شرح العرشية - الجزء ۳

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - شرح العرشية - الجزء ۳

شرح العرشية

الجزء الثالث

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الرابع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على محمد واله الطاهرين

وبعد قال العبد المسكين احمد ابن زين‌ الدين الاحسائي هذا الجزؤ الثالث من شرح العرشية لصدر الدين الشيرازي الشهير بملا صدرا

قال : قاعدة في النفختين قال الله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات الآية واعلم ان النفخة نفختان نفخة تطفئ النار ونفخة تشعلها والصور بسكون الواو وقرء بفتحها ايضا جمع الصورة ولما سئل النبي صلى الله عليه واله عن الصور ما هو فقال هو قرن من نور التقمه اسرافيل فوصف بالسعة والضيق واختلف في ان اعلاه اوسع واسفله اضيق او بالعكس ولكل منهما وجه فاذا تهيأت الصور كانت فتيلة استعدادها كالفحم للاشتعال بالنار التي كمنت فيها فتبرز بالنفخ والصور البرزخية مشتعلة بالارواح التي فيها فينفخ اسرافيل نفخة واحدة فتمر بها فتطفئها وتمر النفخة التي يليها وهي الثانية على تلك الصور المستعدة لأرواحها كالسراج للاشتعال بل الاستينار فاذا هم قيام ينظرون واشرقت الأرض بنور ربها فتقوم تلك الصور احياء ناطقة فمن ناطق الحمد لله الذي احيانا بعد ما اماتنا واليه النشور ومن ناطق يقول من بعثنا من مرقدنا هذا وكل ينطق بحسب عمله وحاله
اقول قوله { واعلم ان النفخة نفختان نفخة تطفي النار ونفخة تشعلها } في الجملة وعلى الظاهر صحيح واما على التحقيق فهو كلام من لا يتصور ذلك فان النفختين مختلفان في الانبعاث وذلك لان نفخة الصعق نفخة جذب بان يجذب النفس بفتح الفاء الى الجوف واسرافيل عليه السلام ينفخ في نفخة الصعق وهي النفخة الاولى نفخة جذب فتنجذب الأرواح الى الصور وتدخل كل روح في ثقبتها وتتفكك اركانها وتبطل تركيبها كما قال امير المؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي في وصف النفس الحيوانية ونفخة الفزع والبعث نفخة دفع بان يدفع النفس من الجوف الى الفضاء فاذا نفخ اسرافيل عليه السلام نفخة الدفع وهي النفخة الثانية فتمر الحقيقة الاولى التي هي حقيقة العبد من ربه وهي النور والفؤاد والوجود الذي هو المادة على العقل في خزانته وهو نايم تحت ظل الشجرة البيضاء فيتعلق بها ثم على النفس وهي نائمة تحت ظل الشجرة الخضراء فتتعلق بها ثم على الطبيعة وهي نائمة تحت قبة الياقوت فتتعلق بها ثم على الهباء الجوهري وهو نائم في هواء الجعل فيتعلق بها ثم على الصورة في الاظلة الشبحية فتتعلق بها فتنزل بما تعلق بها الى طينة الشخص المستديرة في قبره وهي مادة جسده الذي كان في الدنيا المصورة بمقتضى صور اعماله فتلبسها ثم ينشق التراب من قبره فاذا هم قيام ينظرون واقول ويحتمل ان يكون مراد من قال في تمثيله ان النفخة نفختان نفخة تطفئ النار ونفخة تشعلها هو ما ذكرنا وان كان بعيدا لان قوله تطفئ النار وقوله فينفخ اسرافيل نفخة واحدة فتمر عليها فتطفئها يشعر بفناء الارواح وليس كذلك وانما الاجساد والارواح باقية نعم هي متفككة الاعضاء والاجزاء بين النفختين مدة اربعمائة سنة وفيها تبطل حركتها وتركيبها فاذا نفخ الثانية تركبت وحييت

وقوله { والصور بسكون الواو وقرئ بفتحها ايضا جمع الصورة } فالمراد بالصور بسكون الواو قلب الانسان الكبير وهو المنفوخ به لان النفخة تقع اولا فيه ولذا قيل نفخ في الصور وتخرج منه على الارواح وبفتح الواو جمع الصورة وهو المنفوخ فيه او له ولما سئل النبي صلى الله عليه واله عن الصور ما هو فقال هو قرن من نور التقمه اسرافيل (ع) ولما قام الدليل كما مر عن الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا ه‍ وكذا عن ابائه عليهم السلام وثبت ان الصور بسكون الواو قلب الانسان الكبير دل على ان هيئته كهيئة قلب الانسان الصغير لانه في كل شيء مثله فيكون هيئة الصور كالجسم الصنوبري الذي في صدر الانسان هكذا قال فوصف بالسعة والضيق نعم كما مثلنا

وقوله { واختلف في ان اعلاه اوسع واسفله اضيق او بالعكس ولكل منهما وجه } واقول اما ذكر مجرد الاعلى والاسفل فله وجه بالاعتبار وبعد ارادة الاعلى مثلا بالمختوم كما ترى فهو اوسع باطنا واضيق ظاهرا لانه اخر القلب وخزانته واما الشعبتان فهما الاذنان اي اذنا القلب اليمنى الى جهة اهل السموات واهل الحجب واليسرى الى جهة اهل الارض ويبتدئ خروج الصوت في نفخة الجذب من الايسر الذي يلي الارض لانه في النفخة الاولى قبل الدنيا في نفخة البدء كان من العليا قبل السفلى لان نفخة الجذب في العود فتكون بعكس الترتيب في ذلك فافهم وكذلك في النفخة الثانية نفخة البعث الابتداء بالعليا قبل السفلي لانها وان كانت من العود الا انها بالنسبة الى نفخة الصعق كالبدء

وقوله { فاذا تهيأت الصور كانت فتيلة استعدادها كالفحم للاشتعال بالنار التي كمنت فيها } يريد به ان الصور التي هي المعادة مستعدة للحيوة كاستعداد السنبلة للحبة الكامنة فيها وكاستعداد الفحم للاشتعال بما كمن فيه من النار عند النفخ عليها فان النار المشتعلة في الفحم اذا مر بها النفخ طفأها واذا كان في الفحم نار غير مشتعلة فمر بها النفخ اشتعل ومن التمثيل يستفاد انه يرى ان الروح كامنة في الصورة ويدل عليه قوله والصور البرزخية مشتعلة بالارواح التي فيها فيلزمه ان جعل الصورة في قبره ان تكون اما انها قائمة بمادة او لا فان كانت قائمة بمادة فاما ان تكون هي مادتها في الدنيا كما نقوله ويلزمه خلاف قوله او غيرها ويلزمه خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة وان كانت قائمة بغير مادة خلاف المعقول لان الصورة عرض لا يقوم بدون معروض وان كانت ليست في قبره فاما ان تكون قائمة بروحها كما هو ظاهر قوله التي كمنت فيها وقوله والصور البرزخية مشتعلة بالارواح التي فيها ويلزمه خلو الارض منهم اصلا وهو خلاف الكتاب والسنة او بغير روحها وهو خلاف المعقول فلا يصح شيء من قوله اذ لا يخرج عن هذه الاحتمالات فان قلت فاذا ابطلت جميع الشقوق فما قولك الذي تصححه في كيفية الاحياء قلت ما رواه علي بن ابرهيم في تفسيره عن علي بن الحسين عليهما السلام قال سئل سائل عن النفختين كم بينهما قال ما شاء الله فقيل له فاخبرني يا ابن رسول الله (ص) كيف ينفخ فيه فقال اما النفخة الاولى فان الله يأمر اسرافيل فيهبط الى الارض ومعه الصور وللصور رأس واحد وطرفان بين طرف كل رأس منهما ما بين السماء والارض قال فاذا رأت الملائكة اسرافيل وقد هبط الى الارض ومعه الصور قالوا قد اذن الله في موت اهل الارض وفي موت اهل السماء قال فيهبط اسرافيل بحظيرة بيت‌المقدس وهو مستقبل الكعبة فاذا رأوه اهل الارض قالوا قد اذن الله في موت اهل الارض قال فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الارض فلا يبقى في الارض ذو روح الا صعق ومات ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء فلا يبقى ذو روح في السموات الا صعق ومات الا اسرافيل فيمكث في ذلك ما شاء الله قال فيقول الله لاسرافيل يا اسرافيل مت فيموت اسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء الله ثم يأمر السموات فتمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يعني تبسط وتبدل الارض غير الارض يعني بارض لم‌ تكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها اول مرة ويعيد عرشه على الماء كما كان اول مرة مستقلا بعظمته وقدرته قال فعند ذلك ينادي الجبار بصوت من قبله جهوري يسمع اقطار السموات والارضين لمن الملك اليوم فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يقول الجبار عز وجل مجيبا لنفسه لله الواحد القهار وانا قهرت الخلائق كلهم وامتهم اني انا الله لا اله الا انا وحدي لا شريك لي ولا وزير وانا خلقت الخلق بيدي وانا امتهم بمشيتي وانا احييهم بقدرتي قال فينفخ الجبار نفخة اخرى في الصور فيخرج الصوت من احد الطرفين الذي يلي السموات فلا يبقى في السموات احد الا حيي وقام كما كان وتعود حملة العرش ويحضر الجنة والنار ويحشر الخلائق للحساب قال الراوي فرأيت علي بن الحسين عليهما السلام يبكي عند ذلك بكاء شديدا وعن الصادق عليه السلام اذا اراد الله ان يبعث الخلق امطر السماء على الارض اربعين صباحا فاجتمعت الاوصال ونبتت اللحوم وقال (ع) اتى جبرئل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه واله فاخذ بيده فاخرجه الى البقيع فانتهى به الى قبر فصوت بصاحبه فقال قم باذن الله فخرج منه رجل ابيض الرأس واللحية يمسح التراب عن رأسه وهو يقول الحمد لله والله اكبر فقال جبرئل عد باذن الله ثم انتهى به الى قبر آخر فقال قم باذن الله فخرج منه رجل مسود الوجه وهو يقول يا حسرتاه يا ثبوراه ثم قال له جبرءيل عد الى ما كنت فيه باذن الله عز وجل فقال يا محمد هكذا يحشرون يوم القيمة فالمؤمنون يقولون هذا القول وهؤلاء يقولون ما ترى ه‍ اقول هكذا كيفية الاحياء وكيفية الاماتة قبل ذلك وبيان ما اقول انه اذا اراد الله اماتة الخلق امر اسرافيل فنفخ في الصور نفخة الصعق نفخة جذب وانما قال علي بن الحسين عليهما السلام فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الارض لان النفس المجذوب لا يحس بصوته الا ما كان خارج القرن فيموت اهل الارض اولا لانهم اخر من احيي في البدء وذلك في مدة مثل ما احيوا ومثله باعتبار حياتهم في الدنيا والبرزخ ثم يخرج الصوت بالنفخ كالاول من الشعبة اليمنى فيموت اهل السماء الدنيا في مثل ما مضى وضعفه وهكذا جميع اهل السموات على الترتيب ثم ملائكة الحجب وبتلك النفخة نفخة الجذب يرجع كل شيء الى اصله فتبطل المركبات فتمور السماء مورا اي تضطرب يعني يذهب منها ما اخذ لها من غيرها من اعراض الدنيا والبرزخ ويرجع اليها ما اخذ منها لسائر الحيوانات من النفوس والاجزاء فحينئذ تشتد بساطتها فتكون وردة كالدهان وتسير الجبال سيرا وتبسط الارض وتبدل الارض غير الارض كما قلنا في قوله تعالى بدلناهم جلودا غيرها وذلك لان الارض خلقت صافية شفافة فتكثفت بذنوب بني آدم فاذا صفيت ولحقت الذنوب واعراضها باهلها عادت على صفائها كما خلقت اول مرة وليس كما توهمه المصنف ان الارض المعادة غير هذه الارض وانما تعاد صورتها وهو غلط وخطأ ولهذا قال علي بن الحسين عليهما السلام يعني بارض لم ‌يكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها اول مرة فان قوله عليه السلام كما دحاها اول مرة صريح في ان المعاد هو هذه الارض لانها هي المدحوة اول مرة واما قوله عليه السلام لم يكتسب عليها الذنوب فيريد بها هذه الكثافة كما قلنا في بدلناهم جلودا غيرها وقوله عليه السلام ويعيد عرشه على الماء كما كان اول مرة يريد انه تعالى اذا ابطل الاشياء وفككها لم يبطل دينه وذكره ويكون القائم به حينئذ الماء الذي جعل منه كل شيء حي اعني وجهه الذي لا يفنى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وهو محمد واهل بيته الطاهرون صلى الله عليه واله فانهم هم الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون هكذا قال جعفر بن محمد عليهما السلام وروي عنهم عليهم السلام انهم هم القائلون بامر الله لمن الملك اليوم وانهم هم المجيبون بقوله لله الواحد القهار واعلم انه اذا نفخ في الصور نفخة الصعق انجذبت كل روح الى ثقبتها كما اشرنا اليه وفي الثقبة ست مخازن ومنها اخذت اركان الروح فاول مخزن تلقي فيه صورتها المثالية وشبحها وفي الثاني حصتها الهبائية وهي كالحصة المأخوذة من الخشب لعمل السرير قبل تقديره وفي الثالث طبيعتها وفي الرابع صورتها الجوهرية وفي الخامس رقيقتها الروحية وفي السادس معناها العقلي فاذا نفخ نفخة الاحياء والنشور تركبت كما تفككت فاذا اراد الله سبحانه النشور امطر ماء من صاد وهو بحر من ماء تحت العرش رائحته كرائحة المني وهو ابرد من الثلج واحلي من الشهد وهو الذي توضأ منه رسول الله صلى الله عليه واله ليلة المعراج فقال له جبرئل ادن من صاد فتوضأ للصلوة امطر على الارض اربعين صباحا فيكون وجه الارض بحرا واحدا فتضربه الريح فيتموج فتجتمع اجزاء كل شخص في قبره على هيئة صورته التي يحشر عليها فتنبت اللحوم كل في قبره كما تنبت الكماة في الارض فاذا نفخ اسرافيل بامر الله نفخة الاحياء تطايرت الارواح وقصدت كل روح جسدها في قبره فتدخل في الجسد الذي تألف بعد تصفيته من الاعراض الغريبة فتتحد به اتحاد اشتياق ووفاق فلا تنفك عنه ابدا للاتحاد المذكور بعد ازالة الموانع الغريبة وبرهانه مذكور في العلم الطبيعي المكتوم وقوله { فتقوم تلك الصور } مبني على مذهبه من ان المعاد انما هو الصور واما المواد فانها تفنى ونحن نقول فتقوم تلك الاجساد التي كانت في الدنيا لابسة صور اعمالها احياء لعود ارواحها اليها التي خرجت منها في دار الدنيا لان هذه الاجساد عاملة مع ارواحها فهي المعادة للثواب والعقاب

