انه يضبط امره ويحذر فواته فلو احتمل في شخص تقويته ولو احتمالا مرجوحا احترز منه وهو معنى مساءة الظن لانه حين احترز انما احتاط لحفظ امره لا انه ظان في الشخص انه يفوته ولكن لما تصور ذلك عند نسبته اليه في التجنب وانما سمي هذا التحرز مساءة ظن لانه يشابهه في كونه باعثا على التحفظ ولما كان رأيهم عليهم السلام لا ينبعث من خيالهم او نفوسهم او قلوبهم الا بوارد باعث من الله تعالى على طلب ما عرض لهم من ارادة حكم ما اريد منهم او ارادوه فاذا ورد الباعث من الله تعالى جعلوا هداه سبحانه دليلهم في انحاء طلبهم من فكر ونظر وتدبر وادراك ولا يلتفتون الى حال من احوال انفسهم في قليل او كثير ليكون الله سبحانه هو الباعث لهم وهو دليلهم وهو مفيض ما اراد منهم عليهم فبهذا الاحتراز من انفسهم ومن كل ما سوى الله تعالى في كل شيء كان رأيهم حزما لعلمهم بان حفظ مطلوبهم عن الفوات لا يكون بانفسهم ولا باحد من الخلق ولا يكون الا بالله وهذا بعون الله ظاهر وفي نسخة الشارح المجلسي رحمه الله ورأيكم علم وحلم اي عقل او حزم ويكون تفسيره انتهى وفسر الحلم بالعقل وقوله او حزم تقسيم في التفسير يعني ان الحلم الذي هو رأيكم يراد به العقل او الحزم والحزم تفسيره اي تفسير الحلم والموجود في بعض النسخ علم وحلم وحزم وربما وجد في بعض النسخ المصححة بالجيم يعني ان رأيكم جزم اي قطع وحتم يعني انه ليس بالظن والتخمين والقياس والاستحسان بل هو امر قطعي عندكم عياني بالبراهين الالهية والالهام وغيرهما كما تقدم او ان المعنى ان رأيكم اي مرئيكم حتم يجب اتباعه لانكم معصومون يجب القبول عنكم ويحرم الاعتراض عليكم والشك فيكم شك في الله تعالى وفي رسوله صلى الله عليه وآله وفي كتابه اما تفسيره رحمه الله الحلم بالعقل ففيه بعد لانه من افعال العقل لان الحلم هو التؤدة وضبط النفس عن هيجان الغضب وهذه افعال العقل وآثاره ولهذا عد في حديث العقل ان الحلم من جنوده لا انه هو الا ان الخطب سهل

قال عليه السلام : ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه
قال الشارح المجلسي (ره) ان ذكر الخير كنتم اوله لان ابتداءه لكم ومنكم واصله فانهم اصل الخيرات لكونهم مقصودين بالذات ومنهم وصلت من وصلت وفرعه اي وجودهم نشا من خير الله تعالى وفضله على عباده او كمالاتهم العلية وافعالهم المرضية فرع وجودهم فهم اصله وفرعه ومأويه اي لا يوجد الا عندهم ومنتهاه اي لو وجد عند غيرهم فبالاخرة ينتهي اليهم كما تقدم او انفسهم منتهى مراتب الكمال والجود انتهى

الخير معروف ويراد منه المستحسن المحبوب والمطلوب كالمال والحيوة والدين والاعمال الصالحات وغير ذلك من الامور المحبوبة والشريفة والنجيبة والزاكية وما اشبه ذلك والمراد انه اذا ذكر الخير من العصمة والولاية والسلطنة والصلاح والدين والعبادة وصدق العبودية والعلم والشجاعة والكرم والامامة وتولي الامر والحكم بين الناس والصبر والقناعة والعقل والحلم والحياء والفهم والفطنة والزهد والقناعة والعفو والرضي وغير ذلك من الصفات الحميدة والاخلاق الزكية والافعال المرضية من الاعتقادات والاعمال والاقوال والاحوال مما يتعلق بالنفس والغير في الدنيا والاخرة كنتم اوله يعني انكم سبقتم من سواكم اليه او انما وصل الى غيركم منه فانما هو من فضلكم وفاضلكم او انما خلقه الله لكم او انما يذكر على جهة كونه صفة لكم او اثرا منكم او انما يذكر احد من الخلق بشيء منه فانتم المذكورون قبله وذلك لازم في الاذهان كما اذا ذكرت الصفة والعرض فان اللازم في الاذهان انهما مبنيان على الموصوف والجوهر فالموصوف في الذهن سابق عند ذكر الصفة من حيث هي صفة والجوهر المعروض سابق في الذهن عند ذكر العرض من حيث هو عرض لان الصفة ح مبنية الوجود على الموصوف والعرض ح مبني الوجود على الجوهر المعروض او انكم اكمل افراد الموصوفين به او اشهرها او لانكم علل وجوده كما تقدم مرارا يعني العلل الفاعلية بالله سبحانه والمادية والصورية والغائية او المعنى على جهة الاجمال كنتم اوله منكم واليكم ولكم وبكم وفيكم وعليكم وعنكم ولديكم ومعكم وعندكم وتفصيل هذه العشرة النسب تقدم مفرقا فراجع

وقوله عليه السلام : واصله يعني ان كل ما يصدق عليه اسم الخير من كل ما في الامكان بعدكم فانتم اصله في اصل وجوده لان وجوده من اشعة انواركم وفي اصل صورته لانها منتزعة من هيئات اعمالكم واقوالكم واحوالكم وفي اصل تأديته الى من وصل اليه فانه بتقديركم باذن الله تعالى لان الله سبحانه جعلكم مناة لخلقه واذوادا لمن حرم شيئا منه وحفظة لما اراد الله تعالى بقاءه منه على من يشاء من عباده وفي اصل قابلية من قبل منه لان الله سبحانه جعلكم اعضادا لخلقه فكما انعمتم على من اراد الله عز وجل انعامه عليه باذن الله تعالى بمواد الخيرات كذلك انعمتم عليهم باذن الله تعالى بقوابلها بحقيقة ما هم اهله لان الله سبحانه جعلكم لخلقه اعضادا واشهادا ومناة واذوادا وحفظة وروادا فالله عز وجل بكم يخلق وبكم يرزق وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه وبكم ينزل المطر وبكم يورق الشجر وبكم ينبت النبات ويثمر الثمر وبكم يفقر ويغني وبكم يمنع ويعطي وبكم يضحك ويبكي وبكم يميت ويحيي وهو على كل شيء قدير

وقوله عليه السلام : وفرعه اي انتم فرع الخير الواجب جل وعلا اي اثر فعله ودليل قدرته وآية وجوده كما اشار اليه الشارح رحمه الله او انتم اي اعمالكم واقوالكم فرعه كما دل عليه حديث المفضل المتقدم بعضه والخير انتم او انتم الذين تفرعونه وتفصلونه او انتم الذين تشرعون شرائعه وتسنون سننه كما امركم الله سبحانه او انتم سبب تفرعه لانه صفتكم وعملكم وصفة اعمالكم وسيرتكم او انه لكم وثوابكم او انه مددكم من ربكم بكم وبغيركم من الخلائق او انه ممادحكم والثناء عليكم من ربكم او انه ثناؤكم على ربكم على ايديكم وايدي انعامكم الى غير ذلك

وقوله عليه السلام : ومعدنه المعدن محل الجوهر والجسد المركب من الكبريت والزيبق المنطرق وغير المنطرق ومحل المكث والاقامة من عدن بالمكان اذا اقام فيه ومكان كل شيء فيه اصله ومعنى كونهم عليهم السلام معدن الخير انهم محل الخير وموضع اقامته ومحل نشوه ومكان فيه اصل الخير وهو اي اصل الخير مادة من شعاعهم كالزيبق للمعدن وصورة من صفة افعالهم واعمالهم ومعارفهم كالكبريت للمعدن يعني انهم اصل الخير منهم نشا وعنهم بدا ومنهم خرج واليهم يعود وعندهم يبقى وفيهم يقيم ومعهم يستقر وبهم يقوم وبهم تأهل من تأهل لشيء منه لانهم الواسطة لكل خير والسبب في وجوده وقابليته

وقوله عليه السلام : ومأويه مرجعه ومنزله الذي ينضم اليه ومنه جنات المأوى يعني الجنات التي تأوى اليها ارواح الشهداء كذا عن ابن عباس اي ترجع اليها وينضم ولعل هذه الجنان من جنان الدنيا لان جنان الاخرة ترجع الارواح في الاجساد واذا خصصها بالارواح فالمراد بها جنة الدنيا وهي المدهامتان كما روي عن علي عليه السلام وقد تقدم الحديث في ذكر الرجعة فاذا اريد بها ذلك فمعنى انها تأوى اليها بعد الموت او بعد اتيانها وادي السلام وزيارة قبورهم واهاليهم يرجعون اليها ومعنى انهم عليهم السلام مأوى الخير ان الخير على اي حال فرض فانه يرجع اليهم وينضم اليهم لان كل شيء يرجع الى اصله وهم كما تقدم اصل الخير فيرجع اليهم لانه من فاضل نورهم كما يرجع نور الشمس اليها فانها اذا غربت رجعت الاشعة اليها لانها اصلها وقائمة بها قيام صدور فكذلك الخير فان كان من اعمالهم فهو وصفهم ووصف الشيء لاحق به وان كان من اعمال غيرهم فكذلك كما تقدم لانه انما برز عنهم وانما وصل الى ذلك الغير بهم وانما توفق لفعله بهم فهو اولى ولان كل ما سواهم كما ذكرنا سابقا انما خلق لهم قال امير المؤمنين صلوات الله عليه نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا يعني به عليه السلام ان الخلق انما صنعهم الله لهم فاعمالهم لهم وانما يثابون عليها كثواب العبد اذا اطاع مولاه وعمل له فانه يثيبه بالاطعام والكسوة والتقريب من سيده وربما ولاه بعض املاكه ووكله عليها او صرفه فيها وانما امر الخلائق بايقاع الاعمال لله تعالى خالصة من شائبة شرك غيره لتقع صحيحة مقبولة فاذا اوقعها العبد كذلك قبلها الله لهم عليهم السلام واثابه على طاعته واذا اوقعها لغير الله تعالى سواء اوقعها لهم عليهم السلام ام لغيرهم او لله تعالى مع غيره وقعت باطلة مردودة فعاقبه عليها ووجه كون الاعمال لهم عليهم السلام انها صفات العاملين والعاملون صفاتهم فاذا اوقعها العامل لله تعالى كانت موافقة لامره والثواب مركب من امر الله هي مادته ومن عمل العبد المقبول بامتثال امر الله تعالى فهو لهم عليهم السلام بالامر الذي امتثل العبد متعلقه وهو منهم ولهم ويثاب عليه العامل بصورة الامتثال لانها منه وصورة الامتثال صفة الامر والحاصل ان كل خير فهم مأويه على اي طور فرض

وقوله عليه السلام : ومنتهاه منتهى الشيء غاية وصوله ورجوعه بحيث لا يتجاوزه قال تعالى وان الى ربك المنتهى قيل معناه اذا انتهى الكلام اليه فانتهوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تتكلموا فيما فوق العرش فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ان الله يقول وان الى ربك المنتهى فاذا انتهى الكلام اليه فامسكوا ه‍ فالخير المذكور الذي هم صلى الله عليهم منتهاه هو ما صدر عنهم واما ما صدر عن غيرهم فهو بواسطتهم وبهم لانه منهم صدر فما كان منهم فهو ينتهي اليهم وما كان من الغير بهم فأصله ينتهي اليهم وعارضه اللاحق بالاصل ينتهي الى الغير ولكن هذا الخير المنتهى الى الغير ان كان في نفسه بقدر ما يتقوم به الغير بحيث لا يكون له اقتضاء لأثر ذاتي له فهو لا ينتهي اليهم بالذات ولا بالعرض كوجود اعدائهم وان كان يفضل عن قدر ما يتقوم به الغير بحيث يكون له بسبب تلك الزيادة اقتضاء لأثر ذاتي له فهو ينتهي اليهم بالعرض كما في شيعتهم ومحبيهم من وجود اكوانهم واعمالهم هذا حكم العرضي في الاخرة واما في الدنيا فان ما لحق اعداءهم من الخير قد يكون صورة كالصورة الانسانية التي البسهم الله اياها في عالم الذر بظاهر اقرارهم ولهذا اقروا في الدنيا بالسنتهم بالشهادتين وقلوبهم منكرة وهم مستكبرون فظواهرهم بالصور الانسانية وبها اقروا بالسنتهم بالشهادتين وبواطنهم بصور الشياطين والانعام فأقرارهم في الدنيا بالصور الانسانية والاقرار والصور من الخير فاذا كان يوم القيمة عادت تلك الصور مع آثارها من الشهادتين الى اصلهما من الشيعة فكان هذا الخير يأوي وينتهي اليهم عليهم السلام بالعرض لانه من اتباعهم وانما عاد اليهم بالعرض لانه زائد على القدر الذي تقوم به اعداؤهم وكان له اقتضاء لأثر ذاتي وهو الشهادتان هذا في الدنيا وهؤلاء منهم من تسلب منهم هذه الصور بعد خروج ارواحهم ومنهم من لا تسلب عنه في البرزخ وتسلب منه يوم القيمة فكل الخير قليله وكثيره وجليله ودقيقه يرجع اليهم لانه منهم وهم مأويه ومنتهاه اما بالذات او بالعرض الا قدر ما يتقوم به اعداؤهم اذا لم يكن له اقتضاء لأثر ذاتي له فانه لا يرجع اليهم لا نقلابه بسبب صورته الخبيثة عن الخير الى الشر فهو شر في الحقيقة واليه الاشارة في حديث هشام الطويل في ذكر الجهل ثم خلق الجهل من البحر الاجاج ظلمانيا فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فلم يقبل فقال له استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا فلما رأى الجهل ما اكرم الله به العقل وما اعطاه اضمر له العداوة فقال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وانا ضده ولا قوة لي به فاعطني من الجند مثل ما اعطيته فقال نعم فان عصيت بعد ذلك اخرجتك وجندك من رحمتي قال قد رضيت الحديث بقوله تعالى فان عصيت بعد ذلك اخرجتك وجندك من رحمتي وذلك لانه عصى لعنه الله فاخرجه الله وجنده من رحمته تعالى وهو مرادنا بانقلابه ومن ينقلب على عقبيه فلن ‌يضر الله شيئا فهذا هو الذي لا ينتهي اليهم فان قلت هذا من اصله شر فكيف استثنيته من افراد الخير وهو ليس من افراده قلت ان الله حين خلقه جعل فيه ما به يتمكن من الطاعة والا لما قامت الحجة عليه وهذا الذي يتمكن به من الطاعة من افراد الخير فلما لم يعمل بمقتضاه ضعف فيه حتى استولى عليه ضده حتى اطاعه في معصية الله تعالى فلما عصي واعتاد المعصية لعنه فانقلب شرا وكان خيرا فهذا الذي لا يكونون عليهم السلام منتهاه واشار سبحانه الى انقلابه بقوله تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين وذلك هو عدوهم فافهم

قال عليه السلام : بابي انتم وامي ونفسي كيف اصف حسن ثنائكم واحصي جميل بلائكم
قال الشارح المجلسي رحمه الله تعالى اي نعمكم ولا اصل اليهما كما وكيفا والحال ان من جملتها ان الله اعزنا بالاسلام الى آخره كما يأتي

اقول يقول بابي وامي ونفسي افديكم حيث لا اقدر على وصف حسن ثنائكم الثناء مضاف الى المفعول يعني ان الله سبحانه قد اثنى عليكم في كتابه التدويني وفي كتابه التكويني فقال في التدويني قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله في احتجاج الطبرسي سئل يحيى بن اكثم ابا الحسن العالم عليه السلام عن قوله تعالى سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ما هي فقال عليه السلام عين الكبريت وعين اليمين وعين ابرهوت وعين الطبرية وجمة ما سيدان وجمة افريقية وعين بلعوران ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى ه‍ اقول يحتمل ان يكون كنى بهذه السبعة الاعين عن السبعة الابحر المذكورة ان المراد منها ان الوجود من دونهم ينقسم باعتبار ما خلق منه كل نوع من الخلق من طينة تخصه وان الطين بفتح الياء باعتبار طيبها وخبثها واغلبية الطيب واغلبية الخبث وراجحية الطيب في الجملة وراجحية الخبث في الجملة والتساوي اي تعادل الطينتين وان المخلوق من هذه السبعة الاقسام من الانسان والملك والجان والشيطان والنبات والحيوان والمعدن والجماد والعناصر والطبائع والافلاك والكواكب وما بين ذلك من البرازخ من افراد المذكورين وجملهم لو اجتمعوا على احصاء فضائل محمد وآله صلى الله عليه وآله لما احصوها وانما يحصي كل واحد منها ما عنده وفيه وما يمكنه لان كل من ذكرنا واشرنا اليه من اشعة انوارهم كما مر عليك مرارا والاشعة لا تحصى من نور المنير الا ما وصل اليها منه فافهم وانما ذكر عليه السلام هذه العيون خاصة لان فيها طبايع او خواص توافق كل واحدة بما فيها صنفا من هذه الطين بفتح الياء السبعة المذكورة في التقسيم فيكون المراد بالبحر على هذا هو مجموع العالم سواهم عليهم السلام والسبعة الابحر اقسامه التي ينقسم اليها كانقسام الشجرة الى اغصان سبعة او ان البحر باطن السبعة والسبعة ظواهره ومظاهره وتنزلاته هذا على فرض ارادة التنزل ويحتمل العكس على فرض ارادة الترقي وذكر عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل هذه الابحر السبعة وفصلها على طريقة الصوفية لانه من كبارهم ويريد بها اصناف الناس في طرقهم الى الله تعالى وصفاته واسمائه فقال البحار السبعة اصلها بحران لان الحق تعالى لما نظر الى الدرة البيضاء صارت ماء فما كان منه مقابلا في علم الله تعالى لنظر اللطف والرحمة صار عذبا وقدم الله ذكر العذب في قوله هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج لسر سبق الرحمة الغضب فلهذا كان الاصل بحرين عذبا ومالحا فبرز من العذب جدول الى جانب المشرق منه واختلط بنبات الارض فنتنت رائحته فصار بحرا على حدة ثم خرج من العذب مما يلي جانب المغرب يقرب من الملح الاجاج المحيط فامتزج طعمه فصار ممزوجا فهو بحر على حدة واما البحر المالح فخرجت منه ثلاث جداول جدول اقام وسط الارض فبقي على طعمه الاول مالحا ولم يتغير فهو بحر على حدة وجدول ذهب الى اليمن وهو الجانب الجنوبي فغلب عليه طعم الارض التي امتد فيها فصار حامضا وهو بحر على حدة وجدول ذهب الى الشام وهو الجانب الشمالي فغلب عليه طعم الارض التي امتد فيها فصار مرا ذعافا وهو بحر على حدة واحاط بجبل قاف والارض جميعه بما فيه فلا يعرف له طعم يختص به ولكنه طيب الرائحة لا يكاد من شمه ان يبقى على حاله بل يهلك في طيب رائحته وهذا هو البحر المحيط الذي لا يسمع له غطيط فافهم هذه الاشارات انتهى كلامه وهو يريد به ان الابحر السبعة هي هذه الاحوال التي تسير فيها العارفون على زعمه ومنها بحر الذات وهو السابع وهذا يخالف الاية الشريفة لان معناها ان الابحر السبعة تنفد قبل ان تنفد كلمات الله ويلزمه ان بحر الذات لا يحيط بكلماته وقوله تعالى الايعلم من خلق يكذبه في زعمه ثم قال في تفصيلها اعلم ان البحر العذب هو الطيب المشروب الخ وهذا هو الاول وقال واما البحر المنتن فهو الصعب المسلك الخ ويريد به الثاني وليس بصعب عليه لانه اقتحمه ثم قال واما البحر الممزوج ذو الدرر المهروج الخ ويريد به الثالث ثم قال واما البحر المالح فهو المحيط العام الخ ويريد به الرابع ثم قال والبحر الاحمر الذي نشره كالمسك الاذفر ويريد به الخامس ثم قال البحر الاخضر مر المذاق الخ ويريد به السادس ثم قال والبحر السابع هو الاسود القاطع لا تعرف سكانه ولا تعلم حيتانه هو مستحيل الوصول غير ممكن الحصول لانه وراء الاطوار وآخر الاكوار والادوار ولا نهاية لعجائبه ولا آخر لغرائبه قصر عنه المدا وطال وزاد على العجائب حتى كأنه المحال هو بحر الذات التي حارت دونه الصفات فهو المعدوم والموجود والمرسوم والمفقود والمعلوم والمجهول والمحكوم والمنقول والمحتوم والمعقول وجوده فقدانه وفقدانه وجدانه اوله محيط باخره وباطنه ستر على ظاهره لا يدرك ما فيه ولا يعلمه احد فيستوفيه فلنقبض العنان عن الخوض فيه فانه سلوك للتيه لان البيان يخفيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى كلامه فانظر الى كلامه فقد جعله سابع الابحر وفي هذه الكلمات المزخرفة من الالحاد والتناقض ما لا يعلمه الا الله سبحانه ومن اطلع على مراده من كلامه في كتابه المشار اليه وفي رسالته في التوحيد فانه زعم ان ذاته تعالى تعلم ويحاط بها وانما الذي لا يحاط به فهو صفاته واذا اطلق عدم الاحاطة بذاته فانه يريد من حيث صفاتها خاصة وانما ذكرت كلامه وهذا الكلام مني لئلا يظن ان المراد بالسبعة الابحر في التأويل ما اراد لانه لو كان كما قال لكان تعالى لا يحيط بكلماته كما قال في كتابه لنفد البحر وقوله ما نفدت كلمات الله مع ان الله يقول الايعلم من خلق وبيان رمزه الخبيث ان الكلمات قديمة كما هو مذهبه من قدم القرءان والكلام النفسي وتلك صفاته وصفاته لا يمكن الاحاطة بها ولا فائدة في بسط الكلام في بطلان مذهبه ويكفيك في بطلان كلامه وانه لا يقول مما يختصون به الا الباطل انه من اعداء ال محمد صلى الله عليه وآله ومذهبه مذهب اعدائهم فذرهم وما يفترون فانه قال في اول الكتاب المذكور ان مذهبنا اعني مذهب التصوف شرطه ان يكون مبنيا على مذهب السنة والجماعة

والحاصل ان السبعة الابحر على ما ذكرنا اولا لو كانت مدادا بل هي على ما خلقت والى ما تعود تنفد ولا تدرك فضائلهم عليهم السلام ولا تستقصي كما قال الكاظم عليه السلام ليحيي بن اكثم وقد اشاروا الى بعض البيان لمقامهم ليفهم بعض ما هم عليه شيعتهم وذلك كثير فمنه ما رواه في غيبة النعماني بسنده الى اسحق بن غالب عن ابي عبد الله عليه السلام في خطبة له يذكر فيها حال الائمة صلوات الله عليهم اجمعين وصفاتهم فقال ان الله تعالى اوضح بائمة الهدى من اهل بيت نبيه عن دينه وابلج بهم عن سبيل منهاجه وفتح لهم من باطن ينابيع علمه فمن عرف من امة محمد صلى الله عليه وآله واجب حق امامه وجد طعم حلاوة ايمانه وعلم فضل طلاوة اسلامه ان الله نصب الامام علما لخلقه وجعله حجة على اهل طاعته البسه تاج الوقار وغشاه من نور الجبار يمد بسبب من السماء لا تنقطع منه مواده ولا ينال ما عند الله الا بجهة اسبابه ولا يقبل الله الاعمال للعباد الا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من مشكلات الوحي ومعميات السنن ومشتبهات الدين لم يزل الله يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السلام من عقب كل امام فيصطفيهم لذلك ويحبهم ويرضي لهم لخلقه ويرتضيهم لنفسه كلما مضى منهم امام نصب عز وجل لخلقه من عقبه اماما علما بينا وهاديا منيرا واماما قيما وحجة عالما ائمة من الله يهدون بالحق وبه يعدلون حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد ويستهل بنورهم البلاد فنمى ببركتهم التلاد وجعلهم حيوة الانام ومصابيح الظلام ودعائم الاسلام جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها فالامام هو المنتجب المرتضى والهادي المجتبى والقائم المرتجى اصطفاه الله لذلك واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأ وفي البرية حين برأ ظلا قبل خلقه نسمة عن يمين عرشه محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده اختاره بعلمه فانتجبه بتطهيره بقية من آدم وخيرة من ذرية نوح ومصطفي من آل ابراهيم وسلالة من اسمعيل وصفوة من عترة محمد صلى الله عليه وآله لم يزل مرعيا بعين الله يحفظه بملائكته مدفوعا عنه وثوب الغواسق ونفوث كل فاسق مصروفا عنه قوارف السوء بريئا من الافات مصونا من الفواحش كلها معروفا بالعلم والبر في يفاعه منسوبا الى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه مستندا اليه امر والده صامتا عن المنطق في حياته فاذا انقضت مدة والده انتهت به مقادير الله الى مشيته وجاءت الارادة من الله فيه الى محبته وبلغ منتهى مدة والده عليه السلام مضى وصار امر الله اليه من بعده وقلده الله دينه وجعله حجة على اهل عالمه وضياء لاهل دينه والقيم على عباده رضى الله به اماما لهم استحفظه علمه واستحباه ( استخباه خ ) حكمته واسترعاه لدينه وحباه مناهج سبيله وفرائضه وحدوده فقام بالعدل فيه تحير اهل الجهل ومحير اهل الجدل بالنور الساطع والشفاء النافع بالحق الابلج والبيان من كل مخرج على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه فليس يجهل حق هذا العالم الا الشقي ولا يجحده الا غوى ولا يصد عنه الا جرى على الله جل وعلا وروي في الامالي ومعاني الاخبار والامالي وعيون الاخبار عن الرضا عليه السلام في الحديث الطويل في علامة الامام الى ان قال عليه السلام الامام وحيد دهره لا يدانيه احد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب ولا له مثل فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام (ع) ويمكنه اختياره هيهات هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الالباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الالباء وكلت الشعراء وعجزت الادباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه او فضيلة من فضائله فاقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف او ينعت بكنهه او يفهم شيء من امره او يوجد من يقوم مقامه او يغني غناءه وكيف واني وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين فاين الاختيار من هذا واين العقول من هذا واين يوجد مثل هذا الحديث وامثال هذا من اخبارهم وادعيتهم في الاشارة الى مقامهم عليهم السلام كثير لا يكاد يحصي وانما يذكرون من بيان مناقبهم ما تحتمله عقول البشر وان يدركوا حقيقة ما ذكروا بل ان كنت ممتحنا بمعرفتهم كفاك قول الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب الذي ذكرناه مرارا في قوله عليه السلام ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء فانه مشتمل على ما لا مزيد عليه بالنسبة الى مقام شيعتهم فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك حقيقة قوله عليه السلام كيف اصف حسن ثنائكم

وقوله (ع) : واحصى جميل بلائكم لما كان اعظم الناس بلاء الانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل وقد قال صلى الله عليه وآله من حسن ايمانه وكثر عمله اشتد بلاؤه الحديث وغير ذلك كانوا عليهم السلام اولى بذلك من غيرهم لان عند الله تعالى مقامات ومراتب لا تنال الا بالبلاء وكانوا اشد الناس بلاء فقد روي في الامالي بسنده الى بريدة بن خصيب الاسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله عهد الى ربي تعالى عهدا فقلت يا ربي بينه لي فقال يا محمد اسمع علي راية الهدى وامام اوليائي ونور من اطاعني وهو الكلمة التي الزمتها المتقين فمن احبه فقد احبني ومن ابغضه فقد ابغضني فبشره بذلك قال قلت اللهم اجل واجعل ربيعه الاسلام في قلبه قال قد فعلت ثم قال اني مستخصه ببلاء لم يصب احدا من امتك قال قلت اخي وصاحبي قال ذلك مما سبق مني انه مبتلي ومبتلي به ه‍ وقد جرت عليهم صلى الله عليهم من البلايا ما لم تجر على احد من الخلائق من اعدائهم مما يضيق بذكره الدفاتر ولقد ذكر الثاني في صحيفته التي اوصي فيها معوية يحرضه على عداوتهم وحربهم وقتل من تمكن منه منهم ومن شيعتهم وما اخبر فيها مما فعل بالصديقة الطاهرة صلى الله عليها ولعن الله من آذاها ما لا يكاد يحتمل سماعه وما جرى على الحسين عليه السلام وعلى اخيه الحسن عليه السلام وعلى الائمة صلوات الله عليهم ما كدر صافي العيش على محبيهم ونغص عليهم لذيذ حياتهم بل كل مظلمة وتهضم واذلال واهانة جرت عليهم ولم يجر على غيرهم الا تبعا ومن بصره الله عاين ذلك حتى ان الصادق صلوات الله عليه ذكر ان الذنوب الكبائر المشهورة انما نزلت فيهم وانما تجري على فاعليها من غير اعدائهم على جهة التبعية ففي العلل والخصال بسنده الى عبدالرحمن ابن كثير عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الكبائر سبع فينا نزلت ومنا استحلت فاولها الشرك بالله العظيم تعالى وقتل النفس التي حرم الله عز وجل واكل مال اليتيم وعقوق الوالدين وقذف المحصنة والفرار من الزحف وانكار حقنا فاما الشرك بالله عز وجل فقد انزل الله العظيم فينا ما انزل الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال فكذبوا الله عز وجل وكذبوا رسوله صلى الله عليه وآله فاشركوا بالله عز وجل واما قتل النفس التي حرم الله عز وجل فقد قتلوا الحسين بن علي عليهما السلام واصحابه واما اكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله عز وجل لنا فاعطوه غيرنا واما عقوق الوالدين فقد انزل الله عز وجل في كتابه النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم فعقوا رسول الله صلى الله عليه وآله في ذريته وعقوا امهم خديجة في ذريتها واما قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمة عليها الصلوة والسلام على منابرهم واما الفرار من الزحف فقد اعطوا امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه واما انكار حقنا فهذا مما لا يتنازعون فيه وفي مناقب ابن‌ شهر اشوب ان امير المؤمنين عليه السلام قال بينا انا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذ التفت الى فبكى فقلت ما يبكيك يا رسول الله (ص) قال ابكي من ضربتك على القرن ولطم فاطمة خدها وطعنة الحسن في فخذه والسم الذي يسقاه وقتل الحسين (ع) ورأى امير المؤمنين عليه السلام في المنام قائلا يقول شعرا :

اذا ذكر القلب رهط النبي وسبي النساء وهتك الستر
وذبح الصبي وقتل الوصي وقتل شبير وسم الشبر
ترقرق في العين ماء الفؤاد ويجري على الخد منه الدرر
فيا قلب صبرا على حزنهم فعند البلايا تكون العبر

فاذا عرفت ما جرى عليهم من البلايا بغير ذنب وقع منهم وانما جرى عليهم ما جرى بما جرى به القلم ولو سئلوا الله عز وجل رفعه وارادوا دفعه رفعه الله تعالى ودفعه عنهم ولكنهم قابلوا محتوم القضاء بمحكم الرضا وقصد اعداءهم لعنهم الله بذلك اهانتهم واذلالهم واطفاء نورهم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون فكان ما فعلوا بهم من اعظم مناقبهم ورفع شأنهم حتى كانت جميع العوالم تسبح الله بنشر الثناء عليهم في بلاياهم ومصائبهم ولقد قلت في قصيدة رثيت بها الحسين عليه السلام :

اما ثناؤك في بلائك فهو لا يحصيه كاتب
وارى جميع الخلق كلا بالذي اوتي مخاطب
يبدو بنعيك حين يبدو وهو حال غير كاذب
فلذاك قيل لك المحامد والممادح في المصائب

فمن يحصي جميل بلائهم لانه في الحقيقة تسبيح الله وتمجيده والثناء عليه واحب ان اذكر لك ما كتبته لقرة العين والاخ الصفي في الدارين الاخوند الملا حسين الواعظ الكرماني بلغه الله الاماني حين سألني عن مسائل ومنها قوله ايده الله وفي بعض الاخبار يومي ان المنافقين والشياطين لعنهم الله لم يبكوا على الحسين عليه السلام واما الكافرون فقد بكوا عليه كما ورد ان النار واهل النار بكوا على الحسين عليه السلام فكيف يكون كذلك الخ كتبت في جوابه :

اقول الذي يدل عليه العقل والنقل ان جميع ما في الوجود المقيد من كل ذي هيئة وصورة مما في السموات والارضين وسكان العناصر والبحار بكوا على الحسين عليه السلام الا ان بكاءهم على نوعين : احدهما بمقتضي امكان ذي الهيئة والصورة وبهذا النوع بكى على الحسين عليه السلام كل شيء حتى المنافقين والشياطين واهل عليين واهل سجين وهذا بكاء معنوي وهو على اصناف منه ان كل واحد منهم يجد في نفسه ضعفا عن شيء من الاشياء ومنه ان كل واحد منهم يجد في نفسه رقة لشيء من الاشياء ومنه ان كل واحد منهم يجد في نفسه خضوعا لشيء من الاشياء ومنه ان كل واحد منهم يجد في نفسه ميلا لشيء من الاشياء ومنه ان كل شيء منهم يجد في نفسه حاجة لشيء من الاشياء ومنه ان كل شيء منهم يجد في نفسه خوفا من شيء من الاشياء ومنه ان كل شيء منهم يجد في نفسه رجاء لشيء من الاشياء ومنه ان كل شيء منهم يجد في نفسه غما لعدم ادراك شيء من الاشياء او لفوت شيء من الاشياء ومنه ان كل شيء منهم يجد في نفسه هما عنده لامر مستقبل محبوب يخاف عدم ادراكه او بطؤ ادراكه او محذور يخاف وقوعه وما اشبه هذه وكل هذه وما اشبهها بكاء او تباك لجمود عين طبيعته ويجري على كل من اشرنا اليه من كل ذي هيئة وصورة من الخلق ومرادي بذي الهيئة والصورة ذو الانية حال وجدانه انيته والى هذا المعنى اشرت بقولي في قصيدتي المقصورة في مرثية ابي عبد الله الحسين عليه السلام قلت :

ما في الوجود معجم لم يكن الا اعترته حيرة في استوا
كل انكسار وخضوع به وكل صوت فهو نوح الهوا
اما ترى النخلة في قبة ذات انفطار وانفراج فشا
ما سعفة فيها انتهت اخبرت الا لها حزن امامي شوى
اما ترى الاثل واهدابه عند الرياح ذا حنين علا
اما سمعت النحل ذا رنة في طيرانه شديد البكا
والسيف يفري نحره باكيا والرمح ينعى قائما وانثنا
تبكيه جرد جاريات على جثمانه وان تدق القرا
والله ما رأيت شيئا بدا في الكون الا ببكاء تلا

فتأمل هذه الابيات تعرف ما اشرنا لك اليه وثانيهما بالبكاء المعروف وجريان الدموع ويكون ذلك من محبيه عليه السلام ومن مبغضيه حالة عدم التفاتهم الى جهة بغضه وعداوته فانهم في حالة التفاتهم الى عداوته وبغضه وما يرد منهم من الحنق والغيظ عليه وعلى اتباعه ومحبيه لا يبكون عليه لشدة بعد قلوبهم حينئذ عن الرحمة وقسوتها عن قبول الخبر وهو تأويل قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله والبكاء على الحسين عليه السلام من خشية الله واما في حال غفلتهم عن شقاقهم البعيد من رحمة الله اذا ذكروا ما جرى عليه وعلى اهل بيته وانصاره بكوا كما جرى من كثير منهم مثل خولي الاصبحي لعنه الله هو يسلب زينب عليها السلام والاطفال ويأخذ النطع سحبا من تحت سيد العابدين صلوات الله عليه وهو يبكي ولما سألته قال لعنه الله ابكي لما جرى عليكم اهل البيت وهو من المنافقين والحاصل كل شيء يبكي على الحسين صلوات الله عليه تبكيه الرياح بهفيفها والنار بتلهبها والماء بجريانه وامواجه وجموده والشمس والقمر والنجوم بتغيراتها من حمرة وصفرة وكسوف وخسوف والجبال بارتفاعها وانهدادها والجدران بانفطارها وانهدامها والنبات بتغيره واصفراره ويبسه والافاق بتكدرها واغبرارها وحمرتها وصفرتها آه ثم آه ثم آه ما ادري ما اقول وتبكيه التجارة بخسارتها وكسادها والعيون بتكدرها والمعادن بفسادها والاسعار بغلائها والاشجار بموتها وبقلة ثمرها وبسقوط ورقها ويبس اغصانها واصفرار ورقها اما سمعت بكاء الاواني حين تنكسر من الچيني والخزف ومن المعادن تبكيه بانكسارها وبصوته حين الكسر اما سمعت هدير الاطيار في الاوكار وهفيف الاشجار وامواج البحار وبكاء الاطفال الصغار اما سمعت بكاء الاسفار بعدم امنية القفار اما سمعت الليل يبكيه بظلمته والنهار بالاسفار اما رأيت تفتت الاحجار وغور البحار وقلة الامطار وغلاء الاسعار وفساد الافكار واختلاف الانظار وقصر الاعمار آه ثم آه ثم آه اجمل لك الامر بما اجمله العزيز الجبار في كتابه قال في هذا الشأن مصرحا بالبيان لمن كان لقلبه عينان وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فقال عليه السلام في بيان ان المراد بهذه الاية ما ذكرنا في الزيارة الجامعة الصغيرة المذكورة في آخر المصباح للشيخ رحمه الله قال عليه السلام يسبح الله باسمائه جميع خلقه يعني ان كل شيء يسبح الله بالبكاء على سيد الشهداء عليه افضل الصلوة والسلام والثناء وبنشر فضائله وممادحه في مصائبه انتهى كلامي هناك ثم قلت بعد الابيات المتقدمة والحاصل هذا مجمل الجواب والبيان ان كل شيء يبكي عليه الا حال التفاته الى عداوته وبغضه فانه في تلك الحال مطرود من رحمة الله التي وسعت كل شيء لانه حين العداوة لا وجود لاصل عداوته لعنه الله له عليه السلام فلاجل ذلك قلنا هو حينئذ في ظلمة موهومة لا تشملها رحمة الله التي وسعت كل شيء صلى الله عليك يا ابا عبد الله بعدد ما في علم الله ه‍

فاذا فهمت ما ذكرنا عرفت مصابهم وعظيم رزؤهم وظهر لك مما ذكرنا من ان بكاء الاشياء عليهم هو تسبيح الله تعالى كما سمعت فكيف يوصف او يحصي جميل بلائكم من جهات شتى منها ان الله وله الحمد انما ابتلاهم لرفع درجاتهم لا لتقصير وقع منهم وانما نظر لهم احسن ما عنده فهذا جميل لا يحصى ومنها انهم قابلوا الابتلاء بكمال الرضي لعلمهم بانه احسن لهم حينئذ من العافية وذلك جميل لا يحصى ومنها ان اثر بلائهم ينبسط على جميع من يستمد منهم فيبعثهم على تسبيح الله وتقديسه على جهة الانقياد كما سمعت فيما ذكرنا من بكاء الخلق على مصابهم وبلائهم وذلك جميل لا يحصى ومنها انهم انما ابتلوا بما ابتلوا به من جهة ما تحملوا من تقصيرات اتباعهم من شيعتهم ومحبيهم لينجوا من النار فصار فعلهم سببا لنجاة اتباعهم ولبعث الخلق على تقديس الله ولرضاهم عليهم السلام بالبلاء فينالوا اعلى درجات عند الله تعالى مما اعدها للصابرين والراضين والمتحملين عن المغرمين والمكروبين فهذه الامور وامثالها موجبات لجميل لا يحصى كل واحد منهم جميل لا يتناهى فكيف يحصي جميل بلائهم

قال عليه السلام : وبكم اخرجنا الله من الذل وفرج عنا غمرات الكروب وانقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار
قال الشارح المجلسي رحمه الله والحال ان من جملتها ان الله اعزنا بالاسلام بهدايتكم واخرجنا من ذل الكفر والعذاب في الدنيا والاخرة وفرج عنا غمرات الكروب اي الغموم والشدائد الكثيرة من الكفر والظلم والجهل وغيرها وانقذنا اي خلصنا من شفا جرف الهلكات اي حين كنا مشرفين على الهلاك من الكفر والضلال والفسق فهدانا بكم وخلصنا من تبعاتها ومن النار باصول الدين وفروعها انتهى

اقول هذا الكلام مرتبط على ما قبله لانه حال من احواله وانما فصلت بينهما تخفيفا والشارح رحمه الله وصل بينهما لابتناء الاخر على الاول وهو اولى لقصر كلامه وانا لاجل طول الكلام كرهت وصله بالاول لبعده عن هذا المحل وتداركته ببيان ابتنائه على الاول لانه حال من احواله والمعنى انه عليه السلام قال كيف اصف حسن ثنائكم الذي من بعضه النعم التي وصلت الينا من هدايتكم لنا التي بها اخرجنا الله سبحانه من هذه الامور المذكورة واحصي جميل بلائكم الذي لم يجر عليكم الا بذنوبنا وتقصيراتنا حين اشتريتمونا من موبقات اعمالنا بما جرى عليكم من المحن والبلايا مع ما قصرنا في واجبات حقوقكم فمن حسن ثنائكم هدايتكم لنا بافاضة اشعة انواركم على قلوبنا وبما انعمتم به علينا من فاضل طينتكم بتعليمكم لنا معالم ديننا وتوجهكم لتسديدنا بدعائكم لاصلاحنا وتوفيقنا لما يحب الله واظهاركم لنا من علومكم اسرار التعلم والتمرين للمعارف الحقة والعلوم اليقينية والاعمال الصالحة مما كتمتموه عن منكريكم وزويتموه عن معاديكم بمنعهم اطاقة القبول منكم وموالاة اعدائكم ومعاداة اوليائكم ولولا تفضلكم علينا لم نعترف بما انكروا ولم ننل ما لم يدركوا ولم نقبل ما تركوا ومن جميل بلائكم فك رقابنا مما نستوجبه بسبب قصورنا وتقصيرنا عن تمام تلقي ما القيتم الينا مما به تمام ديننا بما تحملتم من المحن والبلايا حتى اشتريتمونا من حكم لزوم كلمة الحق من القدر المحتوم ان من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فمن حسن ثنائكم وفضلكم ومن جميل بلائكم وعفوكم واحسانكم ما اخرجنا الله به من ذل الكفر وشقاء عداوتكم وهلاك بغضكم ومن عذاب الدنيا من موجبات الحدود والقصاص باتباعكم وضرب الجزية وشقاوة الردة وعمى الضلالة ومن درك الشقاء عند الموت وسوء المنقلب ومناقشة المسئلة في القبور وعذاب البرزخ واهوال يوم القيمة والنار وبذلك من نعمكم وتفضلكم فرج عنا غمرات الكروب من الهموم والغموم والشدائد في الدنيا ببركتكم وبدعائكم وعند الموت والمسئلة وعذاب الدنيا والاخرة وبذلك من تفضلكم وعفوكم انقذنا من مقتضيات نفوسنا ودواعي طبائعنا التي لولا جميلكم وعفوكم لوقعنا في هوة هلاك الدنيا والاخرة لانا كنا بدواعي طبائعنا ومقتضيات جهالاتنا وهوى انفسنا مشرفين على هلاك الدنيا والاخرة فخلصنا الله تعالى من مكاره الدنيا والاخرة بكم والشفا الاشراف على الشيء والجرف مثل عسر وعسر ما تجرفته السيول واكلته من الارض ومنه قوله تعالى على شفا جرف هار وفي اعلام الدين للديلمي من كتاب الحسين بن سعيد عن الصادق عليه السلام عن ابائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال لامير المؤمنين عليه السلام بشر شيعتك ومحبيك بخصال عشر اولها طيب مولدهم وثانيها حسن ايمانهم وثالثها حب الله لهم والرابعة الفسحة في قبورهم والخامسة نورهم يسعي بين ايديهم والسادسة نزع الفقر بين اعينهم وغنى قلوبهم والسابعة اللعنة من الله لاعدائهم والثامنة الامن من البرص والجذام والتاسعة انحطاط الذنوب والسيئات عنهم والعاشرة هم معي في الجنة وانا معهم فطوبى لهم وحسن مأب ه‍ وهذا انما هو من عطائهم وذلك قول الصادق عليه السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله نحن الادلاء على الله ولولانا ما عبد الله ه‍ وقوله عليه السلام يا مفضل ان الله خلقنا من نوره وخلق شيعتنا منا وسائر الخلق في النار بنا يطاع الله وبنا يعصى يا مفضل سبقت عزيمة من الله انه لا يتقبل من احد الا بنا ولا يعذب احدا الا بنا فنحن باب الله وحجته وامناؤه في خلقه وخزانه في سمائه وارضه حللنا عن الله وحرمنا عن الله لا نحتجب عن الله اذا شئنا وهو قوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله وهو قوله صلى الله عليه وآله ان الله جعل قلب وليه وكرا لا رادته فاذا شاء الله شئنا ه‍ وعن الباقر عليه السلام الى ان قال ونحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تسقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقنا واخذ بامرنا فهو منا والينا ه‍ وفي تفسير علي بن ابراهيم بسنده الى ابي الحسن الرضا عليه السلام الى ان قال (ع) نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اهتدى بنا ومن لم يكن منا فليس من الاسلام في شيء بنا فتح الله الدين وبنا يختمه وبنا اطعمكم الله عشب الارض وبنا انزل الله قطر السماء وبنا امنكم الله من الغرق في بحركم ومن الخسف في بركم وبنا نفعكم الله في حياتكم وفي قبوركم وفي محشركم وعند الصراط وعند الميزان وفي دخولكم الجنان الحديث وبالجملة ما دل من آثارهم على ان كل ادراك لخير مطلوب وكل فوز بامر مرغوب وكل تحصيل لشيء محبوب وكل نجاة من امر محذور وكل سلامة من جهل وغرور ومن مكروه وشرور وخلاص من سوء عواقب الامور كل ذلك انما يحصل منهم عليهم السلام لا يكاد يحصى ولا يستقصى اللهم بحقهم عليك نجنا بهم من كل مكروه ومحذور ومن سوء عواقب الامور في الدنيا والاخرة يا ولي الدنيا والاخرة انك على كل شيء قدير

قال عليه السلام : بابي انتم وامي ونفسي بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا واصلح ما كان فسد من دنيانا
قال الشارح المجلسي رحمه الله علمنا الله معالم ديننا اي الكتاب والسنة التي يعلم منهما ديننا او بالعقل والنقل واذا زار غير العالم فيقصد انه تعالى علم هذا النوع او الشيعة او يعم العلم بحيث يشمل التقليد او يعم التعليم بما يشمل واصلح ما كان فسد من دنيانا بعلم التجارات وغيرها او بادعيتنا ببركتهم او ببركة ادعيتهم لنا انتهى

اقول المراد بالموالاة المتابعة لهم في الاقوال والاعمال والمحبة وامتثال الاوامر والنواهي والتسليم لهم والرد اليهم والمعالم جمع معلم كمقعد بمعنى ما يستدل به فمعلم الشيء مظنته وما يستدل به يقول بموالاتكم اي بمحبتكم واتباعكم في الدين وامتثال اوامركم ونواهيكم والاخذ عنكم في الاقوال والاعمال والاخلاق والتسليم لكم والرد اليكم والبراءة من اعدائكم في كل شيء مما ذكر علمنا الله معالم ديننا اي نور قلوبنا لقبول الحق منكم وعرفنا بكم نفسه وما اراد منا من معرفته بسبيل معرفتكم وعرفنا بكم وببيانكم آياته التي ضربها لعباده ليستدلوا بها في الافاق وفي انفسهم وجعلنا بكم عارفين بنبيه صلى الله عليه وآله وبكم صلى الله عليكم وعلمنا شرائع الدين الذي ارتضاه بما انزل عليكم من الكتاب والحكمة وبما نشرتم لنا من علومكم واجملتم في اصولكم وفصلتم في احكامكم فمن استنبط منا احكامكم فبكم استنبط وبنوركم نظر وبدليلكم استدل ومن تلقى منا عن المستنبط فعن امركم تلقى وبهدايتكم تحري فقد علمنا الله سبحانه وله الحمد معالم ديننا بموالاتكم من معرفة آياته بما انار بكم من عقولنا ومن احكام دينه بما انزل عليكم من كتابه وانطقكم لنا بما اراده منا حتى اكمل بكم الدين وانار بكم صدور المؤمنين وبما اشرق من انواركم على قلوبنا من اليقين وهدى بكم الصراط المستقيم وبموالاتكم اصلح ما كان فسد من دنيانا حتى كان طلبنا للدنيا وللمعيشة فيها مرضيا عند الله مقربا الى رضاه لما ابحتم لنا من اموالكم وعلمتمونا طريق الاكتساب من حيث يرضي رب الارباب فاتبعنا طريق معاملتكم من حيث المجموع وتركنا ما كان عندكم من الممنوع حتى سميتم اتباعكم وشيعتكم لاجل ذلك اهل القنوع فكان ما ربحنا من تجارة وزراعة وغير ذلك شكرا منكم لمحبتنا لكم فانزل الله لكم ولاجلكم فينا هل جزاء الاحسان الا الاحسان وكان ما فاتنا من تجارة وزراعة وغير ذلك كفارة لما قصرنا فيه من حقكم وواجب امتثال امركم فقد اصلح ربنا وله الحمد بموالاتكم ومحبتكم ما كان فسد من دنيانا ولقد روى ابن ‌شاذان في مناقبه بسنده الى ابن‌عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اراد التوكل على الله فليحب اهل بيتي ومن اراد ان ينجو من عذاب القبر فليحب اهل بيتي ومن اراد الحكمة فليحب اهل بيتي ومن اراد دخول الجنة بغير حساب فليحب اهل بيتي فوالله ما احبهم احد الا ربح في الدنيا والاخرة ه‍ والربح في الاخرة معلوم واما الربح في الدنيا فهو ما اصاب من خير فشكرا لنعمة محبته لهم وما اصابه من شر فكفارة لذنوبه اللهم يا مقلب القلوب والابصار صل على محمد وآله وثبت قلبي على دينك ودين نبيك صلى الله عليه وآله ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب ودينه سبحانه ودين نبيه صلى الله عليه وآله هو حبهم عليه وعليهم السلام ففي تفسير العياشي عن بريد بن معوية العجلي قال كنت عند ابي جعفر عليه السلام اذ دخل عليه قادم من خراسان ماشيا فاخرج رجليه وقد تفلقتا وقال اما والله ما جاء بي من حيث جئت الا حبكم اهل البيت فقال ابو جعفر عليه السلام والله لو احبنا حجر حشره معنا وهل الدين الا الحب ان الله يقول قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقال يحبون من هاجر اليهم وهل الدين الا الحب ه‍ قال في العوالم بيان لعل الاستشهاد بالاية اما لان حبهم من حب الله او بيان ان الحب لا يتم الا بالمتابعة ه‍ اقول الظاهر ان هذا من كلام صاحب البحار واقول اما الوجه الاول فيمكن تصحيحه بان يقال كما ان كل شيء من الله كذلك حبهم من حب الله وهذا معنى ظاهري واما الحقيقي فحبهم حب الله بلا تعدد اصلا كما دلت عليه النقل من احبهم فقد احب الله ومن ابغضهم فقد ابغض الله ومن اطاعهم فقد اطاع الله وهو صريح في الاتحاد لما دل عليه النقل عنهم كما في الكافي والتوحيد في تفسير قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم عن الصادق عليه السلام انه قال في هذه الاية ان الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لانه جعلهم الدعاة اليه والادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ان ذلك يصل الى الله كما يصل الى خلقه ولكن هذا معنى ما قال الحديث ومعنى قوله عليه السلام وليس ان ذلك يصل الى الله الخ ان الاشياء الحادثة وهي جميع ما سواه ومن جملتها الاسف والندم والغضب والحب والبغض وغير ذلك كالطاعة والمعصية والعمل وما اشبه ذلك لا يصل الى القديم تعالى فان الازل هو سبحانه لا يصل اليه غيره ولا ينزل منه شيء الى غيره لكمال غناه وكل ما سواه فهو في رتبة الفعل والمفعول فحب الله لا يقع عليه ولا يصل اليه سواء اعتبرته مضافا الى الفاعل ام الى المفعول فان اعتبرت الاضافة الى الفاعل كان حبه سبحانه لعبده ايصال ثوابه ورحمته ومدده وتفضله وما اشبه ذلك الى العبد المحبوب وكل ذلك من آثار فعله المحدث فالواصل من فعله من تقريبه عبده واثابته ورفع شأنه وغير ذلك انما هو اثر ذلك الفعل واين التراب ورب الارباب وان اعتبرت الاضافة الى المفعول فانما ينسب الحب الى مظاهره ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي التي يعرفه بها من عرفه وهم عليهم السلام اركان تلك المقامات وقد تقدم قبل هذا ابحاث كثيرة في بيان هذا الشأن فحبهم عين حب الله لانه تعالى جعلهم محلا ومرجعا لكل ما ينسب اليه مطلقا فافهم

