شرح العرشية - الجزء ۲

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - شرح العرشية - الجزء ۲

شرح العرشية

الجزء الثاني

من مصنفات
الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الرابع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحسائي الهجري هذا الجزء الثاني من شرح العرشية لصدر الدين الشيرازي الشهير بملا صدرا

قال :

اقول قوله { المشرق الثاني } كما تقدم انه لما كان يبحث عن حقيقة الشيء التي لا تعرف الا من اصل بدئه عبر بالمشرق تشبيها للبصيرة المدركة او للشيء المبحوث عنه بالكوكب الظاهرة من المشرق ولان المعاد كالبدء الثاني ويراد من المعاد عود الارواح الى الاجساد بعد مفارقتها بالموت في عالم البرزخ فانها تبقى الارواح الى نفخة الصعق ساهرة كما قال الصادق عليه السلام في تأويل قوله تعالى فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة قال عليه السلام تبقى الارواح ساهرة لا تنام فاذا نفخ اسرافيل نفخة الصعق وهي نفخة جذب لا نفخة دفع كالنفخة الثانية فانها نفخة دفع فاذا نفخ نفخة الصعق انجذبت الارواح كلها ودخلت في الصور وهو شكل صنوبري له شعبتان شعبة لاهل الارض وشعبة للسماء وصورته هكذا والنفخ في الجذب والدفع من طرفه الدقيق ولكل روح فيه ثقبة تختص بها لا تصلح لغيرها وفيه اي في الثقب ستة بيوت فاذا انجذبت الروح الى ثقبها القت صورتها اي مثالها في البيت الادني ومادتها في البيت الذي فوقه وطبيعتها في البيت الثالث ونفسها في البيت الرابع وروحها في البيت الخامس وعقلها في البيت السادس وتبطل صورتها ويضمحل تركيبها اربعمائة سنة فاذا اراد عز وجل اعادتها للجزاء امر اسرافيل بعد احيائه واقامته فنفخ في الصور نفخة الفزع الاكبر وهي نفخة دفع فدفع عقلها اولا ثم روحها معه ثم نفسها معهما ثم طبيعتها معها ثم مادتها ثم صورتها فتألفت كما ركبها في اي صورة ما شاء ركبك وكان قبل النفخ امطر على وجه الارض مطرا من بحر تحت العرش اسمه صاد كما قال تعالى ص والقرءان ذي الذكر حتى كان وجه الارض بحرا فضربته الامواج فاجتمعت اجزاء كل شخص في قبره وتألفت ونمت وتم الجسد كحالته يوم قبر في قبره فاذا تم تركيب الروح طارت الى قبره وولجت في جسدها وانشق القبر وخرج الشخص ينفض التراب عن رأسه

وقوله { ان معرفة النفس من العلوم الغامضة الخ } اعلم ان العلماء اختلفوا في معنى قول النبي صلى الله عليه واله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقول امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فقيل هذا من باب التعليق على المحال فان معرفة النفس محال ومعرفة ذات الله تعالى محال وقيل هو كما قال نبي الله داود على محمد واله وعليه السلام من عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالعلم ومن عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة ومن عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء وهكذا وقيل من عرف نفسه بانها ليست في مكان من جسده ولا يخلو منها مكان منه وانها غير ممازجة للجسد ولا مفارقة وانها مدبرة له وغير مشاركة له في الغذاء وامثال ذلك عرف ربه بالنسبة الى سائر خلقه وقيل اذا قلت نفسي وروحي وعقلي وجسدي وثوبي وبيتي وملكي وما اشبه ذلك كان ما اضفت اليه هذه المذكورات غيرها فاذا عرفته عرفت ربك في قوله عبدي وارضي وسمائي وبيتي وخلقي وملكي فان الذي اضفت اليه تلك الاشياء هو الله سبحانه والاصح من هذه كلها لمن طلب المعرفة الحقة الكاملة ان الانسان مركب من مادة وصورة وحقيقة المادة من فيض كرم الله وهي وصف الله نفسه لعبده لان الله سبحانه لما كان لا يمكن معرفته لغيره من نحو ذاته واحب ان يعرفه عبده وصف نفسه وصف تعريف وتعرف وجعل ذلك الوصف حقيقة عبده وتلك الحقيقة هي مادته وهي وجوده وهي جهته من ربه وهي نور الله الذي ينظر به المؤمن المتفرس وهو فؤاده وهو آية الله في نفسه التي اراهم الله اياها وهي انموذج فهواني فاي لفظ سمعت منا من هذه الامور السبعة فانا نريد بها وصف الله سبحانه نفسه لعبده فمن عرف الوصف عرف الموصوف ولمعرفته طريقان طريق مجمل وطريق مفصل فالاول ان وجودك بالمعنى الثاني للوجود كما ذكرنا سابقا هو ان تجد نفسك اثرا ونورا وصنعا والاثر يدل باللزوم على المؤثر والنور يدل على المنير والصنع يدل على الصانع فهذا اجمالي لمعرفة النفس والثاني اعني الطريق المفصل ان تنفي في وجدانك جميع سبحات نفسك حتى لا تجد الا نفسك وهو الحقيقة التي سئل كميل عليا عليه السلام عنها فقال له ما لك والحقيقة يا كميل فقال كميل اولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فقال اومثلك يخيب سائلا قال عليه السلام الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة قال زدني بيانا قال (ع) محو الموهوم وصحو المعلوم قال زدني بيانا فقال (ع) هتك الستر وغلبة السر قال زدني بيانا فقال (ع) جذب الاحدية لصفة التوحيد قال زدني بيانا فقال (ع) نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا فقال اطفئ السراج فقد طلع الصبح ه‍ فقوله عليه السلام كشف سبحات الجلال جمع سبحة وهي النور والشعاع وهي اعمالك واقوالك وافعالك واحوالك واوضاعك ونسبك وملكك وفعلك وانفعالك وما اشبه ذلك فان كل ما سوى ذاتك ليس من ذاتك فحركتك غير ذاتك وسكونك غير نفسك وكونك ابنا او ابا او من او على او في او لكذا او عن كذا او بكذا واكلك ونومك او كونك حادثا او قديما او ممكنا وهكذا كل شيء ينسب اليك او يوصف بك او توصف به كل ذلك غير نفسك فاذا محوت من وجدانك كل ما سوى نفسك حتى المحو لم يبق الا محض الانموذج الفهواني الذي خاطبك الله به ووصف نفسه به لك وهو نفسك التي خاطبك بها خطابا فهوانيا اي مشافهة جهرا عيانا بغير رمز ولا اشارة فهو شيء ليس في شيء ولا على شيء ولا لشيء ولا بشيء ولا من شيء ولا منه شيء ولا الى شيء ولا اليه شيء وليس كمثله شيء ولا داخل في شيء ولا خارج عن شيء ولا مع شيء ولا معه شيء ولا بعيد ولا قريب ولا عال ولا دان ولا مصمت ولا مجوف ولا قائم ولا قاعد ولا نائم ولا ابيض ولا اصفر ولا اخضر ولا احمر ولا ازرق ولا املح ولا ذو لون والحاصل هو شيء ليس كمثله شيء لان المشابهة غير الذات واذا افردت نفسك عن كل ما هو غير محض نفسك فقد عرفتها لانك قد عرفت ان هذه الاغيار غيرها ومن عرف نفسه فقد عرف ربه لانه عرف وصف الله سبحانه ومن عرف الوصف عرف الموصوف لانه تعالى كذلك ليس في شيء ولا فيه شيء ولا من شيء ولا منه شيء وهكذا كما قلت في تفريد نفسك عن سبحاتها التي ذكرنا بعضها فانها غير نفسك مثلا اذا قيل لك انت في الارض فكونك في الارض خارج عن نفسك وكونك فوق شيء غير نفسك وكونك ابن فلان او ابو فلان غير نفسك وكونك من شيء او منك شيء غير نفسك وهكذا في كل شيء وكذا انت وهو وانا فان نفسك غير الخطاب والتكلم والغيبة والحاصل تعرف نفسك بعد كشف جميع سبحاتها حتى الكشف نفسه كما اشار عليه السلام اليه بقوله من غير اشارة فان الاشارة ايضا غير نفسك لانها من جملة السبحات وباقي فقرات الحديث يرجع الى هذا المعنى وقد تكلمنا عليه بتمامه في بعض رسائلنا وباقي كلام المصنف في هذه القاعدة ظاهر ليس فيه اشكال وانما الاشكال في دعواه

قال :

اقول اراد بكلامه في هذه القاعدة تعريف النفس والكشف عن حقيقتها بما هو عن الكتاب وسنة محمد واهل بيته المعصومين صلى الله عليه وعليهم اجمعين كما هو دعواه ولكنه في عمله واعتقاده يسلك مسلك الفارابي وابي ‌علي بن سيناء وابن‌ عربي وابن ‌عطاء الله وامثالهم وما كان سالكا مسلكا يوافق طريق الكتاب والسنة لا في اللفظ ولا في نمط الادلة ولا في المعاني المدلول عليها فاي معنى لتلك الدعوى والعجب من تلك الاتباع كيف قبلوا منه ما يخالف الكتاب والسنة ونسبته الى الكتاب والسنة

وقوله : ان للنفس مقامات ودرجات كثيرة من اول تكونها الى اخر غايتها يدل على ذكر سيرها في تنزلها وصعودها لا على معرفتها ولذا قال لها نشئات ذاتيات اي حصول وتحقق لذاتها يعني ذاتيا لا عرضيا واطوار وجودية اما عنده فمن طور النطفة الى طور العلقة ومنه الى طور المضغة وهكذا لانها عنده جسم زماني واما عندنا فمن طور العقل اي معنى الى طور الروح اي رقيقة ومنه الى طور النفس اي صورة جوهرية وجسم دهري كما اشرنا الى بيانه فيما مضى من قوله تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماء ه‍ وذلك ان الصور العلمية التي هي اطراف الارض اي نهاياتها بمعنى ان ما يصدق عليه اسم الارض الى النفس التي هي محل الصور العلمية او هي الصور العلمية وقوله وهي في اول النشئات جوهر جسماني يشير به الى ما قلنا مما عنده فانها عنده في اول نشئاتها جوهر جسماني يعني نطفة ثم يتدرج شيئا فشيئا اي علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم تكسى لحما ثم تنشأ خلقا اخر اي نفسا حيوانية حسية في الاشتداد والقوة من اول تعلقها بالمواد متطورة في مراتب التطور الى ان تقوم بذاتها ويستقل بقوتها وتنفصل عما تعلقت به في هذه الدنيا دار الضيق والعسر والحرج حيث كانت محبوسة في قفص الهموم والغموم والامراض والاعراض الى الدار الاخرة والفضاء الواسع فترجع الى ربها بما تزودته من اعمالها الطيبة او الخبيثة قال فهي جسمانية الحدوث روحانية البقاء يعني انها حكمها في الحدوث حكم الاجسام النباتية وغيرها لاشتراكهما في الطبيعة المتجددة المتبدلة وحكمها في الثبات والبقاء حكم الارواح في انها لا تفنى لان الارواح عنده باقية ببقاء الله لا بابقائه لان الارواح هي العقول عنده واما عندنا فالنفوس لها بقاء اطول من بقاء الاجسام وحدوثها اقدم من حدوث الاجسام الا ان عباراته ومقاصده لا تصدق الا على النفوس الحسية الفلكية وهو يريد الناطقة القدسية بدليل انه يقول هذه لها جنبة عقلية لانها اذا كملت كانت عقلا بالفعل وينكر عقلا غيرها وليست الا الناطقة لانها هي التي هو يدعي ذلك لها وعندنا ان الناطقة القدسية اصلها الذي خلقت منه تنزل العقل ولا تكون عقلا وان بلغت غاية الكمال لانها هي في الانسان الصغير كاللوح المحفوظ في الانسان الكبير والعقل هو القلم ولا يكون اللوح قلما ابدا واما حدوثها فقد حدثت في وسط الدهر لان العقل حدث في اول الدهر كما ان الفلك الاطلس حدث في اول الزمان وحدثت النفس في وسط الدهر كما ان السموات السبع حدثت في وسط الزمان وحدثت الطبيعة في اخر الدهر كما حدثت العناصر في اخر الزمان فالنفس لها تقدم دهري قبل عالم الملك والزمان باربعة‌الاف عام فلما خوطبت النفوس في ذر التكليف بالست بربكم قالوا بلى فقال لهم ومحمد نبيكم قال المؤمنون بلى وقال الكافرون بلى بنية الوقوف والانتظار حتى يروا ما العاقبة وكثيرا ما نعبر عنه بالسكوت اي لما قال لهم ومحمد نبيكم سكتوا فقال لهم وعلي امامكم ووليكم والائمة من ذريته ائمتكم قالوا بلى فالمؤمنون مصدقون خاشعون خاضعون والكفار والمشركون مكذبون مستكبرون منكرون فلما خاطب النفوس وسعد بالاجابة من سعد وشقي بالانكار من شقي رجعهم الى الطين يعني كسر صيغتهم واذابهم فكانوا طبيعة واحدة ثم حصصهم اي جعلهم حصصا كل حصة لشخص واجراهم في الماء والسحاب والارض والنبات فخرجوا في غيب المطاعم والمشارب ثم انتقلوا الى النطف والنفوس غيب ثم الى العلق ثم الى المضغ ثم الى العظام والنفوس في كل هذه الاطوار غيب كامن فلما كسيت العظام لحما ودما وشعرا وبشرا بعد ما نسجت العظام بمخها وعصبها وعروقها ظهرت النفس الحسية الفلكية وهي الولادة الجسمانية يعني ان الجسم ولد ما كان حاملا له في جوفه وهو النفس فلما تمت مدة الحمل وولدته امه وهي الولادة الدنياوية ظهرت النفس الناطقة فالنفس قبل الجسم وانما نسميها بالجسم لانها جسمانية اي مرتبطة بالنفس الحسية التي هي مركبها وحمارها ولانها نهايات الارض كما مر من انها اخر ما يصدق عليه اسم الارض لا انها جسم من اجسام العناصر المركبة ولا من الاجسام المركبة من الطبائع البسيطة كالافلاك بل هي نور جامد والعقل نور ذائب فحدوثها قبل الاجسام وبقاؤها اطول من بقاء الاجسام واشد ثباتا لانها اذا مات الشخص خرجت في عالم البرزخ باقية ما بقي البرزخ والاجسام فنيت وكانت ترابا وبقي منها الطينة الاصلية وهي طينة الجسد المأخوذ من جابرسا او جابلقا اللتين افلاكهما الدائرة عليهما المدبرة باذن الله سبحانه لما فيهما المسماة بهورقليا ومعناه ملك آخر لان عالم الملك قسمان سفلي وهو عالم الدنيا المشاهد وعلوي وهو هورقليا اي عالم الملك الثاني وهو الاول للنازلين والثاني للصاعدين والنفوس باقية كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة قال عليه السلام في تأويلها تبقى الارواح ساهرة لا تنام ه‍ الى ان ينفخ اسرافيل نفخة الصعق فحينئذ تبطل صورتها ويضمحل تركيبها ويتفكك تأليفها كل جزء من اجزائها الستة كما تقدم في مكانه من نوعه في الصور

واما { قوله روحانية البقاء } فالذي قام عليه الادلة العقلية والنقلية ان التجدد والتبدل والسيلان التي هي علل الحدوث جارية في الاجسام العنصرية والهورقليوية والمثالية والطبيعية والنفسية وفي الارواح والعقول لعلة الافتقار والاحتياج الى ايجاد الله سبحانه وامداده في الصدور وفي البقاء فكل ما له مفهوم غير مفهوم عنوان الحق عز وجل فهو مفتقر الى الله سبحانه وباق بابقائه لا ببقائه والا لكان مستغنيا عن الله تعالى فان قلت ان الباقي ببقاء الله تعالى لا يكون مستغنيا لانا لم نقل انه باق بذاته بل نقول انه باق ببقاء الله لا بابقائه لانه شأن من الشؤن الذاتية قلت تريدون انها محتاجة الى الله تعالى في الصدور والبقاء في تلقي مدده ام تريدون انها مستغنية في الحالة الصدورية ام مستغنية في البقاء لا في الصدور فان اردتم الاول فمرحبا بالوفاق وان اردتم الثاني تعددت القدماء وان اردتم الثالث فقد جعلتموها محتاجة مستغنية ثم يلزمكم عدم تغير شيء من المدد ويلزم منه عدم تغير الاشياء فاذا ثبت امتناع تعدد القدماء تساوت الحاجة والفقر الى القديم تعالى من كل الاشياء التي يغاير مفهومها مفهوم عنوان القديم تعالى لا فرق بين المجرد كالعقول والارواح والنفوس والطبائع وبين الماديات بل المجردات اشد افتقارا من الماديات واكثر استمدادا ولهذا كانت ابطأ تغيرا واطول بقاء وقولي مفهوم عنوان القديم ولم اقل مفهوم القديم تعالى لان القديم عز وجل لا مفهوم له لان المفهوم فرع المدركية وهو سبحانه لا يدرك ولا يحيطون به علما والعنوان لا يخالف صفة الذات القديم سبحانه في الوصف الامكاني اي الذي تعرف به لخلقه ولما كان العنوان حادثا في نفسه لانه الدليل جاز اطلاق المفهوم عليه لانه تعرف الحق تعالى الى خلقه فلو لم يفهموه لم يكن للتعرف فائدة ولكونه وصفا حادثا صح كونه صفة استدلال لا صفة كاشفة ولم يصح ان يكون للممتنع عنوان لانه وصف والوصف لا يكون الا للموصوف الموجود ومن ثم ابطلنا ما صححه المنطقيون من قولهم شريك البارئ معدوم وقلنا هذه القضية كاذبة اذ شرط الصحة تصور الموضوع وما ليس بشيء لا يتصور لان الصورة كما بيناه فيما مضي لا تقع في الذهن الا ظلية انتزاعية من خارج عن ذلك الذهن وما ذكروه من ان النفس لها قوة الاختراع للصور فقد ابطلناه وما ذكروا من ان تصور الموضوع يكفي فيه ادنى الالتفات والذكر ولو اجمالا باطل لان ما لا يدرك بالحقيقة لا يتصور ولا يحمل عليه منه الا على الجهة المدركة فلو لم يدرك من شيء الا انه موجود بمعنى هست لم يحمل عليه قاعد او قائم ولو ادركت انه قائم لم تحمل عليه انه قاعد فلا بد من تصور الموضوع بالصفة المحمولة وايضا قولهم شريك البارئ معدوم هذا العدم المحمول ان كان محمولا على الصورة الذهنية فالقضية كاذبة لانها عندهم على زعمهم موجودة وان كان على شيء خارج فهي كاذبة لانه اذا كان خارجا فهو موجود وان كان على عنوانه فليس للا شيء عنوان مع ان العنوان لو ثبت فهو موجود وان كان الحمل على الصورة باعتبار لا شيء رجع المعنى الى ان الحمل على الصورة بخصوصها لان لا شيء ان كان نفيا امكانيا فهو مخلوق كما ذكرنا قبل وكما قال الصادق عليه السلام للسائل قل بقول هشام في هذه المسئلة يعني ان النفي مخلوق وان كان ما يزعمون من النفي الليس المحض اي الامتناع رجع القيد على خصوص الصورة فالحمل على كل حال لا يكون الا على موجود

وقوله { واول ما تتكون من نشأتها الى قوله على مراتبها } قد ذكرنا قبل ان هذا لا ينطبق الا على النفس النباتية لانها هي التي اول ما تتكون قوة جسمانية ثم صورة طبيعية الي هنا واما النفس الحساسة فهي قوة فلكية كما ذكرنا سابقا وان كانت النباتية مركبا لها لانها انما تتعلق بها وتشرق عليها الا ان النباتية من العناصر والحساسة ليست من العناصر وانما هي من المجردات المقارنة الا انها تعد من اسافل المجردات المقارنة لانها من نوع البرازخ حتى انها ربما نسيت اصلها وذلك لانها بعدت عن مبدئها واتصلت بغير نوعها وهي النباتية فجمدت فشابهت مركبها وذلك لبعض افرادها كنفوس الجراد والخنافس وامثالهما حتى انها اذا قطع عضو من اعضائها بقي يتحرك مدة لان نفسها تقبل الفصل والتجزي لجمودها وبعدها عن مبدئها وممازجتها للنباتية الا انها على كل حال ليست من نوع النباتية لان النباتية استقصها العناصر منها بدئت واليها تعود والحساسة من نفوس الافلاك منها بدئت واليها تعود ومراتبها تكون بالشدة والضعف ولا تكون النباتية حساسة كما لا تكون الحساسة ناطقة على ما بيناه سابقا

وقوله { ثم مفكرة ثم ذاكرة ثم ناطقة } اعلم ان الحواس الباطنة يقسمونها الى خمس الاولى الحس المشترك ويسمى بنطاسيا في اللغة اليونانية وهو يدرك الخيالات الظاهرة اي المحسوسة كما ترى اذا ادرت شيئا بسرعة رأيته دائرة لان ادراكه دائرة مركب من البصر والخيال لان الحس المشترك برزخ بين الظاهر والباطن وانما يعد من الباطنة لان محله فيها وهو مشرف على الظاهرة مستعملا لها ليوصل ما تؤديه اليه الى خزانته اعني الخيال ومحله مقدم البطن الاول من الدماغ لان الدماغ له ثلثة بطون اي تجويفات فالاول فيه بنطاسيا في مقدمه والخيال في مؤخره والثاني فيه قوتان المتخيلة في اوله والوهم في اخره والثالث هو البطن المؤخر فيه الحافظة خاصة وهي مراتب افعال القلب وهذه القوى الخمس مجردة عن المواد العنصرية بذاتها الا انها متعلقة بالدماغ بفعلها فهي مشرقة عليه كاشراق الشمس وبمعونة محالها تتصرف فيما خلقت له فالقوة المسماة ببنطاسيا اعني الحس المشترك تؤدي ما استفادته من الحواس بعد غيبتها الى الخيال وهو خزانة الحس المشترك وهو في الانسان الكبير فلك الزهرة لان الحس تكون فيه الصور ما دامت الظاهرة تؤدي اليه والظاهرة تؤدي ما دامت الصور المدركة حاضرة فاذا غابت انقطع تأدي الظاهرة وادي الحس المشترك ما وصل اليه من الظاهرة قبل انقطاع تأديها الى خزانته وهي الخيال لكون بنطاسيا برزخيا لا يتحقق تحصيله بدون البرزخية والخيال هو الثاني قالوا وهو واضع كرسيه على الماء وطبعه مائل الى الرطوبة والنسيان غالب عليه وكل ما يعرض عليه يحله في الوقت ولكن لا يحفظه والثالث الوهم وهو قوة تدرك بها النفس معاني جزئية لم تصل اليه من الحواس الظاهرة كالعداوة والصداقة والموافقة والمخالفة كما تدرك الشاة معنى في الذئب ويدرك الكبش معنى في النعجة وهذا شخص الوهم قد وضع كرسيه في النار وطبعه الحرارة واليبس مائل الى اليبوسة وهو بعيد الفهم واذا حفظ شيئا لا ينساه كذا قالوا واقول انه شخص ذو قدرة الا انه يظهر ما ذكروه للاغيار ويبطن خلاف ذلك للاخيار يبطن الماء ويظهر النار على حد قوله تعالى اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وهو نفس المريخ فانه نحس في ظاهره وحار يابس وهذا بحسب ظاهره وصورته واما بحسب باطنه فانه بارد رطب وسعد واليه الاشارة بقوله تعالى باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وقد قال الصادق عليه السلام انه سعد وهو بارد رطب وهو نجم سيدنا امير المؤمنين عليه السلام ه‍ وذكر علماء الصناعة هذا المعنى بعينه ولوح اليه ابن‌ارفع‌رأس وقال علماء الطبيعة الحديد ظاهره ذهب وباطنه فضة يعنون ان زعفرانه حار يابس يدخل في اصباغ الذهب واذا طهرت اوساخه كان فضة وقبل هذا الشخص شخص المتخيلة فالاولى ان يكون هو الثالث والوهم هو الرابع لان شخص المتخيلة قاعد في السماء الثانية مصاحب للملائكة الثلاثة شمعون وزيتون وسيمون بجوار الكاتب عطارد وهو مكان الفكر ومن ثم قيل ان المتخيلة مرادفة للمفكرة وانما اخر شخص المتخيلة عن الوهم في الذكر لان شخص المتخيلة يشارك جميع القوى ويكون بطبع ما يكون معه وشأنه تركيب الصور بعضها ببعض والمعاني بعضها ببعض والصور بالمعاني وبالعكس كتركيب اجنحة للانسان وقرون للطير ومنه تركيب الف رأس لشخص واحد هذا عندهم واما عندنا فكل ما في هذه القوى انتزاعية من الاشياء الخارجة كما بيناه سابقا وقيل الاول شخص الخيال لان الحس المشترك برزخ لا يعد منها والثاني شخص الوهم والثالث شخص الفكر قد وضع كرسيه في الهواء وطبعه مائل الى البرودة يكذب ويتهم ويفتري فيها ويحكم على الذي لا يعرف فلا يلتفت اليه والرابع شخص التذكر قد وضع كرسيه على الماء وطبعه مائل الى الحرارة ففي وقت يكون على صفة الملكية وفي وقت يكون على صفة المرأة والشياطين يؤلف الاشياء ويركبها وعنده غرائبها وعجائبها مثل علوم الصنائع والسيمياء والسحر والناريجات والشعبذة وهو المهندس فيها فاحذر ان يغرك كذا قيل والخامس شخص الحفظ قد وضع كرسيه على الارض وطبعه مائل الى الاعتدال والغالب عليه المكر والحيلة والخدعة وهو حافظها برئ من الخيانة فيما تؤدي اليه الابواب الاربعة السابقة فيحفظ افعالها فان وقع عنده تغيير فليس منه وانما هو من البوابين كذا ذكروا ولي في هذه الاشياء كلام يطول ذكره يصحح بعض ما قالوا ويكذب بعضا وقد يسمى الثالث باسم الرابع لان الذكر لا يتم الا بالحفظ وقيل شخص الحفظ يحفظ المعاني الجزئية وهو في جوار المشتري ونسبته الى الوهم كنسبة الخيال الى بنطاسيا فالمفكرة من افعال الناطقة مع استعمال القوة العقلية والمتخيلة من افعال الناطقة مع استعمال القوة الوهمية وكذلك الذاكرة فاذا كانت هذه الحواس احوالا وافعالا للناطقة كيف تكون هي الناطقة لانها لو كانت كما ذكره المصنف من انها تترقى حتى تكون ناطقة لما وجدت للناطقة ولما وجدت حيث توجد الناطقة بل تكون للناطقة كالحصرم للعنب اذا بلغ العنبية ذهبت الحصرمية وكالنطفة بالنسبة الى العلقة والعلقة بالنسبة الى المضغة والمضغة بالنسبة الى العظام وهكذا فلا يكون للرتبة السفلي تأثير ولا تحقق عند وجود الرتبة العليا والامر فيما ذكره على العكس اذ لا توجد المفكرة ولا المتخيلة ولا الذاكرة ولا الحافظة ما لم توجد الناطقة

فقوله { اول ما تتكون من نشأتها قوة جسمانية } غلط لان ما يشير اليه هو النفس النباتية ولكنه نظر الى العود الاخضر من زرع الحنطة ولم ينظر الى الحبة التي ظهر منها العود الاخضر فان الحبة اصله فاذا زرع ظهر في ظاهره العود الاخضر والحبة كامنة فيه حتى تخرج فكذلك النفس الناطقة فانها غيب في النفس الجسمانية اعني النباتية وليست هي اياها وان كانا معا من الوجود ظاهرا الا انها ليست منها وان كانت النباتية من اثرها فان الناطقة كالشمس والنفس الفلكية الحيوانية الحسية كالشعاع من الشمس لانها من شعاعها والنفس الجسمية النباتية كالعكس من الشعاع اي شعاع الشعاع فلا يكون شعاع الشعاع شعاعا في جميع احواله وان بلغ الغاية في التكمل ولا يكون الشعاع شمسا في جميع احواله وان بلغ كمال الترقي فكيف تكون النباتية التي هي شعاع الشعاع ناطقة كما لا يكون نور الظل الذي هو عكس شعاع الشمس وشعاعه شمسا لان الناطقة اول ما تتكون من تنزل العقل وظهوره وليست جزءا من العقل ولا جزئيا له وانما هي بمنزلة الثلج من الماء فان الجمود الذي هو حقيقة الثلج ليس من الماء ولا يكون ماء وانما هو صورة خارجية عرضت للماء بواسطة البرودة الخارجية لا البرودة التي هي جزؤ الماء والا لكان الماء على الدوام جامدا فلا تكون الناطقة عقلا بحال من الاحوال

وقوله { ثم يحصل لها العقل النظري } يعني به ان النفس ترقت من جسمانيتها الى ان حصل لها العقل النظري اي الاكتسابي وهو الدرجة الثانية للعقل واعلم ان العقل في تعريفه سبعة اقوال السابع منها ان العقل هو النفس الناطقة الانسانية باعتبار مراتبها في استكمالها علما وعملا كما يراه المصنف واهل هذا القول يطلقون العقل على نفس تلك المراتب وعلى قوى النفس في تلك المراتب وذلك ان للنفس قوة باعتبار تأثرها عما فوقها وتلقيها منه ما يكمل جوهرها من التعقلات ويسمى تحصيلها ذلك عقلا نظريا كما ان باعتبار تأثيرها في البدن بتكميل جوهره عقلا اختياريا لان البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل ولها قوة اخرى وتسمى عقلا عمليا قالوا وللعقل النظري مراتب اربع الاولى استعداد بعيد للكمال وهو محض قابلية النفس للادراك ويسمى عقلا هيولانيا تشبيها بالهيولي الاولى المجردة لانها قابلة لكل صورة كذلك محض قابليتها صالحة لكل استعداد من الاكتسابية النظرية ولهذا شبهت بالهيولي الاولى احترازا عن الهيولي الثانية التي اخذ فيها الصور الثانية استعداد متوسط لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات بالاولى ويسمى عقلا بالملكة يعني بالقوة لا بالفعل لكنه استعداد ثابت الثالثة استعداد قريب لاستحضار النظريات وهذا العقل منهم من يسميه عقلا بالفعل ومنهم من يسميه عقلا مستفادا الرابعة الكمال وهو تحصيل النظريات مشاهدة اي حصولها له بغير كسب ويسمى عقلا مستفادا ومنهم من يسمى هذا عقلا بالفعل ويريدون بالفعل وبالمستفاد المدركات لا الادراكات وربما اعتبر في المرتبة الثالثة حصول البعض بغير كسب وفي الرابعة حصول الكل بحيث لا يغيب عنه شيء ومن اعتبر الكل في المرتبة الرابعة قال بعضهم لا يكون هذا في الدنيا وانما يكون في الاخرة وقال الاخرون يجوز ان يكون في الدنيا للنفوس القوية التي لا تشتغل بشيء وهذا اقوى ولكن الكلية اضافية لان الاشياء مع تحققها كلها في عالم الامكان قد يتحقق بعضها في الاطوار الكونية من الغيب والشهادة وقد لا يتحقق بعض منها وقد يكون بعض منها مشروطا ومنه ما يحصل شرطه ومنه ما لا يحصل وعلى هذا لا تحصل جميع المدركات ولذا قال تعالى رب زدني علما وقال صلى الله عليه واله اللهم زدني فيك تحيرا مع ان احدا لا يجوز رتبة لاحد من الخلق تساوي رتبة النبي صلى الله عليه واله فضلا ان تكون فوق رتبته وان احدا لا يشك في بلوغه صلى الله عليه واله الرتبة الرابعة من العقل كيف لا وقد قال تعالى في خطاب العقل ولا اكملتك الا فيمن احب وهو حبيب الله صلى الله عليه واله والله سبحانه امره بطلب زيادة العلم وهو عليه السلام طلب زيادة التحير في الله عز وجل وقوله { بعد العملي على درجاته } يعني به انه يحصل للنفس الناطقة العقل النظري بعد ان تحصل العقل العملي على درجاته فان له مراتب اربعا كالنظري الاولى تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع النبوية الثانية تهذيب الباطن من المهلكات المردية وترك الشواغل عن عالم الغيب الثالثة تحلي النفس بالصور القدسية بعد القرب والاتصال بعالم الغيب الرابعة انجلاء ضياء المعرفة بالفؤاد واستغراقه في انوار الجلال والجمال وهو مقام الصدق في المحبة ومقتول الحب الذي اشير اليه في الحديث القدسي من احبني قتلته ومن قتلته فعلي ديته ومن علي ديته فانا ديته ه‍ وليس وراء ذلك في العقل العملي على هذا الاصطلاح رتبة واقول المراد من قوله تعالى ومن علي ديته فانا ديته مثل قوله تعالى في حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما وليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه‍ وهو كناية عن القرب وتقريب من احبه منه بلا غاية بل دائما يرفعه في درجات القرب اليه تعالى بلا غاية ولا نهاية لذلك السير ولا تقصر المسافة بينهما والحاصل يريد المصنف بعد مراتب العقل العملي الاربع المذكورة والتحلي بها يحصل للنفس العقل النظري واقول اذا حصلت للانسان هذه المراتب الاربع وتخلق بادابها وتحلي بحليتها على النحو الذي قرره الشارع عليه السلام ظاهرا وباطنا حصل له العقل الشرعي الذي به يعبد الرحمن ويكتسب به الجنان ولكن الاشكال في تصحيح المقدمات لان صحة النتيجة متوقفة على صحة المقدمات وكثير ممن يسمع هذا يقرأ بيت مجنون ليلي :

وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

فاجيبه ببيت مجنون ليلى :

اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكا

فاذا اردت ان تعرف الحق لتطلب به النجاة فخذ من الكلام ما نطقت به اخبار محمد واهل بيته صلى الله عليه واهل بيته الطاهرين واياك ان تدخل عليك شبهة ان الامور الاصولية الاعتقادية لا تكون الا بدليل العقل او شبهة ان هذا طريقة الاخباريين او شبهة ان العلماء الفحول الاجلة على خلاف هذا او واهمة عظم الاموات وكبرهم وجلالتهم في النفوس وصغر الاحياء المشاهدين فان الحق ان تعرف الرجال بالمقال لا ان تعرف المقال بالرجال وان ابيت الا ان تعرف المقال بالرجال فمحمد واله المعصومون المسددون المؤيدون من الله سبحانه الصادقون على الله صلى الله عليه وعليهم اولي من غيرهم بذلك فالزم النصيحة لئلا تحل بك الفضيحة

وقول المصنف { من حد العقل بالقوة الخ } يعني ان النفس التي منشاؤها القوة الجسمانية على زعمه تخرج وتنتقل من حد الجسمانية الى الحيوانية الحساسة ثم الى القوى النفسانية كالفكر والخيال والوهم والعلم والتعقل على الترتيب فاذا بلغت التعقل بالفعل ترقت الى العقل الفعال اي عقل الكل ونحن قد بينا فساد هذه الترقيات كما تقدم من ان الاثار لا تكون هي المؤثرات لها ولا تساويها في حال من الاحوال ولم يخلق الله تعالى مفعولا من فاعله واذا عاد كل شيء الى اصله وما منه بدئ لم يعد المفعول الى فاعله عود اتحاد ولا مساواة وانما يعود اليه عود افتقار وسؤال كما بدأه كذلك كما بدأكم تعودون ولو جاز ان تؤل القوة الجسمانية الى العقل الفعال وقد علم مما لا خلاف فيه ولا اشكال يعتريه ان كل شيء يعود الى اصله لكان اصل القوة الجسمانية من العقل الفعال فيقال انها قوة عقلية لا جسمانية والعقل الفعال عند اصحاب العقول العشرة هو عقل العناصر وعند الاكثر هو عقل الكل الذي يسمونه اصحاب العقول العشرة بالعقل الاول وهو مراد المصنف واعلم ان لي هنا ابحاثا شريفة يطول بذكرها الكلام فربما اذكر بعضا منها مفرقا في هذا الشرح وفي غيره مما يتعلق بالعقل

وقوله { وهو الروح الامري المضاف الى الله الخ } اعلم ان الروح يطلق على ملكين من العالين اذا نسب الى امر الله وامر الرب احدهما على النور الابيض من اركان العرش وهو الايمن الاعلى وهو العقل الكلي اي عقل الكل المسمى بالقلم وثانيهما على النور الاصفر من اركان العرش وهو الايمن الاسفل وهو الروح الكلي اي روح الكل ويطلق على ملكين اخر من العالين ايضا احدهما على النور الاخضر من اركان العرش وهو الايسر الاعلى وهو النفس الكلية اي نفس الكل المسمى باللوح المحفوظ وثانيهما على النور الاحمر من اركان العرش وهو الايسر الاسفل اي الطبيعة الكلية اي طبيعة الكل فالاولان هما الروح من امر الله والاخيران هما الروح الذي على ملائكة الحجب وقد اشار الى هذا زين ‌العابدين عليه السلام في الصحيفة في دعاء الصلوة على الملائكة فقال : والروح الذي على ملائكة الحجب واراد به الاخيرين والروح الذي هو من امرك واراد به الاولين والمراد من الامر الامر الفعلي وهو المشية والارادة والامر المفعولي وهو الحقيقة المحمدية وهذا اظهر لان قوله من امر ربي اتى فيه بمن الابتدائية التي تدل على التبعيض فانها تدخل على اصل المادة مثل صغت الخاتم من الفضة وخلق الانسان من التراب فان من تدخل على المادة المبتدأ منها فالروح من الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله كما ان عقلك خلق من حقيقتك اي وجودك فالامر هنا هو المفعولي والعقل تقوم به تقوم تحقق اي تقوما ركنيا لا الامر الفعلي الذي يتقوم به العقل تقوم صدور لان من اذا دخلت عليه كما لو قلت الكتاب المكتوب من حركة يد الكاتب كانت للمجاز بخلاف ما لو قلت المكتوب من المداد فانه حقيقة لان المداد هو المادة والمراد من ملائكة الحجب الملائكة الكروبيون وهم مائة ‌الف واربعة وعشرون ‌الف ملك وروى ابن‌ ادريس في مستطرفات السرائر عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن الكروبيين فقال قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سأل امر رجلا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا ه‍

وقوله { وهو كائن في عدد قليل من افراد البشر } ما ادري ما اراد بالقليل هل هو قليل اضافي يعني به الانبياء (ع) او هم والاولياء ام هم مع العرفاء ام قليل حقيقي ومقتضى مذهبه انه يريد به الانبياء عليهم السلام والاولياء والعارفين واما مذهب الائمة عليهم السلام فانه عندهم لا يوجد بذاته الا في محمد واله الثلاثة‌عشر المعصوم عليه واله السلام لان احاديثهم عليهم السلام دلت بان هذا الروح لم ينزل الى الارض قط قبل محمد صلى الله عليه واله ومنذ وجد صلى الله عليه واله نزل ولم يصعد قط ويكون المراد انه ينزل على الانبياء عليهم السلام بوجه من وجوهه بل وعلى سائر المؤمنين بل وعلى غيرهم كما قال صلى الله عليه واله لحسان ابن ثابت وهو من المخالفين لما قال شعره المعلوم الذي اوله : يناديهم يوم الغدير نبيهم قال (ص) لازلت يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك نعم يكون مع الانبياء عليهم السلام بوجه من وجوهه كل بنسبة مرتبته من القرب من الله تعالى ويكون مع محمد واهل بيته المعصومين صلى الله عليه واله كله بجميع وجوهه وبذاته ولذا قالوا عليهم السلام لم ينزل قبل محمد صلى الله عليه واله ولما وجد عليه السلام نزل عليه ولم يصعد ابدا والمراد انه مع النبي صلى الله عليه واله وبعد وفاته انتقل الى وصيه ولا يزال مع الاوصياء عليهم السلام وهو الأن مع الحجة عليه السلام

قوله { ولا بد في حصوله من جذبة ربانية لا يكفي فيه العمل والكسب } يريد منه ما يذكره الصوفية فان قوله كما ورد : جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين ليس من طرقنا وانما هو من روايات الصوفية ويفهم من كلامه ان روح القدس ينزل على الصوفية اذا حصلت لهم جذبة من جذبات الحق ولقد شاهدنا اشخاصا مجانين سلبت عقولهم فلا يصلي ولا يصوم ولا يترك محرما والعامة يعظمونه ويقولون هذا مجذوب فيستدلون على المجذوب بكونه مجنونا او مخالفا لجميع اوامر الله ونواهيه فلذا ترى بعضهم يصعق ويقع من شدة الطرب عند سماع الملاهي ويبقى كالسكران ساعة ويقولون هذا جذب الهي ونحن وجدناهم لا يزدادون بهذا الجذب الا جهلا وتهتكا للحرمات واما على طريقة الحق المفهومة من اخبار ائمة الهدى عليهم السلام فلا يحصل روح القدس المشار اليه لغير محمد واله صلى الله عليه واله وان الجذب جنون شيطاني لا الهي كما زعموه وانما طريق تحصيله لمحمد واله صلى الله عليه واله العمل الخالص والاقبال على الله سبحانه في جميع الاحوال بحيث لم يفقدهم حيث يحب ولا يجدهم حيث يكره فهم عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فطريق تحصيله العمل والكسب بصدق القوابل الظاهرة للايجاد والباطنة بالاعمال والمجاهدات لان القوابل هي الطين بفتح الياء والاعمال من مقتضى الطينة وذلك لان الفطرة التي على كمال الاعتدال تقتضي اقتران النور بها لانها نور وعلى غاية كمال قابلية النور وكمال اعتدال الفطرة ان تصنع من طين وماء صافيين معتدلين في النسبة وفي التخمير فالماء الصافي هو الوجود اعني المادة ومعنى صفائه تلاشى انيته اعني قابليته حتى تكاد تفنى لانها اول الكون واول الكون مادة بحت لكن وسمت في جهتها السفلى بشيء ما من الانية وهي الانفعال وانما قل انفعالها وضعف لانها محل الفعل المقومة له فاثرت في تحققه كما اثر في تحققها فرجحت فيها جهة الفعلية في حال مفعوليتها فرقت انيتها لان الفعل لا يتعدد فهي من جهة جنبة الفعلية غير متعددة واعتبار تعددها بحيث يقال لها انية فمن جهة جنبة المفعولية فليس فيها الا اقل ما يمكن ان تتقوم به من الانية فهي ماء صاف وهو اول فائض من الفعل وثاني الكون اجابتها حين قال تعالى الست بربكم فاجج نار التكليف على اكمل ما يحتمله الامكان من احسان الاجابة الذي هو الطينة التي هي القابلية التي هي الام التي يسعد من سعد في بطنها ويشقى الشقي في بطنها واما التخمير فتدبير ذلك باسمه الرحمن في سبعة اشواط حول بيت مشيته تعالى وهو كسره في الالف الاول اي النفس الرحماني الاولى بفتح الفاء سبع مرات للطف ثم صلوة ركعتين خلف مقام ظهوره وهو صوغه الاول في السحاب المزجي ثم في سبعة اشواط اخر وهو كسره للتخليص بين صفا القدر ومروة القضاء ثم احله في الصوغ الثاني وزاوج بينه وبين الوحي بالسقي بالالطاف والامدادات مرة بعد اخرى وطاف به حول القدرة ثمانين‌الف عام ثم حول العظمة ثم عضده باعضاد علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته فاذا خلق ابوه اعني مادته في الملك القديم وخلقت امه اعني الصورة في احسن تقويم من ماء هو نور لا ظلمة فيه خرج الشخص مستحقا لثناء الله سبحانه بقوله وانك لعلى خلق عظيم وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا الله اعلم حيث يجعل رسالته فاذا تأملت هذه الايات وامثالها ومثل الحديث القدسي مازال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته ونظائر هذا علمت ان حصول الروح المذكور ليس الا بالعمل والكسب خاصة واما التأييدات الالهية والامدادات الابتدائية وان كانت لا تجب على المالك اعطاءها المستحقين لها لان استحقاقهم ليس ملكا ولا سببا للملك وان كان سببا للتمليك والتملك بمقتضى عادة الكرم بمعنى ان تمليكه بسبب ذلك التأهل مخرج للافاضة والاعطاء عن العبث والترجيح بلا مرجح وليس ذلك السبب ناقلا للملك عن تملك مالكه عز وجل وذلك لان الجذب المدعي مقتضي فعل القدرة العامة الغير المشروطة في تعلق افعالها على شيء بحال من الاحوال ولو جاز اجراء الجذب بلا سبب ولا ترجيح لجرى على جميع الخلق من الانسان وغيره حتى الجمادات لتساوي القدرة وافعالها الى جميع الاشياء على السواء فجميع الامدادات والالطاف والخيرات كلها على حسب القوابل التي هي الاعمال الظاهرة والباطنة وان كانت تلك النعم ابتدائية بمعنى عدم الاستحقاق لها بالتملك الناقل اذ يجوز ان يستحق العبد شيئا ولا يعطيه الرب تعالى لان العبد لا يملك شيئا لانه مملوك والملك لا يملك وانما يعطي المستحق كرما ابتدائيا وان كان لانه اهل له وفي الدعاء وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه ه‍ وقد ذكر الصادق عليه السلام كون النعمة بالاستحقاق على النحو الذي ذكرنا لا الاستحقاق الناقل عن ملك المالك تعالى قال عليه السلام لما سأله السائل من اين لحق الشقاء اهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم فقال ابو عبد الله عليه السلام ايها السائل حكم الله تعالى الا يقوم له احد من خلقه بحقه فلما حكم بذلك وهب لاهل محبته القوة على معرفته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله ووهب لاهل المعصية القوة على معصيته لسبق علمه فيهم ومنعهم اطاقة القبول منه الحديث فتأمل هذا الحديث الشريف يرشدك الى ما ذكرنا حرفا حرفا فما ذكره المصنف من التوقف على الجذب على معنى ما يذكرونه اهل هذه الدعوى غلط جرى منهم بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير

قال :

اقول لما ذكر الحواس الباطنة ذكر الحواس الظاهرة ومقتضى قاعدة رأيه من ان اول نشأة النفس قوة جسمانية ان يذكر الحواس الظاهرة اولا الا انه لعله انما اخرها لطول الكلام عليها او من غير ملاحظة ولا عيب فيه وانما ذكر اللمس اولا لان اللمس اقربها من الاجسام النباتية فيكون اولها وجودا ثم الذوق لكون مدركه الطف من الملموس لانه يكون بنفوذ الاجزاء اللطيفة او كيفية المذوق فالذوق لمس وادراك وملايمة او منافرة ثم الشم لترتبه على الاولين لاخذ غاياتهما فيه وادراكه على نحو ادراك الذوق بكون ادراكهما لاجزاء لطيفة او لكيفية ثم السمع وادراكه للاصوات وكيفياتها وهي الطف من المدركات الاولة ولذا كان السمع الطف مما قبله ثم البصر وادراكه للاشباح والالوان وهي الطف من الاصوات ولذا كان الطف من السمع وربما قيل بتقديم البصر وقوة السمع لدعوى تقدم بطلان البصر قبله عند ابتداء النوم لان النوم اجتماع الروح في القلب واول ما تنجذب من البصر وتقديم السمع في الذكر اولى لان البصر يدرك بدون مباشرة بخلاف السمع فانه انما يدرك اذا ضرب صوت الكلام الحجاب الذي هو كالطبل اما اللمس فقالوا فيه ان الحيوان الارضي لما كان حامل كيفية اعتدالية لا يستقيم بدونها ولا تتعلق النفس الفلكية بغير الاعتدالية بل يكون سبب فراقها اختلال ذلك الاعتدال احتاج في حفظها الى قوة حافظة لها بكونها مدركة لما يباشر ذلك الحيوان كالهواء والماء بانه مخالف او موافق ليحترز بها من المخالف ويطلب الملائم حتى لا يكون المخالف محرقا له بحره او مجمدا له ببرده او مغرقا له برطوبته وحتى يسكن الموافق ويتقوى به الاعتدال عن الاختلال ولذا كان اللمس اسبق الحواس حصولا ولانه انما يكون بالمباشرة التي هي من شأن الاجسام ولان المدرك يكون من جنس مادة الكيفيات المدركات وحيث كانت الكيفية الاعتدالية شاملة لجميع البنية الحيوانية وجب ان يكون الحافظ لها كذلك فكذا اللمس في جميع البدن واعدل قوة اللمس ما كان في انملة السبابة وايضا هذه القوة وان كانت من اعراض عالم الغيب الا انها لما كانت لتمييز احوال الشهادة غلب عليها جانب الشهادة لان تمييزها بالمباشرة فكانت سارية في جميع البدن من جهة الروح البخاري الذي هو محل الروح الحيواني فهي تجري حيث يجري الروح البخاري والروح البخاري يجري حيث يجري الروح الحيواني

وقوله { ومدركاتها اوائل الكيفيات الاربع } يعني انها تميز بين هيئات مبادي الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة ومن ثم قال بعضهم ان قوة اللمس حاكمة بين الحار والبارد وبين الرطب واليابس وبين الصلب واللين وبين الاملس والخشن وقيل وبين الثقيل والخفيف والوجه الاولى بالتحقيق ان حكمها ليس للتمييز بين المتقابلات وان حصل ذلك من باب اللزوم وانما تميز بين المتقابلات وبين المفردات في مراتبها في الشدة والضعف للفائدة المذكورة وحيث ثبت ان جميع الاشياء انما تتقوم بكيفية اعتدالية بنسبة رتبة كل شيء منها من الوجود الكوني الامري المفعولي الذي به قام كل شيء قيام تحقق وجب ان يكون في كل شيء منها قوة حافظة لتلك الكيفية فيكون في المعادن مثلا قوة لمس معدنية وفي النبات قوة لمس نباتية وفي الحيوان قوة لمس حيوانية وفي الانسان قوة لمس انسانية واما الذوق فهو بعد اللمس في الظهور وفي القرب من الاجسام واعم الاربعة بعد اللمس لكنه لما كان مدركه الطف من مدرك اللمس لانه اما اجزاء لطيفة تنفذ في مسام اللسان او كيفية يتكيف بها ريق الذائق فيدركها اللسان ولما كان مقتضى الحكمة ان يكون بين المدرك وما يدركه مناسبة ومشابهة وجسد الحيوان ليس كله لطيفا مشابها لما تدركه القوة الذائقة لم يحسن ان تسري الذائقة في جميع الجسد بخلاف اللامسة ومع هذا فلا بد من القوة اللامسة في ادراك الذائقة لاشتراط المباشرة فيها فاللامسة دليلها فاذا باشر المطعوم آلة الذوق وهي اللسان فنى اعتبار اللامسة وتولت الذائقة ادراك المطعوم بجذب اجزاء لطيفة منه الى جوفها فاذا انجذبت الى جوف آلة الذائقة سواء كان بنفس الاجزاء ام بواسطة الرطوبة اللعابية المعدة لبذرقة الطعام المنبعثة من العرقين اللذين تحت اللسان حصلت لها الملايمة او المنافرة اللتين يتحقق باحدهما الذوق بشرط الا يكون في الرطوبة ولا في اللسان طعم ليتأدي طعم المطعوم الى القوة الذائقة او يكون فيهما او في احدهما طعم ضعيف لا يغير طعم المطعوم والصورة الذوقية هي الملايمة للقوة الذائقة او المنافرة لها ونسبة هذه الصورة الى القوة كنسبة الصورة الى المادة وكنسبة الانثى الى الذكر والطعوم التسعة الحرافة والمرارة والملوحة وهذه الثلاثة من فعل الحرارة والحموضة والعفوصة والقبض وهذه الثلاثة من فعل البرودة والدسومة والحلاوة والتفاهة وهذه الثلاثة من فعل الكيفية المتوسطة والمراد من التفاهة احد معنيين الاول عدم الطعم حقيقة والتفه بهذا المعنى يسمى مسيخا والثاني الا يحس بطعمه لشدة تلازم اجزائه فلا تنحل منه اجزاء تخالط اللسان ولايتكيف الرطوبة اللعابية به بسرعة فلا يحس منه بطعم الا اذا عولج تحليل اجزائه او تكريره في اللعابية فانه يحس به كالحديد والنحاس وهذا معدوم الطعم دون الاول كذا ذكروا واعترض عليه بان حصر الفاعل في محض الحرارة والبرودة والكيفية المتوسطة ممنوع لحصول الفاعل من غيرها فان مراتب الحرارة والبرودة في الشدة والضعف وفي اللطافة والكثافة غير محصورة فكيف تنحصر في التسعة وايضا الخيار والحنطة النية يحس منهما طعم بسيط ليس من التسعة فالاختلاف في اللطافة والكثافة والشدة والضعف ان اقتضى الاختلاف في النوع تتعدد الطعوم بلا حصر وان لم يقتض الاختلاف كان القبض والعفوصة واحدا اذ لا فرق بينهما الا في الشدة والضعف فان القابض يقبض ظاهر اللسان والعفص يقبض ظاهره وباطنه وايضا الترياق مر وهو بارد والعسل حلو وهو حار وكذلك السمن والماء له طعم غير التسعة وهو بارد فلعل ذكرهم التسعة من باب الاغلبية والا فالحصر لا يصح بالاستقراء ولا بالعقل نعم يمكن ان نقول ذكرهم الفاعل الغالب اذ لا يوجد طبيعة بسيطة او الفاعل باعتبارين كما نقول طعم الماء طعم الحيوة والفاعل الحرارة والرطوبة او الرطوبة والبرودة فالاول فاعل الكون والذات والثاني فاعل البقاء والصفة فتدبر ولي مسلك تعديل بين هذه الاضطرابات الا انه يحتاج الى تطويل لا يفيد فيما نحن بصدده فائدة يعتد بها

واما الشم فكما قلنا قبل انه الطف من الذوق ولهذا تقدم الذوق عليه في الحصول وتأخر الشم ولان مدركه وهو الهواء الطف من مدرك الذوق سواء قلنا ان الهواء يتكيف بكيفية ذي الرائحة ويؤدي بها الى حلمتي الخيشوم او يحمل (ظ) اجزاء لطيفة من ذي الرائحة قد انبثت فيه ويؤدي بها الى الحلمتين اي العصبتين اللتين في المنخرين عند الخيشوم في كل واحد واحدة شبيهة بحلمتي ثدي الامرأة ينبسطان عند وصول الرائحة الطيبة وينقبضان عند وصول الرائحة الخبيثة وبالانبساط والانقباض يحصل الشم للقوة الشامة اذ هما آلة ادراكها للرائحة والارجح عندي في الذوق والشم ان المدرك بفتح الراء الكيف لا الاجزاء ففي الذوق بتكيف الرطوبة اللعابية بطعم ذي الطعم وفي الشم بتكيف الهواء برائحة ذي الرائحة وقول اصحاب الاجزاء لتوهم عدم انفكاك الطعم عن الاجزاء والرائحة عن الاجزاء لعدم انتقال الاعراض ضعيف لان الماء والهواء الطف من الاجزاء واشد نفوذا ومماسة واقرب الى الصورة الشمية والصورة الذوقية من الاجزاء لان الماء مقوم للصورة الذوقية والهواء مقوم للصورة الشمية ونسبة هذه الصورة الى القوة الشامة كنسبة الصورة الذوقية الى القوة الذائقة وقد اشرنا الى مثال النسبة في بحث الذوق وكون الاجزاء هي الحاملة للاعراض والاعراض لا تنفك عنها لو سلم ذلك لا يلزم من ذلك كونها ركنا للصورة بل حاملة لركن الصورة وحججهم واستدلالهم بمثل فناء الكافور وتفرق اجزائه ونقصه بخروج رائحته وذبول التفاح بشمه وما اشبه ذلك مدخول

واما السمع فهو عبارة عن ادراك الصوت والصوت يحدث من بين شيئين يكون بينهما قرع او قلع او ضغط فيصدم ما بينهما من الهواء باحد الثلاثة ما يليه ويصدم ما يليه ما بعده بهيئة ما صدمه ما قبله وهكذا يتدافع الهواء بعضه لبعض بهيئة الدفع الاول والدفع الاول الذي حصل بالهواء المتحرك بالقرع او القلع او الضغط يكون بتلك الهيئة في الشدة والضعف والجهر والهمس والرخاوة واللين والقلقلة وما اشبه ذلك من صفات الحروف وامثالها كالدق على القرطاس والنحاس والماء فان هذه الاصوات المختلفة هيئات تلك الحركات الثلاث بين جسمين فيخرج من بينهما الهواء حاملا لتلك الهيئات والاوضاع ويدفع ما يليه اي يصدم ما يليه بنحو ما صدمه به الجسمان وهكذا حتى يصل الجزء الاخير من الهواء الى الصماخ من اذن السامع فيصدم تلك الجلدة الرقيقة التي تلي الدماغ كهيئة الطبل بما حمل من الهيئات فتتوجه القوة السمعية عند دق بابها لهيئة الدق فتدرك الصدم الاول بما حمل لها الهواء من هيئاته بتدافعه كما يتدافع ماء الحوض ويكون من جميع الجهات فيسمع كلامك من هو امامك وخلفك ويمينك وشمالك وفوقك وتحتك لانه يتموج الهواء بالصدم الاول مستديرا كما ترى اذا حركت وسط حوض الماء الا انه قد لا تستوي جهات امتداده على الحقيقة وان تساوت في الجملة لان الهواء المدفوع اولا وهو المصدوم الذي يصدم ما وراءه ربما يكون في جهة انبعاثه اطول واظهر واقوى ولا بد من الهواء في حمل الهيئات او ما يشابهه في التخلل والسيلان الا انه ضعيف جدا لا يحكيها كما هي الا الهواء ولهذا قد يسمع الدق والصوت تحت الماء لسيلانه وامكان تدافعه ولكنه لا يتميز الصوت لاجل ثقله وبالجملة ليس الحافظ للحروف مثلا العقل او النفس او غير ذلك كما توهمه بعضهم وانما يحملها الهواء اذ هو المجانس لها والمتكيف بها فاذا دق باب السامعة تلقته من وراء الحجاب وذكر احتجاجاتهم وابطالها مما يطول به الكلام فاذا دق بابها حفظت صورته بواسطة الحس المشترك المسمى ببنطاسي فيرفعه الى خزانته الخيال وحفظته النفس وتناول العقل معناه من الصورة النفسية فاذا اراد مالك القرية ابراز ذلك كما وصل اليه امر خدامه فصاغوا اصواتا بهيئات كما وصلها والبس تلك المعاني والصور تلك الهيئات المصاغة على هيئة ما حمله اليه الهواء والاصح ان المسموع هو الصوت القائم بالهواء القارع للصماخ وهو المحسوس لا الصوت القائم بالهواء الخارج عن الاذن وشرط تحقق السماع على كماله توسط الهواء بين السامع وذي الصوت واما ما نقل عن قدماء الحكماء باكتفاء (ظ) تماس الافلاك بعضها من بعض كما نسب الى اساطين الحكمة كافلاطون ومن قبله انهم يثبتون للافلاك اصواتا عجيبة ونغمات غريبة يتحير من سماعها العقل وحكى عن فيثاغورس انه عرج بنفسه الى العالم العلوي فسمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات الافلاك واصوات حركات الكواكب ثم رجع الى استعمال القوى البدنية ورتب عليها الالحان والنغمات كذا ذكر المصنف في الاسفار بعد ان ذكر احتياج السماع الى الهواء بما يدل على انه فهم ان الحكماء ذكروا سماعا للاصوات المحسوسة لم يشترط في تحققه توسط الهواء وهذا الكلام ليس بمستقيم لان السماع الذي يشيرون اليه ليس المراد منه السماع الحسي الذي نحن بصدده حتى يشترط فيه توسط الهواء وانما السامع لتلك الاصوات اذن القلب الواعية وينزل معانيها القلب الى الروح فتخلع عليها الخلع الصفر وتنزلها الروح الى النفس فتلبسها ثيابا خضرا من سندس واستبرق وتنزلها النفس طينا وذرا وتتقاسمها القوى الخمسة النفسانية على نسبة سيرها في افلاكها فتخرجها بتلك النسب الحانا موسيقية وان اردت اني اتكلم بها تكلمت فاقول كما قال علماء العروض ان الكلام باعتبار الحركات والسكنات يجمعها قولهم لم ار على ظهر جبلن سمكتن لم سبب خفيف وهو كحركة زحل وار سبب ثقيل وهو كحركة المشتري وعلى وتد مجموع وهو كحركة المريخ وظهر وتد مفروق وهو كحركة الخيال وجبلن فاصلة صغرى وهو كحركة عطارد وسمكتن فاصلة كبرى وهو كحركة القمر لان فلك القمر يماس فلك عطارد بنقطة هي شخصية من فلك القمر ونوعية من فلك عطارد وعطارد يماس فلك الزهرة او الشمس مثلا والا فالثلاثة متقاربان فتختلف النوعية والشخصية فيها بالمحاذاة ونحن نريد التمثيل للالحان فنقول لاجل البيان النقطة من عطارد او الزهرة او الشمس شخصية ومن المريخ نوعية ومن المريخ شخصية ومن المشتري نوعية ومن المشتري شخصية ومن زحل نوعية ومن زحل شخصية ومن فلك البروج نوعية فاذا نسبت حركات الافلاك الاربع والعشرين الحركة بنسبة ما مثلنا بالشخصية والنوعية حصل من تناسب الاوضاع بين الشخصية والنوعية ونوعية النوعية وبين النوعية ونوعية نوعية النوعية وبالعكس ونحو هذا هيئات واوضاع بين الاسباب والاوتاد والفواصل اذا اخرج الصوت عليها خرج بالحان ونغمات تكون اقرب كل شيء الى مطابقة النفوس وملايمتها لان النفس مركبة من تلك الالحان حياتها من الفاصلة الكبرى وفكرها من الفاصلة الصغرى وخيالها من الوتد المفروق ووهمها من الوتد المجموع وعلمها من السبب الثقيل وتعقلها من السبب الخفيف وليس سماعهم لتلك الالحان بالاذن التي يسمع العوام بها كلام امثالهم المراد بهذا البحث هنا وان كان الحكيم الماهر الذي راض نفسه بالعمل الصالح يرفع اذنه المحسوسة بتنزل اذنه العقلية اليها حتى توصلها الى رتبة الحان الافلاك ويسمع بالاذن الظاهرة تلك الاصوات ويسمع تسبيح الجمادات والنباتات وكثيرا من تسبيح الملائكة والى سر ما اشرنا اشار تعالى بقوله ولكن لا تفقهون تسبيحهم ولم يقل لا تسمعون تسبيحهم لانهم يسمعون تسبيحهم ولكن لا يفقهونه لان من ذلك التسبيح ما يسمعونه بجميع اعضائهم وجوارحهم ومنه ما يسمعونه بالسنتهم ومنه ما يسمعونه بالات شمهم ومنه ما يسمعونه باذانهم ومنه ما يسمعونه باعينهم وعندهم انهم ماسمعوا الا ما سمعوه باذانهم وهذا ايضا اكثره لا يفقهونه اذ لا يفقهون منه الا ما كان بلغة ابناء نوعهم والكلام في طعوم الافلاك وروائحها التي ذكرها الحكماء كالكلام فيما ذكروا من اصواتها والحانها ونغماتها فافهم فاني قد اشرت الى طريق سماعهم لتلك الالحان وشمهم لتلك الروائح وذوقهم لتلك الطعوم وهنا ابحاث اعرضنا عنها كما في غيره

واما البصر فقد قال علماء التشريح انه نبت من الدماغ سبعة ازواج من العصب لسائر القوى والزوج الاول يبدأ من غور البطنين المقدمين من الدماغ عند جوار الزائدين الشبيهين بحلمتي الثدي وهو صغير مجوف يتياسر النابت منهما يمينا ويتيامن النابت منهما يسارا قالوا ويتقاطعان بتقاطع صليبي ينفذ النابت يسارا الى الحدقة اليمني والنابت يمينا ينفذ الى الحدقة اليسرى وقوة الابصار في الروح المنفوخة في تجويف ملتقى التقاطع واختلفوا في كيفية الابصار فقيل انه بالانطباع وقال الرياضيون انه بخروج الشعاع وقال الاشراقيون انه لا شعاع ولا انطباع وانما هو بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة واذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم اشراقي حضوري على المبصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية واختاره شهاب‌الدين السهروردي وقيل انه بانشاء صورة مماثلة للمرئي بقدرة الله من عالم الملكوت النفساني مجردة عن المادة الخارجية حاضرة عند النفس المدركة قائمة بها قيام الفعل بفاعله لا قيام المقبول بقابله وهو اختيار المصنف والحق الذي دل عليه العقل والنقل ان الابصار بالانطباع لا بخروج الشعاع والا لكان المرئي لك من وجهك في المرءاة مقلوبا بل يكون مواجها لك فترى عينك اليمنى في المرءاة مقابلة لعينك اليسرى كما اذا واجهت شخصا غيرك ولكن صورتك في المرءاة مقلوبة فانت ناظر في خلفها فتكون العين اليمنى تقابل اليمنى في المرءاة واليسرى تقابل اليسرى كما اذا نظرت في قفا زيد فان يمناك بازاء يمناه ويسراك بازاء يسراه ولا بالعلم الاشراقي لان قولهم : فتدركه النفس الخ فيه ان العلم الاشراقي ان اريد منه ان العلم نفس المعلوم صح الاشراقي وكان العالم بذلك العلم الاشراقي اعني نفس الناظر مدركا للصورة الحسية بنفسها لانها هي العلم فحينئذ فهي معلوم لا مرئي وكونها مرئية فبالعين وان اريد منه ان العلم غير المعلوم فبالطريق الاولى لان المعلومات على هذا غير العلم والنفس انما تحصل الصور العلمية المجردة ولا بصورة مماثلة من عالم الملكوت اذ يلزم ان الاشياء لا تدركها الابصار على جهة الحقيقة وهذا مخالف للعقلاء من عامة الخلق ومخالف للكتب الالهية والنقل من الكتاب والسنة مصرح بان العيون هي المبصرة كما قال تعالى ولهم اعين لا يبصرون بها وهذا كثير في القرءان بان الابصار بالعيون وكفى بكتاب الله مبطلا للقول الثالث وللقول الرابع الذي ذهب اليه المصنف والدليل العقلي مبطل للكل ولخصوص القول الثاني روي المفيد في الاختصاص في حديث طويل باسناده الى موسى بن محمد الجواد عليه السلام انه سأل اخاه ابا الحسن العسكري عليه السلام عن مسائل سألها عنه يحيى بن اكثم فكان جوابه الى ان قال واما قول علي عليه السلام في الخنثى انه يؤرث من المبال فهو كما قال وينظر اليه قوم عدول فيأخذ كل واحد منهم المرءاة فيقوم الخنثى خلفهم عريانا وينظرون في المرءاة فيرون الشبح فيحكمون عليه ه‍ وهو بصريحه يدل على ان الرؤية في المرءاة بالانطباع لا بخروج الشعاع ولا بالنفس ولا بصورة مماثلة من عالم الملكوت لان الشبح هو ظل صورة الشخص المقابل انطبع ذلك الظل في المرءاة والرؤية بالعين كالمرءاة بتسليم الخصم واعترافه وذكره الصدوق في باب العشرة من الخصال ه‍ واعلم ان لاهل هذه الاربعة الاقوال حججا كثيرة واجوبة طويلة ومعارضات لا فائدة في ايرادها ونقضها مع ما هي عليه من الطول وقصر الفائدة فيما نحن بصدده

وقوله { وقوة البصر للمبصرات بالفاعل اشبه منها بالقابل الى آخره } يعني به ان قوة البصر فاعلة للابصار لا قابلة له لان الابصار عنده ان النفس تدرك صورة نفسانية من عالم الملكوت تشابه صورة المرئي وان النفس تخترع تلك الصورة او تنتزعها من المرئي بواسطة الحس المشترك ثم الخيال ولاجل تقريبه لمثل هذا قال انها اشبه بالفاعل منها بالقابل وفي السمع بالعكس لانه بقرع الهواء الحامل للصوت لحجاب الدماغ الشبيه بالطبل فتكون القوة السامعة قابلة لما يصل اليها والحق كما تقدم ان الابصار ايضا كالسمع في كونه قابلا لانه على الصحيح بالانطباع كما مر وعلى كل تقدير لو قلنا بقوله كيف تكون النفس هي المبصرة لانها ان فرض ابصارها للمحسوس فهو ليس بصحيح لانها مجردة ولا تدرك المحسوسات بغير الوسائط وان فرض ما ذهب اليه من الصورة المماثلة الملكوتية فالنفس تدركها ولكن المرئي ليس حينئذ بمرئي في الحقيقة وانما المرئي هي الصورة المماثلة الملكوتية مع ان العين لا فائدة فيها وكونها طريقا للنفس لا يفيده لانه لا يقول بان النفس تدرك المرئي وان كان بوسائط وانما يذهب الى ان النفس تدرك صورة ملكوتية يعني من نوع النفوس الا انها مماثلة للمرئي فالعين يلزمه انها لا مدخل لها

قال :

اقول قوله { ومدركاتها الخمس } يعني ما تدركه هذه الحواس الخمس وهو ما تدركه القوة اللامسة من الملموس وما تدركه القوة الذائقة من المذوق وما تدركه القوة الشامة من المشموم وما تدركه القوة السامعة من المسموع وما تدركه الباصرة من المرئي مثل بضم الميم والثاء جمع مثال اي الصورة نورية غيبية يعني ان مدركات تلك القوى صور من عالم الملكوت مماثلة للمحسوسة موجودة في عالم اخر لان المحسوسة في عالم الملك عالم الاجسام وتلك الصور المماثلة للمحسوسة في عالم آخر اي في عالم الملكوت ومراده ان النفس من عالم الملكوت وهذه القوى قواها فهي في عالمها ويجب ان تكون مدركاتها معها في عالم واحد ولما كانت المرادة من المدركات هي من عالم الملك ولا يمكن ان تباشرها النفس الغائبة وجب ان تباشر صورا تشابهها فتعرف النفس المحسوسة وتدركها بادراك المشابه لها والحق غير ما ذكر المصنف لانا قد ذكرنا ان النفس من عالم الغيب وعالم الغيب لا يدرك شيئا من عالم الشهادة الا بواسطة شيء له جهتان جهة تناسب المدرك بكسر الراء وجهة تناسب المدرك بفتح الراء اما في اللمس فالقوة اللامسة من عالم البرزخ جنبتها العليا من نوع النفس وجنبتها السفلى من اعلى مراتب عالم الاجسام اعني الروح البخاري اعني الابخرة المعتدلة في الوزن الطبيعي بان يكون جزء من اليبوسة وجزء من الرطوبة وجزء من الحرارة وجزءان من البرودة وفي التدبير الاعتدالي كما اشرنا اليه سابقا في بيان النفس الحيوانية الحسية بتسخين الحرارة الغريزية ومعونة كر الافلاك باشعة الكواكب فهو برزخ بين النفس الحيوانية الفلكية وبين النفس النامية النباتية المتقومة بالدم الساري في جميع اقطار البدن مما تحله الحيوة لان الحيوة الحيوانية من نفس فلك القمر وهي تتعلق بذلك الروح البخاري بواسطة الطبائع الاربع فتدرك تلك القوة النفسانية هيئة الملموس من حرارة او برودة او صلابة او لين او ما اشبه ذلك بواسطة الروح البخاري المدرك بواسطة الدم الساري في ما تحله الحيوة بواسطته لان المدرك بفتح الراء جسماني عارض بالجسم ودعوى المصنف بان المدرك مجرد ملكوتي غير متجهة لان الشيء اذا جرد عن رتبة كونه سقطت منه العوارض الخارجية واذا سقطت لم يبق للقوة اللامسة ما تدركه وليس في الصورة الملكوتية ما يشابه الهيئة التي تدركها اللامسة اذ لو امكن حصولها كانت الهيئات الجسمانية في الملكوت وكانت الموجودة في الجسم الملموس اولي من المشابهة لها والقوة الذائقة والقوة الشامة على نحو القوة اللامسة واما القوة السامعة والقوة الباصرة فهما ووسائطهما من نوع القوى الثلاث السابقة الا ان هاتين خالفا السابقات في كيفية الواسطة الاخيرة المباشرة للمدرك بفتح الراء فلما كان المدرك هو هذه الاشياء الظاهرة وجب ان تكون الواسطة التي تلي المدرك بفتح الراء وتباشره من نوعه فلما كانت مدرك القوة السامعة هي الاصوات ناسبت ان تكون الواسطة التي تباشرها مما يمكن تأثر الصوت فيها وهي الجلدة الشبيهة بالطبل ولما كان مدرك القوة الباصرة الالوان والصور ناسب ان تكون الواسطة التي تباشرها تناسب الالوان والصور وهي الجليدية الصقيلة الرطبة لتنطبع فيها الالوان والصور وهذا اظهر من كل دليل لمن يفهم على ان مدرك القوة الباصرة هو الالوان وكذا السامعة كما قلنا والا لم يكن للعين في الابصار والاذن في السمع فائدة لو كان المدرك صورة ملكوتية مشابهة للمرئي فان المصنف اذا جعل الابصار انما هو بالنفس لا يحتاج الى العين فان قال فائدة العين انطباع الصورة والمدرك للون هو النفس فانها تدرك مثل المنطبع من عالم الملكوت قلنا ادراك النفس لما في الملكوت لا يتوقف على الحواس الا لتكون طريقا للنفس واذا فرض هذا كان ما ادركته صورة المرئي لا مثلها في عالم آخر كما قال المصنف

وقوله { لا الكيفيات المسماة بالمحسوسات الا بالعرض } يعني به ان المدرك مثال للكيفية المحسوسة نوري غيبي موجود في عالم الملكوت لانه من جنس الكيفيات النفسانية كما ذكره مكررا وانت قد سمعت رد هذا الكلام فان المدرك ليس الا الكيفيات المحسوسة ولهذا اجمع العقلاء من المتقدمين والمتأخرين على تسمية المدركات لهذه الكيفيات المحسوسة بالحواس الظاهرة ويريدون انها هي المدركة لهذه الكيفيات الظاهرة وهذا هو المعقول ولو كان المدرك لها هو النفس كما يدعيه المصنف لما سموها بالحواس الظاهرة

وقوله { وان سألت الحق فهذه القوى ليست قائمات بالاعضاء بل الاعضاء تقوم بامرها } فيه ان الحق في هذه المسئلة ليس على ما قال بل القوى المدركة لهذه الاشياء قوى نفسانية ولكنها ليست هي التي في النفس لان النفس ليس فيها شيء غيرها وهذه القوى التي يذكرونها هي ادراكات النفس والنفس لا تدرك في رتبة عالمها الا ما كان مجردا عن المواد العنصرية وهذه الامور المدركة اعني الملموسة والمذوقة والمشمومة والمسموعة والمبصرة ليست من عالم الملكوت عالم النفس بل هي اجسام او جسمانيات وكلا الامرين من هذا العالم وقد ثبت ان المدرك لها لا يكون خارجا عن عالمها الا بوسايط من عالمها والنفس واحدة وتدرك ما تدركه بفعل منها فان كان ما ادركته من عالم الملكوت ادركته بنفسه بلا توسط شيء وان كان في عالم الملك ادركته بالاتها وخلق الله سبحانه لها آلات فخلق النفس البخارية السارية في الدم تدرك بها هيئة الملموس والمذوق والمشموم وخلق الجلدة الرقيقة التي على الصماخ تدرك بها الاصوات وخلق الجليدية الصقيلة الرطبة في العين تنطبع فيها الصورة المرئية فتدركها بالقوة التي في التقاطع الصليبي بين القصبتين فاذا ارادت النفس ادراك شيء من احد الخمسة المذكورة اشرق احساسها على حاسته فحيى باحساسها كما اذا اشرقت الشمس على الجدار فاستنار باشراقها فكما ان الجدار ينور ما يقابله لما فيه من اشراق الشمس عليه ولا يقال ان الشمس نورت ذلك المقابل لان الانارة للجدار اذ الاستنارة على حسب قابليته بل يقال ان الجدار هو المنور لما قابله كذلك تلك الحواس فانها باشراق النفس عليها كانت حاسة بنفسها ولهذا يختلف الاحساس في القوة والضعف بصحتها وعدمها والنفس واحدة فالحاس للمبصر القوة التي في التقاطع الصليبي والحاس للمسموع القوة التي في جنبتي الدماغ التي تلي جلدة الصماخ وهما عصبتان مضاعفان بحذاء كل اذن وعدهما المشرحون واحدا لتقارب منشئهما وهما يدخلان في ثقبتين احدهما من قدام وهو مجرى السمع يفضي الى الجلدة الشبيهة بالطبل وعلى باب القصبة التي من قدام كما ذكرنا ترجمان السمع يترجم الصوت القارع لجلدة الطبل فكان حاسا بالاصوات بسبب ما اشرق عليه من اشعار النفس وكذلك باقي الحواس الخمس فانها هي الحاسة وان كانت بسبب ما اشرقت عليها النفس فقول المصنف فهذه القوى ليست قائمات بالاعضاء غلط والا لما سميت بالحواس الظاهرة بل هي قائمة بتلك الاعضاء قيام اشراق كقيام حركة اليد فيها من النفس فانها حين تعلقت باليد كانت حركة جسمانية من عالم الملك وان كان مبدؤها حركة نفسانية من عالم الملكوت فافهم

وقوله { لان البرهان ناهض على ان الحال بالشيء الذي وجوده في نفسه هو وجوده لمحله لا يمكن ان يكون وجوده في عالم ووجود المحل في عالم اخر الى قوله من نحو واحد } غير صحيح لانه يريد بالحال العرض وان وجوده في نفسه وجوده لمعروضه كما ذهب اليه تبعا لبعض الحكماء والمشبه به ليس بصحيح والمشبه غير مطابق وغير مراد اما كون المشبه به ليس بصحيح فقد ذكرناه في شرح المشاعر عند ذكره هذه المسئلة ووجه عدم صحته ان الحكماء اتفقوا على ان العرض ممكن والمصنف قائل به اذ لا خلاف فيه وكل ممكن زوج تركيبي فالعرض لا محالة مركب من مادة وصورة اي من وجود وماهية والمراد بالوجود اما المادة او المعنى المصدري والرابطي وما اشبههما وما سوى هذين النوعين وهم نشأ من عدم فهم الوجود والمراد به هنا المادة فالعرض مركب من مادة اي وجود ومن صورة اما مادته فليست من نفس المعروض وانما هي صفة واما صورته فمن حدود احدها وجود معروضه فقولهم ان وجود العرض في نفسه هو وجوده لمعروضه ان ارادوا بوجوده الذي هو مادته وحقيقته فهو غلط ظاهر لان حمرة الثوب مادتها من القرمز مثلا او الفوة وان ارادوا بوجوده ظهوره في الاعيان فلا تبعد الصحة لان وجوده لمعروضه من تمام قابليته للظهور فحينئذ يراد بالوجود المعنى الوصفي لا الذاتي والا فليس بصحيح واما كون المشبه غير مطابق فلان ادراك النفس وان كان عرضا لها بمعنى انه فعل لها ليس حالا بها لانه انما قام بها قيام صدور كالشعاع من السراج فانه وان كان عرضا الا انه قائم بالجدار لا بالسراج فليس معه في محل واحد كما مثلنا بحركة اليد فانها قائمة باليد التي هي من عالم الملك وهي ايضا من عالم الملك مع انها صفة للنفس التي هي من عالم الملكوت لانها ليست قائمة بها قيام عروض وانما هي قائمة بها قيام صدور فلا تكون معها في مكان واحد ولا في عالم واحد واما كونه غير مراد فلان المراد مما تدركه الحاسة من ذي المجسة والذوق والرائحة ومن اللون والصوت الظاهرة لا المتخيلة فانها ليست مرادة لجميع العقلاء فجعله ان الحاسة انما تدرك صورة من عالم الملكوت مشابهة لهذه الظاهرة مخالف للمعلوم المقطوع به من ان المدرك انما هو الاشياء الظاهرة الا تراهم يقولون للامور الظاهرة التي هي من عالم الملك الاجسام والاعراض هذه الاشياء المحسوسة يعني الظاهرة حتى المصنف فان كتبه مشحونة من هذه العبارة غير منكر لها بل يحتج بها ولا معنى للمحسوسة الا المدركة بالحواس وهذا شيء لا غبار عليه وانما الغبار على القلوب

