
من مصنفات
الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي
حسب جوامع الكلم – المجلد الرابع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وصلى الله على الامين محمد وآله الميامين الذين بينوا الدين واوضحوا الحق المبين بالادلة الموصلة الى اليقين صلى الله عليه وعليهم اجمعين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان جناب المحترم الممجد والمعظم المسدد الاخوند الملا مشهد بن المرحوم المبرور العلي الملا حسين علي الشبستري رفع الله قدره وشأنه وعلا في درجات المعالي والتوفيق مكانته ومكانه قد التمس مني ادام الله توفيقه وجعل امداده بكل ما تقر به العين من احوال الدارين رفيقه ان اشرح الرسالة المسماة بالعرشية للعالم الجليل الفاخر والحكيم المتوغل الماهر محمد بن ابراهيم الشيرازي المعروف بملا صدرا التي وضعها في بيان النشأة الاخرى مع ما انا عليه من الاشتغال بكثرة الاعراض ومداومة الامراض مضافا الى قلة البضاعة وكثرة الاضاعة فاستعفيته مرة بعد اخرى فلم يعفني من ذلك وحيث لا يمكنني رده بالاكراه اجبته على حسب ما يسهل علي من المقدور اذ لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور
قال المصنف : { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا ممن شرح صدره للاسلام فهو على نور من ربه واوجدنا من عباده الذين اتاهم رحمة من عنده وعلما من لدنه وهداهم الى صراط الله الحق باليقين وجعل لهم لسان صدق في الاخرين }
اقول كلامه هذا كله مقتبس من ايات القرءان واشار بقوله { ممن شرح صدره للاسلام } الى ان ما يخوض فيه من الابحاث من تحقيقاته صادر عن البراهين القطعية الناشية عن العلوم اللدنية التي هي ثمرات الرحمة العندية اقتبسه مما قال تعالى للخضر عليه السلام في قوله فوجدا عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وانما ادعى ذلك لانه يرى ان ما اداه نظره اليه حق لا شك فيه لان ذلك النظر كان عن الكشف بسبب التدبر في الافاق وفي الانفس والعلم الناشئ عن ذلك هو العلم اللدني واقول ان الكشف على قسمين قسم يكشف الناظر به عن حقيقة ما يتدبر فيه وينظر وليس له لحاظ غير ذلك فاذا انقطع عما سوى تدبر الاية ظهر له بعض ما فيها من الايات والعنوانات لان كل شيء خلقه الله تعالى في تقدير الله جعله دليلا ومدلولا عليه وشاهدا ومشهودا وكتابا ومكتوبا وبيانا ومبينا وتابعا ومتبوعا وعارضا ومعروضا وعلة ومعلولا وامثال هذه فاذا نظر في الاية متدبرا لها غير ملتفت الى ما يفهم قبل ولا الى قواعد عنده ولا الى ما انست به نفسه من المسائل فانه ينفتح له بنسبة اقباله واخلاصه في اقباله وما حصل له من الايات والدلالات فلا شك في صحته وقطعيته وذلك العلم لدني قال سبحانه وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين وقال تعالى في الحديث القدسي من اخلص لله العبودية اربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه الحديث وهذا هو الذي يصح فيه قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين وقسم يكشف الناظر به عن حقيقة خصوص مقصوده فان انقطع في النظر في الافاق وفي الانفس تحصيلا لتصحيح معاندته ومكابرته للحق او للغير حصل له شبه قوية وعبارات متينة وتدقيقات خفية تؤيد باطله لا يكاد يتخلص منها ويردها ويعرف وجه بطلانها الا صاحب الكشف الاول والافاق والانفس وان كانتا لم يخلقا باطلا ولا عبثا الا انه سبحانه لما اجرى حكمته على الاختبار والامتحان ليميز الخبيث من الطيب فقال تعالى ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ولان الخبيث يشابه الطيب قال تعالى ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة وقال تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة فشبه كلا منهما بالشجرة وكذا في اية فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل وذلك لما بين الضدين من كمال المعاكسة حتى انه يعرف الشيء بضده وكل ذلك لفائدة التمييز والاختبار ولذا قال عليه السلام لو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك هلك من هلك ونجا من سبقت له من الله الحسنى او كما قال فيعرف المعاند من المشابهات شبها يؤيد باطله ومثل هذا في عدم الاصابة من انقطع في النظر في الافاق وفي الانفس لتحصيل ما يؤيد ما انست به نفسه من الاعتقادات او المسائل فانه يحصل له منهما ما يؤيد ما في نفسه ومثل هذا ايضا من كان عنده قواعد وضوابط لما يعلم ويعتقد فينظر في الافاق وفي الانفس ليحصل له ما يقوي ما عنده من العلوم فاذا ظهر له شيء منهما عرضه على قواعده فان وافق قبله وان خالف تأوله او طرحه ولعل الخطأ في قواعده فالكاشف على نحو واحد من هذه الثلثة لا يكاد يصيب الحق الا نادرا بخلاف الاول فانه لا يكاد يخطئ الحق مع ان كل واحد من الاربعة يدعي الصواب وهي دعوى باطلة الا ان يشهد الله سبحانه بصحتها وذلك بما انزل في محكم كتابه واوحي الى نبيه صلى الله عليه واله والهم اولياءه اهل البيت عليهم السلام فاذا اختلفت الاربعة فعليهم الترافع الى محكم الكتاب والسنة فمن شهدا له بالصدق فهو الصادق ومن لم يشهدا له فاولئك هم الكاذبون والمصنف في كل كتبه ورسائله يدعي المرتبة الاولى ولهذا قال هنا جعلنا ممن شرح صدره للاسلام فهو على نور من ربه وكون المرء على نور من ربه انما يعلم اذا كان سالكا طريقة محمد واهل بيته صلى الله عليه واله بحيث لا يقول الا ما قالوا ويتجنب كل من سواهم فان الذين هداهم الله الى صراط الله الحق باليقين هم محمد واهل بيته الطيبون صلى الله عليهم اجمعين ومن تبعهم في اقوالهم واعمالهم واهتدى بهديهم واستضاء بنورهم لانهم هم الذين احيوا دين ائمتهم عليهم السلام وليس منهم مميت الدين ولا اهل التلوين الذين اخذوا ذات الشمال في سائر الاقوال والاعمال وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وفي عبارته عكس الترتيب الطبيعي حيث جعل الجعل ممن شرح صدره للاسلام مقدما على الايجاد من الذين اتاهم رحمة من عنده واما الذين جعل الله لهم لسان صدق في الاخرين فهم محمد واله صلى الله عليه واله وشيعتهم المتبعون لهم في كل ما اراد الله منهم وهذا انشاء الله تعالى ظاهر لا شك فيه ولا شبهة تعتريه
قال : { والصلوة على خير من انزل عليه الكتاب واشرف من اوتي الحكمة وفصل الخطاب محمد واله الفائزين من ميراث النبوة والحكمة بالحظ الاوفي والقدح المعلي عليهم السلام ولهم الدعاء من الحق الاعلى }
اقول ان المصنف ليس له التفات الى غير مطلبه غالبا ولهذا لم يكن في خطبته ما يدل على براعة استهلال كما يفعله كثير من العلماء حتى ان قوله فيما تقدم { وهداهم الى صراط الله الحق باليقين } لم يرد به الاستهلال والاشارة الى ان ما ذكره في هذه الرسالة الصراط ومعناه وكيفيته ولا عيب في امثال ذلك لانها امور لفظية لم يتعلق بها امر اخروي
وقوله { القدح المعلي } بكسر القاف وهو السابع من سهام الميسر قال الاميرزا محمد المشهدي بن محمد رضا بن اسمعيل بن جمال الدين القمي في تفسيره المسمى بكنز الدقائق وبحر الغرائب في تفسير قوله وان تستقسموا بالازلام من عيون الاخبار عن ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام انه قال كانوا يعمدون الى الجزور فيجزؤنه عشرة اجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعونها الى رجل وهي عشرة سبعة لها انصباء وثلاثة لا انصباء لها فالتي لها انصباء فالفذ والتوءم والمسبل والنافس والحلس والرقيب والمعلي فالفذ له سهم والتوءم له سهمان والمسبل له ثلثة اسهم والنافس له اربعة اسهم والحلس له خمسة اسهم والرقيب له ستة اسهم والمعلي له سبعة اسهم والتي لا انصباء لها السفيح والمنيح والوغد وثمن الجزور على من لم يخرج له من الانصباء شيء وهو القمار فحرمه الله تعالى وفي تفسير علي بن ابراهيم مثله ثم قال بعد كلام ومعنى تجزئته عشرة اجزاء اشتراؤه فيما بين عشرة انفس كما ذكر في حديث الجواد عليه السلام لا تجزئة لحمه والفذ بالفاء والذال المعجمة المشددة والتوءم بالتاء المثناة الفوقانية والهمزة والمسبل كمحسن بالسين المهملة والباء الموحدة والنافس بالنون والفاء والسين المهملة والحلس بكسر الحاء وسكون اللام والسين المهملة وقد يحرك والرقيب بالقاف والراء على وزن فعيل والمعلي بضم الميم وسكون العين وفتح اللام والسفيح بالسين المهملة والفاء والحاء المهملة على وزن فعيل كالمنيح بالنون والحاء المهملة والوغد بالواو والغين المعجمة والدال المهملة وقيل معنى الاستقسام بالازلام طلب معرفة ما قسم لهم بالاقداح يعني السهام وذلك انهم اذا قصدوا فعلا ضربوا ثلثة اقداح مكتوب على احدها امرني ربي وعلى الاخر نهاني عنه وعلى الثالث غفل فان خرج الامر مضوا على ذلك وان خرج الناهي تجنبوا عنه وان خرج الغفل اجالوها ثانيا وفي بعض الاخبار ايماء الى ذلك انتهى وفي الرسالة الفرقية للشيخ يحيى بن عشيرة البحراني من تلامذة الشيخ علي بن عبد العال الكركي ذكر مثل ما تقدم ثم قال رواه علي بن ابراهيم في تفسيره وكانت قريش تستقسم بالازلام في طلب الارزاق وكانوا يتفألون بها في اسفارهم وابتداء امورهم وهي سهام مكتوب على بعضها امرني ربي وبعضها نهاني ربي وبعضها لم يكتب عليه شيء فبين الله ان العمل بذلك حرام انتهى اقول والموجود في كتب اللغة تقديم بعض السهام وتأخير بعض فيجعلون الرقيب هو الثالث والمسبل هو السادس والحلس هو الرابع والنافس هو الخامس كما في القاموس وغيره وفي القاموس ايضا المعلي كمعظم اي بضم الميم وفتح العين ثم اللام المشددة المفتوحة واعلم اني انما اطلت في ذكر القدح المعلي مع عدم فائدة تتعلق منه بما نحن بصدده لاتفاق بعض سألني عنه مكررا فذكرت سؤاله فاستطردت ذكره وعسى ان ينتفع به لو وقف عليه ولكثرة ما تذكره العلماء مثالا لبعض من نال نصيبا وافرا من مطلبه
وقوله { ولهم الدعاء من الحق الاعلى } يحتمل وجوها والمصنف ربما اراد وجها منها او اكثر منها ان دعاء الله سبحانه لعباده باوامره ونواهيه وما ندب اليه مما احب وكره انما هو لهم عليهم السلام اي تأسيس وتشييد لولايتهم وتعريف لمراتبهم وثناء عليهم بالسنة فرائضه وعزائمه ونوافله وهذا الوجه اعلى الوجوه واشرفها وهو طريق اوليائه اليهم عليهم السلام وقيل ان الالواح التي نزلت فيها التورية تسعة اظهر موسى عليه السلام منها سبعة واخفى اثنين والذي اعرف ان هذا الوجه مما في اللوحين المخفيين عن بني اسرائيل ومنها ان الدعاء بل سائر الاعمال لهم عليهم السلام لان جميع اعمال العبد ومكاسبه لسيده لا يملك منها شيئا وعلى السيد القيام على عبده بما فيه بقاؤه والى هذا المعنى اشار عليه السلام في الزيارة الجامعة المختصة بشهر رجب في قوله انا سائلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض يعني تعويض العبيد العاملين على اعمالهم الصحيحة وطريق التصحيح ما دلوا عليه عبيدهم من الاقتداء بهم بان يوقعوا جميع اعمالهم لله سبحانه مخلصين له وحده لا شريك له على طبق ما امرهم تعالى به من الاقتداء بهم والتمسك بحبلهم واخلاص الولاية لهم والبراءة من اعدائهم وقد امروا بذلك عبيدهم عن امر ربهم وخالقهم عز وجل فاذا عملت العبيد اعمالهم على هذا النحو صحت اعمالهم وقبلت اي قبلها الله سبحانه منهم واهداها الى ساداتهم ومواليهم وعلى ساداتهم عليهم السلام تعويضهم عن اعمالهم وحيث كان خلق العبيد لهم فضلا من الله ومنا عليهم وتكرما اتم نعمته عليهم عليهم السلام ان عوض العبيد عن امتثال امره بما فيه بقاؤهم وصلاح دنياهم وآخرتهم وفوض ايصال ذلك اليهم الى ساداتهم عليهم السلام على حسب ما اريهم من تأويل قوله هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ومنها ان الدعاء لهم من الحق الاعلى هو الصلوة عليهم قال تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وذلك في قوله ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فان اريد من الدعاء لهم من الحق صلاته ففي قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وقوله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي وان اريد من الخلق بامر الحق سبحانه ففي قوله تعالى يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اي صلوا عليه وعلى اله وسلموا الامر كله لهم ومنها ان المعنى عليهم السلام والدعاء لهم اي نسلم عليهم وندعو لهم من الله بان يعجل فرجهم ويسهل مخرجهم وامثال هذا من خصوص الدعاء ومنها ان الدعاء لهم من الحق تعالى امر عباده بولايتهم والاقتداء بهم والرد اليهم والتسليم لهم وبالبراءة من اعدائهم
قال : { فيقول العبد الذليل المحتاج الى عفو ربه الجليل محمد الشيرازي المدعو بصدر الدين جعل الله قلبه منورا بنور المعرفة واليقين هذه رسالتي اذكر فيها طائفة من المسائل الربوبية والمعالم القدسية التي انار الله بها قلبي من عالم الرحمة والنور ولم يكن وصلت اليه ايدي افكار الجمهور ولم يوجد شيء من هذه الجواهر الزواهر في خزانة احد من الفلاسفة المشهورين والحكماء المتأخرين المعروفين حيث لم يؤتوا من هذه الحكمة شيئا ولم ينالوا من هذا النور الا ظلا وفيئا اذ لم يأتوا البيوت من ابوابها فحرموا من شراب المعرفة بسرابها بل هذه قوابس مقتبسة من مشكوة النبوة والولاية مستخرجة من ينابيع الكتاب والسنة من غير ان تكتسب من مناولة الباحثين او مزاولة صحبة المعلمين }
اقول قوله { اذكر فيها طائفة من المسائل الربوبية الخ } مثل قوله في المشاعر وقد نبهت على كثير من بطلان دعواه هناك في شرحنا على المشاعر وربما نذكر هنا شيئا يظهر للناظر فيه بطلان هذه الدعوى في كثير من كلامه وانه ماخرج عن طريقة الباحثين والمعلمين الا في بعض المواضع فانه خرج عن بعض كلامهم الى اسوء مما قالوا واقبح مما ذكروا وان كان قولهم اكثره لا يجري على قواعد الدين ولا ينطبق على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه واله اجمعين وذلك لان دعواه انه لا يقول الا بقول محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله الطيبين ولو كان الامر كما قال لماذهب الى ان الخلق من الله سبحانه بالسنخ وهذا المذهب عند اهل البيت عليهم السلام كفر وزندقة ولما قال بسيط الحقيقة كل الاشياء ومعطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته لا في ملكه وامثال ذلك مما ينكرونه ويبرءون منه وممن ذهب اليه ويأتي بيان كثير من بطلان دعواه في مواضعها والمراد بالمسائل الربوبية المسائل التي يبحث فيها عن بيان صفات الربوبية وافعالها والربوبية يطلق على شيئين احدهما الربوبية اذ لا مربوب وهذه هي ذات الله القدسية عز وجل ولا يجوز الكلام عند اهل البيت عليهم السلام فيها لاحد من الخلق لا ملك مقرب ولا نبي مرسل اسمع قول الصادق عليه السلام كما رواه الشيخ في المصباح في دعاء يوم الاربعاء قال عليه السلام اللهم فت ابصار الملائكة وعلم النبيين وعقول الانس والجن وفهم خيرتك من خلقك القائم بحجتك والذاب عن حرمك والناصح لعبادك وفيك الصابر على الاذي والتكذيب في جنبك والمبلغ رسالاتك الدعاء فاذا كان سبحانه فات ابصار الملائكة ان تدركه وعلم النبيين ان يحيط به وعقول الانس والجن ان تميزه وفهم رسول الله صلى الله عليه واله ان يكتنهه فكيف يكتنهه المصنف ولا تتوهم من قوله انه لا يكتنهه احد ولا يدعي ذلك فان تمييزه بالصفات الكاشفة له هو اكتناهه وهو يدعي معرفة حقيقة الوجود وانها حقيقة واحدة فصرف الوجود هو الحق تعالى والوجودات الحادثة انما لحقتها النقائص من مراتب تنزلاتها وبتلك النقائص العارضة لها من مراتب تنزلاتها نسب اليها الحدوث ولفظ الوجود صادق على صرف الوجود وعليها بالاشتراك المعنوي وقوله انها منه بالسنخ وامثال هذه العظائم الدالة على الاكتناه وستسمع كثيرا منها واذا سمعت شيئا مما نقول به من الصفات والاوصاف والاسماء فلا نعني بها الا القسم الثاني مما تطلق عليه الربوبية ولا نريد القسم الاول فانا نعوذ بالله ان نتكلم فيه ونبرأ الى الله تعالى من ذلك وثانيهما الربوبية اذ مربوب ونعني بها الفعل بجميع اقسامه من المشية والارادة والابداع وغيرها والمقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهو المسمى بالعنوان اي الاية والدليل ومع هذا فنتكلم فيهما بما تكلم به محمد واله الطيبون صلى الله عليه واله والمعالم القدسية القول فيها كالقول في المسائل الربوبية
وقوله { التي انار الله بها قلبي من عالم الرحمة والنور } نريد به نحن ما يحصله المؤمن من نور العمل الصالح الخالص المقبول لانه من صبغ الرحمة اي من هيئة الولاية اعني حدود الايمان وامتثال اوامر الله واجتناب نواهيه وهو الماهية المعبر عنها بالصورة لان الماهية هي صورة الاجابة او الانكار فان اجاب حين قال تعالى له الست بربك ومحمد نبيك وعلي وذريته الطيبون اولياؤك وائمتك صور على هيئة الولاية وهي المراد من الصبغ في الرحمة كما ذكره جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته الحديث وهو صورة الاجابة بالاقوال المرضية والافعال الزكية والاعمال الصالحة وان انكر ذلك صور على هيئة العداوة وهي الصبغ في الغضب وهو صورة الانكار بالاقوال الوقيحة والافعال القبيحة والاعمال الغير الصحيحة وما يحصله من نور الاعتقادات الصحيحة التي اتت بها الشريعة المحمدية لانه من النور الذي خلق منه المؤمن اعني المادة المنيرة بنور الامتثال المشفوع بصحيح الاعمال والمراد به الوجود اعني مادة المؤمن فالنور الذي يستنير به القلب في الحقيقة هو ما كان من نور المادة اعني الوجود الذي هو شعاع من نور النبوة ومن نور الصورة اعني الماهية المطمئنة التي هي من هيئة الولاية ولو اكتسب من غير نور النبوة وهيئة الولاية بان اعتقد غير ما دلوا عليه عليهم السلام وقال غير ما قالوا وعمل بغير ما امروا به واجتنب غير ما نهوا عنه كان مظلما ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا هذا هو الذي نريد بما ينير به الله قلب عبده المؤمن واما ما يريد المصنف فهو ما حصل بالكشف والرياضات وقد بينا لك فيما سبق حال اهل الكشف فانهم لا يكونون كلهم مصيبين لما ذكرنا ولهذا تراهم يختلفون وتقع بينهم مباينة ابعد مما بين السماء والارض لانهم لم يكونوا طالبين من طريق واحد ودليل واحد حتى لو اختلفت افهامهم ومذاقاتهم رجعوا الى ذلك الطريق الواحد فيؤلف بينهم ويجمعهم بل كانت ادلتهم مختلفة ومطالبهم مختلفة كما ان افهامهم مختلفة فيقع بينهم التباين والاختلاف ولا يزالون مختلفين
وقوله { ولم يكن وصلت اليه ايدي افكار الجمهور } صحيح فان اكثر ما ذكره لم يتنبه اكثرهم له ولكنه لا يلزم من ذلك كونه صحيحا وستقف على كثير مما اقوله ويظهر لك صحة قولي اذا وزنته بميزان اهل الحق عليهم السلام
وقوله { ولم يوجد شيء الخ } بلى قد وجد في مرابط كثير منهم كثير مثل معنى ان كل شيء في ذات الحق بنحو اشرف فان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وهذا موجود في كلام كثير من الحكماء مثل ابي نصر الفارابي فانه قال واجب الوجود مبدأ كل فيض وهو ظاهر على ذاته بذاته فهو الكل من حيث لا كثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر ينال الكل من ذاته فعلمه بالكل بعد ذاته وعلمه بذاته ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل في وحدة انتهى وهذا عنده من الجواهر الزواهر حتى طمع به وبامثاله على ضالين سبقوه اليها حتى نسب تلك الضلالة وامثالها الى نفسه مع ان ابانصر من جملة ائمته ومع هذا يزعم انه مذهب امامنا وامامنا امير المؤمنين عليه السلام قال انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ولم يقل عليه السلام انتهى المخلوق الى خالقه والجأه الطلب الى صانعه وموجده
وقوله { حيث لم يؤتوا من الحكمة شيئا } على مراده ليس بصحيح واما على مقصده فقد اوتوا شيئا وحرموا اشياء
وقوله { ولم ينالوا من هذا النور الا ظلا وفيئا } هو يريد به انهم انما نالوا ظلا وفيئا ويريد بالظل والفيء عكس النور اي الظلمة والظل يستعمل بمعنى الظلمة عكس النور ويستعمل بمعنى نور النور ومدعاه الاستعمال الاول وما في نفس الامر انه جرى عليهم القدر بالامرين والفيء هو الظل او الظل يخص الاول الى ما قبل الزوال والفيء يختص بما بعد الزوال لانه من فاء بمعنى رجع وهو ما وجد بعد عدمه او ما زاد بعد نقصه
وقوله { اذ لم يأتوا البيوت } اي المعرفة او اهل المعرفة وخزانها عليهم السلام { من ابوابها } اي من حيث الهموا او من حيث علموا او من الوسائط وعلى الكل تأويل قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين
وقوله { فحرموا من شراب المعرفة بسرابها } الذي يحسبه الظمان ماء اي حرموا من ورود حياضها بورود غياضها يعني حيث وردوها بارائهم واهوائهم وهو الباطل كان ذلك مانعا لهم من ورودها من حيث امروا به وهدوا اليه من اخذها من اهلها وهو الحق وما احق المصنف بهذا لو كان يعلم بهدى الله سبحانه
وقوله { بل هي قوابس مقتبسة الخ } قوابس جمع قابس لم يسمع جمعه على قوابس والقابس طالب النار لا النار المطلوبة كما اراده المصنف ولكن الخطب سهل لان المراد معروف وليس الاشكال في اللفظ وانما الاشكال في المعنى
قال : { ذكرتها لتكون تبصرة للسلاك الناظرين وتذكرة للاخوان المؤمنين وان كانت شنعة للجهال والجدليين وغيظا لاعداء نور الحكمة واليقين واولياء ظلمات الشياطين المطرودين ولكني اعتصمت بوجه الله القديم واوليائه من شر عداوة المعاندين واحتجبت بملكوته العظيم وانواره من ظلمات اوهام المعطلين الهي ان افتخرت فبما انعمت علي وقد امرت واما بنعمة ربك فحدث وان اسأت او ظلمت نفسي فقد استغفرت وقد قلت ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما }
اقول قوله { وان كانت شنعة للجهال والجدليين } يشير به الى ان ما ذكره فيها قد عارضه فيه اهل زمانه لما في معانيها من الشناعة لمخالفة اكثرها لما عليه كافة المسلمين فان كان هذا الذي ذكره هو الحق كان رسول الله صلى الله عليه واله لم يبلغ الدين الى من اتبعه من المسلمين ويلزم منه الرد لمحكم الكتاب المبين والا كان ما ذكره فيها باطلا لمخالفته لما عليه كافة المسلمين الذين اقرهم عليه رسول الله صلى الله عليه واله وبشر من استقام على ذلك منهم بالجنة
وقوله { وغيظا لاعداء نور الحكمة واليقين } فيه انه انما يغيظ من لم يقدر على تزييفه ورده بالادلة القاطعة واما من يظهر له بطلانه بالادلة القطعية الضرورية فانه لا يغيظه لانه في الحقيقة ليس نورا للحكمة واليقين وانما يراه المصنف كذلك وليس كذلك مثل ما ذكر في اول المشاعر من ان العقل الكلي وما فوقه كل الاشياء وهذا الكلام عنده من نور الحكمة واليقين لان العقل عنده بسيط الحقيقة وبسيط الحقيقة كل الاشياء بعين ما قرره في المشاعر وقد بينا هناك بطلان كلامه وادلته ويأتي في هذا الشرح عند ذكر المسئلة انشاء الله تعالى واقول هنا كلمة يستدل بها كل عارف طالب للحق وهي كيف يكون العقل بسيط الحقيقة وهو محدث والمحدث لا يكون الا مركبا وقد قرر الحكماء ان كل ممكن زوج تركيبي وكيف لا يكون محدثا وفوقه غيره في قوله العقل وما فوقه كل الاشياء وايضا ان علة العقل غير ذاته فيجب ان يكون ذا جهتين جهة من نحو علته وجهة من نحو معلوليته اي نفسه ولا نعني بالمركب الا ما هو كذلك
وقوله { ولكني اعتصمت بوجه الله القديم } يريد به انه احتجب عن شر عداوة المعاندين وتحصن بوجه الله القديم اي بذاته القديمة هذه طريقتهم اذا اطلقوا وجه الله يريدون به ذات الله وبالقدم المعنى المعروف الذي هو ازل الازال ونحن اذا قلنا وجه الله فنريد به واحدا من امور احدها الوجه هو المقامات وهي من الذات كالقائم من زيد وكالشعلة المرئية في السراج من النار وهو اسم الفاعل ومثال الذات الفاعلة وثانيها الوجه هو الفعل وهو وجه الفاعل الى المفعول ووجه المفعول من الفاعل وثالثها الوجه هو المفعول الاول الذي مواد الاشياء كلها حصص من اشعته وهو النور الذي تنورت منه الانوار وهو نور محمد صلى الله عليه وآله ورابعها الوجه هو عقل الكل وهو الباب اي باب الله الى خلقه وباب اعمالهم اليه تعالى وخامسها الوجه ذمام الله المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول وهو الولاية اعني ولاية محمد واله المعصومين صلى الله عليه واله وسادسها الوجه قد يطلق على الذات مجازا كما يريده المصنف وغيره ونريد بالقدم اذا لم نرد الوجه السادس هو القدم الامكاني فان لم نرد به ما بلغ ستة اشهر فصاعدا كان المراد به الدهري وهو السبق العقلي والنفسي اي الجبروتي والملكوتي او السرمدي وهو وقت للوجه الاول والثاني واما الوجه الثالث فقد نلحقه بالجبروتي اي بوقت الرابع واكثر ما نطلقه على الثاني لارتباطه به والكتاب والسنة ناطقان بهذه الاطلاقات وارادتها في مقاماتها كل فيما يختص به فالقديم الزماني ما له ستة اشهر فصاعدا كما قال عز وجل حتى عاد كالعرجون القديم والقديم الدهري ما قبل الزمان ويسميه بعضهم بالقدم بالنظر الى فرضه قبل الزمان حتى قال ان القول بالحدوث الذاتي قول بقدم شيء غير الله تعالى لزعمهم ان جميع الحوادث في الزمان والقديم السرمدي مذهب كثيرين فان السرمد عندهم وقت للذات البحت وهو ما بين الازل والابد اي الدوام والامتداد بينهما تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ولذا قالوا بقدم المشية والارادة واجماع اهل البيت عليهم السلام على حدوثهما وهو مذهبهم ومذهب من اخذ عنهم واقتدى بهم والمراد من الاعتصام هو الاحتجاب هذا هو المعروف عند الناس واما عند الخواص فالاعتصام الحقيقي هو الاعتصام بذمام الله المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول والذمام عهد الله الذي اخذه واكده على خلقه وهو ولاية الله الحق سبحانه اعني ولاية محمد وعلي والهما الطيبين صلى الله عليهما وآلهما الطاهرين وهي معرفة الله سبحانه وتوحيده وعدله ونبوة محمد نبيه صلى الله عليه واله ومعرفته من الله وولاية اهل بيته الطاهرين وامامتهم ومعرفتهم من الله سبحانه ومن رسوله صلى الله عليه واله ونبوة جميع الانبياء عليهم السلام ومعرفتهم ولو اجمالا من الله ومن رسوله ومن ال رسوله صلى الله عليه واله والايمان بجميع ذلك وبكتب الله سبحانه التي انزلها على رسله وبما اوحى الى انبيائه واوليائه عليهم السلام وباليوم الاخر وبجميع ما اتى به محمد صلى الله عليه واله من احوال الموت والقبر والبرزخ واحوال قيام القائم عليه السلام عجل الله فرجه وسهل مخرجه وبما اخبر به هو واهل بيته من رجعتهم واحوالها وبفناء الخلق وببعثهم وحشرهم وبالجنة والنار وبوجودهما الأن وبالصراط والميزان والحشر والنشر والمرصاد والحساب وتطائر الكتب والختم على الافواه وانطاق الجوارح وبالحوض والشفاعة للمذنبين من الموحدين من امته امة الاجابة وغير ذلك مما نطق به الكتاب واخبر به صلى الله عليه واله واقامة الصلوة وايتاء الزكوة وصيام شهر رمضان وحج البيت ممن استطاع اليه سبيلا والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال والقيام بجميع ما فرضه الله وسنه رسول الله صلى الله عليه واله وندب اليه من فعل او ترك كل ذلك على طبق ما امر الله تعالى به وبينه رسوله واوصياؤه صلى الله عليه واوصيائه عن الله تعالى مؤتما بهم مسلما لهم رادا اليهم مقتديا بهم مواليا لهم متبريا من اعدائهم وممن مال اليهم واقتدى بهم وقدمهم على من قدمه الله ورسوله صلى الله عليه واله وممن لم يتبرأ منهم في الدنيا والاخرة آتيا بجميع اعماله مشفوعة بالايمان الخالص لله سبحانه البات الثابت بجميع ما اشرنا اليه مجملا ومفصلا وما ذكرنا هو معنى قولنا هو محب لهم بجنانه واركانه ولسانه فالقيام بذلك على حد ما حد الله تعالى وحد رسوله واوصياؤه صلى الله عليه واله هو الاعتصام بذمام الله تعالى الحقيقي واما الاعتصام بالاعتماد والتوكل على الله وعلى ولاية محمد واله صلى الله عليه واله او التوكل على خصوص الولاية كما يقع من اصحاب الفرق الذين لا يعرفون غيره ولا يحتملون الا الفرق والتعدد فالصادق فيه المستقيم بحيث لا يعتريه الريب يجري له اثر ذلك ويكون به محفوظا من كل ما يكره ما دام معتصما بالتذكر وان قصر في اكثر التكاليف ما لم يكن منكرا واما الاعتصام باللفظ مع اتيانه بالمنافيات فلا يكاد ينتفع به نعم لو لازم ذلك حصل له نوع وقاية في الجملة بنسبة ما اعتادت به نفسه فاذا توقى من الخلق ان يطلعوا على عوراته سترت عوراته او اكثرها عن عامة الناس واما الخواص فتظهر لهم عوراته منكشفة على نحو ما اشار اليه المتنبي في شعره حيث يقول :
ثوب الرياء يشف عما تحته فاذا التحفت به فانك عاري
واعتصام المصنف من اي الاقسام وانت اذا عرفت الاقسام واردت ان تعرف الشخص من اي الفرق فانظر الى يقينه ويقين المرء يعرف في عمله كما اشار اليه امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فان كان قوله من قولهم عليهم السلام ورأيه من رأيهم واعتقاده من اعتقادهم فهو يميل معهم حيثما مالوا وان كان من مميت الدين فهو يميل معه حيثما مال واعلم ايها الناظر في كلامي اني اعتقد اني اذا قلت قولا فاني املي على كاتبين لا يغادران صغيرة ولا كبيرة فلا تتوهم علي ان بيني وبين المصنف شيئا من عداوة او حقد او حسد او تكبر او شيء حداني الى الرد عليه غير بيان الحق فاني انا وانت مسئولان ولا تتوهم انه كما يجوز عليه الغلط والغفلة تجوز علي لانك اذا تتبعت كتبه وجدته يميل في عباراته واعتقاداته لمثل ابن عربي وعبدالكريم الجيلاني وابن عطاء الله واضرابهم ويأول كلام اهل البيت عليهم السلام على كلامهم ويحمله على مراد اعدائهم ولا كذلك انا وتتبع كلامي تجد كل قول وكلام فيه لا يطابق صريح كلامهم عليهم السلام وما دلوا عليه قد زيفته وابطلته بادلتهم عليهم السلام ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون واسمع كلام المصنف في دعواه حيث يقول الهي ان افتخرت فبما انعمت علي وقد امرت واما بنعمت ربك فحدث ثم اسمع ما اقول له يا شيخ ان الله سبحانه امر نبيه صلى الله عليه واله الذي قد ثبت ان الله سبحانه انعم عليه بنور الولاية والنبوة وصدقه بالمعاجز الباهرة والبراهين الزاهرة واما ما سواه فلا تصل اليه نعمة من الله عز وجل الا بتبليغ النبي صلى الله عليه واله وادائه عنه تعالى ولا يثبت لمدعيها شيء منها الا بالاخذ عنه والاتباع له واللزوم له في مأخذ النعمة المدعي ثبوتها فان كان قول المدعي من قوله صلى الله عليه واله واعتقاده على سبيل اعتقاده وتحديده على نهج تحديده فله ان يقول والا فلا
واما تحقيق قوله { وان اسأت او ظلمت نفسي الخ } فيحتاج الى تطويل ولا طائل فيه فيما نحن بصدده
قال : { وهذه المسائل المرسومة في هذه الرسالة الموسومة بالحكمة العرشية بعضها يندرج في الايمان بالله وبعضها يندرج في العلم باليوم الاخر وهذان العلمان المشار اليهما في كثير من ايات القران بالايمان بالله واليوم الاخر هما اشرف العلوم الحقيقية التي بها يصير الانسان من حزب ملائكة الله المقربين وبانكارها وجحودها يقع في ضلال مبين ويخرج من ربقة المؤمنين ويحجب عن جمال رب العالمين ويحشر مع الشياطين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }
اقول يشير بتسميتها بالعرشية الى انه استوى بنور قلبه على ما اودع فيها من المسائل فافاد كل مستفيد بنسبة قابليته واستعداده من جواهر المعارف الزواهر اي من الايمان بالله ومن العلم باليوم الاخر وهذان العلمان الذي يشير اليهما يعني بالاول منهما معرفة الله الحقيقية التي عرفه بها انبياؤه بالبراهين القطعية كما ذكره في آخر المشاعر وانما عبر عن هذا العلم بالايمان للاشارة الى انه من مدارك القلوب التي هي مقر اليقين والثبات البات لتجرد هذه المدارك عن الصور النفسانية اذ من ليس له صورة لا يعرف بصورة وذلك تناول من قول امير المؤمنين عليه السلام وانما تدركه القلوب بحقائق الايمان فلذا عبر عنه بالايمان وفي معرفة اليوم الاخر عبر بالعلم لان مداركه بالصور النفسانية والعلم صورة المعلوم وانما كانا اشرف العلوم لان العلم قسمان قسم يطلب لذاته وقسم يطلب لغيره والذي يطلب لذاته هو النهاية فيكون لا شك اشرف من الذي انما يطلب بالعرض اي لغيره والذي يطلب لغيره قد يكون يطلب له غيره فتكون اشرفيته اضافية فمعرفة الله وتوحيده شيء واحد في الحقيقة اذ لا يثبت احدهما بدون الاخر هذا في طريقة اهل الظاهر الذين تتكثر عندهم الحقيقة الواحدة بتكثر مفاهيمها وهي مفاهيم يأخذونها من مدلولات الالفاظ على حسب افهامهم القاصرة وابصارهم الحاسرة وهي اقوى طريق للشيطان الى اغواء الانسان واما المعرفة الصحيحة فمعرفته عز وجل هي توحيده اذ ليس المراد بالتوحيد تفريده وتمييزه من غيره اذ ليس معه غيره بحيث لا يعرف الا بابانته من ذلك الغير وانما توحيده انه هو وليس يعرف الا بهذا فمعرفته توحيده وتوحيده معرفته وكذلك معرفة عدله بل معرفة نبوة انبيائه وولاية اوليائه ومعرفتهم صلى الله عليهم اجمعين وفيما رواه ابن شاذان في مناقبه عن امير المؤمنين عليه السلام الى ان قال عن رسول الله صلى الله عليه واله عن الله عز وجل الى ان قال تعالى وان لم يشهد الا اله الا انا وحدي او شهد بذلك ولم يشهد ان محمدا عبدي ورسولي او شهد بذلك ولم يشهد ان علي بن ابي طالب خليفتي او شهد بذلك ولم يشهد ان الائمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر باياتي وكتبي ورسلي ان قصدني حجبته وان سألني حرمته وان ناداني لم اسمع نداءه وان دعاني لم استجب دعاءه وان رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما انا بظلام للعبيد الحديث اشارة اي في هذا الحديث اشارة الى ان معرفته تعالى هي معرفة مقاماته وعلاماته ومعانيه اي معاني افعاله عليهم السلام وغير ذلك مما اشرنا اليه اذ من لم يعرف الاية والدليل لم يعرف المدلول لان المدرك انما هو الاية والدليل فمن لم يعرف ما يدرك لم يعرف ما لا يدرك قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لم يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقال امير المؤمنين عليه السلام وجوده اثباته ودليله آياته يعني وجدانه لكل من سواه انما هو اثباته باياته واما الايمان باليوم الاخر فمن لوازم الايمان بالله اي بوجوده وتوحيده وعدله وتفرده بملكه وتوحده بسلطانه الذي سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولا يبلغ ادنى ما استأثر به من ذلك اقصى نعت الناعتين ولا تنكشف اثار ذلك الدالة عليه لاكثر الخلق المكلفين الا يوم القيمة وقد وعد سبحانه ببيان كل ما وصف به نفسه وصفاته وافعاله وما يتعلق بذلك وما يرتبط به في مثل قوله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين فكان مستلزما لبيان ما دعا اليه المستلزم لبيان صدق وعده المستلزم لحاق عدله وحكمته ولا ريب ان هذين العلمين اشرف من سائر العلوم الشرعية سواء عللت الاشرفية بالفرق بين المطلوب لذاته والمطلوب لغيره ام بكون اشرفية العلوم باشرفية موضوعاتها لانهما اشرف العلوم الحقيقية على الاعتبارين لان العلوم التي بها يصير الانسان من حزب ملائكة الله المقربين مثل علم الطريقة اي علم اليقين والتقوى الموسومة بتهذيب الاخلاق وتعديل احوال النفس بل روي شقيق البلخي عن الصادق عليه السلام في مصباح الشريعة في تفسير قول النبي صلى الله عليه واله طلب العلم واجب على كل مسلم وقول امير المؤمنين عليه السلام اطلبوا العلم ولو بالصين قال الصادق عليه السلام يعني علم اليقين والتقوى والمراد به علم الاخلاق اي العلم باخلاق الله واداب الروحانيين وكذلك علم الشريعة وهو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية للعمل باوامر الله واجتناب نواهيه وما طلب من العلوم لهذين العلمين فان القائم بهذه العلوم كما امر من اقترانه بالعمل بما علم يصير من حزب ملائكة الله المقربين وهم ملائكة الحجب اعني الكروبيين وهم حقائق الانبياء والمرسلين كما رواه ابن ادريس في مستطرفات السرائر عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن الكروبيين فقال (ع) قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا ه
وقوله { وبانكارها وجحودها يقع في ضلال مبين } يريد به ان بجحود هذه العلوم لا سيما الاشرفين يصير كذلك يعني بانكارها عن معرفة اي من بعد ما تبين له الهدى لان الانكار لا يكون الا بعد المعرفة قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون وقال تعالى يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وكذلك الجحود انما يكون بعد العلم والبيان كما قال سبحانه وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ولا شك ان من انكرها بعد المعرفة وجحدها بعد الاقرار والاستيقان يقع في ضلال مبين ويخرج من ربقة المؤمنين والربقة بكسر الراء حبل تربط به الحيوانات واحكام الاسلام وحدود الايمان التي تجمع من دخل فيه كالعروة التي في الحبل والخروج عن ربقة المؤمنين او المسلمين عبارة عن الخروج عن حدوده واحكامه فمن خرج عن ربقة المؤمنين قد يبقى له اسلامه ومن خرج عن ربقة المسلمين دخل في حزب الكافرين ويحجب عن جمال رب العالمين اي عن معرفته ومعرفة اوليائه وطاعتهم وعما يترتب على ذلك من النعيم الدائم ويحشر مع الشياطين اي شياطين الانس من ازواجه اي امثاله من ابناء صنفه وشياطين الجن من قرنائه المقيضة لمن يعشو عن ذكر الرحمن وشياطين الانس هم الذين ران على قلوبهم اي غلب وغطي بصائر قلوبهم ما كانوا يكسبون من المعاصي والمعاصي هي علة الرين وقابليته التي هي علة تعلق فعل الله سبحانه باحداث الرين على قلوبهم كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فان فعلهم المعاصي باختيارهم هو علة الطبع والرين ولهذا قال بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فنسب سبحانه الرين على قلوبهم الى ما كانوا يكسبون من المعاصي وان كان سبحانه هو الموجد له الا انه لم يكن موجدا له بمحض فعله وخصوص محبته ورضاه وانما اوجده بمقتضى افعالهم الوقيحة واعمالهم القبيحة كلا انهم اي حقا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون اي يوم يقوم الناس لرب العالمين لمحجوبون عن ثوابه ورحمته
قال : { فهذا اوان الشروع في عرض هذه الانوار على صحائف الاذهان والافكار والحوالة الى كتبنا المبسوطة في اقامة الحجة والبرهان في كل من المسائل والانظار الا اشارة خفية يكتفي بها للقرائح اللطيفة وتهتدي بها النفوس المتوقدة الشريفة ونوردها في مشرقين }
اقول انه يريد ان في قلبي جواهر من العلم زواهر الى اخر ما ذكر سابقا فبعد ان بينت انها ليست من نحو ما ذكروا وانما هي من مشكوة النبوة والولاية فلا يتوقف طالب النجاة والنور لو وجد فيها ما يخالف ما عنده فهذا وقت الشروع في عرض هذه الجواهر على صحائف اذهان الطالبين وافكار المريدين من حيث الفطرة فان الحق اذا ورد مجردا عن الدليل وكانت الفطرة باقية لم تغير قبلته واما اذا غيرت كانت للشخص طبيعتان طبيعة الفطرة وهي صورة الحق وطبيعة التطبع الذي غير الطبع والاولى تقبل الحق بغير دليل لموافقته لها والثانية تنكره فاذا اقام الداعي الدليل المحكم الرافع لكل شبهة فان كانت الطبيعة لم تبلغ حد الملكة بل هي في سلطان الحال امكن قبول الحق لبقاء مقتضى الفطرة اي لم يستول التطبع على جهات النور من القلب ولو بتكرار الدليل ومداومة الاستدلال والمراد بمقتضى الفطرة ان النكتة البيضاء التي في القلب لم يستول عليها سواد المعاصي واما اذا كانت الطبيعة الثانية اعني طبيعة تغيير خلق الله وتبديله كانت طبيعة لا تطبعا بل كانت ملكة لا حالا فانه لا يقبل الحق وان كرر عليه الاستدلال بالادلة القاطعة وهو قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون اي غلب وغطي عين البصيرة نعم هو بالفطرة الاولى يعرف الحق ويعترف به ولا يقبله ولا يعمل به وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا اذ لم يبق للفطرة مقتض لاستيلاء المعاصي بنكتتها السوداء على نكتة الفطرة البيضاء
وقوله { والحوالة الى كتبنا المبسوطة الخ } يريد انه اذا توقف الفهم بعروض الشبهة او عدم الاحتمال على الدليل فهو مذكور في مثل الاسفار والشواهد الربوبية واقول انما يذكر في كتبه المبسوطة البراهين المنطقية وهي لا تفيد العلم العياني كما هو المدعي وانما تفيد اسكات الخصم واقناعه على انها اذا كانت قطعية انما ينتفع بها من لم يغلب الرين على قلبه فان الله سبحانه يقول انما انت منذر من يخشاها ويقول ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ماكانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله بان يغير ما هم عليه وتغيير الخلقة وتبديلها قد يكون من المعاصي وقد يكون من العلوم فان العلوم اذا لم تكن مستفادة من آثار اهل الحق عليهم السلام ورسخت في قلب المتعلم ونفسه كانت اسوء حالا من الاعمال السيئة واشد اضلالا ولهذا تجد تعليم الجاهل وتعلمه اقرب واسهل من تعليم العالم وتعلمه وهذا جار فيما نحن بصدده فان قلت هذا وارد في حقك قلت انا راض بهذا في حقي ولكني غير راض به في حق امير المؤمنين واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واهل بيته لاني لم اقل بشيء من نفسي لم يكن عنهم عليهم السلام فاذا اعترضت على قولي عنهم عليهم السلام كنت معترضا عليهم ولا كذلك كثير ممن يدعي والشاهد على الجميع استشهاد المستدل فاذا وجدته يستشهد بكلام زيد وعمرو او بكلام امير المؤمنين واله عليهم السلام ويأوله الى كلام زيد وعمرو فهو ممن يأخذ عن زيد وعمرو واذا وجدته يستشهد بكلام امير المؤمنين واله صلى الله عليه واله او بكلام زيد وعمرو ويأوله الى كلام امير المؤمنين واله عليه وعليهم السلام فهو ممن يأخذ عن امير المؤمنين واله عليهم السلام ومن يأخذ عنهم لا يرد الاعتراض في حقه خصوصا اذا كان ممن يعرف مرادهم عليهم السلام من تعليمهم ويعرف مراد خصمه فافهم
قال : { المشرق الاول في العلم بالله وصفاته واسمائه واياته وفيه قواعد قاعدة لدنية في تقسيم واثبات اول الوجود ان الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها ونعني بحقيقة الوجود ما لا يشوبه شيء غير الوجود من عموم او خصوص او حد او نهاية او ماهية او نقص او عدم وهو المسمى بواجب الوجود فنقول لو لم تكن حقيقة الوجود موجودة لم يكن شيء من الاشياء موجودا لكن اللازم باطل بديهة فكذا الملزوم }
اقول انما قال مشرق لان المشرق هو جهة بدو النور والاشراق يشير بذلك الى ان تبيينه اشرق بتأسيس اثبات معرفة الله في قلوب المريدين كما هو مدعاه والمراد بالعلم بالله معرفته وهي معرفة الذات ومعرفة الصفات بانها عين الذات ومعرفة الاسماء بانها هي الذات المتصفة ببعض الصفات ومعرفة الايات بانها هي الامثال التي ضربها في خلقه لخلقه كما قال تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وفي هذا المشرق قواعد اي ضوابط كلية لان القاعدة في اصطلاح العلماء هو الامر الكلي المنطبق على الجزئيات فقال قاعدة لدنية اي لم تكن عن سماع ولا نقل وانما هي من الكشف المستفاد من التدبر في الايات الافاقية والانفسية وقد تقدم ما اشرنا اليه من حال الكشف المدعى وان فيه الحق وفيه الباطل وان صورتي الحق والباطل متشابهتان
وقوله { في تقسيم } بكسرة واحدة من غير تنوين لان المضاف اليه مقدر لفظا لان تقسيم واثبات المعطوف على تقسيم مضافان الى اول الوجود فيكون اول الوجود هو محل التقسيم ولا اشكال فيه على رأي المصنف لان اول الوجود هو حقيقة الوجود وحقيقة الوجود عنده في نفس الامر هي محل التقسيم بان يكون الخالص منه واجب الوجود والمشوب منه بالنقائص ممكن الوجود لما لحقه من عوارض مراتبه ولهذا صدق اطلاق الوجود على الخالص والمشوب من باب الاشتراك المعنوي ويكون اطلاق لفظ الوجود على الواجب والممكن كاطلاق لفظ البياض على بياض القرطاس وبياض الثوب والتراب وليس ذلك عنده الا انه حقيقة واحدة بعض افرادها واجب الوجود وهو خالصها قبل تنزله وبعض افرادها ممكن الوجود اذ بعد تنزلها اختلط كل فرد منها بعوارض رتبة تنزله وهذا وامثاله هو الجواهر الزواهر والعلم اللدني فالحكم لله العلي الكبير واما على رأينا المستفاد من مذهب ساداتنا وموالينا عليهم السلام ان محل التقسيم هو الوجود الحادث الذي احدثه الله بفعله لا من شيء عند من يقول بقولنا وعند المصنف ومن يقول بقوله اما ما عندنا فظاهر واما ما عند المصنف واتباعه فيلزمه ان محل التقسيم لا يكون الا حادثا لانه مكتنه ولو اجمالا فان من ادرك فردا من افراد الحقيقة الواحدة الصادقة على كل فرد لذاته من حيث هو اي مع قطع النظر عن عوارض الرتب اللاحقة له فقد ادرك صرف تلك الحقيقة وما يشيرون اليه الا كالخشب فان صرفه هو هذه الهيولي والصورة النوعيتان وما الافراد التي لحقتها العوارض الغيرية الا كالباب والسرير والصنم فان حصصها هي بعينها تلك الهيولي والصورة النوعيتان وانما لحقتها عوارض مراتب تنزلاتها فتغايرت بالمشخصات والعبارة الصريحة عن مقاصدهم ان الحق تعالى مادة كل شيء كما قلنا في الخشب والصورة الموهومة هي العبد من حيث نفسه ولهذا قال بعضهم انا الله بلا انا يعني ان الانانية هي العبد وهي في الحقيقة حدود خارجة عن حقيقة الحصة المحدودة واسمع قول امامهم مميت الدين في الفتوحات المكية نقلته من انتخاباتها للشيخ ابي حيان الطبيب الشيرازي قال في الباب المأتين واحدي وثمانين في معرفة منزل الضم واقامة الواحد مقام الجماعة من الحضرة المحمدية (ص)
صلوة العصر ليس لها نظير لضم الشمل فيها بالحبيب
هي الوسطى لامر فيه دور يحصله على امر عجيب
فسماها العصر لانه ضم الشيء الى شيء لاستخراج مطلوب فضمت ذات عبد مطلق في عبوديته لا تشوبها ربوبية بوجه من الوجوه الى ذات حق مطلق لا تشوبها عبودية بوجه من اسم الهي لطلب الكون فلما تقابلت الذاتان بمثل هذه المعاني كان المعتصر عين الكمال للحق والعبد كان المطلوب له وجه العصر فان فهمت ما اشرنا اليه فقد سعدت والقيتك على مدرك الكمال فارق فيها انتهى يريد بالمعتصر من العبودية الصرف التي هي الصورة والحدود والهيئة الموهومة ومن الربوبية الصرف التي المادة الوجودية هو الانسان الذي هو عين الكمال للحق والعبد وقال عبد الكريم الجيلاني في كتاب الانسان الكامل بعد كلام طويل في اسم الله قال فاستدارة رأس الهاء اشارة الى دوران رحا الوجود الحقي والخلقي على الانسان فهو في عالم المثال كالدائرة التي اشار بها اليها فقل ما شئت ان قلت الدائرة حق وجوفها خلق وان شئت قلت الدائرة خلق وجوفها حق فهو حق وهو خلق وان شئت قلت الامر فيه بالابهام فالامر بالانسان دوري بين انه مخلوق له العبودية والعجز وبين انه على صورة الرحمن فله الكمال والعز قال الله تعالى والله هو الولي يعني ان الانسان الكامل الذي قال فيه الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لانه يستحيل الخوف والحزن وامثال ذلك على الله لان الله هو الولي الحميد وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير اي الولي فهو حق متصور في صورة خلقية او حق متحقق بمعان الهية فعلى كل حال وتقدير في كل مقام وتقرير هو الجامع لوصفي النقص والكمال والساطع في ارض كونه بنور شمس المتعال فهو السماء والارض وهو الطول والعرض وفي هذا المعنى قلت :
لي الملك في الدارين لم ار فيه ما سواي فارجو فضله او فاخشاه
الى ان قال من هذه القصيدة وهي طويلة :
واني رب للانام وسيد جميع الورى اسم وذاتي مسماه
لي الملك والملكوت جلت سجيتي لي الغيب والجبروت مني منشاه
الى اخر قصيدته وكلامه وقال ايضا في الكتاب المذكور :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
وهذا ايضا من كبار ائمته واذا تتبعت كتب المصنف مثل هذا الكتاب وغيره وجدت قوله قول هؤلاء الا ان عباراته واستدلالاته بطور استدلالات الحكماء بخلاف عبارات هؤلاء ولا شك في كون المستفاد منها اكتناه الذات لان الوجود عندهم حقيقة واحدة الا ان الصوفية عباراتهم ادل على مطلوبهم من عبارات المصنف لكنه يصرح في كثير من عباراته بذلك مثل كون الخلق منه بالسنخ ومثل الوجود حقيقة واحدة صرفها واجب الوجود ومشوبها الممكن وبين في المشاعر وغيره ان الوجودات المشوبة بالنقائص لم يكن لذاتها لان ذاتها منزهة عن ذلك وانما لحقتها لخصوص مراتب التنزل وعلى ما هو الحق من ان محل التقسيم هو الوجود الممكن ان اتحاد هذه الحقيقة ليس واقعيا وانما هو بلحاظ صدق الاسم من جهة الاصطلاح لا من جهة اللغة فان لفظ الوجود لم يوضع لذات وانما وضع لصفة اعني المعنى المصدري اي الكون في الاعيان كما قاله بعض الصوفية من ان الوجود عند العوام هو الكون في الاعيان واما عندنا فالوجود ما به الكون في الاعيان انتهى اقول وكلام العوام حق بحسب وضع اللغة واما ما به الكون في الاعيان فهو الموجود وهو حقيقة مادة الشيء اذ بها مع تحققها بالمعينات الجنسية او النوعية او الشخصية يتحقق الكون في الاعيان وهذا اظهر من الشمس لمن فتح عينيه ونظر في نفس الامر واما من غمض عينيه ونظر الى من قال فانه يرى ان الوجود شيء هو جوهر الا انه يتصور شيئا غير الشيء لانه لا يفهم ما يقول ولكن تبع من يقول تبعا لغيره كما قال امير المؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه هذا وقد اجمع العقلاء من الحكماء ان كل ممكن زوج تركيبي والمصنف ممن يقول بذلك ويراد من هذا انه لا يمكن الا بان يكون له اعتبار من صانعه وهو المادة واعتبار من نفسه وهو الصورة والصورة عبارة عن الفصل في النوع او حصة من الفصل في الشخص والمادة عبارة عن حصة من الجنس في النوع او عن حصة من حصة النوع في الشخص والاجناس اي الحصص الجنسية لا تتقوم الا بالفصول وكذلك الحصص النوعية والمراد بعدم تقومها بدون الفصول انها في نوعها قبل الفصل شايعة غير متعينة بدون المميز فاذا فرض ان حصة الانسان المادية شايعة في الوجود الصرف قبل تنزلها الى رتبة الفصل كانت ممازجة للواجب اذ لا يمكن تميزها فيه فيكون متكثرا او محلا للغير وبعد التنزل وتعلق الفصل كان لها حالة التركيب غير الحالة الاولى حالة البساطة اذ حالة الاتصال غير حالة الانفصال وكان للواجب الذي هو محلها او كلها او كليها حالة غير الحالة الاولى لانه قد تنزل من ذاته شيء سواء فرضته جزءا ام جزئيا ام اشراقا ام غير ذلك فانها حالة اخرى غير الاولى ومختلف الحالات حادث اتفاقا ثم ان هذه الحصة النازلة المنحطة مجانسة لما انحطت عنه ولهذا عبر تعالى عن هذا المعنى في الانكار على من جعل الملائكة بنات له سبحانه بقوله تعالى وجعلوا له من عباده جزءا لان الولد جزؤ من والده ومناسب له فقال تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا اي مناسبة فيلزم على قوله وقول اتباعه احتياجه تعالى الى الماهية لانه من جنس من لا يتقوم الا بها او ان الوجود الممكن يتقوم في عالم الاكوان ويظهر بدون الماهية فتبطل الكلية المتفق عليها ان كل ممكن زوج تركيبي وهو خلاف دليل العقل من ان الممكن لا يتكون الا ذا جهتين جهة من ربه وجهة من نفسه وخلاف قول الرضا عليه السلام قال ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ه وان قال شخص ان الواجب عز وجل وجود بحت لا يحتاج في قيامه الى شيء غيره من ماهية وغيرها بخلاف الوجود الممكن قلنا هذا حق ولكن يلزم ان الوجودين متغايرين لا تجمعهما حقيقة واحدة كيف وهما على حد كمال المباينة التي هي خلاف المجانسة والمماثلة والمعاكسة والمضادة لان هذه النسب نسب الخلق قال امامنا الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه يعني ان مثل المجانسة والسنخية والمماثلة والمشابهة والمعاكسة والمضادة والمقابلة والمخالفة نسب للخلق فاذا ذكرت فهي حدود للخلق وان نسبت في التعبير اليه كما لو قلت هو سبحانه ليس بجسم فان النفي تحديد للجسمية والجسمية وصف للخلق ولا يوصف بشيء من ذلك لا بنفي الجسم ولا بالجسم وانما ذلك تحديد لاثبات معرفة من هو ثابت في الاذهان ثم اعلم ان محل التقسيم مع لحاظ التسمية من يصدق عليه اسم الوجود من حيث انه هست كما في اللغة الفارسية ثلاثة انواع احدها مثال الفاعل واسمه كالقائم بالنسبة الى زيد فانه اسم لفاعل القيام لا لذات زيد والا لكان زيد ابدا قائما ولهذا يقال الفاعل اي اسم لمحدث القيام من حيث هو محدث للقيام لا مطلقا وهذا هو الذي عناه الحجة عجل الله فرجه وسهل مخرجه بقوله في دعاء شهر رجب ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء وهو المسمى بالعنوان وثانيها الفعل اعني المشية والارادة والابداع وما اشبه ذلك وثالثها المفعول الاول وهو عندنا هو النور المحمدي وهو اول فائض عن الفعل ومن اشعته خلق الله سبحانه كل شيء المؤمن من نفس الشعاع والكافر من عكس الشعاع فالاول اية الله العليا من عرفه فقد عرف الله لانه وصف الله الاعلى الذي وصف به نفسه ومن عرف الوصف عرف الموصوف والثاني هو امر الله الذي به قامت الاشياء قيام صدور وهو كحركة يد الكاتب بالنسبة الى الكتابة والثالث هو امر الله المفعولي الذي به قامت الاشياء قيام تحقق اي قياما ركنيا وهو كالمداد بالنسبة الى الكتابة وهذه الثلاثة هي التي يمكن ان تكون محلا للتقسيم وان كانت انما جمعتها حقيقة التسمية وان التقسيم في كل شيء بحسبه فاذا طلبتها بالتقسيم امتنعت عليك لان التقسيم انما يصح في الحقيقة التي تساوي افرادها او اجزاؤها في ذات جهة التقسيم لانك تريد تقسيمها الى افراد ذاتية منها ولو اردت تقسيمها من حيث التسمية صح كأن تقول الذي يطلق عليه اسم الوجود ينقسم الى ما يسمى بالمقامات والى ما يسمى بالفعل والى ما يسمى بالمفعول ومثال ذلك في المحسوس قائم بالنسبة الى زيد هو احد مقاماته لانه صفة صيغت من فعله واثر فعله الذي هو القيام وحركة احداثه للقيام هي فعله كالمشية في حق الله عز وجل وله المثل الاعلى والقيام هو اثر الفعل ومتعلقه كالحقيقة المحمدية المسمى بالنور المحمدي واما فعل المصنف فبان يتصور حقيقة بسيطة ويقسمها مع بساطتها الى صرف الوجود اي خالصه عن الخلط ويجعله هو الواجب تعالى والى الوجودات المشوبة بالنقائص ويجعلها وجودات الاشياء ويبالغ في بيان الجواهر الزواهر ويقول بان هذه الاعدام والنقائص لم تلحق هذه الوجودات لذواتها لتنزهها عن ذلك وانما لحقتها من عوارض مراتب تنزلها ولهذا يمثلونها بالثلج وهو سبحانه كالماء فالكسر اذ عرض للثلج لم يعرض للماء كذلك عندهم الوجودات هي مع قطع النظر عن العوارض هي صرف الوجود فاذا لحقتها العوارض كانت لمراتب التنزل فان قلت ان المصنف لا يريد هذا قلت لك انا اذا لم افهم مراده فهل كان صهره الملا محسن يفهم مراده ويقصد قصده لا يسعك انكار ذلك فاقول لك قال داماده الملا محسن في الكلمات المكنونة كما ان وجودنا بعينه هو وجوده سبحانه الا انه بالنسبة الينا محدث وبالنسبة اليه عز وجل قديم كذلك صفاتنا من الحيوة والقدرة والارادة وغيرها فانها بعينها صفاته سبحانه الا انها بالنسبة الينا محدثة وبالنسبة اليه قديمة لانها بالنسبة الينا صفة لنا ملحقة بنا والحدوث اللازم لنا لازم لوصفنا وبالنسبة اليه سبحانه قديمة لان صفاته لازمة لذاته القديمة وان شئت ان تتعقل ذلك فانظر الى حياتك وتقيدها بك فانك لا تجد الا روحا تختص بك وذلك هو المحدث ومتى رفعت النظر من اختصاصها بك وذقت من حيث الشهود ان كل حي في حياته كما انت فيها وشهدت سريان تلك الحيوة في جميع الموجودات علمت انها بعينها هي الحيوة التي قامت بالحي الذي قام به العالم وهي الحيوة الالهية وكذلك سائر الصفات الا ان الخلائق متفاوتون فيها بحسب تفاوت قابلياتها كما نبهنا عليه غير مرة وهذا احد معاني قول امير المؤمنين عليه السلام حيث قال كل شيء خاضع له وكل شيء قائم به غني كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف انتهى فاذا لم يكن قوله هذا قولا بوحدة الوجود المجمع بين العلماء على تكفير معتقدها فما القول بوحدة الوجود اذا بل هذا قول بوحدة الوجود ووحدة الموجود ومع هذا صرف كلام امير المؤمنين عليه السلام عن مراده الى مراد الملحدين بان جعل قوله كل شيء قائم به اي قائم بذاته والله يقول ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره والصادق عليه السلام في دعائه يقول كل شيء سواك قام بامرك والمراد بالامر اما الفعلي فكل شيء قام بفعله قيام صدور ويصدق عليه انه قائم بالله اي بفعله واما الامر المفعولي اعني الحقيقة المحمدية التي من شعاعها خلق مادة كل شيء فكل شيء قائم بها قياما ركنيا كما هو شأن المادة والله سبحانه اقام الاشياء بموادها كما في الدعاء يمسك الاشياء باظلتها اي بموادها وصورها ويصدق عليه ان الاشياء قائمة به اي بفعله وكذلك قوله عليه السلام غني كل فقير يعني يمده بما يجبر فقره ويتمم نقصه ويقوي ضعفه بشيء يصل الى الفقير المحتاج لم يكن وصل اليه قبل ذلك ولا يجوز ان يكون ذاك المدد جزءا من الذات القديمة تعالى ربي بل من شيء ممكن من نوع المحتاج ولو كان من ذاته لتجزأ وتغيرت احواله فيا سبحن الله كيف طبع على قلوبهم باعمالهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ومع هذا فالبلية الكبرى انهم يقولون هذا مذهب ائمة الهدى عليهم السلام واعظم بلية تعصب مريديهم لهم بان الحق ما قالوا ومن قولهم كما مر ان وجودات الاشياء وحقايقها قديمة وانما التغيير في العوارض اللاحقة لمراتب التنزل قول الملا محسن قبل الكلام الذي نقلنا عنه وهو طويل قال في بيان سر سر القدر ان هذه الاعيان الناشئة ليست امورا خارجة عن الحق بل هي نسب وشؤن ذاتية فلا يمكن ان تتغير عن حقائقها فانها حقائق ذاتيات وذاتيات الحق سبحانه لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والمزيد والنقصان فبهذا علم ان الحق سبحانه لا يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا صفة كان او فعلا او حالا او غير ذلك لان امره واحد كما انه واحد وامره الواحد عبارة عن تأثيره الذاتي الوحداني بافاضة الوجود الواحد المنبسط على الممكنات القابلة له الظاهرة به والمظهرة اياه متعددا متنوعا مختلف الاحوال والصفات بحسب ما اقتضته حقائقها الغير المجعولة المتعينة في علم الازل انتهى اقول قوله المنبسط على الممكنات غلط على مذهبه بل ينبغي ان يقول المنبسط على القديمات الازليات سبحانها وتعالت عن مقالة المسلمين والحاصل وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ولقد اطلت في بيان مرادهم فعسى ان يرتدع مريدهم
وقوله { اما حقيقة الوجود } يعني به الوجود الذي لم يشبه شيء غير الوجود من عموم يشتمل على الاشياء والمصنف يقول صرف الوجود بسيط الحقيقة وبسيطة الحقيقة كل الاشياء فاي عموم انتفى عمن هو كل شيء او خصوص يفيد التحديد بكل انواعه او حد يتركب من جنس وفصل فاي حد انتفى عمن هو شيء لا يسلب عنه شيء كما ذكره في برهانه على ان بسيط الحقيقة كل الاشياء فان قوله شيء جنس تحته شيء يسلب عنه شيء وشيء لا يسلب عنه شيء وهذا حد تام قد اشتمل على جنس وهو شيء وفصل وهو لا يسلب عنه شيء او نهاية بان ينتهي اليه شيء واي نهاية انتفت عمن انتهت اليه جميع الاشياء او ماهية يعني مغايرة للوجود والا فلا ماهية لشيء من الخلق الا آية لماهيته سبحانه لكن قلنا ان المخلوق له وجود وماهية لانه لا بد له من اعتبار من صانعه وهو جهة وجوده اي مادته المحدثة لا من شيء ومن اعتبار من نفسه وهو جهة ماهيته وانيته اي صورته المحدثة من نفس مادته من حيث هي واما الخالق فهو هو فوجوده هو ماهيته بلا مغايرة لا في الذهن ولا في الخارج ولا في نفس الامر لا فرضا ولا اعتبارا او نقص بان يحتمل زيادة فيما هو كمال او عدم بان يفقد ما يصح عليه ولكن لو بنينا على مذهب المصنف واتباعه قلنا افاضة الوجود الواحد المنبسط على الممكنات هل هو كمال في حقه تعالى ام نقص فان كان كمالا كان فاقدا لكمال قبل الافاضة وان كان مفيضا في الازل كانت الموجودات غيبها وشهادتها جواهرها واعراضها ازلية وان كان نقصا في حقه فان كانت الافاضة في الازل شابه نقص لذاته فلم يكن صرف الوجود وان كانت بعد الازل ساوي الوجودات الممكنة لانها عند المصنف واتباعه لم يلحقها النقص لذاتها وانما لحقها من عوارض مراتب تنزلاتها فيكون الواجب كذلك فلم يكن لتقسيمه محصل ولا فائدة ثم فرع على تقسيمه فقال على نحو الاستدلال فنقول لو لم تكن حقيقة الوجود موجودة لم يكن شيء من الاشياء موجودا لكن اللازم باطل بديهة فكذا الملزوم واقول بطلان اللازم والملزوم على مراده بديهة لا شك فيه الا انه يرد عليه اشكال وهو ان شرط صحة الشكل ان يوصل بمعلومات الى مجهول وهذا اوصل الى ما هو اظهر من معلوماته لان الوجودات عنده قبل لحوق العوارض من صرف الوجود فهي باقية على الصرافة لذاتها وان التغيير لاحق للمراتب فيصير كلامه مثل قولك لو لم يكن زيد موجودا لم يكن زيد موجودا مع ان العوارض ان كانت اشياء فهي من الوجودات والا فلم يلحق الوجودات شيء وكذلك مراتب التنزل والوجودات صرف الوجود او صرف الوجود هو الوجودات
قال : { اما بيان اللزوم فلان غير حقيقة الوجود اما ماهية من الماهيات او وجود خاص مشوب بعدم او قصور وكل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها كيف ولو اخذت نفسها مجردة عن الوجود لم تكن نفسها نفسها فضلا عن ان تكون موجودة لان ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوت ذلك الشيء ووجوده وذلك الوجود ان كان غير حقيقة الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود وخصوصية اخرى وكل خصوصية غير الوجود فهو عدم او عدمي وكل مركب متأخر عن بسيطه مفتقر اليه والعدم لا دخل له في موجودية الشيء وتحصله وان دخل في حده ومفهومه وثبوت كل مفهوم لشيء وحمله عليه سواء كان ماهية او صفة اخرى ثبوتية او سلبية فهو فرع على وجود ذلك الشيء والكلام عائد اليه فيه او ينتهي الى وجود بحت لا يشوبه شيء }
اقول قوله { اما بيان اللزوم فلان غير حقيقة الوجود الخ } فيه اولا ان هذه الدعاوي من قوله وجود فكثيرا ما اقول ما معنى وجود فشيء لا يقول به احد الا احد رجلين اما ناطق بما لا يعقله ولا يتوهمه اذ لا معنى لوجود الا حصول وثبوت ولكنه سمع هذا الكلام يدور على الالسن فعني بقوله وجود ما فهم من كلامهم فهو يعني المفهوم الذي حصله من الفاظهم فيتوهمه شيئا وليس في الحقيقة شيئا الا المعنى الصفتي الذي يوصف به الثابت ولا تستغرب كلامي من ملاحظة انه كيف يكون كل الخلق يقولون ما لا يفهمون فاني اقول لك ليس كل الخلق كذلك بل كثير منهم انكره وكثير قالوا هو معنى اعتباري وكثير قال هو المادة ومن قال هو المادة لا يريد ان لفظ الوجود موضوع عليها بل لان الحكماء المتقدمين الاخذين عن الانبياء عليهم السلام عبروا عنها باعتبار معنى هست في الفارسية فقالوا في التعبير تبعا لتعبيرهم وهذه آثار اهل الهدى محمد واله صلى الله عليه واله واخبارهم في جميع خطاباتهم ومحاوراتهم مانطق احد منهم بهذا اللفظ مريدا ما اراد هؤلاء قط مع ان ظاهر كلام امير المؤمنين عليه السلام انه اراد بالوجود هو الكون في الاعيان وهو المعنى المعروف بين الناس وذلك في قوله عليه السلام لمن سأله يوم الجمل فقال اتقول ان الله واحد فقال عليه السلام يا اعرابي ان القول في ان الله واحد على اربعة اقسام الى ان قال عليه السلام فاما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الاشياء شبيه كذلك ربنا وقول القائل انه عز وجل ربنا احدي المعنى يعني انه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك الله ربنا عز وجل ه والمراد بقوله عليه السلام في وجود يعني في الخارج ولا عقل يعني في التصور والتعقل ولا وهم يعني في الفرض والاعتبار وهو ظاهر في المدعي من انه عليه السلام اراد بالوجود الخارج يعني الكون في الاعيان لانه هو المعروف في الوضع العربي لكن الناس طريقتهم جارية في متابعة بعضهم بعضا من غير تأمل ولا تدبر فيما سمعوا وما هذا بعجب بعد قول الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون ولكن اكثرهم لا يعقلون ولكن اكثرهم يجهلون ولا يفقهون وان هم الا كالانعام بل هم اضل حتى انهم بالغوا في تخصيص هذا المعنى حتى ان المصنف في كثير من كتبه منها المشاعر انكر ان تكون لله سبحانه ماهية وانما هو وجود بلا ماهية ولو فهم ما تكلم به لظهر له انه تعالى ماهية ولا وجود له بالمعنى الذي عني هو واتباعه وانما وجوده الذي يعرفه العباد ما بينه امير المؤمنين عليه السلام بقوله وجوده اثباته ودليله آياته ه واذا سلمنا التسمية فكيف نسلم ان ما يعني به في حق الحق عز وجل هو ما يعني به في حق الخلق حتى يقال فيهما على حقيقة واحدة لا فرق بينهما في نفس الامر وفي الخارج الا ان الخالص منه حق والمشوب منه خلق مع ان الشوب لم يلحق المشوب لذاته ولا يستحيي العالم المشهور ان يعرض كلامه هذا على العلماء والعارفين بل والجاهلين واما رجل يتكلم معهم فيتكلم بالفاظهم ومعانيهم كما كنت اتكلم به وانا اعني المادة او المعنى العام او المصدري او النسبي
وقوله { فلان غير الوجود اما ماهية من الماهيات } فنقول عليه قد ذكرنا في ساير كتبنا ورسائلنا ان الوجود له معنيان وكذا الماهية فمرة يطلقان في الخلق الاول الذي هو المادة والصورة النوعيتان او الجنسيتان فنعني بالوجود المادة ونعني بالماهية هو الصورة ومرة يطلقان في الخلق الثاني اي الشخصي فنعني بوجود زيد كونه اثر فعل الله ونور الله وصنع الله وهو بهذا اللحاظ يعرف به الله لان الاثر يدل على المؤثر والنور يدل على المنير والصنع يدل على الصانع ومنه قول امير المؤمنين (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام يعني بنوره الذي خلق منه ونعني بماهية زيد انه هو وبهذا اللحاظ لا يعرف به الله لان الله سبحانه لا يعرف بهوية زيد فاذا قلنا الوجود او الماهية بالمعنى الاول نريد به ما نطلقه في الخلق الاول واذا قلنا الوجود والماهية بالمعنى الثاني نريد به ما نطلقه في الخلق الثاني فلا تغفل عن هذا في كل موضع فقول المصنف { اما ماهية من الماهيات } ما يريد بالماهية فان اراد بها شيئا فما معنى شيء ليس بموجود وان لم يكن شيئا فالعبارة عنها غلط ولكن القوم اختلط عليهم الامر وعميت عليهم المناهج لانهم يريدون ان الماهيات اشياء لازمة للذات في الازل فهي ثابتة فاذا اشرق نور الوجود عليها ظهرت ويتخيلونه شيئا كالنور اذا اشرق على الاواني الثابتة في المكان المظلم ظهرت ولهذا يقول فهي بالوجود موجودة لا بنفسها فنقول اذا كانت في علمه الذي هو ذاته كيف لا تظهر اليس الوجود الحق نورا بل لا تظهر حتى يشرق عليها نورا ثم اذا اشرق عليها النور وظهرت هل نزلت عن رتبتها فتكون قبل ايجادها اشرف منها بعد ايجادها ام بقيت بعد الايجاد في محلها من الذات فتكون ذاته محلا للاغيار ام هي ذاته ام من ذاته فهي وجود ام النازل بالايجاد مثالها والحقيقة لم تزل ماندري ما يفعل هو واتباعه مع انهم يجعلونها عين الوجود وغير الوجود في مثل كلامه هذا وذلك انهم يرون ان الوجودات بذاتها واجبة والماهية بذاتها واجبة ومعنى كونهما ممكنين ان يجعل سبحانه الماهية الغير المجعولة متصفة بالوجود الغير المجعول فاذا قرن بين الازليين حصل ممكن تأمل بعين البصيرة والانصاف هل هذا قول موحد بل هذا قول مسلم واريد اذكر لك كلامهم في هذا فانه صريح فيما قلت وان كان طويلا قال الملا محسن في الكلمات المكنونة بعد ان ذكر ان الماهية ليست بجعل جاعل وكذلك الوجود الى ان قال بل تأثيره في الماهية باعتبار الوجود بمعنى انه يجعلها متصفة بالوجود لا بمعنى انه يجعل اتصافها موجودا متحققا في الخارج فان الصباغ مثلا اذا صبغ ثوبا فانه لا يجعل الثوب ثوبا ولا الصبغ صبغا بل يجعل الثوب متصفا بالصبغ في الخارج لا ان يجعل اتصافه به موجودا في الخارج فليست الماهيات في انفسها مجعولة ولا وجوداتها في انفسها ايضا مجعولة بل الماهيات في كونها موجودة مجعولة والوجودات من حيث تعيناتها وخصوصياتها مجعولة وذلك لان الامكان انما يتعلق بالوجود من حيث التعين والتخصص لا من حيث الحقيقة والذات فانه واجب من هذه الحيثية فالوجود وجود ازلا وابدا والماهية ماهية ازلا وابدا غير موجودة ولا معدومة ازلا وابدا وليست هي في منزلة بين الوجود والعدم بل انما وجوداتها بالعرض وتبعية الوجود لا بالذات ولهذا لا يسمى وجودا بل ثبوتا ومن هنا يعلم ان الماهيات عين الوجود والحقيقة وان كانت غيره بالاعتبار انتهى ما اردت نقله من كلامه فبالله عليك انا اقدر اتى بكلام رد وتقبيح اعظم من تقبيحهم في كلامهم وبالله عليك هل زدت في وصفهم بالعدول عن الحق على ما سمعت من كلامهم مع ان الملا محسن في كتابه قرة العيون قال اعلموا اخواني هديكم الله كما هداني ما اهتديت الا بنور الثقلين وما اقتديت الا بالائمة المصطفين وبرئت الى الله مما سوى هدى الله فان الهدى هدى الله نه متكلمم نه متفلسف نه متصوفم نه متكلف بلكه مقلد قرءان وحديث پيغمبرم وتابع اهل بيت انتهى ثم ذكر فيه من هذا النوع القبيح ما هو سخن العيون فبالله عليك هل يدل شيء من القرءان او من احاديث النبي او اهل بيته صلى الله عليه واهل بيته على شيء مما ذكره بل الكتاب والسنة يبرأن الى الله من كلامه الفاسد واعتقاده الكاسد والحاصل انا اذا نقلت كلاما لهم مايظهر لكل ناظر بطلانه الا بان ابينه كلمة كلمة ولا يسع المقام ولكني اذا اوردته فمن سبقت له العناية من الله تعالى بالهداية يظهر له ما خفي على مريديهم ثم اذا كان عندهم الماهية عين الوجود وانما التغاير بالمفهوم كما سمعت من قول الملا محسن ان الماهيات عين الوجود والحقيقة وان كانت غيره بالاعتبار فالمصنف بني تقسيمه على الاعتبار ام على الحقيقة فان كان على الحقيقة بطل اصل تقسيمه الذي جعله برهانه ودليله وان كان على الاعتبار سقط دليله من عين الاعتبار لانه يريد غير الوجود الصرف والماهية كما سمعت عين الوجود وهو حق الا ان يريد بالوجود احد الاعراض كالمصدري او العام او النسبي او الرابطي فان الماهيات غيرها في الانظار القشرية واما في النظر الذي هو من نور الله فكل شيء ماهية بنسبة رتبته من التحقق والثبوت وكذلك الوجود الخاص المشوب بعدم او قصور فان الوجودات عندهم من حيث الحقيقة والذات واجبة فلا يصح في الحقيقة ان تكون الماهيات والوجودات المشوبة غير الوجود كيف لا وهي عنده ازلية ابدية غير مجعولة بل هي في ذاتها اشياء متحققة فما معنى الوجود غير هذا
وقوله { وكل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة } فيه ان الماهية اذا كانت عين الوجود كما سمعت من كلام داماده وانها اشياء ثابتة غير مجعولة بالذات فما معنى كونها موجودة بالوجود وانما تكون موجودة بالوجود اذا لم تكن شيئا ثم كانت بالوجود شيئا وايضا قد قدمنا كلاما كثيرا في شأن هذا الوجود المدعي ونقول ايضا اذا رجعت الى فطرتك وفهمك وقطعت نظرك عن كل ما قالوا وجدت بالبديهة ان معنى كون الشيء موجودا انه هست ومعنى اوجده الله سبحانه يعني خلقه واحدثه ولم يكن قبل ذلك شيئا كما قال سبحانه اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا يعني اخترعه والمراد به مثلا زيد فانه لم يكن شيئا ثم احدثه سبحانه والمحدث هو الحيوان الناطق واين حقيقته التي يسمونها بالوجود هل تجد شيئا غير الحيوان الناطق ولهذا اجمع العقلاء من العلماء والحكماء ان قولك الانسان حيوان ناطق حد حقيقي تام جامع لجميع ذاتيات الانسان فلو كان الوجود حقيقة الانسان وهو غير الحيوان الناطق لما كان حدا تاما لكن لما كان المخلوق قبل الخلق معدوما كان بعد الخلق غير معدوم بل هو موجود فيقال اوجده الله عز وجل بعد العدم ويرجع معنى الوجود الى واحد من المعنى المصدري او العام او النسبي او الرابطي وكلها من العام بمعنى هست كما في الفارسية والمصنف الذي يبالغ في الوجود وانه شيء غير هذه لانه اصل الموجود وهذه صفات الموجود ويتكلف التكلفات التامة ما يخرج في جميع عباراته عن واحد من هذه وان لم يرده حيث لا يقدر على غيرها اذ ليس غيرها وانت اذا تتبعت كلماته وجدتها كلها تدور على احد تلك الاربعة فتعرف ذلك بما اذا قابل ما ذكره بضده ومعلوم ان كل شيء اذا لم يوجد لم يكن موجودا وانما يكون موجودا بالوجود اي اذا كان موجودا لا ان الوجود شيء تخلق به الاشياء قائم بها او قائمة به الا موادها وصورها وهما صدرا عن احداث الله تعالى لهما بفعله وايجاده وبه كان الموجود كون صدور ونحن نعبر عن المادة بالوجود الموصوفي وعن الصورة بالوجود الصفتي