وأما الوجه الثاني وهو قوله او بيان ان الحب لا يتم الا بالمتابعة وظاهر هذا حسن لكن فيه ان الظاهر منه ارادة المتابعة التامة وظاهر الاحاديث المتكثرة تحقق الحب بادنى متابعة اذا خلص القلب عن شائبة حب من سواهم نعم ان اراد بالتمام الكمال فهو كذلك حقيقة ففي الخصال بسنده الى ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من رزقه الله حب الائمة من اهل بيتي فقد اصاب خير الدنيا والاخرة فلا يشكن احد انه في الجنة فان في حب اهل بيتي عشرين خصلة عشر منها في الدنيا وعشر في الاخرة اما في الدنيا فالزهد والحرص على العمل والورع في الدين والرغبة في العبادة والتوبة قبل الموت والنشاط في قيام الليل واليأس مما في ايدي الناس والحفظ لامر الله ونهيه عز وجل والتاسعة بغض الدنيا والعاشرة السخاء واما في الاخرة فلا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ويعطى كتابه بيمينه ويكتب له براءة من النار ويبيض وجهه ويكسى من حلل الجنة ويشفع في مائة من اهل بيته وينظر الله عز وجل اليه بالرحمة ويتوج من تيجان الجنة والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب فطوبى لمحبي اهل بيتي ه‍ فان قوله صلى الله عليه وآله فان في حب اهل بيتي ظاهره ان هذه العشرين الخصلة لازمة لحب اهل بيتي الا ان الاخبار الكثيرة صريحة في تحقق الحب مع الكبائر كشرب الخمر كما في قصة اسمعيل الحميري وغيره وحديث الصادق عليه السلام لما سئل عن محب علي (ع) وانه يدخل الجنة قال له السائل وان زنى وان سرق وكان في المجلس عبد الملك بن الفضل البقباق فسكت عليه السلام فلما رأى غفلة من عبدالملك قال للسائل اخفاء بحيث لا يسمع عبدالملك وان زنى وان سرق وغير ذلك من الاحاديث التي لا تحصى ومقتضى الجمع بينها حمل هذه العشرين خصلة على الحب الكامل ويحتمل انه صلى الله عليه وآله اراد ان حبهم داع الى هذه الخصال او سببا ( سبب ظ ) للتوفيق لها او موجبا ( موجب ظ ) لثوابها وان لم توجد من المحب وليس بعزيز على الله سبحانه ان يوجب لمحب علي عليه السلام درجة تلك الخصال وان لم تكن فيه كما دلت عليه رواياتهم او ان المراد بالخصال العشر معانيها الباطنة غير الظاهرة كما دلت عليه احاديثهم ايضا وانما يذكر ظاهرها ليكون ادعي للطاعات ومعانيها الباطنة ان المراد بالزهد الا يكون بما عنده اوثق به مما عند الله كما قال الصادق عليه السلام في تفسير الزهد او المراد بالزهد في الدنيا ترك ولاية الاول كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى بل تؤثرون الحيوة الدنيا هي ولاية الاول والاخرة خير وابقي هي ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام وباقي الخصال العشر على ما يقرب من هذا المعنى وانا الوح لك في بيان هذا وغيره ان الدنيا المذمومة في الباطن حيثما تطلق يراد بها تلك السلطنة الاولى والاخرة يراد بها الولاية الثانية والسيئة يراد بها حب الاولى والحسنة حب الثانية وكذلك النار والجنة والموالاة حقيقة هي المحبة من جهة الاصالة والمتابعة وامتثال الامر والنهي والتسليم والانقياد والرد متشعبة عليها ومتفرعة منها فافهم

قال عليه السلام : وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة
قال الشارح المجلسي رحمه الله وبموالاتكم تمت الكلمة اي كلمة التوحيد كما قال الله تعالى لا اله الا الله حصني من دخل حصني امن عذابي فلما نقل ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام الخبر قال ولكن بشروطها وانا من شروطها او كلمة الاسلام الاسلام اعني الكلمتين او الاسلام والايمان تجوزا وعظمت النعمة كما قال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وائتلفت الفرقة فان المؤمنين كنفس واحدة سيما الصلحاء منهم انتهى

وقال السيد نعمت الله الجزائري (ره) في شرح التهذيب تمت الكلمة اي كلمة التوحيد والايمان لان اعظم اركانه الولاية وقال الرضا عليه السلام في حديثه لعلماء نيشابور وكانوا من اهل الخلاف فالتمسوا منه عند خروجه منها ان يحدثهم حديثا واحدا فقال اكتبوا حدثني ابي موسى بن جعفر عن جدي الصادق عليه السلام عن ابيه باقر العلوم عن ابيه سيد الساجدين عن ابيه شهيد كربلاء عن ابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبريل عن ميكائيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم عن الله عز وجل انه قال لا اله الا الله حصني من دخله امن من عذابي فقالوا حسبنا يا ابن رسول الله فلما رجعوا قال لهم لكن بشروطها وانا من شروطها وقد نقل ان بعض السلاطين امر بكتابة هذا السند بماء الذهب وانه كان يعالج به المصروعين كان يكتب في اناء ويمزج بما يشربه المصروع والعليل فيبرئ والى الان هذا حاله وائتلفت الفرقة فان العرب قبل الاسلام كانوا متفرقين في الاهواء وكان من عاداتهم الغارات ونهب اموال بعضهم بعضا والقتل بينهم فلما جاء الاسلام جمعهم على الدين وهدر كل دم قبل الاسلام فصاروا ببركته اخوانا بعد ان كانوا اعداء انتهى

اقول قوله عليه السلام بموالاتكم تمت يراد منه ان الكلمة سواء يراد بها كلمة التوحيد التي يراد منها لا اله الا الله ام كلمة الاسلام التي هي لا اله الا الله محمد رسول الله ام مع علي ولي الله من دون بصيرة ام بدون العمل ام كلمة الايمان التي هي لا اله الا الله محمد رسول الله (ص) ام مع علي ولي الله مع البصيرة ام مع العمل ام الدين مطلقا انما تتم بموالاتكم اي محبتكم واتباعكم في الاعتقادات والاعمال والاقوال وامتثال اوامركم ونواهيكم والاقتداء والائتمام بكم والاخذ عنكم والتفويض اليكم والتسليم لكم والرد اليكم والاتكال على ولايتكم والاعتقاد بان الاعمال لا تنفع ولا تقبل الا بولايتكم ومحبتكم والتمام المذكور يجوز ان يراد به الاشتراط كما قال الرضا عليه السلام بشروطها وانا من شروطها على ارادة الاشتراط الاصطلاحي او الاعم فيراد به الجزئية كما ورد عنهم عليهم السلام انهم اركان الدين واركان التوحيد واركان الاسلام وغير ذلك ويجوز ان يراد به الكمال فتتحقق بدونها كما يظن ويتوهم في الامم السابقة وعلى الاشتراط المشار اليه هل هي شرط مادي ام شرط صوري ام فيهما معا وكذا على الجزئية وعلى ارادة الكمال كذلك والذي تشهد له آثارهم وتقبله العقول المستنيرة بنورهم ان الاحتمالات التسعة كلها صحيحة وكلها قد مر ذكرها في هذا الشرح فمن ترصدها وجدها فان القول الذي تحققت به الكلمة انما اظهره الله فيهم واجريه عليهم واوصل ظل ذلك الى من شاء بهم وما دل عليه من المعاني فمن انوارهم خلقها تعالى وبقبولهم اقامها وبفاضل تأديتهم اوصلها الى من استحقها وما اوجده سبحانه بعمل قابلها من نورها فبدعائهم واعانتهم باستغفارهم وتحملهم تقصيرات قابليها المانعة من قبولها وبهم كتب في قلوب قابليها الايمان بها وايدهم بوجه من الروح التي هي منه اي من فعله ومشيته التي جعلها عندهم صلى الله عليهم وايضا بموالاتكم عظمت النعمة اي نعمة الدين التي هي سعادة الدنيا والاخرة اذ بقبولها في الاظلة طابت مواليدهم في هذه الدنيا يعني مواليد شيعتهم بما طهرهم به من موجبات الكفر والنفاق في مطاعم آبائهم وامهاتهم من تناول ما حرم الله سبحانه ومناكحهم وملابسهم وذلك انه اذا علم الله سبحانه ان الشخص من شيعتهم امر عز وجل ملائكة يذودون ابويه عن تناول ما نهى عنه من كل شيء يكون سببا في خبث الطينة حتى يتولد ذلك المولود مما يحب سبحانه فيكون بطيب مولده يقبل ولايتهم ومحبتهم ويهوى فؤاده اليهم فيميل بطينته الى الاقتداء بهم والتسليم لهم والرد اليهم والاخذ عنهم ويدين الله بطاعتهم والتفويض اليهم في كل ما يراد منه مما يتعلق بامر الدنيا والدين وحبهم علامة طيب الولادة وفي المحاسن بسنده الى الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي صلوات الله عليه قال قال النبي صلى الله عليه وآله يا اباذر من احبنا اهل البيت فليحمد الله على اول النعم قال يا رسول الله وما اول النعم قال طيب الولادة انه لا يحبنا اهل البيت الا من طاب مولده وروى ابن ‌ادريس عن السكوني قال قال ابو عبد الله عليه السلام لا يحبنا من العرب والعجم وغيرهم من الناس الا اهل البيوتات والشرف والمعادن والحسب الصحيح ولا يبغضنا من هؤلاء وهؤلاء الا كل دنس ملصقا ه‍ فلما طابت ولادتهم بما يسر لهم سبحانه وتعالى من مقتضيات طيب الولادة لان علمه تعالى اولى بحقيقة التصديق احبوهم بجعل الله كما في قوله تعالى وجعل افئدة من الناس تهوي اليهم والناس هنا شيعتهم وجرى هذا الجعل على قبول تلك المقتضيات واقتضت تلك الطينة التي اقتضت حبهم تصديقهم والقبول منهم والايتمام بهم والتسليم لهم والرد اليهم والانقياد لهم والاعتراف بواجب حقهم وطاعتهم بقلوبهم والسنتهم وجوارحهم والعقد على ولايتهم وموالاة وليهم والبراءة من اعدائهم واولياء اعدائهم في الدنيا والاخرة بحيث صبروا في تحمل ذلك على شدة الفقر وضيق الدهر وكثرة الاعداء وشدايد لا تحصى ولا يزيدهم ما يصيبهم من تلك البلايا الا ثباتا في حبهم واطمئنانا بولايتهم واستقامة على دينهم وكل هذه الخيرات انما نالوها بموالاتهم صلى الله عليهم فلهذا قال عليه السلام وعظمت النعمة يعني علينا بموالاتكم والنعمة الاسلام الذي ما عليه الا هم وشيعتهم لان اساس الاسلام حبهم ففي امالي الطوسي بسنده الى جابر عن ابي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال لما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وانشأ يقول لا يدخل الجنة الا من كان مسلما فقام اليه ابو ذر الغفاري رحمه الله تبارك وتعالى فقال يا رسول الله وما الاسلام فقال عليه السلام الاسلام عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وملاكه الورع وكماله الدين وثمرته العمل ولكل شيء اساس واساس الاسلام حبنا اهل البيت وفي المحاسن بسنده الى ابي عبد الله عليه السلام قال لكل شيء اساس واساس الاسلام حبنا ه‍ والنعمة هي العقبة التي اقتحمها بحبهم وولايتهم والبراءة من اعدائهم وفي اعلام الدين للديلمي مما نقله من كتاب فرج الكرب عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى فلا اقتحم العقبة فقال من انتحل ولايتنا فقد جاز العقبة فنحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا ثم قال مهلا افيدك حرفا هو خير لك من الدنيا وما فيها قوله فك رقبة ان الله تعالى فك رقابكم من النار بولايتنا اهل البيت وانتم صفوة الله ولو ان الرجل منكم يأتي بذنوب مثل رمل عالج لشفعنا فيه عند الله تعالى فلكم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ه‍ والنعمة هم عليهم السلام التي انعم الله سبحانه على محبيهم بل على جميع الخلق فكفر بها كل الخلق الا شيعتهم ومحبيهم من الانس والجن والملائكة والحيوانات والنبات والمعادن والجمادات وفي قوله تعالى الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا في تفسير علي بن ابراهيم عن امير المؤمنين عليه السلام قال ما بال اقوام غيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعدلوا عن وصيه لا يتخوفون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الاية ثم قال نحن النعمة التي انعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيمة ه‍ وفي القمي في قوله تعالى فبأي آلاء ربكما تكذبان قال ابو عبد الله عليه السلام في هذه الاية حين سئل عنه قال الله تعالى فبأي النعمتين تكفران بمحمد ام بعلي وفي الكافي مرفوعا عنه (ع) فيها أبالنبي (ص) ام بالوصي وفيه تلا ابو عبد الله عليه السلام هذه الاية واذكروا آلاء الله قال اتدري ما آلاء الله قلت لا قال هي اعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا ه‍ اقول النعم التي اظهر الله سبحانه للامم الماضية واجرى عليهم آثارها من الامطار والاشجار والثمار والملابس والصحة والأمن والسمع والبصر وسائر القوي الظاهرة والباطنة مما يتعلق باحوال الدنيا والاخرة وما عرفهم به من نفسه وما اراد منهم بامره ونهيه مما فيه صلاحهم في الدارين وتبليغ السعادة والمراتب العالية في النشأتين خصوصا النشأة الاخرة قد عرفهم انبياءهم عليهم السلام عن الله تعالى ذلك وانها آثار نعم الله وآثار رحمته وان تلك النعمة العامة والرحمة الواسعة هي محمد وآله صلى الله عليه وعليهم اجمعين وولايتهم وان من اقام ولايتهم من طاعة الله سبحانه من تنزيهه ووصفه بما وصف نفسه ومن الايمان به تعالى وكتبه ورسله واليوم الاخر بان الايمان به امتثال اوامره ونواهيه والايمان بكتبه تحمل القيام بما فيها والايمان برسله معرفة حقهم والقيام بطاعتهم فيما امروا به ودعوا اليه والايمان باليوم الاخر بالاستعداد له بالاعمال الصالحات على ما امر الله تعالى وذكروهم اوائل النعم واواخرها ولم يعرفوا احدا من رعاياهم اسباب ذلك الا على جهة الاجمال كما قيل ان الالواح التي نزلت فيها التورية على موسى على محمد وآله وعليه السلام تسعة الواح اخرج منها سبعة واخفى لوحين لم يطلع عليهما الا اخاه هرون عليهما السلام لانهما فيهما بيان الحقائق وشرح العلل والاسباب التي لا يحتملها اكثر الخلائق وانما عرفوهم من المراد من النعم ما يحتملون من آثارها فقالوا لهم فاذكروا آلاء الله ولما كانت هذه الامة اصفى الامم واعدلها امزجة بينوا اهل العصمة عليهم السلام ان المراد منها نحن وولايتنا وقوله عليه السلام اعظم نعم الله لا يريد منه ان هم وولايتهم بعض نعم الله فيكون لله نعم ليست اياهم ولا منهم ولا عنهم بل المراد انهم وولايتهم اعظم نعم الله عند اكثر من عرفهم فان اكثر من عرفهم انما يعرفون ان النعم غيرهم وغير ولايتهم وان كانوا هم وولايتهم باعتبار اخر اعظمها وقد اشاروا للخصيصين من شيعتهم انه ليس لله على خلقه نعم غيرهم وغير ما منهم وعنهم وما كتب في اللوحين لموسي وهرون عليهما السلام انما هو بيان هذا ومثله واما ما ذكر في آية فباي آلاء ربكما تكذبان فهو خطاب للاعرابيين الانسي والجني بان المراد من الالاء هم وولايتهم عليهم السلام وهما يعرفان المراد من الالاء معرفة التكليف والتمييز الموجب لقيام بما خلقا عليه من التمكين الذي به هداية النجدين وذلك جهة اليمين منهما فلم يعملا بمقتضي ما خلقا عليه ولا ما ذكرا به من جهة الخلقة والفطرة وعملا بمقتضي هويهما وذلك جهة الشمال منهما حتى تغير خلق الله الاول ثم خلقهما الله سبحانه بفعلهما الخلقة الثانية فاشار عز وجل الى الحالين فقال في كتابه لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم يعني بالفطرة والتمكين وهداية النجدين ثم رددناه اسفل سافلين يعني بفعلهما الذي غيرا به خلق الله حتى بتكا آذان الانعام فكانا يعرفان بالخلق الاول من الالاء وبالخلق الثاني يكذبان وهذه المعرفة معرفة تفصيلية وتكذيبهما تكذيب تفصيلي لم يصل الى هذين الحالين احد غيرهما من المكذبين من جميع الخلائق من الاولين والاخرين فكل جاحد وظالم وفاسق وملحد وكافر ومشرك ومجرم وغاو وقاسط ومنكر ومستهزئ وساخر ومتكبر ومستنكف وحاسد وضال وناكث وعادل ومارق ورجيم وغير ذلك فهو من اشياعهما واتباعهما من الاولين والاخرين منهما اخذ ولهما قلد واياهما عبد ودعا ولهذا حملا اثقالهما واثقالا مع اثقالهما فكان عليهما من العذاب ضعف عذاب جميع اهل النار ولانهما في صندوقين في جوف التنين الاسود في الفلق وهي الطبقة الثالثة السفلى من جهنم التي هي اسفل النيران واشدها وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الفلق فقال صدع في النار فيه سبعون الف دار في كل دار سبعون الف بيت في كل بيت سبعون الف اسود في جوف كل اسود سبعون الف جرة سم لا بد لاهل النار ان يمروا عليها ه‍ اقول لا بد ان يمروا عليها وهو قوله تعالى وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا وهي قد عرضت عليها الخلائق في التكليف وتعرض يوم القيمة فمن دخلها بالطاعة في الذر لم يعرض عليها في القيمة بل ينجيه الله تعالى منها ببركة محمد وآله صلى الله عليه وآله وولايتهم وطاعتهم في الذر الاول ومن لم يدخلها في الذر الاول يعرض عليها في القيمة وتأخذه وهو حصتها من المقاسمة حين قاسمها امير المؤمنين عليه السلام واما الخصيصون من شيعتهم فقد عرفوهم ذلك بايمانهم بذلك وتصديقهم كانوا كاملين في ايمانهم لان الله عز وجل امتحن قلوبهم للتقوى لصدقهم في حبهم لنبيه وآله صلى الله عليه وآله وولايتهم لهم فاحتملوا معرفة ذلك وتحملوا مقتضاه من الاعمال وهم في الحقيقة هم الذين بموالاتهم عظمت عليهم النعمة ظاهرا وباطنا وقيمة كل امرء منهم ما يحسنه

وقوله عليه السلام : وائتلفت الفرقة ان من المراد به اي بعض ما يراد منه ان الفرقة التي كانت في محبيهم لاختلافهم في الافهام والانظار وفي المطالب وفي العلوم وفي الاغراض وفي مطالب الدنيا بل مطالب الاخرة فان منهم من ميله الى الصلوة اكثر منه الى الزكوة او الى الصيام وبالعكس ولذا اختلفت الروايات الواردة في الحث على الاعمال بتفضيل عمل لاخر على العمل الاخر وبالعكس لشخص غيره ائتلفت بينهم بسياسة اوليائهم عليهم السلام حتى انهم يأتيهم المتقي من شيعتهم يعتب على المتهتك منهم فيقول له سائسه وراعيه وامامه صلوات الله عليه ان لم يقبل منهم حتى يكونوا مثلكم لا يقبل منكم حتى تكونوا مثلنا وفي كنز الكراجكي لمحمد بن علي بن عثمن الكراجكي بسنده الى زيد بن يونس الشحام قال قلت لابي الحسن موسى عليه السلام الرجل من مواليكم عاص يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه قال تبرؤا من فعله ولا تتبرؤا من خيره وابغضوا عمله فقلت يسع لنا ان نقول فاسق فاجر فقال لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا ابي الله ان يكون ولينا فاسقا فاجرا وان عمل ما عمل ولكنكم قولوا فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيب الروح والبدن لا والله لا يخرج ولينا من الدنيا الا والله ورسوله ونحن عنه راضون يحشره الله على ما فيه من الذنوب مبيضا وجهه مستورة عورته آمنة روعته لا خوف عليه ولا حزن وذلك انه لا يخرج من الدنيا حتى يصفي من الذنوب اما بمصيبة في مال او نفس او ولد او مرض وادنى ما يصنع بولينا ان يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رءاه فيكون ذلك كفارة له او خوفا يرد عليه من اهل دولة الباطل او يشدد عليه عند الموت فيلقي الله عز وجل طاهرا من الذنوب آمنة روعته بمحمد وامير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما ثم يكون امامه احد الامرين رحمة الله الواسعة التي هي اوسع من اهل الارض جميعا او شفاعة محمد وامير المؤمنين عليهما السلام فعندها لقيه رحمة الله الواسعة التي كان احق بها واهلها وله احسانها وفضلها ه‍ وامثال هذا الخبر في قبول المحبين لهم على ما هم عليه من المعاصي كثيرة لا تكاد تحصر مما يدل على ائتلافهم على جامع المحبة مع اختلافهم في الطاعات والمعاصي وتناكرهم لما بينهم من الذنوب الموجبة للفرقة التي لا ائتلاف لها الا ان الائمة عليهم السلام ارشدوا مواليهم على جامع يجمعهم فقالوا ان هذا الاختلاف الذي ترونه بينكم الناشي عن تقصيرات بعضكم فانما هو من جهة الافعال العارضة ليس من جهة الذات والا فالذات واحدة فلا تناكر بينكم الا من جهة الاعمال وهي عارضة وان الذي اقترف ذلك من محبينا يبتليه الله بمكاره تكون كفارة لتلك الذنوب حتى يلقى الله تعالى والله ورسوله ونحن عنه راضون فلا تنكروا ذواتهم ونفوسهم وان انكرتم افعالهم القبيحة فانهم من جهة نفوسهم طاهرون زاكون فاذا سمع المحب من امامه ومقتداه عليه السلام مثل هذا الكلام صفي قلبه على محبهم وان كان عاصيا لانه ينظر اليه من حيث وصف الامام عليه السلام لا من حيث افعاله القبيحة فتذهب عنه النفرة التي كان يجدها فتأتلف الفرقة التي كانت مباينة بينهم وذلك العاصي انما استحق هذا التعريف من صاحب الاعراف صلوات الله عليه لانه محب لهم وموال لهم ولاوليائهم ومبغض لاعدائهم ولمن اتبعهم وانما هان كل ذنب على محبهم لان حبهم هو الدين كما تقدم ذكره فكان هذا المحب قد اتى بعمل لا يضر معه ذنب وهو قوله صلى الله عليه وآله حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة ومثله قوله تعالى في الحديث القدسي المذكور في حديث عبد الله بن مسعود من مناقب ابي الحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن شاذان وقيل ان الكتاب المذكور لجده علي وفيه عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما ان خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد لله فاوحى الله تعالى اليه حمدتني وعزتي وجلالي لولا عبدان اريد ان اخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك يا آدم قال الهي فيكونان مني قال نعم يا آدم ارفع رأسك وانظر فرفع رأسه فاذا مكتوب على العرش لا اله الا الله محمد نبي الرحمة وعلي مقيم الحجة من عرف حق علي زكي وطاب ومن انكر حقه لعن وخاب اقسمت بعزتي ان ادخل الجنة من اطاعه وان عصاني واقسمت بعزتي ان ادخل النار من عصاه وان اطاعني ه‍ ومثله قوله تعالى في القرءان من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل يجزون الا ما كانوا يعملون وفي تفسير القمي قال الحسنة والله ولاية امير المؤمنين والسيئة والله اتباع اعدائه وفي الكافي عن الصادق عليه السلام عن ابيه عن امير المؤمنين عليه السلام في هذه الاية قال الحسنة معرفة الولاية وحبنا اهل البيت (ع) والسيئة انكار الولاية وبغضنا اهل البيت ثم قرأ عليه السلام الاية وفي روضة الواعظين عن الباقر عليه السلام في هذه الاية قال الحسنة ولاية علي عليه السلام وحبه والسيئة عداوته وبغضه ولا يرفع معهما عمل ه‍ وفي اصل سلام ابن عمرة عن ابي ‌الجارود عن ابي عبد الله الحذاء قال قال لي امير المؤمنين عليه السلام يا ابا عبد الله الا اخبرك بالحسنة التي من جاء بها امن من فزع يوم القيمة وبالسيئة التي من جاء بها كب على وجهه في جهنم فقلت بلى يا امير المؤمنين قال الحسنة حبنا والسيئة بغضنا اهل البيت ه‍ وهذه الاخبار وما شابهها تشعر بان حبهم عليهم السلام حسنة لا تضر معها سيئة وقد صرح حديث عبد الله بن مسعود بان الله تعالى اقسم بعزته انه يدخل الجنة من اطاع عليا وان عصاه وانه يدخل النار من عصى عليا وان اطاعه وفي رواية من احب عليا وان عصاني واني ادخل النار من ابغض عليا وان اطاعني وقد تقدم هذا وفيه بيان ما يرد من الاشكال والجواب عنه والاشارة اليه ان حب علي اصل الجنة وعلتها وبغضه اصل النار وعلتها ولهذا كان علي قسيم الجنة لانها خلقت من حبه وقسيم النار لانها خلقت من بغضه فاذا ثبت هذان الاصلان كان كل ما سواهما من الطاعة والمعصية فروع عليهما وقد علم بالدليل الوجداني والعقلي والنقلي ان الاصل اذا تحقق وثبت لا ينفيه فساد الفرع وان كان يلحقه بذهاب الفرع ضعف واختلال وكذا على رواية عبد الله بن مسعود فان طاعة علي انما تتحقق بطاعة الله سبحانه في الظاهر والباطن لان الله تعالى انما دعا الى طاعة محمد وعلي وآلهما صلى الله عليهما وآلهما لانه تعالى انما اراد ان يطاع ليطاعوا فهم العلة الغائية في كل ما يتعلق بالامكان وانما امر بطاعته لتتحقق الطاعة لهم لان الطاعة انما تكون طاعة في نفسها اذا كانت له تعالى فلو وقعت لغيره لا له كانت معصية وشركا فامر بطاعته لتتحقق الطاعة لهم ثم ان طاعته التي ارادها من عباده شكرا لنعمة الايجاد وافاضة النعم التي لا تحصى انما ارادها لهم بمعنى انه اراد تعالى ان يطاع بواسطة طاعتهم فامر ان يطاع بالطاعة لهم والعلة في ذلك انه تعالى غني مطلق عن كل شيء فاحب ان يتفضل ويتكرم والمحبة والفضل والكرم امور محدثة منسوبة الى فعله وما ينسب منها الى ذاته فهو ذاته بلا مغايرة ولا سبيل الى ذلك بشيء من احوال الحوادث من معرفة واحاطة وطلب ونسبة وعلية ومعلولية وغير ذلك فلا كلام فيما ينسب الى الذات تعالى بحال من الاحوال واما ما وجدت وسمعت وفهمت وعقلت وتوهمت وتصورت وعنيت ووصفت ومثلت فامور حادثة بفعله وكل من ذلك لا بد في ايجاده من علل اربع احدها العلة الغائية وهم صلى الله عليهم تلك العلة الغائية ومن تلك الامور الطاعة التي ارادها من خلقه فانما ارادها لهم هذا فيما لهم بالاصالة وبواسطة رعاياهم واما ما كان للرعايا فلم يرضه ولم يقبله ولم يجزه الا بواسطتهم لانه تعالى لم يخلق كل ما سواهم عليهم السلام الا بواسطتهم ولاجلهم ولينتفعوا بهم كما قال سبحانه ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين فاذا عرفت ما اشرنا اليه عرفت ان طاعتهم هي طاعة الله تعالى الاصلية لان الله عز وجل لم يرد من خلقه طاعة الا متفرعة على طاعته الاصلية فانه تعالى امر الخلق بطاعتهم اولا ثم امر الخلق بان يعرفوه بهم ويوحدوه بهم ويؤمنوا به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر بهم وبطاعتهم ويمتثلوا اوامره ونواهيه بهم ويعبدوه بهم ويتقربوا اليه بهم ولم يجعل طريقا الى رضاه ومحبته غيرهم لان الخلق اذا اطاعوهم فقد اطاعوا الله لان الله تعالى امرهم بطاعتهم وان عصوا الله لانهم اذا اطاعوهم وعصوا الله فقد اطاعوا الله في اعظم مطالبه منهم واكبرها واشرفها واحبها واذا عصوه فيما سوى ذلك فانما عصوه فيما هو فرع ومكمل فيما اطاعوه فيه وكذلك حكم معصيته مع طاعة الله حرفا بحرف فافهم فلما جمعتهم محبتهم عليهم السلام التي هي الاصل لم تؤثر في هذا الائتلاف فرقتهم بسبب تناكر الذنوب لضعف الموجب حينئذ للفرقة وهون دواعيها وكل ذلك بموالاتهم ومحبتهم عليهم السلام

قال عليه السلام : وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ولكم المودة الواجبة
قال السيد نعمت الله الجزائري رحمه الله في شرح التهذيب ولكم المودة الواجبة اشارة الى قوله عز وجل قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى وذلك انهم قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله خذ منا على تبليغ الاحكام ما تريد من الاجرة لانك سلطان تحتاج الى الاموال للجنود والعساكر وسد خلة المحتاجين فنزلت الاية وقد وفي بها من اضرم النار في بيت فاطمة عليها السلام واسقطها المحسن واخرج عليا عليه السلام ملببا له الى المسجد حتى يبايع الاول انتهى

وقال الشارح المجلسي تغمده الله برحمته ورضوانه وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة كما تقدم انها من اصول الدين كما في الاخبار المتواترة ولا تقبل الفروع بدون الاصول ولكم المودة الواجبة فانها اجر رسالة نبينا صلى الله عليه وآله كما قال تعالى قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى وقوله تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وروي في الاخبار الكثيرة انها نزلت فيهم والاخبار بوجوب المودة متواترة واقل مراتبها ان يكونوا احب الينا من انفسنا واقصاها العشق انتهى

اقول في كلامه بعض المناقشة ولا بأس بالاشارة الى ذلك على جهة الاختصار والاقتصار لئلا يغفل العارف الناظر في كلامه فيعتقده على جهة الاجمال او التفصيل اعتمادا على الشارح قدس الله روحه لانه من العلماء الحكماء العارفين ولا يكثر التأمل في كلامه منها قوله (ره) انها من اصول الدين اي الموالاة فان اراد بالدين الاسلام ولم يكن ذلك منه على جهة الاقتباس فالمشهور ان الامامة والولاية ليست من اصول الاسلام كما دلت عليه اكثر الروايات منها ما رواه في الكافي كما رواه هشام صاحب الثريد قال كنت انا ومحمد بن مسلم وابوالخطاب مجتمعين فقال لنا ابو الخطاب ما تقولون فيمن لا يعرف هذا الامر فقلت من لا يعرف هذا الامر فهو كافر فقال ابو الخطاب ليس بكافر حتى تقوم الحجة عليه فاذا قامت الحجة عليه فلم يعرف فهو كافر فقال له محمد بن مسلم سبحان الله ما له اذا لم يعرف ولم يجحد فيكفر ليس بكافر اذا لم يجحد قال فلما حججت دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فاخبرته بذلك فقال انك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة جمرة الوسطى بمني فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده وابو الخطاب ومحمد بن مسلم فتناول وسادة فوضعها في صدره ثم قال لنا ما تقولون في خدمكم ونسائكم واهليكم اليس يشهدون الا اله الا الله قلت بلى قال اليس يشهدون ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله قلت بلى قال اليس يصلون ويصومون ويحجون قلت بلى قال فيعرفون ما انتم عليه قلت لا قال فما هم عندكم قلت من لم يعرف هذا الامر فهو كافر قال سبحان الله اما رأيت اهل الطرق واهل المياه قلت بلى قال اليس يصلون ويصومون ويحجون اليس يشهدون الا اله الا الله وان محمدا رسول الله قلت بلى قال فيعرفون ما انتم عليه قلت لا قال فما هم عندكم قلت من لم يعرف هذا الامر فهو كافر قال سبحان الله اما رأيت الكعبة والطواف واهل اليمن وتعلقهم باستار الكعبة قلت بلى قال اليس يشهدون الا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويصلون ويصومون ويحجون قلت بلى قال فيعرفون ما انتم عليه قلت لا قال فما تقولون فيهم قلت من لم يعرف فهو كافر قال سبحان الله هذا قول الخوارج ثم قال ان شئتم اخبرتكم فقلت انا لا فقال اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا قال فظننت انه يديرنا على قول محمد بن مسلم ه‍ واصرح منه ما رواه في روضة الكافي بسنده الى زرارة عن ابي جعفر عليه السلام ان الناس صنعوا ما صنعوا اذ بايعوا ابا بكر لم يمنع امير المؤمنين عليه السلام من ان يدعو الى نفسه الا نظرا للناس وتخوفا عليهم ان يرتدوا عن الاسلام فيعبدوا الاوثان ولا يشهدوا الا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وكان الاحب اليه ان يقرهم على ما صنعوا من ان يرتدوا عن الاسلام وانما هلك الذين ركبوا ما ركبوا فاما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لامير المؤمنين صلوات الله عليه فان ذلك لا يكفره ولا يخرجه من الاسلام فلذلك كتم علي عليه السلام امره وبايع مكرها حيث لم يجد اعوانا ه‍ وقولي اصرح منه لاشتماله على التعليل وكذلك ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره في قوله تعالى ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون بسنده الصحيح عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت له ما حال الموحدين المقرين بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم امام ولا يعرفون ولايتكم فقال اما هؤلاء فانهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم تظهر منه عداوة فانه يخد له خدا الى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الى يوم القيمة حتى يلقي الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فاما الى الجنة واما الى النار فهؤلاء من الموقوفين لامر الله قال وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والاطفال واولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم واما النصاب من اهل القبلة فانهم يخد لهم خدا الى النار التي خلقها الله بالمشرق ويدخل عليهم منها الشرر والدخان وفورة الحميم الى يوم القيمة ثم بعد ذلك مسيرهم الى الجحيم وفي النار يسجرون ثم قيل لهم اينما كنتم تشركون من دون الله اي اين امامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس اماما الحديث وامثال هذه كثيرة مما يدل على انهم مسلمون ما لم ينكروا الولاية عن معرفة كما قال تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وقال وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وقيل انها من اصول الاسلام واستدل القائل به باحاديث كثيرة كلها قابلة للتأويل مثل قوله صلى الله عليه وآله من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية وهو محمول على من انكر امام زمانه بعد البيان ولا شك في كفره لان نفي المعرفة كثيرا ما يستعمل للانكار كما في قوله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها فان المعرفة ضدها العام الانكار واكثر استعمالها في ذلك وقد تستعمل في كلامهم بمعنى العلم فيكون ضدها الجهل وكذلك قوله تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون فبين ان نفي المعرفة هو الانكار ولسنا بصدد تحقيق هذه المسئلة وانما ذكرنا ذلك للتنبيه على عبارة الشارح لينظر فيها من له النظر وان كان المراد من قوله (ره) على جهة الاقتباس من قوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام فالمراد بالاسلام هنا هو الايمان الكامل ولا ريب في اعتبار الموالاة فيه وان اراد بالدين مطلقا بني الكلام على التعيين ومنها قوله رحمه الله واقل مراتبها ان يكونوا احب الينا من انفسنا وفيه ان هذه المرتبة ليست اقل المحبة بل هذه من مراتبها العالية فان المحبة تصدق على العصاة من اهل الكبائر الذين يتركون امر امامهم عليه السلام لشهوة انفسهم ولا يتحقق هذا مع جعلهم احب اليهم من انفسهم وان قال احدهم بلسانه لان صدق كونهم احب اليه من نفسه لا يتحقق مع معصيتهم في شيء مما امروا به او نهوا عنه بل تصدق الاقلية على اعتقاد كونهم ائمة من الله تعالى وحججه على عباده والميل اليهم بقلبه والبراءة من اعدائهم بمعنى ما ذكرنا من كونهم ائمة ضلالة لا يجوز الميل اليهم في حال نعم اذا اراد قول المحب بلسانه وانهم خير منه في نفسه عند الله وفي الواقع من نفسه فلا بأس ومنها قوله رحمه الله واقصاها العشق فان هذا الاقصى اقصى صوفي اذ لا معنى للعشق الا الجنون الشيطاني لا الجنون الالهي كما زعموا فان الله تعالى لا ينسب اليه الجنون وانما ينسب اليه العقل وهو هنا الحب وكمال الطاعة زين لهم سوء اعمالهم فان قالوا انه شدة الميل الى المحبوب في المحبة قلنا لهم هل يعرف قوة ميل في الحب من مخلوق لشيء اقوى من ميل محمد وآله صلى الله عليه وآله في المحبة لله عز وجل مع انه لم يرد عنهم استعمال عشقهم لله تعالى في شيء من اخبارهم لا حقيقة ولا مجازا الا من طرق المخالفين الذين اسسوا ذلك مع انهم لا يستعملونه هم ولا غيرهم الا بلحاظ النكاح ولهذا ما يقال اعشق المال والدنيا ولا اعشق الجوهرة وانما يقال احب والحاصل هذه عبارة صوفية يتعالى قدس الله سبحانه عن اطلاقها له ويكرم مقام محمد واهل بيته عليه وعليهم السلام عن استعمالها لهم او منهم والصوفية هم الذين قالوا فيهم الائمة عليهم السلام بانهم اعداؤهم كما رواه الملا الاردبيلي في حديقة الشيعة بسنده عن الرضا عليه السلام من ذكر عنده الصوفية ولم ينكر عليهم بلسانه او بقلبه فليس منا ومن انكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه بسنده قال قال رجل للصادق عليه السلام قد خرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم فقال عليه السلام انهم اعداؤنا فمن مال اليهم فهو منهم ويحشر معهم وسيكون اقوام يدعون حبنا ويميلون اليهم ويتشبهون بهم ويلقبون انفسهم بلقبهم ويأولون اقوالهم الا فمن مال اليهم فليس منا وانا منه براء ومن انكرهم ورد عليهم كان كمن جاهد الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وآله والروايات في ذمهم والبراءة منهم ومن اقوالهم واعتقاداتهم واعمالهم كثيرة في الكتاب المذكور وغيره ولا شك ان استعمال العشق انما هو منهم حتى انه لما سئل الصادق عليه السلام عن ذلك قال قلوب خلت من ذكر الله فاذاقها الله حب غيره فقال عليه السلام خلت من ذكر الله فدل بان مدعي العشق لله تعالى انما يذكر غيره وهو والله كما قال عليه السلام وقال عليه السلام حب غيره ولم يقل عشق غيره لانه (ع) ما احب اجراءه على لسانه اما مطلقا لانه المقتدى في اعماله واقواله او لانه في صدد ما نسبوه الى الله تعالى فكره ان يقول عشق غيره فيتوصلون بهذا القول الى ان يقولوا وان كان العاشق انما عشق الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ولئلا يتوهم من يميل اليهم ان الامام عليه السلام لما لم يتحقق عنده صدق العاشق لله تعالى في عشقه لعدم معرفته به تعالى قال ان قلبه خلا من ذكر الله اي ما صدق في عشقه لعدم معرفته ولذا قال اذاقها الله عشق غيره فلم يذكر عليه السلام لفظ العشق في الموضعين بل قال اذاقها الله حب غيره يعني انه لو صدق المحب لله تعالى في حبه لمعرفته به كان حينئذ ذاكرا لله تعالى فاخلى قلبه عن حب غيره فافهم فالصواب ان يقال ادنى المودة والمحبة ان يميل قلبه اليهم والى مواليهم وينصرف عن اعدائهم واولياء اعدائهم واعلاها ان يشغل قلبه بذكرهم وبالصلوة عليهم والتسليم لهم في كل شيء والتفويض اليهم في كل ما يرد عليه ظاهرا وباطنا والرد اليهم والاخذ عنهم والاتباع لهم والاقتداء بهم في كل شيء من الاعتقاد والمعرفة والاعمال والاقوال والاحوال كما قال الصادق صلوات الله عليه وعلى آبائه وابنائه الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم من الصوفية والمنافقين والمشركين ومن الخوارج والغلاة والكفار من الخلق اجمعين ما معناه فاذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد احب واذا احب لم يؤثر ما سوى الله عليه ويشفع ذلك بالبراءة من اعدائهم في كل شيء كما انه يواليهم ويقتدى بهم في كل شيء فهذا اعلى المودة حتى انه لو نظر نظرة حراما فقد نقص من مودتهم عليهم السلام ونقص من البراءة من اعدائهم وكيف كملت مودته لهم وقد مال عنهم بان نظر حراما بخلاف ما احبوا ومال الى اعدائهم بان نظر الى حرام كما احبوا بل اقل من ذلك كما روي عن عيسى بن مريم على محمد وآله وعليه السلام ما معناه انه حذر الحواريين عن الزنا فقالوا انا لانهم به فقال عليه السلام ما اريد انكم لا تهمون به ولكن اريد ان لا تجروه على خواطركم فان البيوت التي يوقد تحتها النار تسود سقوفها وان لم تصل اليها النار ه‍ ولا ريب ان ذكر المعصية نقص في حقهم وفي حق مودتهم اذا ذكرها على سبيل فرض الفعل لها ولو وسوسة ولا ينافي هذا ما ورد من انه رفع عن هذه الامة فان المراد رفع المؤاخذة عليه لا رفع اصل تأثيره بالكلية لانه انما صدر عن نقص وعن غفلة عن ذكر الله ولا ما ورد عنه صلى الله عليه وآله في جوابه لمن وسوس وقال نافقت قال له ذلك محض الايمان لان المراد بمحض الايمان هو خوفه واضطرابه مما وقع منه فانه لو لم يكن ماحضا للايمان لمال الى ما ناجاه به الشيطان لا انه كما لو لم يكن منه وانما لم يضره الوسوسة وذكر المعصية لانه تأذي بذلك فكان ذلك التأذي كفارة له ولولا ذلك لحدث منه الريب باعتياد النفس عليه ويحدث من الريب الشك ومن الشك الكفر كما قال صلى الله عليه وآله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ه‍ ومن الدليل النقلي على ما قلنا من ان اعلا المودة القيام بكمال الخدمة والطاعة في كل شيء ما في قرب الاسناد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى لما نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وآله قام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ايها الناس ان الله قد فرض عليكم فرضا فهل انتم مؤدوه قال فلم يجبه احد منهم فانصرف فلما كان من الغد قام فقال مثل ذلك ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلم احد فقال ايها الناس انه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب قالوا فالقه اذا قال ان الله تعالى انزل الى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى فقالوا اما هذه فنعم قال الصادق عليه السلام فوالله ما وفي بها الا سبعة نفر سلمن وابو ذر وعمار والمقداد بن الاسود الكندي وجابر بن عبد الله الانصاري ومولي لرسول الله صلى الله عليه وآله يقال له البت وزيد بن ارقم وفي المجمع عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الاية قل لا اسئلكم الاية قالوا يا رسول الله (ص) من هؤلاء الذين امرنا الله بمودتهم قال علي وفاطمة وولدهما وعن علي عليه السلام فينا في الحم آية لا يحفظ مودتنا الا كل مؤمن ثم قرأ هذه الاية وعن النبي صلى الله عليه وآله ان الله خلق الانبياء من اشجار شتى وخلقت انا وعلي من شجرة واحدة فانا اصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها واشياعنا اوراقها فمن تعلق بغصن من اغصانها نجا ومن زاغ هوى ولو ان عبدا عبد الله بين الصفا والمروة الف عام ثم الف عام ثم الف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النار ثم تلا قل لا اسألكم الاية وفي الخصال عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يحب عترتي فهو لأحدي ثلاث اما منافق واما لزنية واما حملت به امه في غير طهر ه‍

وأما ان بموالاتهم تقبل الطاعة المفترضة فهو مما لا ريب فيه وقد قطع به العقل الصحيح والنقل الصريح اما العقل فقد تقدم في كثير من ابحاث هذا الشرح انهم علل الاشياء واسباب وجودها لا فرق في شيء منها بين الذوات والصفات ولا بين الاقوال والاعمال والاحوال وان كل شيء منها السنة الثناء عليهم بذكر صفات ولايتهم وآثارها فان تلك هي الاسماء الحسنى التي امر الله ان يدعى بها في التأويل وفي الباطن هم عليهم السلام تلك الاسماء الحسنى وفي الظاهر الاسماء الحسنى هي التسعة والتسعون اسما المعروفة ومعانيها الدالة عليها هي معانيه تعالى اي معاني افعاله والكل حملة الثناء والتعزير والتوقير فبما اشرنا اليه يظهر لمن فهم المقصود ان الاعمال صفات الولاية وآثارها فاذا جرت على مطابقتها وجهة امتثال مقتضاها قبلت لمطابقتها للولاية وموافقتها لها لان الصفة اذا طابقت الموصوف قبلت يعني قبلت للوصفية بخلاف ما لو خالفت فانها لا تقبل لان الصفة لا تقبل لنفسها وانما تقبل للوصفية واذا خالفت الموصوف لا تصلح للوصفية فلا تقبل الاعمال الا بولايتهم لان الاعمال ان كانت صالحة واقعة بشروطها اي شروط الصحة والقبول وهو كونها موافقة لأمرهم محدودة بتحديدهم مأخوذة عنهم متلقاة عنهم مشفوعة بموالاتهم وموالاة اوليائهم وبمعاداة اعدائهم واتباعهم والبراءة منهم فان كانت صحيحة تامة الشروط كما قرروا عليهم السلام قبلت لانها حينئذ صفة ولايتهم وان لم توافق مقتضى ولايتهم كما ذكرنا هنا وفيما تقدم ردت لعدم صلاحيتها للوصفية لولايتهم وعدم صلاحيتها لنفسها للقبول لانها صفة فاذا لم تصلح صفة للحق كانت صفة للباطل اذ لا واسطة بينهما والباطل ولاية اعدائهم فترد هذه الاعمال الباطلة برد موصوفها

وأما النقل فهو كثير جدا وقد تقدم ما يدل على هذا ومنه ما في امالي الطوسي بسنده الى علي بن الحسين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بال اقوام اذا ذكر عندهم آل ابراهيم عليهم السلام فرحوا واستبشروا واذا ذكر عندهم ال محمد صلى الله عليه وآله اشمأزت قلوبهم والذي نفس محمد بيده لو ان عبدا جاء يوم القيمة بعمل سبعين نبيا ماقبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية اهل بيتي وفيه بسنده الى ابي حمزة الثمالي قال قال لنا علي بن الحسين زين ‌العابدين عليهما السلام اي البقاع افضل فقلنا الله ورسوله وابن رسوله اعلم فقال ان افضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو ان رجلا عمر ما عمر نوح في قومه الف سنة الا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ثم لقى الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا وفيه بسنده الى ابي جعفر الباقر (ع) عن آبائه عن علي عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبريل عن الله عز وجل قال وعزتي وجلالي لاعذبن كل رعية في الاسلام دانت بولاية امام جائر ليس من الله عز وجل وان كانت الرعية في اعمالها برة تقية ولاعفون عن كل رعية دانت بولاية امام عادل من الله تعالى وان كانت الرعية في اعمالها ظالمة مسيئة قال عبد الله بن ابي‌يعفور سألت ابا عبد الله الصادق عليه السلام ما العلة الا دين لهؤلاء وما عتب لهؤلاء قال لان سيئات الامام الجائر تغمر حسنات اوليائه وحسنات الامام العادل تغمر سيئات اوليائه ه‍ وامثال هذه الاخبار بهذا المعنى كثيرة جدا قد بلغت حد التواتر معنى واما الحرف الثاني فكما مر ولو احتمل ان تكون المودة بمعنى المحبة من الله تعالى اي اوجب الله لكم المودة على جميع خلقه وجعلها لكم في قلوب عباده كما قال تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا من جهة ما جعلهم عليهم السلام عليه من الصفات الحميدة الموجبة لمحبة الخلق كما تقدم بمعنى انه لا يكره احد من خلقه شيئا من صفاتهم واحوالهم واعمالهم واقوالهم واعتقاداتهم وصورهم ودينهم وسيرتهم وسجيتهم وغير ذلك فكل احد يودهم ويميل اليهم حتى اعداؤهم وانما دعاهم الى العداوة شدة الحسد لهم وهذا المعنى غير ما تقدم من كون المودة اوجبها اجرا للرسالة لم يكن بعيدا بل هو قريب مراد بل يرجع سبب اجر الرسالة الى هذا لان الفائدة في اجر الرسالة ليجمعهم على ما به صلاحهم وهدايتهم اذ لا ينتفعون بالرسالة الا مع اتباع قرابته ويكون المعنى اسألكم على تبليغ رسالة ربي اليكم ونصحي لكم واخراجكم من الذل وتفريج الكروب عنكم وانقاذكم من شفا جرف الهلكات ومن النار اجرا وهو قبول ما اتيتكم به من ربي مما فيه صلاحكم ونجاتكم ولا يكون ذلك منكم الا بمودة اهل بيتي ليهدوكم الى مصالح دنياكم وآخرتكم ويعينوكم على القبول بنورهم في قلوبكم وبتعليمهم اياكم ودعائهم لكم واستغفارهم لكم وتحملهم عنكم موبقات سيئاتكم ويحتمل ان يراد بالمودة الواجبة مودة الله لكم اي محبته لكم لانكم احباءه فاوجب على نفسه تعالى محبتكم بمعنى الوجوب في الحكمة او بمعنى الثبوت فاذا اوجب على نفسه في الحكمة مودتكم القيها في خير البيوت وحرزها في احصن المدن وهي قلوب شيعتهم فمحبة الله تعالى لهم يوجدها لهم لان هذه المحبة والمودة حادثة بحدوثهم ولا يتحقق الحادث الا في الحوادث فاودعها القلوب الطاهرة وهي قلوب محبيهم وشيعتهم وهو جعل الله القلوب والافئدة تهوي اليهم قال تعالى وجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وهذا المعنى ينطبق عليه سياق الكلام وربطه بما بعده مما عطف عليه وهو قوله والدرجات الرفيعة والمقام المحمود فان هذه عند الله ومنه لكم وسياق قوله ولكم المودة الواجبة ولكم الدرجات الرفيعة ولكم المقام المحمود فان هذه منه تعالى لكم لا ان المودة منا والدرجات من الله فيكون لهم عليهم السلام مودتان مودة هي اجر الرسالة ومودة ارادها الله تعالى لهم عليهم السلام من خلقه في مقابلة نعمة الايجاد اي شكرا لها وهي صورة القبول لنعمه المبتدءة فان ذلك من اعظم موجب الاستحقاق من فضله تعالى فان قلت ما معنى مودتين بل قل هي واحدة فمرة تقول مودة الله التي ارادها من عباده في مقابلة نعمة الايجاد جعلها لهم عليهم السلام في مقابلة نعمة الرسالة قلت فاذا هي اثنتان باعتبار تثنية السبب الا انهما لما كانتا متلازمتين كل واحدة مبنية على الاخرى وكل واحدة لو انفردت كانت علة تامة في الاستحقاق بحيث يلزم من ذلك الاستغناء عن احدهما كانتا بالتلازم وبانهما معا انما اريدا لاجلهم صلى الله عليهم اجمعين واتحدا باعتبار اتحاد المتعلق وباتحاد العلة الغائية عليهم السلام وقولي باعتبار تثنية السبب اريد به ان سبب المحتملة هو التكليف بالتكون التكويني والثاني اي سبب الاولة هو التكليف بالتكون التشريعي فافهم راشدا ان شاء الله تعالى

قال عليه السلام : والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمقام ( والمكان خ‌ل ) المعلوم عند الله عز وجل والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة
قال الشارح المجلسي رحمه الله والمقام المحمود وهو الشفاعة او الوسيلة والمقام المعلوم وهو الرتبة العظيمة او الوسيلة كما تقدمت انتهى

اقول قوله والدرجات الرفيعة المراد بها مراتب القرب من الله سبحانه واعلى مراتب القرب التي لم يصل اليها الا محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته بتوسطه مقام او ادنى الاعلى لان مقام او ادنى له مراتب متعددة بعدد العارفين لانفسهم فكل من عرف نفسه كما قال امير المؤمنين عليه السلام لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقد وصل الى مقام او ادنى بنسبة رتبته لان المراد من مقام او ادنى هو ما فوق مقام قاب قوسين وهو اجتماع السالك بمقام عقله وهو اول وجوده المقيد وفوقه مقام او ادنى وهو مقام الوجود المطلق والمراد به حال ظهوره اي ظهور وجوده من الفعل كحال ظهور ضربا الذي هو مصدر من ضرب الذي هو فعل ماض يعني حال اشتقاقه منه فانه لم يكن شيئا قبل الاشتقاق وانما اخترعه الفاعل من هيئة فعله والواصل الى هذا المقام مقام او ادنى هو حينئذ محل الفعل المختص به وهذا الفعل المختص بذلك الشخص رأس من رؤس الفعل الكلي الذي هو المشية وهو مقام او ادنى بالنسبة الى محمد صلى الله عليه وآله والى اهل بيته عليهم السلام وهذا مقام نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن كما قال الصادق عليه السلام وهذا هو مقام مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وفي هذا المقام هم الفاعلون ودونها مقام المعاني وهم عليهم السلام في هذا المقام بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ودونها مقام الابواب وهم في هذا المقام هم بامره يؤدون الى من سواهم ودونها مقام الامام المفترض الطاعة وحجة الله في ارضه وسمائه والمقامات في الدرجات متعددة ولهم في كل رتبة اعلى درجة منها حتى ينتهي بهم التقريب من الله سبحانه الى مقام او ادنى ورسول الله صلى الله عليه وآله امامهم في كل درجة لكنهم لا يتأخرون عنه فثبت لهم ما يثبت له ما خلا النبوة والاسبقية لانهم به صلى الله عليه وعليهم وصلوا الى رتبته وهو قول علي عليه السلام في خطبته يوم الجمعة والغدير في هذا المعنى علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وقد تقدم تمام كلامه عليه السلام وفي بصائر الدرجات الى ابي جعفر عليه السلام قال فضل امير المؤمنين عليه السلام ما جاء به اخذ به وما نهى عنه انتهى عنه وجرى له من الطاعة بعد رسول الله (ص) مثل الذي جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله والفضل لمحمد صلى الله عليه وآله المتقدم بين يديه كالمتقدم بين يدي الله ورسوله (ص) والمتفضل عليه كالمتفضل على الله وعلى رسوله (ص) والراد عليه في صغيرة او كبيرة على حد الشرك بالله فان رسول الله صلى الله عليه وآله باب الله الذي لا يؤتى الا منه وسبيله الذي من سلكه وصل الى الله وكذلك كان امير المؤمنين عليه السلام من بعده وجرى في الائمة واحدا بعد واحد جعلهم الله اركان الارض ان تميد باهلها وعمد الاسلام ورابطه على سبيل هداه ولا يهتدي هاد الا بهداهم ولا يضل خارج من هدى الا بتقصير عن حقهم وامناء الله على ما اهبط من علم او عذر او نذر والحجة البالغة على من في الارض يجري لاخرهم من الله مثل الذي جرى لاولهم ولا يصل احد الى شيء من ذلك الا بعون الله ه‍ واما انهم ملحقون برسول الله صلى الله عليه وآله فمما لا اشكال فيه وقد تكثرت به الاخبار ومما يدل على ذلك ما رواه في بصائر الدرجات بسنده الى ابي عبد الله عليه السلام قال الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء قال الذين آمنوا النبي وامير المؤمنين والذرية الائمة عليه وعليهم السلام الاوصياء (ع) الحقنا بهم ولم تنقص ذريتهم من الجهة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة ه‍ يعني ان محمدا صلى الله عليه وآله اتى بالحجة المقيمة لوجوب طاعته من الله تعالى في علي واهل بيته عليه وعليهم السلام ولم تنقص حجته صلى الله عليه وآله بما شرك الله سبحانه فيها عليا واهل بيته عليهم السلام ولم تقصر حجتهم وان كانت مقتبسة من حجته صلى الله عليه وآله عن رتبة حجته (ص) لان ما اوتوا مما اوتى كنورهم من نوره صلى الله عليه وآله وقد اخبر علي عليه السلام عن نسبة ذلك فقال انا من محمد (ص) كالضوء من الضوء فالضوء كالسراج اذا اشعل من السراج فانه وان كان متأخرا في الوجود عنه ومقتبسا منه الا انه بعد الاشتعال مساو له وكذلك الائمة من ولده عليهم السلام فهم بعد ان خلقوا من نوره صلى الله عليه وآله كانوا في ذواتهم مثله وله الفضل عليهم بتوسطه بينهم وبين الله تعالى في كل شيء وكذلك ما وصل اليهم من المدد مما وصل اليه وان كان صلى الله عليه وآله له الفضل عليهم لسبقه في الوجود وتوسطه بينهم وبين الله في كل شيء وبهذين كان اعلم منهم حيث لم يصلوا اليهما ومن دونه امير المؤمنين عليه السلام فانه افضل منهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لسبقه وتوسطه كذلك ولهذا لقب بامير المؤمنين عليه السلام لانه يميرهم العلم وهم المؤمنون ويدخل في عموم لفظ المؤمنين جميع شيعتهم من النبيين والمرسلين وسائر الاولياء والمؤمنين ولكن دخولهم بالتبعية كل بنسبة رتبته والى هذا اشار تعالى بقوله واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون الا انه عليه السلام وان كان القائم بذلك عن الله ورسوله الا انه بالنسبة الى الائمة من ولده بلا واسطة والى الانبياء والمرسلين بواسطة الائمة عليهم السلام والى المؤمنين بواسطة الانبياء والمرسلين بعد الائمة عليهم السلام وفي بصائر الدرجات بسنده الى الحرث النصري عن ابي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن في الامر والنهي والحلال والحرام نجري مجرى واحد ( مجرى واحدا خ ) فاما رسول الله وعلي صلى الله عليهما وآلهما فلهما فضلهما وفيه بسنده الى ايوب بن الحر عن ابي عبد الله عليه السلام او عمن رواه عن ابي عبد الله عليه السلام قلنا الائمة بعضهم اعلم من بعض قال نعم وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرءان واحد ه‍ وبالجملة بقوا صلى الله عليهم يتنقلون من الدرجات العاليات الف دهر لم يكن في الوجود غيرهم الاربعة عشر صلى الله عليهم الى ان وصلوا في نزول الظهور في هذه المدة الى آخر درجة فخلق الله سبحانه وله الحمد من عرق انوارهم مائة واربعة وعشرين الف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ومرسل وبقوا في الانبياء والمرسلين الف دهر الى ان تم ما امروا بتأديته اليهم ثم خلق الله سبحانه وله الحمد من اشعة انوار النبيين عليهم السلام ارواح المؤمنين من شيعتهم فادوا الى المؤمنين ما امروا بتأديته اليهم بواسطة الانبياء وبغير واسطتهم ولهم في كل رتبة ومقام منذ كونهم الله تعالى الى ان ظهروا في هذه الدنيا درجات في اعمالهم في التأدية والاعانة والتقدير والمنع والعطاء والقبض والبسط والشفاعة والفضل والعفو والرحمة والنقمة والتسامح والاقتصاص وغير ذلك مما طوي الله سبحانه بسط منشوره بقوله تعالى لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون الايات درجات عاليات في كل مقام بما يليق به لا يصل اليها احد من خلق الله بحيث كان كل شيء فقد جعله الله تعالى في قبضتهم وامره بطاعتهم على جهة الاطلاق وعدم التخصيص والتقييد لا يستثنى منه الا ما ذكره تعالى في قوله وهم بامره يعملون وفي قوله وما تشاؤن الا ان يشاء الله فبين ما اشرنا اليه الحجة عليه السلام في قوله في دعاء شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الى قوله اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت الدعاء واراد عليه السلام بقوله سماءك وارضك معنى غيب عالمك وشهادته ليدخل فيه كل شيء ويكفيك قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ه‍ صلى الله عليه وآله الطاهرين