قال : قاعدة في القيامتين الصغرى والكبرى اما الاولى فمعلومة لقوله صلى الله عليه واله من مات فقد قامت قيامته واما الكبرى فلها ميعاد عند الله لا يطلع عليها الا هو والراسخون في العلم وكل ما في القيمة الكبرى له نظير في السفلى ومفتاح العلم بيوم القيمة ومعاد الخلائق هو معرفة النفس وقواها ومنازلها ومعارجها والموت كالولادة والقيامتان الصغرى والكبرى كالولادتين الصغرى وهي الخروج من بطن الام ومضيق الرحم الى فضاء الدنيا والكبرى هي الخروج من بطن الدنيا ومضيق البدن الى فضاء الاخرة ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة
اقول القيامة قيامتان صغرى وكبرى اما الكبرى فهي المعلومة التي تعاد فيها الاشياء الموجودة في الدنيا بعد تفرق اجزائها واما الصغرى فالمسماة بالقيمة باعتبار التأويل او المجاز من امات نفسه كما امره الله فقد قامت قيامته ومارت سماوات حواسه الباطنة وسيرت جبال انياته وشهواته وقام قائم عقله حتى ملأ ارض جسده قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ومن مات في هذه الدنيا وخرجت روحه من جسده فقد قامت قيامته كما قال صلى الله عليه واله وعرف ما هو عليه من خير او شر وهو قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق اي بما ختم له به من اعماله وهذا المعنى يتجه حمله في طائفتين من الناس الاولى من محض الايمان محضا فان ملك الموت يقول له اما ما كنت تحذره فقد آمنك الله منه واما ما كنت ترجوه فقد ادركته ابشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم والثانية من محض الكفر والنفاق محضا فيقول له ملك الموت يا عبد الله اخذت فكاك رهانك اخذت امان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحيوة الدنيا فيقول لا فيقول ابشر يا عدو الله بسخط الله تعالى وعذابه والنار اما ما كنت تحذر فقد نزل بك واما الطائفة الثالثة فهم الذين لم‌ يمحضوا الايمان من المؤمنين ولا الكفر والنفاق من الكافرين والمنافقين وهؤلاء لم ‌يأتهم الموت بما هم عليه لانهم لم ‌يتبين الهدى من الضلالة فهؤلاء يلهي عنهم فهم موقوفون لامر الله فيكون قوله صلى الله عليه واله محمولا على اهل البرزخ وهم الطائفتان الاوليان وللقيمة الصغرى اطلاق من حيث المعنى ويراد بها قيام القائم (ع) من ال ‌محمد صلى الله عليه واله او رجعتهم عليهم السلام التي اولها خروج الحسين عليه السلام او مطلق ظهور دولتهم التي اولها ظهور قائمهم عليه وعليهم السلام وآخرها خروج رسول الله صلى الله عليه واله ومما يدل على ذلك حشر كثير من الاموات ومن الايات كثير مثل قوله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اليم انه عند قيام القائم عليه السلام عجل الله فرجه وسهل مخرجه واية القيمة الكبرى بعد هذه الايات قوله يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون والقرءان فيه كثير ومما يدل ما روي عن الصادق عليه السلام قال ما معناه ان الذي يحاسب الناس في الرجعة هو الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له ويوم القيمة قال انما في يوم القيمة بعث الى الجنة وبعث الى النار والحاصل ان اطلاق القيمة على الرجعة هو المعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلام وهو اولى من اطلاقها على من امات نفسه او مات بخروج روحه من جسده

وقوله { واما القيمة الكبرى فلها ميعاد عند الله لا يطلع عليها الا هو والراسخون في العلم } فاما انه تعالى مطلع على وقت قيامها فمما لا شك فيه واما الراسخون في العلم فالامور المحتومة يعلمونها والتوقيت بالتعيين لتلك المعلومة المحتومة موقوف على التعيين وتعيين القيامة الكبرى فيها خلاف فقيل بعدمه لقوله تعالى وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا وقد نص كثير من المفسرين بان ما في القرءان من وما ادريك فقد اخبر به وما فيه وما يدريك فانه لم ‌يخبر به ولقوله تعالى يسئلونك عن الساعة ايان مرسيها فيم انت من ذكريها انما انت منذر من يخشيها وقوله تعالى قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم الا بغتة وامثال ذلك وقيل باطلاعهم عليهم السلام لعموم الاخبار الدالة على ان الله تعالى اعلمهم بما كان وما يكون والذي يترجح عندي الاول بمعنى ان الادلة على الاخبار بها ليست صريحة في التوقيت على جهة التعيين ولو وجد فيها ما يدل على ذلك لم ‌يكن على جهة الحتم وكون الاعلام بالتوقيت على جهة الحتم فيما لم ‌يقع بعيد نادر الوقوع بل كان حال المعلمين به يقتضي عدم الحتم فيما لم ‌يقع كما دلت عليه الاخبار مثل قول علي عليه السلام لميثم التمار لولا اية في كتاب الله وهو قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهو السر في اخبار العلماء الراسخين الذين اخبرهم سبحانه انهم ملاقوه غدا اخبر عنهم انهم يظنون انهم ملاقوا ربهم مع انهم يتيقنون ولكنهم تأدبوا لعلمهم بربهم انه تعالى لو شاء لحجبهم عنه فقال الذين يظنون فاتى بلفظ الظن جمعا بين صدق وعده ومقتضى تسلطه فانه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب

وقوله { وكل ما في الكبرى له نظير في السفلى ( الصغرى ن ) } ظاهر لان ما في الصغرى كالبذر لما في الكبرى اذ ليس في الصغرى الا ما نزل من الخزائن وكل شيء يعود الى اصله ومما يدل على ذلك قول الباقر عليه السلام لما سأله عالم النصارى فقال من اين ادعيتم ان اهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل قال جعفر عليه السلام فقال ابي عليه السلام دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن امه يطعم ولا يحدث ه‍ فقد اشار بكلامه الى ان ما هنالك فنظيره ومثاله ودليله هنا حتى انهم قالوا ان دليل ان نهر الخير في الجنة ينبت على حافتيه اشجار يحملن بنساء متعلقات بشعور رؤسهن ان نظير ذلك موجود في جزيرة الوقواق كما هو متحقق عند اهل التواريخ ومن شاهد ذلك من التجار وقال عليه السلام الدنيا مزرعة الاخرة وقول الرضا عليه السلام المتقدم

وقوله { ومفتاح العلم بيوم القيمة ومعاد الخلائق هو معرفة النفس وقواها ومنازلها } يريد به ان معرفة يوم القيمة وكيفية المعاد هو معرفة النفس الخ صحيح على غير مراده لان معرفة النفس لا تكون علما صحيحا الا اذا كانت مأخوذة عن الهادين عليهم السلام ولو كانت على نحو معرفته للنفس للزم منها انكار المعاد الجسماني كما هو المتيقن من كلامه لانه يقول بعدم اعادة مواد اجسام الخلائق وانما تعاد صورها ونفوسها وهذا عنده من معرفة النفس فاي دلالة تدل بها معرفة النفس على هذا وهو يشير الى ما قرر من الاصول السبعة والقواعد التي ذكرها وقد تقدم الكلام على بطلان كلها

وقوله { والموت كالولادة الخ } هذا من معرفة النفس عنده التي يستدل بها على معرفة يوم القيمة والمعاد واعلم ان الموت في الدنيا وان كان دليلا على نمط ما يستدل به الهداة عليهم السلام الا انه لا يهتدي اليه كل ناظر بعين غيرهم عليهم السلام لان الموت في الدنيا في قوس الصعود وهو قوس القيامة والمعاد والقاعدة عندهم ان يستدل بما في قوس النزول على مقابله مما في قوس الصعود نعم على نمط استدلال موالينا عليهم السلام الولادة ( كما روي عن امير المؤمنين عليه السلام ) ولادتان ولادة الجسمانية وولادة الدنيوية فالاولى تظهر فيها النفس الحيوانية من غيب النباتية والثانية تظهر فيها الناطقة من غيب الحيوانية فالولادة الاولى فيها تخرج النفس من الجسم وهي اية الموت من هذه الدنيا التي تخرج فيها النفس من الجسم والولادة الثانية فيها تخرج النفس الناطقة من النفس الحيوانية وهي اية خروج النفس الناطقة من النفس البرزخية وسكرة النفس الحيوانية حال الولادة الجسمانية كسكرة الموت حال خروج النفس من البدن بالموت في الدنيا وسكرة النفس الناطقة حال الولادة الدنيوية وخروجها من النفس الحيوانية كسكرة النفس الناطقة من النفس البرزخية بين النفختين وصحو النفس الحيوانية وانتباهتها بعد الولادة الجسمانية كصحو النفس الناطقة وانتباهتها بعد الموت في هذه الدنيا وخروجها من البدن ومن الدنيا وصحو النفس الناطقة وانتباهتها بعد الولادة الدنيوية كصحوها وانتباهتها بعد الخروج من البرزخية بعد النفختين فهنا ولادتان للدنيا وولادتان للاخرة فما في الدنيا مثال ما في الاخرة ودليله فالخروج من الولادة الجسمانية بتخلص النفس الحيوانية من مضيق الاجسام وممازجتها اية الخروج من الدنيا بتخلص النفس الناطقة من مضيق الدنيا وسجنها ومضيق الابدان الكثيفة وتعلقها والخروج من الولادة الدنيوية بتخلص الناطقة من مضيق الحيوانية وتعلقها بكثافات شهواتها ودواعيها آية الخروج من البرزخية بتخلصها من جميع الاعراض الغريبة

وقوله { ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة } يشير الى الاستدلال بالاية الشريفة على قاعدة مقررة لا يختلف فيها العارفون وهي ان الصانع عز وجل واحد والصنع واحد والمصنوع واحد بنمط واحد وانما تتعددت المصنوعات واختلفت وتعاقبت بحيث تقدم بعضها على بعض وتفاضلت باختلاف قوابلها ومتمماتها كالكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة وكالوضع والاذن والاجل والكتاب وكالنسب والتضايف وغير ذلك من اشتراط كل واحد منها بكل واحد منها وهذا ظاهر مشاهد عند اهل العلم ليس فيه بينهم اختلاف

قال : فمن اراد ان يعرف معنى القيمة الكبرى ورجوع الكل اليه تعالى وعروج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين‌الف سنة وظهور الحق بالوحدة التامة وفناء الجميع حتى الافلاك والاملاك كما قال فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله وهم الذين سبقت لهم القيمة الكبرى فليتأمل الاصول التي بسطناها في الكتب والرسائل سيما ما في رسالة الحدوث ومن امكن له ان يعرف كيفية حدوث العالم بجميع اجزائه بعد ما لم ‌يكن بعدية زمانية من غير ان ينقدح به شيء من الاصول العقلية ولا ان ينثلم به تنزيه الله وصفاته الحقيقية عن وصمة التغير والتكثر فقد امكن له ان يعرف خراب العالم وما فيه وزواله واضمحلاله بالكلية ورجوعها اليه من انكر هذا فلانه لم ‌يصل الى هذا المقام ولم يذق هذا المشرب بذوق العيان او بوسيلة البرهان او لانه مغرور بعقله الناقص او لضعف ايمانه بما جاء به الانبياء عليهم السلام
اقول يريد ان الله سبحانه كان وحده ثم انه افاض من ذاته الاشياء فيكون قبل القيمة وحده بمعنى انه قد تقرر ان كل شيء يرجع الى اصله وهو تعالى اصل الاشياء فترجع اليه فكما كانت وحدته في الازل قد طوت كل كثرة كذلك بعد نفخ الصور النفخة الاولى بل بعد الموت في كثير من الاشياء تفنى كثرتها في وحدته تعالى وذلك عند عروج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين‌ الف سنة ومراده ان الملائكة تعرج اليه والروح فتفنى تشخصاتها في وحدته وكأنه يريد بقوله في يوم كان مقداره خمسين‌الف سنة فلعله يعني بذلك بين النفختين وما قبلها لان ما بين النفختين عندهم اربعون سنة وعندنا اربعمائة سنة بقرينة قوله وظهور الحق بالوحدة التامة وفناء الخلق حتى الافلاك والاملاك ثم استشهد بالاية فقال { كما قال فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله } فذكر يوم الفناء والاتحاد برب العباد سبحانه بانه اليوم الذي كان مقداره خمسين‌الف سنة فخالف ظاهر القرءان وباطنه وتأويله لان الله سبحانه يخاطب الارض بعد فناء الخلق بما معناه يا ارض اين ساكنوك اين المتكبرون اين من اكل رزقي وعبد غيري لمن الملك اليوم فلا يجيبه احد فيرد على نفسه فيقول لله الواحد القهار فاين الوحدة التامة والسماء الذي يمور غير الجبال التي تسير وغير الارض التي خاطبها بعد فناء كل ذي روح اذ ليس المراد بالفناء والهلاك العدم الحقيقي او اتحاد المفعولات بفاعلها كما يريده المصنف من قوله { ورجوعها اليه } وانما المراد بالفناء والهلاك تفكك تراكيبها وبطلان افعالها وحركاتها والمراد برجوعها اليه رجوع احكامها وما يناط بها وتناط به الى حكم قدره وقضائه بامره