وقوله { فهي بالوجود موجودة لا بنفسها } يريد به انها كانت ثابتة في العلم الازلي فاشرق عليها نور الوجود كالاواني في المكان المظلم اذا اشرق عليها نور ظهرت وكانت قبل الاشراق ثابتة غير ظاهرة وانت اذا نظرت في ذلك النور المظهر للاواني وجدته لا تأثير له في ايجاد الاواني اذ هي موجودة قبل اشراقه وهذا مرادهم وقد سمعت ما مثل به الملا محسن من الثوب والصبغ وعلى ما قالوا لا تكون الماهيات بالوجود موجودة نعم هي به ظاهرة وعلى هذا لم يكن الوجود حقيقة وانما هو عرض من سائر الاعراض والحقيقة انما هي الماهية فانظر الى هذا التناقض والاضطراب في كلامهم واعتقادهم ونحن نقول كما قالت ائمتنا عليهم السلام ان الماهيات قبل الايجاد لم تكن شيئا لا موجودة ولا مذكورة ولا معلومة بل كان الله وحده سبحانه ولا شيء معه ولا يعلم ان معه شيئا كما قال الصادق عليه السلام كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه ثم انه عز وجل امكن الممكنات على وجه كلي لا يتناهى في الكلي والجزئي مثل الجزئي على وجه كلي امكان زيد فانه يمكن ان يكون عمرا وارضا وسماء وبرا وبحرا وحيوانا ونباتا وجمادا وجنة ونارا ونبيا وكافرا وملكا وشيطانا وماء وهواء ومعنى وعينا وجوهرا وعرضا وغير ذلك الى ما لا نهاية له فاذا اوجده زيدا وهو فرد من تلك الافراد الغير المتناهية بقي ما سواه على حكم الامكان في مشيته تعالى فاذا شاء غير زيدا الى ما شاء مما لا يتناهى وان شاء اخرج من امكانات زيد ما شاء مع بقاء زيد وهو سبحانه على كل شيء قدير فكانت تلك الممكنات خزانته التي لا تفنى ينفق منها كيف يشاء ومنها ايجاد كل شيء ومنها امداد كل شيء وهي علمه الامكاني الذي لا يحيطون بشيء منه الا بما شاء اي بما كونه منها فالاولي خزانة الممكنات الكلية التي لا تتناهى ابدا وهي طبق مشيته الامكانية لا يكون شيء منها زائدا على الامكانات فتتعلق بواجب او بممتنع او بغير شيء ولا يكون شيء من الامكانات زائدا عليها بحيث لا يمكن ان تتعلق به مشية بل هي طبقها فالمشية ادم الاكبر الاول والامكانات حواه ووقتهما السرمد وكل واحد من الثلاثة طبق الاخر ومساوق له والثانية خزانة المكونات وهي طبق المشية الكونية والمشية الكونية هي المشية الامكانية وانما اختلف الاسم باعتبار المتعلق ووقتها السرمد لانها هي الاول ووقت متعلقها المقيد الدهر للعقول اوله وللنفوس اوسطه وللمواد اخره وللاجسام الزمان اعلاه لمحدد الجهات واوسطه للسموات واسفله للجمادات والنباتات واول متعلقها الحقيقة المحمدية ووقتها وجهه الاعلى من السرمد ووجهه الاسفل من الدهر فهي برزخ بين عالم الامر وعالم الخلق وكذلك عالم المثال برزخ بين المجردات والجسمانيات ووقته كذلك وجهه الاعلى من الدهر ووجهه الاسفل من الزمان وانما اشير الى هذه النبذة وامثالها وان لم يكن في الظاهر لها تعلق بكلام المصنف لاني ما اريد خصوص شرح كلامه وانما اريد اثبات الاشارة والهداية الى حكمة ائمة الهدى عليهم السلام واعتقادهم فاذا مر شيء له تعلق ما في الباطن بشيء من حكمتهم عليهم السلام ذكرت نبذة منه فافهم فقولنا تبعا لقول موالينا وائمتنا عليهم السلام ان الماهيات لم تكن قبل الايجاد شيئا لا موجودا ولا ممكنا ولا مكونا ولا كائنا ولا مذكورا ولا معلوما فلما امكن الامكانات كانت موجودة بالوجود الامكاني معلومة مذكورة بالعلم الامكاني الذي لا يحيطون بشيء منه فاذا شاء تكوينها كونها فكانت معلومة له تعالى ايضا بالعلم الكوني وكانت معلومة لاوليائه الذين اشهدهم خلقها حين كونها بمشهد منهم عليهم السلام فان اردنا منها المعنى الاول من الاطلاق في الخلق الاول كما ذكرنا كانت مكونة بعد تكوين الوجود بسبعين سنة لانها حينئذ هي الصورة والوجود هو المادة النوعيتان والفعل المتعلق بها في احداثها صفة للفعل المتعلق بالوجود في احداثه وان اردنا منها المعنى الثاني كانت هي الشيء وهي الوجود وهي المخلوقة في رتبتها اولا وبالذات والوجود في هذا اعني المعنى الثاني من الاطلاق في الخلق الثاني هي بلحاظ انه نور الله واثر فعل الله وصنع الله كما تقدم
فقول المصنف { ولو اخذت نفسها مجردة عن الوجود لم تكن نفسها نفسها الخ } فيه اما على قولنا فقد سمعت حكمها خصوصا على المعنى الثاني فانها هي الشيء والوجود ان كان غير الايجاد اي الاحداث فهو عرض كما سمعت انه ح من احد الاربعة لا مناص عنه وان كان هو الايجاد فهو الفعل وهو كحركة يد الكاتب تحدث بها الكتابة ولا تكون منها وانما هي من المداد واما على قوله فاذا كانت هي الاعيان الثابتة الغير المجعولة قبل الوجود وهي عين الوجود والحقيقة وهي الصور العلمية وهي غير مجعولة قبل وصفها بالوجود وبعده فانها اذا اخذت مجردة عن الوجود فهي هي لانها عنده كائنة في الازل بغير تكوين ولا جعل فلو لم تكن متحققة قبل وصفها بالوجود الذي يريده لم يصح ان يقال انها في علمه الذي هو ذاته ثابتة وانها عين الوجود وانها صور علمية وانها كائنة بغير جعل لان ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوت ذلك الشيء ووجوده
وقوله { وذلك الوجود } يعني الوجودات المشوبة ان كان غير حقيقة الوجود يعني صرف الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود يعني ان تلك الحصة من الوجود من حيث هو اي مبرأة عن النقائص والاعدام لذاتها فانها من حيث الذات والحقيقة واجب كما تقدم في كلام الملا محسن ومن خصوصية اخرى اي مركب منهما وكل خصوصية غير الوجود فهو عدم او عدمي وهذا منتقض بكون الخصوصية من الواجب وذلك لان ذلك اما من الوجودات او من الماهيات والوجودات قد برأ ذاتها عن النقائص والاعدام والماهيات ليست مختصة بماهيات الانسان او الحيوانات بل المراد بها ماهيات الاشياء جواهرها واعراضها اذ هي صور المعلومات كلها وقد تقدم في كلامهم انها عين الوجود والحقيقة فيكون الجزءان من المركب من الوجود والحقيقة فاين العدم لان الوجود ليس بمجعول والماهية ليست بمجعولة ولم يكن في المركب شيء مجعول الا جعل الموضوع متصفا بالمحمول والموضوع عند المصنف في الخارج الوجود وفي الذهن الماهية وصريح كلام داماده في الكلمات المكنونة ان الموضوع هو الماهية لان جعلها متصفة بالوجود عبارة عن حمل الوجود عليها وعنده انها ليست في نفسها مجعولة وكذا الوجود وانما يتعلق بها الامكان من جهة الاتصاف ويتعلق بالوجود من جهة التعين والتخصص فالجعل انما لحق التركيب والتركيب ماهية ايضا فلا جعل في الحقيقة ولهذا قال شاعرهم :
الله ربي خالق وبريق خلقي خلب
يعني ليس له حقيقة وانما هو موهوم وان قال بعدمية التركيب فقد قال والعدم لا دخل له في موجودية الشيء والوجود والماهية في انفسهما عين الوجود والحقيقة كما قالوا فمن اين يجيء العدم لما يجعله غير الوجود وهو يرده في الحقيقة الى الوجود ولكن يقول الشاعر :
كم ذا تموه بالشعبين والعلم والامر اوضح من نار على علم
اراك تسئل عن نجد وانت بها وعن تهامة هذا فعل متهم
فاقول للمصنف كما اقول لداماده قل انا الله ولا تخف فانك بالتصريح تستريح وتريح
وقوله : { فهو عدم او عدمي } اي ظل موهوم او اعتباري فرضي او مجتث الاصل فيه ما ذكره من ان مراده بغير حقيقة الوجود هي الوجودات المشوبة والماهيات الثابتة وهم قد نصوا على ان الوجودات المشوبة انما يتعلق بها الامكان من حيث التعين والتخصص لا من حيث الحقيقة والذات فانه واجب من هذه الحيثية بمعنى ان وجود زيد قبل تعينه وتخصصه بزيد هو واجب وانما تعلق به الامكان لتعينه وتخصصه بزيد واما من حيث ذاته فانه واجب فان كان يريد انه عدم يعني لم يتعين بزيد او ان اصل ما تعين بزيد عدم فهو مجتث الاصل فهو باطل لان عدم الاختصاص لا يجعله عدما او عدميا لانه لذاته واجب وان كان من حيث التركيب ممكنا وهم يقولون الوجود وجود ازلا وابدا فانه اذا كان مشوبا مركبا ليس وجودا ازلا وابدا ثم كيف يكون الواجب مركبا ومشوبا ويكون عدما وعدميا وكيف يقبل الوجوب حالات متغيرة متبدلة وكذا الكلام في الماهيات بالطريق الاولى فالاولى للمصنف ان يأتي بعبارة غير هذه فيقول ان كان الوجود قديما واجب الوجود فهو الحق تعالى وان كان غيره فهو حادث ممكن الوجود ويستريح من هذا الخبط القبيح من العاقل في الدنيا والاخرة
وقوله { وكل مركب متأخر عن بسيطه } هذا على الظاهر صحيح عند العوام لانه يريد به التأخر الزماني ولكن الواقع ان بعض المركبات متأخرة عن بسائطها اذا كانت بسائطها مركبة كالجدار المركب من طين مركب من الماء والتراب ومن حجر مركب من طين مركب من ماء وتراب او من صخر مركب من ازدواج العناصر وبعض المركبات ليست متأخرة عن بسائطها البسيطة وانما هي مساوقة لها في الظهور واما التقدم الذاتي اذا لوحظ هنا فهو من نوع البسائط المركبة كالمركب من الكسر والانكسار فان بسائطه مساوقة له في الوجود واذا اعتبرت تقدمها على مركبها ذاتا كتحققها في العلم والتصور فانها حينئذ مركبة لان الكسر انما يتصور قبل المركب منه اذا كان مركبا من مادة هي هيئة المنتزعة من كسر خارجي في مركب ومن هيئة ذهن المتصور من بياض وكبر واستقامة وصفاء واضدادها كالصورة في المرءاة فانها مركبة من صورة المقابل المنفصلة هي مادتها ومن هيئة المرءاة اعني هيئة زجاجيتها من بياض وكبر واستقامة وصفاء واضدادها وذلك كما لو تخيلت العرض فان تخيلته من حيث هو عارض كانت صورته وصورة معروضه مادة لصورة علمك بذلك وصورتها هيئة خيالك من حيث صفائه واستقامته وسعته واضدادها وان تخيلته وحده كانت صورته وحدها مادة لصورة علمك به وصورتها هيئة خيالك كذلك فلاجل ذلك قلنا ان بعض المركبات تتأخر عن بساطتها ظاهرا ان كانت بسائطها مركبة وذاتا ان كانت بسائطها مركبة في العلم وبعضها لا تتأخر عن بسائطها اذا كانت بسائطها بسيطة بعدم كونها معلومة قبل مركباتها مثل اول صادر عن فعل الله سبحانه فانه لا بد ان تكون فيه الجهتان جهة من ربه وجهة من نفسه اذ كل مفعول مركب من جهتين فصاعدا واول صادر مركب من الجهتين ولا يتأخر عنهما بل يكون مساوقا لهما فافهم واحتفظ بهذه المسئلة فانها من اسرارهم عليهم السلام قال الرضا عليه السلام مشيرا الى ذلك لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد ان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ثم تلي عليه السلام قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون مستشهدا بذلك
وقوله : { والعدم لا دخل له في موجودية الشيء وتحصله } هذا حق ولكنه هو الذي حكم عليها بالوجوب والوجود وهو الذي حكم عليها بالعدم
وقوله { وان دخل في حده ومفهومه } غير مسلم لانه ان كان ما يشير اليه من العدم شيئا فله مفهوم وله تحقق اما امكاني واما كوني وهو مخلوق لانه اذا تصور شيئا فهو لانه موجود فاذا قابله بمرءاة ذهنه انطبعت صورته في مرءاة ذهنه فما في الذهن لا يكون الا ظلا لخارجي بدليل انك لا تتصور شيئا الا بان تلتفت بذهنك الى مكانه ووقته ولا تقدر ان تذكر شيئا الا اذا نظرت بذهنك الى مكانه ووقته والوجدان شاهد به شهادة عيان وقول الصادق عليه السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود عليكم وقول الرضا عليه السلام كما رواه في اول علل الشرائع بسنده الى الحسن بن علي ابن فضال عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له لم خلق الله الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه وقوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ومنها الصورة التي في الذهن فانها لا تقع في ذهن شخص الا بعد ان ينزلها سبحانه من خزائنها الثمانية عشر الى ذهنه بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب كما دلت عليه اخبارهم عليهم السلام وفيها فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك وروي نقص بالصاد المهملة والمعجمة وايضا حين اختلف زرارة وهشام بن الحكم في النفي فقال زرارة ليس بمخلوق وقال هشام هو مخلوق فقال الصادق عليه السلام للسائل قل بقول هشام في هذه المسئلة والحاصل ان من تصور من النفي شيئا وله اسم يصدق عليه فهو مخلوق والا فلا يدخل في مفهوم ولا حد اذ لا يدخل في شيء الا شيء وكل شيء ما خلا الله سبحانه فالله خلقه
وقوله { وثبوت كل مفهوم لشيء وحمله عليه سواء الخ } صحيح في ان ذلك الشيء الذي حمل عليه مفهوم موجود لانه لا يصح الحمل الا على موجود لان ثبوته له فرع على وجوده وكذلك المحمول فانه لو لم يكن موجودا لم يصح حمله اذ لا يصح حمل لا شيء ومجرد التصور لو سلمنا امكانه بدون وجود المتصور لا يجعل المحمول عليه محمولا عليه فاذا تصورتك قديما وقلت انت قديم ما كنت بقولي قديما مثل مذهب المصنف ان الامكان ليس بشيء مخلوق وانما هو امر اعتباري فاذا قلت عصاي ممكنة لم احمل عليها شيئا على قولهم فاذا لم تكن ممكنة كانت قديمة وهي عندهم مخلوقة وما يجيبون به مثل كلامي هذا وساوس وترهات لا يحسن ان تكتب ولولا ان البيان واجب من الله سبحانه على من علمه البيان لكان اكثر ما ذكروا يحرم ذكرها وتدوينها في الكتب ثم انا نقول ان استدلاله هذا اذا بناه على ما نذهب نحن اليه من ان الوجودات التي يصح نسبتها الى الحوادث حوادث اخترعها عز وجل لا من شيء بل اشتقها من اثار فعله كاشتقاق الضرب بسكون الراء من ضرب بفتح الراء الذي ينبئ عن حركة الفاعل وان الماهيات خلقها من نفوس تلك الوجودات من حيث انفسها ولم يكن لشيء من الوجودات ولا لشيء من ماهياتها ذكر في علم بكون ولا عين الا بكونها ممكنة بامكان الله تعالى ولم يكن لها ذكر في عين ولا علم قبل جعلها ممكنة بحال من الاحوال بل كان الله سبحانه متوحدا بذاته لا يعلم ان معه في ازله الا اياه وليس في علمه الذي هو ذاته الا هو وهو الان على ما كان يعلمها ويعلم كل ما سواه في اوقات وجوداتها وامكنة حدودها فاذا بني استدلاله على هذا الذي هو مذهب ائمة الهدى عليهم السلام صح استدلاله معنى لان كل ما سوى الله عدم من حيث حقيقته وانما هو الله سبحانه افادها انفسها ووجودها من فعله بواسطة عللها فافاد المعلول بواسطة علته وافاد علته بواسطة عليتها وهكذا فيصح اول استدلاله الى قوله والكلام عائد اليه فيه
واما قوله { او ينتهي الى وجود بحت } فليس بصحيح ان اراد الحقيقة كما هو مذهبه ولو اراد المجاز كما هو مذهبنا تبعا لمذهب ائمتنا عليهم السلام كان صحيحا وذلك ما قرره سيد الوصيين صلوات الله عليه قال (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ه فيكون قوله او ينتهي الى وجود بحت لا يشوبه شيء اي الى افاضة فعل وجود بحت لا يشوبه شيء فيكون نسبة الانتهاء اليه سبحانه عبارة عن نسبته الى فعله مجازا
قال : { فظهر ان اصل موجودية كل موجود هو محض حقيقة الوجود الذي لا يشوبه شيء غير الوجود فهذه الحقيقة لا يعتبر لها حد ولا نهاية ولا نقص ولا قوة امكانية ولا يشوبها عموم جنسي او نوعي او فصلي او عرضي او خاصي لان الوجود متقدم على هذه الاوصاف العارضة للماهيات وما لا ماهية له غير الوجود لا يلحقه عموم ولا خصوص فلا فصل له ولا تشخص له بغير ذاته }
اقول قوله { فظهر ان اصل موجودية كل موجود هو محض حقيقة الوجود } مبني على ما ذكر من مذهبه وفيه ما ذكرنا من مذهبنا لان قوله محض حقيقة الوجود يشير الى القول بالسنخ يعني به ان اصل موجودية المخلوق هو ذات الحق عز وجل وهو مذهبه في هذه المسئلة فان اصل موجودية الجدار هو وجوده وكل وجود فهو ذات الحق تعالى ربي او من ذات الحق تعالى وكلامه هذا تفريع على ما ذكر قبله فوجود الجدار من حيث ذاته وحقيقته عنده واجب والامكان لحق تعينه وتخصصه بالجدار كما مثلوه بالبحر وامواجه فان البحر هو الكل في وحدته والموجة جزؤ من البحر تعين بالموجة وتخصص بضرب الريح فتميزت من كبر وصغر وارتفاع فاذا سكنت الريح التي هي علة تحريك الماء الذي هو علة تميز الجزء من ماء البحر ذهب التميز واتصل الجزء بالكل فليس الا البحر ومثلوه بالثلج والماء فان الماء هو اصل موجودية الثلج تعين ذلك الجزء للثلج باشتداد البرودة حتى جمد الماء فكان الجامد ثلجا يقبل الكسر فاذا ذهبت البرودة ذاب الثلج فصار ماء لا كسر فيه اذ الكسر لم يقع في الماء ونحو ذلك من تمثيلاتهم كالحروف اللفظية من النفس بفتح الفاء وكالاعداد من الواحد وكالحروف الرقمية من المداد وقد بينا بطلان ذلك في اكثر كلماتنا بل لكثرة اعتنائنا بابطال ذلك ربما يتوهم من لا يعلم اني ما اردت الا مكابرة هؤلاء وعنادهم وليس بيني وبينهم نبوة وانما ابين ما لا اعذر في ترك تبيينه والله على ما نقول وكيل
وقوله { فهذه الحقيقة لا يعتبر فيها حد ولا نهاية } قد اشرنا فيما تقدم ان كلام المصنف في بيان الوجودات المشوبة يلزم منه كونها جنسا وقوله قبل هذا او ينتهي الى وجود بحت ويريد ان الاشياء في تقومها وافتقارها وتحقق وجودها تنتهي الى الذات البحت حقيقة يلزم منه ان الذات تكون غاية ونهاية لغيرها وقد اطبق الحكماء والعلماء على انه اذا انتهى شيء الى شيء غيره كانا حادثين لانقطاع كل بالاخر ولانه ان حل احدهما في الاخر لزمهما الحدوث وان افترقا او اجتمعا لزمهما الحدوث لان الافتراق والاجتماع من الاكوان الاربعة التي لا تكون الا في الحوادث وكذا الحال والمحل وبرهان هذه ظاهر ولهذا نفي المصنف النهاية ولا نقص ولا قوة امكانية قد بينا فيما سبق ان حكمه بكون الافاضة والايجاد والاشياء من نفس ذاته يلزم منها النقص والاستكمال والفقدان المستلزمة للحدوث ولهذا بمقتضى طبيعة الفطرة نفاها عن مقام الوجوب وبمقتضى طبيعة تغيير الفطرة وتبديلها اتى بما يلزم منه ذلك المحذور
وقوله { ولا يشوبها عموم جنسي او نوعي او فصلي الخ } الحق ان الحق سبحانه وتعالى منزه عن ذلك كله كما قال الا ان كلامه يلزم منه كل ما نفاه وتعليله في قوله لان الوجود مقدم على هذه الاوصاف العارضة للماهيات الخ يبطله حكمه هو واتباعه بان كل شيء في الازل والازل ليس فيه تقدم او تأخر فكل ما في الازل حكمه واحد وحكم من قال بان التقدم والتأخر والشدة والضعف وما اشبهها اذا كان من نفس الشيء لذاته من دون شيء غيره لا يضر ولا ينافي القدم والوجوب باطل لان ذلك لا يتحقق الا في المختلف المتعدد اذ الوحدة الحقيقية لا يصح فيها فرض تقدم وتأخر وشدة وضعف اما على مذهبنا فظاهر لان الازل هو الله سبحانه لا انه ظرف فيه الواجب تعالى وغيره او يصلح لغيره واما عندهم فكلامهم مختلف مضطرب مع انهم يجعلون فيه اشياء متعددة وفيه التقدم والتأخر واذا عورضوا في ذلك قالوا انها موجودة لله سبحانه وجودا جمعيا بغير تكثر ويقولون المشية قديمة في الازل هي ذات الله ولكنها متأخرة ذاتا وقالوا علمه بذاته هو علمه بمخلوقاته الا انه متأخر عن علمه بذاته وقالوا كلامه صفة قديمة ازلية لكنها متأخرة عن الذات رتبة ولا ادري كيف يرضون ان يكون البسيط متكثرا متعددا وبعضه سابق على بعض قال الملا في الوافي في بيان معنى قوله عليه السلام ولاكان خلوا من الملك قبل انشائه الخ قال وتحقيقه ان المخلوقات وان لم تكن موجودة في الازل لانفسها وبقياس بعضها الى بعض على ان يكون الازل ظرفا لوجوداتها كذلك الا انها موجودة في الازل لله سبحانه وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير بمعنى ان وجوداتها اللايزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل كذلك وهذا كما ان الموجودات الذهنية موجودة في الخارج اذا قيدت بقيامها بالذهن واذا اطلقت من هذا القيد فلا وجود لها الا في الذهن فالازل يسع القديم والحادث والازمنة وما فيها وما خرج عنها الخ فانظر كيف جعل الازل يسع القديم والحادث وغيرهما فهل هو ذات ام محل ام وقت وهل يسع بنفسه ام بفعله والمعلوم من كلامه ان الازل ليس ذاتا لقوله يسع القديم والحادث والمعلوم ايضا انه يسع بنفسه ولا اقدر على بيان ما فيه من المفاسد ومن ذلك قوله في انوار الحكمة قال نور تكلمه سبحانه عبارة عن كون ذاته بحيث تقتضي القاء الكلام الدال على المعنى المراد لافاضة ما في قضائه السابق من مكنونات علمه على من يشاء من عباده فان المتكلم عبارة عن موجد الكلام والتكلم فينا ملكة قائمة بذواتنا نمكن بها من افاضة مخزوناتنا العلمية على غيرنا وفيه سبحانه عين ذاته الا انه باعتبار كونه من صفات الافعال متأخر عن ذاته قال مولينا الصادق عليه السلام ان الكلام صفة محدثة ليست بازلية كان الله عز وجل ولا متكلم وتمام الكلام في كلامه عز وجل يأتي في مباحث الكتب والرسل انشاء الله انتهى كلامه واقول قوله قال مولينا الصادق عليه السلام جار على العادة والا فمولاه الكاذب الذي اقتدى به علي بن اسمعيل بن ابي بشر الاشعري الذي يقول بقدم الكلام وذلك كما قال امير المؤمنين عليه السلام يقين المنافق يرى في عمله ه فانظر كيف يصح ان يكون ما هو عين ذاته متأخرا عن ذاته فما ادري من اخره عن ذاته هل هو نفس الاعتبار مع كونه في نفس الامر والواقع هو ذاته فيكون الاعتبار يقلب الحقائق حتى اني اذا اعتبرت ان الرجل دب او حمار مشى على اربع ونبت في بشره الشعر ام هو في نفس الامر متأخر ولكن تلك الذات مشتملة على حصص متعددة بعضها متقدم وبعضها متأخر والكل غير خارج عن الذات كما قال في الكلمات المكنونة في بيان سر سر القدر فانه قال وسر سر القدر ان هذه الاعيان الناشية ليست امورا خارجة عن الحق بل هي نسب وشئون ذاتية فلا يمكن ان تتغير عن حقائقها فانها حقائق ذاتيات وذاتيات الحق سبحانه لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والمزيد والنقصان انتهى ما اردت نقله ومرادي من الاستشهاد بكلماتهم ابطالها لانه يقول مثلا هو بسيط مطلق ومعنى البساطة اللائقة بمقام الحق عز وجل انه احدي المعنى لا يصح عليه شيء من انواع الكثرة والتعدد والاختلاف بجميع انواعها من النسب والاضافات والكلية والعموم والاطلاق والكل والاختلاف في الذات والاحوال لا في نفس الامر والواقع ولا في الخارج ولا في الذهن لا في الاحتمال والتجويز ولا في الفرض والاعتبار مطلقا مما يجري في الوجود او الوجدان ويشمل هذا وامثاله قوله عليه السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم ومع هذه الاوصاف والحدود التوحيدية يقول ان وجودات الاشياء المشوبة بشيء من النقائص والاعدام قبل الشوب وبعده من حيث ذواتها وكذلك الماهيات من حيث لحاظ اللامجعولية كل ذلك في ذاته البحت اذ هي صور علمه الذي هو ذاته وما لا ماهية له اي كل شيء ليس له ماهية غير الوجود يعني انما له وجود خاصة ويريد به الواجب الحق سبحانه وقد قلنا سابقا انه سبحانه له ماهية وهي وجوده فالاحسن في التعبير ان يقول ما كانت ماهيته نفس وجوده لا يلحقه عموم ولا خصوص لان العموم تكثر ذاتي وتعدد معنوي ظاهري بمعنى وقوعه كالكل او تجويزه كالكلي او الحكم عليه كاشتريت العبد كله والخصوص حصر وتحديد ينافي القدرة المطلقة والعلم المطلق فهو لازم للحدوث وهو دليل صحيح وحق لا مرية فيه وانما الاشكالات المنافية لاثبات الصانع ولاثبات التوحيد في ادلتهم التي يعرفون بها المعبود عز وجل فانها كما سمعت مستلزمة للجحود وتعدد المعبود وتركبه وتشبيهه بخلقه وانت فتح الله مسامع قلبك ان كنت تفهم ما اقول من كلامهم فالحمد لله على التوفيق وان كان فهمك متوقفا على بيان كل كلمة فذاك نخرج به عما نحن فيه اذ كل كلمة حقيقية فيها اشكالات متعددة ولاجل هذا اذكر كلامه واكل فهم معناه وما يرد عليه الى فهمك فان قلت انا لا افهم منه الا انه كلام مستقيم قلت قبل نقلي له على جهة النقض له والرد عليه وابطاله فكما قلت لانك حالة الغفلة نظرت الى كلام من اقرت له الفحول من العلماء ولا يخطر على قلبك انه غير مستقيم كما كان حال من قبلك من العلماء وذلك لان الناظر مع الغفلة عن التنبيه يلتبس عليه داعي طبيعة الفطرة وداعي طبيعة الاعتياد والتغيير لخلق الله والتبديل لتشابه الداعيين وتماثل متعلق كل منهما لمتعلق الاخر كما قدمنا من ان الحق والباطل متشابهان واما اذا ذكرت لك ما كنت تظن انه صحيح بانه باطل ارتاعت نفسك واستغربت ذلك فرجعت الى نفسها فنظرت الى ذلك الشيء بعين الفطرة الاولى التي فطر الله الناس عليها فعرفت الشيء بنفسه لا بالالتفات الى قول زيد وعمرو قبل ان تلاحظ طبيعة التبديل المكتبسة كما في قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله اي لا تبدلوا خلق الله فعند ذلك تكون محسنا للنظر مجاهدا لتحصيل الصواب فيما استغربته نفسك فتدخل في اهل قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فتفهم هذه الدقيقة وهذا السر في تحصيل الهداية الى الصواب
فقوله { فلا فصل له ولا تشخص له بغير ذاته } صحيح كما مر لان من لا يجري عليه العموم والخصوص ليس له فصل لان الفصل هو المميز بين المشتركات في الذات ولا تشخص له بغير ذاته وذلك لانه اذا وجدت ذاته بنفسها تشخصت بنفسها بالطريق الاولى
قال : { ولا صورة له كما لا فاعل له ولا غاية بل هو صورة ذاته وهو مصور كل شيء لانه كمال ذاته وهو كمال كل شيء لان ذاته بالفعل من جميع الوجوه فلا معرف له ولا كاشف له الا هو ولا برهان عليه الا ذاته فشهد بذاته على ذاته وعلى وحدانية ذاته كما قال شهد الله انه لا اله الا هو لان وحدته ليست وحدة شخصية توجد لفرد من طبيعة ولا نوعية ولا جنسية توجد لمعنى كلي من المعاني وماهية من الماهيات }
اقول ان المعبود بالحق عز وجل لا صورة له لانها من لوازم المصنوعية اذ لا تتحقق المصنوعية الا بتأليف من مادة هي وجوده على اصطلاح القوم ومن صورة هي ماهيته على اصطلاحهم ولانها اي الصورة هي قابلية المادة للصنع وانفعالها فكما انه عز وجل لا فاعل له يصنعه ولا غاية له اي لشيء منه فيلزمها الابعاد سواء كانت حسية ام معنوية واقعة ام مفروضة ام محتملة كذلك لا صورة له وهذا مما لا يختلف فيه احد الا من عدل عن مقتضى الادلة القطعية مثل قوم من الصوفية فانهم قالوا انه متناهي الذات لان هذا هو مقتضى التفريد والابانة من السواء غير متناهي القدرة ومثل الكرامية والحنابلة القائلين بان البارئ تعالى جسم على صورة الانسان حتى ان قوما منهم رووا انه نظر في المرءاة فرأى صورة نفسه فخلق ادم عليها وحكى ابو اسحق النظام ومحمد بن عيسى برغوث ان قوما قالوا انه تعالى الفضاء نفسه وليس بجسم لان الجسم يحتاج الى المكان ونفسه مكان الاشياء وقال برغوث وطائفة منهم يقولون هو الفضاء نفسه وهو جسم تحل الاشياء فيه الا ان هؤلاء قالوا وليس بذي غاية ولا نهاية ولكن القول بالجسم يلزمه التحديد والنهاية كما برهن عليه في الحكمة وهذه الاقوال الفاسدة وامثالها ربما نسبت الى اقوام من المعتزلة والكرامية والحنابلة وقد قامت الادلة القاطعة التي لا يتوقف فيها الا مكابر او سوفسطائي على نفي الصورة والجسمية وقول المصنف بل صورته ذاته صحيح لان الصورة في حقه تعالى كينونته وقيامه بنفسه وهي علمه بذاته فمعنى علمه بذاته كينونته ومعنى كينونته قيامه بذاته ومعنى قيامه بذاته الغني المطلق والوجوب الحق ومعنى الغنى المطلق احتياج كل ما سواه اليه وقيام كل ما سواه به ومرادنا من نسبة هذه المعاني الى هذه الصفات هو العبارة عن معرفتنا لمفاهيم ما اراد منا معرفته من وصفه نفسه لنا بهذه الصفات لا ما هي عليه منه عز وجل لان ذلك لا يعلمه الا هو لان ذلك هو ذاته سبحانه وتعالى
وقوله { وهو مصور كل شيء } يراد منه انه لما كان ما سواه محتاجا اليه في كل شيء حتى في معرفته نفسه ومعرفة غيره له بانه محتاج الى الغني عما سواه في كل شيء وسمها بميسم الفقر والحاجة اليه بان قلدها بالعلامة الدالة على ذلك الافتقار المطلق وهي الصورة الجارية على طبق ارادته عز وجل لتكون عامة الدلالة على ما اراد من شرحه وبيانه لاولي الالباب من قوله عز وجل ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار فكانت الصورة للاستشهاد والاستدلال كمالا للاية والدليل كما انها نقص في حق المستدل عليه لانها وسم الفقر والاحتياج وحيث كان التصوير هداية وتعليما لاداء الشهادة بما حمل من بيانها على طبق ما اراد من العباد كان الصنع والايجاد جاريا على حكم قبول قوابلها للامداد ليقوم التكليف بالقسط والعدل في البلاد ولهذا شاء تصويرهم على حسب الاستعداد فقال تعالى في اي صورة ما شاء ركبك فما استقام في تصوره فمن حسن اجابته وقابليته وما اعوج في تصوره فمن سوء انكاره وقابليته قال تعالى ولكل درجات مما عملوا
وقوله { وهو كمال كل شيء } فالجملة معطوفة على قوله بل هو صورة ذاته ثم علل كونه كمال كل شيء بكون ذاته بالفعل فقال لان ذاته بالفعل اي لا يكون شيء من كمالها ومما تكمل به غيرها بالقوة او فاقدة له بل كل ما لها من كل شيء من الكمالات بالفعل اي حاصل له غير منتظر ولا متوقع لمفقود او لما بالقوة ويريد المصنف ان كل كمال وصل الى احد من الخلق كلي او جزئي فهو في ذات الله عز وجل بالفعل على نحو اشرف منه في غيره لانه غير منتظر لشيء من الكمالات مما يعلم ومما لا يعلم وكلها فيه بالفعل لان الغني المطلق ليس فيه ما بالقوة من جميع الوجوه والا لكان مقيدا في حال وهذا هو المطابق لما يذهب اليه من ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وان كل شيء من انواع الخيرات والكمالات والوجودات فهو في ذاته بنحو اشرف ولا ريب ان تصوير الشيء بصورة طاعته وبصورة معصيته كمال لانه صوره بصورة اجابته سواء كانت خيرا ام شرا يعني ان استجاب لله تعالى حين قال له الست بربك ومحمد نبيك وعلي واله عليه وعليهم السلام ائمتك واوليائك الاستجابة الحسنى بتصديق الجنان وقول اللسان وعمل الاركان صوره بصورة اجابته وهي صورة الايمان والتوحيد وان استجاب لله تعالى الاستجابة السوءي بان انكر ذلك بعد البيان صوره بصورة انكاره وهو صورة المعاصي والكفر ولا ريب ان التصوير على هذا التقدير في شأن الفريقين كمال وحق كما ذكرنا فيكون بالفعل له في ذاته بنحو اشرف والا لكان فاقدا او منتظرا للوجود او للبلوغ كما في ما هو بالقوة او محتاجا لغيره في افاضة الخير والكمالات الى الغير هذا على مذهبه من كونها في ذاته بنحو اشرف واما على مذهبنا فتصويره سبحانه للاشياء كمال في حقها وما هو كمال في حقها فهو نقص في حقه عز وجل مثلا كمال الممكن في الاستمداد والزيادة والاستمداد والزيادة نقص في حق الواجب سبحانه وتعالى فكل كمال يصل الى الممكن فنقول فيه اما ان يكون حادثا او قديما فان كان حادثا امتنع ان يكون في ذات الله وان كان قديما امتنع ان يكون في ذات الحادث فان قلت الذي في ذات الله سبحانه لا ينزل بنفسه الى الحادث وانما النازل اليه اثره وظهوره الا ترى انك اذا علمت مسئلة من العلم كانت في نفسك فاذا علمت بها زيدا لم تنزل هي بنفسها الى زيد بحيث تخلو نفسك منها كالدرهم اذا اخرجته من الكيس خلا الكيس منه وانما ينتقش في نفس زيد صورة ما انتقش في نفسك من المسئلة فكذلك ما نحن فيه قلت لك اولا هذا الاثر النازل اثر فعلي ام اثر ذاتي بمعنى ان النازل مصنوع من شعاع ما في الذات اما بمعنى ان ما في الذات اثر مثله في زيد بفعل منه من مادة مخترعة وانما هيئة النازل كهيئة فعل ما في الذات كالكتابة فان مادتها وهو المداد لا من حركة يد الكاتب ولا من نفس يده ولا من نفس الكاتب وانما الذي من الكاتب ان هيئة الكتابة هيئة حركة يده لا نفس الحركة ولا هيئتها المتصلة بالحركة وانما هيئة الكتابة هي شعاع هيئة حركة يد الكاتب ولهذا نعبر عن هيئة الكتابة بانها هيئة حركة اليد المنفصلة من جهة ان هيئة الكتابة هيئة حركة يد الكاتب لكن لحركة يده هيئتان هيئة متصلة بالحركة لا تفارقها اذ لا تتحقق الحركة الا بها وهيئة منفصلة عنها وهي التي تقومت بها الكتابة والمنفصلة شعاع للمتصلة واما بمعنى ان ما في زيد نفس ظهور ما في الذات اي تنزله بنفسه في مراتبه الى زيد وعمرو او حصة من الذات وصلت الى زيد ولا يصح للمصنف واتباعه شيء من ذلك لانه ان كان النازل اثرا من فعل الذات مخترعا لا من شيء صح لنا ذلك ولا يصح لهم لان اثر فعل الذات المخترع لا من شيء لا يصح ان يكون في الذات والا لم يكن مخترعا فعلى هذا يكون المعطي فاقدا له في ذاته لانه لاحق بالصفات السلبية نعم يكون العبارة عنه في حق الحق عز وجل ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ملكه وان كان النازل ظهور ما في الذات بمعنى تنزله بنفسه فقد كانت الذات مختلفة الاحوال ومختلف الاحوال حادث وذلك بالنسبة الى احوال الظاهر والظهور فان حالة الظهور غير حالة البطون وان كانت في مراتبه ولهذا حكموا على الوجودات بانها تلحقها من المراتب عوارض تشوبها وهي نقائص وبها تميزت من صرف الوجود وان كان النازل حصة من الذات وصلت الى زيد فقد تجزأت الذات وتكثرت سواء قلنا ان تنزلات الحصة وتكثر مراتبها انما هي بالنسبة الى زيد خاصة كما توهموا ام مطلقا وثانيا هل كانت هذه العطايا التي تزعمون انها في الذات بنحو اشرف عنده معلومة متعينة بمعنى انه يعلم ان في ذاته اشياء غيره ام لم يعلم ان في ذاته غيره فان كان يعلم فقد كان محلا لغيره فليس بصمد لكون ذلك الغير له مدخل في ذاته تعالى او يكون معروضا او عارضا وان كان لم يعلم وانتم تعلمون فانتم اعلم منه بنفسه ويكون هذا ردا لقوله تعالى والله يعلم وانتم لا تعلمون فكون كمالاته وما يجوز له يجب له لا يلزم منه ان ما يخلق لخلقه من كل ما يكون كمالا في حقهم يكون غير فاقد له في ذاته لكونه كمالا في حقه عز وجل فان جميع ما في الخلق من الايدي والارجل والاعين والرؤس والوجوه والالسن والعظام والشعر والبشر والعورات وآلات النكاح والمني والحيض والاكل والشرب والنوم واليقظة والضحك والبكاء والحركة والسكون وغير ذلك مما خلق عز وجل لخلقه كمال في حقهم فان الفاقد منهم شيئا منها ناقص وكلها ليست كمالات في حق الحق جلت عظمته بل نقائص فعلى قولهم ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ملكه وان ذاته بالفعل غير منتظر لشيء يجوز عليه لان ما يجوز عليه يجب له فمثل هذه التي ذكرت هو سبحانه اعطاها عباده لحاجتهم اليها فاذا كانت في ذاته بما فيها من النقائص والمذام فاين صرف الوجود الذي يذكرونه فاعتبروا يا اولي الابصار
وقوله { فلا معرف له ولا كاشف له الا هو } يعني لا معرف للوجود الصرف وهو الحق عز وجل بحيث يعرفه عباده الا هو لانه عز وجل لا يعرف من نحو ذاته وانما يعرف بما وصف به نفسه لخلقه ولا كاشف له الا هو هذا لا يصح على جهة الحقيقة وانما يصح على جهة المجاز بان يريهم آياته في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم بما تعرف به فيكشف لهم عن حقيقة ما اراد منهم من معرفته يعني لا مبين لحقيقته اي حقيقة معرفته الا هو والكشف عن حقيقة ذاته لغيره عندنا غير ممكن على ما يريدون اما من جهته عز وجل فكل ما يجوز عليه فقد وجب له لانه كما قدمنا غير متوقع ولا منتظر اذ ليس فيه فقد ولا ما بالقوة وتبيينه لنفسه هو نفسه وقد كان منه ما فات الغايات وانقطعت دونه النهايات حتى خفي لشدة ظهوره عن كل ما سواه واما من جهة كل ما سواه فلان ظهوره لهم يفنيهم اصلا في نفس الامر عند انفسهم وعنده سبحانه لان ظهوره بذاته كان وهو ذاته وهو الازل وفي رتبة الازل يمتنع وجود شيء سواه فقد امتنع ظهوره بذاته لغيره لعدم الغير في رتبة الظهور بالذات ولعدم بقاء الغير ولامتناع ثبوته ووجوده عند الظهور فقد امتنع ظهوره بذاته بمعنى ادراك احد سواه لا بمعنى انه لا يصح ظهوره بذاته لذاته اذ يجب ظهوره بذاته لذاته لانه هو ذاته فقد وجب انكشافه بذاته لذاته على نحو الحقيقة وامتنع انكشافه لما سواه على نحو الحقيقة واما على نحو المجاز فهو ما تعرف لخلقه بما وصف به نفسه لهم وهو حقائقهم فقوله فلا كاشف له الا هو واجب له على جهة الحقيقة وممتنع لخلقه على جهة الحقيقة وجائز واقع لخلقه على جهة المجاز وما جاز ووقع لهم وجب له معهم وقوله { ولا برهان عليه الا ذاته } مثل قوله ولا كاشف له الا هو وقوله { فشهد بذاته على ذاته الخ } اقتباس من قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو ومشيرا الى قول امير المؤمنين عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته فاما شهادته في الاية ففيها وجهان احدهما ما قاله بعضهم من ان شهادة الحق للحق حق يعنون ان الشاهد والمشهود عليه والشهادة واحد وهو الحق الذي لا تعدد فيه ولا تكثر فشهد بانه هو وان لا اله الا هو وشهادة الملائكة انه هو وان لا اله الا هو شهادة الرسم بالرسم للرسم وشهادة اولي العلم كنوع شهادة الملائكة الا ان ذلك عند عامة الناس ان شهادة الملائكة شهادة اصلية برزخية واما عند الخصيصين فشهادة الملائكة فرعية ظلية واما ما في الدعاء ففيه وجوه ذكرناها في شرح المشاعر وغيره ومنها ان الذات المدلول عليها هي الذات البحت والذات الدالة كذلك والدلالة ما خلق من وصفه نفسه لخلقه بذواتهم او باياته وامثاله في الافاق وفي انفسهم او بما اشرق على خلقه من صفة وحدته التي يستدلون بها على وحدانيته واشباه ذلك ومنها ان المدلول عليها هي الذات البحت والدالة هي معانيه اي معاني افعاله عليهم السلام ومنها ان المدلول عليها هي العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والدالة هي الذات البحت او هي العلامات او هي المعاني ومنها ان المدلول عليها هي المعاني عليهم السلام والدالة هي الذات البحت او المقامات او العلامات او المعاني وامثال ذلك فان كان المدلول عليها هو الذات البحت فالدلالة بالايات سواء كانت الدالة هي الذات البحت ام المقامات ام المعاني وان كان غيرها فمنها ما سمعت مما يجوز عليه على نحو ما وصف به نفسه على السن اوليائه عليهم السلام لا على نحو الاراء المتشعبة التي هي طرق الضلالة الى النار وانما قلنا في شهادة الملائكة واولي العلم بما قالوا انها شهادة الرسم بالرسم للرسم لان وحدته عز وجل ليست وحدة شخصية كوحدة زيد توجد لفرد من طبيعة فان وحدة زيد ثبتت له من طبيعة الحيوان الناطق يعني حصة منها تميزت بمميزات شخصية يلزم منه التحديد بنفي ما سواه اي بانه هو لا عمرو ولا وحدة نوعية يتميز بها الانسان من افراد انواع الحيوان ولا وحدة جنسية كما يتميز بها الحيوان المتحرك بالارادة من انواع الجسم النامي يعني وحدة كلية توجد لمعنى كلي يتميز بها مما يدخل معه تحت جنس واحد كما تكون لواحد من الجنس او الفصل او النوع او الخاصة او العرض العام فانها وان كانت كلية بالنسبة الى ما تحتها الا انها جزئية بالنسبة الى ما فوقها تتميز بمميزات نوعية او جنسية كل واحدة عما يشاركها مما يدخل معها تحته فان هذه الوحدات اضافية لتركبها من الحصص والمعينات المتألفة من الهيئات والاعراض والهندسة من النسب والاوضاع المتممات لقوابلها والمكملات لها اذ ليس واحدة منها حقيقية لانها مؤلفة من ابعاد معنوية وصورية وحسية ومن اجزاء وابعاض جوهرية وعرضية اذا توجه اليها الفؤاد والقلب والنفس حللها بخلاف الحقيقية فان الفؤاد يشهد امثالها بسيطة والقلب يدرك اياتها متحدة والنفس ترى اثارها واحدة وكل ذلك في المحال الثلاثة الخارج والذهن ونفس الامر لا اله الا الله الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد
وقوله { وماهية من الماهيات } يمكن ان يجعل عطفا تفسيريا لمعنى كلي كما هو في نفس الامر اذ لا يكون شيء يصدق عليه اسم الشيئية الا وهو ماهية لانها هي هويته من جهة نفسه والظاهر انه اراد بالمعنى الكلي ما كان من الكليات الخمس فيكون الماهية اعم وعلى كل تقدير فان الوحدة التي تحصل للمعنى الكلي والماهية لا تكون حقيقية بل قد تكون وحدة شخصية وهي انما يحصل من التحديدات والمميزات او نوعية او جنسية وهي تكون كذلك وان كان لا يلزم في افراد مشخصاتهما الخصوص كما في الشخصية بل يكفي فيها الخصوص الاضافي لا الحقيقي واعلم ان الخصوص الذي هو منشأ الوحدة يختلف باختلاف العوالم فخصوص الاجسام لا يصلح ان يقوم مقام خصوص الملكوت من المجردات عن المواد العنصرية وخصوص الملكوت الذي هو عالم النفوس والطبائع وجواهر الهباء لا يصلح لتخصيص الجبروت لما فيه من الهندسة الظاهرة وخصوص الجبروت الذي هو عالم العقول لا يصلح لتخصيص عالم الامر السرمدي لما فيه من الهندسة الباطنية وخصوص عالم الامر السرمدي لا يصلح لتخصيص الازل عز وجل لما فيه من اعتبار التعدد لانه خلق بنفسه فالوحدة الازلية لا يشابهها شيء وما سواها من الوحدات فهو ظل وحدة فعل الازل وفعل الازل وحدته مثل وحدة نفسه وبدلها
قال : { ولا ايضا وحدة اجتماعية توجد لعدة من الاشياء وقد صارت بالاتحاد في الوجود او الاجتماع شيئا واحدا ولا اتصالية كما في المقادير والمقدرات ولا غير ذلك من الوحدات النسبية كالتماثل والتجانس والتشابه والتطابق والتضايف ايضا كما ستعلم وان جوزته الفلاسفة والتوافق وغير ذلك من اقسام الوحدات الغير الحقيقية}
اقول ايضا ليس الوحدة التي يوصف بها تعالى وحدة اجتماعية وهي توجد من اجتماع اشياء كما تقول بعتك هذا الذي في الصندوق فتشير اليه باشارة الوحدة مع ان فيه ذهبا وفضة وجوهرا وثيابا لاعتبار المجموع من حيث الاجتماع وقد صارت بالاتحاد في الوجود اي الحصول والظهور واحدا كالموجود المجتمع من الوجود والماهية وكالكسر والانكسار فان الوجود والكسر متوقفان في الظهور اي الكون في الاعيان على الماهية والانكسار والماهية والانكسار متوقفان في التحقق الذي يحصل الكون في الاعيان على الوجود والكسر فاحدهما متوقف على الاخر في الحصول فصار الشيء الواحد منهما لاتحادهما في الوجود اي الحصول وكذلك ما يحصل من الاجتماع كما مثلنا بما في الصندوق وكذلك الوحدة الاتصالية كما في المقادير كالعشرة فان وحدتها انما حصلت من انضمام خمسة الى خمسة وكالمقدرات كالدراهم العشرة فان وحدتها من انضمام خمسة دراهم الى خمسة دراهم فلما اتصلت الخمسة الثانية بالاولى في المقدار والمقدر كانا بالاتصال شيئا واحدا حتى يقال هذه عشرة وتلك عشرة وكذلك في التماثل كما في الاجناس والانواع والاصناف فان وحدة الجنس والنوع والصنف مع كثرة افراد كل منها انما هي من جهة تماثل افرادها وكذلك التجانس والفرق بينهما ان التماثل يعني به ما كانت الافراد من صنف واحد كالتركي والتركي او من نوع واحد كزيد وعمرو او من حصة جنس كالانسان والفرس اذا لحظ منهما الحصة الحيوانية او تقول كحيوانية الانسان والفرس واما التجانس فيراد منه مثل الانسان والفرس فانهما من جنس واحد فتقول هذا الحيوان فيدخل فيه الانسان والفرس وهذا الجسم النامي فيدخل فيه الحيوان والشجر والتشابه كوحدة الامثال على الظاهر كوحدة مثل المنافقين مع مثل الذي استوقد نارا كما ذكره سبحانه وانما قلت على الظاهر احترازا عما يذهبون اهل التأويل من ان مثل المنافقين هو بعينه مثل الذي استوقد نارا فتكون على هذا الوحدة هنا شخصية لا وحدة تشابه كما اراد المصنف لان المشبه عندهم عين المشبه به فلا تعدد في نفس الامر وكذا في كل تشبيه في الكتاب والسنة المنقولة باللفظ لان المنقولة بالمعنى ربما كان الناقل ليس ممن لم يصل الى هذا المقام وانما نقل على مدلول اللغة ظاهرا ووحدة التطابق قد تحصل باعتبار مطابقة الصفات او التعلق او المعاني او للذوات او المقادير فتلاحظ الوحدة في جهة التطابق في كل شيء بنسبته واظهر ما يعبر عنها في الضد والمخالف والمقابل فيقال مثلا هذا ليس باسود فتريد كل ابيض لانه ليس باسود وكل اسود لانه ليس بابيض وفي زيد في الدار زيد مبتدأ والجار خبر وان شئت قلت والمجرور خبر وزيد ليس بقائم اي قاعد او جالس وليس بقاعد اي قائم او منتصب وكذا المترادف في المعاني والحاصل تنظر جهة التطابق فيتحد المتعدد فيها وح يدخل التطابق في التشابه مع تطابق الصفات وفي التجانس مع تطابق المعاني وفي التماثل مع تطابق الذوات ووحدة التضايف في كل شيئين توقف كل واحد على الاخر في جهة التوقف فيجري في الستة السابقة من حيث الصدق اللغوي
وقوله { وان جوزته الحكماء } يعني بان تكون وحدة التضائف يجوز اطلاقها على الله عز وجل لقولهم بالايجاب فيكون الفاعل يلزمه المفعول ولا ينفك عنه والمصنف قد ذكر ذلك في الكتاب الكبير ونصره وان لم يقل باللفظ ان الفاعل الحق عز وجل فاعل موجب قال : فصل في ان المعلول من لوازم ذات الفاعل التام بحيث لا يتصور بينهما الانفكاك بيانه ان الفاعل اما ان يكون لذاته مؤثرا في المعلول ام لا يكون فان لم يكن تأثيره في المعلول لذاته بل لا بد من اعتبار قيد آخر مثل موجود او صفة او ارادة او الة او معالجة او غيرها لم يكن ما فرض فاعلا فاعلا بل الفاعل انما هو ذلك المجموع ثم الكلام في ذلك المجموع كالكلام في المفروض اولا فاعلا الى ان ينتهي الى امر يكون هو لذاته وجوهره فاعلا ففاعلية كل فاعل تام الفاعلية بذاته وسنخه وحقيقته لا بامر عارض له فاذا ثبت ان كل فاعل تام فهو بنفس ذاته فاعل وبهويته مصداق للحكم عليه بالاقتضاء والتأثير فيثبت ان معلوله من لوازمه الذاتية المنتزعة عنه المنتسبة اليه بسنخه وذاته انتهى لكنه لم ينته عما يقول فقد اثبت له وحدة التضايف من حيث لا يشعر فان قلت هذا لا يلزم المصنف لانه عنده ان الوجود حقيقة واحدة وانما الوجودات شؤن تلك الحقيقة الغير المجعولات وهي غير مباينة لتلك الحقيقة بل القابل والمقبول والفاعل والمفعول شيء واحد فلا يتحقق التضايف الا في المتباينات وحيث ذهب الى الاتحاد لم يكن قائلا بجواز وحدة التضايف عليه تعالى لان هذه الوحدة حقيقية بخلاف الحكماء من المشائين فانهم جوزوا عليه تعالى وحدة التضايف لان افراد الوجودات عندهم مباينة له ليست من سنخ واحد عندهم فوجود الواجب مغاير لوجودات معلولاته وحيث كانت لازمة لذاته غير منفكة عندهم عنها لتمامية عليته كانت مرتبطة به ارتباطا غير معلوم الكنه اذ يلزم من معلوميته اما معلومية علته او انفكاكها عنها والمعلومية ممتنعة والانفكاك ينافيه تمامية العلة والمصنف منع من ذلك التجويز لتوقف الوحدة على لحاظ المغاير بخلاف ما ذهب اليه فان المغايرة صورته قلت انما قلت اثبت له تعالى وحدة التضايف من حيث لا يشعر لانه توهم ان هذا التضايف ليس حقيقيا لعدم مغايرة العلة للمعلول بل هذه الوحدة هي الحقيقية وهو توهم فاسد من وجوه الاول انا قد اثبتنا المغايرة والمباينة بالادلة النقلية من الكتاب والسنة والعقلية الضرورية فان مختلف الحالات والمتغير الاطوار والمراتب كيف يصح اتحاده بالازلي ويكون من سنخه الثاني لو سكتنا عن المغايرة في الحقيقة فكيف نسكت عن الاعتبارية فان المعلولات انما قيل لها ذلك لفرض المغايرة والا لماصح تأثير الشيء في نفسه بدون فرض مغايرة او حمله عليه او ان يصدق عليه كلام لم يصدق من جهة صدقه عليه ومهما فرضت المغايرة بكل اعتبار وجبت المغايرة بين الواجب وغيره لان الازل لا يجوز عليه الفرض والتقدير والامكان والاحتمال وان جاز ذلك في العلة الغير الواجبة بالذات وبين معلولها في بعض الاحوال لوجود الحالة الجامعية بينهما وهي الامكان بخلاف الواجب بل اما تقول هو الله ولا علة ولا معلول ولا ظاهر ولا مظهر ولا مؤثر ولا تأثير فتسقط جميع ما يصدق على الخلق مما جل ودق واما ان تقول هو الله وخلقه فتثبت تلك الامور وما اشبهها للخلق وتنفيها عن الحق عز وجل بكل اعتبار كما قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه الثالث ان الربط لا يتحقق الا بين حادثين للزوم الاقتران والاجتماع والمشابهة التي لا تكون الا في الممكنات وذات الله عز وجل لا يكون بينها وبين شيء غيرها اجتماع ولا اقتران ولا مشابهة ولا افتراق ولا غير ذلك من احوال الخلق لا في نفس الامر ولا في الخارج ولا في الذهن الرابع قد اثبتنا بالكتاب والسنة واتفاق العقول على ان الفاعل لا يكون فاعلا بذاته الا الفاعل بالطبيعة على زعمهم ايضا بل اما يكون فاعلا بفعله واما ان يكون غير فاعل لذلك المفعول فانه اذا لم يكن المفعول صادرا بفعل الفاعل لم يكن الفاعل فاعلا لذلك المفعول ولا المفعول مفعولا له ثم لو جاز ان يكون فاعلا بذاته وهي البسيطة المطلقة المنزهة عن جهة وجهة وحيث وحيث وعن كل ما سوى محض الذات البحت لزم ان تكون على الدوام فاعلة لمفعول واحد لا ينتهي لعدم انتهائها ولا يتعدد لعدم تعددها ولا يختلف في ذاته ولا في صفاته لعدم اختلافها كذلك اذ اقل احواله ان يكون على هيئة علته كالصورة في المرءاة فكما تكون على هيئة المقابل في الانتهاء وعدمه والتخطيط كذلك يكون المفعول فيكون غير متناه وغير مختلف واذا ثبت انه فاعل بالاختيار بمعنى انه ان شاء فعل وان شاء ترك لان الاشياء واقفة على باب التكوين اعني التمكين حتى يؤذن لها بالخروج الى عالم الكون والا لكان تعالى يخاف الفوت فلا يكون ذا اناة تعالى سيدي ومالكي لا كما يتوهمه المصنف واتباعه من انه فاعل بالرضي او بالعناية لما في ذلك وما اشبهه من المفاسد ويأتي في محله الاشارة الى شيء من ذلك انشاء الله تعالى انتهت المفعولات الى فعله لانها اثاره من حيث موادها وامثاله من جهة صورها كما ان حروف الكتابة صورها امثال هيئة حركة يد الكاتب فاذا انتهت الاشياء الى فعله المحدث كما قال امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ه كان الربط بين الفعل والمفعول موجبا للتضايف ووحدته غير حقيقية فمن جعل وحدة التضايف بين الواجب وبين خلقه فقد الحد سواء جوزها على الله سبحانه ام لا وسواء جعل الخلق مباينين للخالق ام لا الا ان من جعلها مباينة فالحاده من وجهين احدهما دعوى الربط بين الخلق وبين الحق تعالى وثانيهما اطلاق وحدة التضايف عليه ومن لم يجعلها مباينة للخالق فالحاده من وجوه لا تحصى لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ومن الواجب على ان اتكلم على كلام المصنف الذي نقلناه من الكتاب الكبير لحاجة الناظر الى ذلك ولابتناء كثير مما يأتي عليه فاقول ان الاستقصاء مما لا ينبغي لاني اذكر كثيرا من ذلك في اثناء كلامي في المقام المناسب له سواء ذكرته هنا ام لم اذكره كما هي عادتي وثانيا يطول الكلام فيه بحيث نخرج عن المقصود زيادة عن المعتاد فقوله : فصل في ان المعلول من لوازم ذات الفاعل التام بحيث لا يتصور بينهما الانفكاك فيه ان هذا انما يصح اذا كان الفاعل فاعلا بالايجاب لا بالاختيار ثم ان كان فاعلا بالايجاب وقيل بمباينتها له لزم الاقتران خاصة ولو قيل بعدم مغايرتها لزم الاتحاد ويكون التعبير بانها من اللوازم انما هو بملاحظة تأخرها عن العلة رتبة ويلزم منه القول بالمباينة والمغايرة اذ الشيء الواحد لا يصح فرض تأخره عن نفسه رتبة ولا تأخر بعضه عنه لانه ح ليس بواحد ولا فرض العلية والمعلولية ولا اللازمية والملزومية لكونها من ملزومات المغايرة وعدم تصور الانفكاك لا يصح الا في الشيء الواحد البسيط الحقيقي والا فكل اثنين يتصور الانفكاك بينهما الا بلحاظ حال الربط فانهما من هذه الحيثية لا يتصور الانفكاك او ان الاثنينية اعتبارية فانها عندهم يقولون هي من حيث المفهوم يعني ان كونهما اثنين من حيث تغاير المفهومين وفي الذات واحد والكل ليس بصحيح فان لحاظ الحيثية لا يوجب الاتحاد ولا عدم تصور الانفكاك في غير حال اللحاظ وتغاير المفهومين اذا كان في الشيء المتحد في الخارج وفي نفس الامر يوجب كذب الذهن فصدق تغاير المفهوم يوجب التعدد اذ الاعتبار من اقسام الحوادث الواقعة فان الذات الواحدة لا يمكن اعتبار تعددها الا من جهة الصفات او الاجزاء او الجزئيات الطبيعية وكل ذلك مناف لوحدة الذات اذا اخذت فيها على نحو الحقيقة فانه لو اعتبر ما ليس بواقع متحقق انه واقع متحقق اما في الاكوان او الامكان لم يكن ذلك الاعتبار صحيحا وان كان في الاكوان او الامكان كانت الذات متعددة اما خارجا واما حكما وليس واحد مما هو هكذا بواحد بسيط في الحقيقة بل هو متعدد متكثر وقوله : بيانه ان الفاعل اما ان يكون لذاته مؤثرا في المعلول او لا يكون جوابه ان الفاعل مؤثر في المعلول بفعله لانه لو كان مؤثرا فيه لذاته فالتأثير ان كان متأخرا عن المؤثر رتبة كان هو من الفعل كما هو المعقول والواقع وان لم يكن متأخرا فان كان هو الذات بكل اعتبار كانت الذات فعلا ويلزم منه مع اتفاق العقلاء على حدوث الفعل بكل انواعه واصنافه وافراده ان تكون الذات فعلا وهو يستلزم فاعلا يحدثه ويحدث به ويقيمه ويقيم به وان كان غير الذات لزم تعدد القدماء وتكثر الامثال الازلية وايضا لو كان مؤثرا لذاته لاختلفت احواله لان التأثير متأخر عن المؤثر ولو في الفرض والاعتبار ولو بالمفهوم فحالة التأثير بعد حالة الذات في نفسها والمتغير الاحوال ومختلفها حادث بلا خلاف ولو كان فيما يعلمه وقوله : فان لم يكن تأثيره في المعلول لذاته بل لا بد من اعتبار قيد اخر جوابه لا بد من اعتبار قيد آخر وهو الفعل اي المشية والارادة والابداع كما قال الرضا عليه السلام اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد وقوله : لم يكن ما فرض فاعلا فاعلا بل الفاعل انما هو ذلك المجموع جوابه ان ما فرضه المصنف من كون الذات البحت فاعلا لم يكن فاعلا اذ لو فرض ذلك لزم ما قلنا فلا بد من قيد يسند الفعل به اليه وهو المشية والارادة اعني الفعل وليس المجموع فاعلا بل الفاعل مثال الذات البحت بفعله اعني المشية والارادة والمعلول يستند الى الفعل والفعل احدثه الفاعل بنفسه اي بنفس الفعل واقامه بنفسه فهو قائم بالفاعل قيام صدور وبنفسه قيام تحقق اي قياما ركنيا والمعلول قائم بالفعل قيام صدور وباثر الفعل قيام تحقق اي قياما ركنيا وليس المعلول مستندا الى الفاعل لذاته ولا الى المجموع بمعنى صدوره من كل من الفاعل والفعل على سبيل التعاقب او التبعيض والتوزيع او من القدر المشترك بينهما والفاعل على الحقيقة ليس هو الذات البحت والا لزم ما قلنا سابقا من انه يكون فاعلا لمعلول واحد غير منتهى التمام على الدوام بل الفاعل هو الذات الظاهرة بالمفعول وهو الذي عنيناه بمثال الذات اعني الصفة العنوانية والمعلولات تنتهي الى الفعل كما قال مقتدانا امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ه وشكل المخلوق هو الفعل لانه مخلوق ولان هيئة المخلوق من هيئته كما قلنا بان هيئة الكتابة من هيئة حركة يد الكاتب لا انها تنتهي الى الفاعل وقوله : الى ان ينتهي الى امر يكون هو لذاته وجوهره فاعلا جوابه ما قلنا انه لا تكون الذات فاعلا وانما الفاعل م ثالها الا ترى زيدا مرة يفعل ومرة لا يفعل ولو كانت ذاته بنفسها هي الفاعلة لكانت الفاعلية عين حقيقتها فلا تتحقق الا فاعلة ولكنها اذا لم تفعل فهي الذات حقيقة واذا فعلت فهي حينئذ قد لبست ثوبا اعني المثال الذي هو ظهورها بالفعل اي فعلها لما ظهرت به وذلك المثال من الذات بمنزلة القائم من زيد والقائم من زيد اذا فتشت عن حقيقته وجدته اسما لفاعل القيام لا لذات زيد فهو في الحقيقة مصاغ من فعل زيد للقيام ومن القيام الذي هو اثره فجعل اسما لفاعل القيام ومثاله كالحديدة المحماة بالنار فان ذلك فاعل الاحراق لان الحرارة التي هي فعل النار هي المحرقة والحديدة محلها الحامل لها فالعالم العارف بالله سبحانه ينتهي عنده الكلام الى امر يكون هو بفعله فاعلا لا بذاته وقوله : ففاعلية كل فاعل تام الفاعلية بذاته وسنخه وحقيقته لا بامر عارض له جوابه ان الفاعلية لا يتحقق بذات الفاعل كما لا يقال ان المقابل للمرءاة هو الفاعل للصورة وانما تتحقق للشيء بكونه فاعلا بفعله ولذا سمي بالفاعل وليس كون الفاعل فاعلا بفعله يلزم منه انه ليس بتام لاحتياجه في فاعليته الى فعله كما نبه المصنف عليه بقوله كل فاعل تام لان الشيء لو تحققت له الفاعلية بدون الفعل وتوقفت فاعليته على الفعل اتجه كلام المصنف لكن الذات البحت لا يتصف بصفات الخلق لذاته وهي صفات الاضافة اي التي مفاهيمها تنشأ عن الارتباطات كالفاعلية فانها تقتضي فعلا ومفعولا والخالق والرازق والمعطي وما اشبه ذلك فان صفات الاضافة صفات الخلق ولا يجوز ان يتصف بها الحق تعالى والفاعلية انما يوصف بها من يفعل وفعل نعم الذات البحت متصفة بمعنى الفاعلية ولا فعل ولا مفعول ومعناها هو القدرة والعلم وكذلك سائر صفات الخلق فالذات بنفسها تامة وفوق التمام بمعنى الفاعلية الذي هو ذاتها اعني القدرة والعلم المطلقين فلا يلزم من قولنا ان الفاعل لا يفعل بذاته والا لما كان فاعلا وانما يفعل بفعله نسبة الاحتياج والنقص فان قلت يلزم على قولك انه تعالى لا يوصف بالعلم والقدرة والسمع والبصر لان مفاهيمها اقتضاء الاضافة فالعلم يقتضي عالما ومعلوما وكذلك الباقي وهذا خلاف ما عليه كل العلماء والحكماء والعقلاء قلت نعم الامر كما قلت فان العلم المقتضى معلوما والقدرة المقتضىة مقدورا والسمع والبصر وغيرهما لا يصح ان يوصف بها تعالى لانها صفات فعلية وانما يوصف بمعانيها وهو العلم والقدرة وكذلك يوصف تعالى لذاته بمعنى الخالق وهو القدرة والعلم ولا يوصف لذاته بالخالق لانه من صفات الافعال واما اذا سمعت عنهم عليهم السلام يقولون هو سبحانه عالم يريدون به العلم الذي هو ذاته وهو تعالى لذاته عالم ولا معلوم وقادر ولا مقدور واما المقتضى للاضافة فهو من صفات الافعال لا توصف به الذات البحت وكذلك الفاعل فافهم ان وفقت للهدى فهمت والله سبحانه ولي التوفيق ففاعلية كل فاعل تام الفاعلية بفعله لا بذاته وسنخه وقوله : فاذا ثبت ان كل فاعل تام فهو بنفس ذاته فاعل وهويته مصداق للحكم عليه بالاقتضاء والتأثير جوابه لم يثبت من هذا شيء وانما الثابت انه بفعله فاعل وان هويته تعالى لو كانت مصداقا للحكم عليه بانها تقتضي لذاتها الفاعلية والتأثير لكان فاعلا في الازل ومؤثرا في الازل وقد ثبت ان الازل هو الذات البحت فاما ان يكون مؤثرا في ذاته او يكون في ذاته شيء غيرها يكون مؤثرا فيه او يكون الازل شيئا غير الذات قديما فتتعدد القدماء ويكون وقتا او مكانا والتأثير فيه نفسه باحداثه او بعضه او يكون فيه غير الحق تعالى فتتعدد القدماء ويكون محلا او وقتا لما احدث فيه وقوله : فيثبت ان معلوله من لوازمه الذاتية المنتزعة عنه المنتسبة اليه بسنخه وذاته جوابه انه لم يثبت ان معلوله من لوازمه الذاتية بل الثابت في نفس الامر ما سمعت حكاية بعضه من كلامنا وفي قوله : المنتزعة منه تصريح الى ان الاشياء عند المصنف ان لم نقل انه لم يرد انها اجزاء منه تقتطع تنفصل منه بعد ذلك اللزوم بذاتها او تنتزع منه بصورها واشباحها مع بقاء حقائقها كل في رتبته من الذات وانما تنفصل من حقائقها التي في ذاته كانفصال النار من الحجر بالزناد او انفصال اللفظ من النفس او تنحط منها صورها واشباحها واظلتها مع بقاء حقائقها في ذاته متحدة بها او قائمة بها قيام عروض او معلقة به تعليق الظل بالشاخص وفي كل ذلك تثبت المغايرة ويثبت التضايف فتجويزه لهذه الوحدة عليه عين تجويز القوم المشائين ولهذا قلنا من حيث لا يشعر وقوله : المنتزعة عنه صريح في اخذها من الذات البحت وقوله : المنتسبة اليه محتمل لاحد الوجوه التي ذكرناها في كيفية الانتساب وقوله : بسنخه وذاته صريح في ان الاخذ بالاقتطاع وهذا هو المرجو من جناب المصنف من الوقوع في ذات الله سبحانه وتعالى
ثم نرجع الى كلامه في هذه الرسالة فنقول وقوله : والتوافق يعني ان الوحدة الحاصلة من توافق شيئين في جهة تكون غير حقيقية كوحدة توافق الاربعة والستة في النصف فان النصف في نفسه وان كان واحدا الا انه منسوب الى متغايرين فلا تكون حقيقية فلا تصدق عليه تعالى واقول ان جميع الوحدات التي ذكرها تكون صادقة عليه تعالى على ما قرره من كلامه ليس منها شيء يخرج عن الوحدة الحقيقية التي عناها من كلامه حين اثبت التلازم بين الذات ومعلولاتها واحال تصور الانفكاك بينهما ومنعه لذلك ممنوع بما يلزم من اعتقاده الذي اثبته وبرهن عليه
قال :{ بل وحدته وحدة اخرى مجهولة الكنه كذاته الا ان وحدته اصل الوحدات كما ان وجوده اصل الوجودات فلا ثاني له وكذا علمه الوحداني نفس حقيقة العلم الذي لا يشوبه جهل فيكون علما بكل شيء من جميع الوجوه وهكذا القول في جميع صفاته الكمالية }
اقول هو يريد ان وحدته مغايرة لجميع الوحدات كما ذكر قبل هذا الكلام بلا فاصلة وبين وجه ذلك ان وحدته تعالى مجهولة الكنه كذاته وما سواها معلومة الكنه ثم بين ان وحدته المجهولة الكنه اصل لسائر الوحدات يعني انها استقص جميع الوحدات كما ان وجوده كذلك لجميع الوجودات وعلمه ايضا استقص لجميع العلوم وقدرته وسائر صفاته اصول لسائر صفات الخلق
وقوله { كذاته } لا يريد به ان الوحدة مغايرة في نفس الامر لذاته وانما الذات لما كانت معروفة عند الكل بانها مجهولة الكنه والوحدة لم تعرف بذلك عند الكل وانما يعرف ذلك العارفون بالله من ان وحدة ذاته هي عين ذاته فشبهها في هذه المجهولية بها ومراده انها هي هي والامر الواقع كذلك بقينا في كون وحدته المجهولة الكنه اصلا لجميع الوحدات الحادثة كما ان وجوده تعالى اصل لجميع وجودات الحادثات وكذلك صفاته كلها اصل لصفات خلقه وهذا هو المعروف من مذهبه ومذهب اتباعه القائلين بوحدة الوجود الا تسمعهم يقولون معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته فاذا قلت لهم الحجر في ذاته والثمر قالوا نعم بوجه اكمل ونحو اشرف وربما مثل بعضهم ذلك بالنار في الحجر فانها كامنة في الحجر كذلك الاشياء كامنة في ذاته وكما انه اذا حك الحجر بالزناد خرجت النار وهي مثال الكامنة لا ذاتها بحيث اذا خرجت نقص كم الكامنة وفقد الحجر شيئا مما هو كامن فيه بل الظاهر مثال الكامنة نزل من الكامنة ولم يفقد الحجر شيئا مما فيه كذلك ذوات الاشياء وصفاتهم اذا نزلت من غيب الذات فانما نزل مثالها وشبحها وما في الذات باق في رتبته لم يتحول ولم تفقده الذات قال المصنف في المشاعر في كيفية علمه تعالى بكل شيء فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها فحضور ذاته تعالى حضور كل شيء فما عند الله هي الحقائق المتأصلة التي نزل هذه الاشياء منزلة الاشباح والاظلال انتهى وقال الملا محسن في الكلمات المكنونة فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لما كان فماكونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والفاعل بعينه هو القابل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى فالفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدي يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى وحيث الزمناهم بالقول بوحدة العلة التامة مع معلولها كما تقدم لان ما لا يمكن تصور انفكاكه واحد وتلك الوحدات التي نفاها اشياء معلولة له تعالى فهي لازمة لذاته لا يمكن تصور انفكاكها وما لا يمكن تصور انفكاكه بسيط فهو واحد بوحدة حقيقية لان الذات واحدة والنقوش كثيرة كما قالوا لزمهم اثبات ما نفوا والاعتراف بما انكروا ولزمهم ان تكون تلك الوحدات مجهولة الكنه لانها وحدة مجهول الكنه وقد صرحوا بكونها معلومة الكنه فيلزمهم اما كون معلومة الكنه مجهولة الكنه او رفع الجهالة بالكل او خطأ قولهم في الكل وذلك لان وحدته عندهم اصل الوحدات كلها كما ان وجوده اصل الوجودات وعلمه اصل كل العلوم وكذلك سائر الصفات ويريدون ان الوحدة حقيقة واحدة وكذا الوجود والعلم والقدرة وغيرها فصرف الوحدة التي لا يشوبها شيء غيرها هي وحدته عز وجل وهي عين ذاته تعالى وسائر الوحدات شؤن لها قائمة بها انحطت بما عرض لها من نقائص مراتب تنزلها من غير ان تلحق تلك النقائص لها لذاتها بل هي في ذاتها مبرأة عن شوب النقائص وكذلك صرف العلم الذي لا يشوبه جهل وصرف القدرة التي لا يشوبها عجز وصرف الوجود الذي لا يشوبه عدم وكذا سائر الصفات ما خلص وصفا فهو الواجب تعالى وما كان مشوبا فهو ما ينسب الى الممكن من غير ان يلحق الشوب شيئا منها لذاته فما ثبت للوجودات من الوجود ثبت للوحدات من الوحدة الحق ولسائر العلوم من العلم الذي هو حقيقة العلم ولسائر القدر من القدرة التي هي صرف حقيقة القدرة وهكذا سائر الصفات ويرد على قوله هذا على كل واحد منها ما ورد على الوجود صرفه ومشوبه على قوله ما اوردناه ونورده واما على ما نقوله نحن تبعا لائمتنا عليهم السلام من ان الذات البحت لا يلزمها شيء ولا تلزم شيئا ولا تكون فعلا ولا ارادة ولا مشية لئلا تكون مستندة الى غيرها او مستندا لغيرها ولا تدخل مع غيرها تحت مفهوم ولا في قيد لفظ او معنى بل هي مبرءة من كل ما يجوز على غيرها فلا توصف الا بالوحدة الحقيقية التي لا يكون منشاؤها متوقفا على شيء غيرها
وقوله { وكذا علمه الوحداني نفس حقيقة العلم الخ } يريد به ما يريد في الوجود وقد بينا بطلان ارادته ومقصوده في ما تقدم وفي شرح المشاعر وغيره اذ علمه الوحداني هو ذاته الحق سبحانه وليس في ذاته الحق شيء غيره ولا يكون مطابقا لشيء ولا مقرونا بشيء ولا واقعا على شيء والعلم الذي يشير اليه المصنف هو ما يفهمه ولهذا يجعله مطابقا للمعلوم وواقعا عليه ومقترنا به ولا شك ان كل ما يكون مفهوما لاحد من الخلق او مطابقا لشيء او واقعا عليه فهو محدث وكذلك سائر الصفات
وقوله { فيكون علما بكل شيء الخ } صريح في ان علمه الذاتي البحت متعلق بكل شيء ومطابق لكل شيء وواقع على كل شيء لان المفهوم من العلم ذلك اذ لو لم يكن متعلقا بالمعلوم ومطابقا له وواقعا عليه لم يكن علما به ويلزمه اما ان يكون العلم في الامكان لان المعلومات كلها ممكنة او المعلوم في الازل لان العلم في الازل ويجيء هنا ما ذكرنا قبل من كون الازل ظرفا او محلا للغير من قديم او حادث والمعلوم المقطوع به ان الازل هو الذات الحق عز وجل وهو العلم الحق عز وجل فلا يكون وقتا لغيره ولا محلا لحادث ولا قديم ويجيء على كون العلم في الامكان كون الازل في الامكان وبالعكس بالعكس وكلاهما محال ولا يلزم من قولنا هذا كونه غير عالم بها بل هو عالم في الازل بها في الامكان فالعلم في الازل لا يخرج عنه لانه هو الازل ولو جاز ان يخرج منه كان ممكنا والمعلومات كلها في الامكان لا تخرج منه ابدا والتعلق بها في الامكان مع وجودها لا قبله وهذا هو العلم الاشراقي واذا اردت ان تتصور هذا فنضرب لك مثلا وهو انك سميع حقيقة ولم يكن احد يتكلم فتسمع كلامه فاذا وجد من تكلم سمعت كلامه حين تكلم لا قبله ولا يقال لك قبل كلامه انك اصم لست بسميع بل انت سميع ولكن لم يوجد مسموع فاذا وجد المسموع تعلق السمع به ووقع عليه وهذا التعلق والوقوع لم يكن قبل المسموع لانه نسبته واضافته يوجد بوجوده ويفقد بفقده وانت على كل حال سميع بغير اختلاف في حال سمعك بعده وقبله ومثله خروج الصورة منك في المرءاة لم يكن قبل المرءاة ولا بعدها والمنطبع فيها اشراق منك لم تختلف حالتك قبل الانطباع وبعده ولم يتجدد لك حال ولا اضافة ولا نسبة وانما المتجدد حال الانطباع فالاضافة والنسبة والتجدد للمنطبع في المرءاة فافهم المثال وترق منه الى معرفة الحق المتعال في مراتب التعريف ومعارج التوصيف واشرب صافيا ودع عنك ترهات الصوفية لانهم يقولون يعلمها في الازل مع ان المعلوم اذا لم يكن شيئا كيف يعلم ما ليس بشيء ولكنهم يقولون هي في الازل اشياء واعيان ثابتة في الازل ولهم اختلافات في ذلك الثبوت والتحقق فمنهم من يجعلها كالحصة النوعية من الجنس فان حصة الانسان من الحيوان لم يكن محدثا لها وهي عينه باعتبار وغيره باعتبار والى هذا المعنى اشار الملا محسن في الكلمات المكنونة في ما تقدم مما نقلناه عنه في قوله فالعين الغير المجعولة عينه تعالى ومنهم من يجعلها شؤنات ابرزها من ذاته او شؤنات برزت من دون ابراز او صور علمية معلقة به تعلق الظل بالشاخص او هي صور لذاته يخلعها تارة ويلبسها اخرى الى غير ذلك من الوساوس الشيطانية ثم اذا كانت في الازل فان كانت غيره تعددت القدماء ان قالوا بقدمها وكان الازل محلا للحوادث ان قالوا بحدوثها وان قالوا كما في الكلمات المكنونة هي عينه فلم يعبرون عنها بالمغايرة والكثرة ويقولون هي وهو تعالى وان قالوا هي غيره فلم جعلوا غيره عينه وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين
قال : { قاعدة عرشية كل ما هو بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الاشياء لا يعوزه شيء منها الا ما هو من باب النقائص والاعدام والامكانات فانك اذا قلت (ج) ليس (ب) فحيثية كونه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس (ب) حتى يكون (ج) بعينه مصداقا لهذا السلب بنفس ذاته فكانت ذاته امرا عدميا ولكان كل من عقل (ج) عقل ليس (ب) لكن التالي باطل فالمقدم كذلك فثبت ان موضوع الجيمية مركب الذات ولو بحسب الذهن من معنى وجودي به يكون (ج) ومن معنى به يكون ليس (ب) وغيره من الامور المسلوبة عنه فعلم ان كل ما يسلب عنه امر وجودي فهو غير بسيط الحقيقة مطلقا وكل ما هو بسيط الحقيقة فغير مسلوب عنه امر وجودي فثبت ان البسيط كل الموجودات من حيث الوجود والتمام لا من حيث النقائص والاعدام وبهذا ثبت علمه بالموجودات علما بسيطا وحضورها عنده على وجه اعلى واتم لان العلم عبارة عن الوجود بشرط ان لا يكون مخلوطا بمادة فافهم يا حبيبي واغتنم}
اقول قوله { كل ما هو بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الاشياء } اي بكمال بساطته التي لا يمكن فيها فرض التعدد والكثرة كل الاشياء لانه بحكم عكس النقيض امر وجودي لا يسلب عنه شيء كما ذكره في المشاعر باطل بعين ما استدل به فانه انما استدل على ذلك بانه اذا سلب عنه شيء واخذ ذلك السلب في مفهومه لزم التركيب فنقول له بسيط الحقيقة امر بحت لا امر لا يسلب عنه شيء لان قولك انه امر لا يسلب عنه شيء مثل قولك امر سلب عنه شيء اذ في الحالين يلزم التركيب فيلزم التركيب من امر وجودي وامر عدمي فيما فررت منه ويلزم التركيب من امر وجودي ومن امر وجودي فيما التجأت اليه وهو لا يسلب عنه شيء والتركيب من الوجوديين اظهر في التركيب واقبح لان لا يسلب نفي سلب وهو اثبات وانما البسيط انه امر بدون قيد على ان قولك فحيثية كونه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب يصح اذا اخذت الحيثية ولكن لو قيل بنحو ذلك كما يذهب اليه المتكلمون وامثالهم من تقسيم الصفات الى ثبوتية وسلبية فانهم اذا وصفوه بسلب مثل هو تعالى ليس بجسم ولكنهم لم يأخذوا حيثية السلب في مفهوم الثبوت فلا يلزمهم المحذور والذي نذهب اليه تبعا لساداتنا عليهم السلام انا اذا وصفناه في التعبير عند التعريف بالاوصاف السلبية نجعلها حدودا للاغيار كما قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه يعني كنه معرفته تفريق بينه وبين خلقه اي تنزيهه عما يجوز على خلقه وغيوره اي جميع غيراته من جميع ما يناله الادراك مما ينفى ويثبت فهو اوصاف ما سواه وتحديد لهم فقولك ليس بجسم تحديد للجسم بالنفي وبالجسمية فافهم هذا ما نقوله ظاهرا واما في الحقيقة فلا يعرف بنفي ما سواه اذ ليس معه شيء من السواء حتى يميز بنفيه وانما هو هو لا يشتبه بشيء اذ ليس معه شيء لا في ذاته ولا في ازله لانه ذاته ولا في علمه لانه ذاته اذ كان العلم تعالى ولا معلوم فاذا وجد المعلوم وجد معلوما واذا لم يكن شيء فما معنى معلوم ولا معلوم فاذا لم يكن شيء معه فما معنى قولك سلب عنه او لم يسلب عنه نعم من كان يقول بثبوت الاشياء معه اعيان ثابتة في ذاته او في علمه او معلقة به كما يقوله المصنف واتباعه فيصح عنده القول بانه سلب عنه او لا يسلب لكنه يبطل عليه قوله بسيط الحقيقة للزوم التركيب على قوله سلب عنه ولا يسلب وبقوله كل الاشياء فان ما هو كل ليس ببسيط كيف وهو يقول مركب الذات ولو بحسب الذهن ولا شك ان جميع عباراته مقتضاها التركيب والتعدد بحسب الذهن وبحسب الخارج لا يخفى على احد الا من نظره فيها نظر تقليد او من هو ناظر الى من قال لا الى ما قال
وقوله { لا يعوزه شيء منها الا ما هو من باب النقائص } فيه انا نقول ما هو من باب النقائص شيء او ليس بشيء فان كان شيئا فالله سبحانه خالقه فهو شيء داخل في الاشياء وان كان ليس بشيء فلا معنى لاستثناء ما ليس بشيء على ان المصنف في الكتاب الكبير يذهب الى اتحاد الشيء والموجود وعدم تحقق الشيئية بدون الوجود في كل طور فالنقائص والاعدام والامكانات باي اعتبار كان من الاشياء فان سلبها عنه كانت ذاته مركبة من سلوب اشياء مثل هو ليس بجسم وليس بماهية وليس بنقص وليس بعدم فان هذه كلها موجودة اما عنده ففي الذهن واما عندنا تبعا لموالينا عليهم السلام برئت الى الله تعالى واليهم من خلافهم فهي موجودة في الخارج وما في الاذهان فاشباح واظلة منتزعة من ذواتها وموصوفاتها الخارجية فان الله عز وجل جعل الذهن مرءاة فاذا اردت ادراك شيء او تذكره مما ادركته ثم غاب عنك او عزب عن ذهنك التفت بمرءاة خيالك وقابلت بها ذلك الشيء في مكانه ووقته فتجد مثاله قائما هنالك في وقت الادراك الاول فتنطبع صورته في مرءاة خيالك ويستحيل ان تدرك شيئا بدون ذلك ويأتي تمام البيان فلا يكون في الذهن حقيقة الشيء الخارجي بعينها ما سوى عوارضها الخارجية كما زعموا بانك اذا تصورت النار كانت حقيقة النار اعني الحرارة واليبوسة الجوهريين في ذهنك بذاتها معراة عن الاحراق وانما في ذهنك الصور المنتزعة من الخارجي ولذا لا تذكر شيئا او تتصوره حتى تلتفت بمرءاة ذهنك الى مظنة كونه في وقته او في محله ووقته ان في ذلك لايات لقوم يعقلون ومما يدل على ذلك ما روي عن الرضا عليه السلام كما تقدم وانما اذكره تسهيلا لتحصيله وتكريرا للتأكيد ليثبت في الاذهان وتطمئن قلوب اهل الايمان قال عليه السلام كما رواه الصدوق في اول علل الشرائع باسناده الى الحسن بن علي بن فضال عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له لم خلق الله الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير وقال جعفر بن محمد عليهما السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم ه والحاصل هذه الالفاظ الموضوعة بازاء هذه المعاني مثل نقص وعدم وامكان وماهية وما اشبه ذلك هل هي الفاظ مهملة او مستعملة فان كانت مستعملة فهي انما وضعت بازاء معان موجودة وان كانت لم توضع بازاء معان موجودة فهي مهملة واجمع العقلاء على انها مستعملة موضوعة بازاء معان موجودة ولو في الذهن وقد بينا الموجود في الذهن واقول هذه الموجودة في الذهن من خلقها وكذلك الامور الاعتبارية بل ثبوت شيئيتها من خلقها فان كانت مخلوقة لهم فقولهم هو كل الاشياء يعنون كل الاشياء من خلقه فتكون الاشياء من خلقهم سلبت عنه وان كانت من خلقه او من خلقهم ولا تسلب عنه فاستثناؤه لها غلط وعلى كل تقدير فلا يكون كل الاشياء وانما هو كل الاشياء التي يعينها المصنف لان الاشياء وان كانت جمعا محلي بالالف واللام وقد نص العلماء على افادته العموم لكن المصنف يريد به العموم العرفي فان قلت انه يريد اللغوي ولكن هذه ليست اشياء حقيقية وانما هي امور اعتبارية قلت قد بينا ان الاعتبار من عالم الخلق وان هذه الامور اشياء مخلوقة غاية الامر هل هي مخلوقة لله ام مخلوقة لهم والله خلقكم وما تعملون