وقوله { فالحرارة الملموسة بالذات ليست التي وجدت في الجسم المجاور للعضو كالنار الخ } غلط لان هذه الحرارة في الجسم والتي في العضو المتسخن المسمى باللامس اي شيء يقال لها المحسوسة ام يقال لها شبيهة المحسوسة ولم سميت هذه بالحواس الظاهرة وتلك بالحواس الباطنة اعني الحس المشترك والخيال الخ على ان قوله قبل هذا قوة اللمس وتسري في الاعضاء من جهة الروح البخاري صريح فيما نقول نحن وذلك حين غلبت طبيعته الفطرية طبيعة تكلفه نطق بالحق بان قوة اللمس تسري في الاعضاء من جهة الروح البخاري والروح البخاري من عالم الملك والقوة اللامسة قائمة فيها قيام حلول سارية معها في الاعضاء كلها لانها في الدم الجاري في اللحم

وقوله { بل صورة اخرى غائبة عن هذا العالم حاصلة في نشأة النفس الخ } قد تقدم الكلام عليه بما لا مزيد عليه مكررا

وقوله { وفيه سر } لعل المراد بالسر ما صرح به من ان العاقل متحد بالصورة المعقولة واما الجسمية والجسمانية فلم يتحد بها وانما تدخل في المعلومية بالعرض لانه عز وجل انما يعلمها بالصورة المعقولة ونحن قد ذكرنا فيما سبق بطلان كلامه هذا وهو ههنا فرع على ذلك ادراك النفس للمحسوسات بصورة ملكوتية مشابهة للمحسوسة وقد سمعت بطلان كلامه هنا ايضا وهذا سر مفضوح

وقوله { وللنفس في ذاتها سمع وبصر وشم وذوق ولمس غير هذه المكشوفة } جوابه ان للنفس ذلك الا انها هي نفسها بمعنى ان الله سبحانه اعلمها معرفة هذه المدركات واقدرها على ادراك صورها النفسانية الملكوتية ادراكا علميا واقدرها على ادراك هذه الظاهرة المكشوفة بما خلق لها من الالات على نحو ما ذكرنا سابقا لا كما ذهب اليه

وقوله { وقد تتعطل هذه بمرض او نوم او اغماء الخ } جوابه انها ادوات للنفس فاذا حصل للنفس معطل تعطلت لانها انما هي توجهات النفس وتصوراتها لا غير

وقوله { وتلك الحواس غير منعزلة عن فعلها } جوابه انا نقول ما نثبت لها من الحواس الملكوتية الا ما هو فعلها بنفسه والا ما معناه عينها لا فعلها وهي علمها وقدرتها كما اشرنا اليه وما تدركه في عالمها من هذه الامور الظاهرة فهي صورها العلمية واذا ارادت ادراكها بانفسها تنزلت واستعملت آلاتها فتدركها بالتناول بمعنى ان الطعم مثلا تدركه القوة الجسمانية التي في اللسان وتلك القوة مدركة للطعم لحياتها باشراق نور النفس عليها فتؤدي معرفة ذلك الطعم الى فعل النفس فينتزعها صورة علمية لا كيفية جسمانية والمدرك بفتح الراء هو المحسوس والنفس عالمة بذلك بصورته الانتزاعية العلمية كصورة زيد في خيالك والمدرك جسماني تدركه قوة جسمانية اي الروح البخاري الجسمي الساري في العضو الظاهر وان كان بواسطة حيوة النفس وفعلها كما قلنا في حركة اليد

وقوله { وهذه الظواهر حجب واغشية عليها وهي اصل هذه الداثرات } جوابه ان هذه الحجب آلات للادراك والمدركة هي بما سري فيها من الحيوة البخارية التي هي النفس النباتية وانما كانت مدركة بها لان البخارية حاملة للحيوانية الحسية التي هي من الافلاك كما ذكرنا سابقا فافهم

وقوله { وهي اصل هذه الداثرات } يعني ان تلك القوى المجردة الملكوتية الباقية اصل هذه الحواس الداثرات بمعنى ان هذه اشباح واظلة لتلك الملكوتية ونحن نقول هذه حواملها حين تنزلت العليا فجمدت كان الجامد منها هذه الداثرات والذائب ملكوتي

وقوله { وفيه سر } مثل سره الاول ويشير الى سر مفضوح وهو ان حقائق الاشياء كلها ثابتة في علمه الذي هو ذاته تعالى وهذه الاشياء الظاهرة الداثرة تنزلت من تلك الثابتة تنزل الاشباح والاظلال وحيث كانت هذه الظاهرة ايات للغائبة فرع معرفة هذه على ما يدعيه من معرفة تلك ولو عكس فعرف هذه اولا لانها مشاهدة يمكن معرفتها واستدل بها على الغائبة فعرف الغائبة بالحاضرة لأصاب ولنصره قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هنا

قال :

اقول اختلفوا في ابصار المرئي على اقوال اربعة :

الاول قول الرياضيين ومنهم هشام بن الحكم فانهم يقولون الابصار بكسر الهمزة بخروج شعاع من العين على هيئة مخروط رأسه عند العين ينبعث من التقاطع الصليبي من بين قصبتين ضيقتين كما قاله علماء التشريح قالوا ثقبة كل منهما قدر ما تمر منه شعرة خنزير ومجتمعهما ضيق ولذا كان النور على هيئة مخروط رأسه من التقاطع وقاعدته على المرئي واختلف هؤلاء فقال بعضهم المخروط مصمت وقال بعضهم مؤلف من خطوط مجتمعة عند رأسه متفرقة عند قاعدته وقال بعضهم ليس على هيئة مخروط بل خط دقيق ثابت عند التقاطع متقلب الطرف الذي عند المرئي على اجزائه وقال بعضهم ان الشعاع الذي في العين يكيف الهواء بكيفيته ويصير الكل آلة للابصار ومن نظر الى الايات الافاقية التي ذكرها سبحانه في كتابه في قوله سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق عرف فساد هذا القول بجميع اقواله فان المرءاة تكون فيها صورة المرئي ولم ينبعث منها نور والمرءاة مثال للابصار بالعين ضربه الله سبحانه لاولي الابصار وايضا لو كان الابصار بالشعاع لكنت ترى صورتك في المرءاة مقابلة لصورتك كشخص اخرى فترى عين صورتك اليمنى مقابلة لعينك اليسرى وعين صورتك اليسرى مقابلة لعينك اليمنى وهذا ظاهر لان الشعاع يخرج من العينين فيقع على المرءاة فينعكس الى وجهك فيكون كشخص مواجه لك ولكن الامر على العكس فلا يكون بخروج الشعاع

الثاني قول الطبيعيين وهو ان الابصار بانطباع صورة المرئي اي شبحه في الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد فانها مثل مرءاة فاذا قابلها متلون مضيء انطبع شبح صورته فيها كما تنطبع صورة الانسان في المرءاة بان يقع ظل المرئي وشبحه في العين وفي المرءاة بشرائط ذلك وهي المقابلة المخصوصة مع توسط الهواء المشف واستضاءة المرئي والمقابل وعدم القرب والبعد المفرطين واورد عليهم من وجهين الاول ان المرئي يكون صورة الشيء وشبحه لا نفسه مع قطعنا بانا نرى نفس الشيء والثاني ان شبح الشيء مساو في المقدار والا لم يكن صورة له ويلزم الا يرى ما هو اعظم من الجليدية لامتناع انطباع الكبير في الصغير واجابوا عن الايراد الاول بانه اذا كان رؤية الشيء بانطباع شبحه كان المرئي هو الذي انطبع شبحه لا نفس الشبح كما في العلم بالاشياء الخارجة فان العلم بها مشاهدة صورها الخيالية والنفسية وعن الثاني بان شبح الشيء لا يساويه في المقدار كما نراه من صورة الوجه في المرءاة الصغيرة لان المراد به ما يناسب الشيء في الشكل واللون دون المقدار غاية الامر انا لانعرف لمية ابصار الشيء العظيم وادراك البعد بينه وبين الرائي بمجرد انطباع صورة صغيرة منه في الجليدية وتأديتها بواسطة الروح المصبوب في العصبتين الى الباصرة

والثالث قول الاشراقيين او المنسوب اليهم واختاره شهاب ‌الدين المقتول السهروردي انه لا شعاع ولا انطباع وانما الابصار بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة واذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم اشراقي حضوري على المبصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية ويرد على هذا القول ما اوردناه على المصنف في ذكره ان النفس تدرك صورة ملكوتية مشابهة للمرئي وايضا العلم الاشراقي هو نفس حضور المعلوم عند العالم به في رتبة كونه كما حقق في محله فان معلومات الحق تعالى حاضرة عنده في اماكنها واوقاتها في مراتب اكوانها لا في الازل لان الازل هو الله سبحانه على مذهب الحق واما على مذهب المصنف من ان المعلومات صور في علمه الذي هو ذاته تعالى وهي حقائق الاشياء وهي متحدة بالعالم واما ما انحط عن تلك الحقائق فهي بمنزلة الاشباح والاظلال وهي الداثرات ومعلوميتها له بالتبعية لا بالاصالة يعني ان العلم بالعلل يستلزم العلم بالمعلولات وقد شحن كتبه من هذه الخرافات وهذا هو اصله في هذه المسائل فلذا جعل المدرك هو النفس لكنها تدرك صورة ملكوتية مشابهة للمحسوس وهذا وان كان باطلا لكنه لم يجعل النفس مدركة بذاتها للمحسوس ومن قال بان النفس تدرك المحسوسات بذاتها مع وجود تلك الشروط مع زوال المانع مشاهدة جلية فقد قاس هذا الذي ذكر للنفس على ما يثبته لله تعالى وقياسه باطل لان النفس لا تدرك المحسوسات بذاتها وانما تدركها بالوسائط والمدرك المباشر لادراكها جسماني حامل لفعل النفس يؤدي اليها بواسطة فعلها ما اخذه من المحسوس فتتنعم النفس او تتألم بواسطة تنعم محلها وتألمه ولا كذلك علم الله سبحانه فان علمه الحضوري لا يكون بواسطة شيء غير نفس الشيء

والقول الرابع ما ذهب اليه المصنف وقال به ارسطوطاليس في كتابه اثولوجيا وهو ان الابصار بانشاء صورة مماثلة له بقدرة الله تعالى من عالم الملكوت النفساني مجردة عن المادة الخارجية حاضرة عند النفس المدركة قائمة بها قيام الفعل بفاعله لا قيام المقبول بقابله وقال : المصنف ايضا والبرهان عليه يستفاد مما برهنا به على اتحاد العاقل بالمعقول فانه بعينه جار في جميع الادراكات الحسية والخيالية والوهمية وقد نبهنا على هذا المطلب في مباحث العاقل والمعقول وقلنا ان الاحساس مطلقا ليس كما هو المشهور بين عامة الحكماء ان الحس يجرد صورة المحسوس بعينه من مادته ويصادفها مع عوارضها المكتنفة وكذا الخيال يجردها تجريدا اكثر لما علم من امتناع المنطبعات بل الادراك مطلقا انما يحصل بان تفيض من الواهب صورة اخرى نورية ادراكية يحصل بها الادراك والشعور فهي الحاسة بالفعل والمحسوسة بالفعل واما وجود صورة في مادة فلا حس ولا محسوس الا انها من المعدات لفيضان تلك الصورة مع تحقق الشرائط انتهى كلامه من كتابه الاسفار وقد تقدم ابطال كلامه فان العقلاء قولا واحدا يسمونها الحواس الظاهرة ويعدون الحس المشترك من الحواس الباطنة مع كونه برزخا وكونه انزل من الصورة المماثلة على زعمه انها من الملكوت مجردة عن المادة الخارجية على ان المحسوس هو الكيفية الحالة في الزنجبيل واذا جردتها النفس ورفعتها الى عالمها كان الصورة المدركة هي الصورة العلمية فالنفس تعلم ان صاحب هذه الصورة يحدث حرارة في الجسم المباشر له كاللسان حتى يتألم اللسان وربما تشقق او حدث فيه السلاق لا ان النفس تحس به وانما تتألم آلاتها الجسمانية بكيفية الزنجبيل فينطوي اشراقها الذي على آلاتها كما يتغير اشراق الشمس على الجدار المبيض اذا غير بياضه فالتقاطع الصليبي انما يدرك المرئي مع شرائط الرؤية بما اشرق عليه من حيوة النفس وهذه الحيوة جسمانية من عالم الملك كحركة اليد فانها وان كانت من حيوة النفس المجردة التي هي من عالم الملكوت الا انها لما اشرقت على اليد وانصبت بواسطة الدم في العروق والعصب كانت جسمانية من عالم الملك مع انها معلومة انها هي الحركة الملكوتية اذ ليس في اليد حركة الا حركة النفس وقد تقدم ما ذكرنا من الحديث ومن القرءان حيث عاتب المنكرين للايات بقوله لهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها فنطق كتاب الله بان الابصار بالعيون والسماع بالاذان ودعوى انه جار على ما يفهمه العوام جارية على ما يفهمه العوام والذي يدركه الخيال من ذلك والذي تدركه النفس من الصورة التي افاضها الواهب عز وجل هي صورة العلم بذلك ونحن نعترف به فانه تعالى اعطي كل ذي حق حقه فاعطى العين الابصار من لون المرئي واعطى النفس العلم من حاسة البصر واعطى العقل المعنى من صورة العلم النفسية وهو تعالى مع كل شيء بما له من فيض فعله وعطاء صنعه وما ذكره من كون دليله على ان النفس تدرك حرارة الزنجبيل بصورة ملكوتية متحدة بالنفس هو برهانه على اتحاد العاقل بالمعقول والحاس بالمحسوس هو دليلنا على عدم صحة قوله هناك وهنا وقد تقدم عند ذكره اتحاد العاقل بالمعقول في هذه الرسالة وفي المشاعر في شرحنا عليه ما يكفي الفاهم ويغني العالم والحق في هذه المسئلة ما ذهب اليه اصحاب القول الثاني لاجماع العقلاء على صحة قول من قال سبحان من لا تراه العيون ولا تحققه الظنون مع ان الظنون من فعل النفس لما تشاهده من الصورة وان كانت مترددة بينها وبين غيرها والا لكان معنى العبارتين مكررا وفيما ذكرناه كفاية لمن وفق له ولكل واحد من هذه الاقوال الاربعة حجج وترد عليه ايرادات وله جوابات لها وليس هذا محل ذكرها وهي طويلة ذكروها في الكتب المبسوطة وانما لم‌نذكرها لطولها ولعدم تمام الفائدة فيها بدون الكلام على كل منها وهذا يستلزم تأليف كتاب على حدة

قال :

اقول هذا رد على ما ذهب اليه الاشراقيون من ان الابصار بمشاهدة النفس للصورة الخارجية القائمة بالمادة وهو من وجوه قال منها ان البرهان قائم على ما في المواد الخارجية ليس مما يتعلق به ادراك بالذات اقول اما ان ما في المواد الخارجية ليس مما يتعلق به ادراك النفس بذاتها وبفعل ذاتها فصحيح واما انه لا يتعلق به ادراك مطلقا فباطل بل يتعلق به ادراك القوى الجسمانية ولكن المصنف جعل برهانه تفريعا على مسئلة اتحاد العاقل بالمعقول فانه منع هناك من كون الماديات معقولة لله تعالى بالذات بل بتبعية عقله لحقائقها المجردة وقد ذكرنا بطلانه ونذكر هنا بطلان الفرع فانه على زعمه يعقلها بنفس علمه الذي هو ذاته وعلى قوله يلزمه الا تكون الذات الحق عز وجل متساوية النسبة الى جميع الاشياء وهو خلاف الاتفاق على ذلك

وقوله { ولا من شأنه الحضور الادراكي والوجود الشعوري } اما الحضور الادراكي فممنوع لان كل شيء يحضر بكونه سواء في ذلك المادي والمجرد وكل مدرك له فادراكه له بنفس حضوره لا بصورة مماثلة اجنبية او منتزعة لان المدرك بكسر الراء تحضر عنده صورة المدرك بفتح الراء في غيبه عند غيبته واما عند حضوره فلا توجد عند ذي الادراك صورة غيره كما اذا غاب عنك زيد حضرت في ذهنك صورته لان ذهنك يأخذها منه اذا غاب فاذا حضر اخذ منك ما اخذت منه فلا يوجد عندك الا نفس حضوره الذي هو به هو وهذا تتساوي فيه الاشياء كلها واما الوجود الشعوري فالذي اعطى العقل الشعور بالمعاني لذاته لا بالصور الجوهرية واعطى النفوس الشعور بالصور الجوهرية لذاتها لا بالجسمانية واعطى القوى الجسمانية الشعور بالكيفيات الجسمانية على ان كل مدرك انما يحضر عند مدركه بنفسه لا بمماثله اذ لو كان الادراك انما هو للمماثل النفساني لكانت الصورة هي الصورة العلمية ولا خلاف في حصول الصور العلمية للنفس لكنها ليست هي الكيفيات الملموسة والمذوقة والمشمومة والمسموعة والمبصرة كما ان صورة زيد في ذهنك ليست زيدا ولا الاحساس بزيد وانما هي به فمعارضته ليست بصحيحة وقول الاشراقيين ليس بصحيح ايضا لان النفس لا تدرك الكيفيات المحسوسة بنفسها فالرد والمردود مردودان ضعف الطالب والمطلوب

وقوله { ومنها ان تلك الاضافة غير صحيحة اذ النسبة بين ما لا وضع له وبين ذات الاوضاع } اقول وهو كما قال على دعويهم ولكنهم يعارضونه بهذا في دعواه بان النفس تدرك صورة مماثلة للمحسوس لان الصورة المذكورة مما لا وضع لها فالنسبة بينها وبين ذات الاوضاع في المماثلة غير صحيحة بل ربما يكون عدم النسبة فيما قال من المماثلة اولى منه فيما قالوا من الادراك لانه اشراق والاشراق العلمي كما يكون في الصورة الملكوتية يكون في الجماد لان المراد من الاشراق العلمي حضور المعلوم بنفسه في رتبة كونه ووجوده عند العالم وتتساوى المعلومات فيه

وقوله { الا بواسطة ما له وضع } صحيح ولكن الصورة الملكوتية المماثلة مما لا وضع له فلم جعل النفس مدركة للمحسوس بواسطة ادراكها لها الا ان يجعلها الروح البخاري فلا تكون ملكوتية بل جسمية

وقوله { وعلى تقدير صحتها بالواسطة لم تكن اضافة علمية اشراقية } فيه انا نريد الا يكون ادراك المحسوسات الخمسة علميا اشراقيا بل وضعي مادي ولذا يضعف ادراك المحسوسات ببعدها عن الحواس الظاهرة البعد المحسوس ولا يختلف في حق النفوس

وقوله { اذ جميع افاعيل القوى المادية وانفعالاتها بمشاركة الوضع } صحيح ولكنه المطلوب

وقوله { بل الحق في الابصار كما افاده الله لنا بالالهام ان النفس ينشأ منها بعد حصول الشرائط المخصوصة باذن الله صور معلقة قائمة بها حاضرة عندها متمثلة في عالمها لا في هذا العالم } واقول كلامه هذا بعين معناه ذكره قبل هذا وقد تكلمنا عليه هناك فلا فائدة في كثرة التكرار مرة بعد اخرى وان كانت عادتي اني اعتني بالتكرير للبيان الا انه مع الفاصلة الطويلة او لخفاء في البيان الاول

وقوله { والناس في غفلة الى اخره } نقول : عليه لعله هو الذي غفل فان المواد اذا لم يتعلق بها ادراك كانت من عالم الغيب وعالم الغيب يكون من عالم الشهادة لتعلق الادراك وعلم الطب كله مبني في التنمية والتحليل والتبريد والتسخين والترطيب والتجفيف وغير ذلك على ثبوت ادراك القوى المادية لهذه الكيفيات ولو انحصر الادراك في النفس والصور الملكوتية بطل علم الطب المجرب المقطوع على صحته وتأثير بعض الماديات في بعض وادراك بعضها لبعض كيف لا وهي النامية والفاعلة والقابلة والحاسة والمحسوسة وقد اتفق الفلاحون على ان النخلة تأنس وتستوحش وتعشق وتخاف وقد صحح هذه الامور وامثالها المجربون بلا نكير بينهم كما هو مذكور في علم الفلاحة وصح لكل من جربه مع انها ليس لها نفس ملكوتية وانما نفسها نباتية من هذا العالم مؤلفة من هذه العناصر المشاهدة واحساسها لذلك من نوع احساس هذه الخمس الظاهرة وكل من فهم كلامي وامثاله عرف ان المصنف هو الذي كان في غفلة عن هذا لا العلماء والحكماء الذين سماهم الناس

وقوله { والذي حصلناه من كيفية الابصار هو الحري باسم الاضافة الاشراقية الى اخره } ليس كذلك فان الاضافة الاشراقية لم يفهم المصنف مراد القائلين بها منها فانها كما تتحقق من العقول والنفوس تتحقق من الجمادات من بعضها لبعض فان بيتك اذ بني زيد له بيتا عن يمين بيتك فقد حصلت النسبة الاشراقية لبيتك من نفس حضور بيت زيد وكونه عن يمين بيتك ولو هدمه ونقله زالت النسبة اليمينية الاشراقية فلم يتصف بيتك بها فاذا فهمت معنى النسبة الاشراقية والاضافة الاشراقية والعلم الاشراقي من هذا المثال فهمت معنى الاشراقي الذي يريدون اهله لا انه شيء ينبعث من المشرق كما يتوهم

وقوله { لان المضاف اليه كالمضاف موجود بوجود نوري كالذات } ليس بصحيح بل قد يكون المضاف اليه نوريا دهريا وسرمديا وازليا والمضاف جمادا وحجرا فان الاضافة تتحقق في بيتك الذي هو حجر وطين اليك وانت المضاف اليه بنفسك فتقول هذا ملك نفسي فهو منسوب الى نفسك في الملك له والعلم به وكل ما خلق الله سبحانه حاضر عنده مضاف الى ملكه وليس هذا العند في الازل بل كلها في الامكان في الاوقات السرمد كالفعل وكالحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله باعتبار والدهر كالعقل الكلي والروح الكلية والنفس الكلية والطبيعة الكلية وجوهر الهباء والزمان كالاجسام من المحدد الى الارض السابعة السفلي وكل هذه معلومة له بالعلم الاشراقي بحضورها كل في رتبة كونه او امكانه ووقته من ملكه وهو تعالى سيدي في عز جلاله متعال في توحده عمن سواه وحده لا شريك له وهو الأن على ما كان ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين ونورا وهداية لقوم عارفين ومايعقلها الا العالمون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال :

اقول لما فرغ من الكلام على المشاعر الظاهرة اخذ في بيان المشاعر الباطنة والذي يناسب ان يبتدئ اما باولها ذكرا كالحس المشترك ثم الفكر ثم الخيال او باقربها الى الجسمانيات من حيث الافلاك الحاملة لها كالحيوة ثم الفكر ثم الخيال لكنه ذكرها على سبيل التعداد واكتفي به من جهة انه تابع للقوم ولهم كلام طويل عجيب على الخيال ولعله لم يقف على ما قالوا في الفكر ونحن نشير الى ما لم يذكره والى ما ذكره اما الحس المشترك فانه في الحقيقة من البرازخ والبرزخ جامع للطرفين فهو قوة في مقدم الدماغ حياته من نوع حيوة الحشرات كالخنافس والذباب والبق وما اشبهها لانه قوة نفسانية تحجرت وتجسدت فهي ذات وجهين وجهها الاسفل جسماني يشاهد الجسمانيات كالقوي الظاهرة الخمس على المذهب الحق ويأخذ منها ما حصلته من المدركات الخمس الملموس والمذوق والمشموم والمسموع والمبصر ويشافه الخيال بوجهه الاعلى النفساني ويؤدي اليه ما اكتسبه بعد ما يترجمه بلغة الخيال لانه يتلقاه بلغة الاجسام والجسمانيات والخيال لا يعرف لغتهم وهذا بابه المترجم لما يكتسبه منها لخازنه الخيال واما الفكر فمحله من الدماغ كمحل عطارد من الافلاك لان الفكر في العالم الكبير نفس فلك عطارد وقالوا انه موكل به ثلاثة ملائكة شمعون وسيمون وزيتون وتحت كل من الجنود من الملائكة ما لا يحصى عددهم الا الله الذي خلقهم عز وجل فهم موكلون بانزال الخيالات والصور وسائر الهيئات وهم المركبون للصور المختلفة كصورة اجنحة للانسان وكرجل له الف رأس على حسب ما يأمرهم الله تعالى مما ينزل من الخزائن كما قال عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالفكر قوة نفسانية قيل اذا تصرفت بسبب القوة العقلية فهي فكر واذا تصرفت بالقوة الوهمية فهي خيال والحاصل هي في العالم الصغير كنفس فلك عطارد في العالم الكبير فهو يرتب الصور ويفككها ويؤلفها على حسب مقتضى باعثه من العقل او الوهم واما الحيوة فهي بمنزلة النور للقوى النفسانية وهي في الانسان الصغير بمنزلة نفس فلك القمر للانسان الكبير وقد قال تعالى وجعل القمر فيهن نورا فافهم وقد تقدم بيان ومثال للحيوة الحيوانية الحسية واما الخيال فقال المصنف : ان الصور الخيالية للانسان جوهر مجرد عن هذا العالم اعني عالم الاكوان الطبيعية والمواد المستحيلة والحركات اقول اما انه جوهر فيصح باعتبار الباطن من ان الصفات والاعراض ذوات يعني ابدانا تعليمية معنوية ولو ظهرت اعراض زيد لك كحركته وكلامه وحرارته وبرودته لم تفرق بينها وبين زيد الا ان زيدا يسند ما يحكيه عن نفسه وهي تسند ما تحكيه عن زيد وهي تأويل اهل الكهف والرقيم فهي جواهر بهذا المعنى وبالنسبة الى اعراضها الا انها جواهر مستقلة والا لما كانت قوى للنفس ولكانت نفوسا على حدة الا ترى انك انت ذو نفس واحدة وتنسب اليها هذه فتقول حسي وخيالي ووهمي نعم هي باعتبار انبعاثها من نفسك تكون وجوها لها فهي جواهر في رتبتها وهي في رتبة النفس آلات فعلية واما انه مجرد فنعم هو مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وله مادة نفسانية او برزخية مثالية وله مدة مركبة من بين الزمان والدهر ويأتي تمام الكلام

وقوله { اعني عالم الاكوان الطبيعية } قد تقدم انه يريد بالطبيعة الطبيعة الجسمية المركبة اما من العناصر الظاهرة او من الطبائع كالافلاك

وقوله { وعليه براهين اوردتها في الاسفار الاربعة } اما المبرهن عليه من انه مجرد على ما ذكرنا وجوهر كذلك فصحيح واما البراهين ففيها غلطات كثيرة لابتنائها على اصوله وايرادها يطول به الكلام

وقوله { وهي ليست مجردة عن الكونين والا لكانت عقلا ومعقولا } يعني انها ليست مجردة عن الكون البرزخي وان كانت مجردة عن الجسمي ولو كانت مجردة عن البرزخي كما تجردت عن الجسمي لكانت نفسا اذ ليس وراء البرزخ الا النفس والنفس اذا كملت كانت عنده عقلا فتكون عاقلة لغيرها ولنفسها فهي معقولة ويريد به التنبيه على اتحاد العاقل والمعقول وقد تقدم بطلانه

وقوله { بل وجودها } يعني القوة الخيالية { في عالم اخر } وهو عالم البرزخ بين المجردات والاجسام المادية { يحذو حذو هذا العالم } يعني على هيئة تركيبه من الابعاد والالوان والروائح والاصوات وسائر الكيفيات { في كونه مشتملا على افلاك } وتسمى تلك الافلاك هورقليا يعني ملكا آخر اي عالم ملك غير عالم ملك الماديات العنصرية { وعناصر وانواع سائر الحيوانات والنباتات } وهذه عالمه السفلي وهو كما دلت عليه الروايات يشتمل على بلد في المشرق يقال لها جابلقا وعلى بلد في المغرب يقال لها جابرسا وفي بعض الاخبار ان لكل واحدة سبعين‌ الف باب بين الباب الى الباب فرسخ وفي رواية اخرى مائة فرسخ وعلى كل باب خمسون‌ الفا شاكي السلاح ينتظرون قيام القائم عليه السلام عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من اعوانه وانصاره والمستشهدين بين يديه والروايات مختلفة الظاهر في ذكرهما ففي الكافي عن ابن ابي ‌عمير عن رجاله عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال ان الحسن عليه السلام قال ان لله مدينتين احديهما بالمشرق والاخرى بالمغرب عليهما سور من حديد وعلى كل واحد منهما الف الف مصراع وفيها سبعون‌الف الف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها وانا اعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري وغير الحسين اخي ه‍ وروي الحسن بن سليمن الحلي في منتخب بصائر سعد بن عبد الله الاسعدي باسناده عن الصادق عليه السلام قال ان لله عز وجل مدينتين مدينة بالمشرق ومدينة بالمغرب فيهما قوم لا يعلمون بخلق ابليس نلقاهم في كل حين فيسألونا عما يحتاجون اليه ويسئلونا عن الدعاء فنعلمهم ويسألونا عن قائمنا متى يظهر وفيهم عبادة واجتهاد شديد ولمدينتهم ابواب ما بين المصراع الى المصراع مائة فرسخ لهم تقديس وتمجيد ودعاء واجتهاد شديد لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم يصلي الرجل منهم شهرا لا يرفع رأسه من سجدته طعامهم التسبيح ولباسهم الورق وجوههم مشرقة بالنور واذا رأوا منا واحدا لحسوه واجتمعوا اليه واخذوا من اثره من الارض يتبركون به لهم دوي اذا صلوا كاشد من دوي الريح العاصف منهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا عليه السلام يدعون الله عز وجل ان يريهم اياه وعمر احدهم الف سنة اذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقربهم الى الله عز وجل اذا احتبسنا عنهم ظنوا ان ذلك من سخط يتعاهدون اوقاتنا التي نأتيهم فيها لا يسأمون ولا يفترون يتلون كتاب الله عز وجل كما علمناهم وان فيما نعلمهم ما لو تلى على الناس لكفروا به ولانكروه ويسألونا عن الشيء اذا ورد عليهم من القرءان لا يعرفونه فاذا اخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا وسألوا لنا طول البقاء والا يفقدونا ويعلمون ان المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة ولهم خرجة مع الامام عليه السلام اذا قام يسبقون فيها اصحاب السلاح ويدعون الله عز وجل ان يجعلهم ممن ينتصر بهم لدينه فيهم كهول وشبان اذا رأى شباب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد لا يقوم حتى يأمره لهم طريق هم اعلم به من الخلق الى حيث يريد الامام عليه السلام فاذا امرهم الامام عليه السلام بامر قاموا عليه ابدا حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره لو انهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من الخلق لافنوهم في ساعة واحدة لا يحثـل (كذا) فيهم الحديد لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد لو ضرب احدهم بسيفه جبلا لقده حتى يفصله ويغزوا بهم الامام عليه السلام الهند والديلم والترك والروم وبربر وفارس وبين جابرسا الى جابلقا وهي مدينتان واحدة بالمشرق وواحدة بالمغرب لا يأتون الى اهل دين الا دعوهم الى الله عز وجل والى الاسلام والاقرار بمحمد صلى الله عليه واله والتوحيد وولايتنا اهل البيت فمن اجاب منهم ودخل في الاسلام تركوه وامروا عليه اميرا ومن لم يجب ولم يقر بمحمد صلى الله عليه واله ولم يقر بالاسلام ولم يسلم قتلوه حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل احد الا آمن ه‍ وسئل امير المؤمنين عليه السلام هل كان في الارض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل خلق ادم وذريته فقال نعم قد كان في السموات والارض خلق من خلق الله يسبحون الله ويقدسونه ويعظمونه بالليل والنهار لا يفترون فان الله عز وجل لما خلق الارضين خلقها قبل السموات ثم خلق الملائكة روحانيين لهم اجنحة يطيرون حيث يشاء الله فاسكنهم ما بين اطباق السموات يقدسون الليل والنهار واصطفى منهم اسرافيل وميكائيل وجبرائيل ثم خلق عز وجل في الارض الجن الروحانيين لهم اجنحة فخلقهم دون خلق الملائكة وخفضهم دون ان يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك فاسكنهم فيما بين اطباق الارضين السبع وفوقهن يقدسون الله الليل والنهار لا يفترون ثم خلق خلقا دونهم لهم ابدان وارواح بغير اجنحة يأكلون ويشربون نسناس اشباه خلقهم وليسوا بانس واسكنهم اوساط الارض على ظهر الارض مع الجن يقدسون الله الليل والنهار لا يفترون قال وكانت الجن تطير في السماء فتلقى الملائكة في السماء فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلمون منهم الخير ثم ان طائفة من الجن والنسناس الذين خلقهم الله واسكنهم اوساط الارض مع الجن تمردوا وعصوا عن امر الله فمرحوا وبغوا في الارض بغير الحق وعلا بعضهم على بعض في العتو على الله تعالى حتى سفكوا الدماء فيما بينهم واظهروا الفساد وجحدوا ربوبية الله قال واقامت طائفة المطيعون من الجن على رضوان الله وطاعته وباينوا الطائفتين من الجن والنسناس الذين عتوا عن امر الله قال فحط الله اجنحة الطائفة من الجن الذين عتوا عن امر الله وتمردوا فكانوا لا يقدرون على الطيران الى السماء والى ملاقاة الملائكة على خلاف خلق الجن وعلى خلاف خلق النسناس يدبون كما تدب الهوام ( الهامة الدابة ) في الارض يأكلون ويشربون كما تأكل الانعام من مراعي الارض كلهم ذكران ليس فيهم اناث لم يجعل الله فيهم شهوة النساء ولا حب الاولاد ولا الحرص ولا طول الامل ولا لذة عيش لا يلبسهم الليل ولا يغشيهم النهار ليسوا ببهائم ولا هوام لباسهم ورق الشجر وشربهم من العيون الغزار والاودية الكبار ثم اراد الله ان يفرقهم فرقتين فجعل فرقة عند مطلع الشمس من وراء البحر وكون لهم مدينة انشأها تسمى جابرسا طولها اثنا عشر الف فرسخ في اثني ‌عشر الف فرسخ وكون عليها سورا من حديد يقطع الارض الى السماء ثم اسكنهم فيها واسكن الفرقة الاخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر وكون لهم مدينة انشأها تسمى جابلقا طولها اثنا عشر الف فرسخ في اثني ‌عشر الف فرسخ وكون لهم سورا من حديد يقطع الارض الى السماء واسكن الفرقة الاخرى فيها لا يعلم اهل جابرسا بموضع اهل جابلقا ولا يعلم اهل جابلقا بموضع اهل جابرسا ولا يعلم بهم اوساط الارضين من الجن والنسناس فكانت الشمس تطلع على اهل اوساط الارضين من الجن والنسناس فينتفعون بحرها ويستضيئون بنورها ثم تغرب في عين حمئة فلا يعلم بها اهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها اهل جابرسا اذا طلعت لانها تطلع من دون جابرسا وتغرب من دون جابلقا فقيل يا امير المؤمنين فكيف يبصرون ويحيون وكيف يأكلون ويشربون وليس تطلع الشمس عليهم فقال عليه السلام انهم يستضيئون بنور الله فهم في اشد ضوء من نور الشمس ولا يرون ان الله خلق شمسا ولا قمرا ولا نجوما ولا كواكب ولا يعرفون شيئا غيره فقيل يا امير المؤمنين فاين ابليس عنهم قال لا يعرفون ابليس ولا سمعوا بذكره لا يعرفون الا الله وحده لا شريك له لم يكتسب احد منهم خطيئة ولم يقترف اثما لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون الى يوم القيمة يعبدون الله لا يفترون الليل والنهار عندهم سواء ه‍ واقول ان هاتين المدينتين ومن فيهما وارضوهم وسمواتهم على هيئة ارضينا وسمواتنا وانهم في الاقليم الثامن واسفل عالمهم فوق محدب محدد الجهات ومع هذا فقد جمعهم وافلاكهم المسماة بهورقليا في جوفه وجنان الدنيا ونيران الدنيا في ذلك العالم ومن مات من المؤمنين الماحضين الايمان حملت الملائكة روحه على نجائب من نور الى جنان الدنيا في ذلك العالم وان كان من المنافقين والكافرين الماحضين قادت الملائكة روحه بكلاليب وسلاسل من نار الى نار الدنيا في ذلك العالم وماء الفرات والنيل وسيحان وجيحان ينزل من ذلك العالم الى فلك المحدد الجهات ثم الى الملائكة ثم الى السحاب ثم الى الانهار الاربعة ماء كل نهر من نظيره هناك وفي بعض الروايات ما معناه انه يخرج من كل مدينة منهما كل يوم سبعون ‌الفا لا يعودون ويدخلها سبعون‌الفا لا يخرجون الى يوم القيمة واعلم ان الذي علمته في هؤلاء الخارجين والداخلين انهم يخرجون من جابرسا لا يعودون ويدخلون جابلقا لا يخرجون ومن خرج من جابلقا دخل جابرسا كذلك واذا كنت في مكان خال لا يحس بحركة ولا صوت ولا ريح في ليل او نهار فانك تسمع كلامهم لان المغربين والمشرقين يتلاقون في الهواء بين الارض والسماء فيتكالمون فتسمع كلامهم وتسبيحهم دويا كدوي النحل وكذلك تسمع صوت الماء النازل من عالمهم الى الانهار الاربعة لانه ينزل في حوض واسع والملائكة تكيل السحاب منه فاذا اردت ان تسمع ذلك الانصباب فاربط اذنيك باصبعيك لئلا تسمع شيئا من هذا العالم فانك تسمع صوت انصباب الماء في الحوض والحوض لا يمتلي ابدا لان الملائكة دائما تغرف منه فافهم وحكى عن الحكماء الاقدمين ان في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي لا تتناهى عجائبه ولا تحصى مدنه من جملة تلك المدن جابلقا وجابرسا وهما مدينتان عظيمتان ولكل منهما الف باب لا يحصى ما فيها من الخلائق

وقال بعض العلماء : في كل نفس خلق الله عوالم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وخلق الله من جملة عوالمها عالما على صورنا اذا ابصرها العارف يشاهد نفسه فيها ثم قال وكلما ما فيها حي ناطق وهي باقية لا تفنى ولا تتبدل واذا دخلها العارفون فانما يدخلون بارواحهم لا باجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه الارض الدنيا ويجردون ارواحهم وفيها مدائن لا تحصى تسمى مدائن النور لا يدخلها من العارفين الا كل مصطفى مختار وكل حديث وآية وردت عندنا فصرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الارض وكل جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك وجن وكل صورة يرى الانسان فيها نفسه في النوم فمن اجساد هذه الارض انتهى

اقول في كلام هذا البعض بعض الكلام اما قوله : لا يدخلها من العارفين الا كل مصطفى مختار ففيه انها مدينتان قائمتان وبازائهما مدينتان منكوستان وهما متشابهان في الشكل مختلفتان في الحقيقة فاما القائمتان فلا يدخلها الا كل مصطفى مختار واما المنكوستان فلا يدخلها الا الفجار وسكان النار واما : قوله وجدناها على ظاهرها ان كان ظاهرها حقا وجد في القائمتين وان كان باطلا وجد في المنكوستين واعلم ان لنا كلاما في ترجمة لغات اهل هاتين المدينتين على جهة الاجمال والتمثيل لا تحتمله اكثر الافهام فلذا اقتصرنا على ذكر الروايات وانما قلنا على جهة الاجمال لان تفصيلها لا يعلمها كلها الا العالم من آل ‌محمد صلى الله عليه واله

وقول المصنف { باضعاف اضعاف هذا العالم } مراده به ان جميع الخلق من الانس والجن والملائكة والحيوانات البرية والبحرية والجن والنسناس والشياطين والنباتات والمعادن والجمادات كلها من نزل من الخزائن ومر على هذا العالم اكتسى منه حلة ينزل بها ومن صعد منها ومر عليه القى فيه حلته وخلق الله على شكل هذا العالم عوالم مشابهة له بعدد كل واحد من سكان عالمنا مما له روح في قناديل وعلقها بهذا العالم فتكون اضعاف اضعافه مضاعفة وما يعلم جنود ربك الا هو

وقوله { وجميع ما يدركه الانسان ويشاهده بقوة خياله وحسه الباطن ليست حالة في جرم الدماغ } يريد به ان القوى الباطنة ليست من عالم الاجسام لتكون حالة في الاجسام كالماء في الكوز او كالماء في العود الاخضر وانما هي من عالم الملكوت واقول انها ليست من عالم الاجسام كما قال ولكنها تتعلق بلطائف الاجسام المادية لانها انما تظهر آثارها في انتزاع الصور الخيالية التي هي هيئات واشعة من الصور المتصلة الحالة بالمواد على الصحيح بالنفس البخارية المتعلقة بمثل الدماغ وليس ما في الخيال اصلا للخارجية كما زعمه الصوفية بل عندهم ان ما في الخيال اصل للصور الخارجية والمواد المتقومة بها حتى قال بعضهم ما تتحرك نملة في المشرق او المغرب الا بقدرتي على ان القوة الحاسة الخيالية من اعالي الاجسام كما تصدق على المادية تصدق على المجردة عن المواد ويشير قوله عليه السلام في تأويل قوله تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماء وما دل على ان النفس جسم

وقوله { في تجويفه كما قلنا } اي ليست حالة كحلول الاجسام المادية بعضها في بعض وانما هي اشراق من نفس فلك الزهرة يتعلق بالنفس البخارية وهي تتعلق بالدماغ وسريانها في النفس البخارية بواسطة نور نفس فلك القمر الساري في جميع الالات بتوسط النفس البخارية قال الله سبحانه وجعل القمر فيهن نورا لان الحيوة الحيوانية التي هي اشراق من نفس فلك القمر سريان جميع القوى الادراكية بتوسطها فافهم سر قوله تعالى وجعل القمر فيهن نورا

وقوله { ولا هي موجودة في اجرام الافلاك } فيه ان اصلها موجود في اجرام الافلاك وهي النفس المتخيلة الكلية في نفس فلك الزهرة اذ ليس فلك الزهرة وغيره من الافلاك كما توهمه كثير انها متحجرة صلبة كما نقل عن بليناس انها في صلابة الياقوت فان هذا غلط ومن صعد منهم الى السموات ووجدها بصلابة الياقوت حتى يخبر بذلك وانما هي كما اخبر عنها خالقها العالم بما خلق في قوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فاخبر بانه تعالى خاطبها وهي دخان والخطاب بعد تمام الصنع وكون الخطاب كناية عن التكوين خلاف الظاهر بمعنى انه بمعنى التكوين في التأويل وعلى ظاهره في التكليف وكل منهما مراد والدليل القاطع المؤيد بقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هنا ه‍ هو ان العلماء والحكماء اتفقوا على ان الانسان هو العالم الصغير وانه فيه كل ما في العالم الكبير فهو انموذج منه وآية عليه وشاهدهم قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقوله تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وما نسب الى علي عليه السلام من قوله :

وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

فاذا ثبت انك نسخة العالم الاكبر ثبت ان فيك افلاكا سبعة فلك حياتك كفلك القمر وفلك فكرك كفلك عطارد وفلك خيالك كفلك الزهرة وفلك وجودك الثاني كفلك الشمس وفلك وهمك كفلك المريخ وفلك علمك كفلك المشتري وفلك عقلك اي تعقلك كفلك زحل وفلك نفسك وصدرك اعني خزانة علومك كفلك الثوابت وفلك قلبك اي عقلك كفلك الاطلس وجسدك كالعناصر الاربعة فهل فيك افلاك جزئية في صلابة الياقوت ام تكون افلاكك دخانا بخاريا فقد كشفت لك السر واريتك الغيب شهادة في نفسك فان فهمت والا فخطابي مع غيرك فظهر لمن فهم ان السموات دخان بخارية وفيك كذلك فتلك القوى النفسانية الكلية تعلقت بافلاكها البخارية الدخانية تعلق اشراق بتوسط نفس فلك القمر وكذلك القوى النفسانية الجزئية تتعلق بافلاكها الجزئية اعني بطون الدماغ الثلاثة فانها خمسة وواحد باعتبار مقدم كل بطن ومؤخره كما ذكروا خمسة والواحد الذي هو بمنزلة اشراق نور نفس فلك القمر على الافلاك تتعلق تلك القوى بتوسط اشراقه هو نور الحيوة

وقوله { ولا في عالم منفصل عن النفس كما زعمه اتباع الاشراقيين } صحيح والا لزم كون تلك القوى نفوسا متعددة متباينة وليس هذا موجودا فينا فهو باطل

وقوله { بل هي قائمة بالنفس لا كقيام الحال بالمحل } صحيح سواء اريد بالحال العرض ام الجوهر

وقوله { بل كقيام الفعل بالفاعل } يعني قيام صدور وقوله كقيام الفعل بالفاعل بناه على ما ذهب اليه من ان المدرك هو النفس بلا توسط شيء وانما هذه المتوسطات معدات لادراكها وهذا ليس بصحيح بل الصحيح انها تدرك بهذه الوسائط والوسائط هي المدركة المترجمة واما النفس فتدرك ما ترجمته الوسائط لا انها تدرك بها قبل الترجمة كما توهمه اتباع الاشراقيين ولا انها تدرك امثال ما ادركته الوسائط وان الوسائط غير مدركة بل معدة كما توهمه المصنف نعم تلك القوى قائمة بالنفس كقيام نور الشمس المشرق على الجدار بالشمس قيام صدور

قال :

اقول قوله { وتلك الصورة الحاضرة في عالم النفس } يخالفه قوله قبل هذا بل وجودها في عالم اخر الى اخره يعني به عالم المثال والبرزخ وذلك تحت عالم النفس فان كل واحد منهما عالم على حدة وهنا جعله في عالم النفس وكلامه الاول اصح من كلامه هذا وقد نص على الاول بانه ليس ما فيه مجردا عن الكونين وذكرناه هناك فراجع وهنا جعله مجردا عن الكونين الكون الملكي والكون البرزخي

وقوله { قد تتفاوت في الظهور والخفاء والشدة والضعف } ظاهر

وقوله { وكلما كانت النفس الخيالية اشد قوة الى قوله واقوى وجودا } ظاهر لا اشكال فيه

وقوله { وهذه الصور اذا قويت واشتدت كانت لا نسبة بينها وبين موجودات هذا العالم في تأكد الوجود والتحصيل وترتب الاثر } فاقول : المفهوم من كلامه انها قبل اشتدادها بينها وبين موجودات هذا العالم نسبة في تأكد الوجود وبناء منطوق كلامه على ما قدم من انها جواهر وان الجواهر لها حركة تسير بها الى الله تعالى في السلسلة الطولية وبناء مفهوم كلامه على ان النفوس اصلها جسمانية وتترقي في معارج كمالاتها الى ان تكون هي العقل اذ ليس عقل غيرها عنده وفي المنطوق والمفهوم هفوات واغلاط اما انها جواهر ففيه انها من عالم المثال كما هو صريح كلامه وكل ما في عالم المثال اشباح واظلة وتوهم جوهريتها مما روي ومما قيل انهم رجال وانهم يعبدون الله تعالى وبايديهم سيوف واسلحة ينتظرون قيام القائم عليه السلام عجل الله فرجه غفلة فان كل شيء يعبد الله وكل ينصر القائم عليه السلام الجواهر والاعراض اماسمعت قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده وقوله عليه السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وخطاب الحسين عليه السلام للحمي التي كانت في عبد الله بن شداد حين عاده فلما دخل عليه السلام عليه طارت عنه الحمي فقال عبدالله رضيت بما اوتيتم والحمى تهرب منكم فقال عليه السلام والله ماخلق الله شيئا الا وامره بالطاعة لنا ثم قال عليه السلام يا كباسة قال فسمعنا الصوت ولم ‌نر الشخص تقول لبيك فقال عليه السلام الم يأمرك امير المؤمنين الا تقربى الا عدوا او مذنبا ليكون كفارة له فما بال هذا رواه الاميرزا في كتاب الرجال الكبير فانظر فان الحمى من انصارهم وما يعلم جنود ربك الا هو واذا تأملت في الحديث المتقدم عن امير المؤمنين عليه السلام في اهل جابرسا وجابلقا انهم كلهم ذكور وهم برزخ يشعر بانهم اشباح بخلاف الملائكة والشياطين في كونهم ذكورا وليسوا باشباح لانهم ليسوا برزخا والبرازخ منهم كذلك ومرادنا بالبرازخ ليست الجامعة بين الشيئين فانهم جواهر وانما المراد بها الواصلة بين العوالم المتباينة كالافعال والصفات فانها لا تكون الا اعراضا وعالم البرزخ هذا ظل العالم الاخروي قد مررنا عليه في النزول ونحن الأن سائرون الى الاخرة ونمر عليه في الصعود

وقوله { وليست هي كما ظنه الجمهور انها اشباح مثالية } اضطراب منه فان الصور الخيالية ليست جواهر خلافا للصوفية فانك اذا تخيلت زيدا لم تكن تلك الصورة زيدا ولا ذاتا قائمة بنفسها وانت لا تذكرها الا بان تلتفت الى زيد فينتزع خيالك منه صورة شبحه كما نطقت به الاخبار فاذا ثبت انها امثلة واشباح واظلة لم تترتب عليها الاثار الوجودية وانما تترتب عليها الاثار من جهة مقبولاتها فانها كانت حاملة للجواهر الهبائية المجردة فلما نزلت الى هذا العالم لحقتها الاعراض المادية منه وتلك الاشباح دالة على تلك الجواهر كما تدل صورتك الشبحية في المرءاة عليك فترتب اثار الوجود عليها في الرؤيا والمنام وفي اليقظة انما هو لدلالتها على تلك الجواهر الهبائية كما اذا رأيت صورة زيد في المرءاة فان كل ما يترتب عليها فانما هو لدلالتها على زيد

وقوله { لان ذلك لسبب اشتغال النفس بالبدن عند النوم } لا يلزم مع هذا عدم حصول الاثار بل قد توجد الاثار ايضا قبل الموت كما هو شأن الاقوياء واصحاب المعاجز

وقوله { وتمام ظهور تلك الصورة وقوة وجودها انما يكون بعد الموت } يريد به انها جواهر ولكن المانع من ترتب الاثار انما هو اشتغال النفس وليس كذلك لان الامثال للامور الحقة الصالحة كلها الموجودة في نفس فلك البروج وهي جواهر في رتبتها واشباح لما فوقها والامثال للامور الباطلة الطالحة كلها الموجودة في الثرى الذي تحت الطمطام الذي تحت جهنم التي تحت الريح العقيم التي تحت البحر الذي تحت الحوت التي تحت الثور الذي تحت الصخرة التي هي كتاب الفجار المقابلة لفلك البروج الذي هو كتاب الابرار فالامور الحقة في نفس فلك البروج وامثالها في فلك البروج وهو كتاب الابرار والامور الباطلة في الثرى وامثالها في سجين وهي الصخرة التي هي كتاب الفجار فالخيال الحق ينتزع الصور في الغائب من كتاب الابرار وفي الشاهد مما امره به الشارع عليه السلام والخيال الباطل ينتزع الصور في الغائب من الصخرة سجين كتاب الفجار وفي الشاهد مما نهاه عنه الشارع عليه السلام فتتصف النفس بصفات افعالها كما اشار تعالى اليه في قوله سيجزيهم وصفهم وقوله ولكم الويل مما تصفون والاثار المترتبة عليها انما يمنع النفس من اظهارها عدم كمال اتصافها بها لغفلتها وتقصيراتها كمن يتعلم صنعة ولم يتم له العلم بها فانه لا يقدر على اظهار آثارها وليست تلك القوى جواهر مستقلة لتظهر اثارها اذا قويت وكملت وانما هي صفات فعلية للنفس فاذا قويت النفس في الاتصاف اظهرت الاثار بان تشرق من نور وجودها نورا وتلبسه صورة واحدة من تلك الصور اذا شاءت فيخرج كذلك جوهرا او عرضا كما شاءت باذن الله تعالى كما امر الهادي عليه السلام صورة السبع التي في مسند المتوكل ان يقوم سبعا ويفترس الساحر الهندي لانه عليه السلام تصورها سبعا بان اعطاها مادة من فاضل وجوده والبس ذلك الفاضل اعني الشعاع تلك الصورة واخرجه باذن الله سبعا فلما افترسه امرها بالرجوع الى المسند وجذبت صفة ذاته شعاعها فقال المتوكل يا ابن الرضا لو رجعته من الصورة يعني الهندي فقال عليه السلام لو رجعت عصي السحرة وحبالهم من عصى موسى عليه السلام لرجع فليست الاثار من الصفة وانما هي من الموصوف بمعنى ان الموصوف اذا تحقق في الاتصاف اظهر بفعله ما شاء من الاثار بان يظهر من اثر فعله ما شاء ويلبسه صورة من صور تلك الصفة والتحقق قد يكون في الدنيا وقد تحصل موانع للتحقق مثل اشتغال النفس بالبدن وباحوال الدنيا فيكون في الاخرة لتساوي الخلائق يوم القيمة في التحقق بصفات اعمالهم بنسبة قوابلهم من الاعمال والاقوال والاحوال

وقوله { حتى ان التي يراها الانسان بعد الموت تكون هذه الصورة التي يراها في هذا العالم كالاحلام بالنسبة اليها } يعني ان الصور الخيالية في الدنيا بالنسبة اليها في الاخرة كالصورة التي يراها الشخص في المنام بالنسبة اليها في اليقظة والتشبيه اما تبعا للحديث او لظنه مغايرة المنام لما في الخيال والحق ان الخيال يدرك الصور الشبحية في المنام في عالم المثال وفي اليقظة لانه مرءاة تنتزع الصور من الجواهر ومن الصور والالوان والاعراض فتتصف به النفس لانه من باب الكيف وظهور الاثار منها كما ذكرنا وقوله عليه السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا ه‍ يعني انهم انما يدركون الصور كالنائم وهم سائرون الى الاعيان فاذا ماتوا وصلوا اليها مثاله انك تسمع باصفهان وتتصورها من السماع فاذا اتيت البلد اصفهان عرفت ان هذه هي صاحبة تلك الصورة التي عندك والمطابقة والاختلاف مما فهمت ولو كانت اصفهان بذاتها هي التي في خيالك لوجبت المطابقة لكل احد لان وجدان الشيء بنفسه لا يختلف ولا يختلف فيه

وقوله { وحينئذ صار الغيب شهادة والعلم عينا } لا يصح على مراده اذ مراده ان ذلك الذي في الخيال هو بعينه ذات زيد الغائب فاذا حضر زيد حضر بتلك الذات المتخيلة وهو غلط وانما الغيب الخيالي هو الوصف والحاضر هو الموصوف

وقوله { وفيه سر المعاد وحشر الاجساد } يشير به الى ان هذا الحاضر هو ذلك الخيال كما ان هذا المعاد هو ذلك الفاني وقد بينا لك بطلان هذا نعم هو دليله وآيته كما روي ما معناه ان نبيا من انبياء الله عليهم السلام انكر قومه المعاد وقالوا ان كنت صادقا فارجع لنا اسلافنا الماضين فسأل الله تعالى ان يبين لهم فالقى الله سبحانه عليهم الرؤيا في المنامات فكان احدهم يرى اباه وجده وامه وامها فاستدلوا بذلك على البعث ولم تعد اباؤهم وانما رأوا صورهم واشباحهم وامنوا بما لم يقبله المصنف

قال :

اقول اختلفوا في النفس هل هي نفس بذاتها ام هي نفس لغيرها ويرجع الخلاف الى شيئين احدهما الى الوضع اي وضع لفظ نفس للذات المعينة او وضع لفظ نفس لغيب شيء آخر وذلك الاخر ظاهره وثانيهما الى استقلالها بذاتها في الذات والفعل او عدم استقلالها بدون ذلك الغير ذهب المصنف الى الاخيرين من الشيئين وهما ان الوضع لا على الارتجال لهذا الجوهر المعروف فليست ذات اضافة في اصل التسمية وفي الذات وان ليس لها وجود مستقل لم تكن هي من جهته متعلقة بالبدن مستعملة له ولقواه في سائر مداركها نعم يؤل امرها الى ان تلحق بالمفارقات الجزئية بعد ان تتقلب في اطوارها وتتخلص مما تلوثت به من اوساخ البدن المادي وانت اذا تتبعت استعمالات لفظة النفس وجدتها مستعملة في المعنيين الاستقلالي والاضافي والذي اعرفه ان ما ذكره المصنف من اول الاولين اعني الوضع لذات معينة من غير ملاحظة اضافة صحيح وان استعمالها في ذات تعرض لها الاضافة انما هو لملاحظة الاشتقاق الذي افاده قصد الواضع من المناسبة بين اللفظ والمعنى فلاجل ملاحظة المناسبة قيل نفس هذا البدن مثل ملك المدينة وربان السفينة وان ما ذكره من اول الاحتمالين الاخيرين من ان ليس لها وجود مستقل لم تكن هي من جهته متعلقة بالبدن الخ فان المراد بهذا الوجود ليس نفس مادتها كما ذكرنا سابقا مكررا عندنا من ان مادتها في اصل كونها مجردة عن المواد العنصرية الزمانية بخلاف ما ذهب اليه المصنف من ان اصلها من الطبيعة العنصرية الا انها تتقلب في مراتب اطوارها حتى تكون عقلا بل مادتها الاصلية نورية ولكنها ذات ابعاد نفسانية ملكوتية والافعال تتبع هيئات الاشياء لا موادها فلذا كانت مقارنة في افعالها فلا تنفك عن التعلق بالابدان ابدا لانها جسم ولا تكون بنفسها عقلا لانها اذا كملت كانت تعي عن العقل وتدل عليه واليه تشير فهي ابنته ومطيته الحاملة لثقله الى بلد يجتني من شجرها المعاني ولم يكن بدونها بالغا لها الا بشق نفسه فثاني الاحتمالين الاخيرين على هذا صحيح

وقوله { وتستغني عن التعلق بالبدن الطبيعي } ليس بصحيح لانها اذا كان اصلها من البدن الطبيعي العنصري كيف تستغني عن التعلق به بل ينبغي على قوله ان يكون تعلقها بالبدن الطبيعي اذا كملت اقوى لان الشيء اذا كمل اشتد ارتباطه باصله وقوى رجوعه اليه واما نحن فنقول كما قدمنا انها هبطت الى البدن من المحل الارفع وهو عالم الملكوت وكانت غيبا في النفس النباتية التي في النطفة لخراب مسكنها بعد التكليف الاول وتبقى كامنة في النباتية والنباتية تبني لها مسكنها وهي مجتمعة قد وضعت رأسها بين ركبتيها ونامت فاذا تم بناء بيتها رفعت رأسها وتربعت على الطبائع الاربع واخذت شيئا فشيئا تقتنص اطيار الافكار فاذا علمها العقل مما علمه الله حل صيدها له لانها اذا تعلمت وارسلها صعدت الى ما فوق السموات واتت له بالصيد الحلال المذكي وان لم يعلمها او لم تتعلم سقط ريشها وبازاء هذه النفس الصالحة نفس امارة وهي الكلب من اهل الكهف ولها سبع مراتب الاولى امارة مغايرة لتلك الصالحة وهي كلب الهراش الثانية الملهمة او اللوامة على الخلاف الثالثة هي اللوامة او الملهمة على الخلاف الرابعة هي المطمئنة وهي حين تعلمت مما علمها العقل مما علمه الله فاذا ارسلها طارت صاعدة الى ما فوق السموات واصطادت له الصيد الحلال المذكي وفي المرتبة الثالثة والثانية تصطاد مرة من السموات صيدا حلالا مذكي ومرة تصطاد من الارضين حراما او ميتا وفي الاولى تصطاد بغير ارسال من تحت الارضين السبع حراما او ميتا لا غير والمرتبة الخامسة تكون راضية والسادسة تكون مرضية والسابعة تكون كاملة وفي هذه المراتب الاربع الاخيرة تتحد بالنفس الصالحة التي نحن بصددها وليس هنا مكان هذا الكلام فيه وانما ذكرت هذا استطرادا تنبيها على ان هذه النفس ليست هي الامارة ولا شيئا من مراتبها الثلاث الاولى واما الاربع الاخيرة فتتحد معها اتحاد مجاورة وتعارف ومصافاة ولهذا تكون في المراتب الاربع اخت العقل ومطيته والتي نحن بصددها ابنته وتكون مطية له كما مر والحاصل ان هذه النفس ليس اصلها من البدن الطبيعي بل اصلها من الملكوت كما قال علي عليه السلام اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت ه‍ فهي بنته واذا كملت عادت اليه اي الى رتبة بدئها من تنزله لانها لم تبدأ منه عقلا لتعود اليه عقلا وانما بدئت منه نفسا فتعود كما بدئت ولا تستغني عن التعلق بالبدن ابدا لما بينهما لذاتهما من المناسبة والمشابهة من الابعاد المقدارية

وقوله { وينقلب الى اهله مسرورا او يصلي نارا ذات لهب } يريد به الاشارة الى انها اذا اشتدت في تجوهرها لحقت بالمراتب العلية فكانت عقلا وان بقيت في انيتها انحطت من اوج الملكوت الى حضيض الناسوت واقول انها اذا تزكت شابهت مبدءها من النفس الكلية واللوح المحفوظ وان ركبت مناهي الله انحطت الى سجين وشابهت ما في الثرى قال امير المؤمنين عليه السلام وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه‍ وقال تعالى كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين فانها اذا تزكت رجعت الى اهلها وهي مباديها من اللوح المحفوظ فانقلابها صعودها بعلمها وعملها الى رتبة علتها من النفس الكلية واذا ركبت مناهي الله خرت من السماء فتخطفها الطير اي الشياطين او تهوى بها الريح اي هواها وشهواتها في مكان سحيق اي في سجين ان في ذلك لاية للمؤمنين

قال :

اقول قوله { للنفس كينونة } اي حصول وكون سابقة على البدن يعني كينونة سابقة على البدن والمفهوم من كلامه ان ذلك سبق زمان لان التقدم بهذا النمط تقدم زماني وهو ينافي قوله انها من الملكوت ومعلوم عند جميع العلماء والحكماء ان الملكوت ليس من عالم الملك وان عالم الملك هو الذي في الزمان وان عالم الملكوت سابق على الزمان فلا يكون سبقه زمانيا بل دهريا ولكنه في سائر كتبه يذهب الى ان الزمان لا يتقدم عليه الا البارئ سبحانه والذي يظهر لي انه لا يتصور الدهر ولا كيفية سبقه كما هو شأن الجمهور حتى ان منهم من يقول ان المجردات سابقة على الماديات سبقا دهريا ولا يتصور الا السبق الزماني وانا امثل لك بالتقدم الدهري لعلك تتصوره ولو بعد حين فاقول ان المحققين من اهل العلم والمعرفة ذهبوا الى ان الاجسام قبل الارواح في الزمان والارواح قبل الاجسام في الدهر وبيانه يتوقف على ذكر مسئلة ذكرها الرضا عليه السلام وهي انه قال ان الله خلق الحروف الى ان قال عليه السلام والحروف لا تدل على غير انفسها قال المأمون كيف لا تدل على غير انفسها قال الرضا عليه السلام لان الله تعالى لم يجمع لها منها شيئا لغير معنى ابدا فاذا الف منها اربعة او خمسة او ستة او اكثر من ذلك او اقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يكن الا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا الحديث فاخبر عليه السلام بان المعنى لم يكن قبل تأليف الحروف شيئا فافهم هذا وتفهم به مثالي وهو اني اذا قلت لك قام زيد وانت لم تعلم بقيامه الا من اخباري لم يحصل لك هذا المعنى الا بعد اخباري واخباري لفظ سمعته انت باذنك لانه من عالم الزمان سمعته الأن وفهمت معناه الذي ماحصل لك الا بعد اخباري اياك بعقلك وعقلك خلق في الدهر ومكانه المجرد قبل الزمان وقبل الاجسام باربعة‌الاف سنة وعقلك الأن هو هناك فقد فهمت معنى قولي بعقلك في رتبة عقلك ووقته قبل خلق السموات باربعة‌الاف سنة فافهم كيف سمعت كلامي في الزمان قبل معناه وفهمت معناه قبل كلامي باربعة‌الاف سنة فتصور سبق الدهر لان الدهر ظرف العقول والمعاني والارواح والرقائق والنفوس والصور الجوهرية والاجسام والجسمانيات في الزمان وقد لوح قول علي عليه السلام الى هذا حين قال الروح في الجسد كالمعنى في اللفظ بقينا في فائدة وهي ان ما بالفعل على مذهبنا تبعا لمذهب ائمتنا عليهم السلام سابق في الكون على ما بالقوة لان اول فائض من المبدء الفياض وهو فعله عز وجل اقوى من الفائض الذي بعده واشرف وهكذا كل سابق اقوى من لاحقه واشرف ولا ريب ان ما بالفعل اقوى مما بالقوة واشرف فيكون ما بالفعل سابقا على ما بالقوة بالذات كالحبة الحنطة فانها سابقة على السنبلة الخضراء والعود الاخضر ثم تغيب في العود الاخضر ثم تكون السنبلة ثم تعود الحبة وتظهر من غيبها مع امثالها متكثرة بتكثر قوابلها لان اصلها وهي الحبة واحدة وتكثرت المواد منها بحسب تكثر القوابل كتكثر الصور في المرايا المتعددة من صورة الوجه الواحدة واختلافها لاختلاف قوابلها اعني المرايا المختلفة كذلك الحبة والنفس فسبق النفس على البدن سبق دهري لان وقتها قبل البدن هو عين وقتها بعد البدن

وقوله { من غير لزوم التناسخ } رد على من توهم انها اذا كانت موجودة قبل الابدان ثم انتقلت الى البدن لزم التناسخ المجمع على ان القول به كفر والتناسخ انتقال الارواح بعد مفارقة ابدانها الى ابدان غيرها وافترق اهل هذا القول على اربعة مذاهب النسوخية والمسوخية والفسوخية والرسوخية فالنسوخية بالنون جوزوا تناسخ الارواح من الادمي الى الادمي ومن هؤلاء من اوجب التناسخ للنفوس الشقية وحدها حتى تكمل بالترداد من بدن الى بدن فتتخلص من الجسد الكثيف وتلحق بعالمها والمسوخية بالميم جوزوا انتقالها من الادمي الى البهائم والسباع والطير ومنهم من جوز ان السعيدة ترجع الى حيوان شريف كالفرس والشقية ترجع الى حيوان خسيس كالكلب والخنزير ومنهم من زعم انها ترجع الى حيوان يشاكلها بالطبع وبالعمل حتى ان روح القصار ترجع الى حيوان الماء وروح الصياد الى جوارح الطير والفسوخية بالفاء اوجبوا انتقالها الى جميع دواب الارض من الحيات والعقارب والديدان وسائر الحشرات وربما يستشهدون على ذلك من كتاب الله بقوله تعالى وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم وقوله حتى يلج الجمل في سم الخياط زعموا انه تدخل روح جمل في دودة كانت في الصغر تدخل في سم الخياط الابرة اي في ثقبها فتدخل الكافر الجنة وربما استشهد لهم بما روي عن الصادق عليه السلام ما معناه انه سئل عن الخنفس والحية والعقرب فقال عليه السلام ان الله تعالى يقول اولم يهد لهم كم اهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ان في ذلك لايات افلا يسمعون اخرجوا من النار فقال الله لهم كونوا نشنيشا ه‍ والرسوخية بالراء جوزوا انتقالها الى نوع الشجر والنبات ومنهم من يعد لذلك بعض الاشجار كالغرس في الغرب وغيرها وكلها خباط وظلمات بعضها فوق بعض ان اللبيب بمثلها لا يخدع وقد صدق من قال الناس كلهم اكياس فاذا جاؤا الى الاديان افتضح الاكثرون كذا في سراج العقول مع اختلاف قليل واصحاب التناسخ يقال لهم الخرمية بضم الخاء المعجمة وعلى ما ذهب اليه من تقدم كينونة النفوس قبل الابدان توهم بعض بانه يلزم منه التناسخ وليس بصحيح لان التناسخ انما يلزم لو قلنا بانها تنتقل الى ابدان غريبة منها واما اذا قلنا بان البدن ظهورها وتنزلها فلا يلزم ذلك على ان الذين حكموا بكفرهم لانكارهم المعاد لا بقولهم بانتقالها من اجساد الى اجساد

وقوله { ولا استيجاب قدم النفس كما اشتهر عن افلاطون } يعني ان كونها سابقة على البدن لا يوجب قدمها اذ على قوله من انها زمانية يكون زمانها سابقا على زمان البدن ولا محذور فيه والزمان كل ما فيه حادث وعلى قول غيره بتقدمها على الزمان كما هو الحق لا يلزم قدمها لانها محدثة بتوسط العقل والمسبوق بالغير لا يكون قديما ونقل عن افلاطون انه قال ان النفوس كانت في عالم الذكر مغتبطة مبتهجة بعالمها وما فيه من الروح والبهجة والسرور فاهبطت الى هذا العالم حتى تدرك الجزئيات وتستفيد ما ليس لها بذاتها بواسطة القوى الحسية فسقطت رياشها قبل الهبوط واهبطت حتى يستوي ريشها وتطير الى عالمها باجنحة مستفادة من هذا العالم انتهى واراد بعالم الذكر العلم ويحتمل بعيدا انه اراد بعالم الذكر اللوح المحفوظ فان اراد الاحتمال الثاني فقد اصاب الحق وان اراد بالعلم على الاحتمال الاول العلم الحادث فقد اصاب الحق الا انا قد قررنا ان العلم الحادث على قسمين علم امكاني راجح الوجود وهو عين معلومه وعلم كوني وهو ايضا عندنا عين معلومه وهما علمان اشراقيان حضوريان حصوليان لان المعلوم في رتبة حصوله ووقته حاضر عند العالم بما هو به هو وهذا معنى لا يذهب اليه المصنف ولا افلاطون وان اراد بالذكر العلم الذي هو الذات كما يذهبون اليه من الاعيان الثابتة بمعنى انها لا موجودة ولا معدومة بل ثابتة فقد اخطأ الحق اذ الذات ليس فيها شيء غيرها لا في الذهن ولا في الخارج ولا في نفس الامر وانما اسقط الله رياشها لانه نقل انه تعالى لما خلقها قال لها من انا فقالت فمن انا فاركسها في بحر الرجوع الباطن حتى وصلت الى نشأتها وخلصت عن رذائل دعوى الانية فقال لها من انا قالت انت الله الواحد القهار فلهذا قال اقتلوا انفسكم فانها لا تنال مقاماتها الا بالقتل ه‍ ومعنى سقوط ريشها انها كانت في حال تجردها تتصرف فيما لها كيف شاءت بلا تكلف فلكراهة ان تدعي الربوبية اهبطت الى هذا البدن وحبست في هذا السجن الضيق بعد مكانها الواسع الفسيح فاذا استفادت ما ليس لها الى ما لها حدثت لها اجنحة ملكية وريش ملكوتي فطارت في العالم الملكوتي بالطول وفي العالم الملكي بالعرض والى هذا المعنى اشار ابن ‌سينا في ابياته التي في الروح في قوله :

ان كان اهبطها الاله لحكمة طويت عن الفطن اللبيب الاروع
فهبوطها لا شك ضربة لازب لتكون سامعة بما لم يسمع
وتكون عالمة بكل خفية في العالمين فخرقها لم يرقع

وقوله { ولا تعدد افراد نوع واحد وامتيازها من غير مادة واستعداد } يريد به ان النفس مجردة فلو كانت سابقة على البدن مع تساوي ما في الابدان في الحقيقة ولا يصح تعددها لان التعدد في متحد الحقيقة انما يكون بالمميزات وحصولها في البسائط يلزم منها التركيب المنافي للتجرد لكانت تلك الحقيقة نوعا لتلك الافراد المتعددة ولزم تعدد افرادها والتعدد يمتنع في الشيء الذي لا مادة له ولا استعداد لزيادة او نقصان كما هو شأن المجردات وعدم التعدد مناف للواقع فاجاب بان تقدمها على الاجسام والابدان لا يلزم منه ذلك المحذور وهو كما قال اما عنده فلانها مادية الاصل كما تقدم ولكنها تتقلب في اطوارها حتى تلحق بمراتب العقول فتكون عقلا وتقلبها في اطوارها هو تقلبها في الابدان المادية وعودها عقولا مجردة طار على اصلها وقد بينا بطلان هذه المعاني التي عناها سابقا واما عندنا فلا يريد بالمجرد عن مطلق المادة الا الواجب الحق عز وجل وكل ما سوى الذات القديم تعالى فهو ليس بمجرد عن مطلق المادة بل ما هو غير الذات البحت تعالى فهو محدث وكل محدث فانما خلق من مادة وصورة محدثتين مخترعتين لا من شيء نعم المادة لا تنحصر في العناصر بل تكون مادة عنصرية للحوادث التي في الارض وما عليها وما تحتها ومادة طبيعية للافلاك والكواكب وملائكتها ومادة برزخية لهورقليا وجابلقا وجابرسا ومن فيها ومادة جوهرية للنفوس ومادة نورانية للعقول ومادة سرية لعالم الامر ومادة عرضية للاعراض والصفات فمادة كل شيء بحسبه وكذلك المميزات فانها في كل رتبة من مراتب الممكنات الراجحة والمتساوية من نوع هيئات تلك الرتبة فالنفس مجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية لا انها مجردة عن مطلق المادة ومميزاتها من نوع هيئاتها فتكون سابقة على الاجسام ولا يلزم تعدد افراد نوع واحد من غير مادة واستعداد بل تتعدد افراد نوعها لوجود المادة الجوهرية والاستعداد والمميزات الجوهرانية ولا نقول انها نشت من المواضع الطبيعية بل كما قال ابن‌ سيناء في ابياته :

هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزز وتمنع

وقوله ولا صيرورة النفس منقسمة بعد وحدتها كالمقادير المتصلة يريد به انه لا يلزم من سبقها على الابدان مع وحدتها في نفسها قبل خلق الابدان وتعددها كونها منقسمة بعد تعلقها بالابدان المتعددة كانقسام المقادير المتصلة كالاجسام فيكون كل بدن تعلق به جزء غير الجزء الذي تعلق بالبدن الاخر وهو كما قال بل انقسامها انقسام النوع الى افراده الجزئية كما سمعت وقوله { بل كما بينا دليله الخ } نقول عليه بل كما بينا دليله وقوله { واليه الاشارة في قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم الى اخر الاية } يريد به ان كون النفس لها كينونة قبل الابدان يشير اليه قوله تعالى فان قوله واشهدهم على انفسهم دليل على اعترافهم جميعا قبل انكارهم في هذه الدنيا بقرينة قوله شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا الاية وبقرينة قوله تعالى في الاخبار عن حال المنكرين في هذه الدار فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل وهنا فائدة احب ان تتطلع عليها على جهة الاختصار والاشارة اعلم ان الواقعة التي اقام عليها عباده تعالى لتكليفهم بما فيه نجاتهم في عالم الذر حين كلف الارواح كان ذلك في موضعين الموضع الاول جمعهم عند الركن العراقي من الكعبة المشرفة والخلائق حصص مواد متميزة ( بالتمايز الكوني كريم ) غير مصورة ( بالصور الشرعية كريم ) وجعل فيهم التمييز والاختيار متساوين في جهة التكليف ( لا من كل جهة والا لما كان تمايز كريم ) فيهما كما قال تعالى كان الناس امة واحدة ليجري التكليف على الاختيار ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ثم كشف لهم عن عليين كتاب الابرار ( اي صور الطاعات كريم ) من نفس فلك البروج وقال لهم يا عبادي هذه صور طاعتي من اجابني واطاعني البسته صورة اجابته منها ثم كشف لهم عن سجين كتاب الفجار من نفس الصخرة التي تحت الارضين السبع وقال لهم يا عبادي هذه صور معصيتي من لم يجبني وعصاني البسته صورة معصيته منها وما انا بظلام للعبيد ثم قال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم قالوا بلى باجمعهم الا ان اجابتهم مختلفة في مقاصدهم فالمؤمنون قالوا بلى بالسنتهم وقلوبهم فخلقهم بصور الاسلام ظاهرا وباطنا والمنافقون والكفار قالوا بلى عند قوله الست بربكم ( الست بربكم كوني لاجابة الكل كريم ) بالسنتهم وعند قوله ومحمد نبيكم ( هذا شرعي لوجود الاختلاف كريم ) قالوا بلى متوقفين منتظرين يعني بمعنى سكتوا فخلقهم بصور الاسلام ظاهرا ولم يخلق بواطنهم ( فلله فيهم المشية الى ان يكلفهم يوم القيمة بنار الفلق كريم ) لانهم لم يقولوا بلى بقلوبهم وانما قالوا بلى على جهة الوقف فوقف تعالى كما وقفوا واليه الاشارة بقوله في التأويل وانتظروا انا منتظرون ثم جمعهم ايضا في عالم الذر ( هذا الموقف مؤخر ظهورا مقدم وجودا كريم ) مرة ثانية في الموضع الثاني في غدير خم ( لاخذ ميثاق الولاية يم ) من الذر الاول فقال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم وامامكم والائمة من ولده ائمتكم فقال المؤمنون بلى بالسنتهم وقلوبهم فخلقهم الله بصورة اجابتهم صورة الايمان ظاهرا وباطنا وقالوا المنافقون والكفار بلى بالسنتهم مستهزئين منكرين جاحدين فانزل الله على نبيه صلى الله عليه واله الله يستهزئ بهم وانزل وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فتمت كلمته وبلغت حجته وما ربك بظلام للعبيد وكثير من علمائنا كالعلامة والسيد المرتضى وغيرهما انكروا عالم الذر وقالوا ان التكليف المذكور في الاية انما هو التكليف في هذه الدنيا بدليل قوله واذ اخذ ربك من بني ادم ولم يقل من ادم وقال من ظهورهم ذريتهم ولم يقل من ظهره ذريته وايضا قالوا من المستبعد ان يكلف ما هو كالذر والحق ان التكليف في الاية سابق على هذه الدنيا سبقا دهريا وان كانت هذه الدنيا سابقة سبقا زمانيا واما قوله تعالى من بني ادم من ظهورهم ذريتهم فان للارواح والنفوس توالدا كتوالد الابدان فاخذ تعالى كل نسمة من صلب ابيه ونثرهم بين يديه كما تأخذ بخيالك الف رجل كل واحد من صلب ابيه واباه من صلب ابيه وهكذا الا انك لا تقدر على ابراز ما في خيالك في الخارج وهو اخذهم هكذا بفعله واقامهم في الخارج وكلفهم ثم رجعهم في اصلاب آبائهم الا عيسى المسيح عليه السلام فانه مسح على ظهر ادم عليه السلام واخرج منه المسيح ولما كلفه لم يرده في صلب ادم عليه السلام بل بقي على حكم المسح الاول فلذا سمي المسيح كما روي عنهم عليهم السلام واما استبعاد تكليف ما هو كالذر فغلط لوجهين الاول ان الذر وما هو اصغر منه دل الكتاب والسنة على انه مكلف كقوله تعالى وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم مافرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون فقد دل الكتاب على ان كل ذي روح في الارض مكلف وانه يحشر ويحاسب باعماله وكذا قوله وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم والتسبيح فرع التكليف واما السنة فمشحونة من ذلك الثاني ان المراد بقوله كالذر هو الكناية عن صغرهم بالنسبة الى فسحة عالم التكليف ومثاله انك ترى الرجل والجمل الذي تحت الجبل كالذرة والجبل اذا نسبته الى كرة الارض كان كالذرة واصغر والارض على ما ذكره بعض علماء الهيئة قدر جزء من خمسة ‌عشر جزءا من السها النجم الذي عند الوسطى من الثلاث من بنات نعش والسها اخفى من اكثر النجوم فهو كالذرة فكون المكلفين كالذر لعظم ذلك المكان وسعته والا فهم على هيئتهم في الدنيا واشد تمييزا منهم في الدنيا