وقوله { وهم الذين سبقت لهم القيمة الكبرى } يعني به ان الذين استثناهم الله من الذين صعقوا ممن في الارض والارض الارواح القادسة وهو يريد بالغير الصاعق من كان متحدا بالحق تعالى فانه باق ببقاء الله لا بابقائه لانه تعالى ح لا يفيض شيئا ويلزمه ما ذكرناه مرارا مكررا من وجود شيء قائم بغير مدد من الله فهو غني عن مدده تعالى وانه تعالى مختلف الحالات لانه في هذه الحالة ما كان فياضا وقبلها كان فياضا ونريد نحن بالمستثنين ظاهرا جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل فانهم لا يصعقون بالنفخة وانما يأمر الله عزرائيل فيقبض روح ميكائيل واسرافيل وفي جبرءيل روايتان احديهما ان عزرائيل يقبض روحه وثانيتهما ان الله تعالى يقبض روحه ويقول تعالى لعزرائيل مت فيموت فكان استثناؤهم انما هو في الظاهر واما المستثنون الذين لم ‌يصعقوا ابدا وانما نفخة الصعق في الحقيقة من آياتهم وهم محمد واله الطيبون صلى الله عليه واله الطيبين لانهم وجه الله الباقي فعن السجاد عليه السلام في قوله كل من عليها فان ويبقى وجه ربك نحن وجه الله الذي يؤتي وفي المناقب عن الصادق عليه السلام ويبقى وجه ربك قال نحن وجه الله وقد ذكرنا في شرح الزيارة الجامع ما يدل على انهم وجه الله الذي لا يفنى ومنه قول علي عليه السلام ان ميتنا اذا مات لم‌ يمت وان مقتولنا اذا قتل لم ‌يقتل ه‍ واضرب لك مثلا تعرف منه دليلا قطعيا وهو اني اقول لك نفخة الصور حادثة مخلوقة لله بل الصور والنافخ فيه كذلك فايما اقرب الى الله تعالى واقوى واشد تحققا ووجودا محمد واله صلى الله عليه واله او نفخة الصور فان عرفت هذا ظهر لك على جهة القطع ان النفخة لا تجري على ذواتهم لانهم عليهم السلام اشد واقوى وجودا من النفخة ومن النافخ ومن كل شيء لانهم الوسائط بين الله تعالى وبين سائر خلقه الذي من جملته النفخة والنافخ والموت وملك الموت واسمع الى قول علي عليه السلام في خطبته في يوم اتفق فيه الجمعة والغدير على ما رواه الشيخ في مصباح المتهجد في خطبة يوم الغدير الى ان قال علي عليه السلام واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الامم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتجبه امرا وناهيا عنه اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته بما لم يلحقه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يخالل من يلحقه التظنين وامر بالصلوة عليه مزيدا في تكرمته وتطريقا ( وطريقا خ‌ل ) للداعي الى اجابته فصلى الله عليه وكرم وشرف وعظم مزيدا لا يلحقه التنفيد ولا ينقطع على التأبيد وان الله تعالى اختص لنفسه من بعد نبيه صلى الله عليه واله من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته وجعلهم الدعاء بالحق اليه والادلاء بالارشاد عليه لقرن قرن وزمن زمن انشأهم في القدم قبل كل شيء مذروء ومبروء انوارا انطقها بتحميده والهمها شكره وتمجيده وجعلها الحجج على كل معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية واستنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعا له بانه فاطر الارضين والسموات واشهدهم خلق خلقه وولاهم ما شاء من امره وجعلهم تراجمة مشيته والسن ارادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون الخطبة والمراد بالقدم في حقه وفي حق آله صلى الله عليه واله القدم الراجح الامكاني اي القدم الفعلي السرمدي لا القدم الواجب الحق عز وجل فتدبر هذه الخطبة الشريفة وتفهم كلامه عليه السلام ليظهر لك انه واله صلى الله عليه واله لا يدركهم ما انحط عن مقامهم كالموت والقتل والصعق وان جرت على ظواهرهم التي بها ظهروا في الخلق فافهم ما لوحت لك وصرحت

وقوله { فليتأمل الاصول التي بسطناها في الكتب والرسائل } يعني بها مثل ما قدم من الاصول السبعة وغيرها وقد سمعت ما يرد عليها وما لم تسمع وانما ايات ذلك ما ضربه الله من الامثال في الافاق وفي الانفس وذلك مثل قوله تعالى وانزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج وقوله تعالى فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور ومعلوم ان الذي ينبت بالمطر انما هو بذر النبات الذي كان في العام الماضي بعد ان يبس وقع بذره في التراب فلما وقع عليه المطر خرج ذلك النبات من ذلك البذر الذي هو المادة والصورة ذهبت وصوره القادر تعالى على تلك الصورة وليس المعاد هو الصورة بل المعاد هو وقد صرح تعالى بذلك حيث قال منكروا البعث ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد يعنون ان الارض قد اكلت جميع لحومنا وعظامنا فكيف نرجع فبين عز وجل ان ما اكلت الارض محفوظ عندنا فقال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وهو صريح في ان المعاد هو المادة والقرءان مشحون من ذلك افلا يتدبرون القرءان ام على قلوب اقفالها الم يعلموا ان منكر وقوع الاعادة للمادة الموجودة في الدنيا منكر للبعث تارك لنص المعيد سبحانه واخباره في كتابه ولسنة نبيه صلى الله عليه واله وتابع لاصحاب الاراء السخيفة التجاء الى انها قد فنيت وكانت ترابا وحجة الله جعفر بن محمد عليهما السلام قد نص على ان طينته تبقى في قبره مستديرة حتى يعاد منها كما بدأه وانها كبرادة الذهب في التراب اذا غسلت وصفيت عاد الذهب الاول بعينه والله عز وجل يقول في كتابه المهجور وان الله يبعث من في القبور فليت شعري هل يريدون بمن في القبور الصور واي صورة بقيت في القبور ولكنهم بنوا علومهم واعتقاداتهم على عدم الالتفات الى الكتاب والسنة وانما علومهم مبنية على ما قال امير المؤمنين عليه السلام فيهم وفي امثالهم ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض ه‍ والله سبحانه ما ترك شيئا الا دل عليه في كتابه وكيفية حدوث العالم هي بعينها كيفية حدوث الناس

اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

وهو تعالى قال يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم وقال تعالى كما بدأكم تعودون وذلك لان الطينة الاصلية التي هي المادة كانت ترابا فامتزجت بالماء النازل من بحر صاد كما ذكرنا وان رائحته رائحة المني فتتكون منهما النطفة ثم العلقة الى اخر اطواره حتى تضع الارض حملها مما فيها من الاموات ولهذا فسر كثير من المفسرين ان قوله تعالى وتضع كل ذات حمل حملها يراد من ذات حمل الارض او بقاع الارض فان الارض عند النفخة تلقى ما فيها من الاموات المقبورة فيها وهو قوله تعالى واذا الارض مدت والقت ما فيها وتخلت

وقوله { بعد ما لم يكن بعدية زمانية } وهذا غير صحيح لان اجزاء العالم لم تكن كلها زمانية اذ العقول والنفوس ليست زمانية لانها لو كانت زمانية لما استحضرت ما مضي من الزمان كما ان الاجسام لا تستحضر شيئا من الزمان الماضي والمصنف صرح في الكتاب الكبير ان الزمان ماسبقه الا الله تعالى وصرح في المشاعر وغيره ان روح القدس لم تدخل تحت كن لانها هي كن فنقول له اذا لم تدخل تحت كن فهي قديمة ومع هذا لا ينكر ان اول ما خلق الله العقل والعقل ان اراد به روح القدس فهو مخلوق وان اراد به الروح الكلية فهي مخلوقة هذا وقد ذكر في شرح اصول الكافي ان العقل بل سائر المجردات خلقها من نور ذاته بغير توسط شيء بل يفهم من كلامه ايضا بغير اختيار لانه قال ولكن ايجاده تعالى للثابتات بنفس ذاته بلا وسط وللمتغيرات بواسطة العرش الذي هو واسطة فيض الرحمن والبرزخ بين عالمي الامر والخلق

ثم قال بعد كلام طويل فنقول : جميع ما يصدر منه في الاشياء الخارجة لا بد ان يكون منشأها ومبدؤها حاصلا اولا في العرش قبل صدورها ووجودها لان الله تعالى فاعل لها بالارادة والاختيار وكل فاعل لشيء بالاختيار لا بد وان يتصوره اولا ولاجل تصوره اياه يشاؤه ويريده انتهى وهو طويل هذا بعضه ففهم من قوله في الاشياء الخارجة التي احدثها بواسطة انه تعالى فاعل لها بالارادة والاختيار ان الاشياء الغير الخارجة التي احدثها بذاته من غير توسط شيء انه فاعل لها بغير ارادة ولا اختيار لانها مخلوقة من نور ذاته قال في الشرح المذكور بعد ما ذكرنا عنه من نوره اي خلق العقل خلقا من نور ذاته الذي هو عين ذاته الى ان قال فان الروحانيين كلهم مخلوقة من نور ذاته

وقال في المشاعر : ان الارواح القادسة ليست من العالم ولا مما سوى الله تعالى وهذا كله يدل على ان المجردات عنده كلها ليست من العالم ولا مما سوى الله تعالى فاذا قال ان العالم كله في الزمان وان الزمان لم يسبقه شيء الا الله تعالى لم يضره كون هذه الاشياء خارجة عن الزمان لانها ليست غير الله عنده تعالى الله عن قوله علوا كبيرا فيكون اعتراضنا على كلامه ليس عنده في محله لانها ليست من العالم

وقوله { من غير ان ينقدح به شيء من الاصول العقلية } يعني بها ما تقدم ونحن قد بينا بطلانها كلها واثبتنا القدح فيها لكنه عنده لا يقدح فيها قدحنا عيبا لبناء مذهبه على وحدة الوجود وعلى ان الجوهر يترقى بنفسه وعلى ان الكثرة نقوش والذات واحدة وامثال ذلك من قواعده فاذا قلت هو تعالى كل الاشياء في وحدته لا ينثلم به تنزيه الله وتوحيده لانك لو لم ‌تقل في وحدته منع المصنف منه ولكن اذا قلت في وحدته لم ‌ينثلم تنزيه الله وتنزيه صفاته وان كانت مغايرة له ولبعضها بعضا في المفهوم عن وصمة التغير والتكثر لانك اذا عرفت ان الله تعالى مبدأ الاشياء منه ظهرت فاذا افناها عاد كل شيء الى اصله فتعود اليه تعالى اذا افنى العالم فتنطوي كثرتها في وحدته فيظهر الحق بالوحدة التامة يقول المصنف اذا عرف العالم بهذا في البدء في القوس النزولي امكن له ان يعرف خراب العالم بعكس نظامه وعوده بعكس بدئه وعرف زوال العالم في العود واضمحلاله بالكلية ورجوع الاشياء كلها اليه تعالى لانها قبل بروزها كانت كامنة في ذاته كما قال الملا محسن في الكلمات المكنونة : بان العالم كان كامنا فيه لكنه مستعد لقبول الكون اذا ورد عليه الامر بكن قال ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل انتهى هذا في البدء فاذا افني العالم في العود رجع الى ما منه تولد ولذا قال المصنف ورجوعها اليه لا حول ولا قوة الا بالله

وقوله { ومن انكر هذا فلانه لم يصل الى هذا المقام } يعني به مقام اتحاد الاشياء به اذا افناها { ولم يذق هذا المشرب } يعني به مشرب الصوفية { بذوق العيان } يعني انه تولد من نور الحق تعالى الذي هو ذاته لانه يقول ان حقيقة زيد المحسوس صورة علمية عقلية متحدة بذات عاقلها تعالى وزيد المحسوس شبح لتلك الصورة المتحدة بالعاقل عز وجل ربي لان الانسان عند المصنف مخلوق على مثال الخالق اخذ هذا الكلام من الحديث المحرف وهو ان الله خلق ادم على صورته واصل الحديث ان النبي صلى الله عليه واله سمع رجلا يقول لاخر قبحك الله وقبح من يشبه صورتك فقال صلى الله عليه واله لا تقل هكذا فان الله خلق ادم على صورته فحذف المجسمون اول الحديث ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله والمصنف حكم بانه تعالى خلق الانسان على صورته تعالى

قال في شرح الكافي في شرح حديث العقل : والانسان لكونه مخلوقا على مثال الله تعالى ذاتا وصفة وفعلا فروحه الذي هو من امر ربه مثال ذاته ودماغه الذي هو معدن ادراكاته وهو ملكوته الاعلى الذي فوق قلبه هو مثال الروحانيات التي عن ( على خ‌ل ) يمين العرش وقلبه الذي هو مستقر نفسه مثال عرش الرحمن وصدره مثال الكرسي الخ انتهى فتدبر هذا التشبيه الذي هو بيان التوحيد عنده ولا ينافي التنزيه ان نسبة دماغ زيد الى روح زيد كنسبة الروحانيين الى ذات الحق تعالى فشبه ذات الله تعالى بروح زيد والعقول والارواح المجردة من ذات الله تعالى بمنزلة الدماغ من زيد وهذا عنده لا ينافي الاصول التي قررها وهو كذلك وعنده ان هذا لا ينافي تنزيه الله وصفاته الذاتية عن وصمة التغير والتكثر ولا ينثلم به التوحيد وان ذلك ثبت عنده بذوق العيان اي شاهدها متحققة في الكون وان من انكر ذلك فلانه اما لعدم ذوقه لتلك المشاهدة او لم يثبت له ذلك بالمقدمات القطعية او انه قد اغتر بما فهم بعقله الناقص الذي لم يتكمل بحكمة ابن‌سيناء والفارابي ولا بعلم مميت‌الدين والبسطامي وعبدالكريم الجيلاني وابن‌عطا العازمي ولا برابعة العدوية وامثالهم او انه شاك فيما جاءت به الانبياء عليهم السلام لانه انما اعتمد على ما اتى به محمد بن عبد الله واهل بيته صلى الله عليه واله فانه مخالف لعلم اولئك وحكمتهم فاعتبروا يا اولي الابصار