وقوله { فانك اذا قلت (ج) ليس (ب) فحيثية كونه (ج) ان كانت بعينها حيثية انه ليس (ب) } قد قلنا عليه انه لا يلزم ذلك بل يجوز ان يكون كونه ليس ب لا يتحد بكونه ج فيكون كونه ليس ب مستندا الى فعل كونه ج او اثر فعله او لبعض احواله بحيث لا يكون جزء ماهيته كما قلنا فيما تقدم في الصفات السلبية من كون السلب راجعا الى نفسه او الى متعلقه اعني المسلوب على نحو ما اشار اليه الرضا صلوات الله عليه بقوله وغيوره تحديد لما سواه وقلنا عليه ايضا انما يصح السلب ولا سلب في مقام يمكن فيه الثبوت اذ النفي فرع الثبوت ولو ذهنا وامكانا ووجود غيره في مقامه ممتنع ذهنا وخارجا وفي نفس الامر بكل اعتبار فيسلب ولا يسلب وحكمهما انما يصح فرضه فيما يصح تحققه وفي مقام الذات يمتنع فرض وجود شيء ولو عقلا فسقط اعتبار قوله هذا عند اهل الاعتبار
وقوله { حتى يكون ج بعينه مصداقا لهذا السلب بنفس ذاته } قد قلنا عليه انه لا يجب ذلك اذا سلب عنه شيء لجواز ان يكون مصداقا بنفس الصفة والفعل والاثر كذات زيد انما تكون مصداقا للقائم بنفس الظهور بالقيام ومن حيث الفعل واثره اعني القيام واما اذا اخذت السلب في ماهية الذات كان المسمى اي الذات هو الثبوت والنفي وعلى هذا لا يقال يكون الثبوت مصداقا للنفي الا مجازفة في التعبير بل يقال ان الذات مصداق للثبوت والنفي وعلى كل تقدير انما يضر لزوم التركيب على قولنا واما على قوله فلا يضر لزوم ذلك اذ مصححات ذلك عنده كثير منها ان الكثرة نقوش ولا يضر ذلك مع اتحاد الذات ومنها ان الوحدة الحقيقية تستهلك الكثرات ومنها ان الاشياء شؤن حاصلة له حصولا جمعيا وحدانيا لا يقدح كثراتها وتركيباتها في وحدة الحقة وبساطة الحقيقة ومنها انها عوارض له باعتبار مراتب تنزلاته وامثال هذه العبارات الباطلة ومالها الى معنى واحد كما نقول الشجرة واحدة بلحاظ وحدتها وكثيرة بلحاظ اغصانها وورقها وثمرها وكلامهم على هذا ناقص فينبغي لهم الا يقولوا ليس كمثله شيء بل كل شيء مثله وبهذا يتم كلامهم وكأني بك ايها الناظر في كلامي هذا تنكره وتقول انهم لا يقولون بهذا ولا يريدونه وكأني بك اذا قلت لك اسمع قول شاعرهم :
كل ما في عوالمي من جماد نبات وذات روح مُعار
صورٌ لي خلعتها فاذا ما زِلتها لا ازول وهي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
تسكت ولا ترد جوابا
وقوله { فكانت ذاته امرا عدميا } يريد به ان الذات اذا كانت مصداق ليس ب كانت مصداقا لعدم وكذا قوله ولكان كل من عقل ج عقل ليس ب وفيه ان التعبير عن مراده ان يقال ان الذات تكون مصداقا للاثبات والنفي ليس على نحو التوزيع ولا على نحو التعاور بل لمجموعهما فتكون الذات وجودا عدما فيلزم ارتفاع النقيضين اي لا وجودا ولا عدما او اجتماعهما اي وجودا وعدما وح هنا دقيقة تعالت عن التمييز بالكنه وهو انا قد قررنا مما دل عليه عباده عز وجل ان كل ما يجوز عليهم يمتنع عليه وما يمتنع عليهم يجب له سبحانه فيجب في حقه اجتماع النقيضين بجهة واحدة فتقول هو عال دان بجهة واحدة قريب بعيد كذلك ويجب له ارتفاع النقيضين وهو عين اجتماعهما فتقول هو لا عال ولا دان ولا قريب ولا بعيد الا ما كان مما هو من صفات الخلق لانه يمكن في حقهم فلا يجتمع له تعالى ذلك ونقيضه فلا تقول عالم جاهل لا عالم ولا جاهل متحرك ساكن لا متحرك ولا ساكن لان صفات الخلق فيها التضاد حقيقة وصفات الحق سبحانه لا تضاد فيها حقيقة اذ لا يمكن اعتبار كثرة فيها مطلقا فعال ودان وقريب وبعيد التي تجوز على الخلق لا تجوز على الحق تعالى لا هي ولا ضدها فلا تقول هو عال كعلو زيد دان كدنوه لانهما في الجهة وهي لا تجوز عليه ولا تقول هو قريب كقرب زيد وبعيد كبعده لانهما في المسافة ولا عالم كعلم زيد ولا جاهل كجهله لانهما في ثبوت الغير وعدمه فلزوم كون الذات وجودا وعدما وصف له بصفات خلقه لانه في المتضاد في الحقيقة لا من حيث لزوم اجتماع النقيضين او ارتفاعهما اللذين ينسبان الى الحق تعالى بل هما من منسوبات الخلق ولو اريد بهما ما يصح عليه تعالى اي الوجود الذي يصح عليه والعدم الذي يصح عليه جاز وليس وصفه بالعدم مع الوجود من اخذ نفي الغير في كنه الذات لان ذلك النفي مما لا يجوز عليه وما يجوز عليه هو الوجود بالايات اي اثباته باياته والعدم الوجود بالذات فانه عز وجل مفقود بذاته لكل ما سواه وموجود باياته لكل من خلقه وبراه اذ ليس للوجود والعدم معنى في حق ذاته المقدسة عز وجل غير هذا واما معناهما المعروف عند الخلق فهو انما يصح على فعله وعلى مثله الاعلى المشار اليه بقول الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء
وقوله { فثبت ان موضوع الجيمية مركب الذات ولو بحسب الذهن من معنى وجودي به يكون ج ومن معنى به يكون ليس ب } قد اشرنا فيما ذكرنا ان معناه عنده او لازم كلامه ان مدلول ج غير مدلول ليس ب ليصح التركيب وقد صرح به في قوله مركب الذات وظاهر قوله ولكان كل من عقل ج عقل ليس ب عدم مغايرتهما مع دلالة ج على الثبوت ودلالة ليس ب على النفي وبين الكلامين تباين عظيم لان ظاهر ان كل من عقل ج عقل ليس ب اتحاد المفهوم او اتحاد المصداق وكلا الامرين ينافي التركيب فيه وكلا الشقين في الاول يستلزم التركيب فيه
وقوله { ولو بحسب الذهن } يدل على ان التغاير في المفهوم خاصة مستلزم لعدم الوحدة الحقيقية وهو عندنا كذلك واما عندهم فقد يكون على نحو لا ينافي الوحدة الحقيقية فانظر الى كثرة الاضطراب في اقوالهم واعتقاداتهم
وقوله { وغيره من الامور المسلوبة عنه } يدل على ان الامر المسلوب عنه يوجب التركيب وينافي البساطة الذاتية فيجب ان لا يسلب عنه ذلك الامر ويراد من هذا الامر كل وجودي وعليه يكون غيره ما ليس بوجودي ولا ما كان من النقائص والاعدام وغيره في كلامه معطوف على ما الكلام فيه وهو يبطل استثناءه فيكون كل ما يصدق عليه اسم الشيء داخلا في حكم سلب عنه او لا يسلب عنه كما ذكرنا سابقا فافهم
فقوله { فثبت ان البسيط كل الموجودات من حيث الوجود والتمام } فيه ما قررنا ان البسيط هو المنزه عن كل شيء من الموجودات والا كان مركبا من تضايف نسبته اليه وحصوله له كما قال امير المؤمنين عليه السلام وكمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ه وكل شيئين بينهما نسبة الاقتران بالاجتماع والافتراق وفيه ايضا ان قوله من حيث الوجود والتمام ترجيح من غير مرجح اذ الوجود والعدم المقابل له والتمام والنقص وما اشبهها من الاشياء كما تقدم وقد قدمنا ايضا على ان هذه العبارات كلها انما تصح لفظا ومعنى على فرض ان معه غيره في ازله ورتبة قدمه وبعد ثبوت وحدته وتفرده في كل رتبة ومقام هو هو بالضرورة يمتنع فرض سلب او لا يسلب كما قال الرضا عليه السلام في جوابه لعمران الصابئ حين قال يا سيدي هل كان الكائن في نفسه ( معلوما ظ ) عند نفسه قال الرضا عليه السلام انما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة الى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها افهمت يا عمران قال نعم والله يا سيدي فان قلت ان المصنف يقول بمعنى الحديث لانه لا يثبت شيئا ينافيه والامام عليه السلام انما قال وليس هناك شيء يخالفه قلت قوله عليه السلام الى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها ينافي ما تقول لان مراده عليه السلام عدم وجود شيء معه اصلا لا وجود شيء لا يخالفه حتى يصح قول المصنف كل الاشياء لاني اسألك هل يعلم شيئا موجودا في الازل غير ذاته ام لا يعلم فان كان لا يعلم شيئا موجودا غيره تعالى كان ما قلنا وان كان يعلم شيئا موجودا غيره وجب عليه في علمه لنفسه تحديد ما علم منها ليتميز عن الغير فمراده عليه السلام ان ليس معه غيره ليحتاج الى تمييز نفسه منه
وقوله { وبهذا ثبت علمه بالموجودات علما بسيطا } يريد به علمه بها على وجه كلي ازلي عنده وهي مع كونها ذوات الاشياء غير مغايرة لذاته لانها علمه بها الذي هو ذاته قال الملا محسن في رسالته التي وضعها في كيفية علمه تعالى لابنه علم الهدى قال فللاشياء وجهان وجه الى الحق سبحانه وهو من هذا الوجه حاصل له متحقق عنده حاضر لديه في الازل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر ولا متغير باق وبالجملة على ما يناسب ذاته عز وجل وصفاته وافعاله ووجه اخر الينا وهي من هذا الوجه لم تحصل ولم تتحقق ولم توجد الا فيما لا يزال وجودا متفرقا متكثرا متغيرا نافدا وبالجملة على ما يناسب ذواتنا انتهى فتكون الذات عندهم واجدة في الازل للاجمالي فاقدة للتفصيلي فما في الازل غير مغاير للذات عندهم اذ الاشياء لا تسلب عنه في الازل بخلاف ما في الامكان فيكون غير عالم في الازل بما في الامكان مما نعلمه نحن مما هو من الوجه التفصيلي
وقال المصنف بعد هذا { وحضورها عنده على وجه اعلى واتم } ويريد به ما اراد صهره فكان عالما في الازل عندهم بنصف المعلومات لان المعلومات التي عنده في الازل يعلمها بعلمه الذي هو ذاته بلا مغاير بينها وبينه ولا تكثر تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ومذهبنا تبعا لمذهب ساداتنا عليهم السلام انه تعالى في الازل الذي هو ذاته وليس يعلم ازلا غير ذاته الا الازال الحادثة المخلوقة عالم ولا معلوم اي هو عالم ولا معلوم يعني لم يكن في الازل معلوم غيره لان الازل هو ذاته وليس في ذاته شيء نعم لك ان تقول هو عالم في الازل بها في الحدوث والامكان وليس لك ان تقول هو عالم بها في الازل فتكون هي في الازل وانما هو سبحانه في الازل عالم بذاته ولا يعلم في الازل غيره فلما وجدت الاشياء في الامكان في امكنة حدودها وازمنة وجودها وقع العلم عليها اذ لا يقع العلم على غير شيء والا لكان جهلا قال الصادق عليه السلام كان الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه فتفهم هذا الحديث الشريف وانا اظن انك تعترف بان جعفر بن محمد عليهما السلام يعلم وانه اعرف منهم بالله وبعلمه سبحانه واذا اثبتوا الاعيان الثابتة في الازل واثبتوا علمه تعالى بهم في الازل على سبيل الاجمال كانوا قد جعلوا ذات الله محلا لغيره وانه يعلم بعض المعلومات لان الذي في الازل هو الاجمالي واما التفصيلي الذي هو اشرف من الاجمالي فلم يحصل عندهم لله سبحانه في الازل فهو فاقد له تعالى ربي تعالى ربي لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وقوله : { وحضورها عنده على وجه اتم } يريد انها حاضرة في ذاته على وجه اتم واشرف بحيث لا يكون منها تكثر في الذات ولا مغايرة كما هو رأيهم في قولهم معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وقد تقدم بعض الكلام معهم في ذلك ويأتي
وقوله { لان العلم عبارة عن الوجود بشرط الا يكون مخلوطا بمادة } يريد ان العلم بسيط لانه اذا اراد انه حقيقة الوجود لا يمكنه ان يجعله ماديا او مخلوطا بها فيكون قد جعل في ذات الحق سبحانه مادة لاستلزامها التركيب فاذا اشترط في الوجود الذي هو العلم عدم الشوب بالمادة كان هو حقيقة العلم وصرف العلم وهو العلم الازلي لان الوجود المخلوط بالمواد والنقائص حادث ليس هو حقيقة الوجود وليس هو حقيقة العلم ونحن نقول له العلم بها حضورها عنده فان اراد حضورها عنده كل شيء في مرتبة وجوده من ملك الله سبحانه كما نذهب اليه نحن وان علمه بها هو عين ذلك الحضور الذي هو نفس كونها كان عالما بكل شيء وصح لا يعزب عنه شيء في الارض ولا في السماء وان اراد بحضورها عنده كونها في الازل وانما قيل عنده لان وجودها مترتب على وجوده فله التقدم الذاتي وذلك الحضور لاجل كونه في الازل لا يكون مخلوطا بالمادة لتقدس الازل عن المواد لزمه ما قلنا سابقا من كونها قديمة ومخلوطة بذاته او مقرونة به او كونه محلا لها وكون المواد والمخلوط بالمواد غير معلومة له في الازل فيكون فاقدا لها وقد قال ان معطي الشيء غير فاقد له فان قلت انه قال انها في ذاته بنحو اشرف قلت هو ما يعنون به من الوجه الاجمالي بقينا في الوجه التفصيلي والنحو الاخس لم يكن على قولهم معطيا له وهو فاقد له فقول الملا محسن في الرسالة المذكورة في اولها الحمد لله العليم الحكيم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض مناقض لقوله انه لا يعلم في الازل الا الاجمالي ولقول المصنف لان حضورها عنده على وجه اعلى واتم بشرط الا يكون مخلوطا بمادة لان من لم يكن علمه الا بالمجملات وبشرط ان لا يكون مخلوطا بمادة لا يكون عالما بكل شيء بل ببعض دون بعض بخلاف ما اذا قلنا انه تعالى متفرد في ازله ليس معه غيره فهو عالم ولا معلوم لان علمه عين ذاته ولم يكن في ذاته ولا مع ذاته شيء ليكون معلوما فاذا وجد الشيء وقع عليه العلم ومثاله كما اذا اشعلت سراجا في الهواء فانه لا يقع منه شعاع على شيء فاذا وجد كثيف ظهر النور عليه ولم يكن النور معدوما بل هو موجود ولكن المستنير معدوم فاذا وجد المستنير ظهر النور فانه على هذا التقرير يكون عالما بكل شيء لكن الشيء المعلوم لم يوجد في ذاته وانما وجد خارج الذات فافهم يا حبيبي واغتنم وقد قال المصنف هذا اللفظ ونحن وهو قد عرضنا بضاعتنا عليك وكشفناها بين يديك فانا اقول هذا قول محمد واهل بيته الطاهرين (ص) والمصنف يقول قال الفارابي ومميت الدين فاختر لنفسك ما يحلو وقد بسطنا الكلام في جوابنا للملا محمد الدامغاني ايده الله وفي شرح المشاعر فما خفي عليك هنا فاطلبه من هناك
قال : { قاعدة مشرقية, واجب الوجود واحد لا شريك له لانه تام الحقيقة كامل الذات غير متناهي القوة والشدة لانه محض حقيقة الوجود بلا حد ونهاية كما علمت اذ لو كان لوجوده حد او تخصص بوجه من الوجوه لكان تحدده وتخصصه بغير الوجود فكان له محدد قاهر عليه ومخصص محيط به وذلك محال فما من كمال وجودي ولا خير الا وفيه اصله ومنه نشؤه وهذا هو البرهان على توحيده }
اقول { قوله واجب الوجود } محكم لا اشكال فيه اما انه واحد فلان ما زاد عليه يوجب النقص في كل منهما لكون كل منهما محصورا بالاخر اذ قولك هو غني عن كل شيء لا يستلزم الغني المطلق بل قد يلزم منه احتياج ونقص اذا فرض آخر لان الاخر ان كان محتاجا اليه ثبت التوحيد وحصل الغني المطلق وان كان مستغنيا عنه قلنا كونه محتاجا اليه اكمل من كونه مستغنيا عنه فيكون مع وجود المستغني عنه ناقصا هذا في شأن ذاته وفي شأن فعله ان كان كل ما سواه معلولا له حصل الغني المطلق والكمال الحق وان وجد شيء لم يكن معلولا له وقد ثبت ان احتياجه اليه وكونه معلولا له اكمل في حق فعله لعمومه كان نقصا فاشار سبحانه الى المعنى الثاني اذا لذهب كل اله بما خلق اي لو كان اله غيره لاستبد كل صانع بمصنوعاته وتميز كل صنع بتمييز صانعه ومقتضى الكامل المطلق ان يستند كل ما سواه اليه فيقع التدافع بين صنعي الصانعين في كل مصنوع فاذا لم يكن احدهما صانعا لكل شيء فان كان لنقص في نفسه وفعله كان مصنوعا وان كان لتعلق صنع الاخر به كان عاجزا وكان مصنوعا والوجهان جاريان فيما لو تبعض الصنع في المصنوع الواحد او وقع الصنعان فيه او ارتفعا عنه فدل قوله تعالى على هذه المعاني بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام واشار سبحانه الى المعنى الاول بقوله تعالى ولعلا بعضهم على بعض
واما انه تعالى لا شريك له ففي اربعة امور :
الاول توحيد الذات لان الحق منحصر في الازل والازل هو ذاته اذ لو كان ظرفا له لكانا قديمين ازليين لهما ظرف قديم وهكذا فيتسلسل فاذا كان الازل ذاته لم يكن سوى الازل الا المصنوع المستند الى صانعه في كل شيء اي في كل ما يصدق عليه اسم الشيء وليس له ضد لان الازل ليس شيء غيره الا الامكان والامكان وما فيه مصنوعه تعالى والمصنوع لا يكون ضدا والا لماصدر عنه لان الضد هو المقابل واما الممتنع فمعناه مصنوع له سبحانه وما يريدون منه ان قصدوا متصورا فهو مخلوق لله تعالى وما في اذهانهم صورة ذلك سواء اشاروا بذلك الى حق ام الى باطل فان كان حقا فالله موجد كل خير وان كان باطلا فالله خلقه بمقتضى اوهام المبطلين على حد قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فافهم كي تسلم وتغنم وان لم يكن متصورا فليس بشيء وليس هذا على حد الامتناع الامكاني فان الامتناع الامكاني مخلوق كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم او اليكم على اختلاف النقلين والذين يزعمون انهم يتصورون شريك البارئ سبحانه غلطوا لان الذي يتصورونه ما انتزع من هبل واللات والعزى وما اشبهها حيث جعلوها المشركون شركاء وورد نفي الشريك اي ما جعله المشركون شريكا توهموا هذا المعنى فيتصورونه وليس الممتنع شيئا ولا عبارة عنه الا ما استعمل في الموهوم الممكن اذ لو كان شيئا لعلمه الله سبحانه حيث يقول قل اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض وقال تعالى وجعلوا لله شركاء قل سموهم ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض
والثاني توحيد الصفات بمعنى ان معاني صفاته ليس فيها شريك فليس له شريك في حياته اذ لا موت فيها ولا في علمه اذ لا جهل فيه ولا في قدرته اذ لا عجز فيها وهكذا سائر صفاته قال تعالى ليس كمثله شيء
والثالث توحيد افعاله بمعنى انه سبحانه تفرد بايجاد الشيء لا من شيء فلا يخلق احد سواه شيئا من المواد قال هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه وقال تعالى ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السماوات وقال تعالى قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار
والرابع توحيد عبادته بان لا يعبد الا هو ولا يتوكل الا عليه ولا يرجو الا اياه ولا يخاف الا اياه فالموحد في العبادة لا يجد في كل مقاصده وسره وعلانيته الا الله فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا فاذا وجد العارف من وصفه تعالى ومعرفته الوحدة الحقية في المراتب الاربعة ظهر له انه تعالى تام الحقيقة كامل الذات لانه بذلك اللحاظ في كل المراتب الاربعة لا يفقد كمالا ولا يحتمل الزيادة اذ كل كمال فمن فيضه فلا يكون متناهي القوة والشدة لان التناهي يستلزم غيرا وذلك اما ان يكون اياه او يكون عنه فلا تتناهى شدته وقوته وعلى اصطلاح القوم من تسمية الوجود اذا كان تعالى حقيقة الوجود كان ما يفرض نهاية ان كان وجودا فهو تلك الحقيقة او صادر عنها وان لم يكن وجودا لم تكن نهاية فان ما لم يكن وجودا ليس شيئا وهو قول المصنف لانه محض حقيقة الوجود بلا حد ولا نهاية كما علمت
وقوله { اذ لو كان لوجوده حد او تخصص بوجه من الوجوه لكان تحدده وتخصصه بغير الوجود } يريد به انه لما كان حقيقة الوجود كان الحد والتخصص المفروض غير الوجود اذ لو كان وجودا لكان داخلا تحت تلك الحقيقة ولكنه غير الوجود وغير الوجود محتاج الى الوجود فيكون ما هو محتاج اليه قاهرا له ومخصصا له ومحيطا به وهو محال اذ لا يحيط به ما في تقومه محتاج اليه وهذا ظاهر
وقوله { فما من كمال وجودي ولا خير الا وفيه اصله ومنه نشؤه الخ } اقول فيه اعلم ان الكمال على ثلاثة اقسام القسم الاول الكمال الحقي وهو الذات الحق عز وجل والقسم الثاني الكمال الحقيقي وهو الكمال الفعلي وهو ما ينسب الى الفعل والمفعول الاول اعني الحقيقة المحمدية وما يشتق منهما وهو المثال والاية والوجه المسمى بالعنوان والقسم الثالث الكمال الممكن وهو ما يكون من صفات العقول والنفوس والاجسام والمصنف واتباعه يزعمون ان القسم الاول هو منشأ القسمين الاخيرين وهو المعنى عندهم بنحو اشرف يعني ان كمال العقل هو في الذات الحق عز وجل بنحو اشرف وهو كمال الذات او من كمال الذات على الاحتمالين وهو قوله وفيه اصله ومنه منشأوه اي في الواجب اصله يعني اصله هو ذات الحق او انه شأنه فالاول كالحروف من الالف والثاني كالنار من الحجر والعلة في ذهابهم الى هذا ونحوه تقديرهم للكون والنشؤ بمقتضى افهامهم وقياسهم له على ما يصدر عنهم بهوي انفسهم ومن اضل ممن اتبع هويه بغير هدي من الله فاخبرني ايها الناظر في اي كتاب رووا هذا عن نبيهم محمد صلى الله عليه واله وفي اي حديث نقلوه عن اله صلى الله عليه واله ولكنهم لما سمعوا ما وصل اليهم من اهل الحق عليهم السلام من ان الله سبحانه خلق كل شيء وفيها اشياء لا تدركها عقولهم وقالوا عليهم السلام انه عز وجل خلق الاشياء لا من شيء فاستبعدت عقولهم ان يكون شيء لا من شيء وانما يكون الشيء من الشيء فلما نظروا تناهت عندهم العلل الى علة لا علة لها وهو ذات الله عز وجل فقالوا ما قالوا وليست القدرة الباهرة بايجاد شيء من شيء لان ذلك شأن قدرة المخلوق العاجز وانما القدرة الباهرة بايجاد الشيء واحداثه لا من شيء وايضا انا قد ذكرنا مكررا ونذكر انه يلزم على قولهم انه يلد لان هذا المعنى الذي يشيرون اليه احد اصناف الولادة وقد ذكرنا ايضا انه اذا انشأها من ذلك الاصل الذي هو ذاته او من ذاته كان مختلف الاحوال اذ حال الذات قبل الاخراج مغاير لها بعد الاخراج لان البارز ان كان هو بعينه هو الكامن خلت الذات واختلفت الحالات وان كان غيره فالبارز ان كان من ظهور الكامن وشعاعه فحالة الاشراق غير حالة عدمه وان لم يكن من ظهور الكامن وشعاعه لم يكن منه وانما كونه لا من شيء
وقوله { وهذا هو البرهان على توحيده } يريد به ان كونه محض حقيقة الوجود بلا حد ولا نهاية بحيث لو فرض من الاغيار غير فهو اما منه واما عنه والا كان محدودا بذلك الغير متناهيا وهذا برهان محكم على التوحيد كما ذكر وان لم يصحح قوله منه او عنه لانه يريد الابتداء والتبعيض والتنزل والظهور وهذه عندنا باطلة في حق ذاته تعالى وانما يصح في خزائنه الامكانية
قال : { فلا يمكن تعدد الواجب لانه لو تعدد لكان المفروض واجبا محدودا لوجود ثاني الاثنين فلم يكن محيطا بكل وجود حيث تحقق وجود لم يكن له ولا حاصلا منه فائضا من لدنه فحصلت فيه جهة عدمية امتناعية او امكانية فكان زوجا تركيبيا كالممكنات ولم يكن تحت حقيقة الوجود الذي لا يشوبه حد وعدم هذا خلف فثبت الا ثاني له في الوجود وان كل كمال وجودي رشح من كماله وكل خير لمعة من لوامع نور جماله فهو اصل الوجود وما سواه تبع له مفتقر في تجوهر ذاته اليه }
اقول قوله { فلا يمكن تعدد الواجب } حق لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الامر لانه لو تعدد ففرض اثنين فما زاد لكان المفروض واجبا اولا بالنظر الى من فرض معه محدودا بذلك المفروض فتقول هو الا المفروض ثانيا فكان في المفروض واجبا جهة امكانية او امتناعية بان تكون هو ويمكن ان يحيط بكمال المفروض معه او يمتنع فتكون ذاته مركبة مما هو بالفعل ومما هو بالامكان او بالامتناع والمركب لا يكون واجبا لما في ذاته من الانتظار والتوقع وهو قول المصنف لوجود ثاني الاثنين فيكون منتهيا الى كمال الثاني اذا لم يكن كماله له او عنه فيكون فاقدا ناقصا لانه اذا تحقق وجود وكمال مغايران له ولم يكونا له ولا عنه كان فاقدا لهما غير محيط بهما فوجوده وكماله مقيدان بذلك الغير فتكون ذاته منتظرة متوقعة لما يمكن او يمتنع
وقوله { ولا فائضا منه } يشير به الى ان الكمالات والوجودات الممكنة فائضة من ذاته وقد بينا في كثير مما كتبنا ان جميع الكمالات الممكنة ليس كمالات حقيقية وانما هي نقائص في ذواتها وانما سميت كمالات في الممكنات لكونها في الحقيقة اجزاء وآلات لذوي الحاجات يكون فاقدها محتاجا اليها وبها يدرك حاجته فسميت لهذا كمالات والا فهي نقائص وكذلك الوجودات الممكنة على حد واحد فاذا كانت نقائص وحقائقها من حيث ذواتها اعدام فكيف تكون فائضة من الذات الكاملة كمالا غير متناه في الغني والتحقق الذاتي ان هذا الا اختلاق فلو حصل تحقق او كمال غيره اي ليس له ولا عنه لتركبت ذاته كما قلنا مما به هو من الواجب له ومما هو فاقد له فيكون كسائر الممكنات ولم يكن تحت حقيقة الوجود الذي لا يشوبه حد وعدم اي لم تكن حقيقة الوجود الصرف صادقة عليه هذا خلف فثبت ان لا ثاني له اي ليس غيره في الوجود والمصنف يريد بان الواجب تعالى لا ثاني له في مطلق الوجود وهو غلط ونحن نريد انه لا ثاني له في الوجود الحق وذلك لامتناع التعدد في الوجود الحق ولا ثاني له في الوجود الممكن لان الممكن اثر فعله فلا ينسب الى رتبته كما لا ينسب القيام الى رتبة زيد فلا يقال انه ثان لزيد
قال { وثبت ايضا ان كل كمال وجودي رشح من كماله } هذا مثل سائر كلماته وليس بصحيح الا اذا اريد ان كل كمال فيما سواه وهو المدلول عليه بقوله كل كمال وجودي رشح واثر من فعله لم يفض شيء منها من الذات لا بالانفصال ولا بالاشراق ولا بالتنزل والظهور واما اذا اريد ان شيئا منها كعلم زيد فائض من ذات الحق بالانفصال او بالاشراق او بالتنزل وعلى اي معنى فرض فهو باطل لانه نقائص لا يصح في دين الاسلام انه تعالى محل لها او انها جزء منه او حصة كحصة النوع من الجنس والشخص من النوع او انها اشراق من ذاته سواء فرض انه اقتطعها او ميزها او افاضها ام كانت كذلك باصلها الغير المجهول فعل ذلك بالله سبحانه ام كانت بغير تكوين ام غير ذلك على اختلاف انظارهم وكذلك قوله { وكل خير لمعة من لوامع نور جماله } فانه في مراده وفي مرادنا كالكمال وكالوجود
وقوله { فهو اصل الوجود وما سواه تبع له مفتقر في تجوهر ذاته اليه } كسائر اقواله وقولنا فيه كسائر اقوالنا لان الاشياء تتحقق بموادها وصورها فموادها التي يسمى بالوجودات وصورها المسماة بالماهيات اخترعها عز وجل بفعله وايجاده ليس من اصل متحقق قبل الاختراع وليس لها ذكر كوني قبل ذلك الا بما هي ممكنة في العمق الاكبر فجميع الاشياء وما لها وما ينسب وينضاف اليها تنتهي الى فعله وجميع اياته ناطقة بذلك لكل من له اذن واعية منها انك اذا ضربت بيدك او بخشبة على الارض مثلا حصل لذلك صوت فتدبر من اين اتى هذا الصوت مع العلم الضروري بان الاشياء اذا وجدت من شيء انما توجد من نوعها وليس في يدك والخشبة ولا في الارض صوت ليخلق ذلك الصوت الذي سمعته منه وانما خلق اي مادته لا من شيء وليس من الهواء لان الهواء ليس فيه صوت فان قلت انك قلت ان الاشياء لا توجد الا من نوعها والهواء نوع الصوت قلت ان النوع يتحقق في فرده بلا تغيير كالانسان في زيد بخلاف الهواء فانه لو كان نوعا له على المعنى المعروف من النوع لكان الهواء بنفسه هو الصوت وانما التشخص في الصغر والكبر والقصر والطول كما اذا تلفظت تلفظا صغيرا حكاية للفظ كبير فيكون اللفظ هو الهواء كالتنفس بدون صوت واذا دققت في اسفل حوض ماء يسمع الصوت وليس ثم هواء نعم الهواء هو محله اي محل قيامه فهو من جملة مشخصاته والمشخصات خارجة عن النوع والا لم يتحقق النوع اصلا فالنوع تؤخذ منه مادة الشخص وصورته وتؤخذ من الجنس مادة النوع والصوت مادته مخترعة لا من صوت وصورته من الكبر والصغر والطول والقصر مخلوقة منه اي من نفس الصوت من حيث هو كما خلق الانكسار من نفس الكسر من حيث نفسه نعم اذا فتشت عن حقيقة صورته وجدتها محدثة من هيئة الدق فان الدفع هو الفعل الذي به حدث الصوت وقد بينا مرارا ان هيئة المفعول من هيئة الفاعل كما ترى ان هيئة الكتابة من هيئة حركة يد الكاتب ومنها النور الظاهر من السراج فانه حدث من مس فعل النار اي حرارتها ومن دخان الدهن الذي حدث من تكليس حرارة النار التي هي فعلها وليس في النار نفسها ضياء ولا في حرارتها ويبوستها ضياء ولا في الدخان ضياء فمن اي شيء خلق الضياء وهكذا جميع الاشياء وبالجملة مذهبنا في هذه الامور تبعا لمذهب موالينا وساداتنا صلى الله عليهم اجمعين ان الحق عز وجل لا تكون ذاته مبدأ لشيء مما سواه في كل شيء وان كل ما سواه اثر فعله لم يكن له ذكر ولا اسم ولا رسم قبل فعله بحال من الاحوال بل كل شيء منها ولها مخترع واثر لفعله فكل شيء سواه ينتهي الى ايجاده وصنعه
وقوله { فهو اصل الوجود وما سواه تبع له } يريد به ان ذاته تعالى لما كانت حقيقة الوجود كان ما سواها من كل الوجودات تابعا لتلك الحقيقة في التحقق بها اي تحقق كل شيء بنفس تحقق الذات فلا تحقق لها الا تحقق الذات وبهذا المعنى تكون الاشياء اعراضا له قائمة به قيام عروض وقد قال في المشاعر في الاستشهاد على ثبوت الوجود مستشهدا بكلام الحكماء انهم قالوا ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها او وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه انتهى وهو تمثيل منهم لوجودات الاشياء وقيامها بالوجود الحق وهذا منطبق على التشبيه بالثلج والماء وقد ذكرنا قبل قول شاعرهم في قوله :
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
فكون ما سواه تبعا له مفتقرا في تجوهر ذاته اليه من هذا القبيل وكل هذا من فروع القول بوحدة الوجود وكل ما ارادوه باطل ليس من الحق في شيء بل الحق ان ما سواه مفتقر في تجوهر ذاته الى صنعه والى امره وصنعه فعله التي قامت به قيام صدور وامره اول مخلوق صدر عن فعله قامت به الاشياء قيام تحقق قياما ركنيا لان وجوداتها من شعاع وجوده فافهم
قال : { وهم وازاحة ان اوهن الطرق واضعف الحجج على التوحيد طريقة بعض المتأخرين نسبوها الى ذوق بعض المتألهين حاشاهم عن ذلك يبتني على كون مفهوم الموجود المشتق امرا شاملا عاما وكون الوجود شخصيا حقيقيا مجهول الكنه قالوا يجوز ان يكون الوجود الذي هو مبدء اشتقاق الموجود امرا قائما بذاته هو حقيقة الواجب ووجود غيره عبارة عن انتساب ذلك الغير اليه فيكون الموجود اعم من تلك الحقيقة ومن غيرها المنتسب اليه ومعناه احد الامرين من الوجود القائم بذاته وما هو منتسب اليه ومعيار ذلك ان يكون مبدء الاثار}
اقول هذا الذي جعله المصنف اوهن الطرق ادقها وامتنها وان كان فيه تقصير من جهة التعبير ولعل من نسبوه اليه عبر عن مقصوده على نحو الرمز بنوع التمثيل كما اذا قلت زيد مثلا شخص حقيقي وذات متحققة فاذا اردت ان تعبر عن بعض اثاره الفعلية او الانتسابية قلت الزيادة اشتققتها من لفظ اسم زيد فتحققها بنسبتها بالاشتقاق من لفظ اسم زيد لان حقيقة هذا اللفظ اعني الزيادة انما تقومت بمادتها التي هي صورة مادة اسمه يعني ان الزاي فيها من صورة زاي زيد وياءها هي صورة يائه ودالها صورة داله والفها تولدت من الياء وهاؤها اجتلبت من عوارض المقام وهو التأنيث ولو لم يرد التأنيث او المبالغة لم يؤت بها فاذا تدبرت الزيادة وجدتها متقومة بالانتساب الى اسم زيد يعني الاشتقاق منه وقد قلنا فيما مضي ونقول فيما يأتي انشاء الله تعالى وقلنا في اكثر كتبنا ان هيئة المخلوق من هيئة فعل خالقه تعالى والفعل يجري في المفعولات على حسب قوابلها كما قلنا ان هيئة الكتابة في جميع حروفها على هيئة حركة يد الكاتب وما وجود جميع الكائنات وتحققها وتذوتها وتجوهرها اذا نسبتها الى وجود الحق عز وجل وتحققه سبحانه الا كوجود لفظ الزيادة وتحققها وتذوتها من لفظ اسم زيد ولله المثل الاعلى ومثل ضربا الذي هو المصدر المشتق من ضرب الذي هو فعل زيد وضربا معنى اشتقاقه وحقيقته ان ضاده صورة ضاد ضرب وراءه صورة راء ضرب وباءه صورة باء ضرب فزيد في هذا المثل آية الذات الحق عز وجل وضرب الذي هو فعل زيد آية مشيته تعالى وضربا الذي هو المصدر آية مفعوله فوجود ضرب بسكون الراء انما هو عبارة عما اشتق من ضرب بفتح الراء فاذا جعل الحكيم الوجود شخصيا حقيقيا يعني ذاتا بسيطة واحدة تشخصها بما هي ذات لا غير قائما بذاته هو حقيقة الواجب تعالى بقوله مجهول الكنه وجعل وجود غيره عبارة عن انتساب ذلك الغير اليه اي ان حقيقة وجود كل موجود كالمعنى الاشتقاقي من اسم الذات على نحو ما اشرنا اليه من التمثيل والتبيين وانما عبر بالموجود على ارادة المعنى الاشتقاقي على طريقة الرمز والتمثيل لم يكن طريق اقوى ولا ادق ولا اصح من طريقه ولا امتن من تحقيقه الا انه لوح بسر الله لال الله فتلقاه من لا يلقاه
وقول المصنف { فيكون الموجود اعم من تلك الحقيقة ومن غيرها } ليس بشيء لان العارف لا يطلق الموجود بهذا المعنى المتعارف على الذات البحت اذ هذا المعنى المتعارف انما يطلق على الايات يعني انه عز وجل موجود باثباته اي اثبات معرفته في العقول لانه تعالى كما قال سيد الوصيين عليه السلام وجوده اثباته ودليله آياته ه نعم يطلق هذا اللفظ من حيث التسمية على كل ما هو شيء في رتبة صحة الاطلاق وهذا القيد للاحتراز عن تناول ارادة الذات البحت لانه تعالى لا تطلق عليه عبارة ولا تميزه اشارة اذ كل ما ينسب الى شيء او ينسب اليه شيء او يلحقه اقتران او افتراق فهو مخلوق والله سبحانه خالقه فافهم
وقوله قبل { قالوا يجوز الوجود الذي هو مبدء اشتقاق الموجود الى اخره } نقول عليه ان اراد القائل بقوله الذي هو مبدء اشتقاق الموجود انه باعتبار اشتقاق الموجود من اسمه اي الذي سمي به نفسه لخلقه على نحو ما اشرنا اليه كما هو ظني به وان كان فهم الناقلون منه خلاف ما اراد كان صوابا لان تلك نسبة تحقق الموجود وكونه من فعل صانعه بل تلك النسبة هي نفس كونه وتحققه اذا لم يرد بالنسبة نفسها المعنى اللغوي وان اريد بها اللغوي فنسبة كونه وتحققه الى الوجود الحق نسبة كون ضرب بسكون الراء وتحققه الى ذات زيد والمصنف فهم من تلك النسبة النسبة اللغوية والمنسوب ذات الموجود والمنسوب اليه ذات الحق سبحانه ولا شك في بطلان ذلك بهذا المعنى اما الذين نقل عنهم فالله سبحانه اعلم بما ارادوا وكذلك المتألهون الذين نقل اولئك عنهم الا ان ظني ان هذا مرادهم وهو اما ان النسبة هي الاشتقاق من الاسم كما اشرنا والاسم هو الفعل والاشتقاق اخذ الذات من هيئة الفعل اي اخذ ماهية الموجود او اخذ مادته من اثره واما ان النسبة اللغوية ويراد ان نسبة تحقق الموجود وكونه الى الوجود الحق كنسبة الضرب الذي هو المصدر في التحقق والكون الى ذات زيد واما اذا اريد ما فهم المصنف فباطل وهو الذي ذكره بقوله ومعناه احد الامرين من الوجود القائم بذاته وما هو منتسب اليه ولعل قولهم ان الوجود امر قائم بذاته يشير الى ما وجهنا به الكلام المنقول فافهم
قال : { ثم بالغوا في امر سهل المؤنة وهو ان الوجود لو كان قائما بذاته لصح اطلاق الموجود عليه واهملوا ما هو ملاك الامر وهو ان ذاته تعالى هل هو عين معنى الوجود المطلق الذي يثبت للاشياء بعض انحائه وافراده ام لا على ان هذا الباب مسدود عليهم حيث انه ليس للوجود المطلق الشامل للموجودات معنى الا الانتزاعي المصدري المعدود من المعقولات الذهنية التي لا يطابقها شيء }
اقول قوله { وهو ان الوجود الخ } يريد ان تخصيصهم الموجود بالحادثات لا معنى له بل ان كان الوجود الذي فرض قائما بذاته متحققا صح اطلاق الموجود عليه واذا صح ذلك لزمهم كون مفهومه مشتقا منتسبا الى وجود قائم بذاته فلا يكون المفروض كونه قائما بذاته قائما بذاته ويلزم التسلسل بنقل الكلام الى القائم بذاته الثاني وهكذا وعلى كل حال يكون الموجود اعم من الحقيقة اي القائم بذاته ومن المنتسب اليه واقول قد ذكرنا في هذا الشرح وغيره ان ما يعقل من الوجود والموجود فانما هو حادث نعم يجوز ان يطلق من باب التسمية على العنوان ولقائل ان يقول يمكن الفرق بين الشيء القائم بذاته والقائم بغيره فيطلق الوجود على الاول لكونه محض الوجود او ماهيته هي وجوده بلا اعتبار مغايرة لا خارجا ولا ذهنا ولا في نفس الامر بخلاف الثاني فانه في الخارج وفي الذهن وفي نفس الامر وجود وماهية فهو موجود ولا يطلق عليه وجود الا بلحاظ ركنه الايمن او كونه بمعنى الصنع والاثر والنور بالمعنى الثاني من معنيي الوجود والماهية كما تقدم والحاصل ان القائم بذاته انما يصح اطلاق لفظ الموجود بمعنى ما نفهم من الموجود على عنوانه من باب التسمية او على تأويل معرفته باياته او وجوده باثباته
وقوله { واهملوا ما هو ملاك الامر } بكسر الميم وهو ما به قوام الشيء يعني به ان مناط البرهان على ذلك يتوقف على تحرير المطلوب وهو ان ذاته تعالى هل هو عين معنى الوجود المطلق الذي يثبت للاشياء بعض انحائه وافراده ام لا يشير به الى نحو من انواع استدلاله وكلامه يشير به الى ان ما نعني به من الوجود الشامل للحقيقة ليس هو هذا المعنى الانتزاعي المراد بمعناه بالفارسية بهستي فان هذا معنى مصدري ليس له مصداق خارجي وانما هو من الامور الذهنية واقول معنى كلامه هذا باطل من وجوه احدها ان كلامه في مواضع كثيرة من كتبه لا تأبى هذا ولكنه لما تنبه له هنا وجده قبيحا فاعرض عنه وثانيها ان اصل هذا الاصطلاح لم يكن من وضع لغة من اللغات وانما اصطلحوا بوضع هذا اللفظ على شيء لا يعرفون له معنى الا الانتزاعي المصدري وحيث كان هذا لا يقع الا صفة والصفة مسبوقة بالموصوف والموصوف ان وصف بالوجود قبل تحقق الوجود وجب اما ان يكون صفة او يكون الوجود هو الموصوف فيلزم على الاول التسلسل وعلى الثاني ثبوت المدعي وان لم يوصف بالوجود وجب ان يوصف بالعدم المنافي للتحقق حداهم الحال الى اثبات كون الوجود اسما للذات الموصوفة ومن هنا يقولون الوجود عند العوام هو الكون في الاعيان وعند الخواص ما به الكون في الاعيان فاذا زوحموا في بيانه اضطربت عباراتهم ومقاصدهم فمن بين ناف او مثبت لمطلق شامل للواجب والممكن او لعام مصدري او نسبي او رابطي او لشيء لا يعرفه واذا تتبعت كلماتهم ظهر هذا ونحن في كلامنا معهم لا بد لنا من استعمال هذا اللفظ الا انا نريد به في معنيين في المعنى الاول هو المادة والماهية هي الصورة وفي المعنى الثاني هو بتأويل الصنع والاثر والنور والماهية بتأويل هوية الشيء من حيث نفسه فكلام المصنف باطل لدوران كلامه على كل معنى من هذه المذكورات وثالثها ان قوله من المعقولات الذهنية الخ ينافي قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقول الرضا عليه السلام المتقدم فاذا اثبت الكتاب والسنة شيئا كان قول كل ناف له باطلا والمصنف مع دقة نظره وشدة توغله سلك مسلك ارباب القشور من ان الشيء الموجود هو الثخين الغليظ كالجبل والانسان واما مثل المعاني والصفات فهي عندهم امور ذهنية ليست موجودة الا في الاذهان ولم تكن مخلوقة للرب الرحمن سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ويأتي الكلام في هذا المقام انشاء الله تعالى ورابعها لما تبين له بطلان استعمال الوجود المطلق في الواجب والممكن انكر صدقه على ذات الواجب والممكن واما اتصافه به بمعنى تحققه وثبوته فهو صادق عليه تعالى وعلى الممكن عنده وقد قلنا انه باطل اذا عنى به الصدق على الذات من حيث حصولها كما هو الثابت الجازم عنده لانه تعالى انما يوصف بهذا المعنى من حيث اثبات معرفته في قلوب المؤمنين كما قال امير المؤمنين عليه السلام وجوده اثباته وخامسها لما تبين له بطلان استعمال الوجود المطلق في الواجب والممكن انكر صدقه اي صدق المعنى المصدري عليه عز وجل وعلى الموجودات وكانت عباراته في سائر كتبه مصرحة بذلك ففر عن ظاهره الى باطنه فكان قد وقع فيما فر عنه من حيث لا يشعر فجعل ذلك الذي فر عنه عنوانا لما يريده من شيء واحد مطلق يصدق قويه على القديم وضعيفه على الحادث فقال كما يأتي بعد هذا بل الحق ان هذا المفهوم العام الذي هو مبدء اشتقاق الموجود المطلق عنوان لامر محقق حاصل في الاشياء الخ فقد فر بقوله عن معنى باطل الى معنى ابطل منه اذ ربما يقال عليه لو قال بالاول انه اخطأ حيث قال بالاشتراك اللفظي لجواز ان يصدقه كثير من الجاهلين بالله ولكنه جعل هذا عنوانا ليتمحض ان مراده بالاشتراك بين الواجب تعالى وبين الممكن الاشتراك المعنوي لان الاشياء من سنخه تعالى فاعتبروا يا اولي الابصار
وقوله { على ان هذا الباب مسدود عليهم } يعني به باب كون الوجود المطلق الصادق على الواجب وغيره انما هو الوجود الحقيقي لا الوجود الانتزاعي المصدري
وقوله { من المعقولات الذهنية التي لا يطابقها شيء } يعني خارجي نقول عليه زيادة على ما تقدم ليفهم من وفق الفهم والهداية هذه الامور الذهنية شيء ام ليست شيئا فان كانت شيئا فلا يخلو اما ان يكون منتزعة من الخارجي او لا فان كانت منتزعة من الخارجي فقد طابقها شيء وان لم تكن منتزعة فاما ان يكون ذاتا او صفة فان كانت ذوات فمن خالقها في الذهن ولا شك ان خالقها هو ربها فان قيل هو النفس او قيل هي صفة مع ان ايجاد صفة بلا موصوف ممتنع عقلا ونقلا كما روي عن الرضا عليه السلام فتكون تلك كلها ردا لكتاب الله العزيز حيث يقول وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ويقول تعالى واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق فاذا اخبر تعالى انه خلقها ووضعها في الذهن بقدر معلوم كان قوله لا يطابقها شيء باطلا وان لم تكن شيئا فجعلها اشياء في الذهن ولا شيء باطل
قال : { ثم ليت شعري كيف وضع الرجل اللغوي او العرفي لفظا مشتقا ولم يفهم بعد مفهوم مبدء الاشتقاق وكيف يكون المشتق اعرف المفهومات ومبدؤه اخفي المجهولات بل ممتنع التصور وكيف يكون المشتق معنى واحدا ومبدؤه متردد بين امرين احدهما تلك الذات المجهولة الكنه وثانيهما النسبة اليه والنسبة الى المجهول مجهولة ايضا }
اقول يقول { ليتني اشعر } وهو تعجب منه حيث جعلوا مبدء الاشتقاق مجهول الكنه واشتقوا منه معلوم الكنه يريد ان الذي ينبغي ان يكون مبدء الاشتقاق معلوما ليتمكن من الاشتقاق منه وفيه انهم انما ارادوا من الشيء القائم بنفسه بمعنى الوجود المعنى الانتزاعي المصدري لا ان ذاته عندهم معلومة بهذا المعنى لينافي قولهم مجهول الكنه وجعلوا اثاره موجودة بالوجود المعروف وهذا انما اطلقوه على مجهول الكنه لا على جهة الاكتناه بل على جهة التعريف للمقصود والسير الطبيعي في التعريف ان يكون المشتق معلوم الكنه لقربه منهم ومجانسته لهم فيعرفون ما يجانسهم ولما كان المبدء مجهول الكنه وذاته المجهولة الكنه ليست مبدء الاشتقاق وانما مبدء الاشتقاق فعله واثر فعله اللذان لهما نوع مجانسة لهم فيحسن ان يطلقوا عليهما ما يعرفون وان ينسبوا اليهما ما يكتنهون ولما كانا ليسا مبدءا للاشتقاق من كل شيء يصح ان ينسب اليه الفعل والاثر وانما يكونان مبدءا اذا نسبا الى الشيء القائم بنفسه الذي هو مجهول الكنه اطلقوا عليه ما يعرفون ليتعين عندهم في كون فعله واثره هما مبدء الاشتقاق لا ما نسبا الى غيره فيجب في دليل الحكمة بل في العقل ان يكون المشتق معلوم الكنه والمشتق منه اعني علته التي ينتهي اليها معلوم الكنه ولو بوجه ما ويجب ان يكون الشيء الذي يرجع الى حكمه كل شيء ولا يرجع حكمه الى شيء غيره مجهول الكنه والا لكان مدركا والمدرك مجانس والمجانس يجب ان يرجع الى الغير المجانس والغير المدرك والرجل اللغوي والعرفي لا يمكنهما وضع لفظ بازاء ما لا يدركانه لما تقرر من انه يجب ان يكون بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية لان الاسم كما قال الرضا عليه السلام صفة موصوف ولا شك في وجوب المناسبة بين اللفظ والمعنى ولا شك في لزوم الاقتران بين اللفظ والمعنى والاقتران والمناسبة يمتنعان في حق الغني المطلق القائم بنفسه فيجب ان يكون ما يتقوم به مبدء الاشتقاق اخفى المجهولات وممتنع التصور نعم من يزعم ان الاشتقاق من نفس الذات لا من فعله وامره كالمصنف اذا قبل منه هذه الاوهام الباطلة يصح ان يقول ما قال من كل ممتنع محال
وقوله { وكيف يكون المشتق واحدا معنى واحدا ومبدؤه مردد بين امرين احدهما تلك الذات المجهولة الكنه وثانيهما النسبة اليه والنسبة الى المجهول مجهولة ايضا } مشتمل على مغالطة وامور غير مسلمة واشياء مختلطة لو اردنا تفصيل ذلك لطال الكلام مع عدم الفائدة وانما المطلوب بيان الحق اذ ليس هذه الامور مختصة بقوله هذا بل كل اقواله او جلها من هذه المقولة ونحن نعلم انه لم يرد ذلك وانما هذا عنده طريق مستقيم ونحن نقول عليه بنحو ما تقدم انهم لم يريدوا من وحدة المشتق الوحدة الحقيقية وانما ارادوا الوحدة النوعية والجنسية واما مبدؤه فهو النسبة الى فعله واثره لا غير واما الذات المجهولة الكنه فليست مبدءا كما ذكرنا فليس المبدء متكثرا بالتردد عند اهل الحق عليهم السلام واما التردد بين الشيئين في المبدأ فلا يكون الا على رأي المصنف فيكون المبدأ على الصحيح هو الذات المعلومة اعني الفعل واثره فان قلت كيف يكون الفعل ذاتا وهو امر اعتباري او صفة على قولك قلت ان الفعل انما يكون عرضا قائما بالفاعل قيام صدور بالنسبة الى الذات الحق لان هذه نسبته بالنسبة اليه تعالى واما بالنسبة الى آثاره التي هي المفعولات فهو ذات متحققة تذوتت الذوات من صفة هيئة تذوتها فاذا نسبت تذوت ذات زيد الى تذوت ذات الفعل الذي قلنا انه عرض بالنسبة الى ذات الحق عز وجل كان جزءا من الف الف جزء هي ذات الفعل والفعل هو ادم الاول عليه السلام وحواؤه هي امكانات الاشياء ووقته السرمد ومكانه هو الامكانات المشار اليها
وقوله { والنسبة الى المجهول مجهولة } فيه ان النسبة اذا كانت الى ذات المجهول البحت حيث تصح النسبة واما اذا كانت نسبة اشراق ونسبة تأثير فليست مجهولة بل هي معلومة كما نحن فيه لان النسبة ترجع في الحقيقة الى الفعل والتأثير وهي معلومة فافهم ولا تصغ الى اوهام المصنف ومتابعته لاراء من تقدم عليه
قال : { بل الحق ان هذا المفهوم العام الذي هو مبدء اشتقاق الموجود المطلق عنوان لامر محقق في الاشياء متعدد حسب تعددها مقول بالتشكيك عليها بالاشدية والاقدمية ومقابليهما واكمل الموجودات واشدها هو الوجود الحق الذي هو محض حقيقة الوجود لا يشوبه شيء غير الوجود وهو اظهر الوجودات واوضحها بحسب نفسه لكن لفرط ظهوره وقهره واستيلائه على المدارك والاذهان صار محتجبا عن العقول والابصار فحيثية خفائه بعينها حيثية ظهوره وعلى هذا تبتني مسئلة التوحيد وبه ينفتح بابه لا بغيره اصلا }
اقول يريد ان مفهوم الانتزاعي المصدري العام كما ذكره نقلا عن كلام اولئك الناقلين عن بعض المتألهين وانه من المعقولات الذهنية التي لا يطابقها شيء الذي جعله اولئك شاملا لجميع الاشياء واجبها وممكنها ظلي اعتباري لا تحقق له في الخارج فكيف يصدق مثل هذا النحو من الوجود على الذات الحق سبحانه بل الحق في المسئلة ان هذا المذكور عنوان اي دليل وآية لامر اي لوجود محقق ثابت في نفسه في الخارج وهذا الوجود المحقق سار في الاشياء متعدد فيها حسب تعددها بكل نوع من انواع التعدد تعدد الاعداد في مراتبها او في معدوداتها وتعدد الانواع من الاجناس او تعدد الحصص النوعية او الفصلية وتعدد الجزئيات وتعدد الاجزاء والحاصل انه اذا كان تعدده بحسبها فكل طور من اطوار التعدد جار في افرادها وكل طور من التعدد الجاري في افرادها يجري في اطوار ذلك الوجود الساري في الاشياء كل بحسبه وهذا معنى كلامه وما يوافقه من المعاني وقد قلنا ان الذي التجأ اليه اسوء من الذي فر عنه لانه لم يرض بكون الوجود المطلق الشامل للواجب وللاشياء ان يكون مصدريا ذهنيا انتزاعيا وحكم بان هذا عنوان لوجود ذاتي متحقق شامل للواجب تعالى وللاشياء بكل نوع من انواع حقائقها واعراضها واوصافها واسمائها وسائر آثارها متحد بماهياتها على طبق ما هي عليه من الذوات والاحوال والاثار وصلوح الانتزاعي لذلك التعدد والكثرات المختلفة محقق لكونه هو اكوانها في الاعيان اما الحقيقي الذي يزعم ان الانتزاعي عنوانه فلا يصلح لشيء مما ذكر اذ ما يليق بالوجوب لا يليق الحدوث بمثله وقسيمه او جزئه او جزئيه وكيف تكون حقيقة واحدة بعض افرادها هو الحق عز وجل وبعضها الجدار والحجر والشجر وتلك الحقيقة صادقة على ذوات تلك الافراد جميعها بالتواطي وان كانت صادقة على ذواتها من حيث الكم والكيف بالتشكيك فنفي المصنف الانتزاعي المصدري وشموله مع امكان توجيهه الى نوع من الصحة واثبت الحقيقي الذي كان الانتزاعي عنوانه والعنوان وصف المعنون وصفته التي من عرفها فقد عرف المعنون فيجري فيه كل ما يجري في العنوان والا لم يصح كون العنوان عنوانا ما هذا الا شيء تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا وقال ذلك الحقيقي الذاتي الذي هو حقيقة الاشياء اعني ما كان الانتزاعي المصدري عنوانا له مقول بالتشكيك عليها بالاشدية والاقدمية ومقابليهما يعني ان ذلك الوجود الحقيقي يقال على جميع الاشياء واجبها وممكنها بالتشكيك فالفرد الواجب يقال عليه ذلك الحقيقي بالاشدية والاقدمية شدة وقوة وقدما ليس لها نهاية وليس وراءها غاية ولا يحتمل في شيء مما يصح عليه امكان الزيادة لا ذهنا ولا خارجا ولا في نفس الامر والافراد الممكنة يقال على كل واحد بنسبة مرتبته من الكون بالشدة وبالضعف وبالتقدم والتأخر والنقص والزيادة واقول اذا اراد به ما نريده نحن من كون المراد بالوجود هو المادة صح قوله في كل ما يتعلق بالحوادث وبطل قوله في كل ما ينسب الى الذات الحق تعالى مطلقا اي سواء اراد به المادة ام غيرها
وقوله { واكمل الموجودات واشدها هو الوجود الحق الخ } يريد به ان تلك الحقيقة الوجودية تحتها افراد تصدق على افرادها بالتشكيك واكمل الموجودات واشدها هو الوجود الحق فيكون الوجودات الممكنة عنده افراد ذلك النوع الذي سماه الحقيقة والواجب واحد منها الا انه قوي شديد خالص لا يشوبه شيء وهي غير خالصة بل مشوبة باشياء ليست وجودات فيلزمه ان الاشياء كل واحد منها واجبها وممكنها اما ان تكون جزئيات تلك الحقيقة او اجزاء من ذلك الكل وعلى كل تقدير يكون المصنف واتباعه من الجاعلين بينه وبين خلقه نسبا كما في قوله تعالى فيمن قال ان الملائكة بنات وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا والمصنف ايضا قائل ان تلك الحقيقة الخالصة عن شوب النقائص هي الواجب تعالى فيكون من الجاعلين له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين ويلزمه ايضا ان هذه النقائص والاعدام والماهيات والمعقولات الذهنية ان كانت اشياء فهي اما مخلوقة واما قديمة فان كان الوجود حقيقة لكل شيء فهو حقيقة لها فلا تكون نقائص بل قد تكون متممة وقد قررنا في شرح المشاعر وغيره ان الله عز وجل لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه واثبات وجوده كما قال الرضا صلوات الله عليه والاشياء بجميع اجناسها وانواعها وافرادها وابعاضها وصفاتها واحوالها وافعالها واقوالها كلها مركبة من وجود هو مادتها ومن ماهية هي صورتها فاذا خلق الله وجود شيء بقي في خزانة جنسه او نوعه او امكانه غير متميز ولا متحصص ولا متشخص بل هو كالقطرة في الماء قبل انفصالها وكالحرف في مداد الدواة ولم يكن متعينا لذلك الشيء في نفسه ولا عند احد من الخلق حتى يلبسه فعل الفاعل عز وجل ما قدر له من الصور المشخصة والحدود المعينة كما قال تعالى في اي صورة ما شاء ركبك فاذا لبس الكسوة ظهر في الاعيان وهكذا كل حصة من جنس او من نوع بل حقيقة هذه الوجودات كلها حصص من اجناسها تتميز بالفصول التي هي الصور النوعية او حصص من الانواع تتميز بالحدود الهندسية والهيئات الشخصية بل حقيقة تلك الوجودات عند من ينظر بنور الله اجزاء من كل لا جزئيات من كلي وانما هي كما في الباب والسرير والصنم من اجزاء الخشب تتميز بالصور وعلى كل فرض فان كل وجود منها فانما كماله بتحققه وتعينه وذلك متوقف على هذه المعينات وهي اشياء وما كونها اشياء الا بتحققها في مقاماتها وفي انفسها هي وجودات ومعينات نوعية فهي كحصص الخشب فانها في انفسها وجودات ومعينات نوعية ثم يميز بعضها من بعض بالمعينات الشخصية فالتمييزات النوعية والتمييزات الشخصية على نمط واحد واذا فحصت عن حقائقها وجدتها كلها وجودات موصوفية ووجودات صفتية وليس فيها شيء غير هذين اذ ما ليس بوجود ليس بشيء وان كان وجود كل شيء بحسبه وما يظن انه نقص بمعنى عدم فهو ان كان شيئا فهو وجود مخلوق كغيره والا فلا شيء ولا عبارة عنه ودعوى امتزاج شيء بلا شيء او تركيبه منه ومن لا شيء باطلة اذ الامتزاج او التركيب انما يكون من الوجوديات وحيث ذهب المصنف الى ان الوجودات المشوبة هي في ذوات انفسها على ما هي عليه قبل الشوب وانما عرض لها ما لحقها من عوارض مراتب تنزلاتها للرتبة لا لذاتها فعليه ان يكون كل ما تصدق عليه الشيئية وجودا بنسبته وكل ما هو وجود فهو لذاته باق على صرافة الوجود لذاته كما قالوا في الماء في الثلج فتتساوى جميع الاشياء فلا يكون للتخصيص فائدة بل على قوله كل شيء ازلي لذاته وانما ينسب الحدوث والامكان للافراد المشوبة من حيث لحوق عوارض المراتب لها وكل شيء منها غير محدث الذات وانما نسب اليه الحدوث للعوارض وعلى قولنا تبعا لقول موالينا عليهم السلام كل شيء سوى الذات الحق عز وجل حادث لا من شيء اي لم تكن مادته مأخوذة من شيء قبله غير مخترع المادة ليكون مصنوعا من غير مصنوع فكل شيء منها لم يكن مذكورا قبل جعله ممكنا لا بكون ولا بامكان ولا بعلم ولم يكن مذكورا قبل كونه الا بامكانه قال تعالى اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فالذي يزعم المصنف انه غير الوجود ما هو حتى نعرفه فان كان قوله حقا بان الوجود هو حقيقة كل شيء فليس شيء غيره وان كان شيء ثبت غير الوجود فالوجود لا يكون حقيقة لشيء فقوله { هو الوجود الحق الذي هو محض حقيقة الوجود لا يشوبه شيء } يلزم عليه ان هنا اشياء غير الوجود وقد بينا ان الامور الذهنية والاعتبارية وامثالهما ان لم تكن اشياء موجودة لم تكن اشياء تشوب غيرها ولا يلزمنا ما يتوهم انها غير موجودة او انها موجودة بالوجود فان الوجود موجود ولا يقال انما وجد بنفسه وغيره وجد به لان قولك انه وجد بنفسه اتريد به انه هو الايجاد فيلزمك انه فعل لا مفعول ام تريد ما به التحقق والقوام فيلزمك ما نقوله انه المادة وآية ذلك ان الصورة في المرءاة تقومت بمادتها فاذا قلت انما تقومت بقيومية المقابل للمرءاة وهو وجودها قلت هذا صحيح ولكن تعرف كيفية التقوم وباي شيء كان ام لا فان كنت تعرف ذلك وجب منك القول بما نقوله وان كنت لا تعرف فانا علي البيان والله سبحانه المستعان قد ذكرنا ذلك مرارا الا انه لغموضه وعدم التفات اكثر البصائر اليه خفي قبل البيان وبعده والان اذكره ان الشيء يتقوم في بقائه بما تقوم به في ابتدائه وفي الابتداء تقوم بمادته وصورته ومن ايات هذا الصورة في المرءاة ونمثل بها للبيان اما مادة الصورة في المرءاة فهي ظل المقابل المشرق على المرءاة المنفصل ولم نرد بالمنفصل حصول الانفصال فيه وعدم اتصاله بالمقابل لانه ظل له ولو انفصل عنه فني وانما نريد ان الهيئة المتصلة بالمقابل المتقومة به قيام عروض لم تكن هي التي في المرءاة بل التي في المرءاة ظلها فهو متقوم بالمقابل اعني ذا الظل تقوم صدور ومتقوم بالمرءاة تقوم عروض وهيئة الصورة اي صورتها هي هيئة المرءاة من الكبر والصفاء والبياض والاستقامة ومقابلها وقد قلنا ان مادتها التي هي ظل القائمة بالمقابل قائمة بما في المقابل قيام صدور واشراق فهي دائمة الاشراق والافاضة كاول المقابلة والمرءاة دائمة الانتزاع بقابليتها والاستفاضة فكل بقائها ودوامها كاول حصولها ولم ارد التشبيه اصلا الا للتعبير بل المراد ان جميع احوالها في اوقاتها حال واحد يعني كل ان اول اشراقها وافاضتها وانتزاعها واستفاضتها اذ ما به الكون به المدد وكل مصنوع لا يتوقف الا على العلل الاربع الفاعلية وهي فعل الفاعل وهذه لا تدخل في هوية المحدث ولا في مفهومه لانه كحركة يد الكاتب لا تدخل في هوية الكتابة ولا في مفهومها والمادية والصورية ولا هوية له غيرهما ولا مفهوم له من غيرهما والغائية كالاولي اذ هما لوازم الوجود اي التحقق والثانية والثالثة للماهية بمعنى ان الشيء حقيقته وهويته جميعا لم يشذ عنها شيء فيهما واما الاولى والرابعة فخارجان عن حقيقة الشيء بحقيقتهما نعم هيئته صورة هيئة الاولى وصلوح هيئة الرابعة فالايجاد اي الاحداث من الاولى والتحقق والتذوت والشيئية من الثانية والثالثة ونعني بالعلة الثانية الموصوفية وبالثالثة الصفتية فان فهمت كلامي هذا فهمت القيومية وما به التقوم والا فالي الله ترجع الامور
وقوله { وهو اظهر الموجودات واوضحها الخ } يعني ان الموجودات اثار والاثار وان ظهرت فانما ظهورها من فاضل ظهوره وهو سبحانه ظاهر باياته محتجب عما سواه بما سواه كما ظهر لما سواه بما سواه قال امير المؤمنين عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه وانما كان اظهر من كل شيء لان كل شيء اثر ظهوره والاثار والصفات مع انها هي الظاهرة تضمحل في ظهور الموصوف مثل ما اذا اردت ان اخاطبك فاني لا اتمكن ان اتوصل اليك الا بواسطة صفتك لانها اقرب الى من ذاتك لظهورها فاقول يا قاعد فاخاطبك بالقعود مع اني غير ملتفت اليه الا بالعرض ولم اقصده وانما المقصود انت لما اريد منك لا من الصفة مع انك قد غيبتها بشدة ظهورك بها فانت اظهر عندي وعندك وعند كل من يسمع كلامي من صفتك وانما تذكر صفتك بالعرض اذ القعود اثر من فعلك ولو كان اظهر منك لكان هو المظهر لك لانه اذا اجتمع في مقام او رتبة ظاهر واظهر مترتبان اي احدهما عن الاخر او من الاخر او به كان الاظهر هو المظهر للظاهر واليه الاشارة بقول سيدالشهداء عليه السلام على ما نقله بعضهم ملحقا بدعائه يوم عرفة قال عليه السلام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومابعدت حتى تكون الاشارة هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ( ولا تزال ظ ) عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا ه فلاجل ذلك لا يخفي على احد كيف يخفي على احد ولم يكن الاحد احدا الا به لكنه عز وجل لفرط ظهوره لانه لا نهاية لظهوره لانه اظهر من نفسك لنفسك ظهورا لا يتناهى ولشدة قهره واستيلائه على المدارك والاذهان وغيرهما لعدم امكان اجتماعها معه في رتبة والمدرك للشيء مجتمع معه وملتق به احتجب بها عنها كما قال علي عليه السلام وبها امتنع منها وروي عن النبي صلى الله عليه واله ان لله سبعينالف حجاب من نور وظلمة لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ه ولما تجلي تعالى بجزء من شعاع نور العظمة والستر الحادثين للجبل ولموسى عليه السلام جعله دكا وخر موسى صعقا وروي انه بقدر الدرهم وروي انه بقدر ثقب الابرة وفي صحيحة عاصم ابن حميد عن الصادق عليه السلام فيمن يدعي الرؤية قال ذاكرت اباعبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية فقال الشمس جزؤ من سبعين جزؤا من نور الكرسي والكرسي جزؤ من سبعين جزءا من نور العرش والعرش جزؤ من سبعين جزءا من نور الحجاب والحجاب جزؤ من سبعين جزءا من نور الستر فان كانوا صادقين فليملئوا اعينهم من الشمس ليس دونها سحاب اقول والمراد من الستر اول مفعول صدر عن فعله تعالى فاذا كان نور الشمس جزءا من ستةعشرالف الف وثمانيةالاف الف وثمانمائةالف جزء من نور الستر الذي هو شعاع الستر وهو جزء من سبعين جزءا من الستر فيكون نور الشمس جزءا من مائة واثنين وثلاثينالف الف الف وخمسمائة وخمسة وستينالف الف وستمائةالف جزء من الستر والستر اثر فعله ومحله ومتعلقه اذ لم يكن في الاكوان قبله اثر لفعل الله عز وجل وهذه الشمس لا تكاد تدركها الابصار لشدة نورها ووضوح ظهورها فكيف يدرك في ظهوره سبحانه ولما كان في عز جلاله كما قال عبده المرتضي ومولانا وسيدنا الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه كانت حيثية خفائه عن كل مدرك سواه بعينها عين ظهوره لكل من برأه وانشاه
وقول المصنف { فحيثية خفائه } مع انه لا يجوز عليه اطلاق الحيثيات والجهات انما هو للتعبير والتعريف
وقوله { وعلى هذا نبتني مسئلة التوحيد وبه ينفتح بابه لا بغيره اصلا } يريد به ان ابتناء التوحيد وفتح مغلق ابوابه على النهج السديد على ما قرره من كون صرف حقيقة الوجود هو الواجب ولا يصح المشاركة في هذا المفهوم مع لحاظ اخذ الخلوص عن الشوب بالنقائص والاعدام وانما تصح المشاركة في اصل الحقيقة والحاصل مبني التوحيد عنده على صحة القول بوحدة الوجود بل وحدة الموجود وان كان باعتبار قيد كقول بعضهم انا الله بلا انا واما نحن فعندنا هذا مبني الشرك كما نطق به القرءان المجيد في قوله عز وجل وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين وقوله عز وجل وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا اي مجانسة ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون فان القول بوحدة الوجود كفر بالاجماع ويصدق ذلك على وجه ظاهر ووجه خفي اما الوجه الظاهر فجعل وجود الحق ووجود الخلق داخلان تحت حقيقة واحدة واما الوجه الخفي فجعل وجود الحق الذاتي ووجود الخلق مقولا عليهما بالاشتراك المعنوي بل اللفظي اذا اريد بالوجود فيهما الحقيقي الذي هو حقيقة الموجود سواء جعل وجود الخلق محدثا مخترعا وشرك بين الوجودين بالمعنوي للزوم كونهما من حقيقة واحدة او باللفظي لوجوب المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى ام جعله قديما باي نحو من انحاء مقاصدهم كما تقدم نعم لو اطلق عليهما لفظ الوجود من باب التسمية في التعريف والتبيين او اريد به العام المطلق الانتزاعي وكان عني به في الواجب الحق تعالى عنوانه لم يكن به بأس
قال : { قاعدة, صفاته تعالى عين ذاته لا كما تقوله الاشاعرة من اثبات تعددها في الوجود ليلزم تعدد القدماء الثمانية ولا كما قالته المعتزلة من نفي مفهوماتها رأسا واثبات اثارها وجعل الذات نائبة منابها كما في اصل الوجود عند بعض تعالى عن التعطيل والتشبيه بل على نحو يعلمه الراسخون في العلم من الامة الوسط الذين لا يلحقهم الغالي ولا يفوتهم المقصر }
اقول اعلم ان المعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلام عينية صفاته تعالى بمعنى انها هي هو عز وجل وهو مذهب اتباعهم من شيعتهم وهذا عندهم مما لا ريب فيه الا ان كلا منهم تكلموا في معنى ذلك فذهب جل اهل الظاهر منهم من محققي المتكلمين ان مئال معانيها ومفاهيمها الى نفي اضدادها فمعنى حي انه ذات ليست بميتة وعالمة ليست بجاهلة وقادرة ليست بعاجزة وهكذا كلامهم في باقي صفاته الثبوتية وذلك انهم قالوا اذا لم نرجعها الى نفي اضدادها فاما ان نجعل لها مفاهيم متغايرة ومغايرة لمفهوم الذات او لا فان كانت لها مفاهيم متغايرة فان كانت قديمة لزم تعدد القدماء وان كانت حادثة كان خلوا منها قبل كونها وعلى الحالين يكون محتاجا الى الغير وان لم نجعل لها مفاهيم متغايرة لم تكن صفات ولم يصف نفسه بشيء فلا بد من ارجاع مفاهيمها الى نفي اضدادها ومنهم من قال بكونها عين ذاته ولم يرجع في ذلك الى شيء وائمتنا عليهم السلام قالوا وكمال توحيده نفي الصفات عنه وفي بعض رواياتهم ونظام توحيده نفي الصفات عنه ومعنى الروايتين من النفي نفي زيادتها على الذات بل هي الذات وانما تغايرت اسماؤها وتكثرت باعتبار تغاير متعلقاتها وتكثرها ونحن نقول بهذا وسنشرحه شرحا شافيا انشاء الله تعالى من شرب من كوثره شربة لم يظمأ ابدا وذلك مما دلونا عليه عليهم السلام اما قولهم صلى الله عليهم وكمال توحيده فهو يدل انه قد يحصل التوحيد لبعض الناس مع قولهم بالصفات واختلاف معانيها وهؤلاء سائر اتباعهم وهو توحيد الجملة وهو ان يقولوا الله سبحانه واحد وقد وصف نفسه بصفات فيجب التصديق بها وانها عين ذاته من غير ان يذوقوا في ذلك معنى الاتحاد او التعدد وقولهم بالاتحاد ولو ابتلاهم العارف تبين له انهم ذاهبون الى التعدد معنى والاتحاد لفظا حتى ان الطبرسي رحمه الله في تفسيره جامع الجوامع قال في قوله تعالى وهو معهم اينما كانوا قال ما معناه يعني وهو معهم بعلمه فكأنه يشاهدهم وانما قال بعلمه فرارا من ان يقول بذاته فيلزم المحذور من الاجتماع مع خلقه والحواية كما تحويهم الامكنة فعدل الى انه معهم بعلمه لا بذاته وهو صريح في ارادة مغايرة العلم للذات الا انه قائل بالاتحاد ولكن ما داموا قائلين بالتوحيد فهم موحدون بتوحيد الجملة يعني انه تعالى واحد وهذه ليست آلهة وانما هي صفاته فليس الا هو كما ان النملة تزعم ان لله زبانين وهي موحدة فيصدق على اهل هذا القول القول بالتوحيد الا ان كمال هذا التوحيد نفي الصفات بهذا المعنى الذي يريد هؤلاء لانه في الحقيقة قول بالتعدد ولهذا قال عليه السلام لشهادة ان كل صفة انها غير الموصوف وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث واما قولهم عليهم السلام ونظام توحيده نفي الصفات عنه فهو ظاهر واما مراد الخصيصين من شيعة الائمة الطاهرين عليهم السلام فهو انه سبحانه وتعالى واحد بسيط احدي المعنى لا تكثر في ذاته لا لفظا ولا معنى ولا خارجا ولا ذهنا ولا في نفس الامر ولا في الفرض والاعتبار بل هو تعالى بكل لحاظ في كل حال واحد كامل فوق النهاية بما لا يتناهى في كل شيء لذاته وكل ما سواه فهو صادر عن فعله وصنعه واثار فعله كثيرة متعددة وكل شيء منها لا يكون الا بعلمه ومشيته وارادته وقدره وقضائه وباذن منه تعالى واجل وكتاب فاذا كان صوت مما خلق فهو حاضر لديه فيقال له على ما تعرف خلقه مما عرفهم انه سميع لانه ادرك الصوت المسموع لانه لا يكون الا حاضرا لديه في مكان حدوده ووقت وجوده فباعتبار ادراكه المسموع وصفته بالسميع واذا لحظت ما هنالك لم تجد الا الذات الكاملة واذا كان لون او مقدار مما خلق فهو حاضر لديه فهو مدرك له عالم به فيقال له على ما تعرف الخلائق مما عرفهم تعالى انه بصير لادراكه للون المبصر لان اللون والمقدار لا يكون شيء منهما الا حاضرا لديه في المكان الذي حده فيه والوقت الذي عده فيه فباعتبار ادراكه للمبصر من اللون او المقدار المرئي وصفته بالبصير وليس هنالك الا ذاته المقدسة الكاملة وهكذا سائر الصفات وادراكه لذلك عند وجود الشيء المدرك بفتح الراء انما هو تعلق الادراك ووقوعه عليه فيسمى هذا الواقع المتجدد عند وجود متعلقه بمعنى ما بين لخلقه فانه تعالى بين لهم ان ادراك الصوت اسمه سمع والموصوف به سميع وادراك اللون اسمه بصر والموصوف به بصير وهكذا فاذا لحظت الموصوف لم يكن منه شيء الا انه مدرك وادراكه المتعلق بالمدرك بفتح الراء حادث بحدوثه وهو قبل هذا التعلق كامل كما تقول زيد سميع لذاته بمعنى انه هو ذلك الكمال المسمى بالسميع الذي اذا وجد الصوت تعلق به فهو سميع قبل كلام عمرو فاذا تكلم عمرو تعلق سمع زيد بكلام عمرو فزيد هو السميع وهو البصير اي اذا وجد لون ابصره وليس بعض زيد سمعا يدرك الاصوات وبعضه بصرا يدرك الالوان وانما السميع البصير العليم هو ذات زيد تكثرت الاسماء والنسب باعتبار تكثر المتعلقات فكذلك ما نحن فيه فانما قلت هو سبحانه سميع بصير عليم قادر وكثرت اسماءه الصفاتية باعتبار تكثر متعلقات ادراكه فاذا قلت صفاته تعالى التي وصف بها نفسه حي عالم سميع بصير قادر فتريد باعتبار تعلق تسلطه سبحانه بالحيوة والمعلوم والمسموع والمبصر والمقدور وان قلت هذه الصفات منفية عن ذاته فتريد انه ليس هناك الا ذات كاملة متسلطة لا غير وليس هناك اشياء متغايرة مغايرة لذاته بكل اعتبار الا انك تصفه بالسمع بلحاظ انه مدرك الاصوات وتصفه بالبصر لانه مدرك المبصرات فصح قولك ان صفاته عين ذاته وتريد ان ما اصفه به من شيء فانما هو ذاته لا غير وصح قولك بنفي الصفات عنه وتريد انه ليس الا الذات البحت الكامل فهذا معنى صفاته عين ذاته ومعنى ونظام توحيده نفي الصفات عنه ثم اعلم انه تعالى سميع قبل المسموع لان المسموع حادث وسمعه هو ذاته ومعنى ذلك اذا قلت سميع بالصوت ان السمع تعلق بالصوت ولا يتعلق به الا اذا كان شيئا وفي الازل لم يكن شيء الا الله الواحد الحق المبين فلا بد ان يكون السمع تعلق بالمسموع بعد وجوده وباي نحو من انحاء الوجود لم يكن كلامي واصواته شيء منها متصفا بشيء من تلك الانحاء في الازل والا لكان كلامي مع الله في الازل تعالى الله ولا يصح ايضا ان يكون في الازل ليس بسميع فيكون فاقدا لكمال فيجب ان يكون جميع معاني صفاته حاصلة له في الازل وهي ذات الله تعالى فاذا وجد شيء من المتعلقات تعلق به الادراك ولذا نقول قولك هو تعالى عالم بها في الازل باطل اذ ليس شيء منها في الازل ليكون عالما به وقولك هو تعالى عالم في الازل بها في الحدوث صحيح لانه في الازل عالم لان علمه ذاته ومعلوماته حوادث فيعلمها حين وجدت في امكنة حدودها وازمنة وجودها ولو قلت انه عالم بشيء ولا شيء كان جهلا الا ترى انك اذا قلت اعلم ان في يدك شيئا ولم يكن في يدي شيء انك جاهل لانك ادعيت علم شيء ولا شيء فلا يلزم من قولنا قولك انه تعالى عالم بها في الازل باطل تجهيله تعالى بل العلم الا يكون عالما بها في الازل لعدم وجودها في الازل والعلم لم يتعلق بشيء ودعوى التعلق ح باطلة وان كان العلم وهو ذاته تعالى موجودا في الازل الا ان المعلوم وهو انت ليس في الازل وهذا هو قول مقتدانا جعفر بن محمد عليهما السلام كان الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه فتدبر في هذا الحديث الشريف واسلك بهذا النور في هذا الطريق المظلم فقد نصبت لك المنار وكشفت لك الاسرار وبقي لهذا تتمة وهي قوله عليه السلام وقع العلم منه على المعلوم فيه تنبيه على ان العلم يقع على المعلوم ويطابق المعلوم ويقترن بالمعلوم فلو كان العلم غير واقع على المعلوم او غير مطابق له او غير مقترن به لم يكن العلم علما ولم يكن المعلوم معلوما وهذا مما لا خلاف فيه ولا اشكال يعتريه فاذا حكمت بان صفات الله تعالى عين ذاته اي هي هو فقولك وقع العلم منه على المعلوم يكون معناه فاذا احدث الاشياء وكان المعلوم وقع الذات تعالى على المعلوم فهل ترضى ان يكون الامام عليه السلام يريد انه وقع تعالى على المعلوم وطابقه واقترن به او انه يريد ان العلم الواقع المطابق المقترن حادث ولا يلزم منه القول بانه تعالى لم يعلم او انه عليه السلام مافهم الكلام ولا يدري ما يقول وما يلزمه فان كنت مؤمنا بسرهم وعلانيتهم قائلا بامامتهم مقتديا بهم قلت هو عليه السلام عالم بالله وبما يصح عليه ويمتنع على جهة الحقيقة الامكانية وعالم بما قال وانه يريد ان التعلق والوقوع والمطابقة والاقتران انما هي للعلم الحادث الاشراقي الذي يوجد بوجود المعلوم بل نفس هذا العلم هو ذات المعلوم وليس هو القديم الذي هو الله سبحانه فان العلم المتعلق بما سواه ومطابق له هو الاشراقي الحادث كما قال تعالى حكاية عن قول موسى عليه السلام في جوابه لفرعون حين قال قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ولا تتوهم بان هذا القول يلزم منه خلوه من العلم او يلزم كونه جاهلا كما ذكرنا قبل هذا فانه تعالى لا يكون خلوا من ذاته اذ علمه القديم هو هو وهو العلم الكامل المطلق واما العلم بالحوادث فذاته عز وجل خلو منه لانه انما هو كمال امكاني وكل كمال امكاني فهو ناقص لا يجوز ان يكون هو الله تعالى نعم لم يكن ملكه خلوا من هذا العلم اعني العلم بها اي المقترن بالمعلوم والمطابق له والواقع عليه والا لم يكن علما وهو كتابه تعالى وهو حادث كله مخلوق والله سبحانه هو خالقه وخالق كل شيء وهذا العلم له مراتب اعلاها العلم الامكاني المتعلق بامكانات جميع الاشياء مما كان ومما يكون ومما لا يكون ولو كان انما يكون اذا شاء ان يكون وهذا هو العلم الذي قال تعالى في وصفه بان الخلق لا يحيطون بشيء منه الا اذا كونه قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء اي لا يحيط احد من خلقه بشيء من تكوين ما يمكن تكوينه الا بما شاء تكوينه اي كونه او اخبر تعالى بانه يكونه مثل امكان زيد اوجده سبحانه على وجه كلي غير متناهي الافراد مثلا يمكن ان يخلقه زيدا او عمرا او خنزيرا او طيرا او ارضا او سماء او ملكا او نبيا او شيطانا او جبلا او نارا او ماء وهكذا بلا نهاية فاذا احدث زيدا كان قد احدث فردا منها فزيد هو مفرد وفيه الامكان الكلي فلو شاء تعالى خلقه ما شاء كما شاء ولا يعلم احد من الخلق اي شيء يخلق منها الا بما شاء بان يخلق ما شاء او يخبر بانه يخلقه كذا ودون هذه من مراتب العلم الامكاني العلم الكوني وهو ما البس من حلل الوجود والكون ثم العلم الزيتي اي المنسوب الى قوله تعالى يكاد زيتها يضيء وهو لم تمسسه نار وهو الارض الميت والارض الجرز والقابليات والاستعدادات ثم العلم العقلي اي المعاني ثم العلم الروحاني اي الرقائق اعني مبادي التصوير ثم العلم النفسي اي الصور الجوهرية وهو اللوح المحفوظ ثم العلم الطبعاني اي الطين بفتح الياء ثم العلم الهيولاني اي الحصص المادية ثم العلم البرزخي اي الصور الشبحية الظلية ثم العلم الجسماني اي الحصولات والتحققات الجسمانية وهكذا وكل شيء من خلقه من جوهر او عرض علم له سبحانه حادث واعلى الجميع واعظمه واشرفه واعمه واشده احاطة بلا غاية ولا نهاية هو العلم الامكاني كما قلنا وتعدادنا هذا على جهة التمثيل والا فهي من حيث اجناسها الكلية الف الف علم ولو لوحظ الانواع والاصناف والافراد لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا والحاصل من التعبير بالصفات هو الوصف المتعلق بمبادي اسباب المفعولات من صفات الافعال فكما يكون وصفك لزيد بالكاتب من حيث صدور الكتابة من فعله فالصفة متعلقة بمبدئها من فعل زيد فمن فعله بدأت واليه انتهت في وصف زيد باسم الفاعل يعني الكاتب لاشتقاقه من الفعل واثره كذلك يكون الوصف له تعالى بتلك الصفات من حيث صدور متعلقاتها التي بها سميت ومنها تكثرت من اثر فعله الذي هو مبدء اشتقاقها فمن حيث التعلق والاقتران تثبت الصفات منوطة بمباديها ولا من حيث كان معناها الاحدي ذاته المقدسة عز وجل فهو الحق الكامل المطلق وفعله مبدء لما اتصف به لتعريف عباده من الصفات فافهم