وقوله { صلى الله عليه واله الارواح جنود مجندة الحديث } لا دلالة فيه على تقدمه على الابدان وانما المراد انها بنسبة بعضها الى بعض عالم متجانس ومتناوع كما ان الابدان كذلك وقد ذكرنا في الفوائد وشرحها كيفية تعارف الارواح وتناكرها وتخالفها وتماثلها نعم فيه تلويح الى التقدم الا انه لا يقطع حجة الخصم

وقوله { وعن ابي ‌عبد الله عليه السلام ان الله خلقنا من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مكنونة تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن بشرا نورانيين وخلق ارواح شيعتنا من طينتنا ه‍ } فاعلم ان بيان هذا ليس على ظاهر لفظه والاستدلال على البيان جله من الاحاديث المتكثرة المتفرقة ولا يمنعنا من الايراد الا طول الكلام ولكن اشير لك الى معنى من معانيه مجردا عن الادلة فقوله عليه السلام من نور عظمته المراد بالنور هنا هو الماء وهو الوجود وهو مادتهم عليهم السلام وليس المراد به الشعاع اذا اريد بالعظمة المفعولية اعني الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله لانهم منه كالضوء من الضوء لا كالنور من الضوء وان اريد بالعظمة الفعلية احتمل كون المراد بالنور الشعاع بمعنى متعلق الفعل فان الحدث اعني الضرب بسكون الراء ناش من فعل زيد اعني ضرب بفتح الراء لان الحدث تأكيد الفعل مثل ضربت ضربا ولا يصح ان يراد من العظمة الازلية لان الازل لا يخرج منه شيء ولا يدخله شيء ولا يخلق منه شيء وقوله عليه السلام ثم صور خلقنا اي صورتنا اعني هيكل التوحيد الذي حدوده غايات الخيرات والطاعات من المعارف والعلوم والاعمال والحدود هي الطينة اعني الصورة وهي صورة القابلية وكانت تلك الهيئات الشريفة مكنونة تحت العرش الفعلي او المفعولي فان اريد بالعرش الفعلي كان المعنى انه تعالى صور صورنا على هيئة فعله ومشيته وارادته كما يصور الكاتب الكتابة على هيئة حركة يده وان اريد به المفعولي كان المعنى انه تعالى صور صورنا على هيئة صورة نبيه محمد صلى الله عليه واله وهو سر التحتية فاسكن ذلك النور فيه يعني اسكن تلك المادة في تلك الصورة بمعنى انه البس تلك المادة التي هي النور تلك الصورة التي هي الطينة لان الطينة التي هي منشأ الحسن والقبح هي الصورة كما مثلنا في السرير الطيب والصنم الخبيث كلاهما من الخشب فكنا نحن بشرا نورانيين البشر عبارة عن الخلق العنصري الجسمي فان جعلنا الفاء في فكنا للتفريع لم يكن في ظاهر الحديث دلالة على المدعي لكون الظاهر ان المراد بالنور المادة الطبيعية الجسمانية والطينة الصورة الانسانية البشرية لقرينة قوله فكنا نحن بشرا فانه مقتضي التفريع ولقرينة قوله وخلق ارواح شيعتنا من طينتنا فقد نطقت الاخبار عنهم عليهم السلام ان الله خلق قلوب شيعتهم من فاضل اجسامهم والمراد من الفاضل هنا الشعاع وان اريد بالفاء الاستيناف امكن الاستدلال به على المدعي هذا كله على رأي الغير واما عندنا فهو ظاهر في المدعي لان مادتهم عليهم السلام سابقة على جميع المكونات سبقا سرمديا على ارادة التفريع والاستيناف وما رواه ابن‌بابويه في كتابه التوحيد عن ابي ‌عبد الله عليه السلام انه قال ان الله تعالى خلق المؤمنين من طينة الجنان اعني من صور عليين اي صورهم بصور الاجابة والطاعة كما تقدم واجرى صورهم اي الصور الجوهرية من ريح الجنان وهي الروح المنفوخة في تلك الطينة وهي المادة النورية المعبر عنها بالصور لان الارواح والنفوس صور جوهرية ومعنى الحديث الثاني مثله وما روي عن ابي‌ عبد الله عليه السلام المؤمن اخو المؤمن لان ارواحهم من روح الله يعني ان المؤمن اخو المؤمن لابيه وامه كما روي عن الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة الحديث والمراد بقوله عليه السلام ابوه النور اي المادة وامه الرحمة اي الصورة وهذا بخلاف ما اشتهر عن الحكماء من ان الاب هو الصورة والام هي المادة وهذا غلط لانه قال صلى الله عليه واله السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه ه‍ ولا يصح ان يكون السعادة والشقاوة في المادة وانما تكون في الصورة كما مثلنا بالسرير والصنم المعمولين من الخشب وقوله عليه السلام لان ارواحهم من روح الله على حد قوله تعالى ونفخت فيه من روحي لان المعنى روح لله تعالى خلقها وقدسها ونسبها اليه تعظيما لها وتشريفا وهي روحهم عليهم السلام ومعنى ان المؤمن ينفخ فيه من روحهم عليهم السلام انه يخلق من شعاع روحهم عليهم السلام لا ان روح المؤمن جزؤ من روحهم عليهم السلام وانما روح المؤمن من شعاع ارواحهم عليهم السلام ومثاله ان روحهم عليهم السلام كجرم الشمس المنير وهو في السماء الرابعة وشعاعها الذي في الارض مثل لارواح الانبياء من روحهم عليهم السلام واذا وضعت مرءاة في شعاع الشمس الذي في الارض انعكس عنها نور وهذا المنعكس مثال لروح المؤمن من شعاع روحهم عليهم السلام اي شعاع الشعاع

وقوله { وان روح المؤمن اشد اتصالا بروح الله من اتصال الشمس بالشعاع } في ما روي عن امير المؤمنين عليه السلام ما معناه وان شيعتنا لاشد اتصالا بنا من شعاع الشمس بها وانا لاشد اتصالا بالله من شعاع الشمس بها ومعنى هذا الاتصال في الحديثين واحد والمراد باتصال شيعتهم بهم ما اشرنا اليه من الخلق من الشعاع والمراد باتصالهم بالله اتصالهم بفعله ومشيته وارادته فاتصالهم بمشيته في المواد الكونية الاصلية وبارادته في الصور العينية ووجه الاشدية مع ان الشعاع والشمس ضربه الله تعالى مثلا واية لاولي الالباب فليس فيه نقص بوجه ما هو ان الشمس وشعاعها امثال وايات وهي صفات استدلال وتعريف وهم عليهم السلام وشيعتهم ذوات وموصوفون والحكم في الموصوف اقوى واشد من الحكم في الصفة

وقوله { والروايات في هذا الباب من طريق اصحابنا الى قوله من ضروريات مذهب الامامية (رض) } ليس بمتجه بل الخلاف بين العلماء من الفريقين مشهور نعم الروايات ظاهرة في كينونة الارواح قبل الاجساد الا انها قبلية دهرية كما قلنا

قال :

اقول قول المصنف { ان في باطن هذا الانسان المخلوق من العناصر والاركان الى قوله وقواه } يريد ان في هذه الصورة الجسمية البشرية المخلوقة من العناصر الاربعة النار والهواء والماء والتراب والاركان الاربعة اعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة الجوهريات انسانا جسمانيا نفسانيا وهذا مكانه من عالم المجردات وسط الدهر وهو تمام الصوغ الاول كالانسان الذي ولجته الروح في بطن امه من الزماني وفي اول الدهر الانسان العقلي وهو اول الصوغ الاول كالنطفة للانسان الزماني والانسان الروحي وهو وسط الصوغ الاول كالمضغة للانسان الزماني وفي اخر الدهر الانسان الطبيعي النوراني وهو الكسر الثاني والانسان الجوهري الهبائي وهو اول الصوغ الثاني وفيه تحصيص الحصص وانسانا حيوانيا برزخيا اي في الانسان الجسمي البشري ايضا انسانا حيوانيا برزخيا وهو يعني بالانسان النفساني الانسان الذي هو الحيوان الناطق وبالانسان الحيواني الانسان البرزخي وقد حفظ شيئا وغابت عنه اشياء بل الوصف الحق الحقيق بالتحقيق ما امليه عليك مما يتلي علي بهم عليهم السلام هو ان هذا الانسان الجسمي البشري هذا هو الانسان النباتي النامي وفي جوفه الانسان الحيواني الحسي الفلكي اهبطه الله على الانسان النباتي من الافلاك من نفوسها وابن ادم يشارك في هاتين النفسين النباتية والحيوانية الحسية جميع الحيوانات وفي هذين الانسانين النباتي والحسي الفلكي انسان برزخي صوري مثالي البسهما صورته الظاهرة وفي هذا البرزخي انسان نفسي نزل من النفس الكلية ولبس ثوبه الاحمر النوراني الطبيعي ولبس فوقه ثوبا لا لون له ثم لبس فوقه باطن الثوب البرزخي وتزمل بالثياب الثلاثة ونزل الى الانسان الحيواني الفلكي وولج في جوفه ودخل به في جوف الانسان النباتي فترتيب هذه الاناسي الانسان النفسي في الانسان الطبيعي النوراني وهو الثوب الاول وهما في الانسان الهبائي الجوهري وهو الثوب الثاني وهم في الانسان البرزخي الصوري وهو الثوب الثالث وهم في الانسان الحيواني الفلكي الحسي وهو الثوب الرابع وهم في الانسان النباتي وهو الثوب الخامس والثياب الثلاثة السفلية اعني الصوري والفلكي الحسي والنباتي لكل واحد منهم حواس وقوى واعضاء بنسبة رتبته من الوجود الكوني وكذلك لكل واحد ايضا حيوة وتمييز وشعور واختيار بنسبته ايضا وهذه الثلاثة الاناسي وما لها مما ذكرنا كلها زمانية جسمية عنصرية كالانسان النباتي وما ينسب اليه او طبيعية ركنية كالانسان الحيواني الفلكي وما ينسب اليه او صورية وصفية بدنية ظلية كالانسان البرزخي واما الثوبان الاولان الاحمر والذي لا لون له وهما الانسان الطبيعي النوراني والانسان الهبائي الجوهري فتنسب اليهما الاعضاء والحواس والقوى والحيوة والتمييز والشعور والاختيار نسبة صلوح وهي نسبة كونهما لا انها فيهما متمايزة تمايزا حسيا كما في الاثواب الثلاثة ولا صوريا جوهريا كتمايزها في النفس ولا معنويا كتمايزها في العقول واما النفوس والارواح والعقول فتنسب اليها هذه الامور السبعة بنسبة رتبتها من الوجود الكوني بحيث لو تجسم واحد منها ظهر على هيئة الانسان الجسمي النباتي وليس المراد ان الاعضاء توجد فيها على هيئة الجسميات الا انها اعضاء جوهرية ومعنوية بل الموجود من هذه الاشياء فيها وان كان بنسبة ذاتها انما هو ما تحتاج اليه منها وما لا تحتاج اليه منها ليس موجودا فيها لان هذه الامور انما جعلت للانسان مطلقا لحاجته اليه مثل الرجل من الاعضاء تكون في الانسان النباتي لاجل الانتقال من مكان الى مكان وفي الحسي الفلكي لان النباتي صنمه والمنتقل هو الحسي في الحقيقة وفي المثالي لكونه سار في اقطارهما واما النوراني الاحمر والهبائي فحيث كانا في مرتبة الكسر كانت تلك الامور فيهما بالقوة والصلوح واما الثلاثة العالون فلا تحتاج في وصولها الى مكان ليست فيه الى الانتقال لعدم الحاجب لها فلا يحتاج الى رجل معنوية ينتقل بها كما يحتاج اليها الانسان الجسمي والجسماني ولهذا صح ان توصف افعال الله بالعين والاذن والوجه واليد ولا يصح ان توصف بالرجل لانها الة الانتقال لا غير وايضا حواس الثلاثة العالين انما هي لادراك ما هو تحت عالمها فتحتاج الى الات تتوصل بها اليها فتكون تلك المدركات بفتح الراء من نوع الالات لا من نوع ذلك العالي لانه لو فرض من رتبته ادركه بنفسه لكنه لا يكون من رتبته الا ذاته وذاته يدركها بذاته لا بالاته لان سمعه وبصره وعلمه وحياته وامثال ذلك من صفاته الذاتية هي ذاته لا انها شيء غيره ولا الات له خارجة عنه ولكنها افراد من جملة كالجسد فانه هو مجموع الرأس والرقبة واليدين والصدر والبطن والرجلين وهذه في الجسد كالحيوة والعلم والسمع والبصر والقدرة في ذاتك وليست على حد الاعضاء في الجسد فانها فيه متغايرة في انفسها فالرأس غير اليد واليد غير الصدر وهكذا في انفسها لا ان تغايرها باعتبار تغاير متعلقاتها كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحيوة فانها في ذاتك كل واحد منها عين الاخر وكل واحد منها عين ذاتك مثلا انت الحي وانت العليم وانت السميع وانت البصير وانت القدير ولا يقال انت الرأس وانت الصدر وانت البطن وانت اليد وانت الرجل الا ان الصفات الذاتية من الذات كالاعضاء من الجسد بمعنى ان كمالها عين كماله باعتبار الذات فيهما وابعاض كماله الفعلي اذا اريد منها الصفات الافعالية باعتبار متعلقاتها على نحو البدلية ففي الحقيقة ليس في العالين باعتبار الذات اعضاء ولا حواس واما اعضاؤها وحواسها فهي آلات افعالها ولا تدرك بها ما كان من رتبة ذاتها وانما تدرك بها ما تحت عالمها والمصنف يريد ان الانسان النفسي الذي هو احد العالين يعني النفس له اعضاء وحواس ذاتية من نوع جوهره وليس كذلك وانما له اعضاء وحواس فعلية ليست من سنخ عالمه وانما هي آلات افعاله لان النفس مقارنة بافعالها للاجسام لتدرك احوال الاجسام وما اودع الله سبحانه فيها من العلوم ومعلوم ان الالات المتوسطة بين الجسم وبين النفس بان تكون حاملة لافعال النفس لا تكون الا اقرب الى سنخ الاجسام من افعال النفس فضلا عن النفس فافهم

وقوله { وهو موجود الأن } يعني به ان الجسم المحسوس غير خال عن تعلقه به وان كان تعلق تدبير والتعبير بالأن للاشارة الى حالة الجسم مع تعلقها به والا فالأن للوقت الملكي واوقاتها كلها في اوقات الملكوت وهي الدهر الا ان التعبير بغير ما قال يصعب ويخفي المعنى المراد منه الا على الاوحدين

وقوله { وليست حياته كحيوة هذا البدن عرضية واردة عليه من خارج } فاعلم ان البدن له حيوة ذاتية كما يأتي في كلام المعلم الاول لان البدن وجود جامد بعيد عن مبدء الفيض اعني النور المحمدي صلى الله عليه واله فيكون فيه جميع ما في العقل الكلي من الحيوة والشعور والاحساس والاختيار الا انها ضعيفة بنسبة وجوده فان وجوده ضعيف وما في العقل قوية بنسبة قوة وجوده والمصنف يعني بالحيوة العرضية للبدن الحيوة الحيوانية الحساسة وهي بالنسبة اليه ليست ذاتية وانما هي ذاتية للانسان الحيواني الفلكي وحيوة الانسان النفساني ليست كحيوة البدن الذاتية ولا كالعرضية الحيوانية وقد حققنا الحيوانية التي يفسرونها بالتحرك بالارادة ويجعلونها جنسا للانسان والطير الذي يسمى بالببغا الذي يتعلم الكلام والكلب والخنفس وما اشبهها في الفوائد وشرحها على نحو لم‌نسبق عليه ولم يعرف الا من كلامنا وحاصله ان الحيوة التي هي الحصة الحيوانية التي فصلها الناطق غير الحيوة التي هي الحصة الحيوانية التي فصلها الصاهل والتي فصلها النابح وتفصيل المسئلة يطلب من الفوائد وشرحها الا ان الصفات امثال الموصوفات فلذا قال تعالى وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم وقال الصادق عليه السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم او قال اليكم ه‍ وقال عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك ه‍ وذلك لان الحيوة النباتية مثال الحيوة الحسية وهذه مثال الحيوة النفسية وهي مثال الحيوة العقلية وهي مثال الحيوة الفعلية والحيوة الفعلية ملك الحيوة التي هي الحق عز وجل

وقوله { وهذا الانسان النفساني جوهر متوسط في الوجود بين الانسان العقلي وبين الانسان الطبيعي } في الجملة متجه بمعنى انه ليس في بساطة العقلي ولا في كثافة الطبيعي لان العقلي مجرد عن المادة العنصرية والطبيعية وعن الصورة الجوهرية والمثالية وعن المدة الزمانية والطبيعي الذي عناه عنصري صوري زماني والنفساني ليس بعنصري ولا طبيعي ولا زماني الا انه صوري كالطبيعي وجوهري دهري كالعقلي فتكون البينية تمثيلية لا حقيقية لان الحقيقية للانسان الحيواني البرزخي واما النفساني في وسط الدهر وذاته من المفارقات فهو بالغيب اولى منه بالشهادة

وقوله { وهذا شبه ما ذهب اليه معلم الفلاسفة } اي ارسطوطاليس يعني به ان قولنا ان في باطن هذا الانسان المخلوق من العناصر والاركان انسانا نفسانيا وحيوانيا برزخيا شبه ما ذهب اليه المعلم الاول في كتاب معرفة الربوبية وهو قوله ان في الانسان الجسماني الانسان النفساني والانسان العقلي ولست اعني انه هما لكني اعني به انه متصل بهما ويريد المعلم كما مر الا ان كلامه مجمل وتفصيله ان النفساني يتصل به الجسماني وان كان بواسطة البرزخي والهبائي والطبيعي الاحمر ويتصل بالعقلي ايضا واراد بالاتصال انه منه لهما اي ان من الجسماني يعني به في بعض احواله يكون منه لهما اي يفعل بعض افاعيل كل منهما لكن بتخلقه باخلاقهما او باستعمالهما له فيما لهما كما يسمع المرتاض تسبيح الجمادات والنباتات والافلاك والملائكة ويفهم نطقها ومعنى ثانيا لقوله انه منه اي من الجسماني للنفساني والعقلي اي فيه من نوعهما يعني ان في الجسماني نفسا وعقلا ذاتيين بهما يتصل بالنفساني والعقلي ويفعل بعض افاعيلهما الا ان نفسه وعقله ضعيفان بنسبة رتبته من الوجود الكوني وبهما خاطبه الله وكلفه واثيب او عوقب بهما وقول المعلم الاول : وذلك ان في الانسان الجسماني كلتا الكلمتين يعني به الكلمة العقلية والكلمة النفسية يشير بهما الى ما فيه لذاته من الكلمتين الضعيفتين وانما سمي النفساني والعقلي كلمتين لانهما صورتا التكلم مثل الضرب فانه صورة ضرب وعند اكثرهم لا يقال لغير المجردات كلمة قالوا ولذا قال وكلمته القاها الى مريم في حق لاهوت عيسى وفي حقائق الائمة عليهم السلام ولم يسم شيئا من الاجسام بالكلمة ومن هنا ذهب المصنف الى اتحاد بالصورة العقلية لانها كلمة العاقل وصورة ادراكه ولم يجوز اتحاد العاقل بالماديات وقد تقدم الكلام عليه وقول المعلم : لانه صنم الصنم يشير به الى ان الانسان الجسماني ظرف وصنم لتلك الكلمتين الضعيفتين وهما صنما النفساني والعقلي فالانسان الجسماني صنم الصنم وقوله ايضا : ان هذا الانسان صنم الانسان الاول الحق فيه شيء وهو ان مراده بالانسان الاول الحق ليس الا الانسان العقلي لانه عنده هو الانسان الاول بمعنى ان ليس قبله انسان وليس بصحيح لان الانسان الكامل اعني نور الانوار صلى الله عليه واله وهو النور الذي تنورت منه الانوار قبل العقلي وايضا قوله الحق يشير به الى ان هذا الانسان غير حق اما للاتحاد المدعي بالعقلي دون المادي واما لفنائه دون العقلي فانه غير فان بل باق ببقاء الله دون ابقائه كما ذهب اليه المصنف وقد تقدم الكلام عليه هنا وفي شرح المشاعر واما لان الجسماني تجديدي الكمال والذات وتدريجيهما بخلاف العقلي فانه فيما له بالفعل غير منتظر وقد اشرنا سابقا الى بطلان هذا بل الانسان العقلي والانسان المادي بحكم واحد في كل شيء لان المخلوقية تجمعهما فلا يتحد احد منهما بعاقله ولا يخرجان عن الامكان بل كل منهما منتظر فيما له متجدد متدرج في ذاته وصفاته وافعاله وان اختلفت صورة التغير والتبدل والحاجة فيهما كما تختلف في النبات والجماد

وقوله { ان قوى هذا الانسان وحياته وحالاته ضعيفة وهي في الانسان الاول قوية جدا } صحيح ظاهر

وقوله { وللانسان الاول حواس قوية ظاهرة اقوى وابين واظهر من حواس هذا الانسان } ايضا صحيح ولكن على نحو ما ذكرنا قبل هذا

وقوله { لان هذه اصنام لتلك } نقول هي اصنام للكلمتين الضعيفتين فيما يحتاج الغيب اليه من امثالها كالعين واليد واما الانسان الاول فقواه وحواسه الذاتية لا تكون قوى هذا الانسان وحواسه اصناما لها كما قدمنا واما قواه وحواسه الفعلية فكما قال لانه يصطاد بها الصيد الذي بعد عن حريمه وقد تقدمت الاشارة اليه فراجع

قال :

اقول اثبات هذه الامور العقلية التي ذكر بعضها تمثيلا مما لا ينبغي التوقف فيه بعد تصريح الكتاب والسنة من غير معارض وبعد شهادة العقل المهذب لهما

وقوله { في علم الله } يريد به في علم الله الذي هو ذاته وقد بينا فيما تقدم ان علم الله الذي هو ذاته ليس فيه شيء موجود لا طبايع نوعية ولا صور ولا معاني ولا اعيان ثابتة ولا موجودة اذ لو ثبت في علمه الذي هو ذاته شيء غير ذاته لكان في ذاته شيء غيرها اذ لا يعني بالعلم الذي هو ذاته امرا لفظيا او اعتباريا وانما نعني به المعبود عز وجل وانما هو تعالى علم ولا معلوم في ذاته لا عينا ولا معنى ولا صورة بل جميع المعلومات مما هو غير ذاته البحت في الامكان وتعلق العلم بها في الامكان في مراتب اماكنها واوقاتها وهذا التعلق اشراقي نسبي يوجد بوجودها ويفقد بفقدها وقد تقدم الكلام مفصلا لكن المصنف واتباعه يثبتون في علمه الذي هو ذاته كل معلوم ليس بمادي وذكرنا قبل ما يلزمهم من خلو علمه عن الماديات وكون الازل ظرفا لغير الله تعالى ولذا الملا محسن كما ذكرنا عنه سابقا قال الازل يسع القديم والحادث ويلزمهم ان الازل شيء قديم مكان او وقت غير الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا

وقوله { وفي علم قضائه } يحتمل انه اراد بالعطف التفسيري ويحتمل ما يصطلحون عليه من ان القضاء هو العلم الكلي الاجمالي الذي هو عبارة عن وجه الاشياء الاعلى الحاصل لله تعالى او الحكم الازلي على الاشياء بما هي عليه فيما لا يزال فيكون في الاحتمالين اضافة علم الى قضائه بيانية وعندنا الوجوه الثلاثة غير صحيحة اذ ليس للقضاء ذكر في رتبة الذات ولا وصفية وانما هو من الافعال الامكانية

وقوله { ومظاهر اسمائه الباقية عند الله ببقائه } يريد به كما تقدم انها باقية ببقائه لا بابقائه وقد قدمنا ما معناه ان الاسماء ومظاهرها بل كل ما هو غير الذات بالوجود او المفهوم او الاعتبار فهو محدث انما يبقى بابقاء الله لا ببقائه ولا نعرف شيئا مطلقا غير الذات البحت تعالى الا حادثا محتاجا في بقائه الى امداده تعالى

وقوله { لانها ليست مستقلة الوجود لكنها من شؤن الذات وحجب الربوبية } يريد به انها لوازم الذات ليست مستقلة الوجود بدونه فيا سبحان الله اذا كانت غير مستقلة ثبتت المغايرة بينه وبينها اذ ليس في الذات جهة غير مستقلة ولزمه اما القول بقدمها فتتعدد القدماء ان جوز قديما غير مستقل واما حدوثها ولزمه على الفرضين الاقتران الممتنع من الازل الممتنع من الحدث وكيف لا تكون حادثة وهي خارجة عن الذات فان الشئون غير ذي الشؤن والحجب غير المحتجب وباقي كلامه ليس فيه شيء من العلم

قال :

اقول افراد البشر عندهم متفقة النوع يعني يجمعها نوع واحد وهو الحيوان الناطق ويريدون بالحيوان الجسم النامي المتحرك بالارادة وحصته هي المادة ويريدون بالناطق النفس الملكوتية وحصتها وهي الفصل هي الصورة وهذا النوع عندهم للانبياء والمرسلين والكافرين والمنافقين والمؤمنين والمسلمين وهو قوله واقعة تحت نوع واحد نوعي وارادوا به على جهة الحقيقة واما عند اهل البيت عليهم السلام كما تفيده احاديثهم انه على جهة المجاز واما على جهة الحقيقة فافراد البشر اي الذين يصدق عليهم اللفظ على اقسام مختلفة الحقيقة فمنها نوع محمد واله الطاهرين الاربعة ‌عشر صلى الله عليه وعليهم اجمعين فان مادة خلقتهم عليهم السلام النور الذي تنورت منه الانوار المعبر عنه بالحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله وهي اول محدث بفعل الله تعالى فقسمه سبحانه على اربعة‌ عشر حصة لم يفضل منها شيء بعد العدد المذكور ولم ينقص عنه شيء ولم يجعل لاحد من غيرهم فيها نصيبا والبس تلك الحصص صورا من هيئة مشيته ناطقة بتوحيده والثناء عليه وبقوا الف دهر كل دهر مائة ‌الف سنة يسبحون الله ويمجدونه ثم خلق من شعاع ذلك مائة واربعة وعشرين‌الف نور وخلق من كل نور نور نبي وجعل تلك النسمات رجالا كروبيين خلف العرش تتوقد تلك الانوار لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم وبعث اليهم محمدا واهل بيته عليه وعليهم السلام نذرا كما قال تعالى في شأن نبيه صلى الله عليه واله هذا نذير من النذر الاولى وبقوا يعبدون الله بدين نبينا صلى الله عليه واله الف دهر كل دهر مائة‌الف سنة ثم اشرق من تلك الانوار اشعة فخلق من كل شعاع روح رجل من المؤمنين ثم خلق من شعاع انوار المؤمنين الملائكة ومن شعاع الملائكة الحيوانات ومن شعاع الحيوانات النباتات ومن شعاع النباتات المعادن ومن شعاع المعادن الجمادات ولك عبارتان بايهما قلت واردت جاز ان شئت قلت خلق من شعاع النبيين المؤمنين وان شئت قلت خلق من فاضل طينة النبيين المؤمنين فقد عبر باحدهما عن الاخر الفاضل والشعاع في اخبارهم عليهم السلام فحيوانية محمد واهل بيته صلى الله عليه واله ليست من نوع حيوانية الانبياء عليهم السلام ولا صورهم صلى الله عليهم من نوع صورهم عليهم السلام وكذلك اهل كل رتبة بالنسبة الى اهل الرتبة التي دونها نعم هي من شعاعها فلو اراد بدخول جميع افراد البشر تحت نوع واحد على جهة المجاز والتسمية اللفظية صح والا فلا

وقوله { من جنس قريب وفصل قريب مأخوذين } يعني اخذ الجنس من مادة بدنية اي اخذ الحيوان الذي هو الجنس من الجسم النامي المتحرك بالارادة ومن صورة نفسانية اي اخذ الناطق الذي هو الفصل من النفس الناطقة وبين كلامه هذا وما سبق من كلامه تناقض وفيه اضطراب لانه قرر فيما سبق ان حركة الجسم عرضية بمعنى انها من النفس وهنا جعل الجسم هو الحصة الحيوانية والفصل من النفس اي الصورة فاما ذكره ان الصورة من النفس الناطقة فقد اخذه من قوله ناطق وهو صحيح وان كان ينافي كلامه السابق واما المادة اعني الحصة الحيوانية فكيف يصح ان تكون المادة التي هي الاصل جسما والجسم بجميع انواعه ظل والصورة التي هي الفرع نفسا والنفس بجميع مراتبها هي ذو الظل ولا يصح ان نريد بهذا الجسم الذي عبر عنه بالبدن الجسم الذي هو النفس لان النفس جسم مجرد عن المواد العنصرية والجسم البدني عنصري نباتي بل الحيوان المأخوذ في تعريف الانسان خلق قبل الاجسام النامية وغيرها وقبل الحيوان المأخوذ في تعريف سائر الحيوانات العجم وهو اي المأخوذ في تعريف الانسان الحقيقي نور عقلي وحياته وتحركه عقليان البس صورة نفسانية ناطقة ثم اهبط على نحو ترتيب ما قدمنا الى الانسان الحسي الفلكي فهو نفس الحيواني الفلكي الحسي والحيواني الحسي الفلكي نفس الحيوان الذي هو الجسم النامي المتحرك بالارادة وحركته هذه من الحسي الفلكي وليست هذه الحيوانية هي المأخوذة في تعريف الانسان الناطق وكأن المصنف نسي ما ذكر عن المعلم الاول من كتاب الربوبية او لم يفهم مراده

وقوله { لكن النفوس الانسانية بعد اتفاقها في النوع في بداية الامر } فيه انها ليست متفقة في النوع وانما المتفق منها افراد كل رتبة فالمؤمنون متفقون في نوع رتبتهم ولم تتفق الانبياء عليهم السلام معهم والمؤمنون لم يتفقوا مع المنافقين نعم خلق الله المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام ولم يخلق المنافق من نوره نعم خلقه من شيء من الظلمة شبيه بالنور ولو فرض ان المنافق امن خلق من النور حين امن وهذا الذي اشير اليه خفي جدا قد انحطت عن نيله افهام العلماء والحكماء ولا يعرفه الا ائمة الهدى عليهم السلام وانما اوقفوني عليه وان كتب لك اوقفوك عليه وهو سر قول الباقر عليه السلام ما من عبد حبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا نفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة وقوله عليه السلام ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنع لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال نحن وفي رواية من شئنا او مدينة حصينة قيل فما المدينة الحصينة قال القلب المجتمع ه‍ وورد في توجيهه روايات بغير معنى ما ذكر والشاهد فيه قوله عليه السلام من شئنا والاشارة الى ذلك الامر الخفي الذي هو من سر القدر ان افراد نوع كل رتبة تؤخذ لهم مادة معراة عن حكمي السعادة والشقاوة وتكون حصصا كل حصة قابلة للسعادة والشقاوة واذا دعاهم خلقوا من طينة اجابتهم او انكارهم وهذا الخلق الثاني فيه يخلق الله المؤمن المجيب من نوره والمنافق المنكر من الظلمة وهو الخلق الصوري الذي تنقلب فيه الحقائق الصورية وليس المراد ان التغيير الذي هو منشأ السعادة والشقاوة في خصوص الصورة كما توهمه الاكثرون لان هذا الحرف هو الذي خفي على الاكثر فان العذرة تنقلب ترابا وقالوا حقيقة التراب والعذرة واحدة وانما التغيير في الصور وخفي عليهم السر بل التراب حين كان ترابا ليس من العذرة في الحقيقة لان المخلوق من ذلك التراب طاهر ويعود الى التراب والمخلوق من العذرة يعود اليها وهذان المخلوقان لا يعودان الى العناصر ابدا والا لانقطع الثواب والعقاب وهذا مثل خفي والمخلوق من العناصر التي هي اصل العذرة والتراب عاد الى اصله فاذا ثبت ان كل شيء يعود الى اصله وقد علمت ان الله سبحانه خلق النور وخلق الظلمة من نفس النور من حيث نفسه لا من حيث فعله ربه وهما حادثان بفعل الله الذي هو النور فمن خلق من النور يعود الى النور ومن خلق من الظلمة يعود الى الظلمة ولا يعود الى النور ابدا فمعني قولنا في سائر كتبنا خلق من اجاب بصورة الاجابة ومن الاجابة ومن النور انه صور صورته على هيئة الاجابة او الانكار خاصة بل الصورة والمادة معا كما قلنا من ان المنافق خلق بنفاقه من الظلمة واذا امن خلق بايمانه من النور اي خلق مادته بايمانه من النور وصورت صورته على هيئة الاجابة ولا يعود الى الظلمة ابدا ما لم ترتد والحاصل ان لفظة من انما تدخل على المادة كما تقول صغت الخاتم من فضة وعملت السرير من الخشب فتدخل من على المادة ولا تدخل على الصورة فلا تقل عملت السرير من التربيع فقولهم بامتناع انقلاب الحقائق يريدون به الحقائق الثلاث لا غير الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي والامكان وعندنا انما هي حقيقة الوجوب الذاتي والامكان واما الامتناع الذاتي فلا حقيقة له الا مجرد اللفظ اذ لا حقيقة له في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الامر ولا في الاعتبار والفرض وانما الحقيقة الحاقة للوجوب والمحققة للامكان فافهم واذا توحش قلبك من قولي هنا فافهم بياني وهو ان كل شيء يرجع الى اصله والمنافق بنفاقه خلق من الظلمة واليها يعود فلو آمن بعد نفاقه خلق بايمانه كما قلنا من النور واليه يعود ولا يعود الى الظلمة ابدا وبالعكس المؤمن لو نافق ولو صح امتناع انقلاب الحقائق غير الوجوب والامكان لعاد من آمن بعد نفاق الى اصله الظلمة ومن نافق بعد ايمان الى اصله النور وليس كذلك اذ خصوص الصور لا تغير حقائق المواد ما لم تتغير المواد بتغير الصور لكن تغير الحقائق والمواد من جهة الامكان يجري في كل شيء ولذا قال تعالى ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون وقال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك وقال تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم واما الواقع فلا يقع الا بين افراد كل مرتبة فلا يكون رجل من سائر الناس نبيا ولا العكس وعلى هذا الواقع مبني ما نحن بصدده

فقوله { ستصير بحسب نشأة اخرى وفطرة ثانية متخالفة الذوات كثيرة الانواع واقعة تحت اجناس اربعة } العقول والشياطين والحيوانات والسباع انما يكون في افراد رتبة واحدة فان كان في رتبتين فمن جهة الامكان بحسب صاحب المعجز واما تطور بعض افراد الانسان في بعض احواله في الاجناس الاربعة ودورانه عليها في تقلب احواله فلعدم تحقق الانسانية فيه اعني النفس المطمئنة فما بعدها فانه قبل التحقق في رتبة الثلاثة الاخيرة اعني الشياطين والحيوانات والسباع وهي رتبة واحدة اذ الثلاثة مشتركة في ثلاثة ارواح روح الشهوة وبها يأكلون ويشربون وينكحون وروح المدرج وبها يدبون وروح القوة وبها يحملون الاثقال فالثلاثة ليس في واحد منها روح الايمان ليخالفهم في الرتبة وهي لا تتحقق الا في النفس المطمئنة وهم اهل الجنس الاول وهو لا يتطور في شيء من الثلاثة بحسب الواقع فلو فرض انه تطور في شيء منها فبحسب الامكان لا بحسب الواقع

وقوله { لانها في اول تكونها بالفعل صورة كمالية لمادة محسوسة ومادة } يريد ان النفس هيئة كمال تكون لما يتألف من مادة عنصرية ومادة روحانية بالتدبير التكويني كما قرر في العلم الطبيعي المكتوم مع ما بين المادتين من المواد المتوسطة فتكون تلك الهيئة لاجل جامعيتها لهيئة العالمين صالحة لقبول العالي والسافل فقد تقبل الصورة العقلية فتتحد بها بحيث تخرج بسببها من القوة الى الفعل اي بان تكون عقلا بالفعل بعد ما كانت بالقوة وقد تقبل الصورة الوهمية الشيطانية فتكون شيطنة بالفعل كذلك وكذلك لو قبلت الصورة الحيوانية البهيمية او الصورة السبعية ومراده انها تتحد بما قبلت فلا يكون شيئان ولهذا لم يقل بثبوت عقل للانسان فانها بنفسها هي العقل اذا تخلقت باخلاق الروحانيين وتأدبت باداب الشريعة فان هذه الصفات هي الصورة العقلية وكذلك حال النفس مع باقي الصور ويشكل عليه انه يدعي ان ادلته مستفادة من الكتاب والسنة ومن التدبر في آيات الله في الافاق وفي الانفس وطريق ذلك بينه الصادق عليه السلام كما مر في الحديث السابق وهو قوله العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث ومن اعم ذلك واشمله الانسان فانه نسخة العالم الكبير كله ما فقد فيه وجد في العالم وما خفي في العالم وجد فيه واصيب والعالم الكبير له عقل غير نفسه لان هذا هو القلم والنفس هي اللوح المحفوظ ويجب ان يكون في الانسان عقل ونفس كما في العالم الكبير فهما اثنان وعلى قول المصنف انما هو نفس تعقل وهي التي في اصل نشوها كانت طبيعية جسمانية والحق ان هذه النفس جوهر صوري مجرد عن المدة الزمانية والمادة العنصرية صالح لقبول تعلق العقل بها كتعلق النفس بالجسم مع عدم الاتحاد بل العقل عقل والنفس نفس والجسم جسم الا ترى انه اذا قبلت صورة حيوانية بهيمية واتحدت بها لم تكن لها حالة بهيمية لا غير بحيث تخرج عن فصل الناطق الى الصاهل بل تكون لها حالة بهيمية لباعث الطبيعة التي نشأت عن تغيير الفطرة وتبديلها وتكون لها حالة انسانية لباعث الفطرة التي فطر عليها فبالاولي التطبعية يفعل الشهوات وبالفطرة الاصلية يعترف بتقصيره في فعله ما فعل ويعرف الخير واهله وبهما يكون صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء لتوارد الداعيين من الطبيعتين من المختلفتين على طرفي كل فعل وليس ذلك الا لكونهما غير متحدتين نعم هما متمازجتان تمازج تداخل من غير استهلاك احديهما في الاخرى كما قد قررناه في الماهية والوجود فقد قلنا هناك ان نور السراج القريب من السراج اشد نورا واضعف ظلمة وكلما بعد عن السراج ضعف النور وقويت الظلمة وهكذا حتى يكون اخره فيه من النور بقدر ما في اوله من الظلمة وليس ذلك تمازج استهلاك بل جميع الاشعة متعلقة بالسراج وجميع اجزاء الظلمة متعلقة بالكثافة الحاجبة ففي هذه الحالة تكون القوة البهيمية متعلقة بجهة اتصاف النفس بالاعمال التي هي منشأ البهيمية وهي التي عوجت فطرتها تعويجا لا يخرجها عن الصورة الانسانية والا لكان ذلك الشخص من العجم لا ينطق كما جرى على من مسخوا قردة وخنازير فانهم بقوا ثلاثة ايام يمشون على اربع ولا ينطقون وكذلك الحال في الشيطانية والسبعية والعقلية واضرب لك مثلا هو ان الجدار ليس فيه لنفسه نور ولا من شأنه ان يكون له نور من نفسه ولا بما اتحد به ( اي بصورة اتحد به يم ) فاذا اشرقت عليه الشمس كان فيه نور من الشمس فالنور هو ما اشرق عليه من الشمس لا غير فالنفس كالجدار والعقل كالنور المشرق عليه القائم به قيام ظهور وهو قائم بالشمس قيام صدور وهو منها والشمس كالعقل الكلي والنفس ايضا من النفس الكلية كذلك اي اشراق منها على الجدار الذي هو الجسم النامي والحسي الحيواني الفلكي والمثالي والهبائي والطبيعي النوراني فان هذه الخمسة هي كالجدار للاشراق النفسي فافهم وقوله { تحشر اليها وتقوم بها عند البعث في نشأة اخرى الخ } يريد ان النفس تقوم بما اتحد به من قبرها عند البعث يوم القيمة وهي نشأة اخرى لا في هذه النشأة يريد ان النفس الانسانية لو انتقلت الى الصورة البهيمية مثلا في هذه النشأة التي فيها لاتحدت بها كان تناسخا واما اذا انتقلت اليها في نشأة اخرى فلا بأس اذ لا تناسخ كذا قاله هو وغيره لانهم لما قالوا بسبق الارواح على الاجسام فلما انتقلت الى الاجسام قيل لهم هذا تناسخ فلم يكن لهم جواب الا ان التناسخ الممنوع منه وقوعه في عالم واحد ونشأة واحدة واما اذا كانت في نشأتين فلا محذور فيه ومما استدلوا به حشر بعض النفوس في الصور الحيوانية وما اقرب دليلهم من المصادرة على ان قولهم في نشأة اخرى غير مسلمة فان كثيرا من العلماء اعترضوا على ما روي عنهم عليهم السلام ان المؤمن اذا مات جعلت روحه في قالب كقالبه في الدنيا بان هذا تناسخ مع انه في نشأة اخرى ولم ينفع الجواب بنشأة اخرى وانما الجواب في الصورتين واحد وليس بنشأة اخرى بل بان نقول القالب الذي جعلت فيه الروح هي الأن فيه وهو الثوب الثالث الذي ذكرناه قبل هذا فلما خرجت من الجسد خرجت بثوبها الذي هي الأن لابسة له ومعنى ان الروح جعلت فيه انها قبضت به ونقول فيما نحن فيه انا ذكرنا ان كل الحيوانات تشترك في ثلاثة ارواح روح الشهوة وروح المدرج وروح القوة والمؤمن خاصة فيه اربعة ارواح الثلاثة وروح الايمان وبهذا تكون النفس انسانية لان النفس الناطقة ( اي الانسانية الشرعية يم ) لا تفارق روح الايمان واذا لم تكن فيها روح الايمان فليست مخلوقة من النور اعني النفس الكلية وانما هي من النفوس الفلكية مع ما لبستها من النفس الامارة التي هي وجه الجهل الاول المعبر بالماهية عنه وهذه النفس مقابلة للنفس الانسانية لانها من الثرى كما ان الانسانية من اللوح المحفوظ وهذه الامارة اذ انتقل بها المؤمن كانت مطمئنة وتكون اخت العقل كما مر ثم تكون راضية بقسم الله ثم مرضية لله تعالى ثم كاملة اذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد كما تقدم وقبل اطمئنانها تكون لوامة او ملهمة وقبل ذا تكون ملهمة او لوامة كما مر وقبل هذا هي كما برزت امارة بالسوء وهي التي تتقلب بالحيوانية الحسية الفلكية في الصور كيف ما شاءت من صور كتاب الفجار وصورها الذاتية لها اما شيطانية واما حيوانية بهيمية واما سبعية واما مسوخية وايها غلب ميلها اليه حشرت فيها والنفوس الفلكية مركبها في جميع صور المعاصي كما انها اي الفلكية مركب النفس الانسانية في جميع صور الطاعات فاذا سمعت منا نقول ان النفس تحشر في صورة شيطان او حيوان او سبع او مسخ فانا نعني بها النفس الامارة التي هي مقابلة للعقل فانها اذا محضت في ميلها واطلق صاحبها عنانها كانت هي النكراء والشيطنة التي عناها الامام الصادق عليه السلام وهي شبيهة بالعقل في التمييز وليست بعقل وليست بالنفس الانسانية التي من اشراق اللوح المحفوظ التي هي مركب العقل وانما هي التي هي مركب الجهل ولذا قال تعالى ان هم الا كالانعام بل هم اضل وقال الباقر عليه السلام الناس كلهم بهائم الا قليل من المؤمنين والمؤمن قليل والمؤمن قليل وليس الكلام في الاية والحديث على سبيل المجاز بل على الحقيقة ولكن بيانه مما يطول ذكره فالنفس الانسانية صورتها هذه الصورة الانسانية فاذا تخلق الشخص بطبيعة السبعية مثلا حتى انحصرت اعماله في اعمال السباع او كان الغالب في اعماله ذلك كان في هذه الدنيا ذا نفسين نفس سبعية قوية مؤيدة بالعمل بمقتضاها ونفس انسانية محجوبة عن مقتضاها لا تعلق لها بذلك الشخص الا بصورته الظاهرة الانسانية فاذا مات على هذه الحال وكان يوم الحشر ورجع كل شيء الى اصله سلبت عنه الصورة الانسانية بمتعلقها من النفس الانسانية التي من شأنها الايمان لكنها كانت مغلوبة فحبست في صورتها ولم يكن لها تسلط على اصلاح شيء من البدن وظهرت السبعية بصورتها الباطنة في ظاهر الشخص لما زالت عنه الصورة الانسانية ولم تكن النفس الانسانية محشورة في صورة سبع ليحتاج في دفع شبهة التناسخ الى انها نشأة اخرى لان ما سوى المؤمن فليس بانسان في الحقيقة بل من الحيوانات الاربع اما شيطان واما مسخ كالقرد والحية والعقرب والخنافس واما حيوان كالفرس والحمار والثور واما سبع كالاسد والهر والبازي وانما النفس المحشورة في احدي صور الحيوانات هي النفس الامارة الملعونة وهذه صورها في الحقيقة لكنه في هذه الدنيا البس صورة الانسان لاجابته الظاهرية وهي محل صور عليين فاذا كان حيوانا فان كان ذلك في الدنيا سلبت منه الصورة الانسانية الباطنة فاذا مات كذلك سلبت منه الظاهرة ايضا والحاصل كل ذي روح يحشر على صورة حقيقته لا على صورة غيرها فاذا لم يكن مؤمنا لم يكن في الحقيقة انسانا والنفس الناطقة بالحقيقة لا تكون الا في المؤمن ولا يحشر الا فيها

وقوله { والا لكان تناسخا لا حشرا الخ } يريد به تقرير ما قدم من انه لو كان في النشأة الاولى لكان عوده في صورة اخرى تناسخا لا حشرا والتناسخ قد منع النقل والعقل منه وانما الذي اثبته النقل والعقل هو الحشر وهو عود الارواح الى اجسادها وحشرها مع اجسادها واقول انما يكون كونها في صورة غير صورته الظاهرة تناسخا اذا كانت الصورة المنتقل اليها اجنبية من المنتقل واما اذا كانت صفة له وهي هيئته ومن هيئة اعماله خلقت فلا يكون تناسخا سواء كان في نشأة واحدة كما اشار اليه تأويل قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد ام في نشأتين فان الشخص في هذه الدنيا يخلع صورا ويلبس صورا اذا نم بين الناس لبس صورة العقرب او الحية واذا اشتهي الشهوة المنهي عنها شرعا لبس صورة خنزير او حيوان واذا غضب لمحرم لبس صورة سبع واذا ترك الغضب واخذ في النميمة خلع صورة السبع ولبس صورة العقرب وهكذا واذا خلع صور كتاب الفجار ورجع الى ما امر الله كما امره تعالى لبس صورة الانسان وهي صور كتاب الابرار ولا يزال هكذا حتى يأتيه الموت فاي صورة قبضه عليها حشر عليها وهو قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد واما الحشر فلا يرتابون فيه الا ان حشر الأرواح قام عليه الدليل العقلي والنقلي عندهم واما حشر الاجساد فلم يثبتوه الا من النقل وقالوا ان العقل لا يدل عليه ونحن قد اشرنا اليه من جهة العقل ويأتي في محله انشاء الله تعالى بحيث يكاد يصل الى حد الضرورة من جهة العقل

قال :

اقول يريد ان الانسان بما هو انسان متردد في هذا العالم اي عالم الدنيا عالم التكليف بين ان يكون ملكا بسبب اعماله الصالحة او شيطانا بسبب اعماله الطالحة او بهيمة بسبب غلبة شهوته او سبعا بسبب شدة غضبه فيصير ملكا ان غلب عليه العلم المقرون بالعمل واتقي الله وآمن به وعمل صالحا واتقي نفسه فلم يمكنها من شهواتها واتقي الناس بان عمل معهم ما يحب ان يعملوا معه او يصير شيطانا مريدا ان غلب عليه في اعماله المكر والكيد والعناد والحيلة والخديعة والاستهزاء والسخرية والكسل عن الطاعات والمبادرة الى المعاصي والجهل المركب بان يدعي ما ليس له ولا معه او يصير بهيمة ان غلبت عليه في اعماله واحواله آثار الشهوة ( على خلاف محبة الله ورضاه والا فلا تكون ذلك من صفات البهائم وكذلك في الغضب كريم ) من حب النكاح والنسل والمال والجاه والاكل والشرب واللباس او يصير سبعا ان غلبت عليه آثار الغضب والجراءة والتهجم والبطش والامر فيما ذكر كما ذكرنا لك ان النفس المنتقلة في هذه الصور المخالفة للانسانية باعمالها المخالفة لمراد الله سبحانه هي النفس الامارة مع مركوبها من النفس الحيوانية الحسية الفلكية لا النفس الناطقة القدسية فان هذه لا تفارق روح الايمان الا لمما ثم ترجع اليها روح الايمان

وقوله { فان الكلب كلب بصورته الحيوانية لا بمادته الى قوله وغير ذلك } يريد ان النفس وان كانت انسانية لكنها حين لبست الصورة الاخرى كان ذلك الشخص على حسب مقتضي تلك الصورة وان كانت النفس انسانية لان الكلب النابح المعروف لم يكن كلبا بحصته الحيوانية وانما هو كلب بفصله الذي هو صورته اعني النابح اقول نحن نقول بموجب هذا ولكن المادة التي في الكلب حال تعلق صورته بها ليست بصالحة للفرس الصاهل لان الحصة قبل تعلق الفصل بها تصلح لكل منهما لانها مادة جنسية وبعد التعلق كل واحدة مادة نوعية لا جنسية ولا تكون المادة نوعية لغير نوعها مع انا نسلم لهم تساوي الحصص النوعية في الجنس ولا نسلم لهم ان حيوانية النفس الناطقة حصة من جنس حيوانية الصاهل والنابح نعم حيوانية النفس الامارة حصة من حيوانية الصاهل والنابح والزائر وغيرها وانسانيتها ميتة بمعنى ان الامارة هي الجوارح القابلة للتعليم مما علم الله العقول فاذا تعلمت جعل الله لها نورا انسانيا تمشي به في الناس وكذا سائر الحيوانات اي مثل الكلب والخنزير في كون كل منهما بصورته لا بمادته سائر الحيوانات التي بعضها تحت صفات النفس الشهوية على اقسامها كل واحد بصورته الخاصة به من الشهوة فان منها ما يكون معظم شهوته في النكاح ومنها في الاكل والشرب ومنها في اللباس ومنها في الجاه والتكبر والاستيلاء والفخر وبعضها يدخل تحت صفات النفس الغضبية كالاسد والذئب والنمر والحية والعقرب والعقاب والبازي وغير ذلك على اختلاف اخلاقها كما هو مذكور في طبائع الحيوانات والمراد ظاهر مما تقدم

قال :

اقول قوله { فبحسب ما يغلب على نفس الانسان من الاخلاق والملكات يقوم يوم القيمة بصورة مناسبة لها } يريد ما تقدم وقد عرفت ما نريد نحن من ان النفس المتصورة بالصور المذكورة ليست هي النفس الانسانية الناطقة فان هذه لا تفارق روح الايمان وانما المتصورة بتلك الصور القبيحة انما هي النفس الامارة والصور المذكورة على اختلافها وتعددها صورها لا انها مناسبة لها لان الامارة مادة صالحة لان تلبس كل واحدة من صور المعاصي المرسومة في كتاب الفجار سجين باعمالها التي هي حدود صورها فيكون المحشور من تلك المادة وتلك الصور فهو كلب او خنزير او حمار او سبع او قرد وانما كان ناطقا ومميزا لان مادته من الامارة التي هي مقابلة لعقل الانسان والعقل اعطاه الله جنودا كما هو مروي على ما في الكافي وغيره فقال الجهل يا رب انك قد قويته بجنود وانا ضده فقوني فقواه بجنود ضد جنود العقل وهذه النفس الامارة من الجهل فهو ناطق لصلوحه للانسان بان يكون اخا لعقله ويصلح وجهه الذي هو النفس الامارة ان تكون اختا للعقل ومن شأن الصلوح النطق والتمييز

وقوله { فيصير انواعا كثيرة } يريد ان الانسان بعد ان كانت جميع افراده داخلة تحت نوع واحد وهو الحيوان الناطق كان باعماله الباطلة التابعة لهوى نفسه خاصة انواعا كثيرة كالشياطين والكلاب والخنازير والقردة والحيوانات والسباع ولقد كنت في اول امري مقبلا على شأني منقطعا عن الخلق في اغلب احوالي وكنت ارى في المنام امورا عجيبة وبيانات لما اشكل علي في اليقظة لا اكاد احصيها لا يخالف منها شيء شيئا من الامور المنقولة والمعقولة وقد اتت بلدنا امرأة من العامة فاجرة ذات علم وقد تولعت بها الزناة حتى ماتت في بلدنا وكانت جميلة الصورة فرأيت في المنام مقبرة فيها قبور يفور منها الشرر والدخان ورأيت بعض الرجال فيها امواتا غير مقبورين بل هم جيف مرمية واجسامهم عظيمة وهي مفتولة كالحبال والخيوط بصور تذهل من قبحها العقول ورأيت تلك المرأة الفاجرة وكان اسمها حسناء جيفة عند تلك القبور غير مقبورة وهي في صورة فرس عظيمة قبيحة المنظر لا يكاد الناظر اليها يملأ عينه منها لقبحها وذلك لما كانت الفرس الغالب عليها شهوة النكاح جدا كما ذكره العلماء والحكماء في خواص الحيوانات وكانت تلك المرأة بهذه الحالة كانت بصورة الفرس قد عظم جرمها للنار استجير بالله من النار مع اني رأيت المرأة في صغرى ووقت رؤيتي لها بعد اقبالي ولكن قبل علمي بطبع الفرس وبالجملة كل شخص يحشر على صورته وصورته ما قبل من الصانع صنعه عليها وذلك القبول هو الاعمال وهو قوله صلى الله عليه واله يحشر الناس على صور اعمالهم لانها هي صورهم الذاتية وقوله كما نطق به الكتاب الالهي كقوله ويوم يحشر اعداء الله الى النار فهم يوزعون ومعنى يوزعون قال القمي في تفسيره يجيئون من كل ناحية وقال الباقر عليه السلام يحبس اولهم على اخرهم يعني ليتلاحقوا وليس في هذه الاية دلالة على شيء مما ذكر وانما توهم انها تدل على تنويعهم وليس كذلك

وقوله { وقوله ويومئذ يتفرقون } والمراد من الاية ان اهل الجنة يحشرون اليها واهل النار يحشرون اليها كما دلت عليه الايات بعدها لكنه اول التفرق على اختلاف الصور والانواع ولا فائدة في الكلام عليه

وقوله { وعلى ما ذكرنا } يعني من حشرهم في صور اعمالهم تحمل ايات المسخ يعني الايات التي ظاهرها المسخ في القرءان انما المراد منها حشرهم في صور اعمالهم كقوله وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم يريد ان ظاهر الاية ان كل دابة تدب في الارض وكل طائر يطير بجناحيه كانوا من بني ادم كما هو ظاهر امم امثالكم لكنهم مسخوا دواب وطيرا ولما ثبت بطلان المسخ كان المراد بالامم والامثال كونهم دواب وطيرا يوم القيمة حين يحشرون في صور اعمالهم فمنهم غدا عقبان ورخم ومنهم خيل وبغال وحمير ومنهم قردة وخنازير وافيال ومنهم سباع وذئاب وليس المراد من الاية ما توهمه بل المراد منها ان كل دابة في الارض وكل طائر امم جرى فيهم عدل الله بان ندبهم الى ما فيه صلاحهم من التكليف وارسل اليهم نذرا من نوعهم لان كل نوع من الحيوانات امة بنص القرءان وان من امة الا خلا فيها نذير بنص القرءان وما ارسل سبحانه رسولا الى امة من الامم الا بلسان قومه ليبين لهم بنص القرءان وان كل امة من الامم تحشر الى ربها فيحاسبها فيقتص للجماء من القرناء وليس في خصوص هذه الاية ما يوهم المسخ كما توهمه المصنف الا اذا اولها بهذا التأويل البعيد ثم يحتاج الى تأويل تأويله بما ذهب اليه وليس هذا طريق التأويل انما يصح التأويل فيما يكون ظاهر الاية يوهم المسخ فيصرف ظاهرها الى معنى صحيح واما هو فقد صرف ظاهرها الصحيح الى تأويله الغير الصحيح ثم حمله على معنى غير صحيح

وقوله { وآيات اخرى كقوله تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون } فيه ما في ما قبله فان ظاهر هذه الاية ليس فيه ما يحتمل مدعاه وانما المراد انهم يختم على افواههم فلا ينطقون كما قال تعالى ثم تشهد عليهم جوارحهم واما انه انما شهدت عليهم جوارحهم لانهم كانوا من نوع العجم الصم البكم من الحيوانات فهو تأويل بعيد بعد قوله تعالى اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون

وقوله { وكقوله يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس } فكذلك ليس في هذه الاية دليل على مدعاه ولا شاهد لما رءاه وانما المراد منها هو ما في الاية الاخرى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وذلك كل ما توهم بعض من الانس او اعتقدوا في الجن بانهم يضرون او ينفعون زادوا في اغوائهم واما تأويلها بان الجن قد اغووا كثيرا من الانس حتى اطاعوهم فيحشرون على صور الجن من تفسير ظاهر الظاهر فهو غير صحيح لانه وان انطبق اخذ كثرة الجن بهم على تفسير ظاهر الظاهر الا انه يلزم منه ان كل من اغوته الجن حتى خرج بطاعتهم عن اصحاب اليمين يكون من الجن لا غير ذلك وليس كذلك فالاولى عدم تأويلها على مدعاه

وقوله { وكقوله واذا الوحوش حشرت } مثل ما مضي اذ لا دلالة في الاية على مدعاه وانما تدل على ان الوحوش تحشر ولو ثبت في السنة او في الكتاب عدم حشر الوحوش جاز له تأويلها بان المراد بالوحوش العصاة من بني ادم لكن الامر على العكس فلا يصح تأويله واما الايات التي تصلح شاهدا له فهي كثيرة لكنه لم يذكر منها شيئا وهي مثل قوله تعالى افلم يهد لهم كم اهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ان في ذلك لايات لاولي النهي فان له ان يأولها بكون ضمير الجمع في يمشون يعود الى المهلكين من القرون فانهم الان حيات وعقارب وخنافس وفيران يمشون في بيوت المخاطبين فيحمل ما يوهم المسخ على انهم كذلك الأن مستورون تحت غطاء الصورة الانسانية ويوم القيمة يكشف عنهم الغطاء ومثلها فيما روي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن العقرب والخنفس والحية فقال ان الله يقول اولم يهد لهم كم اهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ان في ذلك لايات افلا يسمعون اخرجوا من النار فقال لهم الله كونوا نشنيشا ه‍ نقلته بالمعنى ومثل قوله ان هم الا كالانعام اولئك كالانعام بل هم اضل متاعا لكم ولانعامكم وامثال ذلك فانها هي التي يمكن الاستدلال بها على المدعي في تأويلها

واما قوله { وقول الصادع صلى الله عليه واله يحشر الناس على صور اعمالهم وفي رواية على صور نياتهم وفي رواية يحشر بعض الناس على صورة تحسن عندها القردة والخنازير } فهو صريح في المدعي

وقوله { والى هذا يؤل كلام افلاطون وفيثاغورس وغيرهما من الاولين الذين كانت كلماتهم مرموزة وحكمتهم مقتبسة من مشكوة نبوة الانبياء عليهم السلام } يشير به الى ما نقل عنهم ومثله واما كون كلامهم مقتبس من مشكوة النبوة فصحيح ولكنه وقع فيه التغيير من وجوه ثلاثة الاول ان احدهم اذا قرأ على نبي من الانبياء عليهم السلام انفرد واخذ يفرع فروعا فقد يقع الغلط في تلك الفروع لانه ليس بمعصوم ولا مسدد من الله كالنبي عليه السلام الثاني ان كتبهم كتبوها باللغة السريانية وغيرها والمعربون لها منهم من يفسر كل كلمة بمعناها العربي لا كل كلام وتكون الترجمة مخالفة للاصل كما لو فسر في اللغة الفارسية قسم بخر فقال قسم يعني يمين وبخر يعني كل فان المعنى يبطل لان الترجمة كانت مخالفة للاصل اذ الاصل احلف والترجمة كل اليمين ولو فسر الكلام بكلام لصح المعنى فمن هذا ومثله يقع الغلط والخطاء الثالث ان الحكماء في غالب اقوالهم يستعملون الاشارات والرموز واللوازم البعيدة ولا يكاد يفهمها الا من كان طبيعته من نحو طباعهم وخاض في علومهم وربما يكون المترجم لا يفهم مرادهم فيكتب بخلاف مرادهم كما قالوا بان العقل مجرد ففهم كثير منهم ومنهم المصنف ان العقل لا مادة له اصلا وانه بسيط الحقيقة فهو كل الاشياء كما ذكره في اول كتابه المشاعر ومرادهم ان العقل مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية لا انه مجرد عن مطلق المادة والدليل على ان هذا مرادهم انهم قالوا اول ما خلق الله العقل فدل كلامهم هذا على ان العقل ممكن وقالوا كل ممكن زوج تركيبي فاذا كان مركبا كان غير بسيط الحقيقة وانما مرادهم بالتجرد ما قلنا فمن مثل هذا يكثر الغلط بل قد يحصل الغلط من تحريف الكتاب في الاصل او الترجمة ولاجل ذلك ومثله قد يخالف قولهم قول الانبياء عليهم السلام وحيث جهل كلام الانبياء عليهم السلام فالمميز للموافق لكلامهم عليهم السلام والمخالف هو الكتاب والسنة لا غير ولاجل هذا ترانا لا نكاد نجد قولا من كلام المصنف وامثاله موافقا حتى ان من لم يفهم ربما توهم انا نتعمد الرد عليهم وانا اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين واسئل الله العالم بسري وجهري الا يكلني الى نفسي ولا الى احد سواه

قال :

اقول ما ذكروه لا يصح لا بحسب نشأة واحدة ولا فيما لا تعلق له اصلا بمادة جسمانية بل يكون الشيء ركنا لمعلوله اي مادة له وصورة لعلته بل كل الاشياء كذلك من فوق الدرة الى ما تحت الذرة فان النور الاول الذي هو اول فائض من فعل الله صورة لفعل الله تعالى مثل ضربا بسكون الراء فانه صورة لضرب بفتح الراء وهذا النور الذي هو صورة لفعله تعالى مادة لعقل الكل وصورة العقل الارض الجرز والبلد الميت والعقل صورة للنور المذكور ومادة للنفس والصورة النوعية صورة الخشب ومادة السرير وصورة وجهك المنفصلة اي الاشراقية صورة وجهك ومادة للصورة التي في المرءاة بل كل الاشياء اعراض لعللها ومعروضات لمعلولاتها لا فرق بين ذلك في نشأة واحدة كما قلنا في الخشب والسرير والصورة في المرءاة او غيرها ولا بين ما لا تعلق له بالمواد الجسمانية كعقل الكل بالنسبة الى النور الذي تنورت منه الانوار صلى الله على محمد واله وبالنسبة الى النفوس او غير ذلك وانما اشتبه ذلك عليهم حيث وجدوا زيدا ذاتا متقومة بنفسها استبعدوا ان يكون صفة وعرضا وذلك لعدم معرفتهم بفعل الله اذ لو عرفوا ان فعل الله سبحانه ذات قائمة بنفسها بالنسبة الى ما سواها من الخلق وان تذوت جميع الذوات انما هو شعاع تذوتها وانما يقال ان فعل الله ومشيته عرض بالنسبة الى ذات الحق عز وجل اذ ليس شيء بحقيقة الشيئية الا هو تعالى ومشيته شيء به لا بنفسها والخلق شيء بمشيته لا بانفسهم

وقوله { فان النفس المتعلقة بالمادة من شأنها ان تتصور بصورة بعد صورة وتتحد بها } بناه على نفيه لكون شيء واحد لا يكون صورة لشيء ومادة لشيء اخر وقد قدمنا ما سمعت في النفس من انها من الملكوت ولا تتعلق بنفسها بالمواد الجسمانية وانما تتعلق افعالها بالمواد بواسطة الطبائع النورانية والهبائية والمثالية والفلكية لان النفس من حيث ذاتها من المفارقات فكيف تتعلق بالمواد ومن ان المتقلب في الصور ليس هذه التي هي بنت العقل وانما هي الامارة التي لو صلحت كانت اخت العقل لا بنته نعم لو صلحت هذه الامارة اتحدت بتلك

وقوله { وايضا الصورة الحسية مع كونها صورة لمادة جسمانية بالفعل فهي معقولة بالقوة } اما ان الصورة الحسية صورة للمادة الجسمانية فظاهر اذ لا معنى لمحسوسيتها الا لقيامها بالمادة الجسمية قيام عروض او قيامها بالصورة العارضة قيام صدور وبمحلها قيام ظهور كالصورة في المرءاة ولكن هذا لا كلام فيه وانما الكلام في كونها معقولة بالقوة فانا لا نسلم انها معقولة لتكون المحسوسة نفسها معقولة وانما المعقول معناها اذ العقل لا يدرك بذاته الصور وان كانت جوهرية كالنفوس وانما يدرك ذلك بواسطة الوسائط التي بينه وبين ما يدركه اذا كان تحت رتبة المعاني وان اراد بالمعقولة المتخيلة فالخيال انما يدرك صورة ما انتزع له الحس المشترك من الصور سواء كانت المنتزعة من مادة ام من صورة فالذي يدرك الخيال من الصورة المحسوسة صورتها لا انها بنفسها تصعد حتى تكون معقولة ولا ان العقل ينزل حتى يكون من الحواس الظاهرة وكأن المصنف نسي كلامه السابق في الحواس الظاهرة ان المدرك من المرئي ليس هو الصورة الظاهرة وانما تدركه النفس بصورة ملكوتية مماثلة للمحسوسة مع ان النفس انزل رتبة من العقل فهلاقال هناك ان المحسوسة تكون مدركة للنفس بالفعل بعد ان كانت بالقوة كما قال هنا او قال هنا ان الصورة الحسية يدركها العقل بصورة مماثلة لها من عالم الملكوت

وقوله { ونحن قد اقمنا البرهان على ثبوت الحركة الجوهرية } يريد انه اذا ثبتت الحركة الجوهرية بان يكون الجوهر بنفسه يترقي من رتبته الى ما فوقها وهكذا صاعدا كانت الصورة الحسية مع ارتباطها بالمادة صورة عقلية ونحن قد قلنا له فهلاقلت في الصورة المرئية كذلك على ان الحركة الجوهرية انما تتحقق في نوعها فان الجوهر المعدني لا يترقى حتى يكون جوهرا نباتيا والنباتي لا يكون حيوانيا نعم المعدني يترقى في الرتبة المعدنية كأن يترقى من الصخرية الى الزجانية ( الزجاجية ظ ) ومن الزجاجية الى البلورية ومن البلورية الى الالماسية وكذلك النباتي يترقى في الرتبة النباتية وهكذا واما قوله تعالى والله انبتكم من الارض نباتا فليس المراد منه ان النفوس الملكوتية والعقول الجبروتية تكونت من التراب والمعدن والنبات كما توهمه من لم يعرف ذلك من كلام ائمة الهدى عليهم السلام وانما انزلها الله سبحانه من شجرة المزن ووقعت على النبات والبقول وسرت في صفو النبات الذي تتكون منه النطفة الظاهرة الحاملة في غيبها للنطفة الباطنة وترقت النطفة الظاهرة النباتية في رتبة النبات علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كساها تعالى لحما والنطفة الملكوتية الناطقة غيب في النباتية في اطوارها هذه فاذا كسيت لحما وتمت في بشرها وشعرها ظهرت الكامنة في غيب النباتية وهذا الظهور هو الذي سماه امير المؤمنين عليه السلام بالولادة الجسمانية وذلك اذا تم لها اربعة اشهر وهذا معنى قوله تعالى والله انبتكم من الارض نباتا فهذا معنى حركة الجوهر انه يترقي في رتبة نوعه لا غير فلا تكون الحسية معقولة كيف والمصنف انكر كون الماديات معقولة في باب اتحاد العاقل بالمعقول وجعل المادية معقولة بالتبع لصورتها العقلية في حق الواجب تعالى فلا تقل انها ليست معقولة بالذات حال ماديتها فاذا ترقت عقلت بالذات لان الواجب تعالى لا يصح هذا في شأن ادراكه للاشياء اذ ليس له حالتان كالمخلوق

وقوله { والنفس الانسانية اسرع المكونات استحالة وانقلابا في الاطوار الطبيعية والنفسية والعقلية } فيه كما قلنا ان المتطورة هي الامارة لانها نشأت من نفس العالي وبعدت منه حسدا الى السفل فشأنها التقلب في اطوار السافلين من صور الحيوانات والشياطين ولاجل كونها من نفس العالي كانت هيئتها تشابه هيئته فلاجل هذه المشابهة قد تقبل تعليمه فاذا تعلمت مما علمه الله كانت اخته والا ردت الى اسفل السافلين

وقوله { وهي في فطرتها نهاية عالم المحسوسات وبداية عالم الروحانيات } ليست نهاية عالم المحسوسات ولا بداية عالم الروحانيات لان نهاية عالم المحسوسات وبداية عالم الروحانيات عالم المثال واما النفس الانسانية فهي وسط عالم الروحانيات لان تحتها من الروحانيات الجوهر الهبائي والطبيعة النورانية وفوقها الارواح والعقول

وقوله { وهي باب الله الذي يؤتى منه الى الملكوت الاعلى } يدل على توسطها لانها باب الملكوت الاعلى فهي من الملكوت الاوسط كما قلنا وهذه صفة النفس الانسانية لا النفس المتقلبة في صور المركبات الخبيثات المسخوطات كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام

قال :

اقول في النفس بقول مطلق كل باب من ابواب الجحيم لانها فيها باب العلم وباب الوهم وباب الخيال وباب الفكر وباب الحيوة وباب العناصر سادس الابواب وهي ( اي النفس ) الباب الاعظم السابع فيه ثلاث طبقات الفلق وهو جب في جهنم اذا فتح اسعر النار سعرا وهو اشد النار عذابا وصعود وهو جبل من صفر من نار وسط جهنم واثام واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو اشد النار عذابا فالباب الاول ( العناصر ) الجحيم والثاني ( الحيوة ) لظى والثالث ( الفكر ) سقر والرابع ( الخيال ) الحطمة والخامس ( الوهم ) الهاوية والسادسة ( العلم ) السعير والسابعة ( النفس ) جهنم وابتداء العدد على هذا الترتيب من باب العناصر لانه الاول والثاني الحيوة وهكذا صاعدا على الترتيب وفيها سبعة ابواب من النعيم جنة الفردوس ( النفس ) وجنة العالية ( العاقلة ) وجنة النعيم ( العالمة ) وجنة دار المقامة ( الواهمة ) وجنة الخلد ( الخيال ) وجنة المأوى ( الفكر ) وجنة دار السلام ( الحيوة ) فان عمل بطاعة الله كانت تلك الابواب ابواب الجنان وان عمل بمعصية الله كانت تلك الابواب ابواب النيران واما الجنة الثامنة وهي جنة عدن ( العقل ) ليست بابا في النفس وانما هي باب في العقل وهو مطيع لله ولا يعصيه ابدا فلهذا لا يكون بابا من النيران ومن ثم كانت الجنان ثماني والنيران سبعا ولكل من ابواب النيران السبعة حظيرة وهي ضحضاح من نار كل حظيرة تسمي باسم اصلها نسبتها الى اصلها نسبة الواحد الى السبعين في ضعف العذاب وشدته ولكل باب من ابواب الجنة السبعة حظيرة وهي جنة خلقت من ظل اصلها نسبتها في النعيم الى اصلها نسبة الواحد الى السبعين ونيران الحظائر لعصاة المؤمنين وجنات الحظائر لثلاث طوائف مؤمني الجن والمؤمنين من اولاد الزنا الى سبعة ابطن والمجانين الذين لم يقع عليهم تكليف وليس في اهاليهم احد من اهل الجنة ليشفعوا فيهم واما الجنة الثامنة جنة عدن فلا حظيرة لها وانت قد علمت ما قلنا في النفس

وقوله { وهي السد الواقع بين الدنيا والاخرة } اي والنفس هي السد اي البرزخ المضروب بين الدنيا لما تضمنت من صور جميع القوى اي الدواعي النفسانية التي تتجسد الى موادها في الاخرة وهو قوله لانها صورة كل قوة في هذا العالم ومادة كل صورة في عالم اخر غير هذا يعني انها تتصور بصور دواعيها الشيطانية او الحيوانية او السبعية في الدنيا بان تلبس على انسانيتها صورة شيطان او حيوان او سبع وفي الاخرة تخلع الانسانية وتكون تلك الصور مواد لاصحاب تلك الصور وهذا مبني على تجسم الاعمال لانه قال انها صورة في الدنيا مادة في عالم اخر اي في الاخرة والحق في المسئلة ان الاعمال لا تجسم لانها صور واوصاف ولكن العاملين تلبس صور اعمالهم لان مادة العامل تستحيل الى مادة ذي الصورة وحقيقة ذلك انه هو ذو الصورة ولكنه في الدنيا بصورة الانسان للمجاورة وفي نفس الامر هم شياطين قال تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن وهم حمير قال تعالى ان انكر الاصوات لصوت الحمير وقال تعالى كمثل الحمار يحمل اسفارا واما التجسم في الصفات فصورة العمل الموافق لامر الله وارادته صورة الثواب ومادته من امر الله الذي امتثله وحياته من الله سبحانه اي من رحمته واما صورة العمل المخالف لامر الله فصورة العقاب ومادته من الامر الذي خالفه وحياته من الله سبحانه اي من غضبه والحق ان النفس اللابسة لصورة الشيطان انها مادة شيطانية واللابسة لصورة الحيوان مادة حيوانية وكذا لابسة صورة السبع مادة سبعية وهي في الدنيا كما هي في الاخرة فهم شياطين وحيوانات ومسخ وسباع في الدنيا ولكن البسوا صورة الانسان للمجاورة من قوله ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ولو كشف لك الغطاء في الدنيا لرأيت شياطين وكلابا وخنازير وقردة وحيوانات ولقد كان الصادق عليه السلام اراهم ابابصير كذلك ثم رده منحجبا

وقوله { فهي مجمع بحري الجسمانيات والروحانيات } يعني ان النفس الانسانية الناطقة مجمع بحري الجسمانيات لانها جسم واصلها الطبيعة الجسمانية وتكون عقلا وهذا مبني على قوله الاول واما نحن فنقول اما انها جسم بمعنى انها نهاية ما يصدق عليه اسم الاجسام وبمعنى انها مركبة من المادة النورانية والصورة الجوهرية مع كونها من المفارقات المجردة عن المادة العنصرية والطبيعية فصحيح واما انها ليست في كثافة الاجسام ولا لطافة العقول فصحيح فبلحاظ هذا المعنى تكون برزخا بين عالمي الاجسام والعقول فتكون مجمع ذينك البحرين بمعنى جمعها لبعض صفات كل منهما واما بمعنى ما اراد فليس بصحيح وقد مر بيانه مكررا

وقوله { وكونها آخر المعاني الجسمانية دليل على كونها اول المعاني الروحانية } فيه ان كونها آخر المعاني الجسمانية دليل على عدم كونها اول المعاني الروحانية كما ان آخر المعاني النباتية لا يكون اول المعاني الحيوانية وكما ان عالم المثال برزخ بين الاجسام والمجردات وليس واحدا منهما ولا من احدهما الا على نحو ما ذكرنا من ان فيه بعض صفات كل منهما كما هو شأن البرازخ لان كلا من العالمين مغاير للاخر والمغاير من حيث هو مغاير لا يكون غير مغاير ولا يكون كذلك الا مع تعدد الصفات ليكون ببعضها مغايرا وببعضها غير مغاير والذات البسيطة لا يكون كذلك نعم قد تكون الذات المركبة كذلك ولكنها مغايرة لهما كالهواء بالنسبة الى النار والماء

وقوله { فان نظرت الى جوهرها في هذا العالم وجدتها مبدأ جميع القوى الجسمانية ومستخدم سائر الصور الحيوانية والنباتية وان نظرت الى جوهرها في العالم العقلي وجدتها في بداية الفطرة قوة محضة لا صورة لها في عالم العقل لكن من شأنها ان تخرج في باب العقل والمعقول من القوة الى الفعل } اعلم ان النفس لا يوجد جوهرها في هذا العالم وانما يوجد فعلها فيه واما جوهرها فلا ينزل عن عالم الملكوت وكونها مبدأ جميع القوى الجسمانية من جهة فعلها لا من ذاتها الا ترى انها في الملكوت وفعلها في الملك لان الفعل لا يقع في رتبة الذات وايضا ان اراد بالقوى الجسمانية القوى المدركة فقد انكرها وانما نسب الادراك والشعور الى النفس كما تقدم في الحواس الظاهرة بل جعل مدركاتها صورا ملكوتية مماثلة للظاهرة وبالجملة هناك اخرج النفس عن الملك واخلصها للملكوت حتى في افعالها وهنا جعلها من عالم الملك بذاتها وقال انها اخر المعاني الجسمانية وان اراد بالقوي الجسمانية القوى الغير المدركة لم يصح كلامه اذ ليست مبدأ للعصب والعروق وما فيها من القوى الا ان يجعلها قوى حيوانية وحينئذ يصح هذا الجعل ويبطل ما قرره هناك في الحواس الظاهرة

وقوله { ومستخدم سائر الصور الحيوانية } صحيح لكنه بفعله ولا ريب ان فعلها مرتبط بعالم الملك ولهذا قالوا النفس مقارنة بافعالها بالاجسام والنباتات

وقوله { وان نظرت الى جوهرها في العالم العقلي وجدتها في بداية الفطرة قوة محضة لا صورة لها في عالم العقل } اذا اراد كون معناها في العقل فصحيح ولكن ليس خاصا بالنفس بل الجدار معناه في العقل والمراد بالمعنى العقلي انه جوهر لا صورة له اذ الصور مباديها في الروح وتمامها في عالم النفس وان اريد بالعقل العقل الجزئي فهي فيه معنى ظلي منتزع من الخارجي ولا صورة لذلك المعنى الظلي لكنه عني به العقل الكلي ومعناها فيه جوهر لا صورة له وليس الموجود في العقل عين النفس وانما هو معناها وهو بمنزلة البزر للثمرة على الظاهر وفي الحقيقة هو كالنار الكامنة في الحجر يخرج مثالها بالحك واصلها باق كما هو قبل الحك واما البزر فانه يفني في الزرع ويخرج في السنبلة باطواره ومعنى النفس الذي في العقل الكلي اذا ظهر بصورتها الظاهرة لا يذهب معناها منه كما في الحبة في السنبلة بل هو باق في كما هو قبل الظهور ولم يكن العقل فاقدا لشيء مما فيه من المعاني فافهم

قال :