قال : ومن تنور بيت قلبه بنور اليقين شاهد تبدل اجزاء العالم واعيانها وطبايعها وصورها ونفوسها في كل حين الى ان تزول تعيناتها وتضمحل تشخصاتها ومن شاهد حشر جميع القوى الانسانية مع تباينها في الوجود واختلاف مواضعها في البدن الى ذات واحدة بسيطة روحانية حتى تزول وتضمحل بالكلية وتفنى فيها راجعة اليها ثم تنبعث من تلك الذات تارة اخرى في القيمة بصور تحتمل الدوام والبقاء هان عليه التصديق برجوع الكل الى الواحد القهار ثم صدورها وانشاؤها منه تارة اخرى من النشأة الباقية واعلم ان النفخة وان كانت واحدة ضربا من الوحدة من جانب الحق لاحاطته بجميع ما سواه لكنها بالاضافة الى الخلائق متكثرة حسب كثرتها العددية والنوعية وغيرهما كما ان الازمنة والاوقات بالقياس اليه ساعة واحدة ضربا آخر من الوحدة والساعة ايضا مأخوذة من السعي لان جميع الاشياء الكونية الطبيعية ساعية اليها من جهة نحوها من باب الحيوانية ثم الانسانية وتحقيق هذا المرام يطلب من اهل هذا الكشف بكثرة المراجعة اليهم وطول الصحبة معهم
اقول يريد ان من تنور بيت قلبه بنور اليقين المستفاد من طريقة من اشرنا اليهم بذكر بعضهم وهم الصوفية لانه عينهم بقوله { وتحقيق هذا المرام يطلب من اهل هذا الكشف بكثرة المراجعة اليهم وطول الصحبة معهم } ونحن نعتقد ان من كثر المراجعة اليهم وطول الصحبة معهم مائلا اليهم انه يشرب من زقومهم وغسلينهم واما من تنور بيت قلبه بنور اليقين المستفاد من طريقة اهل الحق صلى الله عليهم فانه يشاهد تبدل اجزاء العالم واعيانها وطبايعها وصورها ونفوسها في كل حين الى ان تزول تعيناتها الوضعية وتلبس اوضاعا غيرها ان تغيرت في الاعمال والا فتدور على اوضاعها الاولى حتى تستقر على فطرتها الاولى التي خلقه الله عليها وهي كناية عن اجابته داعى الله في قوله بلى بقلبه ولسانه واركانه ومن شاهد حشر جميع القوى الانسانية مع تباينها في الوجود يعني مع تقدم بعضها على بعض منها ملكوتية ومنها طبيعية ومنها عنصرية واختلاف مواضعها التي تتعلق بها كالحواس الباطنة الخمس فانها تتعلق بالدماغ في بطونه الثلاثة كما تقدم وكالحواس الظاهرة الخمس اعني حاسة اللمس والذوق والشم والسمع والبصر كما ذكرناه سابقا من قوله وقولنا لانه يريد انها كلها برزت من النفس وانبعثت عنها كما تقدم فاذا رجعت اليها اضمحلت كليتها وانمحت صورتها وعادت النفس على حال بساطتها ووحدتها فاذا نفخ في الصور نفخة الفزع انبعثت من النفس تارة اخرى كما انبعثت منها اول مرة بصور محكمة كاملة لرجوعها الى النفس الكاملة فشابهتها في البقاء يقول المصنف من شاهد تلك القوى النفسانية في رجوعها الى النفس واتحادها بها هان عليه التصديق بما قلنا من ان المراد بفناء الاشياء رجوعها الى الخالق المشيء واتحادها به كما كانت قبل النشأة الاولى ثم يحشرها يوم القيمة للجزاء فتخرج بصور كاملة محكمة تقتضي من ذاتها البقاء لرجوعها الى الباقي تعالى واتحادها به لان مسئلة النفس وقواها دليل على هذا المدعي ونحن قد بينا فيما سبق بطلان هذه الدعاوي في النفس وقواها وفي الخالق تعالى وخلقه بان هذا انما يصح في المقامين اذا كانت الاشياء المنبعثة عن الشيء اجزاء مقتطعة من ذات كالقطرات المأخوذة من النهر الماء فاذا عادت الى الماء اضمحل تركيبها وصورها واتحدت بالماء حتى لا تبقى لها انية اصلا فاذا اخذت منه مرة ثانية كان حكمها حكمه والقول بهذا كفر وجحود واما اذا لم يقل بانها اجزاء من الشيء من ذاته فلا بد بان يقال انها احدثت بفعله لا من شيء فهي انما هي آثار فعله واثار الفعل لا تكون من الفعل ولا تعود اليه ولا تتحد به وانما تجاور الفعل بمعنى انها تقوم به قيام صدور او يقال انها اشراق منه والاشراق ليس من ذات المشرق ولا يعود اليه بل يعود الى رتبته التي ابتدأه المشرق منها او فيها فان نور الشمس وان كان يصير حيث صارت الا انه اذا غربت لا يتحد بها وانما هو في رتبته ومقامه وما منا الا له مقام معلوم لا يتجاوز موضعه الذي وضعته فيه واقامته فيه واحدثته فيه وهذه ايات الله نتلوها عليك بالحق واما مثل قوله والى الله المصير والى الله ترجع الامور واليه يرجع الامر كله ونظائرها فالمراد منها ان كل شيء راجع الى حكمه وقدره وقضائه وتدبيره لا يخالف شيء منها محبته وهي الان في الدنيا كذلك بلا فرق باعتبار الحقيقة كما قال سيد الساجدين عليه السلام في دعاء الصباح من الصحيفة اصبحنا واصبحت الاشياء كلها بجملتها لك سماؤها وارضها وما بثثت في كل واحد منهما ساكنه ومتحركه ومقيمه وشاخصه وما علا في الهواء وما كن تحت الثرى اصبحنا في قبضتك يحوينا ملكك وسلطانك وتضمنا مشيتك ونتصرف عن امرك ونتقلب في تدبيرك ليس لنا من الامر الا ما قضيت ولا من الخير الا ما اعطيت الدعاء فتدبر كلماته عليه السلام وفيها بيان تلك الايات وما شابهها على اكمل بيان ولكن المصنف لما كان يعتقد ان الاشياء المجردة احدثها بذاته من نور ذاته الذي هو ذاته بغير واسطة وثبت ان كل شيء يرجع الى اصله قال ما سمعت ولو كان يعتقد ان الاشياء احدثها لا من شيء وانما هي اثر فعله وان فعله ليس له اولية حادثة فاذا رجع كل شيء الى اصله رجعت الاشياء الى فعله وامره ولكنها لا تصل الى فعله وامره ابدا فلا تفنى فيه لانها لم ‌تبرز من ذاته لتعود الى ذاته وانما برزت من رتبتها منه اي من رتب اثره فيعود كل واحد منها الى رتبة كونه ولكنه لما كان في بقائه محتاجا الى المدد ولا يمد بما وصل اليه مما هو مدد له بل ان كان مما تحلل منه فانه اذا جدد للامداد جدد من فوق رتبته الاولى فاذا اتصل بالممدود كسر الممدود وصيغ من رتبة المجدد فانها اعلى من رتبته الاولى وان كان من مدد جديد بمعنى انه وان كان مما للممدود لكنه لم يصل اليه لان رتبته اعلى من مبدء الممدود لانه حين البدء لم ‌يصل الى رتبة هذا المدد فاذا اتصل به المدد الجديد كسر وصيغ من رتبة هذا المدد الجديد وبمثل هذا وذاك يترقي الممدود في مراتب البدء السابق الى ما لا يتناهى من الدرجات فلا ينقطع عن سيره في رتب البدء ولا في ما تقتضيه من رتب العود هذا باعتبار عدم النهاية في الاولية والاخرية واما باعتبار ما بينهما فلان الانسان من طور النطفة هو يترقى قاصدا الى جهة مبدئه الذي لو اتصل به فني فيه او اتحد به فكان علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسى لحما ثم انشئ خلقا اخر فكان في الدنيا يسير سيرا حثيثا الى جهة مبدئه لكنه لا يصل ثم مات في ترقيه ليخلص من الاعراض المانعة له من السير فاذا تخلص منه صيغ صيغة محكمة لا تقبل الفناء باذن الله تعالى وحشر يوم القيمة للجزاء وليوفي ما كسب ويدخل الجنة او النار وهو سائر الى جهة مبدئه فاين الفناء او الاتحاد المدعي وانما كسر في قبره وتفرقت اجزاؤه لاجل التصفية لا ان قبره مبدؤه لينتهي اليه ولا ان الدنيا اصله ليفنى فيها وانما اتى من مكان عال وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فقوله في انها تفنى في مبدئها برجوعها الى الواحد القهار جهل بما كانت الاشياء عليه في الدنيا فان تنظيره يدل على انها بعد الموت في هذه الدنيا ترجع الى خالقها وتتحد به ثم يبدؤها يوم القيمة منه ويحشرها فيصير محصل كلامه انه بدأها منه واظهرها في الدنيا ثم يعيدها الى نفسه او تعود بطبايعها اليه وتتحد به ثم يبدؤها منه مرة ثانية ثم يحشرها وينبغي على كلامه انها تعود اليه بعد الحشر فتتحد به لانها عنده تكون جميع الاشياء صورا نورانية والصور النورانية الغير المادية تتحد عنده بعاقلها فترجع الاشياء كما هي قبل الخلق الاول ونحن لا نقول بانه تعالى فقد الاشياء من اماكنها بحال من الاحوال بل هي حاضرة عنده تعالى كل شيء في مكانه ووقته قبل ان يكون شيء منها عند نفسه وعند جميع الخلائق وبعد ذلك فيكون قول المصنف عندنا قولا بفناء الجنة والنار وما فيهما وانقطاعهما من غير شك وان لم يرد ذلك ولكنه لازم عللا كلامه

وقوله { واعلم ان النفخة وان كانت واحدة ضربا من الوحدة الخ } صحيح على ظاهره وانما قلنا على ظاهره لانه ربما اراد انها من جهته متحدة به ومن جهة الخلائق غير متحدة به وهذا باطل بل التصحيح لظاهره انا نريد انه عز وجل بسط النفخة كما بسط فعله فقبلت منه الاشياء بحسب قوابلها فتقدم بعض وبعض تأخر فكذا الصيحة والنفخة وكما ان عنده وحدتها بالنسبة الى فعله من حيث ذات الفعل فهي عنده بكثرتها من حيث تعلقها بالمفعولات كما قلنا في فعله لان وحدة النفخة وكثرتها كليهما في ملكه وخلقه وكذا الازمان والاوقات في حالتيهما عنده في ملكه وخلقه

وقوله { والساعة ايضا مأخوذة من السعي لان جميع الاشياء الكونية الطبيعية ساعية اليها من جهة نحوها من باب الحيوانية ثم الانسانية } فيه ان قوله الكونية الطبيعية يريد به اخراج المجردات من هذا السعي وليس كذلك بل النفوس والعقول والارواح كلها ساعية اليها قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون وقال تعالى واذا النفوس زوجت اي حشرت مع من شاكلها في اعمالها تسير الى يوم القيمة بارجل اعمالها وايدي بطشها والسن اقوالها وبجميع ادوات جميع مشاعرها من باب الحيوانية ومن باب الانسانية وما فوق ذلك واما النباتات والجمادات والمعادن فكذلك ولكنها في ايام اكتساباتها وذكرها وغفلتها واكثرها يحاسب في هذه الدار ويحضر يوم القيمة البقاع التي وقعت فيها الطاعات لتشهد لعاملها والتي عملت فيها والمعاصي ليشهد على عاملها وكذلك الشهور والسنون والايام والليالي والساعات كما نطقت به الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام والاشياء تسير الى الاخرة بارجل اعمالها واقوالها واحوالها وما كان منها ولقد شاهدت كيفية ذلك في المنام وهو اني كنت في ايام اقبالي رأيت في المنام كأن جميع الخلائق يسيرون في ارض واسعة لا ترلا اطرافها من جهة الشرق الى الغرب وكلهم صامتون ما يسمع منهم الا صوت ارجلهم في المشي ولا يلتفت منهم احد الى جهة ولا توجه لاحد لشيء الا لمحض سيره ذلك ورأيت كأني معهم واقف وعندي كتاب كبير ما رأيت في الدنيا كتابا مثله وعن يساري رجل لا اعرفه واقف معي وانا فاتح لذلك الكتاب وهو يعرفني في معانيه في الصفحة اليمنى منه وانا اجد في نفسي اعتمادي على ذلك الرجل وثقتي ببيانه واحس اني انا والرجل ونحن واقفان وجميع الخلائق يسيرون سيرا حثيثا اني انا والرجل وكل الخلائق يسيرون بما ينقلني ذلك الرجل اليه من معاني ذلك الكتاب فانتبهت وكان نومي وقت القيلولة فرأيت ان الشمس ما زالت فسبغت الوضوء ونمت واول دخولي في النوم كنت على تلك الحال مع الرجل وهو يعرفني في ذلك الكتاب ونحن واقفان والخلائق تسير ونحن نسير بما ننتقل اليه من معاني ذلك الكتاب لا بارجلنا وارى الخلائق تسعى بارجلهم وانا اعلم ان المحرك لارجلهم في السعي هو تنقلنا في معاني ذلك الكتاب فكانت عندي معاني ذلك الكتاب وتنقلنا فيها لنا ولسائر الخلائق كالسفينة تسير براكبيها وهم فيها قاعدون فلما انتبهت ورجعت الى وجداني والى ما قسم لي ربي عز وجل من فهم كتابه وسنة نبيه واخبار اوليائه صلى الله على محمد واله وجدت ان الخلق كلهم يسيرون الى الاخرة باعمالهم واقوالهم واحوالهم واعتقاداتهم ثم اقول روي عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه‍

قال : قاعدة في ارض المحشر هذه الارض التي في الدنيا الا انها تبدل غير الارض كما تمد مد الاديم وتبسط فلا ترى فيها عوجا ولا امتا تجمع فيها الخلائق من اول الدنيا الى اخرها لانها في ذلك اليوم مبسوطة على قدر يسع الخلائق ومعنى بسطها لا ينكشف الا لذوي البصائر النورانية الذي اطلقت ذواتهم من اسر الطبيعة وقيد الزمان والمكان فيعرف ان مجموع الازمنة وما يوازيها كلمحة واحدة وما فيها ومجموع الامكنة وما يطابقها كنقطة واحدة فكانت الاراضي كلها ارضا واحدة وللارض صورة ارضية اخرى بيضاء نقية فيها الخلائق كلها والنبيون والشهداء والكتب والموازين وفيها الفصل والقضاء بالحق كما في قوله تعالى واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجيئ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون
اقول قد بينا لك مرارا ان الله سبحانه قد ضرب الامثال وجعل بحكمته الصورة الانسانية اعلى الامثال واعمها واشملها في الاستدلال على كل شيء وكل من طلب دليلا صحيحا على ما يريد معرفته فليس يجد مثل نفسه شيئا الا مجموع العالم ولهذا كان فيما نسب الى علي عليه السلام :

وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

واذا ثبت ان جسدك الذي معك في الدنيا هو المعاد بمادته وصورة اعماله ثبت ان هذه الارض المعادة هي هذه الارض الموجودة في الدنيا بمادتها والصورة المناسبة للحشر وجمع الخلائق والمصنف وان كان كلامه يوهم الموافقة لما قلنا لكنه صرح في غير هذا الموضع فيما ان المواد كلها تفنى وتعدم وانما تعاد بصورته لا بمادته لان حقيقة العود عنده انما هو للنفس واللازم للمعاد حقيقة هو الصورة ومما يدل على هذا من كلامه قوله ان المعاد في يوم المعاد هذا الشخص الانساني المحسوس الملموس المركب من الاضداد الممتزج من الاعضاء والاجزاء الكائنة من المواد مع انه تتبدل عليه في كل وقت اعضاؤه واجزاؤه وجواهره وجواهره واعضاؤه حتى قلبه ودماغه سيما روحه البخاري الذي هو اقرب جسم طبيعي الى ذاته واول منزل من منازل نفسه في هذا العالم وهو كرسي ذاته وعرش استوائه ومعسكر قواه وجنوده وهو مع ذلك دائم الاستحالة والتبدل والحدوث والانقطاع فان العبرة في بقاء البدن بما هو بدن شخصي انما هي بوحدة النفس فما دامت نفس زيد هذه النفس كان بدنه هذا البدن لان نفس الشخص تمام حقيقته وهويته وهذا كما يقال ان هذا الطفل ممن يشيب او هذا الرجل الشائب كان طفلا وعند الشيب قد زال عنه جميع ما كان له عند الطفولية من الاجزاء والاعضاء الى ان قال ولا يقدح في ذلك ان هذا البدن الدنيوي مضمحل فاسد مركب من الاضداد والاخلاط الكثيفة العفنية وان البدن الاخروي لاهل الجنة نوراني باق شريف حي لذاته غير قابل للفناء والموت والمرض والهرم انتهى

وقال ايضا في جواب الاعتراض السادس للمنكرين للحشر الجسماني : وان هذه الارض ليست محشورة على هذه الصفة وانما المحشورة صورة هذه الارض اذا مدت والقت ما فيها وتخلت انتهى فقوله ليست محشورة على هذه الصفة لو اريد من الصفة المنفية الكثافة خاصة لما قال وانما المحشورة صورة هذه الارض فافهم الاشارة