وقوله { لا كما تقوله الاشاعرة الخ } اعلم ان الناس اختلفوا في صفاته تعالى فاتفقت الاشاعرة على ان لله صفات موجودة قديمة قائمة بذاته واثبتوا قدماء مع الله تعالى قاله شارح المحصل للرازي اقول وهي الحيوة والعلم والسمع والبصر والقدرة والارادة والكراهة والادراك فتكون القدماء مع الذات تسعة وقال شارح المحصل ذهب عبد الله بن سعيد من اصحابنا والشيخ ابو الحسن الاشعري اولا الى ان القدم صفة زائدة على ذات القديم فيكون قدم الله تعالى صفة زائدة على ذاته انتهى واثبت الاشعري اليدين صفة قائمة بالبارئ سبحانه وكذا الوجه من غير تجسم فجعلوا القدماء كثيرة وقالوا قام الاتفاق على نفي قديم ليس هو ذات الله تعالى وصفاته بما هو مقرر في ادلة التمانع واما ذات الله فهي قديمة لوجوب وجودها الذاتي واما صفاته فهي قديمة غير مستقلة بنفسها بل مستندة اليه لانها عندهم معان له تعالى قديمة وهي مبادي المحمولات على ذاته ولهذا لا يضر تعددها وقدمها لان ادلة التمانع لا تدل الا على نفي الهين قادرين على الاستقلال ولا تدل على نفي صفات للذات الواحدة لانها من حيث مفاهيمها المتعددة كمالات للذات الواحدة وادلة التمانع لا تدل على نفي كمالات الذات وان كانت متغايرة وامثال هذه الكلمات الباطلة فان ادلة التمانع مبنية على فرض قديم مغاير والصفة التي يدعونها ان كانت مغايرة للذات في الازل لزمها حكم القديم المغاير الذي يصح عليه التمانع وتصدق عليه ادلته ومع ذلك فلم تنحصر ادلة التوحيد في ادلة التمانع بل تكون في دليل الفرجة الذي ذكره الصادق عليه السلام وفي دليل الحكماء الذي يلزم منه التركيب مما به الاشتراك ومما به الامتياز وان لم تكن مغايرة للذات فهو العينية التي بني عليها حكم التوحيد عند اهل التوحيد عليهم السلام لكن الاشاعرة يدعون التوحيد مع اثبات هذه المعاني الكثيرة المتغايرة المغايرة للذات ويزعمون انها معاني الذات وانها مبادي المحمولات على الذات كالعلم فانه يشتق منه العالم المحمول على الذات فتقول الله عالم وكالقدرة المشتق منها القادر المحمول على الذات فتقول الله قادر واثار الذات متوقفة عليها فنفيها يستلزم نفي الذات ويزعمون انها لو كانت حادثة لكان محتاجا في اظهار آثار كمالاته الى المخلوق ولكان فاقدا لها قبل ايجادها ولكان محلا للغير ويلزمهم ان جعلها معاني للذات مستلزم لكون الذات هي الجملة المتألفة من الامور المتغايرة ولا نعني بالمركب الذي لا يوجد كذلك في الذهن او في الخارج او في نفس الامر الا حادثا سواء كان ثبوته في احد المحال الثلثة بالوجود والتحقق ام بالتعقل والتصور ام بالفرض والتجويز والاحتمال الا هذا اي لا نعني بالمركب الذي لا يصدق على مقام الحق تعالى الا ما كان كذلك وما اشبهه وصحة حملها على الذات دليل المغايرة الحقيقية اذ لا يحمل الشيء على نفسه واما صحة ذلك عندنا مع قولنا بالعينية فلانا لا نعني بمفهوم شيء منها اذا اردنا به الذاتي القديم الا الذات وان جميع مفاهيم هذه الصفات المتعددة لفظا مفهوم واحد هو مفهوم الذات البحت البسيط ولا يحمل شيء منها اذا قصد به القديم على الذات قط اذ لا يحمل الشيء على نفسه مع لحاظ الاتحاد من كل جهة بكل اعتبار اللهم الا ان نقصد به المعنى الحادث اعني صفات الافعال فانها حينئذ معانيه بمعنى معاني افعاله كقائم وضارب بالنسبة الى زيد فاذا قلنا الله عالم واردنا بالمحمول القديم كان معنى كلامنا الله علم يعني ان ذاته عليمة ويكون في قوة قولنا زيد زيد فانا قد نحمله عليه باعتبار مغايرة ما قد تحصل لمن جهل الاتحاد وتوهم التعدد بان ظن ان زيدا المذكور غير زيد المعلوم فتبين له فتقول زيد زيد اي زيد المسئول عنه او المذكور زيد المعلوم فكذلك تقول الله عالم اي علم بمعنى ان المسئول عنه او المذكور علم او عالم ويكون الحمل اوليا ذاتيا اي المفيد للاتحاد بحسب المعنى والمفهوم نعم لو اردنا بالمحمول الحادث كما نقول في المختص بالحادث الله خالق فنقول الله عالم بكل شيء وقادر على كل شيء كان مرادنا بالمحمول معنى فعليا فان عالم وقادر في المثال لا يصح حمله على الذات بالحمل الاولى الذاتي لانهما من اسماء الافعال ومفهومهما ومعناهما مقترنان باثارهما مطابقان لهما بل هما في الحقيقة متحدان بهما ويلزمهم على جعلها مبادي المحمولات على الذات ما اشرنا اليه من ان حملها على الذات ان كان حملا اوليا ذاتيا يستلزم الاتحاد والقول بالعينية وان كان حملا بالمتعارف لزم القول بتركيب الذات في العقل الذي هو ظرف التحليل اذ الاتحاد الحاصل من الحمل المتعارف انما هو في الوجود على دعوى كثير من المحققين والاتحاد في الوجود لا ينافي التركيب في غير الوجود لان الاتحاد فيه اعتباري وهو لا ينافي التركيب مطلقا كما هو الحق ويلزمهم من كونها قديمة ما يلزم من كونها حادثة وعدم تناهي الحاجة مع فرض القدم وعدم صلوحها للايجاد بدون توسط الفعل ثم الفاعل للاثار بالفعل هل هو الذات فيستغني عنها في ايجاد الاثار فيلزمها النقص لان عدم الحاجة الى القديم نقص فيه لذاته ام هي الفاعل فيستغني عن الذات فيقع النقص على الكامل المطلق ام هما معا فلا يكون واحد منهما علة تامة ام احدهما بالاخر فتدخل الحاجة على الفاعل الى الواسطة او النقص على الواسطة
وقوله { ولا كما قالته المعتزلة من نفي مفهوماتها رأسا واثبات آثارها وجعل الذات نائبة منابها } يعني به ان اعتقادنا كما انه ليس كما قالته الاشاعرة من مغايرتها للذات وانه تعالى مدرك وفاعل لاثارها بها مع تحقق قدمه تعالى وقدمها كذلك ليس كما قالته المعتزلة من نفي مفهوماتها بمعنى كونها غير موجودة ولا معدومة وانما يثبتون احوالا لا توصف بالوجود ولا بالعدم ولا بغيرهما من المتقابلات اي لا واجبة ولا ممكنة ولا قديمة ولا حادثة ولا مجامعة له تعالى ولا مفارقة وهي عندهم معلولات للمعاني التي اثبتها الاشعري فالمعاني كالعلم والقدرة والاحوال كالعالمية والقادرية اذ القادرية عندهم صفة القادر والقادر مشتق من القدرة وابو هاشم من المعتزلة جعل الاحوال اربعة القادرية والعالمية والحيية والموجودية وجعل هذه الاربعة معللة بحالة خامسة تسمى الالوهية وبناء ذلك منه على ان الذوات بجملتها متساوية في الذاتية فلولا اختصاص ذاته تعالى بصفة الالوهية لما كان اولى من غيره بهذه الصفات وزعم ان هذه الاحوال الخمسة ثابتة في الازل مع الله تعالى فقد وافق الاشاعرة في كون هذه الخمسة موجودة ثابتة في الازل مع مغايرتها للذات واما باقي المعتزلة فقالوا بالاحوال كلها اي كل حال من احوال الصفات الثبوتية لا خصوص هذه الخمسة وقالوا هي ليست موجودة ولا معدومة ولا قديمة ولا حادثة وليست هي اياه عز وجل ولا غيره وما اشبه ذلك من المتقابلات وقالوا لا معنى للقديم الا ذلك وهو كونه امورا كثيرة في الازل والظاهر ان هذا قول مثبتي الاحوال كابي هاشم وتابعيه الذين اثبتوا الخمسة المذكورة واما غيرهم فلم يثبتوا شيئا من الاحوال ولم ينفوه وعلى هذا لا يقولون انه لا معنى للقديم الا ذلك لان القديم الذي هو الذات لم ينفوه بعد ما اثبتوه والاحوال عندهم ليست ثابتة ولا منفية والحاصل اما ما اختص به ابو هاشم واتباعه فالادلة المبطلة لما ذهبت اليه الاشاعرة مبطلة له واما الباقون فاعتقدوا نفي جميع الصفات من حيث مفهوماتها اصلا واثبتوا اثارها وجعلوا الذات نائبة في احداث الاثار منابها اي مناب الصفات زعما منهم ان كل اثر لا ينشأ الا عما هو مجانس له في معنى مفهومه الاشتقاقي فالعلم انما ينشأ عن العلم والسمع انما ينشأ عن السمع ولا ينشأ العلم عن السمع ولا السمع عن العلم او البصر واثبات مبادي تلك الاثار ان كان على جهة القدم تعددت القدماء وعلى جهة الحدوث يلزم احتياج القديم الى الحادث وخلوه عما هو محتاج اليه في حال ما وهو ما قبل حدوثه فوجب القول في الصفات المتوسطة بين الذات والاثار بالحال المتوسط بين النفي والاثبات فرارا من لزوم المحذور على القول بكل واحد منهما من القدم او الحدوث والوجود او العدم والاتحاد او التعدد وحيث كانت الاثار مجعولة والمجعول لا بد له من جاعل وكانت علتها غير موجودة وجب اعتبار كون الذات نائبة منابها في الايجاد لسائر الاثار وليس في شيء مما قرروا شيء صحيح يقوم عليه دليل بل مقتضى الادلة نفي جميع ما قالوا فان اثباتهم الاحوال ان كان اثبتوا به شيئا لزمهم ما فروا منه فان الشيء لا يخلو من ان يكون قديما او حادثا وان سموه حالا فانه لا يخلو من ذلك وعدم اثبات شيء مع الذات الحق تعالى لا يلزم منه الحاجة ولا الخلو لانه تعالى لا يحتاج الى شيء في ايجاد شيء اذ الشيئية من مشيته والاثار مبدؤها بفعله ذواتها وما هي به هي وليست من اصل معه لان ذلك الاصل ان كان قديما لم يجز الايجاد منه اذ يلزم تغييره المنافي للقدم فان القِدم يأبى التغيير لذاته وان كان حادثا نقلنا الكلام الى مبدئه فيدور او يتسلسل وانما اخترعها اختراعا والبسها من هيئة اختراعه قبولها منه ومفهومها الاشتقاقي هو من معنى ما اخترعها عليه فلا يحتاج في احداثها الى شيء اذ لا شيئية لشيء مما سوى ذاته المقدسة الا ما اخترعه عليه بفعله والبسه من هيئة اختراعه فلا تحتاج الذات المقدسة في احداث الاثار الى ما اثبتوه من المبادي والاحوال على انها اذا احدثتها بفعلها فهي اثارها اي اثار فعلها والنيابة لا تعقل الا مع اثبات المؤثر لان المؤثر النائب ان كان لذاته صالحا للتأثير استغنى عن غيره وان لم يكن صالحا لا يمكنه التأثير بالنيابة الا مع اثبات المنوب عنه وتحققه ليكون بنيابته عنه فاعلا فاذا جوزوا تأثيره على النيابة عما ليس بموجود فما الموجب الى الحكم بكون فعله على جهة النيابة الا توهم اخذ حقائقها من تصور مفاهيم تلك الصفات وحيث بينا ان حقائقها مخترعة وان وصفه تعالى بتلك الصفات انما هو من حيث انه فاعلها فتكون تسمية تلك الصفات بما سميت به انما هي من فعله لتلك المعاني لان هذه الصفات صفات الافعال كما ذكرنا سابقا كما تسمى زيدا بكاتب وتصفه بحالة الكاتبية فان ذلك ليس الا بما اشتققت من فعله الكتابة لا ان الكاتبية حال لذاته او ان الكاتب صفة لذاته وانما ذلك صفات فعله وبما رددنا عليهم اعني اصحاب المعاني واصحاب الاحوال يعلم مذهبنا من عينية الصفات بمعنى انا اذا وصفناه بعليم وقادر وسميع وبصير فان اردنا المعنى الازلي فلا نعني بتلك الاوصاف الا محض الذات البحت وان مفاهيمها نفس مفهوم الذات البحت وان معانيها عين معنى الذات البحت ولا تكثر ولا تعدد ولا تغاير لا في الخارج ولا في نفس الامر ولا في التعقل ولا في الفرض والاعتبار بحال من الاحوال وانما وصفناه بذلك مع قولنا هذا تبعا لوصفه نفسه تعالى بذلك بعد قيام الدليل القطعي عندنا على ان مراده تعالى بوصف نفسه بذلك وصفه نفسه لتعليم عباده باوصاف افعاله كالكاتب والقائم والمتحرك والنائم في وصف زيد بها مع انها صفات افعاله والافعال متحدة في نفسها وانما تكثرت واختلفت اسماؤها باعتبار تكثر متعلقاتها واختلافها وليس مرادنا بقولنا ان صفاته عين ذاته ان صفاته مغايرة له بالمفهوم متحدة به بالمعنى كما يؤيده المصنف في قوله في الكتاب الكبير ردا على من اعترض على الحكماء القائلين بالعينية حين قال المعترض اذا كان وجود الواجب عين ذاته والوجود معلوم الكنه والذات مجهول الكنه لزم كون المعلوم عين المجهول قال المصنف قول المعترض لتوهمه انهم حكموا بعينية هذه المفهومات كما في الحمل الذاتي الاولى وذهوله عن ان مرادهم من العينية هو الاتحاد في الوجود كما هو شأن الحمل المتعارف لا الاتحاد في المفهوم كما في حمل معاني الالفاظ المترادفة بعضها على بعض حملا اوليا غير متعارف انتهى ونحن قد بينا ما يلزم القائل بتغاير المفاهيم من وقوع التركيب والتعدد اذ في نفس الامر لا فرق بين القائل بتغاير مفاهيمها الازلية وبين الاشاعرة في قولهم بالتغاير والمغايرة لان التغاير عند الفريقين مستفاد من دلالة الفاظها ومعاني الالفاظ غير محصورة فيما تعرفه الاعراب بل قد تتعدد المعاني التي يوضع اللفظ لها والعالم بها يعبر عن مقصوده بما شاء ولا مناسبة بين الحادث والقديم فيكون ما يدل على الحادث لا يدل على القديم لعدم المشابهة بحال والصفات القديمة كالعالم والقادر ليس مفهومها ما نعرفه من مفهوم صفات الافعال لتكون مغايرة له بالمفهوم وانما مفهومها عين معناها ومفهومها مفهوم الذات البحت وليستا اثنتين كما يتوهم من قولنا صفاته عين ذاته وانما ذلك شيء واحد بمعنى واحد لا من حيث خصوص الصدق بل ليس الا شيء واحد لا اله الا هو العزيز الحكيم وكلامنا هذا في اثبات مذهبنا ونفي مذاهبهم يشعر لمن يفهمه بالاستدلال القطعي بعد ما بينا ان كل ما سوى هذا الطريق مستلزم للتركيب والتعدد والحاجة والحدوث وان لم نذكر ادلة ذلك مفصلة لان ذكر الدليل في كل مكان على شيء واحد يوجب التطويل والتكرير مع انا نذكر ما يكفي الفاهم في كثير من المواضع
وقول المصنف { كما في اصل الوجود عند بعض } يشير به الى نفي مفاهيم الصفات وحقائقها مع اثبات اثارها وجعل الذات نائبة مناب الصفات في احداث اثارها مما ذهب اليه المعتزلة مثل نفي الوجود الحق تعالى وجعل الذات نائبة منابه في الثبوت والتحقق كما ذهب اليه بعض فان بعض الرواقيين ومنهم شيخ الاشراق ذهبوا الى ان الوجودات في جميع الموجودات امور اعتبارية لا تحقق لشيء منها في الخارج وانما تحققها في الخارج بنسبتها اليه تعالى لانه هو المتحقق الوجود في الخارج وربما ذهب بعض هؤلاء الى عدم تحققه في الخارج حتى في شأن الحق سبحانه نعم ذاته متحققة في الخارج وهي نائبة مناب وجوده تعالى والمصنف قال ان القائلين بالاحوال ونفي ذواتها واثبات اثارها وان الذات الحق نائبة مناب تلك الاحوال في اثبات آثارها حالهم في سخافة القول مثل حال النافين للوجود الحق وان الذات نائبة منابه في التحقق لان المصنف يذهب الى ان الحق تعالى وجود بحت ولا ماهية له فقول هؤلاء عكس قوله واقول اما القائل بنفي الوجود واثبات الذات فلكلامه توجيه يقربه من الصحة والمصنف ان اراد بنفي ماهية الواجب عدم تركبه من وجود وماهية فله وجه والا فلا لانها هي الانية والهوية ولا يساويه في ذلك شيء لانه هو الكبير المتعزز المتعظم لا اله الا هو الكبير المتعال نعم هويته هي ماهيته وهي حقيقته وهي وجوده بلا تعدد ولا تغاير لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الامر ولا في شيء مما تفرضه الاوهام واما توجيه كلام نافي الوجود في شأن الحق عز وجل فهو ان الوجود في حق الواجب سبحانه وفي حق عباده ليس شيئا غير معنى التحقق والثبوت وقول هذا السواد الاعظم انه ذات وجوهر متحقق بنفسه وبه تحقق ما سواه من الهويات والمواد والصور وهو مغائر لها وسار فيها وبه كل شيئية من شيئيات الذوات والصفات والجواهر والاعراض فشيء لا اصل له ولم يوضع هذا اللفظ لمعنى جوهري وانما وضع لمعنى وصفي وقولهم اذا فتشت عنه وجدت ما ادرك كل واحد منهم انما هو ما يؤمي اليه الاخر بغير تصور ولا برهان ذوقي استند الى دليل الحكمة فهم فيه يتتابعون يفرغ بعضها في بعض وعارفوهم يشيرون الى شيء وانا اصوره لك مثلا الصورة في المرءاة شيء تحقق بالوجود وهو شيء اشرق من ظهور المقابل للمرءاة سار في الصورة كسريان الروح في الجسد به تحققت الصورة وتقومت به وهو مغاير لها وجوهر فيها هي في الحقيقة عارضة عليه وامرهم هذا كله مبني على مسئلة وحدة الوجود ولهذا يستدلون بما ورد في الكتب الالهية من نحو قوله تعالى ايها الانسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفنا وباطنك انا ه واذا سمعوا قول منكر لما قالوا من ذلك قالوا ان الوجود لا تدركه قلوب المحجوبين وانما تدركه القلوب التي رفع الله عنها الحجب والاستار حتى شاهدوا الاسرار ولو كشف لهم الغطاء لوجدوا ان قلوبهم هي المحجوبة عن الاسرار بميلهم ومتابعتهم للاشرار وترك الاقتداء بانوار الائمة الاطهار صلى الله عليهم ما اختلف الليل والنهار واذا اردت ان تتحقق صحة كلامي فتدبر في عباراتهم تجدها لا تنطبق الا على المعنى العام المصدري المعبر عنه بالفارسية بهست ولو عنوا بالوجود الذي هو غير المعنى المصدري انه هو المادة كما ذهب اليه بعضهم لكان حسنا ولهذا نحن في عباراتنا اذا كنا نجري في كلامنا على ما يتفاهم نعني به المادة على المعنى الاول كما تقدم او كون الشيء اثر فعل الله على المعنى الثاني او المعنى المصدري فاذا عنينا به المادة صح ظاهرا وباطنا لانها هي حقيقة الشيء وبها يتقوم تقوما ركنيا ولانه سبحانه يمسك الاشياء بذواتها ولانها هي اول صادر عن فعل الله تعالى والمصنف حيث ذهب الى ان الوجود حقيقة الشيء وانه مغاير للمادة والصورة جعل قولهم الانسان حيوان ناطق هو حد تام جامع لجميع ذاتيات المحدود انه حد للماهية لئلا يقال عليه انه لو كان ذاتيا لماخرج عن الحد التام او ان الحد غير تام مع اتفاقهم على انه تام مع انه انما جمع المادة التي هي الحيوان والصورة التي هي الناطق لا غير ولو كان الوجود ذاتيا غيرهما لوجب اعتباره في الحد التام ولكن الاتفاق على ان هذا الحد ليس لخصوص ماهية الانسان دون وجوده بل هو حد للانسان بكل ذاتياته فلو كان الوجود بالمعنى الذي يشير اليه حقيقة للانسان ومن ذاتياته لوجب ذكره في الحد التام واذا ثبت انه يعبر به عن المادة وان المادة هي كنه الشيء وانها في كل شيء بحسبه صح ان الحق سبحانه هو الذات المقدسة وان تلك الذات متحققة بذاتها بدون ان ينسب اليها وجود مغاير لها يحققها بل بفاضل تحقق فعلها تحقق كل متحقق وجاز ان يقال انها نائبة مناب الوجود في تحقق ذاتها بذاتها وفي تحقق الاشياء بفاضل تحققها اي تحقق فعلها وذلك على مذاق من لا يعرف التحقق الا بالوجود الذي يتوهمونه وقول المصنف تعالى عن التعطيل والتشبيه يشير به الى ان قول هؤلاء يلزم منه التعطيل وقول الاشاعرة وقوله بل على نحو يعلمه الراسخون في العلم الى اخره يريد ان كون صفاته عين ذاته تعالى على نحو لا يعلمه الا الراسخون في العلم الذين هم الامة الوسط الصادق عليها خير الاشياء اوسطها الذين لم يلحقهم الغالي لبلوغهم الغاية والنهاية في التوغل والرسوخ في العلم ولا يفوتهم المقصر اي لا يتجاوزهم من قصر عن رتبة الرسوخ وظاهر الفقرتين بمعنى واحد ولو قال لم يلحقهم المقصر ولا يفوتهم الغالي لكان لهما معنيان وكان الكلام اليق بمراده ان كانت النسخة صحيحة ويحتمل حصول تغيير في الكلام من النساخ والخطب سهل وانما الخطب عظيم في مراده بهؤلاء من هم فانه يعني مثل الاعرابي والبسطامي والفارابي واشباههم من الصنفين فانهم هم الراسخون في العلم عنده وذلك النحو الذي علموه من عينية الصفات على نوعين احدهما كما قال عبدالكريم في الانسان الكامل في استشهاده :
ءاحطت خبرا جملة ومفصلا بجميع ذاتك يا جميع صفاته
ام جل قدرك ان يحاط بكنهه فاحطته الا يحاط بذاته
حاشاك من غاى وحاشى ان تكنبك جاهلا ويلاه من حيراته
والظاهر ان مراده بقوله يا جميع صفاته انها مغايرة له في المفهوم وفي المعنى باعتبار وهي عينه من حيث وحدة الوجود لانه في اول كتابه قال ان علم التصوف هذا مبني على مذهب السنة والجماعة ومعلوم ان المتبادر من ذلك مذهب الاشاعرة وقد سمعت مذهب الاشاعرة فيكون الاتحاد في قوله يا جميع صفاته من وحدة الوجود والا فهي من حيث هي في المفهوم والمعنى والتحقق مغايرة للذات فلا فرق بينها وبين سائر الاشياء في المغايرة للذات والاتحاد بها وهذا مما يصدق عليه ذلك النحو عند المصنف لقوله بوحدة الوجود في غيرها ففيها بالطريق الاولى وان كان في خصوص البحث هنا لا يريد هذا النوع من الاتحاد وثانيهما انها من حيث المفهوم مغايرة للذات في نفس الامر ومتحدة بالذات من حيث المصداق على نحو ما قرر في سائر الوجودات مع ماهيتها في اتحادها بها في الخارج لانها مصاديق لماهياتها تحمل تلك الماهيات عليها في الخارج وهذه الوجودات وان حملت عنده على الماهيات في ظرف التحليل الذهني الا ان الواجب ليس له ماهية عند المصنف ليتعاكس الحملان لاختلاف الظرفين ومفهومات صفاته تعالى عند المصنف وجودات فالحمل فيها بالحمل الذاتي الاولى الغير المختلف في الظرفين والحاصل ان مراده الوجه الثاني من النحو المذكور ويقال عليه ان الراسخين في العلم الحق لا يقولون بان الصفات الذاتية مغايرة للذات بمفاهيمها اذ ليس لها مفهوم الا مفهوم الذات اذ لا تكتنه الخلائق الا ما كان من انواعها بل الحق انها في انفسها اذا اريد منها الصفات الذاتية غير متغايرة في المفهوم ولا مغايرة للذات بل هي الفاظ مترادفة فان العلم هو السمع وهو البصر والقدرة فكل صفة هي الاخرى في المفهوم والمعنى وكل منها هي الذات من جهة انها الاخرى هذا اذا وصف بها واريد من الصفة الصفة القديمة فرضا والا ففي الحقيقة لم يصف بها نفسه لان الوصف ان كان له لم يحتج اليه وان كان لتعريف ما سواه فهو يستحيل ان يعرف نفسه بها لغيره لعدم الفائدة في ذلك ولان ذلك خلاف ما هو عليه في عز جلاله لاستحالة ان يكون مدركا للغير وانما يصف نفسه لهم بما يمكن ان يعرفوه به وهي صفات افعاله لانها هي التي يمكن ان تعرف مفهوماتها ويستدل بها عليه بمعرفة آثارها ومتعلقاتها بخلاف ما لو اريد بها الذاتية فانه يكون معنى الله عليم قدير الله الله الله على انا قد قدمنا انه ماوصف نفسه الا بصفات الافعال اذ ليس في الازل صفة وموصوف وانما في الازل ذات بحت هي الازل لا اله الا هو العزيز الحكيم
قال : { قاعدة مشرقية علمه بجميع الاشياء حقيقة واحدة ومع وحدته علم بكل شيء لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها اذ لو بقي شيء لم يكن ذلك العلم علما به لم يكن هو حقيقة العلم بل كان علما بوجه وجهلا بوجه وحقيقة الشيء بما هي حقيقة الشيء غير ممتزجة بغيره والا لم يخرج جميعه من القوة الى الفعل }
اقول قوله { علمه بالاشياء حقيقة واحدة } ان اراد به ما لا يعرفه ولا يفهمه فحكمه عليه بانه حقيقة واحدة ليس بصحيح بل القياس التخميني يقتضي التكثر لان ما كان متعلقه متكثرا مختلفا يجب ان يكون في نفسه كذلك والا لكان مغايرا للمعلوم غير مطابق له واذا لم يطابق المعلوم كان جهلا ولان المعلوم ليس حقيقة واحدة والعلم الاجمالي متعلق بالمعلوم الاجمالي وعلى هذا تبقى اشياء لم يكن عالما بها وهي المعلومات التفصيلية فانه ح غير عالم بها ولم يكن حقيقة العلم بل كان علما بوجه وجهلا بوجه فان قلت انما قال حقيقة واحدة وذلك غير مناف للتفصيليات قلت لان التفصيليات انما كانت تفصيليات لاشتمالها على المتعددات المختلفات والعلم باحد المختلفين لا يكون علما بالاخر بدون اختلاف وان وقع فانما يقع على الجهة الجامعة لهما مثلا لو قلنا العلم حصول الاشياء للعالم لكان شاملا لحصولها خاصة ويكون حصول البياض والسواد واحدا الا ان المعلوم حينئذ العدد بان الحاصل اثنان واما انهما مختلفان او متفقان فغير داخل في شمول الحصول فيحتاج العالم في تحصيل اللونين الى شيئين اخرين غير الحصول الجامع لهما من غير نوع الحصول فلا يكون العلم حقيقة واحدة بمعلومات مختلفة الحقائق الا بجهة جامعة لها فلا بد ان يكون العلم مطابقا للمعلوم ومطابقته ان يكون العلم بالمتحد متحدا وبالمتكثر متكثرا وبالمختلف مختلفا وبالمجمل مجملا وبالمفصل مفصلا ولا يمكن غير هذا ولهذا قلنا ان العلم نفس المعلوم لانه لا تنفتح مقفلات الاسرار الا بهذا العيار ويأتي انشاء الله زيادة بيان توصل من عرفها الى العيان ولكن المصنف لما جعل صفاته تعالى عين ذاته وانها هي المرتبطة بالمعلومات وقع بين محذورات في نظره فان جعل العلم متكثرا بتكثر المعلوم وهو عين الذات لزمه كون الذات البسيطة متكثرة وان جعل تكثره غير مستلزم للتكثر في الذات لم يقبل منه الا بفرض مغايرة العلم للذات ولو في التعقل او الفرض وقد نفي المغايرة فيهما وان جعلها غير المرتبطة خالف جعله مراده لانه لا يريد الا المرتبطة ولا يعرف غيرها ولا يعني سواها فلم يجد بدا من ان يحكم بكون العلم حقيقة واحدة لتصح له دعوى العينية وان يحكم بشمول هذه الحقيقة الواحدة من حيث وحدتها وعدم الاختلاف فيها لكل شيء لئلا يلزمه التجهيل فورد عليه انه لم يكن العلم مطابقا للمعلوم في الخارج كما هو المطلوب لان المعلوم اذا كان مختلفا متغايرا متكثرا متعاقبا لا يطابقه ما ليس بمختلف ولا متغاير ولا متكثر ولا متعاقب واذا لم يطابق فقد خالف اذ لا واسطة بينهما فيكون جهلا وان حكم بالمطابقة مع عدم المطابقة في الخارج ونفس الامر فقد حكم بما لا يعلم اذ الحكم اذا خالف الواقع في نفس الامر مع ظهور المخالفة عند الحاكم باطل والحكم الباطل بالصحة لا يجعل الباطل صحيحا فانك اذا حكمت على زيد الموجود بانه معدوم مع عدم اختلاف الحيثية لا يكون بحكمك معدوما وهو موجود لان قوله ومع وحدته فهو علم بكل شيء ان اراد فيه بهذه الوحدة الوحدة الجنسية او النوعية كانت التعلقات والارتباطات بالاشياء الشخصية شخصية لا يصلح ما تعلق بزيد ان يتعلق بالجدار فان الجهات الشخصية من الحقيقة الواحدة النوعية غير تلك الحقيقة النوعية فان الحقيقة النوعية لا تتعلق بذاتها بكليتها بفرد من افرادها الا بالجهة المختصة بذلك الفرد المتلبسة بمشخصات ذلك الفرد او بالحقيقة الذاتية المنتشرة في سائر الافراد على جهة النوع لا على جهة البدلية فمن الفرض الثاني يكون المعلوم اجماليا كليا فتخرج جميع التفصيليات وتبقى غير معلومة حتى يدبر لها المصنف امرا تكون به معلومة ومن الفرض الاول يكون العلم غير تلك الحقيقة الواحدة التي هي الذات المقدسة عند المصنف وانما العلم تلك الجهات المتعددة والتعلقات المتكثرة والارتباطات المطابقة وهذا وان كان هو مذهب ائمة الهدى عليهم السلام الا ان العينية تمتنع لان الصفة حينئذ فعلية لا ذاتية ويلزم المصنف على مذهبه الا يكون البارئ عز وجل عالما بكل شيء بذاته في الازل وهذا وان كان مذهب ائمة الهدى عليهم السلام اذ القول بانه تعالى عالم بها في الازل يلزم منه وجودها في الازل معه سبحانه وهو اجل واعز من ان يكون معه في الازل غيره وانما هو عالم في الازل بها في اماكنها واوقاتها من الامكان فان العلم في الازل والمعلوم في الامكان فلا يجوز ان يقول هو عالم بها في الازل ويجب ان يقول انه عالم في الازل بها في الحدث وحينئذ يكون العلم هو وقوع العلم اي تعلقه الحادث على المعلوم حين وجد المعلوم كما قال الصادق عليه السلام فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم وقد تقدم الحديث فيما سبق الا ان هذا مخالف لما يذهب اليه كما هو صريح كلامه من ان العلم تعلق بها في الازل وان اراد المصنف من العلم ما يعرفه فقد اخطأ في جعله حقيقة واحدة لانه مطابق للمعلوم والمعلوم متكثر مختلف فان لم يجعل العلم متكثرا مختلفا لم يكن العلم مطابقا للمعلوم فقد اخطأ اما في جعله حقيقة واحدة او في جعل العلم غير مطابق للمعلوم واخطأ ايضا في جعل ما يعرفه من العلم عين ذات الحق عز وجل لانه يلزم منه اما جعل الذات مكتنهة له معروفة بالكنه او جعل ما يعلم ويعرف عين ما لا يعرف ولا يحاط به علما فيكون الحادث عين القديم فتلزم التجزية والتركيب او انقلاب الحقائق
وقوله { لم يكن هو حقيقة العلم الخ } يراد منه انه لو بقي شيء لم يكن معلوما لذلك العلم لم يكن ذلك العلم علما مطلقا فان العلم المطلق اي الذي لا يشوبه جهل بشيء هو الذي لا يفوته شيء ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها فلو بقي شيء لم يحط به ذلك العلم كان غير مطلق بل بشيء دون شيء فيكون مشوبا بجهل وهذا صحيح
وقوله { وحقيقة الشيء بما هي حقيقة الشيء } يعني به ان حقيقة الشيء بذاتها لا بشيء آخر مغاير لتلك الحقيقة غير ممتزجة بغير ذلك الشيء صحيح لانها لو امتزجت بغيره لم تكن حقيقة له بذاتها
وقوله { والا لم يخرج جميعه الخ } يعني انه لو فقد شيئا فانما ذلك لعدم استكماله لما هو له لذاته اذ لم يخرج ما به استكمال من القوة الى الفعل وهذا في الجملة والظاهر صحيح وفيه مناقشات لا فائدة لذكرها نعم تمام الفائدة في واحدة وهي قوله لم يخرج جميعه فان المصنف لا يقدر ولا يجوز ان يقول لو لم يحط الله سبحانه بشيء من الاشياء لكان تعالى لم يخرج جميعه من القوة الى الفعل لانه عز وجل شيء بسيط احدي المعنى لا يصح عليه اطلاق لفظ يستلزم التجزية والتبعيض ولو في الفرض والعلم الذي هو عينه تعالى يصح عليه ذلك في الفرض كما قال لم يخرج جميعه وليس ذلك الا لاجل ما يتوهم بينهما من المغايرة وانهما شيئان لكن القول بالتثنية يستلزم فسادا فيقول لدفع الفساد في وهمه ان العلم عين الذات مع التفرقة بينهما ومن هذا المعنى الذي ليس في نفسه غيره اوردنا عليه ما سمعت سابقا على قوله حقيقة واحدة ومع وحدته علم بكل شيء وعنده انه علم الابيض بما هو عليه من البياض والاسود بما هو عليه من السواد والمتحرك بما هو عليه من الحركة والساكن بما هو عليه من السكون وهذه الحقائق المتباينة يطابقها بوحدته وهذا لا يصح الا اذا التزم انه بنفسه العلم الاجمالي وبهذه الحيثية العلم التفصيلي فيرد عليه ان تعلقه بكل فرد هل هو عين تعقله ( تعلقه ظ ) بالاخر المباين له ام غيره وكذا مطابقته لكل منهما فلما فرقوا بين الاجمالي والتفصيلي ونسبوا الاجمالي الى الازل والتفصيلي الى الحوادث لزمهم اما اتحاد التعلق والمطابقة وهذا يستلزم مع اتحاد المعلومات بعضها ببعض خروج جميع المعلومات التفصيلية المستلزم لعدم الحقيقة الواحدة المشار اليها لخروج التفصيلية واما تعدد التعلق والمطابقة فتتعدد المعلومات وهذا يستلزم مع عدم صحة العينية او تكثر الذات عدم الاحاطة بالمعلومات في الازل لتجددها وتعاقبها
قال : { وقد مر ان علمه يرجع الى وجوده فكما ان وجوده تعالى لا يشوب بعدم شيء من الاشياء فكذلك علمه بذاته الذي هو حضور ذاته لا يشوب بغيبة شيء من الاشياء لان ذاته مشيئ الاشياء ومحقق الحقائق فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها اذ الشيء مع نفسه بالامكان ومع مشيئه ومحققه بالوجوب ووجوب الشيء ءاكد من امكانه }
اقول قوله { وقد مر ان علمه يرجع الى وجوده } من جهة اعتبار العينية واتحاده بالذات معنى عند المصنف وعندنا الاتحاد معنى ومفهوما ومن جهة ان الوجود حقيقته وجوب اذ الامكان عدم وجود او امكان عدم والعلم حقيقته وجود واجب اذ عدم العلم بشيء اما عدم وجود او امكان عدم فيتحد العلم بالوجود في الوجوب وجوبا وفي الامكان امكانا
وقوله { فكما ان وجوده لا يشوب بعدم شيء الخ } يشير به الى ما قرره من ان بسيط الحقيقة كل الاشياء بناء على القول بوحدة الوجود يعني ان حقيقة الوجود هو الحق سبحانه وانه بوحدته هو كل الوجودات التي في الاشياء وقد قدمنا بطلان كلامه فيما سبق
وقوله { فكذلك علمه بذاته الى اخره } يشير به الى ان العلم هو الحضور وان علمه بذاته هو حضور ذاته لذاته وانه اي علمه بذاته لا يخلط بغيبة شيء من الاشياء وهو صريح في ان حضور ذاته هو حضور كل شيء كما ان وجود ذاته وجود كل شيء فاما قوله الاول اعني { ان علمه يرجع الى وجوده } اي يكون هو اياه فانما يصح اذا اريد من العلم المذكور العلم الذاتي هو الذات من غير فرض مغايرة بوجه ما لا في المفهوم ولا في المعنى وحينئذ فصحة القول فيه ان تعبر عنه في جميع ما تريد ان تقول فيه بلفظ اسم الذات فان اتسق الكلام لك وصح فقولك فيما اردت صحيح فتقول ان ذاته بجميع الاشياء حقيقة واحدة ومع وحدتها ذات بكل شيء لا تغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصتها اذ لو بقي شيء يعني لو خرج شيء من الاشياء عن الذات لم تكن ذاتا به لم تكن هي حقيقة الذات بل كانت ذاتا وشيئا آخر فان كان هذا الكلام يحسن منك كان كلامك بعبارة العلم صحيحا لانك لا تعني بالعلم الا الذات وان قلت يجوز ذلك لاجل اختلاف المفهوم قلت لك اذا قلت في شأن زيد كلاما لا يتأتى لك الا بكنيته كابيعمرو وانت تدعي ان المقصود ذات زيد لم يقبل منك بل يكون دليلا على انك لم ترد ذات زيد والا لتأتي باللقب كما يتأتي بالكنية فلو كنت تعني بعباراتك الحقيقة الواجبة الوجود لصح وصفك باسم الذات كما يصح باسم العلم لكنك تريد بالعلم شيئا غير ما تريد بالذات ومطلق المغايرة مانعة من الاتحاد فكما يجوز لك ان تقول ان ذات العلم محيطة بذوات المعلومات بذاته يجوز لك ان تقول ان ذات الله محيطة بذوات الموجودات بذاته فاذا جاز في الاول ولم يجز في الثاني دل على اختلاف المقصود من العبارتين ومخالفة العلم للذات
وقول المصنف { يرجع الى وجوده } لفظي لا يطابق المعنى لان العلم المتعلق بالمعلومات المرتبط بها المطابق لها لا يصح ان يراد به الذات لانها لا تتعلق بالمعلومات ولا ترتبط بها ولا تطابقها فلا تصح العينية وكل ما تسمع من عباراتهم مدخولة ولكن اتسع الخرق على الراقع ولا يسع الا الايهام والابهام والاجمال حتى يأتي امر الله عجل الله فرج وليه نعم العلم الذي يصح تعلقه بما سوى الله ويرتبط به ويطابقه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء هو العلم الحادث وهو الكتب الالهية كما قال تعالى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى واما العلم الذي هو الذات فلا يصح ان يتعلق بالممكنات ولا يرتبط بها ولا يطابقها لان الذات لا تتعلق بالممكنات ولا ترتبط بها ولا تطابقها ولا يلزم من قولنا هذا انه تعالى غير عالم بها لانها لم تكن موجودة في الذات وانما هي موجودة خارج الذات وخارج الذات هو الامكان والعلم الامكاني محيط بها وقد تقدم انه تستحيل تعلق العلم بلا شيء فاذا لم تكن موجودة في الذات لم يصح ان يعلم بها بالذات وقولنا لم يتعلق العلم الذي هو الذات بشيء سوى الذات سالبة بانتفاء الموضوع الا ترى انك تكون عالما وبصيرا واذا لم يكن في يدي شيء لا تعلم ان في يدي شيئا ولا ترى شيئا واذا قلت اني لا اعلم ان في يدك شيئا لم تكن بذلك القول جاهلا ولا اعمى بل تكون بعدم تعلق علمك بشيء في يدي عالما بل لو ادعيت العلم كنت جاهلا اذ لا معلوم فكذلك ما نحن فيه وكم نكرر هذه الحقائق الحقة النورانية وكم نردد البيان ولكن الخواطر امتلأت من العيون الكدرة كما قال امير المؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه والعلم الذي يتحد بالذات مفهوما ومعنى هو العلم بالذات خاصة لان العلم عين المعلوم في كل رتبة من المراتب في الوجوب والامكان على الصحيح وقد اشرنا الى دليل هذا في شرح المشاعر
واما قوله الثاني اعني { فكما ان وجوده لا يشوب بعدم شيء الخ } فقد بينا ما يلزمه ولا سيما على ما ذكره من ان بسيط الحقيقة كل الاشياء وقد ابطلناه سابقا واذا جعل العلم المتعلق بكل الاشياء عين الذات توجه عليه من الرد ما توجه على ما هو متحد به في كونه كل الاشياء ويتجه على قوله الثالث اعني كون { علمه بذاته الذي هو حضور ذاته } حضور الاشياء اتحاد الحضورين ما اوردنا على كون الذات كل الاشياء مع ما خصوه بالاجمالي فيخرج التفصيلي فيكون حضور الذات حضور بعض الاشياء اعني الامور الاجمالية واما التفصيلية وان كانت معلومة لكنها معلومة بعلم متجدد فلا يكون حضورها حضور القديم ويلزمه ان البسيط الحقيقة بعض الاشياء ثم حيث حضر شيء حضر بعض الذات لان كل ما هو كل الامور المختلفة المتعددة المتعاقبة متعدد مختلف متعاقب فاذا حضر زيد حضر ما هو زيد او ما به زيد دون ما هو ابنه او ما به ابنه وكذا ابن ابنه ان جعل بسيط الحقيقة كل الاشياء وان جعله كل الاشياء الاجمالية فهي اي الاجمالية ازلية عنده لان الذات ازلية ولا تكون في الازل كل ما لم يكن واذا وجدت التفصيلية وقع تعين الذات لان التفصيلية تعين الاجمالية التي هي الذات فيكون المصنف واتباعه هم تعين الذات الحق عز وجل
وقوله { لان ذاته مشيئ الاشياء ومحقق الحقائق } معناه عند اهل الحق انه سبحانه مشيئ الاشياء بمشيته اذ الشيء انما هو شيء بمشيته كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام في خطبته يوم الغدير والجمعة بقوله في الثناء على الله سبحانه وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته رواه الشيخ في المصباح فقوله عليه السلام اذ كان الشيء من مشيته يشعر بالاشتقاق واما ان الله سبحانه شيء فعلي ما نعرف من وصف العنوان وهو خلق احدثه عز وجل لتعرفه العبيد بصفة التوحيد والتفريد ومشية الله سبحانه عند اهل الحق عليهم السلام هي فعله اذ ليس لله مشية وارادة الا فعله روى الصدوق عن الرضا عليه السلام في كتابه التوحيد انه عليه السلام قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ه فهو عز وجل مشيئ الاشياء بفعله وكذا محقق الحقائق فان تكوينها تحقق بفعله تحقق صدور وذواتها تحققت بما اخترع لها من المواد والصور تحققا ركنيا ومعنى قوله عنده انها تحققت بذاته تحققا ركنيا كما هو مذهب المشهور من الصوفية ان وجود الاشياء ذاته ووجوده تعالى وبعضهم ذهب الى ان وجود الاشياء فعله تعالى وذهب اليه ضرار بن عمر واتباعه والمعروف من مذهب المصنف الاول والمراد ان الاشياء مركبة من وجود وماهية يعني من مادة وصورة كما هو المعروف من مذهب الحكماء على نحو الاتفاق ان كل ممكن زوج تركيبي فقول المصنف { فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها } يريد انه تعالى كون الاشياء وشيئها وحققها بذاته لا بفعله اذ ذواتها من ذاته مثل الكتابة التي تحدث من المهر المنقوش فان حقيقتها من القرطاس فاذا مهرت بمهرك في القرطاس الابيض كان ما لم يسود من القرطاس هو الكتابة فالقرطاس اولي بهذه الكتابة من الكتابة نفسها فالكتابة البيضاء من القرطاس هي وجود الكتابة ومادتها واما ماهيتها وحدودها وصورتها فمن المداد واذا كانت الاشياء عندهم بهذه المثابة صح له ولهم ما ذكره من التعليل من قوله { اذ الشيء مع نفسه بالامكان الخ } واما عند اهل الحق عليهم السلام فكما سمعت قبل هذا من انه تعالى انما شيئها وحقق حقائقها بفعله تحققا صدوريا وبما اخترع لها من المواد والصور لا من شيء تحققا ركنيا فعلي القول الحق انه سبحانه احق بالاشياء من الاشياء بانفسها بمعنى ان كل ما به هي هي لذاتها ولما ينسب اليها فهو نعمه وعطاياه وكل ما انعم به على احد من شيء واعطاه اياه فهو في يده وفي قبضته لم يخلها من يده حين افاضها على عبده والا لم تكن شيئا اذ هي انما هي شيء بكونها في قبضته وهو قول الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك لا ان الاشياء من ذاته او بذاته وانما كل ما سواه فعن فعله لا من شيء فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها لان كل شيء منها فهو نعمه التي اخترعها لا من شيء فتفضل عليهم بما هم به هم وكل شيء في قبضته وهو قوله تعالى قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه فقوله { اذ الشيء مع نفسه بالامكان } اي متقوم بها قيام تحقق وهذا صحيح وقوله { ومع مشيئه ومحققه بالوجوب } ليس بصحيح اذ الشيء ليس مع صانعه كالكتابة البيضاء من المهر في القرطاس الابيض ليكون معه بالوجوب بل هو مع صانعه بالامكان ايضا اي متقوم بفعله قيام صدور ولو اريد الوجوب العلي لماخرج بذلك عن الامكان لان هذا الوجوب راجحي لا ازلي بل ولا تعيني فادخال وجوبه في وجوب الازلي مغالطة او قول بوحدة الوجود كما هو مذهب المصنف ولذا جعل وجوب ثبوته مع الله وجوبا ازليا ولذا قال ووجوب الشيء ءاكد من امكانه لانه لم يرد الوجوب العلي يعني وجوب وجود المعلول عند وجود علته التامة لان هذا الوجوب ليس ءاكد من امكانه لجواز تحويل هذا الوجوب وعدم جواز تحويل الامكان فهو ءاكد من الوجوب بالعلة
قال : { ومن استصعب عليه ان يكون علمه تعالى مع وحدته علما بكل شيء فذلك لظنه ان وحدته عددية وانه واحد بالعدد وقد سبق انه ليس كذلك بل هو واحد بالحقيقة وكذا سائر صفاته ولا شيء غير حقيقة الحق واحد بالحقيقة بل الاشياء الممكنة لها وحدات اخر غير هذه الوحدة كالشخصية والنوعية والجنسية والاتصالية وما يجري مجراها وهذا من غوامض ( المسائل ظ ) الالهية فما عند الله هي الحقائق المحصلة المتأصلة التي تنزل الاشياء منها منزلة الاشباح والاظلال فما عند الله من الاشياء احق بالاشياء مما عند انفسها }
اقول يقول ومن استصعب عليه ان يكون علمه تعالى مع وحدته علما بكل شيء فلاجل ظنه بان الوحدة التي نطلقها عليه وحدة عددية لان العلم حينئذ وان كان واحدا الا انه احد الموجودات والواحد من الخمسة لا يحيط بالخمسة مثلا ونحن نريد بوحدة علمه تعالى الوحدة الحقيقية بمعنى انه هو وليس شيء غيره وانا اقول لك ايها الناظر ان الالفاظ قد تشتبه في دلالتها فربما اختلف المستدلان لفظا وهما متفقان معنى وقد يكونان مختلفين معنى وهما متفقان لفظا فاذا اردت التمييز في المقاصد فاستخبر القائل بالوحدة الحقيقية ما تعني مثلا بها وما تعني بالعددية والنوعية والجنسية فانه اذا تكلم في بيان ما ذكر اتى بعبارة ادل على مقصوده مما ذكر اولا لان السائل ربما نبهه على معنى كان قبل السؤال غافلا عنه فان تعسر عليه اللفظ الصريح فاطلب منه المثال فوحدة العدد ليست هي وحدة الواحد لان المراد من الوحدة هنا الوحدة الاجتماعية لان العدد هو الكمية كالعشرة فانها شيء واحد وكمية واحدة فوحدتها ليست حقيقية لاشتمال العشرة على وحدات متعددة ووحدة الواحد ان قصد بها العدد خرجت عن الحقيقية كما اذا قلت هذا واحد تريد به اول ما تتألف منه كمية العدد تقول واحد اثنان ثلاثة فالثلاثة تركبت من وحدات عددية بخلاف ما اذا لم ترد ما تتألف منه الكمية بل تريد واحد لا نظير له لان هذه الوحدة من الوحدة الحقيقية الجائزة على الحق تعالى من حيث التسمية فالواحد قد تكون وحدته من العددية ولا يجوز حينئذ على الله تعالى وقد تكون من الحقيقية فتجوز عليه تعالى وهذا ما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام في قوله للاعرابي الذي سأله عن الواحد يوم الجمل قال عليه السلام يا اعرابي ان القول في ان الله واحد على اربعة اقسام فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ووجهان يثبتان فيه فاما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الاعداد فهذا ما لا يجوز لان ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد اماتري انه كفر من قال ثالث ثلاثة وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه لانه تشبيه وجل ربنا عن ذلك وتعالى واما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الاشياء شبه كذلك ربنا وقول القائل انه ربنا عز وجل احدي المعنى يعني به انه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عز وجل ه اقول وانما كان الواحد له وحدتان يصدق عليهما لانه لم يدخل بذاته في العدد كما هو رأي الاكثر واول من ذهب الى هذا فيثاغورس وروي الصدوق في توحيده عن الباقر عليه السلام الى ان قال والواحد المباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ومن ثم قالوا ان بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لان العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين الحديث فقال عليه السلام بقول من افرد الواحد من العدد من الحكماء فالوحدة العددية تتحقق في شيئين احدهما الوحدة التي تتألف منها الكمية وثانيهما الوحدة التي تحصل للكمية بعد تألفها واما وحدة الواحد الذاتية فهي من الحقيقية والمصنف يقول من استبعد كون العلم مع وحدته علما بكل شيء فانما ذلك لظنه انا نريد بوحدته الوحدة العددية اي الوحدة التي عرضت للكمية بعد تألفها ونحن انما نريد بالوحدة الحقيقية واقول قد عرفت الوحدة العددية فينبغي ان تعرف النوعية والجنسية والمراد منها ان الجنس حقيقة واحدة تحتها انواع متعددة بمعنى ان تلك الحقيقة الجنسية مع وحدتها تنقسم الى حصص كل حصة مادة لنوع من انواع ذلك الجنس فتلك الوحدة الجنسية لاتحاد حصص انواعه في رتبة الجنس كحصص الحيوان المأخوذة في انواعه كالانسان والفرس والطير وما اشبهها فانها متحدة في رتبة الحيوان اي كل حصة منها جسم نامي متحرك بالارادة فمن حيث لحاظ الحيوانية هي واحدة وحدة جنسية ومن حيث لحوق الفصول لها تعددت الانواع بالمميزات وكذلك الوحدة النوعية بالنسبة الى افراد النوع فالوحدة الجنسية متكثرة بفصول الانواع والوحدة النوعية متكثرة بالمميزات الشخصية فاذا عرفت هذا فارجع الى المصنف كما قلنا لك واسئله ما يعني بالوحدة الحقيقية بعد ما قرر ان حقيقة الوجود واحدة فما كان صرف الوجود العاري عن شوب النقائص والاعدام هو الوجود الحق سبحانه وما كان مشوبا بالنقائص والاعدام فهي وجودات الممكنات وبعد ما قرر ان هذه النقائص والاعدام لم تلحقها لذاتها وانما لحقتها من عوارض مراتب تنزلاتها وهذه العوارض العارضة اللاحقة لها بواسطة مراتب التنزلات هي المميزات لتلك الافراد الوجودية بعضها من بعض لانها هي المتممات للقوابل الشخصية واذا نظرت بعين البصيرة المجردة عن التقليد والاوهام لم تجد ما وصف المصنف الا كالخشب فانه الاية المطابقة لتوصيفاته فانه حقيقة نوعية ووحدته وحدة نوعية والحصص المأخوذة منه للباب والسرير وغيرهما فانها باقية على صرف الخشبية لذاتها وانما تميزت الحصص بعضها عن بعض بما لحقها من الهندسة والحدود التي هي عوارض لمراتب تنزلات الوجودات ولا سيما على رأي المصنف واتباعه القائلين بان الموجود في الذهن الاشياء بماهياتها وحقائقها معراة عن عوارضها الخارجية لا بصورها واشباحها والموجود في الخارج ما انحط من اشباحها وامثالها كذلك ان حقيقة الوجود هو الواجب الحق سبحانه وحضوره الذي هو العلم الذاتي حضور الاشياء للاولوية المذكورة لانه مشيئها ومحققها وتلك الحقيقة البسيطة مع كمال وحدتها هي كل شيء من الاشياء بحقيقته وما انحط عن هذه الحقيقة وتنزل منها فانما هو شبح وظل لحقيقته التي طوتها تلك الحقيقة الحقة كما ان حضور الخشب حضور السرير والباب فان حقيقة الخشب مع وحدتها هي كل شيء من الاشياء التي عملت منه ووحدته على ما يلزم من كلام المصنف او تكون وحدة الواجب جنسية او نوعية اذ ليس للحق تعالى وحدة على تقريره الا جنسية او نوعية لا شخصية ولا اتصالية ولا غير ذلك لان جعله جميع حقائق الاشياء الحادثة في ذاته او في علمه الذي هو ذاته وان وجوداتها من سنخ وجوده يلزم من ذلك ان وحدته وحدة نوعية وانه كلي تنزل من وجوده وحقيقته وجودات الاشياء وحقائقها نزول الشبح من الشاخص وليس لانها ظل له تعالى ليكون قائلا بالظلية بل لان حقائقها من سنخه وذلك لان حقائقها في ذاته فان كانت مغايرة لذاته لزمه التكثر والتعدد المنافيين للوحدة وان لم يكن مغايرة لذاته كان نزول هذه الحوادث من ذاته نزول النوع من الجنس والشخص من النوع وهو نزول الجزئي من الكلي في الغيب الذهني وفي الخارج نزول الجزء من الكل او النور من المنير وعلى كل حال يكون هذا القول قولا بان لله سبحانه ولدا لصدق الولادة على خروج كل شيء من شيء باي نوع من الخروج روي الصدوق في التوحيد باسناده الى الصادق عليه السلام عن ابيه الباقر عليه السلام عن ابيه عليه السلام ان اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علي عليهما السلام يسئلونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فلا تخوضوا في القرءان ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله يقول من قال في القرءان بغير علم فليتبوء مقعده من النار وان الله سبحانه قد فسر الصمد فقال الله احد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا تتشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع تعالى ان يخرج منه شيء وان يتولد منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد ولم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الارض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما يخرج من الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب وكالنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفؤا احد ه فتدبر هذا الحديث الشريف يظهر لك ان ما ذهب اليه المصنف واتباعه من الولادة وان كان الظاهر من كلام المصنف المغايرة لانه ذاهب كما يأتي عن قريب الى ان نزول الحادثات الخارجية من حقائقها المتأصلة القائمة بذاته وتلك الحقائق هي المنشئة لهذه الاشباح الخارجية بالله فاذا جرينا على ظاهر المستفاد من كلامه من المغايرة كانت تلك الحقائق المغايرة مباينة للذات لازمة لها وبهذا تتحقق المغايرة الموجبة للتركيب في نفس الامر وان كان في اعتقاده ان حصولها له حصول جمعي وحداني اذ هو كلها فلا ينافي حصولها ولزومها وحدته الحقيقية كما لا ينافي تعدد اغصان الشجرة واوراقها وثمرها وحدة الشجرة فانها في نفس الامر شجرة واحدة فلحاظ وحدتها في نفسها مستهلك لتلك الكثرات اذ حصول تلك الكثرات للشجرة حصول جمعي عنده وقد ذكر فيما سبق في قوله : فلا يمكن تعدد الواجب لانه لو تعدد لكان المفروض واجبا محدودا لوجود ثاني الاثنين فلم يكن محيطا بكل وجود حيث تحقق وجود لم يكن له ولا حاصلا منه فائضا من لدنه الي اخره انتهى وهو صريح ان المغاير في وجوده اذا كان الحق تعالى محيطا به وهو حاصل من الوجود الحق فائض من لدنه داخل تحت حقيقة ذاته اذا حصل مع الحق تعالى لا ينافي وحدته اذ حصوله كحصول الاغصان والورق للشجرة وهو حصول جمعي لانه تعالى كل ما سواه من الاشياء ومادة التأليف تحقق الكلية والوحدة المشار اليها هي وحدة الكل يعني الوحدة الحقيقية ثم قال بعد ذلك : وان كل كمال وجودي رشح من كماله وكل خير لمعة من لوامع جماله فهو اصل الوجود الخ انتهى وهو يؤيد ما ذكرنا فاذا كان الوجود في الكل واحدا وعلمه راجع الى وجوده فقوله في هذه القاعدة لتقرير انه تعالى كل الاشياء فكما ان وجوده تعالى لا يشوب بعدم شيء من الاشياء فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لا يشوب بغيبة شيء من الاشياء الخ مثل ما ذكرنا ان علمه عين وجوده الذي هو ذاته ووجوده كل الموجودات وعلمه عين وجوده فهو عين المعلومات على حد عينية الشجرة لاجزائها فوجوده وجودها وعدمها عدمه اذ ليست عند المصنف اثارا له فلا يلزم من عدمها عدمه بل في الحقيقة يكون كلام المصنف راجعا الى ان الاشياء اجزاؤه او جزئياته بل الاول اوجه بما يلزم من كلامه وتمثيلهم بالحروف اللفظية من النفس بفتح الفاء وبالحروف النقشية من المداد وبالاعداد من الواحد وما اشبه ذلك يشهد بان اللازم من كلامه هو الاول
وقوله { فما عند الله هي الحقائق المحصلة المتأصلة التي تنزل الاشياء منها منزلة الاشباح والاظلال } صريح في جميع ما اوردنا على كلامه من المغايرة وان الذات محل لجميع تلك الذوات وان الوحدة التي ادعاها وحدة النوع في الاذهان والعقول ووحدة الكل في الخارج وانها كوحدة الشجرة مع ما تألفت منه ووحدة الخشب بالنسبة الى الحصص المأخوذة منه لان هذا العند الذي ذكره المصنف ان اراد به ما هو خارج الذات كانت تلك الحقائق ممكنة حادثة بعد ان لم تكن شيئا مذكورا وهذا دين ساداتنا محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين اذ دينهم ان كل ما سوى ذات الحق سبحانه وتعالى حادث بعد ان لم يكن شيئا مذكورا فكان مذكورا بايجاده وامكانه لا قبله وان اراد به ما هو الذات الحق عز وجل توجه ما سبق ونحوه من المطاعن والاعتراضات
وقوله { التي تنزل الاشياء منها الخ } يعني ان الاشياء الموجودة في عالم الاكوان منزلتها من حقائقها التي في ذات الحق تعالى منزلة الشبح والظل من الشاخص والشبح هو الظل كما روي عن الصادق عليه السلام والمراد منه الصورة لان الصورة ظل ذي الصورة والصورة معلقة بالشاخص كالظل والمراد من الشبح الصورة المنفصلة بالاشراق عنه لا الصورة المتصلة العارضة القائمة به قيام عروض لان هذه يطلق عليها صورة الشخص وهي المتصلة واما المنفصلة فهي التي تقع في المرءاة فانها قائمة بصورته المتصلة قيام صدور ونعني بالشبح حيث يطلق في الغالب الصورة المنفصلة في المرءاة ومعنى الانفصال هنا القيام بغير الموصوف كما مثلنا ولما كانت الاشياء المكونة ذوات متحققة عند المصنف والاشباح والاظلة اعراضا عنده قال ان الاشياء كالاعراض في التعلق والتقوم ولذا قال منزلة الاشباح والاظلال وذلك اما انه غفل عن ملاحظة سر الخليقة او انه ماعرف كون المعلول بالنسبة الى علته الحقيقية عرضا فان هذا حكم نفس الامر ان المعروض عرض لعلته الحقيقية والمراد من العلة الحقيقية هي التي تحدث مادة معلولها لا من شيء بخلاف العلة التي لا تصدر عنها الا الصورة فان تلك ليست حقيقية كالبناء في صنع الجدار فعلى قولنا يتجه كونها اعراضا لعللها وعلى قول المصنف العلل الازلية هي الحقائق المتأصلة واما الحوادث الكونية التي هي من تلك الحقائق بمنزلة الاشباح والاظلال فهل عند المصنف يجعلها اشعة انحطت عن تلك الحقائق ام هي تلك الحقائق انفسها نزلت من اوج قدسها الى حضيض طبائعها بذواتها بحيث خلت اوجاتها منها ام هي باقية في مراكزها والنازل منها ابدالها او امثالها ام تكيفت اوقاتها واماكنها بهيئات كينوناتها فعلى كل فرض يرد عليه الموانع المنافية لقوله فعلى الاشعة تكون اعراضا ولا يلايم قوله منزلة الاشباح لان الاشباح اعراض ولا تكون الاعراض بمنزلة الاعراض وعلى نزول الحقائق يلزم انقلاب الحقائق لان تغير حال القديم يجعله حادثا وتكون الذات فاقدة والابدال من انواع الولادة المنافية للازل والامثال جمع مثل فبسكون الثاء تتعدد القدماء وبالتحريك اشباح لا بمنزلة الاشباح وعلى التكيف هي اثار الاشباح واذا كانت الاشياء تعود في عودها الى مباديها كانت المنحطة عائدة الى ما منه بدئت فان كان عودها عود مجاورة تكثرت على نحو التضعيف فيعظم الخطب وان كان عود ممازجة انتهى تنعم السعداء وتألم الاشقياء هذا كله ان كانت المنحطة ذوات والا فالصفات مباديها هيئات الموصوفات وافعالها لا ذواتها ولا يتجاوز شيء من الاشياء مبدؤه وحينئذ يكون العود عود ممازجة وتنتهي الاوصاف العملية واعلم اني لوحت بهذه الكلمات الى الدلالة على طريق معرفة سر الخليقة في الذوات والصفات ليبني العارف بها حكمة معرفته على نمط كيفية بدؤ الاشياء لانه عز وجل خلق الاشياء موصوفات الاشياء وصفاتها مشروحة العلل مبينة الاسباب لتعرف العباد كيفية الاستدلال على ما اراد من طرق الهداية والرشاد كما اشار في الكتاب المجيد في قوله يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم فقوله لنبين لكم اشارة الى ان كل شيء خلقه من صفة او موصوف فانه دليل ومستدل عليه وعلة ومعلول وغاية ومغيا واذا سمعت انه عز وجل انه لا يعرف الا بما عرف نفسه فاعلم ان المراد ان اسباب التعريف وآلة البيان ما خلق من خلقه وما بين من اسبابها ومسبباتها فمن عرف سر الخليقة وصل الى معرفة الحقيقة ولذا قال صلى الله عليه واله اللهم ارني الاشياء كما هي ه فنبهت بتلك الكلمات التي عارضت بها المصنف ليس لخصوص الاعتراض لا والله ولكن بقصد ان بيان تلك الحقائق لا تعرف الا برد ما يخالفها من كلام المصنف وغيره لاني اذا ذكرت كلاما قال المصنف او غيره بخلافه لا يعرف ان كلامي حق بل ولا يقبل مني الا اذا ابطلت كلام من خالفه وحيث كان ابطال كلام الخصم مع تقدمه وشهرته وانس الاذهان بمذهبه وبعباراته يحتاج الى كلام طويل وتقديم مقدمات ونقض كلامهم بعد ايراد حججهم والوقت لا يسع ذلك لوحت بالخلاف وعدم رضاي بقوله ليتنبه من له روية على اني وان اطلت الكلام لا ينتفع الا اولوا البصائر والافهام من العلماء الاعلام المنصفين الطالبين بتعلمهم وجه الملك العلام لان الرد بعد القبول ولبس ثوب الجهل بعد الشهرة بالعلم صعب مستصعب لا يحتمله الا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام والحاصل ان هذه الحقائق التي هي حقائق الاشياء هي التي عناها بالكل في قوله كل الاشياء ولا يمكن ان يتكلم بها احد ويحكم بانه كلها وانها عنده وفي علمه الذي هو ذاته وانها في ذاته بنحو اشرف في قولهم ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته ولكنه بنحو اشرف وان للاشياء وجهين وجها اجماليا وهو علمه بها وهي حقائق الاشياء وهي الصور العلمية اللازمة لذاته المتعلقة بها تعلق النور بالمنير والظل بالشاخص وانها غير مجعولة وانما المجعول وجوداتها بمعنى تعلق الكون بها يعني اظهارها بعد الكمون كالنار الكامنة في الحجر تخرج بحك الزناد وامثال هذه من عباراتهم المختلفة لفظا ومعنى المتفقة علي قدمها وعدم مجعوليتها الا اذا كان عالما بها مدركا لها وحيث ذكر المصنف واتباعه هذه الاوصاف دل علي انهم في زعمهم مدركون لها مع انهم لم يأتهم وحي بذلك ولا تجاوزوا مشاهدة الملكوت فيكون وصفهم ناشئا عن مقايستهم لذلك بما عرفوا من انفسهم فلذا اخطأوا في اقوالهم واعتقاداتهم كيف وقد قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذي لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا الحديث والمراد ان الله سبحانه لا يعرف الا بما وصفوه في خطبهم واحاديثهم او لا يعرف الله الا باعتقاد انهم عليهم السلام حججه وابوابه وانهم اولياء احكامه وحفظة شرائع دينه او لا يعرف الله الا من عرفهم لانهم عليهم السلام وصفه الذي وصف نفسه به لعباده ليعرفوه فالاول للمؤمنين والثاني للعارفين والثالث للانبياء والمرسلين وقال الصادق عليه السلام في الدعاء عقيب الوتيرة بعد العشاء كما رواه الشيخ في المصباح قال عليه السلام : بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض اياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك ه وهؤلاء قولهم واعتقادهم مخالف لاحاديث ائمة الهدى عليهم السلام ولكلام الله الذي انزله على نبيه صلى الله عليه واله ولما اقر رسول الله صلى الله عليه واله عامة المسلمين واجرى احكام دينهم عليه فانه صلى الله عليه واله اقرهم على المعارف المعروفة المتداولة ووعدهم على القيام به دخول الجنة اذ ليس شيء مما نقلنا عن اولئك مطابقا لشعائر المسلمين فان قول المصنف { فما عند الله هي الحقائق المحصلة المتأصلة } الى اخر قاعدته لا يدل عليه كتاب ولا سنة ولا عقل
قال : { قاعدة, علمه تعالى بالممكنات ليس صورا مرتسمة في ذاته كما اشتهر عن معلم الفلاسفة والمشائين وتبعهم ابونصر وابوعلي وغيرهما ولا كما ذهب اليه الرواقيون وتبعهم الشيخ المقتول والعلامة الطوسي والمتأخرون من كون علمه بالممكنات عين ذوات الممكنات الخارجية لان علمه قديم والممكنات كلها حوادث ولا ما ذهب اليه المعتزلة لبطلان شيئية المعدومات ولا ما توهمته الاشاعرة من ان العلم قديم ولم يتعلق بممكن الا وقت حدوثه ولا ايضا كما نسب الى افلاطون من ان علمه تعالى ذوات قائمة بانفسها وصور مفارقة عنه تعالى وعن المواد ولا الى الذي نسب الى فرفوريوس من اتحاده تعالى بالمعقولات على ما فهمه الجمهور من الاتحاد ولا الذي تجشمه واقتحمه بعض المتأخرين ولم يمكنهم تحصيله من العلم الاجمالي بل على نحو اشرنا اليه وقررناه على وجه محصل مشروح في كتبنا المبسوطة }
اقول قال المصنف في كتابه الكبير المسمى بالاسفار : فصل في تفصيل مذاهب الناس في علمه تعالى بالاشياء احدها مذهب توابع المشائين منهم الشيخان ابونصر وابوعلي وبهمنيار وابوالعباس اللوكري وكثير من المتأخرين وهو القول بارتسام صور الممكنات في ذاته تعالى وحصولها فيه حصولا ذهنيا على الوجه الكلي الثاني القول بكون وجود صور الاشياء في الخارج سواء كانت مجردات او ماديات مركبات او بسائط مناطا لعالميته تعالى بها وهو مذهب شيخ اتباع الرواقية شهابالدين المقتول قدس سره ومن يحذو حذوه كالمحقق الطوسي وابن كمونة والعلامة الشيرازي ومحمد الشهرستاني صاحب كتاب الشجرة الالهية الثالث القول باتحاده تعالى مع الصور المعقولة له وهو المنسوب الى فرفوريوس مقدم المشائين اعظم تلامذة المعلم الاول الرابع ما ذهب اليه افلاطون الالهي من اثبات الصور المفارقة والمثل العقلية وانها علوم الهية بها يعلم الله الموجودات كلها الخامس مذهب القائلين بثبوت المعدومات الممكنة قبل وجودها وهم المعتزلة فعلم البارئ عندهم بثبوت هذه الممكنات في الازل ويقرب من هذا ما ذهب اليه الصوفية لانهم قائلون بثبوت الاشياء قبل وجودها ثبوتا علميا لا عينيا كما قالته المعتزلة السادس مذهب القائلين بان ذاته علم اجمالي بجميع الممكنات فاذا علم ذاته علم بعلم واحد كل الاشياء وهو قول اكثر المتأخرين قالوا للواجب تعالى علمان بالاشياء علم اجمالي مقدم عليها وعلم تفصيلي مقارن لها السابع القول بان ذاته تعالى علم تفصيلي بالمعلول الاول واجمالي بما سواه وذات المعلول الاول علم تفصيلي بالمعلول الثاني واجمالي بما سواه وهكذا الى اواخر الموجودات فهذا تفصيل المذاهب المشهورة بين الناس وربما قيل في وجه الضبط ان من اثبت علمه بالموجودات فهو اما ان يقول انه منفصل عن ذاته اولا والقائل بانفصاله اما ان يكون بثبوت المعدومات سواء نسبها الى الخارج كالمعتزلة او الى الذهن كبعض مشائخ الصوفية مثل الشيخ العارف المحقق محيي الدين العربي والشيخ الكامل صدر الدين القونوي كما يستفاد من كتبهما المشهورة ام لا وعلى الثاني اما ان يقول بان علمه تعالى بالاشياء صور خارجية قائمة بذواتها منفصلة عنه تعالى وعن الاشياء وهي المثل الافلاطونية والصور المفارقة او يقول بان علمه بالاشياء الخارجية نفس تلك الاشياء فهي علوم باعتبار ومعلومات باعتبار آخر لانها من حيث حضورها جميعا عند البارئ ووجودها له وارتباطها اليه علوم ومن حيث وجوداتها في انفسها ولمادتها المتجددة المتعاقبة الغائبة بعضها عن بعض بحسب الزمان والمكان معلومات قالوا فلا تغير في علمه تعالى بل في معلوماته وهذا ما اختاره شيخ الاشراق ومتابعوه والقائل بعدم انفصاله اما ان يقول غير ذاته وهو مذهب الشيخين الفارابي وابي علي او يقول انه عين ذاته فحينئذ اما ان يقول ان ذاته تتحد بالصورة العلية كفرفوريوس واتباعه من المشائين او يقول ان ذاته بذاته علم اجمالي بجميع ما عداه او بما سوى المعلول الاول على الوجه الذي اشرنا اليه فهذه ثمانية احتمالات ذهب الى كل منها ذاهب انتهى كلامه
اقول ثم انه اخذ في الكلام على كل واحد منها على جهة البسط ونحن نقتصر في الكلام عليها على ادنى ما يحصل للفاهم الموفق بما كتب من القول الحق في العلم فنقول قد ذكرنا مرارا انا لا نتكلم الا في علمه الحادث المخلوق اعني ما خلقه وسماه علما له بنحو ما قالوا فيه ائمة الهدى عليهم السلام واما علمه الذي هو ذاته فلا يجوز الكلام فيه لانه هو ذاته تعالى وانما نتكلم فيه بنحو التنزيه كما نتكلم في ذات الله اذ لا فرق الا في الاسم بمعنى ان علمه وذاته لفظان مترادفان لا بمعنى اختلافهما في المفهوم وانما اتحدا في المصداق لان ما اختلفا في المفهوم يمتنع نفي التعدد عنهما في المفهوم وما امتنع نفي التعدد عنه فهو متعدد وكل متعدد فهو مركب وان كان في ظرف التحليل اعني الذهن والتعقل لصدق التركيب والكثرة عليه في حال وان كان في حال هو متحد فرضا فقد اختلفت حالاه وما اختلف حالاه فهو مركب حادث وقد تقدم ان مرادنا بكون الصفات عين الذات انها الفاظ مترادفة وان ما اريد منه تغاير المفاهيم هي الصفات الفعلية التي هي مغايرة للذات ومتغايرة في المفهومات لانها اشياء حادثة وصف بها نفسه لتعرفوه بصفات افعاله كما تعرف زيدا بانه ضارب والمصنف بسط الكلام على هذه المذاهب جرحا وتعديلا فالكلام على كلامه عليها احق بالكلام عليها لما في كلامه من ايهام الصواب لاشتهاره بين من كان بعده حتى ظن كثير منهم ان ليس وراء عبادان قرية ولكن لاجل طوله عدلنا عنه الى الكلام عليها على جهة الاختصار والاقتصار الا انه يلزم منه ما ينبغي بيانه انشاء الله تعالى
فنقول اما المذهب الاول اعني مذهب الشيخين ابينصر الفارابي وابي علي بن سيناء ومن ذكر معهم سابقا وهو القول بارتسام صور الاشياء في ذاته تعالى فاصل مأخذه قياس صفات الخالق عز وجل على صفات المخلوق لشبهة انها اية صفات الحق تعالى وهو غلط لانها انما هي اية لصفات افعاله لا لصفات ذاته ولا اشكال في بطلان هذا المذهب لانه تشبيه بالمخلوق وللزوم كون ذاته تعالى محلا لتلك الصور المتغايرة المتباينة التي لا تعقل الا حادثة وهؤلاء جعلوا علمه تعالى فِعليا لتقريرهم ان العلم ينقسم الى فِعلي وانفعالي وقالوا الفِعلي ما يكون سببا لوجود المعلوم في الخارج والانفعالي ما يكون مسببا عن المعلوم في الخارج فعلم صانع البيت بالبيت الذي يريد بناءه من قبيل الفعلي لكنه ليس سببا تاما لوجود البيت لان مادته من الحجارة والطين ليس فاعلا لهما وكذلك سائر ما يتكون منه ويتوقف عليه بخلاف علم الله بالاشياء فان كل شيء منها ولها صادر عن علمه تعالى لانه تام الايجاد والفاعلية كما انه تام الوجود والتحصل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فقوله وكلامه الذي هو تابع لارادته الذاتية هو تعقله للاشياء فكينونية الاشياء في الخارج تابعة لمعقولها الذي هو عبارة عن قوله وتلك الصور العقلية هي كلمات الله التي لا تنفد وامثال هذا من مقايساتهم بمداركهم الحادثة التي لا تعقل الا ما هو من نوعها
واعلم ان الناس قد اختلفوا في العلم فمنهم قال هو غير المعلوم مطلقا اي في الغيب والشهادة واستدلوا على المغايرة بان العلم قد يكون موجودا في الذهن والمعلوم في السوق فان علمك بزيد هو ما في خيالك من صورته وهو في السوق او في الصحراء
ومنهم من قال عين المعلوم مطلقا في الغيب والشهادة اما انه عينه في الغيب فلان صورة زيد التي في خيالك هي صورة هيئته حين حضوره واذا غاب عنك ومضي الى السوق لم تكن عالما به هل هو حي ام ميت متحرك ام ساكن وانما تعلم صورة هيئة الحضور التي هي هو فهي بعينها هيئة حضوره ولا شك انها معلومة لك فباي شيء علمتها بنفسها ام بصورة غيرها فان علمتها بنفسها ثبت ان العلم عين المعلوم وان علمتها بغيرها لزم الدور او التسلسل واما انه عينه في الشهادة فلان زيدا اذا حضر عندك تكون عالما به فما علمك به حين حضوره لا جائز ان يكون علمك صورته الخيالية لانه اذا حضر عندك لم تكن عندك صورة غير حضوره بما هو عليه من صورة او لون او وضع اذ لو فرض وجود صورته في الخيال انطبقت على الحضورية حتى لو كنت تتخيله على هيئة وحضر بهيئة مخالفة لما في خيالك انمحت ما في خيالك وتكيفت بالهيئة الحضورية فلا تنحفظ الا الهيئة الحضورية ولهذا نقول انما ينتزع الخيال صورة الشيء عند غيبته فليس عندك علم به غير حضوره بما هو عليه من الحضور عندك وهذا الحضور ليس شيئا مغايرا لما هو حاضر به فلو كان المعلوم بالحضور نفس هيئة جلوسه او لون بشرته او نوع ملبوسه او حال من احواله او تحققه ووجوده كان علمك به ما كان معلوما لك مما حضر به زيد عندك من ذاته او سائر احواله فعلمك بهيئة جلوسه حضور تلك الهيئة الخاص الجزئي الذي هو نفس هيئة جلوسه لا الحضور العام الكلي فان العلم بالخضرة التي في الثوب حضور الخضرة الذي هو نفس تلك الخضرة لا الحضور العام الذي هو ضد الغيبة الصالح للسواد والبياض والصفرة فانه لو كان هذا العام هو العلم لماجهل احد شيئا ولماعلم احد شيئا لانه ليس مطابقا بالمطابقة التي هي بالمميزات اذ ما يطابق الخضرة من حيث خضريتها غير ما يطابق البياض من حيث بياضيته اذ حضور الخضرة حينئذ بخضريتها وحضور البياض ببياضيته اذ كل منهما انما هو هو بما هو به متميز وذلك حقيقته بنفسه بخلاف ما لو اريد الحضور العام فانه شيء واحد في الحاضرين
ومنهم من قال العلم عين المعلوم في الغيب اي اذا كان المعلوم هو الصورة لئلا يلزم الدور او التسلسل وغير المعلوم اذا كان غير الصورة لانها حينئذ تابعة للمعلوم فيكون العلم بعضه عين المعلوم وبعضه غيره وهذا المذهب في جعل بعض العلم غير المعلوم كالاول في البطلان لان العلم لا يكون في حال غير مطابق للمعلوم ولا شك ان الصورة الخيالية لا تطابق الا حالة الانتزاع لانك اذا تصورت حالا من احوال زيد كنت عالما به وهو حال حضوره فاذا غاب عنك لا تعلم الا الحال التي رأيته عليها لانها هي حالة انتزاع الخيال لها منه فاذا رأيته قاعدا ثم غبت عنه لم تعلم الا حال قعوده ولا تعلم هل قام ام نام ام مات ام سار فلا يكون ما عندك علما به والا لكان مطابقا فاذا تحرك تحركت الصورة التي في خيالك او قام قامت او نام نامت وهذا ظاهر واما الصورة العلمية فلا شك انها معلومة بها وقد ثبت فيها ان العلم عين المعلوم وغيرها مثلها الا انه قد خفي ذلك على كثير من جهة عدم ادراك الحضور الخاص الذي هو ذات الحاضر ومن توهم حصول صورة خيالية حال الحضور ومن عدم تعقل العلم الاشراقي فان كون حضور زيد عندك علما لك به قد خفي على كثير لعدم فهمهم للعلم الاشراقي النسبي الذي يوجد بوجود المعلوم لانه نفسه وينتفي بانتفائه لانه نفس كونه وعدم معرفته بانه وجوده للعالم في رتبة مكانه ووقته ولا يلزم من قولنا انه يوجد بوجوده وينتفي بانتفائه انه يكون في حال غير عالم بها لما قررنا بانه تعالى لم يفقد شيئا من ملكه في ملكه وهكذا شأنه جل شأنه لم يجد شيئا من خلقه في ذاته ولم يفقد شيئا من خلقه في ملكه والحاصل ان الحق في المسئلة ان العلم عين المعلوم في الحادث والقديم فمن لم يفهم ينبغي له الا ينكر ما لا يدرك فكم خبايا في زوايا وحيث كان القديم لا يدرك الحادث منه شيئا وجب على الحادث ان يقتصر في معرفة القديم على ما تعرف له به ووصف به نفسه واما الحادث فقد كانت له مراتب متفاوتة متكثرة مثل زيد مثلا فان له ذكرا في عالم الامكان وله في عالم الاكوان مقامات يذكر في كل مقام بنسبة رتبته فيه فله حصة نورانية في عالم الامر المفعولي ومعنى في العالم العقلي ورقيقة في العالم الروحاني وصورة جوهرية في العالم النفسي وطبيعة في العالم الطبيعي وذرة في العالم الهيولاني وصورة في العالم المثالي وجسم في العالم الجسماني مختلف المراتب ولاجل ذلك قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وقال فمن ثقلت موازينه فاخبر بكثرة الخزائن والموازين للشيء الواحد وكل واحد من هذه المراتب فهي علم الله سبحانه بها من زيد وفي كل رتبة منها وامثالها يكون العلم عين المعلوم وقد اشار تعالى لاهل الاشارة الى ذلك بقوله تعالى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وبقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ فعلمه بذاته هو ذاته لفظا ومعنى وعلمه بما سواه هو ما سواه فذواتهم علمه تعالى بذواتهم وصفاتهم علمه تعالى بصفاتهم وكما لا يوجد ما سواه في ذاته لا يوجد علمه تعالى بهم في ذاته واذا نفيت عنه تعالى الزمان ونسبته ومدده ونفيت الاستقبال ظهر لك انه لم يكن خلوا من ملكه في ملكه وكانت ذاته خلوا من ملكه في ذاته وليس خلوا منه في خارج ذاته اعني الامكان كل شيء في مكانه ووقته من الامكان فكان في ازله عالما بكل شيء منها حين كان بما به كان قبل ان يكون عند نفسه وعند من سواه من الحوادث وتفهم هذا اذا رفعت الانتظار والاستقبال عن مقام ازل الازال سبحانه وتعالى ظهر لك ما اشرنا اليه من العلم المستفاد بيانه كما سمعت من مذهب ائمتنا عليهم السلام واما هؤلاء القائلون بانه صور الاشياء المرتسمة بذات الحق تعالى فقد اخطأوا الصواب وطلبوا الري من السراب ان الصور حوادث ولا يكون الذات محلا للحوادث مع ما ذكرنا مكررا ان كل ما يكون ذكرا للحادث فهو حادث سواء كان صورة ام غيرها ولذا منعنا ان يكون تعالى ذاكرا لها في الازل لان كل ما له بها نسبة او ربط او تعلق او مطابقة او شيء من انواع الذكر والتعلق فهو حادث وانما هو سبحانه ذاكر في الازل لها في الحدث بما هي مذكورة به في تحقق ما فالصور لا تكون الا حادثة سواء كانت بهندسة وحدود حسية ام معنوية ولا تكون الا متغايرة ومغايرة للذات وثبوت التغاير في التحقق والخارج او في الذهن والتعقل او في الفرض والاعتبار دليل الحدوث وصدورها عن علمه لا يستلزم كون ما صدرت عنه قديما بل يكون حادثا يصدر عنه الحادث فانك تحدث في نفسك عزما تحدث به امرا وكذا كونه تعالى تام الايجاد والفاعلية لا يستلزم ذلك وكون قوله وكلامه هو تعقله للاشياء موجب للتشبيه والحدوث لانه سبحانه لا يهم ولا يروي ولا يفكر ولا يتصور ولا يتعقل لان هذه صفات المخلوقين وقول ان تعقله تابع لارادته الذاتية باطل لان التابع في صفة حادثة لشيء شاهد بحدوثه وحدوث متبوعه ولا ارادة ذاتية للحق سبحانه لان الخلق لم يصلوا الى الازل حتى يخبروا بما شاهدوا من وجود ارادة ازلية له ولا اخبرهم بذلك وليس له نظير وند ليخبروا عنه بما في نظيره ونده وانما يعرف من جهة ما يصف به نفسه وهو تعالى خاطب العباد على لسان نبيه والسنة اوصيائه وخلفائه صلى الله عليه وعليهم اجمعين وائتمنهم على سره وامرهم ان يؤدوا الى عباده جميع ما اراد لهم من الهداية واخبروا عليهم السلام بانه عز وجل ليس له ارادة هي ذاته وليست الارادة علما له وانما هي فعله لا غير فمن زعم ان لله ارادة ذاتية هي ذاته وعلمه تعالى فقد تقول على الله سبحانه ووصفه بما منع من ان يوصف به وقد تقدم ما رواه الصدوق في توحيده عن الرضا عليه السلام انه قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ه والقائلون بارتسام الصور ان قالوا باتحاد العلم بالمعلوم لزمهم كون ذاته تعالى محلا لذوات الاشياء وهو افضع ( افظع ظ ) من القول بالمغايرة وان كان ايضا باطلا