اقول قد ذكرنا على قوله لكن من شأنها ان تخرج في باب العقل والمعقول من القوة الى الفعل فيما مضي وفيما يأتي عدم صحة ذلك الخروج وعلى تمثيل نسبتها الأن الى صور ذلك العالم بنسبة البزر الى الثمرة لان ذلك اليق لتمثيل قوله اذا نظرت الى جوهرها في العالم العقلي مع ما فيه من النقص وانما التمثيل الصحيح ما مثلنا به من النار الخارجة من الحجر بالحك ولذا ذكرناه هناك وتمثيله لها في هذا العالم بالنسبة الى تطورها حتى تكون عقلا بالبزر بالنسبة الى الثمرة ايضا لا يصح لان البزر ثمرته مثله فهذا يصح على قولنا انها لا تخرج عن طورها النفساني كبزر الحنطة فان ثمرته حنطة من نوعه ولا تكون تمرا بل الذي من شأنها الا تتعدى طورها وليس من شأنها ان تخرج في باب العقل والمعقول من القوة الى الفعل نباتها بان ينتقل ذلك المعنى الى عين النفس بحيث يكون العقل خاليا منه وانما يخرج مثالها البدلي كما تخرج النار من النار الكامنة في الحجر بالحك واراد بصور ذلك العالم المعاني العقلية وليس كذلك بل الصور صور والمعاني معان اذ الصور هيئات هندسية والمعاني هيئاتها معنوية وقوله { والنطفة الى الحيوان } يريد به ان نسبة هذه النفس في هذه الحالة الى صور ذلك العالم اي العالم العقلي بمعنى ترقيها في تطوراتها حتى تكون بعينها عقلا نسبة البزر الى الثمرة والنطفة الى الحيوان وقد سمعت ما قلنا في النفس وانها لا تكون عقلا بل اذا كملت وعادت اليه شابهته كما قال امير المؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي حيث قال في النفس اللاهوتية الملكوتية اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودتها اليه اذا كملت وشابهته ه‍ لان هذه النفس هي التي نسميها بنت العقل اذا كملت شابهته لا انها تكون عقلا لان هذه هي النفس الكلية وهي اللوح المحفوظ والعقل هو القلم واللوح لا يكون قلما وليست هذه النفس المتقلبة في الصور الحيوانية لان المتقلبة هي النفس الامارة كما مر وهي اذا تعلمت من العقل حتى كانت مطمئنة كانت اخت العقل وقد سمعت ايضا ان التمثيل بالبزر الى الثمرة ليس بمطابق وتمثيل النسبة بالنطفة ايضا غير مطابق فان النطفة لا تكون نفسا حيوانية فلكية ولا ناطقة قدسية لان النطفة لا يكون من ذاتها الا النفس النباتية ولكن تتلطف منها ابخرة نارية وهوائية وترابية اجزاء سواء من كل عنصر جزؤ واجزاء مائية جزءان فتجتمع الاجزاء الخمسة وتطبخها الطبيعة بمعونة اشعة الكواكب التي يلقيها كر الافلاك طبخا معتدلا وتتلطف حتى تشابه في اللطافة والاعتدال جرم فلك القمر فتشرق نفسه عليها فتظهر فيها بذلك الاشراق النفس الحيوانية الفلكية الحسية وقد كانت النفس الناطقة القدسية غيبا في غيب النطفة النباتية اي نطفة معنوية نزلت من شجرة المزن من عليين وتعلقت بمادة النطفة الظاهرة لان الناطقة كمنت في الفلكية والفلكية كمنت في النباتية والنباتية تعلقت بالنطفة الظاهرة وتظهر الحيوانية الحسية الفلكية بالولادة الجسمانية عند تمام الاربعة الاشهر وبدؤ ايجاد الناطقة القدسية وظهورها عند الولادة الدنياوية فتتعلق بالحسية تعلق اشراق كتعلقها اي الحيوانية الحسية بالنباتية فالنطفة المني النباتية لا تكون حيوانية حسية كما ان الحسية لا تكون ناطقة فضلا عن ان تكون عقلا لا بالفعل ولا بالقوة نعم لو اراد الله سبحانه ان تكون عقلا كانت كما اذا اراد ان يجعل الصخر والمدر نبيا فانه على كل شيء قدير

وقوله { وكما ان النطفة بالفعل حيوان بالقوة فكذا النفس بشر بالفعل عقل بالقوة فيه ان النطفة نباتية وهي بالقوة جسم حيواني اي تتعلق به الحيوة الحيوانية الحسية من الافلاك لا انها حيوة بالقوة وانما هي محلها كما قلنا

وقوله { فكذا النفس بشر بالفعل عقل بالقوة } مثل الاول لانه يبني استدلالاته على المجازفة والالفاظ والظواهر فان البشر بمعنى الخلق وسمي بشرا لظهوره ولانه خلق من بشرة الارض والمراد به الجسم اذ ليس النفس بشرا وانما البشر الانسان الظاهر ذو الجسد لا ذو النفس والا لصح كون الملك بشرا لانه نفس فلا معنى لتنظيره فلا تكون النفس عقلا لا بالفعل ولا بالقوة كما لا يكون التراب الظاهر نفسا بالقوة

وقوله { واليه الاشارة في قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما الهكم اله واحد } في الاحتجاج في تفسير العسكري عليه السلام في سورة البقرة قال عليه السلام في هذه الاية يعني قل لهم انا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر فلا تنكروا ان يخصني ايضا بالنبوة ه‍ فالمراد بالبشر شخص ظاهر كغيره في الظهور لا كالملائكة والعقول والارواح والنفوس وخصه بالنبوة وتأويله بان نفسه بشر محسوس كغيره ثم جعله نبيا حيث كان البشر الظاهر صالحا لنهاية درجات الامكان وهذا التأويل انما يصح لو كانت الجمادات والنباتات والحيوانات والنفوس والارواح والعقول من طينة واحدة كما توهمه البعض فانه على فرض هذا الوهم يمكن التأويل للاية بما قال تأويلا غير صحيح اذ على هذا الفرض يرد على هذا التأويل ان لطيف الشيء لا يساويه كثيفه ولا يكون الكثيف منه لطيفه الا بقلب طبيعته واما على القول الحق من ان طينة العقول لا يكون لشيء من الاجسام فيها نصيب فلا يصح ان يكون النفس مادية ولا عقلية بل كما قال تعالى وما منا الا له مقام معلوم ولا تكون البشرية التي ساوى فيها الناس صلى الله عليه واله هي التي كانت محلا للنبوة والوحي فان محل التعظيم ورفع الشأن منه لا يساويه فيه احد روي في بصائر الدرجات بسنده الى محمد بن مروان عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا وخلق ارواح شيعتنا من ابداننا وابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا الانبياء والمرسلين فلذلك صرنا نحن وهم الناس وصار النار همجا في النار والى النار ه‍ والاحاديث في كون طينتهم عليهم السلام لا يشاركهم فيها غيرهم وفي كون الوجودات الحادثة مراتب بعضها شعاع من بعض وان كل مرتبة لا تخرج عن طور نوعها كثيرة جدا ومن نظر في ايات الله سبحانه وامثاله التي ضربها لعباده في الافاق وفي انفسهم ظهر ان الحق ما دلت عليه الاحاديث بحيث يشاهد ذلك رأي العين وانما خفي الحق مع ظهوره ووضوحه عن الاكثر لانهم ما اتوا البيوت من ابوابها وذلك لان الله سبحانه امرهم بالاقتداء بهداة وضعهم لهم والاخذ عنهم والرد اليهم واقتدوا بغيرهم واخذوا عنهم فعدل بهم عن الطريق وهم لا يعلمون انظر الى المصنف وقوله فالمماثلة بين نفس النبي صلى الله عليه واله وسائر النفوس من البشرية يعني ان اصل نفسه الشريفة صلى الله عليه واله ونفوس العلوج والاعراب سواء في الطينة وانما فضلت نفسه نفوسهم بالوحي ولا يتدبر قول الله الله اعلم حيث يجعل رسالته وكأنه ماسمع الاحاديث المتواترة معنى انهم عليهم السلام يتكلمون في بطون امهاتهم وان فاطمة عليها السلام تعلم امها خديجة احكام عباداتها وما تحتاج اليه وكان الامام من آل‌محمد صلى الله على محمد واله اذا خرج من بطن امه وضع يديه على الارض وسجد لله سبحانه واذا رفع رأسه قال له ابوه يا بني اقرأ فيقرأ الصحف والتورية والزبور والانجيل والقرءان ولو اذن له ابوه لاخبر بما كان وما يكون الى يوم القيمة وفي خطبة يوم الغدير والجمعة لعلي عليه السلام كما رواه الشيخ في المصباح قال عليه السلام واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الامم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يخالل من يلحقه التظنين وامر بالصلوة عليه مزيدا في تكرمته وطريقا للداعي الى اجابته فصلي الله عليه وكرم وشرف وعظم مزيدا لا يلحقه التنفيد ولا ينقطع على التأبيد الخطبة فبالله عليك تأمل كلامه ووصفه عليه السلام لهذا النبي السيد الاكبر مثل قوله استخلصه في القدم على سائر الامم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس ومثل قوله فهو اهل ذلك بخاصته وخلته ومثل قوله اذ لا يختص من يشوبه التغيير الخ فهل مثل هذا صلى الله عليه واله تكون نفسه من نوع نفوس العلوج والاكراد والبوادي الذين هم اجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه واله فاذا فهمت ما ذكره عليه السلام وما اشرنا اليه ظهر لك من غير احتمال مناف ولا شبهة انه صلى الله عليه واله انما بلغ ما بلغ بالوحي لكون نفسه الشريفة من الملكوت الاعلى خلقها الله سبحانه من طينة مكنونة عنده لم يشاركه فيها احد الا اهل بيته الطاهرون عليهم السلام واليه الاشارة بقوله وانك لعلى خلق عظيم وقوله وسراجا منيرا وفي الحديث اشارة بينة لاهل الاشارة في قوله عليه السلام لا يصعد الى السماء الا ما نزل منها اذ كل شيء لا يتجاوز ما بدئ منه وقال جبريل عليه السلام لو تقدمت انملة لاحترقت وفي قول امير المؤمنين عليه السلام المتقدم في حديث الاعرابي في الانفس قال عليه السلام في النفس النباتية والحيوانية الحسية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة وفي النفس الناطقة قال عليه السلام فاذا فارقت عادت الى ما منه بديـٔت عود مجاورة لا عود ممازجة ه‍ لانها خرجت من مبدئها متميزة متشخصة فتعود اليه كذلك بخلاف النباتية والحيوانية الحسية ولو كانت مثلهما لكانت مثلهما اذا عادت الى ما منه بدئت انعدمت صورتها وبطل فعلها ووجودها واضمحل تركيبها فاين الثريا واين الثرى ولو كانتا اصلا لها لكانت مثلهما

وقوله { لقوله صلى الله عليه واله لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ه‍ } هذا مما لا كلام فيه ولكنه لا شاهد له فيه وهذا الوقت هو حالتهم عليهم السلام في المقامات التي اشار اليها الصادق عليه السلام في قوله لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن ه‍ وفي رواية الا انه هو ونحن نحن وهذه حالة كونهم محال مشيته والسن ارادته وتلك مثل الحديدة المحمية بالنار فانها حينئذ هي النار من حيث الحرارة والاحراق والنار هي ومن حيث الذات النار النار والحديدة الحديدة وقوله صلى الله عليه واله لا يسعني فيه لانه ح باب الله الى جميع خلقه ولا يكون احد بعده وبعد اهل بيته يقوم مقامهم لان من سواهم لا يحتمل ان يكون واسطة بين الله عز وجل وبين خلقه اجمعين والى هذا المعنى اشار تعالى في قوله ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ه‍ اذ غير عبده المؤمن صلى الله عليه واله لا يسع جميع مرادات الله في خلقه وان وسع البعض

قال :

اقول ان النفوس الخارجة من القوة الى الفعل بان تكون عقلا بالفعل ان اراد به حصولها في عالم الاكوان فانه لم يكن ولا يكون على جهة الاقتضاء والتبيين الا ان يشاء الله فانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وان اراد حصولها في عالم الامكان فجميع النفوس كذلك وان كانت مختلفة في انفسها من قلة الوسائط وكثرها والمصنف بناء على كلامه المتقدم اراد هنا ان بعض النفوس تكمل فتكون عقلا بالفعل كما في المعصومين من الانبياء والمرسلين والائمة الطاهرين عليهم السلام الا انها بالنسبة الى باقي النفوس قليلة جدا واكثر النفوس ناقصة لم تكمل ولا يلزم من عدم كمالها بطلانها بعد الموت بل لها كون بعد الموت وقبل يوم القيمة في نعيم او عذاب اليم ونقل عن اسكندر الافروديسي ان النفوس تبطل بعد الموت قال ومبني ظنه على ان العالم عالمان عالم الاجسام المادية وعالم العقول والنفوس الناقصة ليست من واحد منهما فيجري عليها حكمه فاذا لم تكن من عالم العقول عالم البقاء ولا من عالم الاجسام عالم الفناء كانت باطلة فرد عليه المصنف بانه ليس كذلك بل ان في الوجود عالما آخر ثالثا متوسطا بينهما حيوانيا محسوس الذات وهو عالم برزخي لا كهذا العالم لا يدرك بهذه الحواس الداثرة بل بحواس حقيقية وهذا بناء على مذهبه كما تقدم ان للنفس حواس ملكوتية وانها تدرك بها الملموسات والمذوقات والمشمومات والمسموعات والمبصرات بصورة ملكوتية مماثلة لهذه المدركات وقد تقدم الكلام على كلامه ويريد ان هذه النفوس الناقصة تحشر الى ربها في البرزخ كل بعمله لان هذا العالم منقسم الى جنة محسوسة فيها نعيم السعداء من اكل وشرب ونكاح وشهوة ووقاع وكل ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين والى نار محسوسة فيها عذاب الاشقياء من حميم وزقوم وحيات وعقارب وقوله في هذه الجنة وهذه النار انها محسوسة تشعر بان جنة الاخرة ونارها معقولتان فان اراد ذلك فقد قال بغير قول المسلمين وان اراد بمحسوسة انها في الاجسام المادية كما يوهمه ظاهر الاخبار ان الجنة عند مغرب الشمس والنار عند مطلعها فهو كلام قشري وانما هما في الاقليم الثامن والجنة عند مغرب الشمس ويكون الليل والنهار فيها كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا والنار عند مطلع الشمس ويكون فيها الليل والنهار كما قال تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا لما علم ان الاخرة ليس فيها غدو ولا عشي لا في الجنة ولا في النار

وقوله { ونكاح } قد اختلف العلماء في جنة الدنيا هل فيها نكاح ام لا والحق ان فيها نكاحا فان ابانا ادم عليه السلام تزوج امنا حواء عليها السلام في هذه الجنة ولانها هي الجنتان المدهامتان كما تفيده الاخبار وقد ذكرها سبحانه وقال حور مقصورات في الخيام لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان وهذا الاقليم اعني الثامن الذي فيه جنة الدنيا ونارها اسفله على محدب محدد الجهات رتبة فافهم ثم اعلم ان النفوس الناقصة على ثلاثة اقسام : قسم من محض الايمان محضا وهؤلاء بعد الموت تأوي ارواحهم الى الجنة التي في المغرب اعني المدهامتان واذا كان فجر يوم الجمعة والاعياد صاح بهم الملك وركبوا نجائب من نور عليها قباب الزبرجد فيأتون وادي السلام بظهر الكوفة ويكونون هناك الى الزوال ثم يستأذنون الملك في زيارة اهاليهم وحفرهم فيأذن لهم فاذا كان وقت العصر صاح بهم الملك فيركبون نجائبهم فيطيرون بين السماء والارض الى غرفات الجنان وقسم من محض الكفر او النفاق محضا وهؤلاء بعد الموت تأوي ارواحهم الى النار التي عند مطلع الشمس فاذا كان وقت غروب الشمس حشرت ارواحهم الى برهوت في حضرموت واما اجسامهم فمن محض الايمان يخد له خد من الجنة الى قبره يدخل عليه منها الروح الى يوم القيمة ومن محض الكفر والنفاق محضا يخد له خد من النار الى قبره يدخل عليه منها الشرر والدخان الى يوم القيمة وقسم ليس له محض في شيء فهؤلاء تكون ارواحهم مع اجسادهم في قبورهم وليس لهؤلاء برزخ وانما ينامون في قبورهم الى نفخ الصور ويمكن ان يحمل كلام اسكندر الافروديسي على نفوس اهل القسم الثالث فانهم اذا ماتوا بطلت نفوسهم بالنسبة الى حكم البرزخ وهو حمل بعيد لان نفوسهم لاتبطل وانما هي متميزة في قبورهم ولو اراد بها النفوس الحيوانية الحسية الفلكية صح الحمل لانها هي التي تعود بعد الموت الى ما منه بدئت عود ممازجة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها فاذا كان يوم القيمة حشرت الى ربها فحاسبها باعمالها فاما الى الجنة واما الى النار

تنبيه وتذكرة - اعلم ان الجنان الثمان وحظائرها السبع والنيران السبع وحظائرها السبع كلها من الامور المحسوسة وكلها في الزمان وكلها حيوة وكلها عاقلة وكلها عقلية وكلها دهرية وكلها جسمانية بمعنى ان كل ما فيها فيه صفات الاجسام وافعالها ومدد الزمان وتجدده وصفات النفوس وافعالها وصفات العقول وافعالها وامتداد الدهر وثباته فتدرك الاجسام في الجنة ما تدركه العقول وتدرك العقول ما تدركه الاجسام هذا مجمل الوصف ويأتي انشاء الله تعالى له تفصيل

قال :

اقول يعني به انه لو لم يوجد عالم البرزخ في الكون لكان ما ذكره اسكندر الافروديسي حقا لا مدفع له لان النفوس الناقصة فوق عالم الاجسام فاذا فارقت لم تنته الى عالم الاجسام وهي تحت عالم العقول فاذا فارقت لم تصل اليها فتبطل اذ ليس لها مأوى واما اذا ثبت عالم البرزخ فانها اذا فارقت عادت اليه لانها برزخية فلا يتطرق عليها ابطال فعلى قوله لو فرض عدم عالم البرزخ يلزم تكذيب الشرائع والكتب الالهية فانها ناصة على بعث جميع النفوس الناقصة وغيرها بل سائر نفوس الحيوانات وعبارة المصنف هنا ليست منسبكة بل الاولى ان يقول ان ما ذكره الاسكندر ليس حقا لمخالفته لسائر الشرائع والكتب الالهية ولوجود عالم البرزخ الذي مرجعا لها

وقوله { وشيخ الفلاسفة ابو علي يعني ابن ‌سيناء نقل ما ذهب اليه الاسكندر وما قدر على دفعه } يشير الى ان دفعه يكون باثبات عالم البرزخ لكنه لم يهتد الى رد كلامه بان النفوس الناقصة الهيولانية منفسحة بعد الموت وابن ‌سيناء اتجه عنده كلامه بان هذه النفوس ارتفعت عن الاجسام وانحطت عن العقول فلو لم نقل بانفساحها وبطلانها لزمنا كون متحيز ذي وضع لا في حيز ولا ذا تعلق والمصنف رده باثبات متعلقها وحيزها وهو عالم البرزخ

وقوله { وعلى رواية ثامسطيوس انها باقية } بعد الموت لانها ليست من نوع الطبائع الداثرة واستشكل هذا المصنف بناء على ضوابطهم من ان القول ببقائها مع عدم كمالها في ظرفي السعادة والشقاوة يلزم منه التعطيل لانها اذا كانت بعد الموت باقية ولم ترسخ فيها رذيلة نفسانية تعذبها وتخرج بذلك عن حكم التعطيل ولم ترسخ فيها فضيلة عقلية تلذذها وتتنعم بلوازمها ولم‌ نجوز تعطيلها من الفعل والانفعال كما هو شأن سائر الكائنات ثبت الاشكال على قواعدهم من ان انواع النعيم منحصرة في اكتساب الكمالات والفضائل النفسانية وانواع التألمات منحصرة في اكتساب النقائص والرذائل النفسانية فاجاب بعضهم عن الاشكال الوارد على كلام ثامسطيوس جريا على طريقتهم فقال ان عناية الله تعالى بصنائعه واسعة فاذا قيل ببقائها تبعا للشرائع والكتب الالهية جاز في العناية العامة ان يجعل لها سعادة وهمية ضعيفة من جنس ما يتصور من الاوليات كقول القائل الكل اعظم من الجزء لان هذه هي رتبة هذه النفوس الناقصة اذ لم تنتقل عن طبعانيتها باكتساب خير او شر ولاجل عدم انتقالها عن طور اول نشأتها قيل في نفوس الاطفال الذين هم كاصحاب النفوس الناقصة نفوس الاطفال بين الجنة والنار اي لم ترسخ فيهم فضيلة يكونون بها في الجنة ولم تهملهم العناية الى تخلية يكونون بها في النار قال المصنف هذا ما قاله الشيخ من ان العناية الواسعة لم تهملهم من سعادة وهمية كجاهل يفرض ويتوهم انه عالم ويفرض ما يترتب على العلم وخامل يتوهم انه ملك ويفرض ما يترتب على السلطنة وكفقير يفرض انه غني ويتوهم ما يترتب على الغني فانه يتلذذ ويتنعم بذلك التوهم والتخيل او بحصول علم بالاوليات كمعرفة ان الكل اعظم من الجزء فبهذه الامور وامثالها يتخلص من لزوم التعطل من الفعل والانفعال ثم توقف المصنف في ظاهر كلام الشيخ في قوله اي سعادة تكون في ادراك العمومات الاولية هذا ظاهر علمهم وباطنه واما المستفاد من كلام الائمة الاطهار عليهم السلام فهو ان المخلوق انما هو مخلوق بالتكليف وللتكليف فعلة الايجاد التكليف ومقومات التكليف القبول فلولا القبول لما يؤمر به او لمخالفته لم يكلف ولو لم يكلف لم يوجد وقبوله على حسب استعداد كونه فمن قبل ما امر به اقيم في احسن تقويم ومن لم يقبل ما امر به رد اسفل سافلين ومن قصر عن الغايتين كأن خلط عملا صالحا واخر سيئا وكالمرجين لامر الله وكالبله والاطفال والشيوخ الذين ضعفت مشاعرهم والمجانين الذين لم يدركوا رتبة التكليف مكلفين تكون ارواحهم بعد الموت في قبورهم مع اجسادهم فهم كحال النائم الذي لا يجري عليه في نومه الحلم لم تبطل نفوسهم وليس لها برزخ لا في نعيم ولا عذاب كما توهمه المصنف وانما هي جامدة في قبورهم مع اجسامهم الى يوم النشور فاذا نفخ في الصور خرجت نفوسهم باجسادها وقد زالت عنها الاعراض المانعة لها من البلوغ الى ما خلقت له بان اكلت الارض ما فيها من الاعراض ورجعت الى حالتها حين التكليف الاول في عالم الذر فانهم حينئذ لا مانع لهم وانما المانع لهم عرض لهم في هذه النشأة الدنياوية ولهذا قال تعالى لاوليائه وملائكته اشهدوا قالوا شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية الاية فانه تعالى اشهد عليهم في حالة صحوهم واجابتهم عن اختيار وشعور فلما نزلوا في هذه الدار لحقتهم اعراض الاغيار وغفلوا عما عاهدوا عليه الملك الجبار فاخر السؤال الى ظهور الحال فبقوا في قبورهم في الارض الى ان اكلت ما فيهم فاذا قاموا يوم البعث قاموا كما خلقوا لا مانع لهم كما قال تعالى ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة وقال كما بدأكم تعودون فليس جواب اسكندر في اثبات العالم البرزخي بل الجواب الحقيقي انه لا يوجد شيء مسلوب الاتصاف بل كل شيء عامل بعمله لا فرق بين النفوس الكاملة وبين الناقصة ولا بين العقول والاجسام ولا بين الحيوانات والجمادات وان من شيء الا يسبح بحمده فما من شيء الا ويبلغ ما خلق له والنفوس الانسانية فوق النفوس الفلكية الحيوانية الحسية والحيوانية الحسية فوق الاجسام فللنفوس الانسانية الناقصة مأوى تلحق به وتجاور النفوس الكاملة والحسية تبطل بعد الموت ويضمحل تركيبها وتعود يوم القيمة ثم الى ربهم يحشرون والمراد ببطلانها امتزاجها باصلها الذي منه بدئت لا فناؤها واما الانسانية فلا تبطل لانها لا تمتزج باصلها وانما تبقى في قبرها متميزة متشخصة وانما لم تلحق باحدي الدارين دار السعادة او الشقاوة لانها لم تستوف مدة تكليفها فانتظر بها مدة التيقظ والانتباه لئلا يقولوا يا ربنا لولااخرتنا الى اجل قريب نجب دعوتك ولما غلبت على مشاعرهم الاعراض لم يفهموا وماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون فانتظر بهم حتى صفت مشاعرهم فجدد لهم التكليف والحساب يوم الحساب فلحقت كل نسمة بما منه خلقت وليست سعادة الناقصة وشقاوتها وهمية بل حقيقية وان كانت تابعة للكاملة لان السعادة والشقاوة فرع على التكليف وتسبيح كل شيء بحمده شاهد بحقيقة التكليف كيف وقد صرح به تعالى في حق الجمادات فقال تعالى فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين وطائعين جمع مذكر سالم لا يستعمل الا للعقلاء لانه سبحانه جعل في الجمادات من العقول مناط تكليفهم بنسبة حالهم كما جعل في الانسان كذلك فكل شيء من حيوان وجماد بلغ ما خلق له والا لكان لهم الحجة على الله فسعادة كل شيء وشقاوته على الحقيقة بنسبة مقامه من الكون فالقول ببطلان شيء من النفوس الانسانية باطل والقول ببطلان النفوس الحيوانية الحسية بعد الموت بمعنى امتزاجها كما قال امير المؤمنين عليه السلام وتعود يوم القيمة وببطلان النفوس الانسانية بين النفختين بمعنى تفككها وتعود يوم القيمة حق كما قال الصادق عليه السلام والسلام على من اتبع الهدى واما كون نفوس الاطفال بين الجنة والنار فذلك حال تجديد التكليف لهم وسؤالهم لانهم لا يسألون في قبورهم اذ لا برزخ لهم فيوقفون بين الجنة والنار بمعنى تكليفهم بعرضهم على القيام بامر الله بان يأمرهم بالدخول في نار الفلق بعد البيان فمن اطاع الله سبحانه ودخلها كانت عليه بردا وسلاما واخرج منها وادخل الجنة ومن عصي التقطته وبمعنى انهم على احدى الحالين اما دخول الجنة او دخول النار اذ لم يتبين حالهم في ذلك الموقف الا بعد التكليف بدخول الفلق فهم بين ان يطيعوا فيدخلوا الجنة وبين ان يعصوا فيدخلوا النار

قال :

اقول ذكر هنا بعض اقوال الفلاسفة المبنية عندهم على قواعدهم النظرية المخالفة للشرائع الالهية وهو انهم بنوا مذاهبهم في النعيم الاخروي انه هو التلذذ بالعلوم النظرية والا طريق الى تحصيل النعيم الاخروي الا معرفة ما قرروا من الحكمة وتوصيف الحقائق مثل معرفة قوس السحاب والهالة وما حقيقة ذلك واين هو موجود في بصر الناظر او في الغيم الرقيق مع اشراق اشعة المنير عليه وما حقيقة تلك الالوان وما العلة في ترتيبها واستدارتها ومعرفة استضاءة النار واين هي من السراج وما المنير منه وامثال ذلك وكأني بكثير منهم ربما لا يصلي ولا يصوم ولا يفعل مقتضى الشرائع السماوية ويعتقد ان النجاة فيما يقرره بتخمينه وظنونه ولهذا قالوا النفوس العامية هي التي لم تكتسب شوقا الى العلوم النظرية ولم يكشفوا عن حقيقة معادها لانهم ما عرفوا حكمها من جهة انهم وجدوها ليس لها درجة الترقي الى مراتب العقول لانهم لا تعرف البحث في تلك المسائل النظرية وثبت عندهم بما قرره اهل الشرائع عليهم السلام من بطلان التناسخ ولم يقدروا على القول بنفيها وعدمها اصلا لما قرروه من ان الفساد انما يتطرق على هذا العالم المتغير المتبدل واما ما ثبت ارتفاع رتبته عن المواد الطبيعية فلا يمكن الحكم عليه بالفساد لانه عندهم ثبات بات فوقف الاكثر عن الكلام في احوال تلك النفوس بعد الموت اذا فارقت اجسادها وما يكون حالها قبل القيامة الكبري وقوف حيرة ومن جسر وتكلم قال بما تسمع مما نقله المصنف عنهم مما يشهد عليهم انهم جهلاء لا حكماء فان الحكيم اما ان يقطع بالشيء عن الدليل القطعي الخاص لا الدليل التفريعي فانه تخميني مبني على تخميني واما ان يرجع الى اهل الشرع عليهم السلام فينقل عنهم بعد ما ثبت عنده انهم ينطقون عن الوحي الالهي او يسكت كما سكت من قبله ولكن الباب الذي دخل عليهم منه هذا وامثاله اسقاط اعتبار العمل بالشرائع الالهية في تحصيل السعادة الاخروية وعدم اعتقاد انحصار الحق فيما اتت به الشرائع فلذا كانوا صما وبكما في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم فمن القائلين من لما لم يجد ملجأ الى القول بالتناسخ ولا الى القول بالتعطيل والفناء قال ان نفوس الصلحاء والزهاد لعدم ارتقائهم الى درجة العلوم النظرية ولعدم انهماكهم في الشهوات الدنياوية لم تصل نفوسهم الى مراتب العقول لجهلهم بالعلوم ولم تنحط نفوسهم الى حضيض التراب مع اجسادها في القبور لتجافي نفوسهم عن بعض الامور الدنياوية في الجملة وحيث كانت نفوسهم لها تخيل ما وجب ان يكون لها تعلق بشيء مناسب لمرتبة تخيلها فتنصرف الى جهة الهواء فتتعلق بجرم مركب من بخار ودخان يكون موضوعا لتخيلاتهم فتحصل لهم بعد مفارقة الارواح للاجساد سعادة وهمية لان حظ تلك النفوس من العلوم النظرية صورة وهمية وكذلك تحصل في ذلك الجرم الدخاني لبعض الاشقياء شقاوة وهمية لتخيل بعض الصور التي هي من صور الجهل فيه لانه اي ذلك الجرم البخاري الدخاني بين السماء الدنيا وبين الكرة البخارية اذ لا يتجاوز ذلك مبلغ علم الفريقين عوام الصلحاء وعوام الاشقياء ومنهم طائفة اخرى نفوا هذا القول في الجرم الدخاني وصوبوه في الجرم السماوي لعدم وجود جرم بخاري دخاني غير السماء تكون فيه صور متخيلة تتعلق به كما برهن عليه علماء الهيئة من انه ليس الا كرة البخار والطبقة الزمهريرية والهواء البسيط وكرة النار والسماء نعم سماء الدنيا يصلح لحصول الصور الخيالية فهؤلاء في هذا الرأي كالذين قبلهم في كل ما اعتبره الاولون الا في المتعلق فان هؤلاء منعوا من وجود الجرم البخاري الدخاني وجوزوه في السماء سماء الدنيا واما الشيخ في الشفاء فقد نقل هذا القول الثاني عن بعضهم ووصف من نقل عنه بانه ممن لا يجازف في الكلام حقا وكأنه مائل اليه ومثل الشيخ في استحسان هذا الرأي صاحب التلويحات فانه استحسن تعلق ارواح عوام السعداء بجرم السماء واما الاشقياء من العوام فقال انه ليست لهم قوة الارتقاء الى عالم السماء لان السموات ذوات نفوس نورية واجرام شريفة طاهرة لانها فوق عالم العناصر اذ اجرام الافلاك خلقت من الطبائع لا من العناصر ولا تنحط الى التراب كالنفوس النباتية فاحوجتهم القوة الى التخيل الجرمي وليس بممتنع ان يكون تحت فلك القمر وفوق كرة النار جرم كري غير منحرق بالكرة الاثيرية هو نوع بنفسه اي ليس من الافلاك ولا من العناصر يكون ذلك الجرم الكري موضوعا لتخيلاتهم القبيحة من نيران تلذع وحيات تلسع وعقارب تلدغ وحميم ينصب وزقوم يشرب ثم قال المصنف فهذه اقوال هذه الافاضل وهي عن مسلك حقيقة العرفان ومنهج انوار القرءان بعيدة بمراحل واقول كلامه هذا فيهم صحيح اما انه بعيد عن مسلك حقيقة العرفان فلان حبسهم للنفوس الناقصة في الرجوع الى الاجسام التي هي من عالم الملك والنفوس من عالم الملكوت لا يطابق مسلك اهل العرفان لان النفوس اذا كانت من عالم الملكوت فلا اقل من رجوعها بعد الموت الى ما منه خلقت اي الى الملكوت فان كانت كاملة بالعلم والعمل كانت بنات العقل او اخواته كما اشار اليه سيد العارفين امير المؤمنين عليه السلام وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه‍ وان كانت ناقصة جرى على من محض الايمان محضا حساب القبر ثم تلحق روحه بقول مجمل الى جنة الدنيا وعلى من محض النفاق والكفر محضا حساب القبر ثم تقاد روحه الى نار الدنيا وان كان ممن لم يمحض الايمان ولا النفاق فهو ممن لم يصل اليه البيان وهذا ان كان له عمل صالح خد له خدا من الجنة الى قبره يدخل عليه منه الروح بفتح الراء فاذا كان يوم القيمة حاسبه بعمله فاما الى الجنة واما الى النار وان كان له عمل طالح خد له خدا من النار الى قبره يدخل عليه الدخان والشرر فاذا كان يوم القيمة حاسبه بعمله فاما الى الجنة واما الى النار ولكن على تفصيل يطول ذكره وكذلك يفعل بالبله والمجانين والمستضعفين والاطفال وفي تفسير علي بن ابراهيم في قوله تعالى ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون في الصحيح عن ضريس الكناسي عن ابي‌جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة رسول الله صلى الله عليه واله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم امام ولا يعرفون ولايتكم فقال اما هؤلاء فانهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم تظهر منه عداوة فانه يخد له خدا الى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الى يوم القيمة حتى يلقي الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فاما الى الجنة واما الى النار فهؤلاء من الموقوفين لامر الله قال وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والاطفال واولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم الحديث والفرق بين من محض النفاق محضا كما هو في اشارة آخر هذا الحديث في الناصب وانه يخد له خدا الى النار التي خلقها الله بالمشرق وبين العاصي الذي لم يمحض ان الماحض يخرج بعد الحساب الى النار بالمشرق ويوم القيمة مصيره الى الجحيم ومن لم يمحض لم يخرج من قبره ويوم القيمة اما الى الجنة واما الى النار

وقولهم ان نفسه بعد الموت تلحق بجرم بخاري دخاني تحت فلك القمر او بفلك القمر او بجرم غير منحرق كما توهمه صاحب التلويحات نشأ عن عدم معرفة بما في نفس الامر وعدم اطلاع على طرق الشرائع الالهية فان مدار عدم التعطيل على ثبوت القوابل من المكلفين واعظمها قوابل الاعمال فمن امن وعمل صعدت نفسه الى المكان الذي ذكرت ربها فيه بطاعته واجتناب معصيته وذكرها فيه برحمته وهو درجات متعددة متفاوتة ولكل درجات مما عملوا ومن لم يؤمن ولم يعمل هبطت نفسه الى محل معصيته لله تعالى في المكان الذي ذكرها فيه بسخطه وغضبه وهو مقابل لعليين سافل بنسبة علو عليين فعليون كتاب الابرار وسجين كتاب الفجار فضابطة مسلك العرفان انه اذا جعل نفوس عوام السعداء يتعلق تخيلها بالجرم الفلكي جعل نفوس عوام الاشقياء يتعلق تخيلها بالجرم الارضي وهذا في كل شيء بحسابه مثلا نفوس السعداء الكاملة تتعلق بنفس كتاب الابرار اعني عليين وهو الفلك الثامن المسمى بالكرسي ونفسه اللوح المحفوظ لا يمسه الا المطهرون ومن نزل عن هؤلاء ففي السموات السبع ونفوسها وهي الجنان السبع والتي فوق الكرسي هي الثامنة ولكل درجات مما عملوا ونفوس الاشقياء الكاملة في مراتب الشقاء تتعلق بنفس كتاب الفجار اعني سجين وهو الصخرة التي تحت الملك الحامل للارض السابعة ونفسه الثرى الذي هو تحت الطمطام اعني الظلمة وهي تحت جهنم وهي تحت الريح العقيم وهي تحت البحر وهو تحت الحوت وهي تحت الثور وهو تحت الصخرة سجين ومن نزل عن مقام هؤلاء من الاشقياء ففي الارضين السبع ونفوسها وهي النيران السبع وجعلهم تخيل الشقي في جهة تخيل السعيد بعيد عن حقيقة العرفان وانوار القرءان فان الذي يفيده العرفان والكتاب والسنة ان محل تخيل الخيرات والطاعات في السموات فالخيال الحق في السماء الثالثة اعني فلك الزهرة ومحل تخيل الشرور والمعاصي في الارضين فالخيال الباطل في الارض الثالثة وهي ارض الطبع قالوا لونها اصفر كالزعفران والعلم بالخير خزانته نفس فلك البروج والعلم بالشر خزانته الثرى وهو نفس كتاب الفجار واما النفوس العامية الجاهلة فانها لم يصل اليها البيان من الله لانها كانت مسجونة في سجن الطبيعة قد غطت بصيرتها غشاوات الاعراض وكثافات الجبلات البشرية وارتبطت بها اشباك المواد العنصرية بثقلها وكدوراتها فبقيت مع جسدها مقبورة في لحود الطبائع الى يوم القيمة فمن خلص منها قبل يوم القيمة لحق بامثاله واخر تخلص الاكثر يوم القيمة فيقوم خالصا قد وصل اليه البيان وظهر له البرهان فيحاسب فاما الى الجنة واما الى النار ولا يلزم من هذا التعطل لان التكليف في هذه الدنيا انما هو للتخلص الارادي الحيواني اي الاختياري الانساني فاذا كان الكدورات والكثافات متراكمة بحيث عجزت الارادة الاختيارية الانسانية عن تخليصها دفنت في الارض لتخلصها الارادة الطبيعية الجبلية بمعونة قلة الاغذية البدنية التي هي علة الاغشية النفسانية واكل الارض لما بقي بعد الموت من الرطوبات والمواد والاعراض كما تأكل النحاس الممتزج بالذهب خاصة دون الذهب اذا دفن فيها مدة طويلة فانها تأكل النحاس كله ويبقى الذهب فاذا غسل بالماء وصفي خرج الذهب خاصة كذلك النفوس الناقصة في الابدان الغليظة الكثيفة فجعلها مع ابدانها ابلغ في التخليص وانفي للتعطل لان التكميل لمثل هذه النفوس الناقصة بالدفن مع اجسادها اقوى في التخلص واشمل وان كان بطاعات الله سبحانه واجتناب معاصيه بالارادة الاختيارية الانسانية اعدل واكمل وادل واجل ولكن هذا يكون لمن كان اقرب مزاجا الى الاعتدال ممن لطف حسه وصفا ذهنه ومن كان على خلاف هذا توقف تخلصه على الدفن في الارض فتفهم ما اشرنا اليه

قال :

اقول شرع في بيان خصوص المعاد وكيفية حشر الاجساد فقال اما معاد الارواح وحشرها الى ربها يوم القيمة وسعادة السعداء وشقاوة الاشقياء للجزاء على الاعمال الصالحة الحسنة بالحسني وعلى الاعمال السيئة بالسوءي فمما لا اشكال فيه فقد تطابقت عليه نوازع العقول لان التكليف توجه اليها لما اودع فيها من الحيوة والشعور والتمييز ومعرفة الخير والشر والجيد والردي والتمكين من فعل الطاعات والمعاصي وصلوح كل الاشياء لشؤنها بحيث لا يختلف فيه احد من العقلاء من المتبعين للشرائع فليس بيننا وبين الفلاسفة فيه خلاف قال { وان كان التحقيق فيه فوق ما حصلوه وضبطوه } واما معاد الاجسام فلم يثبت لهم ذلك من طريق العقول لان المعاد انما تعلق بالارواح لانها مكلفة مشعرة مختارة فيصح ثوابها ونعيمها ويصح عقابها وتأليمها لانها حية مميزة مختارة واما الاجسام فانما اثبتوا معادها من جهة الشرع فانه هو المثبت لمعاد الاجسام اذ لم يكن لها شعور ولا تمييز ولا اختيار فلا يتوجه اليها التكليف ولا تنتفع بثواب ولا عقاب فليس في العقول ما يدل على معادها وقد صرح بهذا المعنى المصنف في شواهد الربوبية وهنا اشار الى ذلك بقوله { محشورة يوم القيمة كما وردت به الشريعة الحقة } واقول ان العقل يدل عليه بعين ما يدل على معاد الارواح فان العلة واحدة ومن اطلع على مرءاة الحكماء شاهد ذلك ببصره والمراد بمرءاة الحكماء عمل الصناعة المكتوم اعني عمل الاكسير لانهم وضعوا مرءاة يشاهدون فيه كل شيء من العالم من عين او معنى ففيه اعادة الاجسام وبعثها بنحو اعادة الارواح وبعثها وصورة الاستدلال على ذلك من جهة العقل ان الوجود المادي لكل شيء من العالم فاض من فعل الله سبحانه كافاضة النور من السراج ومعلوم انه حيوة وشعور وتمييز واختيار وكل ما قرب من المبدأ كان اقوى وكل ما بعد كان اضعف في الامور الاربعة كما ان نور السراج متساو في نفس الاضاءة واليبوسة والحرارة وكل ما قرب من السراج كان اقوى في هذه الثلاثة الامور وكل ما بعد كان اضعف فيها حتى يفني النور فتفني الثلاثة جميعا بفنائه والوجود بهذه النسبة في كل شيء كل ما بعد من المبدأ ضعفت الامور الاربعة حتى يفني فتفني جميعا فالحيوة التي في الروح والشعور والتمييز والاختيار بحقيقتها في الجسد وسائر الجمادات الا انها اضعف منها في الروح فالاجسام مكلفة لانها حية مشعرة مميزة مختارة بنسبة كونها من الوجود ولهذا قال تعالى فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين وقال وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقد تقدم لهذا بيان كثير فالارواح نور وجودي ذائب والاجسام نور وجودي جامد والفرق بينهما كالفرق بين الماء والثلج فالدليل الموجب للقول باعادة الارواح بعينه هو الموجب للقول باعادة الاجسام وايضا لذات النائم وآلامه مختص بالروح وان لحق الجسم منها شيء فبالتبعية للروح ولذات اليقظان للروح والجسم معا ولهذا ترى الجائع اذا شبع في المنام لا يشبع جسده ولا يقوم به واذا شبع في اليقظة شبعت الروح والجسد والاعمال في هذه الدنيا التي يثاب عليها او يعاقب كانت بالروح مع الجسد واذا بعث يوم القيمة ليجازي على عمله كان مقتضي العدل ان يكون الثواب والعقاب على طبق منشأهما وسببهما فلو اثيبت الروح خاصة على العمل الذي وقع من الروح والجسد لكان العامل قد نقص من اجره والله سبحانه يقول وما التناهم من عملهم من شيء ويقول اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى والشاهد على هذا ايضا في عمل الصناعة ان الاجساد البالغة التامة في العمل هي مياه جامدة كما قال علي عليه السلام على ما رواه ابن ‌شهر اشوب في مناقبه وابو العباس في كتابه السر المنير في علم التكسير ان عليا عليه السلام سئل وهو يخطب عن الصنعة فقال عليه السلام هي اخت النبوة وعصمة النبوة ان الناس يتكلمون فيها بالظاهر واني لاعلم ظاهرها وباطنها هي والله ما هي الا ماء جامد وهواء راكد ونار حائلة وارض سائلة ه‍ فان الارض السائلة هي من الماء الجامد كذلك الاجساد هي من الارواح وقد ذكرنا قبل هذا ان الاجساد اذا عفنت استحالت دودا ذات ارواح وكقصة عبدالملك بن مروان بن الحكم حين مات وقد تقدمت ولان الاجساد اشياء نزلت من الخزائن الى هذه الدنيا كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فاذا كانت اصلها في خزائن الغيب عنده وانما نزلها بقدر معلوم فاذا كان كل شيء يرجع الى اصله فالاجساد اذا لم ترجع بقيت في الدنيا او فنيت ولم ترجع الى اصلها وهو خلاف مقتضي القاعدة المقررة المتفق عليها عقلا ونقلا فقد دل العقل بنحو ما ذكرنا على اعادة الاجسام واما الدليل النقلي فقد تواتر من الكتاب والسنة واجمع المسلمون وجميع اهل الشرائع الالهية على ذلك والمصنف اورد شيئا من الكتاب بيانا لنوع الدليل فقال كما وردت به الشريعة الحقة كما قال تعالى افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون فاخبر تعالى بانهم يرجعون يعني يوم القيمة ويحتمل في رجعة آل‌محمد صلى الله عليه واله بقرينة قوله وحرام على قرية اهلكناها انهم الينا لا يرجعون فقد دلت الاخبار على ان المراد من الاية ان من اهلكوا في الدنيا بالعذاب لا يرجعون في رجعة اهل البيت عليهم السلام واما يوم القيمة فانهم يعودون بلا شك وقوله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة يعني ان الذي اخترعها لا من شيء يعيدها من طينتها فان هذا عندكم بالطريق الاولى واما عنده تعالى فعلي حد سواء وقوله وهو بكل خلق عليم يعني انه يعلم ما اكلت الارض منهم كما قال جوابا لقولهم ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد فقال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقوله قل كونوا حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم يعني انه يعيدكم على اسهل اعادة سواء كنتم حجارة يصعب في نفوسكم اعادة الحجر انسانا او حديدا الذي هو اصعب عندكم اعادته من اعادة الحجر او خلقا غير الحديد هو اصعب من الحديد وهو ما في صدورهم من الجحود والانكار للاعادة فانه تعالى يجعلها مقرة معترفة بالاعادة بعد الانكار بما اقام من الادلة القاطعة عليهم في انفسهم حتى نقل قلوبهم الى التجويز والاحتمال فسئلوا من المعيد فقال لهم المعيد هو المبدئ فتقرر التجويز في قلوبهم فسئلوا عن وقت الاعادة فقال كما يحتمل ان يكون بعيدا يحتمل ان يكون قريبا فلما انتقلوا الى احتمال القرب درجهم الى ان من ابتدأكم بعد ان لم تكونوا شيئا لم يمتنع منكم احد عن ارادته يعيدكم ملبين لدعوته حامدين له على صنعه وتدبيره وحيث خلق نفوسكم باجابتكم خلقكم وصوركم على الحضور لا على الغيبة فالأن انما استبعدتم البعث لانكم ابناء الوقت فاذا حضر وقت الاعادة واعادكم ظننتم انكم ما لبثتم في القبور وفي الدنيا الا قليلا

قال :

اقول كلامه هذا وهو { ان كل شخص يقوم بصورته لا بمادته وهي عين ماهيته } فيه ان كل شخص انما يقوم بنفس مادته وبمثل صورته هذا ما دلت عليه الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام ونطق به الكتاب لاولي الالباب وشهد له الاعتبار المستفاد من النظر في الافاق وفي انفسهم اما ما في الاخبار والكتاب فمنها ما روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى كل ما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب في احتجاج الطبرسي وعن حفص بن غياث قال شهدت المسجد الحرام وابن ابي ‌العوجاء يسأل ابا عبد الله عليه السلام عن هذه الاية فقال ما ذنب الغير قال ويحك هي هي وهي غيرها قال فمثل لي في ذلك شيئا من امر الدنيا قال نعم ارأيت لو ان رجلا اخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها وفي تفسير علي بن ابراهيم قيل لابي ‌عبد الله عليه السلام كيف تبدل جلودهم غيرها قال ارأيت لو اخذت لبنة فكسرتها ثم صيرتها ترابا ثم ضربتها في القالب اهي التي كانت انما هي ذلك وحدث تغير آخر ه‍ واما الاعتبار فهو الشارح للكتاب والاخبار وذلك ان ركن الشيء الاعظم هو المادة واما الصورة فهي هيئة للمادة في نفس الامر وان كانت هي المشخصة لانها صورة العمل الذي هو صفة المادة فالمعاد هو المادة بصورة عمله الا ترى ان الانسان اذا غلبت عليه صفة الغضب يعاد ذلك الانسان بتلك المادة في صورة سبع لان الصورة وان كانت هي التي بضميمتها تتغير حقائق الاشياء وتكون مادة الانسان الذي غلبت عليه صفة الغضب مادة سبع وبالصور تتغير الحقيقة الواحدة بتغير الصفة فيكون الطين الذي صنع نصفه كلبا ونصفه انسانا اذا ولجتهما الحيوة تكلم الانسان ومادته طاهرة ونبح الكلب ومادته نجسة لكن المعاد للثواب او العقاب المادتان في الصورتين او الصورتان في المادتين ولا شك ان المبعوث للثواب او العقاب هو المادتان في صورتي عملهما لان الصورة في الحقيقة هيئة قبول المادة في كل مقام بنسبته والمواد تتغير بما انصبغت به من العمل والصورة الظاهرة والباطنة هيئة المنصبغ والمبعوث والمثاب والمعاقب هو المنصبغ لا الصبغ الذي هو الصورة ولا يدفع الاعتراض عليه ارادة الحقيقة المتغيرة من الصورة لان تلك هي المادة وتغيرها انما هو بعملها وعملها هو قابليتها وهو صفتها ان الله عز وجل قال سيجزيهم وصفهم وهو عملهم لانه صورة الثواب والعقاب والصورة سواء اريد بها الهندسة والخطوط الظاهرة او المعنوية ام اريد بها الحقيقة المتغيرة هي هيئة المادة خلقت من نفس المادة من حيث نفسها فليست الصورة علة للحقيقة ولا لتغيرها وانما هي معلولة لحال المادة في صلوحها لصفة ما من فعل ربها وبه تكون طيبة ولصفة ما منها اي من نفسها من حيث هي وبه تكون خبيثة فالحق في هذه المسئلة ما يدل عليه لفظ المصنف لا ما يريد منه اذ الحق ان يقوم كل شخص بصورته فان القائم غير الصورة نعم هو يقوم ويخرج بتلك الصورة وليس لك ان تقول انه يريد ان الشخص انما يقوم بطينته وهي الصورة فانه انسان واذا غلبت عليه الشهوة لا يقوم بانسانيته التي هي مادته اولا وانما يقوم بحيوانيته التي تصور بها لانا نقول ان المصنف يقول لا بمادته وانما يقوم بصورته التي هي عين ماهيته والماهية ان اراد بها على المعنى الاول من كون الماهية هي القابلية اي قابلية الوجود للايجاد في الخلق الاول فهي الصورة النوعية كالصورة الخشبية للخشب ولا شك ان الخشب انما يظهر بالخشبية الا انه الظاهر بصفته سواء اردت من الظاهر المادة العنصرية اذ لا تتقوم الصورة النوعية الا بالمادة النوعية ام اردت من الظاهر المركب منهما فانه على كل حال لا بد ان تكون الاحكام المعلقة على الصور المترتبة عليها منوطة بالمواد اولا وبالذات وبالصور ثانيا وبالعرض سواء كانت الصور جنسية ام نوعية ام شخصية وان اراد بالماهية على المعنى الثاني من ان الماهية للشيء هو المركب من مادة وصورة اي من وجود وماهية يعني من حصة من الجنس وحصة من الفصل ومرادي ان الشيء التام الصنع المركب من مادة جوهرية وصورة او من مادة عرضية وصورة هو من حيث هو ماهية وظلمة ومن حيث انه صنع الله او نور الله او اثر فعل الله وجود ونور وقولي صنع الله او نور الله او اثر فعل الله بمعنى واحد وانما هو تغيير العبارة اذ كل ما سوى الذات فمن فعل الله صدر لا من شيء حتى لا يخفى كان قوله لا بمادته لا معنى له اذ الماهية هنا هي مجموع المادة والصورة لان كونه اثر فعل الله لا يدخل في شيء منه لا مادة ولا صورة بل لكل شيء من الخلق اعتباران يسمى احدهما نفسه التي من عرفها عرف ربه وهي كونه اثر فعل الله وهو نور من عرفه عرف ربه ويسمى ثانيهما نفسه التي لا يعرف الله بها وهي كونه هو وهي ظلمة اذا اخرج المؤمن فيها يده لم يكد يراها ففي النفس الاولى لا مادة ولا صورة والا لماعرف ربه من عرفها لانه تعالى لا يعرف بالمادة والصورة وفي النفس الثانية مادة وصورة لا تتحقق في حال من الاحوال في جميع ما سوى الله سبحانه من الذوات والصفات الجواهر والاعراض المعاني والاعيان الا بمادة وصورة فقوله لا بمادته لا معنى له وان اراد انه يقوم بحكم صورته لا بحكم مادته فمسلم في الظاهر او في الحقيقة حكم الصورة من حكم المادة ومعه

وقوله { وتمام حقيقته } صحيح ان الصورة تمام الحقيقة وهي جزء الماهية بالمعنى الثاني ولكن المبعوث هو نفس التمام ام الحقيقة التامة فتدبر

وقوله { ومبدأ فصله الاخير } ان اراد بالاخير المميز النوعي والاول المميز الجنسي ففي ما ذكرنا جوابه مستوفي وان اراد به المميز الشخصي والاول المميز النوعي فاسوء حالا فان كثيرا من العلماء جعل المشخصات الشخصية امورا عقلية اعتبارية لا تحقق لها في الخارج ونحن وان قلنا بوجودها وتحققها خارجا لكنا لا نقول انها جزؤ من الفصل المميز للنوع وانما هي مميزات للاشخاص وهي افراد من الفصل كما ان الاشخاص افراد من النوع مثلا الفصل هو الصورة النوعية وهي مؤلفة من حدود ستة كم وكيف ومكان ووقت وجهة ورتبة مع متمماتها ومقوماتها من وضع واضافة ونسبة واذن واجل وكتاب فكما ان هذه الامور حصص من فصول الاجناس كذلك فصول الاشخاص حصص من فصول الانواع بهذه النسبة فمميز زيد عن عمرو وعمرو عن زيد حصة من كل واحد من هذه الامور التي مجموعها فصل الانسان عن الحيوان الصاهل وهكذا حكم سائر المميزات من الفصول الحقيقية والاضافية صاعدا ونازلا والصورة هي الفصل في كل شيء من الاجناس والانواع والفصول وهذه الامور هي حدود الصورة ومقوماتها وليست مبدء للفصل اذ ليس الفصل شيئا غيرها الا اذا اريد بها خصوص الهيكل الظاهر لكنه ليس عين الماهية وتمام الحقيقة لان ما هو عين الماهية وتمام الحقيقة لا يكون الا المؤلف من الامور الستة ومن الستة المتممات لها مع ما قامت به من المقبول فالذي ينبغي ان يقول فهو هو بصورته مع مادته او يقول فهو هو بصورته ولا يقول لا بمادته فانه اذا لم ينف المادة كان معنى كلامه انه هو بما اتصف به مما غير مادته الاولى الى مادة الصورة القائم بها

وقوله : حتى لو فرض تجرد صورته عن مادته لكان هو بعينه باقيا عند ذلك التجرد يدل على ان مراده ليس المعاد الا الصورة واما المادة فهي لازمة للصورة مقومة لها بمعنى ان المترتب على البعث من الثواب والعقاب جار على حكم الصورة لا على حكم المادة ويوهم كلامه هذا ان كلامنا عليه ليس متجها لانه لم يرد نفي المادة وانما يريد ان المادة الانسانية لا يرجع بها اي على حكمها وانما يرجع على حكم الصورة السبعية فيتجه نفي المادة على هذا المعنى ونحن نريد ان المادة الانسانية لا تلبس السبعية وانما اللابسة لتلك الصورة السبعية هي النفس الصالحة لكل صورة من الشياطين والحيوانات والمسوخ والسباع اعني النفس الامارة وهذه تنقلب مع كل صورة لبستها الى مادة تلك الصورة فمن حشر خنزيرا حشر بصورة الخنزير ومادته لا بمادة الانسان ليقال انه يعاد بصورته لا بمادته والمصنف يريد انه لو فرض قيام الصورة بدون المادة تحققت هوية الشيء وذاته بدون المادة بل بنفس ذلك المتجرد بدون مادته وهذا لا يعقل لان الصورة صفة ولا تعاد الصورة والصفة للثواب والعقاب بدون الموصوف على ان هذا المبعوث على اي فرض ممكن وكل ممكن زوج تركيبي ولا يمكن قيام مصنوع على مقتضى الحكمة ليس بمركب من المادة والصورة ولو فرض صورة لا مادة فيها ظاهرا كالصورة في المرءاة فانها مركبة من مادة هي هيئة صورة المقابل وشعاعها ومن صورة هي هيئة زجاجة المرءاة من كبر وبياض وصفاء واستقامة واضدادها فان قال المبعوث منها نفس صورتها كان المعنى ان المبعوث صفات الزجاجة لا هيئة المقابل لانها هي المادة وان قال المبعوث نفس الصورة وهويتها فهي الصورة والمادة اذ لم يوجد بسيط مستقلا قال الرضا عليه السلام ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه واثبات وجوده ه‍

وقوله { باقيا عند ذلك التجرد } هذا غلط لان الصورة صفة في الحقيقة فكيف يكون الشيء متحققا بتحقق صفته بدونه بحيث يكون اذا فعل زيد فعلا يوجب العقوبة عوقبت صورته التي هي صفة عمله لانها هي التي يحشر فيها واما نفس مادته فلا تعاقب ما هذا الا العجب العجيب والامر الغريب وقد سمعت قول الصادق عليه السلام في قوله بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب انها هي هي وهي غيرها يعني هي هي من حيث مادتها وهي غيرها من حيث صورتها فان الصورة الاولى ذهبت ومادتها اعيدت في صورة كصورتها الاولى انتزعت من علتها فمثل عليه السلام باللبنة فانك اذا كسرتها وصارت ترابا ثم ضربتها في قالبها الذي صورته علة صورتها فانها هي هي من حيث المادة وهي غيرها من حيث الصورة كما تقدم في الحديثين فان فهمت الحديثين حصل لك القطع بان قوله لو فرض تجرد صورته عن مادته الخ غلط ظاهر والا لزم عدم اعادة الاجسام كلها لانها انما تعاد موادها في صور كصورها وان الصور الاولى تفنى وتحشر في صور كصورها يعني لما فنيت الصورة خلق لها صور من علل الصور الاولى مثلها لا انها هي بعينها وهذا بنص الكتاب المجيد حيث قال تعالى بدلناهم جلودا غيرها لان هذه الغيرية تدور على احد امرين اما ان تعاد مواد جلودهم في صور غير الصور الاولية او تعاد الصور بمواد غير موادها الاولى فاختر احدهما لان الله سبحانه اخبر بانها غيرها فلما دل الدليل على عدم الغيرية في الصور والمواد معا لامتناع الظلم وجب ان تكون في المواد او الصور والصادق عليه السلام اخبر عن الله ان الغيرية في الصور واما المواد فهي بعينها تعاد وانت اختر لنفسك اما قول الصادق واما قول الكاذب

وقوله { وانما الحاجة الى المادة لقصور بعض افراد الصور عن التفرد بذاته دون التعلق الوجودي } يريد انه انما احتيج الى المواد مع ان المقصود هو الصور لان بعض الصور قصرت عن حمل بعض ما يلزم المواد كالثقل مثلا المتعلق بالمادة اللازم لها فان الصورة لا تحمله الا مع ارتباطها بالمادة وقصرت ايضا عن حمل امكان وقوع الشيء وعن حمل ما يقرب الشيء باستعداده التمكيني الى فعل صانعه وقبول تأثيره وعن ترجيح وقت حدوثه على سائر الاوقات ومكانه على سائر الامكنة فلما كان بعض الصور يعجز عن حمل هذه وامثالها بدون تعلقها بموادها لم يشترط في اعادتها تجردها عن المواد ولكن لما كانت هي المقصودة قلنا ان البعث لها لا للمواد واقول تغطمطت امواجها وما ادري اي شيء من كلامه هذا اولي بالرد لكن على سبيل الاشارة والاختصار اقول ليس شيء من الصور بممكن من جهة الايجاد على مقتضى الحكمة ان ينفرد عن المادة لان الصور صفات واعراض وقد صرح في سائر كتبه ان الاعراض لا وجود لها اصلا الا وجودها لمعروضها واما لوازم الشخص فمنها الاعمال وما يترتب عليها من الثواب والعقاب وهي من احكام المواد في كل حال واما ترتبها على الصور فمن جهة ان الصور من جملة احوال المواد واحكامها واما وقوع امكانه فمن التمكين الفعلي الذي به التمكن الانفعالي الذي هو نفس الصورة واما تقريبه الى فعل صانعه وجعل جاعله فهو من ترجح نفس امكانه عند تكوينه لانه هو وترجيح وقت الحدوث ومكانه ورتبته وجهته وكمه وكيفه ووضعه ونسبه واضافته والاذن له واجله وكتابه كلها مقومات الصورة واسبابها في كل شيء من المكونات غيبها وشهادتها فكيف يكون المسبب مقوما لسببه وهنا ابحاث شريفة في بيان هذه الامور يطول الكلام بذكرها ولكنا نذكر كثيرا منها متفرقا في هذا الشرح في اماكنه

وقوله { ونسبة المادة الى الصورة نسبة النقص الى التمام } فيه ان هذا انما يلتئم على رأي بعض الاشراقيين الذين يجعلون الوجود عارضا على الماهية في الخارج والمصنف يمنع ذلك والمادة هي الوجود او بمنزلة الوجود والصورة هي الماهية او بمنزلة الماهية وهو يرى ان نسبة الماهية التي هي الصورة او بمنزلة الصورة الى الوجود الذي هو المادة او بمنزلة المادة نسبة النقص الى التمام وقد تقدم وهنا قد عكس من حيث لا يشعر لان المواد هي النازلة من الخزائن والصور من عوارض المراتب في تنزلاته والصور مركبة من هذه العوارض وهي النقائص واما الوجودات فهي في ذواتها هي التمام وما لاحظ من ان بها يتم الشيء مدخول بان الصور انما خلقت من ذات المصور الذي هو المواد فهي متقدمة على الصور بالذات والشيء لا يوجد الا بمادته وصورته لكن المادة تتوقف على الصورة توقف ظهور والصورة تتوقف على المادة توقف تحقق يعني توقفا ركنيا والشيء مع تمامه واجب الحصول غالبا وعادة وبالفعل يعني ان شاء الله ومع نقصه ممكن الحصول بالقوة غالبا وعادة يعني انشاء الله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن

وقوله { ولهذا ذهب بعض الى اتحاد المادة بالصورة وهذا حق عندنا } كلامه هذا مبني على ما يذهب اليه من اتحاد الماهية بالوجود خارجا في حملها عليه وبالعكس ذهنا وقد بسطنا الكلام على هذا في شرح المشاعر واما اتحاد المادة بالصورة ففي مقامين الاول في الخلق الاول بالنسبة الى الخلق الثاني كاتحاد الصورة النوعية بالمادة النوعية في الخشب مثلا فان مادته من العناصر والصورة الخشبية هي صورته النوعية والخشب مركب منهما وهذا مثال الخلق الاول وفي صنع السرير اعني الخلق الثاني مادته الخشب ففي هذا المقام اتحدت مادته العنصرية بصورته النوعية فمادة السرير من الخشب الواحد الذي كان من مادة وصورة والأن هو مادة خاصة والثاني في الخلق الثاني في صنع السرير فانه مركب من المادة من الخشب ومن الصورة المعلومة فالسرير شيء واحد بسيط قد اتحدت فيه المادة بالصورة عند تسميته واستعماله والاشارة اليه فالاتحاد بهذين المعنيين صحيح واما ما لا صورة له فلا مادة له لان تحقق احدهما متوقف على تحقق الاخر وكذلك ما لا مادة له لا صورة له وكل ما سوى المعبود بالحق تعالى فله مادة وصورة حقيقيتان وفعله اي مشيته وفعله واختراعه وابداعه فله مادة وصورة اعتباريتان

قال :

اقول اختلفوا في المميزات للشخص هل هي موجودة ام لا وانما هي امور اعتبارية والاصح انها امور موجودة وعلى الاصح هل هي عوارض ذاتية ام خارجية والاصح من احتمالي الاصح انها ذاتية وانها هيئات مادته وحدود صورته واركانها وهي كم مادته اي قدرها من كثرة او قلة وكيفها ووقتها ومكانها ورتبتها وجهتها ومتممات هذه من الوضع والنسب والاضافة والاذن والاجل والكتاب فهذه ستة وستة تتألف منها الصورة التي هي القابلية التي هي الماهية والشيء يتألف من مادته وصورته المتألفة من هذه الامور الستة والستة فالستة الاولى هي الايام الستة التي خلق الشيء فيها والستة الاخرى متممات كل يوم من الايام الستة والمصنف ذهب الى ان تشخص كل شيء عبارة عن نحو وجوده الخاص اي جهة وجوده يعني بالوجود حصة من الوجود خاصة به ومراده ان تشخص كل شيء من وجوده لا من ماهيته ولا من عوارض ذاتية او خارجية لا فرق في ذلك عنده بين المجرد الذي لا مادة له اصلا كالواجب تعالى وكالمفارقات المحضة كعقل الكل وروح القدس وبين المادي الملكوتي كالنفوس الانسانية والمادي الطبيعي الجسمي فان الواجب تعالى عنده متعين عند نفسه بنحو وجوده والعقل وروح القدس متعينان بنحو وجودهما والنفس والجسم متعينان بنحو وجودهما وترد عليه اشياء فيما ذهب اليه منها ان الواجب تعالى عالم بذاته وعلمه بذاته عين ذاته وليس علمه بذاته بنحو التعين لان ذاته تعالى ليست نحو التعين فلا يصح تعينه بنحو وجوده لان التعين ان اريد منه ما تفهمه الخلق لم يصدق على ذات الله سبحانه لان ما تفهمه الخلق منه هو التمييز والتمييز لا يصح الا مع الاشتباه وليس ثم اشتباه في حال وان اريد منه ما لا تفهمه الخلق لم يحسن التعبير عنه بما يشاركه خلقه فيه ومنها ان المفارقات المحضة كالعقول مثل عقل الكل وروح القدس جعلها مما لا مادة لها وانها ليست مما سوى الله سبحانه كما ذكره في اخر المشاعر وهذا غلط باطل في غلط باطل لاتفاق العقلاء من المسلمين والحكماء على ان اول ما خلق الله العقل وروح القدس لها اطلاقان اطلاق يراد منها عقل الكل اعني هذا المذكور واطلاق يراد منها روح الكل فعلي الاول هي التي اول ما خلق الله سبحانه وعلى الثاني تكون تحت العقل وهي اول تنزلاته حين قال تعالى له ادبر فادبر واذا ثبت انهما حادثان ممكنان دخلا تحت ما اتفق الحكماء عليه وقبله كل من اتى بعدهم وهو ان كل ممكن زوج تركيبي وما لا مادة له ولا صورة كيف يكون زوجا تركيبيا لان المركب انما يتركب من مادة وصورة ومنها ان الشيء اذا تميز من نحو وجوده خاصة كان ما تميز به الجنس كالحيوان هو عين ما تعين وتميز به النوع كالانسان والفرس والحمار وعين ما تميز به الجنس وانواعه عين ما تميزت به افرادها من غير تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان لان التغيير في المميز والتبديل والزيادة والنقصان ان كانت من نفس ذلك النحو فلا شيء غيره وان كانت من غيره لم تكن المشخصات من نحو الوجود وانما هي من خارج فيلزم اما ان تكون مميزات الشيء لا من نحو وجوده بل من نحو ماهيته وصورته في جميع الممكنات لدخولها تحت الاجناس والانواع ولتعدد الاشباه والنظائر فيقتضي تمييز بعضها عن بعض الى امور خارجة عما اتفق بعضها مع بعض فيه والا لم يتحد افراد الحقيقة الواحدة ولو كان تمايزها من حقيقتها الجامعة لها لماتمايزت او لما اتحدت واما الواحد الحق عز وجل فلا تميز له فيه لعدم الشبيه والنظير والمثل والشريك سبحانه وتعالى والمصنف انما دعاه الى هذا القول توهم محافظته للوحدة الحقيقية في صرف الوجود ولو انه لم يقل بصرف الوجود ووحدة الوجود وانه يصدق على الواجب تعالى والممكن بالاشتراك المعنوي لكان اشد له محافظة واصح ولو انه استبصر بقول الله سبحانه سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم وبقول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية واستشهد عليه السلام بالاية المذكورة وبقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا ه‍ لبصره الله تعالى اذا نظر في الافاق مثل السرير انما تميز من الباب والباب من السرير وتشخص كل منهما بما هو نحو وجوده وهو الخشب سواء اراد الخشب الخاص ام العام لان الخشب هو وجوده او بمنزلة وجوده ولان الخاص لم يتخصص بما من ذاته من حيث هو وانما تخصص بما عرض له من المخصصات فان حصة الخشب الخاصة بالسرير انما اختصت به بما لحقها من تقدير صورته ولولا ذلك التقدير لما كانت خاصة به بل تكون صالحة للباب وغيره واما ما ذكرنا من ان المادة وجود موصوفي والصورة وجود صفتي فلا يلزم منه تصحيح قوله ان تشخص الشيء عبارة عن نحو وجوده فان المشخصات عندنا وجود صفتي فقد كان تشخصه نحو وجوده لانه مايريد الا انها صفة للوجود الخاص ذاتية اي انها من وجوده من حيث انه نور لا من حيث انه هو فتنطبق ارادته على ظاهر كلامه واما نحن فنريد بالصورة الماهية وحدود الصورة هي مقومات الماهية والماهية هي قابلية الوجود والمادة للايجاد وهي شرط لتحقق الوجود وظهوره وهي شرائط خارجة عن الوجود الموصوفي الذي نسميه نحن بالمادة وانما هي من الوجود الصفتي الذي نسميه نحن بالصورة وقد ذكرنا هذه الشرائط وهي الستة والستة ولكنها تكون جزء ماهية الشيء بالمعنى الثاني وكل الماهية بالاول

وقوله { واما المسمى بالعوارض المشخصة فهي من امارات وجود الشخص ولوازمه لا من مقوماته } فكالاول فانهم يسمونها بالعوارض المشخصة باتفاقهم لانها هي مقوماته كما هو المتحقق الثابت فان هيئة السرير وصورته هي المقومة لماهيته اذ بدونها لا سرير وانما هو خشب وليست المادة بنفسها متقومة بدون الصورة وكونها من لوازم وجود الشخص غير مناف لما قلنا لان الشروط والقابلية والصورة لا تتقوم بنفسها بلا اشكال لانها اعراض وصفات ولا توجد بدون معروضاتها وموصوفاتها التي هي المشروطات والمقبولات والمصورات الا ان الشروط المشخصة تتوقف على المشخصات بفتح الخاء توقف تحقق وتتوقف المشخصات بفتح الخاء على المشخصات بكسر الخاء توقف ظهور وكذا كونها من امارات وجود الشخص

وقوله { ويجوز تبدلها شخصا الى شخص او صنفا الى صنف مع بقاء هذا الشخص بهويته العينية } كالكلام الاول في الغلط فيا سبحان الله كيف حال حكمة هذا الرجل الفاضل مايكاد الناظر يجد في كلامه كلمة صحيحة كيف يجوز تبدل صورة سريرك الى سريرنا مع بقاء سريرك بهويته اما التبدل فقد ذكر الله سبحانه ما يدل على بطلانه كما تقدم في قوله بدلناهم جلودا غيرها بعد ما ثبت ان المعادة هي الاولى بمادتها وقال تعالى انها غيرها وليست غيرها الا في الصورة كما مثل الصادق عليه السلام لذلك باللبنة تكسرها وتصوغها في قالبها فكيف تتبدل صورة سريرك الى سريرنا وانما يعمل لسريرنا صورة مثل صورة سريرك لا انها تنتقل ثم اذا زالت صورة سريرك كيف يبقى سريرك بهويته العينية لانه ان اراد انه تبقى مادته يعني الخشب فصحيح ولكن لم تبق هويته العينية اذ لو بقيت بعد زوال الصورة لبقي السرير ولماصلح للباب مع انه حينئذ يصلح للباب وغيره فلا تتبدل المشخصات من شيء الى شيء بل اذا زالت لم تعد ابدا وانما يعود مثلها اليه او الي غيره وهنا اشكال حله والجواب عنه خفي على اكثر الاذهان وقد اشرنا اليه فيما مضى وفي هذا الشرح مفرقا ووجه الاشكال ان النبي يوشع عليه السلام وهو في قتال الجبارين غربت الشمس قبل ان يصلي ودعا الله سبحانه فردت له الشمس فصلي اداء وعلي بن ابي‌ طالب عليه السلام كان في بابل ولم يصل فيها لانها ارض خسف حتى غربت الشمس فدعا الله سبحانه فردت عليه الشمس فصلي اداء ويوم كان رأس رسول الله صلى الله عليه واله في حجره في مرضه الذي توفي فيه ونام ورأسه في حجر علي عليه السلام وكره ان يوقظه من نومه ولم يصل ولم ينتبه حتى غربت الشمس فدعا الله سبحانه فردت له الشمس فصلى اداء مع ان الوقت مضى وهو عبارة عن المدة ولا شك انها مضت فمقتضى هذا ان تكون الصلوة قضاء ولكنهما صليا اداء وكذلك ما روى الجمهور في قصة سليمن عليه السلام حتى توارت بالحجاب ولو كان المطلوب الصلوة قضاء لماسألوا الله اعادة الشمس اذ لا فائدة في الاعادة الا الصلوة اداء ودعوى ان الفائدة اظهار الفضيلة باطلة وايضا وردت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام ان الله عز وجل يحشر يوم القيمة الايام والليالي والشهور والسنين وبقاع الارض والالوان والاعراض والحركات فتشهد للعاملين بالاداء وعلى التاركين بتركهم فاذا ثبت هذا صح قول المصنف من اعادة الصور والجواب ان الصادق عليه السلام قد اشار الى ما فيه الجواب على الحقيقة في الحديثين السابقين وهو قوله في اللبنة اذا كسرتها وكانت ترابا ثم وضعتها في قالبها فانها هي هي وهي غيرها بمعنى ان مادتها هي الاولى وبصورتها غيرها لان صورتها الاولى انما هي اثر القالب فتتقدر المادة باثر القالب في الصورة الاولى فاذا كسرت ذهبت الصورة التي هي اثر القالب فاذا وضعت تلك المادة في ذلك القالب تقدرت باثره كالتقدر الاول بتقدير القالب وحيث ثبت ان كل شيء ممكن جوهر او عرض كل او جزء كلي او جزئي زوج تركيبي اي مركب من مادة وصورة ثبت ان الايام والليالي والشهور والسنين والمدد والامكنة والاعراض من الحركات والاصوات والالوان وغير ذلك كلها مركبة من مادة وصورة كل شيء منها فاذا اعيد اعيدت مادته وصورة قالبه التي كانت الاولى اشراقا من هيئة القالب والثانية اشراق ثان فكما انك تقول لنور الشمس الذي اشرق على الجدار في وقتين انه واحد باعتبار عدم المغايرة وعدم الاختلاف وعدم تغير مادته في الوقتين وتقول انه اثنان باعتبار ان الممكن الباقي يحتاج في بقائه الى مدد جديد كما قال تعالى بل هم في لبس من خلق جديد وان كان انما يمد بما منه او له لكنه جديد قال عليه السلام لو لم‌نزد لنفد ما عندنا فافهم وقد ذكرنا في الفوائد وفي شرحها بيانا لما ذكرنا هنا فاطلبه من موضعه وبالجملة يظهر لمن يعقل ما قلنا ان المبعوث هو المادة وانها هي الشيء مع الصورة وان الصورة حدود مميزة للمواد وقبولها للصور هي انفعالها بها كالصورة النباتية فانها تنفعل المادة بها فتكون المادة بها من نوع الشجر ومزاجها اي المادة ماء اختلط به نبات الارض لان المزاج من ترجمة الصورة وترجمة كل مزاج من عبارة صورته والصورة الحيوانية تنفعل بها المادة فتكون المادة بها من نوع الحيوان ومزاجها اي المادة التي انفعلت بصورة الحيوان دم لانه الحامل للابخرة التي تتعلق بها النفس الحيوانية الحسية فهوية الشخص العينية هي مادته المنفعلة المتلونة بصورته فان زالت المادة ذهبت صورته اصلا لانها ظل المادة وان زالت الصورة ذهب اختصاص المادة الذي هو تقييد الصلوح فاذا اطلقت المادة من قيد الصورة ظهر الصلوح الهيولاني لقبول صورة ذلك الشخص وغيره

وقوله { كما يشاهد من تبدل اوضاع زيد وكمياته وكيفياته وايونه واوقاته وزيد زيد بعينه } اعلم ان اوضاع زيد اذا اريد بها القسم الثالث تغيرت اسماء صفاته وهو ترتيب اجزائه بالنسبة الى الامور الخارجة مثل اذا استقامت فقرات ظهره وانتصبت وكان رأسه مما يلي السماء سمي قائما اما لو لم يكن رأسه مما يلي جهة السماء كالمضطجع لم يسم قائما فتغير هذا القسم من الوضع انما تبدلت الامور الخارجة وذلك لا تغير نفس الشخص وكذلك القسم الاول من الوضع وهو التحيز الظاهري اذا نسب الى زيد اما اذا نسب الى الجوهر الفرد او اريد التحيز الحقيقي المساوق لجرم زيد كمساوقة الروح للجسد بمعنى عدم خروج شيء من زيد عن المكان حقيقة ولا شيء من المكان عن زيد كذلك فانه اذا تبدل هذا لوضع لم يكن زيد زيدا وكذلك الكم الحقيقي اذ لم يكن زيد زيدا الا بذلك الكم بخلاف الكم الظاهري كالسمن والضعف فان هذا لا تغيره لانه ليس هو الكم المقوم لحقيقة زيد وانما تقومت بالكم الحقيقي وكذلك الكيفيات كالسواد والبياض وكذلك ايونه جمع اين واوقاته فان ظواهرها اذا تبدلت لا تغير زيدا كالمكان اذا اراد منه المواضع التي ينتقل منها اليها وكالحركة اذا اراد منها الكون الاول في المكان الثاني فان تبدل هذه لا تغير الذات لانها لم تتقوم صورتها التي هي قابليتها بهذه الامور الظاهرة المسماة بهذه الاسماء لغة بخلاف الحقيقية فانها اذا تبدلت كان زيد ترابا مثلا او فحما او ملحا او هواء او غير ذلك والمصنف بني استدلاله على هذه الظواهر التي لا تتقوم بها الاكوان

قال :

اقول الوجود الشخصي اي الحادث يجوز ان يشتد ويضعف وهذا على قواعدنا ظاهر لانه حادث اخترعه صانعه لا من شيء وانما هو اثر فعله وحيث كان ظهوره متوقفا على قابليته كان في نفسه على حسب قابليته في الشدة والضعف لانه تأكيد الفعل فهو كاشراق الشمس ان كان ما وقع عليه صقيلا صافيا كالمرءاة اشتد ضياء في نفسه وان كان غير صقيل كالجدار ضعف ضياؤه مع ان اشراق الشمس واحد كذلك الوجود الشخصي ان صفت قابليته وصلحت باخلاص الشخص في الاعمال وصحة الاعتقاد والاستقامة اشتد وقوي وان ضعفت قابليته واظلمت بالشوب في الاعمال وعدم صحة الاعتقاد والاستقامة ضعف بل يكون ميتا كما قال تعالى اموات غير احياء بل مقبورا في قبر طبيعته كما قال تعالى وما انت بمسمع من في القبور واما على قواعد المصنف فلا يشتد لذاته ولا يقوى لانه ليس بحادث والقديم لا تختلف احواله واما ما يظهر من الشدة والضعف فليس ذلك فيه وانما هو في عوارض لحقته من مراتب التنزل فالشدة والضعف انما هو في اللواحق فقوله مما يشتد ينافي قواعده لان ما يقبل الزيادة يقبل النقيصة ومثله قوله وان الهوية الجوهرية مما يشتد ويتحرك في جوهريته فانه اذا اشتد وتحرك من شيء خارج عن هويته صح ما ذكرنا وان كان من نفسه كان المقتضي للاشتداد ذاتيا له والذاتي يكون بالفعل لا بالقوة فلا يصح الاشتداد في حقه اذ كل ما يمكن للذاتي فهو حاصل له بالفعل فان اقتضى اشتدادا فهو ما هو عليه فلا يشتد زيادة الا لمقتض طار خارجي فلا يتحرك بجوهريته في نفسه مطلقا