وقال ايضا في الاصل الاول : ان يقوم كل شخص بصورته لا بمادته وهي عين ماهيته وتمام حقيقته ومبدأ فصله الاخير فهو هو بصورته لا بمادته حتى لو تجرد صورته عن مادته لكان هو بعينه باقيا عند ذلك التجرد وانما الحاجة الى المادة لقصور بعض افراد الصور عن التفرد بذاته دون التعلق الوجودي بما يحمل لوازم شخصه الى اخر الاصل الاول فيلزم من كلامه ان زيدا اذا اعيدت نفسه وصورته بمادة غير مادته كان المعاد هو زيدا بحقيقته التي يترتب عليها الثواب او العقاب وهو مراده هنا في حشر الارض فلا تتوهم انه يريد مرادنا من ان المعاد هي المواد ولكن في صورة اعماله فقد تتغير صورته ولا تتغير مادته في حال من الاحوال بل المعاد الذي يريده ما هو به زيد من الهيئة الانسانية الخاصة ولهذا قال بل اصبعه هذا صدق انه الاصبع الذي كان له في الطفولية مع انه قد عدم في ذاته مادة وصورة ولم يبق بما هو جسم معين في ذاته من نوع معين وانما بقي بما هو اصبع لهذا الانسان لبقاء نفسه فهذا ذاك بعينه من وجه وهذا ليس بذاك بعينه من وجه انتهى ونقول انما هو جسم معين بمادته وصورته فاذا لم يبق بما هو جسم معين في ذاته لم يبق للاعادة الا الهيئة الوجودية الانسانية وهي لا تكون زيدا الا بما هو هو من مادته وصورته والمصنف بني امره في اعتقاده على دعويين الاولى ان المجردات ثابتة لا يمكن ان يطرأ عليها التغير والتبدل والفناء وهو خطأ فانه ان جعلها ممكنة فحكمها حكم الماديات في احتياجها الى المدد وان جعلها قديمة او من لوازم القديم فهو ايضا باطل اذ القديم لا يتغير عن حاله وهذه على قوله كانت عارية عن الصور ثم تلبست بها في هذا العالم فاختلفت احوالها ومختلف الحالات حالات حادث وايضا القديم لا يكون له ظهور غير بطونه وبطون غير ظهوره وان فرضها من لوازم القديم كما صرح به في كتابه الاسفار وانها لا يمكن تصور انفكاكها فهو غلط من وجوه منها ان القديم لا يكون له لوازم والا كان حادثا للزوم الاقتران الموجب للحدوث ومنها ان اللوازم ليست هي المتنزلة في الاجسام بل المتنزلة في الاجسام اشباح تلك اللوازم واظلتها كما صرح به في هذه الرسالة وغيرها وصرح ايضا على ان الثابت لا يلزم ان تكون آثاره واظلته ثابتة ومنها ان اللوازم صرح بانها لا يمكن تصور انفكاكها فكيف جعلها هي النازلة في صورة زيد الثانية انه بنى امره هنا على اعتقاد ان المواد الجسمانية تفنى وتضمحل وتعدم وانما المعاد صورتها وهذا غلط لانها دخلت في ملك الله فلا تخرج عنه وقد صرح بذلك تعالى في كتابه فقال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقال تعالى وان الله يبعث من في القبور لان من في القبور لا يكون الا المواد الجسمية لا النفس ولا الهيئات الوجودية وقد ذكرنا ما توهموا منه فيما تقدم من انه لو اغتذي زيد بعمرو حتى كان عمرو جزءا لزيد فانه لو كان الواقع اعادة الاجسام الدنيوية لتعذر اعادتهما معا لاستلزام اعادة مادة احدهما نقصان الاخر وقد بينا علة ذلك فيما سبق من ان مادة عمرو لا تكون غذاء لزيد وزيد انما يغتذي بغير مادة عمرو الاصلية واما مادته وطينته التي خلق منها فانها لو حرقت بنيران الدنيا لماسطت عليها ولا اثرت فيها لانها ليست من هذه العناصر وانما نزلت من عالم الغيب وحيث جهلوا هذا المعنى قالوا بانها تفنى وانها تكون جزءا من اخر فالارض المحشورة هذه الارض بعد ازالة الاعراض الدنيوية لان اصلها نزل من عالم الغيب ولكن اكثر الناس لا يعلمون

وقوله { تمد مد الاديم وتبسط } يشير به الى الجواب عن الاشكال السادس لمنكري حشر الاجسام في قولهم ان جرم الارض مقدار ممسوح بالفراسخ والاميال وعدد النفوس غير متناه فلا يفي جرمها بحصول الابدان الغير المتناهية فاجاب هناك ونبه هنا بهذا الكلام ملاحظا فيه تتمة الجواب من ان الارض تمد مد الاديم اي تبسط على قدر يسع الخلائق من اول الدنيا الى اخرها ومن فهم المراد عرف ان الارض ليس بسطها ومدها مد الاديم اي الجلد لتسع الخلائق اذ لو لم تمد لما وسعت الخلائق المحشورين بل تسع الخلائق وانما بسطت ليحضر الكل للكل فلا يستتر احد عن احد بوهدة ولا تلعة بل بسطت لتبدو الضمائر وتبلي السرائر هذا ظاهر المد والبسط واما حقيقته فانها اذا ازيل عنها الموانع والاعراض من كثافة المعاصي اتصفت بصفات المجردات كما هو مقرر في علم الطبيعي من ان الارض المقدسة ما دام فيها القوم الجبارون فهي ضيقة لما فيها من الجبال والصخور فاذا خرجوا منها وزالت منها الجبال والصخور وسعت كل ما يقع فيها وان كان غير متناه لان الداخل الاول يشغل منها مكانا ويكون هو ومكانه مكانا للداخل الثاني وهكذا فتتسع بنسبة من يكون فيها ويصدق على ما قلنا قوله لانها في ذلك اليوم مبسوطة على قدر يسعها وان كان لا يتصور ما اشرنا اليه وكذا قوله ومعنى بسطها لا ينكشف الا لذوي البصائر النورانية الذي اطلقت ذواتهم من اسر الطبيعة يعني تمحضت في تجردها وخلعت احوال الزمان وما يتعلق به وجهات المكان وما يحل فيه فيعرف بصفاء حسه ان مجموع الازمنة وما يوازيها كلمحة واحدة بالبصر وما فيها ومجموع الامكنة وما يطابقها من المتحيزات كنقطة واحدة قد طاشت في دائرة فكانت الاراضي السبع ارض الحيوة وارض العادة وارض الطبع وارض الشهوة وارض الطغيان وارض الالحاد وارض الشقاوة كلها ارضا واحدة اي في الظهور والبروز ليحشر في كل ارض اهلها فاذا عرفت ان كل ارض يحشر فيها اهلها وان كل سابق هو ومكانه مكان للاحقه وان اجسام الاخرة لم تبق على حالتها في الدنيا بل ازيلت عنها اعراض الدنيا فكانت بانفسها حية باذن الله تعالى فكانت بجعله تعالى روحانية

وقوله { وللارض صورة اخرى بيضاء نقية } توصف بالفضة لبياضها وصفائها وطبيعتها لانها من طبيعة الارض الاولى ارض الحيوة لان الدار الاخرة هي الحيوان وتوصف بالخبزة النقية لان اهل الجمع يأكلون منها الى ان يفرغوا من الحساب فيها الخلائق كلها من كل ذي روح حيوانية طبيعية اي من نوع الافلاك او نباتية من نوع لطائف العناصر او روح ظرفية كارواح الامكنة والازمنة او عرضية كارواح الاعراض من الالوان والحركات والسكونات والمقادير والهيئات والاحوال والاقوال وما اشبه ذلك وفيها النبيون كلهم من ذوي الارواح الكروبية وفيها الشهداء كلهم من ذوي الارواح النورانية وفيها الصالحون كلهم من ذوي الارواح الجوهرية وانما قلت كارواح الاعراض لان كل نوع من انواع الاشياء كالاعراض والطبايع كالحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة وكالحروف والكلمات والكلام وما اشبه ذلك مما ذكرناه او ادخلناه في هذه المشابهة امم امثالكم في كل امة ذكر وانثى وسعيد وشقي ومؤمن وكافر وتناكح وتوالد وكل ما يوجد في الامم الحيوانية الا انها بنسبة حالها مثلا لو ظهر لك كلام زيد او طوله او بياضه او حرارته وما اشبه ذلك وقعد بجنب زيد لم تكد تفرق بينهما الا ان زيدا اذا تكلم حكى عن نفسه وكلامه او طوله اذا تكلم حكى عن زيد وكلامي هذا تنبيه لك على سر عظيم بالتلويح لان التفصيل يطول به الكلام وفيها ايضا الكتب اي تطائرها وهي كتب الاعمال والمراد بكتابك جمع اعمالك بعد تفرقها وذلك لان الانسان اول ما يدخل في قبره ويشرج عليه اللبن يأتيه رومان فتان القبور ويضع روحه في جسده الى حقويه فيقول له اكتب اعمالك فيقول للملك ما احفظها فيقول انا امليها عليك فيقول ليس عندي دواة فيقول من ريقك فيقول ليس عندي قلم فيقول اصبعك فيقول ليس عندي قرطاس فيقول قطعة من كفنك فيكتب ورومان يملي عليه فعلت كذا يوم كذا وفي المكان الفلاني ويذكر له كل شيء عمله او قاله في مكانه ووقته حتى يذكره ثم يطوي تلك القطعة المكتوب فيها ويطوقه بها في عنقه فيكون اثقل عليه من جبل احد وهو قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فاذا كان يوم القيمة وكان مؤمنا اتاه كتابه الذي كتبه على نفسه من اعماله باملاء الملك رومان فتان القبور من امامه فيأخذه بيمينه وان كان كافرا اتاه من خلفه وضرب ظهره وخرج من صدره فيأخذه بشماله ثم يقوم كتاب الله الناطق عليه السلام فينطق على الخلائق بعبارة واحدة تطابق كل كتاب املأه رومان بما فيه من خير او شر لا يخالف منها حرفا واحدا وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهو تأويل قوله تعالى وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون فيشاهدون عليهم السلام اعمال الخلائق فهم الاشهاد يقول تعالى يوم يقوم الاشهاد قال تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم هذا بيانه بكلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله واما ترجمته بلغتكم فكيفية الكتابة انك اذا رأيت زيدا يصلي صلوة الظهر يوم الخميس في المسجد الفلاني في اليوم الخامس‌عشر من شهر رجب مثلا سنة الرابعة والثلاثين بعد المائتين والالف من الهجرة كل ما ذكرت ذلك ذكرته في ذلك الوقت في ذلك المكان بتلك الحالة فما دمت حيا لا تذكره ولو بعد خمسين سنة الا هكذا لانه لما صلى كتبت الحفظة مثاله في غيب ذلك المكان وفي غيب ذلك الوقت متلبسا بذلك العمل ابدا الى يوم القيمة واذا رأيت عمرا يسرق شيئا من السوق من الدكان الفلاني يوم كذا كل ما ذكرته ذكرته كذلك لان الحفظة كتبت مثاله في غيب ذلك المكان وفي غيب ذلك الوقت متلبسا بتلك السرقة فما دمت حيا لا تذكره الا هكذا فاذا اتاك زيد رأيته متصفا بذلك العمل لابسا ذلك المثال العامل المتلبس بذلك العمل واذا اتاك عمرو رأيته متصفا بذلك العمل لابسا لذلك المثال العامل المتلبس بذلك العمل فان اتاك عمرو بعد ان تاب وانت عالم بتوبته لم تره متصفا بذلك ولا لابسا لذلك المثال العامل المتلبس بذلك العمل ورأيت المثال غير قائم بعمرو وانما هو قائم بمبدئه من لوح الباطل اعني سجين كتاب الفجار وهو وجه الثرى الذي لا يعلم ما تحته الا الله عز وجل فاذا كان عمرو مؤمنا واخلص توبته بقي ذلك المثال السارق الى نفخة الصور ثم يمحا ذلك المثال السارق من الالواح الصغار الواح المحو والاثبات كنفوس الملائكة الحفظة والناس ومن ذلك المكان والزمان ومن غيبيهما والا بقي متصفا به في الدنيا فاذا كان يوم القيمة لبسه وظهر به مكشوفا بين كل الخلائق يا من اظهر الجميل وستر القبيح جللني بسترك واعف عن توبيخي بكرم وجهك يا كريم هذه كيفية كتابة الحفظة وما رأيته انما تذكره لانك تقابل بمرءاة خيالك مثاله في مكانه ووقته فتراه متلبسا بذلك العمل فتنتقش صورة ذلك بما تلبس به من العمل او القول مع الهيئة في مرءاة خيالك وفيها الموازين وهي جمع بالنسبة الى كل شخص كما قال فمن ثقلت موازينه وقال ومن خفت موازينه وذلك لان العمل الواحد له موازين متعددة منها ميزان القدر بانه مثلا عشرة مثاقيل او خمسة او مائة يوزن في ذي الكفتين ومنها ميزان اللون كما يميز به بين الحمرة الياقوتية والعقيقية ومنها ميزان القيمة كأن تكون قيمته واحدا او عشرة او الفا ومنها ميزان البقاء بان يبقى يوما او سنة ومنها ميزان التأثير مثل ان يكون تأثيره قويا او ضعيفا سريعا او بطيئا يثبت او يزول ومنها ميزان الحصول مثل ان يكون وقت الجزاء عليه الدنيا او البرزخ او الاخرة ومنها ميزان الرتبة في الدرجات بان يبلغ ادنى الجنان او اعلاها او اوسطها ومنها ميزان العدد بان يكون اجره الفا او عشرة‌الاف او اكثر او اقل وما اشبه ذلك وكل واحد من الموازين يوكل الولي عليه السلام باذن الله على تمييزه نوعا من الملائكة لا يصلح لغيره يميز ما وكل به بهداية الولي وتعليمه عليه السلام وفيها اي في الارض او فيها على الصراط الفصل بين الخلق والقضاء عليهم بالحق فينطبق الحق المستقيم على المستقيم في طريقته على طبق استقامته وعلى المعوج في طريقته بطبق اعوجاجه ولا يظلم ربك احدا قال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام اي باهتدائه الى الاسلام باختياره ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء اي يجعله كذلك باعراضه عن الاسلام باختياره قال تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون اي بتركهم الايمان باختيارهم وميلهم الى الضلالة باختيارهم فوهب لاهل طاعته القوة على طاعته بحقيقة ما هم اهله ووهب لاهل المعصية القوة على معصيته لسبق علمه فيهم ومنعهم اطاقة القبول منه ومعنى سبق علمه فيهم انه تعالى اشرف على ما فعلوا حين فعلوا في مكان فعلهم ووقته قبل ان يكونوا في انفسهم وقبل ان يقع منهم فعل عند انفسهم وعند جميع الخلق لانه تعالى ليس معه استقبال ولا انتظار لشيء اذ لم يفقد شيئا لذاته وازله شيئا مما سواه من ملكه كل شيء من الاشياء في مكان حدوده ووقت وجوده حاضر عنده قبل ان يكون ذلك الشيء عند نفسه وعند جميع الخلق وهذا صراط ربك مستقيما وذلك الفصل والقضاء المشار اليه بقوله تعالى ان ربي على صراط مستقيم هو المعبر عنه بقوله تعالى واشرقت الارض بنور ربها اي بما اظهر فيها مربيها والقائم بالقسط فيها باذن الله عز وجل من العدل القويم والصراط المستقيم ووضع الكتاب الناطق بالحق على الخلق وجيئ بالنبيين والشهداء عطف عام على خاص فالشهداء هم النبيون والملائكة واتباع النبيين والسنون والشهور والايام والليالي وبقاء الارض وقضي بين الخلق بالقضاء الحق الذي هو اثار ولاية ولي الله عليه السلام وهم لا يظلمون اذ لم يحكم الا باعمالهم التي عملوها باختيارهم وهم يعلمون