واما المذهب الثاني وهو القول بوجود صور الاشياء في الخارج كما تقدم فان ارادوا بها المثل الافلاطونية بمعنى ان الصور الخارجية قائمة بذواتها منفصلة عنه وعن الاشياء اي المعلومات فهو باطل بارادة العلم القديم لان القديم لا يكون خارجا عن الذات ولا صورا متغايرة ولو ارادوا العلم الحادث كان صحيحا ليس فيه الا مغايرة العلم للمعلوم
واما المذهب الثالث وهو القول باتحاده تعالى مع الصور المعقولة له وهو المنسوب الى فرفوريوس واتباعه وظاهر كلام المصنف اختياره حيث قال في الكتاب الكبير واما المنسوب الى فرفوريوس فقد بالغ الشيخ الرئيس ومن تأخر عنه الى يومنا هذا في الرد عليه وتزييفه وتسفيه عقل قائله كما يظهر لمن تصفح كتب الشيخ كالشفاء والنجات والاشارات وكتب الشيخ الاشراقي كالمطارحات وحكمة الاشراق والتلويحات وكذلك كتب غيرهما ككتاب بهمنيار المسمى بالتحصيل وكتب المحقق الطوسي والامام الرازي وغير هؤلاء من اللاحقين وقد تكلمنا في هذا المقام في مباحث العاقل والمعقول من الفن الكلي بما لا مزيد عليه ومن اراد الاطلاع على كيفية هذا المذهب وحقيته ودقته ولطافته فليراجع الى ما هناك حتى يظهر له علو مرتبة قائله في الحكمة ورسوخه في العلم وصفاء ضميره بشرط ان يكون ممن له قوة خوض في العلم وشدة غور في التفكر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء انتهى كلامه وذلك لموافقته له في اتحاد العاقل والمعقول وقد بينا بطلان القول باتحاد العاقل والمعقول في شرح المشاعر وانه يلزمه اتحاد العالم بالمعلوم كما هو مراده بهذه العبارة فيكون غير الصور المجردة من سائر المعلومات المادية الزمانية اما انها غير معلومة او انها في ذاته متحدا بها وما ذكره المصنف من رد المشائخ على فرفوريوس وتسفيه رأيه فهو في محله ولكن كما قال الشاعر : وعين الرضى عن كل عيب كليلة وكيف لا يكون ما قالوا في الرد عليه صحيحا وهو يثبت صورا ولا تكون الا متمايزة متغائرة باي فرض اعتبر ويجب ان تتميز من الذات ولو عنده تعالى بان يعلم ان في ذاته صورا غير ذاته هي صور غيره فان علم ذلك وجب التغاير والتكثر واعتبار الاتحاد بحيثية او ملاحظة ما ينافي الوحدة الذاتية والبساطة الحقية وان لم يعلم ان في ذاته وحقيقته شيئا مغائرا كان الحكم بوجود صور وباتحادها ضلالا مبينا على ان قوله مع المصنف واتباعهما بانا نريد بالاتحاد غير ما يفهمونه عامة الناس غلط ومغالطة لانهم يدعون على الناس انهم مايفهمون من الاتحاد الا الامتزاج وهو غير مراد بل مرادهم شيء آخر ما يعرفونه الا الخواص وهذا من تعظيم الحقير بابهامه والا فانهم يريدون به كاتحاد الشجرة مع اغصانها فان الاغصان وان تمايزت وتشخصت في انفسها لكنها غير متمايزة لا في انفسها ولا في الشجرة اذا قلت الشجرة واردت بها الكل من حيث هي شيء واحد اذ ليس شيء غير الشجرة وهذا الاتحاد اسوء حالا من الاتحاد بالامتزاج لان المغايرة اضمحلت بالامتزاج وهي باقية بذلك الاتحاد المدعي فبالامتزاج اقرب للبساطة مما بالفرض والاعتبار فان قلت ان في ما هو بالامتزاج مفاسد منها ان ما هو غير الذات يلزم منه انقلاب الحقائق ان كانت الصور حادثة الى قدم الكل او حدوث الكل وافتقار الغني الى الاجزاء ان كانت قديمة ومنها اختلاف الحالات ومنها الامتزاج فانه من صفات الخلق بخلاف ما هو بالاعتبار قلت هذا صحيح فيما بالامتزاج ومن ثم انكرنا الكل الامتزاج والاعتبار اما الامتزاج فلمثل ما قلت واما ما بالاعتبار فاول ما فيه انه لا يغير الشيء عن حكم ما هو عليه في نفس الامر فانك اذا اعتبرت ان شيئا موجودا معدوم او بالعكس او ان الفقير غني او بالعكس او ان القديم حادث او بالعكس لم يكن ما اعتبرت مما هو خلاف ما هو عليه وثانيا انك بعد ان عرفت ان الاعتبار لا يغير ما هو الواقع كنت في كل احوالك منكرا للتوحيد ولا نعني بالشرك الذي لا يغفره الله الا هذا ونحوه وليس هذا الشرك اللازم من هذا مما يخفي حتى يحتمل التسامح فيه فيكون ما يلزم من الاعتبار اقبح مما يلزم من الامتزاج وان كانا من نوع واحد الا ما من الامتزاج قد يخفي في بعض الصور على بعض الناس فربما لا ينافي مطلق العفو
واما المذهب الرابع وهو ما ذهب اليه افلاطون على ما نقل عنه من كون علمه صورا منفصلة عن ذاته وعن الاشياء وهي المثل بضم الميم والثاء اي مثل الاشياء فهي قديمة بها علم الاشياء الحادثة فلا يكون جاهلا لقدمها ومنفصلة عنه فلا يكون مركبا منها وعن الاشياء فلا يتصل القديم والحادث ونقل كثير من العلماء ان افلاطون اجل قدرا من ان يريد هذا المعنى المعروف وانما يريد بالقدم القدم الامكاني وكأنه اشار الى علمه الامكاني الذي لا يحيطون بشيء منه الا بما شاء كونه من الممكنات وانه جعلها في العنصر الاول انها في الكتاب الاول الذي هو خزانة الاكوان او الامكان وهي منفصلة عن ذاته لانها من جملة مخلوقاته ومنفصلة عن خلقه لانه خلقها وجعلها علة لمن هو دونها وعلى هذا التوجيه يكون الكلام صحيحا وان اريد به العلم الازلي الذي يحكم اهل التوحيد بانه عين ذات الله سبحانه فهو باطل لان الحكم عليه بالانفصال عن الذات مع قدمه موجب لتعدد القدماء وبالانفصال عن الاشياء تثليث للقسمة بان يكون شيء ثالث لا خالق ولا مخلوق وليس على حد الركن من الجملة الواحدة كما قال الصادق عليه السلام لحمران بن اعين في العلم من كماله كيدك منك ه لان اليد غير منفصلة وقوله فيما نقل من مذهب افلاطون والمثل العقلية لا يريد العقل الامكاني على ارادة العلم الازلي وانما يريد به تعقل الحق سبحانه للاشياء الذي هو عبارة عن قوله كن فان هذه الكلمة التامة هي وقوع ارادته على المراد والارادة هي ذاته تعالى هذا قول المصنف وهو خطأ بل الحق الا يقال تعقله تعالى اذ لا يصح الاخبار بالتعقل عنه واذا قيل فالارادة الحق منه ان معنى التعقل ايجاد معقولية الشيء المعقول وهو عبارة عن قوله وكلمته التامة التي هي نفس ارادته وهي المعبر عنها بكن وقوله وانها علوم الهية بها يعلم الله الموجودات كلها صالح بظاهره للمصنف ولنا مع اختلاف الارادتين
واما المذهب الخامس مذهب المعتزلة فهو قولهم بثبوت الاشياء المعدومة في الامكان لانهم يفرقون بين الوجود وبين الثبوت وعندهم ان ثبوتها في الامكان ازلي وكذا قالت الصوفية بثبوت الاشياء قبل وجودها ثبوتا علميا لا عينيا والحق ان القول في الثبوت والوجوب والقدم وعدمه في هذه الاشياء المشار اليها هو ان الثبوت الذي يريدون به مغايرة الوجود معنى اصطلاحي والانسب فيه ان يقال كان الله سبحانه ولا شيء وانما هو وحده ثم خلق المشية بنفسها يعني بها الفعل اي خلق الفعل بنفسه ثم خلق الامكان وما فيه من الممكنات على وجه كلي وهي الاشياء الثابتة اي الموجودة بالوجود الامكاني ثم اوجدها بالوجود الكوني وهي صور علمية بالاشياء امكانية في وجودها الامكاني وصور علمية اي ذوات وصفات علمية بالاشياء كونية في وجودها الكوني ففي الرتبة الامكانية خلقها عز وجل كذلك وهي الخزائن التي لا تنفد ثم خلقها في الرتبة الكونية وهي الخزائن المحتاجة في حصولها وفي بقائها الى المدد من الخزائن الامكانية فالمعدومة في الامكان موجودة بالوجود الامكاني الذي يقع علما ومعلوما بخلاف المعدومة بالعدم الامتناعي فانها ليست شيئا ولا يقع علما ولا معلوما وليس لها لفظ وانما اللفظ المستعمل فيما يتوهم انه منها وهو ممكن اذ لا يكون لفظ الا بازاء ممكن موجود اما في الامكان واما في الاكوان فلا يكون بازاء القديم تعالى والا لزم الاقتران والازاء اللذان هما من صفات الحوادث ولا يكون بازاء الممتنع على ما يريدون لانه ليس بشيء وانما يعبر به عما يتوهمونه وان كان انما يذهبون الى الممكن لانهم يتصورونه والممتنع لا يمكن تصوره وانما يتصورون ممكنا يسمونه ممتنعا ولو اطلقنا على هذه الممكنات الثابتة في الامكان الذي هو من جملة ما خلق سبحانه القدم فنريد به القدم الامكاني او اللغوي وهو السابق او الشرعي وهو ما كان له ستة اشهر فصاعدا واما القدم الذي هو المعنى الاصطلاحي فهو ذات الله سبحانه بلا مغايرة في حال ومن اعتبر المغايرة سواء كانت في نفس الامر ام في الخارج ام في الذهن ام بالفرض والاعتبار وان كان بالمفهوم فانه ماعرف القدم المعلوم وكذا الازل عز وجل فبهذا المعنى وهذا التأويل يكون قولهم صحيحا وحقا والا فهو باطل عاطل وقول الصوفية بثبوت الاشياء قبل وجودها ثبوتا علميا لا عينيا على ظاهره صحيح في الثبوت قبل التكوين الا انه على نحو الامكان اما على نحو القدم فليس بصحيح واما كونها علوما لا اعيانا فيصح على الظاهر واما في نفس الامر فهي علوم وهي اعيان وهي صفات وهي علل وهي معلولات وهي ادلة وهي مدلولات وكذلك سائر الخلق كل شيء في هذه الاعتبارات بحسب رتبته من الوجود الكوني
واما المذهب السادس فهو القول بان ذاته تعالى علم اجمالي بجميع الممكنات فاذا علم ذاته علم كل شيء بعلم واحد وهذا العلم الاجمالي سابق على الاشياء لانه ذاته وذاته سابقة على كل شيء وله تعالى علم تفصيلي بالاشياء مقارن لها في التحقق وبعض اهل هذا القول جعل ذاته علما اجماليا بالاشياء كلها وبعضهم جعل ذاته تعالى علما تفصيليا بالمعلول الاول واجماليا بما سواه وهذا المذهب بجميع شقوقه متهافت مناف لقواعد التوحيد وضوابط القدم فان من جعل ذاته علما اجماليا بالاشياء او بالمعلول الاول او بما سواه يلزمه ان تكون ذاته غير عالمة بالتفصيلية والتجاؤهم الى الاجمال فرارا من تغير العلم اذا تعلق بالجزئية الزمانية والتفصيلية ثم تغيرت بعد التعلق بخلاف ما اذا كان التعلق على وجه كلي ووقعوا في ما يلزمهم من تبعيض العلم وجعله عضين فان من جعل الذات اجماليا في كل الاشياء اخرج منه جهة التفصيل ومن جعله اجماليا بالمعلول الاول اخلي من العلم تفصيله واجمال ما سواه ومن جعله اجماليا بما سوى المعلول الاول اخرج تفصيله واجمال الباقي فلا يكون علمه عاما لكل شيء مع تكثر ذاته بتكثر متعلقاتها واختلافها وقوله فاذا علم ذاته علم كل شيء يشير به الى ان الاشياء لوازم ذاته ويلزم من العلم بالملزوم العلم باللازم وفيه مع ان اللازمية والملزومية واللزوم صفات الخلق تكثر جهاته واختلاف اعتبارياته فان العلم باللازم لازم للعلم بالملزوم لا نفسه والاجمالي المقدم عليها مقدم على التفصيلي المقارن لها ومغاير له
واما المذهب السابع وهو القول بان ذاته تعالى علم تفصيلي بالمعلول الاول واجمالي بما سواه وذات المعلول الاول علم تفصيلي بالمعلول الثاني واجمالي بما سواه وذات المعلول الثاني علم تفصيلي بالمعلول الثالث واجمالي بما سواه مما بعده وهكذا ويلزم هذا القول ما يلزم ما قبله وكون معلولاته علما ذاتيا له قديما مع حدوثه اذ المعلولات حادثة وكلام صاحب هذا المذهب في علمه الذي هو ذاته فمعلولاته ومعلولات معلولاته على اختلافها واختلاف اطوارها في الاجمال والتفصيل والتقدم والتأخر والعلة والمعلولية هي علمه الذي هو عين ذاته فانا اي شيء اقول يا ابن وديما لهذا القول شرح (كذا) عافانا الله من هذه الامراض المزمنة والحاصل ان المذاهب ما سمعت ذكرها بالاشارة فالاول ما اشتهر عن معلم الفلاسفة بانه صور الممكنات كما تقدم وحصولها في ذاته حصولا ذهنيا جاريا على اصلهم في ثبوت الوجود الذهني بان الاشياء توجد في الذهن بذواتها وحقائقها معراة عن العوارض الخارجية لا باشباحها وامثالها كما ذهب اليه بعض مشائخ الصوفية كابنعربي وغيره والثاني ما ذهب اليه الرواقيون والمحقق الطوسي والشيخ المقتول ومن حذا حذوهم كما تقدم بانه صور الاشياء في الخارج وكل على اصله في الثبوت فمنهم من نفي الوجود الذهني وان ما يرى في الذهن هو ثابت بحقيقته في الخارج الا انها معدومة كالمعتزلة ومنهم من اثبت الوجود الذهني في الحادث ونفاه في القديم واثبت هذه الصور في خارج الذات صورا علمية هي عين ذوات الممكنات فمنهم من جعل ذلك علمه بها القديم ومنهم من جعل ذلك علمه الحادث وهذا مذهب ائمة الهدى عليهم السلام واما ما توهمته الاشاعرة كما ذكره المصنف في المتن من ان العلم قديم ولم يتعلق بممكن الا وقت حدوثه فاعلم ان ظاهر كلام المصنف انهم يزعمون ان العلم الازلي مع تحققه في نفسه بما هو علم اذا وجد الممكن ارتبط به اما انه قديم فظاهر فان صفة القديم من حيث هو قديم لا تكون حادثة والا لكانت حيثية القدم حادثة فيكون اما حدوث القديم او الحيثية ليست له واما ان العلم لا يتعلق بالممكن الا وقت حدوثه فهو خلاف ما يعرف من مذهب الاشاعرة لان المعروف من مذهبهم انه سبحانه خاطب المعدومين وكلفهم وامرهم ونهاهم ومعلوم من هذا انه علمهم حين كلفهم فكيف لا يتعلق علمه بهم الا وقت وجودهم هذا خلاف المعروف من مذهبهم وعلى هذا لو صح عنهم فلا عيب فيه لان العلم القديم لا تصح نسبة التعلق اليه ولو صح فلا عيب فيه مثل بصرك فانه موجود وان لم يوجد مرئي فاذا وجد المرئي تعلق بصرك به وكذلك سمعك هو موجود قبل وجود كلام فاذا وجد كلام تعلق به وكذلك العلم ولو تعلق بما لم يوجد له كان جهلا لا علما فلو قيل بان علم الله القديم لا يتعلق بالممكن الا بعد وجوده عنده لكان حقا وهذا هو مذهب الحق وقد تقدم حديث الصادق عليه السلام كان الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه وهذا ظاهر لا اشكال الا في شيء وهو نسبة الوقوع والتعلق وما اشبههما الى القديم وهو ممتنع لان ذلك من صفات الممكنات فلا بد لنا من التأويل وهو ان العلم القديم هو السابق على المعلوم واما الوقوع والتعلق والمطابقة وما اشبهها فالمراد بها العلم الحادث المساوق للمعلوم ولما كان في حقيقته اثرا من فعل القديم نسب اليه فقيل وقع على المعلوم اي تعلق اثر فعله بالمعلوم كما مثلنا من تقدم وجود سمعك على كلام زيد فلما تكلم وقع سمعك اي سماعك وادراكك لكلامه وهو اثر سمعك الذي هو انت في قولي انت السميع وادراكك للكلام سمع حادث بحدوث الكلام وهو معنى فعلي اشراقي فتعلق علم الواجب تعالى بالممكن حين وجوده لان هذا التعلق اشراقي فهو من الذاتي كالنور من المنير وكالصورة التي اذا وضعت المرءاة مقابلة للشخص انطبعت فيها وقد ذكرنا الصورة مرارا متعددة وقلنا بانها من المقابل للمرءاة اشراق وظل منفصل فالاشراق المنفصل القائم بالصورة المتصلة وهي التي في المقابل قيام صدور هو مادة الصورة التي في المرءاة وصورتها هيئة المرءاة ومعنى كونها منفصلة انها قائمة بما في الشخص قيام صدور وليست هي صورة الشخص المرئية فيه لان هذه لا تتغير بتغير المرايا لقيامها بالشاخص قيام عروض والتي تقع في المرءاة تتغير بتغير المرايا فهي منفصلة منه كالكلام من المتكلم وكالنور من المنير فهي اشراق فعلي من الصورة القائمة بالشاخص تظهر بظهور المرءاة وتذهب بذهابها وهي اية العلم بالمعلومات الحادث بحدوثها اعني تعلق الذاتي واشراقه فكما ان شرط ظهور اشراق النور من المنير وجود الكثيف المقابل وشرط ظهور الصورة من الشخص وجود المرءاة كذلك شرط تحقق هذا العلم الاشراقي الذي هو تعلق العلم الذاتي بالممكنات حين وجودها وجود الممكن المعلوم اي حضوره للعالم الحق والبسيط البحت بما به هو وما به هو هو ظهور الحق تعالى به له وهو كنه المعلوم وكنه المعلوم هو ظهور الحق بذلك المعلوم لذلك المعلوم مثلا حقيقة زيد هي ظهور الله سبحانه لزيد به وظهوره سبحانه لزيد به اشراق فِعلي لا ذاتي لانه لو كان اشراقا ذاتيا لكان زيد قديما ولكنه اشراق فعلي يعني انه لما اراد ان يتعرف الى زيد ليعرفه وصف نفسه سبحانه لزيد وذلك الوصف هو حقيقة زيد ونفسه التي من عرفها عرف ربه وذلك انه تعالى نقش زيدا على هيئة معرفته نقشا فهوانيا يعني خاطبه به على جهة المكافحة ولا شك ان احداث ذاته اشراق فِعلي وتلك الذات المحدثة هي المتجلى بها لها وهي النور الاشراقي وكان زيد قبل هذا الاحداث غائبا لم يكن مذكورا بالذكر الكوني ثم حضر بما هو به هو فنفس حضوره هو ما به هو وهو المتجلى به وهو العلم به وهو اشراق فعلي صدر عن علمه تعالى الذي هو ذاته صدورا اشراقيا فعليا لا ذاتيا فافهم فقد رددت وكررت بما خرجت به عن تهذيب العبارة وعن المقصود لتفهم المقصود واما ما تجشمه واقتحمه بعض المتأخرين من امر العلم الاجمالي في الذات او بالنسبة الى بعض المعلومات او كلها فقد اشرنا قبل هذا الى بطلانه
واعلم ان هنا مذاهب عجيبة كثيرة منها انه تعالى لا يعلم الامور المستقبلة وشبهوه بكونه مدركا قالوا كما انه لا يدرك المستقبلات فكذلك لا يعلم المستقبلات وهو قول لبعض العامة ونسبه الى هشام ابن الحكم ومن اطلع على كلمات هشام بن الحكم واحتجاجاته عرف بان هذه النسبة افتراء وكذب ومنها انه لا يعلم الامور الحاضرة وشبهوه بكونه قادرا قالوا كما انه لا يقدر على الموجود فكذلك لا يعلم الموجود ونسب ابن الراوندي هذا القول الى معمر بن عباد احد شيوخ الاشاعرة ومنها انه تعالى لا يعلم نفسه خاصة لعدم تناهيها فلا يحاط بكنهها ويعلم ما عدا ذاته ونسب ابن الراوندي هذا القول الى معمر بن عباد ايضا فقال انه يقول ان العالم غير المعلوم والشيء لا يكون غير نفسه ومنها انه تعالى لم يكن فيما لم يزل عالما بشيء اصلا وانما احدث لنفسه علما علم به الاشياء ونسب هذا القول بعض العامة الى جهم بن صفوان ومنها انه تعالى لا يعلم كل المعلومات على تفاصيلها وانما يعلم ذلك اجمالا وهؤلاء يسمونهم المسترسلية لانهم يقولون يسترسل علمه على المعلومات اجمالا لا تفصيلا وهو مذهب الجويني من متكلمي الاشعرية ومنها قول من قال انه يعلم المعلومات المفصلة ما لم يفض القول به الى محال وزعموا ان القول بانه يعلم كل شيء يفضي الى المحال وهو ان يعلم ويعلم انه يعلم وهلم جرا الى ما لا نهاية له وكذلك المحال لازم اذا قيل انه يعلم الفروع وفروع الفروع ولوازمها الى ما لا نهاية له قالوا ومحال اجتماع كل هذه الغير المتناهية في الوجود وهذا مذهب ابيالبركات البغدادي صاحب المعتبر ومنها قول من زعم انه تعالى لا يعلم الجزئيات الشخصية وانما يعلم الكليات التي لا يجوز عليها التغير كالعلم بان كل انسان حيوان ويعلم نفسه ايضا وهو مذهب ارسطو وناصري قوله من الفلاسفة كابن سيناء وغيره ومنها قول من زعم ان الله تعالى لا يعلم شيئا اصلا لا كليا ولا جزئيا وانما وجد العالم عنه لخصوصية ذاته فقط من غير ان يعلمه كما ان المغناطيس يجذب الحديد لقوة فيه من غير ان يعلم بالجذب وهذا قول قوم من قدماء الفلاسفة وغير ذلك من المذاهب الباطلة ويمكن الاستدلال لهذه الاقوال بادلة بعض من تقدم من المذاهب السابقة ولا فائدة فيها
قال : { ثم ما اشد في السخافة قول من زعم ان هذه الصور المادية مع انغمارها في المواد وامتزاجها بالاعدام والاغشية والظلمات اللازمة للامكنة والازمنة والاوضاع صورا علمية حاضرة عنده تعالى حضورا علميا والبرهان قائم على ان هذا النحو من الوجود المادي وجود ظلماني محتجب بنفسه عن نفسه وهو بحسب هذا النحو حضوره لذاته عين غيبة ذاته عن ذاته وجمعيته عين افتراقه ووحدته عين قوة كثرته واتصاله عين قبول انقسامه}
اقول ما اشد سخافة قول المصنف في الرد على هؤلاء فانه بعد اعترافه بانه تعالى بكل شيء عليم وانه خالق كل شيء وانه يعلم من خلق فما يقول في هذه الصور المادية مع ما هي عليه من انغمارها في المواد وامتزاجها بالاعدام والاغشية والظلمات اللازمة للامكنة والازمنة والاوضاع فان قال كانت شيئا فالله سبحانه خلقها والخالق يعلم خلقه ولا تكون ماديتها وكثافتها مانعة من كونها معلومة كما انها لا تمنع من ان تكون محدثة وان كان الفعل ما في الامكان ما يساوي تجرده ولطافته فكما ان فعل الله الذي هو مشية الله سبحانه وابداعه يتعلق بالماديات بواسطة اسبابها من الغيب والشهادة على الترتيب الطبيعي كذلك يتعلق بها العلم الامكاني بواسطة تلك الاسباب هذا على قول غيرنا واما على قولنا من ان العلم عين المعلوم فبالطريق الاولى وكل شيء من تلك الاسباب المتوسطة علم بنفسه وكلها اشراقي فِعلي وترتب وضع الاشراقات فيها كترتب الاشعة المتعددة المراتب بالنسبة الى منيرها فان الشمس مشرقة على الجدار وعلى مقابله بواسطة اشراقها على الجدار وعلى مقابل مقابله بواسطة المقابل الاول وهكذا وكلها اشراقات للشمس وان كان بعضها بواسطة بعض فكذلك العلوم الاشراقية فان العلم بعقل الكل مثلا اشراق بواسطة الحقيقة المحمدية وهي مع الفعل وبالنفس الكلية بواسطة عقل الكل وبطبيعة الكل بواسطة نفس الكل وبجوهر الهباء بواسطة طبيعة الكل وهكذا نزولا مترتبا الى الثرى كل واحد علم ومعلوم بتوسطه علته في العلمية والمعلومية وكلها اشراقي بواسطة اشراقي فانبساط العلم بها عليها نفس انبساط الايجاد عندهم وبانبساط الايجاد عندنا والاعدام والاغشية والظلمات ربما صورت وكونت به كالمجردات حاضرة عنده سبحانه حضورا علميا ومعلوميا كل في مكان حدوده وزمان وجوده حاضر عنده تعالى بما هو به هو من كونه في تكوينه فاين سخافة هذا القول والبرهان القائم يقعد ويقوم البرهان الحق وذلك ان البرهان الذي ادعي قيامه على ان هذا النحو من الوجود المادي يعني الصور المادية والاجسام العنصرية وجود ظلماني الخ يقعد قعود انقطاع وتهافت ويقوم البرهان الحق على خلاف لازم القاعد بان العلم اما صورة المعلوم او ذات المعلوم فان فرض انه صورة المعلوم وصفته لم يكن في كون صفة الكثيف وصورته كثيفة بأس بوجه اذ الحكمة الالهية تقتضي كون الصفة وصف الموصوف واتصافه بما هو عليه في نفسه من لطافة او كثافة فلو فرض كون صفة الموصوف الكثيف لطيفة او الموصوف الطويل عريضة او بالعكس فيهما او الابيض سوداء او بالعكس لم تكن تلك الصفة صفة ولا الموصوف موصوفا بها ولو كانت صورة العلم بالابيض سوداء لم تكن علما به من هذه الحيثية ولو كانت صورة العلم باللطيف كثيفة او بالعكس لم تكن علما به كذلك بل يجب ان يكون العلم مطابقا للمعلوم في جميع ما هو عليه والا لم يكن علما بذلك المعلوم واذا كان الحكم على الصور العلمية بانها خارجة عن الذات فلا بد من كون صورة العلم بالطويل طويلة وبالقصير قصيرة وباللطيف لطيفة وبالكثيف كثيفة واما ان المناسب للعلم ان يكون مجردا او لطيفا فانه يجري في المناسبة وفي التعلق وغيرهما مجرى الفعل كما قلنا سابقا فكما ان الجسم الكثيف صدر عن فعل الله الذي ليس في الامكان الطف منه ولا اشد تجردا كذلك يتعلق العلم به الذي هو فرع على الفعل في جميع احواله فيكون مثل الفعل في التعلق بالوسائط وعدمها فكما ان الجسم الذي هو ابعد الماديات قائم بالفعل قيام صدور هو وجميع اسبابه كذلك يكون تعلق العلم به اي على نحو تعلق الفعل به هذا اذا لم نقل بكون العلم عين المعلوم اما اذا قلنا به كما هو الحق فلا شبهة في صحة كون المادية منه مطلقا والا لم تكن معلومة اذ العلم به حضوره بما هو به هو وانما هو حضوره بما هو به هو وما هو به هو هو ما هو عليه من الكثافة والظلمة وما اشبههما
وقوله { وجود ظلماني محتجب بنفسه عن نفسه } لا ينافي صحة كونه علما فان كونه وجودا ظلمانيا هو ما هو عليه في ذاته ولا يعلم الشيء بغيره لان غير كونه ظلمانيا غير حقيقته ولا تعلم حقيقة الشيء بغير حقيقته فلو كان محتجبا بنفسه عن نفسه لماعلم الا بانه محتجب بنفسه عن نفسه ولو علم بغير كونه محتجبا بنفسه عن نفسه لكان المعلوم غيره على انا لو لم نقل ان العلم عين المعلوم بل هو صورته لكانت صورة المادي المظلم المحتجب بنفسه عن نفسه اي الصورة البسيطة المجردة هي صورته التي هو عليها من غير زيادة ولا نقص اذ لو كان فيها زيادة لما كانت صورته البسيطة المجردة عن الغير بل هي صورته التي هو عليها وزيادة فصورة الشيء البسيطة صورته لا غير
وقوله { وهو بهذا النحو حضوره لذاته عين غيبة ذاته عن ذاته } غلط بل هو بهذا النحو من التركيب والظلمة والكثافة هو لا غيره فحضوره لذاته عين حضور ذاته لذاته فانا اسألك عما تعقل من فهمك ووجدانك اذا حضر عندك الحجر حضوره لك الذي به علمته هو حضوره لذاته ام لا بمعنى انه حين حضر لك بذاته لم تحضر ذاته لانه لو كان كذلك لماحضر لك شيء اذا لم يحضر بذاته فحضوره لذاته اي حضوره الذاتي عين حضور ذاته لذاته لا عين غيبة ذاته عن ذاته اذ لو غابت ذاته عن ذاته لم يحضر شيء والمصنف اراد عدم شعور ذاته بذاته وهذا لو سلمناه لما كان شرطا لعلم العالم به اذ شرط علم العالم ان يكون العالم مشعرا بالمعلوم حاضرا عنده بما هو به هو لا ان المعلوم يكون مشعرا بنفسه عند نفسه او بكونه معلوما عند العالم واين هذا من ذاك بل المعنى الحق ان الشيء لا يكون حضوره لذاته عين غيبة ذاته عن ذاته بل حضوره لذاته عين حضور ذاته لذاته والا لم يحضر شيء اصلا والعلم حضور المعلوم للعالم لا للمعلوم مع ان حضور المعلوم بما هو به هو للعالم هو عين المعلوم فاذا كان حضوره عينه لم يكن حضوره غيبة عين ذاته عن ذاته بل هو حضور عين ذاته لذاته كما ذكرنا مكررا
وقوله { جمعيته عين افتراقه } ليس كذلك لان الممكن لا يكون اجتماعه عين افتراقه الا باعتبارين وكذا وحدته عين قوة كثرته واتصاله عين قبول انقسامه اذ جميع الممكنات مشتركة في هذه اي في ان اجتماعها لا يكون عين افتراقها الا بلحاظين فان زيدا المركب من وجود وماهية كان اجتماعه من جهة وحدة زيد وافتراقه من تغاير الوجود للماهية وكذا الباقي على انا نقول هذه الاشياء المظلمة الغاسقة المادية كيف لا تصلح ان تكون علما حادثا اشراقيا بان يكون العلم الحادث البسيط المجرد عن المواد كلها وذاتها او كل صفاتها ويصلح ان يكون الحق عز وجل كلها لانها من الاشياء وبسيط الحقيقة كل الاشياء وعينها ان هذا الا اختلاق
قال : { وقل لي ايها الرجل العلمي اذا كان بما هو الوجود بالذات للبارئ حاضرا عنده بصورته المغمورة في المادة الوضعية التي لا ينالها الحس فضلا عن الخيال او تعقل فكيف يكون المعقول بما هو معقول بالفعل صورة مادية وقابلا للقسمة المقدارية والاشارة الوضعية والوجود العقلي نحو من الوجود مخالف ومباين للوجود الوضعي فمحال ان يكون التعقل تجسما والمجسم معقولا }
اقول يريد ان علم الله سبحانه بها حضورها عنده بما هي وجود بالذات فلو قلنا بان صورتها المادية المغمورة في المادة التي لها وضع من ترتيب اجزائها بعضها على بعض او ترتيب اجزائها على اجزاء خارجة عنها التي يتعالي الحس مع انحطاطه عن مقام التجرد عن ملايمتها فضلا عن الخيال او تلايمها المتعقلات التي لا تلايم الا المجردات عن المواد كالمعاني بل لا تكاد تدرك الصور المجردة عن المواد الا بتوسط النفوس لكنا قائلين بملايمة الماديات للمجردات ومجانستها لها لان هذا شيء لا يكون وكيف يكون المعقول بما هو معقول بالفعل لا بالقوة صورة مادية ويكون قابلا للقسمة المقدارية مع تجرده المنافي للقسمة والمقدار وقابلا للاشارة الوضعية كذلك لكونها من لوازم الحيز المنافي للتجرد واقول وفي هذا كله ما ذكرنا من صحة ذلك مع الوسائط كل شيء بحسبه فان حضور كل شيء عين ما هو عليه مما به هو هو وما به الشيء هو وجوده بما تعين به وتحقق في مكانه وزمانه من مراتب الوجود وهذا هو ما عليه كل شيء من الاشياء وكل شيء من الاشياء لا يكون معلوما الا بما هو عليه ولا يعلمه العالم الا بما هو عليه وتحققات هذه الاشياء وتميزاتها بما به متعينة هي التي علمها الله تعالى بها وهي صور علمه بها ومجموعها كتابه المحفوظ فعلي ما اخترناه تكون كل صورة علمه تعالى بها وكل جسم علمه تعالى به فاذا تعقلت صورة زيد فان المدرك لها من مشاعرك العقل لكنه بنفسه لا يدرك الا معنى زيد المجرد عن الصورة ويدرك الصورة بواسطة النفس ويدرك جسم زيد بواسطة النفس والنفس بواسطة البصر فالعقل يدرك الجسم بواسطتين فعلي رأينا علمك بالجسم نفس الجسم الحاضر في الخارج وبالصورة نفسها الحاضرة في خيالك وبمعنى زيد نفس معنى زيد في العقل وعلى القول بالمغايرة علمك بمعناه عقلك المدرك له وبصورته عقلك بواسطة النفس وبجسمه عقلك بواسطة النفس والبصر فعلمه تعالى بهذه الاجسام المادية عندنا نفسها وعينها الحاضرة عنده تعالى فيما اقامها به من المكان والزمان وعند اولئك علمه تعالى بها حضورها عنده تعالى بوسائط ايجادها من فعله فكما ان فعله الذي هو اشرف الممكنات واشرف من علمه بها لانه احدثه تعالى بفعله انما تعلق بها بتوسط عللها كذلك علمه بها يتعلق بها بواسط علل ايجادها فلا محذور في ان يكون المعقول بما هو معقول بالفعل لا بالقوة صورة مادية الى اخر ما قال اذ معقوليتها حضرت لعاقلها في رتبة كونها بوسائط ايجادها وانوجادها اذ حضورها بما احدثه به عليه فافهم والمصنف لو انه التفت الى وسائط تكوينها وتكونها لما انكر ما قلنا
وقوله { والوجود العقلي نحو من الوجود مخالف ومباين للوجود الوضعي } فيه انه ليس مخالفا اذ لو كان مخالفا لماصدر عنه ما هو مخالف له وانما هو الطف منه والارتباط بين المجردات والماديات ان لم يتحقق بالوسائط لم توجد الماديات اصلا وان تحقق بالوسائط ثبت المطلوب فقوله { فمحال ان يكون التعقل تجسما والمجسم معقولا } ليس بشيء لانه اذا لم يكن التعقل تجسما والمجسم معقولا بالوسائط لم تكن معلومة ولا محدثة اما انها لا تكون معلومة فلان العلم لا يكون الا بالوجود العقلي والوجود العقلي مخالف للاشياء المادية مباين لها فلا تكون معلومة به فتبقي في وجودها مجهولة لا يحاط بها علما واما انها لا تكون محدثة فلان الاحداث لا يكون الا بالفعل البسيط المجرد عن جميع المواد والماديات لان المواد والماديات اذا فرض وجودها انما توجد بالفعل واذا كان المجرد مخالفا للمادي مباينا له ولو بالوسائط الملايمة للطرفين لم يتعلق بالمواد والماديات وبقيت في امكانها غير محدثة هف
قال : { ولا تصغ الى قول من يقول هذه المكونات الجسمانية وان كانت في حدود انفسها جسمانية متغيرة لكنها بالاضافة الى ما فوقها من المبدء الاول وعالم ملكوته معقولات ثابتة غير متغيرة وذلك لان نحو وجود الشيء لا يتبدل بعروض الاضافة وكون الشيء ماديا عبارة عن خصوصيات وجوده ومادة الشيء وتجرده عنها ليسا صفتين خارجتين عن ذات الشيء كما ان جوهرية الشيء الجوهر ووجوده الخاص شيء واحد وكذا عرضية العرض ووجوده فكما ان وجودا واحدا لا يكون جوهرا وعرضا باعتبارين كذلك لا يكون مجردا وماديا باعتبارين نعم لو قيل هذه الصورة المادية حاضرة عنده تعالى بصورها المفارقة بالذات وبتبعيتها هي ايضا معلومة بالعرض لكان وجها وقد مر ان ما عند الله هي الحقائق المتأصلة من الاشياء ونسبتها الى ما عند الله كنسبة الظل الى الاصل }
اقول يريد انك لا تلتفت الى قول من قال ان هذه الاشياء المادية الجسمانية وان كانت في نفسها متغيرة متبدلة لا تصلح ان تكون من حيث كونها متغيرة معقولة لان تعقله تعالى ليس متغيرا الا انها بالنسبة الى المبدء الاول سبحانه والى ملكوته اي عالم ادراكاته للاشياء تكون هذه الجسمانية وامثالها معقولات ثابتة غير متغيرة لكونها حاضرة عنده بما هي به هي واقول لك يا طالب الهداية لا تصغ الى نهي المصنف عن الالتفات الى قول هذا القائل فان قول هذا القائل متجه لان العالم عز وجل نسبته الى جميع الاشياء على السواء فلا يكون العقول المجردة والارواح القادسة عنده حاضرة قبل حضور الماديات عنده والا لكان في حال غير حال ذاته المقدسة فاقدا لشيء من علمه ومنتظرا لشيء من ملكه ومحتاجا في حصول بعض ملكه وبعض علمه الى المفارقات تعالى الله عن الحاجة والفقدان والانتظار لما يأتي وعن ان يكون فيما له امكان او استكمال وتعالى عن هذه العبارات وتعالى عن هذه العبارات التي يقولها المصنف مثل كونه تعالى عاقلا ومتعقلا لشيء الا ان يكون ذلك من باب الحكاية كما انا نحكي عباراته ونوردها على لفظه لا على معناه فقول القائل انها عنده ثابتة غير متغيرة صحيح لانه تعالى هو المغير لها والمبدل لاوضاعها فلا تخرج بما يفعل بها عما هي عليه عنده ولا شيء من ذلك خارج عما وضعه فيه من ملكه ولم يتجدد فيها ما ليس عنده فالحق في هذا الكلام ان هذه الماديات الجسمانيات معلومة له تعالى بما هي حاضرة لديه في اماكن حدودها واوقات وجودها بما هي عليه في ذواتها في حالتيها حالة تبدلها وتغيرها وحالة انحفاظها بما هي به هي في كتابه الحفيظ وهذا الحضور الذي لديه هو هي بكنه ظاهرها وباطنها وتبدلها وانحفاظها لم يكن منها غير ما حضر ولم يحضر منها غير ما لم يكن فهي معلومة لديه مع معلومية مباديها وملكوتها جميعا بالذات وانما تتوقف على اصولها ومباديها بالنسبة الى انفسها لا الى علمه بها الذي هو نفس حضورها نعم تتوقف بالنسبة اليها في انفسها والى العالم بها من عللها ومباديها كما مثلنا قبل هذا لان كلامنا هنالك في العلم الحادث وفي محله الذي هو الفعل وما دونه فهذه الماديات معقولة بما هي به هي وحاضرة كذلك ومعقوليتها بما هي عليه في حالتي تبدلها وثباتها ومع هذا فليست بتبعية اصولها وعالم ملكوتها لما قلنا من ان مباديها واصولها لم تحضر لديه سبحانه قبل حضور هذه الماديات والفروع
وقوله { وذلك لان نحو وجود الشيء في نفسه لا يتبدل بعروض الاضافة } فاقول ان كانت الاضافية اليه فلا تتبدل وان كانت الاضافة اضافته الى غيره فلا ريب في انه يتبدل
وقوله { وكون الشيء ماديا عبارة عن خصوصيات وجوده } يعني ان ماديته هي خصوص وجوده اي تحققه وتحصله لانها جزء هويته بان تريد بهذا الوجود المادة بالمعنى الاول من الوجود كما تقدم وهو ان الوجود هو المادة والماهية هي الصورة وكونه ماديا عبارة عن الماهية بالمعنى الثاني كما تقدم وهو ان الوجود هو انه صنع الله ونور الله واثر فعل الله والماهية هي انه هو وكونه ماديا هويته بحسب نفسه وانيته ولكن المصنف مايفهم من الوجود الا ما يريده من كونه من سنخ الحق ويريد من كونه ماديا هو ما تركب من العناصر اذ المجردات عنده لا مادة لها اصلا حتى انه صرح في كثير من كتبه بان العقل بسيط الحقيقة بمعنى انه لا مادة له ووجه غلطهم ان الحكماء المتقدمين قالوا ان عالم العقول وعالم النفوس وعالم الطبائع والملائكة العقليون والنفسيون والطبيعيون مجردة عن المادة والمدة ويريدون انها مجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية واتى من بعدهم ولم يفهموا مرادهم وحكموا بان تلك مجردة عن مطلق المادة والوقت حتى ان بعضهم كصاحب البحار الاخوند الملا محمد باقر المجلسي رحمه الله ذكر في اول كتابه البحار تفريعا على هذا الفهم ان من قال بان شيئا سوى الله سبحانه مجرد فهو كافر لعدم ورود ذلك في الاخبار لانه قال على ما فهم من كلام المتأخرين الذين غلطوا على مراد المتقدمين وفهموا ان معنى كونه مجردا انه لا مادة له اصلا ولا وقت وهذا لا يصح الا في الحق المتعال سبحانه وحكم الاخوند على كلام المتأخرين ونحن نريد بالمجرد الحادث ما كان مجردا عن العناصر والزمان وله مادة نورانية جوهرية ومدة دهرية كالعقول وما دونها من المجردات على ان تعليل صاحب البحار غفلة لانه علل ذلك التكفير بعدم ورود المجرد لغير الله سبحانه في الاخبار وقد روى هو في كتاب الغرر والدرر للكراجكي قول امير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن العالم العلوي قال عليه السلام صور عالية عن المواد عارية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث ولا نعني بالمجرد الا كون الشيء عاليا عن المواد عاريا عن القوة والاستعداد وفي بعض الحديث عارية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد والحاصل الظاهر ان المصنف على رأي المتأخرين من ان المجرد هو العاري عن مطلق المادة ومطلق الوقت بدليل حكمه بكون العقل الكلي كل الاشياء لانه بسيط الحقيقة كما صرح به في اول المشاعر
وقوله { ومادة الشيء وتجرده ليسا صفتين خارجتين عن ذات الشيء } يعني به ان كون الشيء ماديا اي مركبا من العناصر ومجردا اي عاريا عن المادة او العناصر ليسا عارضين للشيء بل ذاتيين له ويجب عند اعتبار كونه صورة علمية او معلوما بالذات ان يكون مجردا عن العناصر ليمكن ان يلايم ذات الحق سبحانه او ملكوته كما اشار اليه سابقا وكونه ماديا مخالفا ومنافيا لما يعتبر في كونه علما او معلوما بالذات والشيء لا يكون مجردا وماديا وان كان باعتبارين لانهما صفتان ذاتيتان هذا مراد المصنف وهو غير صحيح من وجوه منها انه لا يشترط في المعلوم بالذات التجرد والا لماصح ان يكون المادي لذاته معلوما ومنها انه قد ثبت بالبرهان القطعي ان العلم عين المعلوم فلا يشترط في كون الشيء علما به كونه مجردا والا لما كان المركبات والماديات علما بها بالذات مع قيام الدليل عقلا ونقلا على ذلك ومنها انه انما ذهب الى هذا لتكون الصور المجردة علما له وعلمه عين ذاته ولا تكون العينية الا بالاتحاد والعاقل عنده يتحد بالمعقول اذا كان صورة مجردة لا ان كان مادية كما ذكره في سائر كتبه وقد ذكرنا في شرح المشاعر بطلان اتحاد العاقل بالمعقول والا لاتحد العاقل بضده ولكانت المادية غير معقولة ومنها انه لا مانع من كون الشيء بسيطا ومركبا باعتبارين كما قالوا في عبد الله فانه باعتبار علميته بسيط وباعتبار جزئيه مركب ولهذا كانت صورة اعرابه بصورة اعراب المركب وكالاجرام السماوية وبسائط العناصر كالماء والهواء والنار والتراب فانها بسيطة باعتبار ومركبة باعتبار وكالمجرد الاضافي ومثل ذلك قوله كما ان جوهرية الشيء الجوهر ووجوده الخاص شيء واحد وكذا عرضية العرض ووجوده فكما ان وجودا واحدا لا يكون جوهرا وعرضا باعتبارين كذلك لا يكون مجردا وماديا باعتبارين انتهى اقول ان الشيء قد يكون جوهرا وعرضا باعتبارين فانه يجوز فانهم يذهبون الى هذا فيما يرون انهم مختصون به فان الشيء المتحرك عرض لعلته وهو جوهر للحركة وهي عرض له بل كل شيء جوهر لحركاته واثاره وهو عرض لعلته وهذا مما لا اشكال فيه بل الاخبار مصرحة بان الشيعة انما سموا شيعة لانهم من شعاع الائمة عليهم السلام فذوات الشيعة شعاع ذواتهم ووجوداتهم شعاع وجوداتهم وماهياتهم ذوات ماهياتهم الى الأن يعني انهم الان مع كونهم رجالا شعاع الائمة عليهم السلام فمن لم يدرك ان ذوات الشيعة وما هم عليه الأن في كون الدنيا اعراض لائمتهم حقيقة فانه ماذاق طعم العلم ولا شرب من الكوثر قطرة فاذا كانوا اعراضا باعتبار كونهم وتكونهم في ذواتهم واحوالهم لائمتهم عليهم السلام مع انهم رجال وذوات باعتبار النظر الى هوياتهم وما هم عليه فقد كان الشيء جوهرا باعتبار وعرضا باعتبار ولقد قال الشاعر في مدح امير المؤمنين عليه السلام ونعم ما قال :
يا جوهرا قام الوجود به الناس بعدك كلهم عرض
والدليل على هذا لمن يفهم قوله تعالى ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك ه وليس معنى قيام الاشياء التي هي بالنظر الى ذواتها جواهر بامر الله الا قيام الاعراض بالجوهر فقيامها بامر الله الذي هو فعله قيام صدور وقيامها بامر الله الذي هو اثر فعله اي مفعوله الاول اعني الحقيقة المحمدية قيام تحقق اعني قياما ركنيا
وقوله { لا يكون مجردا وماديا باعتبارين } ان اريد بالمجرد ما فهموه من انه عدم المادة فشيء ممتنع في غير الواجب عز وجل اذ الممكن لا بد له من المادة والصورة وهو قول الحكماء كل ممكن زوج تركيبي وان اريد به انه مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية كالعقول والنفوس والطبائع وجوهر الهباء فالتجرد بهذا المعنى متحقق في الممكن الا انه ليس شرطا في المعلومية وليس ممتنعا ان يسمى الشيء المجرد بهذا المعنى ماديا بهذا المعنى باعتبارين وان كان لا فائدة كلية في صحة التسمية وعدمها بل لو نقول لا يكون الشيء مجردا وماديا باعتبارين واذا لم يكن كذلك فما المحذور اللازم منه فان كان لا يكون المعلوم بالذات الا مجردا كان المادي غير معلوم بذاته لزم ان يتعلق العلم القديم بالمجرد قبل المادي فيكون في حال غير عالم بشيء ثم يعلم به فعلى قولنا ان العلم المذكور حادث اشراقي يحدث بحدوث المعلوم يكون الفرض صحيحا وعلى قولهم ان العلم المذكور هنا هو القديم الذي هو الذات البحت يلزم حدوثه لاختلاف نسبه في التقدم والتأخر وهو صفة الحادث
وقوله { نعم لو قيل هذه الصورة المادية حاضرة عنده تعالى بصورها المفارقة الى قوله لكان موجها } فيه ما تقدم من انه غير موجه والا لزم ما قلنا من تقدم حالة للقديم على حالة اخرى له وذلك موجب للحدوث او ان المراد بالعلم هنا العلم الحادث
وقوله { وقد مر ان ما عند الله هي الحقائق المتأصلة من الاشياء الخ } فيه ما تقدم مما اشرنا اليه من ان هذا العند ان كان في الذات لزم كون اصول الاشياء مع تغايرها وتباينها وتكثرها في ذاته فيلزم كونه محلا لغيره او مركبا منها ولزم من كونه عالما بها ما يتفرع منها افتقاره الى غيره وان كان هذا العند خارج الذات فان فرض انه تعالى في قربه اليها والى فروعها على السواء بطل كلام المصنف كله في جميع شقوقه وان كان هو اقرب الى الاصول منه تعالى الى فروعها لزم كونه حادثا تعالى عن ذلك لاختلاف نسبة ذاته الى الاشياء فاذا كانت نسبة ذاته تعالى الى القريب والبعيد على السواء كان عالما بها اصولها وفروعها مجردها وماديها على السواء واما تفاوت قربها وبعدها اليه بالنسبة الى قوة القبول وضعفه فليس موجبا لاختلاف علمه تعالى بها ومعلوميتها له كما لا يخفى على من له ادنى معرفة
قال : { قاعدة, في كلامه سبحانه الكلام ليس كما قالته الاشاعرة صفة نفسية ومعاني قائمة بذاته تعالى سموها الكلام النفسي لانه غير معقول والا لكان علما لا كلاما وليس عبارة عن مجرد خلق الاصوات والحروف الدالة على المعاني والا لكان كل كلام كلام الله تعالى ولا يفيد التقييد بكونه على قصد اعلام الغير من قبل الله او على قصد الالقاء من قبله اذ الكل من عنده ولو اريد بلا واسطة فهو غير جائز ايضا والا لم يكن اصواتا وحروفا }
اقول ذكر الكلام بعد العلم لجعله اياه من الصفات الثبوتية والمستفاد من فحوى كلامه وكلام اتباعه مثل الملا محسن انه قديم الا انه ليس على ما ذهب اليه الاشاعرة الذين يجعلونه كلاما نفسانيا بل لانه بعض شؤنه الذاتية وشؤن الذات لا تتغير قال الملا محسن في الكلمات المكنونة في ان شؤنه تعالى الذاتية لا تتغير لانها هي عين ذاته قال في ذكر الاعيان الثابتة كما نقلنا عنه فيما سبق بل هي نسب وشئون ذاتية فلا يمكن ان تتغير عن حقائقها فانها حقائق ذاتيات وذاتيات الحق سبحانه لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والمزيد والنقصان اقول وقد صرح في كتابه انوارالحكمة : والتكلم فينا ملكة قائمة بذواتنا نمكن بها من افاضة مخزوناتنا العلمية على غيرنا وفيه سبحانه عين ذاته الا انه باعتبار كونه من صفات الافعال متأخر عن ذاته قال مولينا الصادق عليه السلام ان الكلام صفة محدثة ليست بازلية كان الله عز وجل ولا متكلم انتهى فانظر بعقلك هل قول الاشاعرة بقدم الكلام اصرح من قوله هذا في كون الكلام قديما لانه قال انه عين ذات الله ثم صرف كلام الامام الصادق عليه السلام عن ظاهره وباطنه مع صراحة كلامه عليه السلام بالحدوث بما لا يحتمل ضده
قوله : الكلام ليس كما قالته الاشاعرة اصحاب علي بن اسمعيل بن ابي بشر ابي الحسن الاشعري منسوب الى جده ابي موسى الاشعري او الى اشعر بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان على طريقة المعتزلة يقول بحدوث القرءان ثم خطب وهو قاض بالبصرة وعدل الى مذهب محمد بن عبدالوهاب القطان فقال بقوله من هذه العظائم التي احدها القول بقدم كلام الله سبحانه لانه صفة القديم وحيث لزمهم بذلك امور شنيعة ذهبوا الى ان الكلام حقيقته كلام النفس واما هذه الالفاظ والاصوات فانها ترجمة لذلك الذي في نفس المتكلم كما قال الشاعر :
ان الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فلما قيل لهم ما هو قالوا هو صفة نفسية ومعان قائمة بذاته تعالى سموها الكلام النفسي فقال مخالفوهم من المعتزلة هذا المعنى الذي تشيرون اليه غير معقول لان المتبادر الى افهام العقلاء عند اطلاق لفظ الكلام انما هو الحروف والاصوات واما المعنى الذي ذكره الاشاعرة ليس هو الا القدرة التي تصدر عنها الحروف والاصوات من المتكلم او انه هو الارادة وان اطلق لفظ الكلام على ذلك فانما هو مجاز لا حقيقة واقول الذي يظهر لي ان الاشاعرة اشاروا الى معنى لو كان ذلك في حق الحادث لكان صحيحا ولكن بطلان قولهم لا من حيث انه غير معقول بل هو معقول معروف الا انهم عجزوا عن التعبير في بيان ما ارادوا بعبارة تدل على مطلوبهم فلما نظر مخالفوهم الى المفهوم من خصوص تعبيرهم عنه وجدوا شيئا لا يعرف العقل استقامته لا ان المراد ان العقل لا يدرك معناه فانهم قالوا انه معنى قائم بالنفس يعبر عنه بالعبارات المختلفة المتغيرة المتغايرة وليس هو بحرف ولا صوت ولا امر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار ولا شيء من اساليب الكلام فقيل لهم هذا غير معقول لانهم وصفوه بانه صفة نفسية ومعنى قائم بذاته الى اخر ما وصفوه والله سبحانه يقول حتى يسمع كلام الله ولا يصح ان يكون المعنى والصفة مسموعا ولعل مرادهم انه مسموع بعد ترجمته بالالفاظ او مسموع بالاذن النفسية الا انه خلاف الظاهر والمراد ان عباراتهم في جوابهم عن سؤال الخصم لا تدل على مرادهم فلما اراد الخصم ان يجمع بين مدلول اللفظ وبين مرادهم حصل التنافي بينهما في العقل فلذا قالوا ان ما ذهب اليه الاشعري غير معقول والسبب في ذلك عجز الاشعري عن التعبير عما اراد بما يدل عليه لغة واصطلاحا والعبارة الدالة على مرادهم هو ان النفس لها كلام مثل كلام اللسان بحروف واصوات الا انها نفسية فالنفس تخاطب مثال غيرها وتأمره وتنهاه وتطلب منه وكذلك مثالها وهو قولهم مثل حديث النفس لان النفس قد تحدث نفسها وتحدث غيرها بكلام مشتمل على كلمات لفظية وحروف صوتية مثل الكلام المسموع بالاذان الا انه نفسي لا جسماني فان الجسماني يظهر باللسان اللحمي والنفسي يظهر باللسان النفسي فالكلام النفسي مثل الكلام اللفظي في جميع ما يعتبر فيه من الترتيب والاعراب والوقوف والوصل والادغام والاظهار والجهر والاخفات والجهر والهمس وجميع ما يعتبر في اللفظي على جهة الوجوب والندب وما هو عليه من الامر والنهي ومن اساليب الكلام ولما عجزوا عن التعبير عن الكلام بما هو عليه نفوا من الكلام النفسي ما لا يتحقق الكلام الا به فقالوا هو ليس هو بحرف ولا صوت ولا امر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار ولا شيء من اساليب الكلام ولكنه معنى قائم بالنفس يعبر عنه بالعبارات المختلفة المتغيرة المتغايرة ولا شك ان ما وصفوه به ليس بكلام كما هو المعروف الذي يتبادر اليه اسمه عند الاطلاق فقال الخصم هذا شيء غير معقول من مطلق مسمي الكلام ولو اجابوا حين سئلوا عنه بما ذكرنا من صفة الكلام النفسي لكان صحيحا وكان معقولا وانما نمنعه في حق الواجب عز وجل لانه سبحانه لا يكون محلا لشيء ولا يلجه شيء لصمديته ولا يشابهه شيء لاحديته ولا يفكر ولا يروي ولا يهم ولا يوصف بشيء يصلح ان يوصف به خلقه فيكون كلامه مفعولاته وتكلمه احداثه لكلامه فيما شاء كيف شاء وكلماته منها ذوات وصفات ومنها معاني واعيان ومنها معاني والفاظ وكل منها تام وغير تام وتأتي الاشارة الى بيان بعض ذلك
وقول المصنف { والا لكان علما لا كلاما } وقع من غير علم بمرادهم لانه يريد ان الذي تشيرون اليه هو العلم لا الكلام اذ الصور التي في النفس هي العلم وهو ما عنيتم وليس كذلك لانهم يعنون حديث النفس وهو كلام وامر ونهي وايجاب ونفي واضراب واستثناء وما اشبه ذلك فانه مثلا يتصور زيدا وهذه الصورة من العلم ثم يقول له هل مضيت السوق امس فتقول صورة زيد بلى فيقول له هل اشتريت الثوب الفلاني لعمرو فيقول لا فيقول له لم تركت وقد امرتك اذهب عني فانك قد عصيتني وخالفت امري فيقول مثال زيد اعف عني وانا امتثل امرك بعد هذا ولا اعصي لك امرا فيغضب ولا يعفو حتى تظهر على الجسد صورة الغضب من احمرار الوجه والرعديدة لشدة العزم على الانتقام او يرضى ويعفو حتى تظهر على ظاهره صورة الرضا والسكون والطمأنينة فيظهر اثره على ظاهر الشخص المتكلم في نفسه مع صورة زيد ومثاله كما يظهر اثر الكلام اللفظي المعروف على ظاهر المتكلم وليس شيء من هذا بعلم وانما هو كلام وهذا ظاهر لمن فهم ما قلته ولكن الاشاعرة ماقدروا على التعبير عما ارادوا كما سمعت فانه شيء معقول صحيح الا تسمعهم يقولون انه تعالى يخاطب المعدوم ويأمره وينهاه لانه تعالى عن ذلك يستحضر صورته ويخاطبها لكن هذا لا يصح نسبته الى الحق عز وجل فقد افتروا على الله وخالفوا كتاب الله حيث يقول مايأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث الا كانوا عنه معرضين فالحق ان كلامه عز وجل ليس كما قالته الاشاعرة
وقوله { وليس عبارة عن مجرد خلق الاصوات والحروف الدالة على المعاني } يشير به الى ما ذهب اليه المعتزلة ولكنهم يقولون كلام الله هو الاصوات المخلوقة الدالة على معانيها لا انه خلق الاصوات لان هذا هو التكلم لا الكلام فالاوفق ان يقول ولا عبارة عن مجرد الاصوات والحروف المخلوقة الخ والا لكان كل كلام كلام الله تعالى ومراده ان الله سبحانه هو الذي خلق كلام زيد فلو كان كل كلام خلقه كلامه لكان كلام جميع المخلوقات كلامه تعالى وليس كذلك اتفاقا او يريد ان كلام زيد مخلوق احدثه زيد فلو كان كل كلام محدث كلامه تعالى لكان جميع كلام الخلق كلامه فعلي فرض الارادة الاولى لا يكون نقضا على المعتزلة لانهم لا يرون ان الله خلق كلام زيد وانما يرى ذلك الاشاعرة فلا يستقيم الرد عليهم الا ان يكون المراد بان الله سبحانه خلق كلام زيد بزيد فيستقيم الرد على قول بعض من يقال انهم من العدلية وربما قيد بعضهم الالفاظ المخلوقة بكونها صادرة على قصد اعلام الغير من قبل الله او على قصد الالقاء من الله تعالى لدفع ما يرد على قولهم من كون كل كلام كلاما لله سبحانه وانت خبير بان هذا التقييد يفيد التخصيص لانه اذا قيل الاصوات والحروف المخلوقة الصادرة لاعلام الله سبحانه لمن سواه او لالقائه كذلك لم يكن شيء منها كلاما لغير الله سبحانه في الظاهر لكن لو لوحظ كلام المبلغ عن الله والامر بالمعروف والناهي عن المنكر او كلام من خاطب بعض عباده على لسانه صدق عليه التقييد مع انه ليس كلام الله الا اذا كان ذلك المتكلم محلا لمشية الله تعالى واما حديث من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ه فعلي طريق المجاز ومقام المعرفة مقام الحقيقة فالتقييد بما ذكر لا يكفي في دفع ما يرد على تلك العبارة كما ينبغي وعلى كل حال فالظاهر ان المصنف لم يرد خصوص المخلوقية وانما يريد خصوص الحروف والاصوات اللفظية ويكون وجه نفيه ان المعتزلة قائلون بان كلام الله سبحانه ليس الا هذه الحروف والاصوات الحادثة وليس كما قالوا ولكن يرد على المصنف كما يرد على المعتزلة مع ان الظاهر معهم وذلك لانهم قالوا لا معنى للكلام الا ما كان اصواتا وحروفا لفظية وهو الظاهر من اطلاق اسم الكلام والمصنف قال ليس المراد من كلام الله حيث يطلق اسمه الا انشاء كلمات تامات الى اخر ما ذكره فليس كلام الله تعالى محصورا في انشاء كلمات بل منه كلمات تامات ومنه حروف واصوات فورد عليه ما ورد على المعتزلة مع انه لا ينكر ان من كلام الله تعالى ما هو اصوات وحروف كيف وقد قال تعالى وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ولا ريب ان غير الاصوات والحروف الملفوظة لا تكون مسموعة خصوصا للمشركين فالحق ان كلام الله سبحانه منه كما قال المصنف ومنه كما قالت المعتزلة ومن حصر منهما فقد حسر وخسر لورود المعنوي واللفظي في صريح الايات والروايات والحاصر راد لكلام الله فقد قال تعالى في عيسى وكلمته القاها الى مريم وقال مصدقا بكلمة من الله وقال تعالى يسمعون كلام الله ثم يحرفونه والاصل في الاستعمال الحقيقة وقد انعقد الاجماع من المسلمين على ارادة هذين المعنيين من الايتين والحاصر من المصنف والمعتزلة منكر لمحكم الكتاب وراد له
وقوله { اذ الكل من عنده } يريد ان المقيد وغيره من عند الله وهذا مبني على اصله من ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وقد سمعت فيما تقدم بطلانه
وقوله { ولو اريد بلا واسطة فهو غير جائز ايضا والا لم يكن اصواتا وحروفا } يريد به انه لو فرض ارادة عدم الواسطة من التقييد ليخرج ما ليس بكلام الله لم يصح ايضا لانه كان اصواتا وحروفا لم يصح صدورها من البسيط الحق تعالى بغير واسطة بل لا بد من توسط العلل الفاعلية والمادية والصورية لان الكلام بالصوت والحروف من عالم الاجسام والزمانيات فلا يمكن صدوره من بسيط الحقيقة لامتناع الطفرة في الوجود وان صح صدوره منه تعالى بلا واسطة ثبت انه ليس باصوات وحروف هكذا يريد بناء على اصوله من ان المجردات الصرفة نشأت من ذاته تعالى والماديات يستحيل صدورها منه تعالى ربي ان يلد فان ذاته اذا كانت محلا للصور العلمية والاعيان الثابتة بمعنى انه سبحانه كل الاشياء المجردة وان ما يظهر من تلك التي هي ذاته بمعنى انه كلها كانت مناسبة له في الذات وهذا بعينه قول الصابئة والمشركين ان الملائكة بنات الله لان الملائكة ذوات منفعلة فهي اناث وصدرت عنه فهي بناته فانزل الله في الرد على اهل هذه المقالة وتصدق على مقالة المصنف وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا اي مناسبة ذاتية بدليل قوله تعالى في هذا المعنى وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين وانما قلنا انها تصدق على قوله لانه يقول ان حقائق الاشياء المتأصلة من الاشياء عند الله وان الموجودة في عالم الكون اظلتها واشباحها وان ما عند الله هي الاعيان الغير المجعولة وانها شؤنه الذاتية التي هي عين ذاته وفي الكلمات المكنونة لملا محسن ما يدل على ان هذه الاعيان الغير المجعولة هي التي احدثت اظلتها واشباحها الكونية بالله تعالى او بالحق المخلوق به فاذا كانت هي عين ذات الله تعالى والاشياء نزلت منها الى عالم الكون فقد كانت كامنة في ذاته تعالى ثم برزت منه الى عالم الاكوان فاي معنى للولادة غير هذا
قال : { بل هو عبارة عن انشاء كلمات تامات وانزال آيات محكمات واخر متشابهات في كسوة الفاظ وعبارات والكلام قرءان وفرقان باعتبارين وهو غير الكتاب لانه من عالم الخلق وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون والكلام من عالم الامر ومنزله القلوب والصدور لقوله نزل به الروح الامين على قلبك باذن الله وقوله بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم والكتاب يدركه كل احد وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة والكلام لا يمسه الا المطهرون من ادناس عالم البشرية }
اقول قوله { ان كلام الله عبارة عن انشاء كلمات الخ } والانشاء هو الايجاد والاحداث والكلام ان اراد به التكلم صح له انه انشاء كلمات وان اراد المفعول وجب ان يقول هو عبارة عن كلمات تامات منشئات وهذه هي عبارته في سائر كتبه فيشكل كونه غافلا في كل عباراته والمقام الذي فيه البحث ليس هو التكلم بل هو الذي تكلم به المتكلم ولو رضينا بارتكاب المجاز في جميع عباراته وانه لا يريد احداث الكلام وانما يريد الكلام المحدث فما فائدة تخصيص الكلمات التامات وهل الكلمات الناقصات احدثها غيره وان اراد ان الناقصات احدثها بواسطة التامات قلنا والتامات احدثها بواسطة فعله وقد قال سبحانه قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار فاخبر باحداثه لكل شيء على حد واحد وان كان بعض الاشياء يتوقف على بعض بان يكون عضدا للاخر كما اذا اخذت مادته من العضد او الصورة ومراد المصنف ينافي ما تدل عليه الاية اذ ظاهر عباراته ان الكلمات الناقصات لا تكون كلاما وكذلك الالفاظ التي هي كسوة لتلك المعاني مع انه عز وجل انشأ الكلمات التامات والايات المحكمات والمتشابهات وما خلق لها من كسوة الالفاظ ولكن المصنف اسند الانشاء الذي هو الاحداث الى الكلمات التامات يريد انها هي الاصول واسند الانزال الذي هو عنده الاهباط من العالي الى السافل الى الايات المحكمات والمتشابهات يريد انها نزلت من تلك الاصول لانها حدثت بتبعية ايجاد اصولها ولم يكن لها ايجاد مستقل فلذا نسب الانزال اي الاهباط من العلو الى السفل اليها وظاهر عبارته ان كلامه تعالى عبارة عن انشاء الاصول وانزال فروعها في كسوة الالفاظ وهذا معنى قشري ولب المعنى وحقيقته انه عز وجل خلق تلك الاصول وخلق منها فروعها فكل مخلوق على الحقيقة على حد قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة وهي ادم عليه السلام وخلق منها زوجها اي خلق من ادم حواء فكما ان خلق حواء مستقل وان كان مترتبا على خلق آدم كذلك خلق الايات المحكمات والمتشابهات مستقل وان كان مترتبا على خلق الكلمات التامات وكذلك الالفاظ وفي اللغة الحقية قد يطلق الانزال من الشيء الى رتبة دونه على خلقه منه الا ان المصنف لا يريد هذا المعنى والا لماورد عليه اعتراض في تعبيره لان ذلك هو المعروف من مذهبه فكلامه تعالى في الحقيقة معاني اي ذوات وصفات والفاظ وتكلمه بها ايجادها وقبولها الايجاد متوقف على وضع كل منها في مكانه ووقته المناسب له فالكلمات التامات خلقها في البرزخ بين السرمد والامكان الراجح وبين الدهر والامكان الجائز وجهها الى السرمد وخلفها الى اول الدهر وهذه هي التامات حقيقة وهم ذوات محمد واهل بيته الطيبين صلى الله عليه وعليهم اجمعين والكلمات التامات الاضافية خلقها في الدهر منها ذاتيات كلية اضافية وهي ذوات الانبياء عليهم السلام وهي اعراض للتامات الحقيقية ومنها ذوات جزئية وهي ذوات المؤمنين وهي اعراض للتامات الاضافية وهذه الاضافية كليها وجزئيها جواهر عقلية وروحية ونفسية وطبيعية وهيولانية ومنها اشباح مثالية وهي ابدان نورانية لا ارواح لها بل هي محض مقادير هندسية وهذه الاشباح اظلة لما قبلها وما بعدهما فهي برزخية بين الدهر والزمان وبين المجرد والمادي وبين الكلية الاضافية والجزئية الحقيقية والكلمات الناقصة منها ذوات كلية كالافلاك ومنها ذوات جزئية كزيد والشجر وكالفرس والجدار ومنها اعراض وكل منها بنسبة معروضه واما الكلمات اللفظية فنسبتها من الكلمات المعنوية نسبة العرض من المعروض وهي عالم تام بعرضيته مطابق لعالم الذوات في كل شيء بمعنى ان فيه الكلمات التامات الحقيقية والتامات الاضافية كليها وجزئيها والبرزخية والكلمات الناقصة كليها وجزئيها معروضها وعرضها فما من شيء مما سوى الله عز وجل الا وله اسم نسبته اليه نسبة الظاهر الى باطنه ولقد لوح على عليه السلام الى ذلك بقوله الروح في الجسد كالمعنى في اللفظ والاخبار يشير الى ذلك باطوار عجيبة غريبة تكشف لمن عثر عليها عن كنوز مستورة بالرموز والمصنف يحوم حول الحمي فمرة يعثر على شيء ومرة يخطئ والعلة في صوابه ما اخذه بفطرته وفي خطائه ما جمد فيه على قاعدته فتخصيصه الكلام بالكلمات التامات من جموده على قاعدته وجعله الاشياء فيما اقيمت فيه كتابا بعد تفريقه بين الكلام بانه القائم بفاعله قيام الفعل بالفاعل وبين الكتاب بانه القائم في محله من فطرته الا ان الكلام على ذلك فيه تفصيل تأتي الاشارة اليه
في قوله { والكلام قرءان وفرقان باعتبارين الخ } يشير الى ان الكلام باعتبار انه معان مجملة غير متمايزة بل هي في القلب لانه محل المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة الجوهرية والشبحية والقلب هو العقل الجوهري عندنا والعقل الفعلي الذي هو تعقل المعاني المذكورة والكلام بهذا اللحاظ قرءان وباعتبار انه صور مجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية متمايزة بمشخصاتها في النفس التي هي الصدر اي صدر القلب ومقدمه ومركبه بفتح الميم وسكون الراء فرقان والمروي ان القرءان كل الكلام المعجز والفرقان ما كان فارقا منه بين الحق والباطل فالكلام قرءان في القلب وفرقان في الصدر فاذا تنزل بمعنييه الى اللفظ والنقش كان كتابا والحق ان الكلام منه ما يقرأ ويتكلم به في النفس كما وجهنا ما اشار اليه الاشاعرة من حديث النفس ومنه ما يقرأ بالالفاظ والفرقان هو ما من ذلك في المحلين فارقا بين الحق والباطل فعموم القرءان في الكلمات التامات كنبينا محمد صلى الله عليه واله وخصوص الفرقان في الكلمات التامات كامامنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال عليه السلام انا كتاب الله الناطق فالناطق بالكلام والحافظ بالكتاب قال تعالى وعندنا كتاب حفيظ
وقول المصنف { وهو غير الكتاب } يعني القرءان والفرقان او الكلام لانه اي الكتاب من عالم الخلق والخلق هو الكتاب المسطور في رق منشور يعني انه مبثوث باحرفه وكلماته التي هي اعيان الموجودات في الكون في الاعيان او في جعله لها كذلك لانها قائمة بجعله قيام صدور فهي في قيامها الصدوري كتاب مسطور كل في مكان حدوده ووقت وجوده وما منا الا له مقام معلوم ثم استشهد على كون الكتاب من عالم الخلق وانه مدرك للخلق بقوله وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون فالكتاب الاشياء القائمة في امكنة تحققها واوقات بقائها واعلم اني مزجت بيان عبارته ببعض رأيي والتمييز بين الرأيين يعرف من الكلامين
وقوله { والكلام من عالم الامر } ويريد بعالم الخلق وعالم الامر المقتبسين من قوله تعالى الا له الخلق والامر ان عالم الخلق عالم المواد فكل الاشياء المادية وصفاتها عنده من عالم الخلق وعالم الامر عنده هو الاشياء المجردة كالعقول والنفوس والطبائع بل وجوهر الهباء من عالم الامر لان المجردات هي الفعالة والماديات هي المنفعلات وعندنا عالم الامر هو عالم الفعل بجميع اصنافه كالمشية والاختراع والارادة والابداع والجعل والتقدير والقضاء والامضاء والاذن وعالم الخلق سائر المفعولات من جميع الاشياء وقد يطلق عالم الامر على ما كان محلا لفعل الله من سائر الاشياء وهي في انفسها مختلفة باعتبار قربها من المبدء وعظمها فما كان لا يتحقق الفعل الا به صدق عليه الامر ويقال انه من عالم الامر لكونه محلا للامر كالحقيقة المحمدية لانها محل مشية الله ولا تتقوم المشية الا بها وان كانت بالمشية كانت فيتحقق فيهما التساوق والتضائف كالكسر والانكسار فالفعل عالم الامر الذي قام كل شيء من الممكنات قيام صدور والنور المحمدي صلى الله على محمد واله عالم الامر الذي قام به كل شيء من الممكنات قيام تحقق فالفعل كحركة يد الكاتب قامت بها سائر الكتابة قيام صدور والنور المحمدي صلى الله عليه واله كالمداد قامت به سائر الكتابة قيام تحقق لكن لتعلم ان الذي قامت به الاشياء كلها من الحقيقة المحمدية هو شعاعها لا ذاتها هذا ما نذهب اليه تبعا لائمتنا عليهم السلام واما المصنف واتباعه والاكثر يذهبون الى ان الاشياء حصص من ذاتها وما كان وجها لها كالعقل الكلي اعني عقل الكلي فهو بها اي بواسطتها يكون محلا للفعل وقول امير المؤمنين عليه السلام في شأن الملأ الاعلى والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله صريح في ان الله سبحانه لما كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وحيث كان لا تقدر الاشياء على التلقي منه تعالى جعل بعضها اسبابا لبعض ففعل بها ما شاء من مسبباتها
وقوله { ومنزله القلوب والصدور لقوله تعالى نزل به الروح الامين على قلبك باذن الله وقوله بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم } يشير بهذا الى ما ذهب اليه من ان الكلام من عالم الامر وهو على قسمين قسم منزله القلوب وهو ما كان من الكلمات التامات لان القلوب اعلى من الصدور التي هي منزل الايات المحكمات والمتشابهات لانها انزل من الكلمات التامات وليس هذا امرا مقررا لا يتبدل لانه ذكر في الكتاب الكبير في القاب القرءان انه الذكر والله سبحانه يقول ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز فسمي القرءان كتابا فتفصيل المصنف بان القرءان غير الكتاب انما هو لمناسبة لبعض الايات وما ذكر في الايات من تسمية القرءان والكتاب ليس لان القرءان من عالم الامر والكتاب من عالم الخلق كما توهمه بل باعتبار القراءة والتلاوة يسمى قرءانا وباعتبار نقشه في القراطيس وفي القلوب وفي الصدور يسمى كتابا وهو شيء واحد تختلف تسميته باختلاف اعتبار احواله اما نقشه في القراطيس والصدور فظاهر فكونه كتابا فيها ظاهر واما كونه في القلوب كتابا في القلوب باعتبار كونه فيها فهو ايضا كذلك لان القلوب لا تحلها الصور وانما تحلها المعاني وكونها فيها هو نقشها لان المعاني مجردة وتمايزها بمميزات معنوية توجد بملاحظة العقل لها من غير تحديد وجودا محققا لا اعتباريا كما توهمه بعضهم فالحق ان الكلام عبارة عن كلمات صادرة عن المتكلم باحداثه لها او تلاوته لها سواء كانت ذوات ام صفات ام الفاظ اذا لوحظت قائمة بالمتكلم اي المحدث لها قيام صدور فليس بين الحقائق النورية التي هي الكلمات التامات وبين الالفاظ التي هي اسماء اسمائها فرق في قرب الله سبحانه بفعله اليها وان كانت الكلمات التامات في انفسها اقرب الى الله سبحانه والى فعله من اسمائها التي هي النذر والرسل عليهم السلام وهم اقرب اليه تعالى والى فعله من اسمائهم التي هي المؤمنون وهم اقرب الى الله سبحانه والى فعله من اسمائهم التي يعرفون بها اعني سيماهم والحان حقائقهم واحوالهم وهي اقرب اليه تعالى والى فعله من اسمائهم اللفظية فذاته عز وجل نسبتها الى كل شيء في كل شيء سواء لانه عز وجل لا ينتظر ولا يستقبل ولا يستكمل والاشياء مختلفة في انفسها في القرب اليه والبعد منه فالكلمات التامات كلامه الذي احدثه واقامه في مقامه من الكون منها في السرمد والعمق الاكبر الراجح ومنها في الدهر والممكن والامكان المتساوي والالفاظ كلامه الذي احدثه في بعض خلقه حيث كان هو مقامه من الكون كالكلام الذي ظهر لموسى عليه السلام في الشجرة ومنه القرءان الذي نطق به نبينا محمد صلى الله عليه واله مما يترجم به ما اوجده الحق عز وجل في قلبه وعلى لسانه بواسطة جبريل عليه السلام فان جبرئل عليه السلام يتلقي من ميكايل وميكائيل (ع) من اسرافيل (ع) واسرافيل (ع) من اللوح واللوح عليه السلام من القلم والقلم عليه السلام من الدواة والدواة صلى الله عليه واله من الله عز وجل بواسطة مشيته واختراعه وارادته وابداعه وقدره وقضائه واذنه واجله وامضائه فالملائكة النازلة عليه بالوحي هي منه صلى الله عليه واله بمنزلة الخواطر الواردة عليك من قلبك فانك ربما تسئل عن الشيء ثم تنساه او لا تعرفه ثم تعرفه فتقول جاء على خاطري او ورد على قلبي وبالي كذا وكذا فان هذا الوارد على قلبك وبالك خاطر ورد من قلبك اي من المعاني المخزونة فيه على قلبك اي على وجه قلبك الذي هو صدره وهو نفسك وخيالك بصورة ذلك المخزون فجبريل الامين عليه السلام نزل على قلبه صلى الله عليه واله من قلبه اي نزل بما تلقي من صورة معنى قلبه الذي هو القلم يعني تلقي صورة ذلك المعنى من نفسه الكلية التي هي اللوح المحفوظ على علمه الذي هو روح المشتري الى خياله الذي هو روح الزهرة والتلقي بالوسائط الاتي ذكرها على رواية فالملائكة النازلة بكل شيء من الوحي من قبل الله عز وجل كلهم بمنزلة الخواطر الواردة من القلب على الخيال والقرءان قبل الكتاب من جهة ان ما يقرأ يكتب وبالاعتبار قد يكون الكتاب قبل القرءان بمعنى ان ما قرئ كان مكتوبا قبل قراءته كما اذا اعتبرت ان القلم الذي هو اللوح الكلي استمد من النور الذي تنورت منه الانوار وهو الدواة وهو عندهم عليهم السلام هو الحقيقة المحمدية فان الوحي وسائر الفيوضات الكونية الالهية تكلم بها فعل الله لها وقرأها عليها فكانت اي الحقيقة المحمدية (ص) هي الكتاب الثاني لانها اول الكتب الكونية وقبلها كتاب الامكانات فالقلم استمد منها فكان كتابا ثالثا وقرأه قرءانا على اللوح المحفوظ فكان اللوح هو الكتاب الرابع وقرأ ما استحفظ قرءانا على اسرافيل عليه السلام فكان اسرافيل كتابا خامسا وقرأ اسرافيل ما بلغه قرءانا على ميكائيل عليه السلام فكان ميكائيل كتابا سادسا وقرأ ميكائيل ما بلغه قرءانا على جبرئل عليه السلام فكان جبرئل كتابا سابعا وقرأ ما بلغه جبرئل عليه السلام قرءانا على محمد صلى الله عليه واله فكان صلى الله عليه واله بظاهره كتابا وكان بباطنه ام الكتاب وانما كان بظاهره هو الكتاب لان ما وقع في صدره هو الكتاب قال تعالى وما كنت تتلو من قبله اي من قبل الكتاب الذي في صدرك ولا تخطه بيمينك يعني ان هذا الكتاب الذي تتلوه قرءانا عليهم ما كنت تخطه بيمينك بل نحن كتبناه في صدرك بوحينا اذا لارتاب المبطلون بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وهي صدره وما في صدور اهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين مما كان تلاه عليهم فكان الايجاد كلاما والقرءان هو المتلو من الموجود في الكتب والثابت في الالواح سواء كان اللوح ماء ام عقلا ام روحا ام نفسا ام طبيعة ام شبحا ام جسما ام جسمانيا جوهرا او عرضا فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك بطلان تقسيم المصنف من ان الكتاب من عالم الخلق وانه يدركه كل احد كيف يدركه كل احد والعلم بجميع انواعه من الكتاب لان العلم ليس هو انشاء للمعلوم والله سبحانه يقول ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ولا جائز ان يكون هذا العلم الذي لا يحيطون بشيء منه قديما لان قوله الا بما شاء معناه انهم يحيطون بما شاء من علمه ولا يجوز ان يكون ما لا يحيطون بشيء منه قديما لان القديم هو ذاته فيلزم اذا كان الذي لا يحيطون بشيء منه ذاته ان يكون المستثني الذي يحيطون به جزء ذاته ولا يجوز ان يكون شيء من ذاته محاطا به ومدركا لغيره سبحانه فاذا ثبت ان العلم من الكتاب لا من القرءان كما قال تعالى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ لم يصح قوله والكتاب يدركه كل احد وهذا ظاهر لا يحتاج بعد ما سمعت من آيات القرءان الى ذكر برهان وقوله وكتبنا له في الالواح لا يصلح دليلا على كون الكتاب يدركه كل احد وانه من عالم الخلق وانت تعلم ان اللوح المحفوظ كتاب ولا يمسه الا المطهرون ونفوس الكروبيين ونفوس من فوقهم من العالين كما اشرنا اليه سابقا كتب ولا يدركها كل احد بل قد يكون القرءان والكلام متأخرا عن الكتاب رتبة كما سمعت وكذا قوله والكلام لا يمسه الا المطهرون فانا قد اشرنا الى ان من الكلام ما يسمعه المشركون كما قال تعالى وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله فقد اخبر انه عز وجل بجواز سماع كلامه تعالى للمشرك المنغمس في ظلمات ادناس عالم البشرية فلا يصلح استشهاد المصنف بهذه الاية على تعريف مطلق الكلام بانه لا يدركه كل احد والله سبحانه يقول في شأن المشرك حتى يسمع كلام الله
قال : { والقرءان كان خلق النبي صلى الله عليه واله دون الكتاب والفرق بينهما كالفرق بين ادم وعيسى عليهما السلام ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وادم كتاب الله المكتوب بيدي قدرته
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
وعيسى قوله الحاصل بامره وكلمته القاها الى مريم وروح منه والمخلوق باليدين في باب التشريف ليس كالموجود بحرفين ومن زعم خلاف ذلك اخطأ }
اقول يريد ان القرءان احدثه الله سبحانه شرح طبيعة النبي صلى الله عليه واله وخلقه بضم الخاء واللام وهو الطبيعة وهي ما ركب في الشيء من احد ركنيه مادته او صورته او منهما او من متممات قابليته كالكم والكيف والوقت والمكان والرتبة والجهة والوضع او من الكل كما قال في شأنه صلى الله عليه واله المشار اليه في قوله تعالى وانك لعلى خلق عظيم وذلك من صفاء جوهرية مادته واخذها من اعلى مراتب الامكان وحسن تصويره وكمال تعديل مزاجه على حد لا يحتمل الامكان فوقه في تقدير الاجزاء والاركان وفي غاية نضخها ( نضجها ظ ) وعدل وزنها وكمال وضعها في احسن تقويم يحتمله الامكان فخلقه عز وجل بمبلغ علمه الكوني وادخر له بمبلغ علمه الامكاني من الامداد المعدلة في المراتب المعتدلة المستقيمة مما لا يحتمل الامكان ابدع منه حتى ظهر صلى الله عليه واله بكسوة من الوجود لو لم يرد عليه امر ولا نهي من الله لكان بجوهرية ذلك المكمل واستقامة ذلك التصوير المعدل لا يقع منه الا ما هو عين مراد الله عز وجل وذلك مقتضى طبيعته وتعديل فطرته المشار اليه في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار اي يكاد يكون قبل التكوين يكاد يعلم قبل التعليم يكاد ينطق بالوحي قبل ان يوحي اليه وهكذا سائر جهات الكمالات الكونية والقرءان الشريف شرح ما اشرنا اليه على جهة الاجمال لان الروح الذي هو من امر الله هو القلم الذي كتب في اللوح باذن الله كل ما كان وما يكون وما هو كائن وهو عقله صلى الله عليه واله وهو القرءان قال تعالى مشيرا الى ذلك لاهل التعرف منه وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم فاخبر سبحانه انه اوحي الى نبيه صلى الله عليه واله روحا من امره وهو القلم وهو الملك اي العقل الكلي وماكان يعلم ما الكتاب ولا الايمان قبله اي قبل القرءان كما قال تعالى ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا اي القرءان وهو الملك اي الروح من امر الله يعني العقل فالعقل هو الروح الذي هو من امر الله وهو عقل النبي صلى الله عليه واله وهو القرءان فالقرءان طبعه وخلقه لانه نور واحد يسمى بكل ما ذكرنا وبغير ما ذكرنا ويظهر بكل طور من اطواره فالقرءان شرح خلقه وطبيعته عليه السلام
وقوله { دون الكتاب } ليس بصحيح لان الكتاب هو القرءان وانما يفرق بينهما بالاعتبار فمن حيث كون الكلمات محدثة هو كلام ومن حيث كون المحدث متلوا هو قرءان ومن حيث كونه محفوظا في شيء هو كتاب كما قال تعالى انه لقرءان كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون
وقوله { والفرق بينهما اي بين القرءان والكتاب كالفرق بين ادم وعيسى عليهما السلام } يريد ان القرءان لا يتعين ولا يتشخص بخلاف الكتاب فانه متشخص ظاهر يدركه كل احد وقد قدمنا ان الحق انهما شيء واحد تختلف اسماؤه باختلاف احواله ويريد ان الفرق بينهما كالفرق بين ادم وعيسى عليهما السلام والتشبيه في الفرق يقتضي ان يكون ادم اشرف من عيسى عليهما السلام على فرض ارادته من ضمير خلقه يعود الى عيسى عليه السلام لكون خلق ادم عليه السلام من تراب معلوما ولقوله تعالى في حق عيسى عليه السلام اذا قضي امرا فانما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة الاية ويشهد لهذا ظاهر قوله { والمخلوق باليدين } يعني يدي قدرته في باب التشريف بمعنى انه شرفه اي ادم حتى انه خلقه بيديه ليس كالموجود بحرفين اللذين هما بمنزلة اصبعين اقل من اليدين فيستفاد من هذا ونحوه ان ادم كالقرءان وعيسى كالكتاب وقد ذكر اشرفية القرءان على الكتاب فيكون ادم اشرف من عيسى ويؤيد هذا قوله ومن زعم خلاف ذلك اي خلاف ان المخلوق باليدين كادم اشرف من الموجود بحرفين كعيسي فقد اخطأ لان المسلمين متفقون على ان عيسى افضل من ادم بلا خلاف بين احد من الفريقين ولم يوجد لاحد من المسلمين ولا غيرهم قول بان ادم افضل لتصرف قوله فقد اخطأ اليه واذا نظرنا الى قوله وادم كتاب الله المكتوب بيدي قدرته واستشهاده بما ينسب لامير المؤمنين عليه السلام من قوله :
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
والى قوله في عيسى عليه السلام { وعيسى قوله الحاصل بامره وكلمته القاها الى مريم وروح منه } دل على عكس المعنى السابق فان القول والقرءان اشرف من الكتاب فيكون عيسى اشرف من ادم الا ان فهم هذا المعنى من كلامه مرجوح لان احدا لم يقل بان آدم اشرف من عيسى ليصح قوله { ومن زعم خلاف ذلك فقد اخطأ } ويؤيد الثاني قوله في حق ادم المخلوق باليدين فان ما ينسب اليه الخلق خصوصا على طريقة المصنف فانه مفضول مرجوح وقوله في حق عيسى عليه السلام الموجود بحرفين فانه فاضل راجح لانه نسب اليه الوجود فعبارته وان كانت ظاهرة في المعنى الاول الا انها محتملة للثاني فيكون كلامه مضطربا ومأخذ دليله على الاحتمالين مدخول فان توهم الشمول في ادم لا يستلزم الاشرفية ومعارض بمحمد صلى الله عليه واله وعيسى من اولي العزم وفي ادم نزلت ولم نجد له عزما ولارادة الكاف والنون من اليدين وضمير خلقه عائد الى ادم الذي هو اقرب فيكون هو الموجود بالامر فكما يجوز ان يكون بالحرفين عيسى يجوز ان يكون ادم وكما يحتمل الحرفان كن يحتمل اليدان كن
قال : { قاعدة مشرقية, المتكلم من قام به الكلام والكاتب من اوجد الكلام اي الكتاب ولكل منهما مراتب فكل كتاب كلام من وجه وكل كلام ايضا كتاب من وجه آخر اذ كل متكلم كاتب بوجه وكل كاتب متكلم ايضا بوجه مثال ذلك في الشاهد الانسان اذا تكلم بكلام في المعهود وقد صدرت عن نفسه في الواح صدره ومنازل اصواته ومخارج حروفه صور واشكال حرفية وهيئات فنفسه ممن اوجد الكلام فيكون كاتبا بقلم قدرته في لوح نفسه بفتح الفاء ثم في منازل اصواته وشخصه ممن قام به الكلام فيكون متكلما فاجعل ذلك مقياسا لما فوقه وكن من الناصحين المصلحين ولا تكن من المتخاصمين }
اقول قوله المتكلم { من قام به الكلام } ما يريد به فان القيام يراد به اذا اطلق احد معان اربعة احدها قيام الصدور كقيام نور الشمس بالشمس ومعناه قيام الشيء بايجاد موجده بحيث لا يتحقق في مدة اكثر من مدة ايجاده وذلك كنور الشمس وكالصورة في المرءاة وثانيها قيام الظهور كقيام الكسر بالانكسار فان الكسر سابق بالذات ولكنه لا يمكن ظهوره في الاعيان الا بالانكسار لان الانكسار هو قبول الكسر للايجاد ولهذا قيل الكسر وجد اولا وبالذات والانكسار وجد ثانيا وبالعرض وثالثها قيام التحقق كقيام الانكسار بالكسر بمعنى انه لا يتحقق لا في الخارج ولا في الذهن الا مسبوقا بالكسر لانه انفعال الكسر لفعل الفاعل اذ لا تعقل الصفة قبل الموصوف وقد نطلق على هذا اعني القيام الثالث القيام الركني بمعنى ان الانكسار في الحقيقة مادته من نفس الكسر من حيث هو هو لا من حيث فعل الكاسر وذلك كقيام السرير بالخشب قياما ركنيا لان الخشب هو ركنه الاعظم الذي تقوم به والركن الثاني الاسفل الايسر هو الصورة فلك ان تقول انه تقوم بالخشب التقوم الركني وان تقول انه تقوم بالخشب تقوم التحقق ورابعها تقوم عروض كتقوم الصبغ بالثوب فهذا التقوم الذي ذكره المصنف ايها والظاهر من سياق كلامه حيث جعل الكاتب من اوجد الكلام ان مراده بهذا التقوم في قوله المتكلم من قام به الكلام هو قيام العروض المسمى بالحلول في قولهم العرض هو الحال في المتحيز لانه لو اراد ان المتكلم من قام به الكلام قيام صدور لكان معناه من اوجد الكلام فلا يكون فرق بين المتكلم والكاتب فعلى تفسيره يكون الله قد قام به كلامه اي حل في ذاته فيكون محلا لغيره لان كلامه غيره اذ لا يريد ان المتكلم من حل به المتكلم على ان المسلمين اجمعوا على انه متكلم عز وجل من قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما فسمي متكلما بما اوجد من كلامه لموسى في الشجرة اي بما انطقها به من كلامه ويلزم على مراده ان يكون الله سبحانه كتابا لان الكتاب هو الذي يقوم به الكلام والمعاني والنقوش كما تقدم ولو اراد هو او غيره ان الله سبحانه هو الذي احدث الكلام بالشجرة لموسى عليه السلام كانت الشجرة كتابا لما اقام فيها من كلامه فالمكلم موسى من الشجرة من هو فان كان المتكلم من قام به الكلام فالشجرة هي المتكلم وان كان المتكلم هو من احدث الكلام فالمتكلم هو الله سبحانه لانه خلق ما نطقت به الشجرة وانطقها بما خلق فيها من كلامه وبذلك وصف نفسه بكونه متكلما لانه احدث الكلام وعن ابي بصير قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته ولا معلوم ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور قلت جعلت فداءك فلم يزل متكلما قال الكلام محدث كان الله عز وجل وليس بمتكلم ثم احدث الكلام ه اقول سماه متكلما بما احدث من الكلام وهذا ظاهر
وقوله { والكاتب من اوجد الكلام } اي الكتاب يرد عليه مثل ما ورد على ما قبله فان الكاتب من اثبت شيئا في شيء فيصدق على من اثبت المعاني في العقول والرقائق في الارواح والصور الجوهرية في النفوس والصور الشبحية في الاجسام والاجسام في المكان والزمان والالفاظ في الهواء والنقوش في الاجسام والجسمانيات فاذا اردنا تصحيح كلامه فلا بد اما من تقدير مضاف مثل الكاتب من اوجد صور الكلام في شيء مع تضمين اوجد معنى وضع ونقش او ارادة المتكلم من الكاتب وهذا لا يصح في مقام التقسيم واما اذا قال من اوجد الكلام فهو المتكلم فكلامه اذا عكس صح في المتكلم فانه هو من اوجد الكلام واما من قام به الكلام لا يصح ان يكون متكلما ولا كاتبا وانما يصح ان يكون كتابا لان الكتاب هو الذي قام به الكلام اما بصورته كالهواء والقوة السامعة واما بصورته ونقشه كالقراطيس والالواح وقوله ولكل منهما مراتب اي لكل واحد من الكلام والكتاب مراتب يسمى كل واحد باعتبار مرتبته باسم مع اتحاد اصلهما فبلحاظ الفيضان يسمى كلاما وبلحاظ قيام الفائض بشيء يسمى كتابا فكل كتاب باعتبار تقومه بافاضة فاعله تقوم صدور كلام وكل كلام باعتبار تقومه في مكانه تقوم عروض كتاب فيكون كل محدث من حيث هو مفيض متكلما ومن حيث هو واضع ذلك المفاض في محل كاتبا وهذا على ما اعتبرناه لا على ما اعتبره المصنف كما بينا قبل ويأتي في مثاله من ان الكاتب هو من اوجد الكلام وقد بينا لك ان من قام به الكلام قيام صدور هو المتكلم وهو الذي اوجد الكلام ولهذا ورد في شأن القلم انه كتب في اللوح ما كان وما يكون فسمي كاتبا باعتبار ما اثبت في اللوح وورد ثم ختم على فمه فلا ينطق ابدا والختم على الفم وعدم النطق للمتكلم لا للكاتب وذلك باعتبار افاضته لما كتب في اللوح وقد قال في حق نبيه صلى الله عليه واله وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى فنسب اليه لوازم التكلم دون الكتابة وما ذكره المصنف تمثيل يوجهه على اعتباره ومع ذلك لا ينافي ما ذكرناه
فقوله { وقد صدرت عن نفسه الى اخره ) باعتبار كون الصادر واقعا بصوره في الواح صدره تكون تلك الالواح كتابا واثبات تلك الصور فيها كتابة وكذلك تلك الاصوات المقطعة في مراتب اصواته باعتبار كونها منقوشة فيها كالتي في الحلق والفم والخارج القائم في الهواء على نحو ما ذكر فنفسه بسكون الفاء ممن اوجد الكلام باعتبار كونه فائضا يكون متكلما لايجاده الكلام ونطقه به وباعتبار اثباته في لوح نفسه بفتح الفاء اي الهواء الممتد من جوفه الى الهواء الخارجي في منازل صوته يكون كاتبا
وقوله { وشخصه ممن قام به الكلام الخ } فيه ما قلنا من ان المراد بالقيام هو الحلول فيكون الشخص كتابا لا كاتبا ولا متكلما
وقوله { فاجعل ذلك مقياسا لما فوقه } فيه ما قلنا من انه اذا قسنا عليه الواجب لزم مع التشبيه بالخلق انه انما سمي سبحانه بمتكلم لانه ممن قام به الكلام والكلام عند هؤلاء الجماعة اصحاب وحدة الوجود هو ذاته كما ذكره الملا محسن في انوار الحكمة ويسمى ايضا كاتبا لانه اوجد الكلام واما عندنا فقد عافانا الله سبحانه وله الحمد مما ابتلي به هؤلاء فنقول لا يكون شيء من الخلق مقياسا لشيء من الحق تعالى وما يوجد في خلقه فهو اية معرفته والكلام حادث والمتكلم من اوجد الكلام وهو تعالى متكلم لانه احدث كلامه في ما شاء وكلم به من شاء كيف شاء فلا تجعل للشاهد مقياسا للواجب في شيء واما ما اري الخلق من آياته في الافاق وفي انفسهم فهو ايات معرفته ولا كذلك قياس المصنف لانه يقيس ذات العبد فيما ينسب اليها ويطلب نظيره فيما ينسبه الى ذات الرب سبحانه عما يشركون
قال : { قاعدة عرشية, كل معقول الوجود فهو عاقل ايضا بل كل صورة ادراكية سواء كانت معقولة او محسوسة فهي متحدة الوجود مع مدركها وبرهانه الفائض من عند الله هو ان كل صورة ادراكية لها ضرب من التجرد عن المادة وان كانت حسية مثلا فوجودها في نفسه وكونها محسوسة شيء واحد لا تغاير فيه اصلا ولا يمكن ان يفرض لتلك الصورة المخصوصة نحو من الوجود لم تكن هي بحسبه محسوسة }
اقول يريد في هذه القاعدة يقرر مسئلة قد ملأ كتبه منها وهي اتحاد العاقل بالمعقول وتجري في اتحاد الحاس بالمحسوس والفاعل التام بالمفعول وهي مسئلة عويصة على اذهانهم والشبهة دخلت عليهم من دعوى ان وجودها ادراكي ولهذه اذا سلمت انما يلزم منها اتحاد العقل بالمعقول على توجيه نذكره والباب الذي دخلت عليهم منه الشبهة توهم ان العاقل يعقل غيره بنفس ذاته كما يسمع بذاته ويرى بذاته وقد بينا فيما تقدم ان الادراك معنى فعلي لان السمع الذي هو الذات وكذا البصر والعلم المعبر عنه بالعقل هو الذات فسمه باسمه الحق وهو الذات ثم انظر هل تقدر ان تنسب اليه ادراك مسموع او مرئي او معلوم لانه تعالى انما هو هو فلا مسموع ولا مبصر ولا مدرك فاذا وجد المسموع والمبصر والمدرك حصل الاشراقي بها وهو الوجود الادراكي النسبي وهو ظهور المدرك بكسر الراء بالمدرك بفتح الراء والظهور اثر الظاهر فالاتحاد في الظهور اذ ليس للمدرك بفتح الراء حقيقة غير الظهور اذ هو الظهور به لان مادته ذلك الطارئ المتجدد الذي هو تأكيد الفعل وصورته ظل هيئة الفعل كما ان صورة الكتابة ظل هيئة حركة يد الكاتب وكما ان هيئة حركة يد الكاتب ليست هي يد الكاتب ولا ذات الكاتب وانما يحدثها الكاتب عند ارادة الكتابة بنفسها كذلك الوجود الادراكي ليس هو نفس الفعل ولا ذات الفاعل وكلام المصنف يلزم منه ان تكون هيئة الكتابة القائمة في القرطاس التي هي بمنزلة الصورة المعقولة هي نفس حركة يد الكاتب ونفس يد الكاتب بل نفس الكاتب ومع هذا كله يدعي ان برهان ما ذكره فائض عن الله سبحانه اخذه من الايات الافاقية والانفسية فانظر ماذا ترى
وقوله { كل معقول الوجود فهو عاقل ايضا } يدخل فيه كل معلوم ليصح للمصنف قوله بسيط الحقيقة كل الاشياء لانه اذا خصص المعقول بالمجرد عن المواد لم يبق عنده شيء اذ كل مخلوق فمن مادة خلقه خالقه تعالى وانما معنى انه خلقها لا من شيء اي لا من شيء معه قديم لا ان معناه انه خلقه لا من مادة ولو سكتنا عن هذا لزمه ان بسيط الحقيقة بعض الاشياء لان الماديات من الاشياء مع انه اخرجها من الاتحاد ولو سكتنا عنه ايضا لزمه ان الاشياء المجردة هي التي معه في صقعه في ازله فهو كلها لبساطتها ولا يلزم التركيب والتغيير بالمتباينات لانها في انفسها مجردة واما الماديات فلكونها خارجة عن صقعه وواقعة في الامكان لم يصح اتحادها به فلا تكون معلومة له لان المعلوم الحادث بجميع اقسامه يجب ان يكون وجوده ادراكيا لانه غاية الفعل فلا ينقص في تحققه بالفعل عن كون تحققه ادراكيا فاذا لم تكن بذاتها معلومة له لم تكن مفعولة له قال الملا محسن في رسالة العلم التي وضعها لابنه علم الهدى اعلم ان العالمية والمعلومية هما عين الفاعلية والمفعولية او لازمتان لهما لان العلم عبارة عن حصول المعلوم للعالم وليست الفاعلية ايضا الا حصول المفعول للفاعل او تحصيل الفاعل للمفعول فانك اذا تصورت صورة في نفسك فعين تصورك اياها عين حصولها لك وعين علمك بها وتصورك اياها ليس الا انشاؤك لها في ذاتك وابداؤها اياها مع انك لست مستقلا لها في هذا الانشاء والابداء بل انت محل لها وانما يفيض عليك مما فوقك حين حصول شرائطها فيك واستعدادك لها فلو كان الانشاء منك بالاستقلال لكان اولى بان يكون علما لك بها انتهى فاذا كان عندهم ان العالمية عين الفاعلية والمعلومية عين المفعولية دارت المعلومية مدار المفعولية وجودا وعدما فيلزم اما معقولية الماديات او عدم مفعوليتها واعتبار الوسائط في الماديات في المعلومية والمفعولية دون المجردات يلزم منه اختلاف نسبة الذات الحق تعالى الى بعض الاشياء وهذه صفة الخلق على ان المصنف لا يفرق بين الوجودات فكيف جعل هنا بعضها معقولا كالمجردات وبعضها غير معقول كالماديات فيلزمه ان يكون بعض الوجودات مجردة وبعضها مادية فلا يصح قوله بكون الوجود صادقا على جميع افراده بالاشتراك المعنوي فمرة قال هكذا ومرة قال ان الحق وجودات الاشياء مما شابها من النقائص والاعدام ليس لذاتها وانما هي عوارض مراتب تنزلاته وذاته بريئة من هذه الاعدام والنقائص ومرة قال ان ما كان منها معقول الوجود فهو متحد بالعاقل المعبود تعالى وما كان ماديا فلا ومرة قال تفريعا على هذه القواعد القاعدات ان بسيط الحقيقة كل الاشياء والا لزم تركبه من وجود وعدم ومرة قال الا ما كان من النقائص والاعدام يعني ان بسيط الحقيقة لا يسلب عنه شيء الا ما كان من نحو النقائص والاعدام وكل هذه المناقضات والاضطرابات منشاؤها القول بوحدة الوجود وانا اقول للمصنف لا يتعب نفسه فانه ان صعد السماء او نزل الارض او قتل نفسه او غير ذلك لا يكون ربا ولا يكون قديما ولا اصل له في الازل ابدا ولا يقبل منه الا من كان يريد هذه المرتبة وهم معه مثل ما قيل في ذم ابي الحسين الجزار :
ان تاه جزاركم عليكم بفطنة في الورى وكيس
فليس يرجوه غير كلب وليس يخشاه غير تيس
وايضا قوله { فهو عاقل ايضا } يشير به الى دليل الاتحاد من انا اذا لم نقل بالاتحاد لزم امر محال فقال في بيان لزوم المحال في كتابه المشاعر لانا اذا نظرنا الى الصورة العقلية ولاحظناها وقطعنا النظر فهل هي في تلك الملاحظة معقولة والا لم يكن نحو وجودها بعينها معقوليتها بل كانت معقولة بالقوة لا بالفعل والمقدر خلاف هذا وهو ان وجودها بعينه معقوليتها وان كانت تلك الملاحظة اياها التي هي تكون مع قطع النظر الى ما سواه معقولة فهي لا محالة في تلك الملاحظة عاقلة ايضا اذ المعقولية لا يتصور حصولها بدون العاقلية كما هو شأن المتضائفين وحيث فرضنا وجودها مجردة عما عداها فتكون معقولة لذاتها ثم المفروض اولا ان هنا ذاتا تعقل الاشياء المعقولة له ولزم من البرهان ان معقولاتها متحدة مع من يعقلها وليس الا الذي فرضناه انتهى ويريد انا اذا نظرنا الى الصورة المعقولة لم نجد منها الا كونها معقولة لعاقلها لانها هي حظها من التحقق فتكون هي بذلك عاقلة اذ كونها معقولة لا ينفك عن عاقل لها كما هو شأن سائر المتضايفات وهذا في حال قطع النظر عن عاقلها وانما فهمنا العاقلية من المعقولية فلولا تحقق الاتحاد لما فهمنا العاقلية من المعقولية مع قطع النظر عن عاقلية عاقلها واقول اذا تأملت هذا الكلام وجدته مغالطة خفي التخلص منها على المصنف وعلى اهل الاتحاد وبيان التخلص منها هو ان فهمك العاقلية انما هو لاجل مأخذ الاشتقاق بمعنى ان تحقق المعقولية مأخوذ فيه لحاظ العاقلية كالابوة والبنوة فان تحقق كل منهما مأخوذ فيه لحاظ الاخر ولكن كما لا تتحد الابوة بالبنوة مع اخذ لحاظ احدهما في تسمية الاخر بل الابوة منسوبة للاب والبنوة منسوبة للابن ليس بينهما اتحاد وانما اعتبر لحاظ الجهة الملايمة يعني ان جهة الاب الى الابن دون غيرها من جهات الاب جعلت صفة لجهة الابن الى الاب في اخذها لجهة الابن وجعلت جهة الابن الى الاب صفة لجهة الاب في اخذها لجهة الاب فالابوة صفة الاب الموصوفة بجهة الابن والبنوة صفة الابن الموصوفة بجهة الاب كالضارب صفة لزيد باعتبار فعله الموصوف بالضرب وليس صفة لذات زيد فالابوة مركبة من صفة هي جهة الابن وموصوف هي جهة الاب والبنوة مركبة من صفة هي جهة الاب وموصوف هو جهة الابن وليس بينهما اتحاد بل الابوة غير البنوة كذلك المعقولية والعاقلية فان المعقولية التي هي صفة الصورة المعقولة لحظ في الاتصاف بها تعقل عاقلها وهو فعل العاقل والعاقلية التي هي صفة فعلية للعاقل كذلك فالصورة في نفسها هيئة المحدث والمتصور لها اما بان انتزعها من صاحبها او اخترعها لصاحبها وعلى كل حال هي صفة غير العاقل لها اما في التسمية فاخذ فيها هيئة تعقل عاقلها كما قلنا في المتضايفين بل هذان متضايفان واما في الذات فلان الصورة لم يكن لها تحقق في التقدير الا هيئة تعقل عاقلها لانها عبارة عن ظهوره بها اي عبارة عن تعقله لها فحيث قام الدليل القطعي على انها ممكنة وكل ممكن زوج تركيبي وجب ان تكون الصورة المعقولة مركبة من مادة هي هيئة صاحبها سواء كانت منتزعة من موجود ام مخترعة لما يوجد ومن صورة هي هيئة محلها الذي هو الخيال او النفس او ما يشابه ذلك لان الصورة المعقولة لا بد لها من محل تقوم فيه كالصورة في المرءاة فان محلها زجاجة المرءاة بما هي عليه من بياض وصفاء وكبر واستقامة واضدادها فالمصنف فيما هو فيه لا بد له ان يجعل للصورة التي فرض ان عاقلها هو الحق سبحانه محلا اما ذاته او علمه ان فرضه غير ذاته او شيئا خارج ذاته والحاصل لا بد للصورة المعقولة من محل تقوم به وهيئته كما قلنا في زجاجة المرءاة هي صورتها فلا بد للصورة المعقولة ان كانت ممكنة من مادة وصورة فمادتها نفس ظهوره بها وهو تعقله لها وصورتها محلها منه وكل هذه المراتب لم تكن نفس العاقل اذ غاية ما يسامح فيه ان يقال هي ظهوره بها وليس ظهوره بها ذاته لانه كان قبل ان يتعقلها فلما تعقلها اتحدت به كيف يكون وقبل ذلك تكون حاله مغايرة لحال الاتحاد وايضا اذا تعددت الصور المعقولات وهي لا شك انها لمتعددة من الحوادث متغايرة وجب ان تكون كل صورة معقولة بما هي به هي من التعدد والتمايز واعتبار التعدد والتغاير ينافي الاتحاد واعتبار الاتحاد ينافي ما هي عليه اذ لا يتعقل المختلف بغير الاختلاف والا كان المتعقل غيره الا ترى ان نور الشمس الواقع على الزجاجات المختلفة الالوان لا يكون ما في الزجاجات وما انعكس عن كل منها متحدا بنور الشمس الواقع عليها لا في لونه ولا وحدته ولا في اوضاع ما فيها ولا المنعكس عنها وان كان نور الشمس واحدا وباشراق واحد بل وجب التعدد والاختلاف لاختلاف القوابل والاوضاع على ان نور الشمس الذي هو بمنزلة تعقل العاقل للصورة وان جوزنا كونه في ظاهر النظر متحدا بالواقع على الزجاجات او بالمنعكس عنه لا يكون متحدا بالشمس وكيف يتحد ما في السماء الرابعة بما في الارض وان عول الى مفاهيم الالفاظ الاشتقاقية فليس في معرفتها معرفة الحق ولا صفاته لانه عز وجل هو وصفاته ليس من الالفاظ ولا مفاهيمها وانما نتكلم في الموجود في الخارج المتحقق في نفسه قبل ان نتكلم وقبل ان نفهم الا ترى المصنف كيف استدل على كون الصورة المعقولة عاقلة انك اذا لحظتها مع قطع النظر عن عاقلها انها تكون عاقلة اذ لا يتصور معقول بدون تصور عاقل له فلاجل ان ملاحظتها من حيث هي معقولة تستلزم حضور عاقل لها في ذهن ملاحظها تكون عاقلة لحضور عاقل لها ولاجل فهم كونها عاقلة يكون وجود عاقلها وجودها والا لما فهم من نفس وجودها العاقلية فانظر كيف هذا الاستدلال الذي يزعم انه فائض من الله تعالى ولا ادري هل يريد انه فائض من الذات البحت ام من فعله وهذا البرهان الذي ذكره هو قوله { ان كل صورة ادراكية لها ضرب من التجرد عن المادة وان كانت حسية مثلا فوجودها في نفسه وكونها محسوسة شيء واحد لا تغاير فيه اصلا } اقول اما كون وجودها من حيث هي مدركة وكونها معقولة وكذلك المحسوسة من حيث الاحساس شيئا واحدا فظاهر من حيث ان وجودها ظهور المدرك لها بها واما ان ظهور الشيء بشيء هو نفس ذلك الظاهر فشيء لا يوجد في الاذهان ولا في نفس الامر ولا في الخارج بل الموجود فيها خلاف ذلك والله الحق سبحانه لا يفيض عنه الا الحق والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وقوله { ولا يمكن ان يفرض لتلك الصورة المخصوصة نحو من الوجود لم تكن هي بحسبه محسوسة فيه } انه لا يقول به الا فيما فيه نحو من التجرد واما الماديات فانه يقول ان لها نحوا من الوجود لم تكن هي به محسوسة ونحن نمنع التفاوت في خلق الرحمن فان الماديات ان كان لها نحو من الوجود غير ما هي به معلومة كان للمجردات والا فلا لان الصانع واحد والصنع واحد والمصنوع واحد وهذا الكلام محكم قطعي كل من له معرفة بدليل الحكمة يقطع به ولا يخفى الا على اهل الظواهر وقد دل على هذا ادلة العقل وادلة النقل بان الاشياء انما تختلف في نسبها الى انفسها فتقرب منه تعالى بنسبة قوابلها وتبعد بنسبة قوابلها وكل ذلك نسبها الى ذواتها واما هو تعالى فليس عنده قريب ولا بعيد لا في علمه بها ولا في ايجادها ولا في قيوميته لها ولا غير ذلك على انه ذكر في قاعدة حدوث العالم ان الوجود كما جاز ان يكون كيفا او غيره من الاعراض فجاز ان يكون جوهرا صوريا ماديا متجدد الذات والهوية انتهى ونقول كما جاز ان يكون الوجود جوهرا صوريا ماديا متجدد الذات والهوية جاز ان يكون للصورة المعقولة والمحسوسة نحو من الوجود مادي لم تكن به مدركة لان التعقل عنده لا يجريه في الماديات وانما يجريه في المجردات والمعقولة والمحسوسة لا بد لها من نحو وجود مادي اما في محلها او في شيء من اركان ما تتقوم به اذ لا يمكن ان تعقل الصورة لا في محل ولا لمتصور ولا على نوع التأليف لان الممكن المصنوع لا يكون الا هكذا خصوصا الصور التي لا تتقوم بدون الحدود والهندسة والى هذا النحو قلت انا نمنع التفاوت في خلق الرحمن فارجع البصر هل ترى من فطور
قال : { لان وجودها وجود ادراكي لا كوجود السماء والارض وغيرهما في الخارج فان وجودها ليس وجودا ادراكيا ولا ينالها الحس ولا العقل الا بالعرض وتبعية صورة ادراكية مطابقة لها فاذا كان الامر كذلك فنقول تلك الصورة المحسوسة التي وجودها نفس محسوسيتها لا يمكن ان يكون وجودها مباينا لوجود الجوهر الحاس بها حتى يكون لها وجود وللجوهر الحاس وجود آخر قد لحقتهما اضافة الحاسية والمحسوسية كما للاب والابن اللذين هما ذاتان ووجوب كل منهما غير عارض الاضافة وقد يعقلان لا من جهة الابوة والبنوة لان ذلك ممتنع مثله فيما نحن فيه لان هذه الصورة الحسية ليست مما يتصور ان يكون لها وجود لا تكون هي بحسبه محسوسة فتكون ذاتها بذاتها غير محسوسة كالانسان الذي ليس في وجود ذاته بذاته ابا ولكن صار بالعرض حالة اضافية تعرض لوجود ذاته بل ذات الصورة الحسية بذاتها محسوسة }
اقول قوله { لان وجودها ادراكي } هو ما ذكرناه من ان وجود الصورة المعقولة ليس شيئا غير ما هي به مدركة ومعناه ان نفس وجودها ظهور عاقلها بها وظهور عاقلها بها هو نفس تعقله لها وهذا ظاهر
وقوله { لا كوجود السماء والارض وغيرهما } يعني به ان وجود الماديات بمادياتها ويرد على هذا انه يلزمه ان تكون وجودات الاشياء قديمة غير مخلوقة وانما صنعه تعالى لها كصنع البناء للجدار فان الحجارة والطين لم تكن من صنعه وانما احدث الهيئة والمصنف هو واتباعه قائلون بذلك كما ذكره في سائر كتبه من ان وجودات الاشياء وماهياتها ليست محدثة وانما الحادث افاضة الوجود عليها وقد تقدم ما نقلنا عن صهره الملا محسن من الكلمات المكنونة ومنه قوله : وسر سر القدر ان هذه الاعيان الناشية ليست امورا خارجية عن الحق بل هي نسب وشؤن ذاتية فلا يمكن ان تتغير عن حقائقها فانها حقائق ذاتيات وذاتيات الحق سبحانه لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والمزيد والنقصان فبهذا علم ان الحق لا يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا صفة كان او فعلا او حالا او غير ذلك لان امره واحد كما انه واحد وامره الواحد عبارة عن تأثيره الذاتي الوحداني بافاضة الوجود الواحد المنبسط على الممكنات القابلة له الظاهرة به المظهرة اياه متعددا ومتنوعا مختلف الاحوال والصفات بحسب ما اقتضته حقائقها الغير المجعولة المعينة في عالم الازل انتهى وانما اكرر كلماتهم لتتأمل ايها الناظر فيها في كل موضع وان استلزم التطويل فاذا كانت حقائق كل شيء ذاتياته تعالى وهي غير مجعولة لا تقبل التغيير والتبديل وهو تعالى لم يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا بل هي متعينة في نفسها بنفسها ووجوداتها من وجوده وهي غير مجعولة بل هي باقية على تقدسها في ذواتها عن رذائل النقائص والاعدام والطبائع فما الذي صنع سبحانه واي شيء احدث الا افاضة الوجود وارساله على تلك الاعيان الثابتة فاذا كان حاله تعالى عندهم هكذا فالسموات والارضون وغيرهما لم يحدث منها شيئا الا كما يحدث البناء فلا تكون وجوداتها ادراكية فلا تتحد بوجود مدركها وينبغي ان تكون الصور المعقولة ايضا كذلك لانها ايضا بموجب كلامهم ليست وجوداتها ادراكية فلا تتحد وجودها بوجود مدركها الا تسمع كلام الملا محسن ان الحق لا يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا صفة كان او فعلا او حالا او غير ذلك لانهم اذا حكموا بكون ماهيات الاشياء وحقائقها كلها ذاتيات له غير مجعولة ولا فرق بين الذوات والصفات والافعال والاحوال ووجوداتها من وجوده وهي غير مجعولة فالصور المعقولة من الاشياء لانها اما ذوات او صفات او افعال او احوال فان قالوا بان وجوداتها ادراكية كان قولهم انه لا يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا باطلا لانه ان لم يعين لها شيئا كان لها نحو بل انحاء من الوجود لم تكن بها معقولة وان كانت بها معقولة لان تلك الاعيان والحقائق صور علمية له تعالى كما قاله في الوافي في باب السعادة والشقاوة فلا فرق بينها وبين السماء والارض فعليه ان يجعل وجودها متحدا بوجود عاقلها العالم بها على ان الذي قام عليه الدليل القطعي من العقل والنقل والاجماع من المسلمين ان كل ما سوى الله حادث وكل حادث فهو بجميع اجزائه وما ينسب اليه او يتقوم به فهو حادث ليس فيه شيء لم يكن بمخترع لا من شيء وكل شيء منها فهو قائم بامره الفعلي قيام صدور وبامره المفعولي قيام تحقق فاي شيء من السواء مستثني واي شيء ليس بسوي الله تعالى لا يكون معقولا له فنحو السماء والارض اذا جعله غير ادراكي لزمه انه غير مصنوع له وكونه غير مصنوع له تعالى يلتزمه ولا يبالي ولكن حكم الصور المعقولة حكمه في النفي والاثبات كما ذكرنا وقوله { ولا ينالها الحس ولا العقل الا بالعرض وتبعية صورة ادراكية مطابقة لها } قد ذكرنا سابقا اتحاد العلم والمعلوم واشرنا الى دليله ولكن المصنف ذهب فيه الى رأي المشائين من حصر العلم في الصور وجعل الذوات معلومة بالعرض وهو قوله وتبعية صورة ادراكية مطابقة لها وقد بينا ان العلم اذا كان هو الصورة فالصورة العلمية معلومة للعالم بنفسها ام بصورة اخرى فان كانت بصورة اخرى لزم التسلسل او الدور وان كانت معلومة بنفسها فما الفرق بينها وبين زيد الذي هو ذو الصورة مع انهم يفسرون علمه تعالى بالاشياء انه عبارة عن حضور الاشياء وانكشافها فلا ادري هل يرون ان الصور المعقولة حاضرة لديه دون الذوات الماديات ام الماديات غائبة عنه الا بصورة ادراكية مطابقة لها فكيف قال تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ام جميع الاشياء المجردة والمادية كلها لديه على حد واحد في الحضور فان رأوا الوجه الاول جهلوه تعالى باكثر الاشياء لجعلهم المجردات حاضرة لديه دون غيرها وما علمه بالاشياء الا حضورها لديه وان رأوا الوجه الثاني جعلوه تعالى في علمه بالماديات محتاجا الى الصور الادراكية المطابقة لها وان رأوا الوجه الثالث وهو ان جميع الاشياء مجردها وماديها حاضرة لديه على حد واحد كل في مكان حدوده وزمان وجوده وجب عليهم التسوية بينها كما ذكره سبحانه في قوله وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وقوله الا يعلم من خلق لان الجميع حاضر لديه وعندنا انما نعلم بصورة زيد التي في خيالنا حالة حضوره لانه حالة حضوره لم تكن عندنا صورة خيالية الا نفس حضوره فانه علمنا به فاذا غاب عنا انتزع خيالنا صورة حضوره المنفصلة كما في المرءاة ولا نعلم منه شيئا في غيبته الا صورة الحضور فلو تحرك في غيبته عنا او سكن او قام او قعد او مات لم نعلم به ولو كانت الصورة التي في خيالنا هي علمنا به مطلقا لما جهلنا في غيبته حالا من احواله فلما لم نعلم من احواله شيئا غير حالة حضوره عندنا دل بان الصورة لا نعلم بها احوال زيد اما في غيبته فلا نعلم بها الا هيئة حضوره لانها هي هيئة حضوره واما في حضوره فلا صورة عندنا غير حضوره المدرك بابصارنا والواجب عز وجل لم يغب عنه شيء ولم تكن عنده صورة في ذاته ولا خيال له كما في خلقه وكل شيء يعلمه بنفس حضوره فالصور التي في سائر كتبه كالكتب العقلية والروحية والنفسية والطبيعية والمادية والمثالية والجسمانية والجسمية معلومة بانفسها وهي علمه تعالى بتلك الاعيان لان تلك الاعيان لا تغيب عنه ولكن لما كانت تغيب عنا وقال الكافر ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد قال سبحانه في جوابهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ فخاطبهم بنمط ما يعرفون من ان الشيء اذا غاب عنهم من مكان وطور وكان في موضع اخر محفوظا يكون معلوما بحكم الحاضر والا فان الاشياء اذا تغيرت عن اماكنها واوقاتها واطوارها لم تتغير عنده تعالى عما هي عليه اذ لا تغيب عنه تعالى حالتها عما هي عليه قبل التغير ليكون انما يعلمها بما في كتب اطوارها بل اذا تغيرت عندنا وعند انفسها لم تتغير عنده اذ كل شيء عنده فيما اقامه فيه لان كل ما دخل في ملكه وسلطانه لا يخرج عنه بل هو فيما اقامه عنده والا لفاته شيء او حال
وقوله
فيه ما قلنا من انا انما نثبت ان ادراكه لها هو نفس وجودها بناء على ان الادراك لها هو ظهور الحاس بها وتجليه صفة فعلية وظهوره بها نفس تجليه لها وذلك على تسامح منا ولو سلكنا الحقيقة قلنا للمصنف هذه الصورة الادراكية والمحسوسة هي نفس فعل المدرك والحاس الذي هو الحركة الايجادية ام هي اثر الحركة فان قلت انها هي الحركة نفسها كابرت عقلك ان كنت تفهم وان قلت هي اثر الحركة فمرحبا بالوفاق ثم اسألك الاثر عين المؤثر ام غيره فان قلت الاثر عين المؤثر كابرت مقتضى عقلك وان قلت الاثر غير المؤثر فهو حق ولكن الادراك فعل المدرك وهو غير الفاعل والصورة اثر الفعل وهو غير المؤثر فمن اين طفرت الصورة حتى اتحدت بالفاعل بل لا شك ان لها وجودا وللحاس وجودا آخر ولو كان وجوده وجودها لمافقدها ولكانت موجودة قديمة بقدمه والمصنف لما جعل الصورة المحسوسة علما للحاس والعلم عين العالم قال بقدمها وانه تعالى مافقدها مع انه لم يحصر هذا الحكم في القديم لقوله الجوهر الحاس فنقول انت بعد ان مضي من عمرك خمسين سنة تخيلت صورة فلما تخيلتها كانت موجودة بوجودك لم تفقدها من اول كونك ام كانت كامنة في ذاتك ثم تولدت منك فكانت لك حالتان فانت اذا اختلفت احوالك فانت مختلف الاحوال واما اذا قست هذا في شأن الحق كان مختلف الاحوال تعالى عن اختلاف الاحوال وعن هذه الاقوال
وقوله { قد لحقتهما اضافة الحاسية والمحسوسية الى قوله من جهة الابوة والبنوة } يريد به ان ما يدعيه لا يكون بينهما الاضافة المشار اليها مدركة بل يكون فيهما الاتحاد الذاتي بمعنى انه شيء واحد لا تعدد فيه الا بحسب المفهوم لان الصورة هي العلم والعلم هو العالم على قاعدته وقد بينا بطلان ما ذكر بان الصورة الادراكية يراد منهما صورة موجود محدث او صورة لما يوجد وهي بعينها هي العلم وهي المعلوم لانها حقيقة هي هيئة حضور صاحبها عند العالم وهو علم اشراقي يوجد بوجود المعلوم وينتفي بانتفائه فكيف تكون هيئة حضور زيد عندك التي هي الصورة نفسك ووجودها وجودك ونحن قلنا لك ان هذه الصورة حقيقتها ظهور فاعلها ونعني بالظهور الاثري اي الذي هو اثر فعل الفاعل وهذا الاثر ظل الفعل المنفصل ونعني بالمنفصل انه هو الهيئة المشرقة من المتجلي على القابل وليس نريد بالمنفصل انه مقطوع عنه ومثاله الصورة الموجودة في المرءاة فانها هيئة الشخص المنفصلة المشرقة على المرءاة لا الهيئة المتصلة التي هي القائمة بالشخص العارضة فيه وانما نعني بالمنفصلة التي في المرءاة وهي قائمة بالشخص قيام صدور وهذه المنفصلة المشرقة على المرءاة هي مادة الصورة التي في المرءاة وصورتها هيئة المرءاة من صفاء وبياض وكبر واستقامة او اضدادها وقد ذكرنا هذا مرارا ونذكره كما يذكر الله سبحانه قصة موسى عليه السلام مثلا في القران في مواضع متعددة واعلم انا قد نقول ظهور الشيء ونريد به فعله اعني الحركة الايجادية وقد نقول ظهور الشيء و( يريد كذا ) به اثر فعله وهو الذي احدثه بفعله والصورة الادراكية من الظهور الثاني فكما ان القيام الذي هو اثر زيد القائم لا يكون وجوده وجود زيد ولا يتحد به بل فعل زيد الذي حدث القيام به لا يكون وجوده وجود زيد كذلك الصورة الادراكية التي هي اثر فعل المدرك لا يكون وجودها وجود فعله فضلا عن ان يكون وجودها وجود الفاعل واين وجودها من وجوده وقولنا سابقا ان الصورة هي ظهور الظاهر بها بعينه نريد بالظهور الظهور الثاني الذي هو اثر فعله فراجع حتى لا يلتبس عليك المراد
وقوله { لان ذلك ممتنع فيما نحن فيه } يريد ان كون الصورة المحسوسة هي ووجود الحاس لها متغايرين انما يكون لو كانا شيئين متغايرين في ذاتيهما وانما لحقتهما الاضافة كما في الاب والابن لكن الصورة ليس كذلك اذ ليس لها وجود تحس به غير ما هي به محسوسة فلذا قلنا ان المغايرة ممتنعة واقول قد بينا في نقض كلامه ما سمعت من ان الصورة انما يمكن فرض اتحادها بنفسها اذ لا يتحد شيء بغيره والحاس غيرها قطعا وانما تتحد بظهورها الثاني اعني الاثر الذي ظهر به الحاس لانه في الحقيقة هو الصورة واما المصور فهو غير الصورة لان الشيء لا يصور نفسه ولا ما يكون نفسه وكذلك المتصور فلا تتوهم فرقا اذ الصورة في العبارتين محدثة بهما والشيء لا يحدث نفسه وباقي كلامه كاوله لا يحتاج الى كلام اكثر مما ذكرنا بل بعض ما ذكرنا كاف في بيان فساده وانما اكرر للبيان
قال : { فاذا كانت نفس وجودها محسوسة الذات سواء وجد في العالم جوهر حاس مباين لها ام لا حتى انه لو قطع النظر عن غيرها او فرض ليس في العالم جوهر حساس مباين كانت هي في تلك الحالة وفي ذلك الفرض محسوسة الذات فتكون ذاتها محسوسة لذاتها فتكون ذاتها بذاتها حسا وحاسة ومحسوسة لان احد المتضايفين بما هو مضاف لا ينفك عن صاحبه في الوجود ولا في مرتبة من مراتب ذلك الوجود وعلى قياس حكم الصورة المتخيلة والمعقولة في كونهما عين المتخيل والعاقل }
اقول قوله { فاذا كانت نفس وجودها محسوسة الى اخره } تفريع على ما ذكر قبل والمعنى في الكل واحد فان ملاحظة الصورة مع قطع النظر عن ملاحظة الحاس انما يلزم منه حضور الحاس في الذهن لا ان الصورة حاسة كما توهمه كما اذا تصورت البصر حضر العمى واذا تصورت الاب حضر الابن وبالعكس ولا يلزم من حضور اللازم في الذهن من ملاحظة ملزومه او ذكره كونه اياه وما اشبه هذا الوهم بما نقل عن بعض الاشاعرة حيث قال القرءان قديم وجلده قديم لانه تعلق به وكيسه قديم لاحاطته به وخيطه قديم لانه يربط الكيس عليه فقوله فتكون ذاتها محسوسة لذاتها غلط بل انما لزم من كون المحسوس له حاس وهو مقتض للمغايرة واما انه يلزم من كونها محسوسة كونها حاسة فانما يلزم عند من ليس له حاسة ولا شعور وتعليله عليل فان احد المتضايفين بما هو مضاف لا ينفك عن صاحبه في التضايف والتلازم وفي الوجود الذي هو التحقق والثبوت لكن لا مع الاتحاد في الذات بل مع المغايرة في الذات
وقوله { ولا في مرتبة من مراتب الوجود } غير صحيح لانه لو اريد بالمراتب اطوار الملزوم لم يلزم وجود اللازم في جميع ذلك الا اذا لازم الماهية بان يكون جزءها اذ قد يكون لازما خارجا عنها فيكون من المعقولات الثانية كالزوجية للاربعة وهي مع هذا التلازم الشديد لم تتحد مع الاربعة بل جزؤ الماهية كالحيوان والناطق اللذين منهما يكون انسان واحد لا يكونان متحدين لان الاتحاد الذي يريده المصنف وان صح في شيء من الخلق لم يصح في الخالق تعالى وما يدعونه اصحاب وحدة الوجود لا يصح لهم ولا يوصلهم الى شيء من العلم الا نفي التوحيد وانكار الصانع لانهم يقولون مثلا هو واحد باعتبار وكثير باعتبار ولذا يقولون هو واحد في كثرة وهو الكل في وحدته فيا سبحن الله كيف طاوعتهم انفسهم حتى جعلوه من مفاهيم متعددة وهو واحد لان هذه بوجود واحد وقد قبلوا هذا التوحيد وجعلوه غير مناف للبساطة الحقية مع ان المفاهيم انما تتعدد وتختلف ليس لان الاختلاف اعتباري فلا يضر بل اذا كانت مفاهيم متعددة ووجودها واحد بيان هذا ان مادتها واحدة كالباب والسرير والصندوق فان وجودها الذي هو الخشب واحد ولكن صورها متعددة ولولا تعدد الصور واختلافها لما اختلفت كذلك ما ذهبوا اليه حرف بحرف
قال : { وقول بعض المتقدمين من الحكماء باتحاد العاقل والمعقول لعله رام بذلك ما قررناه ومن قدح على مذهبه وطعن فيه من الاتحاد بين العاقل والمعقول وهم اكثر المتأخرين فلم يدرك غوره ولم ينل طوره ولم يصل الى شأوه والذي اقيم البرهان على نفيه من الاتحاد بين امرين هو ان يكون هناك امران موجودان بالفعل متعددان ثم صار موجودا واحدا وهذا مما لا شبهة في استحالته واما صيرورة ذات واحدة بحيث يستكمل وتقوي في ذاتها وتشتد في طورها الى ان تصير بذاتها مصداقا له من قبل وتنشأ منها امور لم تنشأ منها سابقا فذلك غير مستحيل لسعة دائرة وجودها }
اقول انتصاره لمن اقتدى به من الحكماء حيث وافق رأيه زعما منه انه من البرهان الفائض عن الله تعالى وقد اشرنا ونشير الى ان كل برهان لله تعالى اظهره من كتم الامكان لعباده من الانبياء والمرسلين والاولياء الصالحين والحكماء المتقنين والعارفين من المؤمنين والعلماء الراسخين وسائر عباده اجمعين فقد اظهره على اكمل وجه واتم بيان لا يمكن ازيد منه في الاحكام والاتقان في ما اراهم من اياته في الافاق وفي الانفس وبينا في عدة مواضع ونبين ان ما ذكره المصنف مخالف لما اراه الله عباده من اياته في الافاق وفي انفسهم الا انه جعل ما فاض من نفسه فائضا عن الله وتعالى وتقدس عن نسبة ما صدر عن الظنون والتخمينات وما تهوى الانفس الا ان انتصاره على نحو ما ذكر ويذكر هنا وفي سائر كتبه فكل اناء بالذي فيه ينضح واعلم ايها الناظر اني ما افرطت في ردي عليه فاني والله ليس بيني وبينه شيء الا اني والله ما رأيت له اعتقادا ولا دليلا يوافق ما عليه ائمة الهدى عليهم السلام ولا يطابق دليل عقلي لان عقلي يحكي عنهم عليهم السلام وكل ما اقول فقليل في حق من لا يقول كلمة عىي ما ينبغي مع ما هو عليه من العلم ودقة النظر وحصر همه في علم واحد وافتتان الناس بكتبه
واما قوله { واما صيرورة ذات واحدة بحيث تستكمل وتقوى في ذاتها الى اخره } فان صح في الجملة في الظاهر في الذات الحادثة كالشاة الضعيفة ترعي وتسمن واجريناه له على ظاهره لم يصح في شأن الحق تبارك وتعالى لانه عز وجل لا تختلف احوال ذاته لا في الذهن ولا في الخارج ولا في نفس الامر
وقوله { لسعة دائرة وجودها } يعني به انها بسعته تتناول اشياء تحيلها اليها وهذا في الذوات الناقصة التي تستكمل تدريجا واما في الذات الكاملة التي لا تحتمل الزيادة والنقصان فدون اثباته خرط القتاد
قال : { وليس اتحاد النفس بالعقل الفعال الا صيرورتها في ذاتها عقلا فعالا للصور والعقل ليس يمكن تكثرها بالعدد بل له وحدة اخرى جمعية لا كوحدة عددية لشخص من اشخاص نوع واحد بالعموم فالعقل الفعال مع كونه فاعلا لهذه النفوس المتعلقة بالابدان فهو ايضا غاية كمالية مترتبة عليها وصورة عقلية لها محيطة بها هذه النفوس كأنها دقائق منشعبة عنه الى الابدان ثم راجعة اليه عند استكمالها وتجردها وتحقيق هذه المباحث تستدعي كلاما مبسوطا لا تسعه هذه الرسالة }
اقول ذكر هنا العقل وانه يتحد بالنفوس المنشعبة عنه استشهادا للصورة العلمية بالعالم والحسية بالحاس بان العقل الفعال وهو العقل الكلي اعني عقل الكل وتسميته بالفعال غير ما يقصدون اصحاب العقول العشرة فان العقل الفعال هو العقل العاشر عقل العناصر لان مطمح نظرهم الاجسام وطبايعها وعقل الكل هو الاول من العشرة وهو عقل الفلك الاطلس واما غيرهم فينكرون العشرة ويثبتون واحدا وهو عقل الكل وهو اول ما خلق الله من الوجود المقيد والحق في هذه المسئلة مع هؤلاء بدليل ان الانسان يوجد فيه جميع ما يوجد في العالم الكبير لانه انموذج منه وآية له وليس للانسان الا عقل واحد وهؤلاء يقولون هذا الفعال امره الله سبحانه فقال له ادبر فادبر فنزل فكون باذن الله ما شاء تكوينه ثم قال له اقبل فاقبل الى مقامه من الكون فكان مما كون النفوس قال المصنف في الاستدلال على مطلبه ان العقل الفعال كون النفس فلما كملت بنظره كانت عقلا فعالا للصور واستدلاله غير مسلم اما اولا فلان العقل الكلي الفعال هو المشار اليه بالالف القائم كناية عن بساطته وعدم تعدده بالصور الجوهرية والمثالية وانما هو معنى ولا يكون فيه الا ما كان معنى مجردا عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصور الجوهرية والمثالية فلا تكون ذاته صورة ولا محلا للصور فتنزل من رتبته المعنوية بفعله لا بذاته فاحدث باذن الله النفس وهي الجوهر المجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وعن الصور المثالية بذاته وهي الالف المبسوط لانها الكتاب المسطور ولا يكون فيها الا ما كان صورة مجردة مثلها وبه تكون متخيلة للصور فالعقل هو الطور والالف القائم فليس فيه كثرة صورية وانما كثرته معنوية لا تعدد فيها بالتمايز المقداري الهندسي والنفس هي الكتاب المسطور في رق منشور وهي الالف المبسوط كناية عن الكثرة والتعدد ففيها كثرة صورية وتمايز هندسي لانها كتاب مجموع من الصور المختلفة حسا كالكتاب المجموع من الخطوط والحروف والكلمات المختلفة حسا ولا يكون المتكثر في ذاته بسيطا وبالعكس واما ثانيا فلان النفس انما هي تتصور الصور المقدارية الهندسية فاذا كملت في فعلها فانما يصدر عنها ذلك او ما يرتبط به ولهذا تسمعهم يقولون العقل مفارق لا تعلق له بالاجسام والجسمانيات لا في ذاته ولا في فعله واما النفس فهي في ذاتها مفارقة كالعقل لا في فعلها بل فعلها مقترن بالاجسام والجسمانيات فبكون احداثها للصور بامداد العقل واذنه لا تكون عقلا كما ان العقل بكونه محدثا باذن الله تعالى لا يكون هو الله تعالى وانما تشبهه في مطلق الفعل لا انها تكون مفارقة في افعالها كما ان العقل مفارق في افعاله واين هذا من ذاك وكما قال ايضا وحدة العقل ليس يمكن تكثرها بالعدد يعني الصوري بل له وحدة اخرى بسيطة جمعية يعني لا تعدد فيها الا بالمعنى لا كوحدة عددية يكون لها تعدد صوري مثل ما لشخص من اشخاص نوع واحد كزيد وعمرو فان لهما تعدد صوري وتمايز بالهيئات الحسية وان جمعهما الانسان والعقل اذا اعتبر السكني من معنى البيت والزينة من معنى الخاتم لم يكن فيه بين السكني وبين الزينة تمايز حسي صوري بل تمايز معنوي واما النفس اذا اعتبرت صورة البيت والخاتم كان فيها بينهما تمايز حسي صوري لان صورة البيت تنتقش فيها بهيئته بما فيه من الصور والحجر والمنازل وصورة الخاتم تنتقش فيها بهيئته من كونه ذا حلقة واسعة او ضيقة وذا فص ياقوت او عقيق كبير او صغير فتمايزهما صوري والعقل لا يكون نفسا صورية والا لما كان معنويا مفارقا والنفس لا تكون عقلا معنويا والا لما كانت صورية مقارنة في افعالها
وقوله { فالعقل الفعال مع كونه فاعلا لهذه النفوس المتعلقة بالابدان الخ } يريد ان كونه فاعلا لها غاية كمالية له تترتب على فعلها وهذا كمال اكتسابي استكمالي اذا صلح للحادث لا يصلح للقديم
وقوله { وصورة عقلية } فيه تناقض فان الصورة لا تكون عقلية اذ ليس في العقل الا معان لانها من نوعه والصورة نفسية فلا تكون العقلية التي هي مجردة عن الصورة مطلقا صورة ولاحظ ما ذكرنا قبل هذا من المعنى من العقل والنفس وادلة امثال هذه الامور يطول ذكرها خصوصا عند من ليس له انس بطريقتنا
وقوله { محيطة بها هذه النفوس } يعني به كما تحيط الاشعة بالمنير وقد بينا نحن فيما سبق وفي سائر كتبنا ونبين ان الاشعة لا تحيط بنفس النار التي هي الفاعلة وهي مثال العقل الذي هو الفاعل وانما تحيط بما تستمد منه وهي الشعلة وقد بينا انها دخان احالته النار بحرارة فعلها من الدهن فاستنار الدخان بمس النار وفعلها والاشعة خلقت منه وتستمد منه اي من هذه الشعلة المرئية ولا تعلق لها بغير الشعلة التي هي الدخان المستنير بمس النار كما قال ابن سيناء في الاشارات قال : اعلم ان استضاءة النار السائرة لما وراءها انما تكون اذا علفت شيئا ارضيا ينفعل بالضوء عنها انتهى فالعلف المشار اليه في السراج هو الدهن فانه بمس النار يكون دخانا ينفعل بالضوء عن النار وهذا مما لا اشكال فيه والاشعة التي هي مثل النفوس المتعلقة بالابدان محيطة بالشعلة التي هي من الدهن استنار من فعل النار فالاشعة لم تحط بالفاعل الذي هو النار التي هي مثال العقل الذي هو فاعل النفوس فالنفوس محيطة باثر فعل العقل لانها انما تستمد منه لا من النار فكما لا تكون الاشعة باستكمالها واستمدادها من الشعلة هي الشعلة فضلا عن ان تكون هي النار الفاعلة كذلك لا تكون النفوس التي هي متقومة باثر فعل العقل باستكمالها واستمدادها هي ذلك الاثر فضلا عن ان تكون هي العقل ولكن اكثرهم لا يعقلون وكونها كأنها دقائق منشعبة عنه الى الابدان ثم هي راجعة اليه عند استكمالها لا يكون ما اراد بل هي مثل الاشعة فانها منشعبة عن اثر فعل النار كما بينا الى الجدار مثلا فاذا استكملت فانما استكمالها بصفاء قابليتها كالجدار اذا صقل حتى كان كالزجاج فان الاشعة تستنير كمال استنارتها ولا تخرج عن كونها اشعة وان حكت صورة السراج كالمرءاة لا تكون هي السراج المحرق والمنير وليس رجوعها اليه الا الى حيث بدئت ومابدئت من ذاته وانما بدئت وصنعت بفعله من اثر فعله فافهم ان كنت تفهم والا فامسك
قال : { قاعدة, في اسمائه تعالى قال وعلم ادم الاسماء كلها الاية وقال الله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها الاية اعلم ان عالم الاسماء الالهية عالم عظيم الفسحة فيه جميع الحقائق متصلة وهي مفاتح الغيب ومناط علمه تعالى التفصيلي بجميع الموجودات لقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو اذ ما من شيء الا ويوجد في اسمائه تعالى الموجودة اعيانها بوجود ذاته على وجه اشرف واعلى الواجبة بوجوب ذاته }
اقول لما فرغ من ذكر الذات وذكر الصفات شرع في ذكر الاسماء وهي على اقسام فعلية وصورية ولفظية والفعلية عين افعاله واثارها معاني افعاله وهي اسماء افعاله اي اسماء اسمائه والصورية هيئات افعاله منها هيئات متصلة وهي هيئاته في تقلباته في تأثيراته وهيئات منفصلة وهي ما تتصور آثارها به كتصور الحروف بهيئات حركة يد الكاتب واللفظية اسماء للنوعين من الاسماء الفعلية والصورية ثم ذكر ان عالم الاسماء عالم عظيم الفسحة وذلك لانه طبق الامكان الراجح الوجود اعني العمق الاكبر وما نيط به من فعله الذي هو المشية والاختراع والارادة والابداع لصدق الاسماء على كل ما يصدق عليه اسم الشيء من الذوات والصفات والافعال والاقوال والاحوال والاعمال الامكانية والكونية مما تسمى بها عز وجل صريحا وضمنا في قوله تعالى وله كل شيء منها اسماء حيث يحب واسماء حيث يكره فاسماؤه التي حيث يحب فروع اوليائه واهل طاعته وصفاتهم واسماؤه التي حيث يكره فروع اعدائه واهل معصيته وصفاتهم ومرجع النوعين الى افعاله اما الاولى الحسنى العليا فبامتثال اوامره واجتناب نواهيه على وفق محبته تكون ولا غاية لها ولا نهاية واما الثانية السوءي السفلي فبمخالفة اوامره ونواهيه على وفق كراهته تكون ولا غاية لها ولا نهاية والكل من الامكان الراجح الغير المتناهي فلذا كان اهل الجنة خالدين ونعيمهم دائما واصحاب النار خالدين وتألمهم دائما والكل قسمان اسماء وتجليات اسماء والمكونات منها تخرج من باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وذلك الباب معاني افعاله وهو صفة الرحمن التي تجلي بها الرحمن على عرشه باركان الوجود الاربعة وهي الخلق والرزق والممات والحيوة التي ذكرها تعالى في كتابه فقال الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وقول المصنف وعلم ادم كلها في هذا المقام غلط عند اهل البيت عليهم السلام لان الاسماء التي علمها آدم هي اسماء الكائنات في رتبته حين التعليم وهي رتبة اسماء الاسماء سواء اريد منها المعنوية ام اللفظية اذ ليس كل اسم له سبحانه علمه ادم وليس كل مسمي عرضه على الملائكة وانما علمه ما كان منها رتبة كونه تحت جوهر الهباء مما في عالم المثال فما دونه مما كان في وقت التعليم لا مطلقا فانه لم يعرض ما في اللوح عليه ولا يعلم كل ما في اللوح الذي هو النفس الالهية التي قال فيها عيسى عليه السلام تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك وعيسى اعلم من آدم واذا كان عيسى من اولي العزم واعترف بعدم علمه بما في النفس الكلية فادم لا يعلم ذلك بالطريق الاولى فكيف بما في الروح الكلية وكيف بما في العقل الكلي وهو غصن من نور الانوار والحقيقة المحمدية والى ما ذكرنا يشير قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ه يعني ان الارض والسماء وهو كناية عن الكل ما وسعت ما اريد من احكام تكاليف عبادي واسرار افعالي وما يتعلق باركان الوجود الاربعة الخلق والرزق والممات والحيوة وانما يسعه قلب محمد وقلوب اهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله اجمعين واين ادم مما ذكر المصنف من مراده نعم هو تعالى علم ادم ما يحتمله وقولنا اي كل ما يحتمله مما هو قد كان حين التعليم والكلية عرفية
واما قوله { ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها } فلها اطلاقان اطلاق عام يصلح لاستشهاده لانها ح في مقابلة السوءي الا ان مراد المصنف كل اسم وربما انه لا يعلم ان الاسماء السوءي له من حيث يكره لان المراد بالاسماء الفعلية اذ الذات ليس لها اسم ولا يكون بازائها شيء غيرها فاذا كان المراد بالاسماء الفعلية صح نسبتها اليه كما في الحديث القدسي المشير الى ذلك قوله تعالى اني انا الله لا اله الا انا خلقت الخير فطوبى لمن اجريته على يديه وانا الله لا اله الا انا خلقت الشر فويل لمن اجريته على يديه واحاديث انه تعالى خلق الايمان والكفر وخلق الخير والشر لان الشر والسوء وكل شيء فالله خالقه الا ان الشر غير محب له ولا راض به ولكنه خلقه بمقتضى فعل العاصي ما يوجبه فانه لا يحب ان يضع الزاني نطفته في رحم الاجنبية وقد نهاه فاذا خالف الزاني امره تعالى وزنى والقى نطفته في رحم الاجنبية خلق الله منها ولد الزنا وان كان لا يحبه واذا غصب الظالم الذي نهاه الله عن الظلم حنطة زيد المؤمن عدوانا وزرعها في ارض عمرو ظلما وسقاها بالماء المغصوب ايضا فان الله يزرعه وينبت ما زرع لانه تعالى اعطى الحنطة والارض والماء ذلك الموجب والمقتضى تفضلا ولا يكون تعالى مانعا لما اعطى من فضله وليس معينا للزاني ولا للظالم ولكنه تكرم على خلقه فجعل لما خلق مقتضىات وجعل بعضها اسبابا فاذا فعل العاصي ما يقتضي شرا واتى بسببه وان كان منهيا عنه وجب في الحكمة ان يحدث ما اوجبه ذلك السبب وذلك المقتضى كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف يعني انه تعالى خلقها فرد عليهم فقال بل طبع الله عليها بكفرهم وما ظلمهم ولكنهم فعلوا ما يقتضي الطبع بعد ما نهاهم عنه وبين لهم كما قال تعالى وماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون فتمت كلمته وبلغت حجته وما ربك بظلام للعبيد فحيث خلق الشر بمقتضى فعل العاصي نسب اسمه الى فعله من حيث يكره فجعل الاسماء الحسنى اسماء لاهل محبته وطاعته ونسبها اليه وسمي نفسه بها ترغيبا لاهل طاعته لمحبته وكونها بامره وجعل الاسماء السوءي اسماء لاهل كراهته ومعصيته ونسبها اليهم لعدم محبتها ولكراهته لها ونسبها الى فاعِلي موجبها قال تعالى للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وقال ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه بان يسموا غيره باسمائه ظاهرا وباطنا اما ظاهرا فتسمية اللات والعزى الهة واما بان يتوالوا غير ما امر الله بولايته واسماء الولي هي الحسنى واسماء اعدائه هي السوءي روى الطبرسي باسناده الى داود بن كثير قال قلت لابي عبد الله عليه السلام انتم الصلوة في كتاب الله عز وجل وانتم الزكوة وانتم الحج فقال يا داود نحن الصلوة في كتاب الله عز وجل ونحن الزكوة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى فاينما تولوا فثَم وجه الله ونحن الايات ونحن البينات وعدونا في كتاب الله عز وجل الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والانصاب والازلام والاصنام والاوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير يا داود ان الله خلقنا فاكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على ما في السموات وما في الارض وجعل لنا اضدادا واعداء فسمانا في كتابه وكني عن اسمائنا باحسن الاسماء واحبها اليه تكنية عن العدو وسمي اضدادنا واعداءنا في كتابه وكني عن اسمائهم وضرب لهم الامثال في كتابه في ابغض الاسماء اليه والى عباده المتقين ه واعلم ان اسماءهم مشتقة من اسماء الله وهي اسماء الله الحسنى واسماء اعدائهم الاسماء السوءي كما سمعت في هذا الحديث الشريف وامثاله وهي من عكس الاسماء الحسنى اي اسماء المعاني المعاكسة لمعاني الاسماء الحسنى كالنور عكسه الظلمة والخير عكسه الشر والشجاعة عكسها الجبن والعقل عكسه الجهل وهكذا فاذا لاحظت ما ذكرنا ظهر لك ان مراده من الاسماء كل ما في علم الله وما في علم الله سبحانه حقائق الحسنى وحقائق السوءي وما يريده المصنف من الاسماء هي الحسنى فاستشهاده على الكل بالبعض كما ترى لانه لا يرى الاسماء السوءي مع انها في العلم نعم اذا اراد المصنف من العام ما نسبه الى نفسه تعالى منها وهي الاسماء الحسنى بالمعنى العام صح له كون المراد من قوله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها جميع الاسماء الحسنى خاصة والاطلاق الثاني الخاص والمراد منها التسعة والتسعون الاسم وعليه لا يكون فيه له شاهد فالتفضيل في الاطلاق الاول صوري بلحاظ الاسماء السوءي وان لم يكن فيها حسن فيكون التفضيل صوريا ومعناه الاسماء الحسنة وفي الثاني التفصيل يكون حقيقيا وفي قوله قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اياما تدعوا فله الاسماء الحسنى والمراد ان هذين الاسمين جامعان للاسماء ولذا كانا اخص بالله لعمومها والله اخص من الرحمن ويكون ازيد من الرحمن بالرحمن فانه يقع صفة لله ولا عكس لما قلنا من ان الله هو المتصف بصفات القدس وصفات الاضافة وصفات الخلق والرحمن متصف بصفات الاضافة وصفات الخلق فيكون لله من الاسماء ثمانية وتسعون وللرحمن منها سبعة وتسعون وهذان الاسمان باعتبار صفتيهما على التفسير الباطن هما الاسمان الاعليان اللذان اذا وصفا اجتمعا فقيل نبي ولي واذا سميا افترقا فقيل محمد علي فصفة الله في الباطن محمد والالف القائم بعد اللام الثانية عقله وصفة الرحمن في الباطن علي والالف المبسوط بعد الميم نفسه قال صلى الله عليه واله يا علي نفسك اوسع من الدنيا وقال الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها نحن الاسماء الحسنى التي امر الله ان يدعى بها فان اريد بها التسعة والتسعون فظاهر وان اريد بها ما في قوله قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اياما تدعوا فله الاسماء الحسنى فالاسماء الحسنى فاطمة عليها السلام والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام فانهم لمحمد نبيهم ولامير المؤمنين سيدهم ووليهم صلى الله على محمد وعليهم اجمعين هذا بعض التلويح فيما يليق بالاسماء الحسنى في الباطن واما ما يناسب كلام المصنف فهو يريد بها الاعيان الثابتة في علمه تعالى وهي شؤن ذاتيات للذات غير مجعولة لا مغايرة بينها وبين ذاته الا بالمفاهيم وباستعدادها الغير المجعول للقبول لتنزل صورها منها واشباحها التي هي حقائقه عند توجه امر كن اليها قال الملا محسن في الكلمات المكنونة : ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لما كان فماكونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه انتهى كلامه الذي اردت نقله وهو يعني العالم كله وهو الشؤن الذاتية المشار اليها ولا ادري اذا كان الشيء كامنا بالقوة ثم ظهر بالفعل وقابلا للكون ومستعدا للكون وصلوحه لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال للامر وما اشبه ذلك كيف يكون في القديم ويكون غير مجعول ولا يضر كونه في الذات وفي العلم الذي هو الذات ولا يقال له حادث ومجعول مع ما فيه من اختلاف الاحوال ما ادري ما يعنون بالحادث وبالذي يضر كونه في ذاته تعالى هل يريدون به اذا كان جدارا خاصة مبنيا من الطين والحجارة الكثيفة اما لو كانت الحجارة لطيفة صافية ربما يقولون لا يضر كونها في الذات بل هذا المراد فان من تلك الشؤن الكائنة في العلم الذي هو الذات الحق تعالى الجدار مع ما هو عليه من التأليف والتركيب والكثافة الا انه بنحو اشرف واعلى وما ادري اي شيء يعنون من القدم ومن الوحدة البسيطة حتى في العقول من هذا المعجون المركب من اشياء متمايزة والا لم تصلح ان تكون صورا علمية لانها غير مطابقة للمعلوم فاذا كان معجونا من اجزاء لا تتناهى كثرة واختلافا وتمايزا كيف مثل هذا يكون بسيطا وواحدا وحق معبودي الواحد الذي لا كثرة فيه كما اقول تبعا لساداتي وموالي ائمة الهدى عليهم السلام اني ابسط واقل اختلافا من هذا الذي يشيرون اليه وانه الكل في وحدة ويعبدونه فاني ابرأ الى معبودي من معبودهم الذي يصفونه بمثل ما سمعت واعظم والحاصل ان المصنف يعني بالاسماء حقائق كل شيء وهي التي في ذات الحق تعالى ربي موجودة بوجوده يعنون تبعية وجوده الذاتي بمعنى انه وجود واحد الكل والاختلاف والكثرة في المفاهيم وتلك الشؤن عند هؤلاء هي مفاتح الغيب ولهذا قال وعنده ويعنون في علمه الذي هو ذاته وقد يعبرون عنها بالصور العلمية وشاهد ما قلنا عليهم قول المصنف في تعليله بانها هي مفاتح الغيب
قال { اذ ما من شيء الا ويوجد في اسمائه تعالى الموجودة اعيانها بوجود ذاته على وجه اشرف واعلى الواجبة بوجوب ذاته الخ } فاذا كان كل شيء يوجد في اسمائه واسماؤه اعيانها موجودة بوجود ذاته اي مع وجوب وجود ذاته فلا فرق بينها وبينه بل ظاهر كلامه انها هي ماهية الحق تعالى او بمنزلة ماهيته لانه عند المصنف لا ماهية له وهو في قوله : كما ان ماهية الممكن موجودة بوجود ذلك الممكن الخ فاذا كان كذلك مع تعددها واختلافها وتأليفها وتركيبها فقد انتفي التوحيد وانتفت البساطة الحقية التي هي الوجوب ولكني ايها الناظر انصحك لله فلا تتبع اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وانا ارشدك على طريقة ائمتك ائمة الهدى عليهم السلام وهي ان الله عز وجل كان واحدا في ذاته لا كثرة فيه بكل فرض واعتبار ثم خلق المشية بنفسها وهي فعله وامكن به الامكانات والممكنات على وجه كلي وهذه هي المشية الامكانية ومحلها ومتعلقها الامكانات ووقتها السرمد وهذه الثلاثة هي الوجود الراجح ثم كون من الامكانات بمشيته ما شاء وهذه المشية هي الاولى الا انها تسمى بالمشية الكونية كما ان الاولى تسمى بالمشية الامكانية لان التسمية باعتبار المتعلق وخلق من المشية والمشاء مثاله المسمى عند اهل البيت عليهم السلام بالمقامات كما قال الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء ويسمونه الحكماء بالعنوان وهو الذي يعرف الله به لانه عبارة عن وصف نفسه لمحمد واله صلى الله عليه واله واظهر هيئة هياكله للانبياء عليهم السلام واظهر اثار تلك الهيئات على هيئتها للعارفين من المؤمنين وهكذا فيه عرف الله من عرفه لا غير ذلك وهو بمنزلة قائم من زيد وكما ان قائم يدل على فاعل القيام لانه اسمه مع انه مركب من فعله واثر فعله كذلك المثال فانه يدل على الصانع لانه الاسم الاكبر الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهو من الفعل اعني المشية واثره اعني الحقيقة المحمدية وكل ما صدر عن مشيته من ذات او صفة جوهر او عرض عين او معنى فعل او اثر لفظ او معنى مفهوم او مصداق ذهني او خارجي في الغيب او الشهادة او نفس الامر فهو اسم من اسمائه عز وجل الا ان اعلاها واقربها الاسم الاكبر وهو المثال اي المثل الاعلى ثم ابدال الاسم الاكبر وهي منه بمنزلة القيام من القائم وهو التوحيد وهي المعاني اربعة عشر معنى ثم الابواب واعلاها العقل الكلي وهكذا وكل اثر اسم لمؤثره الى الالفاظ وهي عالم برأسه مطابق لعالم الاعيان وفيه جميع ما يوجد في عالم الاعيان وافراده مختلفة في المراتب والشرف بحسب مسمياتها والاسماء رتبتها من المسميات رتبة الصفات من الموصوفات والظواهر من البواطن وكل الاسماء من جميع ما ذكرنا من المعنوية واللفظية اعلاها وادناها حادثة مخلوقة بفعله تعالى وفعله مخلوق بنفسه ووجوداتها كلها لم تكن شيئا ثم اخترعها اي وجوداتها لا من شيء لا اله الا هو خالق كل شيء
وقول المصنف { على وجه اشرف واعلى } يشير به الى ان كل شيء فحقيقته في ذات الله تعالى ربي بنحو اشرف واعلى من نفس الشيء وتلك الحقائق موجودة بوجوده اي مع وجوده وليست مجعولة والاشياء الظاهرة نزلت كنزول الاشعة من المنير وكنزول الاظلة من الشواخص وقد صرح به في هذا الكتاب وفي المشاعر وفي سائر كتبه والملا محسن ذكر كما نقلنا عنه فلاحظه ان المكون لهذه الظاهرة تلك الحقائق الغير المجعولة ولكن بالله وفيه وهذا في الكلمات المكنونة وقد تقدم ذكره وانما قالوا هذا لانهم يرون انهم متحدون بذاته وصفاتهم عين صفاته الذاتية وذلك انهم يعتقدون ان شيئا واحدا اذا نسب اليهم كان عبدا حادثا واذا نسب اليه كان ربا قديما قال الملا محسن في الكلمات المكنونة : كما ان وجودنا بعينه هو وجوده تعالى الا انه بالنسبة الينا محدث وبالنسبة اليه عز وجل قديم كذلك صفاتنا من الحيوة والعلم والقدرة والارادة وغيرها فانها بعينها صفاته سبحانه الا انها بالنسبة الينا محدثة وبالنسبة اليه قديمة لانها بالنسبة الينا صفة لنا ملحقة بنا والحدوث اللازم لنا لازم لوصفنا وبالنسبة اليه سبحانه قديمة لان صفاته لازمة لذاته القديمة وان شئت ان تتعقل ذلك فانظر الى حياتك وتقيدها بك فانك لا تجد الا روحا تختص بك وذلك هو المحدث ومتى رفعت النظر من اختصاصها بك وذقت من حيث الشهود ان كل حي في حياته كما انت فيها وشهدت سريان تلك الحيوة في جميع الموجودات علمت انها بعينها هي الحيوة التي قامت بالحي الذي قام به العالم وهي الحيوة الالهية وكذلك سائر الصفات الا ان الخلائق متفاوتون فيها بحسب تفاوت قابلياتها كما نبهنا عليه غير مرة وهذا احد معاني قول امير المؤمنين عليه السلام حيث قال كل شيء خاضع له وكل شيء قائم به غني كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف انتهى فتأمل في كلام هذا الذي يصفونه بالفيض هل هو من كلام اهل ملة الاسلام وقال في الوافي : فان قيل الاعيان واستعداداتها فائضة من الحق سبحانه فهو جعلها كذلك قلت الاعيان ليست مجعولة بل هي صور علمية للاسماء الالهية لا تأخر لها عن الحق سبحانه الا بالذات لا بالزمان فهي ازلية ابدية غير متغيرة ولا متبدلة والمراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا غير انتهى وقوله : والمراد بالافاضة جواب عن سؤال مقدر وهو اذا كانت فائضة عن الحق كانت حادثة اجاب بان المراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا بالزمان فهي ازلية ابدية الخ ولا يفهم ان المتأخر عن الذات لا يكون هو الذات اذ الذات لا تتأخر عن نفسها ولا نعني بالحادث الا المسبوق بالغير مع انه يلزمه انها اذا تأخرت غايرت الذات فاذا كانت قديمة تعددت القدماء ثم يكون هو منها فكيف مات القديم وان جعل حياته باقية لانها هي حيوة الله تعالى وانما نسبت اليه بالتخصيص الذي هو الحدود الموهومة او المتحققة في الامكان فقد جعل القديم يتجزأ وتتحدد ابعاضه او كله لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { كما ان ماهية الممكن موجودة بوجود ذلك الممكن مجعولة بجعل الوجود بالعرض الا ان الواجب بالذات لا ماهية له لانه محض حقيقة الوجود بلا شوب مرتبة لم يكن هو بحسبها غير موجود وهذا من الحكمة المضنونة بها على غير اهلها المختص بدركها الكمل من اهل الكشف والعرفان وهذه الاسماء ليست الفاظا وحروفا مسموعة وهذه المسموعات اللفظية هي اسماء الاسماء }
اقول يريد ان هذه الاسماء التي هي حقائق الاشياء والصور العلمية في الذات المقدسة بمنزلة الماهية للممكن فكما ان ماهية الممكن موجودة بوجود ذلك الممكن ومجعولة بجعل الوجود بالعرض لان الوجود موجود بنفسه والماهية موجودة بالوجود الا ان الوجود مجعول اولا وبالذات والماهية غير مجعولة بنفسها وانما انجعلت بجعل الوجود كذلك هذه الحقائق موجودة بوجود الواجب تعالى وحصلت بتبعية حصوله الواجب لكن الواجب لا ماهية له والا لكانت هذه الحقائق ماهيته لكنه محض حقيقة الوجود وكلامه كما تقدم محض حقيقة الغلط والبطلان كما ذكرنا اما اولا فلان الماهية هي الانية والهوية التي بها يكون الشيء شيئا وما لا ماهية له لا شيئية له والله سبحانه شيء بحقيقة الشيئية فلا ماهية لشيء الا آية لماهيته تعالى الا ان ماهيته هي وجوده بلا مغايرة بحال من الاحوال واما ثانيا فلان هذه الحقائق اذا كانت موجودة بوجوده ولاجل انها موجودة بتبعية وجوده كانت متأخرة عنه بالذات وما هو موجود بالتبعية غير ما هو موجود بالذات فلا يكون هو ذاته بل هو مغاير له واما ثالثا فلان قوله بجعل الوجود يدل بظاهره على انه مصنوع وهو لا يرضى به الا ان يكون اراد بالجعل تعليقه بماهيته فيلزمه مع ما بينا من حدوثه ان يكون قوله بان الماهية مجعولة بجعل الوجود بالعرض ان تعليقها بالعرض فتكون خارجة عن الذات وليس خارج الذات الا الامكان واما رابعا فانا قد بينا ان الوجود الممكن لا يكون الا حادثا لانه مشوب بغيره والمشوب لا يكون قديما ولو قالوا انه تنزل من الذات لكان التنزل ولادة وهو تعالى لم يلد ولكان المتنزل حادثا لتغير احواله وامكنته واوقاته ولو قالوا هو لم يتنزل وانما تنزلت اشباحه قلنا بينه وبين اشباحه افتراق او اجتماع فيكون حادثا ولو قالوا ليس بينهما افتراق ولا اجتماع قلنا اقتران واثنينية فيكون حادثا فان قالوا ليس ذلك قلنا يقولون هو ام يقولون هما فان قلتم هما لزم ما قلنا وان قلتم هو قلنا فانتم تلك الحقائق التي في الذات بلا مغايرة فانتم باعراضكم في الذات وان اعترفتم بحدوث الممكن وجب حدوث ماهيته التي هي العين الثابتة في الذات عندكم فيكون محلا للحوادث واما خامسا فاذا قلتم ان ماهية الممكن مجعولة بجعل الوجود ليس لها جعل بنفسها وهو باطل ايضا لانها مخالفة للوجود بل ضد له ولا يمكن ان يكون جعل خاص بشيء ان يكون جعلا لغيره كما لا تكون الحركة الخاصة باحداث الالف صالحة لاحداث الباء فلا بد لها من جعل غير جعل الوجود الا انه مترتب عليه بل ماكان الوجود والماهية الا باربعة جعلات جعل الوجود وجعل الماهية من جعل الوجود جزؤ من سبعين جزءا وجعل التلازم بينهما وجعل الالزام بينهما فهذه اربعة جعلات مترتبة على ترتيب الذكر كل لاحق جزء من سبعين جزءا من سابقه وبين كل واحد وبين الاخر سبعون سنة في الدهر وتظهر الاربعة في الزمان دفعة واما المجردات فبين كل واحد من الاربعة سبعون سنة مقدرة من السرمد في الجعلات وتظهر المجردات في الدهر دفعة فمعنى قولهم ان الوجود جعل اولا وبالذات والماهية جعلت ثانيا وبالعرض ان الوجود هو المقصود بالايجاد اذ به التذوت لكنه لما لم يمكن تحققه وظهوره بنفسه لانه بسيط وما سوى الله سبحانه لا يكون بسيطا كما قال الرضا عليه السلام ان الله عز وجل لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ثم قرأ عليه السلام ومن كل شيء خلقنا زوجين فلما تعذر خروج الوجود بدون الماهية خلق تعالى الماهية لاجل الوجود فلذا قيل جعلت ثانيا وبالعرض لانها غير مقصودة لذاتها لا انها ليست مجعولة بل مجعولة بجعل خاص بها غير جعل الوجود ومثال ذلك انت تشتري فرسا لك فاذا اشتريت الفرس احتجت لشراء جل لها فتشتري الجل لاجل الفرس فالفرس شراؤها لك اولا وبالذات والجل شراؤه ثانيا وبالعرض فهو مقصود بالشراء الثاني الا انه مترتب على شراء الفرس فافهم فقوله ان الماهية انجعلت بجعل الوجود ولا جعل لها وربما قالوا انها ما شمت رائحة الوجود فما ادري ما معنى كلامهم شيء من جملة الاشياء وضع له اسم لفظي بازائه ولاشم رائحة الوجود فان ارادوا تلك الاعيان الثابتة فقد قالوا انها ليست امورا خارجة عن الحق تعالى بل هي ذاتيات الحق تعالى وان ارادوا انها اذا اخذت من حيث مغايرتها للوجود فهي غير موجودة فان لم تكن مغايرة للوجود فمن اين جاءت سيئات المكلف وهذه المعاصي اشياء كيف تكون من لا شيء والحاصل ان كلامهم طويل عريض ولا اقدر على ذكره كله واذا ذكرت منه شيئا لو استقصيت في الرد خرج عن الحد ولكن قد اذكر شيئا من كلامهم واذكر قليلا على قليل منه تنبيها للغافلين ومن له في الكون حظلم يمت حتى يناله