وقوله { حركة متصلة على نعت الوحدة الاتصالية والواحد بالاتصال واحد بالوجود } اما الحركة المتصلة فهي للمتحرك والوجود لذاته لا يتحرك وان فرض انه لذاته متحرك حركة ذاتية كان لازما لحاله ( لان جميع ما للذات بالفعل ) الاول لا يشتد بالحركة الذاتية كالافلاك وانما يشتد بالعارضة فثبت العرش ثم انقش فانه ان تحرك فحركته اتصالية اذا اتحد المقتضي وما في المسافة اذا صدقت عليه الوحدة بالاتصال صدقت عليه الوحدة بالوجود وهذا الصدق صناعي لا ذاتي اذ قد تصدق عليه باعتبار الاتصال التدريجي انه واحد مع انه في الحقيقة وفي نفس الامر متعدد كالعلم المكتسب في الاوقات المتعددة مع عدم تخلل الفصل والتعطيل اذا كان مختلفا ومع تخلل الفصل والتعطيل اذا كان متحدا وقوله بهذه الحركة من قاعدته المقررة من اثبات الحركة الجوهرية ونحن نقول بها لكن لا نقول بان المقتضي من ذات الجوهر بل المقتضي الاعراض التي هي حدود الماهية والصورة فانها هي المحركة للجوهر فيترقى في مراتب الشدة بصفاء القوابل ويتنزل في مراتب الضعف بضعفها فحركته الجوهرية التي يترقى بها او يتنزل حركة انفعالية لا حركة فعلية كما توهمه المصنف واتباعه

وقوله { وقول المشائين ان كل مرتبة وحد من الاشد والاضعف نوع اخر } يريدون به ان ما امتد على نحو الاشتداد او الضعف تكون اجزاؤه مشككة فكل جزء يصدق عليه التساوي ولو بحسب الصورة او الادراك او التأثير او التأثر او غير ذلك يفرض كونه نوعا على حدة والممتد بمجموعه كالجنس لها وانما كانت هذه الاجزاء انواعا مع انها من حقيقة واحدة لما قلنا ان الكم وغيره من المشخصات والمشخصات هي الفصول الجزئية لزيد وعمرو فهي من الفصل الذي هو الناطق كزيد وكعمرو من الحيوان الناطق الذي هو النوع ولا شك ان الانواع من حقيقة واحدة وان الحصة الحيوانية لكل نوع صالحة للنوع الاخر وانما المميز بينها الفصول والفصول في الحقيقة هي القابليات والصور وقد ذكرنا انها تتألف من ستة الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة ومن ستة متممات للستة الاولى الوضع والنسبة والاضافة والاذن والاجل والكتاب وهذه المميزات في الاجناس جنسية وفي الانواع نوعية وفي الاشخاص شخصية واجزاء المشكك تمايزها بهذه الامور فهي انواع للحقيقة المشككة وان شئت قلت جزئيات للنوع المشكك والمصنف بني تمايزها على قاعدته من كونه من انفسها وشرط حقية ما قال المشاؤن على كون الحد المميز بين كل نوعين منها حدا بالفعل فقال لكن بشرط ان يكون ذلك الحد حدا بالفعل لا من الحدود المفروضة في الاشتداد فانها غير موجودة بالفعل ( اي ان كانت الحدود المفروضة موجودة بالفعل ) والا يلزم حصول انواع غير متناهية بالفعل محصورة بين حاصرين ( الابتداء والانتهاء ) واقول انا قد اشرنا الى ان حصول تلك الانواع المتعددة لا تتوقف على وجود حد بالفعل بل يكفي في فرض تعددها صدق تساوي كل نوع منها بحسب الصورة او الادراك او التأثير او التأثر ولا يتوقف على فصل او فاصل ولا يلزم حصول انواع غير متناهية بالفعل الا اذا اريد بالتساوي الحقيقي والوحدة الاتصالية حقيقية لا عرفية فانه يلزم حصول انواع غير متناهية بالفعل ( تعليل لقوله لا يلزم ) للاكتفاء بالفرضية محصورة بين ابتداء وانتهاء لارادة ( تعليل لقوله يلزم ) التساوي الحقيقي مع الاتصال الحقيقي لانه مع فرض الاتصال الحقيقي السيال وارادة الامر المتساوي حقيقة تحصل انواع غير متناهية بالفعل في شيء محصور وذلك غير واقع نعم يمكن فرض جزئي شخصي بالفعل بين كل حدين مفروضين من كل حركة ترق او نزول من نمو او ذبول وانقلاب او عدول وخروج او دخول وامتزاج او حلول ولهذا قال المصنف

اقول يريد ان الحركة الجوهرية كما تكون في الجوهر تكون في الكيف وغيره وهو كما قال الا ان باعثها ليس نفس المتحرك والا لكانت وضعية كحركة الفلك او ما بمعناها كحركة جوهر الملك وسائر البسائط فانها لا تتحقق فيها الشدة والضعف الا بالتبع لما يقبلهما او بما يقبلهما وكما يمكن فرض وجود امر شخصي بالفعل متوسط بين هذه الحدود المفروضة في كل حركة واستحالة كذلك يمكن فرض امر نوعي بالفعل كذلك لان المتصل الواحد له وجود واحد وله ماهية واحدة ولكن بالنسبة الى رتبته من التحقق واما بالنسبة الى ما تحته فوجودات متعددة وماهيات متكثرة ومن ثم اطلق المشاؤن القول بنوعية كل مرتبة وحد بدون شرطية الفعلية اذ لا فرق بين وجود الامر الشخصي المتوسط بين الحدود المفروضة وبين وجود النوع المتوسط بين الحدود المفروضة الا بالاعتبار في اتحاد الشيء المعتبر كما اشرنا اليه سابقا

قال :

اقول قوله { والذي يكشف عن ذلك } اي يدل عليه دلالة تكشف عن حقيقته والمراد من المشار اليه بذلك هو ان الموجود بالفعل هو الامر الشخصي المتوسط بين الحدود المفروضة في كل حركة واستحالة وذلك الدليل الكاشف ليس كاشفا من نحو مادته وصورته وانما هو مبني على طريقته وقواعده فمن سلمها له وقبلها منه ظهر له صحة دليله بمطابقة مراده غالبا وليس هذه ضابطة الدليل ودليله هنا هو ان الوجود هو الاصل المتقدم في الوجودية والماهية تبع له اتباع الظل للشخص اقول وهذا الكلام بان الوجود اصل وهو يريد بالاصل انه غير المادة وغير الصورة وغيره منهم ( اي من الغير ) من قال هو المادة ومنهم من قال الاصل هو الماهية واما الوجود فعارض عليها ومنهم من قال بعكس هذا وغير ذلك من الاقوال وهو بني مذهبه على طريقة اضطربت فيها عباراته في كتبه وحاصلها ما ذكرنا سابقا وهو الوجود حقيقة واحدة تظهر في افراد تصدق على كل منها على نحو التشكيك فصرف الوجود البحت الذي لا شوب فيه اصلا هو الحق تعالى وما لحقه شوب من نقائص واعدام فمنسوب الى الحوادث من حيث الانضمام واما من حيث نفسه فلم يلحقه شيء وما يلحقه من عوارض مراتب تنزلاته فلاحقة للضمائم واما ذاته فباقية على حالة الوجوب ولا يدخل في الامكان بذاته وانما يدخلها بالعرض وجميع هذه الافراد ما نسب الى الحق تعالى وما نسب الى الخلق فالوجود صادق عليها بالاشتراك المعنوي لدخول جميعها تحت حقيقة واحدة فوجودات الحوادث من سنخ الوجود الحق تعالى عما يقول علوا كبيرا

فقوله { ان الوجود هو الاصل المتقدم } ان حملناه على مذهبه فعباراته كما قلنا لك مضطربة لانه يقول بما سمعت مما قلنا عنه ويقول ايضا ان الوجود المنسوب الى زيد اتحدت به ماهيته في الخارج فهي عارضة عليه وفي الذهن هو عارض عليها ويقول الماهية هي المادة والصورة ووجود زيد هو حقيقته واصله وهو سار في مادة زيد وصورته فان حملناه على المادة كما هو اختيارنا صح كونه مما يشتد ويضعف وذلك بقبوله للمدد فحركته الجوهرية بقابليته لا من نفسه والقابلية هي الماهية بالمعنى الاول فيكون الممتد بالاشتداد والضعف في قوس الصعود او النزول صح ان يشتمل على انواع بمعنى ان كل شيء شخصي متوسط بين حدين مفروضين من حركتين او استحالتين او من مختلفيهما فان له وجودا يعني مادة اتحدت في كل المميزات وماهية يعني صورة مؤلفة من تلك المميزات فانه قد صدقت عليه الوحدة التشخصية من حيث المدركية او الاعتبار في نفسه وبالنسبة الى ما تحته تصدق عليه الكثرة من حيث جهة الاعتبار او المدركية وصح ان يشتمل على جزئيات بالفعل بمعنى ان كل شخصي متوسط بين حدين مفروضين من حركتين او استحالتين او حركة واستحالة فان له وجودا يعني مادة تميزت بمشخصاته التي هي ماهيته وصورته وقابليته واذا حملناه على مذهبه اختلفت معانيه واضطربت لان الوجود في نفسه عنده واجب والواجب لا تصح عليه الحركة الجوهرية ولا الاشتداد ولا الضعف ولا الامتداد ولا التشكيك ولا التعدد الذاتي واما التعدد في الاثار فمن تعدد الافعال ولا ينافي تعدد الافعال اتحاد الفاعل فان الاثار تعدد بتعدد القابليات كتعدد الصور في المرايا المتعددة من المقابل الواحد وكل شيء يقبل الاشتداد والضعف او الامتداد او التشكيك او التعدد الذاتي وامثالها فهو حادث اذ ليس احد من العقلاء يطعن في دليل حدوث العالم في قولهم العالم متغير وكل متغير حادث فاذا قبل الوجود الاشتداد والضعف سواء من نفسه ام من غيره كان حادثا ولا يصح ان ينتهي الحادث الى غير حادث لان ما يخلق منه ان كان حادثا فذلك المطلوب وان كان قديما فان كان ذلك الحادث ان كان لم يزل غيرا تعددت القدماء سواء كان خلق من ذات القديم ام من ظله ثم لا معنى لقولنا خلق وان كان طرء بعد القديم رتبة او وقتا تغيرت احوال القديم بان كان وحده ثم كان معه غيره وكان لم يخرج منه شيء ثم خرج وكان لا ينسب اليه شيء ثم نسب ومتغير الاحوال حادث وان قال المصنف بحدوث هذه طالبناه بتفسير معنى هذا الحدوث هل معناه انه كان ولم يكن ام معناه انه ظهر وكان خفيا ام تنزل وكان عاليا ام ان النازل ظل العالي ام ان معناه انه شأن من شؤنات الحق الذاتية الغير المجعولة اقترن بالماهية الثابتة في علم الحق تعالى الذي هو ذاته وتلك الماهية غير مجعولة ولما اقترنا كان الاقتران حادثا فنسبا الى الحدوث لذلك الاقتران والحاصل اني اكرر هذه المعاني وامثالها تنبيها للغافلين وتذكرة للمتقين فقول المصنف في دفع الاشكال وهو انك اشترطت في قول المشائين ان تكون الحدود المميزة للانواع حدودا بالفعل ولا تكفي الحدود المفروضة لئلا يلزم حصول انواع غير متناهية محصورة بين حاصرين وذلك ممتنع فكيف جوزت حصول جزئيات كل جزئي شخصي بالفعل متوسط بين هذه الحدود المفروضة في كل حركة واستحالة يريد به ان الامر الشخصي المتوسط بين الحدود المفروضة في كل حركة واستحالة موجود بدليل ان الوجود اصل لذلك الامر متقدم في وجوديته على الامر الشخصي والامر الشخصي وان توقف ظهوره على الماهية الا ان الماهية تابعة للوجود كتبعية الظل للشخص ولما كان المتصل الواحد من المشكك الممتد له وجود واحد هو اصل ذلك المتصل ولذلك المتصل حدود مفروضة وكان المحدود واحدا لانه محدود وله وجود واحدة كانت ماهيته واحدة غير متكثرة وكون المتصل واحدا انما هو بحدوده لانه اذا انتهى الى حد قد فرض له ووقف عنده تعينت ماهيته بتبعيتها لذلك الحد فتخصصت وحدة هذا المتصل لوحدة وجوده الذي هو اصله ولوحدة ماهيته تبعا لوحدة حده المنتهي عليه وان كان مفروضا بخلاف النوع لانه وان كان واحدا الا انه متكثر باعتبار افراده فلا يتحقق الا بالحد الفعلي ونحن قد ذكرنا صحة فرض المشائين وان لم يكن حد بالفعل لان النوع واحد فيثبت في نفسه بما ثبت به الشخصي وانما يفرض تكثره بالنسبة الى ما تحته لان الحد الذي يقف عنده ذلك مفروض فيكون الوقوف مفروضا ولا يتحقق فرض الوقوف لامر شخصي عند حد فرضي الا باعتبار الصورة او المدركية او التأثير او التأثر وما اشبهها والتعين الاعتباري لا ينافي التكثر والشمول الذاتي لا سيما اذا كان التكثر والعموم بالنسبة الى ما تحته فيصح فرض الانواع كما يصح فرض الاشخاص

وقوله { وبالجملة كلما كان الوجود اشد واقوى كان اكمل ذاتا واتم جمعية للمعاني والماهيات واكثر آثارا وافعالا } يريد بكلامه هذا ان الوجود لما كان له حركة جوهرية لذاته كان مختلف المراتب في الشدة فاستطرد ذكر بعض اوصاف المراتب المختلفة ولا ريب ان كل ما كان اقوى كان اكمل ذاتا واتم جمعية اي اتم شمولا واحاطة بمعنى ان كل ما يفعله الاضعف يفعله الاشد وزيادة ولذا قال { الا ترى ان نفس الحيوان لكونها اقوى وجودا من سائر النفوس النباتية والصور العنصرية تفعل افاعيل النبات والجماد والعناصر وما يزيد عليها } يعني من افعال الحيوانية وتفعل النفس الانسانية كل ما تفعله الحيوانية وتفعل ما يزيد عليها وهو النطق وما يرتبط به والعقل يفعل كل ما تفعله النفس الانسانية وزيادة الاشارة وادراك المعاني المجردة عن الصور الجوهرية والمثالية الى هنا كلامه صحيح

وقوله { والبارئ عز وجل يفيض على كل ما يشاء } فيه اشارة الى ان الاشياء كلها منه تعالى بالسنخ كما هو مذهبه من وحدة الوجود لانه ذكر الاشياء الحادثة متناسبة من الضعف الى الشدة ثم ذكر البارئ سبحانه في جملتها مشعرا بالنسبة وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا وانما النسبة بين الخلق ولو انه عرف الحق تعالى لماوصفه هنا ولوضع ذكر وصفه حيث قال ليس كمثله شيء وان لا اله الا هو

قال :

اقول انه ذكر في هذا الاصل ما ليس له اصل لانه قال { ان الصور المقدارية والاشكال وهيئاتها كما تحصل من الفاعل لاجل استعداد المواد ومشاركة القوابل } هذا الكلام في كون صنع الله سبحانه واقعا على الصور المقدارية المشتملة على الخطوط والابعاد وعلى الاشكال كذلك بمقتضى استعداد المواد الذي هو القابلية اي قابلية مواد الصور للتصوير والاشكال للتشكيل صحيح واما مغايرة الاستعداد للقابلية في نفس الامر فليس بصحيح وليس هذا ما اصله بل هذا ما بني عليه اصله وهو قوله فهي قد تحصل ايضا بالابداع بمجرد تصورات الفاعل وجهات الفاعلية من غير مشاركة قابل ووضعه واستعداده وهذا ليس بصحيح بمعنى عدم وقوعه لا بمعنى امتناعه بل هو ممكن للفاعل لكنه لا يفعله اذ لو فعله لماتعددت الصور ولما تعددت حدودها بل مايحصل منه الا نقطة واحدة اما على قاعدته فلما قرر ان الواحد البسيط لا يصدر عنه الا واحد والصورة ليست واحدة بل هي من خطوط متعددة بل الخط ايضا ليس واحدا بل هو نقط كثيرة فينبغي له ان ما قرره هناك يبني عليه هنا واما عندنا فلان فعله تعالى تام في الفعلية فلا يتوقف في الايجاد على شيء فلو حكمنا بوقوعه على شيء من الاشكال قلنا لم تعلق بالمثلث دون المربع ان كان لا لمرجح لزم العبث لتساوي نسبة فعله الى جميع الاشياء على السواء وان كان لمرجح فان كان من المفعول بطلت دعوى الاختراع المحض وان كان من الفاعل رجع على العبث وان ادعى ان الترجيح من العناية فان اريد من التخصيص العلمي ما تعلق بحقيقة ما هو اهله فهو ما نقول من القابلية والا فممنوع فان قلت ان الاختراع لا معنى له الا المحض اذ لا يكون شيء من قابلية او مقبول الا من صنع الصانع تعالى فيرجع الامر على عدم توقفه على القابلية اصلا قلت نعم كل شيء من صنعه وعطيته عز وجل ولكنه اذا اقتضى المصنوع القابلية اعطاه اياها ابتداء وتفضلا فان قلت كيف يقتضي المصنوع القابلية ولم يكن شيئا قبل القابلية وانما كان شيئا بها قلت ان القابلية والمقبول يتحققان في التكوين دفعة على جهة التساوق فالمقبول حين قبوله بقبوله يكون شيئا لان قبوله صفته ولا توجد الصفة قبل الموصوف واذا كانت الصفة شرطا لكون الموصوف ساوقته في الكون كالكسر والانكسار فان الكسر هو الموصوف وهو المقبول والانكسار هو الصفة وهو القابلية ولا يتحقق احدهما قبل الاخر ولا بعده وانما يكونان معا متساوقين في الكون والتحقق فتفهم الكسر والانكسار فانهما اية ما نحن فيه والفاعل المتصور اذا تصور صورة فاخبرني هل تصورها فتصورت ام تكون الصورة بدون قبولها لتصور المتصور فان قلت تكون بدون قبولها للتصور خالفت البديهة وان قلت انما تكون اذا قبلت تصوره المعبر عنه بقولي تصورها فتصورت فهو ما قلت لك لانه اذا تصورها فلم تتصور لم يقع منه تصور كما تقول خلقها فانخلقت فانها اذا لم ينخلق لم يقع خلقه اياها وفيه تصريح لكل ذي فهم صحيح انها انخلقت باختيارها اي قبلت الخلق حين خلقها باختيارها لان انخلقت من افعال المطاوعة والمطاوع مختار كان قبول الفعل منه باختياره ولو كانت القابلية سابقة لماقيل خلقه فانخلق فاتى بالفاء التي هي للتعقيب لتدل على عدم تقدم القابلية وبالفاء لا بثم لتدل على عدم التراخي الذي هو هنا بمعنى المساوقة قطعا كما في كسرته فانكسر وقد قال تعالى مريدا لمعنى ما ذكرناه ان يقول له كن فيكون وكن عبارة عن القول والمراد به الحركة الايجادية وهي عبارة عن المشية والاختراع وعن الارادة والابداع وبالجملة اذا تصور الفاعل شيئا ان لم يقبل تصوره لم يكن وهذا ظاهر

وقوله { من غير مشاركة قابل ووضعه واستعداده } يشير به مع ما اراد الى تغاير الثلاثة وقد بينا مرارا انه من اركان القابلية يعني الوضع وان الاستعداد اول القبول بل هو القبول

وقوله { ومن هذا القبيل وجود الافلاك والكواكب } قد مضي فيما ذكرنا ما فيه كفاية لبيان كون استدارة الافلاك والكواكب لان الفاعل انما خلقها على ما هي عليه في حاق امكاناتها لا على ما فعله وقدرته عليه والا لماتعددت وما هي عليه كونها مستديرة متحركة مثلا وكونها افلاكا وكواكب وليس ما هي عليه انها صنع مطلق والا لتجردت عن الصور التي هي عليه وليس انه اخترع لها صورا لا تقتضيها موادها لانها خلقت من المادة والصورة فهل خلق للمادة صورة تقتضيها لكونها صفة لها اي هيئة قبولها للايجاد ام لا تقتضيها لكونها غير هيئة قبولها للايجاد فان فرض انها غير هيئة القبول فهيئة القبول خلقها ام لم يخلقها فان خلقها فاين هي غير الصورة والانفعال لان مرادنا بالهيئة هي الصورة وهي القابلية وهي الانفعال وان لم يخلقها لم تنخلق الافلاك والكواكب وايضا وجودها من تصورات المبادي صريح في حدوث وجودها وان المحدث لها هو المتصور لها وهي المبادي اي العقول المفارقات والارواح القادسة والجهات الفاعلية وهي الافعال وعندنا المحدث لكونها اي وجودها هو المشية اي احدثه الله تعالى بمشيته واحدث عينها بارادته واحدث حدودها بقدره واتمها بقضائه فاعترف المصنف بحدوث وجودها واختراعه من المبادي والجهات الفاعلية من حيث لا يشعر اذ لا شيء من الوجود عنده بمخترع وقد ذكر في كتابه الكبير ان الوجودات العرضية والانتزاعية من الوجود بنسبتها

وقوله { وعلمه تعالى بالنظام الاتم من غير سابقة قابلية واستحقاق } فيه ايضا ان العلم بالنظام الاتم هو العلم بسبق القابلية والاستحقاق والمراد بالسبق المساوقة فان العلم كما احاط بالمتقوم احاط بالمقوم مع ما اثبتنا سابقا في هذا الشرح وفي غيره خصوصا في شرح رسالة العلم للملا محسن من تحقق علمه تعالى في الازل الذي هو ذاته ولا معلوم وان العلم بالمعلومات في الامكان اي تعلقه بها ووقوعه عليها وان التعلق والوقوع حادثان بحدوث المعلوم وان العلم بها اشراقي وانه عين المعلوم وان العلم ليس فعلا ولا منشأ للايجاد ولا مؤثرا في الاشياء وان صدرت بالفعل من القدرة عن العلم

وقوله { ومن هذا القبيل ايضا انشاء الصور الخيالية القائمة لا في محل بمحض الارادة من القوة الخيالية التي قد علمت انها مجردة عن هذا العالم } يريد به ان من جملة كون الصور حاصلة من جهة الفاعل من دون قابلية او استعداد انشاء الصور الخيالية بمحض ارادة القوة الخيالية وميلها فانها قائمة لا في محل فلا سبب لها ولا قابلية لها وهذا مثل الذي قبله لان الصور الخيالية قائمة بنور الخيال لان الخيال اذا كان في نفسه قوة نفسانية من عالم الملكوت كان ما ينتزعه من الصور من نوعه وهي صور منتزعة من الامور الخارجية وانما القوة الخيالية كالمرءاة تقابل الشيء فتنطبع صورته فيها فان كان الشيء ملكوتيا فظاهر وان كان من الملك انتزعت صورته الحواس فالقتها الى الحس المشترك وهو يوصلها الى الخيال وكل واحد يترجم ما وصل اليه بلغته يعني من نوعه وان كان غائبا عن الحواس اخذ الخيال صورته الملكوتية اما من دلالة اللفظ المسموع او من علم سابق على وقت الاخذ او غير ذلك فالصور الخيالية ليست من انشاء الخيال وانما هي من انشاء خالق الخيال عز وجل لانه تعالى اذا خلق شيئا وضعه في المحل المناسب له فان كان نورا وضعه في شيء كثيف لانه لا يتقوم في مثل الهواء الصافي اللطيف وان كان صورة وضعها في محل صقيل كالمرءاة والماء فان كانا من غير عالم الملك وضعهما فيما يليق لهما من عالمهما فالصورة الخيالية ليست من عالم الملك فوضعها في صقيل من نوع عالمها والله تعالى قال في كتابه واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق والصور الخيالية من جملة ما يسر في الصدور واخبر تعالى انه عالم بذلك لانه خلقه وكذا قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والصور من جملة تلك الاشياء وقد اخبر انه ينزله من الخزائن بقدر معلوم ويضعه في المحل اللائق به

وقوله { لا في محل } اي جسماني لانه يتوهم ان من ادعى ذلك قال بان الخيال في الدماغ وهم لا يريدون ان القوى النفسانية تحل في الاجسام وانما يريدون انها تتعلق بها تعلق تدبير واذا ظهر لك هذا ظهر لك انها من عالم الملكوت كالقوة الخيالية فتكون قائمة بمرءاة الخيال مادتها من اشراق صورة المتخيل بفتح الياء المشددة وصورتها هيئة مرءاة الخيال من كبر وصفاء وبياض واستقامة ومقابلها وقد ذكرنا سابقا كما ذكروه ان في السماء الثانية فلك عطارد ثلاثة ملائكة سيمون وشمعون وزيتون موكلين باظهار الصور الخيالية وتحت كل ملك ملائكة يخدمونه لا يحصي عددهم الا الله على ما ذكره علماء السيمياء وعلى كل فرض فالصور الخيالية خالقها ومنشئها الله تعالى ولكنه سبحانه لما اجرى عادته في صنعه بالاسباب جعل القوة الخيالية مرءاة تنتزع الصور بنوع الانطباع كما مر فافهم

وقوله { ولا في الاجرام الفلكية كما زعمه قوم الخ } يريد به ان قوما زعموا ان الصور الخيالية منطبعة في اجرام فلك عطارد وفلك الزهرة قائمة بها قيام عروض وبعضهم ذهب الى انها اشباح ثابتة في عالم الامكان لا في عالم الاكوان وبعضهم ذهب الى انها من عالم المثال فيكون قائمة في عالم مثالي شبحي من نوعها قيام عروض وهذا العالم بين الملك والملكوت فيشاهدها الخيال في ذلك العالم كما يشاهد البصر النجوم في السماء

وقوله { غير قائم بالنفس } لحظ به معنيين احدهما انهم يجعلونه بين العالمين تحت عالم النفس وفوق عالم الجسم وهو عالم المثال على ما نعنيه نحن وثانيهما ان المصنف كما تقدم جعل القوة الخيالية جوهرا مجردا عن هذا العالم اعني عالم الاكوان الطبيعية والمواد المستحيلة والحركات وحيث جعل هؤلاء عالم البرزخ شبحيا ولم يجعلوه جوهرا مجردا كما جعله هو قائما بالنفس نفاه كما يأتي بعد هذا ونحن قد ذكرنا سابقا ما يرد عليه

قال :

اقول قوله { بل هي قائمة بالنفس موجودة في صقع نفساني } صحته عندنا انها قائمة بالخيال موجودة فيه قيام عروض والصقع بالضم الناحية وهو هنا الخيال لانه جهة من جهات النفس وقوة من قواها والتخيل للصور وجه الخيال وهو قوته المنتزعة للصور فاذا انتزعها بتلك القوة انطبعت فيه وهو في العالم الكبير نفس فلك الزهرة وهذه النفس على ما يشير اليه اهل العلم المكتوم تمدها نفس فلك الشمس من صفة الطبيعة النورانية التي هي الركن الاحمر من اركان العرش وهو الركن الاسفل الايسر والموكل بالاستمداد منه جبرئل عليه السلام

وقوله { لكن الأن ضعيفة الوجود } يعني انها في الدنيا او في الشهادة او بالنسبة الى الشهادة ضعيفة الوجود لانها صور شبحية تحقق وجودها بتبعية وجود ذي الصورة فنسبة وجودها في الضعف الى وجوده نسبة الواحد الى السبعين ومن شأنها اي لها قوة الترقي الى رتبة من مراتب الوجود فتصير اعيانا موجودة بوجود اقوى من وجود الصور المادية مع انها كانت حين الانتزاع تابعة في الوجود للصور المادية المنتزعة منها ولعل المصنف لحظ انها صور علمية وحقائق الاشياء صور علمية للحق تعالى وهي اعيان موجودة في علمه او ثابتة في علمه تعالى لا موجودة ولا معدومة بل ثابتة فوجودها اقوى من وجود الصور المادية لان المادية اعراض للماديات الفانية وهذه اعراض النفوس الباقية والاعراض تابعة للمعروضات في البقاء والفناء فهذه الصور الخيالية تكون اعيانا اي ماهيات للاشياء فان بعض الصوفية ذهب الى ان عالم الخيال اصل العالم وان الصورة الخيالية اصل للخارجي والحق في هذه المسئلة ان الوجود الذهني في شأن غير علة الموجودات انتزاعي من الخارجي ظلي وفي علة الموجودات اصل للخارجي فلو فرض فناء ما في ذهن العلة والمعاذ بالله فني المعلول فالعلة كالسراج والمعلولات كالاشعة الواقعة على الجدار وما في ذهن العلة كوجوه الاشعة من شعلة السراج فلو ذهب السراج ذهبت الاشعة ووجوهها ولو ذهبت الوجوه ذهبت الاشعة كذلك لو ذهبت علة الاشياء والعياذ بالله ذهبت الاشياء ووجوهها وهي صورها التي في ذهن علة الاشياء عليه السلام ولو ذهبت صورها والعياذ بالله ذهبت الاشياء

وقوله { وليس من شرط حصول الشيء لشيء قيامه به وحلوله فيه } تقرير لقوله قبل هذا انشاء الصور الخيالية القائمة لا في محل يعني انها وان كانت حاصلة للخيال ليست قائمة به ولا حالة فيه وان كانت موجودة في صقع من اصقاع النفس لانها قائمة في الملكوت بنفسها كالجواهر المجردة لا في محل وهذا ليس بصحيح لانهم توهموا فيما تصوروا لامثال ما عاينوا وذلك اذا رأوا زيدا يصلي في المسجد يوم الجمعة كانوا كل ما ذكروا حالة زيد الاولى رأوه في المسجد يوم الجمعة يصلي ويوم الجمعة قد مضي وذهب والمسجد ليس فيه شيء مشاهد مع انهم يتصورون ذلك فلم يكن الا ان المدرك صورة زيد المتخيلة في الملكوت وليست في مكان لان المسجد ليس فيه شيء ويوم الجمعة قد مضى ونحن نقول ان زيدا لما صلى في المسجد يوم الجمعة كتبت الحفظة مثاله في غيب المسجد وفي غيب يوم الجمعة لان الظواهر تدور على بواطنها ونحن نسير الى الاخرة وظواهر الاوقات والامكنة تسير معنا وبواطنها راسبة في محالها حتى تعود نهاياتها على مباديها اي تجتمع بها كقاب قوسين والخيال يلتفت اليها يعني اذا اردت ان تذكر زيدا التفت بمرءاة خيالك الى المسجد الغيب والى يوم الجمعة الغيب لان الخيال معهما في عالم واحد ومثال زيد الذي كتبته الحفظة فيهما فيقابل ذلك المثال القائم في المسجد يوم الجمعة يصلي بتلك الصلوة الذي رأيت زيدا يصليها لان هذا المثال هو هيئة زيد في تلك الصلوة قد خلعها هناك بمعنى ان الحافظين انتزعاها منه فكتباها هناك فتبقي باقية في ذلك المكان وذلك الزمان الى يوم القيمة فان كان مثال طائع كان لا يفارقه في قبره ويخرج يوم القيمة وهو معه يؤنسه حتى يدخله الجنة وان كان مثال عاص ولم يتب عنه فكذلك حتى يدخله النار واذا اتاك في الدنيا صاحب المثال الطائع رأيته منتسبا اليه مستنيرا به يؤنسك قربه لان الطاعة انس من الوحشة وان اتاك صاحب المثال العاصي رأيته منتسبا اليه مظلما به يوحشك قربه لان المعصية داعية الوحشة والنفرة والانكار قال عليه السلام هيهات ماتناكرتم الا لما بينكم من الذنوب ه‍ وان تاب صاحب المثال العاصي عن فعله ذلك واتاك رأيته ليس فيه وحشة المعصية ورأيت ذلك المثال غير منتسب اليه وهو غير لابس له واذا التفت بمرءاة خيالك الى ذلك المثال العاصي وجدته قائما في ذلك المكان وذلك الوقت بتلك الهيئة لكنه مفصول من صاحبه وانما هو متقوم باصله من كتاب الفجار سجين فان استمر على التوبة عنه بقي الى نفخة الصور الاولى ثم يمحوه الله سبحانه بعفوه ومغفرته الواسعة من الارض والزمان ويمحوه من كتب الحفظة التي فيها غيب المكان والزمان وشهادتهما منها وما في نفوسهم وما في نفوس الخلق حتى يأتي يوم القيمة ولم يذكر معصيته احد بل يسترها الله سبحانه بستره الجميل فالصور الخيالية قائمة بمرءاة الخيال كقيام صورتك في المرءاة اذا قابلتها لانها مقابلة للمثال القائم بغيب المكان والزمان كما مثلنا وانما قالوا انها قائمة لا في محل لانهم ماعرفوا اصلها ولا فرعها فلم يعرفوا محلها وقد اخبرتك به فاحمد الله على نعمته

واما قوله { ليس من شرط حصول الشيء لشيء قيامه به وحلوله فيه } فنقول نعم وليس من شرطه عدم قيامه وعدم حلوله فيه بل منه ما هو قائم به قيام صدور كالاشعة من السراج ومنه ما هو قائم به قيام ظهور كقيام الوجود بالماهية وكقيام الكسر بالانكسار ومنه ما هو قائم به قيام تحقق كقيام الماهية بالوجود وكقيام الانكسار بالكسر ومنه ما هو قائم به قياما ركنيا كقيام السرير بالخشب ومنه ما هو قائم به قيام عروض كقيام الصورة بالمرءاة على اعتبار وكقيام الحمرة بالثوب وقيام الصور الخيالية بالخيال كقيام الصورة بالمرءاة فافهم

وقوله { فان صور الموجودات حاصلة لذاته تعالى قائمة به من غير حلولها فيه بل حصولها لقابلها } فيه ان صور الموجودات عنده ان عني بها الوجودات فهي عنده جهات للحق تعالى ربي وتطوراته فعلى هذا تكون قائمة بذاته قيام صدور كقيام الاشراق بالمشرق وعلى هذا فهي حاصلة له في ملكه في الامكان وهو وان لم يقل به لكنه يلزمه ويلزمه ان ما ليس في الازل يكون من الازل كما هو مقتضى الحصول الجمعي الوحداني كما يدعيه هو واتباعه وهو يلتزم بذلك ولا يراه نقصا بل يراه كمالا وان عني بها ماهيات الاشياء فهي عندهم صور في علمه الذي هو ذاته ويلزمه انها حاصلة فيه ودعوى انها ليست بموجودة ولا بمعدومة بل هي ثابتة وانها هو ليست من حيث هي بل انها هو من حيث هو ويلزمه ان نفي الوجود اثبات العدم فليست شيئا فلا يكون على قوله عالما بها ونفي العدم اثبات الوجود فلا يكون واحدا ولا بسيطا والواسطة بين العدم والوجود منفية وكونها ثابتة دليل وجودها فهي غيره فيكون محلا لغيره وان جعلوها صورا علمية غير مجعولة خارجة عن الذات معلقة بها كتعلق الظل بالشاخص فقد اثبتوا قديما في الامكان واثبتوا له معها الاقتران ولزمهم اثبات حادث في الازل لحصول الاقتران وقديم في الامكان لعدم كونه مجعولا

وقوله { بل حصولها لقابلها } اقول عليه ما ادري هذا الفاضل المحقق كيف يقول فانا اسأله قابلها ما هو هل هو الذات الذي حصولها له مع حكمه بازليتها كيف خفي حصولها الا لقابلها لانه جعل حصولها له هو حصولها لقابلها فهذا القابل هو الذات الحق تعالى فلم قال من غير حلولها فيه بل حصولها لقابلها يعني انها حالة في قابلها والا فلا معنى للاضراب فيكون قابلها غيره فتكون القديمة حالة في حادث ثم كيف يقول حاصلة لذاته تعالى قائمة به من غير حلولها فيه يعني قائمة به قيام صدور ثم يقول بل حصولها لقابلها ان لم يعن حلولها في قابلها وان عناه كانت حالة في غيره وغيره الذي تكون صور علمه فيه ممتنع ان كان قديما او حادثا الا ان يقول بقولنا بان المراد بصور العلم الحادث فانها حادثة وقابلها حادث كاللوح المحفوظ واما اذا جعلها صور العلم الذي هو ذاته فقد اجاد ( تعريض ذم لا مدح ) في علمه واعتقاده حيث جعل الذات القديم ظرفا ومتكثرا والصور القديمة مظروفا ومتكثرة او ان القديمة في غيره وان العلم القديم صورا متعددة مختلفة ام القابل غير الذات فتكون في الحادث كما قلنا

وقوله { قال بعض المحققين كل انسان يخلق بالوهم ما لا وجود له في خارج محل همته ولكن لا تزال الهمة تحفظه ولا يؤدها حفظه اياها فمتى طرأت غفلة عليه عدم ذلك المخلوق انتهى } يريدون ان كل شخص تقدر نفسه على اختراع ما يريد من الصور الخيالية من غير ان ينتزعها من شخص خارج عن محل باعثه وداعيه اعني همته وذاكرته وهو يشعر بان مبدء انشائها باعث نفسه لم يسبق له ذكر قبله فكان مبدؤه منها وقوامه بها ولهذا ما دامت ذاكرة له فهو باق ومتى طرأت على ذاكرتها غفلة او نسيان او سهو عدم ذلك المخلوق اي الصورة وقولهم عدم ذلك المخلوق فيه اشعار بان ذلك المتصور حقيقة الشيء ما عدا عوارضه الخارجية لا ان المتصور ظلي انتزاعي وهذا رأي الاكثر والحق ان الله عز وجل اجرى حكمته في الايجاد على الاسباب فجعل الذهن مرءاة يحدث بها الصور التي مكنها بقدرته على انتزاعها فيحدث سبحانه الصورة الانتزاعية بفعله بواسطة قابلية تلك المرءاة للانتزاع بتمكينه اياها من الانتزاع فهو المعطي الصورة باسباب ايجادها وهو الواضع لها في مرءاة الذهن بما جعلها قابلة قال تعالى قل الله خالق كل شيء وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقال تعالى هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه واما كون الهمة اي المتخيلة والذاكرة والحافظة حافظة لها فلان صورة الصورة الخيالية من هيئتها اي هيئة مرءاة الخيال ومادتها من اشراق الخارجي كما ان صورة الصورة التي في المرءاة من هيئة المرءاة ومادتها من اشراق صورة المقابل وليس ما في الذهن من الصور من اختراع نفسه بل من صنع الله سبحانه الذي يقول واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق فان مما اسروا التخيلات والتصورات وقال الصادق عليه السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم ( اليكم خ ) ومما يدل على ان الذهن ينتزع الصورة من شيء خارج يقابله في محله بمرءاته فتنطبع فيه صورته ما رواه الصدوق (ره) في اول علل الشرائع بسنده الى الحسن بن فضال عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له لم خلق الله الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه‍ لان حجة اولئك انهم يقولون انا نتصور رجلا له الف رأس ونتصور بحرا من الزيبق ولم يوجد في الخارج من ذلك شيء ونحن قد ذكرنا في هذا الشرح وغيره ان الشخص لا يذكر الشيء حتى يلتفت بمرءاة خياله الى وقت الادراك الاول ومكانه فيجد مثاله فيه في الحالة الاولى فتنطبع صورة المثال وهيئته ولا يمكن التذكر الذي هو دليلنا على ان الخيال والنفس لا يحدث شيئا وانما المحدث هو الله تعالى الا على نحو ما قلنا من الالتفات فاذا التفت احدث الله سبحانه الصورة الخيالية باسبابها كما انه تعالى يحدث الصورة في المرءاة باسبابها فافهم

قال :

اقول القوة الخيالية في الانسان جوهر منفصل الوجود اي منفصل الحقيقة عن هذا البدن المحسوس ذاتا لانه جوهر الى للنفس اي آلة لها كيدك منك وفعلا لانها لا تدرك المحسوسات الا بالاتها لانها من عالم الملكوت لانها من النفس كنفس فلك الزهرة من نفس فلك البروج

وقوله { عن هذا البدن } فمختصر تفصيله على طريقتنا ان زيدا له جسدان وجسمان فالجسد الاول هو الظاهر المؤلف من العناصر الاربعة السفلية وفيه يشارك الشجر وهذا بعد الموت يتلاشى في قبره شيئا فشيئا وكل ما تحلل منه شيء لحق باصله فيمتزج به فتلحق ترابيته بالتراب فيمتزج به وتلحق مائيته بالماء فتمتزج به وتلحق هوائيته بالهواء فتمتزج به وتلحق ناريته بالنار فتمتزج بها والجسد الثاني في غيب الاول وهو من هورقليا نزل منه وكل ما انفصل منه وتفرق قر في قبره في استدارة محله وبنيته حتى تتفرق جميع اجزائه فيكون في قبره مستديرا وهو الطينة التي عناها الصادق عليه السلام بقوله تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة ومعنى استدارتها ان تكون اجزاء رأسه مما يلي رأس قبره وتليها اجزاء رقبته وتلي اجزاء رقبته اجزاء صدره وتليها اجزاء بطنه وتليها اجزاء رجليه حتى لو اكله السمك او السباع او قطع ووضع في مواضع مختلفة او خولف ترتيب اعضائه المقطعة في قبره اذا تفككت اجزاء هذا الجسد من الاجزاء العنصرية وخلصت ترتبت في قبره على هذا الترتيب ولو لم يقبر ترتبت في قبره اذ المراد بالقبر الموضع الذي اخذت منه تربته التي ماثها الملك في نطفتي ابيه وامه وما لم يتخلص منها يجمعه الماء النازل من بحر عند قرب نفخة الصور الثانية نفخة الفزع وهذا الجسد تلبسه الروح يوم القيمة فان قلت ظاهر كلامك هذا ان الجسد الاول لا يعاد ويلزم منه القول بنفي المعاد الجسماني قلت ليس حيث تذهب لانا نريد بالجسد الثاني المعاد هو هذا الجسد المرئي الملموس بعينه وهو جسد الاخرة ولكنه يكسر ويصاغ صيغة لا تحتمل الفساد والخراب وهذه الصيغة الدنياوية تفسد فاذا كسرت ذهبت الصورة الاولى المعبر عنها بالعناصر التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلام كما تقدم في حديث النفوس قال عليه السلام في النفس النباتية في الانسان فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة والحاصل نريد بالجسد الاول العنصري الاعراض الدنياوية فان الجسد الثاني الذي يحشر فيه لما نزل الى الدنيا لحقته اعراض عنصرية كالثوب اذا لبسته لحقه وسخ عارض ليس منه فاذا غسلته ذهبت اعراضه ولم يذهب منه شيء ابدا فتأمل وافهم مذهب ائمتك وهداتك عليهم السلام والجسم الاول تخرج به الروح اذا قبضها ملك الموت وتبقى فيه الى نفخة الصور الاولى نفخة الصعق وهو المؤلف لقواها في عالم البرزخ فاذا نفخ اسرافيل عليه السلام في الصور نفخة الصعق خلعته وبطلت وهو ايضا كالجسد الاول عارض من جملة اعراض البرزخ لانه صورة كما مثل الصادق عليه السلام كما تقدم باللبنة تكسرها فاذا جعلتها ترابا ذهبت صورتها الاولى فاذا صغتها في قالبها الاول خرجت هي بعينها وباعتبار هي غيرها كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ولا يجوز في العدل ان يؤتي لهم بجلود غير جلودهم فتكون معذبة من غير ذنب منها بل بذنب غيرها وانما هي الاولى بعينها لكنها لما احترقت ذهبت صورتها الاولى وهي عرض فلما اعيدت صدق عليها انها غيرها باعتبار تغير الصورة وتجددها مع انها هي هي من حيث المادة فالجسد الاول هو الصورة العنصرية والجسم الاول هو الصورة البرزخية ومثاله اذا كسرت خاتمك ثم صغته خاتما كالاول فانه لم يذهب منه شيء فهو هو وانما خلع عرضا ولبس عرضا فالعرض الاول هو الجسد الاول في الدنيا والعرض الثاني هو الجسم الاول في البرزخ فالنفس مغايرة للجسد الاول الفاني وللجسد الثاني الباقي وللجسم الاول الفاني واما الجسم الثاني فهي هو وهو هي على تفصيل في مراتب يطول ذكرها لكني اذكر لك شيئا تعرف به اشياء وهو انا قلنا لك ان الروح التي يقبضها الملك اذا خلعت الجسم الاول بطلت وهو ما بين النفختين ونريد ببطلانها ان ملك الموت حين قبضها من جسدها الدنياوي خرجت مؤلفة بتأليفها الابتدائي وتبقى ساهرة لا تنام الى نفخة الصور كما قال الصادق عليه السلام في تفسير قوله فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة فاذا نفخ في الصور نفخة الصعق وهي نفخة جذب انجذبت الارواح الى الصور فدخلت كل روح في الثقب الذي يختص بها وهو الذي خرجت منه الى ان نزلت الى الاجسام ودخلت فيها فاذا دخلت في ثقبها وفيه ستة بيوت القت مثالها في البيت الاول وهباءها الجوهرية في البيت الثاني وطبيعتها النورانية النارية في البيت الثالث ونفسها المائية في البيت الرابع وروحها الهوائية في البيت الخامس وعقلها الجوهري في البيت السادس فهذا التفريق والتفكيك هو معنى بطلانها لانها حينئذ لا تشعر ولا تحس واجزاؤها الستة ليست ممازجة لانواعها بل مجاورة لها فاذا اراد الله سبحانه تجديد الخلق واعادته للجزاء بعث اسرافيل عليه السلام وامره بالنفخ في الصور نفخة الفزع وهي نفخة دفع فتقع النفخة في البيت السادس فتدفع العقل الى الروح في الخامس فتدفع العقل والروح الى النفس في الرابع فتدفع الثلاثة الى الطبيعة في الثالث فتدفع الاربعة الى جوهر الهباء في الثاني فتدفع الخمسة الى المثال في الاول فتتألف وتنتبه ويظهر شعورها واحساسها وكان قبل النفخ قد نزل الماء من بحر صاد من تحت العرش وامطر على وجه الارض وتركب الجسد الثاني بالعرض الثاني من عناصر الاخرة وتمت خلقته فتلجه روحه فينشق قبره من عند رأسه فيقوم الشخص ينفض التراب عن رأسه كما بدأكم تعودون فهذه الاشارة الى تفصيل البدن وتقسيمه الى جسدين عرضي وذاتي والى جسمين عرضي وذاتي

وقوله { فهي عند تلاشي هذا القالب باقية لا يتطرق الدثور والخلل الى ذاتها وادراكاتها } اقول بيان الامر الواقع لا ينطبق على كل ما قال فان كلامه مجمل وظاهره بقاؤها دائما حتى ما بين النفختين كما هو مذهب كثير من الحكماء وليس كذلك لانها لم تنزل من بعد تذوتها في التكليف الاول وشعورها الى هذه الابدان على حالها الاول من شعورها وادراكاتها بل كسرت بعد التكليف الاول وذهب شعورها وبطل تركيبها ثم تدرجت في التأليف في الاجسام بغير شعور ولا ادراك الى الولادة الدنياوية او الولادة الجسمانية ثم بعد ظهورها تدرجت في تحصيل اشعارها وادراكها شيئا فشيئا فكذلك تعود كما قال عز من قائل صادق وجل من عالم خالق كما بدأكم تعودون وآية ذلك ودليله في الكتاب الكبير ان حبة الحنطة هي حبة حنطة بالفعل كالنفس في عالم الذر نفس بالفعل فلما بذرت الحبة وزرعت انشقت شجرة وعودا اخضر قد كسرت الحبة وذهب تركيبها الفعلي وجرت في العود الاخضر ماء هو حبة بالقوة الى ان تكون السنبلة فيكون الماء فيها فينعقد في السنبلة بالتدريج حتى يكون حبة بالفعل ماتري في خلق الرحمن من تفاوت والله انبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم اخراجا كما بدأكم تعودون ولهذا عبر عليه السلام في بيان البعث بالنبات فقال ما معناه انه يمطر الله تعالى مطرا من بحر صاد حتى يكون وجه الارض بحرا واحدا فتنبت به اللحوم والاوصال في القبور وايضا الارواح بعد خروجها من ابدانها ثلاثة انواع نوع روح من محض الايمان محضا فهؤلاء يخرجون من الابدان وبعد الفراغ من الحساب يروحون الى جنان الدنيا يتنعمون فيها كما اشرنا اليه سابقا ونوع روح من محض النفاق والكفر محضا فهؤلاء يخرجون من الابدان وبعد الفراغ من الحساب يقادون الى نيران الدنيا يعذبون فيها ونوع لم يمحض اصحابها الايمان ولا النفاق والكفر فهؤلاء بعد الموت لا يحاسبون في قبورهم وتبقى ارواحهم في قبورهم مع ابدانها الى يوم القيمة فاما هؤلاء فيلهي عنهم وتبقى ارواحهم لا شعور لها ولا ادراك حتى اذا بعثوا يوم القيمة يقول امثلهم طريقة ان لبثتم الا يوما لعدم شعورهم بالمدة الطويلة لانهم كالحجر الملقي واما النوعان الاولان فذكر احوالهم مما يطول ولكن نذكر كثيرا منه مفرقا انشاء الله تعالى ومنه ما رواه ابن ابي‌عمير عن زيد النرسي عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال سمعته يقول اذا كان يوم الجمعة ويوما العيدين امر الله رضوان خازن الجنان ان ينادي في ارواح المؤمنين وهم في عرصات الجنان ان الله قد اذن لكم بالزيارة الى اهاليكم واحبابكم من اهل الدنيا ثم يأمر الله رضوان ان يأتي لكل روح بناقة من نوق الجنة عليها قبة من زبرجدة خضراء غشاؤها من ياقوتة رطبة صفراء وعلى النوق جلال وبراقع من سندس الجنان واستبرقها فيركبون تلك النوق عليهم حلل الجنان متوجون بتيجان الدر الرطب تضيء كما تضيء الكواكب الدرية في جو السماء من قرب الناظر اليها لا من البعد فيجتمعون في العرصة ثم يأمر الله جبرءيل ان ينادي في اهل السموات ان يستقبلوهم فتستقبلهم ملائكة كل سماء وتشيعهم ملائكة كل سماء الى السماء الاخرى فينزلون بوادي السلام وهو واد بظهر الكوفة ثم يتفرقون في البلدان حتى يزوروا اهاليهم الذين كانوا معهم في دار الدنيا ومعهم ملائكة يصرفون وجوههم عما يكرهون النظر اليه الى ما يحبون ويزورون حفر الابدان حتى اذا ما صلى الناس وراح اهل الدنيا الى منازلهم من مصلاهم نادي فيهم جبرءيل بالرحيل الى غرفات الجنان فيرحلون قال فبكي رجل في المجلس فقال جعلت فداءك هذا للمؤمن فما حال الكافر فقال ابوعبدالله عليه السلام ابدان ملعونة تحت الثرى في بقاع النار وارواح خبيثة تجري بوادي برهوت في بئر الكبريت في مركبات خبيثات ملعونات تؤدي ذلك الفزع والاهوال الى الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثرى في بقاع النار فهي بمنزلة النائم اذا رأي الاهوال فلا تزال تلك الابدان فزعة ذعرة وتلك الارواح معذبة بانواع العذاب في انواع المركبات المسخوطات الملعونات المضعفات مسجونات فيها لا ترى روحا ولا راحة الى مبعث قائمنا فيحشرها الله من تلك المركبات فترد الى الابدان وذلك عند النشرات فتضرب اعناقهم ثم تصير الى النار ابد الابدين ودهر الداهرين انتهى وهذا حال هذين النوعين في البرزخ الى نفخة الصور الاولى نفخة الصعق وبين النفختين وهو اربعمائة سنة تكسر الارواح عند صعودها بما سمعت من تفكك اجزائها في البيوت الستة كما مر في هذه المدة كما كسرت بعد التكليف الاول في نزولها في الطبيعة في مدة الاربعمائة سنة لانها هي المقابلة لما بين النفختين فافهم واحمد الله سبحانه على ما اوقفك عليه بتوفيقه من هذه الاسرار وتنعم ايها العالم بحكمة محمد واله الاطهار صلى الله عليه واله ما اختلف الليل والنهار مما لم تسمعه ولا تسمعه الا مما امليه عليك وليس من خلق الله نفس لا يتطرق اليها الخلل في ادراكاتها بين النفختين الا من استثناه الله تعالى في غيب ارادته في قوله ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله فان الله سبحانه استثني من خلقه اشخاصا لا يصعقون لان الله سبحانه يقول كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ووجه الله ذو الجلال والاكرام اربعة‌عشر شخصا صلى الله على محمد واله لان جميع افاعيل الله عز وجل جارية على ترتيب النظم الطبيعي فمن كان في رتبة نفخة الصعق من الكون او تحتها لا بد ان يصعق ومن كان رتبته في الكون قبل نفخة الصعق لا يصعق فلو اراد المصنف بالنفس الخيالية خصوص نفوس هؤلاء الاشخاص الاربعة‌عشر صلى الله عليهم اجمعين اصاب ولكنه يريد بها نفوس البوادي والعلوج والصوفية والمشائين واشباههم فلذا اخطأ الحق

وقوله { وعند الموت تصل اليها سكرات الموت ومراراته لاستغراقها في هذا البدن } جواب عن سؤال مقدر وهو انك اذا حكمت عليها بانها لذاتها منفصلة عن هذا البدن وهي لا يجري عليها الموت وانما يموت البدن وهي على حالها لا تتغير فكيف تلحقها سكرات الموت ومراراته وهذا دليل على عدم انفصالها عنه واجاب بانها لما كانت مستغرقة في هذا البدن لحقتها سكرات الموت ومراراته وجوابه هذا على الظاهر صحيح واما في الحقيقة فزيد هو تلك النفس اللطيفة وهذا البدن الكثيف فهو شيء واحد منه ذائب ومنه جامد والبرزخ المذكور ليس برزخ فصل بان يكون اجنبيا من الذائب والجامد بل هو برزخ وصل لانه منهما فتألمها بالفصل الحقيقي ولو كان الامر كما قال لتألم حال الموت ثم لا تتألم بعد الموت ولكنه يتألم بعد الموت بل البدن ايضا يتألم بعد الموت لما فيه من الحيوة التي هي من النفس والى هذا اشار الصادق عليه السلام في الحديث السابق في قوله فلا تزال تلك الابدان فزعة ذعرة وتلك الارواح معذبة بانواع العذاب فافهم

وقوله { وبعد الموت تتصور ذاتها انسانا مقدرا مشكلا الى اخره } يريد انها اذا خرجت من هذا البدن تتصور ذاتها اي تتخيل ذاتها انسانا كما هو في الدنيا وتتخيل بدنها مقبورا واقول اما تخيل بدنها مقبورا فظاهر وهو كما قال واما تخيل ذاتها فظاهر كلامه ان كونها انسانا مقدرا مشكلا انما هو في تصورها واما هي في نفسها فليست كذلك وهو خطأ بل هي حين تخرج من بدنها تخرج بصورتها المثالية وهي التي كانت فيها في الدنيا بين النفس والجسد فهي انسان مقدر مشكل لانه هو الانسان الذي في الدنيا ولما خرج منها القي جسده في هذا العالم لانه هو من هذا العالم فهي على هيئتها في الدنيا بنفسها لا بتخيلها وتصورها وهو قوله عليه السلام جعلت في قالب كقالبها في الدنيا وهو المثالي وهو الأن في هذا البدن قد لبسته النفس عند دخولها في الجسد وتخرج به فافهم

قال :

اقول كلامه هذا تقدم ما يدل على معناه وتقدم الكلام عليه وذكره هنا استطرادا اولي وان جعله اصلا ومراده هنا ان جميع الامور التي يدركها الانسان من المعقولات والمعلومات والمحسوسات في الدنيا والاخرة يدركها بقوى غير منفصلة عن ذاته بل من ذاته بل هي ذاته عنده والمعقولات والمعلومات والمحسوسات عنده موجودات فيها وعندنا المعقولات وهي المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة الجوهرية والمثالية يدركها العقل في مرءاة تعقله والمعلومات وهي الصور الجوهرية المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية تدركها النفس وقواها التخيلية والتفكرية في مرءاة تخيلها وتفكرها والمحسوسات وهي الصور والاصوات والالوان والطعوم الجسمانية يدركها القوي الحسية كما تقدم ولا تدركها النفس الا بادراك آلاتها التي هي القوى الحسية على نحو ما تقدم ذكره وكذلك العقل لا يدرك شيئا غير المعاني الا بتوسط آلات ادراكه كالنفس وكقواها وكالقوي الحسية وقد اشرنا الى ذلك فيما تقدم وان هذا احكام الدنيا واما احكام الاخرة فليست كاحكام الدنيا لان اهل الجنة فيما يريدون من المدارك والشهوات وفي كل شيء لا يحتاجون الى الالات الا على نحو التعزز والتكرم واليه الاشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي يا عبدي انا اقول للشيء كن فيكون اطعني اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون الحديث فالاجسام تدرك المعاني والعقول يدرك المحسوسات بغير توسط شيء وكذا ادراك الاجسام وبرهان هذا مذكور في علم الطبيعي المكتوم فان العقول بنفسها تتجسد والاجساد تتروح وكلامنا مع المصنف فيما هو في الدنيا وقد بينا سابقا ان المدارك الباطنة العقول والنفوس وكل منهما يدرك ما هو في عالمه وما نزل عن عالمه يدركه بالوسائط والظاهرة تدرك الامور الظاهرة وان كانت قوتها المدركة من النفس كما ان حركة اليد من عالم الاجسام وان كانت من شعاع حركة النفس فانها ليست من عالم النفوس عالم الملكوت وعلى كل حال فالعقول تدرك المعاني بتعقلها وتعقلها فعل لها ليس ذاتها فانها قد تتوجه فتعقل وقد تغفل فلا تعقل ولو كان هو ذاتها لمازالت عاقلة لما تتعقله لان الذاتيات لا تفارق الذات بل لا توجد الذات بدونها وكذلك النفوس فان تخيلها فعل منها والا لما انفك عنها نعم المعاني المعقولة تنتزعها مرءاة تعقله الذي هو فعل منه والصور الملكوتية تنتزعها مرءاة تخيل النفس والفعل يحضر باثره عند الذات واذا قلنا ان العقل عبارة عن مجموع المعاني المعقولة فنريد به العقل الاكتسابي لا الطبعاني واثار المعاني الوجودية اي التي توجد من المعاني في العقل الاكتسابي كصورة السرير في خشب السرير فان الخشب بها يكون سريرا وكان قبل الصورة خشبا كما كان الاكتسابي قبل الاثار الوجودية طبعانيا ومعنى هذا انه يأخذ الله سبحانه بكلمته يعني تأخذ كلمة الله بامر الله حصة طبعانية وتلبسها باذن الله سبحانه صورة اكتسابها من المعاني وينفخ فيها من روحه الامدادية ان كانت المعاني مرضية له والا فمن روحه المدية اي التخلية والخذلان ومنه قوله تعالى اولئك كتب في قلوبهم الايمان يعني بايمانهم وافاض على مادة الطبعاني وصورة الاكتساب روحا منه ايدهم بها فكانت قلوبهم التكليفية بتلك الصورة وبتلك الروح قلوبا شرعية يعني ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان وعلى عكسه قوله تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم

وقوله { ليست بامور منفصلة عن ذاته } ان اراد بها الافعال وبمعنى عدم انفصالها قيامها بالذات قيام صدور ومبادي هذه الادراكات اي الصادرة عنها من الذات كيدك منك فحسن والا فغلط

وقوله { بل المدرك بالذات له انما هو موجود في ذاته } ليس بصحيح بل هو موجود حين يوجد في مرءاة فعله ويحضر الفعل بما في مرءاته عنده خارج الذات وتوجد كلمة الله سبحانه للذات من صورة الاكتساب ومادة الباعث على الفعل ومن الروح المنفوخ في مجموعهما صفة تكون بها الذات منيرة او مظلمة

وقوله { وقد مر ان المبصر بالذات من السموات والارض وغيرهما ليست هي الصور الخارجية الى اخره } قد تقدم الكلام هناك وان المبصر منها ليس صورة ملكوتية مماثلة للخارجية بل المدرك صورة الصورة الخارجية المنطبعة في العين وان المدرك لها قوة بخارية في تقاطع القصبتين وانها ليست من الملكوت الذي هو من الغيب ومقابل للظاهرة الحسية والا لكانت الحواس الظاهرة هي الحواس الباطنة مع اتفاق العقلاء على المغايرة والتعدد

قال :

اقول قوله { وانما الحاجة } جواب عن سؤال مقدر تقديره لو صح ان النفس الملكوتية الناطقة هي المدركة للالوان المبصرة والاشكال المحسوسة لما احتيج في الابصار الى العين الصحيحة والضوء في المرئي وعدم القرب والبعد المفرطين اجاب بانها لذاتها لا تحتاج الى ذلك وانما الحاجة لادراك النفس الى مشاركة المواد كالعين في المبصر والاذن في المسموع ونسبها الوضعية كالقرب والبعد الغير المفرطين في اول الامر من الانسان عند اول حصول الشعور فانه شيء بالقوة اي الادراك ح بالقوة لا بالفعل فان الانسان في كونه حاسا يحتاج الى آلة يدرك بها الصور الخارجية التي لا تدرك الا بالعرض اي بتبعية ادراك مماثلها من عالم الملكوت واقول ان الاعتراض وارد عليه لا ترده هذه التخريجات فان اكثرها مصادرة كدعوي ان الحاجة انما هي في اول الامر وان الصور الخارجية انما تدرك بالعرض حتى لو حلف انه لا يرى صورة زيد بذاتها ثم نظر اليه بعينه عمدا لم يحنث لان المنظور اليه في الحقيقة انما هو الصورة المماثلة للصورة الخارجية ولا شك في بطلان ذلك وقد تقدم

وقوله { فاذا وقع الادراك على هذا الوجه مرة او مرات فكثيرا ما تشاهد النفس الى اخره } فيه ان مشاهدة النفس صورة الشيء من غير توسط مادة خارجية مع الاعتياد لا يمكن الا بالالتفات الى مثال المادة الخارجية في مكان المشاهدة الخارجية ووقتها كما تقدم فهذه المشاهدة التي بعد الاعتياد هي بعينها التي قبل الاعتياد في اول مشاهدة فالحاجة الى التوسط في الاول هو بعينه في الثاني وقد تقدم بيانه فلا تدرك النفس صورة من الصور الخارجية بنفسها لانها اذا توجه اليها نور النفس انمحقت الصورة واحترقت ولا بصورة غيرها مماثلة لها لم تكن مدركة لها الا ان اراد بالصورة المماثلة صورة الصورة الخارجية فانها تكون بادراكها مدركة لها ولكن صحة ذلك ان تكون صورة الصورة الخارجية منطبعة في العين والقوة الحاسة الباصرة التي في تقاطع الصليبين تدرك المنطبعة في العين بانطباع صورتها في مرءاة القوة الحاسة اذ هي في مقام الحس المشترك فتؤدي ما فيها الى الخيال الذي هو من النفس كيدك منك فالتي في الخيال صورة للتي في القوة الباصرة والتي في الباصرة صورة للتي في الجليدية من العين والتي في الجليدية صورة للخارجية القائمة بالمادة وكل واحدة رتبتها في الكون رتبة ما انطبعت فيه ومادتها ظل ما قبلها وصورتها مما انطبعت فيه

وقوله { كما في المبرسم والنائم المبرسم الذي به داء البرسام وهو علة يهذي صاحبها لانه ورم يعرض للحجاب الذي بين الكبد والمعدة ويتصل بالحجاب بين القلب والمعدة ويتصاعد الى الحجاب الذي على قحف الدماغ فيحصل منه وسواس كثير لكثرة ارتفاع ابخرة حارة الى الدماغ فتتشكل مجاري تصاعدها على حسب مقتضي تصاعدها باشكال مختلفة بنمط اتفاقي صحيح او فاسد فتنطبع تلك الصور في تلك المرايا التي اشرنا اليها كل مرءاة تعطي ما فوقها صورة ما فيها وحيث كان تأليف تلك الصور من خطوط غير متناسبة بالطبع والذات بل قد تتناسب بالاتفاق وقد لا تتناسب كان ما تدركه النفس بخيالها منها مخالفا ومطابقا ولهذا كان ما ينطق به هذيانا وتشبيه المصنف بالمبرسم جار على غير مراده لانه يتوهم ان النفس تحدث صورا من غير مشاركة المواد ومثل به بما يحصل للمبرسم من الصور من غير مشاركة المواد وهو غلط لان المبرسم انما تحصل له الصور بمشاركة المواد وهي الابخرة الحارة المتصاعدة فانها اجسام مادية متشكلة بصور مستقيمة او معوجة وكذلك النائم فانه انما يرى صور ما كانت في الخارج كما اشار اليه الرضا عليه السلام كما تقدم

وقوله { ففي حالة الموت لا مانع من ان تدرك النفس جميع ما تدركه وتحسه من غير مشاركة مادة } فيه ان تفريعه على غير اصل ثابت كما بينا من توهمه في المبرسم والنائم وكذلك الانسان حال الموت فانه انما يرى صورا منتزعة من امور خارجية كما قال امير المؤمنين عليه السلام ان العبد اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا واول يوم من ايام الاخرة مثل له ماله وولده وعمله فيلتفت الى ماله فيقول والله اني كنت عليك حريصا شحيحا فما لي عندك فيقول خذ مني كفنك قال فيلتفت الى ولده فيقول والله اني كنت لكم محبا واني كنت عليكم محاميا فما لي عندكم فيقولون نؤديك الى حفرتك فنواريك فيها قال فيلتفت الى عمله فيقول والله اني كنت فيك زاهدا وان كنت علي ثقيلا فما لي عندك فيقول انا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتى اعرض انا وانت على ربك الحديث فهذا ومثله هو ما يراه الانسان حال الموت وانه صور ممثلة له وهي مثل صورة ماله وصورة ولده وصورة عمله انتزعت منها فيراها كما يرى الجدار بخياله او ببصره لانها صور قائمة بموادها اذ لا يمكن وجود صورة لا مادة لها في نفس الامر لانها مقادير لا توجد الا في مقدر الا ان مادتها بنسبة كونها كالصورة الموجودة في المرءاة فان مادتها عرضية لان مادتها ظل صورة الشاخص المشرق على وجه المرءاة وصورتها هيئة زجاجة المرءاة وصفاؤها ولونها وليس مرادنا بالمادة خصوص الجسمانية العنصرية بل مرادنا ما هو محل الصورة الذي تتقدر فيه سواء كانت عنصرية جسمانية ام طبيعية نورانية ام نفسانية ام عقلية نورانية جوهرية ام عرضية من اي عرض كان فلا يدرك شيء من عالم الغيب شيئا من عالم الشهادة الا بمشاركة ما هو من عالم الشهادة وان كان بالتدريج في اللطافة فان الطف الاشياء من الذوات المقيدة عقل الكل واكثفها الارض وما بينهما بالنسبة فالالطف يدرك الاكثف بتعاطي الوسائط بان يعطي الكثيف ما يليه مما هو الطف منه وهذا الالطف يعطي ما فوقه وهكذا وبعكس التعبير فالالطف ينتزع مما دونه وهذا ينتزع مما دونه حتى ينتزع عقل الكل معنى الجماد بتناول الوسائط ولا يكون في الدنيا شيء الا هكذا واما في الاخرة فيكون كل ما يفرض كما تقدم فافهم

قال :

اقول ان التصورات الواقعة في الفكر والخيال والعلم والوهم بل والحس المشترك والاخلاق التي هي دواعي الفطرة ومن دواعيها والملكات التي هي الفطرة الثانية القارة وتقييده بالنفسانية اما لبيان ما هو الواقع او احترازا عن الملكات الجسمانية فان الملكة كما تكون في النفس تكون في الجسم وان لم تجر العادة بتسمية تلك القوة ملكة كما لو عود جسمه او بعض اعضائه على حال كحمل ثقيل او سرعة حركة حتى استقرت له تلك الحالة فانها ملكة يصدق تعريفها عليها قد تترتب عليها اي على الملكات والاخلاق والتصورات اثار خارجية عنها بل تظهر على الجسم كحمرة الخجل فان الشخص اذا تصور ظهور عورة من عورات احواله او بدنه تسترت نفسه بظاهرها كما يتستر الشخص بثوبه وظاهر النفس هو الدم لما قررنا من تقومه بالعلق التي في القلب المتقومة بالدم الاصفر المتقوم بالابخرة التي هي متعلق النفس الفلكية التي هي متعلق النفس الانسانية فتدفع الدم الى ظاهر الجسم لتستتر به فتظهر الحمرة وكصفرة الوجل لانها اذا اشتد بها الخوف حاولت الفرار واشتغلت بنفسها وضعفت القوى الممدة بالغذاء الدموي فاذا تحلل وجف من البشرة ضعف بدل المتحلل وقل فاصفرت البشرة او انبسطت المرة السوداء لضعف مقابلها ووجود مقويها وكذلك الانعاض بان تدفع الروح البخاري الريح التي تملأ عروق القضيب عند تصور الجماع فينتشر وقد يرى في المنام انه يجامع او بعض مقدماته فينزل منه المني لان مبدء الشهوة من النفس الحيوانية الحسية الفلكية وهي متقومة بالروح البخاري فاذا مالت الحسية مالت بالروح البخاري ومالت بالمني لانه من البخاري كالثمرة من الشجرة فاذا تحركت النفس فانما تتحرك بمتعلقها ومتعلقها الذي هو الروح البخاري سار في جميع العروق والعروق كلها مجتمعة الاطراف في البيضة اليسري وارسطوطاليس يرى ان البيضتين لا منفعة بهما في توليد المني وانما تولده العروق والشرايين المتصلة بالبيضتين وجالينوس يرى ان هذه العروق والشرايين يقرب فيها الدم من طبيعة المني ولذلك كثرت تعاريجها ولفائفها لكن انما يكمل منيا بالفعل في البيضتين اقول وكلام جالينوس اقرب الى الصواب والحاصل اذا تحركت الروح بحركة النفس حركت العروق فافرغت اليسرى في اليمنى واجرته في القضيب فخرج المني من تحريك الحيوانية لا الانسانية

وقوله { وقد يحدث المرض الشديد من التوهم فينصب الخلط الفاسد في البدن من غير سبب خارجي } وهم فان ما اشرنا اليه سابقا كما سمعت كله بالاسباب الخارجية وكذا حدوث المرض الشديد بالتوهم فان الطبايع الاربع ما دامت متقاومة لم يحدث مرض ولكنه اذا توهمت نفسه مرضا ربما مالت نفسه على طبيعة ذلك المرض خوفا كما تلقي الفريسة نفسها على السبع خوفا منه فاذا مالت الى طبيعته تأخرت الطبيعة المقابلة لها لعدم توجه النفس اليها فتقوي طبيعة ذلك المرض كما لو طغت وزادت على مقابلتها فيحدث ذلك المرض بموجبه كما يحدث من دون توهم

وقوله { وقد جزت هذا وامثاله } هذه من جملة عبارات الصوفية ومعناها يقول اني في عروجي الى الحق ليلة اسري بي مررت بهذه المعاني المذكورة وتجاوزت عنها صاعدا ويقول احدهم اني في معراجي الى الله مررت بعلوم العربية وتجاوزتها صاعدا ومررت بالعلوم المكتومة من السحر كالسيمياء والليمياء والريمياء والهيمياء وكالكيمياء وعلم الجفر والرمل وعلم الكتف وزجر الطير وما اشبهها وتجاوزتها ويريدون انه صعد اليها وتعلمها وجازها صاعدا والمصنف يقول كما قالوا ويريد ما ارادوا

وقوله { ومن شواهد هذا الرجل الغضبان عند حدوث غضبه وهو كيفية نفسانية انما قال وهو كيفية نفسانية اشعارا بان النفس تحدث آثارا من غير مشاركة من المواد وهو غفلة عما اتفقوا عليه من ان النفس وان كانت مفارقة في ذاتها لكنها مقارنة في افعالها بمعنى ان افعالها مقارنة للاجسام لا يقع منها شيء الا بمشاركة المواد حتى ادراكها للصور العلمية فانه بمشاركة الحواس الظاهرة بمعنى ان الحس المشترك المتوسط بين الظاهرة والباطنة يأخذ منها ويؤدي الى الخيال والخيال يؤدي اليها وفيما نحن فيه ان النفس لو فرض غضبها بنفسها من غير مشاركة شيء من المواد لم يظهر لغضبها اثر مع ان غضبها اذا حصل لها موجبه انما تغضب بواسطة غليان دم القلب لان هذه التي يقع منها الغضب ليست هي الناطقة وانما هي الفلكية الحيوانية الحسية التي اذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة وهي التي من خواصها الرضا والغضب ومتعلقها الذي لا تتحقق بدونه هو النفس النباتية اي الروح البخاري المتقوم بالدم فاصل غضبها انما يتحقق بغليان دم القلب كما ان الضارب انما يتحقق اثر ضربه بالسوط او باليد او ما اشبههما فلا يتحقق الاثر بل ولا التأثير بل ولا الباعث عليهما الا بمشاركة الوسائط الجسمانية اذ الغضب انما يتحقق من النفس الحيوانية الحسية الفلكية بمشاركة غليان دم القلب لانه هو المهيج للنفس على الغضب وان كانت هي الباعثة على الغليان لان غضبها انما هو بالغليان لا انه لازم لغضبه كما توهم فينتشر الدم في عروقه وتشتد حمرة وجهه اذ بغليان الدم ودفعه الى ظاهر البشرة يغضب لان النفس تكاد تثب على المغضوب عليه وتسطو به فتدفع نفسها الى جهة الخارج بدفع الدم اليه فيحمر الوجه وقد يتكاثف فيسود ويتحرك اوداجه التي هي مجاري النفس بسرعة النبض وقوته وتضطرب اعضاؤه لاختلاف البواعث واختلاف جهاتها وقد تطلع على قلبه نار من حرارة الارادة وقوتها وتواترها تحرق اخلاط بدنه وهي برودته ورطوبته وتفنى رطوباته لشدة حرارة الارادة وقد يعمي بصره من ذلك بحيث ينزل فيه الماء الاسود لامتلاء كهف دماغه من سواد الادخنة المتولدة فيه لقوة اليبوسة وربما يموت تغيظا لفساد مزاج الروح لجفاف رطوبة القلب المائية فتتعفن فيه الرطوبة الدموية وانقطاع مادة حياته من الدم الصالح لتكون روحه البخاري كما يجري في كثير من احوال الزبرق وهو حيوان في طرف ذنبه كالمغرفة يبول فيها فيرش به ما يراه فاي شيء اصابته قطرة احترق في الحال وهو بقدر الكلب ويهرب منه كل شيء فاذا طلب شيئا ربما يثب عليه ووثبته قدر ثلاثين ذراعا فان لم يدرك ما طلبه ربما صرخ ومات في مكانه لشدة غضبه وحرارة مزاجه فيحترق بنفسه والحاصل ليس الامر كما ظنه من ان النفس تدرك المحسوسات وتصدر عنها اثار محسوسة ايضا من غير مشاركة شيء من الاجسام او الجسمانيات بل لا تدرك شيئا ولا تصدر عنها اثار محسوسة الا بمشاركة المواد

قال :