قال : قاعدة في ان الصراط حق ورد في الحديث وقد رواه المفضل ابن عمر عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال الصراط هو الطريق الى معرفة الله عز وجل وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة اما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر على جهنم في الاخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة فتردى في نار جهنم وروى الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام قال الصراط المستقيم امير المؤمنين عليه السلام وايضا عنه عليه السلام في قول الله عز وجل اهدنا الصراط المستقيم قال هو امير المؤمنين عليه السلام ومعرفته وفي رواية اخرى عن واحد منهم عليهم السلام الصراط المستقيم صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة فاما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعدل الى شيء من الباطل والطريق الاخر طريق المؤمنين الى الجنة وهو مستقيم لا يعدلون عن الجنة الى النار ولا الى غير النار سوى الجنة وعنهم عليهم السلام نحن ابواب الله ونحن الصراط المستقيم
اقول الصراط لغة الطريق وقول الصادق عليه السلام الصراط هو الطريق الى معرفة الله عز وجل لبيان الطريق الكامل المؤدي الى الله ولهذا فسره بمعرفة الله التي تكمل بتوحيد الله وتوحيده تعالى في اربع مراتب الاولى توحيد ذاته عن التعدد والتركيب واختلاف الاحوال قال تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد الثانية توحيد صفاته قال تعالى ليس كمثله شيء الثالثة توحيد افعاله لان الفاعل الحقيقي هو الذي يحدث مادة مفعوله لا من شيء وليس لله سبحانه شريك في ذلك اذ لا يحدث شيئا من المواد غيره قال تعالى هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه الرابعة توحيد عبادته قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة اما الصراط في الدنيا فيطلق على معاني احدها القيام باوامر الله تعالى واجتناب نواهيه على حد ما امر به على السنة اوليائه عليهم السلام وذلك فروعهم واتباعهم والتسليم لهم والرد اليهم والتفويض اليهم في كل شيء مما علمت ومما لم تعلم وهذه ظاهر ولايتهم عليهم السلام وثانيها محبتهم والتولي بهم والموالاة لوليهم والتبرئ من اعدائهم ومخالفتهم والمجانبة لهم ولاتباعهم وهذه اركان ولايتهم عليهم السلام وثالثها الاعتقاد لما اعتقدوا له والايمان بما امنوا به والكفر بما كفروا به وهذه ابواب ولايتهم ورابعها الامام المفترض الطاعة صلوات الله عليه من عرفه في الدنيا باسمه وصفته واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم يمرون عليه الخلائق صعودهم اليه الف سنة وحذال الف سنة ونزولهم الف سنة ويأتي بعض اوصافه ومن لم يعرف الامام عليه السلام في نحو ما ذكر زلت قدمه عن الصراط في الاخرة فتردى في نار جهنم لانه جسر للجنة على جهنم تمر الخلائق على قدر اعمالهم لانه صورة اعمالهم لما كلفوا به من القيام بامر الله والانتهاء من معاصي الله والاعتقاد لما اريد منهم فمنهم من يمر عليه كالبرق الخاطف ومنهم من يمر عليه كالجواد السابق ومنهم من هو كالماشي ومنهم من يحبو حبوا ومنهم من تأخذ النار بعضه ومنهم من يمر عليه حتى يصل الى مكانه من جهنم فيسقط فيه وذلك كما قال تعالى ولكل درجات مما عملوا وقوله وروى الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام قال الصراط المستقيم امير المؤمنين عليه السلام يريد به ذكر معنى من الصراط في الباطن والمراد من كونه عليه السلام الصراط المستقيم انه عليه السلام هو ورسول الله صلى الله عليه واله علة الاشياء المادية والصورة بل والفاعلية والغائية اما انهما صلى الله عليهما والهما العلة الفاعلية فلان الله سبحانه خلقهما والقى في هويتهما مثاله فاظهر عنهما افعاله فهو تعالى فاعل بهما كما قال امير المؤمنين عليه السلام في ذكر العالم العلوي من المدبرات امرا فان تلك الملائكة قال عليه السلام في بيان معرفتهم والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ه‍ وذلك كما القت النار في هوية الحديدة المحمية بها مثالها اي اثر فعلها فظهر بها اثر الاحراق كما يظهر بالنار وذلك المثال هو امره الفعلي المسمى بالمشية والارادة والابداع فهم لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وان شئت قلت فهو تعالى بهم يفعل ما يشاء لان فعله متقوم بهما تقوم ظهور وهما تقوما بفعله تقوم تحقق فاية فعله تعالى بهما اي تقوم فعله بهما وتقومهما بفعله كالقائم والضارب بالنسبة الى زيد ولله المثل الاعلى فان القائم والضارب اسما فاعل القيام وفاعل الضرب وليسا اسما لذات زيد ولا يحملان على ذات زيد الا مجازا والمجاز هو الصراط فهما بالله العلة الفاعلية لانهما محلا فعله الحاملان له واما انهما العلة المادية والعلة الصورية فلان الله سبحانه خلق من شعاع نور محمد صلى الله عليه واله انوار جميع الانبياء عليهم السلام وحقائقهم وذلك جميع موادهم عليهم السلام وخلق من اشعة انوار الانبياء عليهم السلام جميع المؤمنين اي موادهم وخلق من اشعة انوار المؤمنين مواد الملائكة وهكذا الى رتبة الجماد فشعاع نوره صلى الله عليه واله هو العلة المادية لجميع الخلق وهو النور الذي عناه الصادق عليه السلام في قوله ان الله خلق المؤمنين من نوره واما العلة الصورية فلان الله سبحانه خلق من هيئة اعمال علي عليه السلام وقابليته صور جميع الانبياء عليهم السلام وخلق من هيئة صور الانبياء عليهم السلام صور المؤمنين وهكذا الى الجمادات الطيبة العذبة كما خلق من هيئة صورة المقابل وهيئة حركته الصورة في المرءاة وحركتها وكما خلق من هيئة حركة يد الكاتب هيئة الكتابة بحركة يده واما صور الكفار والمنافقين واتباعهم من الحيوانات والنباتات والجمادات فقد خلق الله عز وجل من عكوسات هيئات اعمال علي عليه السلام وعكوسات قابلياته صور الكافرين والمنافقين وخلق من هيئات صورهم صور اتباعهم الى الجمادات المرة والسبخة والمالحة وقد قال صلى الله عليه واله انا وعلي ابوا هذه الامة واذا فسرنا هذه الابوة على تفسير التأويل قلنا الاب هو المادة كما ذكرناه في سائر كتبنا مبرهنا عليه عقلا ونقلا خصوصا في الفوائد وشرحها والام هي الصورة لا كما ذكره الحكماء بل كما ذكره ائمة الهدى عليهم السلام كما في قول الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ه‍

وقوله من نوره هو المادة لان المادة هي تدخل عليها لفظة من كما تقول عملت السرير من خشب وصغت الخاتم من فضة فما دخلت عليه من فهو المادة فدل على ان المادة هي الاب فشبه الشعاع المشتق من اشراق نوره صلى الله عليه واله بالاب والهيئة المشتقة من هيئة اعمال علي عليه السلام وقابلياته التي هي الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين بالام لان مواد جميع الخلق من شعاع نور محمد صلى الله عليه واله وصور جميع الخلق من شعاع هيئة اعمال علي عليه السلام او عكسها

واما العلة الغائية فهم عليهم السلام العلة الغائية لان الله خلق الخلق لاجلهم كما قال علي عليه السلام نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا ه‍ اي صنعهم الله لنا وفي الانجيل خلقتك لاجلي وخلقت الاشياء لاجلك ه‍ فاذا عرفت ان امير المؤمنين عليه السلام علة لجميع الخلق في ايجاد اكوانهم واعيانهم فهو طريق الله تعالى الى خلقه وترجمان امداداته ومؤديها اليهم ومعطي كل ذي حق حقه باذن الله تعالى وهو عليه السلام الحامل لاعباء ولاية الله التي جعلها لنبيه محمد صلى الله عليه واله على جميع خلقه وذلك في جميع ذرات ما يناط بالخلائق كلهم من احوال اركان التكوينات الاربع التي دار عليها الوجود الامكاني الخلق والرزق والممات والحيوة وهو طريق الله الى خلقه في حدوده التكليفية والتكونية وعن الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل اهدنا الصراط المستقيم قال هو امير المؤمنين عليه السلام ومعرفته والمراد بمعرفته التي تكون هي الصراط المستقيم الذي يكون احد من السيف وادق من الشعرة هي معرفته بالنورانية كما رواه سلمن وابو ذر عنه عليه السلام في تعليمه لهما المشتمل على الاسرار يجمعها قول الصادق عليه السلام اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن ‌تبلغوا فقال له السائل نقول ما شئنا قال عليه السلام وما عسى ان تقولوا والله ماخرج اليكم من علمنا الا الف غير معطوفة ه‍ وانما قيد بالمستقيم تنبيها على ان غيره ايضا سبل ولكنها غير مستقيمة بل تهجم بسالكها على كل ما يكرهه الله واما هذا عليه السلام فان الله تبارك وتعالى خلقه في احسن تقويم وصوره على صورة مشيته ومحبته بحيث لو ترك وميل نفسه بفطرته وشهوة بنيته لم يفعل الا ما يريد الله تعالى لانه هو واهل بيته الطاهرين عليهم السلام علاهم الله تعالى بتعلية محمد حبيبه ورسوله صلى الله عليه واله وسما بهم الى رتبته وهو صلى الله عليه واله قد خلقه الله على فطرة لا يحتمل الامكان فطرة لبشر اعدل من الفطرة التي فطره عليها فلذا قال وانك لعلى خلق عظيم ولاجل ان الله عز وجل سما به الى رتبة المستقيم الذي ليس في الامكان استقامة تزيد على استقامته او تساويها سماه بعلي ووصفه بالصراط المستقيم وقوله وفي رواية اخرى عن واحد منهم عليهم السلام في تفسير الاميرزا القمي (ره) قال حدثنا محمد بن القاسم الاسترابادي المفسر قال حدثني يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن ابويهما عن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام في قوله اهدنا الصراط المستقيم قال ادم لنا توفيقك الذي به اطعناك فيما مضي من ايامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل اعمارنا والصراط المستقيم هو صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة فاما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعدل الى شيء من الباطل والطريق الاخر طريق المؤمنين الى الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة الى النار ولا الى غير النار سوى الجنة ه‍ والمروي عنه هو الحسن العسكري عليه وعلى ابائه وابنه السلام في تفسيره وفسر اهدنا بالمعنى لا باللغة فقال ادم لنا توفيقك وفيه تنبيه على ان العمل الباقي هو ما دام عليه المكلف او ان الهداية انما تكون ملكة وطبيعة بالدوام او ان الاعتبار في الاعمال بما يكون خاتمة لها كما يشير اليه قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد والصراط صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة فاما الطريق المستقيم اعني الصراط فانه لغة وشرعا وعرفا هو الطريق وهو في الدنيا ما قصر عن الغلو والافراط وارتفع عن التقصير والتفريط واستقام لتوسطه بين الطرفين فلم يعدل بالسالك فيه الى شيء من الباطل لان الباطل لا يكون شيء منه مستقيما بل اما افراط وارتفاع واما تفريط وانحطاط ومعنى استقامته انطباقه على ما يحب الله بامتثال اوامره كما امر واجتناب نواهيه كما نهي والطريق الاخر يعني الصراط الذي في الاخرة طريق المؤمنين الى الجنة الذي هو مستقيم يعني بغير ارتفاع ولا تقصير لا يعدلون يعني السالكين له عن الجنة الى النار ولا الى غير النار سوى الجنة وقوله عليه السلام ولا الى غير النار سوى الجنة لا يريد به ان هناك شيئا ليس بنار ولا جنة ليحترز بهذا عنه بل المراد بيان ما هو الواقع اذ ليس شيء في الاخرة لاحد من المكلفين الا الجنة او النار كما قال صلى الله عليه واله ليس وراء دنياكم هذه بمستعتب ولا دار الا جنة او نار ه‍ وعنهم عليهم السلام نحن ابواب الله ونحن الصراط المستقيم اما انهم عليهم السلام ابواب الله فانه تعالى حيث كان لا يدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار اختار محمدا واله صلى الله عليه واله من جميع خلقه وانهي اليهم علم ما خلق بعد ان اشهدهم خلق جميع ما خلق واقدرهم على ما اراد منهم ثم جعلهم اولياء على سائر خلقه اقامهم بيوتا وخزائن لاسرار العبودية واقامهم ابوابا له تعالى في تلك الخزائن في اداء ما جعل لخلقه كما جعلت النار في السراج الشعلة المرئية التي هي دخان من الزيت الذي كلسته ونعمته فاستضاء بفعلها فيه بابا لجميع اشعة السراج في احداثها وامدادها بما به هي وبما به بقاؤها وللابواب باعتبار اربع مراتب بل خمس مراتب الاولى مرتبة الامثال العليا وهي المقامات باعتبار نسبة الافعال اليه تعالى بمعنى ان الله تعالى فاعل لافعاله بهم وباعتبار انهم فاعلون باذن الله وامره لا يكونون ظاهرا ابوابا الثانية مرتبة المشية الحالة فيهم فهم ابواب ظهور اثارها بهذا الاعتبار الثالثة مرتبة الامر المفعولي اعني النور المحمدي صلى الله عليه واله وهذه مرتبة المعاني فهم باعتبار ان الوجودات الحادثة تشرق من شعاعهم ابواب لاشراقها وفي المراتب الثلاثة الغالب فيها اطلاق غير الابواب ففي الاولى الاطلاق الغالب عليها الامثال العليا والمقامات والعلامات وفي الثانية الاطلاق الغالب عليها المشية والارادة والاختراع والابداع والامر الفعلي وفي الثالثة الاطلاق الغالب عليها المعاني اي معاني الافعال والامر المفعولي الرابعة مرتبة الابواب وهي مرتبة عقل الكل والقلم قال له الله سبحانه وتعالى ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل الخامسة ايضا مرتبة الباب وهي مرتبة نفس الكل واللوح المحفوظ قال عليه السلام ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وباعتبار اخر الابواب اربعة الاول ركن العرش الايمن الاعلى وهو باب الرزق الثاني ركن العرش الايمن الاسفل وهو باب الحيوة الثالث ركن العرش الايسر الاعلى وهو باب الموت الرابع ركن العرش الايسر الاسفل وهو باب الخلق واما انهم الصراط المستقيم فكما مر عليك بعض معانيه