قوله عليه السلام : والمقام المحمود مجمله ما ذكره الشارح المجلسي رحمه الله وهو قوله الشفاعة او الوسيلة وقال في القاموس الوسيلة والواسلة المنزلة عند الملك والدرجة والقربة وفي النهاية في حديث الاذان اللهم آت محمدا الوسيلة هي في الاصل ما يتوصل به الى الشيء ويتقرب به وجمعها وسائل يقال وسل اليه وسيلة وتوسل والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى وقيل هي الشفاعة يوم القيمة وقيل هي منزلة من منازل الجنة كذا جاء في الحديث في صفته عليه السلام ه‍ وفي مجمع البحرين قوله تعالى وابتغوا اليه الوسيلة اي القربة الى الله عز وجل وفي الدعاء واعط محمدا صلى الله عليه وآله الوسيلة روي انها اعلى درجة في الجنة لها الف مرقاة ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام وهي ما بين مرقاة جوهر الى مرقاة ياقوت الى مرقاة ذهب الى مرقاة فضة فيؤتى بها يوم القيمة حتى تنصب مع درجة النبيين كالقمر بين الكواكب فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد الا قال طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله سلوا الله لي الوسيلة طلب صلى الله عليه وآله من امته الدعاء له هضما لنفسه او لتنتفع به امته وتثاب عليه ومع هذا فانه يزيده رفعة بدعاء امته كما يزيدهم بصلاتهم عليه ووسلت الى الله تعالى بالعمل من باب وعد رغبت اليه وتقربت ومنه اشتقاق الوسيلة وهي ما يتقرب به الى الشيء والواسل الراغب الى الله تعالى انتهى

اقول الحديث الذي اشار اليه صاحب مجمع البحرين هو ما رواه الصدوق رحمه الله في معاني الاخبار وتمامه بعد قوله طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته فيأتي النداء من عند الله تعالى يسمع النبيين وجميع الخلق هذه درجة محمد صلى الله عليه وآله فاقبل انا يومئذ مؤتزرا بريطة من نور علي تاج الملك واكليل الكرامة وعلي بن ابي طالب امامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد يكون مكتوب عليه لا اله الا الله المفلحون هم الفائزون بالله فاذا مررنا بالنبيين قالوا هذان ملكان مقربان لم نعرفهما فاذا مررنا بالملائكة قالوا نبيين مرسلين حتى اعلو الدرجة وعلي يتبعني حتى اذا صرت في اعلا درجة منها وعلي اسفل مني بدرجة فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد الا قال طوبى لهذين العبدين ما اكرمهما على الله تعالى فيأتي النداء من قبل الله تعالى يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين هذا حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وهذا ولي علي عليه السلام طوبى لمن احبه وويل لمن ابغضه وكذب عليه فلا يبقى يومئذ احد احبك يا علي الا استروح الى هذا الكلام وابياض وجهه وفرح قلبه ولا يبقى احد ممن عاداك او نصب لك حربا او جحد لك حقا الا اسواد وجهه واضطربت قدماه فبينا انا كذلك اذا ملكان قد اقبلا الى اما احدهما فرضوان خازن الجنة واما الاخر فمالك خازن النار فيدنو رضوان فيقول السلام عليك يا احمد فاقول السلام عليك ايها الملك من انت فما احسن وجهك واطيب ريحك فيقول انا رضوان خازن الجنة وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة فخذها اليك يا احمد فاقول قد قبلت ذلك من ربي وله الحمد على ما فضلني به ربي ادفعها الى اخي علي بن ابي طالب ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول السلام عليك يا احمد فاقول عليك السلام ايها الملك فما اقبح وجهك وانكر رؤيتك فيقول انا مالك خازن النار وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا احمد فاقول قد قبلت ذلك من ربي فله الحمد على ما فضلني به ادفعها الى اخي علي بن ابي طالب ثم يرجع مالك فيقبل علي (ع) ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار حتى يقف على عجزة جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها وعلي آخذ بزمامها فتقول له جهنم جزني يا علي فقد اطفأ نورك لهبي فيقول لها علي (ع) قرى يا جهنم خذي هذا واتركي هذا خذي هذا عدوي واتركي هذا وليي فلجهنم يومئذ اشد مطاوعة لعلي من غلام احدكم لصاحبه فان شاء يذهبها يمنة وان شاء يذهبها يسرة ولجهنم يومئذ اشد مطاوعة لعلي (ع) فيما يأمرها به من جميع الخلائق انتهى الحديث الشريف كما في المعاني اقول المقام المحمود المقام المحمود او المحمود من قام فيه لان كل من رأه حمده واثني عليه وله اعتباران اعتبار من جهة الفضيلة واعتبار من جهة الفاضلة فاما الاول فلكونه اعلى مراتب القربة الى الله تعالى فيحمده كل احد ويحمد من قام فيه اذ ليس مقام اقرب منه ليستحق الثناء دونه او يساويه فيه واما الثاني فلأنه لما كان اعلى مراتب القرب الى الله تعالى لزم ان يكون كل من دونه يحتاج اليه في كل شيء لعلوه على كل مقام واحاطته بكل من دونه على جهة العلية والقيومية فعلى الاول يراد منه القرب المطلق الذي هو مقام او ادنى وعلى الثاني يراد منه مقام البابية المطلقة كالتوسط بين الخلق وبين الله سبحانه والتلقي من الجناب الاعلى عز وجل للتأدية والتأدية الى من دونه والشفاعة للمقصرين من اتباع صاحب المقام ولهذا فسر المقام المحمود بالشفاعة او الوسيلة لما قلنا وفسرت الوسيلة بالقرب او الشفاعة او منزلة في الجنة مخصوصة كما ذكر في حديث المعاني المتقدم وهو مقام الحكم بالحق والعدل بالقسط والقسمة بالسوية بحسب المقتضى كما في الحديث المتقدم والمقام المحمود تل من مسك اذفر بحيال العرش كما في تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام فمعنى انه القرب من الله تعالى او الشفاعة او الوسيلة او منزلة من منازل الجنة ان المقام المحمود مكان لما فسر به من هذه الامور فان اعلا مراتبها ما وقع في المقام المحمود وفي روضة الواعظين للمفيد (ره) كذا في تفسير الاميرزا محمد القمي وفي البحار انه للشيخ محمد بن علي بن احمد الفارسي (ره) وكلام الاميرزا محمد يحتمل انه كتاب آخر غير المشهور للمفيد (ره) ويحتمل انه من سهو القلم والا فروضة الواعظين الموجودة للفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اذا قمت المقام المحمود لشفعت في اصحاب الكبائر من امتي فيشفعني الله فيهم ولا تشفعت في من آذي ذريتي وفيه ايضا قال الله تعالى عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا قال رسول الله (ص) المقام الذي اشفع فيه لأمتي وسمى ذلك المكان بالمقام المحمود لما قلنا اولا من انه محمود والقائم فيه محمود ولان القائم فيه يحمد اهل الطاعة ويثني عليهم كما في التوحيد عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث يقول فيه عليه السلام وقد ذكر اهل المحشر ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه احد قبله ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين فتحمده اهل السموات والارض فذلك قوله عز وجل عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا فطوبى لمن كان في ذلك اليوم له حظ ونصيب وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ولا نصيب ه‍ وقول مجمع البحرين طلب صلى الله عليه وآله من امته الدعاء له هضما لنفسه الخ اما التعليل الاول فليس بمتجه لان المقام ليس مقام تصغير النفس وانما فعل ذلك بامر من الله تعالى لانه صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى واما التعليل الثاني فمتجه صحيح وقوله ومع هذا فانه يزيده رفعة بدعاء امته هو ايضا صحيح لكن على معنى ان الزيادة لا تلحق ذاته وانما تلحق الملحق به كما ان الصلوة تزيد في المسجد فضلا وتنقص في الحمام وقد تقدم الكلام في هذا ومن انكر عدم انتفاعهم عليهم السلام بدعاء شيعتهم فقد جهل المسئلة كيف وقد قال صلى الله عليه وآله تناكحوا تناسلوا فاني اباهي بكم الامم الماضية والقرون السالفة يوم القيمة ولو بالسقط الحديث فان قلت ما ذكرت من الاخبار انما تدل على اختصاص المقام المحمود به صلى الله عليه وآله وانت في بيان اثباته لهم عليهم السلام قلت كل ما وصفوا بصفة من الصفات الحميدة فرسول الله صلى الله عليه وآله امامهم بل هو اصلهم فيها ومقتداهم فهي له وهو مأمور من الله تعالى ان يؤديها اليهم لانه الواسطة بينهم وبين الله تعالى ومن ذلك المقام المحمود فهو مقامه واعلى مرتبة منه يختص بها دونهم ويليها مرتبة امير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام دون امير المؤمنين عليه السلام على مراتبهم الا انه صلى الله عليه واله هو المدعو باسمه فلذا نسب المقام المحمود اليه وهم يجرون مجريه في كل ما كان المقام المحمود مكانا له من القرب والشفاعة والوسيلة والمنزلة في الجنة الا انه صلى الله عليه وآله هو داعيهم وقائدهم ففي الشفاعة يشفع باذن الله تعالى لهم فيشفعون باذن الله واذن رسوله صلى الله عليه وآله لمن شاؤا ويشفعون من شاؤا فيمن شاؤا فنالوا الشفاعة والتشفيع به كذا في الوسيلة والقرب والمنزلة فصح بهذا الاعتبار نسبة المقام المحمود اليهم

قوله عليه السلام : والمقام المعلوم وفي بعض النسخ الصحيحة والمكان المعلوم والمكان والمقام بفتح الميم واحد لان المقام بفتح الميم موضع القيام اذا اريد به مكان الشفاعة كالمقام المحمود او الاعم كتولي امر الحساب وقسمة الجنة والنار وانزال المستحقين منازلهم من الدارين وان قرئ بضم الميم لم يتناف مع المكان ايضا ولكنه يكون موافقا للمنزلة في الجنة لانه موضع الاقامة فعلى الوجه الاول يتحدان هذا الوجه الاول مع الوجه الاول هناك وعلى الثاني هنا وهناك يعني المنزلة في الجنة يتحدان ايضا الا ان مقتضى العطف المغايرة فحمل هذا على المعنى الاعم او يخص المتقدم بما يتعلق بيوم الحساب او الشفاعة وهذا بالمنزلة في الجنة او العكس او ان يراد بمغايرة العطف الابهام بان يقال هما متغايران على جهة الابهام ان اريد بالاول الشفاعة اريد بالثاني ما يتعلق بيوم القيمة غيرها او المنزلة في الجنة وان اريد بالاول المنزلة او ما يتعلق بيوم القيمة اريد بالثاني الشفاعة او يراد بالثاني القرب من الله سبحانه وبالاول ما سواه او بالعكس وفي قوله المعلوم اشارة الى معهود ذهني او ذكري فعلى الاول يراد بالمحمود خصوص الشفاعة وبالمعلوم ما سواه مطلقا او ما سواه يوم القيمة او بالعكس وعلى الثاني يراد بالمحمود خصوص الشفاعة او مطلقا وبالمعلوم نفس المقام يعني المكان المعلوم والحاصل انه كما يقال ان الظاهر هو المغايرة بموجب العطف يحتمل التفسير وان كان بعيدا ويحتمل ارادة الولاية المطلقة في الاول لانها السلطنة الكبرى وارادة بعض موجباتها في الثاني وفي معاني الاخبار والتوحيد بسنده الى محمد بن مسلم قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان لله عز وجل خلقا خلقهم من نوره ورحمته فهم عين الله الناظرة واذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه باذنه وامناؤه على ما انزل من عذر او نذر او حجة فبهم يمحو الله السيئات وبهم يدفع الضيم وبهم ينزل الرحمة وبهم يحيي ميتا وبهم يميت حيا وبهم يبتلي خلقه وبهم يقضي في خلقه قضيته قلت جعلت فداك من هؤلاء قال الاوصياء ه‍

وقوله عليه السلام : عند الله عز وجل يراد منه ان هذا المقام المعلوم اعده الله لهم عليهم السلام يوم القيمة او في الجنة او في المكانة والقرب منه تعالى على الاحتمالات الثلاث وعنده تعالى اي في ملكه ونسبه اليه اشعارا بالاختصاص التشريفي على نحو الادخار لهم صلى الله عليهم ويستفاد من اخبارهم ان هذا المقام المشار اليه اعلى المقامات واشرفها عنده واحبها اليه وهو حمولة قوله تعالى ووسعني قلب عبدي المؤمن المعبر عن هذا الوسع المذكور بقوله الرحمن على العرش استوى وبقولهم عليهم السلام نحن محال مشية الله والسنة ارادته ومعانيه كما تقدم في حديث جابر الجعفي عن ابي جعفر عليه السلام في قوله يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال فقلت وما البيان والمعاني قال فقال علي عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وامره وحكمه وعلمه وحقه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريده فنحن المثاني الذي اعطانا الله نبينا ونحن وجه الله الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين ومن جهلنا فامامه سجين ولو شئنا خرقنا الارض وصعدنا السماء وان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم ه‍ وقوله عليه السلام ولو شئنا خرقنا الارض وصعدنا السماء يؤيده ما رواه المقداد بن الاسود الكندي قال قال لي مولاي يوما ائتني بسيفي فاتيته به فوضعه على ركبتيه ثم ارتفع الى السماء وانا انظر اليه حتى غاب عن عيني فلما قرب الظهر نزل وسيفه يقطر دما فقلت يا مولاي اين كنت فقال ان نفوسا في الملأ الاعلى اختصمت فصعدت فطهرتها فقلت يا مولاي وامر الملأ الاعلى اليك فقال يا ابن ‌الاسود انا حجة الله على خلقه من سمواته وارضه وما في السماء ملك يخطو قدما عن قدم الا باذني وفي يرتاب المبطلون ه‍ وهذا العهد الذهني او الذكرى يعني به الايماء الى المقام الذي يقومه او يقوم فيه من قلبه عرش الرحمن الذي استوى عليه برحمانيته وهو عين الله ولسانه ويده وقلبه وامره وحكمه وجميع معانيه اي معاني افعاله وكذلك هو ايضا بيت الله وبابه وفي الاحتجاج للطبرسي عن الاصبغ بن نباتة قال كنت عند امير المؤمنين عليه السلام فجاءه ابن ‌الكوا فقال يا امير المؤمنين قول الله عز وجل ليس البر ان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقي واتوا البيوت من ابوابها فقال عليه السلام نحن البيوت التي امر الله ان تؤتى من ابوابها نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منها فمن بايعنا واقر بولايتنا فقد اتى البيوت من ابوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد اتى البيوت من ظهورها ان الله عز وجل لو شاء عرف الناس نفسه حتى يعرفوه ويأتوه من بابه ولكن جعلنا ابوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى نته قال فمن عدل عن ولايتنا وفضل علينا غيرنا فقد اتى البيوت من ظهورها وانهم عن الصراط لناكبون ه‍ وغيره مما يدل على انهم عليهم السلام مقاماته ومعانيه وابوابه وحججه والمقام المعلوم والمحمود لا يقومه ولا يقوم فيه الا من كان كذلك لعلو رتبته ولهذا قال عند الله تعظيما له بكونه عنده تعالى وانما قال عليه السلام عز وجل تنبيها على انه سبحانه يتعالى عن كل نسبة وكل ما يضاف اليه من جليل وحقير لان هذا المقام المشار اليه وان كان في غاية كمال الامكان في النسب والاضافات من سائر المراتب الا انه لما نوه به وبشرفه وعلو قدره ونسبه الى العند الاكبر الذي لا يتناهى في الشرف الامكاني نبه على ان الخلق لا يسلم منه شيء عن نقص وفقر يبلغ به في رتبة التحقق الذاتي الى العدم واللاشيء والله سبحانه يتعالى عن كل شيء فكل عظيم في جنب عظمته حقير كما قال سيد العابدين عليه السلام فلك العلو الاعلى فوق كل عال والجلال الامجد فوق كل جلال كل جليل عندك صغير وكل شريف في جنب شرفك حقير وان هذه المبالغات في الشرف والعزة يتعالى ويتقدس سبحانه عنها وعن كل شيء حقير او جليل وما ينسب اليه بنفسه سبحانه فانما هو تشريف منه لما نسب فضلا وكرما وله الحمد على كل حال ويمكن ان يقال ان عند منصوب بالمعلوم على انه معمول له والمعنى ان ذاك المكان او المقام معلوم عند الله تعالى اي معين في علمه لمحمد وآله صلى الله عليه وآله او ان الله يعلمه اي لا يعلم قدر ذلك المقام او المكان الا الله او من اطلعه عليه من احبائه واوليائه الا ان الظاهر ان المراد بالمعلوم المعلوم عند اولي العلم به على جهة الاجمال او التفصيل او المعلوم بمعنى المشار اليه والمشار اليه هو المقام المحمود او ما ذكرنا سابقا

قوله عليه السلام : والجاه العظيم الجاه هو الوجه وهو القدر والمنزلة والوجه الجهة ومستقبل كل شيء يقول لكم القدر العظيم والمنزلة يعني عند الله تعالى بمعنى انه لا يرد سائلا سأله بهم لان قدرهم عنده تعالى اعظم من كل شيء فحيث كان اكرم وارحم منهم واجود قبلهم في كل شيء لانهم قبلوه في كل شيء وهو تعالى اولى من كل شيء بكل خير وذلك لما خلقهم ودعاهم الى ما اراد اجابوه كما اراد وهو اولى بذلك الجميل من خلقه اجابهم واجاب بهم في كل مراد وفي مجالس المفيد بسنده الى جابر عن ابي جعفر عن ابيه عن جده عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اذا كان يوم القيمة وسكن اهل الجنة الجنة واهل النار النار مكث عبد في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة ثم انه يسئل الله عز وجل ويناديه فيقول يا رب اسألك بحق محمد واهل بيته الا رحمتني فيوحي الله جل جلاله الى جبريل عليه السلام اهبط الى عبدي فاخرجه فيقول جبريل وكيف لي بالهبوط في النار فيقول الله تبارك وتعالى اني قد امرتها ان تكون عليك بردا وسلاما قال فيقول يا رب فما علمي بموضعه فيقول انه في جب سجين فيهبط جبريل عليه السلام الى النار فيجده معقولا على وجهه فيخرجه فيقف بين يدي الله عز وجل فيقول الله تعالى يا عبدي كم لبثت في النار تناشدني فيقول يا رب ما احصيه فيقول الله عز وجل له اما وعزتي وجلالي لولا من سألتني بحقهم عندي لاطلت هوانك في النار ولكنه حتم على نفسي الا يسألني عبد بحق محمد واهل بيته الا غفرت له ما كان بيني وبينه وقد غفرت لك اليوم ثم يؤمر به الى الجنة وفي مناقب ابن ‌شاذان مرفوعا الى سماعة قال قال لي ابو الحسن عليه السلام اذا كان لك يا سماعة عند الله حاجة فقل اللهم اني اسألك بحق محمد وعلي فان لهما عندك شأنا من الشأن وقدرا من القدر فبحق ذلك الشأن وبحق ذلك القدر ان تصلي على محمد وال محمد وان تفعل بي كذا وكذا فانه اذا كان يوم القيمة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان الا وهو محتاج اليهما ذلك اليوم ه‍ وانما استجاب الدعاء بحقهم عليه وجاههم عنده لانه سبحانه كما ذكرنا مرارا متعددة فيما سبق انما خلقهم له وليس له تعالى شأن بغيرهم بالذات وانما خلق جميع من سواهم من حيوان ونبات ومعدن وجماد ومن جوهر وعرض من جميع خلقه من الاسباب والمسببات من عين ومعنى صفة وموصوف لهم عليهم السلام وهو قول علي عليه السلام نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا ه‍ يعني نحن الذين اصطنعنا الله سبحانه لنفسه وصنع جميع الخلق لنا فجاههم عليهم السلام عنده اقرب واعظم من سؤال سائل من سائر خلقه فان مطلب السائل بحقهم لا يخلوأما ان يكون منافيا لجاههم وحقهم او مخالفا له واما ان يكون موافقا لحقهم وجاههم بان يكون من لواحق حقهم او توابعه فان كان مطلبه منافيا لحقهم كما لو سئل الله ان يجعله مثلهم او افضل منهم لم يصح من السائل وقوع التوسل بحقهم لان معنى التوسل بجاههم وحقهم ان يجعله شافعا له عند الله تعالى في مطلبه والسائل من غيرهم لا يصل الى مقام جاههم بحال من الاحوال فكيف يسئل هذا المقام فانه اذا سأله لم يبق ما يستشفع به الى الله تعالى مع انه لم يصل في اصل وجوده الى مطلبه فبين اصل وجوده وبين مطلبه هذا مراتب لا تحصى فهو طالب للوصول بلا سبب فقد خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق ومن دون هذا وان شاركه في ظاهر العلة ما لو سأل الله تعالى مقام النبيين والمرسلين ما لم يكن منهم ففي الاول لا يجوز لاحد من الخلق لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وانما ابتلي بعض النبيين عليهم السلام بالبلاء من الله تعالى لانه توقف في ولايتهم اي في كمال الطاعة والانقياد لهم بان وجد في نفسه وقفة ولو للتروي والتأمل مثل ايوب عليه السلام عند الانبعاث للنطق شك وبكى فقال خطب جليل وامر جسيم قال الله عز وجل يا ايوب اتشك في صورة اقمته انا اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بامرة المؤمنين وانت تقول خطب جليل وامر جسيم فوعزتي لاذيقنك من عذابي او تتوب الى بالطاعة لامير المؤمنين قال عليه السلام ثم ادركته السعادة بي يعني انه تاب واذعن بالطاعة لامير المؤمنين عليه السلام كذا في كنز الفوائد للكراجكي وتقدم الحديث بتمامه ومثل يونس عليه السلام حين دعي الى الايمان او الاقرار بامير المؤمنين عليه السلام فقال كيف اؤمن او قال اقر بمن لم اره وجرى عليه ما سمعت وقد تقدم ذكر هذا ودفع الاشكال في وقوع مثل هذا من اهل العصمة عليهم السلام وجوابه ومثل هذا حال المؤمنين بالنسبة الى الانبياء عليهم السلام وان كان مطلب السائل مخالفا لحقهم عليهم السلام كما لو سأل الله تعالى بهم ما حرم الله عليه فانه اي سؤاله ذلك لم يكن في سبيلهم وانما كان في سبيل اعدائهم فهو في دعائه يسئل الله ان ينقص حقهم عنده تعالى والسؤال فيما رضى الله تعالى بحقهم سؤال لله تعالى ان يزيد في حقهم وقدرهم عنده تعالى فهو في سؤاله المحرم غير سائل بحقهم بل هو في سبيل اعدائهم فقد اخطأ الطريق الى الله تعالى فابعد من الاجابة لانه في الحقيقة انما يدعو الشيطان وما دعاء الكافرين الا في ضلال وان كان مطلبه موافقا لحقهم عليهم السلام كما لو سأل الله تعالى تعجيل فرجهم واهلاك اعدائهم فان ذلك لاحق بحقهم او سأل الله تعالى ما امره به او ما ندبه اليه او اباحه فان ذلك تابع لحقهم والفرق بين الاول والثاني ان الاول من مكملات حقهم عنده تعالى والثاني من متممات حق شيعتهم ومحبيهم او مكملاته فمن سأل الله تعالى بحقهم وبجاههم ما كان موافقا لجاههم فان الله تعالى لا يرده لحصول الرابطة وهو وصل ما امر الله به ان يوصل فان عرف الله تعالى كانت الاجابة على اثر الدعاء والا فاما ان يكون كفارة لبعض ذنوبه او تؤخر الاجابة الى حين المصلحة في الدنيا او في البرزخ او في القيمة ولا يرد الله تعالى داعيا بحقهم وبجاههم ان كان صادقا وتفصيل هذا المقام يطول به الكلام والحاصل ان لهم جاها عظيما عند الله عز وجل وهو في الباطن ان الله تعالى جعلهم وجهه الذي يتوجه اليه الاولياء لانهم عليهم السلام الدليل اليه لا غيرهم وهو معنى ما اردنا بقولنا قبل والجاه هو الوجه ثم قلنا والوجه الجهة ومستقبل كل شيء وآيته التي ارانا الله اياها في الافاق في قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الاية والمثل المضروب لذلك ولله المثل الاعلى مثل السراج فان المرئي منه هو الشعلة الظاهرة واصلها الدخان الذي كلسته النار من الدهن فانفعل ذلك الدخان بمس النار اي بفعلها من الحرارة واليبوسة العرضيين واما النار الحقيقية التي هي الحرارة واليبوسة الجوهريتان فهي غيب لم تظهر بذاتها وانما ظهرت باثر فعلها وهو الشعلة المرئية فانها بحرارتها ويبوستها العرضيتين اللتين هما عبارة عن فعلها حرقت الدهن وجففته حتى كان دخانا فاستضاء عن فعل النار وقد ذكر هذا المعنى الشيخ ابو علي في الاشارات حيث قال اعلم ان استضاءت النار السائرة لما وراءها انما تكون اذا علفت شيئا ارضيا ينفعل بالضوء عنها الى ان قال فاذا طفيت انفصلت النار هواء والكثافة دخانا انتهى فالشعلة هي المرئية وهي الدخان المستحيل من الدهن انفعل بالضوء عن مس النار وهو الوجه والجهة للنار وليس لها وجه غيره ولم يوجد شيء من الاشعة المنبثة في اقطار البيت الا من الشعلة وبواسطتها والفاعل هو النار المحتجبة بالشعلة عن جميع الاشعة واقفون بباب الباب وهو الشعلة سائلون بفقرهم من جناب النار وهو الشعلة فكل شيء من الاشعة متوجه في جميع وجوداته ومطالبه الى الشعلة لا لها بل للنار الفاعلة للشعلة بفعلها وللاشعة بواسطة الشعلة فالشعلة آيتهم ومثلهم عليهم السلام والاشعة المنبسطة على سائر جدر البيت وسقفه شيعتهم ومحبوهم وجميع اتباع محبيهم من الحيوانات والنباتات والجمادات وعكوسات الاشعة اعداؤهم واتباع اعدائهم من الحيوانات والنباتات والجمادات وجميع الاشعة متوقفة على الشعلة ومتقومة بها ومنتهية اليها ومستمدة لوجودها وبقائه منها وبواسطتها وكذلك العكوسات بواسطة الاشعة والشعلة هي وجه النار الغائبة عن درك الاحساس وهي اي الشعلة آيتهم ومثالهم والنار الغائبة آية الحق تعالى اية استدلال عليه لا آية تكشف له فتدبر هذا المثل الذي ضربه سبحانه آية للحق في الافاق فهل يمكن ان تمد النار شيئا بغير واسطة الشعلة او يصل شيء من الاشعة الى النار بعمل او في استمداد بدون الشعلة وكذلك جميع العكوسات لا يمكن ان تستمد من الشعلة بدون واسطة الاشعة كذلك جميع الخلق لا يمكن ان يصل احد من الخلق الى الله تعالى في استمداد او وجود او بعمل بغير واسطتهم صلى الله عليهم ولا يصل من الله تعالى فيض ولا امداد الى احد من الخلق بغير واسطتهم فهم وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء فاينما تولوا فثم وجه الله كل شيء هالك الا وجهه كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام فمن سأل الله تعالى شيئا يرضى به فكالشعاع في استمداده بواسطة الشعلة وهو مقبول ثابت ومن سأل الله تعالى شيئا لا يرضى به فكالعكوسات في استمدادها بغير واسطة الاشعة وهو مردود منفي ولو كان مقبولا ثابتا لكانت العكوسات اشعة لا عكوسات فافهم وبالجملة فكل شيء انما يتلقى من الله تعالى بواسطتهم فيعطى لاجل عظم جاههم عنده لا فرق في ذلك بين الشريف والوضيع والعالي والرفيع ولهذا كان جميع الانبياء والمرسلين الذين هم اقرب الخلق بعد النبي واهل بيته صلى الله عليه وآله الى الله تعالى واحبهم اليه واوجههم عنده لا ينالون مطالبهم من الله تعالى الا بحقهم وجاههم عليهم السلام ففي جامع الاخبار وامالي الصدوق بسندهما الى معمر بن راشد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اتى يهودي الى النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر اليه فقال يا يهودي ما حاجتك قال انت افضل ام موسى بن عمران عليه السلام النبي الذي كلمه الله وانزل عليه التورية والعصى وفلق له البحر واظله بالغمام فقال له النبي صلى الله عليه وآله انه يكره للعبد ان يزكي نفسه ولكني اقول ان آدم عليه السلام لما اصاب الخطيئة كانت توبته ان قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما غفرت لي فغفرها الله له وان نوحا عليه السلام لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما انجيتني من الغرق فنجاه الله منه وان ابراهيم عليه السلام لما القي في النار قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما انجيتني منها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وان موسى لما القى عصاه واوجس في نفسه خيفة قال اللهم اني اسألك بحق محمد وال محمد لما امنتني فقال الله جل جلاله لا تخف انك انت الاعلى يا يهودي ان موسى لو ادركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه ايمانه شيئا ولا نفعته النبوة يا يهودي ومن ذريتي المهدي اذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه ه‍ وفي الاختصاص بسنده الى المفضل بن عمر قال قال لي ابو عبد الله عليه السلام ان الله تبارك وتعالى توحد بملكه فعرف عباده نفسه ثم فوض اليهم امره واباح لهم جنته فمن اراد ان يطهر الله قلبه من الجن والانس عرفه ولايتنا ومن اراد ان يطمس على قلبه امسك عنه معرفتنا ثم قال يا مفضل والله ما استوجب آدم ان يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه الا بولاية علي صلوات الله وسلامه عليه وماكلم الله موسى تكليما الا بولاية علي عليه السلام ولا اقام عيسى بن مريم آية للعالمين الا بالخضوع لعلي عليه السلام ثم قال اجمل الامر ما استأهل خلق من الله النظر فيه الا بالعبودية لنا ه‍ اقول وانت ان اطلعت على ما اشرنا اليه فحسن والا فعليك بالدليلين الصحيحين الدليل العقلي وهو ما ذكرنا من البيان والمثل الحق الذي ضربه الله لذلك والدليل النقلي وهو ما ذكرت لك من الاخبار وغير ما ذكرت ولا سيما هذا الحديث الاخير مما ذكرت فانه عليه السلام قال اجمل لك الامر ثم بين عموم هذا لجميع الخلق وهو الصادق عليه السلام في قوله على الله تعالى

قوله عليه السلام : والشأن الكبير اقول قد تقدم بيان الشأن وبيان الكبير وانما ذكرهما هنا لانه عليه السلام في صدد ما تحقق لهم بالنظر الى كونه عند الله على جهة الادخار للمجازاة لهم على صدقهم معه تعالى في جميع المواطن على وفق ما عاهدوه عليه مما اراد منهم وعاهدهم عليه فاعد لهم هذه المراتب والمنازل والمقامات بقبولهم وطاعتهم وبحقيقة ما هم اهله حيث يقول تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته وكان مدركنا لهذه الاشياء ووصفنا لها بمعونة ما بينوا لنا انما هو بحسب حقائق ذواتنا وما يمكن فيها لا بحسب تلك الاشياء على ما هي عليه وانما هو كما ظهرت لنا بما يمكننا وذلك على حد ما قال البوصيري في وصف صفات النبي صلى الله عليه وآله في قصيدته الهمزية حيث يقول :

انما مثلوا صفاتك للناس كما مثل النجوم الماء

وما احسن ما قال في هذا المجال

وقوله عليه السلام : والشفاعة المقبولة الشفاعة مصدر شفع كمنع وربما كان استعمالها على جهة النقل فهي اسم لسؤال التجاوز والصفح عن الذنوب والجرائم وقيل كما يشفع صاحب الشفاعة لاهل الذنوب في التجاوز عنها كذلك يشفع للمطيعين ليزيد في درجتهم في الجنة والمستفاد من الادلة العقلية والنقلية صحة هذا القول وهو قول المعتزلة ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وآله اعدت شفاعتي لاهل الكبائر من امتي لان قوله (ص) ذلك لبيان قبول شفاعته عند الله تعالى حتى في الكبائر لان الله تعالى قال اشفع تشفع واسئل تعط فاذا كانت مقبولة في الكبائر ففي رفع الدرجات تقبل بطريق اولى لانه صلى الله عليه وآله كثيرا ما يقول لعلي عليه السلام ما معناه ان شيعتك معنا في الجنة ولا ريب ان شيعتهم لا يصلون الى مجاورتهم في الجنة باعمالهم اذ لا يجاورونهم في الاعمال ولا يزاحمونهم فيها فلا يجاورونهم في الجنة من جهة المجازاة وانما يجاورونهم من جهة الفضل وهو بالشفاعة لانها متممة لنقص القابلية لا انها تمام القابلية والا لصلحت لاعدائهم مع ان الله تعالى نفي ذلك الا مع القابلية فاشار الى ذلك بقوله الحق ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فاذا كان المشفوع له صالحا للشفاعة بمعنى انه ممن ارتضى الله دينه وهو المؤمن فانه صالح لسكني دار رضى الله تعالى وهي الجنة الا انه ربما حصل له من تقصيراته عوائق عنها فقعد به نقصان اعماله التي هي حدود قابليته لرضي الله فتتممها شفاعة الشافع او قعد به نقصانها عن الكمال فلم يصل الى اعالي الدرجات فتأخذ بيده شفاعة الشافع حتى تبلغه بتكميل اعماله اعالي الدرجات وفي الكافي عن الباقر عليه السلام وان الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب وان المؤمن ليشفع في جاره وما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الاذى فيشفع فيه فيقول الله تعالى انا ربك وانا احق من كافي عنك فيدخله الله تعالى الجنة وما له من حسنة وان ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلثين انسانا فعند ذلك يقول اهل النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ه‍ فبين عليه السلام مراد الله في كتابه في قوله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى بقوله (ع) وما تقبل في ناصب لانها قبيحة في حقه في الحكمة لان مقتضى طينته من عمله وعمله من طينته خلاف مقتضى الشفاعة كما قدمنا الكلام في معناه في قوله عليه السلام والجاه العظيم ولو جاز له لسقطت فائدة التكليف بالاعمال لان الشفاعة لا تضيق عن القبول فيمن لا عمل له ويتساوي في ذلك جميع الخلق ولو كان ذلك جائزا لجري فعل الله على غير المقتضي ولو كان كذلك لكان الخلق كله نفسا واحدة لان التعدد انما حصل بتعدد القوابل للفعل ولو انتفت فائدة تعدد القابليات والمشخصات اتحد تعلق الفعل ولو اتحد تعلق الفعل انتفت فائدة الايجاد الكوني وان امكن الامكاني ويبطل النظام وتعالى الله عن الرضى بقبول الشفاعة للناصب علوا كبيرا وما ذكر عليه السلام من ذكر الشفاعة للمؤمن لا ينافي ما نحن بصدده من ان لهم عليهم السلام الشفاعة المقبولة لان الشفاعة لهم وهم يشفعون لشيعتهم وشيعتهم يشفعون لمحبيهم واصدقائهم وجيرانهم وهو عليه السلام ذكر شفاعة المؤمنين اذا شفعوا لهم في ان يشفعوا وفي تفسير علي بن ابراهيم في قوله تعالى فما لنا من شافعين ولا صديق حميم عنهما عليهما السلام والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى يقول اعداؤنا اذا رأوا ذلك فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام الشافعون الائمة عليهم السلام والصديق من المؤمنين ه‍ لانهم يشفعون لشيعتهم ان اشفعوا فيمن تحبون فاذا شفعوا فيهم وشفعوهم كسي المؤمن حلة الشفاعة بفضل شفاعتهم صلى الله عليهم حتى انه اذا احب جرى القبول له من الله عز وجل كما احب ولقد روي في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله ان الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله تعالى اخرجوا له صديقه في الجنة فيقول من بقى في النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ه‍ والشفاعة المقبولة يراد منها التصرف المطلق في امر الحساب والجنة والنار يفعلون بولاية الله سبحانه وتوليته اياهم الولاية العامة ما يشاؤن من غير مراجعة في كل جزئي جزئي لان الله سبحانه خلقهم على اكمل مزاج يحتمله الامكان فاقتضت حكمته الحق ان يشهدهم خلق كل شيء وينهي اليهم علم كل شيء ويجعلهم اولياء على كل شيء ولاية مطلقة غير مقيدة وعامة غير خاصة ومن ذلك ان جعل سبحانه اياب خلقه اليهم وحسابهم عليهم لما بينا مرارا متعددة انه تعالى خلق كل شيء لهم كما تواترت به اخبارهم معنى تواترا ملأ آذان الموالي والمعادي حتى لا يجهله احد وان كان من الناس من يرد ذلك عداوة وحسدا ومنهم من يرده جهلا منه لعدم احتماله له لان عقله لم يتأدب بادابهم ولم يتخلق باخلاقهم فلم يحتمل كلامهم الصعب المستصعب لا لانه لم يسمع به بل كل من تتبع آثار الفريقين وجد هذا المعنى في الاحاديث من الطرفين قد ملأ الخافقين فلما خلقهم لهم وجعلهم اولياء امور الخلق كلهم واولى بهم من انفسهم فوض امور الخلق اليهم وليس معنى هذا التفويض رفع يده واستقلالهم بالخلق لان هذا شرك بالله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولكن معناه ما ذكرناه سابقا في مواضع متعددة من ان معناه ان الله سبحانه خلقهم له فلم يجعل لهم مشية غير مشيته ولا ارادة غير ارادته لانه تعالى جعلهم محال مشيته والسنة ارادته كما قال تعالى في حقهم وما تشاؤن يا ال محمد الا ان يشاء الله وكما قال في حق نبيه صلى الله عليه وآله وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقال في حقهم لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون مع انهم عليهم السلام خلق له فهم ابدا قائمون به قيام صدور لا غني لهم عنه طرفة عين ابدا فلا ينطقون الا بما نطق فيهم من مشيته ولا التفات لهم الى شيء من انياتهم ليقع منهم غير ما اراد سبحانه فقولهم قول الله وفعلهم فعل الله وارادتهم ارادة الله سبحانه ومن نظر في احاديثهم وادعيتهم وكثير منها مجمع عليه بين الفرقة المحقة وجد ما ذكرناه واعظم مما اشرنا اليه ومنه ما تقدم في حديث الوسيلة وغيره ومنه ما رواه المفضل بن عمر قال قلت لابي عبد الله عليه السلام اذا كان علي صلوات الله وسلامه عليه يدخل الجنة محبه والنار عدوه فاين مالك ورضوان اذا فقال يا مفضل اليس الخلائق كلهم بامر محمد (ص) قلت بلى قال فعلي يوم القيمة قسيم الجنة والنار بامر محمد (ص) ومالك ورضوان امرهما اليه خذها يا مفضل فانها من مكنون العلم ومخزونه ومنه ما في رجال الكشي بسنده الى الحسن بن علي ابن فضال يقول عجلان ابو صالح ثقة قال قال له ابو عبد الله عليه السلام يا عجلان كأني انظر اليك الى جنبي والناس يعرضون علي وفي مناقب ابن‌شاذان رفعه الى جابر عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال اذا كان يوم القيمة وجمع الله الاولين والاخرين لفصل الخطاب دعا رسول الله صلى الله عليه وآله امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فيكسي رسول الله صلى الله عليه وآله حلة خضراء يضيء لها (ظ) ما بين المشرق والمغرب ويكسى علي عليه السلام مثلها ويكسى رسول الله صلى الله عليه وآله حلة وردية يضيء لها ما بين المشرق والمغرب ويكسى علي عليه السلام مثلها ثم يدعي بنا فيدفع الينا حساب الناس فنحن والله ندخل اهل الجنة الجنة وندخل اهل النار النار ثم يدعى بالنبيين عليهم السلام فيقامون صفين عند عرش الله عز وجل حتى نفرغ من حساب الناس فاذا ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار بعث الله تبارك وتعالى عليا فانزلهم منازلهم في الجنة وزوجهم فعلي والله الذي يزوج اهل الجنة وما ذلك الى احد غيره كرامة من الله عز ذكره له وفضلا فضله به ومن به عليه وهو والله يدخل اهل النار النار وهو الذي يغلق على اهل الجنة اذا دخلوا فيها ابوابها لان ابواب الجنة اليه وابواب النار اليه وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال يا علي انت صاحب الجنان وقاسم النيران الا وان مالكا ورضوان يأتياني غدا عن امر الرحمن فيقولان لي يا محمد هذه هبة من الله اليك فسلمها الى علي بن ابي طالب فادفعها اليك فمفاتيح الجنة والنار يومئذ بيدك تفعل بها ما تشاء ه‍ وفي مناقب ابن ‌شهر اشوب قال قال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في نزلت هذه الاية ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم وفي كنز الكراجكي باسناده الى محمد بن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهما السلام في قوله عز وجل ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم قال اذا كان يوم القيمة وكلنا الله بحساب شيعتنا فما كان لله سألناه ان يهبه لنا فهو لهم وما كان لمخالفيهم فهو لهم وما كان لنا فهو لهم ثم قال هم معنا حيث كنا ه‍ وفيه في رواية عبد الله ابن سنان عن الصادق عليه السلام كمعنى ما قبله وفيه وما كان للادميين سألنا الله ان يعوضهم بدله فهو لهم وبالجملة الاخبار في هذا المعنى من الشفاعة العامة لا تكاد تحصى وهذا لا اشكال فيه لان الله سبحانه المالك لخلقه جعل امر خلقه اليهم في الدنيا والاخرة تكرمة لهم ونظرا لمصلحة خلقه لانه تعالى لما كان متكرما عن معاناة امور الخلائق وكان عز وجل بحال من الجلال والعظمة والقهارية لا تستطيع الخلائق ظهوره لها لانه لو كشف حجابا من الحجب النور التي ضربها بين ظهوره وفعله وبين خلقه وهي سبعون الف حجاب لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ولهذا لما سأله موسى عليه السلام ما سأله قال له انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فامر رجلا من الكروبين من شيعة علي عليه السلام من الخلق الاول الذين لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم فامر ذلك الرجل منهم وكان نوره من نور الستر بقدر الدرهم او بقدر سم الأبرة فتقطع الجبل فكانت قطعة منه هباء وهو هذا الهباء الموجود الذي هو مع الكرة البخارية وهو الذي بين الارض والسماء من الارض مرتفعا الى نحو سبعة‌ عشر فرسخا وثلث فرسخ كما ذكره بعض علماء الهيئة ما كان منه غليظا كان مما يلي الارض وكلما ارتفع كان الطف وبه بقاء حيوة الحيوان البرية لانه معين للماسكة وقطعة منه ساخت في البحر فكانت في الماء كما كانت الاولى في الهواء وبها بقاء حيوة حيتان البحر وقطعة ساخت في الارض فهي تهوى حتى تقوم الساعة وبها بقاء حيوة الجان العاتين والشياطين المتمردين او ان القطعة الثالثة كانت ربوة باقية على وجه الارض ونور هذا الرجل عليه السلام الذي هو من شيعة علي عليه السلام اذا نسب نور الشمس الى نوره كان نسبة الواحد الى ثلاث ‌مائة الف وثلاثة واربعين الفا ونسبة نور هذا الرجل عليه السلام الى نور امامه ووليه امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه كنسبة نور شعاع خرج من سم الابرة الى نور الشمس وانوار سائر الائمة الاحدعشر وفاطمة عليهم السلام كنور علي عليه السلام لان انوارهم من نوره كالضوء من الضوء فاذا كان هذا نور رجل من شيعة علي عليه السلام ونور علي عليه السلام محل مشيته تعالى فكيف يطيق احد من الخلق ظهور فعله له بغير حجاب فلما علم سبحانه ان ظهور فعله بغير حجاب لا يقوم له شيء من خلقه لطف بهم ورحمهم فاظهر لهم من رحمته حجبا اتخذهم اعضادا لخلقه لانهم اقوياء جعلهم قادرين على التلقي من فعله لانهم محال مشيته وقادرين على الاداء الى الخلق لمناسبتهم لهم ويقدر الخلق على التلقي منهم لمشاركتهم لهم في البشرية واحكامها وكان الخلق متساوون في النسبة الى هذه الامور فلهذه الامور قلنا ان امور الخلق راجعة اليهم في اول خلقهم وفي الدنيا والاخرة في كل شيء

ومن الادلة النقلية على ان الخلق لا تستطيع التلقي منه فاقام لهم محمدا واهل بيته صلى الله عليه واهل بيته لان الخلق لا يقومون لشيء من ظهوراته قول امير المؤمنين عليه السلام في خطبته يوم الغدير والجمعة الى ان قال واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الامم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء ( النبيين خ‌ل ) الجنس وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته

ومن الدليل على انه تعالى خلقهم على اعدل مزاج لاجل ما اختصهم به مما حملهم من القيام مقامه في سائر عالمه قوله عليه السلام بعد ذلك الكلام المتقدم واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يخالل من يلحقه التظنين وامر بالصلوة عليه مزيدا في تكرمته وطريقا للداعي الى اجابته فصلى الله عليه وآله وكرم وشرف وعظم مزيدا لا يلحقه التفنيد ولا ينقطع على التأبيد وان الله تعالى اختص لنفسه من بعد نبيه صلى الله عليه وآله من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وجعلهم الدعاة بالحق اليه والادلاء بالارشاد عليه لقرن قرن وزمن زمن انشأهم في القدم قبل كل شيء مذروء ومبروء انوارا انطقها بتحميده والهمها شكره وتمجيده وجعلها الحجج على كل معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية واستنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعا له بانه فاطر الارضين والسموات واشهدهم خلقه وفي نسخة خلق خلقه وهو الذي تدل عليه اخبارهم وكتاب الله تعالى قال عليه السلام وولاهم ما شاء من امره وجعلهم تراجم ( تراجمة خ‌ل ) وحيه والسن ارادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون يحكمون باحكامه ويستنون بسنته ويعتمدون حدوده ويؤدون فرضه الخ فبين عليه السلام انه تعالى انما اقام محمدا صلى الله عليه في سائر عالمه في الاداء مقامه اي في اداء جميع ما اراد ايصاله الى خلقه من خلق ورزق وحيوة وممات مما يتعلق بعقولهم ونفوسهم واجسامهم في الدنيا والاخرة لا تحاد العلة الموجبة لذلك وهي قوله عليه السلام اذ كان لا تدركه الابصار الخ ما ذكره من العلل وبين عليه السلام انهم يجري لهم من الله تعالى ما يجري لرسوله صلى الله عليه وآله وان اختص لنفسه من بعد نبيه (ص) الخ وبين انه سيدهم وبه تشرفوا ولاجله الحقهم الله به بقوله (ع) من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته الخ وبين عليه السلام انهم ينطقون بما يلهمهم بقوله (ع) انوارا انطقها الخ وانهم الحجج على جميع خلقه بقوله وجعلها الحجج على كل معترف له الخ وبين (ع) ان الله تعالى انما جعل من سواهم من الانس والجن والملائكة والحيوانات والنبات والمعادن والجمادات معترفين بربوبيته مقرين له بالعبودية في قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده وحمده تعالى هو ما اظهر لخلقه وفيهم من انوار محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله وفيوضات جودهم وتعليمهم تسبيح الله وتحميده وتمجيده وكيفية عبادته ودينه الذي يرضاه من خلقه من كل شيء بحسبه فان كل ذلك فروعهم واسماؤهم واسماء الله تعالى لسائر خلقه التي يدعونه بها كما امر بقوله عليه السلام واستنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعا له بانه فاطر الارضين والسموات فكل شيء يدعو الله تعالى بها وهي اسماؤهم وعلومهم وفروعهم وتعليماتهم وعباداتهم بالخلق وعبادات الخلق بهم وبين عليه السلام ان الله تعالى اشهدهم خلق انفسهم وخلق السموات والارض وخلق كل شيء من خلقه واطلعهم على علم جميع ذلك لما اراد منهم من القيام في الاداء الى سائر عالمه مقامه وانه تعالى حيث اقتضت الحكمة كما اشرنا اليه من اتخاذهم اعضادا لخلقه فيما اراد من الخلق لعلمه تعالى بانهم لا يقدرون على شيء بغير واسطتهم عليهم السلام وبواسطتهم كل من اقتدى بهم وجعلهم ائمته الى الله تعالى يقدر على ما اراد الله تعالى منه وهو عليه السلام يشير بهذا البيان انه مراد الله تعالى حيث نفاه عن اعدائهم لانهم مضلون لانفسهم ولمن اقتدى بهم فاثبته تعالى لهم عليهم السلام بالمفهوم لانهم الهادون لانفسهم ولمن اقتدى بهم وسلم لهم ليكون عند من اراد الله تعالى هدايته معلوما وليسلم بتعميته عن تغيير الاعداء والخصوم وذلك في قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فالمفهوم انهم صلى الله عليهم اشهدهم خلق السموات والارض اي وما فيهن وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن واشهدهم خلق انفسهم فعرفوا الله حيث عرفوا انفسهم بتعريف الله تعالى تعريف الحضور والعيان واتخذهم اعضادا لخلقه كما بينا سابقا في كون علل الايجاد الاربع انما تمت وتقومت بهم او منهم او عنهم فراجع لانهم الهادون لانفسهم ولمن اقتدى بهم وسلم لهم ورد اليهم ووالاهم ووالي وليهم واطاعهم وتبرأ من اعدائهم واولياء اعدائهم وعصاهم فقال عليه السلام في بيان هذا كله واشهدهم خلقه على ارادة انه تعالى اشهدهم ايجاد جميع ما احدث او الخلق بمعنى المخلوق والمراد كالاول وعلى النسخة الثانية وهي واشهدهم خلق خلقه المعنى ظاهر قال وولاهم ما شاء من امره اشارة الى انه تعالى انهى اليهم علم خلقه قال (ع) وجعلهم تراجم وحيه والسن ارادته اشارة الى انهم عليهم السلام لا ينطقون عن الهوى بل كما قال الله تعالى في شأنهم وما تشاؤن الا ان يشاء الله وبين عليه السلام انهم لا يعملون ولا ينطقون بعمل ولا حال ولا قول الا بامره ووحيه وانهم ليس لهم شيء من ذلك في جميع احوالهم فانهم لو فعلوا شيئا كثيرا او قليلا غير ما امرهم به لكانوا قد سبقوه بالقول وقد اخبر تعالى بانهم لا يسبقونه بالقول فبين عليه السلام ذلك بما بينه سبحانه له عليه السلام ولهم صلى الله عليه وعليهم ولعباده من ذلك فقال عليه السلام عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون الخ ثم بين عليه السلام ان هذه الامور مما بينها الله لعباده انما بينها لهم بعد ان اسبغ عليهم نعمه ظاهرة وهم الحجج عليهم وباطنة وهي العقول التي اثبتها فيهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة فقال عليه السلام ولم يدع الخلق في بهماء صماء ولا في عمياء بكماء بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم وتفرقت في هياكلهم وحققها في نفوسهم واستعبد لها حواسهم فقرر بها على اسماع ونواظر وافكار وخواطر الزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما تشهد به بالسن ذربة بما اقام فيها من قدرته وحكمته وبين عندهم بها ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وان الله لسميع بصير وشاهد خبير انتهى كلامه صلى الله عليه وعلى ذريته المعصومين