وقوله { لانه محض حقيقة الوجود بلا شوب مرتبة لم يكن هو بحسبها غير موجود } نقول عليه اذا قال تلك الاعيان في علمه الذي هو ذاته وقال الاعيان الثابتة في ذاته وقال صهره في الكلمات المكنونة في كلمة يجمع بها بين نسبة المجعولية الى الماهية ونسبتها الى الوجود ونفيها عنها الى ان قال : فالوجود وجود ازلا وابدا والماهية ماهية ازلا وابدا غير موجودة ولا معدومة ازلا وابدا وليست هي في منزلة بين الوجود والعدم بل انما وجوداتها بالعرض وتبعية الوجود لا بالذات ولهذا لا يسمى وجودا بل ثبوتا ومن هنا يعلم ان الماهيات عين الوجود والحقيقة وان كانت غيره بالاعتبار انتهى فهذه الماهيات التي يشيرون اليها مرة انها عين الوجود ومرة ليست موجودة ولا معدومة وانها ثابتة لا موجودة هل هي في الذات لانها في العلم الذي هو الذات فقد حصل في الذات شوب مرتبة لم يكن هو بحسبها موجودا بمحض الوجود لانها ليست موجودة ام هي خارجة عن الذات وقد تقرر ان كل خارج عن الذات فهو ممكن لان القديم هو الازل والازل ذاته تعالى وليس كما يتوهمه الجهال من ان الازل ظرف مكاني او زماني والواجب تعالى في بعضه ولهذا يفرضون تعدد القدماء وعندهم ليس المانع من التعدد الا دليل التمانع او دليل الحكماء المستلزم للتركيب او دليل الفرجة المروي عن الصادق عليه السلام حيث خاطبهم بما يفهمون والا فلا يشكون في انه لولا مثل دليل التمانع المستلزم لفساد العالم ودليل الحكماء المستلزم للتركيب مما به الاشتراك ومما به الامتياز ودليل الفرجة المستلزم للكثرة لا الى نهاية لجاز التعدد في القدماء لان الازل عندهم واسع لا يتناهى فيسع كل ما يفرض كونه فيه بلا نهاية ويتوهمونه مكانا مرة وتارة وقتا فيقولون هو في الازل ويريدون المكان وربما يستدل من قرأ خطبة النبي صلى الله عليه واله يوم الغدير في قوله عليه السلام واحاط بكل شيء علما وهو في مكانه وقد يقولون الازل سابق للدهر وهو الازلي يعنون قبل كل شيء والابدي يعنون بعد كل شيء وكل ذلك لعدم معرفتهم بالازل وبما يقولون وما يلزمهم من قولهم فانه اذا كان في الازل والازل ظرف له وقتي او مكاني تعددت القدماء لانه تعالى قديم والازل قديم وربما ذهب بعضهم ومنهم المصنف الى انه اعتباري لا تحقق له ولا ثبوت له في الخارج كما قالوا في القدم والوجوب والامكان محتجين بانه لو كان القدم والازل موجودين لكان القدم قديما فيكون له قدم ويكون للازل ازل وللامكان امكان وما اشبهها من الامور الاعتبارية عندهم ويلزم الدور او التسلسل وكل ذلك لعدم معرفتهم وعدم معرفتهم نشأ من اخذهم معارفهم وعلومهم من غير اهل الحق ائمة الهدى عليهم السلام لان النبي واهل بيته صلى الله عليه واله اقروا الناس على ظاهر المعرفة ووعدوا من امن منهم وعمل من الصالحات بالجنة كما قال تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون فاصابة الحق لا يكون الا لرجلين رجل نظر وروى اخبارهم عليهم السلام وعرف الحق من عندهم بالتسليم لهم والرد اليهم فعرفوه بالالهام حقهم ومعاني اخبارهم ومراداتهم صلى الله عليهم ورجل لم يخرج في معرفته عما عليه ظاهر المؤمنين وترك كل ما خالفه من كلام الحكماء والصوفية ورموزاتهم وترك توغلاتهم مما يخالف ما عليه عامة المؤمنين والمسلمين واما من اتبع اولئك ودخل معهم في توغلاتهم وتلوناتهم فانه لا يصيب الحق ولقد رويت بطرقي المتصلة الى هرون بن موسى التلعكبري عن محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عن زيد الزراد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اطلبوا العلم من معدن العلم واياكم والولائج فهم الصادون عن الله ثم قال عليه السلام ذهب العلم وبقيت غبرات العلم في اوعية سوء واحذروا باطنها فان في باطنها الهلاك وعليكم بظاهرها فان في ظاهرها النجاة ه والمراد باوعية السوء الناس غير الشيعة كما قال عليه السلام ان لنا اوعية نملؤها علما وحكما وليست لها باهل ومانملؤها الا لتنقل الى شيعتنا فانظروا الى ما في الاوعية فخذوها ثم صفوها من الكدورة تأخذونها بيضاء نقية صافية واياكم والاوعية فانها وعاء سوء فتنكبوها ه رويته بالطريق المذكور الى زيد قال حدثنا جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت ابا جعفر عليهما السلام يقول الحديث والعجب العجيب كيف يتركون مذهب ائمتهم عليهم السلام ويتبعون مذهب مخالفيهم ويأولون ما ورد عن ائمتهم عليهم السلام الموافق لما عليه عامة المسلمين الى مراد مخالفيهم المخالف لما عليه عامة المسلمين ويقولون مع ذلك كله هذا مراد الائمة عليهم السلام حتى انهم يقولون ليس لله تعالى ان شاء فعل وان شاء ترك وليس لله لو شاء ان يهدي الناس هدايتهم وليس له في جميع افعاله الا وجه واحد كما ذكره الملا محسن في الوافي ومن ذلك اتفاق ائمتنا عليهم السلام على ان مشية الله وارادته حادثة لم يرد عنهم خبر يوهم خلاف ذلك وهؤلاء اتفقوا على ان ارادة الله تعالى قديمة وانها عين ذاته تعالى وان هذا مذهب الائمة عليهم السلام حتى ان المصنف ذكر الارادة في كتابه الكبير الاسفار وانها قديمة وهي عين ذاته واطال في ذلك الكلام جدا وهو يستدل على قدمها من العقل والنقل الى ان قال فعلم من هذه الايات ونظائرها ان ارادته تعالى للاشياء علمه بها وهما عين ذاته تعالى واما الحديث فمن الاحاديث المروية عن ائمتنا وساداتنا عليهم السلام في الكافي وغيره في باب الارادة ما ذكر في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال قلت لابي الحسن عليه السلام اخبرني عن الارادة من الله ومن الخلق فقال الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق فارادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ه ولعل المراد من الضمير تصور الفعل وما يبدو بعد ذلك واعتقاد النفع فيه ثم انبعاث الشوق من القوة الشوقية ثم تأكده واشتداده الى حيث يحصل الاجماع المسمى بالارادة فتلك مبادي الافعال الارادية القصدية فينا والله سبحانه مقدس عن ذلك كله انتهى ما اردت نقله من كلامه وهو طويل فبالله عليك تأمل حال هذا هو واتباعه في زعمهم ان الارادة قديمة وهي عين ذات الله سبحانه ويستدلون على دعويهم بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح في خلاف دعويهم فانه عليه السلام قال واما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك وقال فارادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون والمصنف يقول مراد الامام عليه السلام انها قديمة وانها عين ذاته تعالى تأويلا لكلامه عليه السلام على كلام ائمته الصوفية الذين هم واتباعهم الولائج الصادون عن الله والامام عليه السلام اياهم عني وانت ايها الناظر اذا كشف الله لك عن بصيرتك ونظرت في كتبهم وجدت انهم ما ادركوا من الاقبال معشار عشير من الادبار وقوله { وهذا من الحكمة المضنونة بها على غير اهلها } المضنونة قياسه ان يقول المضنون لان الوصف جار على غير من هو له وهو بالضاد المعجمة بمعنى المبخول بها كما في قوله تعالى وما هو على الغيب بضنين اي ببخيل على قراءة الضاد وعلى قراءة الظاء المؤلفة بمعنى متهم ويريد به المصنف ان ما ذكره من الاسرار التي بخل بها كبار الصوفية واتباعهم من الحكماء عن غير امثالهم لان غيرهم لا يقبلها وهو كما قال وذلك لان غيرهم احد الرجلين اما رجل وفقه الله لاقتفاء اثر ائمة الهدى عليهم السلام فبصره الله ببركة اتباعهم الهدى والضلالة فلم يقبل كلام المصنف والصوفية هداية من الله سبحانه واما رجل اخذ بظاهر ما عليه عامة المسلمين وترك ما خالفه فلم يقبل كلامهم لانه مخالف لما عليه عامة المسلمين ومراده من الكمل كبار الصوفية ومن وافقهم كابن عربي والغزالي والبسطامي وابن عطاء الله وعبد الكريم الجيلاني وامثالهم وابي نصر الفارابي
وقوله { وهذه الاسماء ليست الفاظا } قد تقدم الكلام عليه
قال : { والمعتنون بهذا العلم حققوا ودونوا مسائل كثيرة فيه على النظم الحكمي على ترتيب الحكمة الرسمية المبتني على مبادي وموضوعات واقسام اصلية وفرعية ومطالب وغايات لانقسام اسمائه العظام الى جواهر واعراض واعراضها الى مقولات تسعة من كم وكيف واين ووضع ومتى واضافة وجدة وفعل وانفعال على ان الجميع بسائط عقلية موجودة بوجود واحد واجب لذاته وهذا من عجائب اسرار عظمة الله }
اقول قوله بهذا العلم الظاهر ان المراد من هذا العلم علم الحكمة النظرية التي هي علم باحوال اعيان الموجودات على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية ويحتمل ان يراد منه العلم الجفري المتعلق باحوال الاسماء اللفظية للتصرف في الاسماء المعنوية وعلى الاول لا يشار به الى كل ما يتضمنه حد الحكمة بل الى ما يتعلق بالصفات لانها هي الاسماء ويبحثون فيها فيما يتعلق بموضوعاتها وعلل اكوانها ومباديها وغاياتها وما يتبع ذلك من كونها اصلية او فرعية لانها تنقسم الى جواهر واعراض والجواهر الى مفارقات وبرازخ وماديات والى علويات وسفليات والى ثابتة ومتغيرة والاعراض الى لازمة وغير لازمة والى قارة وغير قارة والى صدورية وظهورية وتحققية وعروضية وكلها الى المقولات التسع كم وكيف واين ومتى ووضع واضافة وملك وفعل وانفعال عند الحكماء او الى اثنين وعشرين عند المتكلمين عشرة مشروطة بالحيوة وهي القدرة والاعتقاد والظن والنظر والارادة والكراهة والنفرة والشهوة والالم والادراك واثنا عشر غير مشروطة بها وهي الحيوة والاكوان والالوان والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والاصوات والاعتماد والتأليف وزاد بعضهم البقاء وزاد بعض الفناء عرضا لا في محل فهذه اربعة وعشرون عرضا على اختلاف الحكماء والمتكلمين في الاعراض والمتكفل به علم المبدء لان كل ما يتضمن حد الحكمة يبحثون فيه ايضا عن المسمى بل عن ذاته تعالى عن ذلك والصوفية قد يطلقون الاسم على الذات المتصفة بالصفات كمسمي الله ونحن نقول اعلى ما يصدق عليه الاسم العنوان الذي يسمونه الائمة عليهم السلام بالمقامات والعلامات ثم الفعل ثم المعاني ثم الابواب وهكذا وقد بينا سابقا ان المقامات مثل القائم لزيد وهو الفعل ومحله الحامل له كالحديدة المحمية بالنار وان الفعل كالحركة التي بها احدث زيد القيام والفعل تتعدد اسماؤه باعتبار متعلقه كالمشية والاختراع وكالارادة والابداع وكالقدر والقضاء والامضاء والاذن وان المعاني اثر فعله كالقيام وهي معاني افعاله كالحقيقة المحمدية وان الابواب هم الملائكة العالون كعقل الكل وروح الكل ونفس الكل وطبيعة الكل وعلى الثاني ما يبحثون فيها على حسب مطالبهم ويقولون ان اللفظية محل المعنوية ومتعلقها وصفتها وظاهرها كما قال امير المؤمنين عليه السلام الروح في الجسد كالمعنى في اللفظ ه فكما ان الجسد محل الروح ومتعلقها وصفتها وظاهرها وكل ما يراد ان يتوصل به الى الروح فانما هو بواسطة الجسد فكذلك اللفظ الذي هو للمعنى بمنزلة الجسد للروح ويتصرفون فيها بحسب مطالبهم عند ارادة اتصال الطالب بالمطلوب بمزج اسم الطالب باسم المطلوب ويوسطون بين الاسمين اسم المالك المطلوب منه الحاجة وهو الله سبحانه وتعالى ويمزجون بين حروفها بالتكسير الكبير او المتوسط او الصغير او بالتبديل الحار بالبارد والرطب باليابس او العكس او بالتعديل بزيادة الحروف المعدلة او بالتبديل كبسط الطبيعي وبسط الغريزي وبسط الترفعي بالترقي بالاحاد الى العشرات وبها الى المأت وهكذا او بالتوليد كالتضارب واخذ المناسب او المواخي او المعادي او المحابب او المباغض او بالظلمانية بالنورانية او بالعكس او بتعديل القوى بالتكسير المتوسط او بالوفق او بمراعاة المسرودة والملفوظة والمكتوبة وما اشبه ذلك مما هو مذكور في علم الهيمياء ويجذبون بها معانيها اي الاسماء المعنوية وينزلونها الى مطالبهم فيسخرون بها الملائكة والجن والخلق والكواكب والعناصر والمعادن والنباتات وسائر الحيوانات وكل ذلك بما اودع في اسمائه تعالى من ازمة امور الاشياء كلها ذلك تقدير العزيز العليم
وقول المصنف { على ان الجميع بسائط عقلية } يشير به الى ان كل الاسماء مجردات وليس كما قال بل منها مجردات كالتي عناها من الصور العلمية ومنها ماديات ومنها اعراض جسمانية ومنها برازخ ومنها الفاظ وكيف لا تكون اسماء الاسماء اسماء وتكون اعراض الاعراض اعراضا فان صفة الصفة صفة كما هو مقرر مما لا اشتباه فيه والفقهاء من علمائنا رضوان الله عليهم اجمعوا على تحريم مس نقش اسم الله للمحدث مع انه ظرف للفظي ويطلقون على النقش الاسم حقيقة ولكن جعل اللفظي او النقش الدال عليه ليس باسم لله تعالى جهل وغباوة
وقوله { موجودة بوجود واحد واجب لذاته } يشير به الى انها موجودة بوجود الله تعالى وقد قلنا سابقا هل هي في ذاته ام خارج ذاته وعلى الاول هل هي غيره بان يعلم بان في ذاته شيئا غيرها ام لا وعلى الفرض الاول من الاول هل هو محيط بها ام هي محيطة به ام متمازجان وعلى الثاني من الاول هل مفهومه مغاير لمفهومها ام لا فعلي كونه في ذاته مغايرة له ان كان محيطا بها كان ظرفا لغيره وان كانت محيطة به كان محصورا وان كانا متمازجين لم يكن صمدا لانه ايضا ظرف وللغير فيه مدخل وعلى كونها عين ذاته وغيرها بالمفهوم كما يقوله هؤلاء يكون بسيطا باعتبار ومركبا باعتبار وهم يقولون اية ذلك ان الصور المتعددة في المرايا لشخص واحد وجودها نفس وجود ذلك الشخص ولهذا اذا تحرك تحركت بحركته لان وجودها نفس وجوده وليس الامر كما يظن لان الصور في المرايا ليس وجودها نفس وجود المقابل والا لمافقدتها ذاته في حال وانما وجودها هيئة صورته المنفصلة لان صورته المتصلة ليست هي التي في المرءاة وانما التي في المرءاة هيئتها الاشراقية وهي كالشعاع الواقع على الجدار من الشمس والشعاع وجوده من اشراق الشمس وكثافة الجدار ماهيته يتوقف ظهوره عليها وكذا الصور التي في المرايا فانها هيئات صورة المقابل وهي الهيئات المنفصلة بمعنى انها ليست هي العارضة على الشخص لا بمعنى انها منقطعة عن الهيئة العارضة بل تستمد منها وجودها مددا سيالا وهذا المدد هو وجودها وماهيتها هيئة المرءاة كما تقدم فوجود هذه الصور من اشراق الهيئة العارضة وهو في فيضه واحد من الهيئة العارضة ولكنه منبسط على المرايا فهو متكثر في المرايا وليس هو وجود العارضة على الشخص لانه من اشراقها فضلا عن ان يكون هو وجود الشاخص واين هذا من ذاك وانما اكرر هذا ومثله ليستقر في اذهان الناظرين اذ بدون الترديد والتكرير لا يكاد يستقر لعدم انسهم بمثل هذه الحكمة
قال : { قاعدة, فاعلية كل فاعل اما بالطبع او بالقسر او بالتسخير او بالقصد او بالرضا او بالعناية او بالتجلي وما سوى الثلاثة الاول ارادي البتة والقسمان الاولان خاليان عن الارادة البتة واما الثالث فيحتمل الامرين وصانع العالم فاعل بالطبع عند الدهرية والطباعية وبالقصد مع الداعي عند بعض المتكلمين وبالقصد الخالي عنه عند الاكثر منهم وبالرضا عند الاشراقيين وبالعناية عند المشائين وبالتجلي عند الصوفيين ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات }
اقول قال المصنف في الكتاب الكبير : واذا علمت اقسام الفاعل فاعلم انه ذهب جمع من الطباعية والدهرية خذلهم الله الى ان مبدء الكل فاعل بالطبع وجمهور المتكلمين الى انه فاعل بالقصد والشيخ الرئيس وفاقا لجمهور المشائين الى ان فاعليته للاشياء الخارجية بالعناية والصور العلمية الحاصلة في ذاته على رأيهم بالرضا وصاحب الاشراق تبعا لحكماء الفرس والرواقيين الى انه فاعل الكل بالمعنى الاخير وسنحقق لك في مستأنف الكلام في الاصول الاتية ان شاء الله تعالى ان فاعل الكل لا يجوز اتصافه بالفاعلية باحد الوجوه الثلاثة الاول وان ذاته ارفع من ان تكون فاعلا بالمعنى الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرار التكثر بل التجسم تعالى عن ذلك علوا كبيرا فهو اما فاعل بالعناية او بالرضا وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار بمعنى ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل لا بالايجاب كما توهمه الجماهير من الناس فان صحة الشرطية غير متعلقة بصدق شيء من مقدمها وتاليها بل وجوبه او كذبه بل امتناعه الا ان الحق هو الاول منهما فان فاعل الكل كما سيجيء يعلم الكل قبل الوجود بعلم هو عين ذاته فيكون علمه بالاشياء الذي هو عين ذاته منشأ لوجودها فيكون فاعلا بالعناية انتهى كلامه وقد فسروا الفاعل بالطبع فقالوا الفاعل بالطبع من يصدر عنه الفعل بمقتضى طبيعته بلا شعور منه بما فعل ولا ارادة ويكون فعله ملائما لطبعه والفاعل بالقسر هو الذي يصدر عنه الفعل بغير ارادته سواء كان عن شعور ام لا ويكون على خلاف محبته والفاعل بالتسخير هو الذي يصدر عنه الفعل بمقتضى ارادة المسخر وداعيه ويكون ذلك منه اعم من شعوره وارادته ورضاه والفاعل بالجبر هو ان يفعل المختار بغير اختياره بل بارادة مجبره والفاعل بالقصد هو الذي يفعل بارادته لغرضه المقصود بفعله سواء كان بسبب معونة حصول الدواعي وانتفاء الموانع ام بنفس ارادته والفاعل بالرضا وهو الذي يكون علمه الذاتي علة لوجود مفاعيله وعين معلوميتها له عين وجودها عنه وعلمه بها عين فعله لها بلا اختلاف في شيء من ذلك والفاعل بالعناية وهو الذي يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخبر في ذلك الفعل في نفس الامر فيفعل عن ذلك العلم من غير قصد زائد على ذلك العلم والفاعل بالتجلي هو ان يلقي مثاله في هويات الاشياء بحسب قوابلها اقول وهذه التعاريف لهذه المعاني وكل من قال بواحد من هذه الثمانية اراد منه ما ذكرنا وفيها كلها مناقشات منهم فكل واحد من اهل هذه الاقوال يناقش فيما سوى ما اختاره والمصنف هنا وفي سائر كتبه قال ما سوى الثلاثة الاول ارادي البتة والقسمان الاولان خاليان عن الارادة البتة واما الثالث فيحتمل الامرين واقول اما ما كان بالطبع فلا ينافي الارادة بل قد يكون مع الارادة اذ قد يريد مقتضى طبيعته فيقع الفعل بالداعيين وما قيل من انه ما لا يكون له داع غير ميل الطبيعة لا ينافي مشاركة الارادة لما قررنا في كثير مما كتبنا من ان كل حادث فهو من الوجود وليس بعد الله عز وجل غير الوجود وهو شعور واختيار وارادة وتمييز وفهم وحيوة فكل شيء فيه هذه الصفات بحسبه فما كان قريبا من المبدء كانت فيه هذه الاوصاف اقوى وما بعد كانت اضعف فالاقوى كنوع الانسان والاضعف كالجمادات وما بينهما بنسبة مرتبته من الوجود فالحجر ينزل بطبعه هذا في الظاهر واما في الواقع فكما قررنا في الفوائد وشرحها ان الحجر خلقه الله من اسفل مراتب الوجود وفيه ما في الانسان بنسبة وجوده ولهذا يسبح الله فقال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال تعالى وخلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون فقال تسبيحهم ويسبحون ولم يقل تسبيحها ويسبحن بل ذكرهم تعالى بضمير العقلاء وكذلك قوله تعالى فقال لها اي للسماء وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ولم يقل طائعات والاخبار الدالة على تكليف الجماد والنبات اكثر من ان تذكر وكل ذلك لا يكون الا مع الشعور والاختيار والارادة واما الحجر في نزوله بطبعه فهو مختار ومريد للنزول لان الله سبحانه وكل به ملكا ينزل به الى ما يريد سبحانه وركز في طبيعته شهوة طاعة الملك فهو ينزل ظاهرا بطبعه وباطنا باختياره وارادته واذا دفعه دافع الى الهواء صعد حتى تنتهي قوة الدافع وحقيقته ان عضو الدافع وكل الله به ملكا اقوى من الملك المنزل للحجر وركز في الملك المنزل محبة طاعة الملك المصعد وشهوتها فيرفع الحجر بشهوته وارادته تبعا لشهوة الملك المنزل وارادته حتى تنتهي قوة الدافع التي هي طبق قوة الملك المصعد فينزل بالحجر كذلك فهو في نزوله بطبعه ومختار ومريد وكذا في صعوده بالدفع الا ان ارادته للصعود لذاته ناقصة والدافع متمم لها واعلم ان ما ذكرته وان كان بعيدا عن افهام الناس الا انه مذهب ائمة الهدى عليهم السلام وما ذكرته لك فهو معقوله والكتاب والسنة ناطقان بذلك وبادلته ولكن يطول الكلام بذكرها فقول المصنف بان ما كان بالطبع فهو خال عن الارادة البتة جار على مذاق العوام واما الخواص فعندهم ان ليس في العالم شيء بالقسر بل كله اختيار ولكن هذه الثمانية التي ذكر كلها مختارة مريدة الا ان الاختيار في سبعة منها ناقص وهي ما سوى ما بالقصد فانه يقع بارادة واختيار تامين اما الثلاثة الاول فهو يوافقنا على عدم وجود اختيار تام فيها فلا تصلح لفاعلية المختار واما ما كان بالرضا فانه اذا قال علمه الذاتي علة لوجود مفاعيله فان اراد بالعلة علة الكون فالعلم من حيث هو علم لا يكون علة الكون وانما علة الكون الذات اذ العلم من حيث هو لا يكون مؤثرا وان اراد علة التكوين فلا تكون الا للفعل لان العلم ليس هو المكون به ولا المكون فلا يصلح الفعل بالرضا خاصة من القادر المختار الا كونه مصاحبا للفعل بالقصد واما الفاعل بالعناية فيلزم منه اما الجبر في الافعال الاختيارية واما كون الاشياء قديمة غير مجعولة والكل باطل لعدم القصد الزائد على العلم ولمساواته للايجاب لان الموجب هو الذي لا يتخلف عنه مفعوله والفاعل بالعناية اذا كان علمه الذي هو ذاته هو العلة لا غيره وهو علة تامة فقد كان فاعلا بالايجاب وهذا ظاهر واما ما كان بالتجلي كما تقوله الصوفية وهو ان يلقي الفاعل مثاله في هويات الاشياء بحسب قوابلها فاذا ارادوا به ان الهويات هي الصور العلمية الغير المجعولة سواء قيل انها في علمه الذي هو ذاته ام معلقة به كالظل بذي الظل فهذا باطل لاستلزامه اثبات اشياء غير الله سبحانه لم يكن محدثا لها وان ارادوا به ان الهويات الملقي فيها هي نفس القوابل وانما قيل بحسب قوابلها ان الملقي وهو المثال قد تختلف جهاته وكمياته وكيفياته ورتبه وامكنته واوقاته واوضاعه وما اشبه ذلك من المشخصات وهذه هي حدود القابلية والانفعال المسمى بالصورة وبالماهية بالمعنى الاول كما مر وهي من نفس المثال الملقى من حيث نفسه وهو متقدم بالذات مساوق لها في الظهور كالكسر والانكسار وان المراد بالالقاء تحقق المثال وظهوره بشرائط الظهور والتحقق التي هي المذكورة وان المراد بالمثال هو وصف الله نفسه الفهواني لعبده وهو الوصف المحدث الذي ظهر به لعبده وهو حقيقة عبده منه تعالى وهو المسمى بنور الله في قوله عليه السلام فانه ينظر بنور الله وهو الفؤاد لعبده وهو المسمى بالوجود عندهم وهو المادة عندنا فان ارادوا هذا كما ذكرنا فهو حق وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى ما ذكرنا بقوله لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وكل جزئي مما ذكرنا ان ارادوا غيره فهو باطل وكل ما ذكرنا قد ذكرنا ما يدل عليه دلالة قطعية ونذكر فيما بعد وان ارادوا بالمثال شيئا ليس بمجعول فهو باطل لان الالقاء لا يتعلق الا بالحادث لانه انزاله من رتبته الى غيرها وان جعلوه حادثا وجعلوا الهويات الملقي فيها ليست مجعولة فهو باطل لان الحادث مجعول ولا يحل مجعول في غير مجعول وان جعلوها مجعولة وهي لم تكن صورة المثال المجعول كان الحاصل منهما مركبا وليس ذاتا واحدة فهو باطل وان جعلوا المثال هو الفعل فهو باطل لان المثال هو الملقي والفعل هو الالقاء والحاصل انه تعالى انما خلق المادة للمخلوق والمخلوق لا يقدر على الظهور بدون ضميمة هي هويته وهي الماهية بالمعنى الاول كما تقدم والصورة فخلق له ثانيا وبالعرض الماهية على تفصيل ما مر فراجع
وقول المصنف في كتابه الكبير كما نقلنا وان ذاته ارفع من ان تكون فاعلا بالمعنى الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرار التكثر بل التجسم تعالى عن ذلك علوا كبيرا يريد بالرابع ان يكون فاعلا بالقصد غلط دخل عليه من قواعده التي منها انه يفعل بذاته وتعالى عن ذلك علوا كبيرا لانه يلزم منه ما يذهب اليه من ان الخلق تنتهي الى ذاته ومعلوم ان من انتهى غيره اليه فهما حادثان لما يلزم بينهما من الاتصال او الانفصال والافتراق او الاجتماع ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ه وانما هو فاعل بفعله وفعله مشيته وارادته كما تقدم في حديث الكاظم عليه السلام وفعله تعالى واحد الى كل شيء كما قال تعالى وما امرنا الا واحدة وقال ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة الا انه له رؤس بعدد جميع الخلق كل رأس يتعلق بممكن يحدثه لا يصلح لاحداث غيره والفعل خلقه الله بنفسه اي نفس الفعل واقامه بنفسه قيام صدور وتحقق ولا كيف له لان الكيف انما حدث به فالقصد التخصيصي التشخصي منسوب الى خصوص الرأس المختص بالمقصود لما بينهما من التوافق وان كان بالله تعالى هذا وصف في الغائب ونظيره في الشاهد انه اذا حلت الشمس برج الحمل سخن العالم السفلي بحرارة الشمس لقربها من افقنا وكان موافقا لوجود الرطوبة من فصل الشتاء فاجتمعت الحرارة والرطوبة اللتان جعلهما الله علة الكون فينبت النبات وكل شجرة بل كل ورقة لها حصة من علة الكون لا تصلح لغيرها فتنبسط علة الكون وهي واحدة على جميع الاشجار والنبات والورق والثمر وكل شيء له حصة منها تختص به لا تصلح لغيره والمخصص الذي عنه القصد ارادة الله تعالى وهي فعله فقال تعالى يسقي بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل فالتفضيل لبعض على بعض لا يكون بالاهمال والاتفاق بدون قصد كما تقوله الدهرية ولا بنفس الذات البحت تعالى لما يلزم من المفسدة فلم يبق الا برؤس الارادة واما الاضطرار فانما يلزم على القول بالرضا او بالعناية كما ينطق به تعريفهما لمن يطلب صريح الحق القول بالايجاب واما التكثر والتجسم فانما يلزم بانه تعالى فاعل بذاته وان الخلق ينتهي الى ذاته تعالى لاختلاف احوال ذاته فانه قبل الفعل وحده وبعد الفعل كان معه غيره وقبل الفعل غير فاعل وبعد الفعل فاعل فاذا نسبت الحالتان الى ذاته جاء المحذور ولا يجيء شيء منه اذا قلنا انه تعالى قبل الفعل انما هو هو وبعد الفعل كان الفعل ليس في الازل الذي هو الذات الحق تعالى بل هو في رتبة الوجود الراجح وهو نفس الفعل والمشية والارادة الاسماء متعددة والمعنى واحد كما قال الرضا عليه السلام لعمران الصابي المشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد وكان الفعل دون الازل في السرمد الذي هو الوجود الراجح ومحله الامكان المسمى بالعمق الاكبر كما في دعاء السمات وكان المفعول دون الفعل في الدهر وعالم الكون فما دونه في الزمان فلم تتغير حالة ذات الحق تعالى بل كان ولم يكن معه غيره وهو الأن على ما كان وتغيير الاحوال انما هو في الفعل باعتبار متعلقه فالفعل والامكان والسرمد خلقها الله وهي الوجود الراجح لم يظهر شيء منها قبل الاخر وهو عندنا هو الوجود المطلق والعقل الكلي والدهر والممكن هي الوجود المقيد بالقيود والشرائط وان كان بعضها ابسط من بعض بمعنى اقل تركيبا وشرائط ومحدد الجهات والزمان والمكان هي عالم الاجسام على تفصيل ربما نذكره والحاصل القول الحق ان فاعل العالم فاعل بالقصد والاختيار كما قاله المتكلمون وان كان على غير ما فهموا وقول المصنف { وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار الى اخره } يعني بالوجهين بالعناية او بالرضا لانه في بعض كتبه رجح انه فاعل بالرضا وفي بعضها رجح انه فاعل بالعناية ومن عرف معنى ما ارادوا منهما قطع بان الفاعل باحدهما لا يكون مختارا ولكن المصنف لما نسب الفعل الى نفس الذات وحكم بانتهاء الخلق الى الحق تعالى فحكم بربط الحادث بالقديم لا يسعه تفريعا على ذينك الاصلين الا القول بالوجهين ولم يجسر على انكار الاختيار قال وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار والاختيار الذي فسره صاحب الشريعة صلى الله عليه واله ومعناه انه ان شاء فعل وان شاء ترك لان هذا هو المعنى الذي تفهمه سائر المكلفين وحيث امره الله عز وجل بالتبليغ اوحي اليه وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم وقومه صلى الله عليه واله لم يفهموا من معنى الاختيار الا هذا فان كان معناه غير هذا فمابلغ رسالة ربه وانا والمؤمنون نشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه واله عبده ورسوله وانه قد بلغ عن الله جميع ما امره كما امره فصدق الله وصدق رسوله وبلغ المرسلون ما امروا به وان اله الذين هم خلفاؤه ادوا ما ادي اليهم كما امرهم وحفظوا ما استحفظهم اللهم صل على محمد واهل بيته الطيبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين والمصنف لاجل التطبيق على القول باحد الوجهين اي الرضا او العناية فسر الاختيار بما يلزم منه الاضطرار فان تفسيره انما يخفي علي من لم يسلك طريق اهل العصمة عليهم السلام واما من اقتصر علي سلوك طريقهم صلى الله عليهم فلا يكاد يخفى عليه شيء من الحق فقال فاعل بالاختيار بمعنى ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل لا بالايجاب وانا اقول هذا التفسير عين الايجاب وذلك لان المشية عنده هي الذات فيكون معنى ان شاء فعل ان الذات فعلت وقوله { وان لم يشأ لم يفعل } معناه الذات ما فعلت ويكون المعنى انه ليس كل ممكن في العقل خلقه نعم لو قال كما نقول بان المشية هي الفعل صح له نصف كلامه وهو ان شاء فعل لان هذا مما لا ريب فيه واما المغالطة في التعبير فشيء لا يحتاج الى بيانه هنا لان المعنى ظاهر انه اذا اراد ان يفعل فعل واما النصف الاخر فانه وان قال بحدوث المشية لم يكن لقوله وان لم يشأ لم يفعل معنى غير انه اذا لم يفعل لم يفعل وان فرضها مغايرة للفعل صح له ظاهرا الثاني ولكن ليس هذا معنى الاختيار الكامل لان المختار الكامل يفعل بارادته ويترك بارادته لا انه اذا لم يرد لم يفعل لان هذا معلوم ضرورة ولو تنزلنا قلنا ان قال بحدوث المشية والارادة صح ان قوله ينفي الايجاب ولكن الاشكال توجه عليه من جهة قوله بان المشية هي الذات تعالى فان المعنى يكون الذات فعل والذات لم يفعل فان هذا لا ينافي الايجاب فان القائلين بالايجاب لا يقولون بان كل ما يمكن كونه تكوينا متصلا بالازل لانهم لا ينكرون تجدد ما تحت فلك القمر آنا فانا وان قالوا بانه تعالى علة تامة والعلة لا يتخلف عنها معلولها كما نقل عن ثاليس الحكيم الملطي لانهم يريدون انه تعالى علة تامة في الفاعلية وجملة العالم من حيث المجموع وجد بلا فصل ولكنهم لا ينكرون الشؤن المتجددة بانها لم تكن قبل هذا التجدد المحسوس ولا ينكرون امكان ايجاد شخص يمشي في اصفهان فمن انكره بناء على ما يذهبون اليه من انه ليس له تعالى الا وجه واحد في الاشياء فلا يعلم شخصا كذلك والا لوجب ايجاده فانا به مؤمنون وبالجملة الفاعل المختار الذي يفعل بارادته ويترك الفعل بارادته لا انه هو الذي اذا لم يرد لم يفعل لان هذا معلوم عندنا وليس من معنى الاختيار وانما هو من المضحكات
وقوله { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات } يريد به هو واهل ملته من كبار الصوفية ما اشرنا اليه في شرح المشاعر من زعمهم ان الله تعالى ربي سلك بكل من طلب معرفته طريقا والطرق وان كانت متباينة مختلفة وربما استشهد بعضهم على ان جميع هذه المتناقضة تؤدي الى الله تعالى بالسفن الجارية بريح واحدة سفينة تغرب وسفينة تشرق وسفينة تسير جنوبا واخرى شمالا والريح واحدة فالاختلاف في معارفهم من الله سبحانه واقول : اما الصوفية فهذا ينطبق على مذهبهم من ان الهادي والمضل وفاعل الخير وفاعل الشر هو الله سبحانه وحده لا شريك له وليس لشيء من خلقه من المكلفين وغيرهم فعل وانما الافعال افعاله لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون واما مثل المصنف الذي يثبت الاختيار للعبد فكيف يقول بهذا تبعا لغيره كأنه له اهل ملة
قال : { قاعدة مشرقية في حدوث العالم العالم كله حادث زماني اذ كل ما فيه مسبوق الوجود بعدم زماني متجدد بمعنى الا هوية من الهويات ولا شخص من الاشخاص فلكا او عنصرا بسيطا كان او مركبا جوهرا كان او عرضا الا وقد سبق عدمه وجوده ووجوده عدمه سبقا زمانيا وبالجملة كل جسم وجسماني متعلق الوجود بالمادة بوجه من الوجوه فهو متجدد الهوية غير ثابت الوجود والشخصية }
اقول قوله : العالم كله حادث زماني ما يريد به من العالم ظاهر كلامه انه يريد به كل ما سوى الله تعالى فانه صرح في الكتاب الكبير الاسفار ان الزمان لم يسبقه شيء الا الباري عز وجل وكلامه هنا مشعر بذلك وكلامه في ما يأتي يشعر بانكار المجردات الجزئية وان الكلية ليست من ما سوى الله تعالى ويأتي كلامه والكلام عليه وايضا هو مصرح بان الزمان سابق على العالم كله والبارئ تعالى متقدم عليه فاذا كان الزمان ظرفا ما جاز ان يكون سابقا لانه ح ليس بظرف لان الظرف لا يكون بدون المظروف وهو مدة والمدة لاي شيء هي اهي لنفسها ام لا لشيء لا جائز منهما شيء والشيء الموجود لا يوجد الا بوجود وماهية ومرادنا من الوجود المادة وهي في كل شيء بحسبه ومن الماهية الصورة تتركب من حدود هندسية يتشخص بها الموجود وتتمايز باختلافها الموجودات وهي الكم وهو هنا مقدار حصة المادة للموجود والكيف من بياض او سواد او غيرهما والرتبة وهي مقام الموجود بالنسبة الى مبدئه في القرب او البعد والجهة من كونه امام شيء او خلفه او يمينا او شمالا او اعلى او اسفل والمكان الذي يحل فيه والوقت الذي يوجد فيه والوضع في ترتيب بعض اجزائه بالنسبة الى البعض الاخر او الى الامور الخارجة وهذا الاخير هو السادس من الحدود الصورية ان جعلنا الكم نوعيا في الحصة المادية والا فهو اعني الوضع من اللواحق للستة لانها هي الايام التي يوجد فيها المحدث كالانسان مثلا احدث وخلق في ستة ايام يوم النطفة ويوم العلقة ويوم المضغة ويوم العظام ويوم يكسي لحما ويوم ينشأ خلقا آخر يعني تنفخ فيه الروح وكالستة الايام للسموات والارض يوم العقل ويوم النفس ويوم الطبيعة ويوم جوهر الهباء ويوم المثال ويوم الجسم او المادة والصورة والفصول الاربعة وقد ثبت بالدليل النقلي والوجداني ان النفوس ليست زمانية اذ لو كانت زمانية لمانظرت ما مضى من الزمان وما يأتي منه في الزمان الحاضر فتجمع ما بين امس واليوم وغد ولا يمكن للاجسام العنصرية ذلك فدل بانها ليست بزمانية نعم نحن لا نقول بما يذهبون اليه من ان المراد بالتجرد عدم المادة والصورة اصلا اذ هذا التجرد مختص بالحق عز وجل لانه محض التحقق والثبوت الذاتي الذي لا يتناهى بذاته في التحقق والثبوت الذاتيين وانما نقول انها مجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية نعم هي اجسام غير عنصرية والاجسام التي وضع لها هذا اللفظ تصدق على اربعة اجسام جسم عنصري وهو المعروف وجسم فلكي وهو اجسام الافلاك التسعة وما فيها من اجرام الكواكب السيارة وغيرها وجسم برزخي وهو جسم مقداري له طول وعرض وعمق بلا مادة وهو الجسم المثالي الظلي الشبحي وهو الذي يسمونه التعليمي وهو الذي يسمون عالمه العلوي بهورقليا يعني ملكا اخر وعالمه السفلي بجابلقا وجابرسا الشرقية والغربية وجسم مجرد عنها مفارق بذاته مقارن بفعله وهو النفس وهي اعلى مراتب الاجسام والملائكة النفسانية كذلك وهي مرتبة اطراف الارض ونهاياتها حتى انه يصدق ان يقال ان النفس وما فيها من الصور العلمية اعلى الاجسام الارضية لقوله تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماء والمراد ان الصور العلمية ومحالها وهي نفوس العلماء اطراف الارض والطرف النهاية والى هذا الاشارة بقوله تعالى والارض وضعها للانام فيها فاكهة اي نفس الامام عليه السلام وما انبت فيها من العلوم وقال تعالى فلينظر الانسان الى طعامه اي الى علمه من اين يأخذه انا صببنا الماء صبا اي العلم ثم شققنا الارض شقا يعني قلب الامام عليه السلام كما روي عنهم عليهم السلام فانبتنا فيها حبا اي الحب والعلم به وعنبا سكر المعرفة وقضبا ما ظهر من الاعتقادات والعوام الذين هم انعام العلماء وزيتونا وهو الكرم الشرعي ونخلا وهو الايمان الاية فالنفس ارض والعقل سماء والسماء رفعها صلى الله عليه واله فالجسمان الاولان في الزمان والثالث اسفله في الزمان واعلاه في الدهر لان الزمان لا يتجاوز الاجسام العنصرية والفلكية فاول الزمان مساوق لمحدب محدد الجهات ولمكانه فالثلاثة متساوقة في الوجود اعني الظهور والكون في الاعيان والاول والثالث نطلق عليهما الجسد في اصطلاحنا كما ذكرناه في اجوبة مسائل الشاه والرابع في وسط الدهر كما ان السموات السبع في وسط الزمان
وقول المصنف { اذ كل ما فيه مسبوق الوجود بعدم زماني } مصادرة على مراده من دخول النفوس في الزمان بذواتها مع انه لا ينكر كونها مفارقة بذواتها وان قارنت بافعالها بل هي اعلى رتبة من الطبيعة وهي خارجة عن الزمان اعني طبيعة الكل وما تناسل منها وان اقترنت بافعالها كالنفس والطبيعة اعلى رتبة من جوهر الهباء وهو خارج عن الزمان بذاته وهو الحصص النوعية قبل تعلق الفصول بها من عالم البرزخ الذي هو عالم المثال فانها آخر المجردات فاذا تعلقت بها الفصول خرجت الانواع المادية لتنزلها من عالم الغيب الي عالم الشهادة وقد قال عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وعلى قول علماء العلم الطبيعي ان اول ما خلق الله طبيعة الحرارة واصلها من الحركة الكونية التي هي قدرة الله تعالى وعلة العلل في الاشياء المتحركات ثم خلق الله تعالى طبيعة البرودة واصلها من السكون الكوني الذي هو قدرة الله تعالى وعلة العلل في الاشياء الساكنات فهذا اول زوجين خلقهما الله تعالى مما قال الله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ثم تحرك الحار على البارد بسر ما اودع الله فيه من الحركة المذكورة فامتزجا فتولد من الحرارة اليبوسة وتولد من البرودة الرطوبة فكانت طبائع اربع مفردات في جسم واحد روحاني وهو اول مزاج بسيط ثم صعدت الحرارة بالرطوبة فخلق الله منها الحيوة والافلاك العلويات وهبطت البرودة مع اليبوسة الى اسفل فخلق الله منها طبيعة الموت والافلاك السفليات ثم افتقرت الاجسام الموات الى ارواحها التي صعدت عنها فادار الله سبحانه وتعالى الفلك الاعلى على الاسفل دورة ثانية فامتزجت الحرارة بالبرودة والرطوبة باليبوسة فتولدت العناصر الاربعة وذلك انه حصل من مزاج الحرارة مع اليبوسة عنصر النار وحصل من مزاج الحرارة مع الرطوبة عنصر الهواء وحصل من مزاج البرودة مع الرطوبة عنصر الماء وحصل من مزاج البرودة واليبوسة عنصر الارض فهذا مزاج العناصر وهو مركب لازدواج الطبائع مرتين فخلق الله منه العوالم العلوية الى آخر كلام الحكيم محمد بن ابراهيم الصنبري في كتاب الرحمة في الطب فصرح ان الاربع قبل ازدواج بعضها ببعض كانت في جسم واحد روحاني وذلك لان البسائط قبل تركيبها اجسام جوهرية مجردة فوق الزمان كما ذكروا في جوهر الهباء وكذلك الحيوان الذي هو الجنس فانه قبل تعلق حصص الفصول بحصصه من عالم الغيب وهو جوهر مجرد عن العناصر والزمان فاذا تركبت الحصص بفصولها نزلت الى عالم الماديات بتركبها لان الحيوان قبل تعلق حصص الفصول بحصصه مؤلف من طبيعتين جوهريتين روحانيتين الحرارة والرطوبة كما اشار اليه الصنبري في الكلام السابق وبالجملة فالزمان ظرف للاجسام المركبة من الطبائع العلوية منها البسائط المؤلفة من طبيعتين والسفلية المركبة من اربع طبائع واما ما كان عاليا عن التركيب والتأليف فهو قبل الزمان لما اشرنا اليه من دليل الحكمة القاطع من ان النفس لو كانت في الزمان لكانت مقارنة بذاتها ولما خرجت عنه حين جمعت بين ماضي الزمان وحاله ومستقبله لان الزمان غير قار الذات فلا تجتمع اجزاؤه فيه وانما تجتمع في روحه ونفسه الذي هو الدهر لان الزمان نقطة في الدهر فان النفس التي هي في الدهر في الجسد الذي هو في الزمان كالدهر في الزمان لانه نفس الزمان وروحه فافهم ولقد اشار ابن سيناء في ابياته التي نظمها في الروح الى ما قلنا في قوله :
فكأنها برق تألق بالحمى ثم انطوى فكأنه لم يلمع
يشير الى قصر مدة تعلقها بالجسد فانها كالبرق لمعت من عالمها من الدهر على الجسد ثم انطوت ورجعت الى عالمها فكأنها لقصر مدة تعلقها لم تلمع فليس وجوها بزماني كما توهمه المصنف بل هي فوق الزمان وفوقها العقل وفوق العقل الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي حتى العقل الذي اخرجه المصنف مما سوى الله عز وجل لانه ان كان عنده هو الله تعالى والنصوص المتفق عليها بان الله اول ما خلق العقل يطرحها فهذا شيء اخر وان كان عنده انه غير الله وصدق بالاحاديث المتفق عليها فهو شيء خلقه الله من الماء والماء قبله وهو الوجود وهو اول فائض من فعل الله تعالى وهو الحقيقة المحمدية وكل هذه قبل الزمان ومعنى اول ما خلق العقل انه ما خلق من الوجود المقيد لان ما يطلق عليه اسم الوجود ثلاثة الوجود الحق هو الله سبحانه والوجود المطلق وهو فعله وهو ذات متحققة تذوتت بهيئة تذوتها جميع الذوات لان جميع الذوات اعراض وآثار لها خلقه الله بنفسه اي نفس الفعل واقامه به والوجود المقيد هو سائر المفعولات اولها العقل واما نور الانوار اعني الحقيقة المحمدية ففي الحاقها بالمطلق لانها سابقة على العقل والعقل اول ما خلق الله فيكون العقل بمنزلة الباء من بسملة الفاتحة من القرءان لانه الكتاب التدويني وهو طبق الكتاب التكويني الذي اوله العقل ويكون نور الانوار صلى الله عليه واله بمنزلة المداد الذي كتب منه القرءان فانه كان مصنوعا قبل الكتابة او الحاقها بالمقيد لانها من المفعولات لا من الفعل ويكون اولية العقل اضافية وجهان وقد ذكر الشيخ علاء الدولة السمناني في حواشيه المعلقة بالفتوحات على قول ابن عربي : ليس في نفس الامر الا وجود الحق فكتب عليه بلى ولكن ظهر من فيض جوده بجوده مظاهره فللفيض وجود مطلق وللمظاهر وجود مقيد وللمفيض وجود حق وقال ابن عربي في موضع اخر منه : اذ الحق هو الوجود ليس الا فكتب المحشي عليه بلى هو الوجود الحق ولفعله وجود مطلق ولاثره وجود مقيد اقول ولقد اصاب الشيخ علاء الدولة الحق في تقسيم ما يطلق عليه الوجود الا انه عند قول ابن عربي بعد تحقيق الوجود المستفاد وعدمية الماهيات الممكنة ولقد نبهتك على امر عظيم ان تنبهت له وعقلته فهو عين كل شيء في الظهور ما هو عين الاشياء في ذواتها سبحانه وتعالى بل هو هو والاشياء اشياء كتب في حاشيته على كلام ابن عربي هذا بل اصبت فكن ثابتا على هذا القول واقول ان هذا الشيخ انخدع بعبارة ابن عربي لان ابن عربي يريد بانه تعالى عينها في الظهور انه تعالى هو وجودها واما الاشياء من حيث هي هي فهي ماهيات معدومة وليس مراده ما توهمه هذا الشيخ المحشي ولو عرف مراده لما قال له بل اصبت فكن ثابتا على هذا القول والحاصل ان الفعل اعني الوجود المطلق وما صدر عنه من نور الانوار صلى الله عليه واله والعقل الكلي وما تناسل منه والروح الكلي وما تناسل منه والنفس والطبيعة الكليتان وما تناسل منهما وجوهر الهباء او الطبائع الاربع كما في العلم الطبيعي كما مر قبل تزاوجها كلها قبل الزمان والمصنف صرح انه ليس قبل الزمان الا الباري عز وجل واما المجردات كالعقل والروح الكليين وعالم الامر فهذه اشياء ليست مما سوى الله تعالى عن ذلك فجوز سبقها على الزمان لكونها عنده غير مكونة والزمان ليس من الوجود المطلق بل هو من المقيد وصاحب الشريعة صلى الله عليه واله اخبر ان العقل اول مخلوق فهو قبل الزمان فقوله { اذ كل ما فيه مسبوق بعدم زماني } لا اشكال فيه وانما الاشكال في مثل النفوس فان كونها فيه ليس بصحيح وقوله { مسبوق بعدم } ليس بصحيح على مذهبه لان العدم عنده ليس بشيء وما ليس بشيء لا يكون سابقا نعم على مذهبنا من ان العدم شيء مخلوق يصح لان المراد به عدم الكون وهو موجود بالوجود الامكاني بل الكوني ويؤيده ما رواه في البحار بسنده الى علي بن يونس بن بهمن انه (ظ) قال للرضا عليه السلام جعلت فداءك ان اصحابنا اختلفوا فقال في اي شيء اختلفوا فتداخلني من ذلك شيء فلم يحضرني الا ما قلت جعلت فداءك من ذلك ما اختلف فيه زرارة وهشام بن الحكم فقال زرارة النفي ليس بشيء وليس بمخلوق وقال هشام شيء مخلوق فقال لي قل في هذا بقول هشام ولا تقل بقول زرارة ه الا اذا اول المصنف قوله على معنى ان كل شيء ليس موجودا في رتبة ما فوقه ويصح قوله الا في اعلى الاشياء الزمانية فانه على قوله مسبوق بعدم ازلي سواء فرض الاعلى شيئا مساوقا للزمان ام اول جزء من الزمان وان فرض الزمان المقدر فهو مخلوق والا فلا شيء
وقوله { الا وقد سبق عدمه وجوده ووجوده عدمه } اما الفقرة الاولى وهي سبق عدمه وجوده مراده منها ظاهر من كلامه واما الثانية فمراده ان وجوده وجود الله تعالى ولكنه حين انحط في رتبة ارتباطه بالماهية نسب اليه الكون الزماني فبلحاظ المقترن سبق عدمه اي عدم اقترانه وجوده اي وجوده مقترنا مربوطا بالماهية التي ما شمت رائحة الوجود لذاتها وبلحاظ ذاته وتقدسها سبق عدم اقترانه حين تنزل الى الزمان قبل الاقتران وكل هذه الامور التي يخبطون فيها خبط عشواء يكشف عنها قول امير المؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه
وقوله { وبالجملة كل جسم او جسماني متعلق الوجود بالمادة الى آخره } فيه اشارة الى ان المجردات لا مادة لها كالعقل والروح من امر الله الكليين والى كل مادي او كان وجوده متعلقا بالمادة بوجه من الوجوه متجدد الهوية غير ثابت الوجود والشخصية فهو ابدا في النمو والذبول سواء كان جسما ام جسمانيا في كل شيء بحسبه يشير به الى ان المجردات المذكورة ثابتة الوجود غير متجددة الهوية وهذا اعني ان المجردات لا مادة لها شيء نقلوه عن اوائل الحكماء ولم يعرفوا مرادهم لانهم ارادوا الا مادة لها عنصرية ولا مدة لها زمانية ولها مادة جوهرية ومدد دهرية وان لها خلقا ورزقا وموتا وحيوة وان لها تجددا ونقصا بنمو وذبول معنوية من نوعها وكيف يريدون انها ثابتة لا تجدد لها ولا تبدل ولا تغير يعتريها وهم يشركونها مع الاجسام العنصرية فيقولون كل ممكن زوج تركيبي ويحكمون بانها مخلوقة مفتقرة لذاتها الى المدد من فيض جود خالقها في تكونها وفي بقائها وان كل ما فاض عن امر الله الفعلي الذي يعبر عنه بكن فانه قائم به قيام صدور كقيام الكلام بحركة المتكلم من حلقه ولهاته ولسانه واسنانه وشفاته من قلع او قرع او ضغط والمحتاج في بقائه الى المدد لا يكون الا متجدد الهوية غير ثابت الوجود والشخصية بل هي اشد واسرع استدارة على علتها الممدة لها من الاجسام المادية بما لا يكاد ينضبط لكن لما كانت عظيمة واسعة عامة كانت لعظمها كالساكنة على نحو ما قال تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب نعم على رأي المصنف انها ليست من الخلق ولا مما سوى الله تعالى بل هي موجودة بوجوده لكونها لوازم ذاته ليست متجددة وليس فيها ما بالقوة بل كل ما لها بالفعل لانها قديمة ازلية واما عند اهل الحق محمد واله صلى الله عليه واله فهي كغيرها من الخلق في الحاجة والافتقار والتلقي والتجدد وكذلك عند الانبياء عليهم السلام وعند من اخذ عنهم من الحكماء
قال : { برهان لاح لنا من عند الله لاجل التدبر في بعض ايات كتابه العزيز مثل قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد وقوله وما نحن بمسبوقين على ان نبدل امثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون وقوله وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وغير ذلك من الايات المشيرة الى تجدد هذا العالم ودثوره والدلالة على زوال الدنيا وانقطاعها كقوله كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقوله والسموات مطويات بيمينه وقوله ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وقوله انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون وهذا البرهان مأخوذ من اثبات تجدد الطبيعة التي هي صورة جوهرية سارية في الجسم وهي مبدء لحركته وسكونه وما من جسم الا وفيه هذا الجوهري الصوري الساري في جميع اجزائه وهو مبدء قريب لميله سواء كان ذا ميل بالفعل او بالقوة مستدير او مستقيم والمستقيم الى المركز او من المركز وهو ابدا في التحول والتبدل والسيلان بحسب جوهر ذاته }
اقول ما ذكره من كون هذا من برهان لاح لنا الى اخره فهو صحيح بان الايات باعتبار تأويلها دل على تغيير الاشياء في كل آن وتبديلها بمعنى صوغ ما انكسر منها لا بمعنى الاتيان بغيرها المشابه لها او ببدل منها فان قوله بل هم في لبس من خلق جديد ظاهر في ان المراد بالتبديل انما هو بالكسر بما يغير والصوغ له والا لما قال بل هم اذ لو كان اللبس لغيرهم من امثالهم من الخلق الجديد لم يقل بل هم ولم يقل على ان نبدل امثالكم وننشئكم وانما المراد بالتبديل الكسر والصوغ كما اذا كسرت الخاتم وصغته فقد بدلته فهو هو وهو بدله وغيره والا لكان الخلق الجديد لم يفعل حسنات الخلق الاول ولا سيئاتهم ثم من يحشر يوم القيمة هل هو الخلق الاول العامل ام الخلق الثاني فان كان الاول كان الجديد عبثا وان كان الثاني سقط الوعد والوعيد والثواب والعقاب والانشاء هو الصوغ في الاطوار الكونية بما لهم مما لهم ومما تحلل منهم مما خرج عن التركيب الى رتبة البخار او الهباء او الى البرزخ من هورقليا او الى الدهر او الى الامكان فيعاد ويصاغ به في كل طور في اي صورة اقتضتها قابليته من الاعتقادات والاقوال والاعمال والاحوال في رجوعه الى الله تعالى اي الى حكمه على مقتضى مبدئه ومنتهاه واما كون الجبال تمر مر السحاب فلعظمها تسير سير السحاب ومع هذا يراها الناظر اليها لكبرها كالساكنة والجبال وسائر الجمادات والمعادن والنباتات كالحيوانات والشهادة كالغيب فجميع العالم عندنا المجرد والمادي العنصري كله متجدد ومتبدل على نحو ما ذكرنا الا ان الجسم والجسماني اكثر اعراضا واشد تغيرا فلذا نسبوه الى الدثور والمراد بهذا الدثور على ما اشرنا اليه لا ما يتوهم من الفناء والعدم فان ما دخل في ملك الله سبحانه لا يخرج عنه ولان الاجسام والجسمانيات لما نزلت الى الدنيا دار التكليف لحقتها الاعراض الدنياوية الغريبة لفائدة الابتلاء والاختبار في التكليف ولتتغير الاجسام فيكون سببا داعيا الى الانتقال منها فاذا انتقلوا منها صاعدين الى ما خلقوا لاجله القوا الاعراض الغريبة في مباديها فكانت اظهر دثورا والافلاك اخفي دثورا فتكشط ويبدل والمجردات اشد خفاء فاذا نظرت اليها حسبتها جامدة وهو تمر مر السحاب كالجبال وهي دليل المجردات وفي تفسير ظاهر الظاهر الجبال جمع جبلة بمعنى الطبيعة على غير قياس الظاهر فافهم وقوله تعالى كل من عليها فان اي متغير ومنتقل لا بمعنى منعدم وذكر من على الدنيا لا ينفى من على غيرها وقوله تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام المراد بالوجه ظاهرا علل الاشياء المتغيرة وباطنا مباديها واعلاها واجمعها المقامات واركانها عليهم السلام وهو باق عند المصنف ببقاء الله تعالى لا بابقائه لانه عنده قديم وهو عنده من لوازم الذات سبحانه وعندنا انه باق بابقاء الله عز وجل وهو حقيقة محمد واله وانوارهم صلى الله عليه واله ولا شك في كونه مفتقرا الى امداد الله سبحانه في تكونه وفي بقائه كيف وهو مخلوق محدث كما اخبر به صلى الله عليه واله وقد قال عليه السلام اللهم زدني فيك تحيرا وهو كناية عن الامداد بما ليس عنده وقال تعالى وقل رب زدني علما وهذا ظاهر وقوله ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد من تأويله انه يذهب صورهم بان يكسرهم بالكسر الاصغر في هذه الدنيا بما يتحلل منهم ويأت بخلق جديد بان يصوغهم بما يتجدد لهم من الامداد على نحو ما تقدم وبالكسر الاكبر في القبور كذلك وقوله انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون يشير به الى ما بين نفخة الصعق ونفخة الفزع فانه تعالى بعد فناء الخلق وانقطاع النفخة وموت المستثنين جبرءيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل ينادي عز وجل على لسان وجهه الباقي بما معناه يا ارض اين ساكنوك اين المتكبرون اين الذين اكلوا رزقي وعبدوا غيري لمن الملك اليوم فلا يجيبه احد فيرد على نفسه ويقول لله الواحد القهار وفي رواية ان المجيب هو الوجه الباقي فهذا معنى نرث لانه اخبر بفناء الخلق فعادت الارض الى امره خالية من ساكنيها كما بدأها منه
وقوله { وهذا البرهان مأخوذ من اثبات تجدد الطبيعة الى قوله وسكونه } يريد به ما ذهب اليه من ان علة الربط بين الحادث والقديم انما هي الطبيعة والحكماء ذهبوا الى ان العلة هي الحركة والمصنف جعل الطبيعة مبدأ للحركة عكس الحكماء ونحن قد بينا فيما مضى وفي شرح المشاعر وفي كل موضع من كتبنا ورسائلنا ذكرنا هذا فيه انه لا ربط بين الحادث والقديم فان ذلك مما يوجب الحدوث في المترابطين واما الحكماء الاوائل الذين اخذوا الحكمة من الانبياء عليهم السلام فمرادهم بالربط الانتساب الى فعله تعالى لا الى ذاته وذلك لانهم يرون ان الفعل خلقه الله تعالى بنفسه وهو ذات استفادت سائر الذوات ذاتياتها من فاضل ذاتها كما استفادت الكتابة هيئاتها من فاضل هيئة حركة يد الكاتب وسائر الخلق تنتهي الى فعله ونسبته الى ذات الحق عز وجل نسبة الحركة من الشخص وهذه الحركة هي علة الربط الانتسابي والحكماء المشاؤن ومن حذا حذوهم يأخذون ظواهر الحكمة فذهبوا الى ان الحادث مرتبط بالقديم وعلة الربط حركة الحادث لانهم ما يعرفون من الفعل الا الامر الاعتباري والمصنف حذا حذوهم في اثبات الربط الحقيقي واعتبارية الفعل وخالفهم في علة الربط وقال ان الحركة مسبوقة بالمتحرك والمتحرك هو الطبيعة التي هي مبدء الحركة فبني جميع مسايل الربط في جميع كتبه على هذا الرأي ونحن نقول لو اريد في علة الربط على فرض القول به حركة الحادث كان قول المصنف بالطبيعة اولى لان الحركة عرض والعرض تمام قبوله للوجود وجود المعروض فتكون مسبوقة بالجوهر وهنا هو الطبيعة لانها مبدء الميل وهو الحركة لكن الاوائل يريدون بالربط الانتساب وبالحركة الفعل اذ هي المفهوم من الفعل ونسبة الفعل اليه عز وجل نسبة الحركة وان كان ذاتا بالنسبة الى ما صدر عنه وما صدر عنه اثره فهو في التمثيل بمنزلة ضرب الفعل الماضي وما صدر بمنزلة الاثر المؤكد مثل ضرب ضربا فاذا اردت ضرب الايات لمعرفة هذا فزيد آية لمعرفة الله تعالى وضرب آية لفعله وضربا اية لاول صادر عن الفعل وتلك الامثال نضربها للناس ومايعقلها الا العالمون سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم واما كون الطبيعة صورة جوهرية فصحيح في طبيعة الشيء اذا اريد التعبير عنها وهذه غير ما يراد من طبيعة الكل التي يشيرون بها الى ركن العرش الاحمر الذي هو الملك المؤكل بملائكة الحجب المسمين بالكروبيين وهو يستمد منه جبريل عليه السلام والى بعض ما ذكرنا من هذه الاوصاف اشار الاشراقيون وبعض ذكره الصوفية وبعض ذكر في الاخبار عن الائمة عليهم السلام وظاهره انه الكسر الاول بعد الصوغ الاول اذ كل شيء انما يتم بصوغين وكسرين ويكمل بثلاثة وثلاثة كما يشير العلم الطبيعي المكتوم اليه مثلا اول صوغ الاشياء ايجاد معانيها في العقل ووسطه ايجاد رقائقها في الروح واخره وتمامه ايجاد صورها الجوهرية في النفس ثم اول كسرها اذابة هذه الصور في مدة اربعمائة سنة من سني الزمان في الطبيعة هذه وفيها هو الكسر الاول ثم الصوغ الثاني واوله التحصيص المسمى في اصطلاحهم بجوهر الهباء وتمامه تعلق الصور المثالية بموادها وهو الذر الثاني الذي خرجوا به في الدنيا وقد تم الشيء بكسرين وصوغين فلذا كانوا مميزين الا ان بنيتهم لم تبلغ الكمال في هذه الدار لانها ليست دار بقاء فلما اراد سبحانه بقاءهم الدائم كسرهم بعد ان اماتهم في القبور وهو الكسر الاكبر الذي يكون بعده الصوغ الكامل المقتضى للبقاء الدائم ثم كسر ارواحهم بين النفختين في مقابل كسرهم الاول في الطبيعة في مدة اربعمائة سنة ثم عند النفخة الثانية يصوغهم الصوغ الذي يقتضي البقاء الدائم ولا يحتمل الفناء والفساد ان الله لا يخلف الميعاد واما باطنه فهو الملك الذي على ملائكة الحجب ثم اعلم ان المصنف بني علمه على المسائل القشرية والبسها من الفاظ الحقيقية حتى توهم الاكثر ان ذوقه تجاوز الحد لعدم معرفتهم بحقائق الاشياء
فقوله { ان الطبيعة صورة جوهرية } يريد طبيعة الاجسام وهي كما قال والمراد ان المادة الجسمية صورها بالصورة الجسمية فهي سارية فيها والصورة الظاهرة اثر الباطنة ولباسها وهي دالة عليها للعارف بها واليه الاشارة بقوله تعالى ولتعرفنهم في لحن القول وتلك الطبيعة هي افتقار الشيء الى المفيض له لانه قائم بالمفيض له قيام صدور فتكون طبيعته قابليته للمدد الذي هو المادة وبنفس المدد قياما ركنيا ومعنى قولي ان مذاق المصنف انه بعد هذا قال ان هذا الميل اعني الحركة ذاتي للطبيعة ليس مجعولا وانما المجعولة هي ويأتي وهي اي الطبيعة مبدأ لحركة ذي الطبيعة وسكونه وهذا ظاهري
وقوله { وما من جسم الا وفيه هذا الجوهري الصوري الساري في جميع اجزائه } وهذا ظاهر لانها صورة نوعية كالصورة النوعية الخشبية وهذا الصوري مبدأ قريب لميله بل هو روح الميل بل هو الميل في نفس الامر فعلي ظاهر الحال تكون الطبيعة هي علة التجدد ولا نسميها حركة ومن قال بالحركة التي تنشأ من الجسم هي علة التجدد والدثور فبعضهم قال هي نفس الطبيعة لان مطلق الطبيعة قد لا تكون حركة ولا مبدأ للحركة لكن الحركة الذاتية للجسم لا تكون الا طبيعة له وبعضهم قال الحركة تنشأ من الطبيعة وهي العلة القريبة للتجدد والدثور والمصنف جعل العلة هي الطبيعة وعلى كل فرض فكل جسم او جسماني مما هو في الزمان كالاجسام المركبة العنصرية او الطبيعية كالافلاك فانها مركبة عند اهل الطبيعي من الحرارة والرطوبة كما تقدم النقل عنهم او مما هو خارج عن الزمان بذاته داخل بافعاله كالنفوس عندنا فهي متجددة متبدلة اما عند المصنف فلجعله اياها من سائر الاجسام واما عندنا فلان كل ما دخل في سلطنة كن فهو متجدد متبدل سواء كان مجردا ام لا واما الدثور فان اريد به العدم فلا يجري على شيء وذلك كما قال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وان اريد به التحلل والتفكك والتصفية فهو جار عندنا على النفوس وما تحتها واما العقول فكذلك لكنه تبدل معنوي وتحللها عبارة عن تحلل متعلقها هذا في ظاهر القول واما في حقيقته فجميع الخلق متساوية وانما تختلف ظاهرا وهو مرادنا بقولنا واما الكسر والصوغ فهو عندنا عام في ما سوى الذات البحت عز وجل
وقوله { سواء كان ذا ميل بالفعل او بالقوة الى اخره } اي سواء كان حركته محسوسة كالاجسام النامية من الحيوانات والنباتات ام لا كالتي بالقوة كالجمادات القاسية كالحجارة والحديد وما اشبههما فالمراد بما بالفعل وبالقوة هذا المعنى لا ان المراد به المعنى المتعارف فيلزم ان منها ما ليس الان بمتجدد وداثر كما ذهب اليه بعض شاذ من المتكلمين من ان الاشياء لا تحتاج في بقائها الى المدد وان احتاجت اليه في صدورها وبعض ذهب الى ان المتجدد المتبدل حال وجوده انما هو الحيوانات والنباتات وذهب السيد المرتضي الى هذا في الجوهر الفرد وفي الاعراض فقال في رسالته ما معناه ان الاله هو المنعم فالله ليس الاها للجوهر الفرد ولا العرض لانهما لا يحتاجان الى المدد وكل هذه اقوال منحرفة عن الحق وسير هذه الاشياء المتجددة منها على نحو خط مستقيم وهو اقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين وذلك ما كان مقصده في جهة كسير العناصر الثقيلة الى اسفل والخفيفة الى اعلى او مستدير كالمتحركات بالحركة الوضعية كالافلاك والى المركز في العود ومن المركز في البدء والممكن المخلوق هو ابدا في التحول من حالة الى اخرى في اطواره بسبب اختلاف قابلياته اي قابليات عقله في الاقبال والادبار والسير والوقوف وقابليات روحه في التلونات بصور المعاصي في الطاعات والطاعات في المعاصي وقابليات نفسه في التشكلات بصور طبائع اعماله واقواله واحواله وفي التبدل في صوره بما اعاده مما تحلل منه اليه وفي السيلان في احوال نموه وذبوله لان النازل اليه والنازل منه ليس مثلا تاما ولا اجزاء متفاصلة بل مدد منحط سيال وكم متصل كالنهر الجاري المستدير الذي ينصب آخره في اوله وظاهره في باطنه وخلفه في امامه ويساره في يمينه فهو كرة تدور على مركزها في ذاتها لا الى جهة وليس بدائرة ولا يجري على الاستقامة كما توهمه من لم يعرفه والا لبطل الوعد والوعيد والثواب والعقاب وسرعة الميل وبطؤه وتعدده وتوحده بحسب جوهر ذاته وبحسب تلقيه من مبدئه بنفسه او بواسطة او وسائط كسير الحقيقة المحمدية (ص) وميلها على مركزها وهو الفعل اي المشية في كونها والارادة في عينها بنفسها بدون واسطة وهي اسرع المتحركات كلها بعد الفعل ولها دورة واحدة ذاتية على الفعل لا الى جهة وللعقل استدارة ذاتية على الفعل واستدارة عرضية على الحقيقة وانما كانت الثانية عرضية مع ان العقل متقوم بالحقيقة تقوم تحقق اي تقوما ركنيا لانها تابعة للاولى لانه متقوم بالفعل تقوم صدور فذاته تأكيد للفعل وللروح استدارة ذاتية كذلك على الفعل وعرضيتان اصلية اولية على الحقيقة وفرعية اولية على العقل وللنفس استدارات اربع ذاتية على الفعل وعرضية اصلية اولية على الحقيقة وعرضية فرعية اولية على العقل وعرضية فرعية ثانوية على الروح وللطبيعة استدارات خمس ذاتية على الفعل وعرضية اصلية اولية على الحقيقة وفرعية اولية على العقل وثانوية على الروح وثالثية على النفس وهكذا الى اخر الممكنات كل ممكن يستدير بتلقي قابليته على جميع علله والذاتية منها واحدة والباقي عرضيات واعلى الممكنات اسرعها استدارة وابعدها ابطؤها وما بينهما كل بنسبة رتبته فما قرب من المبدء اسرع وما بعد ابطأ وحركته عندنا هي نفس طبيعته لان هذه الحركة المشار اليها ليست حركة فعلية لتكون ناشية عن طبيعته بل هي حركة ذاتية وهي ميل ذاته بفقرها الى وجه مبدئها تطلب منه استغناءها وكونها ذاتية وعرضية لاجل تعدد تعلقها باسبابها المتعددة ونظرها المتعدد الى ابواب امداد مبدئه
قال : { وحركته الذاتية الوجودية اصل جميع الحركات في الاعراض الاينية والوضعية والاستحالات الكمية والكيفية وبها يرتبط الحادث بالقديم لا بغيرها من الحركات العرضية لان تلك الطبيعية هويتها هوية التجدد والانقضاء والحدوث والانصرام }
اقول قوله { وحركته الذاتية الى قوله والانصرام } يريد به ان حركته الذاتية وهي الناشية عنده من طبيعته وعندنا هي نفس طبيعته الوجودية وهذا القيد من المصنف احتراز عما ينسب الى الماهية فانها عنده لا وجود لها الا ما ينسب اليها بالعرض والتبعية ولا ايجاد لها متعلق بها وانما الايجاد للوجود والحركة الطبيعية عنده منسوبة الى الوجود كما قال وحركته الذاتية الوجودية وعلى كلامه يتناقض كلامه لان الوجود لذاته واجب وانما ينسب اليه النقص بالعرض لما لحقه من رتبة النزول وحدوثه عنده هو واتباعه في الحقيقة عبارة عن نسبته الى الماهيات والنقائص اللاحقة بالعرض لا لذاته واذا كان لذاته واجبا فلا تصح نسبة الحركة اليه لان الحركة المشار اليها حركة الاحتياج والفقر والحركة التي يدعيها ذاتية لا عارضة للنسبة واما الماهية فانها عندنا موجودة بايجاد خاص بها الا انه مترتب على ايجاد الوجود كما ذكرنا سابقا من انه هو المقصود بالايجاد ولكنه لا يتقوم ظاهرا في الاكوان الخارجية الا بماهية فاوجد الله الماهية للوجود ثانيا وبالعرض فطبيعة الماهية التي هي هوية الممكن اولي بميله وتحريكه الى فيض علته على قاعدة المصنف واما عندنا فالوجود والماهية كل منهما يتحرك بطبيعته الى المبدء لان طبيعة المحدث من وجود او ماهية قابليته للايجاد وانفعاله به وهي حركته آخذا ومعطيا فاحتراز المصنف بقوله وحركته الذاتية الوجودية لا يمنعه الخطاء والغلط بل يوقعه فيهما من حيث لا يشعر ولا يصغ قلبك الى مثل ما حققه في كتابه الكبير فانها علوم واعتبارات منطقية كانت محصلة من نتائج عقولهم واستنباطها من مدلولات الالفاظ من ظاهر اللغة التي يتخاطب بها اجلاف العرب ويفهمونها وهي وان كانت صحيحة الا انها اسفل وجوه العربية التي وضعها الواضع عز وجل وهي سبعون وجها للكلمة الواحدة وكل السبعين اسماء وصفات للخلق لا يصدق منها شيء على الخالق سبحانه كما لا يصدق شيء من موصوفاتها ومسمياتها عليه تعالى في حال فكيف يكون القضايا المنطقية كاشفة بنتائجها ومدلولاتها عن الحقيقة الالهية وانما تفيد في العلوم اللغوية العربية والاحكام الشرعية والعلوم الرياضية وبعض العلوم الطبيعية وانما لم ابين بطلان ما ذكروا هناك لانهم يبحثون في مسائل كثيرة من الحكمة النظرية التي هي مبنية على حسب الطاقة البشرية ويطيلون الكلام في تصحيح الالفاظ والمفاهيم التي يفهمونها منها ولو اردت بيانها بنحو ما سلكوا لخرجت عما انا سالكه من دليل الحكمة الى دليل المجادلة بالتي هي احسن فصار بحثنا معهم في المفاهيم اللفظية وانا انهي عن ذلك لانه لا يؤدي الى النور بل ابين بطلان الكثير باقل قليل كما اذا قالوا علم الله وسمعه وبصره هي عين ذاته ومفاهيمها متغايرة ومغايرة لذات الله تعالى وانما الاتحاد في الوجود قلت لهم هي ذات الله تعالى فما معنى مفهوم ذاته وهل تدرك الافهام منه شيئا حتى يكون مفهوما وانما العلم والسمع والبصر التي تفهمون حادثة لانكم انما تفهمون علمكم وسمعكم وبصركم وتجعلونها عين ذات الله تعالى عنكم وعنها ولو اردتم الصفات التي هي عين ذات الله تعالى لما قلتم انها متغايرة ومغايرة لذاته انا لله وانا اليه راجعون اذا كانت الحكمة النظرية كما ينطق به حدها على حسب الطاقة البشرية كيف يفهم منها ما هو حقيقة الذات الاحدية الصمدية
وقوله { اصل جميع الحركات } يعني ان الحركة الوجودية الطبيعية هي اصل جميع الحركات الحادثة في الاعراض الحالة في معروضاتها من الاينية المكانية والاينية الوضعية في جهات الوضع الثلاث وفي الاستحالات الكمية نموا وذبولا وفي الاستحالات الكيفية من نحو بياض الى سواد وبالعكس او غير ذلك وهذا صحيح
وقوله { وبها } اي بالطبيعة التي هي منشأ الحركة الاصلية ربط الحادث بالقديم عنده وهو غلط بل الطبيعة هي الحركة الاصلية الجوهرية وهي وذات ذي الطبيعة اثر فعل القديم عز وجل ولو جاز ربط حقيقي بينه تعالى وبين خلقه لكان الفعل احق بالربط من اثره لانه هو الواسطة بين الفاعل والمفعول والفعل عندنا الارادة والمشية والابداع والاختراع ولكنه يستحيل الربط الحقيقي لاستلزامه الاقتران المستلزم للحدوث الا اذا اريد به النسبة المفعولية الى الفاعل الذي هو المثال ونعني بالنسبة الانتساب المفعولي كما تقول ربي وخالقي وينتهي المخلوق الى الوصف الفعلي والى الفعل والمفعول المنتسب ينتسب بحركتين طبيعة الوجود وهي حركة انفعاله بماهيته وطبيعة الماهية وهي حركة انفعالها بوجودها
وقوله { لا بغيرها من الحركات العرضية الخ } يعني ان الربط بالطبيعة لانها تحدث عنها الحركة الاصلية التي بها يسير الى الله سبحانه ذو الطبيعة لا بالحركات الحركة العرضية التي ذكرها الحكماء واقول قد تقدم الكلام على ذلك وان المراد بالطبيعة هي الحركة الاصلية الافتقارية الانفعالية لا مطلق الطبيعة كما لا يخفي وعلل ذلك بان تلك الطبيعة هويتها هوية التجدد والانقضاء والحدوث والانصرام وقد اشرنا الى ان الشيء له طبائع منها الحركة والسكون والحرارة والبرودة وما اشبه ذلك ومطلوبنا هنا هو الحركة لا الطبيعة المطلقة كما يظهر من كلام المصنف والا لمانفي الحركة وجعلها شيئا معنويا في الحادث ساريا فيه فافهم ثم اذا فهمت هذا فاعلم ان المصنف جعل علة الربط المذكور هي الطبيعة كما مر وان الحركة الاصلية التي ذكر الحكماء انها هي ناشئة عنها وان الطبيعة غير المتحرك وغير الحركة وقلنا بان الطبيعة المرادة هنا هي الخاصة وليس الا الميل التكوني اي القبول للمقبول لان التكوين الايجادي اذا القي هيئة ذاته مع هيئة صفته ظهر المقبول بانفعال تينك الهيئتين والانفعال هو القابلية والمقبول الذي هو نفس الهيئتين المنفصلتين ظهر في الاكوان والاعيان بانفعاله وهو قابليته اي حركة قبوله للايجاد وهي وان كانت من المقبول فهو سابق عليها في الذات الا انه مساوق لها في الظهور وهي نفس طبيعته الاصلية اعني طبيعة المقبول فلا تغفل
قال : {و لا سبب لحدوثها وتجددها لان الذاتي غير معلل بعلة غير علة الذات والجاعل اذا جعلها جعل ذاتها المتجددة واما تجددها فليس جعل جاعل وتأثير مؤثر فاعل وهذا بعينه مثل ما قالته الفلاسفة في باب الزمان من ان هويته لذاتها متجددة متقضية سيالة لكنا نقول الزمان مقدار التجدد والتبدل والحركة معناها تجدد حال الشيء وخروجه من القوة الى الفعل تدريجا وهي امر نسبي عقلي مصدري انتزاعي لانها نفس التجدد والخروج منها اليه }
اقول قوله { ولا سبب لحدوثها وتجددها } يريد به ان الحركة الطبيعية الذاتية التي هي تجدد الطبيعة غير معلل بعلة غير علة الذات ومراده ان الله سبحانه خلق الشيء ولم يخلق لوازمه بخلق وايجاد زائد على ايجاد الشيء بل بتبعية ايجاد الشيء وذلك كما نقلوه عن شيخ الاشراق من قوله لما سئل عن مثل هذه المسئلة وكان بين يديه مشمش فقال ان الله سبحانه ما جعل المشمش مشمشا وانما جعل المشمش وجرى على السنتهم كالمثل كل من سمعه قبله من غير تأمل ولا نظر مع انه باطل لان كون المشمش مشمشا ان كان شيئا فالله سبحانه خالقه لم يخلقه المشمش ولا نفسه ولا القائلون بعدم مجعوليته وان لم يكن شيئا فنفيهم لا لثابت باطل ودعوى انه امر اعتباري كما توهموه باطلة فان الموهوم والاعتباري والمفروض اشياء خلقها الله تعالى وسيدنا الصادق عليه السلام قال كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم او عليكم ه وفي دعاء السمات للحجة عليه السلام وخلقت بها الظلمة وجعلتها ليلا وجعلت الليل سكنا وخلقت بها النور وجعلته نهارا وجعلت النهار نشورا مبصرا وخلقت بها الشمس وجعلت الشمس ضياء وخلقت بها القمر وجعلت القمر نورا وخلقت بها الكواكب وجعلتها نجوما وبروجا ومصابيح وزينة ورجوما وجعلت لها مشارق ومغارب وكل هذه مثل جعل المشمش مشمشا لان قوله وخلقت الظلمة وجعلتها ليلا والظلمة المخلوقة هي الليل وجعل الظلمة التي هي الليل ليلا وكذا جعله سكنا مثل جعل المشمش مشمشا وكذا باقي الكلام لكن القوم بذلوا جهدهم في جحود نصف العالم فجعلوه ليس شيئا وانما هو امر اعتباري حتى قالوا ان الوجوب والامكان والقدم والحدوث والفوقية والتحتية والظلمة والموت بل كل الاشياء المفروضة او التي لا يرونها باعينهم ولا يلمسونها بايديهم كلها وامثالها امور اعتبارية ليست بموجودة ولا مخلوقة ولا مجعولة مع اعترافهم بان اسماءها ليست مهملة ومع اعترافهم ان اللفظ الذي لم يوضع بازاء معنى فهو مهمل وبانها اشياء ويقرؤن قول الله سبحانه وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ويزعمون تفصيا من الجواب ان الذهن تكون الاشياء فيه موجودة بحقائقها لا باظلتها فاذا قيل لهم لم لا تحرقكم النار التي في اذهانكم قالوا الاحراق من العوارض الخارجية فنقول لهم الوجودات الذهنية هل هي من عالم الغيب ام من عالم الشهادة وفي كل منهما تحرق النار وايضا ان كان ما في اذهانكم لا يكون الا ظلا وشبحا للامور الخارجية كما نقوله نحن ثبت ان كل ما تتصورونه فان الله سبحانه قد خلقه قبل ذلك كما صرحت به الاية في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وكقول الرضا عليه السلام المتقدم الذي رواه الصدوق في اول علل الشرائع وهو قوله عليه السلام ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه فيكون ما في الاذهان صورا منتزعة من الخارجي فكل ما يسمونه اعتباريا فهو شيء خلقه الله واقامه في مكان رتبته من الوجود وان كان ما في اذهانكم اشياء مستقلة كما تزعمون بان النفس لها قوة اختراع ما شاءت من الصور والاعتبار لا من شيء انتزعتها منه فنريد منكم ان تذكروا كلام زيد لكم في مكة مثلا في العام الماضي في هذا الأن من غير ان تلتفت نفوسكم بمرءاة خيالها الى زيد المخاطب ولا الى كلامه ولا الى مكانه ولا الى وقته فان قدرتم على ذكر كلامه من غير ان تلتفت نفوسكم اليه في وقته ومكانه فانتم صادقون وان كنتم لا تقدرون على الذكري بدون الالتفات المذكور فاعلموا ان الذي في اذهانكم كالصور التي في المرايا لا ينتقش فيها شيء حتى تقابلها ذوات الصور فتنتقش فيها اشباحها واظلتها كذلك انتم لما خاطبكم زيد في مكة في العام الماضي وتفارقتم وذهب زيد بقي مثاله ومثال كلامه في غيب ذلك المكان وفي غيب وقته فاذا اردتم ذكر ذلك قابلت نفوسكم بمراياها مثال زيد ومثال كلامه في غيب مكان الخطاب ووقته فانتقش ذلك في نفوسكم لانها انتزعت من الامثلة القائمة هناك صورها واظلتها ولو لم تلتفت لم تذكر ولو كانت تخترع لاخترعت صور ذلك من غير التفات والحاصل ان كلام المصنف في كون تجدد الطبيعة او الحركة والانقضاء والحدوث والانصرام وامثال ذلك امورا اعتبارية لا وجود لها مبني على قواعد قشرية منهدمة لا تبني عليه قواعد الدين ولا تؤسس على مثلها بنيانه
وقوله { وهذا بعينه ما قالته الحكماء الفلاسفة في باب الزمان من ان هويته لذاتها متجددة متقضية سيالة } يريد به قولهم لذاتها متجددة اي انها متجددة من دون مجدد جعلها متجددة بل تجددها من نفسها وانا اقول لعل مراد الفلاسفة انها لذاتها اي ان الجاعل جعلها متجددة لذاتها لا ان تجددها بالعرض او بتجدد اعراضها وليس مرادهم ان تجددها من نفسها من دون مجدد جعلها متجددة كما هو مراد الاوائل منهم الذين قرأوا على الانبياء عليهم السلام واخذوا الحكمة منهم ولو فرضنا ان هؤلاء القائلين بذلك ارادوا ما اراد المصنف ادخلناهم معه في الخطاء بل كثير من اخبار الائمة عليهم السلام دال بصريحه على ان هذا القول شرك
وقوله { لكنا نقول الزمان مقدار التجدد والتبدل والحركة معناها تجدد حال الشيء الى اخره } يريد به بعد قوله وهذا بعينه ان مرادي مجرد التمثيل لا التساوي الحقيقي اذ بين الزمان وبين ما نحن فيه فرق فان الزمان ذاته مقدار التجدد والتبدل اي نفسهما فهو نفس الحركة المتجددة وما نحن فيه فحركته تجدد حاله اي هيئته لا ذاته وكلامه ايضا ظاهري قشري وفي الحقيقة خطأ خلاف الصواب والصواب ان الزمان والحجر على حد واحد في التجدد والتبدد لا فرق بين الثابتة كالعقول المجردة وبين القارة المتماسكة كالحديد وبين المتهافتة كالنار والهواء والماء وبين الغير القارة كالزمان والاصوات لان الجميع قائم بفعل الله قيام صدور كقيام الصورة في المرءاة بالشخص المقابل لا كقيامها بهيئة الشخص المقابل فانه قيام ركني فالزمان نفس الحركة من حيث قابليته للايجاد التي هي ماهيته وهي جزء ماهيته بالمعنى الثاني كما ذكرنا اي جزء هويته لا من حيث وجوده اذ من حيث وجوده حركته تبدل احواله وهذا بعينه حال جميع الخلق فان العقول المجردة والحديد من حيث قابليتها فهي نفس الحركة لان قابليتها للايجاد هي نفس الحركة ومن حيث وجوداتها حركتها تجدد احوالها وتبدلها لا تبدل الذوات الجوهرية والا بطل الوعد والوعيد والثواب والعقاب ثم عطف على تجدد حالها بالعطف التفسيري بقوله وخروجه من القوة اي من رتبة الثبوت الازلي الى الفعل اي الى الوجود الكوني هذا معنى من القوة الى الفعل عند هؤلاء الجماعة المصنف وامثاله وعندنا تبعا لساداتنا ائمة الهدى عليهم السلام معنى من القوة اي من الثبوت الامكاني وان شئت قلت من الوجود الامكاني الى الوجود الكوني ومرادنا بالامكان ما ذكرناه سابقا من كونه موجودا محدثا خلقه الله ولم يك شيئا مذكورا ولا معلوما قبل جعله ثم خلقه على نحو كلي لا يتناهى في كل مثقال ذرة قبل ان يكون شيئا منها لانا نمنع كون الامكان امكانا لذاته بدون جعل جاعل مخترع والا لكان قديما لا ممكنا
وقوله { تدريجا } صحيح لكن نحن لا نخص التدريج بالماديات خاصة بل والمجردات اذ كلها ايضا مادية الا انها من انوار عالية ما خلا الفعل بجميع اصنافه الذي هو الوجود المطلق فانه لذاته ليس تدريجيا بل كما قال تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فانه تعالى قال وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر واما ما قررناه في الفوائد وشرحها من تقسيم ذاته في التزييل الفؤادي الى اربعة مراتب الاولى مرتبة النقطة وهي الرحمة والثانية مرتبة الالف والنفس الرحماني الاولى بفتح الفاء والثالثة مرتبة الحروف والسحاب المزجي والرابعة الكلمة التامة والسحاب الثقال والسحاب المتراكم فذلك التزييل والتقسيم باعتبار متعلقه لا في ذاته