قال : وهذه الاحاديث المروية عن ساداتنا عليهم السلام متوافقة المعاني والبواطن يحتاج شرحها الى بسط في الكلام من اراد الاطلاع عليه فليرجع الى تفسيرنا لفاتحة الكتاب والاشارة اليه ان للنفس الانسانية من مبدء حدوثها الى منتهى عمرها الدنيوي انتقالات نفسانية وحركات جوهرية لاجلها في نشأة ذاتية فكل نفس صراط الى الاخرة بوجه كما انها سالكة ايضا بوجه فالمتحرك والمسافة شيء واحد بالذات متغاير بالاعتبار فالنفوس صراطات الى العاقبة بعضها مستقيمة وبعضها منحرفة وبعضها منكوسة والمستقيمة بعضها واصلة وبعضها واقفة او معطلة والواصلة بعضها سريعة وبعضها بطيئة واتم الصراطات المستقيمة نفس امير المؤمنين عليه السلام ثم نفوس اولاده المقدسين عليهم السلام
اقول ان هذه الاحاديث وغيرها من احاديثهم عليهم السلام كلها متوافقة في المعاني والبواطن ولكن بيانها يحتاج في تعريفه وفي فهمه الى امداد منهم عليهم السلام

وقوله { يحتاج شرحها الى بسط في الكلام } صحيح

وقوله { من اراد الاطلاع عليه فليرجع الى تفسيرنا لفاتحة الكتاب } يريد به تفسير معنى الصراط على تفسير التأويل كما ذكره في قوله والاشارة اليه وانا اقول من اراد الاطلاع على معنى الصراط بتفسير الباطن الذي هو معنى كونهم (ع) الصراط المستقيم وكون ولايتهم عليهم السلام الصراط المستقيم فليرجع الى شرحنا على الزيارة الجامعة الكبيرة فانه قد حوي ما لا يحويه كتاب ولا يجري عليه خطاب فاني قد ذكرت فيه من اسرار معرفتهم ما هو من المكتوم المستور عن اولي الالباب وشاهدي العيان لمن كان له عينان

وقوله { والاشارة اليه ان للنفس الانسانية } يعني بها الناطقة القدسية فينا وفيهم عليهم السلام الملكية الالهية المعبر عنها باللوح المحفوظ وليست هي النباتية ولا الحيوانية الحسية الفلكية ولا البرزخية وليست هي التي من عرفها عرف ربه لا فينا ولا فيهم عليهم السلام لان التي من عرفها عرف ربه هي وجوده من الله تعالى المعبر عنها بالنور التي خلق منها وبالفؤاد وبحجاب الجلال من مبدئ حدوثها الى منتهى عمرها الدنيوي انتقالات نفسانية يعني انها بكونها ونفس وجودها تتنقل الى جهة مبدئها بحركات جوهرية وهي تنقل نفس الشيء بكنهه من غير موجب من خارج ونحن قد ابطلنا فيما سبق هذه الحركة بان يكون جوهر الشيء منتقلا عن رتبة الى اخرى بنفس ذلك الجوهر من غير داع موجب للانتقال غير نفس الجوهر واثبتناها بالموجب الخارجي المتجدد مثل ما لو كان في موضع من الارض جزء من الزيبق الصافي اتصل به جزءان من الكبريت الصافي وامتزجا فانهما لا يزالان في موضعهما كما هما من غير تغيير ولا انتقال فاذا اتصلت حرارة الشمس بهما مع الرطوبة الطبيعية واستمر ذلك من غير عروض يبس لقلة التبريد والترطيب وبالعكس فانهما ينعقدان ذهبا فينتقلان بالمعين الخارجي من مدد الشمس والقمر على نسبة الجزئين فالنفس تنتقل صاعدة بمدد اعمالها الصالحة ونازلة بمدد اعمالها الطالحة فاثبات الحركة الجوهرية صحيح بهذا المعنى وهو ان الجوهر يترقى بالمدد ويتحرك بالمحرك في نشأة ذاتية لان انتقالها بالحركة الجوهرية من نشأة ذاتية الى نشأة ذاتية ولكن المصنف يذهب الى ان النفس تترقى بحركتها الى ان تكون عقلا ونحن نمنع ذلك لان النفس مادتها التأييدات العقلية وهي اشراقات من العقل محلها من العقل محل الاشراق من الشمس فكما لا يكون الاشراق بترقيه مشرقا ولا النور منيرا كذلك لا تكون النفس بترقيها عقلا والمصنف يثبت التعقل وادراك المعقولات وينفي وجود العقل فلا بد له من ان يحكم على النفس بالوصول الى هذه فمراده انها تكون عقلا انها تعقل الاشياء لا انها تنقلب عقلا عنده لانه لا يثبت العقل ونحن نقول النفس تدرك الصور واما المعاني فلا اذ لا يدركها الا العقل والحاصل ان النفس اذا ثبت لها الحركة الجوهرية ترقت بحركتها سواء قيل بنفسها كما يقول ام بموجب خارجي محرك كما نقول ولا تزال صاعدة في سيرها الى جهة مبدئها بلا نهاية لكنها لا تتصل بمبدئها ابدا وانما تسير في المراتب النفسانية فسيرها في نفسها صراطها فكل نفس صراط الى الاخرة بوجه اي من حيث هي سائرة فيه فالمتحرك والمسافة شيء واحد بالذات متغاير بالاعتبار لان السالك سائر بتنقل نفسه في اطوارها وان كان السالك من حيث هو سالك غير مسافة سلوكه في الاعتبار فالنفوس صراطات الى عواقبها ولكنها بحسب تحريك محركها فان كانت الاعمال المحركة صالحة كانت باعمالها صراطات مستقيمة لان اعمالها كانت مستقيمة لكونها مطابقة لامر الله ونهيه اللذين هما مستقيمان لمطابقتهما لفعل الله وسير النفوس انما هو بتلك الاعمال وان كان سيرها في انفسها وبعضها منحرفة لان اعمالها منحرفة لكونها غير مطابقة لامر الله ونهيه وبعضها منكوسة ناكسوا رؤسهم عند ربهم لان اعمالها منكوسة لكونها على عكس ما امر الله ونهي فكانت اعمالها التي هي المحركة لها اظلة معاكسة لاوامر الله ونواهيه والظل منتكس من الشاخص القائم وتلك المنكوسة تحرك العاملين على مقتضي اوضاعها فتحركت النفوس العاملة بحركة اعمالها فكانت صراطاتها منكوسة لان جاعلها تعالى كذلك انما جعلها بقوابلها وقوله { والمستقيمة بعضها واصلة وبعضها واقفة او معطلة } ليس بصحيح لان المستقيمة لا تقف الا اذا طرء عليها الاعوجاج كما لو صعدت بعمل صالح درجة وانحطت بعمل طالح درجة وصعدت بصالح درجة وانحطت بطالح درجة وهكذا فانها بترددها بين الصعود والنزول ينسب اليها الوقف لعدم تجاوزها رتبتها الاولى في الجملة كما كانت بنوااسرائيل في التيه لبثوا اربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون من الصباح الى المساء فاذا هم بحيث ارتحلوا عنه فلا يتحقق الوقف ولا التعطيل في شيء من الممكنات الا بمثل تيه بني اسرائيل ونحوه واما الوصول فيكون للسائرين الى الله تعالى في الطريق الذي امرهم بسلوكه وحال هؤلاء في سيرهم في كل رتبة واصلون وغير واصلين بمعنى ما في حديث الاسرار حيث يقول تعالى في شأنهم في دار قربه الجنة كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما وليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه‍ وعدم الوصول للمحجوبين عن ربهم فانهم لا يزدادون بسيرهم الا بعدا عن الله تعالى بمعنى انهم صائرون الى الله تعالى حيث يكره كما ان الواصلين صائرون الى الله تعالى حيث يحب والنفوس الواصلة الى الله عز وجل اعني الصائرات اليه حيث يحب منها سريعات السير الى الله تعالى لانهم تخففوا واجتمعت قلوبهم وتجمعت شؤنهم على رضى الله تعالى فقربوا الى الله عز وجل من غير ان تقصر المسافة بينهم وبينه تعالى والسابقون السابقون اولئك المقربون الذين بسط لهم بساط القرب في سفح رضوانه ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ومنها بطيئات السير لثقلهم بشوائب من احوال الخلق فرقت قلوبهم وبها تفرقت شؤنهم فقعدت بهم تصادم الدواعي فابطأوا في سيرهم

وقوله { واتم الصراطات نفس امير المؤمنين عليه السلام ثم نفوس اولاده المقدسين عليهم السلام } يحتمل وجوها حيث لم يذكر نفس النبي صلى الله عليه واله مع انها اتم من نفوس آله عليهم السلام الاول انه ورد ان الصراط المستقيم امير المؤمنين عليه السلام واهل بيته عليهم السلام فاستطرد عند ذكره ووصفه بالصراط المستقيم تفسير الصراط المطلق المشتمل على المستقيم وغيره وبين ان نفسه ونفوس اولاده المعصومين عليهم السلام اتم الصراطات المذكورة لان المذكور هنا هو واولاده عليهم السلام والنبي صلى الله عليه واله لم يذكر في الموصوفين بالصراط المستقيم وان كان فسر مطلق الصراط لان الموجب لذكر المطلق هو ذكره بالصراط المستقيم ولعل المصنف لم يرد غير هذا الوجه الثاني انه عليه السلام هو المشتهر بالولاية والنبي صلى الله عليه واله اشتهر بالنبوة والولاية فسرت بالصراط المستقيم دون النبوة الثالث ان نفس النبي صلى الله عليه واله هي الغاية التي الصراطات كلها تؤدي اليها لما دلت عليه الادلة النقلية والعقلية على ان كل شيء فمرده ومصيره الى الله تعالى وقد دلت الادلة عقلا ونقلا على ان الرد الى الله والرجوع والمصير اليه هو الرد والرجوع والمصير الى رسوله صلى الله عليه واله في الدنيا والاخرة لان الحوادث لا تنتهي الا الى مثلها كما قال امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقوله عليه السلام في شأن النبي صلى الله عليه واله في خطبته يوم الجمعة والغدير قال اقامه في سائر عالمه مقامه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ه‍ واذا قطعنا النظر عن كلام المصنف وعن مراده فلك ان تعتبر الوجه الثالث لانه هو الجاري على تفسير باطن الباطن وبيان السر المقنع بالسر ولك ان تفسر الصراطات المطلقة مطلقا يعني الشاملة لكل احد فان قلت اكملها تعينت نفس النبي صلى الله عليه واله وان قلت اتمها فكما قال المصنف ولك ان تستعمل اتم بصيغة التفضيل المطلق فتقول اتمها نفس النبي صلى الله عليه واله وتلك الاتمية الحقيقية وان اردت الاتمية الاضافية فكما قال المصنف وقد اشرنا ان تفسير المصنف للصراط من تفسير التأويل واذا فسرناه بتفسير الباطن فصورته الاعمال الشرعية ومادته بل حقيقته الوجودات التكليفية اذ بها تترقى الذوات لانها هي لبها وبيانه في المثال ان الشخص اذا قام بحدود الله وفعل ما امره الله فذلك صورة صراطه الى الجنة فاذا فعل ذلك واستقام عليه كتب الله في قلبه الايمان وايده بروح منه يسدده ويرشده الى طريق النجاة ويعينه على ما يرضى ويحبب له ما عند الله فيكون بذلك راضيا بما يرد عليه من الله فيكون مرضيا عند الله فتشابه نفسه اوائل جواهر عللها فهذا مادة صراطه وحقيقته فهذه هي سفينته التي توصله الى القرب من الله وتحرك نفسه وذاته الحركة الجوهرية الذاتية لانها هي ارواح نفسه وتساقيه الكونية كما هو مذكور في مرءاة الحكماء يشاهد عيانا هناك بان هذه الارواح الشرعية هي تساقيه التي لا تبلغ الكمال بدونها وهي تبلغ الحجر الرخيص درجة الياقوت الاحمر البهرماني العديم النظير والي ما اشرنا اليه اشار الامام الناطق جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام بقوله بالعقل يستخرج غور الحكمة وبالحكمة يستخرج غور العقل ه‍ فان النفس تعمل الاعمال والاعمال ترفعها الى غاية الكمال وتقربها من ذي الجلال

قال : وذلك بحسب القوتين العملية والنظرية واليهما الاشارة في الحديث بصراط الدنيا وصراط الاخرة فالاول عن تحصيل العدالة وملكة التوسط في استعمال العملي القوى الثلاثة الشهوية والغضبية والوهمية بين الافراط والتفريط لئلا يكون فاجرا ولا خاملا بل عفيفا ولا يكون متهورا ولا جبانا بل شجاعا ولا يكون جربزا ولا ابله بل حكيما لتحصل من تركيب هذه الاوساط هيئة اذعانية انكسارية للقوى وهيئة استعلائية للروح عليها والتوسط بين الاطراف الشديدة بمنزلة الخلو عن جنسها فتصير النفس كأنها لا مرتبة لها من الصفات النفسانية التعلقية ولا مقام لها في الدنيا يا اهل يثرب لا مقام لكم فصارت كمرءاة مجلوة تستعد لان تتجلى فيها صورة الحق وذلك لا يحصل الا بانقياد الشريعة وطاعة الامام المفترض الطاعة وهذا معنى كون صراط في الدنيا هو الامام (ع)
اقول قوله { وذلك بحسب القوتين العملية والنظرية } يعني ان كون النفس هي الصراط المستقيم لسيرها في ذاتها بحركتها الجوهرية انما هو بحسب قوتيها العملية والنظرية فعلى قدر عملها وعلمها تنتقل ذاتها بذاتها ونحن نقول كما ان الدخان الذي في السراج انما استنار بمس النار واستضاء بفعلها فيه لا بنفسه وكما استضاء الجدار باشراق الشمس لا بنفسه كذلك النفس انما انتقلت في درجاتها ومعارجها بالاسباب الخارجية وهي العمل فانه علة النور التشريعي المسمى بالقوة العملية والعلم فانه علة النور الكوني المسمى بالقوة العلمية والنظرية وبالعمل يستخرج غور العلم وبالعلم يستخرج غور العمل والى الاول الاشارة بقوله تعالى ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث والى الثاني الاشارة بقوله صلى الله عليه واله ليس العلم بكثرة التعلم وانما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل وهل لذلك من علامة فقال (ص) التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ه‍ فتنقل النفوس في درجات كمالاتها انما هو بالقوتين اللتين هما كسبيتا المقدمات موهبيتا الذوات فافهم لا بذوات النفوس