ومن الدليل على انه لو كشف حجابا من الحجب الخ ما رواه ابن ابي ‌جمهور الاحسائي في كتابه المسمى بالمجلي ورواه غيره ايضا عن النبي صلى الله عليه وآله على اختلاف في الفاظ الروايات والمعنى قال (ص) ان لله سبعين الف حجاب وفي رواية سبعمائة وفي اخرى سبعين قال (ص) من نور وظلمة لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ه‍ اقول والمعنى الذي دلت عليه هذه الروايات صحيح تشهد له العقول السليمة التي اراها الله سبحانه آياته في الافاق وفي انفسها وبيانه يطول فيه الكلام وقد اشرنا اليه فيما تقدم ودليل قولنا في قصة موسى عليه السلام فامر رجلا من الكروبيين ما رواه ابن ‌ادريس في مستطرفات السرائر عن بصائر الدرجات قال سئل الصادق عليه السلام عن الكروبيين فقال قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سأل امر رجلا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا ه‍ وروي ان النور الذي تجلى لموسى عليه السلام من نور العظمة بمقدار الدرهم وروي بقدر سم الابرة ومأخذ بيان نسبة عدد نوره الى نور الشمس من صحيحة علي ابن عاصم المروي فيما يدعون هؤلاء من رؤية الحق تعالى يوم القيمة والدليل على انهم عليهم السلام الحجب ما رواه الشيخ (ره) في آخر المصباح في زيارتهم عليهم السلام في رجب قال (ع) الحمد لله الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب واوجب علينا من حقهم ما قد وجب وصلى الله على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب الدعاء وعلى انه تعالى اتخذهم اعضادا يعني لخلقه ما في دعاء رجب للحجة عليه السلام قال (ع) بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد وقد تقدم في مواضع متعددة وعلى انهم اقوياء جعلهم قادرين على التلقي من فعله ما ذكره عليه السلام في خطبته المذكورة قبل هذا وقوله تعالى ووسعني قلب عبدي المؤمن وقوله وسراجا منيرا وانك لعلى خلق عظيم الله اعلم حيث يجعل رسالته والاحاديث في ذلك لا تحصى فاذا عرفت ما اشرنا اليه ولوحنا وما بينا فيما تقدم وصرحنا عرفت ان جميع ما خلق الله من جميع خلقه ترجع امورهم اليهم عليهم السلام باذن الله تعالى اولا وآخرا وظاهرا وباطنا في العالم الاول وفي الدنيا وفي البرزخ وفي الاخرة والى الله ترجع الامور وهي بالله تعالى وبقدره وبقضائه الجاريين على وجه الحكمة ووضع الاشياء في اكمل مواضعها ترجع الامور اليهم لانه تعالى لعظيم لطفه ورحمته بعباده اجرى ذلك وهو الحكيم الخبير واليه يرجع الامر كله وهو على كل شيء قدير

قال عليه السلام : ربنا آمنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب
قال الشارح المجلسي (ره) ربنا لا تزغ اي لا تمل قلوبنا الى الباطل بعد معرفة الحق من لدنك رحمة كاملة وهي الهداية الخاصة والكمالات ه‍

وقال السيد نعمت الله في شرح التهذيب ربنا آمنا بما انزلت الاية كلام النجاشي واصحابه الذين اسلموا معه من الحبشة بما انزلت اي بالقرءان وانه كلام الله حق لا ريب فيه فاكتبنا اي فاجعلنا بمنزلة ما قد كتب ودون وقيل فاكتبنا في ام الكتاب وهو اللوح المحفوظ مع الشاهدين اي مع محمد وامته الذين يشهدون بالحق عن ابن عباس وقيل مع الذين يشهدون بالايمان وقيل مع الذين يشهدون بتصديق نبيك ربنا لا تزغ قلوبنا الخ حكاية عن قول الراسخين في الاية السابقة وهي قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به وذكر ارباب التفسير في تأويله وجوها : الاول ان معناه لا تمنعنا الطافك فتميل قلوبنا عن الايمان بعد الاهتداء اليه وهذا دعاء للتثبت على الهداية والامداد بالالطاف فكأنهم قالوا لا تخل بيننا وبين نفوسنا بمنعك التوفيق والالطاف فنزيغ نضل وانما يمنع ذلك بسبب ما يكتسبه العبد من المعصية ويفرط فيه من التوبة كما قال سبحانه فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم الثاني ان معناه لا تكلفنا من الشدائد ما يصعب علينا فعله وتركه فتزيغ قلوبنا بعد الهداية ونظيره فلما كتب عليهم القتال تولوا الثالث ان المراد لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك وهو ما ذكره الله تعالى من الشرح والسعة بقوله يشرح صدره للاسلام وضد هذا الشرح هو الحرج والضيق اللذان يقعان بالكفار عقوبة ومن ذلك التطهير الذي يفعله في قلوب المؤمنين ويمنعه الكافرين كما قال اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم ومن ذلك كتابته الايمان في قلوب المؤمنين كما قال اولئك كتب في قلوبهم الايمان وضد هذه الكتابة هي سمات الكفر في قلوب الكافرين فكأنهم سألوا الله الا تزيغ قلوبهم عن هذا الثواب الى ضده من العقاب الرابع انها محمولة على الدعاء بان لا يزيغ القلوب عن اليقين والايمان ولا يقتضي ذلك انه تعالى سئل عما لولا المسئلة لجاز ان يفعله لانه غير ممتنع ان يدعوه على سبيل الانقطاع اليه والافتقار الى ما عنده بان يفعل ما يعلم انه يفعله وبان لا يفعل ما يعلم انه واجب ان لا يفعله اذا تعلق ذلك ضرب من المصلحة كما قال سبحانه رب احكم بالحق وقال رب احكم بالحق وقال ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك وقال حاكيا عن ابراهيم ولا تخزني يوم يبعثون من لدنك رحمة اي من عندك لطفا نتوصل به الى الثبات على الايمان انك انت المعطي للنعمة انتهى

اقول قوله ربنا آمنا بما انزلت يراد به ما انزل من الكتب على انبيائه ورسله من الكتب خصوصا ما انزل على محمد صلى الله عليه وآله وذلك من قوله تعالى قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون وذلك لما قالت اليهود كونوا هودا وقالت النصارى كونوا نصارى حكى الله تعالى قولهم فقال وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا قال لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم بل ملة ابراهيم حنيفا الاية ثم امرهم فقال قولوا آمنا بالله الاية اي قولوا آمنا بالله انه اله واحد لا شريك له ولا ولد كما قالت اليهود في عزير والنصارى في عيسى (ع) وما انزل الينا يعني القرءان وما انزل الى ابراهيم من الصحف واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وهم اسباط يعقوب يعني ذراري ابنائه الاثني عشر من الصحف وما اوتي موسى من التورية وعيسى من الانجيل وما اوتي النبيون من ربهم من الكتب والوحي والالهام في اليقظة والمنام لا نفرق بين احد منهم فنقول نؤمن ببعض ونكفر ببعض بل نؤمن بجميعهم وبجميع ما انزل الله اليهم ونحن له مسلمون منقادون لما امر به ونهي عنه وروى الكليني بسنده الى سلام بن عمرة عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل قولوا آمنا بالله وما انزل الينا قال انما عني بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجرت بعدهم في الائمة عليهم السلام ثم رجع القول من الله في الناس ثم قال فان آمنوا يعني الناس بمثل ما آمنتم به يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق ومنازعة ومحاربة لك يا محمد فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم

اقول وجرت في شيعتهم واتباعهم بالتبعية فيكون معنى انزل الينا اي الى نبينا واهل بيته صلى الله عليه وآله او انزل الينا منهم عليهم السلام وبواسطتهم فانا مخاطبون بالقرءان بهم يعني انهم يخاطبونا بمرادات الله سبحانه منا فيه عنهم وكان مما نزل عليهم في القرءان ما دل عليه بظاهره وبظاهر ظاهره وبظاهر ظاهر ظاهره وهكذا وبباطنه وبباطن باطنه وبباطن باطن باطنه وهكذا وبتأويله وهو كذلك اي كالظاهر في ظهوره وبطونه ومن ظاهر ظاهره في قوله تعالى وننزل من القرءان اي من محمد صلى الله عليه وآله في الباطن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين بمعنى قصر ما ومدها اي مد ما فعلى قصرها المنزل من محمد علي صلى الله عليهما وآلهما وهو شفاء ورحمة للمؤمنين لانه باب باطنه فيه الرحمة ولذا قال هو شفاء اي بذاته شفاء ورحمة او بذات ولايته عليه السلام وعلي مدها يعني يراد بالمنزل ماء وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو ولايته وعلمه ولا يزيد الظالمين الا خسارا يعني ما يزيد معنى ما على ارادة القصر ومعناها على ارادة المد لا يزيد الظالمين اي الظالمين ال محمد حقهم الا خسارا والمراد بهذا الحق الحق العام وهو كل مراد لله تعالى على جهة العموم ومرادنا بارادة المد انا نريد منه معنى ما الممدود فانه يكون حينئذ ماءا اي ماء الوجود وماء الرحمة وماء العلم ولا نريد انه يقرأ ممدودا لانه غير جائز بل هو مقصور اللفظ على الارادتين وهو من ظاهر الظاهر فانه يؤخذ المعنى من مادة الكلمة سواء تغيرت عليه الصورة ام لا وسواء ارتبطت الكلمة بغيرها ام لا يعني انه عليه السلام لا يزيد اعداءه لاجل عداوته الا خسارا وبوارا او لا تزيد على ارادة معنى المد ولايته اعداءه لا نكارهم لها الا خسارا وهو المراد بان ظاهره من قبله العذاب لان العذاب انما لزمهم بانكاره وانكار ولايته فكان ذلك ظاهره من قبله اي من جهته مما يلي النار فجهته مما يلي الجنة حبه وطاعته وجهته مما يلي النار بغضه ومعصيته ويشير الى ان المنزل علي عليه السلام قوله تعالى فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا وهو في الباطن علي عليه السلام والى كونه منزلا من محمد صلى الله عليه وآله قوله عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء وفي تفسير القمي النور امير المؤمنين عليه السلام وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام الامامة هي النور وذلك قوله تعالى فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا قال النور هو الامام (ع) وعن الباقر عليه السلام انه سئل عن هذه الاية فقال النور والله الائمة لنور الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها ه‍ فعلى ما لوحنا لك يكون من معاني قوله عليه السلام ربنا آمنا بما انزلت من جميع الكتب على جميع رسلك او بما انزلت عليهم من ملائكتك فيما اردت من اوامرك ونواهيك او بما انزلت من الهامك ووحيك او بما انزلت من حججك وآياتك او بما انزلت من آيات توحيدك او بما انزلت من انوار ظهوراتك في مواقع نجوم علاماتك ومقاماتك التي ملأت بها اقطار سمواتك وارضك او بخصوص ما انزلت الى نبيك صلى الله عليه وآله من كتابك ووحيك والهامك او من اوصيائه الذي شددت بهم ازره وقويت بهم ظهره واشركتهم في امره او من خصوص ما يتعلق بقضية يوم الغدير والمفهوم من المقام المتبادر الى الافهام ان قوله عليه السلام ربنا آمنا بما انزلت يريد به العموم بداعي الخصوص يعني نقول كما قالت الحواريون ونريد به جميع ما انزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله بداعي خصوص ما انزل مما يتعلق بقضية يوم الغدير مما انزل في امر الولاية وتعيين من عينه الله تعالى لها من علي والائمة من ذريته والنص على نصبهم لها واخذ البيعة لهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله من جميع الخلائق ممن حضر ومن لم يحضر ومن ولد وممن لم يولد من جميع الخلائق الى يوم القيمة

وقوله عليه السلام : واتبعنا الرسول فيما دعا اليه وامر به من توحيد الله ومعرفته ومعرفة ما وصف به نفسه لنا ومن الايمان به وبملائكته وكتبه ورسله وباوصيائهم على محمد وآله وعليهم السلام وباليوم الاخر وبتصديقه فيما جاء به من احوال النشأتين ومن الدين الاسلام والايمان وغير ذلك من مرادات الله من عباده التي هي آثار الولاية وصفاتها وفروعها ومن الامر بقبولها ومن بيان حقيقتها وانها الدين وان لا دين الا بها وبيان اهلها القوام بها وبيان وجوب طاعتهم وانهم معينون لتحمل الولاية وتأدية احكامها الى الرعية من الله سبحانه وانه يجب متابعتهم والأخذ عنهم والتسليم لهم وانهم اولى بالخلق من انفسهم وانه لا يجوز ان يتقدمهم احد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يتأخر عنهم متأخر وان اللازم لهم لاحق والمتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق وهو عهد منا اخذه الله سبحانه فاعطيناه العهد من انفسنا بذلك انا آمنا بما انزل واتبعنا الرسول في جميع ما امر ومن جملة ذلك انه (ص) امرنا باتباعهم عليهم السلام في جميع ما امروا فيكون المعنى آمنا بما انزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول في جميع اوامرهم ونواهيهم واراداتهم وهذا هو المراد من الاية ومن المذكور في الزيارة وانما لم يصرح به في القرءان لئلا يسقطه اعداؤهم وفي الزيارة ليبين ان المراد به ما اريد في الاية من ارادة العموم وخصوص احكام هذه الامة وخصوص احكام الولاية وخصوص احكام ارادة اهلها المخصوصين عليهم السلام

وقوله عليه السلام : فاكتبنا مع الشاهدين يراد منه انا نسألك بكرمك ونعمك اللذين ابتدأتنا بهما رحمة منك لنا من غير استحقاق لذلك الا كرما وجودا منك حتى جعلتنا من الموالين لاوليائك واولياء اوليائك والمعادين لاعدائك واعداء اوليائك واتباعهم وما كنا لنهتدي لهذا لولا ان هديتنا وحببت الينا الايمان بك وبكتبك وملائكتك ورسلك واوصياء رسلك صلى الله على محمد وآله وعليهم اجمعين وبما جاؤا به منك واخبروا عنك خصوصا نبينا محمد واوصياؤه صلى الله عليه وعليهم والقبول منهم والتسليم لهم والائتمام بهم والرضا بهم ائمة وسادة وقادة في الدنيا والاخرة وزينت ذلك في قلوبنا وكرهت الينا اعداءهم والميل اليهم والبراءة منهم ومن اشياعهم واتباعهم ومن اعتقاداتهم واعمالهم واقوالهم ودينهم وسنتهم وجميع فروعهم فضلا منك علينا وجعلتنا بما تفضلت به علينا ووفقتنا له من طاعتك في اتباع اوليائك وفي مجانبة اعدائهم بقلوبنا وبما نستطيع بتفويقك بالسنتنا واعمالنا مؤمنين بما انزلت مصدقين لما قلت مسلمين لامرك ومتبعين لاوليائك وموالين لهم ولاوليائهم ومعادين لاعدائهم ومن تبعهم في معاداة اوليائك ورضي بذلك من الجن والانس نسألك بكرمك ونعمك وتفضلك علينا بذلك وباوليائك الابرار وبموالاتهم وبالبراءة من اعدائهم وبك يا الله فليس يعدلك شيء ان تصلي على محمد وآله الطاهرين وان تضاعف اللعن على اعدائهم وظالميهم ومن رضي بذلك اجمعين وان تكتبنا مع الشاهدين لك بذلك بما ابتدأتهم به من فضلك واسبغت عليهم من نعمك وامددتهم بتوفيقك وقويتهم على طاعتك ورفعت عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله من عنايتك وفضلك حتى كشفت لهم عن بصائرهم غشاوات طبائعهم وصوارف لطخ اعدائهم واعدائك في اوليائك عليهم السلام بما تفضلت به عليهم ووفقتهم له من مراضيك فعاينوا حقائق ما اردت منهم وندبتهم اليه واوقفتهم عليه واريتهم اياه لما سبق لهم من الهدى فشهدوا لك بما ابصروا ورأوا بتبصيرك واراءتك من اركان الايمان وشعبه وبتوفيقك لهم للقيام بموجبه فاكتبنا معهم بان توفقنا لما وفقتهم له وتعيننا على ما اعنتهم عليه وتتمم لنا نقص ما يوصل الى ما وصلوا اليه فان ذلك عليك سهل يسير وانت على كل شيء قدير ومعنى هذه الكتابة بالعبارة الظاهرة التي يكون معناها مشرعة لكل خائض هو ما ذكره السيد الاواه السيد نعمت الله رحمه الله فيما تقدم من كلامه في بيان ذلك واما حقيقة هذه الكتابة فانها من المكتوم من اسرار العلوم التي لا تسطر في كتاب ولا تذكر في جواب ولا تسمع من خطاب الا اذا كان من المعصوم صلوات الله عليه فان ما كتبت لك في هذا الشرح فانه من كلامهم عليهم السلام ولكن لا يعرف ذلك الا من علموه وسلكوا به تلك المسالك لان امثال هذه الامور لا تذكر في السطور الا تلويحا ورمزا منهم عليهم السلام لا رباب القلوب التي في الصدور وقد قال جعفر بن محمد صلوات الله عليه ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه‍ الا ان السائل مني لشرح هذه الزيارة الشريفة السيد حسين بن السيد محمد قاسم الحسيني الأشكوري الجيلاني اصلا الرشتي مسكنا تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته التمس مني ان اكتب في هذا الشرح الحقائق والاسرار والبواطن المستورة فاجبته بعد الالتماس الشديد الى ذلك فكتبت فيه من اوله الى آخره على نحو ما طلب ولم اترك الا ما اعلم انه لا يجوز بيانه ولا كتابته ولا اجابة السائل وكم من خبايا في زوايا وبيان معنى هذه الكتابة المذكورة على الحقيقة من تلك الاسرار المكتومة حتى ان اهل العصمة عليهم السلام انما يذكرونها للخصيصين من شيعتهم تلويحا ورمزا قد البسوه ثوبا من القشر يستر لبه عن الجهال والخصيصون من شيعتهم يعرفون لغتهم فيفهمونه واما الخواص من شيعتهم فانهم لا يفهمون مراد ائمتهم عليهم السلام الا المراد من القشر وهذه وامثالها كثيرة لا تراها الناس والمعصوم عليه السلام يخبر عنها والقرءان ينطق بها فاين القلم واين اللوح واين الجنة واين النار التي قال لو تعلمن علم اليقين لترون الجحيم واين الارواح واين الحوض واين الصراط واين الميزان واين سدرة المنتهى واين شجرة طوبى واين البيت المعمور وان الصادق عليه السلام اخبر انه صلى الله عليه وآله انما اسرى به من هذه الى هذه واشار الى السماء يعني من المسجد الحرام الى السماء وقال بينهما حرم والله تعالى اخبر انه اسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وقال صلى الله عليه وآله فقال لي يعني جبريل (ع) اتدري اين صليت فقلت لا فقال صليت بيت لخم وبيت لخم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا الى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الانبياء تربط بها الحديث والصادق عليه السلام لما قيل له والمسجد الاقصى فقال ذاك في السماء اليه اسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو اعلم بما قال جده (ص) في قوله فربطت البراق بالحلقة التي كانت الانبياء تربط بها والانبياء ما ربطت دوابهم في السماء والصادق عليه السلام اخبر انه انما اسرى به صلى الله عليه وآله من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وهو في السماء فاين هذا المسجد الذي في السماء ولم يمض الى بيت المقدس لانه عليه السلام لما قيل له ان الناس يقولون انه بيت المقدس انكر عليهم ذلك فقال مسجد الكوفة افضل منه وهو صلى الله عليه وآله قال اني مضيت الى بيت المقدس فانظر رحمك الله في كمال هذا الاختلاف والتنافي الذي هو في كمال التوافق والاتحاد وبالجملة لو تتبعت ما ورد عنهم عليهم السلام وتأملت فيه ظهر لك ان عامة الناس لا يعرفون شيئا من كلامهم على الحقيقة ولا يعرفه الا من هو كالكبريت الاحمر والغراب الاعصم في القلة والندرة وانا جريا على ما التزمت للسيد المرحوم لا بد وان اشير الى هذه الكتابة على جهة الاختصار لان بيانه يستلزم تطويلا كثيرا فان هذبت العبارة وتركت الترداد والتكرار لم يفهم مرادي احد قط لغرابة هذا المعنى وعدم الانس به لكل احد وان جريت على عادتي من تكرير العبارة والترديد لاجل التفهيم لزم التطويل الممل فانا اشير الى ذلك بالعبارة المعتادة المكررة ليكون اسهل في التذكرة فاقول ان الكتابة في لغة اهل العصمة صلى الله عليهم عبارة عن اثبات المكتوب في رقه اللائق به واظهاره في ذلك فكتابة شبحك اظهاره في المرءاة بمقابلتك لها وكتابة خيالك عبارة عن نقش صورتك الخيالية في خيال من تصورك في غيبتك عنه ورق الشبح وجه المرءاة ووجه الماء وامثال ذلك من الاشياء الصقيلة عند مقابلتك لذلك الصقيل ورق صورتك الخيالية مرءاة خيال من تخيلك في غيبتك عند التفاته بمرءاة خياله الى مثالك المنقوش في روح مكان رؤيته لك وزمانها فان ذلك الرجل لما رءاك يوم السبت في المسجد تصلي اقام مثالك في ذلك المكان يوم السبت يصلي الى يوم القيمة فكلما التفت من رءاك الى ذلك المكان المعين في ذلك الوقت المعين بخياله وجد مثالك يصلي في المسجد يوم السبت لا يرى ذلك المثال احد الا من رءاك في المسجد يوم السبت وكل من رءاك هناك في ذلك الوقت لا يرى مثالك الا في ذلك المكان في ذلك الوقت ولا يراه في ذلك العمل يعني انه يصلي والعلة في ذلك ان الله سبحانه امر القلم فكتب بمداد من صفتك وعملك ومداد من ذلك المكان وذلك الوقت صورة مثالك فهو باق الى يوم القيمة يعمل بذلك العمل الذي انت عملته ويرجع اليك ثمرته من خير وشر فاذا كان يوم القيمة حضرك مثالك بمكانه ووقته والبستك الملائكة ذلك المثال كما تلبس الثوب هذا اذا كان خيرا او شرا ولم يتب عنه توبة مقبولة وان كان شرا وتاب منه توبة مقبولة محيت تلك الصورة من المكان والوقت فلا تجد الملائكة شيئا لك يأتونك به ولم يكن له وجود في خيال من رءاك في الدنيا عاملا به لك لان الخيال مرءاة والمرءاة لا تنطبع فيها الصورة الا مع مقابلة الشيء لتنتزع منها الصورة المنطبعة فاذا لم تقابل شيئا لك لم ينطبع فيها لك منه شيء

بقي هنا دقيقة يجب التنبيه عليها وهي جواب سؤال يرد هنا وهو انه قد دلت الادلة النقلية والوجدانية والعقلية على ان التائب يرى مثاله يعصي وان كان تائبا فان السارق اذا تاب كل من رءاه يسرق اذا التفت الى مثاله رءاه يسرق وان تاب والجواب ان المثال في نفسه لا يضمحل من الوجود لانه مكتوب في اللوح المحفوظ وما كتب في اللوح المحفوظ لا يضمحل لان معنى كونه محفوظا ان ما كتب فيه محفوظ من المحو وانما المراد بقولنا انه اذا تاب محيت تلك الصورة الخ ان الصورة التي هي المثال كانت مقابلة للسارق بوجهها معلقة هي بمشخصاتها من المكان والوقت وغيرهما به لازمة له فاذا التفت من رءاه اليها رءاها مرتبطة بالسارق حاضرة معه عند من رءاه فهو بها يسرق اينما كان واذا تاب البسته الملائكة بامر الله ثوبا من رحمته يواري سوءته فيحول هذا الثوب بين الصورة وبين وجهها منه فتصرف الملائكة بامر الله وجه الصورة عن جهته المتجددة بالتوبة وتبقى في محلها من لوح الثرى متوجهة بوجهها الى اصل مبدأها التي تفرعت منه متعلقة به لانها من سنخه لحقت هذا الشخص باللطخ ثم خلعها بتوبته التي هي من حقيقته فلما خلعها وهي مثال والمثال صفة لا تقوم بغير الموصوف لحقت باصلها ومبدئها التي هي فرعه ومن لطخه لعنه الله وانقطعت علاقتها بذلك الرجل وكان المؤمن بطيب قلبه وطهارته اذا نظر الى العاصي انكره واستوحش من اللباس المنهي عنه لانه لا يستر عورته كما قال الشاعر :

ثوب الرياء يشف عما تحته فاذا التحفت به فانك عاري

واذا نظر اليه بعد التوبة النصوح مع علمه بها انس به لانه يراه مستور العورة بلباس التقوى ولم ير ذلك المثال القبيح متوجها اليه بل يرى بينهما حاجزا من توفيق الله ورضاه وذلك المثال غير منسوب اليه الان لانه الان في عليين مع الابرار وحين باشر المعصية كان في نزوله بذلك اللطخ الى سجين مع الفجار فلما تاب وتبرأ من تلك الصورة بقيت في سجين متوجهة الى موصوفها من الفجار بواسطة لطخه الذي هو سببها في الرجل قبل ان يتوب فخلع اللطخ بالتوبة فلحقت اللطخ لانها متعلقة به وهو متعلق بالاصل فاذا كان يوم القيمة محيت من ذلك المكان والوقت المنسوبين اليه فتراها هي والوقت والمكان منسوبات الى ذي اللطخ الذي كان منه وهذا معنى قولنا محيت الخ ومعنى ما روي انه اذا تاب ستر الله عليه ففي الكافي بسنده الى ابن ‌وهب قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اذا تاب العبد توبة نصوحا احبه الله تعالى فستر عليه في الدنيا والاخرة فقلت وكيف يستر الله عليه قال ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ثم يوحي الله الى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه ويوحي الى بقاع الارض اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ويلقي الله تعالى حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه من الذنوب وفيه بسنده الى ابن‌وهب قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اذا تاب العبد توبة نصوحا احبه الله تعالى فستر عليه فقلت وكيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحي الله الى جوارحه والى بقاع الارض ان اكتمي عليه ذنوبه فيلقي الله تعالى حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب ه‍ فقد ظهر لك بما ذكرنا وبما قدمنا سابقا ان الخيال انما تحصل فيه الصور بالانطباع لانه مرءاة فاذا قابل الشاخص انطبعت فيه صورته وان مثال الشخص الذي رأيته يصلي في المسجد لا تنطبع صورته في خيالك حتى تلتفت الى مكان الرؤية ووقتها فاذا التفت اليه في ذلك المكان في ذلك الوقت رأيته فيهما وانطبعت صورته في خيالك في الوقت الذي رأيت شخصه اي موصوفه فيه يعمل ذلك العمل كما في المثال المذكور اولا فانك كلما التفت اليه في وقت رأيته يصلي في المسجد يوم السبت ولو بعد خمسين سنة فانك تراه في المكان في الوقت الاول لان وقت رؤية المثال اذا التفت اليه خيالك في الدهر لا في الزمان لان الزمان سيال لا يجتمع جزءان منه في حال بل كلما وجد جزء مضى ما قبله فلا يجتمعان ومرادي بان الاول يمضي انه يخرج من رتبة ظرفية الاجسام الى الدهر لا انه يفنى بل هو في اللوح الحفيظ وان ذلك المثال كتبه القلم في ذلك الكتاب باذن الله وامره وهذه دفة من اللوح المحفوظ هذا كله في ادراكك مثاله اذا غاب عنك واما اذا كان حاضرا بين يديك فان القلم بامر الله تعالى كتبه في هذا المكان بمداد من كون جسمه فيه ومن هيئاته حينئذ في ذلك الوقت فهو حينئذ مكتوب في دفة من اللوح المحفوظ واليه الاشارة بقوله تعالى جواب قول منكري البعث ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد قال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وهذا الذي اشار اليه الصادق عليه السلام في قوله تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة ه‍ وذلك لان صورة جسده التي كان بها في الدنيا تذهب من جسده في قبره وتلحق بعالم الاشباح وتبقى مادته الاصلية التي خلق منها في قبره مستديرة يعني ان الكتاب الحفيظ لا تخرج منه بل هو حافظ لها الى ان تعاد منها كما خلق منها اول مرة ومعنى مستديرة انها مترتبة في اصل رسم الكتاب الحفيظ كترتبها في الوجود الكوني بل قد تكون اصح ترتيبا لاحتمال انه قد يختلف في الوجود بسبب غلبة بعض القوي على بعض فيحصل لبعضها من بعض او من لوازم بعض قسر يمنعها عن كمال الترتيب لوجود تلازم بعضها ببعض او بلواحق بعض ولوازمه او بلواحقه ولوازمه فاذا زالت المقارنات والتلازم الفتها الطبيعة على مقتضياتها ودواعيها وتقاربها وتشابهها وتناسبها والطبيعة لا يجري عليها الغلط فتكون مستديرة لان الاستدارة اكمل الهيئات لتساوي ابعاد اجزاء محيطها وسطحها الى مركزها فاذا فهمت هذا عرفت ان الموجود بين هاتين الدفتين هو المكتوب بالقلم بامر الله تعالى دفة الذوات ودفة الصفات وكل شيء يكتب بمداد منه لانه مادته والشيء يكتب بمادته كالسرير فان النجار باذن الله تعالى كتبه بمادته وصورته اي بمداد من الخشب ومداد من الهيئة الخاصة به فافهم هذه العبارات المكررة المرددة للتفهيم ومعنى قوله عليه السلام فاكتبنا مع الشاهدين يعني انه يسأله ان يكتبه بهذا المداد في هذه الدفة التي كتب فيها الشاهدين له بالحق بمداد من ذواتهم واعمالهم واعتقاداتهم واقوالهم فاذا عرفت هذه الكتابة كما بينت لك عرفت معنى ان القلم كتب في اللوح ما كان وما يكون الى يوم القيمة وعرفت معنى ان الله تعالى لما خلق العقل قال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل فقال له وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الى منك الحديث فافهم راشدا موفقا وقد قال الشاعر ونعم ما قال :

ومن حضر السماع بغير قلب ولم يطرب فلا يلم المغني

وقوله عليه السلام : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا اي لا تمل قلوبنا عن الهداية التي دللتنا عليها من دينك الذي ارتضيته وفي التهذيب في الدعاء بعد صلوة الغدير عن الصادق عليه السلام ربنا انك امرتنا بطاعة ولاة امرك وامرتنا ان نكون مع الصادقين فقلت اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم وقلت اتقوا الله وكونوا مع الصادقين فسمعنا واطعنا ربنا فثبت اقدامنا وتوفنا مسلمين مصدقين لاوليائك ولا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب وهذا يشعر بان الدعاء بعدم ازاغة القلوب انما هو عن ولايتهم وهو كذلك ان اريد بالولاية امرهم الذي اقامهم الله تعالى له وفيه وبه واقام به جميع خلقه بواسطتهم عليهم السلام واما اذا اريد بالولاية خصوص المحبة فان اريد بالمحبة الكلية فكذلك لانها في الحقيقة جميع ما امر الله به ونهي عنه واحب وكره وما بين ذلك وان اريد بها المعنى الخاص الذي هو خصوص ميل القلب اليهم وتوليهم والبراءة من اعدائهم فالدعاء بعدم ازاغة القلوب اعم لان الاعمال والاتباع لهم والصدق مع الله في كل المواطن لا يدخل فيها الا على الارادة الاولى والدعاء انما هو بالثبات على كل حق لله ولهم وقد تقدم مرارا ان الولاية هي ولاية الله والمراد بها الامر الكلي العام الشامل لكل ما امر الله تعالى لانه سبحانه هو الولي على جميع خلقه فتأمل ما هذه الولاية لتعلم ان كل ما امر واحب منها وان الفائض منها اربعة انهار افاضها على الخلائق نهر الخلق ونهر الرزق ونهر الممات ونهر الحيوة وما يناط بكل واحد منها ومنها هداية النجدين توفيقا لهم ومنها تعليمهم كيفية القبول لما اراد منهم القبول لشيء من تلك الاربعة وما يناط بكل واحد منها واعطائهم شرائط الاستطاعة لما اراد منهم من صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد والراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله كما قال الصادق عليه السلام وذكر في حقيقته داعي الطاعة ليبعثه على فعلها تحننا منه وفضلا والزمه بمقتضى نفسه وانيته داعي المعصية ليتمكن من فعلها اختبارا له وعدلا لانه لا يحب الطاعة باكراه فخلق له من حقيقته منه تعالى عقلا منيرا يدعوه الى طاعة الله تعالى وايده بروح منه ملك مسدد يؤيده ويعصمه مما لا يحب الله سبحانه وجعل له من حقيقته من نفسه نفسا امارة بالسوء وداعية الى معصية الله تعالى واثبت لها التسلط على استخدام الالة التي خلقها للعقل لاجل الطاعة في ما تحب من معصية الله وقيض لها شيطانا جعله لها قرينا يعينها على مقاومة العقل وصده عما يريد من طاعة الله سبحانه فاذا اجاب المرء داعي عقله قام الملك وجنوده في جهاد شيطان النفس وجنوده حتى يهزمه ويقتل جنوده وتذل النفس وتنقاد مع العقل الى طاعة الله تعالى كارهة وهكذا حتى تكون ملهمة فان عمل المرء بمقتضى داعي النفس قويت على المعصية واسعدها الشيطان وتنحي الملك الخاص بتلك الجهة وان عمل بمقتضى داعي العقل مرة بعد اخرى كانت الملهمة لوامة وهكذا ثم تكون مطمئنة فتكون اختا للعقل طالبة لما يطلب العقل من الطاعة وهي الكلب المعلم الذي علمه العقل مما علمه الله فيصطاد بها قوته اي قوت مركبه فان العقل انما يدعو الى طلب الحلال والاكل الحلال والنكاح الحلال لقوت مركبه الذي يستعمله للركوب وحمل الاثقال فان البدن لا يستغني العقل عن اصلاحه ليستعمله في سيره الى ربه ولا يمكنه الا بالنفس المطمئنة وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس والحاصل هذه تلويحات وبيانها من العقل والنقل طويل والمراد بيان معنى السؤال بعدم ازاغة القلب وهو انه اذا حصل العقل الشرعي وهو العقل المكتسب من الطاعات والاعمال الصالحات على ما امروا به سادات البريات صلى الله على محمد وآله الطاهرين استقام على الولاية وفروعها مما امر الله به ودل عليه من صحيح الاعتقادات وخالص الاعمال الصالحات واذا استقام على الطريقة عرفه الله نفسه وعرفه نبيه واوصياءه صلى الله عليه وآله ووفقه لطاعته وعصمه عن معصيته فيطلعه الله تعالى بحقيقة ما هو اهله على باب من ابواب غيوبه فرأى رأي العين ان كل ما سوى الله فهو قائم بفعل الله سبحانه قيام صدور اقامه واقام كونه وعينه بما يمده به من امداده المتجدد تجددا سيالا فيرى عيانا انه انما هو هو بذلك المدد الحادث المتجدد وذلك المدد الحادث انما هو شيء بفعل الله لا من شيء فهو من جهة الفعل دائم الفيض ومن جهة القابل انما يتحقق بدوام القبول جاريا من جهته كجريان المدد من جهة فعل الله تعالى وهو شيء اشترك فيه جميع الخلق فالراسخون في العلم العالمون بتأويل القرءان عن الله تعالى حين قالوا امنا به بمحكمه ومتشابهه وانه كله من المحكم والمتشابه من عند ربنا وبذلك ذكروا الله سبحانه وتذكروا بما آتيهم من الحكمة علموا بان هذا الايمان الذي اعترفوا به وانه دين الله سبحانه صفة والموصوف لا قوام له الا بمدد الله ولا ينتفعون بذلك المدد الا بقبوله ولا قبول له اعظم من مشاهدتهم في كل شيء انه من الله وبيده وحين اجراه عليهم لم يخله من يده اذ لو خلاه من يده لم يكن شيئا اذ لا شيء الا بالله واعلمهم ان حفظ المدد عليهم انما هو باعترافهم انه من الله وبالله وبالسؤال من الله بقلوبهم وباقوالهم وباعمالهم والصفة مع مشاركتها للموصوف في الحاجة الى الله تعالى محتاجة الى الموصوف وذلك بجعل الله سبحانه فهي في الظاهر اولى من الموصوف بالحاجة ولما كان باب الايمان من الله سبحانه اليهم في المدد ومنهم الى الله عز وجل في القبول هي القلوب لانها سبب طلب الايمان والهداية والثبات عليهما وسبب الميل عن الايمان والهداية الى الكفر والضلالة سألوا الله تعالى ان يثبت قلوبهم على الايمان والهداية وان لا يزيغها ويميلها الى الباطل والكفر بعد الهداية الى الايمان لعلمهم بان القلوب تزيغ عما كانت عليه من الايمان فان قلت اذا هديهم للايمان فكيف يميلهم قبل ان يميلوا وقد قال تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم قلت ان القلوب انما لم تغير ما دام الله سبحانه حافظا لها عن التغير ولم يكن يحفظها الا بقبولها لحفظه ولا قبول لها لحفظه الا بالاعتراف له بان ذلك من فضله الابتدائي بغير استحقاق من العباد وبالسؤال من كرمه وفضله الثبات كما فعل الراسخون في العلم فانهم في استحقاق الثبات بحقيقة ما هم اهله اولى ولكن لعلمهم بالله سبحانه سألوه لانهم يعلمون ان ذلك عنده ولا ينال ما عنده الا بطاعته وسؤاله والتضرع اليه فان قلت اذا كان الفيض دائم الظهور والمؤمن دائم الطاعة والطاعة هي القبول لذلك المدد ولذلك الثبات على الايمان لانه بالمدد فقد تمت العلة من جهة الفاعل ومن جهة القابل واذا وجدت العلة التامة امتنع تخلف المعلول قلت اذا تمت علة القبول من قبل العبد لم يلزم من ذلك تمام العلة من قبل الرب لان المدد ليس وجوده علة تامة ولا القبول لان العلل اربع العلة الفاعلية والعلة المادية وهي هنا المدد المشار اليه والعلة الصورية وهي القبول والعلة الغائية وهي نفع العباد وانتفاعهم اي نفع بعضهم بعضا واما العلة الفاعلية فهي فعله تعالى وفعله مشيته وارادته فاذا لم يشأ ولم يرد كيف ينفع القبول لان القبول حينئذ لا لشيء فليس بقبول وايضا مرادنا بقولنا ان العلة الفاعلية فعله نريد به فعله في المراتب السبع فعل الكون بالمشية وفعل العين بالارادة وفعل الحدود والهندسة بالقدر وفعل التمام بالقضاء وفعل الاذن بالرخصة في جميع مراتب الظهور فان الشيء اذا تمت اسبابه توقف على سبب الرخصة فاذا اذن الله سبحانه له في الظهور ظهر وفعل الاجل بمعنى انه لا يظهر الا في الوقت المقدر لظهوره ولا يفنى الا في الوقت المقدر لفنائه وفعل الكتاب بان يكتبه في الالواح بجميع اسبابه وهو قول الصادق عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر ه‍ وفي رواية على نقض بالضاد المعجمة وفي رواية فقد اشرك والعلة فيما قلنا من ان العلة الفاعلية لم تتم ان الحادث اذا استوجب شيئا فذلك الشيء عند الله تعالى وله وملكه وهو بالخيار ان شاء اعطي وان شاء منع اذ لا يجب عليه شيء ولا يحكم عليه وان كان سبحانه اجرى عادته انه لا يمنع الخير ويعطي من سأله ومن لا يسأله تفضلا منه وكرما واذا سمعت العلماء يقولون يجب على الله سبحانه اللطف بعباده فيراد منه انه يجب عليه في الحكمة لا وجوب تسلط لانه تعالى يحكم ولا يحكم عليه قال الله تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك مع انه تعالى لا يفعل ذلك بنبيه صلى الله عليه وآله ابدا ولكنه على كل شيء قدير الا انه اجرى عادته على الاحسان والجميل فلا يفعل الا ما هو الصلاح بعباده وما هو الا لطف بهم وفي الحديث في التوحيد قال الرضا عليه السلام في الرد على سليمن المروزي في قوله ان ارادة الله علمه قال عليه السلام وما الدليل على ان ارادته علمه وقد يعلم ما لا يريده ابدا وذلك قوله عز وجل ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به ابدا فقوله عليه السلام فهو يعلم كيف يذهب به يشير به انه قادر عليه لانه ممكن له ولو كان واجبا عليه لماجاز ان يقال ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك لان قوله هذا معناه انا انما ابقينا ما اوحينا اليك عندك تفضلا منا عليك وليس بلازم علينا ولو شئنا لذهبنا به وهذا صريح بانه ما يجب عليه وانما اوجبه على نفسه من الايفاء بعهده واتمام وعده قال تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وما ذكره السيد نعمت الله الجزائري في الكلام الذي نقله عن بعض المفسرين كما تقدم وهو : ولا يقتضي ذلك انه تعالى سئل عما لولا المسئلة لجاز ان يفعله لانه غير ممتنع ان يدعوه على سبيل الانقطاع اليه الخ يدل بان الراسخين لم يدعوا الله سبحانه بان لا تزيغ قلوبهم خوفا من انها يجوز عليها ويمكن وقوع الزيغ من قلوبهم لانهم معصومون آمنون من زيغ قلوبهم وميلها عن الحق وانما دعوه انقطاعا اليه بمعنى ان كل شيء فانما ثباته به وتبرءا من الحول والقوة والمعروف من القرءان ومن احاديث اهل العصمة عليهم السلام ومن الدليل العقلي الذي هو التوحيد الحق ان الراسخين انما دعوه خوفا من زيغ قلوبهم وان القلوب تزيغ الا ان يثبتها الله تعالى ولا يثبتها الا بالدعاء والانقطاع اليه والتضرع عنده كما في دعاء الوتر ولا ينجى منك الا التضرع اليك وان ما يدعونه لو كان موجودا لكان في حق سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله بالطريق الاولى وقد اخبر عن نفسه كما في خطبته يوم الغدير بانه يفعل ذلك خوفا حقيقيا لا مجرد انقطاع فقال صلى الله عليه وآله خوفا الا افعل فتحل علي منه قارعة لا يدفعها عني احد وان عظمت حيلته لانه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره وقال صلى الله عليه وآله ولو عصيت لهويت وفي الكتاب العزيز عباد مكرمون الى قوله تعالى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما معناه ان النبي الياس سجد وتضرع الى الله تعالى فاوحى الله اليه ارفع رأسك فاني لا اعذبك فقال يا رب ان قلت لا اعذبك ثم عذبتني الست عبدك فقال الله تعالى اني اذا وعدت لا اخلف الميعاد ه‍ نقلته بالمعنى الذي حضرني والحاصل ان خوف محمد صلى الله عليه وآله اشد من خوف جميع الخلق ومن دونه اهل بيته عليهم السلام ومن دونهم الانبياء والمرسلون وهكذا الملائكة والمؤمنون ولو كان خوفهم للانقطاع لم يكن خوفا بل هو انس بالله تعالى ولو كان كذلك كانت دموعه في بكائه من خشية الله باردة والامر على العكس بل كما قال تعالى يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ولقد كانوا احق بالخوف من مقام ربهم من جميع الخلق وليس الا للخوف من مكره تعالى كما قال صلى الله عليه وآله لانه الله الذي لا يؤمن مكره واذا تتبعت اخبارهم وادعيتهم ظهر لك ان خوفهم عليهم السلام خوف حقيقي وانهم مستجابوا الدعوة ووعدهم الله النجاة من عذابه ودائما يتضرعون اليه ويعلمون انه لا ينجيهم من مكره شيء الا فضله ورحمته الابتدائيان وانه تعالى لو قاصهم لم يكن لهم ما يستحقون به ادنى شيء من رحمته وفضله تدبر كلام سيد العابدين عليه السلام في دعائه في سجود الشكر بعد الثماني من صلوة الليل وقد ذكرناه في ما تقدم وهو الهي وعزتك وجلالك لو انني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين بحمد الخلائق وشكرهم اجمعين الى آخر الدعاء يظهر لك انهم خائفون وجلون لانهم لا عمل لهم يقربهم عن استحقاق وانهم دعوه من الفضل والتكرم والرحمة واذا كان هذا حالهم انه لو عاقبهم بكل عقوبة مع ما هم عليه لكان ذلك بعدله تعالى قليلا في كثير ما يستوجبون من عقوبته كما في الدعاء المذكور وليس هذا فعلوه للانقطاع خاصة او لتعليم الرعية لانه لو كان كذلك لكان اما لانهم ارباب غير محتاجين الى رب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا واما لان لهم عليه جزاء يستحقونه من اعمالهم بدون فضله فحينئذ لو قال قائلهم لا اريد فضلك ورحمتك وانما اريد حقي الذي عملته من نفسي ولا شك في ان من قال ذلك فهو كمن قال اني اله من دونه لانه ادعي ان اعماله الصالحة ليست من نعم الله بل هي منه ولا شك في كون هذا شركا بالله تعالى وان وجد وعلم انها كلها من الله تعالى فلا استحقاق له في شيء فلا نجاة له الا بسؤاله والتضرع اليه وكلها نعمه تعالى وانما رضي من عبده بالاعتراف بالتقصير وان ما وفقه له من الاعمال فهو مما يجب عليه شكرها لانها نعم متجددة من كرمه تعالى فاين الاستحقاق للثبات على الايمان وحفظ القلب عن الميل عن الهداية الى الضلالة وكل ذلك نعمه تعالى وقال علي عليه السلام في خطبته يوم عيد الاضحى كما رواه الشيخ (ره) في المصباح فوالله لو حننتم حنين الواله المعجال ودعوتم دعاء الحمام ( الانام خ ) وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان وخرجتم الى الله من الاموال والاولاد التماس القربة اليه في ارتفاع درجة وغفران سيئة احصتها كتبته وحفظتها رسله لكان قليلا فيما ترجون من ثوابه وتخشون من عقابه وتالله لو انماثت قلوبكم انمياثا وسالت من رهبة الله عيونكم دما ثم عمرتم عمر الدنيا على افضل اجتهاد وعمل ماجزت اعمالكم حق نعمة الله عليكم ولا استحققتم الجنة بسوى رحمة الله ومنه عليكم ه‍ فتأمل قوله عليه السلام انكم لو قمتم بهذه الاعمال التي اشار اليها مدة عمر الدنيا على افضل اجتهاد وعمل ما قابلت حق نعمة الله عليكم الخ مع ان هذه التي اشار اليها عليه السلام لا يمكن وقوعها من مكلف ولا سيما الاعمال التي اشار اليها زين‌العابدين عليه السلام في الدعاء المشار اليه سابقا فان فيه ولو انني يا الهي كربت معادن حديد الدنيا بانيابي وحرثت ارضها باشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السموات والارض دما وصديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما يجب من حقك علي الخ فان هذا لا يمكن وقوعه من المكلف ومع هذا بين عليه السلام اني لو فعلت هذا كنت مقصرا في واجب حقك علي ولو عذبتني بانواع عذاب الخلائق على التقصير الذي كان مني لكان تعذيبك اياي بعذاب الخلائق كلهم بعدلك ان لم تتجاوز عني قليلا في كثير ما استوجب من عقوبتك على تقصيري في حقك مع تلك العبادة فاذا تدبرت ما ذكرنا لك واشرنا اليه ظهر لك ان الراسخين في العلم اشد خوفا من جميع الخلائق من ان يزيغ قلوبهم عن الهدى بعد اذ هديهم وان كان مما انعم عليهم ان تفضل عليهم بالرجاء فيه وحسن الظن بقدر ما البسهم من الخوف فان المؤمن لا يستقيم ايمانه حتى يعتدل خوفه ورجاؤه لانهما جناحان له يطير بهما الى الله تعالى ولا يطير الطائر حتى تعتدل جناحاه فافهم واما قول السيد رحمه الله ان سؤالهم انقطاع اليه تعالى فهو من الحق ايضا ونقول به ونقول ايضا ان الانقطاع من الخوف ولا يلزم مما ذكرنا ان تكون اعمالهم غير خالصة لوجهه تعالى لانها راجعة الى حظوظ النفس والمشهور عند المتقدمين بطلان العمل بذلك لانا نقول ان ما اشرنا اليه هو حقيقة الاخلاص لان الاخلاص ايقاع العمل لمحض التقرب اليه خاصة ولا شك انهم انما سألوه ان يثبت قلوبهم على ما يقربهم اليه ولا يميلها الى ما يبعدهم منه ومن هنا نشأ الخوف الشديد لهم لعلمهم بذلك حتى كان امير المؤمنين صلوات الله عليه لما قرأ بعد ركعتي الافتتاح قبل صلوة الليل الهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك الدعاء خر مغشيا عليه واخبرهم ابو الدرداء انه عليه السلام قضى نحبه فرشوا عليه الماء حتى افاق واخبروا ابا الدرداء ان هذه عادته عليه السلام مع انه عليه السلام اخبر انه ما عبد الله خوفا من ناره ولا طمعا في جنته ولكن رءاه اهلا للعبادة فعبده فما هذا الخوف الشديد الا لانه يعمل للتقريب ويخاف التبعيد كيف لا يكون كذلك والله تعالى انزل في كتابه على رسوله صلى الله عليه وآله افامنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون فافهم وفقك لحقائق الامور وصحيح الاعتقادات

وقوله عليه السلام : وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب يشير به الى ان الثبات على الهداية انما هو برحمة منك تهبها من تشاء وقوله وهب لنا نبه بذكر الهبة على الفضل الابتدائي لا عن استحقاق فان الاستحقاق ليس هبة وانما هو طلب حق وقوله من لدنك ولم يقل من عندك اشار به الى انها ابتدائية لان لدن وان كان بمعنى عند الا انها اخص من عند لاحتمال كون عند بمعنى في ملكك وهو صادق على القريب منه والبعيد والمحبوب والمبغوض ولدن لما كانت تفيد القرب اختص استعمالها في القريب والمحبوب اما تسمعهم يقولون لمن له علم غير مكتسب من غيره يقولون علمه لدني ولا يقولون عندي ولو كان الثبات على ما وفق من الايمان ليس نعمة جديدة ورحمة ابتدائية لما قال من لدنك لان معنى من لدنك انه جديد الحدوث لم يجعله لهم قبل السؤال ولم يستحقوه بالسؤال ولهذا ذكر انك انت الوهاب اي المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها لان السؤال وان كان من افضل القوابل الا انه غير مقتض للاجابة لذاته ولو كان مقتضيا للاجابة لما كانت الاجابة رحمة ولما كانت الاجابة رحمة دلت على ان مقتضى الاجابة انما هو الجود والكرم الذي نبه عليه بقوله انك انت الوهاب نعم السؤال شرط لوجود العطية اذا اجريها المتفضل على مقتضى الاسباب فكان السؤال مقتضيا بالاجابة لا لذاته والاجابة من الكرم المطلق ثم اذا اقتضى بالاجابة فانما هو مقتض بها للظهور لا للايجاد لان ظهور هذه العطية اذا جعل السؤال لها سببا متوقف عليه ولو لم يجعل سببا لم يتوقف عليه والمعطي سبحانه سبب من لا سبب له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب فهو يفعل ما يشاء ولي في بيان هذا الحرف سباحة طويلة اقف بها على ساحل القطبية ولكن لا يقتضي المقام بيان كله فان قلت هذه دعوى فلا بد في تصديقها من المشاهدة قلت ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون وايضا من اهل القابلية لما اشرنا اليه ظهر مما ذكرت في هذا الشرح وكررت تصديق هذه الدعوى والى الله ترجع الامور ورحمة الله تعالى حقيقة لا مجاز لانه تعالى انما خلق جميع الخلق بالرحمة وقد سمي نفسه بالرحمن قبل خلقه فقال الرحمن على العرش استوى وانما خلق جميع خلقه بفاضل تلك الرحمة وسماها رحمة وكلام علماء الاصول في هذه المسئلة غير محقق فقولهم ان المجاز لا يستلزم الحقيقة لما تورطوا بقولهم ان الحقيقة استعمال اللفظ فيما وضع له اولا والمجاز استعماله ثانيا ووجدوا اسم الرحمن غير مسبوق بوضع قبله قالوا ان المجاز لا يستلزم الحقيقة فنقول اذا لم يستلزم لم يكن مجازا اذ معنى المجاز الطريق الى الحقيقة فاذا وضع لفظ على شيء لم يستعمل فيما قبله فان كان يجوز ان يكون مجازا لم توجد حقيقة فان قلت بلى توجد بدليل ان الرحمة حقيقة رقة القلب قلت هذا مصادرة فمن اين علم ان حقيقتها رقة القلب فلعل حقيقتها معنى آخر بدليل ان الله تعالى سمى نفسه بالرحمن وسمى الرحمة باسمها وخلق خلقه بها ولم يوجد قلب ولم تخلق له رقة ولعل هذه الرقة انما سميت رحمة مجازا لان الله سبحانه لما خلق الرحمة وسماها بهذا الاسم وخلق الخلق آيات لما هنالك فقال سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم فكان ما في الانفس آية ودليلا لما في الغيب والاية والدليل ليسا ذاتين وانما هما صفتان والصفة مجاز الموصوف وهو حقيقتها ولما كان الاية والدليل مثلا وصفة للمستدل عليه وللموصوف وجب في الحكمة ان يكون فيه ما يشابه الحقيقة التي في الموصوف والمستدل عليه فوضع تعالى ما يشابه اصله ليمكن الاستدلال به مثلا لو انك لم تر الفرس الحيوان الصاهل وطلبت مني بيانه وتمثيله ونقشت لك في القرطاس صورة فرس وهذه الصورة هي مثال الحيوان المعلوم ولها يدان ورجلان مثل الحيوان فيداها اي الصورة ورجلاها حقيقة فيها وان كانتا مجازا بالنسبة الى الحيوان فكذلك خلق الله الرحمة وسماها باسمها ووصف نفسه بها قبل ان يخلق الخلق والقلوب والرقة لان المخلوق فرع عن صفات فعل الخالق فان كان في الاصل صفة واراد الفاعل ان يجعل في الفرع نظير صفة الاصل صنعها مناسبة للفرع بقدر امكانه وسماها باسم صفة الاصل فليس لك ان كنت تفهم ان صفة الفرع كانت بعد صفة الاصل وسميت باسمها وجعلت نظيرها ان تسمي صفة الفرع حقيقة وصفة الاصل مجازا مع ان الحقيقة ذكر والمجاز انثى وتنسبون الذكر اليكم والانثى له تعالى الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزي والمعلوم عند جميع العقلاء انه تعالى انما خلق للاجسام آلات ليستعملها فيما يراد منه لانه لا يمكنه العمل بدون الالات بخلاف الصانع فانه تعالى يفعل بغير آلة فلما خلق الاجسام والنفوس المحتاجة في عملها الى الاجسام واراد منها عمل ما كلفها به خلق لها آلة تعمل بها ما اراد منها وسماها لها باسماء اشتقها من اسمائه تعالى ليستدل بالاسماء ليعرفوه بها من غير تشبيه كما خلق للخلق علما ليعرفوا به علمه تعالى بمعنى انه عالم لانه خلق العلم والجاهل لا يصنع العلم وليس علم الخلق حقيقة وعلمه مجازا لان العلم حقيقة في صورة المعلوم عندنا ولا نعرف علما الا انه صورة ومقترن بالمعلوم وعلمه تعالى ان كان صفة للمعلوم وصورة له فهو حادث وان كان مقترنا به فهو حادث للاجماع من جميع العقلاء من الحكماء والمتكلمين وغيرهم من المليين وغيرهم ان الاقتران صفة الحدوث ولا يقع الا بين حادثين وان لم يكن صفة للمعلوم ولا مقترنا به فليس علما لان العلم لا يكون الا صفة ومقترنا ولما ثبت انه تعالى عالم لانه خلق العلم وصنع الصنع المحكم المتقن ولا يكون هكذا الا العالم ولما ثبت ان العلم حقيقة انه صورة المعلوم ومقترن به وهاتان لا يجوز ان يوصف الله تعالى بهما وجب ان تحكموا بان علمه مجاز لا حقيقة لانكم لا تعرفون من العلم الا ما لا يجوز على الله تعالى كما قلتم انا لا نعرف من الرحمة الا رقة القلب وهي غير جائزة على الله تعالى فرحمته مجاز فقولوا ايضا علمه مجاز كذلك وان قلتم ان علمه مجاز فقولوا ايضا بذلك في قدرته وسمعه وبصره وحياته وادراكه وغير ذلك مع انكم تقولون هي عين ذاته فتكون ذاته مجازا وذواتكم حقيقة لانكم لا تعرفون من الذات الا ما هو مثلكم ولهذا قال الصادق عليه السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم وان قلتم ان علمه لا نعرف حقيقته ولا كيفيته فكذلك قولوا رحمته لا نعرف حقيقتها وكيفيتها فكما انكم لا تحكمون بكون علمه مجازا لعدم معرفتكم بحقيقته والاصل في الاستعمال الحقيقة فكذلك لا تحكمون بكون رحمته مجازا لعدم معرفتكم بحقيقتها والاصل في الاستعمال الحقيقة كيف وقد استعمل الرحمن قبل المجاز وقبل خلق اهله فان قلتم فاذا تكون رحمتنا مجازا والمجاز مسبوق بالحقيقة ولا يعقل ذلك قلت اذا لم تعقلوا ذلك فقولوا رحمتنا حقيقة ورحمة الله تعالى حقيقة وحقيقتنا بنسبة حالنا كما مثلنا بالفرس فان يديها حقيقة فيها وصورتها المنقوشة في القرطاس يداها حقيقة فيها وان كانتا مجازا بالنسبة الى الفرس الحيوان فافهم فان فهمت فحسن والا فقد بينت لكل من له قلب او القي السمع وهو شهيد ببيان يفهمه الا ثلاثة رجال رجل معاند مكابر لعقله ورجل لا يفهم العلم وانما هو كالطير المعلم ينطق بما لا يفهم ورجل جامد جمدت طبيعته على ما سمع بحيث اذا سمع شيئا غير ما سمع لا يلتفت اليه ولا ينظر فيه لانه لا يريد العلم وانما يريد الصورة فاذا حفظ الصورة جمد عليها اذا سلم من الرد عليه من العوام او ما يستلزم ذلك فان قلت قد قام الاجماع على ان رحمتنا حقيقة وانها لا تجوز على الله قلت ان قام على ان رحمة الخلق حقيقة لم يقم على ان رحمة الله مجاز وان كان فرعوا على كون رحمتهم حقيقة وانها غير رحمة الله ولا يلزم من المغايرة كونها في حقه تعالى مجازا كما انه لا يلزم من كون علمنا حقيقة وقدرتنا وسمعنا وبصرنا وانه غير ما في الله تعالى كون علم الله وقدرته وسمعه وبصره مجازا لجواز ان يكون هذا حقيقة وهذا حقيقة كما ان ذاتنا حقيقة وذاته حقيقة وانا شيء وهو شيء وكل حقيقة وكل مغاير للاخر فافهم