وقوله { وهي امر نسبي } يعني ليس بذاتي بان يكون نفس الماهية او نفس جزئها وقد بينا قبل ان الحركة الذاتية جزء الماهية اي الهوية والحقيقة و{ عقلي } يعني انه ليس وجوده خارجيا وقد ذكرنا ان وجوده هو وغيره كله خارجي وما في الاذهان فهي اظلة و{ مصدري انتزاعي } يعني به انه معنوي لا عيني وانتزاعي يعني به انه ظلي ولا يريد بالظلي انه منتزع من الخارجي اذ لا خارجي عنده ثم قال لانها اي الحركة الذاتية الوجودية نفس التجدد والخروج منها اي من القوة اليه اي الى الفعل وانت قد عرفت رأينا في هذه المسائل مما ذكرنا فلا يحتاج الى اعادته لكثرة ما كررناه
قال : { والفرق بينهما كالفرق بين الوجود بمعنى الانتزاعي الذي هو من المعقولات الذهنية وبين الوجود بمعنى ما به يوجد الشيء ويطرد العدم عنه وما به الخروج من القوة الى الفعل التدريجي من المقولة كما جاز ان يكون كيفا او غيره من الاعراض فجاز ان يكون جوهرا صوريا ماديا متجدد الذات والهوية مذكور في الاسفار الاربعة وفي رسالة على حدة على وجه مفصل مشروح ونقلنا اتفاق الفلاسفة الاقدمين في هذا الباب من دثور العالم وزواله وتجدد كل من الهيولي والصورة وان كل شخص من الاجسام الطبيعية فلكية كانت او عنصرية حادث زماني }
اقول قوله { والفرق بينهما } اي بين تجدد الحركة الذاتية وبين تجدد الزمان من كون تجدد الحركة تجدد حال المتحرك لا تجدد هويته ومن تجدد هوية الزمان لا تجدد حاله لان هويته لذاتها متجددة بتبدل الانات بخلاف الاجسام على زعمه كالفرق بين الوجود الانتزاعي الظلي فانه منتزع من الوجود الخارجي انتزعه الذهن منه كانتزاع المرءاة صورة المقابل فان حركته حركة هوية اي تجدد ذاته وهويته وبين الوجود الذاتي وهو ما به يوجد الشيء ويطرد عنه العدم فان تجدده بحركته الذاتية تجدد حاله كما زعم ثم اراد ان ينبه على صحة ما ذهب اليه على نمط الاستدلال فقال وما به الخروج من القوة الى الفعل التدريجي من المقولة اي مما يقال عليه ذلك كما جاز ان يكون كيفا او غيره بان يكون تجدده تجدد هوية فجاز ان يكون جوهرا صوريا ماديا متجدد الذات والهوية ومراده انه يكون متجدد حال الهوية لا متجدد نفس الهوية بدليل قوله والحركة معناها تجدد حال الشيء ولان رأيه ان الوجود من حيث ذاته واجب وانما ينسب اليه الحدوث من جهة اقترانه بالماهية نسبة عرضية ولما لحقه من عوارض مراتب تنزله ونحن قد بينا قبل هذا المتن ان تجدد الاجسام القارة والجواهر الصورية والوجود الذاتي اعني ما به يوجد الشيء ويطرد العدم منه كتجدد الزمان وتجدد الوجود الظلي العرضي اعني الظلي الذهني والظلي العرضي كنور الشمس القائم بالجدار وكظل الجدار الظاهر من خلفه لان علة الاحتياج واحدة اذ ليس لشيء مما سوى الله سبحانه ثبوت ولا تحقق من نفسه والا لكان قديما وهو غير الله سبحانه لان كل ما يصدق عليه انه غير الله سبحانه في حال من الاحوال او في فرض او احتمال كما لو فرض انه من حيث المفهوم او الفرض والتجويز فانه قائم بفعل الله تعالى وايجاده قيام صدور وبامر الله قيام تحقق فكون شيء من الخلق يكون تجدده تجدد حال لا تجدد هوية مستحيل الا على القول بوجوب وجوده كما يذهب اليه المصنف الا ان الذي افهم من حاله ان جعله تجدد الجواهر القارة تجدد حال لا تجدد هوية ليس لكونها عنده غير مجعولة الذوات بل لكونها اجساما وجواهر وحركاتها وميولاتها ناشية عن طبائعها وحركاتها هي تجدداتها فظاهر كلماته في سائر كتبه تشعر بان نفس هوياتها ساكنة ثابتة بخلاف الاعراض وهو كلام قشري ظلماني والحق ان جميع خلق الله عز وجل بمنزلة الاعراض بل اعراض حقيقية لعللها وان كانت جواهر لمعلولاتها فالفعل وان كان بالنسبة الى الفاعل عرض اقامه سبحانه بنفسه وهو ذات لاثره وهذا الاثر الاول عرض له ولكنه ذات لشعاعه وعرضه وشعاعه وهو نور الانبياء عليهم السلام وهو ذات لشعاعه وعرضه وهو نور المؤمنين وهكذا فكل علة عرض لعلتها وذات لمعلولها فهو عرض لعلته وذات لمعلوله وهكذا والاعراض تجددها تجدد هوية
وقوله { وقد نقلنا اتفاق الفلاسفة الاقدمين الى اخره } انما قال فيه الاقدمين ليخصص به الذين اخذوا الحكمة عن النبيين عليهم السلام فانهم هم القائلون بحدوث العالم واكثر من تأخر عن هؤلاء خالفوهم في كثير من المسائل ومن المتأخرين من نقل عن غاديمون وقيل هو النبي شيث عليه السلام ان المبادي الاول خمسة البارئ تعالى والعقل والنفس والمكان والخلاء وهذا النقل ليس بصحيح وان صح النقل فالقول بان غاديمون القائل بهذا ليس هو النبي شيث عليه السلام وان صح القول فمراده عليه السلام ان العقل والنفس والمكان والخلاء اسباب للقابلية لا انها مبادي فعالة على الاستقلال بل القى فيها مثاله فاظهر عنها افعاله كما قال امير المؤمنين عليه السلام ومنهم من قال بقدم النفوس وما فوقها ومنهم من ذهب الى قدم العالم كله واما الاقدمون فظاهر كثير منهم القول بقدم بعض العالم كالمجردات بل كله كما نقله بعضهم من ثاليس الملطي وانه استدل على القدم بثمانية وجوه الا ان كلامه الذي نقله الشهرستاني في كتاب الملل والنحل صريح في القول بحدوث العالم وكذلك كلام افلاطون فانه يوهم قدم المثل الافلاطونية فقول المصنف انه نقل اتفاق الاقدمين على الحدوث لا بد من حمله على ما بعد توجيه ما يوهم ذلك من كلامهم والحاصل ان القول بان العالم جميعه من المجردات وغيرها اي من كل ما سوى الله سبحانه حادث صحيح ليس فيه شك وباقي كلامه ظاهر واعلم ان الهيولي في الاصطلاح المشهور بينهم ان الشيء باعتبار كونه قابلا للصور الغير المعينة يسمى هيولي وباعتبار كونه محلا للصور المعينة بالفعل يسمى مادة
قال : { واما الكلي الطبيعي فليس عندنا موجودا خلافا للمشهور من رأي الحكماء بل بالعرض خلافا لجمهور المتكلمين فالكلي الطبيعي اعني الماهية بلا شرط ليس بقديم ولا حادث وحدوثه تابع لحدوث افراده وكذا قدمه لقدمها اذ ليس في حد ذاته واحدا شخصيا محصل الوجود فلا دوام له في ذاته وان كانت الافراد كلها حادثة فلا دوام له بالذات ولا بالعرض الا في علم الله تعالى }
اقول قوله { واما الكلي الطبيعي الخ } يريد به ان الكلي الطبيعي قد اختلف فيه هل هو موجود في الخارج في نفسه ام في ضمن افراده بالذات او بالعرض ام ليس موجودا خارجيا اصلا وانما هو موجود ذهني فنقول اما الكلي الطبيعي فاعلم ان الماهية اذا اخذت من حيث هي لا غير كالانسان سمي طبيعيا وهذا يعطي ما تحته من كل فرد اسمه وحده وانما نطلق عليه الكلي بالنظر الى صدقه على كل فرد من افراد تلك الماهية واذا اخذت من حيث انها صالحة لكل فرد فهذا هو الطبيعي الحقيقي فهل يعطي هذا كل فرد اسمه وحده ام لا فيه احتمالان فان قلنا انه يعطي ما تحته من الافراد فبلحاظ اتحاد حقيقة الافراد واما تمايزها وتعددها فبهيئات مشخصات خارجة عن نفس ما صدق عليه الاسم والحد فمع قطع النظر عن هذه المشخصات كانت كل حصة صالحة لما تصلح له الاخرى وهذا الاعتبار لا ينافيه الاخذ الاول ولا صحة الصدق فيه وان قلنا بعدم اعطائه فبلحاظ تمايز الافراد بمشخصاتها وهي على الاصح انها وجودية خارجية لا عقلية وجودية او اعتبارية والاحتمال الاول اصح والا لما اعطى في الاخذ الاول ما تحته لوجود التمايز لانه في نفس الامر خارج عن الطبيعي من حيث هو سواء اخذ صالحا ام لم يؤخذ الصلوح وان اخذ معروضا للكلي الصادق على كثيرين وهو الكلي المنطقي وحينئذ لا يعطي ما تحته اسمه وحده واذا اخذ من حيث انهما المعروض اعني الطبيعي والعارض اعني الكلي لم يعط المجموع ما تحته اسمه وحده وهذا هو الكلي العقلي فهذه الاربعة اما الطبيعي الكلي اعني الماهية بشرط لا شيء وبلا شرط وهو الذي يسميه اهل اصول الفقه بالمطلق وانه جنس للخاص والعام ويدخل فيه ما اخذ من حيث انه صالح للحمل على كثيرين على الاصح ففيه الاقوال المشار اليها قبل اعني انه موجود في الخارج بذاته او موجود في افراده بذاته او موجود في الذهن بذاته وفي الخارج في افراده بالعرض او هو غير موجود في الخارج لا بالذات ولا بالعرض بل هو موجود في الذهن خاصة لانه من المعقولات الذهنية وقد قدمنا ما يدل على الاول من كونه موجودا بذاته وعلى الثاني من كونه موجودا في افراده وان ما في الذهن فانه ظل منتزع من الخارجي ومما يدل على الاول قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقول الصادق والرضا عليهما السلام المتقدمين وما ذكرنا من ان ما شاهدته اذا غاب عنك لا تذكره الا بان تلتفت بمرءاة خيالك الى مكانه ووقته فتنتقش فيها صورة مثاله في مكانه ووقته اما الاول فانه وان لم يقل احد منهم به لقصور افهامهم عن الوصول الى ادراكه لكنه قال به ائمة الهدى عليهم السلام وادركه العقل الذي يقتدي بهم ويهتدي بهداهم عن معاينة لا عن تقليد واما الثاني فهو قول اكثر الحكماء على جهة البدلية ظاهرا وفي نفس الامر على نحو الكل والجزء واما ما اتفقوا عليه من عدم وجود ما اخذ بشرط لا شيء في الخارج لا بنفسه ولا في الافراد فهو اتفاق منقول ولم يثبت النقل لقيام الدليل القاطع من الكتاب والسنة ومن العقل كما اشرنا اليه في عدة مواضع في هذا الشرح وغيره على وجوده في الخارج وان ما في الذهن لا يكون الا ظلا منتزعا من خارجي بواسطة المشاهدة او العلم او الاخبار او دلالة اللفظ او توهم الخارجي وما اشبه ذلك وان الخارجي المنتزع منه اما في عالم الاكوان من الغيب او الشهادة واما في عالم الامكان واما في الواح الحق واما في الواح الباطل وان كل شيء من ذلك مما وقع في الواح الحق فقد خلقه الله اولا وبالذات بمقتضى ما جعل من اسبابه وان كل شيء من ذلك مما وقع في الواح الباطل فقد خلقه الله تعالى ثانيا وبالعرض بمقتضى اعمال المبطلين واحوالهم وافعالهم واقوالهم وماينزله الى ذهن من تصوره من الواح الحق او الواح الباطل الا بقدر معلوم وقد دلت الادلة العقلية والنقلية القطعيتان على ان القول بالحق والاعتقاد له والعمل به لا يرتفع من الارض منذ هبط ادم الى الارض الى ان ينفخ في الصور نفخة الصعق او قبلها باربعين يوما ثم يتفرد بحمله وجه الله الذي لا يفني الى نفخة الفزع فكيف تصح دعوى الاتفاق ان هذا الا اختلاق واما القول بان ما اخذ لابشرط موجود في الذهن بذاته ولا يوجد في الخارج الا بالعرض اي بتبعية افراده بمعنى ان افراده في الخارج معروض له بعكس ما في الذهن كما يذهب اليه المصنف لان مبني علومه على الاعتبارات والمفهومات الفرضية وقد صرح في المشاعر وغيره بان الوجود معروض للماهية في الخارج عارض لها في الذهن فهو مخالف للادلة القطعية من النقلية والعقلية ومثل هذا في مخالفة الادلة القول بانه غير موجود في الخارج لا بالذات ولا بالعرض واما الكليان الاخيران المنطقي والعقلي فهما مما اتفقوا على عدم وجودهما في الخارج لكنه اتفاق لا يكشف عن قول المعصوم عليه السلام فيه بل قول جميع اهل العصمة من الاولين والاخرين عليهم اجمعين السلام مقابل لقول اهل هذا الاتفاق ومخالف وهما موجودان في الخارج وانا ادلك عليه ان فهمت دلالتي وقبلتها هما موجودان في الصقع الذي فيه ما اخذ بشرط لا شيء وما وجد فيه بحر الزيبق بما فيه من السفن الجارية وما وجد فيه الرجل الذي له الف رأس وما وجد فيه مثل الوجوب والقدم والامكان والحدوث والفوقية والتحتية وامثال هذه مما انكروا وجودها ولكن كما قال الله سبحانه بل عجبت ويسخرون واذا ذكروا لا يذكرون واذا رأوا اية يستسخرون
وقوله { فالكلي الطبيعي اعني الماهية بلا شرط ليس بقديم ولا حادث الى اخره } يريد به ان الشيء المأخوذ بدون شرط لا يضاف اليه حينئذ شرط لا قدم ولا حدوث لخروجهما عن نفس مفهوم الشيء فاذا نسب احدهما الى ذلك كانت نسبة خارجية ولما كان المصنف يرى انه غير موجود في افراده كانت نسبة احدهما اليه تابعة لنسبة احدهما الى افراده فان كانت افراده حادثة نسب اليه الحدوث بتبعية حدوث افراده وان كانت قديمة نسب اليه القدم بتبعية قدمها وهذا يشعر بانه انتزاعي ظلي وهذا كما قال في تبعية ما في الذهن لما في الخارج ولكن في كلامه شيئان احدهما ان ما في الذهن ظل المحكوم عليه بشرط لا وبلا شرط وهما في الخارج كما قلنا وثانيهما ان قوله وكذا قدمه لقدمها لان هذا الكلام وان كان تصويره مستقيما في فرض الحدوث لكنه لا يستقيم في شأن القديم الا اذا اريد به القديم اللغوي والشرعي وهو من له ستة اشهر فصاعدا واما على ما يريد به اهل العرف الخاص فالقديم لا يصح في شأنه فرض التعدد لا خارجا ولا ذهنا لان الفرض من الامكان ولا يصح الا في الممكنات وايضا لا يتصور الذهن ولا العقل للقديم ظلا منتزعا ولا عارضية ولا معروضية ولا تابعية ولا متبوعية لا فرضا ولا تجوزا واحتمالا فاذا تصور شيئا فليس للقديم ولا ينسب اليه الا لفظا كما ينسب المشركون والكفار الولد والصاحبة الى القديم فانهم لا يصيبون بنسبتهم الا حادثا وكذلك اللفظ لا يصح على القديم ولا يقع الا على حادث الا بما وصف نفسه القديم به واثني به على نفسه تعالى فانهم اذا تلفظوا به وتعقلوه قبله تعالى منهم وان لم يقع عليه ولا يصل اليه ان ربنا لغفور شكور والمصنف لما جوز وقوع مفهوم مغائر للواجب تعالى متحد معه في المصداق قال ما قال وعندنا ان من يصح في شأنه ذلك ليس هو الله معبودنا لانا نعبد الها واحدا في الفؤاد وفي العقل وفي الذهن وفي الفرض والاحتمال وفي كل حال كما هو في الخارج وفي نفس الامر لا اله الا هو وحده لا شريك له
وقوله { ليس في حد ذاته واحدا شخصيا محصل الوجود فلا دوام له في ذاته } فيه انا قد بينا انه اي الكلي الطبيعي واحد شخصي شخصية اضافية وانه محصل الوجود خارجا بنفسه وفي افراده ومع هذا فلا دوام له في ذاته من ذاته ولا في حاله بل هو قائم بفعل الله قيام صدور وبامر الله قيام تحقق قياما ركنيا وما في الاذهان من ظله المنتزع منه قائم بفعل الله قيام صدور وبهيئة الخارجي الاشراقية قائم قيام تحقق وبهيئة الذهن من صفاء وكبر واستقامة واضدادها قائم قيام ظهور وكون فلا دوام له في ذاته والمصنف انما قال في ذاته لانه يريد به ما كانت افراده قديمة لانه من حيث كونه غير محصل الوجود ليس له دوام من ذاته ولكنه من كونه تابعا لافراده في القدم يكون له دوام عرضي لكونه في علم القديم تعالى وهذا مبني على اصله وهو اصل عندنا بل عند الله مجتث لما بينا لك واذا كانت الافراد كلها حادثة فلا دوام له لا بالذات لانه ظلي متجدد الذات ولا بالعرض لكونه تابعا لحادث غير دائم وانما قال واذا كانت الافراد كلها فاكدها بكلها للعموم لان الاقسام عنده ثلاثة في اعتبار عقله الاول تكون افراد الطبيعي الكلي كلها حادثة وفي هذا لا دوام له مطلقا الثاني تكون الافراد كلها قديمة وفي هذا يكون لا دوام له في الذات وله دوام بالعرض وذلك لنزوله منزلة اشراق المشرق الدائم الثالث تكون الافراد بعضها قديم وبعضها حادث كما هو معتقده لقوله بان الوجود مقول على الواجب والممكن بالاشتراك المعنوي وهذا الثالث يفهم من قوله كلها
وقوله { الا في علم الله تعالى } يعني ان الطبيعي الكلي في علم الله تعالى وما في علمه الذي هو ذاته لا يفني كما قال تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق وهذا صحيح الا في قوله الا في علم الله فانه يريد ان الاشياء كلها في علم الله تعالى وليس كذلك لانه يريد ان حقائق الاشياء في علمه الذي هو ذاته وقد قلنا لك ان ذاته ليس فيها شيء غيرها بل العلم في الازل والمعلوم في الحدث حقيقته وصورته وكل شيء منه في الحدث والوجوب مبرء منزه عن كل شيء غير خالص ذاته لانه هو خالص ذاته تعالى لا غير ولو اراد ما اراد ائمة الهدى عليهم السلام بقوله الا في علم الله تعالى لما اعترضنا عليه لانا دائما نقول كل شيء في علم الله تعالى ونريد ان علمه الذي هو ذاته ومعلومه الذي هو ذاته هو الازل واما معلومه الذي هو غير ذاته فهو في الحدث والتعلق الاشراقي به في الحدث فافهم
قال : { واما النفوس بما هي نفوس فوجوداتها ايضا متبدلة حادثة اذ حكمها حكم سائر المنطبعات في المواد اذ نحو وجودها تعلقي والوجود التعلقي يتبدل بتبدل ما يتعلق به من الاجسام والنفس ما دامت نفسا متحدة بالبدن بجنبها الايسر وجنبها السفلي وهي الطبيعة ولها بالقوة جهة عقلية وجنبة عالية اذا خرجت بحسبها من القوة الى الفعل تصير عقلا محضا هو صورة نوعها }
اقول قوله { واما النفوس } اوله يشعر بان المراد منها النفوس الحيوانية الحسية التي هي من الافلاك وآخره يشعر بان المراد منها النفوس الناطقة القدسية واذا ضم اوله الى آخره اشعر بمراده بان النفس واحدة جسمانية مادية متحدة بالاجساد العنصرية وفيها بالقوة جهة عقلية اذا عولجت بالرياضات والعلوم والاعمال كان ما بالقوة فيها بالفعل فكانت عقلا وليس عقل غيرها والمعروف في العقول المستنيرة بنور هداية محمد واهل بيته صلى الله عليه واله ان النفس الحسية من الافلاك وهي النفوس الحيوانية المتحركة بالارادة وهي وان وجدت في الانسان الا انها مغايرة للنفس الناطقة القدسية التي اصلها العقل والنفس الحيوانية مركب الناطقة القدسية المجردة عن المواد العنصرية والمدد الزمانية وهي مركب العقل ومظهره والمروي عن امير المؤمنين عليه السلام شاهد لما قلنا ففي الكافي عن كميل بن زياد قال سألت مولاي امير المؤمنين عليه السلام فقلت يا امير المؤمنين اريد ان تعرفني نفسي فقال يا كميل واي الانفس تريد ان اعرفك فقلت يا مولاي هل هي الا نفس واحدة قال يا كميل انما هي اربعة النامية النباتية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الالهية ولكل واحد من هذه خمس قوى وخاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة والكلية الالهية لها خمس قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غنى وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدؤها من الله واليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل ه وروي عنه ان اعرابيا سئل امير المؤمنين عليه السلام عن النفس فقال عليه السلام عن اي الانفس تسئل فقال يا مولاي هل النفس انفس عديدة فقال عليه السلام نعم نفس نامية نباتية ونفس حيوانية حسية ونفس ناطقة قدسية ونفس الهية ملكوتية فقال يا مولاي ما النباتية قال (ع) قوة اصلها الطبائع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو والزيادة وسبب فراقها اختلاف المتولدات ( المولدات ظ ) فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فقال يا مولاي وما النفس الحيوانية قال (ع) قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها فقال يا مولاي وما النفس الناطقة القدسية قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية فراقها عند تحلل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال يا مولاي وما النفس اللاهوتية الملكية قال قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودتها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدئت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ومن جهلها ضل سعيه وغوى فقال السائل يا مولاي وما العقل قال العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علة الموجودات ونهاية المطالب ه اقول وقد ذكرت في شرح المشاعر بعض بيان هذين الحديثين بما ينفع هاهنا الا ان ذكره او مثله يطول ولكن ظاهر كلام المصنف حيث يقول ان وجودها تعلقي والتعلقي يتبدل بتبدل ما يتعلق به من الاجسام والنفس ما دامت نفسا متحدة بالبدن بجنبها الايسر وهذا ظاهره انما يصدق على الحيوانية الحسية او مع النامية النباتية وهاتان النفسان ليس في واحدة منهما ولا فيهما معا قوة تحصل برياضة او باعمال لان تكون عقلا انسانيا لا بالفعل ولا بالقوة على نحو الاستقلال وانما قلت بالاستقلال لانهما مع المتمم يمكن ذلك فيهما فان الله سبحانه لو اراد ذلك كملهما بامداداته وتأييداته بان يقلبها عقلا او عاقلا وهو على كل شيء قدير
واما النفس الناطقة القدسية التي توهم المصنف انها هي التي عناها بوصفه فهي في الانسان الجزئي كاللوح المحفوظ في الانسان الكلي وهي النفس اللاهوتية الملكية التي ذكرها امير المؤمنين عليه السلام اخيرا بانها ذات الله العليا يعني اللوح المحفوظ فان النفس القدسية كلمة من ذلك الكتاب وشعاع من اشعته وقد قال عليه السلام في الكلية الملكية التي هي اللوح المحفوظ اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودتها اليه اذا كملت وشابهته فقوله عليه السلام اذا كملت وشابهته يعني انها اذا بلغت الرتبة السابعة للنفس وهي الكمال الذي هو غاية مبلغها شابهته اي شابهت العقل وتكون اخته لا تفعل الا ما يريد منها ولا تحب الا ما يحب وهذا تأويل قوله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين لان العقول يعلموهن مما علمهم الله من امتثال جميع اوامره واجتناب جميع ما نهى عنه لا انها تنقلب عقلا فيكون اللوح المحفوظ هو القلم وفي الباطن ايضا لو صح ما ادعاه كان علي عليه السلام هو رسول الله صلى الله عليه واله لان عليا عليه السلام وصل مبلغ ما يمكن له بالفعل الا ان العقل الذي هو القلم غير النفس التي هي اللوح المحفوظ ورسول الله صلى الله عليه واله غير علي عليه السلام والنفس الناطقة القدسية في الجزئي كزيد اذا كملت فكان ما بالقوة فيها بالفعل كانت اخت عقله كالكلية في الكلي لا انها هي عقله كما زعم المصنف من ان العقل لا وجود له وانما الموجود النفس اذا كملت كانت عقلا كما يأتي في كلامه فان من قال بهذا فهو صادق في حق نفسه وكيف لا يكون العقل غير النفس وسيد العارفين امير المؤمنين عليه السلام قال ان النفس اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وهذه الكاملة ولم يجعلها هي العقل وقال اذا كملت وشابهته وقال عليه السلام في رواية كميل الاولى بعد ذكر جميع النفوس والعقل وسط الكل يعني انه لب النفوس الاربع وروحها وهو صريح في انه غيرها
واما قول المصنف { متحدة بالبدن الخ } صريح في ان المراد منها الجسم العنصري وهي النباتية لا غير وان اراد بالاتحاد السريان احتمل تناول الحسية لانها شعلة من نفوس الافلاك وقد ذكرنا ذلك وهو ان البدن سار فيه الدم والدم متعلق بالعلق التي في تجاويف القلب اعني الجسم الصنوبري في الجانب الايسر منه اكثر كما يشير اليه المصنف بقوله بجنبها الايسر والعلق متقوم بدم اصفر حامل للحرارة الغريزية بابخرته لان الابخرة مركبة من جزء من الحرارة النارية وجزء من الرطوبة الهوائية وجزءين من البرودة المائية وجزء من اليبوسة الترابية فامتزجت الاجزاء الخمسة من العناصر الاربعة بالطبائع الاربع وبكر الافلاك والقاء اشعة الكواكب حتى نضجت الاجزاء نضجا معتدلا وتلطفت بالطبخ حتى ساوت الاجزاء في اللطافة والاعتدال فلك القمر فاشرقت نفسه على تلك الاجزاء فتحركت بالحركة الارادية ولذا قال عليه السلام قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك وهذه هي النفس الحيوانية الحسية ولا تكون عقلا لانها اذا فارقت تلك الابخرة رجعت الى نفس الفلك فامتزجت به كامتزاج قطرة الماء بالبحر وهو قوله عليه السلام فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها فان كان يعتقد ان امير المؤمنين عليه السلام كان عارفا بالنفس كان كلامه كله خطأ
وقوله { تصير عقلا محضا هو صورة نوعها } فيه ما قلنا فان العقل لا يكون صورة نوع الاجسام المتحدة بالعنصريات بل صورة نوع الناطقة القدسية التي هي من المفارقات بذاتها
قال : { واما المفارقات المحضة والصور المجردة ففيها كلام آخر يعرفه الموحدون المكاشفون من ان لا وجود لها بحسب انفسها وذواتها مطموسة منغمسة في بحر الاحدية وهي صور ما في علم الله وحجب الالهية وسرادقات عظمته ولو لم تكن هذه الحجب النورية لاحرقت سبحات وجهه كل ما في السموات والارضين كما ورد في الحديث فله سبحانه شؤن الهية ومراتب نورية ليست هي من افراد العالم ولا من جملة ما سوى الله لانها صور ما في الفضاء والعالم الربوبية }
اقول { واما المفارقات المحضة } يعني الخالصة احترازا عما فيها اقتران ولكنه يخرج النفوس وان كانت مفارقة بالذات لانها مقارنة بالافعال والافعال عنده تتحد بالذات فتخرج النفوس عن المفارقات المحضة والقياس على قاعدته انها تدخل في المفارقات المحضة لان الافعال اذا اتحدت بالذات كانت بحكم الذات فتكون افعالها مفارقة بالذات كالذات وان اقترنت بالعرض فالحكم للذاتي لا للعرضي فاخراجها لا يصح على قاعدته ولا على قاعدتنا ويريد بالصور المجردة الصور العلمية وهي في علمه الذي هو ذاته ولا يصح هذا الكلام سواء جعل الصور في علمه الذاتي لانها في ذاته ام خارجة عن الذات لازمة له معلقة بها تعلق الظل بالشاخص يعني ان هاتين المفارقات المحضة والصور المجردة فيها كلام اي لها توضيح لغامض سرها يعرفه من عرفه الله سبحانه ذلك ولا شك ان ذلك من الاسرار الا انه لا يعرفه الا المكاشفون ويعني بهم الصوفية فليس بصحيح وانما يعرفه من عرفه الله وهم المعصومون عليهم السلام ومن اقتصر على الاخذ منهم ثم انه بين تلك الاسرار على ما عنده وعند اصحابه الصوفية فقال من ان لا وجود لها بحسب انفسها وذواتها مطموسة منغمسة في بحر الاحدية ويريد ان الوجود المنسوب اليها ليس وجودا لها وانما هو وجود الحق سبحانه وتعالى فهي الله بلا هي كما يقول هو واتباعه واصحابه انا الله بلا انا لانه مبني على القول بوحدة الوجود وانما قال وذواتها مطموسة لان مشخصاتها موهومة مثل خط المهر في القرطاس فانه ابيض لانه جزء من القرطاس وانما تميز انه خط بتحديد المداد من المهر فالخط الابيض ذاته مطموسة في القرطاس ولا شك ان هذا هو وحدة الوجود لان القرطاس والخط الابيض من المهر شيء واحد والمداد المحدد للخط ولهذا قال منغمسة في بحر الاحدية قال في كتاب السير المرتبة الاحدية هي المرتبة المستهلك فيها جميع الاسماء والصفات وتسمى جمع الجمع انتهى وقال عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل : والاحدية عبارة عن مجلي ذاتي ليس للاسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية انتهى وهذا تفسير الصوفية للاحدية والمصنف الظاهر من كلامه هنا وغيره انه يريد ما ارادوا من ان اول تجل للذات البحت ما تجلت بذاتها فيه من غير فعل ولا ارادة واعلى مظاهرها هو الالوهية وهي عندهم جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها قال في الانسان الكامل : واعني بحقائق الوجود احكام المظاهر مع الظاهر فيها اعني الحق والخلق انتهى والاحدية عندهم اعلى الاسماء التي تحت هيمنة الالوهية فيريد المصنف بانغماس تلك المجردات ان ذلك المظهر الذاتي اي بالذات من غير فعل ولا ارادة غير العلم الذاتي كما مثلنا بالقرطاس وهو الاحدية ان تلك المفارقات المحضة منغمسة فيه كانغماس الخط الابيض من المهر في القرطاس والاحدية وما فيها بعد رتبة الالوهية وهي بعد رتبة الذات ووجود الكل نفس وجود الذات اذ الكل ازلي والكل واجب بوجوب الذات وان هذه المفارقات المحضة لم تدخل تحت كن وهي صور ما في علم الله فتلزمه في كلماته مفاسد منها ما يلتزمها ويرى انها مصالح لا مفاسد وانها مذهب ائمتنا عليهم السلام ومنها تلزمه من غير شعور فمن الاول القول بوحدة الوجود ومنها انها اشياء غير الله تعالى معه وانها غير مجعولة بل هي لوازم الذات وشؤنه ومنها انها متغايرة متمايزة غير مغايرة لذاته وانها خارجة عن ذاته لان رتبتها بعد رتبة ذاته وانها صور علمه الذي هو ذاته وانها معلقة بالذات تعلق الظل بالشاخص وان وجوداتها من سنخ وجوده وامثال هذه المفاسد وكلها يلتزمها وما يلزمه فيها وفي امثالها ما ذكرنا فيما تقدم كثيرا من ذلك ان القول بوحدة الوجود نقل علماء الشريعة الاجماع الكاشف عن دخول قول صاحب الشريعة عليه السلام على كفر القائل به مع ما دلت الاخبار الصحيحة على ذلك ومع بطلان الوعد والوعيد والثواب والعقاب بل اصل الجنة والنار وبطلان النظام ومن ذلك تعدد القدماء وان الاشياء قديمة وهي لوازم الذات واثبات اللوازم للذات موجب لحدوث الذات لما بينهما من الاقتران المستلزم للاجتماع او الافتراق وان شؤن الذات ليست مع الذات في رتبتها فاثبات القدم لها تناقض اذ القديم هو الذي لا يسبق بغيره ولا يفقد في رتبة قبله وكذا اذا كانت متمايزة غير مغايرة للذات البسيطة الاحدية المعنى وكذلك كونها خارجة عن ذاته وكذا في كونها صور علمه الذي هو ذاته وانها معلقة بالذات وكذا ما بين هذه وبين كونها عين ذاته ومن سنخ وجوده اذ هذا كله هو المعروف من خطاب صاحب الشريعة عليه السلام الذي امره الله ان تبلغ المكلفين ما ارسله به فان كان قول هؤلاء حقا فمابلغ رسول الله صلى الله عليه واله رسالة ربه لانه خاطبهم بغير ما اراد الله من امره ونهيه وما اشرنا اليه من مراد المصنف هو مثل قوله فله شؤن الهية ومراتب نورية ليست هي من افراد العالم ولا من جملة ما سوى الله فاذا ثبت شؤن ومراتب ليست من افراد العالم ولا من ما سوى الله وهي كثيرة متعددة متغايرة وليست هي سواه كان هو تعالى متعددا متغايرا
وقوله { لانها صور ما في القضاء الالهي والعالم الربوبي } يريد ان المفارقات المحضة هي صور العلم والحكم الالهي ويريد بالعلم القديم والحكم بالرضا او العناية على ما يريدون منهما ويرجع محصل كلامه على معنى ما ذكرنا مما لا فائدة في اعادته
قال : { وتلك الصور هم المهيمون الذين لم ينظروا الى ذواتهم قط لفنائهم عن ذواتهم واندكاك جبل انياتهم مع كونهم اشعة واضواء عقلية للنور الاول باقية ببقائه لا بابقائه وليست هذه الرسالة ما يسع فيه بيان هذا المطلب الغامض الشريف والمقصود هيهنا الاشارة الى حدوث الاجسام وصورها وقواها واما العقل فلم يثبت وجوده عندنا والمتكلمون انكروه فلا حاجة بنا الى ان نتكلم في حدوثه }
اقول يشير الى ان تلك الصور العلمية ملائكة هيمتهم انوار جمال الله وحبه حتى انهم لم ينظروا الى ذواتهم بل قصروا انظارهم على النظر الى جماله فهيمهم حبه عن ذواتهم وفنوا عنها وهذا الى هنا كله صحيح وظاهر كلامه الاول يخالف هذا حيث قال من ان لا وجود لها بحسب نفسها وذواتها مطموسة منغمسة في بحر الاحدية لانه يدل على فناء وجودها بحسب نفسها بل هي ممتزجة بالانوار الاحدية وليس كذلك وانما فنيت في تلك الانوار فناء وجدان لا فناء وجود وان اراد بقوله بحسب نفسها بمعنى عند انفسها فحسن الا ان العبارة انما تدل بمعونة باقي الكلام وانما وجهنا عبارته هذه فيما سبق على غير ما تحتمله من الصحة لانه هو المعلوم من مذهبه فحملناها على مذهبه لا على ما تحتمله
وقوله { واندكاك جبل انياتهم مع كونهم اشعة واضواء عقلية } ان اراد بالاندكاك الفناء اصلا فهو غلط وكل من قال بالفناء من الصوفية فقد غلط لان الفناء الذي يتحقق به كمال وصول العبد هو ان يبقى من انيته ما يصلح به شعور ما يكون به غير ناظر الى نفسه ويكون به ناظرا الى ربه واما الذي يريدونه فهو في الحقيقة عن نفسه فهو اغماء لا يحس بشيء لا بنفسه ولا بغيره ولا بربه ولهذا حكم اكثر الفقهاء ببطلان وضوئه ولو كان ذلك وصولا لما انتقض وضوءه وروى ابن حمزة من علمائنا نقض الوضوء بالاغماء عنهم عليهم السلام وذكر للصادق عليه السلام عن اهل هذه الطريقة وان الرجل منهم ليصعق حتى يقع فقال عليه السلام ما بهذا امروا واما الفناء المحمود فهو ان يشعر بربه الا انه كالذي في النار وكما قال الصادق عليه السلام في وصف الصادقين قال (ع) ومثل الموصوف بما ذكرنا ان يكون كمثل النازع روحه ان لم ينزع فماذا يصنع ه وما ذكره بعض منهم عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل : ان الوصول ليس هو الفناء في الله وانما هو البقاء بالله وهو رد منه على القائلين بالفناء ولكنه لم يرد ما نريد من ان الواصل هو من وجد الله لا غير وانما يريد ان الواجد والموجود والوجدان شيء واحد ولهذا يقولون هو واصحابه انا الله بلا انا وكذبوا وانما هم حمير من سائر خلق الله الذين اصواتهم وكلامهم انكر الاصوات بل الواصل من لم يجد بالوجدان الذاتي الا الله وله جهة بها يجد عرضية كالناظر في المرءاة ليرى وجهه فانه يرى الزجاجة بالعرض واذا نظر الى صفاء زجاجة المرءاة فانه ينظر وجهه بالعرض ولم يصل احد من حمير الصوفية واتباعهم الرعاع اتباع كل ناعق مثل ما وصل رسول الله صلى الله عليه واله ليلة المعراج من مقام او ادنى ولافنى احد كفنائه وبقى من انيته جهة عرضية بها سمع الخطاب ورد الجواب وقد اشار الصادق عليه السلام الى ما قلنا كما رواه في الكافي قال عليه السلام الى ان قال وكان كما قال الله تعالى قاب قوسين او ادنى قيل ما قاب قوسين او ادنى قال ما بين سيتها الى رأسها قال فكان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا اعلمه الا وقد قال زبرجد الحديث والمراد بالحجاب والله اعلم انيته وقوله يتلألأ بخفق اي باضطراب يكاد يفنى من سطوات الانوار ولم يقل ليس بينهما او فنى اصلا بل قال باضطراب
واما التشبيه باندكاك الجبل لموسى عليه السلام فهو تشبيه مطابق من جهة المعنى فان جبل موسى عليه السلام لما تجلى له النور تقطع فكان ثلثه ذرا وهو الموجود في الهواء بين الارض والسماء وثلث منه ساخ في البحر وثلث ساخ في الارض فهو يهوى الى الساعة كذلك الانية اندك جبلها فذهب ثلثه في هواء الروح وثلثه في بحر النفس وثلثه في ارض الجسد وفي الجهات الثلاث بقي منه ذر وهو بقية الشعور الذي اشرنا اليه وكونهم اشعة اشارة الى استمدادهم وافتقارهم وكونهم اضواء لانهم يمدون من دونهم من فاضل انوارهم وكونهم اضواء عقلية ظاهر
وقوله { للنور الاول } يريد انهم انوار للحق تعالى اي لذاته كما هو المعروف من مذهبه وهو باطل لاستلزامه التشبيه بمثل الشمس والقمر والسراج وما اشبهها تعالى الله عن ذلك وقد ورد النهي عنه عنهم عليهم السلام وانما المراد انهم انوار لفعله اي آثار منيرة
وقوله { باقية ببقائه لا بابقائه } هذا ايضا باطل لاستلزامها الاستغناء بانفسها وان كانت بتبعيته اذا كانت غير مجعولة بل هي من اللوازم الذاتية وانما هي جواهر منيرة احدثها الله بفعله ولم تك قبل احداثه مذكورة بذكر ما وانما تبقى بابقائه وامداده لا كما يقول العادلون بالله لاستلزامه استغناء غير الله عن الله تعالى ودعوى انهم ليسوا غير الله باطلة لما بينا سابقا
وقوله { وليست هذه الرسالة ما يسع فيه بيان هذا المطلب الخ } يشير به الى ان بيان هذه الامور قد اشبعنا فيه البحث في كتابنا الكبير والذي ذكر في الكتاب الكبير لا يزيد على ما ذكر هنا في بيان كنه المفارقات المحضة وانما اطال في ذكر صفات افعالها مثل انهم لا يغفلون عن ذكر الله مستغرقون في انوار جماله مستهترون بذكر آلائه وافضاله وامثال هذه وليس في هذه بيان زيادة مطلب على ما هنا فراجع تجد
وقوله { واما العقل فلم يثبت وجوده } صحيح في حقه وحقهم فانهم لو ثبتت لهم عقول لما قالوا ما قالوا ولما انكروا ما اثبته الله وصاحب الشريعة عليهم السلام حيث الله يقول افلا يعقلون ويقول ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب اي عقل او القى السمع وهو شهيد وايات الكتاب واحاديث الائمة الاطياب عليهم السلام مثل ما في اول الكافي والبحار وغيرهما لا تكاد تحصى كلها صريحة في اثبات العقول لجميع المكلفين وايضا كيف يثبت عقل الكل للانسان وانه غير نفسه نفس الكل وهما القلم واللوح ويعترف بان الانسان الصغير انموذج من الكبير وكل ما في الكبير يوجد مثاله وصورته الجزئية في الصغير ويستشهد على مطالب كثيرة بقول علي عليه السلام على قول كثير من العلماء :
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
ولا يثبت لغيره عقلا فينبغي ان يثبت لغيره وان لم يثبت لنفسه اما لغيره فالدليل الذي يعترف بصحته واما هو فلاعترافه على نفسه وايضا اذا كان ينفي الطفرة في الوجود ويقول ان النفوس من النفس الكلي والارواح من الروح الكلي والنفس الكلي من الروح الكلي والروح الكلي من العقل الكلي فان كانت النفوس الجزئية من العقول الجزئية ثبتت لنا عقول وان كانت من النفس الكلية لم تكن عقولا كما لم تكن النفس الكلية عقلا بالطريق الاولى وان كانت من العقل الكلي ثبتت الطفرة في الوجود ولم يثبتها هو وقد دلت الروايات على ان الله سبحانه خلق الف الف عالم والف الف ادم نحن في اخر العوالم واخر الادميين وكل ادم فذريته من نوعه فالاول هو المشية الكلية واولاده المشيات الجزئية كل مشية تتعلق بفرد من الخلق لا تصلح لغيره والثاني النور المحمدي صلى الله عليه واله وذريته انوار الانبياء مائة واربعة وعشرون الف نبي والثالث ارض القابليات المسماة بالارض الجرز وبالبلد الميت وبالزيت الذي يكاد يضيء ولو لم يمسسه نار وذرياته قابليات من هو دون محمد واله صلى الله عليه واله كالانبياء عليهم السلام وتطلق الدواة مرة على الثاني ومرة على الثالث والرابع عقل الكل وهو النور الابيض والقلم وذرياته العقول الجزئية لا النفوس والخامس الروح الكلية وهو النور الاصفر وذريته الارواح الجزئية والسادس النفس الكلية وهي نفس الكل واللوح المحفوظ وهو النور الاخضر وذريته النفوس والسابع طبيعة الكل وهو النور الاحمر وذريته الطبائع الجزئية وهكذا الى اخر العوالم ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وهذا من دليل الحكمة وهو الحجة القاطعة لاولي الافئدة فافهم
قال : قاعدة الفاعل المباشر للتحريك في جميع اقسام الحركة ليس الا الطبيعة وهي مبدأ كل حركة بالذات سواء كانت باستخدام النفس اياها كما في الحركة الارادية او بقسر قاسر كما في القسرية كحركة الحجر الى فوق او بغيرهما كما في المسماة في الطبيعة فالحركة بمنزلة شخص روحه الطبيعة
اقول الفاعل المباشر للتحريك ان اريد بالمباشرة الملامسة اي ملاصقة الفاعل بالمفعول فلو قلنا بان الطبيعة غير الحركة فقوله متجه وان قلنا ان الطبيعة هنا هي الحركة فان معنى ذلك ان طبيعة المفعول هي الانفعال الذي هو قابليته هو الحركة اي حركته لقبول تأثير الفاعل وان اريد بالمباشر المؤثر للفعل لا المؤثر للانفعال فالفاعل هو المؤثر القريب وهو الملك الخلاق باذن الله تعالى كما هو ثابت في المذهب ودلت عليه الاخبار كما روي عن الصادق عليه السلام ما معناه ان النطفة اذا وقعت في الرحم ارسل الله ملكين خلاقين يقتحمان بطن الامرأة من فمها فيقولان يا ربنا نخلقه ذكرا ام انثى فيأمرهم ثم يقولان شقيا ام سعيدا فيأمرهم بما يريد والى نحو هذا اشار بقوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ولا يصح ان يكون الفاعل المباشر هو الطبيعة ولو على فرض كونها غير الحركة الا على رأي الدهرية او على رأي هذه الجماعة من ان الفاعل هو المفعول كما صرح به في اتحاد المعقول بالعاقل والمفعول بالفاعل قال الملا محسن في الكلمات المكنونة كما تقدم من قوله : ذات اسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى فالفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدى يديه والقابل بالاخري والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى واما على مذهب اهل البيت عليهم السلام فالفاعل ليس هو المفعول والطبيعة التي نسبوا اليها الفاعلية ليست في الفاعل وانما هي في المفعول والمفعول لا يخلق نفسه الا على رأي هذا الخلق المنكوس الا ان اراد بالفاعل المباشر للتحريك فاعل القبول للايجاد فتصح نسبة الفاعلية الى القابلية كما قال تعالى فيكون بعد قوله كن
وقوله { سواء كانت باستخدام النفس اياها كما في الحركة الارادية او بقسر قاسر كما في القسرية } قد قدمنا عليه ان الطبيعة غير النفس فيكون ذرات النفس في انفسها غير متحركة لان المتحرك هو طبيعتها لا هي وهي غير طبيعتها فينتقض عليه حدوث النفس لان ذراتها قارة ساكنة لذاتها فيكون الكون غير متعلق بها وانما تعلق بمقاديرها ونظمها وهي حركات في اوضاعها لا في ذراتها فهو قول بقدم الاجزاء التي لا تتجزأ وثبوتها وقد قدمنا ان القسر لا يتحقق في الكون على جهة الواقع والحقيقة اصلا كما حققناه في الفوائد وفي شرحها وانما وجوده في العالم كله صوري اذ كان الفاعل مختارا والفعل احدثه الله بنفسه اي نفس الفعل بالاختيار والمفعولات كلها اثار الفعل وتأكيداته كلها يجب ان تكون مختارة بموجب دليل الحكمة والقسر ليس له مبدء والموجود مما يصدق عليه الاسم ظاهرا ما يرجع الى العسر والحرج والضيق التي جرت احكام الملة الحنيفية السهلة على نفيها لان الله سبحانه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر فقال ماجعل عليكم في الدين من حرج واستخدام النفس لصفتها في التحرك موجب لتبدل الحركة بل والمتحرك اعني الطبيعة وهي صفة المستخدم وتجدد الصفة لا يستلزم تجدد الموصوف ما لم تكن متحدة به وتحريك القاسر لو ثبت لا يستلزم تجدد المقسور والتشبيه بحركة الحجر الى فوق لدافع قوي لقسر القاسر مبني على الامر المتعارف عند عوام الناس والا فالحجر في صعوده مختار الا ان اختياره ناقص فتمم نقصه الدافع لان الصعود ممكن في حقه الا ان النزول ارجح لان الله سبحانه وكل به ملكا ينزل به الى حيث امره الله عز وجل لحكمة حمل الانسان وجعل شهوة الحجر تابعة لميل الملك واذا دفعه دافع الى فوق اعان قوة العضو الملك الموكل بعضو الدافع وجعل شهوة ميل الملك المنزل للحجر تابعة لميل الملك الموكل بالعضو الدافع الى ان ينتهي ميله الى الصعود وهو مقدار ما امره الله عز وجل به فاذا انتهى ميله وارتفع نزل الملك المؤكل بانزال الحجر الى اسفل فامكان الصعود من الحجر من نوع امكان النزول منه وانما ترجح النزول لحكمة حمل الانسان وهذا الكلام الذي ذكرته في بيان هذا السر الاعظم والطلسم المبهم نبهوا عليه ائمة الهدى عليهم السلام وعرفه اولوا الافئدة وما اكثر من ينكره لقصور عقله عن نيله
وقوله { كما في المسماة في الطبيعة } يعني غير الحركة الارادية والقسرية الطبيعية وقد سمعت الكلام في ان كل حركة ارادية بمعنى ان شاء فعل المتحرك وان شاء ترك الا ان الارادة مختلفة بالنسبة الى افراد العالم في الشدة والضعف كل شيء ارادته واختياره بنسبة مرتبته من الوجود ولاجل هذا انكر اكثر الافهام الاختيار والارادة فيما سوى الحيوان لانهم يطلبون من اختيار الجمادات واراداتها مثل اختيار الانسان المكلف وارادته ولم ينظروا في كل شيء بحسبه فلذا فاتهم اكثر الاسرار والحقائق
وقوله { فالحركة بمنزلة شخص روحه الطبيعة } هذا على فرض مغايرة الطبيعة للحركة الذاتية صحيح
قال : والذي استشكله بهمنيار موافقا لاستاده في النفسانية من انه كيف استحالت الطبيعة محركة للاعضاء خلاف مقتضاها ولا رعشة عند تجاذب مقتضى النفس ومقتضى الطبيعة انما ينحل اشكاله بان الطبيعة المسخرة للنفس طوعا التي هي قوة من قواها تستخدمها وتفعل بتوسطها افاعيل البدن غير الطبيعة الموجودة في عناصر البدن واعضائه بالعدد بل مرتبة من مقامات النفس والتي تبقى في البدن بعد انقطاع علاقة النفس غير ما ذكرنا وانما يقع الاعياء والرعشة والمرض والفساد وغير ذلك بسبب تعصي الثانية عن النفس دون الاولى فللنفس طبيعتان مقهورتان احديها منبعثة عن ذاتها والثانية لعنصر البدن يستخدم احديهما لها طوعا والثانية كرها
اقول انما ذكر اشكال بهمنيار لانه لما نسب الحركة الى الطبيعة ذكر الاشكال وهو انه كيف تكون الطبيعة تحرك الاعضاء ومقتضى الاعضاء وسائر الاجسام السكون فتحركها ومقتضاها السكون ولا تقع رعشة وهي المركبة من حركة غير مستقرة تامة ومن سكون غير مستقر تام لان الذي ينبغي ان يحدث من مقتضى الطبيعة وهو الحركة ومقتضى النفس في محبتها لسكون الاعضاء طلبا للراحة لان النفس مع تحرك الاعضاء كحال الماشي والعامل تحتاج الى التبديل من الامزجة عند التحليل ويحصل لها تعب بخلاف حالها في النوم والسكون رعشة اي تحدث رعشة عند تجاذب مقتضى الطبيعة ومقتضى النفس وتصادمهما فقال المصنف في حل الاشكال ان الطبيعة المسخرة للنفس طوعا بمعنى الباعثة لها على تحريك الاعضاء لا على نحو القسر لانها طبيعتها وطبيعة الشيء قوة من قواه فهي قوة من قوى النفس وقوة الشيء لا تقسره لانها عبارة عن ميله او عن باعثه الى الميل وهو محبته للميل فهو باختياره فهي تستخدم النفس وتفعل الطبيعة بتوسط النفس او بالعكس على اختلاف المقامات والمراتب تفعل افاعيل البدن هي غير الطبيعة الموجودة في عناصر البدن وطبائعه سارية في اعضائه فان تلك غير هذه بالعدد وان كانت الثانية مركبا للاولي والاولى روحها فان الاولى مرتبة من مقامات النفس واول تنزلاتها واما التي في الجسم اي البدن وهي التي تبقى في البدن بعد انقطاع علاقة النفس عنه لانها طبيعة نباتية نامية واختيارها ضعيف لا يحس في مقام اختيار الحيوان والاولى حيوانية حسية فلكية شأنها الحركة والنفس شأنها الحركة فلا تكون بينها في التحريك وبين النفس تجاذب وتدافع فلا تقع بمقتضاهما رعشة لعدم التنافي وانما يقع التنافي بين النفس في مقتضاها وبين الثانية ومقتضاها فيقع الاعياء في الاعضاء عند مصادمة الدافع للماسك وبالعكس والرعشة لاجتماع الحركة والسكون وتداخل اجزائهما والمرض لمصادمة الدافعة للجاذبة والماسكة للهاضمة وبالعكس بسبب تعصي الثانية عن طاعة النفس لان النفس اذا استخدمت الجاذبة لتحصيل الغذاء وعارضتها الماسكة او الماسكة لحفظ المزاج وثباته وعارضتها الجاذبة او الدافعة او الهاضمة لاصلاح الكيموس او الكيلوس وعارضتها الجاذبة او الماسكة حدث المرض والفساد فللنفس طبيعتان مقهورتان تحت سلطنتها احديهما طبيعة ذاتية شأنها كشأن النفس منبعثة عنها لانهما معا فلكيتان متحركتان بالذات وثانيتهما لعنصر البدن نباتية نامية منبعثة من الهاضمة تنسب الى النفس لكونها من القوى الحاملة لها فهي بيت من بيوت النفس فالنفس تستخدم الاولى طوعا من الاولى واختيارا لما اختارت النفس لانها صفتها الموافقة لها في المقتضى وتستخدم الثانية كرها على الظاهر لكون شأنها السكون وهو غير شأن النفس واما على الباطن فتستخدمها طوعا الا انها لكثافة ذاتها وضعف نورانيتها تكون بطيئة فتثقل على النفس لسرعة حركة النفس فلذا قيل مكرهة وهي مطيعة لكنها ليست من السابقين
قال : { تفريع، فعلى هذا تظهر صحة كلام الفيلسوف الاول ان حركة الفلك طبيعية وان نفسه منطبعة والذي ظهر لنا بالبرهان الكاشف النير ان ذات الفلك وطبيعته ونفسه الحيوانية شيء واحد بالوجود والتشخص متفاوت في النشئات الثلاث وليست للفلك نفس مجردة بل له نفس حيوانية خيالية حاكية لصورة عقلية متشبهة بها متصلة بها كاتصال الشعاع بالنور كما ان طبيعة الفلك متصلة بنفسه الخيالية كاتصال الظل بالشاخص لكن طبيعة الفلك ونفسه الحيوانية بقوتها العلمية داثرتان هالكتان لتجددهما وسيلانهما وله كلمة باقية عند الله ثابتة في علمه لقوله ما عندكم ينفد وما عند الله باق }
اقول مراد الفيلسوف يوهم ظاهره موافقة كلام المصنف من ان الطبيعة هي المحركة لذي الطبيعة وهي التي تنشأ منها حركة ذي الطبيعة لا ان الحركة هي نفس طبيعته كما رجحناه بدليل الحكمة وذلك ان قول الفيلسوف ان حركة الفلك طبيعية منسوبة الى طبيعة الفلك فهي ناشية عنها وقوله ان نفسه اي الفلك منطبعة فيكون لنفسه طبيعة ولطبيعته حركة وهذا موافق لرأي المصنف والذي اراه ان كلام الفيلسوف كما يحتمل كلام المصنف يحتمل انه اراد بطبيعية معنى ذاتية كما نقول وذلك ان الفلك حركته هي حركة نفسه ونفسه حيوانية حسية والحيوان طبيعته هي الحركة ولهذا كان بفتح الياء اشعارا بان وضعه لذي الحركة كما قيل في الطيران والغليان والنزوان فالحركة ليست صفة للطبيعة وانما هي صفة لذي الحركة والمتحرك الذي طبعه الحركة كالنفوس والارواح يقال له تحرك بطبيعته يعني من شأنه التحرك والذي طبعه الحركة لا يراد منه ان فيه طبيعة غيره وغير حركته بل الحركة هي طبعه ونفسه منطبعة اي نفسه طبيعية يعني ليست ناطقة قدسية وانما خلق الفلك بطبعه متحركا ولذا قال المصنف وليست للفلك نفس مجردة يعني الناطقة
وقول المصنف { والذي يظهر لنا بالبرهان الكاشف النير الخ } مثل سائر اقواله فيما يدعيه فنقول ان اراد ان الفلك نفسه هو طبيعته وهو نفسه فالحركة من الجرم انبعثت من غير تعدد لا في الخارج ولا في نفس الامر وان كانت متعددة في الذهن لتعدد المفهوم كما هو ظاهر كلامه ان ذات الفلك وطبيعته ونفسه الحيوانية شيء واحد بالوجود والتشخص فيكون قوله متفاوت في النشئات الثلاث ان الفلك في نشأة النفوس تشخص بنسبتها في اللطافة وفي هذه النشأة تشخص بتشخص الاجرام وفي النشأة الطبيعية يتشخص بالتشخص الطبيعي اللطيف الذي هو بمنزلة اجسام الاخرة والا فليس الا شيء واحد يتطور في كل نشأة بطورها وهو باطل لما ذكرنا سابقا من ان صنع الحكيم تعالى في كل شيء على نمط متشابه وهو سر قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هيهنا ه ونحن نجد انفسنا غير اجسادنا وغير طبائعنا ونجد لب اللوز دهنه غير ثفله ونجد الاشجار نفوسها النامية النباتية غير خشبها واذا يبس الخشب ذهبت نفسه وبقي الخشب كالميت من الحيوانات ولم نجد شيئا في العالم الا وله نفس قام بها وجرم تقومت به نفسه فلو صح اتحاد الفلك ووحدته لوجد له مثل سبحان من لا مثل له قال الرضا عليه السلام ان الله تعالى لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه واثبات وجوده ه وان اراد ان الثلاثة جرم الفلك وطبيعته ونفسه كلها من نوع واحد او من جنس واحد فنفس الفلك وطبيعته وجرمه ليس منها شيء مما في الفرس ومما في النخلة ومما في الانسان وبالعكس بل من نوع الافلاك كما انها في الانسان من نوعه لا من نوع الشجر ولا من نوع الحيوان وهكذا فهذا في الظاهر صحيح لكن الفلك لا يختص بهذا التخريج بل كل الاشياء هكذا فلا فائدة في خصوص ذكره وايضا لا يحسن تعقيبه لو كان المراد هو الفرض الثاني بقوله متفاوت في النشئات الثلاث لانه لا ينطبق الا على الاول
وقوله { بل له نفس حيوانية خيالية } اي مدركة كما للحيوانات العجم وكلامه هذا بان له نفسا لا ينافي اتحادها فله ان يقول له نفس هي طبيعته وجرمه حاكية اي مشابهة لصورة عقلية اي لنفس الانسان فانها عنده صورة لعقل كما مر متشبهة بها في صفاتها الا انها عرض لنفس الانسان لقوله متشبهة بها في تحريكها وفي ادراكها للصور متصلة بها كاتصال الشعاع بالنور لانها مركب لنفس الانسان واعلم ان العارفين اتفقوا على ان العالم الصغير اعني الانسان طبق العالم الكبير فيه جميع ما في الكبير ففي الكبير عرش وكرسي وسبع سموات فيجب ان يكون في الصغير كذلك فقابلوا بينهما فالعرش في الصغير هو قلبه والكرسي فيه نفسه والعقل فيه اي تعقله فلك زحل والعلم فيه فلك المشتري والوهم فيه فلك المريخ والخيال فيه فلك الزهرة والفكر فيه فلك عطارد والحيوة فيه فلك القمر فالافلاك لها نفوس كنفوس القوى المذكورة من الانسان وما في الانسان مثل لما في الافلاك لانها كلية بالنسبة الى الانسان ولان الانسان خلق من عشر قبضات من اشعة الافلاك التسعة والقبضة العاشرة من العناصر فالاصل هو الافلاك وما في الانسان فرع من اشعته وذلك لان الله تعالى امر كلمته فقبض من كل فلك من الافلاك التسعة قبضة كما ذكر والقبضة العاشرة من العناصر الاربعة لمادة جسده لكن لتعلم ان كل قبضة من الافلاك يأخذها كلمته من نفس الفلك للروح ومن جرمه للجسد مثلا قبض من فلك المحدد القلب ظاهره من ظاهره وباطنه من باطنه فيكون مخ الدماغ من جرم فلك زحل والتعقل المتعلق به كاشراق نور الشمس على الجدار من نفس زحل وهكذا الجميع ومثال القبض للنفوس من نفوس الافلاك مثل ما اذا وضعت المرءاة في نور الشمس فانه ينعكس عن المرءاة نور من دون ان ينقص النور الذي في الجدار او الارض واما قبض الاجسام فحيث دارت الافلاك والقت اشعتها بواسطة الملائكة الحاملة القتها مصحوبة لابخرة مائية اثارتها قدر اربعة اجزاء تقريبا وترابية من الهباء المنبث في الهواء الذي يلي الارض قدر جزء تقريبا فانحلت اليبوسة في الرطوبة بحرارة النزول واشعة الكواكب فوقعا ماء على الارض فاختلط به نبات الارض بان انحل منه جزءان في جزء من الارض فكان منهما النبات فكان منه الطعام فكان منه النطفة فكان منها الجسد ذلك تقدير العزيز العليم والحاصل ان جرم الفلك كجسد الحيوانات لان الحيوانات منه كما اشرنا اليه فقوله حيوانية خيالية صحيح حاكية لصورة عقلية ليس بصحيح وانما تحكي لصورة نفسية متشبهة بها لانها ظاهرها متصلة بها كاتصال الشعاع بالمنير لا بالنور لان النور هو الشعاع الا ان يراد به كاتصال شعاع الشعاع به او كان الشعاع في جرم والشعاع منه ومن الشعاع الواقع عليه كالقمر والنور وان كان يستعمل في المنير ولا عيب في اطلاقه لكن المصنف لما كان لا يلتفت الى هذا نبهت عليه على نحو التنبيه لا على نحو الرد لان الخطب في هذا سهل
وقوله { كما ان طبيعة الفلك متصلة بنفسه الخيالية كاتصال الظل بالشخص } فيه ما تقدم من الكلام فان طبيعة الشيء عنده ليست بمجعولة كما ان الظل ليس بمجعول لانه من اللوازم التي توجد بتبعية ملزوماتها وقد بينا ان هذه الامور كلها انما قالوا فيها بما سمعوا لا عن علم بل كلها مخلوقة موجودة بايجاد غير ايجاد ملزوماتها وان كانت ملزوماتها ربما يكون وجودها من تمام قابلية اللوازم فاتصال الطبيعة بالنفس على المعنى المتعارف عندهم كاتصال النور بالمنير وفي الحقيقة هي طبيعتان الاولى هي نزول ذي الطبيعة وكسره ومثاله للبيان اذا كان عندك دواء مركب من حار وبارد فانه يفعل بكل من الطبيعتين فاذا انحلا حلا تاما حتى كانا ماء واحدا بذاتهما لا بماء غيرهما ثم عقدا كان دواء واحد بطبيعة واحدة يفعل فعلا واحدا وبهذا النحو تتحد الاجزاء المختلفة الجسمانية وتكون طبيعة واحدة وتكمن نفوس الاجزاء المختلفة المجردة في غيب تلك الطبيعة الواحدة اذ لا يمكن ظهورها مع اختلافها في محل واحد فاذا استنبط الحكيم الاجزاء المنحلة واخرجها بالتربية حتى تمايزت ظهرت كل نفس في محلها وهذه طبيعة ذاتية اي ذات الشيء والثانية طبيعة فعلية وهي انبعاثها الى الافاضة على الاثار المفعولات فهذه تكون قائمة بنفس ذي الطبيعة قيام صدور وهي في اتصالها بنفس الشخص كاتصال الكلام بالمتكلم مع قيامه بالهواء وكاتصال الضرب بالضارب بخلاف الاولى فان انبعاثها للاستفاضة من المؤثر فهذه هي مطلوبة المصنف لو وجدها واما الثانية فتدل على الحدوث اذا فرض عروضها لذي الطبيعة والا فلا والاولى المطلوبة هي ماهيته وهي قابليته وهي انفعاله ونريد بالماهية هنا بالمعنى الاول كما قدمنا في ذكر الماهية والوجود لا بالمعنى الثاني وهي في الشيء كالظلمة في نور السراج فان نور السراج كلما قرب من السراج كان اقوى نورا واضعف ظلمة وكلما بعد قويت الظلمة وضعف النور كذلك حكم الشيء وطبيعته اذا نسب الى مبدئه
وقوله { لكن طبيعة الفلك ونفسه الحيوانية بقوتها العلمية داثرتان هالكتان الخ } هذا الكلام اذا اريد بالهلاك فيه والدثور عودها الى ما بدئت منه وامتزاجها به كامتزاج قطرة الماء بماء النهر اذا وقعت فيه فهو صحيح وان اريد بالدثور والهلاك الفناء فليس بصحيح اذ ما دخل في ملك الله تعالى لا يخرج منه وانما استدرك الدثور والفناء بعد تشبيهه لها بالنفوس الناطقة للاشعار بان النفس الناطقة غير داثرة ولا هالكة مع انه ذكرها ووصفها بما وصف به نفس الفلك من الدثور والهلاك فان لم يرد ذلك كان استدراكه لا فائدة فيه واما قوة الفلك العلمية ففي فلك المشتري والخيالية في فلك الزهرة والفكرية في عطارد والوهمية في المريخ والتعقلية في زحل والحيوة في فلك القمر والوجود الثاني من الشمس كذا قاله بعض العارفين وانا اكتب هذا فيما كتبت حيث قربه قلبي استنادا الى اعتبارات منها قطعية ومنها ظنية متاخمة للعلم والمستند ما تشير اليه الاخبار وايضا قد ذكرنا نحن فيما تقدم ان الاشياء كلها من الذوات والصفات الماديات والمجردات من عالم الغيب من كل ما سوى الله سبحانه لا فرق عندنا بين المفارقات المحضة وبين الجمادات كلها بنسبة واحدة في الافتقار الى الله سبحانه وفي احتياجها في وجودها وبقائها الى المدد فكلها عندنا مشتركة في التجدد والسيلان وان اختلفت في سرعة التجدد والتبدل وبطئه وطول البقاء وقصره
وقوله { وله كلمة باقية عند الله ثابتة في علمه } معناه ظاهر وليس مختصا بالفلك بل هو شامل لكل شيء
قال :
اقول قوله { توضيح اكمالي } اي توضيح به يكمل البيان اذا علمت ان لكل فلك محركا مزاولا وهو المباشر يعني به الطبيعة وهي عنده غير الفلك اي غير مادته وصورته مع انه حكم عليهما مع نفسه بالاتحاد بالبرهان الكاشف لكنه لما كان فيه متكلفا من غير معاينة يعني انه نظر في ذلك بفهمه والفهم لا يدرك لا الغائب ولا الحاضر الا بمرشد فان كان غائبا كان مرشده مع الكتاب والسنة مع معرفة ما ضرب الله من الامثال وهي آياته في الافاق وفي الانفس وان كان شاهدا كان مرشده مع ذلك كله ما رأي ببصره وبعض ما سمع وما ادركه بشيء من حواسه ولما كان المصنف انما يدرك ما تكلفه فهمه خالف مقتضى فطرته فهمه المتكلف فكان بمقتضى فطرته ناطقا بالتعدد فالمزاول هو المباشر وهو عنده هو الطبيعة وعندنا المزاول هو الملك والطبيعة آلة للملك والمحرك المفارق هو العقل عنده وعندنا هو الاسم البديع بالعقل او العقل بالاسم البديع
وقوله { هو الغاية في الحركة } يعني انه المطلوب بالحركة الناشية من الطبيعة عنده وعنده ايضا ان غاية الغايات هو الذات الواجب الذي ينتهي اليه كل طالب ومنه تنال المطالب عز وجل لان الخلائق عنده كلها تنتهي الى الوجوب الحق تعالى ونحن قد بينا ان هذا القول يلزم منه حدوث الواجب او وجوب الحادث على رأيهم واما عندنا فلا يلزم على هذا الا حدوث الواجب تعالى فالغاية عندنا امر الله وهو يطلق على شيئين احدهما فعل الله تعالى اعني مشيته وارادته وابداعه والاشياء تنتهي اليه في العلة الفاعلية فهي قائمة به قيام صدور ونسميه امر الله الفعلي وثانيهما نور الانوار اعني الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله والاشياء تنتهي اليه في العلة المادية لان جميع مواد الاشياء من شعاع ذلك النور الانبياء عليهم السلام من شعاعه والمؤمنون من شعاع شعاعه وهكذا الى التراب الطيب والماء العذب والكافرون من عكس شعاعه وشيعتهم من عكس ظلمتهم وهكذا الى الارض السبخة والماء الاجاج وفي العلة الصورية لان صور جميع الاشياء من هيئات هياكله لكل المؤمنين الى الارض العذبة والماء العذب وللكافرين من خلاف تلك الهيئات الى الارض السبخة والماء الاجاج فالاشياء كلها قائمة به قياما ركنيا قيام تحقق وفي العلة الغائية لان ذلك النور لاجله خلق تعالى ما خلق قال تعالى لولاك لماخلقت الافلاك والعلة الفاعلية لا تتحقق الا بذلك النور فيصاغ منهما المثال الفاعل مثل قائم المصاغ من الفعل ومن اثره اعني القيام فكانت علل الاشياء كلها هذه العلل الاربع وكلها في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله ونسميه امر الله المفعولي قال الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك واما العقل فهو ينتهي اليها ايضا والى هذا الاشارة بقول الحسن العسكري عليه السلام كما في الدرة الفاخرة قال عليه السلام وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والباكورة اول الثمرة والصاقورة هنا العرش يعني ان روح القدس اعني عقل الكل في الجنان التي سقفها عرش الرحمن وهي التي غرسوها بايديهم عليهم السلام اول من ذاق ثمرة الوجود فهو ينتهي الى ذلك النور واليه تنتهي المخلوقات كلها لانه كما سمعت جميع العلل الاربع ولا يصح ان يكون عقل الكل نهاية للاشياء الا نهاية اضافية لانه مسبوق بالخلق الاول والعقل غصن من تلك الشجرة كما روي عنهم عليهم السلام ان القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد نقلته بالمعنى فالقلم هو عقل الكل وشجرة الخلد هي ذلك النور الاكبر الاعز الاجل الاعظم ولا يصح ان تكون ذات الحق تعالى نهاية للمخلوق وهو قول امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود ه ومراد المصنف غير مرادنا لانه يريد ان المحرك المباشر للافلاك وهو الطبيعة متجدد الهوية سيال الذات فهو وما حركه حادث واما المحرك المفارق فهو الغاية والغاية لا يكون متجددة والا لكان لها غاية ويلزم التسلسل ونحن نريد ان المنتهى والمنتهى اليه حادث ولا يلزم التسلسل لانها تنتهي الى الفعل المحدث اعني المشية والمشية جعل نهايتها الى نفسها واقامها بنفسها وقد نبه عليه السلام على ذلك الغافلين فقال خلق الله المشية بنفسها وخلق الخلق بالمشية فجعل الخلق منتهيا الى المشية والمشية منتهية الى نفسها لانها ظاهرا هي الحركة الايجادية والحركة الايجادية لا تحتاج في ايجادها الا الى حركة ايجادية وهي بنفسها حركة ايجادية فلا تحتاج الى ازيد من نفسها فخلقها تعالى بنفسها وانت في جميع حركاتك لا تحدثها الا بنفسها ولكنك ماتفطنت في ذلك حتى ان الفقهاء اجمعوا على ان المصلي يحدث الصلوة بالنية ويحدث النية بنفسها والا لزم التسلسل فانتهت المخلوقات الى الفعل والفعل الى نفسه وانقطعت سلسلة التسلسل فافهم وقوله { اذا علمت ذلك ظهر لك ان الدنيا دار فناء } لانها دار تكليف لا دار بقاء فلما انزل تعالى الخلق الى هذه الدار الزم بنيتهم الاعراض والاغراض والدواعي اذ لم يجعلها دار قرار بل ابتلاهم بالبلايا وامتحنهم للاختبار فلحقهم من تلك الاعراض جميع الاسقام والامراض ومن تلك الاغراض الغني والفقر ومن تلك الدواعي طاعة الملك الجبار ومعصية السلطان القهار وجعلنا بعضكم لبعض فتنة وقصرت اعمارهم وطالت امالهم واختبروا في اعمالهم وامالهم ليعلموا انها دار زوال وانتقال وضرب لهم الامثال وبين لهم ان الاخرة هي دار القرار ومن نظر الى تغير الاشياء في وقت وثباتها في وقت عرف ان الدنيا دار فناء حيث وجد التغير في الاشياء بالامور الغريبة منها وان الاخرة دار بقاء حيث وجد ان الثبات للاشياء من نفسها اذا تخلصت من الامور الغريبة فان فسادها من الغرائب فاماتهم سبحانه في هذه الدار واقبرهم فيما خلقهم منه ليتخلصوا من العوارض الغريبة التي هي علة الفساد في الاجساد
وقوله { وان هذه الدار وما فيها منتقلة الى الدار الاخرة } لان هذه الدار طريق لاهل الاخرة ليأخذوا منها متاعا لسفرهم الى دار قرارهم ولم يخلقوا من الدنيا وانما مروا عليها لاجل المتاع فكل ما فيها من خير وشر منتقل الى الاخرة فهذه الابدان هي بعينها ابدان الاخرة كما قال صلى الله عليه واله وانما تنقلون من دار الى دار وكذلك جنة الدنيا هي بعينها جنة الاخرة ونار الدنيا بعينها نار الاخرة كما قال تعالى في جنة الدنيا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فهذه في الدنيا ثم قال في هذه بعينها تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا يعني في الاخرة اي ان التي فيها بكرة وعشي في الدنيا هي التي نورث من عبادنا في الاخرة وقال في نار الدنيا النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة فالغدو والعشي في الدنيا وهم يعرضون عليها في الدنيا غدوا وعشيا ويعرضون عليها يوم تقوم الساعة فالمعروض عليه واحد في الدارين دار الدنيا ودار الاخرة وقال صلى الله عليه واله الدنيا مزرعة الاخرة يعني الزرع في الدنيا والحصاد في الاخرة قال صلى الله عليه واله من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة
وقوله { وان السموات مطويات الخ } اي يعرف بتجدد الاشياء وتبدلها ان السموات مطويات كطي السجل اي الدفتر او كما يطوي كاتب النبي صلى الله عليه واله الكتب واسمه السجل او السجل اسم ملك والمراد من طيها ومن تبديلها كشط ظاهرها والا فهذه السموات في الدنيا بعينها هي سموات الاخرة كما ان جسدك في الدنيا هو جسد الاخرة وانما تصفي كما يصفي جسدك والدليل عندك فانت الدليل لك على كل شيء وفي انفسكم افلا تبصرون سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق والكواكب ساقطة قال تعالى واذا الكواكب انتثرت لان الكواكب منها معلق في سلاسل ومنها مركب كالفص في الخاتم كما قال علي عليه السلام والمراد بالمعلق بالسلاسل ما كان له فلك تدوير مركوز في ثخن الفلك فانه معلق بالنسبة الى مقعر الفلك ومحدبه لانه في فلك التدوير معلق بين سطحي الفلك والمركب كالفص في الخاتم ما كان سطحه مماسا لسطحي الفلك فاذا نفخ اسرافيل نفخة الصعق بطلت الحركات وانتثرت اشعتها التي هي صورها فاذا كان يوم القيمة كانت السموات ارضين للجنان والذي يظهر لي ان اجرام الكواكب تبقى في مراكزها فهي في ارضي الجنان اعني السموات كالجبال في ارضي الدنيا وانوار الكواكب مطموسة لرجوع انوارها الى الشمس ونور الشمس الى الكرسي ووقف الفلك اي الافلاك لانه اراد بالمفرد الجنس عن التدوار بفتح التاء اي عن الدوران لفناء نفسه بنفخة اسرافيل النفخة الاولى نفخة الصعق ووقف الكواكب عن التسيار بفتح التاء اي عن السير لفناء نفوس افلاكها ونفوسها التي تسبح بها في افلاكها اما نفوس تداويرها او نفوسها هي اذ كل فني وذلك الفناء لا محالة كائن اما فناء الجزئيات فهو مقطوع به بالوجدان واما فناء العالم العلوي عالم الافلاك ونفوسها فقد ذكر المصنف دليله من التجدد والسيلان واما قيام القيمة والساعة فعندهم ان دليله نص الكتاب المجمع على تأويله والسنة عن النبي صلى الله عليه واله التي لا اختلاف فيها واما الدليل العقلي فلم يقم لهم دليل عقلي على قيام الساعة الكبرى الا من حيث قيامه على حشر الارواح للجزاء على الاعمال واما على نفس قيام الساعة وعلى حشر الاجساد فلم يقم لهم دليل عقلي على هذا وانما يثبتونه من جهة الدليل النقلي من الكتاب والسنة واقول اما الكتاب والسنة فحجة قائمة وليس فوق الكتاب والسنة حجة ولا اوضح برهانا منهما واما من جهة دليل العقل فيتوقف على ذكر مطالب يطول بذكرها الكلام ولكن اذكر قليلا من ذلك ينتفع به اولوا البصائر والافهام وان كانوا مع كثرة توغلهم ماعثروا عليه ولم تصل عقولهم اليه فنقول مبدء الاشياء اعلى من كل شيء فبدءهم تعالى منه ليصلوا بمعرفته وطاعته الى اعلى درجات ما يمكن لكل واحد منهم ولا يكون ذلك الا بقبولهم باختيار منهم فخلقهم على الاختيار وكلفهم بما يوجب القيام به وصولهم الى اعلى الدرجات ولا يمكن التكليف بالاختيار الا بانزالهم الى هذه الدار التي هي دار البلاء والاختبار فخلقهم ثم كلفهم ثم انزلهم اليها حتى كان منهم ما خلقهم له بما يسرهم له فلما قضوا ما يسروا له مما خلقوا له من الاعمال نقلهم منها الى ما هم صائرون اليه من اعمالهم التي منها طينتهم فرجعوا الى ما بدؤا منه صاعدين او نازلين فلا بد ان يمروا بمحاذي نزولهم في كل رتبة فمحاذي الاول يكون اخيرا ومحاذي الاخير يكون اولا كما هو شأن العود في كل شيء فاول مقام للتكليف في نزولهم مقام الخطاب بالست بربكم وهم نفوس كالذر يدبون او يدرجون وهو يوم الجمع الاول في البدء وهو يوم حقت الكلمة وعض الانامل من الغيظ ويحاذيه في صعودهم يوم القيمة فالاول يوم القيمة الاول مقداره خمسون الف سنة وذلك يوم النزول ويوم الدخول في قيود التكليف والثاني يوم القيمة الثاني مقداره خمسون الف سنة وهو يوم الصعود ويوم الخروج من قيود التكليف وثاني مقام كسرهم في الطين وامتزاجهم في النور الاحمر المسمى بالطبيعة الاولى مقداره اربعمائة سنة فكانوا في نزولهم طينا مصلصلا لا حس ولا محسوس لاجل عركهم باعراض الدنيا التي هي دار التكليف ويحاذيه في صعودهم مقام ما بين النفختين مقداره اربعمائة سنة فكانوا ترابا متفتتا هامدا فالاول لاجل مزجهم بالاعراض والاغراض ودواعي الامراض للابتلاء في التكليف وايذانا بالفناء والانتقال والثاني لاجل تخليصهم من الغرائب والاعراض وما لحقهم من دار الفناء والزوال ايذانا بالبقاء وعدم الارتحال فكانوا ترابا هامدا لا حس ولا محسوس فاقتضت الحكمة ان تكون هيئة الدخول كهيئة الخروج وحيث كانت الاجسام والاجساد اشياء واخبر خالقها العالم بما خلق في قوله الحق وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقد خوطبت النفوس بالست بربكم وهي في اجسامها وتسئل عن موافاة قولها بلى في قبورها وهي في اجسامها وفي محاذاة يوم السؤال في البدء يوم الحشر فتعاد للجزاء وهي في اجسامها فهي في كل مقام هي هي بلا زيادة ذاتية ولا نقصان وانما كانت في البدء ذائبة لاجل تمكنها من العرك في الكسر والصوغ في الوجود الشرعي فلما انتهى ذلك جمدت لاجل الثبات فكانت جامدة متماسكة في البقاء في حكم الذائبة وآية هذا ما هو مشاهد عيانا في مرءاة الحكماء الذي هو عمل الاكسير على الطريق فانهم يحلون المادة مرة بعد اخرى ويعقدونها ويحلونها ويعقدونها ثم يزوجون الذكر بعد تطهيره وغسله عن سواد الاعراض بالانثى ثم يفصلونه الى العناصر الاربعة ثم يحلونه ويعقدونه ثلاثا ثم يحلونه ويعقدونه ستا على تفصيل عندهم وقد تم وهو جسد صاف لونه لون الذهب واشد وكذا ثقله ولكنه شفاف كالبلور وهو كالماء في حكم الذوبان والانتشار والغوص وفعله روحاني وهو جسم وهو آية اجسام الاخرة فانها تدرك ما تدركه النفوس وذلك لاعتيادها على الكسر والصوغ والحل والعقد فقد حلت في العقل وعقدت في النفس وحلت في الطبيعة وعقدت في المثال وحلت في السحاب والماء والتراب والنبات والنطفة حلت فيها وعقدت في العلقة وحلت فيها وعقدت في المضغة وحلت فيها وعقدت في العظام وحلت حين كسيت لحما وعقدت في الدنيا وحلت في القبر وعقدت في الرجعة وحلت بين النفختين وعقدت في القيمة فكانت الاجسام كالنفوس في ادراك الغيب وكانت النفوس كالاجسام في ادراك الشهادة فجرى عليها الحشر بمقتضى حشر النفوس فافهم وايضا الارواح والاجساد كلها من شيء واحد وهو الوجود الا ان الوجود لما كان كله شعورا واحساسا وعقلا وادراكا واختيارا وحيوة كان ما خلق منه كله مثله كل شيء بنسبته فما كان اقرب الى المبدء كانت الصفات المذكورة فيه اقوى وما كان ابعد كانت فيه اضعف فهي في الارواح اقوى منها في الاجسام وفي الاجسام اقوى منها في الاجساد وهذه الصفات في كل شيء حتى في الجمادات فالدليل الدال على اعادة الارواح دال على اعادة الاجسام والاجساد لانها تحس وتتنعم وتتلذذ وتتألم كالارواح الا ان ذلك ضعيف ولكنها مكلفة كالارواح وانظر الى الكتاب والسنة فانهما ناطقان وليس هذا مكانا لهذا الكلام وانما ذكرته استطرادا لينتفع به من كان طالبا له كما كنت افعل في الاشياء المجهولة فاني انبه عليها تلويحا وان لم يكن المقام يقتضيها
وقوله { ولكن علم الساعة عند الله } يريد به ان ذلك من الاشياء الخمسة التي تفرد الله سبحانه بعلمها ولكن الكلام في ذلك كثير وان الساعة ما المراد بها فقيل المراد بها القيمة الكبرى وقيل المراد بها قيام القائم عليه السلام وقيل المراد بها حضور الاجل المحتوم وقيل المراد بها وقوع شأن من شؤن الله تعالى وقيل المراد بها حضور الموت الارادي كما قال الحكيم مت بالارادة تحي بالطبيعة واختلاف الاقوال من اختلاف المفسرين والاخبار حتى انهم ربما ذكروا وجوها من التأويل للاية كلها وقال بعضهم ما قال الله سبحانه وما ادريك فقد اخبر به وما قال وما يدريك فانه لم يخبر به والساعة قال فيها وما يدريك وقيام الساعة وان كان من المحتوم الا ان المجهول وقت القيام فان لله سبحانه البداء في التقديم والتأخير فمحمد واهل بيته (ص) يعلمون قيام الساعة في نفسه واما التقديم والتأخير فالى الله سبحانه فان اخبرهم بالوقت المحتوم والا فهو من المبهم المجهول وكلام علي عليه السلام لميثم التمار ان الله عز وجل تفرد بخمس لم يطلع عليها احدا من خلقه وتلا الاية وقال له لولا آية في كتاب الله وهو قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة يدل على ان الجهل بها وبامثالها من جهة البداء لان ما لم يكن فلله عز وجل البداء فيه
تذنيب - ذهب كثير ومنهم المصنف الى ان الزمان عبارة عن حركة الفلك ولو كان حقا لماوجد زمان بين النفختين لاجماع المسلمين على بطلان جميع الحركات اربعمائة سنة ليس في الارض ولا في السموات ولا بينهن ولا فوقهن ولا تحتهن متحرك ولا ذو روح موجود الا وجه الله الباقي بعد فناء كل شيء ولانه مقابل في الصعود لعالم الطبيعة الكلية اعني طبيعة الكل ومع هذا فاجرام السموات والارضين والجبال باقية والزمان لا يفارق الاجسام ولا تفارقه فلا يوجد زمان لا جسم فيه ولا جسم لا زمان له الا الاجسام الجوهرية المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وهي النفوس والطبيعة الكلية وجوهر الهباء اي الحصص الجنسية قبل تعلق الحصص الفصلية بها والزمان هو المدد بضم الميم جمع مدة وهو مقدار مكث الجسم في مكان واما الحركات فهي آلات تصوره كما اذا ابتدء سائر سريع ومتوسط وبطيء من اول مسافة معينة دفعة كما ذكروه فالزمان هو المكث الوقتي خلقه الله سبحانه مع المكان والجسم دفعة في الظهور الوجودي وان تقدم عليهما بالذات الا انه لا يظهر الا في مكان ووقت والحمد لله رب العالمين
تم الجزء الاول في المبدء من شرح العرشية ويتلوه الجزء الثاني في المعاد بقلم مؤلفه احمد بن زين الدين الاحسائي في الليلة السادسة والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة اربع وثلاثين بعد المائتين والالف حامدا مصليا مسلما مستغفرا