اقول اخذ في بيان ما يعاد يوم القيمة على نحو مبني على ما قدم من الاصول فقال ان المعاد بضم الميم يريد به الذي يعاد من الاجسام في يوم المعاد بفتح الميم يوم القيمة وهو الذي تعاد فيه كل ما وجد في الدنيا مما نزل اليها من الخزائن في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فانه يعود الى اصله والكلام في خصوص اعادة الانسان ما المعاد منه اما نفسه فاتفق المتشرعون من الاولين والاخرين على عودها يوم القيمة بالدليل العقلي والنقلي واما الجسم فالقائلون باحكام الشرائع قائلون باعادته بالدليل النقلي تسليما لاخبارات الكتب السماوية ولحملتها حيث لم يجدوا في عقولهم ما يدل عليه ونحن قد اشرنا فيما تقدم الى ما يدل عليه عقلا والقائلون باعادة الجسم اختلفوا في المعاد ما هو هل هو ما انتسب الى نفسه وان تغير في مادته وتبدل ام المعاد هو الموجود في الدنيا بمادته وان تبدلت صورته ام هو الموجود في الدنيا بمادته وصورته من غير تبديل ولا تغيير ام هو الموجود بصورته في الدنيا لا بمادته واول ذكر المصنف فيما سبق يشير الى الاخير من ان المعاد هو الانسان بصورته حتى لو فرض تجرد صورته عن مادته لكان هو بعينه باقيا عند ذلك التجرد كما ذكره في الاصل الاول وثاني ذكره يشير الى الاول كما هنا والمعنى فيهما واحد حتى ربما قيل انهما عبارتان عن معنى واحد ويمكن ارادة الفرق بان المنتسب ما انضاف الى النفس وان تغيرت الصورة بتبدل بعض حدودها والحاصل الاول والرابع ان اريد منهما التعدد يلزم منهما عدم فائدة التكليف وعدم فائدة البعث لعدم بقاء مقتضي الثواب والعقاب فلو اعيد الشخص لم يكن عليه عقاب لعدم وجود المعصية ولا ثواب لعدم وجود الطاعة لانهما ذهبا بذهاب متعلقهما فالشخص على قولهم في كل آن جديد ولا يخفى على كل عاقل مؤمن بالشريعة بطلان هذا القول مع ما يشهد العقل ببطلانه والاصل في كلامهم انهم وجدوا ان كل حادث محتاج في بقائه الى المدد ومدده متصل به اتصالا سيالا فهو كالنهر الجاري ولا ريب ان النهر انما هو نهر بمائه وماؤه كل آن جديد غير الاول وكما ان النهر الجاري اذا وضعت فيه طيبا او نجاسة ثم اخذت ماء من المكان الذي القيت فيه طيبا او نجاسة لم تجد فيه من الذي القيت شيئا لانه تجاوز مع ما حل فيه من الماء واتى في مكانه ماء جديد لم يكن فيه شيء من الطيب او الخبث كذلك هذا الشخص اذا قلنا بان الشخص انما هو بدن هذه النفس سواء تغيرت اجزاء هذا البدن ام تبدلت بغيرها مع ان المصنف نص على خصوص تبدلها فقال مع انه تتبدل عليه في كل وقت اعضاؤه واجزاؤه وجواهره واعراضه حتى قلبه ودماغه سيما روحه البخاري الذي هو اقرب جسم طبيعي الى ذاته الخ لزم من ذلك ان الشخص في كل ان يكون جديدا فلو كان الامر كذلك كان المعاد جديدا لم يخلق الا حال عوده ولم يجر عليه التكليف بل لم يكن ايجاده عودا بل هو بدؤ ويلزم من هذا كون الايجاد والصنع عبثا والتكليف في الدنيا مشقة بلا عوض والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة لغوا واقرب المذاهب واشبهه بهذا القول مذهب الدهرية والمعطلة فان قلت هذا انما يلزم لو قلنا بعدم تعين النفس واما اذا قلنا بتعينها فلا يلزم ذلك قلت هذا لازم على كل حال لان الجسم اذا جاز عليه التبدل فانما هو لاجل حدوثه وعدم استقلاله بدون المدد لحقيقة افتقاره الى ما يتقوم به والنفس ايضا محدثة وكل محدث لا قوام له بدون المدد وكل جزؤ من الحادث ككله فما يجوز على الجسم يجوز على النفس بعين ما جاز على الجسم فيلزم ما قلنا واما القول الثالث فهو ايضا باطل لما دل عليه النقل والاتفاق من المتشرعين من تغير صور كثير من المعادين فمنهم من يحشر قردا او خنزيرا او غير ذلك ويحشر المتكبرون يوم القيمة على قدر الذر ومنهم من ضرسه قدر جبل احد ودل عليه العقل على ما هو مبرهن عليه في محله من ان هذه المادة والصورة والتركيب يقتضي عدم الدوام ابد الابدين وان الخلق المعادين يعادون كما بدئوا ونزلوا الى الدنيا ولم ينزلوا الى الدنيا من عالم الغيب بهذا التركيب الكثيف وانما لحقتهم هذه الكثافات والاعراض من هذه الدنيا ولا يخرجون منها بنفس اعراضها وكثافاتها وان لحقتهم احكامها في اعمالهم واما القول الثاني فهو الحق الذي يشهد بحقيته العقل والنقل وقد تقدم له ذكر مصحح من العقل والنقل فان المعاد اذا كان بعينه هو المكلف والعامل بعمله في الدنيا صح ايجاده لوجود الغاية وتكليفه وعمله وبعثهم لعرض اعمالهم وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم الا ساء ما يزرون وصح ثوابهم وعقابهم واما الصورة فهي عرض ليست هي المعادة كما توهمه المصنف لانها هيئة المادة فالمعاد حقيقة هو المادة بهيئة عمل الشخص وان كانت المادة في نوعها تتبدل من نوع الى نوع بصور الاعمال لكن المعاد هو اللابس للصورة لا نفس الصورة كما زعمه المصنف فان زيدا خلق بصورة الانسان في الظاهر بمجرد اجابته ظاهرا حين قال تعالى له الست بربك فان وافي وعمل بما عاهد عليه الله خلق الله تعالى باطنه بعمله انسانا فيموت انسانا ويحشر انسانا لان مادته حينئذ بعمله من نوع مادة الانسان وان عصي واتبع شهوة نفسه تقدرت مادته بصورة الحيوان لانها صورة عمله وبقيت عليه الصورة الانسانية في الظاهر سترا من الله سبحانه وابلاء للمكلفين من قوله عز وجل ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى فاذا مات واضمحلت منه الصورة الانسانية في قبره ولحقت بالكرسي ظهرت عليه الصورة الحيوانية صورة عمله لان مادته تقدرت بها ويحشر حيوانا لان مادته حينئذ بعمله من نوع مادة الحيوان فالمادة هي الجوهر المباشر للعمل ويتصور بصورة عمله لانه كان في عالم الذر اجاب ظاهرا بقوله بلى واضمر شهوة نفسه وكان في عالم الذر مختارا بالاختيار الصلوحي فلما سئل اجاب بقوله بلى لان اختياره وان كان كافيا في التكليف لكن المحضر تترجح فيه الاجابة فاجاب بلسانه واضمر الخلاف فلما نزل في هذه الدار واعيد عليه التكليف ثانيا تثبت في شبهته فانزل الله وماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل فكان اضماره الخلاف منشأ للعمل بشهوة نفسه فهو اي ذلك الاضمار طينته التي خلق بعمله منها فيحشر بها لانه حين اضمر الخلاف قلبت به طينته ومادته من نوع مادة الحيوان في تكليف الذر فلما نزل في هذه الدار وتقرر فيه الاختيار وكمل بالتكرار وكلف بما كلف به في عالم الذر اظهر ما اضمر وعمل بالطبيعة الحيوانية فيحشر حيوانا لان مادته انقلبت باعماله من نوع مادة الحيوان والصورة في الحقيقة هيئة المادة فهي هيئة الشيء المعاد وليست هي الشيء ولهذا مثل الصادق صلوات الله عليه جلود اهل النار في اعادتها باللبنة تكسر وتصاغ في قالبها ثانيا وقال هي هي وهي غيرها يعني هي هي بمادتها وهي غيرها بصورتها كاللبنة ولان المادة هي المباشرة لما يترتب عليه الثواب او العقاب فان قلت انك قائل بان الممكن غير قار الذات لنفسه بل يحتاج في بقائه الى المدد والمدد متصل اتصالا سيالا فيكون قولك كقول المصنف فيكون الشخص على قولك في كل آن جديدا فيلزمك ما الزمته في كلامه من بطلان فائدة التكليف وبطلان الثواب والعقاب وبطلان فائدة المعاد قلت انا نقول بان كل ممكن غير قار الذات لذاته وانه محتاج في بقائه الى المدد ولكن بغير طريقة المصنف بل نقول ان الممكن ليس في تبدله وتغيره كالنهر الجاري الممتد الذي لا يلتقي طرفاه ليلزمنا ما لزمهم وانما نقول انه كالنهر المستدير الذي يصب اخره في اوله لا يذهب منه شيء الا عاد اليه بنفسه ولكن اجزاءه المتحللة الفانية تعود اليه فهو يمد منها كلما فني شيء اعيد فهو يكسر ويصاغ بما منه وبما له وليس انه يصاغ بشيء جديد لم يكن منه حتى يكون ما ذهب منه ذهب بخيره وشره بل يصاغ بشيء جديد كان قد بلى واضمحل واعاده المبدئ له اول مرة سبحانه وتعالى يعيده بخيره وشره جديدا بل ما ذهب يعود فيكون الشخص في كل آن طريا جديدا من حيث الكسر والاعادة والصوغ لا من حيث تبديل اجزائه بغيرها بل الجديدة التي هي المدد هي الاجزاء الاولى المتحللة الفانية بعينها لانها حين تحللت خرجت عن رتبة التركيب والتأليف الى رتبة الامكان او الى رتبة الهباء والبخار او الى رتبة جوهر الهباء الذي هو اخر المجردات واسفلها او لحقت بالصور النفسية او الرقائق الروحية او المعاني العقلية ثم اعادها المبدئ عز وجل الى الشخص من الطريق الذي بدأها فيه جديدة الكون او النزول او التأليف طرية الحصول واقامه بها كما اقامه بها اول مرة فلم تتبدل اجزاؤه وانما تعاد وتجدد وبها كان المدد فقد امده منه فالمعاد هو الاول العامل لاعماله الصالحة او الطالحة بعينه وبكثرة كسرها وصوغها وكسرها وصوغها يتناهى الصاعد في علوه الى اعلى الدرجات والنازل في سفله الى اسفل الدركات فتمت كلمته وبلغت حجته وما ربك بظلام للعبيد فافهم

وقوله { الملموس المركب من الاضداد } صدر عن الطبيعة الاولى الفطرية ولهذا كان مخالفا لما يعتقده ولما قرره سابقا من ان الملموس ليس هو الخارجي وانما هو من عالم الملكوت مماثل للخارجي لكنه لما غفل عن تطبعه جرى على لسانه الصواب بمقتضي فطرته الاولى لانه يريد به المحسوس الظاهر

وقوله { حتى قلبه ودماغه } يريد بالقلب الجسم الصنوبري وبالدماغ مخ الرأس لانه يريد الاجسام اذ هي عنده هي المتغيرة المتبدلة واما القلب الذي هو العقل فانه عنده ثابت لا يتغير ولا يتبدل وكذلك النفس ولهذا ذكر المتبدلات كالجسم واعضائه واجزائه وجواهره واعراضه وقلبه ودماغه وروحه البخاري اعني نفسه النباتية وقد بينا ان كل ممكن ليس بثابت ثبوتا حقيقيا وان صدق عليه الثبات العرفي والاضافي بالنسبة الى ظاهر التغير والتبدل وكثيرهما وسريعهما لاشتراك الكل في الحاجة والافتقار في بقائه الى مدد الله سبحانه فلا فرق في الافتقار في البقاء الى المدد وفي التغير وفي التبدل بالمعنى الذي ذكرناه بين عقل الكل وبين الجماد والنبات الا ان المتكلمين وطائفة من الحكماء اختلفوا في هذه المسئلة فقال قوم كل ممكن متغير متبدل محتاج في بقائه الى المدد وقال قوم ومنهم المصنف الاشياء المركبة متغيرة متبدلة محتاجة في بقائها الى المدد والاشياء المجردة البسيطة لا تحتاج في بقائها الى المدد وانما تحتاج في بقائها الى بقائه تعالى لا الى ابقائه وقال قوم الحيوانات الجسمانية والنباتات متغيرة متبدلة والجمادات قارة وقال قوم كل الاشياء لا تحتاج في بقائها الى المدد وان كانت محتاجة في اصل تكونها الى المدد وقال قوم ومنهم السيد المرتضى علم الهدى ان الجواهر المركبات محتاجة في بقائها الى المدد والجوهر الفرد والاعراض غير محتاجة حتى ان السيد المرتضى قال في بعض مسائله وهذا لفظه ويوصف باله بمعنى ان العبادة تحق له وانما تحق له العبادة لانه القادر على خلق الاجسام واحيائها والانعام عليها بالنعم التي يستحق بها العبادة عليها وهو تعالى كذلك فيما لم يزل ولا يجوز ان يكون الها للاعراض ولا للجوهر الواحد لاستحالة ان ينعم عليها بما يستحق به العبادة وانما هو اله للاجسام الحيوان منها والجماد لانه تعالى قادر على ان ينعم على كل جسم بما معه يستحق العبادة انتهى اقول وكل هذه الاقوال وامثالها غير مستقيمة بل هي منحرفة عن طريق الحق والحق ان كل ما سوى الله سبحانه محتاجة في كونها ووجودها وفي بقائها الى المدد وان جميعها متغير متبدل تبدل كسر وصوغ وانها تمد بما ذهب عنها وتحلل منها بعد اعادته على نحو ما ذكرنا قبل هذا فراجع وارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين

وقوله { الذي هو اقرب جسم طبيعي الى ذاته } يريد به الروح البخاري مع كونه اقرب الاجسام الطبيعية المادية الى ذاته التي لا تتغير ولا تتبدل يعني نفسه يتغير ويتبدل وهو اي الروح البخاري اول منزل من منازل نفسه عند تنزلها في هذا العالم وقد بينا نحن ان هذه النفس التي عناها هي الانسانية الناطقة وبينا ان اول منازلها الطبيعة النورانية ثم جوهر الهباء الذي اخر المجردات ثم المثال ثم النفس الحيوانية الحسية الفلكية ثم الروح البخاري فالروح البخاري كما تقدم اول منزل من منازل الفلكية الحسية لا الانسانية وبينا ايضا ان الناطقة كالاجسام في التغير وفي التبدل بمعنى الكسر والصوغ

وقوله { وهو } اي البخاري { كرسي ذاته } والكرسي هو محل صور النفس { وعرش استوائه } اي انه استوى على البخاري وانه محل عسكر قواه اي قوى نفسه { وجنوده } اما عطف تفسيري او ان الجنود هي الملائكة الموكلة بتلك القوى وعندنا ان الشخص كرسي ذاته هي النفس الانسانية التي هي محل صوره والجنود هي الملائكة الموكلين بالقوى وعرش استوائه هو عقله ومعسكر جنوده هو عقله ونفسه وخياله وفكره

وقوله { فان العبرة في بقاء البدن بما هو بدن شخصي انما هي بوحدة النفس فما دامت نفس زيد هذه النفس كان بدنه هذا البدن لان نفس الشخص تمام حقيقته وهويته } يريد ان وحدة البدن وتعينه انما هو بوحدة النفس كالنهر الجاري فانك كلما رأيته قلت هذا الماء هو الذي شربنا منه العام الماضي مع ان الماء يتبدل كل آن لكن مكانه لم يتغير فكانت وحدة الماء وتعينه باعتبار وحدة مكانه لان بدن المشخص عند المصنف كماء النهر فانه بما هو هو انما هو بوحدة مكانه وقد بينا بطلانه كما سمعت لما يلزم عليه من المفاسد وتعليله بان النفس تمام حقيقته لا يفيده لان الاجزاء المتبدلة ايضا تمام حقيقته لان الحقيقة تتغير بتبدل بعض اجزائها او تنقص بل لو جعلت يد زيد لعمرو تغيرت حقيقة عمرو بزيادة او نقصان مع انها يد مكان يد فكيف مع تبدل اجزاء قلبه ودماغه وروحه البخاري او وضع له رأس غير رأسه وقد ذكر الفقهاء مسئلة حكم اكثرهم بها وهم لا يعرفون سرها وهي ان القارئ في الصلوة لا بد وان يعين البسملة للسورة بعد الحمد فلو شرع في السورة بعد ان بسمل من غير قصد بها للسورة اعادها ولم يعتد بتلك السورة وان كانت التوحيد او الجحد ما لم تكن مقصودة عند الدخول في الصلوة او معتادة والسر فيه ان الشيء لا تثبت حقيقته بذهاب شيء منه وان وضع مثله مكانه لان الشيء شيء به اي بنفسه لا بغيره ولان تبديل الذرة من الشيء تبديل في الهوية واما صدق الاسم مع التبديل فحكم مجازي صناعي لا حقيقي اذ كل ذرة لها حصة من التعين

قال :

اقول { كلامه هذا هو ما تقدم بمعناه لانه اتى بهذا تمثيلا لما ذكر اولا لانه يريد ان هذا اذا قيل انه ممن يشب وينمو فانما ذلك بزيادته وتبديل اجزائه بغيرها مما يغتذي به فان جميع اجزائه الاولى قد اضمحلت لانها تتحلل تحللا سيالا وذبولا متصلا حتى لم يبق من الذي كان به طفلا حين كان كبيرا شيء وبدل مكانها بما يشابهها وكذلك قال الرجل الشائب كان طفلا وبعد ما شاب زال عنه جميع ما كان له عند الطفولية من الاجزاء والاعضاء يعني الجزئية والكلية فهو جديد طري على كلامه مع انه يصدق عليه انه هو الاول من حيث ان نفسه هي النفس الاولى ويعني به كما مثلنا به كالنهر الجاري ولهذا قال بل اصبعه هذا صدق انه الاصبع الذي كان له عند الطفولية مع انه قد عدم في ذاته مادة وصورة ويريد بهذا الصدق مثل صدق اسم الماء الذي شرب منه في العام الماضي على هذا الماء الموجود في النهر الان ولذا قال ولم يبق بما هو جسم معين في ذاته من نوع معين وانما بقي بما هو اصبع لهذا الانسان لبقاء نفسه الى اخر كلامه وانت قد سمعت ما يلزمه في كلامه هذا فان هذا الشخص اذا باشر باصبعه معصية لم يتب عنها ثم مات بعد سنين غير تائب عن تلك المعصية ولا نادم على فعلها فان اصبعه الموجود غير الاصبع العاصي كما قال المصنف انه ليس بذاك بعينه من وجه يعني في حقيقته وهو ذاك من وجه يعني من جهة وحدة نفسه فان عذب هذا الاصبع وهو في الحقيقة غير الاصبع العاصي كان ظلما وهذا مثل ما اذا كان ثوبك نجسا ثم ذهب وجددت ثوبا اخر ولبسته حتى صدق عليه انه ثوبك كان نجسا لانه ثوبك وثوبك نجس واذا تغير ماء البئر بالنجاسة ثم غار ثم نبع فانه على قاعدة المصنف نجس والفقهاء اجمعوا على طهارة النابع الا من بعض غير مستقيم وان لم يعذب لزم بطلان الثواب والعقاب والمصنف على مذهبه هذا غير قائل باعادة الاجسام عند اهل البيت عليهم السلام وان قال باعادة الصور لان المعاد عنده هو الصور والمعاد عندهم عليهم السلام هو المواد واما الصور فهي هيئات المواد وكيفيات اعمالها التي تتصف المواد التي هي العاملون بها

وقوله { وكلا الوجهين صحيحان } يريد بالوجهين ان هذا العائد هو الذي في الدنيا بعينه بمعنى بقاء نفسه وان تبدلت مادته وصورته فانه هو الاول من هذا الوجه وان هذا العائد ليس هو الاول لان الاول قد عدم في ذاته مادة وصورة ولم يبق بما هو جسم معين في ذاته من نوع معين بان يكون طينة بشرية من مادة انسانية مخصوصة وانما بقي في العائد الثاني انه اصبع سواء كانت مادته من حجر او خشب مثلا ام غير ذلك فانه غير الاول من هذا الوجه وقال ان هذين الوجهين باعتبارين لا يلزم بهما تناقض ومعنى كلامه هذا كالاول في الفساد لان المطلوب ليس مجرد حصول صدق اسم الاصبع خاصة اذ بهذا اللحاظ لا تترتب عليه فائدة الاعادة والبعث يوم القيمة والا لجاز ان يحدث تعالى لروح زيد جسدا من حديد او من ذهب على صورته في الدنيا وتوضع الروح فيها فانه على قوله يصدق عليه انه جسد زيد ولكن لا يصدق على ان جسد زيد اعيد يوم القيمة وانما اعيدت نفسه وروحه في جسد ذهب وهذا هو معنى قولي انه على مذهبه هذا عند ائمة الهدى عليهم السلام انه غير قائل باعادة الاجسام فعلي مذهب اهل الحق عليهم السلام الوجهان باطلان وكذلك قوله { فالانسان الشخصي المعاد بعد الموت هو هذا الانسان بعينه } فان هذا الكلام ايضا باطل لانه يريد ان المعاد يوم القيمة هو هذا الموجود في الدنيا الذي هو زيد بنفسه وان كانت مادته وصورته فنيتا ولم يعودا وانما عاد مع نفس زيد غيرهما وهذا ظاهر لمن له ادنى فهم ان المصنف يلزمه انه لم يقل بالمعاد الجسماني بل قائل بنفيه وباعادة بدله بل بايجاد بدله اذ البدل لم يكن معادا والا لم يكن بدلا وانما يوجد حين البعث بل في البعث في طول يوم القيمة وفي الجنة او في النار دائما هو طري في كل ان لان هذا هو مقتضى الافتقار الى المدد في البقاء ولا يختص هذا الحكم بالدنيا كما توهمه المصنف ويأتي الكلام فيه بعد هذا

قال : ولا يقدح في ذلك ان هذا البدن الدنيوي مضمحل فان فاسد مركب من الاضداد والاخلاط الكثيفة العفنية وان البدن الاخروي لاهل الجنة نوراني باق شريف حي لذاته غير قابل للفناء والموت والمرض والهرم وان بدن الكافر ضرسه كجبل احد وصورته صورة الكلب والخنزير او غير ذلك يذوب في النار التي تطلع على الافئدة ثم تتبدل عليهم جلودهم واعضاؤهم كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم الاية وقد روى انه يكلف بالصعود الى عقبة في النار في سبعين خريفا كلما وضع يده عليها ذابت فاذا رفعها عادت وكذا رجله اذا وضعها ذابت فاذا رفعها عادت فقد علم ان هذا البدن محشور في القيمة مع انه بحسب المادة غير هذا البدن وذلك بحكم الاول والثاني وهو ان الشيء بصورته هو ما هو لا بمادته وان بقاء الموجود بشخصه لا ينافيه تبدل العوارض ونفس المادة من حيث خصوصها من العوارض

اقول يريد ان كون الانسان الشخصي المعاد بعد الموت هو هذا الانسان بعينه لا يقدح فيه اي في صحته ان هذا البدن الدنيوي مضمحل فان فاسد مركب من الاضداد والاخلاط الكثيفة التي لا بقاء لها مع ان البدن البدن الاخروي ثابت باق بسيط شريف حي لذاته لا يقبل الفناء والمرض والهرم والتبدل ويريد ان بدن الكافر ضرسه كجبل احد مع ان مادته في الدنيا صغيرة ولو كانت مادته في الاخرة هي مادته التي في الدنيا لكان صغيرا في الاخرة على حسب مادته وصورته صورة الكلب والخنزير ولو كانت هي صورته في الدنيا لكان في صورة انسان وبدنه يذوب في النار التي هي الحطمة التي تطلع على الافئدة تعذب البواطن كما تعذب الظواهر وكلما فني بدنه وذاب واضمحل اعيد مثله بحيث يصدق عليه انه هو وهو غيره وكلما نضجت جلودهم بدلت جلودا غيرها ويقول وقد روي ان الكافر يكلف بالصعود الى عقبة في النار في سبعين خريفا والخريف سبعون سنة كما رواه في معاني الاخبار والخريف كناية عن السنة لان العرب كانوا يورخون اعوامهم بالخريف لانه كان اوان جذاذهم وقطافهم وادراك غلاتهم وكان الامر على ذلك معنى حتى ارخ عمر بن الخطاب سنة الهجرة قاله في مجمع البحرين فيكون ما تفسيره بالسبعين السنة خريف الاخرة كلما وضع الكافر يده على ذلك الجبل ذابت الى كتفه فاذا رفعها عادت وكذا رجله اذا وضعها ذابت فاذا رفعها عادت ثم قال تفريعا على ما قرره مما ذهب اليه فقد علم ان هذا البدن محشور في القيمة مع انه بحسب المادة غير هذا البدن وذلك الحكم بحكم الاصل الاول الماضي وهو ان الشيء بصورته هو ما هو لا بمادته وبحكم الاصل الثاني وهو ان الموجود بشخصه لا ينافيه تبدل العوارض ونفس المادة من حيث خصوصها من العوارض لان كون تشخص الشيء نحوا من وجوده قد قدمنا هناك بطلان هذا الاصل على ان المادة ليست من العوارض بل هي اقوى اركان تقومه وليست من المشخصات العارضية مع انها من المقومات لانها ( اي المشخصات ) هي الفصل المقوم للجنس وايضا اذا جعل المادة من حيث خصوصها من العوارض اللازمة مع انها من حيث خصوصها هي حصة الجنس المتقومة بالفصل فما المتقوم بالفصل غيرها وما المعروض الملزوم غيرها فلعله يريد به الوجود الخارج عن حقيقة المحدود الا اذا اريد به المادة كما اذا قلت الانسان حيوان ناطق فان الحد الحقيقي الجامع لذاتيات المحدود الحيوان الذي هو المادة والناطق الذي هو الصورة واين ذهب الوجود الا اذا اريد به المعنى الوصفي العام المسمى بالفارسية بهستي فيكون هو من العوارض الخارجة لا المادة واقول قد تقدم ما ينقض هذا كله ويأتي ايضا فان البدن الدنيوي اذا فسد واضمحل ان قال انه يعود بنفس مادته المتصفة بصورة عمله فحسن واما اذا حكم بان العائد غيره من حيث خصوص المادة كما ذكر فلا شك انه قول بعدم اعادة الاجسام وان البدن الذي تعود فيه النفس ليس معادا وانما احدث ابتداء فان حكمه على بدن الدنيا بالفناء والاضمحلال والتركيب من الاخلاط الكثيفة العفنية وحكمه على البدن الاخروي الذي تعود اليه الروح وتحشر فيه انه اذا كان لاهل الجنة نوراني باق شريف حي لذاته غير قابل للفناء والموت والمرض والهرم دليل على ان حكم ابدان اهل الدنيا متقض في الدنيا عنده وان ابدان اهل النار فيها التركيب وتجري عليها احكام ابدان اهل الدنيا من الفناء والعدم واعادة امثالها من غيرها وان ابدان اهل الجنة بسيطة غير مركبة كابدان اهل الدنيا بل هي نورانية باقية لذاتها حية لذاتها غير محتاجة في بقائها الى المدد وغير محتاجة الى ابقاء الله سبحانه لها وانما تحتاج الى بقائه كما صرح به في الارواح القادسة وهو ظاهر قوله هنا حي لذاته وانت اذا تأملت في معاني كلامه رأيت خبط عشواء من غير معرفة ما فيه من التناقض والاضطراب لما اشرنا سابقا اليه من تساوي جميع الممكنات في الحاجة وان احكام الابدان واحدة لا فرق بين اهل الدنيا واهل الاخرة ولا بين اهل الجنة واهل النار وان تهافت ابدان اهل الدنيا من الاعراض والغرائب الاجنبية وان تماسك ابدان اهل الجنة من ثمرات تصفية اعمالهم وان تفريق ابدان اهل النار من غرائب خلط اعمالهم كلما اجتمعت اعضاؤهم بمقتضى قابلية طبيعة موادهم المقتضية لاعادة ما افنته النار من المتفرق فرقتها النار بسبب اختلاط الغرائب بها لان النار تفرق المتفرق وتجمع المجتمع كما هو مبرهن عليه في العلم الطبيعي المكتوم واما انه يحشر المتكبرون يوم القيمة كهيئة الذر فلان المتكبر مستنكف عن قبول المدد الذي لا يقبل الا بالخضوع والخشوع المطابقين لامر الله سبحانه واما ان ضرسه كجبل احد فلما في نفسه وطبيعته من الحرص والطمع فعظم ضرسه مع قلة مادته وصغرها لكثرة ما يكتسبه من الغرائب العارضة كما ترى زيدا ربما عفن وسمن فكان بقدر حاله الاولى مرتين او ثلاثا وربما ضعف ونحف فكان اقل من ربعه حالة السمن مع انه هو لم تزد مادته الاصلية حال السمن ولم تنقص والاجزاء الاصلية تقبضها قدرة الفاعل القادر فتلززها فيصغر حجم الشيء كما فعل بعصي السحرة وحبالهم في عصى موسى عليه السلام وكما فعل في صورة السبع المنقوشة على مسند المتوكل حين اكل الساحر الهندي بامر علي بن محمد الهادي عليهما السلام ورجع صورة فكذلك فعل ببدن المتكبر وتبسطها قدرة الفاعل القادر وتنشرها فيعظم حجم الشيء كما تعظم اجساد اهل الجنة للتنعيم واجساد اهل النار لازدياد التأليم والاصل واحد لا يزيد ولا ينقص واما اية تبديل جلود الكفار بغيرها فقد اشرنا قبل الى ان ذلك لا يجوز لئلا تزر وازرة وزر اخرى وتكون مظلومة فيجب العدول عن الحقيقة ويجب ارتكاب التأويل وقد بينه جعفر بن محمد عليهما السلام بانها هي هي وذلك من حيث المادة وهي غيرها من حيث الصورة ومثلها باللبنة تكسر وتكون ترابا ثم تعاد في قالبها فتكون لبنة فهي هي وهي غيرها وما بعد تأويل الصادق عليه السلام الا تأويل الكاذب وكذا اذا كلف الكافر لعنه الله بالصعود الى عقبة الجبل المسمى صعودا كما قال تعالى سارهقه صعودا اذا وضع يده عليها ذابت الى كتفه فاذا رفعها عادت وكذا رجله فاذا اعترف المصنف بانها تعود ثبت ما قلنا واذا اول العود بالابتداء كما هو خلاف الظاهر المعروف لزمه ما قلنا

وقوله { فقد علم ان هذا البدن محشور في القيمة مع انه بحسب المادة غير هذا البدن } خطأ لانه اذا كان الثاني غير الاول بحسب المادة وبحسب الصورة بطل حكم الاشارة في قوله هذا البدن وان كانت النفس عنده لم تتبدل فانها على تقريره كالمحل والمحل لا يغير الحال عن حقيقته فاذا كان في اناء ماء ثم افرغ ووضع في ذلك الاناء دهن لم يصدق عليه انه هو الاول الذي هو الماء وكالمزاج فانه لا يوجب اتحاد ما مزج به ولو في الصدق فان النفس كالماء اذا مزج به التراب كان طينا واذا مزج به الطحين لم يكن طينا بل يكون عجينا

وقوله { وذلك بحكم الاول } اي الاصل الاول الذي ذكره من الاصول السبعة { والثاني } اي الاصل الثاني منها اما الاول فلان الشيء بصورته هو هو لا بمادته انما يصدق في كون الشيء بصورته انه هو الاول فيما عاد منه من نفسه بان يقال هذه نفسه ولا يقال هذا جسمه الا اذا عاد جسمه واما اذا عاد غيره فلا لان الجسم هو المادة واما الصورة فانما هي هيئة الجسم فهي من المميزات وان كانت جزء ماهية الشيء لكنها ليست جزؤ ماهية المادة واما الثاني من اصوله فلان بقاء وجود الشيء بشخصه انما يتحقق اذا بقيت المادة وان ذهبت الصورة واما اذا ذهبت المادة فانه لم يتحقق الوجود الذاتي الذي كان تحقق وتعين بالذاهب وانما الوجود المتحقق مع عدم المادة لذلك الشيء هو الوجود بمعنى هستي في اللغة الفارسية فانه هو المتحقق في كل ما وجد وثبت وان كان في جديد مخترع ولكنه غير المنسوب للذاهب الذي لم يعد فما اعجب هذه العبارات من المصنف وما الذي حداه على هذا التكلف

وقوله { ونفس المادة من حيث خصوصها } بكسر نفس عطف على العوارض يعني ان المادة المخصوصة وان لم تعد فان مطلق الحصول ومطلق هستي حاصل بحصول مطلق المادة فاذا عدمت المادة الاولى الانسانية يحصل مطلق المادة ولو من الحجارة او الحديد ان هذا لهو العجب العجيب

قال :

اقول ثم هنا اتى بها عاطفة على ما قبلها لتلافي ما فاته من الابحاث او التفريعات ويريد بهذا الكلام ان كل ما يدركه الانسان من جميع مدركاته بجميع ادراكاته موجودة بوجود نفسه اي بتبعية وجوده كالاظلة والاشعة والصفات وذلك كانواع النعيم التي يتمتع بها المؤمن في الجنان في الاخرة من الحور العين والقصور وما اعد فيها من الاواني والفرش والارائك والغرف والاسرة وغير ذلك ومن الجنان وما فيها من النخيل والاعناب وسائر الاشجار وما فيها من الثمار الدانية ومن الانهار الجارية من الماء واللبن والعسل والخمر واشباه ذلك مما وعد الله به عباده المؤمنين في الدار الاخرة في جواره من الجنان التي هي دار رضاه ومن اضداد ما ذكر واشير اليه من انواع العذاب التي اعدها في الاخرة للكافرين والمشركين والمنافقين من المجرمين واتباعهم في النار التي هي دار سخطه وليست بامور خارجة عن ذات النفس مباينة بوجودها لوجود النفس وانما هي صفات لها واوصاف لازمة لذاتها اي النفس كما قال تعالى سيجزيهم وصفهم وقال تعالى ولكم الويل مما تصفون وقال الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم اي فهو وصف لكم مثلكم

وقال ايضا { انها اقوى تجوهرا } اي ان جوهريتها اقوى من جوهرية الاشياء المادية العنصرية والطبيعية الجسمية { واكد تقررا وادوم تحققا من الصور المادية المتجددة } المتبدلة وهذا بمقتضى حكم الاصل الرابع كما تقدم مثل قوله هناك : الصور الخيالية القائمة لا في محل بل بمحض الارادة من القوة الخيالية التي قد علمت انها مجردة من هذا العالم وان تلك الصور ليست قائمة بالجرم الدماغي ولا في الاجرام الفلكية كما زعمه قوم ولا في عالم مثالي شبحي غير قائم بهذه النفس بل هي قائمة بالنفس موجودة في صقع نفساني لكن الان ضعيفة الوجود ومن شأنها ان تصير اعيانا موجودة بوجود اقوى من وجود الصور المادية انتهى وهذا الكلام من هذا الاصل مبني على ما قرره هو قبل هذا في ذكر الحواس الظاهرة وان المحسوس منها ليس هو هذه الامور الظاهرة ولا الحاس لها هذه الحواس الظاهرة بل المحسوس منها صورة من عالم الملكوت مماثلة لها والحاس لها هو النفس الانسانية لان تلك الصورة المماثلة في صقع النفس وذكر في هذا الاصل الرابع ان تلك الصور الخيالية من شأنها ان تكون اعيانا موجودة بوجود اقوى من وجود الصور الخيالية واغلب ذلك في الجنة فان جميع ما وعد الله تعالى به المؤمنين من هذا القبيل وهذه هي الجنان وما فيها عند المصنف ومعنى هذا عنده ان هذه الامور الظاهرة المحسوسة ابدان المكلفين من الانس والجن والشياطين ومن الحيوانات وغيرها بل كل ما في الدنيا باقية فيها لم يترق منها شيء الى الاخرة ولهذا حكم بانها فانية وفي الاخرة تكون للمكلفين ابدان بصور ابدانهم بحيث يصدق عليها انها هي الاولى لان هذه الابدان الجديدة كانت على صور الاولى وتشخصها لنفسها اذ تلك فانية متبدلة متغيرة لانها من صقع الدنيا الفانية المتبدلة المتغيرة لم تخلق للبقاء وهذه نورانية باقية لا تقبل التغيير فلما تخلفت الامور الدنيوية عن اللحوق بالامور الاخروية بقيت صورها الخيالية في النفس فوردت النفس محضر الاخرة بما فيها من صور المحسوسات ولو كانت اي ما في النفس صور المحسوسات نفسها الظاهرة لماصحبت النفس الى الاخرة ولكنها صور ملكوتية عند النفس في الدنيا مماثلة للمحسوسات فلذا كانت باقية ببقاء النفس وهذه الصور تكون اعيانا ثابتة في النفس ولهذا كانت ادوم وابقى واقوى تجوهرا واشد تحققا واحق تذوتا من الامور الدنيوية واقول مجاري مراداته في عباراته تشعر بان الدار الاخرة بجميع ما فيها عند المصنف امور عقلية وليس فيها شيء من الاجسام ولا من الامور الظاهرة بل ولا شيء من عالم الشهادة ولقد تبت ايديهم وخسرت صفقتهم وما اشبه هذا الرأي بقول الصابئة الاولى الذين يقولون بغاذيمون وهرمس يعنون بهما شيث وادريس عليهما السلام ولم يقولوا بغيرهما من الانبياء على محمد واله وعليهم السلام فانهم اعني الصابئة الاولى اقتصروا على المعقول من قولهما وتركوا المحسوس والكل قد تجنبوا طريق الرشاد وتركوا سنة المنذر ومنهاج الهاد عليهما وآلهما السلام والحق فيما ذكره ان البدن المعاد يوم القيمة هو بعينه وبمادته وبصورة عمله هو هذا البدن الموجود المحسوس في الدنيا لانه هو العامل للطاعات والمعاصي والمحاسب عنها في قبره وهو المعاد يوم القيمة للجزاء وان احوال الدنيا وما فيها هي بعينها احوال الاخرة كما نطق به الكتاب والسنة وشهدت له العقول المستنيرة بنور الله من كتابه وسنة نبيه واهل بيته صلى الله عليه واهل بيته الطاهرين فان الدنيا مزرعة الاخرة ولذا قال تعالى وما تجزون الا ما كنتم تعملون ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ذق انك انت العزيز الكريم ان هذا ما كنتم به تمترون لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين وبالجملة القرءان مشحون بذلك والسنة كذلك وقال عليه السلام انما هي اعمالكم ترد اليكم وورد ان الاعمال صور الثواب والعقاب ولما كانت الايات والروايات مع صراحتها في المدعي لاهل الدرايات قد تشتبه دلالتها على الذين ادلتهم مقصورة على مفاهيم الالفاظ وجبت الاشارة الى ذلك في كلمات قليلة ينتفع بها اهل الاشارة وهي ان كل شيء في الدنيا فان الله سبحانه انزله من الخزائن كما قال وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وكل شيء يعود الى ما منه بدئ فكل ما في الدنيا نزل من خزائن الغيب ويعود في الاخرة الى ما منه بدئ الا الكثافات والاعراض الدنيوية فان خزائنها الدنيا فلا تعود الى غيرها ولا تخرج منها ولما اقتضى اللطف في التكليف الترغيب والترهيب بذكر ثمرات الاعمال التي الاعمال صورها وفهموا في التكليف بتحصيل الثمرات بوجوداتها الذهنية المنتزعة منها وكانت تلك الثمرات في نفسها ثابتة قبل هذا العالم الدنيوي احوالا نسبية جعل الله سبحانه نسبتها قبل اضافتها في نفسها ومع اضافتها نسبتها الى من تضاف اليه كالحروف ليس لها معنى الا انفسها مثل ج ل ع ز ق ول ه‍ وما اشبه ذلك فاذا الفت ظهر بها المعنى ودلت عليه واحوال الاخرة من الجنة وما فيها والنار وما فيها ذوات وحقائق نسبية بمعنى انها شيء ليست لنفسها بل لغيرها خلقت وتحصيل نسبتها اليك مثلا بالكسب والعمل فان عملت ما تستحق به القصر المعين والحورية المخصوصة كانا لك وان لم تعمل ذلك وعمله زيد كانا له ومثاله الفواكه الموضوعة في السوق من ادى الثمن كان هو المالك المستحق لنسبة تلك الفاكهة اليه لانها بعد اداء الثمن ملكه يتصرف فيها ولو لم يؤد الثمن وادي غيره كان هو المالك فتحصيل الانتساب بالاكتساب فالرابطة بين النعيم الخاص وبين المؤمن مع سبق وجود ذلك النعيم على عمل ذلك المؤمن العمل لانه صورة النعيم فاذا عمل المؤمن اتصف بذلك العمل الذي هو صورة ذلك النعيم فكان ذلك النعيم الجوهري تابعا لذلك المؤمن منسوبا اليه وبيانه ان التكليف اذا توجه الى الشخص تصور من الامر صورة المأمور به ينتزعها ذهنه من المأمور به بواسطة الوصف التكليفي وهذه الصورة وجود ذهني لذلك المطلوب وذلك المطلوب اعني المأمور به صورة خاصة لذلك النعيم وذلك النعيم كان موجودا قبل الصورة الخاصة التي هي العمل بوجود نوعي وصورة نوعية فاذا عمل الشخص العمل المأمور به صور ذلك النعيم بالصورة الشخصية الخاصة وهي صورة عمل الشخص وحصة النعيم النوعي مادة للنعيم الخاص الشخصي وهذا التحصيص ليس اخذا لحصة من نوع مشتمل عليها وعلى مثلها لم تكن في نفسها متميزة الا بالاخذ بل المراد بالتحصيص هنا تحصيص التخصيص لانها كانت في نفسها متميزة الا انها غير متعينة لشخص مخصوص فاذا عمل صيغت بصورة الخصوص بعد ان كانت بصورة العموم وذلك على نحو ما مثلنا بالفاكهة في السوق فكل ما في الاخرة من الاجسام والاعراض والمعاني هو ما كان في الدنيا من الاجسام ومن الاعراض ما لم يكن من اعراض الدنيا ومن المعاني ما لم يكن من معاني الدنيا ايضا كالمحرمات على تفصيل يطول ذكره والزمان موجود في الاخرة لوجود الاجسام في سائر الجنان والزمان والمكان من مقومات الاجسام كما اشرنا اليه سابقا ولو لم يكن في الجنان الا النفوس وصورها والعقول ومعانيها لم يوجد بها زمان ولا مكان وقد ذكرنا سابقا مكررا ان الله سبحانه قال سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال وفي انفسكم افلا تبصرون واجمع العقلاء من اهل العلم ان الانسان نسخة ما في العالم وقال علي عليه السلام :

اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

فاذا عرفت ان الانسان الصغير فيه جميع ما هناك وانه الدليل الشاهد على كل غائب كما قال امير المؤمنين عليه السلام فيما نقل عنه الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم الى كل خير وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار ه‍ وعرفت ان جسمك الأن هو جسم الدنيا وهو جسم البرزخ وهو جسم الاخرة بعينه وانما ينقل من دار دانية الى دار عالية لانه نزل من العالية الى الدانية ويرجع الى محل بدئه عرفت ان ما في الجنة واوضاعها وسمواتها وارضيها وجميع ما فيها من الاجسام فهو مما كان في الدنيا على نحو جسدك هذا في الاخرة وقال تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء وقال تعالى خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ومن هذا جنة الدنيا هي جنة الاخرة قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا فبكرة وعشيا في جنة الدنيا وقال تلك التي في الدنيا هي التي نورث في الاخرة من عبادنا من كان تقيا ونار الدنيا هي نار الاخرة قال تعالى وحاق بال فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا يعني في الدنيا ويوم تقوم الساعة يعني في الاخرة واما كون ما في الدنيا فانيا وما في الاخرة باقيا لا ينافي ما قلنا لان ما في الدنيا مخلوط بالاعراض الغريبة الموجبة للتفكيك والتهافت لحكمة الابتلاء والاختبار في التكليف ولطفا بالمكلفين ليتبين لهم انها دار فناء فلا يركنون اليها وما في الاخرة قد صفي من الغرائب لئلا يجري عليها التغيير وحكم الدارين واحد في احتياج كل ما فيهما في البقاء الى المدد الا ان ما في الدنيا مدده بالمخلوط بالغرائب ومدد ما في الاخرة بما صفي من المنافيات اذ مدد البقاء من نوع مدد الابتداء والاخرة خير وابقى في الافئدة والعقول والارواح والنفوس والطبائع والاشباح والاجسام والاعراض والشهوات من المطاعم والمشارب والمناكح والملابس واشد تحققا في الظاهر اشد ظهورا وبطونا وفي الباطن اشد بطونا وظهورا والاخرة كالدنيا وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا الا انها صورة للاخرة كل ما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها

وقوله { فليس لاحد ان يسئل عن مكانها ووضعها وجهتها الى اخره } بلى للعارفين ان يسئلوا ولهم ان يجابوا اما مكانها الصوري فهي ثمان جنان بعدد ابواب الانسان الصغير الى الخيرات وهي جسمه وحياته وفكره وخياله ووهمه وعلمه ونفسه ( وهي الباب الاعظم الجامع لجميع ما سبق المراد بهذه النفس فلك زحل فانه حكاية اعلى مراتب النفس ) فان هذه السبعة تصلح للخيرات وتصلح للشرور فاذا استعملت للخيرات كانت ابوابا للجنان السبع كل جنة فوق محدب سماء من السموات السبع والثامنة جنة عدن فوق محدب الكرسي ( وذلك ان فوق محدب الكرسي من تفاصيل العقل وشؤنه ) اعني فلك البروج وباب هذه الجنة عقله ولا يصلح هذا الباب لاستعمال الشرور فلذا كانت الجنان ثماني واذا استعملت السبعة للشرور كانت ابوابا للنيران السبع كل نار تحت ارض من الارضين السبع والدار الاخرة هي الحيوان فكل ما فيها حي حيوة حيوانية وحيوة تحقق وتأكد وثبات وحيوة معرفة وحيوة علم وحيوة بقاء وحيوة ملك وسلطنة وحيوة شهوة لا تنقضي وحيوة جدة لا تخلق وحيوة شباب يتجدد وهكذا وتنعم الجنة للمؤمن في فؤاده بانوار معرفة لا تتناهى ولا كيف لها وفي قلبه بانوار اليقين المتجدد كل حين وفي صدره بانوار العلم وفي لمسه وشمه وذوقه وسمعه وبصره بانوار ادراكات لا غاية لها في الشدة والكثرة حتى يدرك الغيب بشهادته وبغيبه وبشهادته وغيبه ويدرك الشهادة بغيبه وبشهادته وبغيبه وشهادته واهل النار في الفقدان كاهل الجنة في الوجدان فمكان الجنة الصورية ما سمعت والجنة المعنوية مكانها مكان المدارك المعنوية وليس على الاختصاص بل كل نور يدرك سائرها بمعنى ان نعيمها تدركه المدارك المعنوية والحسية واما وضعها فعلى ترتيب وجوه ولاية الولي صلوات الله عليه على وضع لا يمليه لسان القلم الا بالتلويح واما جهتها فالجهة العليا ظاهرا وهو معلوم وباطنا وهو البطون الغير المتناهي في الامكان في جهتي الخفاء والظهور والحاصل جهتها وجه الله عز وجل واما انها هل هي في داخل هذا العالم او خارجه فلان الجنة انما يصل اليها اهلها يوم القيمة والأن سائرون اليها بل ابتداء سيرهم اليها منذ كانوا في بطون امهاتهم علقا فكما لا يصلون الى اجسادهم بمعنى انهم لا يشاهدون حقيقتها كما تظهر لهم الأن بشريتها الا يوم القيمة فكذلك لا يصلون الى الجنة بالعيان والحس الا يوم القيمة وذلك لانها في صقع فيه اجسادهم التي يحشرون فيها وهي الأن فيهم في اجسادهم الظاهرة في غيبها بالفعل لا بالقوة وكذلك الجنة فانها موجودة في مكانها بالفعل الأن في صقع المجردات عن المواد العنصرية ولكن وجودها بالنسبة اليك في هذه الدنيا كوجود الصين بالنسبة الى اهل الشام فانهم يتصورون الصين في اذهانهم بصورة ظلية مع ان الصين موجودة معهم في عالم واحد فاذا سافروا اليها ووصلوا اليها عرفوا ان هذه هي التي كنا نتصورها فتنطبق الصورة الذهنية على الصورة الحسية فهي في حال غيبتهم عنها من عالم الغيب بالنسبة الى ما في اذهانهم من صورتها والا فمن حيث الكون هي معهم في عالم الشهادة فكذلك الجنة هي موجودة بالوجود الخارجي معنا لانا نزلنا منها انشاء الله تعالى ولو لم تكن موجودة في الخارج لماوجدنا منها في الخارج ونحن سائرون اليها انشاء الله تعالى فاذا وصلناها انشاء الله تعالى رأيناها اذ كل غائب عنك فهو بالنسبة الى صورته في ذهنك في عالم الغيب لان صورتك في عالم الغيب وذو الصورة معك في كونك في عالم الشهادة فالجنة موجودة الأن فوق محدبات اجرام السموات وجرم فلك الثوابت المستورة باجرامها الظاهرة كجسمك الاخروي الذي تدخلها به الموجود الأن في المستور بجسدك الظاهري ونريد بجسدك الظاهري الساتر لجسمك الذي تحشر فيه خصوص الاعراض الغريبة ومثاله خاتمك قد صغته من مثقال فضة فهذه الصيغة والصورة هي الجسد الاول الساتر لجسم الخاتم الباقي كما اذا كسرته بعينه وصغت فضته التي وزنها مثقال خاتما كصورته الاولى فان صورة خاتمك الاولى في فضته هي جسده العرضي الفاني الساتر لجسمه الباقي اعني الذي صغته ثانيا مع ان المادة واحدة لم تزد ولم تنقص فهذه الاعراض الفانية الدنياوية هي الجسد الفاني الساتر للجسم الباقي وبهذه النسبة غيبوبة الجنة عن البشر في هذه الدنيا بالاعراض الدنيوية ومن هنا قال تعالى لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم على تأويل الاية كما روي عن سيد الساجدين عليه السلام فالجنة في اماكنها المذكورة موجودة بالفعل لا بالقوة كما ان جسمك الاخروي موجود في جسدك هذا لكنها مستورة بالاعراض الدنيوية كما ستر جسمك بالاعراض الدنيوية فان قلت كيف تسمي الجسد الساتر عرضا فانه ان كان عرضا ليس جسدا قلت اريد بالعرض ما هو اعم من العرض والجسد العارض لاني اريد به ما ليس منك اذ كل ما تعلق بك وهو اجنبي فتعلقه عرض مثل ثوبك الابيض اذا لحقه وسخ غير بياضه فانك اذا غسلته زال عنه الوسخ ورجع الى اصله لم يذهب منه شيء وانما ذهب منه العارض الاجنبي

وقوله { لما علمت انها نشأة اخرى } اخذه من قوله تعالى وان عليه النشأة الاخرى الا ان مراده غير المراد من الاية لان المراد من الاية بعث الاموات واعادة ما فات من الاعظم الرفات والمصنف يريد ان ايجاد الجنة طور اخر مغاير للصنع الاول ويرده قوله تعالى كما بدءكم تعودون وقوله تعالى ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون فانه تعالى لامهم على عدم التذكر بالنشأة الاولى للنشأة الاولى وليس ذلك الا لاتحاد هيئة النشأتين واما عدم النسبة بينهما في الوضع فليس في الحقيقة بشيء لان الظاهر اما تنزل الباطن او صفته او معلوله ولا بد في اعتبار كل واحد من الثلاثة من اعتبار الوضع لان وجه المظهر والصفة والمعلول اذا لم يكن الى جهة التنزل في المظهر وجهة الاتصاف في الصفة وجهة الوجه في المعلول لم يتحقق ذلك من كل منها وهو ظاهر كما هو مبرهن عليه في محله واما النسبة في المقدار فلا تعتبر بين ما هو من الغيب وبين ما هو من عالم الشهادة اذ لا تزاحم بينها سواء كان ما هو من عالم الغيب في داخل ما هو من عالم الشهادة ام في خارجه فليس عدم النسبة بينهما في المقدار من جهة الجهل به بل لعدم التزاحم بين ما اتصف بصفات التجرد وبين ما اتصف بصفات الماديات

قال :

اقول يريد ان المراد من الحديث الوارد ان ارض الجنة الكرسي الذي هو فلك الثوابت وسقفها عرش الرحمن الذي هو الفلك الاطلس هو ان الجنة رتبتها في اللطافة والتخلص من المواد المتغيرة المتبدلة والاعراض المغيرة والبقاء والشرف والحيوة والتأثير متوسطة بين غيب الكرسي وباطنه الذي هو النفس الكلية واللوح المحفوظ وبين باطن عرش الرحمن وغيبه الذي هو عقل الكل والقلم ويريد اولا انه ليس المراد به الفضاء المكاني الذي تشغله الاجسام بالحصول فيه وهو الذي لجهات هذا العالم الجسماني بل الجنة من داخل غيب السماء فاما الارادة الاولى اعني بيان رتبتها فهو صحيح في الظاهر بمعنى ان هذا وجه من ذلك صحيح وله وجه اخر هو ان الجنة وما فيها بين الظاهر المعبر عنه بالكرسي بمعنى ان اسفل صفاتها المعبر عنه بالارض ان فيها طعاما مأكولا وبيتا مسكونا وحورية منكوحة وذلك من ارضها وكونها فوق الكرسي انها علوم كما قال عليه السلام اسفله طعام واعلاه علم وبين الباطن المعبر عنه بعرش الرحمن بمعنى ان اعلى صفاتها المعبر عنه بالسقف ان فيها معارف لمية ومدارك قدسية وافاعيل جبروتية سرمدية واقتدارات مليكية وهي الاستواء على العرش المضاف الى الرحمن للاشارة الى القيام بامدادات من ينسب اليه بما به قوامهم وابلاغهم اعالي مقاماتهم من الولدان والحور والجنات والقصور والمطاعم والمشارب وما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وممن الحق بهم من ذرياتهم واتباعهم واخوانهم فان الله عز وجل يكسوهم بكسوة ربوبيته ويحليهم بحلية طاعته كما اشار تعالى اليه بقوله يا عبدي انا اقول للشيء كن فيكون اطعني اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون الحديث لان الاستواء بالرحمانية على العرش اعطاء كل حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه واما ارادة انه ليس المراد به الفضاء المكاني فليس بصحيح لانه كما ان المكانة والشرف والرفعة والاحاطة بالظاهر والباطن والتسلط على غاية المراد والتجرد في المتجرد والمتجسم والتجسم في المتجسم والمتجرد وغير ذلك مما اشرنا اليه مرادة من نسبة بينية الكرسي والعرش من حيث المعنى والغيب والبطون كذلك الفضاء المكاني مراد ايضا كما سمعت من معراج النبي صلى الله عليه واله في السماء مع ان المقصود سبحانه ليس في خصوص السموات لان رفعة المكان الحسي من مقتضيات طبيعة الشرف والتشريف ولاجل هذا كانت الجنان السبع كل واحدة فوق سماء من السموات السبع والثامن جنة عدن فوق الكرسي وهي التي يسكنها محمد واله والنبيون وشيعتهم صلى الله على محمد واله وعلى النبيين وعلى شيعتهم فان قلت ان السموات والارضين يكشط وتفنى فكيف تكون الجنان فوقها والارضين تكون النيران تحتها قلت انها تبدل كما قال تعالى يوم تبدل الارض غير الارض والسموات يعني تبدل السموات غير السموات والمراد بالتبدل هنا هو الكسر والتصفية والصوغ على حد ما قررنا في جسمك في فنائه واعادته بعين مادته وصورة قالب تصويره وتسويته وتعديله وليطابق الباطن الظاهر والظاهر الباطن كما هو حكم الايجاد الطبيعي التعريفي يعني ليبين لكم

وقوله { وكذا ما ورد من ان الجنة في السماء السابعة والنار في الارض السفى } فان الحق في المراد من الحديث خصوص الجنة السابعة او ان الجنة تحصيلها من اعمال العقل الذي هو نفس فلك زحل وكذا القول في النار لان الارض السابعة نفسها ارض الشقاوة اذ كل نار في ارض فالجحيم تحت الارض الدنيا ولظى تحت الارض الثانية ارض العادات وسقر تحت الارض الثالثة ارض الطبع والحطمة تحت الارض الرابعة ارض الشهوة والهاوية تحت الارض الخامسة ارض الطغيان والسعير تحت الارض السادسة ارض الالحاد وجهنم تحت الارض السابعة ارض الشقاوة

وقوله { ليس المراد الا ما هو داخل حجب هذا العالم } معناه في نفس الامر ما ذكرنا لك

وقوله { وان الدار الاخرة دائمة مخلدة ونعيمها غير زائل وفواكهها غير مقطوعة ولا ممنوعة بحكم الاصل الخامس } يعني بالاصل الخامس ما مر من قوله : ان القوة الخيالية من الانسان اعني نفسه الخيالية جوهر منفصل الوجود ذاتا وفعلا عن هذا البدن المحسوس والهيكل الملموس كما مر ذكره فهي عند تلاشي هذا القالب باقية لا يتطرق الدثور والخلل الى ذاتها وادراكاتها انتهى وقد تقدم الكلام عليه بانه يرى ان الجنة وما فيها عبارة عن الصور الخيالية وانها عقلية باقية غير متغيرة بالمدد والزيادة وانما هي ثابتة قارة مستغنية في بقائها عن المدد وانها ليست بجسمانية وبينا بطلان هذه كلها وبني هنا حكم بقائها وان نعيمها غير زائل وان فواكهها غير مقطوعة ولا ممنوعة على هذا الاصل وهو بناء على اساس لا ثبات له بل على شفا جرف هار بل الجنة وما فيها عبارة عما في الدنيا وما فيها من الاجسام والمطاعم والمشارب والفواكه والشهوات والمناكح وغير ذلك بعد تصفيته وتقويته وامداده وتشديده وظهوره واحساسه وادراكه وغير ذلك بحيث تكون كل شيء في الدنيا اذا كان في الجنة او المكاره كلها اذا كانت في النار تتضاعف قوته وبقاؤه وحسن ما كان في الجنة وقبح ما كان في النار ودوام لذات الجنة ونعيمها ومكاره النار واليمها اربعة‌الاف ضعف وتسعمائة ضعف وكل ذلك مما لولا المدد لتلاشي واضمحل كما كان في الدنيا ولكنه هنا لقربه من المبدء الفياض الدائم الامداد كلما اخذ شيء او اكل وجد بدله مكانه باحسن من الاول وابقا نعيما وشهوة ولذة من غير فصل بين ما اخذ وبدله لعموم العلة المفيضة واقربية البدل من المبدء ولهذا قال تعالى لا مقطوعة يعني انها لولا دوام الامداد واتصاله لقبلت القطع وقال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وقال تعالى زدناهم عذابا فوق العذاب فبقاؤها في الاخرة بعين ما به بقاؤها في الدنيا لاشتراك جميع الممكنات في الاحتياج في البقاء الى المدد اذ مدد كل شيء لابقائه مما منه ابتداؤه وكل ما له ابتداء فمحتاج في تكونه الى المادة وكل محتاج في تكونه الى المادة مفتقر في بقائه الى ما هو من نوعها والمصنف يلزمه من كلامه انه غير قائل بالمعاد الجسماني وان قال به لفظا وانه غير قائل بجنة المسلمين التي اثبتها صاحب شريعتهم وانه قائل بما يشبه قول الصابئة الاولى القائلين باتباع غاديمون وهرمس دون سائر الانبياء عليهم السلام في بعض قولهما عليهما السلام وهو اثبات الامور الباطنة دون الظاهرة والحاصل ليس علة الخلود الغير المتناهي ما توهمه من كون المجردات القادسة باقية ببقاء الله لا بابقائه وهنا شبهة ذكرناها في شرح المشاعر واشرنا اليها فيما سبق من هذا الشرح واجبنا عنها وهي ان الحكماء بل جميع العقلاء من اهل العلم اتفقوا على صحة قاعدتين احدهما ان كل ما له اول له اخر والثانية ان كل ما سبقه العدم لحقه العدم ومقتضي هاتين القاعدتين عدم خلود الجنة والنار وما فيهما وهو خلاف ما عليه المسلمون من جميع الملل ونطقت به شرائعهم واخبرت به انبياؤهم عليهم السلام واكثر العلماء يحكمون بسبق العدم على الجنة والنار وما فيهما والقائل منهم بفنائهما ولحوق العدم لهما بعد تطاول الدهور من القائلين بوجودهما قليل بل ربما انقرضوا والاكثر قائلون بالخلود غير المنقطع وهؤلاء منهم من اطلق الانقطاع في الاول وعدم الانقطاع في الاخر تسليما للشرائع ومنهم من جعل القاعدتين في المعقول وهذه المسئلة لا دخل للعقول فيها وانما هي قضية نقلية شرعية ومنهم من جعلهما هما وما فيهما من الملكوت الذي من شأنه ان يترقى من رتبة الفناء الى حضرة البقاء واثبت الحركة الجوهرية كالمصنف ومن هؤلاء من جعل اصلها غير مجعول وانما المجعول تنزلها فترجع بالحركة الجوهرية الى ما منه تنزلت وهو علة بقائها وبعض الحكماء قال بقدمها في البدء فيخرجها من القاعدتين وغير ذلك من الاقوال الخارجة عن الاستقامة المنحرفة عن الطريق القويم وانهم عن الصراط لناكبون وقد بينا ان تلك الامور المشار اليها حادثة مسبوقة بالعدم بمعنى انها لم تكن موجودة في رتبة ما فوقها وحادثة ايضا بمعنى انها مسبوقة بالغير وان لها اولا ومقتضي القاعدين صحيح الا ان علة بقائها تجدد المدد بنحوين احدهما ظاهر وثانيهما باطن فالنحو الاول انه سبحانه يبقيها بالمدد بمعنى ان كل ما فني منها اعاده وعدا عليه انه كان فاعلا وهو على كل شيء قدير فقال تعالى وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وقال عطاء غير مجذوذ وقال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلنهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وهذا ظاهر والنحو الثاني وهو ما اشرت اليه في شرح المشاعر وهو انه قد ثبت بدليل الحكمة ان كل شيء لا يتجاوز مبدئه فما من الاجسام لا يدرك المثال وما من المثال لا يدرك الطبايع وما من الطبائع لا يدرك النفوس وما من النفوس لا يدرك العقول وهكذا فما بقي من مبدئه الى غاية نزوله مثلا عشر سنين لا يصعد من غاية نزوله الى جهة مبدئه اكثر من عشر سنين بيوم واحد فلا تبقى الاشياء في عودها اطول من وقت بدئها الى اخر نزولها لان القوس النزولي قدر القوس الصعودي وهذا مفاد القاعدتين والجواب انه كلما صعد رتبة من قوسه الصعودي المساوي لقوسه النزولي واتاه المدد من المبدء الفياض الدائم الفيض وذلك المدد مما لم يصل اليه لانه قبل مبدئه رتبة نزل على مبدئه لان المدد من القوس النزولي فاذا اتصل بمبدئه كسر الشيء وصيغ بالمدد من مبدء المدد فكان حينئذ مبدؤه قبل مبدئه الاول فيكون عوده بقدر مبدئه الثاني وهكذا كلما جاء مدد من اعلى صيغ الشيء من رتبته فيطول بقاء عوده ومثاله اذا كان في كيسك عشرة دراهم كانت نفقة لك لعشرة ايام لا تزيد لكنك بعد ان انفقت منها خمسة في خمسة ايام وضعت في الكيس عشرة دراهم فيكون ما في الكيس نفقة خمسة ‌عشر يوما لان ما في الكيس خمسة‌ عشر درهما لا عشرة فلما انفقت خمسة في خمسة ايام زدت على ما في الكيس عشرين كان ما في الكيس ثلاثون لا عشرة فتكون نفقة لثلاثين يوما وهكذا كل ما زدت الدراهم حصل عدد اكثر من الاول واعلى رتبة فيطول بقاؤها وتكثر ايام انفاقها فكذلك ما نحن فيه من الجنة وما فيها والنار وما فيها فبكل مدد متجدد يعلو المبدأ ويترقى ويطول العود بنسبته وهذا الترقي بالحركة الجوهرية على ما ذكرنا لا كما ذكره المصنف من ثبوت حركة الجوهر بنفسه فانه غلط فيكون الدوام والخلود للدار الاخرة وما فيها بالمدد على طبق مقتضى القاعدتين بالنحو الظاهر والباطن لا بحكم اصله الخامس كما نبهناك عليه

قال :

اقول يريد ان كل ما يشتهيه الانسان حين تميل اليه نفسه يحضر عنده بنسبة ذكره وميله بشهوته ومحبة حصوله فلو ذكر اشياء متعددة بميل وشهوة متعددة حضرت مترتبة بنسبة ذكرها ولو فرض ذكرها دفعة حضرت دفعة لان ميله لها علة حصولها له بل نفس تصوره وذكره لها نفس حضورها عنده لانه بني حكمه هذا على قاعدة اصله السادس وهو ان جميع ما يتصوره الانسان بالحقيقة ويدركه بادراك كان عقليا او حسيا في الدنيا او في الاخرة ليست بامور منفصلة عن ذاته مباينة لهويته بل المدرك بالذات له انما هو موجود في ذاته لا في غيره انتهى لان الاشياء عنده في الاخرة لا يدرك منها الانسان الا صورا اخترعتها نفسه مماثلة له وقد ذكرنا ما يلزمه هناك من عدم الاقرار بالجنة الظاهرة وما فيها من الحور والقصور وان الامور الظاهرة معدة مهيئة لذلك بل الحق ان تصوره وميله لذلك وشهوته له موجب لحضوره الذي هو كونه في المكان الذي يريده فيه لا حضوره الخاص الذي هو وجوده فان ذلك انما يكون بفعل الله سبحانه لانه عز وجل خلق الاشياء للمؤمن واخذ عليها الميثاق بالطاعة فاذا اراد كانت له كما اراد باذن الله تعالى فلا يكون نفس تصوره نفس حضوره الا اذا كانت حقيقته نفس ذلك التصور وهذا هو معنى كون الجنة وما فيها عقلية والمصنف يلتزم بذلك كله ولهذا قال وانما اللذات والتنعمات بقدر الشهوات وانت اذا تفهمت قوله تعالى فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين وفهمت المراد منها عرفت ان الامر على عكس ما ذهب اليه المصنف في اصله وفرعه بل الاشياء المدركة والمتنعم بها في الدنيا والاخرة مباينة لذات الانسان وليست الحورية صورة خياله لانه لا ينكح الا المباين لنفسه ولا ينكح صورة خياله ولا يأكلها ولا يشربها

قال :

اقول يريد ان مبدأ ما يصل الى الانسان في الاخرة من الجنان والحور والولدان وجميع انواع النعيم ومن النيران وانواع العذاب الاليم ومنشأها من احوال ذاته وشؤنها وصفاتها وافعالها والحاصل جميع ما يجازي به في الاخرة من خير او شر او جنة او نار اصله في ذاته من شؤنه وصفاته من باب النيات فانها افعال القلوب والقابلات فانها افعال الوجودات والاعتقادات فانها صفات القلوب والاخلاق فانها صفات النفوس والطبائع وليست مبادي هذه الاشياء المذكورة من انواع النعيم والعذاب الاليم مباينة الوجود بان تكون وجوداتها مغايرة لوجود الانسان لان وجود الذات عنده هو وجود الصفات والاحوال ولا مباينة الوضع له بان يكون النعيم نعيما والعذاب عذابا بغير بكونه صفة لذلك المستحق واثرا لافعال وانما كان كذلك بكونه منسوبا الى صفاته وافعاله واخلاقه واقول قد بينا فيما سبق ان هذه الامور في انفسها حقائق مباينة للانسان وانما تنسب اليه ويستحقها لانها قد صورت تلك المواد بصور اعماله الصورة الخاصة اي المتميزة بها تصح نسبته الى غيره كما مثلنا بالفواكه المجلوبة في السوق فانها متميزة في انفسها الا انها صالحة لكل من اشتراها وادي ثمنها فاذا ادي زيد ثمنها كانت له قد صورت بصورة ملكه بحيث صارت من جملة امواله فهي في نفس الامر من عمله ومنسوبة اليه لانها كسبه وعمله ويصدق ان تقول يا زيد ليس لك الا مالك ولا تأكل الا من مالك الذي كسبته بيدك فاذا اكلت تلك الفاكهة لم تكن كذبت من حكم عليك بانك لا تأكل الا ما كان من مالك فافهم المثل فانه كما قلنا ان ثوابك وعقابك صورته صورة عملك يعني ان عملك هو صورة ثوابك وعقابك وذلك ان الامر التكليفي مادة نوعية وعمل المكلف به صورة نوعية والمصنوع منهما صورة الثواب والعقاب صورته المصنوع من عمل المكلف بخلاف الامر وهذه الصورة الثانية للثواب او للعقاب يصاغ عليها وهي كالثمن للفاكهة التي في السوق كما في المثل المشار اليه اذ بها الاختصاص بالعامل واتصافه بذلك الثواب او العقاب وما ورد مما معناه انه اذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار كشف للمؤمن مقعد من مقاعد اهل النار ويقال له هذا مقعدك لو انك عصيت الله وكشف للكافر مسكن من مساكن اهل الجنة ويقال هذا مسكنك لو انك اطعت الله وهذا لا يكون على ما ذهب اليه المصنف من ان جميع انواع النعيم وجميع انواع العذاب الاليم من باب النيات والاعتقادات فافهم وتنبه فان الاخبار التي بعضها ما نقلناه بالمعنى صريحة في ان تلك مباينة للانسان في الوجود الاصلي وفي الصفتي الا ما ذكرنا واشرنا اليه من التصوير له بصورة عمله اذ صورة عمله هي صورة اكتسابه وانتسابها اليه وكذا في الوضع فانها قائمة قياما ركنيا بنور الولي وهيئات اعماله واحواله فيكون وجهها الى مباديها منه عليه السلام نعم لها وضع له في جهة الاتصاف والاختصاص لا غير واراد المصنف بالاصل السابع ما قرره من ان التصورات والاخلاق والملكات النفسانية مما تستتبع آثارا خارجية وقد تقدم عليه الكلام فراجعه ان احتجت الى ذلك

قال :

اقول يريد بكلامه ان بعض افراد البشر في الاخرة يترقى بذاته عن مراتب ابناء نوعه فتكون نفسه بحركتها الجوهرية مثل نفوس الملائكة غذاؤهم التسبيح والذكر والفكر ونعيمهم ولذتهم مناجاته وسماع كلامه ولا يلتفتون الى شيء سوى الله تعالى ولا الى الجنة ولذاتها وشهوات ما فيها من المناكح والمطاعم والمشارب والملابس فجنتهم وجميع شهواتهم ولذاتهم مقصورة على معرفة الله ومناجاته واستماع كلامه كما قال عز وجل في الحديث القدسي حديث الاسرار في حق اصحاب الجوع والصمت في هذه الدنيا واذا تلذذ اهل الجنة بمأكلهم ومشاربهم تلذذوا بكلامي وبمناجاتي ه‍ ويريد انهم يترقون عن درجات ابناء نوعهم بذواتهم لا باعمالهم ولا بالامدادات الالهية بل بحركات ذواتهم الجوهرية وهو قوله وذلك بحكم الاصل الثالث يعني به الاصل الثالث من الاصول السبعة التي جعلها قواعد لما قدم من الاحكام ونحن قد تكلمنا عليه وابطلنا تلك الاصول السبعة عند ذكرها وان الحركة الجوهرية ثابتة بشرطين الاول ان يكون يتحرك الجوهر هذه الحركة بشرط حصول المدد وصحة القبول لا انه يتحرك الجوهر بنفسه لان الشيء لذاته لا يصح ان يتجاوز مبدءه كما ذكرناه في الفوائد وشرحها وفيما تقدم ايضا وذلك من قوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم والثاني ان يكون ترقيه في مراتب افراد نوعه ولا يتعدى جميع مراتب افراد النوع وان جاز ان يكون في اعلاها ما دام بتلك الحقيقة فلا يكون احد من المؤمنين نبيا بعمله وتعلمه الا اذا اراد القادر سبحانه ان يجعله نبيا بان يقلب حقيقته فانه على كل شيء قدير كما قال تعالى ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون ونقول ايضا ان هذه الحال التي اشار اليها مشككة بعض مراتبها ينالها بعض المؤمنين ولو في بعض احواله في الجنة وبعض مراتبها لا يصل اليها الا اصحاب النفوس المعصومة وعلى كل حال فلا يكون الا بالشرطين واما احتمال الوصول بمجرد الحركة الجوهرية فلا لعدم تحققها بدون الشرطين المذكورين فافهم

قال :

اقول قوله { في وجوه الفرق بين الاجساد والابدان الدنياوية } يصح على الظاهر وجرى لذلك قوله عز وجل وان الدار الاخرة لهي الحيوان واما في الحقيقة فليس شيء في الموجودات ليس فيه حيوة بل جميع الاشياء من الجمادات والمعادن والنباتات والحيوانات والاعراض والنفوس والعقول من الوجود وكلها وجود والوجود حيوة لا موت في شيء منه بل الموت حي ولهذا ورد انه يؤتى به في صورة كبش املح فيذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا اهل الجنة خلود ولا موت يا اهل النار خلود ولا موت وهنا كلام يطول ذكره ليس هذا محله والحاصل ان كل شيء فهو مكلف وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وكل مكلف فانه مكلف في حياته بل كل شيء له شعور واختيار وقد تقدم بعض البيان لذلك وهذا انشاء الله تعالى ظاهر لان كونها حية مختارة تسبح بحمد الله سبحانه في دار الدنيا قد نطق به الكتاب والسنة والعقل وقد ذكر ذلك المصنف في مواضع من كتبه منها ما ذكره في شرح الايات من اول سورة الحديد فيحتمل ان قوله هنا بخلاف الدنيا فانها توجد فيها اجسام غير ذوات حيوة وشعور جار على الظاهر او انه اراد بالحيوة التي في اجسام الاخرة الحيوة الحيوانية الظاهرة بان يتحرك الجماد في الاخرة الحركة الارادية الظاهرة المحسوسة

وقوله { بل حي بالذات } يريد به ان ما في الاخرة من الاجساد حي بحيوة هي ذاته لان ما هناك ليس الا صور علم الله تعالى وهي حية بحياته لانها شؤنه وليست هي الا عبارة عن شؤن حياته وشؤن حياته من لوازم حياته التي غير متصورة الانفكاك عنها فهي باقية ببقائها لا بابقائها كما ذكره في كثير من كتبه خصوصا الكتاب الكبير اذ معنى قوله حي بالذات مع قوله بعد في الحي من الاجساد في الدنيا فان حياته عارضة له زائدة عليه ان حيوة الاجساد الاخروية هي ذاتها ليست غيرها ولا من غيرها ولا يمكن معقولية هذا الكلام الا بجعل الاجساد قديمة ولا تكون عنده قديمة الا اذا اراد منها انها صور علمية او معان عقلية فانها حينئذ تصح على مذهبه او يريد منها عين الوجودات فانها من حيث ذاتها غير حادثة ولا مجعولة وان لحقها شيء من النقائص فانما ذلك بتبعية مراتب تنزلاتها فهي عارضة من المراتب والوجودات بريئة في ذواتها عن نقائص الحدوث ولوازمها وبالجملة طريق الرجل في جميع اعتقاداته معلوم واما طريقنا في هذه وامثالها قد سمعته وهنا هو ان الاخرة وما فيها حية كما في الدنيا الا ان ما في الاخرة من الجمادات والاجساد باقية بابقاء الله سبحانه بما يفيض عليها من الامدادات وباعادة ما تهافت بلا مهلة ولا فصل بين الذاهب واعادته او بدله بحيث لا يحصل فقدان بحال من الاحوال وان حيوة جماداتها واشجارها وان كانت كحيوة جمادات الدنيا واشجارها الا انها لطهارتها وشدة صفائها وتخليصها من الاعراض الغريبة وتحلية المؤمن بحلية الولاية والملك الكبير والربوبية اذا شاء المؤمن ظهور حياتها بحيوة الحيوان بل بحيوة الانسان ظهرت وكالمته باللسان العربي المبين اما بان يشاء ذلك او يقتضي النعيم والملك الكبير ذلك وذلك لشدة صفائها وخلوصها وكثرة فاضل انوار المؤمن المتممة لكل نقص وانما قلت ولا فصل بين الذاهب واعادته او بدله لاني اريد ان ما اكله المؤمن او اخذه من ثمرة الشجرة مثلا ان كان اكله اعيد وان اخذه قبل الاكل وجد مكانه مثله كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها واعلم ان كل شيء في الدنيا والاخرة من الجمادات والنباتات والمعادن والحيوانات ففيه حيوة بنسبة رتبته من الوجود الكوني وهي في كل حي على نمط واحد ليس في الموجودات الامكانية شيء حياته ذاتية وشيء حياته عرضية بل كلها بنمط واحد في كل الاشياء في الدنيا والاخرة الا ان بعضها اقوى من بعض حيوة واظهر وما كان في الاخرة اشد واتم وكل ذلك لقربه من المبدء الفياض لان الاخرة اقرب من الدنيا اليه

قال :

اقول من جملة الفروق التي ذكرها بين اجساد الدنيا واجساد الاخرة ان اجسام الدنيا قابلة لنفوسها يعني ان الاجسام تترقي بحسب استعداداتها بحركتها الجوهرية حتى تكون صالحة لقبول نفوسها يريد انها تكون مبدءا للنفوس بان تتلطف حتى تكون روحا بخاريا ثم تكون نفسا انسانيا ثم تكون عقلا فالاجسام تكون قابلة لان تكون نفوسا وفي الاخرة يلزمها احداث ابدانها اي المنسوبة اليها من جميع الجنة وما فيها لان ذلك بمنزلة الخواطر والنيات منها واقول كلامه متفرع على ما تقدم وقد ذكرنا انه لا فرق بين اجسام الدنيا واجسام الاخرة في شيء ولا بين النفوس في الدارين الا بالشدة والضعف والصفاء والكثافة وقوة القبول وضعفه وقوة التأثير وضعفه وامثال ذلك وليس ذلك على شيء مما ذكر وانما هي كاشعة السراج كل ما قرب من السراج اشتدت قوته في تلك الاثار والامور المذكورة وكل ما بعد ضعفت قوته

قال :

اقول اما ان القوة في الدنيا مقدمة على الفعل زمانا والفعل مقدم عليها ذاتا فظاهر صحيح لان الافاعيل والاثار نزلت في هذا العالم بواسطة اسبابها فبطنت مباديها في امكان الفاعلين فكانت بالفعل قبل البطون من مباديها الاصلية فكان الفعل سابقا في الذات وفي الدهر لان وجودها وظهورها من الخزائن بالفعل من المبدء الفياض فلما كمنت اسبابها ودواعيها في قوى الفاعلين وامكاناتهم كانت بالقوة موجودة في الدار الاولى فيهم قبل ظهور اثارها بالفعل زمانا فاذا فعلوا بما امكن فيهم من الاستطاعة الامكانية شيئا بالاستطاعة الفعلية كانت تلك الافعال وما ترتب عليها من الاثار بالفعل فيكون الفعل متأخرا عن القوة زمانا وذلك كالحبة حين زرعتها فانها حين كونها عودا اخضر حبة بالقوة قبل كونها في السنبلة حبة بالفعل زمانا وبعد كونها حبة بالفعل ذاتا فما بالقوة سابق على ما بالفعل في الزمان وهذا في القوس الصعودي ظاهر لتفرعه في الظهور على القوس النزولي في البطون واما ان القوة في الاخرة مقدمة على الفعل ذاتا ووجودا فمبني على حصر النظر على خصوص الكون في عالم الشهادة في الدنيا فان القوة فيهما اي في عالم الشهادة في الدنيا وفي الاخرة متقدمة على الفعل كما قال الا في شيء وهو قوله والفعل مقدم عليه ذاتا فان الفعل متأخر عنها ايضا كما في الاخرة لانه ان لم يرد بالفعل ما في الشهادة لم تكن القوة متقدمة عليه الا بلحاظ الامكان لا الاكوان وانه من القوة لا من الفعل والا فان اول صادر من مراتب الشيء في الاكوان الفعل فلما بعد عن المبدء وانتقل الى نشأة اخرى كان ما بالفعل بالقوة وفي هذه النشأة الاخرى تكون القوة متقدمة على الفعل زمانا اذا كان تحت الفلك والفعل مقدم عليها ذاتا بلحاظ ما قبل هذه النشأة وفي الاخرة ايضا تكون القوة متقدمة على الفعل ذاتا ووجودا بلحاظ القوس الصعودي بخلاف لحاظ القوس النزولي ولو في النزولي الاخروي فافهم

قال :

اقول القوة فاعلة له في الدارين في لحاظ القوس الصعودي وهو فاعل لها في الدارين في القوس النزولي لان القوة في اصل الكون فعل قد كمن في نزوله في القوى المتصفة به ثم يخرج بعد الكمون باثاره كما ترى حبة الحنطة فانها حبة بالفعل فاذا زرعتها وكانت عودا اخضر كانت حبة بالقوة فاذا بلغت السنبلة وصحت كانت حبة بالفعل هذا في القوس النزولي فان المتقدم الفاعل هو الفعل سواء كان في الدنيا ام في الاخرة في القوس النزولي في الامدادات واما في القوس الصعودي فالمتقدم الفاعل في الدارين هو القوة واما في الشرف فالفعل اشرف من القوة لانه في حال تأخره غاية لها وفي حال تقدمه فاعل لها اذ هي عبارة عن الفعل الكامن الغائب فهي اما حال له او اثر له فهو اشرف في الدارين

قال :

اقول يريد ان ابدان الدنيا متناهية كما هو مبرهن عليه في علم الحكمة وعلم الكلام واما ابدان الاخرة فانها غير متناهية لانها جارية على حسب اعداد تصورات النفوس لانها هي مصادرها والتصورات غير متناهية وقد قدم ان تلك الادراكات والتصورات النفسانية هي منشأ هذه الصور الباقية وهي لا تدخلها الابعاد وانما حكم على ابدان الدنيا بالتناهي لانها محيطة بها وهي متناهية كما ذكر في برهان الترسي والسلمي وغيرهما والترسي انه اذا فرض شيء مستدير كالترس والدائرة وقسمت دائرته باقسام ستة متساوية بان تتقاطع على نقطة قطبها ثلاثة اقطار فانه يحدث فيها ست قطع ما بين كل نصفي قطر قطعة يحيطان بها فاذا جمع بين طرفيهما بخط مستقيم حدث منها مثلث متساوي الاضلاع فاذا كان كل من نصفي القطرين ذراعا كان ما بين طرفيهما ذراعا فاذا ذهبا الى غير النهاية كان بعد ما بين طرفيهما بقدر كل منهما وهو متناه لوقوعه بين حاصرين فيكون ما لا يتناهى بقدر ما يتناهى فيكون متناهيا وشرطه ان يكون بعد ما بين الساقين بقدر كل منهما في كل امتداد فهذا هو البرهان الترسي واما البرهان السلمي فهو ان يفرض خطان اجتمع طرفان منهما وانفرج الاخران وتنحفظ فيهما نسبة الانفراج بان يكونا مستقيمين لان المستقيمين لا تختلف بينهما نسبة الانفراج وهي مثلا اذا ذهبا ذراعا كان بينهما ذراع واذا ذهبا ذراعين كان بينهما ذراعان كما في الترسي وهكذا او اذا ذهبا عشرة كان بينهما ذراع فاذا ذهبا عشرين ذراعا كان بينهما ذراعين فاذا ذهبا ثلاثين ذراعا كان بينهما ثلاثة اذرع فتراعي بينهما النسبة فهذا شرطه وان كانت لا تفقد في المستقيمين فاذا ذهبا الى غير النهاية كان الانفراج الى غير النهاية بالنسبة المعلومة فيكون الانفراج متناهيا لوقوعه بين حاصرين ويكون امتدادهما متناهيا لكونه معلوما بنسبة المتناهي وهو ما بينهما وهذان وامثالهما مما يدل على تناهي الابعاد يدل على تناهي ابدان الدنيا لتناهيها بالابعاد واما اجسام الاخرة فلما كان يذهب الى انها صور خيالية من عالم المجردات الملكوتيات قال بعدم تناهيها ولذا عللها بان براهين تناهي الابعاد غير جارية فيها اي في ابدان الاخرة بل في جهات واحياز ماديتين كابدان الدنيا وايضا ليس في اجساد الاخرة تزاحم ولا تضائق وليس بين بعضها وبعض نسبة جهة خارجة او داخلة بان يكون هذا الى جهة يمين ذاك دون شماله او فوقه دون تحته لانها بسائط مجردة عنده والمجردة لا تحاجب فيها ولا تمانع واقول اما اجسام الاخرة فلها كثير من احوال المجردات بمعنى انها تدرك الاجسام المعاني والصور كالعقول والنفوس وكذلك عقولهم تدرك المحسوسات كالاجسام فاجساد اهل الجنة لطهرها وصفائها وانقياد كل شيء لما تشتهيه هي ونفوسها كانت تحيط بما تحيط به العقول ولقد روي عن النبي صلى الله عليه واله ما معناه ان المؤمن اذا ادي زكوة ماله في الدنيا تكون في الاخرة له جوادا كاحسن جواد يكون في الدنيا فيقال له اركب واركض في ارض الجنة سنة وما بلغ جوادك فهو لك وانه ليقطع في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات ه‍ وهذا لا يكاد يعقل في الاجساد ما دامت في ثقلها وكثافتها فاذا طهرت خفت وان الدنيا كلها خطوة مؤمن ولقد روى صفوان بن مهران الجمال قال امرني سيدي ابو عبد الله عليه السلام يوما ان اقدم ناقته الى باب الدار فجئت بها فخرج ابو الحسن موسى عليه السلام مسرعا وهو ابن ست سنين فاستوى على ظهر الناقة واثارها وغاب عن بصري قال فقلت انا لله وما اقول لمولاي اذا خرج يريد ناقته قال فلما مضى من النهار ساعة اذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب وهو ترفض عرقا فنزل عنها ودخل الدار فخرج الخادم وقال اعد الناقة مكانها واجب مولاك قال ففعلت ما امرني به ودخلت عليه فقال يا صفوان انما امرتك باحضار الناقة ليركبها موسى فقلت في نفسك كذا وكذا فهل علمت يا صفوان اين بلغ عليها في هذه الساعة انه بلغ ما بلغه ذوالقرنين وجاوزه اضعافا مضاعفة وابلغ سلامي كل مؤمن ومؤمنة ه‍ فانظر الى فعله عليه السلام لطهارة جسده الشريف واجساد المؤمنين في الجنة من شعاع هذا الجسد الطاهر عليه السلام الا ان اجسادهم مع هذا واعظم منه متناهية الا تسمع الى قوله صلى الله عليه واله واركض في ارض الجنة سنة وقوله عليه السلام في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات فان ذلك كله حدود التناهي ان كنت تفهم بل العقول والنفوس في الجنة متناهية بل كل مخلوق متناه بنسبته مستند في بقائه الى تلقي المدد الذي به بقاؤه الى علته