قال عليه السلام : سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا
قال الشارح المجلسي (ره) سبحان ربنا اي انزهه تنزيها عما لا يليق بذاته وصفاته وافعاله ان كان اي انه مخففة من الثقيلة وعد ربنا لمفعولا في اجابة الدعوات فكيف يخلف وعده انتهى

وقال السيد نعمت الله ان كان وعد ربنا لمفعولا ان هنا مخففة من المثقلة ويندرج في قوله وعد ربنا اجابة الدعوات لانه قال ادعوني استجب لكم انتهى

اقول تذكر ما اعترف به من الايمان وتذكر ان الثبات ليس في ايدينا وانما هو في يد الله سبحانه وانه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لا حول لنا عن الانقلاب الى الضلالة ولا قوة لنا على الثبات الى الهداية الا بالله المتعالي عن الجور والظلم وعن البخل لانه المتفضل بمبتدءات النعم الجزيلة وعن تغيير عادته من الجميل والاحسان والفضل والامتنان وعن ان يخيب رجاء راجيه وعن الا يكون مع حسن ظن عبده به وعن ان يضيع عملنا بزيارتهم ومحبتهم والتسليم لهم والرد اليهم وبتوجهنا اليه تعالى بهم وتقربنا بمحبتهم واتكالنا على ولايتهم لامره لنا بذلك العظيم الذي لا يوصف ولا يعرف ولا يكيف وتذكر ما وصفهم عليهم السلام به من الاوصاف التي لا تثبت عليها احكام الاقرار الا مع الموافاة بان تذعن القلوب والاركان واللسان كل واحد منها بالقيام بما يراد منه فلما قال ما ذكر ولم تحصل بالموافاة فقد خالف اللسان والقلب الاركان وكان القول بدعوى الموالاة والمحبة التي لا تحصل الا بالعمل واقله البعض كما قال تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون واكمله القيام بالكل عند الله اعراضا وكان الاعراض تكذيبا وكان التكذيب استهزاء وهذه امور لازمة من قوله تعالى وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزؤن والاية التي اتته ما علمه الله من ان من ادعى ولايتهم وخالفهم فقد اعرض عما يعلم كما في الحديث القدسي ما معناه قال الله يا موسى كذب من زعم انه يحبني واذا جاء الليل نام عني وهل رأيت محبا ينام عن حبيبه ه‍ واذا اعرض فقد كذب ولذا قال تعالى كذب من زعم انه يحبني الخ واذا كذب فقد استهزأ كما في الايتين المتقدمتين فلما وجد ذلك من نفسه وهو يعلم ان ما قاله في الثناء عليهم عليهم السلام اذا كان مع الموافاة افضل العبادات لله واكمل ما يذكر به الله ويسبح ويهلل وبدون الموافاة قد يكون كما في الايتين فلما استشعر ذلك نزه الله تعالى عما ادعاه من الطاعة وانه ربما كان عاصيا بترك الموافاة فقال سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا وربما رجا من الله تعالى القبول لهذا العمل القليل كان لهم عليهم السلام لان ولايتهم تتمم ما نقص من الاعمال كما دلت عليه اخبارهم فقال انه كان وعد ربنا لمفعولا لا يخلفه لان الوعد يستعمل في القول بفعل الثواب والوعيد في القول بفعل العقاب وقد يستعمل القول بفعل العقاب في الوعد اذا كان اتمامه فيه مصلحة اخرى كما قال تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولن ‌يخلف الله وعده وكان وعده قد وقع موقع وعيده الا انه لما كان فيه نصرة نبيه صلى الله عليه وآله اتى بما يليق بنبيه صلى الله عليه وآله لانه فعل ذلك ترجيحا لجهته فكأن الكلام ويستعجلونك بالعذاب تكذيبا لك ولنبوتك ولسوف اصدقك وانزل بهم ما استعجلوا به فكأن المقام وعيد من جهة ووعد من جهة فرجح جانب نبيه صلى الله عليه وآله فقال ان كان وعد ربنا لمفعولا بلحاظ ارادة الوعد من هذا الوعد لان الله تعالى وعد القبول لاقل الاعمال مع ولايتهم لانها تتمم ما نقص وتقوم مقام ما فقد لاشتمالها على محبتهم ولو خاصة بالقلب بدون عمل الاركان بلحاظ ارادة الوعيد من هذا الوعد لان من قال بلسانه ولم يعمل باركانه فقد نقص حقهم كما قال عليه السلام ان ولايتنا لا تنال الا بالورع فذكر ذنوبه وتقصيراته اما بسبب هذه الدعاوي التي لم يشفعها بالموافاة او مطلقا وهذا اللحاظ بقرينة قوله يا ولي الله ان بيني وبين الله ذنوبا الخ وهذه القرينة مرجحة للحاظ الثاني ويرجح الاول وهو ارادة الوعد من هذا الوعد انه صدره بان المخففة من الثقيلة وهي للتأكيد ودخول لام التأكيد في خبرها وان كان اتى بها للفرق لكنها مع ذلك تفيد التأكيد لانها اذا خففت واتى لها باللام للفرق بينها وبين الشرطية لم يؤت للفرق الا بلامها التي تدخل وان كانت مشددة للتأكيد وانه اتى بلفظ الوعد واستعماله في الوعيد بعيد وعلى فرض الوجه الثاني فانما لوحظ به مصلحة الاخر والاخر هنا الائمة عليهم السلام فانهم لا يحبون المعصية والتقصير من شيعتهم ومحبيهم واذا وقع من محبهم تحملوا تبعاته واستغفروا له وشفعوا فيه بحيث لا يشمت بهم اعداؤهم وفي تفسير العياشي عن كرام قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اذا كان يوم القيامة اقبل سبع قباب من نور يواقيت اخضر وابيض في كل قبة امام دهره وقد حف به اهل دهره برها وفاجرها حتى تغيب عن باب الجنة فيطلع اولها قبة اطلاعة فيمر اهل ولايته من عدوه ثم يقبل على عدوه فيقول انتم الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اليوم لاصحابه فتسود وجوه الظالمين فيصير اصحابه الى الجنة وهم يقولون ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فاذا نظر اهل القبة الثانية الى قلة من يدخل الجنة وكثرة من يدخل النار خافوا الا يدخلوها وذلك قوله لم يدخلوها وهم يطمعون واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا تعوذا بالله ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام الاعراف كثبان بين الجنة والنار يوقف عليها كل نبي وكل خليفة نبي مع المذنبين من اهل زمانه كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده وقد سبق المحسنون الى الجنة فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه انظروا الى اخوانكم المحسنين قد سبقوا الى الجنة فيسلم عليهم المذنبون وذلك قوله سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ان يدخلهم الله اياها بشفاعة النبي والامام وينظر هؤلاء الى النار فيقولون ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وينادي اصحاب الاعراف وهم الانبياء والخلفاء رجالا من اهل النار ورؤساء الكفار يقولون لهم مقرعين ما اغني عنكم جمعكم واستكبارهم ( واستكباركم ظ ) اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة اشارة الى اهل الجنة الذين كان الرؤساء يستضعفونهم ويحتقرونهم بفقرهم ويستطيلون عليهم بدنياهم ويقسمون ان الله لا يدخلهم الجنة ادخلوا الجنة يقول اصحاب الاعراف لهؤلاء المستضعفين عن امر من الله عز وجل لهم بذلك ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون اي لا خائفين ولا محزونين ومثله ما في تفسير علي بن ابراهيم على اختلاف في بعض الكلمات لفظا وامثال هذه كثير وفي دعاء الحجة عليه السلام قال رضى ‌الدين ابن طاووس قدس الله سره سمعت القائم عليه السلام بسرمن‌رأي يدعو من وراء الحائط وانا اسمعه ولا اراه وهو يقول اللهم ان شيعتنا خلقوا منا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا اللهم فاغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا وولنا يوم القيمة امورهم ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات اكراما لنا ولا تقاصصهم يوم القيمة مقابل اعدائنا وان خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا ه‍ وكل هذه وما اشبهها مؤيد للاول فعلى الثاني يكون قوله فيما بعده يا ولي الله استشفاعا في التقصيرات الخاصة وهي ما تضمنها قوله في سائر هذه الزيارة مثل قوله مطيع لكم آخذ بقولكم فانه لا يصدق الطاعة والأخذ بالقول مع المخالفة وعلى الاول استشفاع في الاعم وفي الثبات على ما هدى له من المحبة والولاية والمتابعة ولو في الاغلب او بالقلب والتسليم لهم كذلك والموالاة لهم ولوليهم والبراءة من اعدائهم ومن اشياعهم واتباعهم ولو بالقلب

قال عليه السلام : يا ولي الله ان بيني وبين الله عز وجل ذنوبا لا يأتي عليها الا رضاكم
قال الشارح المجلسي (ره) يا ولي الله المخاطب هو الامام الحاضر الذي يزوره او يقصده بالزيارة او الجميع لشمول الجنس له ويؤيده الاتيان بالجمع بعده لا يأتي عليها اي لا يهلكها او لا يمحوها الا رضاكم عني مطلقا او بالشفاعة انتهى

اقول قوله يا ولي الله ان عين بالقصد او الاشارة او الحضور عند قبره الشريف فان الحضور معين سواء خاطبه بالمفرد ام بالجمع ولكن اذا خاطبه بالجمع كان الحاضر عليه السلام سابقا في الخاطر لمكان الحضور وما سواه منهم عليهم السلام ان قصدهم مع الحاضر كانوا بعده في الحضور الذهني وان لم يقصد غيره تعين في القصد وكان الجمع للتعظيم والاشارة والقصد كالحضور في حكم اول الخطور بالبال ولكن يحتاجان الى تأكد اقبال وتوجه لان الحضور يعينه على التعيين البصر والمشاهدة للحضرة والقبر الشريف واطلاق الشارح رحمه الله بقوله او الجميع تسامح او لا رادة التنبيه على خصوص صحة التوجه اليهم عليهم السلام جميعا عند زيارة احدهم وحينئذ يكون الحال كما قلنا فان الزائر اذا توجه اليهم جميعا بالزيارة والخطاب وهو عند قبر احدهم كان الحاضر سابقا في الحضور في ذهن الزائر واذا قصد خطاب الجميع كانوا مخاطبين بواسطة خطاب الحاضر فهو المخاطب وهم تبع له في الخطاب او هو امامهم بفتح الهمزة وبكسرها في مخاطبة الزائر وهذا ظاهر قوله عليه السلام يا ولي الله قد يستعمل بمعنى ان الله تعالى تولاه وتكفل به في مصالح نشأتيه كما قال تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور وقد يستعمل بمعنى ان الله ولاه اي وجهه الى جهته التي خلق لها من مقامه من الله ورتبته في الجنة او جهات ما اراد منه من رفع الحجب عن قلبه حتى يشاهد من ملكوت الله تعالى في خلقه ما كتب له في الواح قدره وقد يستعمل بمعنى ان الله تعالى ولاه واسترعاه من عباده ما يحتمله من التأدية عنه تعالى اليهم وذلك كسائر الانبياء والاولياء من خلفائهم عليهم اجمعين السلام وقد يستعمل بمعنى الحامل للواء الحمد وهو لواء الولاية المطلقة العامة كما تقدم يعني انه عز وجل خلق هذا الولي له تعالى خاصة وخلق له جميع خلقه فلما خلقه اشهده خلق نفسه وانهي اليه علمها وحين خلق الخلق من الانس والجن والملائكة والحيوانات والشياطين والنبات والمعدن والجماد والسموات والارضين وسائر الافلاك في مشاهد متعددة واوقات متجددة وهي الف الف دهر كل نوع وجنس وصنف وشخص في مكان حدوده ووقت وجوده اشهدهم كل شيء منها وانهى اليهم علمه والقيام به وتربيته بان يؤدي اليه ما كتب عز وجل له من خلق ورزق وحيوة وممات وما يلحق بذلك من كل ما يتعلق بتربيته في النشأتين فهم يؤدون الى رعاياهم التي استرعاهم الله اياها بانفسهم وبوسائط من كل نوع الى ما يشاكله على حسب ما علمهم الله وهذا هو الولي المطلق والولاية العامة المطلقة مختصة بهم من بعد الله تعالى وما سواهم من جميع الخلق فولايتهم خاصة واليه الاشارة بقوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك وصاحب هذه الولاية المطلقة هو المراد هنا في قوله عليه السلام يا ولي الله

وقوله عليه السلام : ان بيني وبين الله ذنوبا يراد منه اني في حالة طاعتي انا مقصر عاص ففي حالة عصياني كيف لا اكون عاصيا كما في المناجاة الملحقة بدعاء الحسين عليه السلام على ما نقله بعضهم والا فقد قيل ان هذه المناجاة ملصقة به وانها من كلام ابن‌عطاءالله وقيل هي من كلام الحسين عليه السلام وزاد فيها ابن‌عطاءالله وفي اول المناجاة الهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي وما تقدم من دعاء علي بن ابي طالب عليه السلام وخطبته ودعاء علي بن الحسين عليه السلام بعد الثماني من صلوة الليل فانما يشعران هما وغيرهما ان العبد في جميع احواله مقصر ليس طريق الى استحقاق رحمة الله واستيهال عفو الله وفضله الا بفضل الله وعفوه ومنه وكرمه ورحمته يمن بها على من يشاء من عباده هذا في حق من يقوم بظاهر اوامر الله ونواهيه في جميع احواله وقد نقل بعض العلماء الاخيار من اهل البحرين انه وجد بخط الشيخ حسين بن محمد بن جعفر الماحوزي الساكن القطيف واظنه نقله من اشعار بعض العرفاء او المتصوفة بيتين وهما :

لو اقسم المرء بالرحمن خالقه بان بعض الورى لا شيء ماحنثا
لو كان شيئا فغير الله خالقها لله اكرم من ان يخلق العبثا

ومعناهما لو اقسم المرء بالله بان بعض الوري والمراد الكل لا شيء يعني لا حقيقة له من ذاته ولا شيئية وانما شيئيته في الحقيقة من شيئية غيره اي بشيئية غيره ما حنث ولا كفارة عليه لان يمينه صادقة لانه اي المخلوق لو كان شيئا لكان خالقه غير الله لانه اذا كان شيئا لم يكن لله فيه صنع الا التصوير كصنع البناء للجدار فان التراب والماء اللذين عمل منهما الطين صنع غيره وكذلك الحجارة فليس له عمل الا الهيئة وكذلك جميع العاملين الصانعين ما خلا الله تعالى فانهم انما يعملون في صنع غيرهم ولو كان الله تعالى يصنع في صنع غيره لكان عابثا لان ذلك الغير الذي صنع الاصل واحدث المادة يصنع الصورة فيكون صنع الصانع بعده عبثا والاستشهاد من هذين البيتين ان كل ما سوى الله لا انية له من ذاته ولا حقيقة فكل من وجد له انية فهو عاص بل جاحد وما احسن ما قال شاعرهم في هذا المعنى :

اقول وما اذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لا يقاس به ذنب

فاذا كان وجدانه لوجوده ذنبا لا يعدله شيء من الذنوب لان كل ذنب فاثباته وثبوته وتحققه انما يكون مبنيا على وجدان وجوده فاذا كان الامر كذلك بان وجد له وجودا فقد عصي بنسبة وجدانه لانه حينئذ مدع للاستقلال والاستغناء وكفى بذلك ذنبا لو كان يعلم لا نكره وتبرأ منه لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ولا يكاد ينفك من هذا في حال هذا مع قيامه بما يراد منه واما من كان مقصرا فيما يراد منه من ظاهر التكليف فلا تسئل عن حاله وقوله عليه السلام ان بيني وبين الله ذنوبا مع ان بينه وبين الادميين ذنوبا ولكن حقوق الخلق لا تكون حقوقا الا بحقوق الله فكل حق للخلق فهو حق لله وليس كل حق لله حقا للناس فلذا قال ان بيني وبين الله عز وجل ذنوبا على ان من اصلح حاله مع الله تعالى فان تبعات الخلق تمحوها شفاعتهم عليهم السلام ويعوضون عن حقوقهم من فضل الله فيؤل الامر الى ان التبعات والحقوق لله تعالى فان العباد ملكه وحق المملوك للمالك فاذا شاء اسقط حق عبده عن عبده وعوض عبده عما اسقط من حقه

وقوله عليه السلام : لا يأتي عليها الا رضاكم يراد منه ان تلك الذنوب التي كانت بيني وبين الله لا يمحوها ويسقطها من اعتبارها ونسبتها الى لا بمعنى يهلكها ويمحوها من الوجود العلمي الامكاني لان هذا العلم الامكاني الذي هو الوجود الراجح الذي تقومت به مشية الله تعالى تقوم ظهور وتقوم بها تقوم تحقق هو خزانة ملك الله تعالى ولا يخرج عن ملكه ما دخل فيه نعم قد يمحوها من الكوني وهو ما نقش بين دفتي الكتاب الحفيظ وترتفع الى اصلها في الوجود الامكاني وقد يمحوها بمعنى يمحو تعلقها بمن عملها كما مثلنا سابقا بان مثال السارق الذي رأيته يسرق اذا تاب كان كلما ذكرت تلك الحال منه بحضوره او بذكره منك او من غيره بلسان او بذهن رأيت المثال يسرق ولكن ترى بينهما حجابا وذلك لان التوبة حالت بينه وبين المثال فقطعت الربط والاتصال بينهما وترى المثال متخلفا عنه غير لاحق به ولازم له ولا منسوب اليه لان المؤمن لما سار به نهر الزمان الى الوقت الذي رأيته به بعد التوبة بقي المثال في وقت وجوده ووجهه مقابل للمؤمن لا لذاته بل للحال التي تولد المثال فيها وتلك الحال لما تاب حالت التوبة بينه وبينها فبقيت ملقاة على وجهها في المكان الذي وقعت السرقة فيه وزمانها والمثال متلبس بها ولما سار نهر الزمان بسفينة المؤمن تجاوز عن المثال ومكانه وزمانه وكان المثال بدنا لا روح فيه وانما يسير مع السارق حيث ما سار نهر الزمان بسفينته لانه كان متعلقا به ولازما له لم يحل بينهما حائل فهو متصل به فينجذب معه اينما كان فيثقل الشخص بالامثال القبيحة فلا يصعد الى عليين بل ينزل الى دركات اعماله لان الجذب في الحقيقة للامثال وان كانت هي لازمة للذوات وانما قلنا ان المثال القبيح ينجذب مع صاحبه لانه صفة والصفة تابعة للموصوف ولانها انما حدثت بميله اليها فهي منسوبة اليه فيقال انها تتبعه بمعنى انها لازمة له كما قال تعالى ولكم الويل مما تصفون وقال تعالى سيجزيهم وصفهم والا ففي الحقيقة هو تابع لامثاله بمعنى ان مصيره ومرده الى محل امثاله الا ترى ان زيدا من حيث هو فاعل قام في قولك قام زيد تابع في الحقيقة من جهة الرتبة والمصير للقيام فيما تترتب عليه من الاحكام وان كان القيام ناشيا من فعل زيد فظهر لك مما لوحنا لك ان المثال الحسن في الدفة العليا من الكتاب الحفيظ وهو كتاب الابرار في عليين وان المثال القبيح في الدفة السفلى من الكتاب الحفيظ وهو كتاب الفجار في سجين وان المثال حسنا كان او قبيحا ان تركه صاحبه وعمل بخلافه تخلف عنه في مكانه ورتبته ولحقه حكم الثاني الحادث بالعمل الثاني وان لم يتركه كان تابعا له اي للمثال في رتبته فالمثال وان كان لازما لكنه يجر صاحبه الى مقامه كما انه لازم لصاحبه الا اذا طرأ عليه آخر يحول بينهما فتنقطع الرابطة والى معنى هذا الانجذاب والتبعية اشار ابو جعفر عليه السلام كما في الكافي قال اتى الى امير المؤمنين عليه السلام بقوم لصوص قد سرقوا فقطع ايديهم من نصف الكف وترك الابهام لم يقطعها وامرهم ان يدخلوا دار الضيافة وامر بايديهم ان تعالج واطعمهم السمن والعسل واللحم حتى برئوا فدعا بهم وقال يا هؤلاء ان ايديكم قد سبقت الى النار فان تبتم وعلم الله منكم صدق النية تاب عليكم وجررتم ايديكم الى الجنة وان انتم لم تتوبوا ولم تقلعوا عما انتم عليه جرتكم ايديكم الى النار ه‍ فقولنا فيما قبل فوجهه اي المثال مقابل للمؤمن لا لذاته بل للحال التي تولد المثال فيها اريد انه اذا تاب قد يمحا المثال من الوجود الكوني عند من علمه وقد يبقى واذا بقي فبقاؤه انما هو بتلك الحال وتلك الحال بعد الترك ارتفعت في مكان العمل وزمانه فهي في عالم الاشباح الخالية بلا ارواح فان كانت الحالة قبيحة سقطت الى الريح العقيم بعد التوبة واما اذا لم يتب كانت حالته مصاحبة له فمن رأه رأه متلبسا بها حتى يرد على الله تعالى باحد الحالين فمعنى قوله عليه السلام لا يأتي عليها بمعنى لا يهلكها ويفنيها ويمحوها الا رضاكم ما ذكرنا من احد الوجهين اما محو كونها كما في بعض الذنوب بان ينسي الله الملائكة والارض والوقت ذلك والنسيان محو الصورة من الحافظة وهي هنا نفوس الملائكة والناس والواح المكان والزمان المعبر عنها بالكتاب الحفيظ فان تلك من الواح اللوح المحفوظ واما قطع الربط والتعلق بينهما فافهم قوله عليه السلام الا رضاكم يراد ان غير رضاهم كالتوبة لو كفرت بعضا ماكفرت آخر لعدم شمولها لكل شيء اذ بعض الذنوب لا يشعر بها المرء والتوبة انما تقع على ما يشعر به مجملا او مفصلا واما رضاهم فهو يأتي على كل شيء اذ لا يمكن ان يقع شيء من الذنوب وهم لا يعلمونه لان الاعمال تعرض عليهم وقد اطلعهم الله على ما في اللوح المحفوظ وكذلك القرءان فانه تفصيل كل شيء وقد اعطاهم الله تعالى عمودا من نور يرون فيه جميع اعمال الخلائق ولانه لا يكون ذنب الا ما كان مخالفا لامر الله وارادته ظاهرا او باطنا ولا ارادة لله ولا امر الا بهم عليهم السلام لانهم محال مشيته والسن ارادته وخزنة امره ونهيه فلا يمحو جميع الذنوب الا رضاهم فان قلت لم قال عليه السلام الا رضاكم ولم يذكر رضا الله تعالى وذكر رضى الله اولى في العموم فان شفاعتهم لا تنفع الا من رضى الله دينه كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وبدون رضاه لا تنفع الشفاعة عنده ولهذا قال لنبيه صلى الله عليه وآله استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن‌يغفر الله لهم ولو اذن الله لهم بالاستغفار غفر الله لهم باستغفاره صلى الله عليه وآله فالاولى ان يقال لا يأتي عليها الا رضا الله او يقال الا رضا الله ورضاكم قلت هذا مبني على احد وجوه بل كلها مرادة احدها ان يكون المراد برضاهم رضا الله اما على اعتبار المساواة في جميع ما يترتب على الرضا من الاحكام مطلقا او في خصوص غفران الذنوب واما على اعتبار اتحاد رضا الله ورضاهم في الجعل بان جعل تعالى رضاهم رضاه وغضبهم غضبه وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته وثانيها ان يكون المراد ان الله تعالى جعل رضاه في رضاهم وسخطه في سخطهم كما جعل امره ونهيه في قلوبهم فعلى هذا يكون رضاه في الذات غير رضاهم وفي المتعلق هو رضاهم بمعنى ان رضاه لا يكون له محل يتعلق به بحيث يكون مرضيا لله تعالى الا بواسطة رضاهم بان يكون ذلك المحل مرضيا لهم فيكون رضا الله في رضاهم على جهة الظرفية باعتبار تعلقه بالمرضي كالنفس في الجسد بمعنى ان النفس وان كانت هي المؤثرة ولكن لا يتحقق تأثيرها الا بالجسم فتقول عملته بيدي والعامل هو النفس ولكن لا يتحقق عملها في الاجسام الا بواسطة الجسم فاذا كان كذلك نسب العمل الى الجسم لا الى النفس لانها لا تباشر الاعمال الجسمانية الا بواسطة الجسم وثالثها ان يكون المراد ان الله تعالى جعل رضاهم شرطا لرضاه تعالى شرط صحة بمعنى انه متمم لرضاه تعالى او شرط ظهور بمعنى انه قابل لرضاه ورضاه مقبول فعلى الاول يكون رضاهم ركنا لرضاه بنحو ما يشير اليه الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان على معنى ان حقائقهم معانيه اي معاني افعاله فيكون رضاهم جزءا متمما واعتبر دون رضاه لانه السبب القريب منا والواسطة بيننا وعلى الثاني ان رضاه تعالى ورضاهم قابل له فهو الصورة ورضاه تعالى مادة والحكم يتبع الصورة وما يتبع الحكم تابع له بواسطتها فلذا اعتبر رضاهم ورابعها ان شؤنه تعالى لذواتها منحصرة فيهم لانه تعالى اصطنعهم له وانما اصطنع ما سواهم لهم فانحصرت معانيه اي معاني افعاله فيهم فرضاه الذي يكون منشأ ومستندا للامور بدءا وعودا حادث وجميع صفاته الحسنى اي صفات افعاله من الكرم والرضي والفضل والرحمة وغير ذلك فهم معانيها في مقام الاسماء وهم اسماؤها واركانها في مقام الامثال العليا بمعنى انهم عليهم السلام بظاهرهم اسماء لتلك الامثال والمقامات التي لا تعطيل لها في حال وانهم بباطنهم اركان لها وابدال فليس له تعالى رضى غير ذاته المقدسة الا هم او ما تقوم بهم او عنهم يعني ان الرضى الذاتي القديم ليس شيئا غير ذاته تعالى ولا كيف لذلك ولا يعلمه الا هو سبحانه والرضى ثلاثة اقسام رضى تقوم بهم تقوم ظهور وهو فعله الراجح الوجود وهو قولنا او ما تقوم بهم ورضى هو حقيقتهم ورضى تقوم عنهم تقوم صدور وتحقق فذاته تعالى لا تنسب الى شيء ولا ينسب اليها شيء وما سوى ذاته فما هو فعله ومشيته وارادته فهم محاله وبهم تقوم تقوم ظهور وما هو ذاتهم فهو ذاتهم وظاهر ان الله تعالى اقامهم بهم وما هو عنهم فما يفعلونه بامره لا يسبقونه بالقول يعني انهم لا وجود لهم ولا شيئية لهم الا بما اعطيهم من ذواتهم فكان الاعتبار في مقام النسبية والمنسوبية انما هو برضاهم وهم رضى الله تعالى وهم برضي الله قائمون وهم عن رضى الله يفعلون ويرضون كما قال سيد الشهداء صلوات الله عليه ولعنة الله على ظالميه في قوله لعبد الله بن عمر وهو (ع) متوجه الى العراق قال (ع) بعد كلام طويل يا عبد الله خط الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولهني الى لقاء اسلافي اشتياق يعقوب على ( الى خ‌ل ) يوسف وخير مصرع انا لاقيه كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني اكراشا جوفا واجربة ( واجوفة خ ) سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ليوفينا اجر الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده فمن كان باذلا فينا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معي فانا راحل مصبحا ان شاء الله تعالى ه‍ قوله عليه السلام فيملأن مني الخ كناية عما صنعوا به اعداؤه لعنهم الله وقوله (ع) اكراشا الخ لبيان شدة حقدهم وعداوتهم كالجائع الذي حين وجد الأكل لا يظن انه يشبع لشدة حرصه ولحمة رسول الله صلى الله عليه وآله بضم اللام قرابته والمراد بهم المعصومون الثلاثة عشر عليه وعليهم السلام وحظيرة القدس الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وذلك عند رجعته واهل بيته صلى الله عليه واهل بيته في آخر الرجعات التي يقتل فيها ابليس لعنه الله والاستشهاد من كلامه عليه السلام قوله الحق رضى الله رضانا اهل البيت فانه عليه السلام اخبر بالاتحاد وذلك كسائر ما اراد من خلقه مثل من اطاعهم فقد اطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله ومثل قولهم عليهم السلام طاعتنا طاعة الله ومعصيتنا معصية الله وما اشبه ذلك وخامسها انما خص رضاهم باللفظ وان كان يريد انه هو رضى الله او ملازم لرضي الله او محل له او غير ذلك لبيان الانقطاع اليهم وللاخبار عن اخلاص القلب وعن الاستهلاك والاضمحلال لوجوده في وجودهم وطاعتهم وامرهم ونهيهم نظير ما تقدم في هذه الزيارة الشريفة من قوله ومفوض في ذلك كله اليكم وفي الزيارة الجامعة الصغيرة في خصوص شهر رجب كما في مصباح الشيخ (ره) قال عليه السلام انا سائلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض فبكم يجبر المهيض ويشفي المريض وعندكم ما تزداد الارحام وما تغيض الخ وكل هذا ومثله لبيان ما انطوي عليه القلب من الانقطاع اليهم وقد تقدم بيان التفويض والمراد به التفويض الحق اي التعليم لما شاء من العلوم والاحكام والاوامر والنواهي والافعال مما هو مقتضى الولاية المطلقة وكل ما وصل اليهم منه تعالى فهو قائم بفعله قيام صدور كقيام صورتك في المرءاة بك فانها قائمة بمقابلتك لها قيام صدور اذ ليست شيئا الا بمقابلتك كذلك جميع ما ينسب اليهم منه تعالى لا التفويض الذي هو كناية عن الاستقلال فانه شرك بالله العظيم وقوله وعليكم التعويض يراد منه ما ذكرنا مرارا انهم ابواب الله تعالى لا يصل الى احد من الخلق شيء من الله تعالى الا بواسطتهم وقوله يجبر المهيض المهيض هو كسر العظم ثانيا بعد ان جبر عن كسر اول فان جبره صعب لا يكاد يستقيم على ما ينبغي وقوله وعندكم ما تزداد الارحام وما تغيض اذا اجرى تعالى صنعه على الاسباب فاذا اتى المرأة الحيض في حملها كما هو المشهور الصحيح زادت مدة الحمل بقدر ما تراه في حملها من الحيض ولذا قال الاكثر اكثر الحمل سنة لان مدة الحمل تسعة اشهر فيحتمل ان يأتيها في كل شهر عشرة ايام فتزيد تسعون يوما وهي ثلاثة اشهر ونقصان المدة عن التسعة لجواز صلاح الغذاء للجنين وقوة قابليته وهاضمته وكثرة غذائه من امه فيشب في الستة الاشهر او السبعة او غيرهما كما يشب غيره في التسعة واذا كان كذلك لو بقي يوما قتل امه ولاسباب يطول ذكرها واعظمها ان لكل شيء اجلا في البقاء والظهور والخروج والفناء لا يزيد ولا ينقص لكل اجل كتاب

قال عليه السلام : فبحق من ائتمنكم على سره واسترعاكم امر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته لما استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي
قال الشارح المجلسي رحمه الله فبحق من ائتمنكم على سره من العلوم اللدنية والمكاشفات الغيبية والحقائق الالهية واسترعاكم امر خلقه اي جعلكم ائمة ورعاة لامور الخلائق من العقايد والاعمال وقرن طاعتكم بطاعته بقوله تعالى اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ويفهم من المقارنة انه لا يقبل واحدة منها بدون البقية بل الجميع واحد كما قال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله انتهى

اقول يعني اسألكم واتوجه اليكم بحق من ائتمنكم على سره عليكم فان له تعالى على كل احد من الخلق حق الايجاد وافاضة النعم التي لا تحصى ولا يقوم بحقها احد الا بالاعتراف بالعجز والتقصير عن اداء شكر اقلها فاتوجه اليكم بذلك الحق الذي اعظمه انه تعالى ائتمنكم على سره وهذا السر سر الخليقة وهو مجموع احكام مقتضيات افراد الوجود ومجموع مقتضيات احكامها من الاجناس والانواع والاصناف والافراد من حيوان وغيره وذلك السر من حكم ومحكوم عليه من عوالم الغيوب وعوالم الشهادة والاشارة الى بيان هذا السر المشار اليه على نحو الاجمال تلويحا اذ لا يعرفه تفصيلا الا من ائتمنه الله تعالى اياه هو ان الله تعالى قال كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لاعرف فاشار تعالى الى ثلاث رتب الاولى مقام الكنز المخفي وهو مقام الذات البحت المعبر عنه باللاتعين ويعرف بما وصف نفسه به من صنعه وذلك صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ولا سبيل لاحد من الخلق اليه الا بذلك وان اختلفت مراتب وصفه نفسه لخلقه بتفاوت لا يتناهى في الكم والكيف والعدد وهذا اعلى مراتب السر الذي ائتمنه ولا يتحول سبحانه عن هذه الحال وانما يظهر لمن اراد ان يظهر له به وبما شاء من آياته والثانية ( مقام خ ) فاحببت ان اعرف وهو مقام مشيته وارادته وابداعه وفعله وهو الوجود الراجح ( الذي خ ) لا اول له في الامكان خلقه تعالى بنفسه واقامه بنفسه وفي الدعاء وباسمك الذي استقر في ظلك فلا يخرج منك الى غيرك فهو اسمه تعالى وهو ظله الذي اقامه فيه يعني اقامه بنفسه واعلم ان للعرش الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته فاعطى كل ذي حق حقه اطلاقات عندهم عليهم السلام واعلى ما يطلق هذا الاسم عليه هذا المقام ونسبة هذا الى الحقيقة المحمدية والولاية المطلقة كنسبة الكسر الى الانكسار وهم عليهم السلام محال هذا كما ان الانكسار محل الكسر وقد ائتمنهم على هذا السر وهو امر الله الذي به يعملون فلما كان الصنع والعمل وكل شيء من عين او معنى حركة او سكون لا يكون الا بامر الله الذي هو فعله ومشيته وكانوا محل ذلك كله في رتبة الاكوان كما قال تعالى ووسعني قلب عبدي المؤمن ائتمنهم عليه اي على حفظه والقيام بموجبه وتأدية احكامه وآثاره الى مستحقيها وقابليها وقواهم به على تحمله فليس لهم عمل بغيره لا من انفسهم ولا من غيرهم من الخلق ولم يكلفهم الا به قال الله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فقلب المؤمن وسعه اي وسع فعله فقال الله لا يكلف نفسا الا وسعها فحصر تكليفهم عليهم السلام في فعله تعالى وامره وهذا هو السر في تقديم الجار على العامل في قوله تعالى وهم بامره يعملون وهذا كمال الائتمان لهذا السر الذي هو منشأ كل شأن والثالثة ( مقام خ ) فخلقت الخلق لاعرف فخلقهم صلى الله عليهم واشهدهم خلق انفسهم فبذلك عرفوه ووحدوه وهللوه وسبحوه وحمدوه وكبروه ثم خلق الخلق على ترتيب قابلياتهم للوجود وكلما خلق شيئا اشهدهم خلقه وانهى علمه اليهم اي انهى علمه تعالى بذلك الشيء اليهم او انهى علم ذلك الشيء اليهم فعلي جعل الضمير في علمه عائدا اليه تعالى يراد بهذا العلم العلم الكوني والارادي والقدري والقضائي والاذني والاجلي والكتابي كلما نزل المشاء الى مقام انهى تعالى علمه به اليهم وهكذا وهذا العلم هو المستثنى في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فان المستثنى منه على الظاهر ليس هو العلم الذاتي فان العلم الذاتي هو ذاته تعالى ولا يصح ان يقال ولا يحيطون بشيء من ذاته الا بما شاء والاصل في الاستثناء الاستثناء المتصل لانه لاخراج ما لولاه لدخل في المستثنى منه والمنقطع ليس هذا سبيله على الظاهر وانما قلت على الظاهر ليس هو العلم الذاتي لاحتمال المنقطع وان كان مرجوحا لان المستثنى وان لم يدخل في المستثنى منه بالاصالة لكنه يحتمل دخوله بالتبعية فان بعض المخاطبين من يحتمل غير المتعارف فالمتكلم قد يجوز في مخاطبه ذلك فيستثنى المنقطع وقد يكون المتكلم يريد تنبيه المخاطب على معنى الشمول في المستثنى منه اذا استثنى المنقطع فاذا قال قام القوم الا حمارا يريد تنبيه المخاطب على ان جميع القوم قاموا ولو اراد المجاز وانه انما قام بعضهم لما استثنى منهم ما ليس منهم فلما استثنى ما ليس منهم كان كالنص على العموم ولو لغرض له من الاغراض وقد يلاحظ جانب اللفظ فعلى هذا يجوز ان يراد بالعلم المستثنى منه العلم الذاتي والمستثنى العلم الحادث المشاء فقد يتوهم المخاطب انه تعالى حين سمي نفسه علما وكان له علم بالكائنات حادث لعله عني مطلق ما يسمى علما ولو باللفظ فيكون العلم الحادث غير محاط به فابان تعالى بان الحادث المشاء اي الذي يدخل في حيطة مشيته يحيطون به وربما يحتمل هنا قسما ثالثا وذلك ان يقال بانه على فرض المنقطع يكون المستثنى منه قديما والمستثنى حادثا وعلى فرض المتصل يكونان معا حادثين وعلى فرض القسم الثالث يكون لا متصلا لانه استثناء ما لولاه لدخل في المستثنى منه لانه مغاير للمستثنى منه لان العلم المستثنى منه امكاني راجح الوجود وان كان حادثا لكن الله سبحانه احدثه بنفسه لا بشيء آخر والمستثنى تكويني جائز الوجود احدثه الله بفعله لا بنفسه كالاول وانما احدثه الله تعالى بالاول فهو غيره باعتبار بحيث لا يصدق عليه الا بظاهر اللفظ خاصة لانه من الاول كالنور من الشمس فاولى فيه ان يكون الاستثناء منقطعا وباعتبار انهما معا داخلان في مسمي العلم حقيقة قد اشتركا فيه وفي الحدوث فيكون منقطعا فاذا قلنا بالقسم الثالث نريد انه بين اعتبارين متصادمين يصدق باحدهما انهما من جنس واحد وباحدهما انهما من جنسين فهو ذو وجهين فان قلت هو متصل صدقت وان قلت هو منفصل صدقت وان قلت لا متصل ولا منفصل صدقت وليس لك ان تقول الاصل فيه الاتصال لان الاصل انما يتمشي في مجهول الحال ولا ان تقول انهم اجمعوا على الاتصال والانفصال لانهم لم يجمعوا على نفي غيرهما وانما حصروا التقسيم فيهما نظرا الى ان المستثنى من جنس المستثنى منه او من غير جنسه فحصرهم بنوه على هذا النظر واذا وجد قسم لا يكون من جنسه وهو من جنسه فما يقال فيه على ان اثباتهم لشيئين لا ينفي ما عداهما ولم يقم الاجماع على النفي وانما قام على الاثبات واثبات الشيء لا ينفي ما عداه والحاصل انا نقول ليس المراد بالمستثنى منه العلم القديم الذي هو ذاته لما يلزم ذلك من المفاسد المنافية للتوحيد فيكون المراد به العلم الحادث فنقول المراد بالاستثناء في الاية المتصل اما مقابلة لما قيل انه منقطع بناء على ان المراد بالمستثنى منه القديم او لان الاصل فيه الاتصال بمعونة الاستعمال اللفظي فانه كاف في الاتصال او ترجيحا للاجتماع في الحدوث على التفريق بالعلية والمعلولية او لان ما هو علة بالفعل هو معلول بالقوة فيشتركان او لانا لسنا بصدد تحقيق اللغة وانما نحن بصدد المعنى وهو يتأدى على اي الاحتمالين فالاستعمال في الاتصال اكمل واشرف او لان ما نفي عنهم عليهم السلام الاحاطة به ليس على جهة الاستمرار والدوام وانما هو موقت ينتظر به وقته فيحيطون به يعني يحيطون بما حضر وقته لا انهم يحيطون به كله بحيث لا يبقى ما ينتظرونه لان ذلك انما يكون في المتناهي وهذا العلم الامكاني وان كان حادثا احدثه الله تعالى بنفسه ولم يكن معه في الازل اذ ليس معه تعالى شيء من الحوادث الا انه منه يمد الخلق والخلق ابدا محتاجون في بقائهم الى المدد لا وجود لهم ولا بقاء بدونه وذلك المدد ليس قديما لان القديم لا يستمد من ذاته الحادث ولا يجوز ان يفنى لانه لو فنى فاما ان يبقى فان بقي الموجود كان حينئذ مستغنيا والحادث لا يكون مستغنيا في حال واما ان يفنى والمسلمون كلهم اهل الشرع عليهم السلام وغيرهم مجمعون على بقاء الجنة واهلها والنار واهلها ودوامهم لا الى غاية ونهاية فثبت بان هذا الامر اعني الامر الامكاني ليس بمتناه ابدا وان الله سبحانه يمد الخلق اهل الجنة بنعيم متجدد لا يتناهى واهل النار بعذاب اليم يتألمون به متجدد لا يتناهى ولا ينقطع ولا يأول امرهم وحالهم الى النعيم كما زعمه الصوفية المتلونون بل كلما طال عليهم المدا ازدادوا تألما فهو تعالى يمد الفريقين بما يستحق كل واحد منهما من هذا الحادث الذي لا يتناهى ولا يتغايا وهو على كل شيء قدير فقولنا وهذا العلم هو المستثنى في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فما شاء من علمه يحيطون به عليهم السلام لانه انهاه اليهم وهو علم ما كان وما يكون على ما فصلنا فيما تقدم سابقا ومعنى الا بما شاء انهم يحيطون من علمه بما شاء ان يحيطوا به او انهم لا يحيطون بشيء مما شاء من علمه الا بمشيته فما في هذا الوجه مصدرية حرفية كما قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فعلى الظاهر تكون من رسول بيانية والمراد به رسول الله صلى الله عليه وآله وما علمه الله فان الله امره ان يعلمه الطيبين من اهل بيته عليهم السلام وعلى الباطن والتأويل ان المرتضى من محمد صلى الله عليه وآله علي وفاطمة والاحد عشر معصوما من ذريتهما عليهم اجمعين السلام وقد اشار الهادي عليه السلام في هذه الزيارة في قوله وارتضاكم لغيبه وكذلك قوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فعلى الظاهر المجتبى من الرسل محمد صلى الله عليه وآله واطلعه تعالى على ما شاء من الغيب وما اطلعه عليه فانه امره ان يطلع عليه الطيبين من اهل بيته عليه وعليهم السلام وعلى الباطن والتأويل فالمجتبى من محمد صلى الله عليه وآله علي وفاطمة والائمة من نسلهما عليهم السلام واعلم ان العلم الامكاني الراجح الوجود هو وجود الامكان عند وجود المشية بما فيه من الامكانات الجزئية التي لا تتناهى فانها هي والمشية والارادة لم تكن في الازل لان الازل ذاته تعالى وليس معه غيره وليس شيء في تلك الرتبة التي هي ذاته غيره ثم احدث المشية بنفسها واحدث بها معها الامكان المطلق وما فيه من الامكانات الجزئية التي لا تتناهى فهي مع المشية والارادة متساوقان في الظهور في الوجود بعد ان لم يكن شيء غير الله تعالى وهذا الامكان وما فيه هو خزانة الله التي لا تغيض بل تفيض وهذا هو العلم الامكاني الذي لا يعلمه الا الله تعالى ولا يحيطون بشيء منه ثم شاء ان يكون منه ما شاء فما شاء كونه واراد عينه فهو العلم الكوني والتكويني والعلم المشاء والذي يحيطون به بمشية الله تعالى فكل من اتصف بالوجود الكوني فقد انهي علمه اليهم صلى الله عليهم كما تقدم وجعل تربيته اليهم في كل شيء وهو الذي اشار اليه بقوله واسترعاكم امر خلقه وقد ائتمنهم سبحانه في هذه الاسرار الثلاث ففي الاولى هم اركان مقاماته وعلاماته بل هم مقاماته وعلاماته وفي هذه الرتبة اشار الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب كما تقدم مرارا اليهم واشار الصادق عليه السلام اليهم بقوله لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن ه‍ وفي رواية الا انه هو هو ونحن نحن ه‍ وفي الثانية هم معانيه فهم علمه وقدرته وحكمه ويده ولسانه وعينه وقلبه وامره وغير ذلك مما ذكروه عليهم السلام بل هم فيها اركان مقاماته ومعنى كونهم معانيه انهم معاني افعاله كالقيام والقعود والاكل والشرب والكتابة بالنسبة الى زيد فان هذه معاني زيد اي معاني افعاله وفي الاولى هم كالقائم والقاعد والاكل والشارب والكاتب بالنسبة الى زيد فان هذه اسماء فاعل كذلك هم اسماؤه كما قال الصادق عليه السلام وهو المسمى ونحن اسماؤه وفي الثالثة هم بيوته وابوابه التي امر ان يؤتي منها وقد تقدم بيان هذه في مواضع متعددة وانا اكرر القول لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا وفي كل مرتبة من هذه الثلاث له سر غير متناهي المراتب واعطاهم وقواهم بما اختارهم له وآتيهم تقويهم وائتمنهم على ذلك كله لعلم منه سبق فيهم فهم بامره يعملون صلى الله عليهم اجمعين

وقوله عليه السلام : واسترعاكم امر خلقه يعني به انه تعالى استرعاهم امر خلقه جعلهم قائمين برعاية الخلق فيما يتعلق بامر الوجود الكوني وشرعه وفيما يتعلق بامر الكون الشرعي ووجوده وفيما يتعلق بامر الغيب والشهادة وفيما يتعلق بامر الدنيا والاخرة وفيما يتعلق بامر الجنة والنار طلب تعالى منهم عليهم السلام رعاية جميع خلقه في هذه الامور الخمسة كما قال امير المؤمنين عليه السلام فيما تقدم من خطبته يوم الغدير والجمعة قال في حق محمد صلى الله عليه وآله استخلصه في القدم على سائر الامم على علم منه الى ان قال وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار وقد تقدم هذا ومثله في حقهم من خطبته عليه السلام فهم المربون لرعيتهم الراعون الذين استرعاهم الله تعالى امر غنمه فان شاؤا فانما شاء وهنا شبهة تحتاج الى البيان وهي ان الله قد يريد امرا فاذا ارادوا الا يكون اراد سبحانه الا يكون فيترك ارادته لا رادتهم وهذا شيء كثير الوقوع كما في الشفاعات التي تكون منهم اذ لولا شفاعتهم لعذب الله ذلك الشخص لانه يريد تعذيبه فلما شفعوا رحمه وكذلك في دعائهم لشيء فيستجيب الله تعالى لهم ويفعل ما سألوه ولولا دعاؤهم لم يفعله فاذا كان الامر كذلك دل على ان لهم ارادة ومشية غير مشية الله تعالى وارادته وقد ذكرت في كثير من ابحاث هذا الشرح انه تعالى انما خلقهم له لا لشيء سواه ولا لانفسهم وقبول الشفاعة والدعاء منهم يدل على وجود انية لهم والجواب ان الله سبحانه خلقهم له خاصة كما قلنا ولكن صنعه لخلقه وبخلقه جار على حكمته وسنته ولن تجد لسنة الله تبديلا وهو انه اجرى عادته على انه يفعل بالقوابل وبتوسط الاسباب مثلا ينزل من السماء ماء وهو سبب لاخراج الثمرات على اختلافها فيخرج الرمان من شجره بطبيعتها وبتوسط الماء والتراب ويخرج العنب من شجره بطبيعتها وبتوسط الماء والتراب والفاعل واحد سبحانه والفعل واحد واصل السبب واحد وهو الماء والتراب فلو خلق بغير القابلية لكان المخلوق شيئا واحدا ولكنه خلق الرمان بطبيعة شجره والعنب بطبيعة شجره ولما كانت عادته انه يفعل بالقوابل والطبائع كان فعله تعالى متقوما بمقوماته وهي هم عليهم السلام والمقومات مقومات على رتبها في كل رتبة بحسبه مثاله انك مدرك ولكن تدرك الالوان والاصوات والطعوم والروائح والمجسات في رتبتها من الاجسام بما يوافقها من مدركاتك فتدرك اللون بالبصر والصوت بالاذن والطعم باللسان والرائحة بالانف والمجسة بالانملة مثلا وتدرك المثال بالحس المشترك والصور الخيالية بالخيال والنفسانية بالنفس والمعاني بالعقل والمعرفة بالفؤاد فالفؤاد يدرك المعرفة بنفسه ولما دونه بتوسط العقل والصور بالنفس بتوسط العقل ويدرك المثالية بتوسط ما بينه وبين مدركه وهكذا الاعلى يدرك ما في رتبته بنفسه وما فوقه وما تحته بتوسط الادراك المتوسط فكذا ما نحن بصدده فان مثالنا آية بيانه ودليل برهانه فهم عليهم السلام في مقام العلامات ليس لهم مشية الا مشيته تعالى وفي مقام المعاني مشيتهم اركان مشيته تعالى وفي مقام الابواب مشيتهم وجه مشيته وفي مقام الامام مشيتهم تابعة لمشيته فمشيتهم في الظاهر السبب القريب ففي الاول لا يجدون لهم مشية ولا وجودا وفي الثاني مشيته تعالى متقومة في الصنع بمشيتهم بمعنى ان مشيتهم في الصنع محل لمشيته ومشيته فاعله ومنه قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وفي الثالث مشيتهم في مشيته تعالى عضد للمشاءات فانهم لا يقدرون على قبول مشيته تعالى بدون واق منهم عليهم السلام وهو مشيتهم وفي الرابع لهم المشية التابعة لمشيته تعالى فمشيته تعالى بالنسبة الى مراتبهم الثلاثة الاواخر مرتبطة بمشيتهم فان توجهت مشيته الى مشاء فلا يتم تعلقها به الا مع انضمام مشيتهم معها لكونها ركنا او عضدا او تابعا قريبا فان شاؤا جهة غير تعلق مشيته فانما شاؤا بتفويض مشيته فاذا شاؤا فبمشيته شاؤا فيجب في الحكمة ان تجري مشيته تعالى على وفق مشيتهم لانها متممة لقابلية المشاء ولفاعلية مشيته تعالى كما يتمم البصر ادراك العقل للالوان ولا يجوز في الحكمة تفرد مشيته تعالى والا لجرى صنعه على غير مقتضى القوابل اذ مقتضاها توسط المتممات لها من المشخصات ومن توسط اسباب المقبول واذا شاء الله تعالى عذاب شخص بمقتضي ذنبه وشاؤا الشفاعة له وشفعوا قبل شفاعتهم وشاء ما شاؤا لان الذنب الذي اقتضى ان يشاء الله تعالى تعذيبه عليه انما هو تقصير فيما جعل لهم من حق الولاية والمحبة لا انه تعالى يتشفى بتعذيب من عصاه اذ لا حاجة له الى شيء ولا يهيجه شيء وانما هو في الحقيقة اخذ بحقهم او لحقهم فاذا شفعوا فبمشيته شفعوا ولحقهم اسقطوا فكان مقتضى حال ذلك الشخص مع ضميمة شفاعتهم عليهم السلام العفو عنه والتفضل عليه بالرحمة لان معصيته مع الشفاعة تتبدل طاعة كما قال تعالى فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وما مثال هذا الشخص في ذنبه الا كرجل في ثوبه الساتر له الذي يريد الصلوة فيه قطرة بول فان مقتضى حكم الله ومشيته منعه من الدخول في الصلوة فلما غمس في الفرات بثوبه كان مقتضى حكم الله ومشيته الاذن له بالدخول في الصلوة لان نجاسة ثوبه من قطرة البول ومن غيرها بدلت طهارة فلم تكن لهم مشية الا مشية الله تعالى او عن مشيته او بها فمع اتحاد المشية من الله تعالى ومنهم كما في المقام الاول فلا كلام ومع اعتبار التعدد او المغايرة فلانه تعالى اولى منهم بالكرم والفضل فكما كانوا يتركون ما يريدون من شهوات انفسهم ومقتضى انياتهم لما يريد سبحانه كان تعالى اولى بذلك فيترك ما يريد لما يريدون على انه انما اراد لهم خاصة والله غني حميد ولاجل هذا ورد في اخبارهم عليهم السلام اذا شئنا شاء الله وما تشاؤن الا ان يشاء الله ورد واذا شاء الله شئنا هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب فلما اشهدهم خلق انفسهم وانهى اليهم علم ذلك واشهدهم خلق جميع مخلوقاته وانهى اليهم علم جميع خلقه وجعلهم محال مشيته والسن ارادته واصطنعهم لنفسه واغناهم به تعالى عمن سواه فلا يشاؤن الا بمشيته او عن مشيته واقدرهم على ما حملهم وكان تعالى لا تدركه الابصار ولا تمثله الظنون استرعاهم امر خلقه اي منهم خاصة طلب رعاية امر خلقه لا نحصار شؤنه تعالى وحوائج جميع خلقه فيهم عليهم السلام فهم بأمره يعملون

وقوله عليه السلام : وقرن طاعتكم بطاعته لما كان تعالى بائنا من خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة وكان مصير كل شيء اليه وجب في اللطف ان يميز خلقه بحدودهم التي هي غيوره كما قال الرضا عليه السلام في خطبته كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه ليعرفوه تعالى بمباينته لحدود خلقه التي منها الاتحاد والمساواة والموافقة والمخالفة والمشاركة والمضادة والشبه والاقتران والاجتماع والمباينة والمفارقة وغير ذلك فيعرفوه تعالى بخلافها وخلاف خلافها ويلزم هذا التوحيد والتجريد الغني المطلق فاية التوحيد الانفراد بما يجوز عليه ففرق بهذا اللحاظ بين طاعته وطاعتهم فقال وقرن طاعتكم بطاعته وآية الغني المطلق انما ينسب اليه ويجوز عليه غير ذاته المقدسة فهو لأقرب خلقه اليه وانما نسبه اليه وهو لهم تشريفا لهم وتعظيما ولان ما لم يكن له باطل فلا يجعل لمن جعلهم احباءه بالحق ما يكون باطلا اذا لم ينسب اليه ما لم ينسب اليه ليكون حقا يليق منه تعالى لاحبائه الحق فقال تعالى في آية الغني المطلق من يطع الرسول فقد اطاع الله فاية التوحيد انه تعالى قرن طاعتهم بطاعته ليبين من خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة لان مقتضى بينونة الصفة تعدد الطاعة ومقتضى بينونة العزلة عدم اقتران طاعتهم بطاعته فافهم وهو الغني المطلق في توحيده المتوحد في غناه فيجب في آية غناه ان يعتبر كون المراد بتعدد الطاعة مع اتحادها في الغني المطلق ومع التوحيد والغني المطلق ان الطاعة بمقتضى الغني المطلق لا تكون طاعة الا اذا نسبت اليه ليصح كونها طاعة تعود الى من شاء واحب فقوله عليه السلام وقرن طاعتكم بطاعته مع انه قال قبل هذا من اطاعكم فقد اطاع الله وهو مشعر بان طاعة الله تعالى هي نفس طاعتهم لانه اتى بقد الداخلة على الماضي المفيدة للتحقيق ولا شك ان من اطاعهم فانما اطاع الله لبيان تحقق كونها طاعة في نفس الامر بايقاعها له تعالى بتبيينهم مشفوعة بولايتهم ومحبتهم والبراءة من اعدائهم ولا يلزم على الظاهر ان من اطاع الله فقد اطاعهم لما تقدم في حديث مناقب ابن‌شاذان من قوله تعالى في الحديث القدسي اقسم بعزتي وجلالي اني ادخل الجنة من اطاع عليا وان عصاني واقسم بعزتي وجلالي اني ادخل النار من عصي عليا وان اطاعني وهذا مروي في المتواتر معنى من الفريقين فكانت طاعته تعالى في الظاهر قد لا تكون طاعة لهم نعم اذا اريد بالطاعة الطاعة التي هي عند الله تعالى وعندهم طاعة فهي طاعة الله الناشية عن طاعتهم يعني على النحو الذي اطاعوا به الله سبحانه وامروا ان يطاع به الله سبحانه وهي ما اخذت عنهم ورضوا بها طاعة لله سبحانه ولا تكون الا بطاعتهم وانما سمي تلك طاعة له تعالى على زعمهم انها طاعة له وليست طاعة له بل هي معصية له ولهذا يدخل صاحبها النار وذلك لانه تعالى امر عباده بان يأتوا البيوت من ابوابها وقد جعلهم عليهم السلام ابوابه وامر عباده بان يطيعوه بطاعتهم واخبرهم بان من اطاعني بطاعة غيرهم فقد اشرك بي فهم يطيعونه بطاعة اعدائهم لعنهم الله وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فاخبر سبحانه عن حالهم يوم القيمة فقال ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ماكنا مشركين فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله يا محمد انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في كلام له يعرض بالمرجئة بعد ان تركهم ومضى عنهم فلما خرج من المسجد قال لي يا ابا محمد والله لو ان ابليس سجد لله تعالى بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله تعالى ما لم يسجد لادم عليه السلام كما امره الله تعالى ان يسجد له وكذلك هذه الامة المفتونة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وبعد تركهم الامام الذي نصبه نبيهم صلى الله عليه وآله فلن ‌يقبل الله لهم عملا ولن‌يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث امرهم ويتولوا الامام الذي امروا بولايته ويدخلوا في الباب الذي فتحه الله ورسوله (ص) لهم يا ابا محمد ان الله افترض على امة محمد (ص) خمس فرائض الصلوة والزكوة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في اشياء من الفرائض الاربعة ولم يرخص لاحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة ه‍ وفيه عنه عليه السلام في حديث قد تقدم ذكره الى ان قال (ع) وصل الله طاعة ولي امره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الامر لم يطع الله ولا رسوله وهو الاقرار بما نزل من عند الله تعالى ويجوز ان يكون المراد بقرن طاعتهم بطاعته الاتحاد في الظهور الكوني والمساوقة في الصدور من الفعل وان وجد التعدد في الوجود العلمي وان طاعتهم مترتبة على طاعته لانا لا نريد بهذا الترتب العلمي التعدد في نفسه لان التعدد في نفس الامر يلزم منه تعدد المنسوب اليه لان الطاعة وصف نسبي يستلزم مطاعا واذا كان غنيا لذاته لم يرد شيئا لذاته وانما يريد لغيره وهم ذلك الغير لا غير وايضا الطاعة حادثة ولا تنسب الا الى حادث وهم ذلك الحادث المنسوب اليه الحادث وانما نريد بالترتيب العلمي الموجب للتعدد في اللفظ ان هذه الطاعة الواحدة انما تكون طاعة في الواقع بنسبتين نسبة الايقاع ونسبة التعيين اما نسبة الايقاع فبان يوقعها المطيع لله تعالى وحده وهي النسبة الاولى في الاعتبار وهي مشتملة على ابتدائين بينهما انتهاء واما نسبة التعيين فبان يأخذها وكيفيتها عنهم بشروطها من ولايتهم ومحبتهم والتسليم لهم والرد اليهم ومن البرائة من اعدائهم وهي النسبة الثانية في الاعتبار وهي مشتملة على انتهائين بينهما ابتداء فالنسبة فيها ابتداء من الله تعالى بفضله ورحمته بان انزل تلك الطاعة في مادة النور وهذا الابتداء الاول من النسبة اليه تعالى والانتهاء الاول من النسبة اليهم ان ذلك النور انزله اليهم واوحى اليهم علم الكيفية لطاعته فقدروها بامر الله تعالى كما شاء ورفعها المطيع الممتثل لامرهم الى الله تعالى بان اوقعها له عز وجل وهذا هو الانتهاء المتوسط من النسبة اليه تعالى فقبلها لموافقتها لا رادته ومحبته وامره فاحياها بان نفخ فيها روح القبول فانزلها منه تعالى اليهم وهذا الانزال هو الابتداء الثاني من النسبة اليه واليهم اي وكون الانزال اليهم هو الانتهاء الثاني من النسبة اليهم فكانت الطاعة الحق منه اليهم بالفضل الابتدائي والسؤال الاول ثم منهم اليه تعالى بالاجابة الحقة ثم منه تعالى اليهم باقامة الولاية الكبرى ورفع لواء الحمد له تعالى بهم فمن حيث لحاظ الابتداء والانتهاء منه اليهم ومنهم اليه ومنه اليهم قال عليه السلام وقرن طاعتكم بطاعته ومن حيث لحاظ ان شرط الصحة فيها ان تكون له تعالى بهم ولهم منه قال عليه السلام وقرن طاعتكم بطاعته فظهر اللفظ بصورة التعدد ومن حيث انه تعالى حصر شؤنه فيهم عليهم السلام وحصر حوائج الخلق عندهم قال من يطع الرسول فقد اطاع الله وقالوا عليهم السلام فجعل طاعتنا طاعته تعالى ومعصيتنا معصيته فتقرر المعنى واللفظ على الاتحاد كما هو حكم الغني المطلق

وقوله عليه السلام : لما استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي قال الشارح المجلسي رحمه الله لما مشددة بمعنى الا اي لا يقع منكم شيء الا استيهاب ذنوبي منه تعالى او مخففة واللام لتوكيد القسم وما زائدة للتأكيد انتهى

اقول يعني رحمه الله بقوله لا يقع منكم شيء انه حيث ثبت ان المأب اليكم والحساب عليكم كما رواه البرقي في كتاب الايات عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لامير المؤمنين عليه السلام يا علي انت ديان هذه الامة والمتولى حسابها وانت ركن الله الاعظم يوم القيمة الا وان المأب اليك والحساب عليك والصراط صراطك والميزان ميزانك والموقف موقفك ه‍ واني ارجع اليكم وانتم تحاسبوني فتجاوزوا عني ولا تناقشوني واستوهبوا ذنوبي من الله تعالى وما كان للادميين علي فعوضوهم عن حقوقهم فان الله سبحانه قد جعل لكم الدنيا والاخرة فاشفعوا لي في حط التبعات عني ورفع درجاتي وهذا الدعاء الذي سألهم الزائر انما سألهم اعتمادا على ولايتهم ومحبتهم ووعدهم محبيهم بذلك عن امر الله تعالى بان الله تعالى ملكهم كما تقدم واذن لهم في الشفاعة فيمن شاؤا واخبروا شيعتهم بذلك ووعدوهم بالشفاعة على الله تعالى والله منجز لهم ما وعدهم فاقسم محبهم وزائرهم عليهم بمن ملكهم ووعدهم وانجز لهم وامرهم بان يبشروا محبيهم بذلك وذلك ما ذكروه في اخبارهم مما لا يكاد يحصي ومنه ما رواه الكراجكي في الكنز باسناده الى محمد بن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهما السلام في قوله عز وجل ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم قال اذا كان يوم القيمة وكلنا الله بحساب شيعتنا فما كان لله سألناه ان يهبه لنا فهو لهم وما كان لمخالفيهم فهو لهم وما كان لنا فهو لهم ثم قال هم معنا حيث كنا وفيه باسناده الى عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة وكلنا الله بحساب شيعتنا فما كان لله سألناه ان يهبه لنا فهو لهم وما كان للادميين سألنا الله ان يعوضهم بدله فهو لهم وما كان لنا فهو لهم ثم قرأ ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم ه‍ وقد تقدم وامثالها كثير وفي مناقب ابن‌شاذان محمد بن احمد باسناده الى ابي ‌ذر رضي الله عنه قال نظر النبي صلى الله عليه وآله الى علي بن ابي طالب عليه السلام فقال هذا خير الاولين والاخرين من اهل السموات والارضين هذا سيد الوصيين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين اذا كان يوم القيمة جاء علي على ناقة من نوق الجنة قد اضاءت القيمة من ضوءها وعلى رأسه تاج مرصع بالزبرجد والياقوت فتقول الملائكة هذا ملك مقرب وقال النبيون هذا نبي مرسل فينادي مناد من بطنان العرش هذا الصديق الاكبر هذا وصي حبيب الله هذا علي بن ابي طالب فيقف على متن جهنم فيخرج منها من يحب ويدخل فيها من يبغض ويأتي ابواب الجنة فيدخل اولياءه الجنة بغير حساب ه‍ فقوله لما استوهبتم ذنوبي عزيمة من السائل المتوجه اليهم المقسم عليهم بمن ائتمنهم على سره فملكهم ما شاؤا واسترعاهم امر خلقه بحيث رجع الامر كله اليهم وقرن طاعتهم بطاعته فينقاد لهم كل شيء وفي ذكر هذه الاوصاف في القسم عليهم تنبيه على ان سؤاله على جهة العزيمة عليهم لانه اراد منهم ما يقدرون عليه ووعدوا به وامرهم الله به واذن لهم على ما يرونه مما دلهم سبحانه عليه فيكون كالالزام وان كان سؤالا وهو يقتضي خلاف العزيمة لكنه لما قلنا يطالبهم بحق الوعد الذي امرهم الله به على جهة التفضل ولهذا اتى بلما فانها على التشديد وان كانت بمعنى الا لكنها اخص منها لا رادة العزيمة على المسئول منها والا قد لا يراد منها ذلك وعلى التخفيف تكون اللام مفيدة للعزيمة لانها مؤكدة للقسم وما وان كانت صلة لكنها انما زيدت لتأكيد ما اكدته اللام

وقوله عليه السلام : وكنتم شفعائي قد تقدم معنى ذلك وتقدم الكلام في الشفاعة وبقي معنى للشفاعة ينبغي التنبيه عليه على جهة الاشارة فاقول ان الشفاعة التي يراد منها بذل الجاه في اسقاط حق عن مطلوب به او رفع درجة له كثيرا ما تكون منهم عليهم السلام لشيعتهم في الدنيا بالدعاء لهم بالتوفيق للطاعة والعمل الصالح وبالتسديد لهم للحق والاصابة للصواب من العلوم والاعتقادات وطلب الحلال في المعاش وغير ذلك وكل هذه وامثالها من افراد الشفاعة فانهم اذا ارادوا نجاة محبهم من النار توجهوا الى الله تعالى واستوهبوه حقوقه التي عند محبهم وسألوه ان يعوض طالب الحق عندهم عن حقه ومثل هذا قد تكون موازين محبهم خفيفة لقلة حسناته او عدمها فيهبونه من فاضل حسناتهم ما يثقل به موازينه وبالدعاء لهم في الدنيا والاستغفار لهم من ذنوبهم كما دلت عليه آثارهم بانهم عليهم السلام تحملوا عن شيعتهم ومحبيهم ذنوبهم كما في قوله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ففي مجمع البيان وتفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الاية فقال ما كان له ذنب ولاهم بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له وفي المجمع عنه عليه السلام انه سئل عنها فقال والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له ان يغفر ذنوب شيعة علي عليه السلام ما تقدم من ذنبهم وما تأخر ه‍ وانما فعلوا ذلك مع شيعتهم لانهم خلقوا من فاضل طينتهم وانما لحقتهم الذنوب من لطخ اعدائهم فلما كانوا منهم ومنسوبين اليهم في الذوات والصفات والاعتقادات والاعمال والاقوال حتى ان اعداءهم عادوا شيعتهم وسعوا اليهم بكل مكروه بغير سبب سوى انتسابهم للائمة عليهم السلام ومتابعتهم لهم وجب عليهم صلى الله عليهم اعانتهم ونصرتهم ونجاتهم بكل وجه من الدعاء والعناية بهم وتحمل الذنوب عنهم والشفاعة لهم في الدنيا والاخرة وقد مضى كثير من اخبارهم يدل على هذا المعنى المشار اليه ومن ذلك ما رواه في البحار من كتاب رياض الجنان لفضل‌الله بن محمود الفارسي بسنده عن المفضل بن عمر عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال ان امرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا صدور مشرقة وقلوب منيرة وافئدة سليمة واخلاق حسنة لان الله قد اخذ ( لنا ظ ) على شيعتنا الميثاق فمن وفي لنا وفي الله له بالجنة ومن ابغضنا ولم يؤد الينا حقنا فهو في النار وان عندنا سرا من الله ماكلف الله به احدا غيرنا ذلك ثم امرنا بتبليغه فبلغناه فلم‌نجد له اهلا ولا موضعا ولا حملة يحملونه حتى خلق الله لذلك قوما خلقوا من طينة محمد وذريته صلى الله عليه وآله ومن نورهم صنعهم الله بفضل صنع رحمته فبلغناهم عن الله ما امرنا فقبلوه واحتملوا ذلك ولم تضطرب قلوبهم ومالت ارواحهم الى معرفتنا وسرنا والبحث عن امرنا وان الله خلق اقواما للنار وامرنا ان نبلغهم ذلك فبلغناه فاشمأزت قلوبهم منه ونفروا عنه وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وطبع الله على قلوبهم ثم اطلق السنتهم ببعض الحق فهم ينطقون به لفظا وقلوبهم منكرة له ثم بكى عليه السلام ورفع يديه وقال اللهم ان هذه الشرذمة المطيعين لامرك قليلون اللهم فاجعل محياهم محيانا ومماتهم مماتنا ولا تسلط عليهم عدوا فانك ان سلطت عليهم عدوا لن تعبد ه‍ فتدبر فيما قال وفي دعائه فانه يستشفع الى الله فيهم في محياهم ومماتهم والا يسلط عليهم عدوا يهلكهم بالقتل كسائر الظالمين ولا يهلكهم بالكفر والضلالة كالشياطين من الانس والجن فافهم

قال عليه السلام : فاني لكم مطيع من اطاعكم فقد اطاع الله ومن عصاكم فقد عصى الله ومن احبكم فقد احب الله ومن ابغضكم فقد ابغض الله
اقول قوله فاني لكم مطيع يريد انه تجب لي الشفاعة واستيهاب ذنوبي لاجل طاعتي فجعل طاعته لهم علة لاستيهاب الذنوب والشفاعة له فيها او مطلقا او ان قوله فاني لكم مطيع استعطاف اردف القسم عليهم به للتأكيد فيه فعلى العلة يكون فيه استنجاز لما وعدوا به من اطاعهم واحبهم من تحمل الذنوب عنه والشفاعة له كما تكرم به سبحانه وتعالى عليهم عليهم السلام من الاذن في الشفاعة لمن احبهم واطاعهم والاذن في تحمل الذنوب عنهم وغفرانها لهم عليهم السلام والاذن لهم في وعدهم شيعتهم بذلك فهو بعد ثبوت طاعته طالب حق او كطالب حق ثم اخبر اني قد اطعت الله تعالى بطاعتكم ومن اطاع الله تعالى فقد وفي بعهد الله والله عز وجل قد تكرم وتفضل عودا كما تكرم وتفضل بدءا فقال واوفوا بعهدي اوف بعهدكم وقال ومن اوفي بعهده من الله واحببت الله بحبكم واتباعكم ومن احب الله فقد وعده الله بغفران ذنوبه فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله يبلغ عنه ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وحيث قام بشروط الشفاعة وغفران الذنوب من اتباعهم ومحبة الله تعالى بحبهم وطاعة الله بطاعتهم كان طالب حق اوجبه الله تعالى على نفسه تفضلا واوجبه عليهم تشريفا لهم وتكريما وتنويها بهم ورفعا لدرجتهم فهو طالب حق الوعد والعهد والكرم والجزاء او كطالب ذلك لان الوعد والعهد والكرم والجزاء انما وجبت له وجوب تفضل ورحمة وكرم لا وجوب استحقاق وان سماه بذلك كرما في كرم فقال تعالى جزاء بما كانوا يعملون فانما هو كما في الدعاء بعد ركوع الوتر وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه وعلى الاستعطاف فهو سؤال معنوي ثان وقوله اني لكم مطيع اذا صدر عن غير المعصوم فلا بد من صرفه عن الحقيقة اما بان يراد من الطاعة العزم عليها او التندم على ما فاته منها او التشوق اليها ورؤية انها امنية المتمني لو ساعد الحظ او يراد بها بعضها كما اشار اليه سبحانه وتعالى بقوله فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون او المحبة بالفؤاد والقلب والخيال واللسان او الولاية لهم او البراءة من اعدائهم بالفؤاد والقلب والخيال واللسان او الاعتراف عند نفسه بالتقصير في طاعتهم او الاعتراف بالفؤاد والقلب والخيال واللسان بان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم الى غير ذلك مما قد يسمى طاعة معتبرة لعدم وجود مناف اقوى كما في المنافقين فانهم يتلفظون بالشهادتين بالسنتهم وقلوبهم منكرة وهم مستكبرون لان الانكار القلبي اقوى من الاقرار اللفظي فان طاعة المنافقين وان كانت تسمى ايمانا كما يدل عليه قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون وذلك لان اللفظ ايمان وان خالفه القلب كما قال تعالى ولذا قال كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ويسمى عملا ايضا وهو قول الصادق عليه السلام كما في الكافي بسنده الى جميل بن دراج قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الايمان فقال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله قال قلت اليس هذا عمل ( عملا ظ ) قال بلى قلت فالعمل من الايمان قال لا يثبت له الايمان الا بالعمل والعمل منه ه‍ الا انها لما كان القلب مخالفا لما يقول ولما يعمل لم يعتبر ذلك الايمان ولا تلك الطاعة لقوة المنافي لهما وهو الانكار القلبي لانهما لم يقعا منه على الوجه المأمور به ولا المسكوت عنه ولا المباح له بل وقعا على الوجه المنهي عنه فاذا فعل ذلك قيل له كذبت مثل ما كذب الله سبحانه المنافقين في شهادتهم بان محمدا رسول الله مع انهم يعلمون ذلك ويصدقونه صلى الله عليه وآله فيما ادعاه من النبوة والا لكانوا معذورين اذ ليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله والناس في سعة ما لم يعلموا ولهذا قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وقال تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون ومع هذا كذبهم فقال والله يشهد ان المنافقين لكاذبون لان العلم والمعرفة والاستيقان والعمل بغير الباعث القلبي على ما يفعله للحق الواقع والاخلاص لله لا يسمى ايمانا نافعا ولا طاعة معتدا بها واما اذا كان الباعث على مقتضى العلم والمعرفة والاستيقان ذاتيا من القلب فلا بد ان يقع من اللسان والاركان شيء من اعمالهما ما يكون مصدقا لهما ولباعثهما فاذا وقع تحققت الطاعة وكان ما وقع من المعاصي منه غير مناف لتلك الطاعة لان الباعث الذاتي لا يرد من مقام واحد متغايرا فان وقعت طاعة من الفؤاد قبلت واعتد بها وكانت موجبة لقبول الاعمال وغفران الذنوب ولدخول الجنة كما قال تعالى فمن يعمل من الصالحات اي بعض الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون لان الفؤاد اعلى مشاعر الانسان واقربها الى الله تعالى واول ما خلقه الله من الانسان وهو حقيقته من ربه وهو المعبر عنه بالوجود وبالنور الذي خلق منه وبنور الله الذي ينظر به المؤمن ويتفرس به واذا صدرت عنه طاعة لم يتوسط بينها وبين الفؤاد باعث مناف لانها انما صدرت عن العقل من الفؤاد والعقل متوسط موافق وداع معين لمراد الفؤاد واذا صدرت عنه قبلت واذا قبلت دخل الجنة وان وقعت منه معاص فبواعثها من دون ذلك فهي لا تحبط ما فوقها وما لا تصل الى رتبتها ومقامها وفي الكافي والتهذيب والفقيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال من قبل الله منه صلوة واحدة لم يعذبه ومن قبل منه حسنة لم يعذبه ه‍ وهو صريح فيما ذكرنا عند من له قلب فالقبول علامة الذاتية ولو كان المنافي ذاتيا لم يقبل منه صلوة ولا حسنة والدليل على هذا ما ثبت ان من قبل الله منه صلوة لم يعذبه كما تقدم في هذا الحديث المذكور في الكتب وقد تلقته العلماء بالقبول لم يتوقف فيه من عرفه وما ثبت ان السر في صلوة الجماعة انها بحكم بيع الصفقة فاذا قبلت صلوة واحد من الجماعة قبلت صلاتهم جميعا لان الله تعالى اكرم من ان يأمر العبد بعمل ويأتي به كما امره ولم يقبله فاذا قبله في الجماعة قبل من معه فان الله تعالى اكرم من ان ينهانا عن تبعيض الصفقة ويبعض هو فكما امرنا عند وجود العيب في بعض المبيعات المتعددة صفقة اما بقبول الجميع او رد الجميع فهو اولى بالجميل فمن قبل صلاته في الجماعة لم يجز في كرمه ان يقبلها ويرد الباقي لانه تبعيض للصفقة التي امرنا بها وقد علم من ضرورة مذهب المسلمين ان رسول الله صلى الله عليه وآله ممن اتى بما امره الله به كما امره وانه قد قبل صلاته كل مرة لا يشك فيه الا كافر وكان المنافقون دائما يصلون معه فيلزم من هذا ان صلاتهم مقبولة وقد ثبت ان من قبلت منه صلوة لم يعذبه الله مع انه تعالى قال ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار لان المنافي للقبول ذاتي يعني انه صادر عن ماهيته فلا يكون ما فعله عملا ليدخل في الصفقة بل هو ليس شيئا لعدمية اصله كما قال تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار فقوله اجتثت اشارة الى عدمية اصلها فان اصلها الماهية التي ماشمت رائحة الوجود الا بالعرض ومعنى هذا على المذهب الحق ان الماهية وان كانت موجودة في الخارج الا انها وجدت بايجاد عرضي اي انها لما كان الوجود يحتاج في تقومه في الظهور اليها وجدت لاجل تقومه لا لنفسها اذ لا خير فيها لنفسها فهي موجودة بالعرض اي لاجل الوجود اذ لولا منفعته لم توجد هذا هو المراد بالايجاد العرضي ووجدت من نفس الوجود من حيث نفسه لانها انفعاله وهذا هو المراد من عدمية اصلها وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله لانها لا ترجع الى الوجود من حيث ربه فهي شجرة مجتثة اي مجتثة الاصل ما لها من قرار ولهذا كان ما صدر عنها من الاعمال ليس شيئا بمعنى الثبات قال الله تعالى والذين كفروا بربهم اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا وان كان شيئا في نفسه غير ثابت الاصل لان السراب في نفسه شيء ولكن كونه ماء يروي الظمأن ليس شيئا قال تعالى ووجد الله عنده لانه في نفسه شيء فوفاه حسابه كما ان الظمأن يحسب السراب ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا مما حسبه ووجد الله عند السراب فوفاه حسابه من مقتضى السراب وهو انه يميته ظمأ فقوله عليه السلام فاني لكم مطيع لا بد ان تكون هذه الطاعة المشار اليها صادرة عن احد هذه الامور التسعة وعن ما اشبهها لان ذلك هو الذي يصدر عن الفؤاد ولا ريب ان شيئا منها معتبر فيلحظ فيه احد الوجهين التعليل او الاستعطاف

قال عليه السلام : اللهم اني لو وجدت شفعاء اقرب اليك من محمد واهل بيته الاخيار الائمة الابرار لجعلتهم شفعائي

يقول اللهم انك خلقتني وابتدأتني بنعمك واول نعمك علي واجلها واشرفها ما عرفتني من نفسك ومن رسولك واوليائك ووفقتني لطاعتك وطاعة رسولك واوليائك وعرفتني مقامهم منك حتى جعلتهم ظاهرك في عبادك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان ومعانيك واركانا لتوحيدك وآياتك وبيوتك وابوابك وحججك على خلقك واخذت لهم الميثاق على من خلقت وقرنت طاعتهم بطاعتك ولم تقبل الاعمال الا بولايتهم ومحبتهم وطاعتهم فلما اوجدتني ذلك وجدت بايجادك اياي ذلك انه لا يكون شفعاء اقرب اليك من محمد واهل بيته الاخيار الذين هم العاملون بالخيرات وافعالهم واقوالهم واعمالهم وعلومهم وفروعهم الخيرات وهم الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون والاخيار جمع خير بالتشديد فاعل الخير وبالتخفيف الفاضل في الخير كالعلم والعمل والاخيار ضد الاشرار جمع شرير فاعل الشر وجمع شر وهو البالغ في الشر فهم عليهم السلام الاخيار قال تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه واعداؤهم الاشرار قال تعالى ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية والائمة جمع امام وهو من يؤتم به وتقدم الكلام فيه الابرار جمع بر بفتح الباء اي الصادق او الذي عادته الاحسان او الولي لله تعالى فالابرار على الاول الصادقون مع الله تعالى في جميع المواطن فان الله سبحانه منذ خلق انوارهم قبل الخلق بالف الف دهر الى ان قبضهم اليه مكرمين لم يفقدهم حيث امرهم او احب ولم يجدهم حيث نهاهم او كره وعلى الثاني هم الذين استقرت حقايقهم على وجه واحد وهو وجه افئدتهم وقلوبهم فلا اعتبار لهم في شيء من احوالهم الا من جهة افئدتهم في ما يتعلق بالمعارف او من جهة قلوبهم في العلوم والاقوال والاعمال او من نفوسهم المطمئنة فيما يتعلق ويرتبط بالابدان من المأكل والمشارب والمناكح وغير ذلك بتعليم عقولهم او نفوسهم الراضية فيما يناط بالعبودية او نفوسهم المرضية فيما يناط بالولاية والنيابة او نفوسهم الكاملة فيما يناط بالقطبية الكلية والعقل وسط الكل في هذه النفوس فلما استقامت حقائقهم على هذه الاحوال المرضية وطبائعهم التي عادتها ومقتضاها الجميل والاحسان ضعفت الجهة المخالفة فيهم للاعمال المرضية لعدم التفاتهم اليها بحال واضمحلت حتى لم يبق منها الا ما يتحقق به كونهم واختيارهم صلى الله عليهم فلذا كانت عادتهم الاحسان كما تقدم في هذه الزيارة الشريفة وعلى الثالث هم الذين ذكرهم سبحانه في مفهوم قوله تعالى ولم يكن له ولي من الذل اي لم يكن له عين ناظرة في عباده وعضد لخلقه ولسان يخاطبهم به واذن واعية لنجواه ونجويهم وترجمان يعبر عن وحيه من عجز او جهل او عدم احاطة او حاجة او لغوب في صنع وغير ذلك بل جعل له ذلك من عز وتكرم وعدم استطاعة تلقي احد منه تعالى غيرهم كما يتكرم الملك عن سياسة خيله وكنس بيته وطبخ طعامه وغير ذلك من خدمة بيته ومملكته مع قدرته على مباشرة هذه ولكنه يتكرم عن ذلك ولله المثل الاعلى فهم اولياؤه على خلقه تكرما لذاته ولطفا بضعفاء خلقه فلما اوجدتني يا الهي ما انعمت به علي من معرفة مقامهم عندك ومكانهم منك لم اجد شفعاء اقرب اليهم منك فاستشفعت بهم اليك وقد اخبرتني انا وجميع خلقك على السن انبيائك ورسلك واوليائك ودعاتك بانه ليس احد من خلقك اقرب اليك منهم وانك لا ترد سائلا سألك بهم ولا مستشفعا استشفع اليك بهم على ما هو عليه وقد دعوت عبادك الذين عصوك وخالفوا امرك ونهيك واستوجبوا غضبك وسخطك ان يلجأوا اليهم ويعولوا عليهم فانهم عليهم السلام يجيرون عليك باذنك عن غضبك وسخطك ودعوتهم اليهم واخبرتهم بانهم عليهم السلام ابواب رحمتك ورضاك فمن رجاهم ولجأ اليهم دخل في رحمتك ورضاك وان كان عاصيا لامرك ونهيك وقد تقدم كثير من الاحاديث الدالة على هذه الامور والمعاني المذكورة ومما يدل من احاديثهم على انه تعالى جعلهم ظاهره في خلقه ما رواه محمدباقر المجلسي بالوجادة وهو مذكور في كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء في حديث جابر بن يزيد الجعفي عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث الخيط الاصفر وهو طويل الى ان قال يا جابر اثبات التوحيد ومعرفة المعاني اما اثبات التوحيد فمعرفة الله القديم الغاية الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن كما سنذكره كما وصف به نفسه واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده الحديث ومما يدل على كونهم مقاماته تعالى التي لا تعطيل لها في كل مكان واركانا لتوحيده وآياته ما تقدم في دعاء شهر رجب الذي ذكرناه مرارا كثيرة من قول الحجة عليه السلام فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء وعلى انهم معانيه وبيوته وابوابه وحججه على خلقه فقد تقدم فيما ذكرنا من الاخبار فراجع ان احتجت الى ذلك وعلى انه تعالى اخذ الميثاق لهم من جميع خلقه ما في مختصر بصائر سعد الاشعري للحسن بن سليمن رواه من كتاب المعراج عن الصدوق باسناده الى موسى بن جعفر عن ابيه عن جده عليهم السلام قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وآله الى السماء قال العزيز عز وجل آمن الرسول بما انزل اليه من ربه قال قلت والمؤمنون قال صدقت يا محمد من خلفت لامتك وهو اعلم قلت خيرها لاهلها قال صدقت يا محمد اني اطلعت الى الارض اطلاعة فاخترتك منها ثم شققت لك اسما من اسمائي فلا اذكر في موضع الا ذكرت فانا المحمود وانت محمد ثم اطلعت اليها اطلاعة اخرى فاخترت منها عليا فجعلته وصيك فانت سيد الانبياء وعلي سيد الاوصياء اني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين من شبح نور ثم عرضت ولايتهم على الملائكة وسائر خلقي وهم ارواح فمن قبلها كان عندي من المقربين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد وعزتي وجلالي لو ان عبدا عبدني حتى ينقطع له ويصير كالشن البالي ثم اتاني جاحدا لولايتهم لم ادخله جنتي ولم اظلله تحت عرشي ه‍

قال عليه السلام : فبحقهم الذي اوجبت لهم عليك اسألك ان تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم انك ارحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل

اقول اقسم على الله تعالى بحقهم كما اقسم عليهم بحقه تعالى اولا وقدم القسم عليهم بحقه تعالى لسبق حقه واصالته وذاتيته واخر القسم عليه بحقهم لتفرعه على حقه تعالى ولانه حقهم تفضل منه تعالى عليهم ومنة ولذا قيده بانه اوجبه على نفسه لا انه واجب عليه بالذات اذ لا يجب عليه بالذات شيء وقد تقدم في بيان الحق ان من اعظم حقه عليهم انه تعالى خلقهم له واصطنعهم لنفسه وان من اعظم حقهم عليه تعالى انهم قاموا بما اراد منهم من خلقه لهم كما اراد وهو من حقه عليهم لانه من عظائم النعم عليهم فاردف هذه النعمة بالمؤكد لها بان اوجب على نفسه ذلك وهو نعمة بعد اخرى فهذا الايجاب والتوفيق للقيام بما اراد منهم هو اعظم حقهم عليه تعالى وقوله عليه السلام اسألك استشفاع بالحق المقسم به لانه دعاء بشفيع اخبر سبحانه انه لا يرد من دعاه به وقوله ان تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم الجملة المذكورة مشتملة على اشخاص كثيرة من العارفين بهم وبحقهم متفاوتين في مراتب المعرفة بقرينة قوله بان تدخلني المشعر بانه لولا الاستشفاع المذكور لما استحق الدخول وبقرينة قوله في جملة لان الجملة انما تستعمل فيما يجمع من الاشياء التي يتسامح في تماثلها وتساويها فهي مشتملة على ما يصدق عليه اسم العارف حقيقة او حكما او شرعا او عرفا او لغة وقوله هذا اراد به الاعتراف بالتقصير او القصور او عملا بيقين قصوره وتقصيره والشك في قصور غيره وتقصيره والمراد بالعارف العارف بهم بالمعرفة النورانية كما في حديث علي عليه السلام لسلمن وابي ‌ذر على ما في انيس السمراء وهي مراتب متفاوتة جدا قد اشتمل هذا الشرح على ما يمكن منها لغير اهل العصمة على محمد وآله وعلى جملتهم السلام فتدبر فقد ذكرنا الاشارة الى ذلك في عدة مواضع منه واعلاها انهم عليهم السلام العلامات والمقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان ثم انهم معانيه تعالى ثم انهم بيوته وخزائنه ثم انهم ابوابه ومفاتح الغيب اي مفاتح خزائنه وغيبه وتفاوت مراتب اهل كل مقام في الاجمال او التفصيل في محض الاعتقاد وخصوصه او في العمل بمقتضاه باللسان او الاركان او فيهما معا لا يكاد ينحصر في عدد بل هو من مراتب المشكك والمراد بالعارف بحقهم حيث يراد منه او يشترط في الاعمال او في قبولها العارف بانهم ائمة مفترضوا الطاعة من الله تعالى وانهم حججه على بريته ومراتب اهل هذا المقام فيما ذكرنا من التفصيل والاجمال والعمل والقول كما مر متفاوتة على نحو ذلك وقد يكون حق يعرفه بالسماع من غير عيان ولا دليل لا في اجمال ولا تفصيل كما رواه في كتاب الخرائج والجرائح وفي كتاب الاحتجاج بسنده الى كامل بن ابراهيم المدني عن المهدي عليه السلام من جملة الحديث ان قال قائل لي يا كامل بن ابراهيم فاقشعررت من ذلك والهمت ان قلت لبيك يا سيدي فقال جئت الى ولي الله تسئله هل يدخل الجنة الا من عرف معرفتك وقال بموالاتك قلت اي والله قال اذا والله قل داخلها والله ليدخلها قوم يقال لهم الحقية قلت ومن هم قال قوم من حبهم لعلي بن ابي طالب يحلفون به ولا يدرون ما حقه وفضله ه‍

قال شيخنا الشيخ حسين بن محمد بن جعفر الماحوزي اي قوم يعرفون ما يجب عليهم جملة لا تفصيلا من معرفة الله ورسوله والائمة عليهم السلام والاحاديث الدالة على الاكتفاء بالمعرفة الاجمالية كثيرة اورد الكليني جملة منها فلا بعد في الاكتفاء بها والحكم بما اتصف بها ولم يقم دليل على اعتبار الدليل التفصيلي فتدبر انتهى قوله رحمه الله ولم يقم دليل على اعتبار الدليل التفصيلي ان اراد على الاعتبار في صدق الاسم فكما قال (ره) لانه اذا حصلت له المعرفة الاجمالية ولم يفتتن حتى مات على ذلك فيرجى له النجاة وان كان لا بد من ان يجدد له التكليف يوم القيمة الا ان موته على ذلك بغير افتتان امارة النجاة والله سبحانه اعلم وان اراد على الاعتبار مطلقا فالاخبار على اعتبار الدليل التفصيلي عند ارادة المعرفة الكاملة متظافرة بل فيها ما يدل على عدم اعتبار غير التفصيلي كما قال الصادق عليه السلام رواه في الكافي عن طلحة بن زيد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير من الطريق الا بعدا وفيه عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من عمل على غير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح وفيه عن الحسن بن الجهم قال قلت لابي الحسن عليه السلام ان عندنا قوما لهم محبة وليست لهم تلك العزيمة يقولون بهذا القول فقال ليس اولئك ممن عاتب الله انما قال الله فاعتبروا يا اولي الابصار ه‍ وغير ذلك مما يدل على ان الاجمالي محل الشبه والغلط والجهل كما وجدنا كثيرا ممن يقول بالكلام الحق مجملا فاذا اختبر بالتفصيل قال بخلاف الحق لان هذا الاجمال متداول بين المسلمين فيعرفه الجاهل فاذا اختبر بالتفصيل او نطق بمعناه نطق بالكفر ولقد رأيت شخصا ممن هو يقول بهذا المذهب الحق يعني يقول بالولاية والبراءة وظاهره الزهد والصلاح وملازمة العبادة وقعدت بعد الفراغ من الصلوة اعظ الجماعة واعلمهم بعض المعارف وكان الرجل بالقرب مني فاخذت اقول بان الله تعالى لا يشابهه شيء من خلقه ولا في مكان ولا في جهة وما اشبه هذا فاعترض ذلك الرجل بالكلام فقلت له اسكت لاني قلت ان تكلم قال بالكفر فقلت اسكت لا تتكلم فلم يقدر على امساك نفسه الى ان قال البارحة رايت ربي في المنام وعنده جروا كلب جبريل وميكائيل هذا وانا اقول له اسكت اسكت مع انه يقول ان الله تعالى ليس كمثله شيء وليس الملائكة باجراء كلاب ولكن يقول ذلك بلسانه فاذا نطق بمقتضي التفصيل نطق بمثل ما سمعت واصل هذا عدم معرفته بالدليل التفصيلي نعم ممن لا يعرف التفصيلي قد يعافي من الفتنة فيكون ناجيا فقول الحجة عليه السلام لكامل بن ابراهيم انما هو في من قال بالاجمال وعافاه الله من الفتنة واكثر اهل الاجمالي بل اكثر اهل التفصيلي يفتنون في دينهم اماسمعت قول الله تعالى احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وقول امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يعود اعلاكم اسفلكم واسفلكم اعلاكم وليسبقن سباقون كانوا قصروا وليقصرن سباقون كانوا سبقوا نعم اذا كان التفصيلي ذوقيا عيانيا غير مخالف لكلام اهل العصمة عليهم السلام بمعنى انهم يقولون طبق ما قال هذا المستدل ليكونوا عليهم السلام مخبرين عن صدقه لا انه يصرف كلامهم عن ظاهره ويدعي ان هذا مرادهم فان ذلك ضلال بل شرط صحة قول المستدل ان يحصل له شاهدان بقوله بلا تأويل احدهما كلام المعصوم عليه السلام بظاهره وبباطنه الذي يوافق ظاهره وثانيهما ان يكون قوله مطابقا لما عليه ظاهر كلام العوام من المسلمين المؤمنين لا ما يتأولونه كما ذكرنا سابقا فانهم لا يفهمون الا ما ينافي الحق ولكن ظاهر كلامهم صحيح ومثال ما قلنا ان كلام المعصوم عليه السلام صريح بظاهره وبباطنه ان الله على كل شيء قدير وكذا كلام العوام بظاهر القول منهم ومن الاشياء التي هو قادر عليها ان لو شاء لهدي الناس جميعا والقرءان مشحون به وكلامهم عليهم السلام وكلام العوام من شيعتهم بظاهره متطابقة فمن تعمق في الدليل التفصيلي الذوقي واستخرج من بحر معرفته ولجج غمره جواهر علمه مطابقا لذلك فهو حق ودليل تفصيلي صدق وانه لا يلزم من ظاهر قولك ان الله سبحانه يعلم كفر ذلك الشخص فلو هداه انقلب علمه جهلا كما يقوله بعض المتعمقين او ان حقائق الاشياء ليست مجعولة وانما هي صور علمية ولا يمكن تبديلها لاستحالة انقلاب الحقائق ولزوم كون الشيء ليس هو حينئذ اياه وانما المتغير غير الاول وامثال هذه المقالات الفاسدة كما ذهب اليه اشباه الناس كالصوفية ومن سلك مسلكهم كالملا محسن فانه في كتابه الوافي في باب الشقاوة والسعادة وغيره احال ان يهدي الله سبحانه جميع الخلق لانهم لم يعطوه العلم من انفسهم والعالم علمه مستفاد من المعلوم وذلك لانه شحن كتابه من كلام عبدالرزاق الكاشي في شرح الفصوص لمميت‌الدين ابن عربي ويزعم مع هذا انه مذهب الائمة عليهم السلام والائمة عليهم السلام براء من هذا المذهب كيف وانما يقولون بقول الله سبحانه وهو يقول ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين وانا اقول ممن عني الله سبحانه مميت الدين وعبدالرزاق واتباعهما فاذا اردت ان تعرف صدق كلامي فانظر في الوافي في الموضع المذكور فانك تجده كما ذكرت لك وعبارته بعينها عبارة عبدالرزاق في شرح الفصوص واسئل جميع عوام المسلمين فانهم يتفقون على ان الله تعالى قادر على ان يجمع الخلق على الهدى وانه لو شاء لهدي الناس جميعا وكلام اهل العصمة عليهم السلام كذلك واما كلام الصوفية فيقولون ليس لله ذلك وقولي قبل كلام المعصوم بظاهره وبباطنه الذي يوافق ظاهره احتراز عن دعويهم الباطلة فانهم يقولون كلامنا هذا هو مراد الامام عليه السلام ولكن القشريين لا يفهمونه فهم يؤلون لكلام الامام عليه السلام معنى يخالف ظاهره ويخالف القرءان ويخالف ما اقر الله ورسوله صلى الله عليه وآله عليه المسلمين والله سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم

وقوله عليه السلام : وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم عطف على جملة والزمرة الجماعة من الناس والمعنى اسألك يا من فضلهم واذن لهم في الشفاعة وملكهم اياها فيمن شاؤا بحقهم الذي اوجبت لهم على نفسك بان تقبل منهم ولا تردهم في شيء ارادوا منك ان تدخلني في زمرة المرحومين بشفاعتهم فاني تقربت اليك بماتقربوا به من ولاية اوليائك ومحبتهم والبرائة من اعدائهم والبغض لهم وسألتهم بحقك ان يكونوا شفعائي عندك في الذنوب التي بيني وبينك وسألتك بحقهم وما فعلت من الولاية والحب ومن البراءة والاستشفاع والقسم عليهم بحقك وعليك بحقهم هو الموجب لمحبيهم الرحمة بشفاعتهم واتيتك من الباب الذي امرت ان تؤتى منه فادخلني في زمرة المرحومين بشفاعتهم فاني بنعمتك واحد من جملتهم بحكم ما وعدت في كتابك وعلى السنة اوليائك وانت لا تخلف الميعاد وانت ارحم الراحمين وانما قال انك ارحم الراحمين تنبيها على ان ما اتينا به مما تقربنا به لا نستوجب به منك الادخال في جملة العارفين بهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم استيجاب استحقاق وانما اتينا بما تقربنا به استعطافا بفقرنا وحاجتنا وضعفنا لانك ارحم الراحمين وانما قال ارحم الراحمين لانه امرنا بان من اتى منا احدا منا بمثل ما اتيناه به من التقرب اليه باحب الناس اليه واعزهم عليه ومن وعد من تقرب به الاكرام والقبول والاجابة وبمحبة من احب وبغض من عاداه وامتثل امره في احب الاشياء من اوامره اليه واجتنب ما نهى عنه في ابغض الاشياء اليه بان نقبل عذره ونغفر ذنبه وتقصيره ونقربه منا ونعطف عليه ونرحمه وانت اولى بذلك وانت ارحم الراحمين لانك ابتدأت عبادك برحمتك وخلقتهم برحمتك واعظمت عليهم النعمة برحمتك ورزقتهم برحمتك وقد امرتنا بالرحمة وانما وصل منك الينا من رحمتك فاضل جزء من مائة جزء من رحمتك وانت قد وعدتنا على لسان نبيك والسنة اوليائك صلى الله عليه وعليهم انك تضم ذلك الجزء الذي اوصلت الينا فاضله واردت منا ان نتراحم بذلك الفاضل الذي هو جزء من سبعين جزءا من ذلك الجزء فتضمه الى باقي الرحمة المدخرة عندك وهو تسعة وتسعون جزءا فترحم به عبادك وفي تفسير الامام عليه السلام للبسملة في الرحيم قال عليه السلام واما قوله الرحيم فان امير المؤمنين عليه السلام قال رحيم بعباده المؤمنين ومن رحمته انه خلق مائة رحمة وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم فيها يتراحم الناس وترحم الوالدة ولدها وتحن الامهات من الحيوان على اولادها فاذا كان يوم القيمة اضاف هذه الرحمة الواحدة الى تسع وتسعين رحمة فيرحمها امة محمد صلى الله عليه وآله ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من اهل الملة حتى ان الواحد ليجيء الى مؤمن من الشيعة فيقول له اشفع لي فيقول له اي حق لك علي فيقول سقيتك يوما ماء فيذكر ذلك فيشفع له فيشفع فيه ويجيء آخر فيقول انا لي عليك حق فيقول ما حقك فيقول استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له فيشفع فيه فلا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه وان المؤمن اكرم على الله تعالى مما يظنون ه‍ وانت ارحم الراحمين لانك اردت من عبادك الرحمة وهم فقراء محتاجون ورحمتهم من فاضل جزء من رحمتك وانت الغني المطلق الذي لا يحتاج الى شيء الكريم الذي لا تزيده كثرة العطاء الا كرما وجودا ورحمتك وسعت كل شيء فانت اولى بكل جميل

وقوله عليه السلام : وصلى الله على محمد وآله الطاهرين قد تقدم ما يبين المعنى المراد من الصلوة من الله تعالى ومن الملائكة ومن الناس وهذا ان شاء الله غير خفي على من راجع ما هنالك فقد ذكرنا ان الصلوة من الصلة وعليه فقد اعطي سبحانه نبيه واهل بيته عليه وعليهم السلام ما ارضاه من كل خير بمقتضي فضله وكرمه وبمقتضي قوابلهم واستعدادهم صلى الله عليهم وبدعاء كل من لهم عليه شكر نعمة الهداية والتعليم والاعانة والتوفيق لطاعة الله تعالى والايمان وشكر البابية الكبرى والوساطة العظمي في كل ما وصل اليهم من الله تعالى من احوال الخلق والرزق والحيوة والممات من النعم والامدادات فانها لم يصل الى احد من الخلق شيء من الله الا بواسطتهم او ان الصلوة من الوصل وعليه فقد وصل نبيه صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام بكل خير مطلوب وامر مرغوب او ان الصلوة من الوصلة اي ما يتوصل به من الاسباب فان الصلوة هي السبب الموصل الى الله تعالى فقد انزل الى نبيه واهل بيته صلى الله عليه وعليهم من اسباب القرب اليه والتكرمة والتشريف والنيابة والوسيلة وغير ذلك بمقتضي كرمه وتفضله وبمقتضي قوابلهم واستعداداتهم عليهم السلام وبدعاء من اشرنا اليه من الخلق بجميع جهات طرقهم الى الطاعات ما هم اهله صلى الله عليهم اجمعين وروي القمي في قوله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قال صلوة الله عليه تزكية له وثناء عليه وصلوة الملائكة مدحهم له وصلوة الناس دعاؤهم له والتصديق والاقرار بفضله وقوله سلموا تسليما يعني سلموا له بالولاية وبما جاء به وفي ثواب الاعمال عن الكاظم عليه السلام انه سئل ما معنى صلوة الله وصلوة ملائكته وصلوة المؤمن قال (ع) صلوة الله رحمة من الله وصلوة الملائكة تزكية منهم له وصلوة المؤمنين دعاء منهم له وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الاية فقال الصلوة من الله رحمة ومن الملائكة تزكية ومن الناس دعاء واما قوله عز وجل وسلموا تسليما يعني التسليم فيما ورد عنه قيل فكيف نصلي على محمد وال محمد قال تقولون صلوات الله وصلوات ملائكته وانبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وال محمد والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته قيل فما ثواب من صلى على النبي (ص) وآله بهذه الصلوة قال الخروج من الذنوب والله كهيئته يوم ولدته امه ه‍ واعلم ان المعروف بين العلماء ان الصلوة من الملائكة استغفار والملائكة يسبحون الله ويستغفرون للمؤمنين كما دلت عليه آية الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ولم يذكر تعالى لهم حالا ثالثا فلعل استغفارهم له صلى الله عليه وآله استغفارهم لامته المؤمنين او انهم صلى الله عليهم تحملوا ذنوب شيعتهم كان استغفارهم لانفسهم لاجل ما تحملوا من الذنوب عن شيعتهم واستغفار الملائكة لمحمد صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام الذي هو صلاتهم عليهم هو استغفارهم لشيعتهم لانهم اذا استغفروا لشيعتهم سقطت عنهم ذنوبهم كما في العيون عن الرضا عليه السلام في هذه الايات قال للذين آمنوا بولايتنا وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ان لله ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق اوان سقوطه وذلك قوله تعالى الذين يحملون العرش الاية قال استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق ه‍ فاذا سقطت عنهم ذنوبهم باستغفار الملائكة لم يبق شيء تتحمله الائمة عنهم ولعل ما ذكر في الاخبار المتقدمة من تفسير صلوة الملائكة على النبي صلى الله عليه وآله بانها تزكية له (ص) ان المراد بها انهم اذا استغفروا لشيعته فقد سلم صلى الله عليه وآله من تحملها فقد طهروه عن الاخلاق الذميمة التي هي المعاصي فمعنى ان صلاتهم عليه تزكية له ان صلاتهم استغفارهم له مما لولا استغفارهم لتحمل تلك الاخلاق الذميمة التي هي ذنوب الشيعة فكانت صلاتهم عليه تزكية له صلى الله عليه وآله من تلك الذنوب