وقوله { ولكل انسان من سعيد او شقي عالم برأسه } صحيح بمعنى حصوله له في الدنيا في مرءاة خياله من صور معلوماته المنتزعة من الخارجية فهي متعددة كتعدد الصور في المرايا المتعددة من مقابلة شخص واحد وهي صور ظلية واشباح مثالية خيالية فاذا دخل صاحب تلك الصور الجنة ثبت له منها كل ما هو حق واثر من ولاية امير المؤمنين عليه السلام فيحدث الله سبحانه من المثل التي في خزائن غيبه الامكاني والكوني التي انتزع خياله منها الصور له ما شاء مثاله اذا تصور الف رجل كل منهم مركوبا له جناح من ذهب وجناح من فضة يطير عليه الى ما شاء واتفقت تصوراتهم بشكل واحد من غير اختلاف فانهم كلهم انتزعوا تلك الالف الصورة من مثال واحد من الخزائن الامكانية او الكونية وذلك المثال اصل لها كان قد احدثه الله سبحانه اصلا كليا لا ينتهي ما امكن فيه ابدا فاذا اشتهوا ذلك خلق الله من ذلك المثال لكل واحد منهم مركوبا كما تصوره لان ذلك المثال قالب للمدد الذي يحدثه بفعله فالمدد مواد لتلك المركوبات وقالب صورها هيئة ذلك المثال وهكذا في كل شيء وليس كما توهمه المصنف من ان تلك الصور الخيالية هي بنفسها تقوي وتشتد حتى تكون جواهر لا من مدد جديد بل لانها صور النفوس المتحركة بنفسها بالحركة الجوهرية حتى تقوي بل بالمدد الجديد الذي اشار اليه سبحانه بقوله عطاء غير مجذوذ وقال كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها وقال كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وماكان عطاء ربك محظورا وقال ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتيهم ربهم وقال في اهل النار زدناهم عذابا فوق العذاب

وقوله { والى هذا المعنى اشار ابويزيد الخ } هذا ابو يزيد البسطامي من الصوفية وهذه من شطحهم في عباراتهم وهو مما اشرنا اليه فانه يزعم ان الصور التي في خياله هي حقيقة الاشياء واذا تصور شيئا مما فهم من معنى العرش على حسب معرفته ظن انه احاط به حتى لو تصور انه دكان فيه اسباب بقال حكم بان العرش الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته حقيقته ما تصور منه ولا شك ان خياله يسع اشياء غيره كتصور الاكل والشرب والهند والصين والسماء والارض وغير ذلك فيقول ان قلبه لا يحس بالعرش ولو علم ان جميع ما في وجدانه هو وسائر الصوفية ووجوداتهم جهة حقيرة من جهات العرش بحيث لو نسبوا باجمعهم وما وجدوا الى احد اركان العرش لكان كنسبة حبة رمل الى ما لا يتناهى فيا لهم الويلات اماعلموا ان الوجود من كل ما سوى الله يدور على اربعة اشياء الخلق والرزق والحيوة والموت وكلها وجميع ما فيها من المعاني والاعيان والجواهر والاعراض المجردات والماديات الكليات والجزئيات مما حوته الاذهان ومما في خارجها ومما في نفس الامر من الامور المحققة ومن الامور الاعتبارية على زعمهم كلها قد حوته اركان العرش لم يخرج منه شيء الا الذات البحت عز وجل الذي لا يحيط به شيء وهو بكل شيء محيط فان فيه خزائن كل شيء التي اشار اليها سبحانه بقوله وان من شيء الا عندنا خزائنه والمصنف قد قبل ذلك منه واعتقده لانه احد ائمته فاذا كان كل شيء في زاوية من زوايا قلبه لا يحس به فما الذي يحس به فما ادري هل علم المصنف ما رمزه البسطامي ام لا يريد ان قلبه هو الذي وسع الحق عز وجل لانه سمع الحديث القدسي قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فعنى بالمؤمن نفسه فجرى فيه ما قيل من المثل ان الخنفس رأت الخيل يحذونها فمدت يدها فلا تلمها ولم زنيما يزعم ان ابنها امام

قال :

اقول من الفروق التي ذكرها بين اجساد الدنيا واجساد الاخرة ان اجساد الاخرة وحطامها وما فيها لاهل السعادة من الجنات والانهار والغرفات والبيوت والقصور والازواج المطهرة الحور العين والخيرات الحسان وكل ما لاهل الجنة من الخدم والحشم وهم العيال والقرابة والعبيد والغلمان وغيرها موجودة عند المصنف ومن قال بمقالته بوجود واحد هو وجود انسان واحد لان كل ما ذكر وامثاله عنده صور خيالية له قويت بتبعية قوة المتخيل التي ترقى الى اعلى درجاتها بحركته الجوهرية الذاتية فترقى بهذه الامور المذكورة لانها شؤنه وانت قد سمعت ما ذكرناه من كون هذه الاشياء وامثالها موجودة بوجود خارجي مغاير للانسان المنسوبة اليه وانما اختصاصها به من جهة ان موادها التي هي وجوداتها وصورها النوعية التي هي ماهياتها صيغت بصور اعماله اي البست صور اعماله كما ذكرنا في مثال الفاكهة التي في السوق فانها متحققة الوجود والماهية قبل ان يملكها المشتري فاذا دفع الثمن البست صورة تملكه بحيث يكون اولى بها من غيره ولو ان الغير اشتراها كان اولى بها وليس المراد ان هذه الاشياء من الانسان كالورق من الشجرة كما توهمه على ان الورق ليس وجود الشجرة وجوده وليست هي وورقها موجودين بوجود واحد ولا كالشعاع من الشمس كما يتوهمه وليس وجود الشعاع وجود الشمس لان الشجرة وجدت من وجود لم توجد الورق منه وانما وجد من فاضل وجود الشجرة بايجاد ثان غير ايجاد الشجرة وكذلك الشمس اوجدت بايجاد من وجود لم يوجد الشعاع منه وانما اوجد من فاضل وجود الشمس بايجاد ثان وان كان مترتبا على الاول كما نطقت به الاخبار عن الائمة الاطهار صلى الله عليهم لاولي الابصار وكيف يفرق بين اهل الجنة واهل النار كما ذكره في اخر كلامه والصانع سبحانه واحد والصنع واحد والمصنوع واحد لان الايجاد جار على وتيرة واحدة وكيف يفرق بين اهل الدنيا وما فيها واهل الاخرة وما فيها وان ما في الاخرة هو بعينه ما في الدنيا وانما الفرق ان ما في الدنيا صيغ صيغة مناسبة للتكليف والاختبار والابتلاء ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وليست الدار دار خلود ومقر وانما هي دار متاع وممر والاخرة دار الجزاء والقرار والخلود فصيغت الدنيا وما فيها صيغة متغيرة متبدلة والاخرة صيغت صيغة الثبات لانها دار الخلود على ان الدنيا مزرعة الاخرة وقد قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا ه‍ وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية الحديث وقال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فمن قبل عن الله عز وجل وعن اوليائه عليهم السلام لا يقول بقول المصنف الذي منه ان زوجة المؤمن في الجنة التي ينكحها وحشمه الذين هم عياله وقرابته صوره الخيالية وكذا قوله لانه محيط بها تأييدا من الله ونزلا من غفور رحيم فانه اذا كانت فيه لم يدخل الجنة ولم يكن فيها وهذا خلاف المنقول والمعقول لانه خلق من الجنة واليها يعود فاهل الجنة كاهل النار في كون كل في الدار التي خلق منها واليها يعود فان كان المصنف سمع قوله وان جهنم لمحيطة بالكافرين فهلا سمع قوله تعالى يدخلون الجنة وهم فيها خالدون حتى اذا جاؤها وفتحت ابوابها وامثال ذلك من الايات مما هو صريح في مساواتهم لاهل النار في كونهم في الجنة محيطة بهم وهذا انشاء الله تعالى ظاهر ليس عليه غبار ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين

قال :

اقول اورد هنا اشكالات لمنكري حشر الاجساد احدها قالوا ان كان العالم منتظما بعضه ملتصق ببعض فاين توجد الجنة والنار لانهما اذا وجدا لزم تداخل الاجسام وكون الجسمين في محل واحد وذلك محال كما برهن عليه وان كان غير ملتصق بعضه ببعض فقبل ايجادهما يلزم الخلاء وهو ايضا محال واجاب المصنف بان العالم اصله واسع مشتمل على عوالم متعددة وهذا العالم واحد منها وعالم الاخرة عالم اخر تام في نفسه ولا يلزم التداخل الا فيما كان في عالم واحد وكذلك الخلاء انما يلزم بين الاجسام في محل واحد فالسؤال عن مكان الجنة والنار وجهتهما باطل اذا اريد بهما من هذا العالم كما ان السؤال باين عن مجموع هذا العالم باطل لانه ليس فوق فوقه شيء اي ليس وراء فوقيته او محدب اعلاه شيء ولا تحت تحته شيء اي ليس وراء تحته شيء اقول اما اول جوابه وهو ان الاخرة عالم تام فصحيح واما انه لا يسئل عنه باين فليس بصحيح او انه بائن من هذا العالم بينونة عزلة فكذلك اي باطل لان عالم الاخرة موجود في غيب عالم الدنيا كما ان جسدك الذي هو من عالم الاخرة ويبعث من قبرك وتدخله روحك ويدخل الجنة هو في جسدك هذا المرئي فكذلك الجنة في الاخرة وفي الدنيا اما في الدنيا فهي في هذه السموات كل جنة فوق سماء وجنة عدن فوق الكرسي وقد قال تعالى خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك وقال تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوءا من الجنة حيث نشاء فخاطب العباد بما يعرفون وبما هو الواقع كما روي عنه عليه السلام انما خلقتم للبقاء وفي رواية اما ان ابدانكم خلقت للجنة فلا تبيعوها الا بالجنة وهو يعني هذه ابدان الدنيا فمن عرف ما اشرنا اليه ومثلنا به من ان هذه الابدان التي هي في الدنيا بعينها هي ابدان الاخرة وان الاقرار بحشر الابدان لا يصح ولا يثبت الا باعتقاد ان هذه الابدان هي بعينها ابدان الاخرة واستند في معرفته هذه الى قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم والى قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا ه‍ لئلا يدخله الريب عرف ان الاخرة الان وما فيها موجودة في غيب الدنيا وانه يصح ان يقال هذه الابدان هي ابدان الاخرة وهذه السموات هي سموات الاخرة وهذه الارض هي ارض الاخرة وان كانت تكسر وتصفى وتصاغ في قالبها الاول وان المراد من تبديل الارض غير الارض والسموات محض الكسر والتصفية والاعادة كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها لا كما توهمه المصنف من ان المعاد هو النفس والصورة واما المادة فانها تفنى وتضمحل ولا تعود المادة التي في الدنيا كما تقدم بل المعاد يوم القيمة من ابدان الحيوانات ومن الاوقات والامكنة والارض والسموات والاشجار والنباتات والمعادن هو الموجود منها في الدنيا بعين مادته في الدنيا الا ان تركيبه في الدنيا من هيئات الدنيا لا يصلح للبقاء فكسر ليصفى من اسباب التغيير وصيغ الصيغة التي لا تحتمل الفساد فمن فهم ما ذكرنا صح عنده السؤال عن الجنة والنار الان باين وصح منه الجواب بمعنى ما ذكرنا واما السؤال عن مجموع العالم فهو باطل وليس السؤال عن بعضه كما نحن بصدده كالسؤال عن مجموع العالم

وقوله { لانه ليس فوق فوقه شيء ولا تحت تحته شيء } هو صحيح المعنى دون اللفظ لان معنى لفظه ان لفوقه فوقا لكنه خال ولتحته تحت الا انه خال وهو لا يريد هذا المعنى وانما يريد ان فوقه ليس له فوق وتحته ليس له تحت واعلم ان مجموع العالم فوقه الظاهري الجسمي محدد الجهات والباطني التقييدي عقل الكل والاطلاقي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله وتحته الظاهري الارض السابعة السفلي والغيبي ما تحت الثرى ففوقه اعلى جزء منه وتحته اسفل جزء منه ولا بد ان يحمل قوله شيء على الممكن لان القديم لا ينتفي بهذه العبارة ولا يثبت وانما انتفى بنفي الشيء الشيء الممكن سواء كان صفة او موصوفا اي محلا ام حالا

قال :

اقول يريد من كلامه هذا ان الاخرة عالم تام مستقل برأسه لم يكن جزءا من عالم اخر فلا يلزم الخلاء ولا التداخل بل الجنة والنار كل واحد عالم مستقل برأسه وان كانا معا من عالم الاخرة لانهما متناقضان بل لكل انسان سعيد عالم تام مستقل غير الانسان السعيد الاخر لما تقدم في قوله من كل ما لانسان سعيد من الجنان وما فيها من انواع النعيم والحور والخدم والحشم والولدان كل ذلك موجود بوجود الانسان المنسوبة اليه لانها منه كالنيات والاعتقادات منه بل هي من باب الاعتقادات والنيات وقد تقدم على قوله هناك ما به كفاية وذكر هنا كما ذكر هناك فاما عالم الاخرة فهو عالم مستقل كما مر

واما ان الجنة والنار متغايران كل واحد مستقل بنفسه فلاجل كونهما متناقضين والا فهما من عالم واحد بل ربما لقائل يقول انهما ليس كل واحد منهما مستقلا لانهما من الفعل كالنور الذي اشرق على وجه الجدار من الشمس والظل الذي ظهر خلف الجدار بالشمس كما لوحنا اليه في رسائلنا الموضوعة في بيان القدر والقضاء في افعال العباد

واما ان كل انسان سعيد فله عالم برأسه تام فقد تقدم الكلام فيه وان هذا العالم عالم صوري خيالي ظلي وليس هو ما يتمتع به المؤمن في الجنة وان كان منه ما يحدث الله بصورة ما اشتهاه المؤمن من تلك الصور ما اشتهاه من الخير

واما ان كل انسان فله عالم تام اذا كان سعيدا فليس للتقييد وجه اذ لا فرق بين السعيد والشقي في حصول عالم تام له خيالي وانه يخلق على صورة ما فيه مما تقتضيه الحكمة والعدل له ما تصوره من خير او شر فتخصيصه بالسعيد غير سديد

وقوله { ولم تكن الدنيا والاخرة عالمين تامين فليس لله سبحانه عالمان } لا تنهض به حجة عقلية واثبات الشيء لا ينفي ما عداه

وقوله { وايضا فان الاخرة نشأة باقية لا موت فيها ولا دثور ولا فناء } مصادرة فان منكر الحشر منكر هذا ومنكر خصوص حشر الاجساد يثبت ذلك للارواح

وقوله { وهي دار قرب من الله والانسان متكلم فيها مع الله والوجوه الناضرة ناظرة اليه } فكونها دار قرب كالاول وكذا باقي كلامه واما كلام الانسان مع الله فمن نوع كلامه معه تعالى في الدنيا فان اراد غير هذا باعتبار الشدة والضعف فلا بأس والا فباطل وكذا نظر الوجوه الناضرة اليه

وقوله { والدنيا بائرة فانية مطرودة من جهة القدس الخ } قياس مع الفارق وحكم بغير دليل لان البائرة الفانية هي ما لا ينزل الى الدنيا من اعراضها اللاحقة للمحل والوقت والابدان نازلة اليها من الخزائن كما مر فتعود بعينها الى ما منه بدئت والملعونة هي حالة النشأة الاولى التي يراد بها نفس النشأة الاولى مما نهى الشارع عنه وكذا ما فيها من الملعون وليس كل ما فيها ملعونا فان فيها العبادات والاعمال الصالحات والكتب الالهية والقوام بها عليهم السلام بل فيها من لولاه لماخلق الله الجنة والنار واختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات ليس في كل شيء فان مختلفي اللوازم كلها موجودة والجنة والنار مختلفا اللوازم ولم يختلفا في البقاء فالدنيا والاخرة وان اختلفا في انفسهما لم يختلف ما فيهما كيف والدنيا مزرعة الاخرة وآية الاخرة وطريق الاخرة لان من في الدنيا سائرون الى الاخرة فاذا كان ما فيها لا يعود فاين البعث المأمور باعتقاده فان لم يعد ما فني في الدنيا لم يكن في الاخرة معاد بل يكون ما فيها بدء جديد لا عود

واما الاية { وننشئكم فيما لا تعلمون } فدالة على اعادة المخاطبين في الدنيا اذا اعادهم في نشأة لا يعلمون كيفيتها

قال :

اقول ما نقله عن ابن ‌عباس على فرض صحته ليس فيه ما ينافي ما نقوله اما ان الدنيا والاخرة في انفسهما مختلفتان فالقرءان والاخبار ناطقان به واما ان اختلافهما في جوهر الوجود فعلى الظاهر ظاهر بل هو المراد من كلام ابن ‌عباس لان المعنى انهما مختلفتان في التركيب والاعراض مثل كثافة الاجسام وعدم احكام ما في الدنيا في الصنعة والتأليف لا انهما مختلفتان بالنسبة الى ما فيهما في المادة لان ذلك موجب لانكار المعاد المتفق على ان انكاره كفر في جميع الملل

وقوله { ولو كانت الاخرة من جوهر الدنيا لم يصح ان الدنيا تخرب البتة } يدل على ما قلنا لانه لم يقل ما في الدنيا لان الكلام فيه لا في نفس الدنيا كما هو ظاهر كلام ابن‌عباس فانها هي التي تضمحل لا ما فيها

وقوله { ولكان القول بالاخرة قولا بالتناسخ } فيه انه لو كانت الاجسام التي في الاخرة غير الاجسام التي في الدنيا لكان القول بالاخرة اي بان تعود النفوس الى اجسام غير اجسامها قولا بالتناسخ المتفق على بطلانه وعلى كفر القائل به واما اذا قلنا بان اجساد الاخرة هي اجساد الدنيا وان الارواح تعود الى اجسادها التي خرجت منها في الدنيا فهو قول المسلمين وهو الدين القويم

وقوله { ولكان المعاد عبارة عن عمارة الدنيا بعد خرابها والاتفاق من جميع الملل على ان الدنيا تضمحل وتفنى ثم لا تعمر ابدا } يدل على ان المراد بالدنيا هنا الحالة التي قبل الموت لا اهلها وما فيها لان هذه الحالة هي المتفق على فنائها وعدم عودها بالنسبة لا ارض الدنيا وسماؤها فانهما انما يفنيان بالنسبة الى سكانهما لا في انفسهما فانهما لا يفنيان في انفسهما لانهما الأن في ملك الله فاين يذهبان ايخرجان عن ملك الله تعالى الله عن ذلك كيف وروى الصدوق في اخر الخصال بسنده عن جابر بن يزيد قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فقال يا جابر تأويل ذلك ان الله عز وجل اذا افني هذا الخلق وهذا العالم واسكن اهل الجنة الجنة واهل النار النار جدد الله عز وجل عالما من غير فحولة ولا اناث يعبدونه ويوحدونه وخلق لهم ارضا غير هذه الارض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم لعلك ترى ان الله عز وجل انما خلق هذا العالم الواحد وترى ان الله عز وجل لم يخلق بشرا غيركم بل والله لقد خلق الله تبارك وتعالى الف الف عالم والف الف آدم انت في اخر تلك العوالم واولئك الادميين ه‍ فان قلت هذا الحديث دال على فناء الارض وايجاد غيرها لهذا الخلق الجديد بخلاف ما اشرت اليه قلت قد تقدم ان الغير يراد منه تغيير الصورة كما تقدم في قوله بدلناهم جلودا غيرها وارضنا هذه ظاهر وباطن فاذا نفخ في الصور نفخة النشور ميز ظاهرها من باطنها فباطنها ارض القيامة وظاهرها ارض الخلق الجديد على ما افهم والله سبحانه اعلم لما دل الدليل العقلي القطعي عليه من ان ما دخل في ملك الله لا يخرج عنه ومن ان الاشياء تتنقل في اطوار اكوان الممكنات لانها مشابهة للانسان والانسان لا تحصى اطوار تنزلاته ولا اطوار ترقياته وقد قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وفي ما نسب الى علي عليه السلام :

اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

فهذه الالف ‌الف عالم والالف الف ادم هل مررت عليها الى ان وصلت الى هنا ام لا بلى قد مررت عليها في تنزلاتك من خزائنك كما قال امير المؤمنين عليه السلام في خطبته اقسم برب العرش العظيم لو شئت لاخبرتكم بابائكم واسلافكم اين كانوا وممن كانوا واين هم الأن وما صاروا اليه فكم من آكل لحم اخيه وشارب برأس ابيه وهو يشتاقه ويرتجيه هيهات اذا كشف المستور وحصل ما في الصدور وعلم واردات الضمير وايم الله لقد كورتم كورات وكررتم كرات وكم بين كرة وكرة من آية وآيات الخ ه‍ واعلم اني ربما ذكرت الحديث او بعض الالفاظ مستشهدا بها واعرض عن بيانها وعن وجه الاستشهاد خوفا من التطويل وكثرة القال والقيل على ان من وفق له يفهمه بتوفيق الله سبحانه ومن لم يكتب من اهله لا يفهمه وان بينته والله سبحانه ولي التوفيق

قال :

اقول الثاني من الاشكالات والاعتراضات التي اوردها القائلون بعدم حشر الاجساد هو ان الاعادة لو كانت حقة يلزم القول بالتناسخ قال المصنف بان المشهور اجابوا عن هذا الاشكال بان هذا القسم من التناسخ مما جوزه الشارع فلا يكون ممتنعا ولا القول به كفرا والشارع سماه حشرا لا تناسخا واعترض المصنف على المشهور بانهم لم يتأملوا في معنى جوابهم لان حقيقة التناسخ محال فتكون جميع افرادها محالا فلا يصح ان يكون حشر الاجساد فردا من تلك الحقيقة الممتنعة ممكنا بمجرد كون الشارع جوزه لان الشارع لا يجوز الامر المحال والتناسخ امر مبرهن على محاليته بجميع افراده اقول والاقوال الثلاثة كلها باطلة قول المعترض وقول المشهور في جوابهم واعتراض المصنف على جواب المشهور اما قول المعترض فباطل بنحو ما ذكرنا قبل هذا من ان التناسخ انما يلزم لو كانت النفوس انتقلت يوم القيمة الى ابدان غير الابدان التي خرجت منها في الدنيا كما يذهب اليه المصنف واتباعه فانه لازم على مذهبه كما بيناه فيما تقدم مكررا واما نحن فنقول بان الابدان التي تنتقل اليها النفوس يوم القيمة هي بعينها ابدانها التي خرجت منها في الدنيا فلا يلزمنا القول بالتناسخ لان التناسخ عند القائلين به هو انه اذا خرجت نفس زيد من بدنه بالموت دخلت في بدن عمرو فلو فرض عندهم انها دخلت فيما خرجت منه لم يسموه تناسخا وانما يكون حيوة ثانية ولا عيب فيه عند الكل واما قول المشهور في جوابهم فباطل لجعلهم المعاد فردا من افراد التناسخ وانما صح اعتقاده لان الشارع جوزه وهذا باطل لانه لو كان من جملة التناسخ لماجوزه الشارع ولو جوزه لجوز التناسخ بل والتماسخ والتراسخ والتفاسخ اذ لا فرق بينها ولكن الشارع منع منه لا لاسمه حتى يمنع مما يسمى تناسخا ويجوز ما يسمى حشرا وانما منع منه لان الشيء شيء بظاهره وباطنه معا فلو قيل بالتناسخ لكان شيئا بباطنه دون ظاهره او بالعكس فلا يكون الشيء بما هو شيء شيئا وهذه البماهية هي علة البقاء فاذا تبعضت البماهية بطل البقاء المتفق عليه من اهل الملل واما قول المصنف فباطل حيث جعل الممكن محالا لان التناسخ ليس محالا عقليا وانما امتنع من جهة الحكمة فهو في نفسه ممكن فلو جوز الشارع فردا منه لم يكن محالا وجاز وقوعه على ان المصنف فيما سبق جوزه وحكم به وان لم يشعر بذلك لانه حكم فيما قبل بان النفس في القيمة تكون في جسد غير جسدها في الدنيا لان جسد الدنيا قد فني واضمحل فيلزمه التناسخ في احدى الدارين واما ان محالية التناسخ مبرهن عليها فالمحالية في الحكمة لما اشرنا اليه من البماهية لان البقاء على مقتضى الحكمة لا يكون بدون البماهية اي بقاء الشيء بما هو به شيء وهو خصوص نفسه وبدنه لانهما شيء واحد ممتد للاحاطة بالغيب والشهادة فجمد ما بعد منه عن المبدء وهو طرفه الاسفل المسمى بالبدن وبقي الطرف الاعلى على حالة ظهوره من مبدئه وهي الذوبان وذلك هو النفس واما محالية التناسخ في الظرف العقلي بان لا يكون ممكنا فامر باطل لا يقوم عليه برهان عقلي ولا نقلي

قال :

اقول صاحب الرسالة اجاب عن شبهة التناسخ بان للنفس الناطقة ضربين من التعلق بهذا البدن الدنيوي اولي وثانوي في الدنيا وفي الاخرة ايضا فالتعلق الاولى في الدنيا انها تعلقت بالروح الحيواني والظاهر من كلامه هذا ان المراد بالحيواني النفس الحسية الفلكية لانها هي الحيوانية والظاهر من قوله الساري في الشرايين اي العروق ومن قوله بعد وحصل الروح البخاري ان المراد بها النفس النباتية وقد قدمنا ان الناطقة لا تتعلق بالنباتية الا بواسطة الطبيعية والهبائية والمثالية والفلكية وان النباتية لا تسمى بالحيوانية الا مجازا ولكن لعله لما كان بصدد تعلق النفس بالبدن والبدن اعلى مراتبه النفس النباتية ذكرها ولم يذكر الوسائط وعلى هذا الاحتمال لا عيب في كلامه هذا والتعلق الثانوي الذي في الدنيا تعلقها اي الناطقة بالاعضاء الكثيفة وظاهر كلامه حيث جعل تعلقها بالاعضاء قسيما لتعلقها بالروح البخاري انه بدون توسط تعلقها بالروح البخاري وهو غلط والا لزم الطفرة في الوجود ويظهر من كلامه ايضا ان تعلقها بالبخاري قوي وبالاعضاء ضعيف فاذا فسد مزاج الروح ولم يصلح لتعلق النفس به قوى تعلقها الثانوي الدنيوي وهذا لا يصح لانه اذا فسد المزاج البخاري ولم يصلح لتعلق النفس به بطل تعلقها بالاعضاء اصلا اذ لا تتعلق بالاعضاء الا بواسطة المزاج البخاري فلا يكون للاجزاء بدون البخاري اتصال بالنفس منها والصواب ان يقول ان النفس تعلقت بالبخاري في الدنيا وبالاعضاء بواسطة البخاري فعند الحشر اذا جمعت وتمت هيئة البدن ثانيا وحصل الروح البخاري مرة اخرى كالاولى عاد تعلق النفس بالبدن لما بينهما من المشاكلة الطبيعية والرابطة الذاتية لا كما توهمه من ان ذلك التعلق الثانوي يمنع من حدوث نفس اخرى على مزاج الاجزاء لان حصول مانع لحدوث نفس اخرى يدفع التناسخ فان الدافع للتناسخ هو ان النفس لم تتعلق ببدن غير بدنها الذي خرجت منه وليس المانع من تعلق نفس اخرى شغل البدن بنفسه والا لاتته نفس تتعلق به لان ذلك لو صح جاز التناسخ وانما المانع من ذلك ان النفس لا تتعلق الا ببدن هي به هي لا غيرها فان نفس زيد انما كانت نفس زيد لا عمرو لارتباطها ببدن زيد لا بدن عمرو كما ان بدن زيد انما هو بدن زيد لا عمرو بارتباط نفس زيد به لا نفس عمرو وسر ما اشرنا اليه مبرهن عليه في علم الصناعة المكتومة المسمى بمرءاة الحكماء لانهم يرون المعقولات فيه محسوسات والغائبات مشاهدات على وجه لا يصح الا اذا انطبق على الواقع في نفس الامر وما ذكره المصنف في اعتراضه عليه يأتي الكلام عليه وهو هذا

قال :

اقول ليس هذا الظاهر من كلام صاحب الرسالة لان الظاهر من كلامه ان يكون التعلق اثنين الا ان التعلق الثانوي مترتب على التعلق الاولي بمعنى ان يكون التعلق الاولي اقوى من الثانوي لقربه من النفس بدليل انه اذا فسد الاولي قوى الثانوي ولو كان الثانوي تبعا للاولي لكان اذا فسد الاولي فسد الثانوي ولكنه عنده اقوى لقربه وهذا القرب هو معنى كونه مترتبا عليه حتى يكاد يكون حاجبا له عن التعلق به لا ان التعلق به حاصل بالتبع كما ظنه المصنف فاذا كان لها تعلق بالبخاري وبالاعضاء فاذا فسد البخاري تمحض التعلق بالاعضاء فقوي التعلق بالاعضاء وهذا الكلام وان كان غير مراد ولا جاريا على نمط يفيد الجواب عن اشكال التناسخ لان ظاهر مفهومه انه لولا التعلق الثانوي لا اقتضى مزاج الاعضاء تعلق نفس اخرى يلزم من هذا التعلق المفروض ثبوت التناسخ وهو ليس جاريا مجرى الجواب الا ان اعتراض المصنف عليه اسخف منه واسقط واي خلل في كون تعلقها واحد تتعلق بالذات وبالبخاري وبالعرض بالاعضاء مع انه اثبت نظيره في شأن الحق سبحانه مع انه لا يجوز هناك ويجوز كما قال فيما تقدم وفي غير هذا في مسألة اتحاد المعقول بالعاقل انه تعالى يعقل المجردات ويدركها وهي صور ادراكية فتتحد به ولا تتحد الماديات به لان وجوداتها ليست ادراكية فقيل عليه انه اذن لا يعلمها فاجاب عن هذا الاعتراض المفروض انه يعلمها بالتبع مع انه علمه تعالى واحد احدي التعلق بالمعلوم وتعلقه بالمجردات ذاتي بحيث كانت متحدة به وتعلقه بالماديات بالتبع فجوز هذا مع عدم صحته في حق الواجب تعالى لان نسبة ذاته المقدسة وعلمه خصوصا العلم القديم الذي هو ذاته الى جميع الاشياء على السواء ولم يجوزه في تعلق النفس مع كونه هو الواقع وليس الرد على صاحب الرسالة الا فيما سمعت

قال :

اقول يريد ان من الخلل الحاصل في عبارة صاحب الرسالة ان تعلق النفس وقع منها على البدن من دون قصد واختيار ولو كان باختيار صح انها اذا اشعرت بفساد مزاج الروح انعطف تعلقه من الروح البخاري الى الاعضاء وبحث المصنف راجع الى لفظ عبارة صاحب الرسالة يقول ان كلامه يدل على ان تعلقها بالبخاري والاعضاء عن شعور ولهذا اذا فسد مزاج البخاري واشعرت به انعطف تعلقها بالاعضاء والامر على خلاف ذلك وانما تعلقها طبيعي واقول لا فائدة في البحث والمبحوث عليه فيما نحن بصدده

قال :

اقول اعتراض المصنف على كلام صاحب الرسالة بان ما جعله مقدمة لجوابه او بيانا له ليس بصحيح لان قوله اذا فسد مزاج الروح وكاد ان يخرج عن صلاحية تعلق النفس اشتد التعلق الثانوي من النفس بالاعضاء يدل على انه اذا فسد مزاج الروح قوي التعلق بالاعضاء والمعلوم انه اذا فسد مزاج الروح بطل تعلقها بالبدن كله لفساد الاعضاء وغيرها لفساد الواسطة اقول وبحث المصنف عليه وارد في محله

وقوله { ومدار الرابطة بين النفس الخ } صحيح كما ذكره من تدرج التعلق من الالطف الى ما دونه وهكذا الى الكثيف فالاكثف الا ان عبارته ليست فصيحة لان قوله في الالطف فالالطف انما تكون هذه العبارة في الترقي لا في التنزل وكذا قوله { في اي مقصود يحصل للنفس من التعلق الى اخره } فانه ايضا صحيح وارد على ذلك القائل

قال :

اقول فيضان تلك الارواح والاعضاء والقوى كلها بفعل الله عز وجل من جهة النفس في حدوث تلك الامور من تنزلاتها وبقائها بمدد هو فاضل مدد النفس جاريا على النظم المتقن الذي لا يكون اكمل منه بتلك الاجزاء فاذا فسد الروح الساري في اي عضو او قوة مما تحت رتبته التي تكون رتبة الروح اقرب الى النفس من رتبته فسد ذلك العضو والقوة لفساد الواسطة في حدوثه وبقائه وايراد هذا ايضا وارد على عبارة ذلك القائل حيث جعل شدة تعلق النفس بالعضو تكون اذا فسد الروح البخاري الذي هو الواسطة في حدوثه وبقائه

وقوله { وايضا ليست الاعضاء مما يعين الى اخره } يريد ان القائل اراد بقوله وبهذا التعين تتعين الاجزاء تعينا ما ان مطلق تألف الاجزاء واجتماعها ثانيا مما يعين وجود النفس لها اي للاجزاء بحيث يكون مانعا من تعلق نفس اخرى فلا يتحقق التناسخ ورده المصنف بان اجتماع الاعضاء لا يستلزم عود النفس الى البدن التي هربت منه لفساده وفي كلام المصنف شيء يرد عليه فيه شيئان احدهما ان ظاهر عبارة القائل ان النفس في تعلقها الثانوي الاخروي بسببه تتعين الاجزاء وتتشخص تعينا ما تتأهل به لتعلق الروح بها وثانيهما لو اريد من عبارته ما اشار اليه المصنف من ان المراد من عبارة القائل ان الاجزاء اذا تألفت وانتظمت على نظم النشأة الاولى تكون معينة لكون النفس توجد لها دون غيرها من الاجزاء المألفة وذلك ليس بصحيح لان النفس انما هربت عن البدن لفساده مرة اخرى بفساد الاعضاء بعد فساد الروح واقول ان اراد القائل بكلامه في قوله وبهذا التعين ما ذكره المصنف فهو صحيح مطابق للواقع لان الاعضاء اذا انتظمت واجتمعت على النظم المتقن الموافق للنشأة الاولى كانت مقتضية لتعين النفس وتعلقها بها ثانيا كما تعلقت به اولا عند الولادة الجسمانية الا ان القائل لم يقل وبهذا التعين تكون معينة بل قال وبهذا التعين تتعين الاجزاء وهو تعين عائد الى نفسها لا انه تعين يرجع الى النفس

قال :

اقول الجامع للاجزاء بعد تفرقها هي صور طبيعية اذا تفككت الاجزاء من الاعراض الحابسة لاجزاء الاجساد في اماكن التفريق وتخلصت من الموانع اجتمعت في قبره مستديرة وبيان هذا بالعبارة الظاهرة ان الاجساد الثانية اعني التي خلقت من عناصر هورقليا هي الباقية وهي التي تعاد يوم القيمة وهي هذه الاجساد المحسوسة المرئية وهي ليس شيء منها من هذه العناصر وانما هي لما نزلت من الخزائن الى هذه الدار لحقتها اعراض وكثافات عارضة من هذه العناصر وليست بجزء من هذا الجسد وان لحقته منها كدورة وهذه الاعراض الكدرة الاجنبية هي المانعة للاجساد من التشبه بالمجردات فان اجساد اهل العصمة عليهم السلام لما طهرت من هذه الاعراض الكثيفة كانت مشابهة للنفوس فيصل احدهم اذا شاء من المشرق الى المغرب في لحظة وما بين المشرق والمغرب خطوة مؤمن فاذا مات الرجل من سائر الناس وتفرقت اعضاؤه او اكلته الوحوش او حيتان البحر كان جسده الاصلي متفرقا في بطون الحيوانات ما دامت اجزاؤه ممازجة للاعراض الاجنبية لانها تحبسها عن التشبه بالمجردات والحيوانات تغتذي بتلك الاعراض ولا تغتذي بشيء من الاجساد الاصلية فاذا اضمحلت جميع الاجزاء العرضية وتخلصت الاصلية من الاعراض اجتمعت في قبره اي في الموضع الذي اخذت منه التربة التي ماثها الملك في نطفتي ابويه وتكون فيه بعد ما كانت متفرقة مستديرة اي منتظمة على نظم صورته الطبيعية التي ظهر بها في الوجود بان تجتمع اجزاء الرأس مترتبة كما هي في الانسان وتحتها اجزاء الرقبة وتحتها اجزاء الصدر وتحتها اجزاء البطن وتحتها اجزاء الرجلين وانتظامها على الترتيب الطبيعي لعدم المانع والحاجب كما اري الله تعالى نبيه ابراهيم عليه السلام كيفية احياء الموتى وتلك الصور الطبيعية الجامعة لتلك الاجزاء المتفرقة هي مجاورة بعضها لبعض في امكنة مبادي اكوانها واوقاتها ومشاكلة بعضها لبعض بامتزاج طبيعة واحدة في كل متجاورين بها تتعاطف ويأتلف بعضها ببعض وهذه الطبيعة الواحدة الجامعة لكل متجاورين قوة نفسانية ففي الاجزاء الجمادية قوة من نفس الجماد وفي الاجزاء المعدنية قوة من نفس المعدن وفي الاجزاء النباتية قوة من نفس النبات وفي الاجزاء الطبيعية قوة من نفس الفلك وفي اجزاء الصور كابعاض الخطوط والمقادير قوة من نفس المثال وفي ذرات الهباء قوة من نفس الهباء وفي قطر الطبيعة قوة من نفس الطبيعة النورانية وفي الجواهر النفسانية قوة من ذات النفس وفي الرقائق الروحانية قوة من ذات الروح وفي المعاني العقلية قوة من ذات العقل فكل ممكن له نفس ونفسه هي وجهه من علته

وقول المصنف { او قوة نفسانية تعلقت بمادة طبيعية } يصح في بعض الاجزاء المجتمعة يريد به قوة من النفس الناطقة وهذه تجمع الجواهر النفسانية لا غير لان المراد بالقوة الجامعة طبيعة المجتمع وهي قوة وصفية بها يتحقق كونه مثل ثقل الحجر فانه ينزل به الى جهة السفل وخفة النار تصعد بها الى جهة العلو وليس المنزل للحجر والصاعد بالنار قوة من النفس وبيان ما ذكرنا ان اجزاء البدن تجتمع في القبر بطبيعتها القريبة وينبت لحمه بالقوة النباتية حتى يكون كيوم مات في الدنيا وكل ذلك قبل ان تلجه الروح وقبل ان تتصل به قوة نفسانية وبعد تمامه ينفخ اسرافيل في الصور وتلجه النفس ولم يكن في البدن شيء من قواها قبل ان تلجه

وقوله { ثم تضيف الاجزاء الغذائية اليها } يعني ان القوة النفسانية الجامعة تضيف الاجزاء الغذائية الى المادة الطبيعية التي تعلقت بها تلك القوة والتحقيق ما قدمنا لك

وقوله { بل التحقيق ان الحافظ للاجزاء والجامع لاجزاء الغذاء للشخص انما يكون نفس المواد على حسب درجاتها ومقاماتها السابقة على صيرورتها نفسا كاملة } صحيح الى قوله ومقاماتها واما قوله { السابقة على صيرورتها نفسا كاملة } فليس بصحيح وقد قدمنا ان الاجزاء العنصرية لا تكون بنفسها نفسا ناطقة وان الحركة الجوهرية هنا باطلة فانها لا تكون بنفس الجوهر من غير صورته ولا بالصورة من غير مدد جديد واذا حصل له المدد وقبله ترقي بالحركة الجوهرية في اعلى مراتب نوعه بنسبة قابليته للمدد والاجزاء العنصرية لا تكون جواهر ملكوتية واما اضافة الاجزاء الغذائية فمن النفس النباتية لا غير فافهم

وقوله { وبالجملة النفس ابدا تعين البدن واجزاءه لا البدن يعين النفس في شيء من المراتب } ليس بشيء بل قد اشرنا الى بعض الكلمات سابقا تدل الفاهم على شيء من احوال النشأة الاولى وبها تعرف النشأة الاخرى كما لوح سبحانه الى هذا في قوله ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون ومعنى ما ذكرنا ان في الكافي عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال ان في الجنة لشجرة تسمى المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا تمرة اكل منها مؤمن او كافر الا اخرج الله تعالى من صلبه مؤمنا ه‍ اقول وهذه القطرة هي النطفة وهي النفس الانسانية الناطقة فاذا اكل الرجل البقلة او التمرة التي في غيبها تلك النطفة من المزن تكونت من تلك التمرة نطفة المني ونطفة المزن في غيبها فاذا نزلت نطفة المني في الرحم والتقت بها نطفة المرأة كان من نطفة الرجل جزء ناري وجزء هوائي وكان من نطفة المرأة جزءان مائيان ووضع الملك بين ما من الرجل وبين ما من المرأة جزءا من تراب من الموضع الذي يدفن فيه اذا مات اجراه باذن الله في حيضها الذي يكون به غذاء النطفتين فتكملت خمسة اجزاء طبخية ناري وهوائي وترابي ومائيان هي اربعة اجزاء طبيعية فحمت المرأة لزيادة الحرارة لاجل تعفين النطفتين فبكر الافلاك بكواكبها وطرح اشعتها وبحرارة الرحم من الحمي ومن الحرارة الغريزية طبخت تلك الاجزاء وتعفنت ونعمت وتلطفت فنشأت النفس النباتية الموصلة للاجزاء الغذائية الى المواد الطبيعية العنصرية هذا والنفس الانسانية في ملابسها الاربعة كما تقدم في غيب النطفتين في النباتية فاذا تمت الاربعة الاشهر وتمت خلقة الجسم كانت الولادة الجسمانية وظهر لباس النفس الرابع اعني النفس الحسية الحيوانية الفلكية من غيب المواد الجسمانية لان تمام آلاتها مقتض لتنزلها كما ان الجدار اذا بنيته من الحجارة والطين الكثيفين كانت كثافته مقتضية لظهور اشراق نور الشمس عليه اذ لو كان الجدار لطيفا كالهواء لماظهر اشراق نور الشمس عليه فاذا تمت التسعة الاشهر كانت الولادة الدنياوية وظهرت النفس الانسانية بملابسها لان بلوغ الالات وقوة نضجها مقتض لظهور اشراق انوار الملكوت عليها فالنفس متعينة بقوابل طبيعتها والبدن ببلوغه نحو ما سمعت معين لتعلق النفس الانسانية به وظهورها فيه بتوسط ظهور ملابسها كما عين الجدار بواسطة كثافته تعلق نور الشمس به وظهوره على وجهه وليس الامر كما توهمه المصنف ولا على نحو ما اراده ذلك القائل

وقول المصنف { فما اشد سخافة قول من جعل المواد الاخيرة والقشور الكثيفة الخارجة عن جهة الاعتدالية مما يدعو النفس الى التعلق بالبدن بالطبع } اقول عليه وكذا سخافة قول من انكر ذلك التعلق وهو يرى ان الداعي الى تعلق نور الشمس بالجدار هو كثافته ولو كان لطيفا كالهواء لماتعلق به الاشراق والسر في تعلقها بالطبع هو انها جوهر مقداري يدرك ما في صقعه من الملكوت بنفسه فاذا اراد ادراك ما هو خارج عن صقعه منحط عن الملكوت الذي هو مقامه لا يجده الا في الاجسام لانها هي الجامعة للذوات ذوات الحدود والمقادير التي هي على هيئة مقاديرها فجذبتها نسبة المشاكلة بواسطة الملابس الاربعة الطبيعة النورانية والهبائية الجوهرية والصور المثالية الشبحية والحسية الحيوانية الفلكية فكما لم تكن الشمس داعية للجدار على قبوله اشراقها وتعينه لها بل الجدار هو الداعي بكثافته لقبول اشراقها والمعين له كذلك لم تكن النفس داعية الى تأليف كثيف لتتعلق به بل لما تألف الكثيف على هيئة واستعداد بطبيعته التي خلق عليها كانت تلك الهيئة والاستعداد الطبيعيان مقتضيين لتعين النفس له وتعلقها به فافهم وتدبر لتظهر لك سخافة القول في جانب من تكون

قال :

اقول كيفية انبعاث البدن عنها مثل كيفية انبعاث العود الاخضر عن حبة الحنطة وظهورها من البدن كظهور حبة الحنطة من العود الاخضر في السنبلة فان العود الاخضر وان كان اصله الحبة الا انه قشرها وطبيعة الحبة وحقيقتها كامنة في غيب العود الى ان تكمل آلات الحبة فاذا كملت الالات وتم الاستعداد ظهر ما كان منها بالقوة بالفعل وليس ان العود تتكون منه الحبة او من لطيف العود بالحركة الجوهرية وانما تتكون الحبة من طبيعة الحبة الاصلية التي كانت سارية في العود فالعود ليست حقيقته من نفس الحبة فكما ان نور الشمس الواقع على الجدار ليس من جرم الشمس وانما هو ظهورها الذي هو صفة فعلية كذلك العود الاخضر ليس نفس الحبة وانما هو قشر الحبة وظاهرها وحامل طبيعتها وانبعاث البدن من النفس كانبعاث العود الاخضر من الحبة وظهور النفس من البدن بعد كمونها فيه كظهور الحبة بعد كمونها من العود

وقوله { في العالمين والفرق بين الانبعاثين } المراد بالعالمين عالم الدنيا وعالم الاخرة والفرق بين انبعاث البدن عن النفس في الدنيا وانبعاثه عنها في الاخرة اما عندنا فلا فرق بين البدء والعود كما قال تعالى كما بدءكم تعودون واما عنده فلانه يذهب كما تقدم انها اي النفس في اول نشأتها جوهر جسماني ثم يتدرج شيئا فشيئا في الاشتداد وهذا وامثاله من كلماته انها في النشأة الاولى منبعثة عن البدن وفي النشأة الاخرى بالعكس والحق ما قلنا بتساوي الانبعاث في العالمين لقوله تعالى ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون فحيث حثهم على الاستدلال على النشأة الاخرى بالنشأة الاولى ولقوله تعالى كما بدأكم تعودون وايضا من نظر بدليل الحكمة عرف ان الحال في النشأتين واحدة

وقوله { يعلم ان هذا القائل وامثاله عن تحقيق علم المعاد بعداء بمراحل } صحيح في الجملة اذا اراد به هذا النمط الذي ذكره الا انه ايضا في اكثر اموره كذلك والاصل في هذا ان الباحث عن هذه الدقائق اذا كان جاريا في تحقيقه على طريقة صاحب الشريعة صلى الله على محمد واله لا يكاد يخرج عن سمت الطريق وان اتبع الاراء فلا يكاد يصيب شيئا من الحق انظر الى هذا الرجل اعني المصنف الفيلسوف المتوغل المحقق فانه لما كان استناد انظاره الى رأيه والى ما يستحسنه من كلام الحكماء والصوفية ولم يسلك في هذه المسالك الوعرة المظلمة بمصباح هداة الخلق الى الحق صلى الله عليهم اجمعين قل ما يصيب الطريق الحق

وقوله في تمثيله البدن بعد الموت او يوم القيمة بخرابة عاش فيها رجل اياما كانت معمورة كما كانت الابدان في الدنيا معمورة فهاجرت النفس عنها مدة الدنيا ثم اتفق لها يوم البعث الرجوع الى البدن الخراب فاشتد اشتياقها اليه لتذكر عمارته ولذاتها الماضية فيه فجعلت تعتكف في البدن الخراب ابدا يعني مدة بقائها في الاخرة فحبست ذاتها عليه وتركت البدن النوراني الاخروي الذي لم يكن من نوع البدن الفاني ليس بصحيح لان البدن الدنيوي لم يكسره صانعه عز وجل الا ليصوغه الصيغة التي لا تحتمل الفساد كما قال ارسطوطاليس للرجل الدهري فانها مارجعت الى خراب وانما رجعت الى منزل معمور قد احكم عمارته صانعه العليم الحكيم القاهر القادر لانها انما فارقته لخرابه في الدنيا بسبب ما فيه من الاعراض الضعيفة والاغيار الكثيفة فلما صفاه وخلصه منها صاغه لها على اكمل وجه تشتهيه صيغة محكمة تصلح للبقاء لانها لا تحتمل الفساد لان هذا البدن ليس من نوع الدنيا وانما هو من الاخرة فانزل في الدنيا دار التكليف ليأخذ منها متاعا لذلك السفر الطويل فخرج منها كما دخل فيها وليس فيما سمعت هوسات ولا خرافات وانما هي امور طبيعية حقية

قال :

اقول الاشكال الثالث من الاشكالات التي اوردها منكروا حشر الاجساد هو انهم قالوا ان الاجساد من العناصر الاربعة وهي تبطل وتكون عدما ولو قيل باعادتها لزم اعادة المعدوم وهو محال لان من عدمت هويته لا يصح الحكم عليه والا لم يكن معدوما وايضا لو صح اعادة المعدوم صح اعادة مثله ولو اعيد معه مثله لزم عدم التمييز بينهما وهو محال وايضا لو صح اعادة المعدوم بعينه صح اعادة الوقت الذي كان فيه في الابتداء لانه من مشخصاته ويكون وقت اعادته وقت ابتدائه واجاب مجوزوا اعادة المعدوم عن الاول بان قولكم لا يصح الحكم عليه متناقض لان قولكم لا يصح الحكم عليه ان كان غير صادق كان نقيضه وهو المعدوم يصح الحكم عليه صادقا فيثبت المطلوب وان كان صادقا لزم صحة الحكم عليه لان قولكم لا يصح الحكم عليه حكم عليه بانه لا يصح الحكم عليه وعن الثاني بانا لا نسلم انه لو صح اعادته بعينه لصح اعادته مع مثله وانما يصدق ذلك لو امكن ان يكون له مثل مساو من كل جهة ولكنه محال ولو سلمنا فلزوم عدم التمييز لم كان محالا بل لو كان بالنسبة الى عقولنا واذهاننا لم يكن محالا في نفس الامر اذ لا دليل على امتناعه وعن الثالث لا نسلم لزوم اعادة وقت الابتداء للاكتفاء في التعين بوقت الاعادة كما لو كسرت خاتمك ثم صغته كالاول فانك تكتفي بالوقت الثاني في التشخص وبالصورة الثانية مع فناء الاولى على ان الوقت لو اعيد لكان في وقت فيكون للزمان زمان

وقوله { واجيب في المشهور الخ } يعني ان قول المشهور ليس بصحيح لقوله واجيب لان البناء هنا للمفعول للتحقير اجابوا بان المادة باقية والاعضاء باجزائها باقية فلم تكن معدومة لان الاعادة صدقها على موجود المادة اولى فلا نحتاج الى الجواب عن لزوم اعادة المعدوم قال المصنف وهذا يعني جواب المشهور فاسد لان المادة مبهمة غاية الابهام فلا يتحقق بها من خصوص نفسها تعين وانما التعين للشيء وحقيقته بصورته لا بمادته كما مر اقول ليس في كلامه رد لاعتراض المنكرين وانما هو رد لجواب المشهور وبقي الاشكال على حاله لانه اذا رد جواب الاشكال قرر الاشكال لكنه لما اتى بصورته وانها معادة دار كلامه بين امرين احدهما احتمال ارادة اعادة نفس الصورة الاولى في الدنيا وانها معدومة فيكون معارضا للمنكرين بغير دليل او انها لم تعدم فيكون معارضا للمنكرين بعين ما عارض به المشهور للمنكرين ومعارضا للمشهور بان المعاد انما هو الصورة لانها هي المشخصة المعينة لا المادة المبهمة وثانيهما احتمال ارادة معارضة المشهور ولم يتعرض لمعارضة المنكرين اصلا وانت خبير بانه ذكر سابقا ان المعاد من الانسان هو صورته اي ماهيته التي بها هو لا بمادته بمعنى ان زيدا هو نفسه الناطقة مع ما انضم اليها من اي مادة كانت حتى لو اخذت مادة الحمار وصور منها صورة زيد فهي المعاد يعني المادة التي تصور فيها صورة زيد يوم القيمة فتكون حقيقة العود انما هو لنفسه وصورته واما مادته الدنياوية فانها قد فنيت واضمحلت وشبهة هؤلاء ان زيدا لو اكله عمرو واغتذى به حتى كان ما اكله من لحم زيد جزءا منه وحكمنا باعادة المادة الدنيوية لما امكن اعادة زيد وعمرو معا لانه اذا اعيد زيد نقص عمرو واذا اعيد عمرو نقص زيد وقد دل الدليل على اعادتهما معا فيجب ان يكون المعاد غير المادة وهو الصورة والنفس لان النفس باقية لا تفنى والصورة تحفظها النفس في خيالها وهذه الشبهة عجزوا عن حلها لانهم انما يردون امرهم الى الله والى رسوله والى اهل بيت رسوله صلى الله عليه وعليهم بالقول واللفظ بالسنتهم ما ليس في قلوبهم وانما في قلوبهم اعتمادهم على افهامهم فلذا كان منهم ما سمعت ومثله لانهم انما اخذوا هذه العلوم من العامة وتتبع كتبهم الاصولية من الكلام والحكمة وتأمل فيها يظهر لك صدق قولي وفك الشبهة هو ان اجزاء بدن زيد الاصلية التي تتعلق بها نفسه في الدنيا والاخرة ليست من هذه الدنيا وانما هي من عناصر هورقليا اهبطها الله عز وجل بحكمته الى هذه الدنيا التي هي دار التكليف فلحقتها من هذه الدار اعراض غريبة اجنبية فاذا اكله عمرو اغتذى عمرو بالغريبة الاجنبية واما الاصلية فلا يغتذي بشيء منها ولا يستحيل منها غذاء بوجه من الوجوه لانها ليست من هذا العالم فلو اكلها الف حيوان وحرقت مع ما تعلق بها من الاعراض الغريبة في الدنيا بجميع النيران ماذهب منها قدر ذرة وهي التي خلق منها اول مرة وهي الطينة التي تبقى في قبره مستديرة واضرب لك مثلها لو انك اخذت مثقالا من الذهب ومزجته بمثقال من النحاس حتى كانا سبيكة ثم وضعتها في النار ما شاء الله احترقت كل الاجزاء النحاسية ولم ينقص مثقال الذهب قدر ذرة وكذا لو بردت السبيكة بالمبرد حتى جعلتها سحالة والقيت السحالة في الارض وبقيت في الارض مائة سنة ثم صفيت التراب لم تجد من النحاس شيئا ووجدت اجزاء الذهب تامة لم تنقص شيئا فكذلك طينة زيد الاصلية فانها اذا اكله الحيوان فانما يغتذي بالاعراض الدنياوية التي نسميها بالجسد الاول لانه من هذه الدنيا ومثال ما يريد المصنف من ان البدن بدن زيد الدنيوي اذا مات فني واضمحل ويوم القيمة انما زيد المعاد نفسه بصورته في الدنيا ومادته نورانية من الاخرة لا مادته الدنيوية مثل ما اذا عملت صورة فرس من النحاس ثم كسرتها ثم عملت تلك الفرس على تلك الصورة بعينها من الذهب فان المصنف يقول هذه الثانية هي الاولى بعينها وان اختلفت مادتها والمستفاد من فحوى كلام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ان الثانية ليست هي الاولى ولو انك عملتها من النحاس الذي هو مادتها في الحالة كانت الثانية هي الاولى في ذاتها ويصدق عليها من جهة الصورة انها غير الاولى لان الصورة بعينها ذهبت واتيت بصورة مثلها كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب والمصنف يقول هذه الصورة الثانية هي بعينها الاولى حفظتها القوة الخيالية الدائمة الباقية فاختر لنفسك ما يحلو

وقوله { لان المادة مبهمة غاية الابهام وحقيقة كل شيء وتعينه بصورته لا بمادته } فيه ان المادة لو كانت بدون الصورة كانت مبهمة بل كانت مجردة لانها ما تنزل الى عالم الاجسام الا اذا اقترنت بها الصورة ولكن ليست الا انفعال المادة بطبيعتها عند تعلق الفعل بها لانها هي قابلية المادة للصنع وتعينها فالصورة في الحقيقة صفة للمادة وهيئة قبولها وحكاية مقتضى طبيعتها فالشيء له حقيقتان حقيقة من ربه اي اثر فعل ربه وهي المسماة بالوجود وبالفؤاد وبالنفس التي من عرفها فقد عرف ربه وبالمادة وبالنور اي نور الله الذي ينظر به المؤمن المتوسم اي المتفرس كما دل عليه خبر الصادق عليه السلام المتقدم الذي هو ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته وهذه الحقيقة هي المخلوقة اولا وبالذات وحقيقة من نفسه وهي المسماة بالماهية وهذه لا يعرف بها ربه لانها انيته وبالصورة وبصبغ الرحمة في كون المؤمن وبصبغ الغضب في كون الكافر وهي مخلوقة ثانيا وبالعرض والمادة الموجودة في الانسان كزيد حصة من النوع الانساني وهي مركبة من مادة وصورة نوعيين كحصة من الخشب تكون سريرا بالصورة الشخصية كما تكون تلك الحصة زيدا بالصورة الشخصية فالحقيقة الثانية خلقت من نفس الحقيقة الاولى كما تفهم من خلقه فانخلق ان كنت تفهم فاذا كانت مخلوقة من نفس المادة كما ذكرناه سابقا كانت الصورة التي يحشر فيها زيد لا تخلواما ان تكون هي صورته التي هو بها هو في الدنيا فيجب ان تكون مخلوقة من مادته التي في الدنيا فلا تحشر في غيرها لان الصورة صفتها وانفعالها والصفة لا تكون صفة لغير موصوفها والا لم تكن صفة له واما ان تكون هي غيرها فان كانت من قالبها فهي مخلوقة من نفس المادة التي خلقت منها الاولى فهي غير الاولى ولكن لا تكون في غير قالبها ولا تحشر في غير مادتها كما هو الواقع الكائن لان قالبها هو المادة التي خلقت الصورة من نفسها وان كانت من غير قالبها لم تكن صورة زيد وقد تقدم ان المادة بصورتها التي خلقت منها هي المقتضية لتعلق النفس بها لا العكس فكون المادة مبهمة غاية الابهام لا معنى له الا اذا اريد بالمادة الهيولي اي المادة الجنسية او النوعية لان الاصطلاح جرى على تسمية الاصل الصالح لتعلق جميع الصور به هيولي وعلى ما تعلقت به الصورة مادة لعدم صلوحها حينئذ لغير صورتها فلو اراد به الهيولي فهي مبهمة حتى تتعلق بها الصورة فتتعين ولكن ليس مما نحن بصدده وفيما نحن بصدده يراد بالمادة ما تعلقت به الصورة وفي هذه الحال لا تصلح فان قال انها بعد الموت تخلع الصورة حين كانت ترابا فتكون مبهمة قلنا اذا خلعت صورتها الظاهرة لبست صورتها الطبيعية التي اشار اليها الصادق عليه السلام بقوله تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة وقد بينا في ما سبق معنى استدارتها فاشرب صافيا ودع عنك العيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض

قال :

اقول : هذا الاعتراض الرابع لمنكري حشر الاجساد واجاب قوم بان الله لا يسئل عما يفعل ويرد على الاعتراض ما هو جواب كاف وان كان يحصل غيره وهو انا نقول بموجب ان الاعادة لا لغرض عبث لا يليق بالحكيم وان الغرض ان كان عائدا اليه كان نقصا يلزم منه احتياج الغني عز وجل ويجب تنزيهه عن ذلك ولكنا نقول الاعادة لغرض يعود الى العباد وليس الغرض محض ايلام خاصة لان ذلك لا يليق بالغني الحكيم الرؤف الرحيم بل الغرض اما لذة عظيمة جليلة يلزم منها ايلام قليل حقير بالنسبة الى تلك اللذة فان نفوس العقلاء تتحمل تلك الالام المنقطعة لطلب اللذة الدائمة اذا كانت متوقفة على تلك الالام والحكماء والعلماء والانبياء عليهم السلام يأمرون بها كالحجامة والفصد واسقاء الدواء المر لطلب العافية وكالكي بالنار في المواضع التي تتوقف السلامة عليه مثل من نكحه الفار المخصوص وهو ما نقل المؤرخون ان في بعض الجزائر نوعا من الفار اذا كان وقت هيجانه للنكاح ورأى انسانا ضربه بقضيبه في اي موضع كان من جسده فان بادر ذلك الانسان الى موضع الضربة وكواه بالنار سلم والا بقي يظهر من ذلك الموضع كل يوم فار يتولد من لحمه حتى يفنى جميع لحمه ويموت لا علاج له الا بالكي في الابتداء فهذا يأمره بالكي العاقل والعالم والجاهل والحكيم وتلتذ نفسه بالم الكي المنقطع طلبا للسلامة وكقطع العضو لمن لدغته بنت ‌طبق وهي حية صفراء قصيرة نقلوا ان السلحفاة لها فرجان ولذكرها ذكران وانها تبيض مائة بيضة تنشق منها تسع وتسعون بيضة عن سلاحف كامها وبيضة منها تنشق عن حية صفراء قصيرة ومن طبعها انها تغيب في الارض في كل اسبوع ستة ايام وتخرج على وجه الارض في اليوم السابع فمن لدغته لا علاج له عن الموت الا ان يبادر ويقطع العضو الذي لدغته فيه والا هلك فهو يبادر الى قطع يده مثلا ويطلبه ويلتذ بالم القطع طلبا للحيوة وآلام التكليف والموت والبعث واهوال يوم القيمة من هذا القبيل اكثرها واما ان تكون تلك الالام كفارة لذنوب المكلف الموجبة لدخول النار في العذاب الدائم لانه لازم من لوازم الذنوب واما لرفع درجة المتألم فان عند الله درجات من النعيم يوم القيمة لا تنال الا بالمكاره وان لم تكن عن ذنوب وانما تكون لشدة التخليص وتطهير الطاهر زيادة لبياضه ونضارته وكل هذا لاحق بالاول واما بمقتضى العدل فانه تعالى خلقهم للسعادة التي هي مقتضى الفضل اذا سلك طريق السعادة واتيها من بابها وهو ما امر به الشارع عليه السلام ودل عليه ومن لم يسلك الطريق كما هدي اليه وقع في المهلكة التي هي مقتضى العدل ولم يخلقهم لذلك اولا وبالذات وانما خلقهم كما خلقهم للسعادة اولا وبالذات وانما خلقهم للشقاوة ثانيا وبالعرض ومثال الحالين مثال رجل اعمى اخذ بيده لهدايته رجل مبصر والاعمى يعلم على جهة القطع ان المبصر صادق امين ناصح لا يغش ولا يجهل ولا يغفل كل ذلك علمه الاعمى على جهة القطع واليقين بتفهيم المبصر وتعليمه فاخذ بيد الاعمى يسير به في الطريق فمرا على بئر عميق في الطريق وكانا بمرءي من قوم عند البئر فلما قربا من البئر جذبه المبصر عن البئر وقال امامك بئر عميق من وقع فيه هلك فمِل معي لئلا تقع في البئر فتهلك فلما احس الاعمى بالحاضرين عند البئر وانهم سمعوا كلام المبصر له انفت نفسه ان يكون تابعا لغيره فاخذ يده من يد المبصر فوقع في البئر فهلك فاي تقصير من المبصر واي عذر للاعمى ليقال انه كان سببا لانفة نفس الاعمى لان الاعمى طلب من المبصر الناصح الامين العالم بمنافع الاعمى ومضاره وقد تيقن الاعمى بذلك كله فلذلك طلب من المبصر ان يدله على اهله ويوصله اليهم لينقلب الى اهله مسرورا كما اوصل شخصا اخر الى اهله مسرورا فاعتبروا يا اولي الابصار

وقولهم { فاللذات سيما الحسيات انما هي دفع آلام } غلط منهم فان العلماء والاطباء انما نبهوا على لذات الدنيا انها دفع الام ولانها منقطعة مع ان فيه كلاما فان الالام المشار اليها بان لذات الدنيا دفع لها لم تحصل للانسان الا لفقد اللذات لانها سابقة فاذا فقد اللذة التي انما خلق عليها وبها تألم فتجدد العطية الذاهبة باعادتها فيندفع الالم فاللذة سابقة والالم طار لفقدانها وانما لم تجعل اللذات في الدنيا قارة لانها اي الدنيا ليست دار قرار ولو قرت لذاتها لركنت النفوس اليها فاعانهم على ما فيه نجاتهم وايصالهم الى اللذات التي لا تحيط الاوهام بجلالتها وشرفها بكون لذات الدنيا غير باقية لاهلها وليست هي دفعا لالام سابقة عليها

وقولهم { فهل يليق هذا بالحكيم مثل من يقطع عضوا ثم يضع عليه المراهم ليلتذ } ليس بصحيح لان تمثيلهم غير مطابق وانما المثال المطابق كما مثلنا ان بنت‌طبق اذا لدغته في ذلك العضو فان الحكيم الماهر الطالب لسلامة الملدوغ يليق به ان يقطع العضو ثم يضع عليه المراهم ليلتذ بالسلامة ويرد على جواب القوم المجيبين بانه تعالى لا يسئل عما يفعل ولكنه انما لا يسئل عما يفعل لانه تعالى عليم لا يجهل وحكيم لا يلهو وذاكر لا يسهو ونحن لانسئله عن فعله ولكنه اجرى حكمته في جميع افعاله انه يبين لهم حكم الصنع واتقانه ليعرفوه باثار صنعه المحكم المتقن فنحن لانسئله لم فعلت كذا ولكن بعضنا يسئل بعضا عن سر مصنوعاته التي تعرف لنا بها ونسأله ان يفتح لنا باب الفهم ويفجر لنا ينبوع الحكمة والعلم كما سئل نبينا محمد صلى الله عليه واله ربه فقال اللهم ارني الاشياء كما هي وقال رب زدني علما وقال (ص) اللهم زدني فيك تحيرا وكما سئل ابراهيم الخليل على محمد واله وعليه الصلوة والسلام ربه فقال رب ارني كيف تحيي الموتى ولنا بهم عليهم السلام اسوة وليس تفهمنا لما اراد منا فهمه من اياته واسرار صنائعه اعتراضا عليه فجوابهم ليس في محله ولكن الواجب على من جهل ان يسئل ولا يستنكف من السؤال من يطلب العلم وهو يسمع قول الله تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا وقال تعالى فسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون

قال :

اقول قوله على وجه الحل يعني حل الاشكال وهو كما قال عند القائلين بقوله من انه تعالى فاعل بالعناية وهو الذي يتبع فعله علمه بوجه الخير فيه لا نفس الامر ويكون علمه بوجه الخير كافيا لصدوره عنه من غير قصد زائد على العلم او انه فاعل بالرضى وهو الذي يكون علمه بذاته الذي هو عين ذاته سببا لوجود الاشياء ونفس معلومية الاشياء له نفس وجودها عنه بلا اختلاف واضافة عالميته بالاشياء هي بعينه اضافة فاعليته لها بلا تفاوت مبدء ومعاد ه‍ فالعناية على تفسيرهم يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير في الفعل وان كان لا خير فيه في نفس الامر وذلك العلم كاف في صدور الفعل من غير قصد زائد على العلم ويكون الفعل بالطبيعة او بالقسر والايجاب من غير اختيار لان الفعل اذا كان تابعا للعلم بوجه الخير في الفعل لا نفس الامر قد يكون لمصلحة الفاعل وان كان فيه فساد المفعول او بالعكس لعدم اشتراط الخير في نفس الامر وبالايجاب من غير اختيار لعدم القصد الزائد على العلم والفعل بالرضي ما يكون علم الفاعل بذاته الذي هو عين ذاته سببا لوجود مفعوله ويلزم على هذا ان العلم سبب تام لوجود الاشياء واحاطته بها على السواء فلا يكون معلوم ليس بموجود فالذي اثبته المصنف في مباحث الغايات مبني على كون الفاعل فاعلا بالعناية او بالرضي وان الاشياء تجري الى غاياتها بمقتضى ذواتها وكذلك الحركات والافعال لا ان لها مغاييا يوصل كل منها الى غايته وانه جعل لكل شيء حدا محدودا وامدا ممدودا واللازم مما ذكره المصنف انه تعالى لم يحشر الخلق للجزاء وانما الاشياء تسير الى ما اقتضته ذواتها من الغايات وليس ذلك بصنع صانع ولا بتقدير مقدر وحينئذ يكون جوابه مقررا لنوع الاشكال لا انه راد له اذ معنى كلام المعترض ان اعادة الاجساد عبث لعدم الفائدة وكلام المصنف معناه ان للاشياء غايات ذاتية فكل شيء يطلب غايته فيكون جوابه وان كان وقع شيء ينافي الحكمة من الفاعل الا ان الاشياء تسير بطبائعها الى غاياتها من الثواب والعقاب والطبيعة لا تغلط فاذا سلم المعترض سير الاشياء بطبائعها الى غاياتها لا يلزم ان يكون ذلك بفعل فاعل ولا ان ذلك اعادة لانها اذا ذهبت لو كانت سائرة بطبائعها لم ترجع الى عود لان رجوعها الى عود خلاف ذهابها بطبائعها وفناؤها في الدنيا ان كان بطبيعتها فهو سير الى غايتها وان كان عن قسر على خلاف طبيعتها فما المانع منه في العود ان يكون كذلك فكل هذه الفروض وما اشبهها تنافي الصنع بالعناية كما سمعت من معنى فعل الفاعل بالعناية

وقوله : وان لكل عمل جزاء لازما ان اريد به ان الجزاء لازم لانه غاية ذاتية للعمل كان من الاول اعني سير الاشياء بطبائعها الى غاياتها وان اريد انه لازم في الحكمة على الفاعل المعيد فحق ولكنه ينافي كون الصنع بالعناية وقوله صلى الله عليه واله ولكل امرئ ما نوي وقوله تعالى جزاء بما كانوا يعملون مناف لكون الصنع بالعناية وكل هذا غير مطابق لحل الاشكال واين هذه المعاني من مراد المعترض بل ربما تكون مقررة للاعتراض كما مر لان المعترض يقرر ان العود مناف لفعل الحكيم والمصنف يقرر انه يفعل بالعناية بان يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير في الفعل لا في نفس الامر حتى لو كان الخير في الفعل بان يتشفى المالك من عبده وان كان فيه هلاك عبده فكيف يكون هذا جوابا لمن يقول ان هذا الفعل من المالك اذا لم يكن فيه نفع العبد ما حسن من المالك لانه عبث او نقص او كيف يكون جوابه ان فعل المالك له غاية ذاتية يعني طبيعة يستقر عليها ويؤل اليها

وقوله { واله الدنيا والاخرة واحد لا شريك له ولن‌تجد لسنة الله تبديلا } يشير به الى ان فعله تعالى على نمط واحد لا يختلف في الدنيا والاخرة ويستشهد به على ما ذكر سابقا ويذكر ولو اراد ان لكل شيء غاية ذاتية وان الله تعالى يجري فعله في الاشياء على قوابلها لانه هو اعطاء كل ذي حق حقه لكان صحيحا وان لم يكن جوابا للاعتراض واما الاستشهاد بالاية والحديث فهو موقوف على تسليم الخصم لخصمه حكم احدى النشأتين ليسوي بينهما بدليل الاية ونحن لا نسلم للمصنف ان الفاعل فاعل بالعناية لما سمعت مما يلزم من ذلك من المفاسد والمصنف لا يسلم لنا ان الفاعل فاعل بالقصد لظنه انا نريد به التفات الفاعل وتوجهه الى المفعول لا يجاده فيلزم تغير احوال القديم الموجبة للحدوث لان من اختلفت احواله حادث وهو الذي فهم من قصد الحق تعالى وهو كما قال في حق القائلين بانه فاعل بالقصد لانهم لا يفهمون من معناه الا توجه الفاعل الى ايجاد المفعول والتفاته اليه ولا شك انه على المعنى يلزم منه كل قاله المصنف وزيادة ولكنا نقول انه تعالى فاعل بالقصد ولا نريد بالقصد الا المشية والارادة ولا نريد بالمشية والارادة الا الفعل والايجاد لا غير ذلك لانا نعتقد انه ليس لله مشية وارادة الا الفعل لا غير ذلك كما هو دين موالينا محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين روى الصدوق في كتابه التوحيد بسنده الى الرضا عليه السلام قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ه‍ وقد اجمعوا عليهم السلام انه ليس لله مشية ولا ارادة الا فعله وان العلم غير الارادة تقول افعل ذلك ان شاء الله ولا تقول ان علم الله ويكون مرادنا انه تعالى فاعل بالقصد انه يشاء الشيء اي يفعله لان الشيء لم يكن مذكورا بالايجاد قبل المشية وان كان مذكورا في العلم ولذلك قال الرضا عليه السلام ليونس بن عبد الرحمن تعلم ما المشية قال لا قال المشية هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال العزيمة على ما يشاء الحديث ولا نريد بالقصد انه تعالى اذا اراد فعل شيء توجه اليه والتفت نحوه كما هو حال الحوادث في مقاصدهم لانه عز وجل لا يعزب عنه شيء ولا يتجدد عنده حال لم يكن له باحداث ما احدث ولا غاب شيء عن مكانه ووقته عنده فاذا اراد احداثه عند نفس الشيء وعند غيره اوجده في وقت وجوده ومكان حدوده وهذه الارادة هي احداثه من غير تصور مغايرة بين الارادة والاحداث لا في الوجود ولا في المفهوم والارادة التي مفهومها ومعناها غير الفعل والاحداث فالله سبحانه بريء منها ومنزه عنها في مرتبة الذات وفي مرتبة الصفات وفي مرتبة الاسماء وفي مرتبة الافعال ونريد باذا في قولنا اذا اراد امرا ان يقول له كن فيكون وقت تعلق الفعل بالمفعول وهو وقت ايجاد المفعول وتكوينه وقوله له كن هو عين فعله وصنعه له فظهر وجوده اي مادته بكن وماهيته اي صورته بيكون لان يكون صورة القبول وهو سبحانه لم يكن فاقدا قبل الخلق لشيء ولا واجدا لشيء بعد الخلق لم يكن واجدا له قبل الخلق بل حاله في كل شيء حال واحد لا يحتمل الزيادة والنقصان وعلمه تعالى بالاشياء على اقسام اعلاه علمه بها عين ايجاده لها وله تعالى علم بوجوداتها هو نفس تلك الوجودات وله علم بماهياتها هو نفس تلك الماهيات وله علم باحوالها هو نفس تلك الاحوال وله علم بوجوهها ووجوه صفاتها هو نفس تلك الوجوه وهي العلل القائمة في الكتب الالهية وله علم باشباحها واشباح اشباحها وهي العلوم الانطباعية وهي نفس تلك الاشباح فلا يعزب عنه علم شيء وهو بكل شيء عليم فذاته تعالى علم بحت ولا معلوم فكان في الازل عالما بها في الحدث في اماكنها واوقاتها واياك ان تقول انه تعالى عالم بها في الازل لانها ليست في الازل وانما هو تعالى عالم في الازل بها في الامكان في اماكنها واوقاتها فلا يفقد شيئا منها في ملكه ولا يجد شيئا منها في ذاته وكما لم يفقد شيئا منها في ملكه لا يفقد شيئا مما يناط بها في ملكه من علم او ذكر او نسبة او امكان وكما لا يجد شيئا منها في ذاته لا يجد في ذاته شيئا مما يناط بها من علم او ذكر او نسبة او امكان لان ذاته المقدسة تقدست عن الحوادث وعما ينسب الى الحوادث وعلمه بها اشراقي لا يعزب عنه شيء في الارض ولا في السماء وكيف لا يعلم كل شيء منها وكل شيء انما هو شيء بفعله الا يعلم من خلق وهو قول امير المؤمنين عليه السلام في خطبته يوم الغدير والجمعة كما رواه الشيخ في مصباح المتهجد وهو قوله عليه السلام : وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته ه‍ وانما ذكرت هذا الكلام استطرادا للمعنى المراد الحق من العناية لا لمراد المصنف من العناية حيث فسرها هو واتباعه بكون الفعل تابعا للعلم بوجه الخير لا نفس الامر وذلك العلم بوجه الخير كاف لصدور الشيء عنه من غير قصد زائد على العلم فانه يعني بهذا العلم الازلي وانه هو المتعلق بالاشياء وان اختلفوا في معنى التعلق

وقوله { وايصال كل حق الى مستحقه } يريد به كون الشيء مستحقا لما علمه بالعلم الذي هو ذاته تعالى انه حق لذلك الشيء وهذا المعنى هو ما فهموه من معنى العناية وهو المطابق لافهامهم واما المطابق لما في نفس الامر هو ان الاستحقاق بمقتضى قابلية الشيء لفعل الفاعل الذي هو علم الله الاشراقي بايجاد الشيء وبما يقتضيه بقابليته للايجاد لكن المصنف لا يقول بهذا

وقوله { وانما المثوبات والعقوبات نتائج وثمرات لفعل الحسنات والسيئات } اذا اريد من كونها نتائج ان الاعمال صور المثوبات والعقوبات على نحو ما اشرنا اليه سابقا لا انها صور خيالية للعاملين كما هو رأي المصنف تبعا لمن قولهم قول منكري المعاد الجسماني وقد تواتر من الخاصة والعامة معنى ان رسول الله صلى الله عليه واله ليلة المعراج دخل الجنة والنار فرأي ما فيهما من انواع النعيم وانواع العذاب الاليم واخبر بذلك وهو الصادق الناطق عن الله تعالى فكونها نتائج وثمرات للاعمال انما هو على نحو ما مثلنا من الفواكه في السوق كما تقدم فانها تصور بصورة العمل كما تصور الفاكهة التي في السوق بصورة ملكيتك اذا اديت ثمنها