بقي شيء هل استغفارهم له بعد ما تحمل من ذنوب شيعتهم ام لشيعتهم لحط ذنوبهم قبل ان يتحملها صلى الله عليه وآله احتمالان الاول من ظاهر صلاتهم عليه وان معناها الاستغفار وهو صلى الله عليه لا ذنب عليه من نحو نفسه كما تقدم من قول الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر حين سئل عن هذه الاية فقال عليه السلام ما كان له ذنب ولا هم بذنب ولكن حمله الله ذنوب شيعته ثم غفرها له ه‍ والثاني من ظاهر الايات السابقة ويستغفرون للذين آمنوا فانه في الحقيقة لاجله ولاجل اهل بيته صلى الله عليه وآله فالاستغفار لهم وان وقع ظاهرا لشيعتهم ولهذا قال العلماء ان الصلوة من الملائكة الاستغفار مع ان الائمة عليهم السلام قالوا ان استغفارهم تزكية له والتزكية لغة التطهير من الاخلاق الذميمة فلا يحصل على ما بينا تناف ان شاء الله تعالى واعلم ان العلماء اختلفوا في وجوب الصلوة عليه عند ذكره على اقوال ليس هنا محل بيانها وان كان الصحيح عندي الوجوب ليس على الفور المطلق ولا على التراخي المطلق جمعا بين ما دل على الفور وعلى النهي عن التراخي وبين ما دل على الفصل كما هو مذكور في الادعية المروية عنهم عليهم السلام من الفصل بين ذكره وبين الصلوة عليه بدعاء قدر السطرين او الثلاثة او الاربعة والمعروف من كلام الاصحاب ان الصلوة لا تجب على احد غيره من الانبياء والرسل ولا من اهل بيته الا انه قد ورد عنه صلى الله عليه وآله النهي عن الصلوة البتيراء وهي ان يصلي عليه ولا يصلي على آله معه والمعروف من المذهب حمل هذا النهي على الكراهة وان ادخالهم في الصلوة عليه مستحب والذي افهم ان النهي على حقيقة التحريم وان المنهي بذلك النهي هم اعداؤهم واتباعهم الذين لا يصلون على اهل بيته فلا اقل انهم تركوا ما ندب الله اليه وحرموه او كرهوه فيكون النهي على حقيقته في حقهم مع ان الله سبحانه الحق اهل بيته به كما قال امير المؤمنين عليه السلام فيما تقدم من خطبته قال فعلاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وفي تفسير فرات بن ابراهيم بسنده الى جعفر بن محمد عليه السلام معنعنا عن الحسن بن علي عليهما السلام في حديث طويل الى ان قال وفضل الصلوة في مسجد النبي (ص) بالف صلوة على سائر المساجد الا المسجد الذي بناه ابراهيم النبي بمكة لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وفضله وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قولوا اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد فحقنا على كل مسلم ان يصلي علينا مع الصلوة عليه فريضة واجبة من الله الحديث فيحتمل ان يكون المراد بالفريضة الواجبة الندب للتأكيد او الوجوب على المنكرين او المكرهين كاهل الخلاف بقرينة قوله على كل مسلم واعلم انك اذا قلت صلى الله عليه وآله فان اهل العربية ينصبون الال لان العطف على الضمير بدون اعادة الجار قبيح بل ربما منعه بعضهم والاكثر على جواز الجر وقد قرئ واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام بجر الارحام هذا ما يعرفونه اهل اللغة واما الموجود في كتب الادعية المروية عنهم عليهم السلام المصححة المعربة فكلها بجر آله لا يكاد يوجد في جميع احاديثهم وادعيتهم موضع بالنصب بحسب ما ورد عنهم الا ما كان في بعضها يوضع الفتح بالاحمر وهو من اعراب الرواة والنقلة التفاتا الى اصل العربية ولقد رأيت مسائل للشيخ ناصر الجبيلي الاحسائي سأل بها الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي رحمهما الله وكان من مسائله هذه المسئلة فاجاب الشيخ حسين المذكور بما معناه ان الاكثر في ادعيتهم الجر وفي كثير منها بالفتح وذكر اصل القاعدة وهو رحمه الله نظر في جوابه الى ما قرروه في النحو والا فالوارد عنهم عليهم السلام كله بالجر نعم ربما كتب بعض النساخ الفتح نظرا الى اللغة وانه ارجح من الجر فيكتب نسخة بالفتح وهذا وان كان مرجوحا بالنسبة الى المشهور عند النحويين الا انه لغة صحيحة وكانت اللغة تتبدل وتتعدد باختلاف القرون فربما يشتهر بعض الالفاظ او الاعراب في هذا القرن وتنعكس الشهرة في القرن الذي يكون بعده ويسمون المشتهر الاول شاذا نادرا وليس الا لقلة استعماله في زمانهم ولهذا كان القرءان الذي نزل على اعلى درجات الفصاحة والبلاغة مشتملا على اللغات الشاذة وليست شاذة وانما كان استعمالها في زمن نزول القرءان قليلا فكانت بقلة استعمالها كما في كبارا وان هذان لساحران والاصل ان القرءان محيط باللغات في جميع القرون فاذا اتى قرن لا يعرف لغة ما قبله او كانت قليلة الاستعمال كانت عنده شاذة او نادرة وما نحن فيه الذي يقتضيه اللغة الصحيحة الاصلية هو الجر في لفظة وآله خاصة وان الفتح مرجوح او لا ينبغي وان كان في تساءلون به والارحام جائز الفتح او راجحه والفرق بينهما من جهة المعنى فانك اذا قرأت في صلى الله عليه وآله بالجر كانت الصلوة عليهم معطوفة على الصلوة عليه فهي تابعة ولاحقة ومتأخرة عن الصلوة عليه رتبة ولفظا وهذا هو المناسب للترتيب الطبيعي والوجودي فان الله تعالى خلقه صلى الله عليه وآله قبلهم وخلقهم من نوره وصلى عليه قبلهم وصلى عليهم بعده فعلى الجر يتسق الترتيب الوجودي والطبيعي مع اللفظي واذا قرأت بالفتح كان اما على المعية او عطفا على المحل وفي الاول يلزم ظاهرا ان صلوة الله عليه وعليهم في الافاضة سواء ويلزم من هذا اما التساوي في الوجود ان لاحظنا الترتيب الطبيعي واما مخالفة الترتيب الطبيعي ان قدرنا سبقه على وجودهم وفي الثاني يكون المراد ان الضمير المجرور منصوب المحل بمعنى انه منصوب فيكون العامل قد توجه اليه في المعنى بدون واسطة الجار فيكون الصلوة واقعة عليه بغير فاصل فاذا قرأت بالنصب كان المعطوف مشاركا له في عدم الفاصل ويلزم التساوي في الوجود او في الصلوة فعلى التساوي في الوجود يلزم خلاف الواقع وعلى التساوي في الصلوة يلزم خلو السابق عن صلة المتفضل عز وجل الى ان وجد اللاحق ويلزم من هذا افضلية اللاحق وهو مناف للحكمة وان قلت انه معطوف على المحل ولا يلزم التساوي في الوجود ولا في الصلوة لتأخره لفظا قلت انما يتوجه هذا اذا كان المعطوف مجرورا ليكون عطفا على لفظ الضمير الذي دخل عليه الجار واما اذا قدرت العطف على المحل فلا يتجه ذلك لان الالفاظ قوالب المعاني والارادة لا تفرغ المعاني عن قوالبها فالذي ينبغي ان يقرأ بالجر لينتظم اللفظ على ترتيب الوجود والطبيعة وعلى هذا كان صلى الله عليه وآله اول مخلوق فكان نوره يطوف حول القدرة ثمانين الف سنة وصلوة الله عليه واصبة دائمة ثم نزل الى العظمة فخلق الله من نوره نور علي بن ابي طالب عليه السلام كايجاد السراج من السراج فكان نور علي يطوف بالقدرة ونور محمد يطوف بالعظمة صلى الله عليهما وآلهما الطاهرين وقوله عليه السلام وآله الطاهرين قد تقدم الكلام فيه في معنى الال ومعنى طهارتهم فراجع

وقوله عليه السلام : وسلم كثيرا هو عطف على وصلى الله وهو فعل ماض مثله قصد به الدعاء مثله ولوحظ فيه اعتباران احدهما انه اقتبس من القرءان لا رادة ما تضمنه في قوله تعالى وسلموا تسليما تلويحا وان كان بعيدا بالنظر الى ظاهر العربية فان معنى التسليم في الاية في الظاهر كما هو في هذا الكلام فتقول صلى الله عليه وآله وسلم واللهم صل على محمد وآله وسلم بكسر لام وسلم بصيغة الامر للدعاء وبالتسليم عليه بمعنى اللهم احفظه وآله من كل ما لا تحب في الدنيا وبصيغة الماضي صلى عليه بمعنى رحمه وسلم عليه بمعنى حفظه لان التسليم من قولك السلام عليه والسلام اسم لله تعالى بمعنى الحافظ وتقدمت له معان في اول الشرح وفي الاية معنى سلموا تسليما امر للمكلفين بان يقولوا السلام عليه على الظاهر ومعناه في التأويل وسلموا فيما ورد عنه صلى الله عليه وآله كما تقدم في حديث المعاني وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الاية فقال اثنوا عليه وسلموا له ومعناه في الباطن كما في تفسير علي بن ابراهيم وقوله وسلموا تسليما يعني سلموا له بالولاية وبما جاء به وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام لهذه الاية ظاهر وباطن فالظاهر قوله تعالى صلوا عليه والباطن سلموا تسليما اي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله وما عهد به اليه تسليما قال هذا مما اخبرتك انه لا يعلم تأويله الا من لطف حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه ه‍ ولو خلص لفظ سلموا تسليما في الدلالة على معنى سلموا الامر لمن نصبه يوم الغدير لاسقطه اعداؤهم كما اسقطوا نظائره من جميع القرءان لكنه لما كان ظاهره والمتبادر منه ان يقولوا السلام عليه او سلموا له على ارادة العموم ابقوه ولم يحذفوه لعدم منافاة ظاهره لغرضهم مع انهم يعرفون باطنه ولكن الله تعالى القى في نفوسهم ان العوام وسائر الناس الذين يستجلبون قلوبهم لا يفهمونه فلا يفوت غرضهم ولو حدثتهم انفسهم باسقاطه كراهة ان يعثر احد على المنافي لغرضهم القى سبحانه في نفوسهم ان الاكثار من الاسقاط ربما يكون منافيا لان سائر الناس قد يتنفرون ويتوحشون من كثرة التغيير فيقتصرون على اقل ما يندفع به المنافي وكل ذلك رعاية منه تعالى لاعلاء كلمته واتمام نوره والى فعله بهم وبما شاء من تدبير النظام بحكمته الاشارة بقوله تعالى والذين كذبوا باياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون لانه تعالى قال وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكان تعالى قد دخل المدينة على حين غفلة من اهلها فافهم الاشارة فلاحظوا عليهم السلام في ذكر التسليم المعطوف على الصلوة عليه صلى الله عليه وآله ما ذكر في الاية وما نبهنا عليه سابقا في اول الشرح في بيان السلام عليكم يا اهل بيت النبوة وكل هذا فيما لحظوا على الاول وثانيهما ان سادة اعدائهم وكبراءهم عرفوا باطن وسلموا تسليما وانه انما اتى بهذا الكلام للحث على الولاية وذلك مناف لغرضهم وكرهوا اسقاطه كراهة الاكثار من الاسقاط وسائر الناس لا يعرفون ذلك فقد امنوا غائلة عوام الناس فصرفوا الافهام عن فهم ما عرفوا من باطنه بالقاء معنى في ذلك مناسب يصرف افهام العوام بل غير من لطف حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه عما اراد الله سبحانه فقالوا يكره افراد الصلوة على محمد (ص) عن السلام بل ينبغي اذا قلت اللهم صل على محمد تقول وسلم واذا قلت صلى الله عليه تقول وسلم فتقرن الصلوة عليه بالسلام لان الله تعالى انزل في ذلك قرءانا للاقتران بينهما فقال يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وذلك تعليم منه تعالى وهداية للمكلفين ولم يريدوا بهذا الكلام الا صرف الافهام عما اراد الملك العلام وهذا من قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته يعني في قراءته ولا شك عند جميع من عرف الحق بتوفيق الله ان فعلهم هذا من القاء الشيطان فكان الناس في استعمال الاتيان بالسلام بعد الصلوة على ثلاثة اقسام قسم منهم العارفون فان اتوا بالسلام قصدوا ما اراد الله بذلك من الظاهر بالتسليم عليه بعد الصلوة والدعاء بالحفظ والسلامة له وعليه وبالتسليم له فيما جاء به عن الله تعالى خصوصا وعموما ومن الباطن بالتسليم لولي الامر من الله والطاعة له فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم اي لوصيه الامر اي حفظه له وعليه واداه اليه وقصدوا التقية بان لا يفارقوا الاعداء المتغلبين فيما لهم المناص منه وعدم الضرر عليهم في الاتيان به لا في الدنيا ولا في الدين بل الاتيان به ارجح لانهم يقصدون به افضل المقاصد واجل المطالب وان تركوه قصدوا بالترك المخالفة لاهل البدع وقسم منهم المعاندون للحق واتباعهم وقد سمعت ذكر ارادتهم وقصدهم الشقاق البعيد وقسم منهم الجاهلون فهم قد يذكرون وقد يتركون منهم من يتابع اهل ملته بلا بصيرة ومنهم من لا يريد المتابعة وانما يفعل بحال ما يجري على خاطره حال الصلوة والله سبحانه يقول كل يعمل على شاكلته وقوله عليه السلام وسلم كثيرا على ما سلكه الاولون ويحتمل ان يكون قوله كثيرا مرجحا لا رادة الظاهر وهذا الاحتمال هو الذي افاده لفظ كثيرا ويمكن ان يقال انه انما اراد الباطن او المعنى الاعم ليدخل الباطن فيه لان الباطن هو الاهم عنده وانما قال كثيرا تعمية لاجل التقية وارادة المعنى الاعم ليدخل الكل والاتيان بقوله كثيرا للتقية قريبة والله سبحانه اعلم

وقوله عليه السلام : وحسبنا الله يراد منه انه تعالى كافينا فانه يكفي من توكل عليه وقد توكلنا عليه فيما سألناه بحقهم عليهم السلام من ان يدخلنا في جملة العارفين بحقهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم او في هذا وفي سؤالهم صلى الله عليهم ان يشفعوا لنا عند الله تعالى في استيهاب ذنوبنا منه عز وجل وتوكلنا على الله سبحانه في ان يرزقنا قبولهم عليهم السلام لسؤالنا والاجابة لدعائنا والانجاح لطلبتنا او في الجميع وفي قبول زيارتنا وما املنا منه تعالى ثم منهم من حسن الجزاء في الاخرة والدنيا او الاعم مما ذكرنا انقطاعا وتفويضا اليه تعالى ليكفينا مؤنة كل امر مرهوب وينيلنا كل امر مرغوب ويوصلنا بفضله الى كل امر محبوب فانه الكافي لمن توكل عليه

وقوله عليه السلام : ونعم الوكيل اي نعم المعتمد الذي توكل اليه الامور اثنى عليه تعالى بما اعتمد فيه عليه وفوض امره اليه وهو كل شيء منه ومن غيبه وشهادته ومن احواله واعتقاداته واقواله واعماله وجميع مطالبه في الدارين وما انتظم عليه احوال النشأتين فانه في وجهه الى الله تعالى عند قوله وحسبنا الله خلع جميع وجوداته من وجدانه فلما خلعها من وجدانه توكل عليه اقام النظر اليه بعين الرجاء منه والانقطاع اليه مقام ما خلع ومن يتوكل على الله فهو حسبه وفي معاني الاخبار بسند مرفوع الى النبي صلى الله عليه وآله قال يعني محمد بن خالد البرقي قال جاء جبرئيل الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان الله تبارك وتعالى ارسلني اليك بهدية لم يعطها احدا قبلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله قلت وما هي قال الصبر واحسن منه قلت وما هو قال الرضا واحسن منه قلت وما هو قال الزهد واحسن منه قلت وما هو قال الاخلاص واحسن منه قلت وما هو قال اليقين واحسن منه قلت وما هو قال ان مدرجة ذلك التوكل على الله عز وجل فقلت وما التوكل على الله فقال العلم بان المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع واستعمال اليأس من الخلق فاذا كان العبد كذلك لم يعمل العبد لاحد سوى الله ولم يرج ولم يخف سوى الله ولم يطمع في احد سوى الله فهذا هو التوكل قال قلت يا جبريل فما تفسير الصبر قال تصبر في الضراء كما تصبر في السراء وفي الفاقة كما تصبر في الغني وفي البلاء كما تصبر في العافية فلا يشكو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء قلت فما تفسير القناعة قال يقنع بما يصيب من الدنيا يقنع بالقليل ويشكر اليسير قلت فما تفسير الرضا قال الراضي لا يسخط على سيده اصاب من الدنيا او لم يصب ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل قلت يا جبرئل فما تفسير الزهد قال الزاهد يحب من يحب خالقه ويبغض من يبغض خالقه ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت الى حرامها فان حلالها حساب وحرامها عقاب ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يجتنب النار ان تغشيه وان يقصر امله وكان بين عينيه اجله قلت يا جبريل فما تفسير الاخلاص قال المخلص الذي لا يسأل الناس شيئا حتى يجد واذا وجد رضي واذا بقي عنده شيء اعطاه في الله فان لم يسئل المخلوق فقد اقر لله عز وجل بالعبودية واذا وجد فرضى فهو عن الله راض والله تبارك وتعالى عنه راض واذا اعطى لله عز وجل فهو على حد الثقة بربه عز وجل قلت فما تفسير اليقين قال المؤمن يعمل لله كأنه يراه فان لم يكن يرى الله فان الله يراه وان يعلم يقينا ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وان ما اخطئه لم يكن ليصيبه وهذا كله اغصان التوكل ومدرجة الزهد ه‍ وليكن هذا الحديث الشريف ختاما لهذا الشرح ليكون ختامه مسكا نفعنا الله تعالى ببركة الائمة الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين ونفع الله به طالبي اليقين من المؤمنين في الدين ونور الله به قلوب العارفين بعين اليقين وجلي به افئدتهم بحق اليقين بحرمة محمد الامين وآله الميامين انه اكرم المتفضلين وارحم الراحمين والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وقد وقع الفراغ من تسويده بيد مؤلفه العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر المطيرفي الاحسائي تجاوز الله عنهم اجمعين في الليلة العاشرة من شهر ربيع‌الاول سنة ثلاثين ومائتين والف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مستغفرا تمت

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي اني لما فرغت من هذا الشرح للزيارة الجامعة الكبيرة احببت ان الحقه بشرح الوداع الملحق بها في الرواية فانه خاص بها وان جاز استعماله بعد غيرها من الزيارات والله سبحانه خير موفق ومعين

قال عليه السلام : فاذا اردت الانصراف
قال الشارح المجلسي رحمه الله اذا اردت الانصراف الى البلد او مطلق الخروج وهو اولى انتهى

اقول الاولى استعمال الوداع اذا اراد الانصراف من البلد لانه هو المتعارف والمعروف من طريقة الشيعة علما وعملا بل ربما كان التوديع بعد الزيارة اول النهار وهو يريد ان يعود اليه آخر النهار لزيارته مثلا من سوء الادب وان كان يجوز بملاحظة كراهة المفارقة وارادة الملازمة لقبره الشريف فيشبه نفسه عند ترك الملازمة ولو لقضاء الحاجة بالمفارق بالخروج من البلد الى البلد النائية فيودعه عليه السلام اشعارا بالمحبة لملازمة قبره الشريف الا ان هذا غير ما نوس عند الشيعة ولا مأثور في الشريعة فيما اعلم والله سبحانه اعلم فالمراد بالانصراف المذكور الذي يقع الوداع قبله هو الانصراف الى بلد الزائر اذا كانت غير بلاد الامام عليه السلام وان كانت قريبة من بلده عليه السلام بشرط ان تكون مغايرة للبلد التي هي محل قبره صلوات الله عليه

قال عليه السلام : فقل السلام عليكم سلام مودع لا سئم ولا قال ولا مال اي الله حافظ عليكم يعني يحفظ لكم فيكم ما انعم به عليكم من التقريب لكم والعلوم التي افاض عليكم وما آتيكم من الشفاعة المطلقة العامة والوسيلة والمقام والمرتبة والشرف والتنويه بهم ورفع الدرجات ما لم يؤت احدا من العالمين فمعنى يحفظ لكم انه تعالى يدخره لكم ومعنى يحفظ عليكم انه تعالى يلحقكم بما اراد لكم من النعم والخيرات حتى يجعلها لازمة لكم ويحفظها لكم فيكم فالحفظ المعدي باللام بمعنى الادخار والمعدي بعلي بمعنى الالصاق بهم حقيقة او حكما ويحفظ ذلك بهم يعني يحفظه بواسطتهم كما يحفظ الصباغ الحمرة للثوب به فيه ولما كان الموجود في النفوس والاوهام ان الشيء ما دام الانسان حاضرا عنده مشاهدا له لا يخاف عليه الفوات كما يخاف عليه لو اراد مفارقته وان كان يعتقد انه لا يملك له من الله شيئا ناسب تجديد الدعاء بالحفظ لهم بعد ما دعا لهم عند اول قدومه عليهم لان الاول تحية لهم وبعد المفارقة محاذرة عليهم فقال هذا السلام الثاني ليس تحية لكم كما فعلت لكم اول قدومي بل هو سلام مودع مفارق يخاف من اشفاقه عليكم التغيير ولو فيما يتعلق باتباعكم في شيء من نعمه تعالى عليهم كان فراقه لكم لقدر جرى عليه بما كتب فيه عليه من الدواعي الضرورية التي اغلبها موجب عندكم وفي دينكم للفراق لان تركه مخالف لامر الله الذي به تحكمون لا سئم من باب تعب على وزن فرح بكسر الراء بمعنى الملال والفترة يعني ليس سلامي عليكم سلام مودع لكم لاجل سأمة وملال من الحضور عندكم والملازمة لقبوركم ولا فترة عرضت لي لانها انما ترد الفترة لضعف الباعث واما اذا كان الباعث قويا فلا تحصل معه فترة فوداعي لكم ليس عن ملال ولا فترة وليس سلام قال اي مبغض لكم محب لمفارقتكم ولا مال بتشديد اللام اسم فاعل من ملل اي ليس سلامي عليكم سلام مال ضجر من الاقامة بمشاهدكم وحضور قبوركم وانما سلامي عليكم سلام مودع لكم مفارق بالرغم مني غير محب للبعد عنكم والمفارقة لقبوركم وحضراتكم

قال عليه السلام : ورحمة الله وبركاته عليكم يا اهل بيت النبوة انه حميد مجيد

اقول قد تقدم في شرح الزيارة بيان رحمة الله وبركاته وانما قال هذا لانه التفت الى ما في الاية الشريفة التي في حق ابراهيم وسارة وان ما ذكر من الدعاء بالرحمة فظاهره قصد به ابراهيم وسارة وباطنه قصد به ال محمد صلى الله عليه وآله فذكر هذا الكلام لمن هو في حقهم على الحقيقة لان الرحمة التي هي علة الايجاد وبها حيوة القلوب وصلاح الظاهر والباطن انما قامت بمحمد وآله صلى الله عليه وآله فهم محلها وخزائنها وابوابها ومفاتحها ومصادرها والذين يقسمونها بين العباد باذن الله تعالى وبعبارة اخرى والله سبحانه يقسمها بين عباده بهم عليهم السلام فاذا اراد ان ينشرها بين احد من خلقه نشرها بهم ولم ينشر منها ما بسطه عليهم صلى الله عليهم ولا بدونهم وانما ينشر منها بهم ما كان من اثر ما بسطه عليهم فينشر تلك الاثار على من يشاء من عباده فيحيي الموتى بها فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها وقال تعالى وينشر رحمته وهو الولي الحميد فالله هو الولي وهو يحيي الموتى واتخذ وليا من العز والتكرم فهو باذنه ينشر تلك الاثار على من يشاء الملك الجبار وهم بامره يعملون واشتق له اسما من اسمه فالله المحمود وهو محمد صلى الله عليه وآله اي كثير المحامد وهو الولي الحميد واتخذ من بعده وليا من العز والتكرم واشتق له اسما من اسمه فالله الاعلى وهو علي عليه السلام فالرحمة عليهم وآثارها نشرها بهم على من يشاء من عباده ومنهم ابراهيم وآل ابراهيم في الظاهر يعني به ما في ظاهر الاية وهو قوله رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد وقبل هذا قالوا اتعجبين من امر الله رحمة الله الخ فالخطاب في الاستفهام لسارة والدعاء عام شامل لابراهيم واهل بيته دخل الموجود بالخطاب ومن لم يوجد بالتبعية يعني يبقى الدعاء في الموجودين فاذا وجد من بعدهم دخل في الدعاء كما في دعاء ابراهيم عليه السلام في قوله رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي هذا في ظاهر الدعاء والمراد بباطنه محمد وآله صلى الله عليه وآله وهم ال ابراهيم وكلامه عليه السلام هذا الذي نحن بصدده حكاية لقول جبرئل وميكائيل وكربيل فانهم ارادوا بالقصد المعنوي محمدا واهل بيته صلى الله عليه وآله فحكي قولهم وعني ما عنوا وربما يشير اليه قولهم عليهم السلام في تفسير هذه الاية في معاني الاخبار ان الصادق عليه السلام سلم على رجل فقال الرجل وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ورضوانه فقال لا تجاوزوا بنا قول الملائكة لابينا ابراهيم رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد ويقرب منه ما في الكافي وتفسير العياشي وهذا وان كان ظاهره ان الملائكة انما سلموا على اهل بيت ابراهيم عليه السلام وان قولهم عليهم السلام لا تجاوزوا بنا الخ ظاهر معناه لا تجاوزوا بنا اي لا تزيدونا في دعائكم على دعاء الملائكة لابراهيم (ع) وآل ابراهيم الا ان الاخبار متواترة معنى بان آل ابراهيم في التأويل وفي الباطن محمد وآله صلى الله عليه وآله وانهم المعنيون بالقصد الحقيقي بدعاء الملائكة وان ابراهيم وآله انما دخلوا في هذا الدعاء وفي كل خير بالتبعية وان من المراد من قولهم عليهم السلام لا تجاوزوا بنا الى آخره انكم لا تزيدوا في دعائكم على ما قالته الملائكة لابينا ابراهيم في دعائهم لنا فان الاولى لكم ان تقتصروا في دعائكم لنا على دعاء الملائكة لنا في خطابهم ابراهيم واهل بيته ولا تزيدوا على ما قالوا فانكم لا تعلمون ما الحكمة في قولهم والبركات جمع بركة وهو زيادة الخير والمنفعة ودوام المدد فيما يتعلق بالايجاد والاعتقاد والاعمال والاقوال والاحوال والافعال الذاتية والعرضية والنسبية في الذاتية والتبعية ولما كانت الرحمة لا يخرج تأثيرها عن الحيوة الظاهرة او الباطنة كالعلوم افردها والبركات لما كانت متكثرة كزيادة الخير اي زيادة الاعيان وزيادة المنفعة ودوام المدد في الذوات والصفات وغير ذلك جمعها لتعدد متعلقاتها وقوله اهل البيت يراد منه اهل بيت النبوة ليشمل الظاهر والتأويل كما اشرنا اليه وقوله انه حميد مجيد حميد فاعل ما يستوجب عليه الحمد ومجيد كثير الخير والاحسان وذكر حميد هنا من دون اسمائه تنبيه على ان مفيض الرحمة الواسعة التي منها كل خير حميد يستحق من جميع عباده الحمد الدائم بدوام بقائه وان معطي الخيرات الكثيرة التي لا تتناهى والمبتدئ بالجميل والاحسان الذي لا ينقطع ولا يباهي مجيد يستحق بنعمه الشكر على جميل العطاء وجزيل النعماء ومن حيث ظهوره بهذين الاسمين وقبولهم لجميع فيوضاته استحقوا نشر الرحمة والبركات عليهم وقال الشارح المجلسي (ره) انه حميد مجيد اي لاجل ان جعلكم اهل بيت النبوة او للسلام والرحمة والبركة انتهى وهو كما قال رحمه الله

قال عليه السلام : سلام ولي لكم غير راغب عنكم ولا مستبدل بكم ولا مؤثر عليكم ولا منحرف عنكم ولا زاهد في قربكم
قال الشارح المجلسي (ره) ولا مستبدل بكم اي لا اجعل لكم بدلا عقدا او اتباعا ولا مؤثر بالهمزة اي لا اختار غيركم عليكم ولا زاهد اي تارك لعدم الرغبة انتهى

اقول يعني ان سلامي عليكم سلام ولي لا سلام قال ولا سئم ولا مال يعني ان المودع اذا كان وليا كان سلامه للتوديع لما قدر عليه لا عن سئم ولا قلا ولا ملل ثم استشعر ان ممن يصدق عليه اسم الولي ما تعرض له تلك الصفات المنافية للرغبة فابان عن حال اعتقاده وما يجد في نفسه غير راغب عنكم الى شيء ولا مستبدل بكم احدا سواكم ولا مؤثر عليكم غيركم ولا منحرف عنكم الى من سواكم ولا زاهد في قربكم الى قرب احد غيركم او الى مطلب لا يرضيكم وهذا منه احتراز عن ولي يقع منه احد هذه الامور وان كان بظاهره دون باطنه بان يميل الى بعض الظلمة وبعض اعدائهم لغرض من اغراض الدنيا وان كان قلبه معهم عليهم السلام ولكن هذا في الغالب يكون دينه ناقصا ولانه قد يودع ويسلم عليهم سلام راغب عنهم الى حاجته ومستبدل بهم غيرهم لبعض اغراضه او مؤثر كذلك او منحرف عنكم ( عنهم ظ ) او زاهد في قربهم كما وجدنا كثيرا من المحبين ربما يكون منزله قريبا منهم من قبورهم ومشاهدهم ولا يأتي لزيارتهم او يأتي نادرا وربما يكون الشخص منهم حسن الاعتقاد والمعرفة ولكنه لا يقدر على مفارقة اهله وامواله او يصعب عليه السفر والتنقل ويحب الراحة او يخاف على ماله من صرفه في غير معيشته وكل هؤلاء من سائر المؤثرين عليهم والزاهدين في قربهم وان كان اكثر هؤلاء يأول امرهم الى الخير وتتداركهم الرحمة ما لم يكن ما وقع منه من قلبه واعتقاده او عن شك منه فان غالب هؤلاء يؤل امرهم الى سوء العاقبة نعوذ بالله من سخط الله

قال عليه السلام : لاجعله الله آخر العهد من زيارة قبوركم واتيان مشاهدكم

هذا دعاء منه بان يرزقه زيارتهم ابدا فان قال ذلك عازما على المعاودة ابدا ما دام حيا فان الله تعالى يقبل منه دعاءه لانه امر الزائرين على ألسنة اوليائه بذلك فان علم الله صلاحه في ذلك وفقه لذلك ما دام رزقه لم ينفد من اللوح المحفوظ وقد يبقي رزقه ولا يكون دوام الزيارة صلاحا له فيمنع منها ويكتب له ثواب نيته وكذلك اذا انتهى رزقه وانقضت مدته فان الله بكرمه يكتب له ثواب ما نواه لان زيارة الامام عليه السلام تزيد في العمر وفي الرزق ففي كامل الزيارة لجعفر بن محمد بن قولويه بسنده الى محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي عليهما السلام فان اتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء واتيانه مفروض على كل مؤمن يقر للحسين عليه السلام بالامامة من الله وفيه بسنده عن منصور بن حازم قال سمعناه يقول من اتى عليه حول لم يأت قبر الحسين عليه السلام انقص الله من عمره حولا ولو قلت ان احدكم ليموت قبل اجله بثلاثين سنة لكنت صادقا وذلك انكم تتركون زيارته فلا تدعون زيارته يمد الله في اعماركم ويزيد في ارزاقكم واذا تركتم زيارته نقص الله من اعماركم وارزاقكم فتنافسوا في زيارته ولا تدعوا ذلك فان الحسين بن علي عليهما السلام شاهد لكم عند الله وعند رسوله وعند علي وفاطمة عليهم السلام ه‍ والزيادة فيهما على حسب مصلحة الزائر فربما يزور الحسين عليه السلام ويموت وذلك لانه ربما علم الله ان رزقه انقطع وانتهى اجله فلما عزم على زيارته عليه السلام مد الله تعالى فيهما له على حسب مصلحة العبد فقد يكونان الى اثناء الطريق وقد يكونان الى ان يصل او قبلهما او بعدهما وفي جميع الاحوال يكتب له ثواب نيته ان عزم على مرة او مرات او ابدا ما حيي ومن ترك زيارته نقص من عمره ورزقه فاذا وجدت تاركا لزيارته وعمره طويل ورزقه كثير فهوأما ان يكون المكتوب له في اللوح بحسب مقتضى خلقته كثيرا في الرزق طويلا في العمر وهو ما قال تعالى في كتابه ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب وهذا النصيب هو المكتوب لهم بمقتضى الكون واما ما يحتمل الزيادة والنقصان فيهما فهو ما كان بمقتضى الاعمال وزيارته عليه السلام من اعظم الاعمال المقتضية لذلك ولو زاره عليه السلام هذا لطال عمره وزاد رزقه اعظم منه حين ترك واما ان يكون قد عمل بعض الاعمال الصالحة الموجبة لزيادتهما كصلة الارحام مثلا وربما يكون تركه لزيارته عليه السلام لعذر فلا يكون موجبا للنقص فيهما واما ان يكون انما ترك لعذر وان لم يطلع عليه غيره من الناس وامثال ذلك وهذا الذي ذكرناه من ان زيارة الحسين عليه السلام كذلك لم يكن مختصا به بحيث لا تكون زيارة غيره من الائمة عليهم السلام بل كلما جرى لاولهم يجري لاخرهم وقد ورد في زيارة الرضا عليه السلام ما يقرب من ذلك نعم انما الاسباب الخارجة لها في شأنهم صلى الله عليهم تأثير بزيادة الاجر والجزاء وتفاوتهم في الزيادة لا يستلزم النفي لان الاصل التساوي فافهم

قال عليه السلام : والسلام عليكم وحشرني الله في زمرتكم واوردني حوضكم وجعلني في حزبكم وارضاكم عني

اقول قد تقدم في الزيارة سؤال الزائر من الله تعالى ان يدخله في زمرة المرحومين بشفاعتهم وهنا قال عليه السلام في تعليم هذا الزائر عند توديعهم ان يدعو الله تعالى ان يحشره في زمرتهم ولعل الاختلاف لفظي لان من دخل في زمرة المرحومين بشفاعتهم فقد حشره الله معهم ويجوز ان يكون من المراد ان يوم القيمة يدعا فيه كل اناس بامامهم فتقدم راية ولي الله عليه السلام ومعه اهل ولايته والبراءة من اعدائه من اهل زمانه فكل امام منهم عليهم السلام كذلك وتأتي رايات اعدائهم كل امام ضلالة مع اتباعه من اهل زمانه فعلمه ان يسأل الله ان يحشره في زمرتهم يعني مع امام زمانه عليه السلام ويجوز ان يكون المراد ان يجعل له منبرا بحذاء منابرهم يوم القيمة ما دام الخلائق في الحساب فاذا جعل في زمرة المرحومين بشفاعتهم جعل الله تعالى له ببركتهم منبرا يجلس عليه بحذاء منابرهم الى ان يفرغ الخلائق من الحساب ولا منافاة وروي جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة عن علي بن ابراهيم قال قال ابو جعفر عليه السلام من زار قبر ابي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فحججت بعد الزيارة فلقيت ايوب بن نوح فقال لي قال ابو جعفر عليه السلام من زار قبر ابي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبني له منبرا بحذاء منبر محمد وعلي عليهما السلام حتى يفرغ الله من حساب الخلائق فرأيته (ع) بعد ايوب بن نوح وقد زار عليه السلام فقال جئت اطلب المنبر ه‍ وفيه بسنده الى يحيي بن سليمان المازني عن ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال من زار قبر ولدي كان له عند الله كسبعين حجة مبرورة قال قلت سبعين حجة قال نعم وسبعمائة حجة قلت وسبعمائة حجة قال نعم وسبعين الف حجة قلت وسبعين الف حجة قال رب حجة لا تقبل من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه قلت كمن زار الله في عرشه قال نعم اذا كان يوم القيامة كان على عرش الله اربعة من الاولين واربعة من الاخرين فاما الاربعة الذين هم من الاولين فنوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام واما الاربعة الذين هم من الاخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام ثم تمد المضمار فيقعد معنا من زار قبور الائمة عليهم السلام الا ان اعلاهم درجة واقربهم حبوة زوار قبر ولدي علي صلى الله عليه ه‍ وفيه في حديث ابراهيم بن رئاب مثله اقول في الحديث الثاني ما يقرب في الاستشهاد من الاول وفيه زيادة اشارة لما اشرنا قبل هذا ان ما جرى لاولهم يجري لاخرهم وانما الاسباب الخارجة لها في شأنهم صلى الله عليهم تأثير بزيادة الأجر والجزاء وهو قوله عليه السلام فيقعد معنا من زار قبور الائمة عليهم السلام الا ان اعلاهم درجة واقربهم حبوة زوار قبر ولدي علي صلى الله عليه وذلك لاجل غربته وبعد مشهده عليه السلام عن مشاهدهم وانه لا يزوره الا الخواص من الشيعة لان غيره من الائمة عليهم السلام يزوره غير الشيعة ويزوره غير الخواص لاجل زيارة غير الشيعة له اما لان غير الخواص لا يزورونه خوفا ان يعيب عليهم اعداؤهم فاذا رأوا اعداءهم زاروه زاروه هم ولو لم يزره الاعداء لم يزره بعض غير الخواص خوف العيب بخلاف زيارة الرضا عليه السلام فانه لا يزوره الا من لا يبالي بعيب الاعداء فهم اذ ذاك خواص وان كانوا جهالا وليس المراد بالخواص الخواص في غير الموضع لان المراد بهم هناك العارفون واهل البصيرة في الدين فتفهم واما لعدم شدة رغبتهم ومن سوى الرضا عليه السلام من الائمة عليهم السلام قريبون منهم فلا تشق عليهم زيارتهم لقرب مشاهدهم منهم فيزورونهم واما الرضا عليه السلام فلبعد مشهده عنهم تكون في زيارته مشقة شديدة فالخواص يتحملونها واما غيرهم فلا يتحملونها لعدم شدة رغبتهم وهذان الوجهان باعتبار الزائرين واما باعتبار حال المزور عليه السلام فانه كان نائيا عن مسقط رأسه وما نس نفسه غريبا من اهله واقربائه منفردا من بين سائر اهل بيته وهذه الاحوال وامثالها موجبة لخمول الذكر ونسيان الاسم واطفاء النور فلو كان فضل زيارته كفضل زيارة غيره من الائمة عليهم السلام لكانت زيارته ناقصة عن زيارة احدهم وانما ساوتها بما اشتملت عليه من المشاق من البعد وقلة الزائرين وغربة المزور وامثال ذلك فتكون في اصلها ناقصة عن زيارة مثله ويلزم من هذا عدم المماثلة بل يكون في نفسه عليه السلام ناقصا عن احدهم عليهم السلام فلما ثبت انهم سواء ثبت ان اصل زيارتهم سواء ولما اشتملت زيارته عليه السلام على مزايا لم تحصل لغيرها خصوصا هذا الوجه الاخير وهو كونه عليه السلام غريبا وحيدا بعيدا عن مسقط رأسه وعن مساكن آبائه وقبره بعيدا عن قبورهم والحال ان هذه وامثالها موجبة لتصغير قدره وخمول ذكره واطفاء نوره ومساواته لسائر الناس والحكمة التي اجرى الله سبحانه عليها النظام ولاجلها خلق الانام وبسببها اسبغ على جميع خلقه الانعام والافضال والاكرام مقتضاها الذي لا تكون الحكمة حكمة الا به على كمال ما ينبغي ان يكون قدره عليه السلام كبيرا وذكره مشهورا ونوره تاما منيرا لا يعدله احد من الناس ولا يعتري فضله وظهور شأنه وعلو مكانه التباس فوجب في الحكمة ان يلطف سبحانه بعباده فيما يتوقف عليه صلاحهم وتمام نظام الخلق من اظهار اسمه عليه السلام واعلاء شانه والتنويه باسمه فاوجب ذلك الحث على زيارته والترغيب فيها بما لا يحصل في غيرها لان في ذلك ترغيب الزائرين بكثرة الثواب بان زيارته عليه السلام يغفر الله بها ما تقدم من ذنب الزائر وما تأخر ويبني الله له منبرا يوم القيمة بحذاء منبر محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما وانه يجلس عليه بجوارهما عليهما السلام حتى يفرغ سبحانه من حساب الخلائق وان زيارته تعدل سبعين الف حجة وعمرة او مائة الف حجة وعمرة وما اشبه ذلك لان الحكمة الالهية التي يستقيم بها النظام تقتضي ذلك جبرا لما جرى عليه صلى الله عليه من الغربة والوحدة والبعد عن الاهل والاوطان وهذا الوجه لا يرد عليه شيء واما الوجهان فيرد عليهما اما الاول فيقال انه عليه السلام ايضا قد يزوره غير الخواص ويجري في حقه ما يجري في حق باقي الائمة عليهم السلام واما الثاني فيقال ان مشهده الشريف قريب من كثير من الشيعة بحيث لا تشق زيارته عليهم وتشق عليهم زيارة الائمة عليهم السلام فيكون الامر بالعكس والجواب ان الخطابات الشرعية العامة مبنية هي وما يترتب عليها من الجزاء على الامور الغالبة والابتدائية فعلى الامر الاول الغالب ان زوار الرضا عليه السلام لا يكونون الا الخواص من الشيعة والمحبين بخلاف غيره من الائمة عليه السلام وعلى الامر الثاني فلأن الخطاب انما جرى على من كان قريبا من الائمة عليهم السلام بعيدا من الرضا عليه السلام مع ان من كان قريبا من الشيعة من الرضا صلوات الله عليه في وقت الخطاب كان قليلا وكونه الان كثيرا لا يوجب انقلاب الحكم لان الحكم نزل من عند الله تعالى حين السؤال على حد قوله تعالى وان تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم فاجريها الله سبحانه سنته فيه عليه السلام ولن تجد لسنة الله تبديلا

قوله عليه السلام : واوردني حوضكم ان اريد به الحوض الباطني فهو هديهم وهم عليهم السلام يوردون باذن الله من شاؤا ذلك الحوض من اوليائهم ويذودون من شاؤا عنه باذن الله تعالى وهو المشار اليه في كلام امير المؤمنين عليه السلام الذي ذكرناه في شرح الزيارة في حديث ابي‌ الطفيل قال قلت يا امير المؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي وليصرفن عنه اعدائي وفي رواية ولاوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي الحديث ومعروف عند من سقط اليه شيء من علومهم عليهم السلام ان هديهم ومذهبهم ودينهم هو حوض النبي صلى الله عليه وآله الذي من شرب منه شربة لم يظمأ بعده ابدا وهو دين الله الحق الذي لا يوجد الا عندهم وهو ما اجتمع عليه محكم القرءان وقولهم فانه هو الدين ولا يخرجان عنه كما قال صلى الله عليه وآله لن‌يفترقا حتى يردا علي الحوض ه‍ فهم يوردون من شاؤا باذن الله تعالى ويذودون عنه من شاؤا باذن الله تعالى فقوله واوردني حوضكم مثل ما قلنا من نظيره في الشرح فهنا ان شئت قلت اوردني الله الحوض بهم وان شئت قلت اوردني الحوض باذن الله تعالى والمعنى واحد من حيث فائدة الايجاد فعلى هذا يكون المعنى ثبتني الله على دينكم ووفقني للعمل الصالح الذي يرضي الله ويرضيكم حتى اجد حلاوة الايمان الذي هو من ماء حوضكم ووفقني للاستقامة عليه حتى لا اظمأ بعده لا اظمأ اي لا اواقع ذنبا ولا اخرج من هديكم حتى يتوفاني الموت وان اريد به المعروف وهو الحوض الذي يظهر يوم القيمة وهو الذي يوردونه اولياءهم ومحبيهم الذين يحشرون معهم في زمرتهم فانه سأل الله ان يحشره في زمرتهم يوم القيمة ويورده حوضهم كما حشره في زمرتهم في الدنيا واوردهم حوضهم في الدنيا ويفيد سؤاله الدعاء بالثبات على ما وفقه لمتابعتهم وولايتهم ومحبتهم حتى يتوفاه ليحشر في زمرتهم ويورد حوضهم وفي كنز الكراجكي بسنده الى ايوب السجستاني قال كنت اطوف فاستقبلني في الطواف انس بن مالك فقال لي الا ابشرك بما (ظ) تفرح به فقلت بلى فقال كنت واقفا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله في مسجد المدينة وهو قاعد في الروضة فقال لي اسرع وائتني بعلي بن ابي طالب عليه السلام فذهبت فاذا علي وفاطمة عليهما السلام فقلت له ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوك فجاء علي فقال يا علي سلم على جبرئل فقال علي السلام عليك يا جبرئل فرد عليه جبرئل السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبرئل يقول ان الله يقرأ عليك السلام ويقول طوبى لك ولشيعتك ومحبيك والويل ثم الويل لمبغضيك اذا كان يوم القيمة نادي مناد من بطنان العرش اين محمد وعلي فيزخ بكما الى السماء حتى توقفا بين يدي الله فيقول لنبيه اورد عليا الحوض وهذا كأس اعطه حتى يسقي محبيه وشيعته ولا يسقي احدا من مبغضيه ويأمر لمحبيه ان يحاسبوا حسابا يسيرا ويؤمر بهم الى الجنة ه‍ فقوله حتى يسقي محبيه وشيعته يدل على ان ذلك لمن اتى يوم القيمة بمحبتهم فلما علم ذلك سأل الله ان يورده حوضهم يعني ان يثبته على ما وفقه لمحبتهم وولايتهم فانه اذا ثبته على ذلك حتى يموت فانه تعالى يجب عليه في الحكمة ولما وأي على نفسه لشيعتهم ومحبيهم ان يحشره في زمرتهم ويورده حوضهم فيفيد قوله وان يحشرني في زمرتكم وان يوردني حوضكم انه يسأله ما يوجب ذلك وهو الثبات على ما وفقه له من محبتهم وولايتهم وطاعتهم ومتابعتهم

وقوله عليه السلام : وجعلني في حزبكم وارضاكم عني يريد الدعاء بان يجعلني معكم في حزبكم في الاخرة كما جعلني في حزبكم في الدنيا فانه تعالى وله الحمد جعلني في الدنيا من محبيكم ومواليكم فاسأله ان يثبتني على ذلك حتى القاه محبا لكم مواليا لكم ولاوليائكم معاديا لاعدائكم واوليائهم واكون في حزبكم واسأله ان يجعلكم راضين عني بان يبلغني ما يوجب رضاكم عني من طاعته وطاعتكم ويثبتني عليه حتى القاكم عني راضين فانه تعالى ابتدأني بنعمة التوفيق لمحبتكم وولايتكم فلقديم الرجاء فيه وعظيم الطمع في كرمه وفضله ورحمته سألته ذلك وهو ارحم الراحمين فانكم لا ترضون عني الا لرضى الله ولا يرضى الله تعالى الا لرضاكم فرضاكم رضى الله ورضا الله رضاكم اللهم بحقهم عليك ارض عني وبحقك عليهم ارضهم عني انك على كل شيء قدير

قال عليه السلام : ومكنني في دولتكم واحياني في رجعتكم وملكني في ايامكم

يقول اسأل الله الذي وعدكم ليستخلفنكم في الارض كما استخلف الذين من قبلكم وليمكن لكم في الارض بان يجعلكم الوارثين للارض والمالكين لها ان يمكنني في دولتكم بان يجعلني في وقت ملككم من المملكين بكم المقربين لديكم وهذا كناية عن ان يجعله من شيعتهم الخلص فانه اذا رجعوا ذهبت دولة اعدائهم واشياع اعدائهم ورجع الامر كله الى محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله ومن كان من شيعتهم كامل الايمان مكنوه فيما شاؤا من الارض وملكوه منها ما ارادوا وجعلوه مقدما بنسبة معرفته وايمانه فدعاؤه طلبا لرفع درجته عند الله وعندهم لانهم عليهم السلام انما يقدمون من تقدم بعلمه وعمله ومعرفته واما اعداؤهم فهم الذين عناهم الله بقوله ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا يعني من اعرض عنهم وعن ولايتهم فان له معيشة ضنكا في رجعتهم عليهم السلام لان الارض لا تعطيه من نبتها والتجارة لا تعطيه من ربحها ولا تحل له الزكوة ويبقى مهينا محتقرا فقيرا جائعا حتى روي انهم ليأكلون العذرات وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله ومن اعرض عن ذكري قال ولاية امير المؤمنين عليه السلام اعمى البصر في الاخرة اعمى القلب في الدنيا عن ولاية امير المؤمنين عليه السلام وهو متحير في القيمة يقول لم حشرتني الاية قال الايات الائمة عليهم السلام فنسيتها يعني تركها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الائمة عليهم السلام فلم تطع امرهم ولم تسمع قولهم ه‍ وفي تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام ان له معيشة ضنكا قال هي والله للنصاب قيل له رأيناهم في دهرهم الاطول في الكفاية حتى ماتوا قال ذاك والله في الرجعة يأكلون العذرة ه‍

وقوله عليه السلام : واحياني في رجعتكم سأل الله ان يكره فيمن يكر معهم في رجعتهم وهو كناية عن توفيقه لان يكون ممن محض الايمان محضا فان من محض الايمان محضا ومحض الكفر او النفاق محضا فانه يرجع في رجعتهم الا ان يكون محض الكفر والنفاق محضا وقد اهلك في الدنيا بالعذاب فانه لا يرجع في رجعتهم وذلك قول الله تعالى وحرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون واما ماحض الايمان فانه لا بد ان يرجع فان قتل في الدنيا رجع حتى يموت بعد ان يعيش بالضعف من عمره في الدنيا واما من يرجع في رجعتهم العامة الاخيرة التي يجتمعون فيها كلهم عليهم السلام فروي انه لا يموت حتى يرى الف ولد من صلبه وان مات في الدنيا فيرجع حتى يقتل اذ كل مؤمن محض الايمان محضا فله قتلة وميتة من مات بعث حتى يقتل ومن قتل بعث حتى يموت فسأل الله ان يوفقه لمحض الايمان ليحيي في رجعتهم وهذا من قول الصادق عليه السلام اللهم احي شيعتنا في دولتنا وابقهم في ملكنا ومملكتنا وهذا قوله عليه السلام وملكني في ايامكم اي جعلني من المملكين وهو كما تقدم كناية عن التوفيق لكمال الايمان والمعرفة فانهما من جهة كرم الله وفضله موجبان لمن جعله الله كذلك لان يكون في رجعتهم اذا مكنهم الله في ارضه واظهرهم على الدين كله ولو كره المشركون مملكا من قبلهم حاكما بامرهم بنسبة كمال ايمانه ومعرفته

قال عليه السلام : وشكر سعيي بكم وغفر ذنبي بشفاعتكم واقال عثرتي بمحبتكم ( بحبكم خ ) واعلى كعبي بموالاتكم وشرفني بطاعتكم واعزني بهديكم
قال الشارح المجلسي (ره) وشكر سعيي بكم اي جزاني الله تعالى في زيارتي اياكم او ببركتكم او شفاعتكم واقال عثرتي اي تجاوز عن سيئاتي واعلى كعبي اي جعلني مشرفا وعاليا او جعل اعدائي تحت قدمي او تحت رمحي بغلبتي عليهم بموالاتكم اياي او بموالاتي اياكم انتهى

الشكر اعم من الحمد في المصدر واخص منه في المتعلق فالحمد مصدره اللسان خاصة ومتعلقه الفضيلة والفاضلة والشكر مصدره الجنان والاركان واللسان ومتعلقه الفاضلة فالشكر من جهة المتعلق الباعث له الفاضلة وهي النعمة التي تصل من المشكور الى الشاكر ومن جهة المصدر يصدر من الجنان والاركان واللسان فشكر الجنان الاعتقاد بان هذه الفاضلة من المشكور على جهة الفضل الابتدائي والرضا عنه بالعطية وان كانت قليلة بالنسبة الى غيره او عند غيره او الى غيرها ويعتقد انه مقصر في اداء شكرها والشكر من الاركان امتثال امر المنعم واجتناب نهيه وطاعته بكل ركن فيما خلق له فطاعة العينين النظر لما امر الله بنظره كنظر المصلي في القيام الى محل سجوده وفي القنوت الى كفيه وفي الركوع الى ما بين رجليه وفي السجود الى طرف انفه وفي التشهد الى حجره وكالنظر الى كتابة القرءان وكتب العلم وغير ذلك وغضهما عن النظر الى ما حرم الله عليه نظره والاذنان طاعتهما السماع لما ندب الله الى سماعه او اباحه بقصد الاخذ بما اباحه الله واليدان طاعتهما البطش فيما امر الله به او ندب اليه او اباحه كذلك وطاعة الرجلين السعي كذلك والحاصل طاعة الجوارح استعمالها فيما خلقت له كما امر سبحانه والشكر من اللسان الثناء على المنعم باظهار نعمه وآثارها وذكره بها على جهة التعظيم له ولنعمه فاذا عرفت هذا في الجملة فقوله عليه السلام وشكر سعيي بكم يريد به اني ادعوه سبحانه واسأله ان يشكر سعيي بكم اي ان يعاملني معاملة المنعم من المنعم عليه فيحبني ويحببني الى خلقه ويرضي عني بالقليل من السعي ويراه كثيرا ويرى ان ما فعل بي من الجميل اني مستحق له ويوصل الى من الثواب والنعم جزاء سعيي على جهة الاستحقاق ويذكرني بالثناء الجميل في الملأ الاعلى وعلى السنة اوليائه وفي ما انزل من كتبه وما اشبه ذلك وهذا انما يكون منه تعالى اذا كان محتاجا الى سعيي وكان سعيي ليس منه وكل ذلك لم يكن بل هو غني عن سعيي وعن كل شيء وسعيي على فرض صحته وحقيته نفعه لي وراجع الى ومثاله لو ان زيدا جد في عمل التجارة حتى ربح كثيرا فما حصل من الربح فهو له ينتفع به في مهماته فهل يجب عليك ان يشكره جزاء لما عمل لنفسه وانما يجب عليك لو كان ربحه يصل اليك وايضا ما اتيت به من السعي فمنه تعالى وبتوفيقه وهو اولى به مني فكيف يصح ان يشكر من لا يحتاج الى شيء وذلك النعمة التي صارت من العبد منه تعالى فهو اولى بالشكر فلا يصح ان يشكر من لا يفعل شيئا وهذا ما تعرفه العقول ولكنه سبحانه وتعالى جدد تفضله على عباده مرة بعد اخرى فابرز لطفا من غيبه على افئدة اوليائه واوليائهم لا تسعه عقولهم لطفا بالعباد وتيسيرا لما خلقوا له بما اراد بانه تعالى وله الفضل يشكر من شكره ويذكر من ذكره ويجازي من عمل له وقد اشار سيد الساجدين عليه السلام في الصحيفة السجادية الى ما اشرنا اليه بقوله في وداع شهر رمضان تشكر من شكرك وانت الهمته شكرك وتكافئ من حمدك وانت علمته حمدك يعني انك تفضلا منك تشكر من شكرك على شكره وشكره من فضلك الهمته اياه واجريته عليه ولولاك لكفر نعمتك وتكافئ اي تجازي من حمدك على ما عرفته من نفسك وانعمت عليه من نعمك وذلك منك انت علمته وقويته على ذلك ووفقته له واعنته عليه ولولا فضلك عليه ثانيا لما قدر على شيء من ذلك وانما عاملك معاملة الغني الحميد فجعل ما انعم به عليك من شكره وحمده مكافاة لتأدية حق نعمه عليك ليجزيك على ما اجرى عليك من نعمه نعما وفضلا نعما وفضلا مرة بعد اخرى كما في دعاء مفردة الوتر بعد الركوع وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه ه‍ وقد ذكر سيد الساجدين عليه السلام في دعاء الوداع المذكور ما اشرنا اليه لك من انه تعالى تفضل مرة بعد اخرى فركز في افئدة اوليائه والخصيصين من شيعتهم لطفا من غيبه لا تسعه عقولهم ولولاه تعالى لما وجد المخلوق شيئا من ذلك لانه مخالف في الافهام والقلوب لمعنى القدم ولهذا قلنا ركزه في الافئدة لانها هي التي تسع ذلك وتعيه فقال عليه السلام وانت الذي دللتهم بقولك من غيبك وترغيبك الذي فيه حظهم على ما لو سترته عنهم لم تدركه ابصارهم ولم تعه اسماعهم ولم تلحقه افهامهم فقلت اذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقلت لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد وقلت ادعوني استجب لكم الى آخر الايات وذلك لان ما دل عليه نوع من الانفعال وهو لا يصح في حق الازل سبحانه والذي تفهمه العقول عدم جواز نسبة ذلك اليه فلما تفضل عليهم واراد ان يجدد النعم ويغمرهم بالخيرات التي فيها حظهم ونجاتهم من غضبه ابان للافئدة سر ذلك وتعبد خلقه بذلك ليلزمهم ما به نجاتهم وفيه صلاحهم فالزمهم بما لا يعلمون سره ولو لم يلزمهم ذلك لم يقبلوه وان طلبوا رضاه لانهم ينكرونه ولكنه الزمهم به لاجل نجاتهم من عذابه فقال ان الذين يستكبرون عن عبادتي يعني بالا يدعوني فاستجيب لهم سيدخلون جهنم داخرين فلذا قال عليه السلام فسميت دعاءك عبادة وتركه استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين الدعاء ولكنه لما جرت حكمته بان لا يظهر شيئا الا مشروحا مبين العلل والاسباب لتطمئن بها اولوا الالباب الا ان بيان كل شيء في مقامه ورتبته من الوجود كما ان مقتضى الحكمة التامة راكز في الافئدة التي هي حقيقة المخلوق من فعل ربه سبحانه وتعالى بيان ذلك والاشارة الى ذلك في رتبة الافئدة ورتبة ذلك السر على جهة الاقتصار ان المخلوق لا ينتهي الى الخالق وانما ينتهي الى مثله والمثال المخلوق لهذا السر المشار اليه انه لا ينتهي المخلوق الا الى مثله مضافا الى قول امير المؤمنين عليه السلام في خطبته الموسومة باليتيمة التي لم يوجد مثلها قط في معرفة الله تعالى قال عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله السبيل مسدود والطلب مردود مثل الكتابة التي هي مثل المخلوق تنتهي الى حركة الكاتب لا الى الكاتب بمعنى انك تقطع بان هيئات الكتابة من هيئات الحركة فاذا رأيت كتابة حسنة علمت ان حركة يد كاتبها معتدلة مستقيمة وان كانت الكتابة غير حسنة علمت بان حركة يد كاتبها غير مستقيمة بل معوجة مضطربة فدلتك الكتابة بهيئتها على حركة يد الكاتب لانها منتهية اليها ولم تدلك الكتابة على كاتبها بان تعلم اذا وجدتها حسنة ان كاتبها حسن او اذا وجدتها قبيحة انه قبيح فقد انتهى المصنوع الى الصنع لا الى الصانع فكان الانفعال المشار اليه في الفعل لانه هو المقبول والمفعول كالمخلوق والداعي والعامل والسائل هو القابل وغير الافئدة من المشاعر كلها لا تفهم من معنى اذكروني اذكركم وادعوني استجب لكم الا ان المنفعل هو الفاعل وهذا باطل واما الافئدة فتفهم من معنى ذلك ان المنفعل هو الفعل لا الفاعل لان الله سبحانه اشهدها خلق انفسها فتعرف انفسها وما في رتبتها وما دون ذلك ولهذا قال صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه والفرق بين العبارتين هو الفرق بين النبوة والولاية فاذا اردت ان تعرف نفسك فاطلب رسالتنا الموضوعة في ذلك ولا يوجد ذلك في غيرها ابدا الا ما اخذ منها

فاذا عرفت ما ذكرنا فالجواب انه سبحانه بني افعاله في عباده على التفضل لغناه المطلق الذي لا يتخصص وكرمه المحقق الذي لا ينقص واجرى قدرته على التجاوز لكمال حاجة الخلق اليه وفقرهم الى لطفه بهم ولتكمل آثار رحمته التي بها خلقهم وانما خلقهم لمحمد وآله صلى الله عليه وآله وامرهم بطاعته المأخوذة عنهم عليهم السلام لانها لهم وانما امرهم بان يوقعوها له تعالى خاصة لتصح الطاعة فاذا صحت كانت لهم وشرط صحة الطاعة شيئان احدهما ايقاعها تقربا اليه تعالى خاصة لا يشاركه في ذلك احد وثانيهما اخذها وحدودها عنهم عليهم السلام كما امروا وحددوا مقرونة بالائتمام بهم والتسليم لهم والمحبة لهم والولاية لهم ولاوليائهم لاجلهم والبراءة من اعدائهم فاذا فعلها العبد كما امروه قبلها الله تعالى وكانت صحيحة ثابتة وجعلها لاهلها المستحقين لها لانها دعاء لهم وثناء من الله تعالى على قوابل عباده عليهم فكان عليهم العوض صلى الله عليهم فلما اعطاهم اعمال عباده وجب في الحكمة على الجواد المطلق ان يجعلها موفرة عليهم فيحمل سبحانه جزاء ذلك عنهم وانما حمل الجزاء لاجلهم فكان جزاء العاملين من تمام العطية لهم عليهم السلام لان الكريم لو ارسل لك بعطية عند شخص وقال لك اعط حامل العطية اجرة حمله كان ذلك نقصا في كرمه وتمام كرمه ان يعطيك اياها موفرة بان يعطي اجرة حملها اليك لتصل اليك تامة والا لنقصت باجرة الحمل ولما كان ايصال اجرة العاملين متوقفا على استحقاقهم وهم لا يستحقون شيئا كما ذكرنا سابقا ولو لم يعطهم وقد امرهم وجب على من اعطاهم العمل العوض للعاملين ولو اعطوا نقص كرمه كما سمعت فجدد تفضله مرة بعد اخرى فجعل ما اعطي العاملين من النعم والاقدار والتعليم والاعانة على طاعته وغير ذلك مما لا تتقوم الطاعات والاعمال الصالحة الا به كفاء لتأدية حقه فنسب عوائدها اليهم كما نسب سوابقها اليهم تفضلا بعد تفضل فشكرهم على ما وفقهم له من السعي لاجل محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله بما امدهم من الانوار والتأييدات والمعارف والعلوم وبنسبتهم اليه بقوله عبادي ومن التوفيق لما يرضيه عنهم وبرضاه عنهم وقبوله اليسير منهم وجعله كثيرا وبالتجاوز عنهم والعفو والمغفرة لهم وجعلهم اتباعا لاوليائه المقربين عنده وقربهم بقربهم ومحبته لهم وبالثناء عليهم مثل قوله تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هديهم الله واولئك هم اولوا الالباب وعلى السنة اوليائه من الاولين فان كل رسول ونبي اثنى على شيعة علي عليه السلام بامر الله تعالى ومن الاخرين كما اثنى الائمة عليهم السلام على شيعتهم فيما ذكرنا وما لم نذكر وانما شكر الله سعي شيعتهم بهم ولاجلهم وهو قوله وشكر سعيي بكم

وقوله عليه السلام : وغفر ذنبي بشفاعتكم كما ذكرنا في شرح الزيارة من احاديثهم ان الله تعالى يغفر ذنوب محبيهم على ما هم عليه فان كانت التبعات لله تعالى استوهبوه منه فهو لشيعتهم وان كانت لهم فهو لشيعتهم وان كانت لاعدائهم فهو لشيعتهم وان كانت لبعض المؤمنين عوضوهم عنه فهو لشيعتهم فاذا شفعوا قبل الله تعالى شفاعتهم وبغير شفاعتهم يجب في الحكمة الا يتجاوز ظلم ظالم لانه مقتضى العدل فيعطي كل ذي حق حقه الا ان يحصل مرجح وذلك من شفاعتهم بالقلب بان يحبوا الشخص فيرضونه فيرضي الله عنه فمحبتهم له شفاعتهم له عند الله ومنها اعمالهم فان ذلك المحب يهبونه لاجل محبتهم من فاضل اعمالهم ما ترجح به موازينه وتكثر حسناته ويدخل بذلك الجنة ومنها دعاؤهم له كما في الاخبار الكثيرة الواردة وهذه وامثالها من شفاعتهم لشيعتهم

وقوله عليه السلام : واقال عثرتي بمحبتكم اقال بمعنى فسخ ونقض ووافق على ما طلب منه والعثرة الخطيئة وذلك ان من فعل الخطيئة لزمته ومن اخطأ فقد وقع كالعاثر فقوله واقال عثرتي كما يقال اقاله البيع الذي لزم بالعقد فاقاله البيع اي فسخ العقد الملزم ونقضه ووافقه على ما طلب من الفسخ واقال عثرتي يعني خطيئتي التي لزمتني محاها وفك لزومها لي والمعنى غفر لي خطيئتي بمحبتكم لانها تكفر الذنوب وتمحوها فيكون الغفران بمقتضى القابل او بسبب محبتكم فيكون الغفران بمقتضى المتمم للقابل وهذا هو الظاهر من الاضافة الى المفعول ولو اعتبرت الاضافة الى الفاعل وان كان بعيدا عن الظاهر كان الغفران بمقتضي الشفاعة كما اشرنا اليه قبل

وقوله عليه السلام : واعلى كعبي بموالاتكم الكعب ما علا وارتفع واعلى كعبي كناية عن الشرف والرفعة يعني ما ارتفع من مقامي او ما من شانه الارتفاع مني اعلاه الله بموالاتكم وهو دعاء منه وسؤال من الله بان يرفع ما انحط من قدره بسبب تقصيره او قصوره بموالاتهم فان موالاتهم تتم ما نقص من الاعمال وتقوم مقام ما فقد منها فان موالاتهم اقلها المحبة بالقلب واللسان والولاية كذلك يعني بالقلب واللسان وهذا كاف في اعلاء الكعب اذا لم يحصل ما ينافيهما لان المحبة الصدق والموالاة الحق ان يطابق القول العمل والقلب اللسان فاذا خالف القلب اللسان بان اقر بولايتهم وانكرها بقلبه فقد خرج عن ربقة الايمان ان كان جاهلا بما انكر واقر وعن ربقة الاسلام ان كان عالما واذا خالف القول العمل بان يقر بلسانه ولا يعمل فان طابق حينئذ قلبه لسانه فذلك الذي قلنا انه كاف في اعلاء الكعب وان كان كل شيء بحسبه وان خالف القلب اللسان فكالفرض الاول يعني كان عن جهل فليس بمؤمن وان كان عن معرفة فليس بمسلم فان تطابقت حصل الكمال فصاحبها شافع لا مستشفع فيه وان خالفهما القلب فعلى التفصيل المتقدم وان خالفهما العمل بان اقر اللسان بالموالاة وطابقه القلب فالكافي المشار اليه وان خالفهما اللسان فعن الجهل مرجي لامر الله وعن العلم فللتقية لا بأس ولغير التقية هل يكون ارتدادا ام لا والعلم قد يكون عن بصيرة وقد يكون عن غير بصيرة فاذا كان العلم عن بصيرة يعني ان لسانه انكر الولاية من بعد ما تبين له الهدى لغير تقية وقلبه مستيقن لها ويعمل بعمل اهل الحق فالاقرب انه ارتداد لقوله تعالى ولعنوا بما قالوا واما كون قلبه مستيقنا فلا يفيده كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا على ان الكافر والمشرك والمنافق اذا لم يستيقن حقية ما دعي اليه لم تقم عليه الحجة ان الله تعالى يقول وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وقال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى فاذا لم يستيقن حقية ما دعى اليه بقى الحكم عليه موقوفا الى يوم القيمة حتى يجدد له التكليف وتستقر الحكم عليه بعد ما يتبين له الحق

وقوله عليه السلام : وشرفني بطاعتكم دعاء منه بان يشرفه بطاعتهم بان يوفقه ويعينه على طاعتهم فانها هي طاعة الله تعالى وفيها شرف الدنيا والاخرة وهي مقولة على جميع مراتب الاعتقادات الحقة والاقوال الصادقة والاعمال الصحيحة بالتشكيك في كل واحدة من هذه الثلاث وفي كل جزئي من كل منها والمسئول منها المطلق او ما يحصل به التشريف لا اعلى مراتبها فان سؤال ذلك محرم على كل من سواهم اذ لا ينال اعلى طاعتهم احد غيرهم من جميع الخلق وجعل اعلى ما يمكن منها طاعة لاحدهم لا يلزم منه كون الواحد طائعا مطاعا لان المراد بهذه الطاعة بالنسبة اليهم طاعة محمد صلى الله عليه وآله فانها واجبة عليهم ثم من دونه علي عليه السلام فان طاعته واجبة عليهم ثم من سابق على لاحق او انها واجبة عليهم من حيث انها طاعة الله تعالى او انما وجبت عليهم طاعة الله تعالى وان قلنا بالاتحاد او انما تتحقق فيهم او بهم او عنهم فلذلك اسندت اليهم فافهم

قوله عليه السلام : واعزني بهديكم يعني اعزني الله اي ايدني وقواني ورفع خسيستي ودفع ذلي بهديكم وهو دعاء منه لله تعالى كما انعم علي بان اعزني ورفعني عن ذل الكفر والنفاق والجهل الى عز الاسلام والايمان والعلم بكم اي ببركة وجودكم وهديكم فاسأله ان يعزني ويرفعني عن ذل المعصية الى عز الطاعة بهديكم وهديهم هو ما اسسوا من قواعد الدين باذن الله تعالى وامره وبينوا احكامه وعرفوا المعارف والاعتقاد وابانوا ما اراد الله تعالى من جميع العباد من الاعتقادات والعلوم والفرائض والنوافل والاداب وما اعانوا عليه من مال اليهم واقتدى بهم وسلم لهم ورد اليهم من التسديدات والايراد حياض الرشاد والدعاء الذي لا يحجب عن رب العباد فسأل الله سبحانه ان يعزه ويقويه ويرفع خسيسته بالتوفيق للقيام بواجب مقتضى هديهم ويعينه على تحمل ما اراد منه تحمله والقيام بواجبه وندبه ليجعله بذلك عزيزا بعد ذل الجهل والتقصير وهو سبحانه على كل شيء قدير

قال عليه السلام : وجعلني ممن انقلب مفلحا منجحا غانما سالما معافي غنيا فائزا برضوان الله وفضله وكفايته
قال الشارح المجلسي (ره) وجعلني ممن انقلب بالماضي اي رجع مع الفلاح من السلامة من النار والفوز بالجنة غانما بالغنيمة الصورية والمعنوية انتهى

قوله ممن انقلب اي الى اهله من زيارتكم مسرورا مفلحا اي ظافرا بمطلوبه من صلاح الدارين وسعادة النشأتين والفلح محركة الفوز والنجاة والبقاء في الخير اي اجعلني من نوع الذي انقلب من زيارتكم فائزا بما طلب في رجائه او بزيارتكم او فيكم من طول العمر ودوام اليسر ناجيا من الاخترام ومن البلايا والفقر ومن سوء المنقلب بميتة السوء ومن سوء المرجع في القبور ومن الندامة يوم القيمة باقيا في الخيرات الابدية والسعادة السرمدية منجحا هو مرادف لقوله مفلحا او ان النجاح امكن في الظفر بالمطلوب بان يكون الفلاح الظفر بالمطلوب والوصول اليه والنجاح الاستقلال به والحيازة له الموجبة للأمن من فواته ولهذا يؤخر النجاح في الذكر عن الفلاح لان الفلاح كالمقدمة له او كاول ادراك المطلوب او ان الفلاح مطلق الظفر بالمطلوب والنجاح تنجزه بسرعة من قولهم استنجحت الحاجة اي تنجزتها غانما اي كاسبا للفائدة المطلوبة لاهل الدارين وللغنيمة العظيمة مدركا بما تقر به العين سالما من تغير نعم الدنيا والدين ووقوع النقم بسبب الذنوب فاني اسأل الله ان يغفرها لي بمحبتكم وولايتكم والبراءة من اعدائكم معافي ان شاء الله تعالى من وقوع الفتن والاختبار والابتلاء والتمحيص والتمييز والبلبلة والسوط فان كثيرا من المكلفين اذا لم يعاف من الاختبار والفتنة انقلب وتغير عن طريق الهدى الى الضلالة ولو عافاه الله ربما آل امره الى الخير هذا في ظاهر الامر والاحاديث دالة على انه لا يكون احد من هؤلاء من اولئك ولا احد من اولئك من هؤلاء فالاختبار والبلبلة والفتنة انما تقع بمن كان في اصل اجابته في الخلق الاول من اهل القلا ممن خلقوا للنار فلما كانوا في الخلق الثاني اصابهم لطخ من اهل الجنة وعاشوا شطرا من اعمارهم بين ظهرانيهم وظهر اثر لطخ اهل الايمان على ظواهر اقوالهم واعمالهم ويأبى الله ان يجعلهم في المؤمنين فيختبرهم بما لا يعلمون ويفتنهم بما لا يعرفون حتى يستقر امرهم على طبق حقيقتهم وينقلب الى ما يسر له من شأن بدئه في علم الغيب وربما تكون حقيقته طاهرة ولكن غلب عليه مقتضيات اللطخ بحيث يكون على تمام المشابهة بمن لطخوه من طينتهم في الاعتقاد مثلا بحيث لو اختبر غلبت الطينة الثانية على الاولى وان كانت ليست سابقة ولا ذاتية والاولى ضعيفة لعدم استمدادها من اعماله لانها لا تستمد الا من الاعمال الصالحة واغلب اعماله بمقتضي الثانية فاذا عوفي من البلايا والفتن ربما قويت الاولى بسبب العافية لان مقتضى الفتنة غالبا يكون مقويا للثانية لما بينهما من الموافقة وذلك لان اللطخ الثاني موافق للنفس الامارة والفتنة موافقة لها لانها باعثة للانية على التشخص والتعين اللذين هما اصل الامارة وفرعها فتكون العافية من الفتنة منافية للامارة لانها لا تبعثها على ما يقوي الانية وربما لو اختبر هجر الاولى بالكلية ولا ريب انه اذا مات معافي وكان ممن لم يمحض الايمان محضا اخر حسابه الى يوم القيمة فاذا كان يوم القيمة حوسب ويكون اهون حالا ممن اختبر قبل موته لان الموت له نوع تقرير للصفة التي يموت عليها اما في الماحض فالموجب للتقرير هو الموت واما في غيره فالعافية في الدنيا لطف من الله به فيكون الموت له غالبا مقررا وان جدد له التكليف يوم القيمة واليه الاشارة بقوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق وهذا اشارة وتلويح لان البيان يحتاج الى تطويل لدقة مسلكه غنيا اي بكثرة الحسنات كما في دعاء غسل اليد اليمنى في الوضوء في قوله والخلد في الجنان بيساري بفتح الياء المثناة بعد حرف الجر اي اعطني كتابي بيميني وبراءة الخلد بيساري اي بكثرة حسناتي على احد الوجهين ومثله ما في العيون عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال ان ام‌ سليمن بن داود عليهما السلام قالت لابنها سليمن يا بني اياك وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل يدع الرجل فقيرا يوم القيمة ه‍ يعني لقلة الحسنات فهو سأل الله تعالى ان يقلبه من زيارتهم غنيا لكثرة حسناته مما كتب له لاجل زيارتهم ويحتمل ان يكون المراد غنيا من جهة كثرة الرزق لان زيارتهم المقبولة تزيد في العمر والرزق وكذا قوله عليه السلام : فايزا برضوان الله وفضله وكفايته يعني ظافرا برضوان الله علي بمحبتكم وولايتكم فان رضاكم رضى الله عز وجل ومن رضيتم عنه فقد انقلب برضوان الله عنه في الدنيا والاخرة او فقد ظفر باعلى مراتب الجنان وهو الرضوان فانه نهاية نعيم اهل الجنة فان اهل الجنة يأول نعيمهم الى رضوان الله ولا غاية له ولا نهاية فدعا الله بحقهم عليه ان يبلغه رضوانه بما اوجب تعالى على نفسه لمن زاره فطلب حق الزيارة من الله تعالى لانه تعالى اخبر على السنة اوليائه ان من زار وليا له فكأنما زاره في عرشه وللزائر حق على المزور فدعا الله عز وجل بان يجعله فائزا برضوانه وفضله من جميع نعم الدنيا والاخرة اذ كلها تفضل وبكفايته بان يدبره في مصالح دنياه وآخرته فان الزائر لما اطاع الله سبحانه فيما ندب اليه على السنة اوليائه من فضل زيارة اوليائه وما وعد على نفسه لمن زارهم فقد توكل عليه سبحانه ومن توكل عليه كفاه فاراد بدعائه الا يكله الى نفسه طرفة عين ابدا لا في شيء من امر الدنيا ولا الاخرة

قال عليه السلام : بافضل ما ينقلب به احد من زواركم ومواليكم ومحبيكم وشيعتكم بافضل متعلق بانقلب يعني جعلني الله من نوع الزائر الذي انقلب الى اهله من زيارتكم بافضل ما ينقلب به احد من زواركم الذين قصدوا زيارتكم من بعد او قرب سواء كانوا من مواليكم ام من محبيكم ام من شيعتكم ام لا لجواز ان يأتيهم لزيارتهم من ليس من المذكورين بل قد يكون من موالي مواليهم او من موالي محبيهم او شيعتهم او من محبي مواليهم او محبي محبيهم او محبي شيعتهم فان هؤلاء وان كانوا اضعف الا انهم يقع منهم حال الزيارة اعتقاد او ازراء من بعض الزائرين او المحبين وتنكسر قلوبهم بذلك الازراء فيقبل منهم عملهم افضل من الذين ازروا عليهم او ان عطف مواليكم عطف تفسيري يعني من زواركم من مواليكم ومحبيكم وشيعتكم وقد يراد بافضل ما ينقلب به احد من زواركم من اجر زيارتكم ومحبيكم من اجر محبتكم وشيعتكم من اجر متابعتهم لكم وتسليمهم لكم وموالاتهم لكم والبراءة من اعدائكم والمراد من ذلك كله اجعلني من نوع من انقلب بافضل ما ينقلب به احد من الخلق بخير من خيرات الدنيا والاخرة كنتم سببه ومنشأه ومبدءه ومأويه ومنتهاه واتى بانقلب بصيغة الماضي في الدعاء للتحقق اعتمادا وثقة في الرجاء في الله تعالى وفيهم عليهم السلام وفي زيارتهم واتى بالمضارع في قوله بافضل ما ينقلب به احد للسؤال لما يتجدد من العطايا من الله تعالى بهم عليهم السلام لزوارهم ومحبيهم وشيعتهم على استقبال الاوقات يعني انقلبت بالله تعالى من زيارتهم الى اهلي كواحد من نوع من انقلب من زيارتهم بالله تعالى الى اهله بافضل ما ينقلب به الوفاد عليهم عليهم السلام من العطايا والتحف الظاهرة والباطنة للدنيا والاخرة من زوارهم ومحبيهم وشيعتهم الى يوم القيمة او الى قيامهم ورجعتهم عليهم السلام

قال عليه السلام : ورزقني الله العود ثم العود ابدا ما ابقاني ربي بنية صادقة وايمان وتقوى واخبات ورزق واسع حلال طيب
قال الشارح المجلسي (ره) بنية صادقة متعلق بالعود او بابقائي واخبات اي خضوع تام انتهى

قوله ورزقني الله دعاء بان يرزقه ويوفقه لان يعود لزيارتهم ثم يعود ثم يعود ابدا اي دائما ما ابقاه في الدنيا بحيث لا يكون جافيا لهم عليهم السلام بترك زيارتهم ويكون الباعث الى زيارتهم النية الصادقة بان يكون الباعث على ذلك طاعة الله تعالى وصلة نبيه صلى الله عليه وآله وصلة اهل بيته عليهم السلام متقربا بذلك الى الله تعالى بان يكون عوده لزيارتهم مصاحبا للنية الصادقة من القلب والايمان والتقوى والاخبات خاضعا خاشعا لله تعالى ثم لهم منقادا مسلما مفوضا غير متردد ولا مشكك ولا مرتاب في شيء مما ندب اليه ولرزق واسع حلال طيب يكون زادا للسفر الى زيارتهم ليكون زادا للسفر الى الاخرة والحلال الطيب له عند اهل الشرع عليهم السلام اطلاقان يطلقونه ويريدون به ما هو في نفس الامر كذلك وهذا قوت النبيين والمرسلين والائمة صلى الله على محمد وآله وعليهم فالداعي من غيرهم للرزق يحرم عليه طلب ذلك لانه هو الحلال وغيره قد يكون حلالا على سائر الناس وهو عليهم حرام فاذا قصد الحلال الواقعي لا غيره كان طالبا لرتبة النبيين وذلك ممنوع بخلاف ما لو قصد الرزق الحلال شرعا وهو الواقعي التشريعي بمعنى ما حكم الشرع بحليته في ظاهره وهو الاطلاق الثاني فانه لا بأس به بل مندوب اليه فالاول هو كالحكم الواقعي الوجودي لا يكلف به الا من كان معصوما ولا يجوز له المصير الى الواقعي التشريعي الا بالتوقيف من الوحي الخاص من قبل الله تعالى لمصالح ترجحه على الواقعي الوجودي بعد الاطلاع عليه والثاني هو كالحكم الواقعي التشريعي فانه حكم من لم يكن معصوما فالرزق الحلال الطيب الواقعي لا يصلح طلبه لغير المعصوم لانه طلب لرتبتهم والرزق الحلال الطيب التشريعي هو ما حكم في ظاهر الشرع بكونه حلالا والفرق بين الطلب المنهي عنه والطلب المندوب اليه ان يطلب الحلال الواقعي الوجودي لا غير فهذا لغير المعصوم عليه السلام منهي عنه اذا قصده لا غير فانه حينئذ طالب لما اختص به اهل العصمة وهو محرم والثاني ان يطلب الحلال سواء كان خصوص ما حكم الشرع بكونه حلالا في الظاهر ام مطلقا من دون تعيين خصوص الوجودي فلا بأس به لانا لا نمنع منه لو اتفق وانما المنهي عنه طلب الخاص وفي الكافي بسنده الى البزنطي قال قلت لابي الحسن عليه السلام جعلت فداك ادع الله عز وجل ان يرزقني الحلال فقال اتدري ما الحلال فقلت جعلت فداك اما الذي عندنا فالكسب الطيب قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول الحلال قوت المصطفين ولكن قل اسألك من رزقك الواسع وفيه بسنده الى معمر بن خلاد عن ابي الحسن عليه السلام قال نظر ابو جعفر عليه السلام الى رجل وهو يقول اللهم اني اسألك من رزقك الحلال فقال ابو جعفر عليه السلام سألت قوت النبيين قل اللهم اني اسألك رزقا واسعا طيبا من رزقك ه‍ وظاهر هاتين الروايتين النهي عن طلب الحلال الخاص وقال بعض العلماء لا ينبغي ذلك وظاهر عبارته مرجوحيته وفي كتاب الوافي للملا محسن هكذا بيان لما كان للحلال مراتب بعضها اعلى من بعض واطيب جاز الامر بطلبه تارة والنهي اخرى ويختلف ايضا بحسب مراتب الناس في اهليتهم له ولطلبه فلا تنافي بين الاخبار ه‍ وفيه في باب طلب الرزق بالدعاء والقرءان قال بيان التعقيب الدعاء بعقب الصلوة وقد مضى في كتاب الصلوة صلوات ودعوات وقراءات لطلب الرزق وانه ينبغي ان يطلب الرزق الواسع الطيب دون الحلال لان الحلال قوت النبيين والمصطفين انتهى وظاهر الروايتين والكلام المذكور من عباراتهم كراهة الدعاء بقصد الحلال الخاص والذي يشير اليه الادلة ببواطنها هو التحريم لانه طلب ما يختص به المعصومون عليهم السلام وهو تعدي الحد العام وما ورد من جواز الطلب ومشاركة المعصومين (ع) للمؤمنين فمن الاول ما ذكر في هذا الوداع الذي نحن بصدده وما في الكافي بسنده الى ابن‌عمار قال سألت ابا عبد الله عليه السلام ان يعلمني دعاء للرزق فعلمني دعاء ما رأيت اجلب للرزق منه قال قل اللهم ارزقني من فضلك الواسع الحلال الطيب رزقا واسعا حلالا طيبا بلاغا للدنيا والاخرة صبا صبا هنيئا مريئا من غير كد ولا من من احد من خلقك الا سعة من فضلك الواسع فانك قلت واسئلوا الله من فضله فمن فضلك اسأل ومن عطيتك اسأل ومن يدك الملأ اسأل ه‍ وهذا لا ينافي عدم جواز طلب الخاص لان المراد به العام ومن الثاني ما في مجمع الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله ان الله طيب لا يقبل الا طيبا وانه امر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال يا ايها الرسل كلوا من الطيبات وقال يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ه‍ والمراد به العام وليس ما امر به المؤمنين من الطيب الخاص بل من العام وما ذكرنا من ان ما يختص باهل العصمة عليهم السلام لا يجوز لغيرهم طلبه والا لم يكن مختصا لا اشكال فيه وتوقف من توقف انما هو في ان هذا اعني الحلال هل هو مختص ام لا والاخبار كما سمعت

قال عليه السلام : اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلوة عليهم واوجب لي المغفرة والرحمة والخير والبركة والفوز والنور والايمان وحسن الاجابة كما اوجبت لاوليائك العارفين بحقهم الموجبين طاعتهم الراغبين في زيارتهم المتقربين اليك واليهم

اقول سؤاله يمكن تصحيح اجابته ابدا كما تقدم والاعتراض ان يقال اذا جاز اجابته في كل مرة يجب ان لا يموت الى يوم البعث لتتصل زيارته بالاخرة التي لا انقطاع لها ولا نفاد وقد قامت الادلة القطعية على انه يموت فيجب ان يكون بعد الزيارة التي مات بعدها في وداعها لم يستجب دعاؤه والجواب ان الوداع الذي توفي بعده يجوز انه استجيب له ولا يكون اخر العهد بل يجوز ذلك ويزورهم في البرزخ ويوم القيمة يزورهم في الجنة او يكتب له اجر الاستجابة بان يجمع بينهم في الجنة وقوله عليه السلام وذكرهم يعني في الزيارة باسمائهم وكناهم والقابهم وصفاتهم وفي الدعاء بحقهم وفي ذكر الله سبحانه باسمائه فانهم اسماؤه فمن ذكر الله فقد ذكرهم وقد تقدم في الزيارة من اراد الله بدء بكم وكذا قوله (ع) والصلوة عليهم بظاهر الصلوة مثل اللهم صل على محمد وال محمد وبباطنها مثل جميع ما ذكر الله به من كل ذكر فانه عند من عرفهم يكون كل ذكر لله تعالى فهو ثناء عليهم كما ورد في حق الملائكة في قوله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وآله ما معناه قيل له عليه السلام اذا كانت الملائكة كما ذكرهم الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون فمتى يصلون على النبي (ص) فقال عليه السلام ان الله سبحانه لما امرهم بالصلوة عليه اوحى الى الملائكة ان نقصوا من تسبيحي وتهليلي وتمجيدي بقدر صلاتكم على محمد وال محمد صلى الله عليه وآله فاذا قال اللهم صل على محمد وال محمد فقد سبح الله وهلله ومجده فمعنى الصلوة على محمد وال محمد تسبيح الله وتكبيره وتهليله وتحميده وتمجيده والثناء عليه باكمل اسمائه وصفاته ومعنى تسبيح الله وتكبيره وتهليله وتحميده وتمجيده والثناء عليه باكمل اسمائه وصفاته اللهم صل على محمد وال محمد وفي معاني الاخبار بسنده الى موسى بن جعفر قال قال الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام من صلى على رسول الله صلى الله عليه وآله اني انا على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله الست بربكم قالوا بلى ه‍ ومعنى قوله لاجعله الله الخ لا اخلاني في كل احوالي من ذلك في الدنيا والاخرة بظواهرها وبواطنها واوجب لي الخ اي اوجب لي مغفرة ذنوبي وسيئاتي وجميع تقصيراتي بما تفضل علي من ولايتهم ومحبتهم ووفقني له من زيارتهم وذكرهم والصلوة عليهم وادخالي في رحمته الواسعة التي هي ولايتهم ومحبتهم والبراءة من اعدائهم وافاضة خيره وبركته في احوال مبدئي ومعادي وحصول الفوز لي بما فاز به ببركتهم عباده الصالحون وبث النور في غيبي وشهادتي بهم من آثار ولايتهم ومحبتهم وكتابة الايمان في قلبي بروح منه بواسطتهم وتوفيقي لحسن اجابته بهم واجابتهم بهدايته تعالى ومعنى قوله كما اوجبت الخ انك يا متفضل اوجبت لاوليائك الذين والوا فيك اوليائك واوليائهم اجابة لامرك العارفين بحقهم بما دللتهم عليه من معرفتهم ومعرفة حقهم فانك قد وصفت نفسك لهم بذلك فعرفوك بمعرفتهم وعرفوا حقك بمعرفة حقهم والموجبين لطاعتك بايجاب طاعتهم الراغبين في زيارتهم بما رغبتهم فيها وندبتهم اليها طمعا في وعدك المتقربين اليك بطاعتهم ومحبتهم وولايتهم واليهم باجابتك وطاعتك فيما امرتنا به من ايجاب حقهم واجلالهم واحلالهم المحل الرفيع الذي احللتهم فيه فجعلتهم وجهك الذي يتوجه اليه من قصدك وبابك الذي تؤتي منه وطريقك الموصل اليك وسبيلك القصد المستقيم

قال عليه السلام : بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي اجعلوني في همكم وصيروني في حزبكم وادخلوني في شفاعتكم واذكروني عند ربكم

اقول قد تقدم الكلام في شرح الزيارة على قوله بابي انتم وامي الخ يعني افديكم بابي وامي ونفسي واهلي ومالي مما تكرهون وهو دعاء منه ويجوز ان يكون اخبارا اجعلوني في همكم اي فيمن تعتنون به وتهتمون به ممن يكون على بالكم في الدعاء والامداد بالتوفيق لما يحب الله عز وجل وتحبون من جميع ما تريدون مني مما اراده الله مني بواسطتكم وفي الشفاعة لي عند ربكم في ذنوبي وايرادي الحوض في الدنيا والاخرة وسقيي منه بكأسهم ( بكأسكم ظ ) واصداري ريانا وادخالي الجنة سالما بشفاعتكم وجاهكم عند الله تعالى وقوله وصيروني في حزبكم اجعلوني في المتوالين بكم المطيعين لله ولكم المحبين لكم المبغضين لاعدائكم ولاوليائهم اي انقلوني من حالة العموم الى حالة الخصوص من طائفتكم وحزبكم وجندكم الاغلب وقوله وادخلوني في شفاعتكم اي اجعلوني في جملة من تشفعون له من عصاة محبيكم ومواليكم المعتمدين على حبكم الراجين شفاعتكم واذكروني عند ربكم اي اذكروني في الشفاعة بخصوصي باسمي واسم ابي عند ربكم لتخصوني بوجه خاص بي من جاهكم لا نال الفوز ببركتكم وجاهكم عند الله سبحانه

قال عليه السلام : اللهم صل على محمد وال محمد وابلغ ارواحهم واجسادهم مني السلام والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل

اقول قد تقدم الكلام في بيان الصلوة على محمد وال محمد صلى الله عليه واله واما اللهم فالمراد منه الله وهو منادي الحق بالميم المشددة لطلب اقبال المدعو ليسأل منه المطلوب فافادت الميم المشددة شيئين احدهما طلب الاقبال فاغنت عن حرف النداء لافادته مفاده وثانيهما الدلالة على ان الطلب للسؤال منه حاجة السائل فاللهم مفيد فائدة يا الله اطلب منك حاجتي وهي كذا ويا الله انما يفيد طلب الاقبال عليه والتوجه اليه من غير افادة السؤال ولهذا يترجح اللهم في ارادة المبالغة في الدعاء على يا الله وحذفت يا تخفيفا بعد وجود ما يفيد مفادها وادخالها مع الميم المشددة قليل في الاستعمال فانهم انما حذفوها تخفيفا وكراهة للجمع بين العوض والمعوض ولقلة فائدتها لوجود فائدتها في الميم ولا توجد فائدة الميم فيها ومن اتى بها كما في قول الشاعر :

اني اذا ما حدث الما اقول يا اللهم يا اللهما

قصد التأكيد في ارادة التوجه والاقبال ولضرورة الشعر ولانه جمع بين يا وبين الميم بلحاظين بلحاظ الابتداء اتى بيا وبلحاظ الدعاء اتى بالميم وقولي قليل في الاستعمال انه قياسي ولكن لاجل التخفيف غلب في الاستعمال الحذف وليس فيه في الحقيقة جمع بين العوض والمعوض لان الميم لم يؤت بها للعوض عن يا وانما اتى بها للمبالغة في طلب الاقبال والتنبيه عليها قبل ذكرها ولكنها لما افادت فائدة وهو طلب الاقبال وتوجه المدعو للدعاء استغنوا عنها طلبا للتخفيف وانما قطعت الهمزة في يا الله لانها وان كانت على الصحيح انها همزة وصل ولكنها للزومها للاسم طلبا لملازمة التعريف ليلحق بالاعلام بل هو اسم علم بالتغليب كما قال الصادق عليه السلام في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم والله علم على الذات الواجب الوجود الحديث كانت كالاصلية فعوملت معاملة همزة القطع لاجل لزومها ولاجل ان استعمالها بصورة القطع ابلغ في الدعاء وطلب الاقبال من المدعو وتوجهه للداعي وهذا الوجه اوجه من غيره ولاجل هذا كانت توصل في غير النداء مثل بالله ومن الله والى الله مع مراعاة الملازمة للتعريف وانما وصلها الشاعر لضرورة الشعر

وقوله عليه السلام : وابلغ ارواحهم اي اوصل ارواحهم واجسادهم سلامي والارواح جمع روح بضم الراء سميت بذلك لمجانستها للريح في اللطافة كما قال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم حين سأله ما هذا النفخ في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي وما ورد عنهم عليهم السلام ان روحهم واحدة لا ينافي الجمع هنا لان الجمع باعتبار كل فرد منهم والافراد باعتبار عدم الاختلاف والتغاير فيها لان جميع ارواحهم من حقيقة واحدة هذا في الشهادة وفي الغيب انما هي واحدة كانت هناك واحدة من متعددين هنا كما كانت صورة المرئي الواقعة عليه من عيني الرائي واحدة من صورتين كل عين فيها صورة غير الاخرى فانك اذا نظرت وقابلت المرئي انطبعت صورته في كل عين فكانت فيك اي في عينيك صورتان فان شخصت في المرئي اي تحققت الرؤية والادراك انطبقتا عليه وان لم تشخص رأيته اثنين فكذلك هم في الاجساد متعددون كصورتي المرئي الواحد في عينيك وهم في الغيب متحدون كالواقع على المرئي من عينيك

واعلم ان الروح قد اختلف العلماء في معرفة حقيقتها اختلافا كثيرا ربما عداها بعضهم الى اربعة عشر قولا او اكثر والحق انها جسم مجرد ولونها اصفر وشكلها المعنوي صورة قائم الزاوية هكذا وصورتها قبل التكليف بالست بربكم كهيئة ورق الاس هكذا ولهذا ورد في اخبار اهل العصمة عليهم السلام تسميتها بورق الاس وبالاظلة وهي في الغيبي للانسان كالمضغة في الوجود الجسماني شكلا ورتبة فالدعاوي هنا خمس اشير لك الى بيانها على جهة الاختصار من غير ذكر الدليل على كل دعوى لان ذلك مما يطول ذكره ولو ذكرناه صعب عليك ادراك المعنى منه لانه لا يذكر الا بدليل الحكمة واما دليل المجادلة فلا يفيد هنا شيئا وان كان بالبرهان القطعي فمن طلب هذه الامور بغير دليل الحكمة اخطأ الصواب ولم يعلم اخطأ ام اصاب واما دليل الحكمة فان كنت عارفا به فهمت مرادي بمجرد الذكر وانتقش وجودها بفؤادك عن قلبك في نفسك وخيالك وان لم تكن عارفا به فلا تفهم شيئا منها قط

فاقول وبالله المستعان الاول قولي انها جسم فمن النقل قول الصادق عليه السلام انها جسم لطيف البس قالبا كثيفا واما من الحكمة فلانها جوهر لا عرض وهي مركبة من مادة وهو النور الاصفر ومن صورة وهي هيئة ورق الاس ولا نعني بالجسم الا المركب من مادة وصورة فانه تلزمه الابعاد الثلاثة في كل شيء بحسبه وايضا لها حيز من نوعها وهو ارض الورق الاخضر ولها وقت من نوعها وهو الدهر هي في وقتها ومكانها كفلك الثوابت في زمانه ومكانه هذا اذا اريد بالروح البرزخ بين العقل والنفس اما اذا اريد بها العقل كما في قوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله روحي فكالعقل بل هي العقل او اريد بها النفس كما تقول قبض ملك الموت روحه فكالنفس بل هي النفس والعقل وقته اول الدهر كفلك المحدد للجهات زمانه اول الزمان واعلاه والطفه والنفس وقتها وسط الدهر كالافلاك السبعة زمانها وسط الزمان في اللطافة والكثافة والروح ليست مفارقة كالعقل بل هي متعلقة بالعقل ولها نظر الى الاجسام بفعلها فهي في نفسها شكلها شكل الكرة كما هو شأن كل كامل الا انها منجذبة باسفلها الى جهة الاجسام وباعلاها الى جهة العقل فامتد شكلها ولما كان اعلاها الطف من اسفلها لقربه من العقل كان امتداده دقيقا للطافته واسفلها لما كان غليظا كثيفا بالنسبة الى اعلاها لقربه من جهة الاجسام كان امتداده عريضا فكان شكلها الصوري كهيئة ورق الاس كما مثلنا لك فافهم

الثاني قولي مجرد فمن النقل قول امير المؤمنين صلوات الله عليه كما رواه الشيخ عبدالواحد بن محمد بن عبدالواحد الاسدي في كتابه الغرر والدرر قال عليه السلام وقد سئل عن العالم العلوي صور عالية عن المواد عارية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث واما من الحكمة فمرادنا بانها جسم مجرد ما ارادوا يعني القائلين بوجود المجردات من ان المراد بالمجرد هو المجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية لا المجرد عن مطلق المادة ومطلق الصورة فقول صاحب البحار رحمه الله في كتاب العقل بتكفير من اثبت مجردا غير الله تعالى ونفي وجود هذا في الاخبار غفلة منه لانهم انما ارادوا انه مجرد عن المادة العنصرية التي هي تحت الافلاك وهو يقول به في كثير من المخلوقات منها الافلاك كلها والكواكب كلها اجسام وهي مجردة عن المادة العنصرية وكذلك الاعراض والالوان وكذلك نور محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله خلقها الله قبل الافلاك وقبل العناصر وقبل الزمان كما تدل عليه الاخبار الكثيرة وكذلك كثير من الملائكة وكذلك القلم واللوح والعرش والكرسي وغير ذلك وانكار وجوده في الاخبار وقع غفلة كيف وقد اوردت لك قول امير المؤمنين عليه السلام صور عالية عن المواد عارية عن القوة والاستعداد وغير ذلك كما في كلامه عليه السلام للاعرابي الذي سئله عن النفس وحديث كميل وامثال ذلك فمن كتب الله له فهم ذلك عرف فاي دليل اصرح من هذا وقد رواه هو بنفسه

الثالث قولي لونها اصفر فمن النقل ما في الكافي بسنده الى عمار بن مروان قال حدثني من سمع ابا عبد الله عليه السلام في حديث طويل الى ان قال عليه السلام ثم يسل يعني ملك الموت نفسه سلا رفيقا ثم ينزل كفنه من الجنة وحنوطه من الجنة بمسك اذفر فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة الحديث والمراد بالمكسي حلة صفراء من حلل الجنة الروح والمعنى ان الروح كان لونه اصفر انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين فلما دخلت في الجسد بعد ما تمت خلقتها كانت خضراء بسواد كثرة الحدود مع صفرتها فلما فارقت رجعت على لونها ومعنى ان ملك الموت يكسوها حلة صفراء الكناية عن قبضها من الجسد ورجوعها على لونها الاصلي واما من الحكمة فلان العقل نور ابيض كناية عن شدة بساطته والروح نور اصفر لانه اول تنزل العقل فلما نزل حصلت فيه كدورة النزول فانه في الروح كالنطفة في الجسد في كمال البساطة والروح في الغيب كالمضغة في الجسد وهي تنزل النطفة واول تخلق الصورة واول التخطيط المعبر عنه في حديث علي بن الحسين عليه السلام في انوار العرش ونور اصفر اصفرت منه الصفرة والنور الابيض في حديثه هو العقل ونور اخضر اخضرت منه الخضرة هو النفس لاجتماع صفرة الروح مع سواد الكثرة فحدث منهما الخضرة والنور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة نور الطبيعة لاجتماع بياض العقل مع صفرة الروح كاجتماع الزيبق مع الكبريت الاصفر فيحدث منهما الزنجفر فافهم

الرابع قولي وشكلها المعنوي صورة قائم الزاوية هكذا ليس في ظاهر النقل فيما اطلعت عليه شيء يدل على ذلك واما في باطنه فما من شيء الا وفيه كتاب او سنة وعلماء الفن ذكروا هذا وهو مستفاد من اشارات الاخبار مثل ما ذكرنا من ان العقل يسمى بالقلم ويسمونه بالالف القائم كناية عن بساطته وصورته هكذا واللوح يسمى بالالف المبسوط وبالباء من بسم الله الرحمن الرحيم روى ابن ابي جمهور في المجلي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وهي اللوح وسمي بالالف المبسوط عبارة عن الكثرة التي فيه من النقوش والصور وصورته المعنوية هكذا

والروح لها اعتباران اعتبار كالعقل في كونه الفا قائما واعتبار كالنفس في كونها الفا مبسوطا فالروح صورته بينهما يعني بين وبين فيكون هكذا

الخامس قولي وصورتها قبل التكليف كما اشرنا اليه في الاول وهذا اقل ما يشار به الى ما ذكرنا من صفات الروح ويأتي له تتمة في ذكر الاجساد وقوله عليه السلام : واجسادهم والمراد المدفونة في القبور وقد تقدم في شرح الزيارة الاشارة الى شيء من البيان وهي جمع جسد ويطلق على الاجسام او على ما حلته الروح وذكرنا قبل الاختلاف هناك والجسد جسدان جسد عنصري بشرى مركب من العناصر الاربعة التي هي تحت فلك القمر وهذا يفنى ويلحق كل شيء الى اصله ويعود اليه عود ممازجة واستهلاك فيعود ماؤه الى الماء وهواؤه الى الهواء وناره الى النار وترابه الى التراب ولا يرجع لانه كالثوب يلقي من الشخص والثاني جسد اصلي من عناصر هورقليا وهو كامن في هذا المحسوس وهو مركب الروح وهو الباقي في قبره مستديرا مترتب الوضع كترتبه في الشخص حال حياته مثلا اجزاء الرقبة بين اجزاء الرأس واجزاء الصدر واجزاء الصدر بين اجزاء الرقبة واجزاء البطن واجزاء البطن بين اجزاء الصدر واجزاء الرجلين وهكذا الاجزاء في انفسها مرتبة وهو المراد من كونها باقية في قبره مستديرة فاذا كان يوم القيمة الف اجزاء هذا الجسد الذي بدأه اول مرة حتى يكون بصورته في الدنيا ثم تتعلق به الروح فيقوم للحساب وهذا الجسد هو الذي يتألم ويتنعم وهو الباقي وبه يدخل الجنة او النار وهو المراد هنا وان كان له تصفية ثانية للاخرة لانه ظاهرا من جنس البرزخ وهو جسدك هذا وقشره كثافته وهو الجسد العنصري البشرى الفاني وهذا الجسد الثاني يقال عليه الجسم كما في بعض الزيارات يقال والسلام على ارواحكم واجسامكم والمراد بها الاجساد الباقية في القبور وهي من عناصر البرزخ المعبر عنه بجنة الدنيا وبنار الدنيا المشار اليهما في القرءان في قوله في جنة الدنيا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده ما تيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وهذه جنة الدنيا لان الاخرة ليس فيها بكرة وعشي ثم اخبر تعالى ان جنة الدنيا هذه هي جنة الاخرة فقال تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا فاشار الى ان هذه التي فيها بكرة وعشي هي الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا اي يوم القيمة وفي نار الدنيا في قوله وحاق بال فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة فاخبر انهم يعرضون عليها غدوا وعشيا وهذا في الدنيا ويوم تقوم الساعة في الاخرة فجنة الدنيا هي جنة الاخرة بعد التصفية ونار الدنيا هي نار الاخرة بعد التذكية وبعد اذهاب ما فيها من برودة البرزخ ورطوبته وذلك كما ان جسدك هذا هو جسد الدنيا وهو بعينه هو جسد الاخرة بعد التصفية وهو لطيف اسفله في اللطافة مساو لمحدب محدد الجهات في اللطافة فافهم واما الروح التي يقبضها ملك الموت فهو الانسان وقلنا انها جسم لطيف لانها مركبة من ستة اشياء مثال وهيولي وطبيعة ونفس وروح وعقل فاذا اخذها الملك ارسلها في ذلك العالم وتبقى ساهرة لا تنام كما قال جعفر بن محمد عليه السلام في قوله تعالى فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة فان كان ممن محض الايمان محضا او محض الكفر محضا بعث في الرجعة ثم يموت او يقتل فاذا مات او قتل رجع الى الساهرة الى ان ينفخ في الصور فاذا نفخ اسرافيل في الصور نفخة الصعق جذب بنفخته الارواح كل روح الى ثقبها الذي خرجت منه من الصور حين نفخ الحيوة في الدنيا وفي ذلك الثقب ستة بيوت يدخل في الاول المثال وفي الثاني جوهر الهباء الذي هو المادة والهيولي وفي الثالث الطبيعة وفي الرابع النفس وفي الخامس الروح وفي السادس العقل فتبطل الارواح وذلك بين النفختين اربعمائة سنة فاذا نفخ اسرافيل في الصور نفخة البعث دفعت النفخة العقل حتى دخل في الروح ودفعتهما حتى دخلا في النفس ودفعت الجميع حتى دخلت في الطبيعة ودفعت الجميع حتى دخلت في المثال فقامت سوية وطارت حتى دخلت الروح في الجسد ومجموع هذه الستة ثلاثة منها هي جسم مجرد وهو مجموع النفس والطبيعة والمادة والمثال صورته والعقل روحه في الروح وهذا الجسم اللطيف يلحقه بعض التصفية في جهة الطبيعة والمادة فيلقى منها عند النفخة الثانية الجسم الثاني بالتصفية لانه بشرية برزخية لا تلحق بذات المكلف لانها من احكام الرتبة كما ان الجسد العنصري من احكام الدنيا ولوازمها فلا يخرج منها كذلك الجسم الاول البرزخي فانه من احكام البرزخ فلا يخرج منه ولا تخرج الروح من الصور الا بعد ان تتصفى من كدورات الطبيعة والمادة وهذه الكدورات هي الجسم الاول الذي لا يلحق بالانسان فكان الجسد جسدين الاول فان في الدنيا والثاني باق ابدا وللروح المقبوضة جسمان الاول فان في البرزخ والثاني باق ابدا ومثال الاول من الجسدين ومن الجسمين كالوسخ المتعلق بالثوب يغسل الثوب فيذهب الوسخ لا حاجة فيه ولا فائدة بل فيه تنقيص الثوب في لونه وقيمته فاذا ازيل طهر الثوب وزكا فقوله وابلغ ارواحهم واجسادهم يريد الارواح والاجساد الباقية التي هي الانسان لا ما لحقه مما ليس منه حقيقة وانما لحقه بحكم المكان وذلك لان هذا اللاحق لا يشعر بلذة ولا الم وليس من الانسان واعلم ان ما اشرنا اليه هو الروح والجسد الجزئيان والمراد في الوداع وفي الزيارة هما الكليان وذلك في المعصومين من اهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وليس المراد بالكلي والجزئي الكلي والجزئي اللذان يبحث عنهما الحكماء والعلماء في كتب المنطق وما اشبهه لان ذلك الكلي معنى ذهني ظلي منتزع من افراده الخارجة حين لاحظ الذهن في الافراد معنى تساوت فيه اخذ صورته عنده يحكم به عليها في علمه باعتبار ما اشتملت عليه منه واما هذا الكلي فالمراد منه الذات القائمة التي لها امثال وصفات من ظهوراتها قامت تلك الامثال بتلك الذات الشريفة كقيام الاشعة واظلتها من الشمس بالشمس فارواح الانبياء والمرسلين عليهم السلام اشعة ارواح محمد وآله صلى الله عليه وآله وامثلتها ومظاهرها وارواح المؤمنين اشعة ارواح الانبياء والمرسلين فارواح المؤمنين اشعة اشعة ارواحهم صلى الله عليهم اجمعين وباقي الكلام قد تقدم الكلام عليه في شرح الزيارة ولنقبض عنان القلم على ما اراد الله سبحانه لنا من اثبات ما حصل من شرح الزيارة الجامعة الكبيرة وشرح وداعها والحمد لله رب العالمين جعله الله زادا ليوم الدين ونفع به طالبي البيان واليقين من عارفي المؤمنين

وفرغ من تسويده مؤلفه العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر المطيرفي الاحسائي في الليلة التاسعة عشرة من شهر ربيع المولود صلى الله عليه وآله سنة ثلاثين ومائتين والف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله افضل الصلوة وازكى السلام حامدا مصليا مستغفرا
تمت

المصادر
المحتوى