وقوله { ولذات الاخرة سواء كانت عقلية او حسية ليست كلذات الدنيا } امورا باطلة كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ليس بمستقيم على ما ينبغي وان كان ملايما في الظاهر لان قوله ان لذات الدنيا امور باطلة ليس بصحيح لان لذات الدنيا امور صحيحة ونعم جليلة متع الله بها عباده في الدنيا ليشكروا نعمه ولتكون دليلا على لذات الاخرة وليختبر بها المكلفين واسبابا لدوام النظام كما في لذة النكاح والطعام والشراب وهي من نعم الله الجليلة والائه الجميلة نعم هي بالنسبة الى لذات الاخرة حقيرة قليلة لانها متقضية وضعيفة فان نسبتها الى لذات الاخرة جزء من اربعة ‌الاف جزء وتسعمائة جزء لان نسبتها الى لذات البرزخ نسبة الواحد الى السبعين ونسبة لذات البرزخ الى لذات الاخرة نسبة الواحد الى السبعين والحاصل هو نسبة لذات الدنيا الى لذات الاخرة وكون لذات الدنيا كالسراب انما هو باعتبار تقضيها وقلتها لا انها باطلة كما توهم من قال انها دفع آلام

وقوله { بل لذات حقيقية واصلة الى جوهر النفس كما علمت } صحيح انها لذات حقيقية ولكنها لا يصل الى جوهر النفس منها الا اللذات النفسانية خاصة اذ العقلية تصل الى العقل والجسمانية تصل الى الجسم

قال :

اقول خامس الاعتراضات انه لو اكل شخص شخصا حتى كان المأكول غذاء للاكل وجزءا من بدنه فالمحشور لا يكون الا احدهما والجواب على قولهم انهما يحشران معا والجزء الذي كان غذاء هو اصلي من المأكول وفاضل من الاكل فرده الى المأكول لانه اصله اولى من رده الى الاكل لانه فاضل فيه لان الاكل كان شخصا تاما قبل الاكل فيعاد باصله من دون ما عرض له فيعادا معا وعلى قولنا كما مر ان الشخص بحقيقته وطينته الاصلية نزل بتمامه من عالم هورقليا وهو عالم البرزخ الذي فيه جنان الدنيا ونيران الدنيا وفيه جنة ابينا ادم عليه السلام وجميع من كان من ذرية ادم عليه السلام فجسده خلق من عناصر هذا العالم اعني عالم هورقليا وعالم البرزخ فلما نزل الى هذه الدنيا لحقته اعراض عرضت له من دار الدنيا وبها كانت الاجساد كثيفة وثقيلة ومحجوبة فاذا اكله شخص اخر اغتذى الاكل بتلك العوارض لان الاجزاء الاصلية هي الشخص المأكول وهذه العوارض في الاصلية كالوسخ في الثوب فان الثوب اذا لحقه الوسخ وغسل رجع الى اصله من غير ان يذهب منه شيء وانما ذهب الوسخ العارض والاجزاء الاصلية لا تتسلط عليها المعدة ولا تهضمها القوة الهاضمة بل لو حرق في نار هذه الدنيا الف مرة لم تحترق منها ذرة ولم تتسلط عليها النار فلم يكن شيء من المأكول جزءا من الاكل فهما يعادان معا وقول المعترض ثم لو فرض الاكل كافرا والمأكول مؤمنا يلزم اما تعذيب المؤمن او تنعيم الكافر جوابه لو لم نقل بما سمعت لانا اذا قلنا به بطل اصل كلامه فيبطل تفريعه عليه نقول ان الله سبحانه اشار الى هذا ونحوه بقوله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فيخرج كل ما للمؤمن من الكافر ويحشرهما اليه جميعا ومثله اشار بل صرح في كتابه في الرد على من انكر الحشر متمسكا بانهم يكونون ترابا من جملة الارض فقالوا اءذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد فقال في جوابهم ورد كلامهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ فيعذب الكافر وينعم المؤمن لانه يفرق بينهما فلا يلحق المؤمن شيء من التعذيب اذ لم يبق في الكافر المعذب منه شيء ولا يلحق الكافر شيء من التنعيم كذلك لانهما لم يكونا جسما واحدا بل جسمين

وقول المصنف { والحق يعلم الخ } يشير به الى ما تقدم من ان كل شيء يسير الى غايته

وقوله { والاكتفاء بدين العجائز الذي فيه ضرب من النجاة } صحيح في حق دين العجايز ويا ليته دان بدينهن ولم يكن قال بان المعاد انما هو الشخص بصورته لا بمادته وان كلمات البعض التي عجب منها وان كانت قشرية وهم اصحاب الكلام احسن استقامة من كلماته لانهم قلدوا صاحب الشريعة عليه السلام وهو قلد الحكماء لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال :

اقول هذا الاعتراض السادس لمنكري حشر الاجساد وهو ان جرم الارض وهو مجموع كرتها مقدار محصور ممسوح بالفراسخ والاميال ولا شك في كونها محصورة وعدد النفوس غير متناه وهي وان كانت لا تزاحم بينها الا ان لكل نفس بدنا فتكون الابدان غير متناهية فلا يفي جرمها المتناهي بالابدان الغير المتناهية وجواب اعتراضهم هذا ان النفوس المحشورة متناهية ذوات الابدان متناهية والارض اعظم منها واوسع وانما يحشرون في صعيد واحد منها كيف وقد اخبر الله سبحانه في كتابه في قوله لخلق السموات والارض اكبر من خلق الناس وليس المراد بذلك المجموع بل كل واحد اكبر من خلق الناس على ان احوال الاخرة ليست كاحوال الدنيا لان الابدان في الدنيا منعتها الاعراض وكثفتها الغرائب فعظم بينها التزاحم بخلاف الاخرة فان الابدان بعد تصفيتها ومفارقتها للاعراض والغرائب كانت كالمجردات مع ما هي عليه من الثقل والصحة والثخن خفيفة لطيفة جامعة لصفتي المادي والمجرد فلا تزاحم بينها كما كان بينها في الدنيا اذ الموجب للتزاحم بينها الذنوب التي هي الغرائب وقد قدمنا بعض الاشارة الى ذلك ونحن لا نريدبهذا انها ليست باجسام مادية بل هي اجسام مادية مؤلفة مركبة من الطبائع الاربع والعناصر الاربعة الا انها من طبائع وعناصر غير هذه الطبايع والعناصر الدنيوية وهي الأن في الدنيا كذلك الا انها مزجتها عناصر هذه الدنيا وطبائعها فلما تخلصت منها في القبور خرجت صافية نقية فهي مع جسميتها لا تزاحم فيها بمعنى ان الجسم الواحد منها اذا شاء ملأ البيت واذا شاء مر من سم الخياط فهي كاجسام الملائكة حال تجسدها

وقول المصنف { والجواب كما علمت من الاصول } يشير به الى ما ذكره في الاصول السبعة المتقدمة من ان اجساد الاخرة نورانية ليست هي التي في الدنيا وانما هي من باب النيات والاعتقادات لانها في الاصل صور خيالية اشتدت وقويت وترقت بالحركة الجوهرية حتى كانت ملكات نفسانية والنفوس على مقتضي معنى كلامه وان كانت غير متناهية الا انها لكونها منخلعة عن الصفات الجسمانية لا يقع فيها تزاحم اذ التزاحم من صفات الاجسام المادية ولوازمها اقول وقد تقدم على نقض كلامه كله وان الجنة وما فيها من القصور والحور والولدان ليست امورا عقلية كما يشير اليه كلامه بل هي جسمية حسية في عالم الزمان والمكان والاجسام لا دهرية محضة بدليل بقائها فانها جسمانية زمانية نعم لما كان تركيب تلك الاجسام بعد كمال تخليصها وصفائها عن العوارض والغرائب تركيب بقاء ودوام اتحدت مجرداتها بمادياتها ودهرها بزمانها كما هو مقتضى ما يستحق البقاء باتحاده فلكون اجزائه المتباينة في الصورة متحدة في الكنه ظهرت فيها طبيعة الوحدة الحقيقية بامداد الوحدة الحقية سبحان المنعم المتفضل

وقوله { ثم بعد تسليم ما ذكره ان الهيولي قوة قابلة لا مقدار لها في ذاتها ويمكن لها مقادير وانقسامات غير متناهية واعداد كذلك ولو متعاقبة } يشير به الى انه كما ان النفوس غير متناهية وابدانها تبعا لها كذلك اي غير متناهية كذلك الهيولي يعني بها اصل الاجسام قبل تعلق الصور بها فانها قوة قابلة ويعني بهذا ان اصل الاجسام قوة نفسانية بناء على اصوله لا مقدار لها في ذاتها لانها كالماء الذائب الا انها يمكن لها مقادير وانقسامات غير متناهية لانها تقبل كل صورة ولهذا يعبر عنها بالماء ولها ايضا اعداد غير متناهية باعتبار ما يمكن لها من الصور ولو متعاقبة يريد ان الارض باعتبار كونها هيولي تكون لذاتها غير متناهية فبهذا اللحاظ تسع الابدان كلها وفيه على ما يفهم من اشارته ان هيولي الارض تحشر يوم القيمة ليصح انها تكون غير متناهية فيكون نقضا للاعتراض مع انه لا يرى اعادة المواد وانما تعاد الصور لكنه لو قرر هنا اعادة الارض بخصوص الصورة لكان المعترض يغلب عليه ويقول ان الصورة متناهية فلا يسع المتناهي غير المتناهي فذكر الهيولي اما لخوف الالزام في الحجة او مجاراة للمعترض لان المعترض انما يعترض بالاجسام المادية ولا يثبت النورانية المجردة كما يقول المصنف لانه لا ينكر ما يذهب اليه المصنف اذ هو قائل باعادة النفوس فان الفلاسفة وجمعا من المسلمين والنصارى قائلون ان المعاد ليس الا للنفس الناطقة نقله في المفصل شرح المحصل لفخر الدين الرازي وهذه الاعتراضات من هؤلاء وفحوى كلام المصنف وصريحه ان المعاد هو النفس والصورة واما المواد فانها فانية بائرة لا تعود وانما الانسان بصورته ونفسه لا بمادته وبعد هذا بلا فصل حكم بان المحشورة صورة الارض والصورة متناهية ولكن لا يسعه الرد للمعارض الا بالهيولي والهيولي هي المواد قبل تعلق الصور بها

وقوله { وزمان الاخرة ليس كزمان الدنيا } انما قال وزمان الاخرة مع ان كل ما فيها من عالم الملكوت عنده وليس فيها شيء من عالم الملك وعالم الملكوت وقته الدهر لا الزمان لانه يرى ان كل ما سوى الله سبحانه من جميع الخلق في الزمان لم يتقدم على الزمان الا الله عز وجل وينبغي على قوله تساوي وقت النشأتين لان الزمان المعروف ظرف عنده لجميع عالم الغيب والشهادة

وقوله { فان يوما واحدا منها كخمسين‌الف سنة } يعني من ايام الاخرة فاذا كان زمانها في هذا المقدار تكون ارضها بنسبة زمانها فتسع جميع الابدان واعلم ان الروايات مختلفة في مقدار اوقات الاخرة ففي الكتاب المجيد وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون وفيه في يوم كان مقداره خمسين ‌الف سنة فاصبر صبرا جميلا وورد عنهم عليهم السلام الجمع بين الايتين ان في القيمة او على الصراط خمسين موقفا يقف الناس في كل موقف الف سنة وفي بعض الروايات لم اقف على سندها من طرقنا ان السنة من سني الاخرة ثمانون شهرا كل شهر ثمانون جمعة كل جمعة ثمانون يوما كل يوم ثمانون ساعة كل ساعة كالف سنة مما تعدون وعن النبي صلى الله عليه واله لا يخرج احد من النار حتى يمكث فيها احقابا والحقب بضع وستون سنة والسنة ثلثمائة وستون يوما كل يوم كالف سنة مما تعدون فلا يتكلن احد على ان يخرج من النار ه‍ ويريد المصنف انه كما ان زمان الاخرة واسع طويل ليس كزمان الدنيا في القصر والضيق كذلك مكان الاخرة يكون واسعا طويلا عريضا ليس كمكان الدنيا

وقوله { وان هذه الارض ليست محشورة على هذه الصفة وانما المحشورة صورة هذه الارض اذا مدت والقت ما فيها وتخلت واذنت لربها وحقت } صرح فيه بمذهبه وهو ان المادة الدنيوية مضمحلة والمعاد انما هو صورة الشخص لا مادته والصورة لا تمد وانما تمد المادة وحيث انه يرى ان المادة الدنيوية اضمحلت حكم بان الصورة المعادة تكون في مادة نورانية من نوع الاخرة تصلح للبقاء لانها مجردة بخلاف المادة الدنيوية وانت خبير بما فيه مما ذكرنا سابقا

وقوله { وهي تسع الابدان كلها كما دل عليه قوله تعالى قل ان الاولين والاخرين لمجموعون الى اخره } وهذا ظاهر لا اشكال فيه

قال :

اقول هذا الاعتراض السابع لمنكري حشر الاجساد وتقريره ان المعلوم من الكتاب والسنة ان الجنة والنار مخلوقتان اليوم فلما كانتا جسمانيتين يلزم من ذلك اما تداخل الاجسام لانهما اذا كانتا في السموات وهي اجسام لزم تداخل الاجسام كأن يكون جسمان في مكان واحد لا يسع الا احدهما وذلك محال كما هو مقرر في محله واقول قد ذكرنا مرارا كثيرة ان الله سبحانه قال سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وقال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا وفيما نسب الى امير المؤمنين عليه السلام :

اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

فاذا ثبت بالكتاب والسنة ان الانسان الصغير طبق الانسان الكبير وان جميع ما يراد منك معرفته والاستدلال عليه فقد اثبته تعالى بصنعه المتقن فيك حيث جعلك المستدل والعارف الزمك دليلك حتى لا تحتاج في تحصيل دليل ما يراد منك الى طلب ففيك السموات السبع سماء الحيوة فلك القمر وسماء الفكر فلك عطارد الكاتب وسماء الخيال فلك الزهرة وسماء الوجود الثاني فلك الشمس وسماء الوهم فلك المريخ وسماء العلم فلك المشتري وسماء التعقل فلك زحل وعظام جسدك هي الجبال فان كنت تظن بالسموات ما نقل عن بليناس من ان الافلاك في صلابة الياقوت فاين نظيرها فيك اذا كان اصلب ما فيك عظامك فاين سمواتك التي هي على ظنك اصلب من الجبال ومع هذا انت تقرء قوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فان اعتقدت ان السموات دخان كما قال خالقها العالم بما خلق امكنك المطابقة بينك وبين العالم فان افلاك تلك الكواكب التي فيك ابخرة كالدخان تعلقت بها نجومها كالحيوة والفكر والخيال وغيرها وان توهمت دعوى بليناس الحكيم مع اعتقادك انك نسخة من العالم الكبير وانموذج منه فاين افلاكك وامامك الرضا عليه السلام يقول قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا فعلي هذا وامثاله من الادلة تكون الجنان في السموات كما تكون انت في الهواء الذي هو اكثف من السماء في هذه الدنيا وايضا بمقتضى الادلة القطعية من الكتاب والسنة والعقول ان اهل الجنة اجسام مركبة لانهم هم الذين في الدنيا الأن المشاهدون المحسوسون الذين يأكلون ويشربون وينكحون وتركيبهم في هذه الدنيا انهم اجساد فيها ارواح وبعين هذا التركيب يكونون في الجنة ومن ذلك انهم يتنفسون كما في هذه الدنيا ولا يكون ذلك الا في فضاء فيه هواء يصلح للتنفس فيه واذا كان هذا الهواء في الدنيا صالحا للتنفس وهو اكثف من السموات الأن لانها ابخرة لطيفة كان فيها بعد تصفيتها بالطريق الاولى وهذا لمن وفق له اظهر من الشمس في رابعة النهار وانما يتوحش منه من امتلأ قلبه من الكلام الذي ليس له مستند الا الاوهام فاين تداخل الاجسام فان الجنة والنار مخلوقتان الأن وما في الجنة من القصور والولدان والحور وكل ما فيها من الذوات والصفات والهيئات مثله ما في الدنيا وكذا الكلام في النار بل لا يكاد يوجد شيء هناك لا يكون نوعه او جنسه هنا وان تفاوتا في الفضل كما قال تعالى انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا فان اشتبه عليك ان الجنة وما فيها اذا كانت اجساما فكيف يحصل لها ولمن فيها قرار اذا كانت في السموات والكرسي والسموات والكرسي ابخرة دخانية فانظر الى الملائكة والنفوس فانها اجسام وهي في السموات والجن والشياطين اجسام وهي في خلال الارضين وما بينها والحوت في البحار وهي اجسام وسكان النار والهواء اولم يروا الى الطير مسخرات في جو السماء مايمسكهن الا الله والحاصل الم تعلم ان الله على كل شيء قدير ثم على كل حال ما معنى المنع من تداخل الاجسام والمنع من الخرق والالتيام والملائكة والشياطين تخترق السموات وسيدنا رسول الله صلى الله عليه واله صعد الى السماء بجسمه الشريف بثيابه وعمامته ونعليه وادريس عليه السلام رفعه الله بجسمه الى السماء وعيسى عليه السلام رفعه الله اليه بجسمه وعصي السحرة وحبالهم قدر سبعين حمل بغل او اكثر تلقفتها عصى موسى عليه السلام واخذها فكانت على هيئتها لم تعظم قدر ذرة وصورتا السبعين اللتان في مسند المأمون لما امرهما الرضا عليه السلام قاما سبعين فافترسا خادم المأمون لعنهما الله لما شتم الرضا عليه السلام ثم امر الاسدين فرجعا صورتين في مسند المأمون كما كانا اولا وصورة السبع التي كانت في مسند المتوكل لما امرها الهادي عليه السلام قامت سبعا فافترست الهندي الساحر فامرها عليه السلام فرجعت صورة كما كانت من غير زيادة في مسند المتوكل فقال له المتوكل لو رجعته من الصورة فقال عليه السلام لو رجعت عصي السحرة من عصى موسى عليه السلام لرجع والشمس ردت ليوشع بن نون في قتاله الجبارين بعد غروبها وردت لعلي بن ابي طالب عليه السلام في مرض رسول الله صلى الله عليه واله بعد الغروب وردت له ايضا عند الحلة والأن مكانه عليه السلام حين ردت له قد بنيت فيه منارة وهو معروف وانشق القمر لرسول الله صلى الله عليه واله فاين امتناع تداخل الاجسام واين امتناع الخرق والالتئام وقول المعترض او عدم كون محدد الجهات محددا لها فيه ان الجهات محدثة والمحدد لها حادث ايضا ولم يخلق الله تعالى شيئا خارج المحدد وانما خلق ما خلق في جوفه ومن ذلك الجهات فانها في جوفه والذي شق العمق الذي اوجد فيه المحدد وما في جوفه قادر على ان يخلق مثله وليس حيث لم يخلقه لا يكون ممتنعا لانه تعالى لم يخلق كل ممكن وانما خلق من الممكنات ما اقتضته الحكمة لصلاح النظام ومن قال بانه لولا ذلك لم يكن المحدد محددا لها فانه لم يتدبر كلامه لانا اذا قلنا بوجود الجنة الجسمانية لا نريدبانها خارجة عن المحدد على ان المحدد انما يحدد ما في جوفه ولو قيل مثلا بان الجنة خارج المحدد لم يلزمه امتناع وانما انه شيء ما كان لا انه يمتنع من قدرة القادر تعالى لان هذا شيء يمكن تصوره والممتنع لا يمكن تصوره كما ذكرنا مرارا في شرحنا هذا وغيره وبرهنا عليه والذي يزعم انه يتصور شريك البارئ تعالى فتصوره حق لانه تصور ممكنا وهو هبل واللات والعزى وقد تقدم حديث علل الشرائع عن الرضا عليه السلام انه لا تقع صورة شيء في وهم احد من الخلق الا وهو موجود في خلق الله وبالجملة انت اذا رأيت ان وجود محدد اخر غير هذا الموجود ممتنع فانما هو ممتنع بحكم عقلك وعقلك ممكن لا يصح ان تقدر بالممكن قدرة القديم عز وجل فان كفاك كلامي هذا والا فاسئل الله تعالى وتضرع اليه ان يصلح وجدانك والسلام

وقول المصنف { والجواب قد مر مستقصى من انهما في داخل حجب السموات والارض } غلط وقد تقدم هناك بيان غلطه لانه يريد انهما عقليتان لا جسميتان ولكنه جمع بين ظاهر الشريعة وبين ما توهمه بان المعاد يوم المعاد صور الاشخاص والاشياء لا موادها وانما تكون لها مواد نورانية اي مجردة ولو اراد انهما في داخل حجب السموات والارض الجسمانية لم يكن قوله غلطا

وقوله { واما الذين لم يأتوا البيوت من ابوابها فيجيبون عند الاشكال تارة بنفي كون الجنة والنار مخلوقتين بعد } يريد بالذين لم يأتوا البيوت من ابوابها من لم يقل بقول الفلاسفة ولا بقول مميت‌الدين والبسطامي وابن‌عطاء العازمي وهذه العبارة من الاية الشريفة مقتبسة ويعني تعالى بالبيوت بيوت النبوة والعلم صلى الله عليهم اجمعين وهو اولها على ما سمعت ولكن هذا هو الذي ينبغي من المتسمي بالشيعي ومن حاول في رد الاشكال بانهما الأن غير مخلوقتين فرارا من لزوم تداخل الاجسام كيف يصنع بهما يوم القيمة فكلامه لا يخلصه من الاشكال الا بانكار وجودهما في الدنيا والاخرة فانه حينئذ يسلم من لزوم تداخل الاجسام

وقوله { وتارة بتجويز الخلاء } قد اشرنا الى ان امتناع الخلاء يرجع الى انه ماكان لا انه يمتنع في قدرة الله تعالى ان يكون ان الله على كل ما يتصور عبده قدير وكيف يتصور العبد صورة لا تكون في علم الله سبحانه وكيف يكون شيء غير الله في علم الله لا يمكن ان تكونه قدرة الله اذا تباين العلم والقدرة لا اله الا الله

وقوله { وتارة بانفاق السموات بقدر ما يسعها } اي يجعل فيها طريقا فارغا من الاجسام لتوجد الجنة فيه وهذا القول وقول من جوز التداخل بين الاجسام قد اشرنا الى عدم امتناع شيء من ذلك وان كان الجواب بهما وبالنفق ليس بسديد والحق ما سمعت فانه مذهب ائمة الهدى عليهم السلام لا كما قالوا باجمعهم فانهم ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون

وقوله { وليتهم اعترفوا بالعجز واكتفوا بالتقليد الخ } واقول ليت المصنف اعترف بالعجز واكتفي بتقليد ائمة الهدى عليهم السلام فانهم وان صدق المصنف في حقهم فيما قال ولكنه والله اولى بما قال منهم وانهم مع اعوجاجهم اقوم طريقا منه

قال :

اقول قوله { في الامر الباقي } يعني في بيان ما يبقى { من اجزاء الانسان } الظاهرة او الباطنة فانه قد دل الحديث المقبول على بقاء شيء من الانسان وانه عجب الذنب روي من طرقهم مستفيضا واما من طرقنا فالذي يحضرني ووقفت عليه ما رواه في الكافي عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال اي عمار الساباطي سئل عن الميت يبلى جسده قال عليه السلام نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم الا الطينة التي خلق منها فانها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اول مرة ه‍ وقد بينا كيفية تلك الطينة في استدارتها ومن اين هي بما معناه انها هي جسد الانسان حقيقة وانها ليست من عناصر الدنيا وانما هي من عناصر هورقليا اي العالم الذي فيه جنان الدنيا ونيرانها واليه تأوي ارواح من محض الايمان محضا ومحض النفاق محضا وهو المسمى بعالم البرزخ وهذا الجسد هو الطينة التي تبقى في قبره مستديرة وهو الذي نسميه بالجسد الثاني ومعنى كونها مستديرة ان تلك الاجزاء وان تفرقت في بطون السباع او الطير او حيتان البحر فانها بعد تخلصها من الموانع وهي الاعراض والاجزاء الغريبة تستدير في قبرها اعني الموضع الذي اخذت منه تربته التي مزجت بنطفتي ابيه وامه عند تخلقه وكيفية استدارتها ان تترتب في ذلك الموضع بوضع ترتبها في خلقته الاولى في الدنيا فتكون اجزاء الرأس فوق اجزاء الرقبة مترتبة واجزاء الرقبة فوق اجزاء الصدر وهكذا وان صح ما نقلوه من انه صلى الله عليه واله قال ان الجسد يبلى الا عجب الذنب فانه لا يبلى حتى يخلق منه كما خلق اول مرة فهو كناية عن هذه الطينة ورووا ايضا عنه صلى الله عليه واله انه قال آخر ما يبلي عجب الذنب ه‍ وهذه الرواية تدل على فناء عجب الذنب والحاصل انك عرفت المراد فعلي قولهم بتلك الرواية اختلفوا في تأويلها مع اتفاقهم على معناها اللغوي من ان المراد به العظم الناتي عند المقعدة المسمى بالعصعص فقال بعضهم ان المراد بعجب الذنب هذا العظم الظاهر وانه لا يبلى لانه للجسد اصل تركب الجسد عليه كجؤجؤ السفينة تبني عليه السفينة وهو لا يبلى حتى يخلق الجسد منه كما خلق اول مرة وقيل كذلك الا انه يبلى عملا بالظاهر من الرواية الثانية الا انه اخر ما يبلى لانه اول ما خلق

وقول المصنف { يبقى معه } اي البدن العنصري شيء ضعيف الوجود لا يصح على قول انه العقل الهيولاني فانه وان كان بالنسبة الى ما فوقه من العقول ضعيف الا انه لا ينسبك مع كونه مع البدن العنصري فانه اقوى منه ولا على قول الغزالي ولا على قول ابن ‌عربي بل ولا على قول المصنف لانه يرى ان النفس الناطقة اصلها المواد الطبيعية فتترقى بالحركة الجوهرية حتى تكون عقلا هيولانيا ثم بالاكتساب ثم بالفعل ثم مستفادا

وقوله { وقد اختلفوا في معناه } ايضا فيه ان معناه لم يختلفوا فيه لان معناه انه هو العصعص وانما اختلفوا في تأويله فقيل هو الاجزاء الاصلية وعلى فرض صحة الحديث فهذا القول اصح وجوه التأويل وانما قلت اصح وجوه التأويل لان الذي ينبغي ان تكون هذا تفسيره لا تأويله لكن هذه الاجزاء لا يطلق عليها عجب الذنب اذ لو صح لكانت فيه اشارة الى ان الشخص من حقيقته اشياء غير ما يسمى عجب الذنب تبني عليه تتم حقيقته منهما فلما اريد به كل ما يبقى امتنع ان يراد به بعض الحقيقة واذا اريد به كل الحقيقة ما حسن اطلاق عجب الذنب عليه وقيل هو العقل الهيولاني وهذا ليس بصحيح عندنا لان العقل الهيولاني من الجبروت وما من الجبروت لا يبقى مع ما هو من عالم الملك نعم يمكن صحته عللا رأي المصنف من ان النفس الناطقة اصلها من المواد الطبيعية وقيل بل هو الهيولي وهذا القول عند اهل البيت عليهم السلام صحيح وهو مذهبهم واخبارهم مشحونة بذلك لانها هي الطينة التي تبقى في قبره مستديرة ولا يصح ان يحمل الباقي مع البدن على النفس لانها ليست ضعيفة الوجود والمصنف قد ذكر ان الباقي مع البدن ضعيف الوجود وقال ابو حامد الغزالي انما هو النفس وعليها منشأ الاخرة وعلى هذا القول لا يكون الباقي مع البدن هو النفس لان النفس لا تكون مع البدن في القبر ولا تكون ضعيفة الوجود نعم على قولنا من ان من لم يمحض الايمان او النفاق محضا لا يسئل في قبره وان روحه تبقى في قبره الى يوم القيمة تكون بعض النفوس مع ابدانها في قبورها ولكن وجودها اقوى من وجود ابدانها وقول الغزالي وعليها اي النفوس منشأ الاخرة يشعر بموافقة المصنف في كون الاعادة في الاخرة انما هي للنفس وما سواها فبالتبع وقال ابو يزيد الوقواقي هو جوهر فرد يبقى في هذه النشأة ويعني انه ينتقل الى مقام اعلى من مقامه الاول واذا اراد بالجوهر الفرد بالمعنى المتعارف يعني انه لا يقبل القسمة لا يراد منه الجسم وانما يريد منه النفس اذ لا محصل لما هو جسم وعند صاحب الفتوحات انه الاعيان الجواهر الثابتة وهو ابعد مما قبله عن الصواب ووجهه على ما افهم انه يأوله على معنى ان العجب والذنب هو اللاحق للشيء ووجه الشيء من الوجود هو الباقي بعده مع البدن وبعد البدن والاعيان هي شؤن الذات الحق تعالى ولوازم الذات وهي صور علمية ليست موجودة فيتعدد القديم وليست معدومة فيكون فاقدا لعلمه وانما هي ثابتة والباقي مع البدن ليس الا ما كان من نوعه والاعيان اي الجواهر الثابتة عندهم صور علمه الذي هو ذاته تعالى عما يقولون علوا كبيرا

وقوله { ولكل وجه } صحيح ولكن اما الى الحق واما الى الباطل بل هذا هو المتحقق والحق ان الانسان له جسدان وجسمان الجسد الاول والجسم الاول عارضان له من مراتب تنزلاته وليسا من حقيقته فهما داخلان بلا حاجة وخارجان من غير فقدان وتفصيل الاربعة قد تقدم له ذكر وهو ان الانسان له جسدان الاول لاحق له من عوارض الدنيا الغريبة ونسبة هذا الى الانسان كنسبة الوسخ الى الثوب لانه ليس منه ولا اليه والثاني جسده الاصلي الذي هو منه واليه وهذا الجسد هو الباقي لانه نزل به الى الدنيا ويرحل به منها وهو البدن نفسه وهو المحشور والمعاد وهو الطينة التي تبقى في قبره مستديرة فان صح حديث عجب الذنب فالمراد منه هذا الجسد وسمي بذلك لانه متأخر عن الانسان كما ان ذنب الحيوان متأخر عنه والجسم الاول من عوارض البرزخ الاجنبية لحقته في نزوله الى الدنيا وليس منه ولا اليه والجسم الثاني الاصلي فهو جسمه الاصلي وهو من جوهر الهباء والطبيعة النورانية فالجسد الثاني يبقى في قبره في الارض حتى يتخلص من الاعراض الغرائب والجسم تخرج به الروح يدور معها حيثما دارت فاذا نفخ في الصور نفخة الصعق بطلت صورتها واضمحل تركيبها وخلصت من الاعراض البرزخية كما تخلص الجسد فاذا نفخ في الصور نفخة النشور اجتمعا وربطت بينهما الروح ربط اشتياق ووفاق لانهما ثوبان لها يتقوم كل منهما بالاخر بحيث لا يحصل بينهما انفكاك ابدا

قال :

اقول قوله { لكن البرهان دل على بقاء القوة الخيالية } مبني على ما قدم في الاصل الرابع وقد ذكرنا انه غير صحيح فيكون حمله الباقي مع البدن عليها غير صحيح لما قلنا ولانه على رواية انه اخر ما يبلى يلزم ان تكون الصور الخيالية تبلى وايضا اذا كانت منفصلة الذات عن البدن وانما هي في صقع نفساني كيف تبقى مع البدن وايضا اذا كانت اول النشأة الاولى كيف تكون في صقع نفساني وانها قائمة بالنفس فجعل الباقي مع البدن هو القول الاول اعني الاجزاء الاصلية اولى لانه هو المروي عن الائمة عليهم السلام وهم اعلم بقول جدهم صلى الله عليه وعليهم

وقوله { فالنفس متى فارقت البدن وحملت الصورة المدركة معها فلها ان تدرك امورا محسوسة وتشاهدها بحسها الباطن } تفريع على ما قدم من قوله في مباحث الحواس الظاهرة بان النفس في ملكوتها تدرك صورا ملكوتية مشابهة لهذه الصور المحسوسة فادراكها للمحسوسات انما هو بادراك صور ملكوتية تشابهها لانها تشاهدها بحسها الباطن يعني بذاتها لانها جامعة لانواع المحسوسات اذ هي اصل الحواس وانت خبير بانها انما تدرك المحسوسات بواسطة الحواس الظاهرة لان الاحساس منسوب اليها وان كان من النفس كما ان حركة اليد حركة ظاهرة من عالم الملك وان كانت من النفس من عالم الملكوت

وقوله { فتتصور بدنها الشخصي الذي كانت فيه في الدنيا ومات عليها } يريد انها اي النفس تتصور في حال انفرادها عن البدن بالموت البدن الذي كانت فيه في الدنيا ومات عليها بخروجها منه وهذا التصور عنده على رأيه اذا فرضنا كونها حاضرة معه بان تدرك صورة ملكوتية تشابه ذلك البدن واما اذا فرضنا انها غائبة عن البدن فكذلك عنده وعندنا في حال الحضور كما مر انها تدركه بواسطة الروح البخاري وفي حال الغيبة كذلك بمعنى انها تقابل مثال البدن بمرءاة خيالها فتنطبع فيها صورته فتدرك ما في خيالها من الصور وتلك الخيالية صور ظلية شبحية في الدنيا والاخرة الا انها في الاخرة اذا شاءت اخرجت ما تريد من تلك الصور بحقيقة ذي الصورة بان تخرج مادته من امكانه وتلبسه تلك الصورة الخيالية اي بدلها

وقوله { فتتصور ذاتها لقرب اتصالها بالبدن عين الانسان المقبور } يعني به ان النفس تتصور انها هي الانسان المقبور الذي مات تتصور ذاتها على صورته وذلك لقرب اتصالها بالبدن فيجد ذلك الانسان التصوري بدنه مقبورا ويدرك الالام الواصلة اليه بان تتصور انها هي المقبور وان الالام وصلت اليه وحلت عليه وهذا الادراك والتصور على سبيل ما ذكره من تعقل المعقولات الحسية ووصول تلك الالام على الطريقة التي وردت بها الشريعة الحقة فهذا عذاب القبر عنده وهذا الكلام اشبه الاشياء بالوساوس التوهمية بل هي كذلك حتى لو ان مستحق العذاب في الواقع تصور حاله ونفسه بنحو ما يتصور به مستحق الثواب كان منعما في قبره ويكون قبره بتصوره وفرضه ذلك روضة من رياض الجنة كما استشهد به من الحديث وفي قوله على ما وردت به الشريعة الحقة اشارة خفية تظهر لمن له معرفة بمراداته وهي ان ما سمعت مما حققنا به عذاب القبر وثوابه انه مأخوذ من الشريعة الحقة ولا يصح ذلك الا اذا اراد بالشريعة الحقة شريعة الصوفية من الاباحية والفلسفية التي يقولون فيها اصحابها ان النعيم بجميع انواعه والعذاب بجميع انواعه راجع الى النفوس وانها امور عقلية كما يظهر من كلام المصنف وان اسباب السعادة منحصرة في حصول علم الحكمة النظرية لانها هي سعادة النفوس والجهل به هو شقاوة النفوس وكل ما ذكره هو واولئك خلاف الشريعة الحقة بل الشريعة الحقة مصرحة بان تلك الاعمال هي صور الثواب والعقاب فتتصف النفوس بصور اعمالها فتلزمها تلك الصور كلزوم الظل للشاخص فحيث كانت الاعمال هي صور الثواب والعقاب وهي صفات العاملين اللازمة لهم بملزوماتها من الثواب والعقاب فتنعمت بها في جنان الدنيا عند المغرب او تألمت بها في نيران الدنيا عند المشرق لان ارواح اهل النار تحجرت ومسخت كالحديد من امر الله في قوله تعالى قل كونوا حجارة او حديدا لانها لما عصت ربها خرت من سماء قربه وقد كانت في اوجات الدرجات العاليات الى اسفل السافلين فجمدت بعد ذوبانها وامتزجت بنباتياتها المرة المالحة فجرت في طبائع معادن النيران وبقاعها فتألمت بتفريق اجزائها وباعادتها كارهة للاعادة لعدم حصول الملايم من بعضها لبعض ولقرب حقائقها وجمودها من ابدانها اتصلت بها فادت صور تلك الالام التي حصلت لها من اعمالها الموجبة لتفريق اجزائها وجمعها وتفريقها وجمعها الى تلك الابدان فلحق الابدان من صور تفريق اجزاء الارواح تفريق اجزائها وجمعها من جهة التنافي وتفريقها من جهة الملايمة فتألمت بتبعية تألم نفوسها وتفرقت اجزاؤها بتبعية تفرق اجزاء نفوسها لان نفوسها لجمودها وكثافتها بالمعاصي وتحجرها بالشقاق قبلت التفريق والتقسيم كالجماد فكانت كنفوس الحشرات كالخنفس والسام‌ابرص وغيرهما فان الخنفس والسام‌ابرص والجراد وغيرها اذا قطع عضو منها بقي مدة طويلة يتحرك لان نفسه لجمودها وكثافتها تقبل التجزية والقسمة وتقبل الفصل فلما قطع عضو من جسدها انقطع جزؤ من نفسه في العضو والى معنى ما ذكرنا اشار الصادق عليه السلام بل صرح كما ذكر في الحديث الذي تقدم في حال الكفار بعد موتهم قال ابوعبد الله الصادق عليه السلام ابدان ملعونة تحت الثرى في بقاع النار وارواح خبيثة تجري بوادي برهوت في بئر الكبريت في مركبات خبيثات ملعونات تؤدي ذلك الفزع والاهوال الى الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثرى في بقاع النار فهي بمنزلة النائم اذا رأى الاهوال فلا تزال تلك الابدان فزعة ذعرة وتلك الارواح معذبة بانواع العذاب في انواع المركبات المسخوطات الملعونات المضعفات مسجونات فيها لا ترى روحا ولا راحة الى مبعث قائمنا فيحشرها الله من تلك المركبات فترد في الابدان وذلك عند النشرات فتضرب اعناقهم ثم تصير الى النار ابد الابدين ودهر الداهرين ه‍ فهذا عذاب القبر وثوابه لا ما توهمه المصنف مما هو كالوساوس الوهمية والى معنى ما ذكرنا لا الى ما ذكره المصنف الاشارة بقوله صلى الله عليه واله القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران ه‍

قال :

اقول قوله { تركبت النفس على بدن يصلح للجنة ولذاتها ان كان من السعداء او يصلح للنار وآلامها ان كان من الاشقياء المجرمين } صريح في عدم اعادة مواد ابدان الخلق وانما المعاد نفوسهم وصورهم وقد قلنا سابقا ان المصنف عند اهل البيت عليهم السلام ممن ينكر المعاد الجسماني ولانه يرى ان الذي تحشر فيه النفس ليس معادا وانما هو نوراني يصلح وان جميع الابدان الدنيوية فانية بائرة مضمحلة لا عود لها لانها لحقت بالعدم لانه قال ان النفس تركب على بدن يصلح للجنة ان كانت اي النفس من السعداء واما الابدان الدنيوية فلا ذكر لها عنده لانه لا يرى ان شيئا من ابدان الدنيا صالح للبقاء لانه يتوهم ان جميع الابدان الدنيوية اصلها من هذه العناصر الفانية المنعدمة وذلك لانه ما قرأ قوله تعالى ولاسمعه وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وهذه الابدان اشياء وكل شيء فهو عند الله خزائنه وينزله الى الدنيا من تلك الخزائن والانسان شيء نزل من تلك الخزائن الى هذا العالم ليأخذ منها متاعا لهذا السفر الطويل فاذا كان شيئا كان مما انزله الله الى هذه الدنيا وليس منها ليكون فانيا فيما بعدها بل اذا رجع كل شيء الى اصله انتقل الى ما منه خلق وانتقل ذلك الاصل الذي خلق هذا الجسد منه به اي بالجسد الى ما منه خلق فتتصاعد الاشياء الى اصولها وكذلك كل ما في عالم الدنيا من الذوات واما الاعراض فكذلك الا ان عودها الى المراتب نفسها فلا تحملها المعروضات معها لانها لم تكن منها بل تلزم مباديها ومباديها هي المراتب والمراتب لازمة لمقاماتها ولو ترقت لم تترق الذوات مثلا الدنيا لو ترقت لم تخرج الذوات التي فيها عنها بل تترقي الدنيا بتلك الدنيا دنيا ابدا لا تكون اخرة فلم تترق الدنيا اذ لا تترقى الا بتجاوزها عن الدنيا فاذا كان كل شيء يعود الى اصله لا بد ان يعود هذا البدن الانساني الى الخزائن التي نزل منها ولو انه لم يعد كما ذكره المصنف ومن قال بقوله بطل حكم القاعدة المتفق عليها ان كل شيء يعود الى اصله المؤيدة بقوله كما بدأكم تعودون

وقوله { واياك وان تعتقد ما يراه الانسان بعد موته من اهوال القبر واحوال البعث امور موهومة لا وجود لها في العين كما زعمه بعض الاسلاميين المتشبثين باذيال الفلاسفة فان من اعتقد ذلك فهو كافر في الشريعة وضال في الحكمة } وهذا الكلام صحيح وان كان يلزمه في بعض ما ذهب اليه مثل قول هؤلاء

وقوله { بل امور القيمة واحوال الاخرة اقوى وجودا } وهذا يقارب قول اولئك فانهم يقولون انها امور موهومة وهو يقول امور متخيلة وما اقرب الخيال من الوهم

وقوله { اقوى وجودا واشد تحصلا من هذه الصور الموجودة في الهيولي التي هي الموضوعات بوسيلة الحركة والزمان } واولئك يزعمون ان الموهومة اشد واقوى وجودا وتحصلا من المتخيلة وكلامهم لو كان الحق منحصرا فيهما اقرب من كلام المصنف لان الوهم والخيال كلاهما من فيض الطبيعة النورانية الا ان الوهم من فيض نفسها والخيال من فيض صفتها وفيض النفس اقوى من فيض الصفة وان كان قول الكل خطأ بل الذوات اقوى من الصور واهوال القبر واحوال البعث ذوات ودعواه ودعويهم ان ذلك صور خيالية او وهمية باطلة وانما حكم بان الصور الخيالية اقوى من الصور الموجودة في الهيولي بناء على مذهبه من ان الهيولي والمادة لا تعاد بل تفنى وانما تعاد الصور والنفوس وقد بينا فيما سبق فساد مذهبه بل الحق ان الهيولي والمادة هي التي تعاد لانها هي المباشرة للخير والشر وكون الهيولي انما هي موضوعات بواسطة الحركة والزمان لا ينافي تحقق موضوعيتها اذ كل محدث لا يتقوم الا بواسطة حركته ووقته وليس المقابلة بين الخيالية وبين الصور الحالة في المادة بل المقابلة بين الخيالية وبين الذوات المتركبة من المواد والصور الشخصية فاذا نظرنا الى الخيالية وجدناها اظلة منتزعة من الصور الخارجية القائمة بالمواد ولا شك ان الصور الخارجية ذوات وارباب للصور الخيالية والصور الخيالية اشباح واظلة قائمة من جهة موادها التي هي الحصص النوعية بالصور الخارجية التي هي قائمة بالمواد نعم الخيالية من حيث الصور قائمة بالخيال والقيام من حيث المواد اقوى من القيام من حيث كما ان القيام للصورة التي في المرءاة بالشاخص اقوى منه بالمرءاة وهذا ظاهر لمن عرف الاشياء واسرار تكوناتها وكونها قائمة بمرءاة النفس التي هي الخيال وان كانت النفس الطف من الهيولي لا يلزم منه كونها اقوى من الصور الخارجية القائمة بالمواد مع ان المقابلة بينها وبين المواد انفسها ولا شك انها اقوى من مطلق الصور بكل نوع ما خلا العلل اعني ما في نفس علة الكون وهذا ظاهر

قال :

اقول الواجب اعتقاد حقية الموت بمعنى ان وقوعه على كل من على الارض والسموات كائن لا بد من وقوعه كما اخبر به الحق سبحانه في كلامه الحق في قوله كل نفس ذائقة الموت وبمعنى ان وقوعه بهم حق لما فيه من المصالح والمنافع العظيمة التي لا تعد ولانه به يصل كل عامل الى ثمرة عمله وبه يتحقق صدق الوعد والوعيد وبه يظهر تمام الفضل والعدل

وقول المصنف { ويجب ان يعلم ان عروض الموت امر طبيعي } هذا الوجوب لا يصح حمله على المعنى الشرعي اذ لا يجب على احد معرفة كيفية الموت وانما يحمل الوجوب على ثبوته في العلم والحكمة ومراد المصنف البحث عن كنه الموت وحقيقته واكثر العلماء جعلوه امرا اعتباريا وانه ليس بشيء مخلوق وكأنهم ماسمعوا كلام الله ينطق عليهم في بيوتهم الذي خلق الموت والحيوة او سمعوا وماوعوا او وعوا وماحفظوا وكأنهم ماسمعوا الاخبار المتواترة معنى بين الفريقين انه اذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار اتى بالموت في صورة كبش املح فيذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا اهل الجنة خلود ولا موت يا اهل النار خلود ولا موت الحديث فلو كان ليس بشيء لما قال تعالى الذي خلق الموت والحيوة ولما اتى به وذبح

وقول المصنف { ان عروض الموت امر طبيعي منشاؤه كما اشرنا اليه حركة النفس عن عالم الطبيعة الى نشأة باقية الى قوله الى الدار الاخرة } يريد بالاشارة ما ذكره قبل في الاشارة الى حدوث العالم في هذه الرسالة وفي المشاعر من اثبات الحركة الجوهرية للشيء لذاته وقد ذكرنا في الموضعين ان الحركة الجوهرية تثبت للشيء بواسطة المدد والصورة وان ذلك ليس شيئا من ذات الشيء بل من الله سبحانه بواسطة قوابل الاشياء للايجاد والامداد لما اشرنا اليه مرارا انه تعالى لا يفعل بخصوص مقتضي قدرته وارادته بل على حسب قابليات المفعولات للايجاد والامداد وما ربك بظلام للعباد وليس لشيء من الاشياء كون بما يمده ولا قبول لما يفعله فيه ولا حركة ولا سكون الا بفعل الله فاذا سبب للشيء جميع ما يتوقف عليه كونه بقي الشيء واقفا عن الانفعال والاسباب واقفة عن الفعل حتى يأذن لها فاذا اذن واجرى بفعله تلك الدواعي من الاسباب والمسببات جرت بفعله وحفظه ومن هنا وردت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام : انه لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وروي فقد اشرك وروي نقض بالضاد المعجمة لكن اكثر العلماء تبعوا كثيرا من الفلاسفة في نسبة الافعال الى الاسباب وبنوا اعتقاداتهم على ذلك حتى انست نفوسهم بذلك فكانوا يعزلون الله تعالى عن سلطانه حتى انه اشتهر بينهم ان القول بما اشرنا اليه مذهب الاشاعرة وغلطوا علينا كما غلطت الاشاعرة على الحق فان الاشاعرة يقولون الله سبحانه هو الذي يحرق الحطب اذا وضعته في النار والنار ليست محرقة اصلا وانما الله يحرق عندها ويغرق عند الماء وليس للنار اثر في الاحراق ولا للماء في التغريق اصلا بوجه من الوجوه وهؤلاء يقولون خلق الله النار وجعلها محرقة فهي تحرق بالاستقلال فالاول عين الجبر والثاني عين التفويض والحق غير الاثنين وهو ان الله سبحانه خلق النار وجعلها محرقة واودع قوة الاحراق فيها وحفظها وحفظ ما جعلها واودع فيها فهي بقيومية جعله وايداعه قوة الاحراق القائمين بحفظه تحرق فلا شيء الا بالله سبحانه والمصنف جار في كل اموره على متابعة من تقدمه فاعتماده على احد اقوالهم مما يرجحه بنفسه ليس له مستند غير هذا فلهذا قال ان الموت امر طبيعي وهو ان النفس تصل الى رتبة من رتب كمالاتها من اليمين او الشمال وتنتقل بحركتها الجوهرية الذاتية عن هذا البدن وتعرض عنه وتخرج من غبار الهيئات البدنية وتقبل الى الدار الاخرة وهي النشأة الاخرى الباقية وهذا على ظاهره مذهب القدرية فان قلت انما يتكلم على نمط كلام القوم والا فهو يعتقد ان كل شيء بالله كما انك كثيرا ما تتكلم بعباراتهم قلت نعم هو اذا اخذ في كون كل شيء انما هو بالله يقول بذلك على جهة الاجمال ولا يذكر شيئا من ذلك في التفصيل وذلك لانس نفسه بكلام القوم ولا كذلك نحن لانا لكثرة ما نذكر من ان كل شيء لا يكون الا بالله في اغلب الاماكن والمسائل اذا اتيت بلفظ يشابه قول المفوضة اختصارا ما يتوهم احد علي بذلك لكثرة ما اصرح بذلك وانهى عن الجبر والتفويض وادل على اماكن كثيرة يلزم منها الجبر والتفويض من قول من ينفيهما وقد بينا مرارا فيما تقدم ان الشيء الممكن لا تكون من ذاته الحركة الجوهرية الذاتية على مرادهم من انه لذاته يترقى وانما يقع من ذاته ميل الافتقار وهو غير ناقل للمائل عن رتبته الدنيا الى العليا الا بالمدد الجديد الذي لم يكن معه وبه اي بقبوله الذي هو عبارة عن الصورة يترقى ومرادي ان الله سبحانه يرقيه بقبوله المدد وانفعاله به لان الاشياء كلها واقفة على ساق العبودية لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ومرادي بوقوفها انها لا توجد شيئا من نفسها فاذا اوجدها تعالى لا تقدر على بقائها ولا على عدم بقائها ولا على زيادة شيء منها ولا على نقصانه واذا اذن لها بالعدم لا تقدر الا باعدامه او بالبقاء لا تبقى الا بابقائه فبه تتحرك النفس عن عالم الطبيعة وبه تتوجه الى النشأة الباقية وبه تعرض عن هذا البدن وبه تخرج عن غبار هذه الهيئات البدنية وبه تقبل الى الدار الاخرة ومرادي بقولي به تتحرك الى اخر الكلام انه وكل بها ملائكة ينقلونها بامره تعالى الى كل حركة وسكون حسي او عقلي كلي او جزئي وتلك الملائكة في ذواتهم وافعالهم بالنسبة الى امره الفعلي اي مشيته والى امره المفعولي اي النور المحمدي صلى الله عليه واله بمنزلة الشعاع من السراج وبمنزلة الصورة في المرءاة من الشاخص فالملائكة المدبرة متقومون في ذواتهم بامره الفعلي تقوم صدور وبامره المفعولي تقوم تحقق ركني وذلك كالنور من السراج وكالصورة من الشاخص فالملائكة بامره يعملون وهو قول الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك فهم بامره على نحو القيومية المذكورة يحركون النفس ويصرفونها عن عالم الطبيعة وهي كارهة الى اخر ما ذكر ولو كان الامر كما ذكر المصنف لماكرهت الموت

وقوله { وليس الامر كما زعمته الاطباء وعلماء الطبيعة ان سبب عروضه تناهي القوى الطبيعية او نفاد الحرارة الغريزية او زيادة الرطوبة الفضلية } واقول : اذا جرينا على العبارة المبنية على ظاهر الامر كان كلامهم اصح من كلامه لان النفس انما وضعت في هذا المكان الضيق وحبست فيه على خلاف محبتها ولكنها لا توضع الا في مكان تام تتأدي به شؤنها فاذا تناهت القوى الطبيعية التي هي المصلحة لمسكنها والمعينة لها على مطالبها ولم تقدر على اصلاح المسكن خرب المسكن بلفح الرياح الاربع ريح الجنوب من الكبد وريح الصبا من الرية وريح الشمال من الطحال وريح الدبور من المرة الصفراء ولم يبق لها قرار لخراب الديار وكذلك اذا نفدت الحرارة الغريزية التي هي الحافظة للروح البخاري الحامل للنفس الفلكية الحاملة للنفس الناطقة فاذا ذهب ما تتعلق به ذهبت كاشراق الشمس اذا ذهب الجدار الذي يتعلق به ذهب الاشراق وكذا الرطوبة الفضلية ويؤيد هذا ما رواه كميل ابن زياد من حديث الاعرابي عن امير المؤمنين عليه السلام وقد تقدم بتمامه ومنه قال اي الاعرابي وما النفس الحيوانية قال عليه السلام قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها فقال يا مولاي وما النفس الناطقة قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية فراقها عند تحلل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة الحديث فذكر عليه السلام ان النفس الحسية الحيوانية سبب فراقها اختلاف المتولدات فيختلف عليها المدد فيختلف عليها الاستمداد لعروض ما ينافيها فلا يستقيم متعلقها فيبطل فيخرج وذكر عليه السلام ان الناطقة القدسية سبب فراقها تحلل الالات الجسمانية التي هي متعلق مركبها فاذا خربت آلاتها الجسمانية لم يكن له تعلق باصلاح محل متعلقها اذ لا تتمكن من ذلك الا بالالات بواسطة الحيوانية وكلامه عليه السلام مؤيد لكلام الاطباء والطبيعيين شاهد بصحة قولهم وببطلان قول المصنف

وقوله { او غير ذلك من تأثيرات الكواكب بحسب خطوطها عند طالع المولود } لانها اذا اختلفت على طالعه الخارج من المشرق عند سقوط المولود الى الدنيا من بطن امه بما ينافيه اختل تركيب بنيته اذ استقامتها بنظر طالعه بطبعه وتأثيره فاذا عارضه مؤثر مناف له بطلت استقامة البنية لاختلاف المتولدات وكل هذه اسباب جعل الله سبحانه لها تأثيرا وفي تفسير العياشي بسنده عن ابي‌ عبد الله عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى خلق روح القدس ولم يخلق خلقا اقرب اليه منها وليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امرا القاه اليها فالقاه الى النجوم فجرت به ه‍ وروى علي بن عيسى الاربلي في كشف الغمة بسنده الى علي بن الحسين عليهما السلام في كلامه في ذم الدنيا في قوله الذي جمع فيه متفرق العلوم قال عليه السلام : وما عسيت ان اصف محن الدنيا وابلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب الحديث مما يحدث من تأثيراتها من الكسوف والخسوف والقاء اشعتها من الحر والبرد وما يتألف من ذلك وما يحدث بذلك من الاسباب او مع المطاعم والمشارب كالحمى فقد قال صلى الله عليه واله الحمى رائد الموت وحرها من فيح جهنم وهي حظ كل مؤمن ومؤمنة من النار ه‍ وما وردت به الاخبار من ذكر الاسباب الموجبة للموت كثيرة جدا من الامراض والسموم والقتل والتردي والغرق وما اشبه ذلك مما يشهد للاطباء ويشهد على المصنف

وقوله { لما بين بطلانها في موضعه } لا شك ان الباطل ذلك البيان المشار اليه لانه مبني على اختياراته وهي كما سمعت ماتجد منها شيئا واحدا صحيحا وذلك مثل قوله { بل سببه قوة تجوهر النفس واشتدادها في الوجود ورجوعها بحركتها الذاتية الى جاعلها الذي منه بدؤها واليه منتهاها الخ } ما ادري هل عنده ان نفس النبي صلى الله عليه واله ما قوي تجوهرها ولا اشتدت في وجودها الى ان عرج الى السماء ونزل وعاش بعده المدة الطويلة الى ان بلغ عمره ثلاثا وستين سنة وبعد هذه المدة اشتدت ولكن كل بياناته من نوع هذه الكلمات التي لا يجد العارف فيها كلمة صحيحة فبمثل هذه ابطل حجة الاطباء والطبيعيين وكلام الائمة الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين

قال :

اقول حشر الخلائق على انحاء مختلفة وذلك على حسب اعمالهم ونياتهم لان الاعمال هي صور الثواب والعقاب وهيئات تلك الاعمال واوضاعها هيئات الثواب والعقاب واوضاعهم ولهذا لا ينكر احد من الفريقين ما يثاب به او يعاقب به انه هو عمله ولذا قال تعالى وما تجزون الا ما كنتم تعملون وقال تعالى ذق انك انت العزيز الكريم ان هذا ما كنتم به تمترون وقد قال الله تعالى ولكل درجات مما عملوا فمن قال تعالى فيهم ونحشره يوم القيمة اعمى يعني اعمى عن طريق الجنة لانه عمي في الدنيا عن ولاية امير المؤمنين عليه السلام ففي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ومن اعرض عن ذكري قال ولاية امير المؤمنين عليه السلام اعمى البصر في الاخرة اعمى القلب في الدنيا عن ولاية امير المؤمنين عليه السلام وهو متحير في القيمة يقول لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى قال الايات الائمة عليهم السلام ومن قال تعالى فيهم اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل الايات عن الباقر عليه السلام فاما النصاب من اهل القبلة فانهم يخد لهم خدا الى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم الى يوم القيمة ثم مصيرهم الى الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم اينما كنتم تشركون من دون الله اي اين امامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس اماما وفي البصائر عنه عليه السلام قال كنت خلف ابي وهو على بغلته فنفرت بغلته فاذا هو شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه فقال يا علي بن الحسين اسقني فقال الرجل لا تسقه لاسقاه الله وكان الشيخ معوية اقول وهذه السلسلة فيها ثلاثون من بني ‌امية واربعون من بني ‌العباس وذرعها سبعون ذراعا بذراع ابليس ومن قال فيهم ونحشر المجرمين يومئذ زرقا فهم ممن اعرضوا عن الولاية يحشرون زرق العيون لشدة العطش او كناية عن العمى او لان زرقة العين تبغضها العرب ومن قال تعالى فيهم لهم فيها زفير وشهيق فهم من الاولين المعرضين عن ذكر الله ومنهم قتلة الحسين عليه السلام والزفير اخراج النفس بفتح الفاء والشهيق رده الى الجوف ومن قال فيهم اخسئوا فيها ولا تكلمون روي انهم اذا قالوا ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون تركوا مائة سنة ثم اتاهم الجواب اخسئوا فيها ولا تكلمون وهؤلاء من المذكورين قبل ومن قال فيهم فطمسنا اعينهم فهم قوم لوط ومن عمل عملهم وبالجملة كل احد يحشر على صورة ما استقر عليه عمله في باطنه وتخلق من الاعمال سواء تمحض عمله عليه او غلب ويساق الى غاية سعيه وعمله لان الله عز وجل اقام في سائر عالمه من يقوم بما يحتاجون اليه مما تبعثهم دواعيهم وميولهم عليه وجعل له خلفاء اعضادا قائدين سائقين يسوقون باذن الله كل عامل الى ما يسر له من عمله الذي خلق له بتمييز العلم القيومي وفي حديث ابي ‌الطفيل عامر بن واثلة قال قلت يا امير المؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلى الله عليه واله في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي وليصرفن عنه اعدائي وفي رواية ولاوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي الحديث وذلك كما قال تعالى قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا وكل من الخلائق يكون مع من يعمل مثل عمله وهو قوله تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم اي اشباههم في اعمالهم الظاهرة والباطنة ومن انطوت سريرته على ميل ذاتي او تطبعي الى شيء فهو معه في رتبته ويحشر معه وفي الحديث يحشر المرء مع من احبه حتى لو احب احدكم حجرا لحشر معه لان المحبة يظهر من اعلى اكوان المحب فتكون من كنه حقيقته فيكون ميله الى نوعه المشابه فيشاركه فيما يتصف به من ثواب وعقاب ومن هنا قال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم

قال :

اقول ان تكرر الافاعيل بحيث تقع بغير توجه جديد وقصد خاص يوجب حدوث الملكات لان الذوات تتصف باثار افعالها فتلك الصفة ان قرت بكثرة تكرر تلك الافعال حتى كانت كالطبيعة الثانية بل طبيعة ثانية سميت ملكة اي قوة وقدرة وان لم تستقر لعدم دوام الفعل بل يقع غيره سمي حالا والملكات النفسانية تؤدي الى تغير الصورة والاشكال ولكن لا تنسى ما ذكرناه لك سابقا من ان الملكات النفسانية التي تغير الصورة حتى يحشر الرجل يوم القيمة سبعا او خنزيرا ليست من ملكات الناطقة القدسية لان الناطقة لا تلبس شيئا من صور الحيوانات بل الناطقة كما قال امير المؤمنين عليه السلام مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية وقال عليه السلام في حديث كميل بن زياد لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة ونقل عنه عليه السلام انه قال الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم الى كل خير وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار ه‍ وانما هذه الملكات التي تؤدي الى تغير الصورة من النفس التي هي الامارة بالسوء التي هي ضد العقل ومن النفس الحيوانية الحسية الفلكية التي قال فيها امير المؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي المتقدم فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية والتي قال فيها في حديث كميل ابن زياد لها قوى خمس سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب فان هاتين النفسين هما الباعثتان للافعال التي تنشأ عنها الملكات المغيرة للصورة الانسانية الى صور الشياطين والحيوانات فالملكات المغيرة بكسر الياء تنسب اليهما لا الى النفس الناطقة لانها لا تصدر عنها الا الملكات المقررة للصورة الانسانية التي هي صورة الاجابة وصورة الاجابة هي صورة الفطرة التي فطر الله الناس عليها لانها من هيئة فعله فالملكات المغيرة من الحيوانية والامارة والصورة المغيرة بفتح الياء هي صورة النفس الناطقة وليس معنى تغيرها انها بنفسها تنقلب الى صور الحيوانات او الشياطين وانما هي كانت متعلقة بالبدن ما دام تحت سلطنة الناطقة فاذا استولت عليه الامارة والحيوانية ذهبت الصورة الناطقية ولحقت بالكرسي وصور البدن بما غلب عليه من الصورة الحيوانية او الصورة الامارة لان الناطقية نور والنور لا ينقلب الى الظلمة وانما يلحق بالمنير فتنبسط الظلمة في محل النور اذا ذهب والصورة الانسانية قد ورد في الاخبار انها نور وسماها الرضا عليه السلام بذلك وانها ترجع الى العرش والراجع منها الى الكرسي عائد الى العرش لانه من تأييداته فالمتغيرة انما هي الحيوانية والامارة

وقوله { فكل ملكة تغلب على الانسان في الدنيا يتصور في الاخرة بصورة تناسبها وهذا امر محقق عند اهل اليقين } هذا صحيح الا انه ليس على نمط الحكمة بحيث يقال ان هذا سر الخليقة واما تحقيق ذلك وبيان مأخذه هو ان يقال انما غلبت لان الحصة الحيوانية التي في الانسان لم يكن لها فصل مخصوص لانها في نفسها صالحة لان تلبس كل صورة فيصلح لها فصل الصاهل والناهق والنابح والناعق وما اشبه ذلك والنفس الناطقة مادتها اشراق العقل وفصلها الناطق فالانسان فيه الحصة الاشراقية مع فصلها الناطق وفيه حصة من الحيوانية وحصة من الامارة غير مفصولة بفصل معين بل ما دامت النفس الامارة لم تطمئن فتدخل تحت فصل العقل لا تزالان تلبسان صور الحيوانات والشياطين فقبل ان يتكرر الفعل من هاتين او من احديهما حتى كان اثره ملكة هما داخلتان تحت فصل الحصة الانسانية بالتبعية اي ليس لاحديهما فصل قار فيها لازم لها بل الفصل القار للانسانية هو الناطق والشخص من حيث وحدته لا يقبل الفصول المتعددة الا على جهة التعاقب فاذا لبست واحدة منهما فصلا من فصول جنسها ارتفع فصل الناطق حال حصول فصل لاحديهما حيواني او شيطاني فاذا لم يستقر بان يكون اثره ملكة وارتفع نزل فصل الناطق وهكذا كلما لبس صورة من صور الحيوانية او الشيطانية ارتفعت الصورة الانسانية فاذا ارتفعت كل الصورة نزلت الانسانية لا يزني الزاني وهو مؤمن فاذا زني خرجت منه روح الايمان وبقيت فيه روح الاسلام فاذا تاب عادت اليه روح الايمان فاذا تكرر الفعل من احدي الصورتين حتى كان اثره ملكة خرجت منه الانسانية بحيوانيتها اي بمادتها من التأييدات العقلية وبفصلها الناطق اي بصورتها الناطقية وظهرت الصورة الحيوانية عليه اذا كان الفعل المتكرر من الحيوانية الحسية الفلكية او الصورة الشيطانية عليه اذا كان الفعل المتكرر من الامارة بالسوء فالملكة الحيوانية او الشيطانية انما تغلب اذا خرجت عليها الانسانية بمادتها وصورتها فيكون المحشور حيوانا او شيطانا ليس هو انسانا انقلب حيوانا لان المادة الانسانية والصورة الانسانية خرجا من الشخص فهو حيوان كما قال تعالى ان هم الا كالانعام بل هم اضل او شيطان كما قال تعالى شياطين الانس والجن لا كما توهمه المصنف من انقلاب الانسانية حيوانية فقولنا ان قوله فكل ملكة تغلب على الانسان في الدنيا يتصور في الاخرة بصورة تناسبها صحيح في الظاهر لان تبدل الصور ليس على الظاهر منافيا لما نقول لان هذا الشخص خرجت منه الانسانية وصار الان حيوانا لان الانسان كما مر فيه الحيوانية والانسانية ولكن الحيوانية لم تكن مفصولة اكتفاء بفصل الانسان فلما تقرر فيها فصلها خرجت الانسانية لانها ما دامت موجودة لم يكن للحيوانية فصل خاص فالصور تتعاقب على الشخص ولا تجتمع فيه فاذا اطمأنت الامارة كانت اخت العقل لاستيلاء العقل عليها حتى نسيت اعتبارها من نفسها فيضمحل اعتبار الحيوانية لنفسها

وقوله { حتى ان الله سبحانه انما خلق الابدان الحيوانية على طبق دواعيها واغراضها النفسانية } صحيح لكن في الحيوان لا في الانسان اي انما خلق الابدان الحيوانية في الحيوان لا في الانسان لان الصورة الناطقية لا تكون دواعيها الا بما يحب الله ويرضي كما اشرنا اليه من كلام على صلوات الله عليه واله وكذا باقي كلامه يعني انه صحيح بمعنى ان الله سبحانه خلق الات كل شيء بحسب دواعيه لا بحسب دواعي غيره فالصورة الحيوانية مخلوقة بحسب دواعي الحيوان لا الانسان فكل ما ذكر ومثل من مناسبة الالات لصفات نفوسها كالقرن للثور والمخلب للسبع الى اخره مؤيد لما ذكرناه

قال :

اقول قوله { ومن نظر الخ } يعني ان من نظر بعين البصيرة وكانت له بصيرة ونور من عند الله بسبب قابليته الظاهرة كالخلقة الصالحة وكالباطنة كالعمل والقلب المجتمع الى كل عامل لعمل وصانع لصنعة كالكاتب والشاعر والمنجم والطبيب والزارع وغيرهم يجد هيئات ابدانهم وتراكيب طبائعهم مناسبة لدواعي نفوسهم وهذا صحيح لا شبهة فيه فان الشاعر مثلا طبيعته وهيئات مشاعره موزونة الا ترى انه اذا اتى ببيت شعر وفيه زحاف غير مقبول لم تقبله طبيعته وعرف صحته وفساده لانه يزنه بطبعه فلا ينطبق عليه شيء من الشعر المعوج والا فليس بشاعر لان طبع الشاعر موزون بوزن البحور التي جرى عليها طبعه او تطبعه وما لم يكن كذلك لم يتأت له الشعر حتى لو كان بحر لم يكن طبعه موزونا به ولا تطبعه لم يصدر منه فان العرب مع فصاحتهم وبلاغتهم ديوانهم الشعر وبه يفتخرون ولم يقل منهم احد شعرا من بحر كان وكان مثل قول الشاعر :

من لا ترى الشمس عينه ولا ترى البدر مقلته
ولا الصباح المشرق ايش ينفعه قنديل
فانت ذا في اعتقادك تشرب على هذا الظما
ماء البحار السبعة ولا تبل غليل

والحاصل ان هذا شيء ظاهر ليس فيه على ظاهره اشكال وان كان لو نظرنا في حقيقة هذه المناسبة ظهر خلافه ( اي فيه اشكال ) وهو انه هل باعثها ( الملكة ) في البدن تصور النفس بتلك الملكة وتصور البدن على ذلك تابع ام الباعث ( للملكة ) في النفس تصور البدن بتلك الهيئة لان صورته ( اي صورة البدن ) على تلك الهيئة مقتضية لفعل النفس ما يناسب تلك الصورة كما قال العلماء في قصة السامري حيث صنع الذهب بصورة العجل فلما وضع في فمه التراب الذي قبضه من اثر حيزوم فرس الحيوة خار ولو انه صنعه انسانا ووضع في فمه التراب تكلم ولو صنعه كلبا نبح او فرسا صهل وليس ذلك الا لان الروح تابعة في تشخصها لتشخص الجسد وقد يستفاد مما تقدم من كلامنا رجحان الوجه الثاني وفي قوله عليه السلام السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه اشارة او تصريح بذلك وكذا فيما روي عنه عليه السلام ما معناه ان النطفة اذا وقعت في الرحم امر تعالى ملكين خلاقين فاقتحما بطن المرأة من فمها فيقولان يا ربنا نخلقه ذكرا ام انثى فيأمرهم بما اراد ثم يقولان يا ربنا نخلقه سعيدا ام شقيا فيأمرهم بما اراد ومن عرف هذا وعرف ان البدن تكون قبل الروح كما هو مذهب المحققين وانها كالماء والهواء تتقدر وتتصور بهيئة الاناء ظهر له صحة الوجه الثاني وقولنا ان البدن تكون قبل الروح على ما هو اختيار المحققين لا ينافي ما دل على كونها قبل الابدان باربعة ‌الاف سنة لان تقدم الارواح على الابدان تقدم دهري وتقدم الابدان على الارواح تقدم زماني ومثاله في الشاهد ما مثلنا به قبل ذلك بحبة الحنطة التي هي آية الروح فانها قبل العود الاخضر والسنبلة وليس المنمي للعود الاخضر هو الحبة ليعترض المعترض وانما المنمي له هو النفس النباتية وان الحبة عدمت صورتها في العود الاخضر وبطل تركيبها وكمنت طبيعتها في غيب العود الاخضر حتى تلقح السنبلة فتظهر الحبة من غيب العود الاخضر على حسب قوة العود والسنبلة وضعفهما في القوة والضعف فافهم واقبل ما كشفت لك من الاسرار المكتومة عن الاغيار

وقوله { فان الهيئات ترد من النفوس الى الابدان اولا كما ترتقي من الابدان الى النفوس ثانيا } فيه ان الهيئات الواردة من النفوس عبارة عن مظاهرها وهي صفة النفوس الظاهرة من اثارها من حيث هي ظاهرة وهي مواد الابدان فانها وان كانت اعراضا بالنفوس الا انها جواهر بالبدن كما هو شأن المعلولات بالنسبة الى عللها الحقيقية فهيئتها الواردة منها الى البدن هيئة فعلية لا ذاتية لان افعالها منوطة بالاجسام ومثال ذلك حبة الحنطة المزروعة فان هيئتها الواردة على العود الاخضر هيئة فعلية والعاملة فيه ( في العود ) هي الحاملة لفعلها وهي النفس النباتية ( التي هي مادة العود ) فانها هي الحاملة لتلك الهيئة الفعلية كما ان النفس النباتية في العود الاخضر والسنبلة هي الحاملة لهيئة الحبة الفعلية والهيئات الفعلية انما تنشأ من قوابل المفعولات لان الافعال تجري في المفاعيل على حسب قابليتها فاذا تقدرت صورة فعل النباتية على هيئة قابلية البدن وتحققت ( القابلية وهيئتها او صورة فعل النباتية جميعها محتمل ) كانت مطرحا ومتعلقا لافعال النفس بمعنى ان النفس تجري في افعالها على حسب مقتضى هيئة ذلك البدن فان كانت تلك الهيئة مطابقة للفطرة الانسانية كانت لا يجري على مقتضيها من الافعال الا ما يكون مطابقا لامر الله ومحبته فتكون الملكات الناشية عن تلك الافعال مقررة ومؤكدة لتلك الهيئة البدنية وان كانت مخالفة للفطرة الانسانية كانت الافعال المطابقة لامر الله ومحبته لا تجري على مقتضيها وانما تجري على مقتضاها ( صورة البدن ) ويتعلق بها من الافعال ما يخالف امر الله ومحبته والنفس الناطقة القدسية لا يصدر عنها فعل يخالف امر الله ومحبته لان مادتها التأييدات العقلية والعقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان بل تكون مرفوعة التصرف بحيلولة افعال النفس الحيوانية الحسية الفلكية لانها هي التي يكون فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية كما قال امير المؤمنين عليه السلام وبحيلولة افعال النفس الامارة بالسوء وافعالها موافقة لمقتضي الهيئة المخالفة لامر الله ومحبته فيلبس البدن بملكات افعالهما صورة ما غلب من ملكات افعالهما فهاتان النفسان هما المتصورتان بصور الشياطين والحيوانات واما الناطقة اذا كفت عن التصرف فانها تلحق بالكرسي ولا تلبس شيئا من صور الشياطين والحيوانات وليس شيء من هيئات ذات الناطقة يرد على البدن ولا شيء من هيئاته يرتقي الى ذات الناطقة وان كان في الهيئات الموافقة لامر الله ومحبته وانما الوارد النازل اثر افعالها كاشراق الشمس على الجدار على نحو ما قررنا وشاهد هذا بعد العقل من النفس قول امير المؤمنين عليه السلام فيما روي عنه ان بعض اليهود اجتاز به عليه السلام وهو يتكلم مع جماعة فقال يا ابن ابي طالب لو انك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شأن من الشأن فقال عليه السلام وما تعني بالفلسفة اليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه ومن صفا مزاجه قوى اثر النفس فيه ومن قوى اثر النفس فيه سما الى ما يرتقيه ومن سما الى ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية ومن تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له عن هذه الغاية مغير فقال اليهودي الله اكبر يا ابن ابي طالب فقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك ه‍ فافهم كلامه عليه السلام في قوله قوى اثر النفس فيه فان اثر الشيء يراد منه ما احدثه بفعله وفي قوله فقد تخلق بالاخلاق النفسانية فانه كما تخلق الجدار بالاخلاق الشمسية اي استنار باثرها الذي هو اشراقها وقوله ( قول المصنف ) { فيتصور في الاخرة بصورتها } يعني بصورة ذاتها والحق انه يتصور بصورة اثرها اي اثر فعلها كما في الجدار والفعل يعطي هيئته على حسب قابليته والا لكان العبد مظلوما واذا كانت الصورة يخالف مقتضاها امر الله ومحبته كانت الملكة المؤثرة ناشية من افعال النفس الحيوانية او الامارة وليس للناطقة في شيء من ذلك مدخل لا بفعل ولا بمحبة وكل ذلك بخلاف ما يقوله المصنف ويريده

وقوله { واليه } اي الى ما يدعيه من ان الملكات المغيرة للصور من الصورة الانسانية الى الصور الشيطانية والحيوانية تكونت من افعال الناطقة القدسية { الاشارة بقوله تعالى والمبتكين آذان الانعام والمغيرين خلق الله } والمبتكون الشاقون اذان الانعام علامة على كونها لا تؤكل لحومها ولا تركب ظهورها وهي التي اشار سبحانه اليها بقوله ماجعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام روي ان البحيرة الناقة اذا انتجت خمسة ابطن فان كان الخامس ذكرا نحروه واكله الرجال والنساء وان كان الخامس انثى بحروا اذنها اي شقوه وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها فاذا ماتت حلت للنساء والسائبة البعير يسيب بنذر ويكون على الرجل ان سلمه الله عز وجل من مرضه او بلغه منزله ان يفعل ذلك والوصيلة من الغنم كانوا اذا ولدت الشاة سبعة ابطن فان كان السابع ذكرا ذبح واكل منه الرجال والنساء وان كان انثى تركت في الغنم وان كان ذكرا وانثى قالوا وصلت اخاها فلم تذبح وكان لحمها حراما على النساء الا ان يموت منها شيء فيحل اكلها للرجال والنساء والحام الفحل اذا ركب ولد ولده قالوا قد حمي ظهره ويروي الحام من الابل اذا انتج عشرة ابطن قالوا قد حمي ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء فالفاعلون مثل ما ذكرهم المبتكون آذان الانعام اي الشاقون فقد وسموا الانعام لاجل علامات تناسب اغراضهم فيما لم يؤمروا به والمغيرون خلق الله ظاهرا بمعنى المبتكين لانهم بشقهم آذانها بغير امر من الله وانما افتروا الكذب عليه تعالى فقد غيروا خلق الله في الكون وفي الحكم وفي التأويل انهم استولوا على ضعفاء ووسموهم واستخدموهم في شهوات انفسهم فهم رعاياهم وانعامهم وشقوا آذان قلوبهم بما صرفوها الى شؤنهم في معاصي الله وغيروا خلق الله فان الله سبحانه انما خلق الناس لاوليائه عليهم السلام وخلق لهم قلوبا يتبعون بها اوليائه في طاعته ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب حيث سموا انفسهم باسمائهم التي هي اسماؤه فهم الذين يلحدون في اسمائه لانهم سموا انفسهم باسماء اوليائه عليهم السلام ووسموا رعية الاولياء وانعامهم بميسم طاعتهم والله سبحانه خلقهم على فطرة طاعته فغيروا خلق الله الى فطرة طاعتهم وصورة فطرة طاعة الله وطاعة اوليائه عليهم السلام هي الصورة الانسانية وصورة فطرة طاعة المفترين على الله الكذب هي الصور الشيطانية والحيوانية وهي من النفس الامارة والنفس الحيوانية لا من الناطقة القدسية

وقول { اصحاب القلوب } ويعني بهم بعض الصوفية واشباههم من الحكماء { كل من شاهد بنور البصيرة باطنه في الدنيا رءاه مشحونا بالمؤذيات } يريدون به انه يجد باطنه مشحونا من الامور القبيحة من الشهوة التي هي منشأ الملكات النفسانية الحيوانية والغضب الذي هو منشأ الملكة النفسانية السبعية والمكر والحسد والتكبر والعجب والرياء التي هي منشأ الملكات النفسانية الشيطانية وهي التي تتصور بها النفس الحيوانية والشيطانية وصور هذه الصور تنتقش في ارض البرزخ بل وصور اسبابها فاذا وضع في قبره اول من يأتيه رومان فتان القبور فيولج الروح فيه الى صدره ثم يأمره فيكتب جميع اعماله في قطعة من كفنه ثم يطوقه بها في عنقه فتكون اثقل عليه من جبل احد وهو قوله وكل انسان الزمناه طائره في عنقه الاية ثم يأتيه منكر ونكير فيحاسبانه باعماله ثم يفتحان له من عند رأسه بابا الى واد مد بصره كله مشحون من صور تلك الافعال والملكات التي انتقشت في تلك الارض ارض البرزخ وهو كلاب وخنازير وسباع وقردة وحيات وعقارب وخيل وبغال وحمير وسائر انواع الحيوانات وسائر انواع الشياطين وسائر انواع الجان كل منها على صور مختلفة وكل منها مقبل عليه وقاصد له بالاذية ولا ملجأ له عنها لانها لازمة له كلزوم الظل للشاخص وتلك هي هول المطلع وهذه الامور يشاهدها من كشف الغطاء عن بصيرته لا خصوص تلك الطائفة وعبارة المصنف لا تفيد بظاهرها ارادة الخصوص ولكن المعروف من طريقته ان ما سوى اولئك محجوبون وان رأوا شيئا رأوا غير ما هو الواقع فلذا قلت لا خصوص تلك الطائفة ولذا قال او قالوا { الا ان اكثر الناس محجوب العين عن مشاهدتها فاذا انكشف الغطاء بالموت عاينها وقد تمثلت بصورها واشكالها المحسوسة الموافقة لمعاينها فيرى بعينه ان النفس قد تشكلت بصور البهائم والسباع } وقد اشرنا لك مرارا ان النفس المتشكلة هي الحيوانية الحسية الفلكية والشيطانية اعني الامارة وانه يرى ان { العقارب والحيات قد احاطت به تلدغها } اي تلدغ النفس { وتلسعها والنار قد احدقت به واحاط به } سرادقها قال المصنف { وانما هي ملكاته وصفاته الحاضرة الا ان تساعده الرحمة } اي الانسان { وتنجى نفسه من العقارب لاجل الايمان والعمل الصالح } وقد سمعت ما قلنا في رد قوله ان كل ما في الاخرة من نوع الاعتقادات والنيات

المصادر
المحتوى