وقوله { الاشارة في الحديث صراط الدنيا وصراط الاخرة } يريد به ان استعمال القوة العملية هو سير النفس بذاتها في تعديل قواها وملكاتها وهو الصراط في الدنيا وان استعمال القوة العلمية النظرية هو سير النفس في مراتب اطوارها واطوار الموجودات الحسية والنفسية والعقلية وهو الصراط في الاخرة

وقوله { فالاول عبارة عن تحصيل العدالة وملكة التوسط } بين الافراط والتفريط والمراد بملكة التوسط ما قر من مجموع الطرفين كما ذكره المصنف او القوة المتوسطة في الذات والصفة والفعل المقتضي للاثار الحسنة بين الطرفين كذلك فان القوة المعتدلة نور والطرفان ظلمة فلا تتركب منهما اذ المتركب من الظلمتين ظلمة اشد منهما وذكر الملكة احتراز عن الحال فان الملكة ما قر من الاعمال والاحوال حتى كان كالطبيعة والحال ما لم يقر بل يتبدل وتحصيل العدالة برياضة العقل وحضر النفس على ملازمة اداب الشرع من الاوامر والمندوبات واجتناب المناهي والمكروهات فالقوى التي تحصل بينها العدالة العملية ثلاث القوة الشهوية فاعتدالها وحسنها ان يكون فعلها بالعقل الذي هو شرع باطن وبالشرع الذي هو عقل ظاهر بان تكون جارية على مطابقتهما ويكون عفيفا متقيا لله سبحانه وللنفس الامارة وميولاتها وللخلق وهي ملكة تحصل بالتدريج ومداومة الاحوال الطيبة حتى تثبت وتكون ملكة وهي فطرة مطابقة لفطرة الصنع التي فطر الله عباده عليها وهي بين الافراط بان يكون صاحبها فاجرا وبين التفريط بان يكون خاملا والخامل الساقط الذي لا نباهة له والقوة الغضبية اعتدالها وحسنها ان يقصر انبساطها وانقباضها على موجب العقل والشرع بان تكون مطابقة لمقتضاهما بان يكون صاحبها شجاعا وهي ملكة مطابقة للفطرة الايجادية وهي بين الافراط الذي يكون صاحبه متهورا وهو من لا يبالي ولا ينظر العواقب وبين التفريط الذي يكون صاحبه جبانا والقوة الوهمية حسنها واعتدالها ان يكون بحيث يدرك الفرق بين الصدق والكذب في الاقوال وبين النافع والضار في الاراء وبين الحسن والقبيح في الافعال وهذه الملكة هي الحكمة العملية وهي علة ثبات الحكمة العلمية النظرية وبقائها وهي بين الافراط الذي هو الجربزة من جربز اي ذهب او انقبض او سقط معرب كربز وهذا الافراط تحصل منه اثار قبيحة كالدها والمكر والخداع والحيلة والغواية والشيطنة لان قوة الادراك اذا لم يعتدل بتأديبات العقل والشرع تحصل منه هذه الصفات القبيحة وامثالها واذا اعتدل بتأديبات العقل والشرع حصل منه التفرقة بين الحق فيأخذ به وبين الباطل فيتركه فيحصل منه جودة الذهن والتفطن لدقائق الاعمال ولافات النفس الامارة والظن الصحيح والرأي المصيب ولطافة الحس وذكاء الفهم وبين التفريط الذي يكون صاحبه ابله اي الغافل والاحمق الذي لا تمييز له والقليل الفطنة لدقائق الامور والمتحير والمنخدع

وقوله { ليحصل من تركيب هذه الاوساط } اي وسط ما بين الفاجر والخامل في الشهوية وما بين المتهور والجبان في الغضب وما بين المجربز والابله في الوهمية هيئة اذعانية اي سريعة في طاعة العقل والشرع منقادة لهما وهي العفة والشجاعة والحكمة انكسارية اي خاضعة ذليلة مقيدة بقيود تأدباتها العقلية والشرعية للقوي الطامحة الافراطية والقاعدة التفريطية من الشهوية والغضبية والوهمية وهي ايضا هيئة استعلائية اي ان هذه الهيئة تستعلي الروح بها على القوة الشهوية والقوة الغضبية والقوة الوهمية بكسر افراطاتها وتفريطاتها وانما ذكر الروح لانها قريبة من العقل او ان المراد منها العقل لاطلاقها عليه في كثير من المقامات

وقوله { والتوسط بين الاطراف الشديدة } اي القوية المتقابلة بمنزلة الخلو عن جنسها يشعر ان القوة المتوسطة بين الطرفين انها مركبة منهما وكذا قوله قبل هذا من تركيب الاوساط وقد نبه بعضهم على هذا ايضا اخذا من ان الشيء المتولد من شيئين انه مركب منهما كتأليف العقار المعتدل في المزاج انه من العقاقير المتضادة كالكافور والمسك يعمل منهما كحل معتدل في الحرارة والبرودة وقد ذكرنا بطلان هذا لان الطرفين الافراط والتفريط في القوى الثلاث ظلمة والوسط الاعتدالي فيها نور ولا يكون مركبا من الطرفين لان المركب من الظلمتين اشد ظلمة منهما وكذا قوله والتوسط بين الاطراف الشديدة بمنزلة الخلو عن جنسها فانه يشعر بان الوسط مركب من الطرفين الا انه بمنزلة المغاير لهما ومراده ان النفس المتصفة بالتوسط بين تلك الاطراف لما كانت بمنزلة الخلو عن جنسها الذي هو التعليقي بالاجسام الظلمانية صارت كأنها لا مرتبة لها من تلك الصفات التعليقية فقد فارقت احوال الدنيا فلا مقام لها فيها واستشهد بتأويل هذه الاية على مفارقتها فصارت النفس بعد مفارقتها للافاق الضيقة كأنها مرءاة قد استعدت بصفاتها ونوريتها لان تتجلى فيها صورة الحق تعالى وذلك لا يحصل لها الا بانقياد الشريعة وطاعة الامام عليه السلام المفترض الطاعة واقول اذا ثبت ان الامام عليه السلام مفترض الطاعة وجب ان يطاع في منعه لكون شيء تتجلي فيه صورة الحق تعالى الا اذا اريد بالصورة مثاله الاعلى اعني صورة ظهوره بايجاد تلك النفس فان صورة ايجاده لها تتجلى فيها فاذا تزكت بما اشرنا اليه سابقا القى المثال الذي هو صورة ايجادها فيها لانه تعالى تجلى لها بها وبها امتنع منها كما قال امير المؤمنين عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها ولا تتجلى فيها الا الصورة ذات المقدار ولا تنسب الى الحق تعالى الا مجازا

وقوله { وهذا معنى كون صراط الدنيا هو الامام (ع) } يريد ان معنى كون صراط الدنيا هو الامام عليه السلام هو ان كمال النفس وحصول التوسط لها بين الطرفين انما هو بطاعة الامام عليه السلام مع انه ذكر قبل هذا ان صراط الدنيا هو عبارة عن تحصيل العدالة وملكة التوسط في استعمال العملي القوى الثلاثة

وقوله { ان ذلك لا يحصل الا بانقياد الشريعة وطاعة الامام عليه السلام } يشعر بان صراط الدنيا مشروط بطاعة الامام عليه السلام لا ان الامام هو صراط الدنيا بهذا المعنى وانما الامام عليه السلام هو صراط الله في الدنيا والاخرة وهو الصراط للخلائق ايضا في الدنيا والاخرة اذ لا يصل شيء من الله سبحانه الى احد من الخلق بعد محمد صلى الله عليه واله الا بواسطة الامام عليه السلام اذ هو باب الله تعالى في الخلق والرزق والحيوة والممات بمعنى ان الله تعالى اعطى الخلائق ما يستحقونه بقوابلهم بواسطة الامام عليه السلام ولا يصعد عمل ولا يقرب عامل الى الله تعالى الا بواسطته واما ما في رواية المفضل بن عمر المتقدمة التي ذكر فيها ان الصراط الذي في الدنيا هو الامام عليه السلام فالمراد منه انه عليه السلام هو الصراط لجميع المكلفين في الدنيا في مقابلة ان الصراط في الاخرة جسر على جهنم فما الصراط في الدنيا فانها مثل الاخرة وكل ما في هذه في هذه فاخبر عليه السلام بانه الامام عليه السلام لا ان الامام عليه السلام ليس صراطا في الاخرة بل هو صراط في الدارين للحق تعالى وللخلق اجمعين

قال : والثاني عبارة عن مرور النفس بقوته النظرية وعقله العلمي على مراتب الموجودات والاطوار الحسية والنفسية والعقلية وخروجها من مكامن الحجب والغواشي الى اضوية افضية الانوار الالهية فللصراط المستقيم وجهان احدهما احد من السيف من وقف عليه شقه والاخر ادق من الشعر والوقوف على الاول يوجب القطع والفصل كقوله اثاقلتم الى الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الاخرة وجاء في الخبر يمر المؤمن على الصراط كالبرق الخاطف والانحراف عن الثاني يوجب الهلاك والعقاب ان الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط لناكبون
اقول يريد بالثاني القوة النظرية اي عقله العلمي يعني ان النفس اذا ادركت العلوم بصدرها وعقلت بعقلها المعاني وبحواسها الباطنة صور المحسوسات الغيبية وبالظاهرة صورها الظاهرة الشهادية وشاهدت بحسها الاطوار المحسوسة وبحسها الباطن اطوار الحواس الباطنة وبصدرها اطوار جوهر هبائها واطوار طبيعتها النورانية واطوار رقائقها بروحها واطوار عقلها بتعقل عقلها وعرفت ايات ربها التي في ذاتها بذاتها التي هي فؤادها وجهتها من ربها فقد مرت على جميع مراتب الموجودات ووقفت عند تكوين كل شيء منها حين بدئه من عالم الامكان الراجح الى عالم الامكان المساوي اعني عالم الاكوان وتحقق حينئذ خروجها عن مكامن الحجب والغواشي الى اضوية افضية الانوار الالهية وهذا هو الصراط الذي قال انه في الاخرة ونحن قد بينا فيما مضى ان الحكمة النظرية ليست هي الصراط الاخروي الموصل الى السعادة الابدية بنفسه كما يظهر من كلام المصنف في سائر كتبه تبعا للحكماء الذين لم يبنوا ثمرات حكمتهم على مقتضى الشرائع والكتب السماوية وقد اشرنا الى ذلك فيما تقدم وذكرنا ان الصراط الموصل الى السعادة الابدية انما هو الحكمة العملية التي هي شرط في تحقق النظرية وفي بقائها كما قال عليه السلام العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل عنه ه‍ وفي صحتها قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وقال الصادق عليه السلام في الدعاء كما رواه الشيخ في المصباح لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم ه‍ نعم النظرية شرط في كمال العملية او في صحتها اذ قد يقبل العمل بدون علم ولا يقبل العلم بدون عمل

وقوله { الى اضوية افضية الانوار } ليس عبارة مطابقة على ما ينبغي اذ القول المطابق للمعنى ان يقال الى افضية انوار الاضوية الالهية لان الاضوية جمع ضياء وهو المنير والافضية جمع فضاء والنور شعاع الضياء كما قال تعالى والشمس ضياء والقمر نورا

وقوله { فللصراط المستقيم وجهان احدهما احد من السيف من وقف عليه شقه } والمراد من تشبيهه بحد السيف في كونه يشق قدم من مشي او وقف عليه الكناية عن دقته وصعوبة الثبات واجتماع المشاعر عليه بل اكثر من يمر عليه تتفرق مشاعره وحواسه الظاهرة والباطنة ولا تكاد تجتمع المكني عن ذلك بالشق فانه يفرق قدم السائر عليه فرقتين المكني بهما عن الحق والباطل والوجه الاخر ادق من الشعر كناية عن كونه يمور ويضطرب بالسائر عليه ولا يثبت عليه الا من ثبته الله بالقول الثابت من المؤمنين والوقوف على الاول اي الوجه الاول يوجب القطع والفصل اي تفريق الادراك والعمل حيث لا يقدر السائر على تخليص الحق عن شائبة الباطل ولا على اخلاص العمل عن شائبة الشرك والاغراض الباطلة والغفلات المبعدة عن الزلفي لديه تعالى فيكون النظر والعمل شقين لانه احد من السيف فيشق القدم المعبر به عن بصيرة النظر ونية العمل واستشهاد المصنف بقوله تعالى اثاقلتم الى الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الاخرة الذي يراد منه الكناية عن القعود وطلب الراحة وعن العجز يدل على انه لم يفهم المراد من شق القدم حيث اشار الى معناه بالتثاقل الى الارض وان كان من لوازمه وكذا بيانه لكونه ادق من الشعر بالانحراف عنه لضيقه عن السلوك وانما هو كناية عن اضطرابه وان كان الانحراف من لوازمه واستشهاده بقوله تعالى وان الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط لناكبون انما هو للانحراف

قال : بصيرة كشفية اعلم ان الصراط المستقيم الذي اذا سلكته اوصلك الى الجنة هو بعينه صورة هدي النفس الممدودة من مبدء الطبيعة الحسية الى باب الرضوان فهو في هذه الدار كسائر الحقائق الغائبة عن الابصار لا تشاهد له صورة معينة فاذا انكشف غطاء الطبيعة بالموت يكشف لك يوم القيمة جسرا ممدودا محسوسا على متن جهنم اوله في الموقف واخره على باب الجنة كل من يشاهده يعرف انه صنعك وبناؤك ويعلم انه قد كان جسرا ممدودا على متن جهنم التي قيل لها هل امتلئت فتقول هل من مزيد ليزيد في طول طبيعتك وعرضها وعمقها وهي حقيقتك ذي ثلاث شعب وهو ظل غير ظليل لا يغني جوهر ذاتك من اللهب لهب جهنم بل هو الذي يقودها الى لهب الشهوات الكامنة نارها الأن البارزة يوم القيمة لقوله وبرزت الجحيم لمن يرى الا ان يطفئها ماء التوبة المطهرة للنفس عن المعاصي وماء العلم المطهر للقلوب عن رجس الجاهلية الاولى والثانية
اقول يريد ان الصراط الموصل للجنة هو صورة هدي النفس لاصابة الحق فيما يسلكه من العلوم النظرية التي من جملتها ما يحدس من معرفة النيازك والشهب وتصور هالة القمر وترتيب الوان قوس السحاب ومثل معرفة طبائع الاجساد وامثال ذلك من الامور التي لا تعلق لها بشيء من اصول الدين ولا فروعه كما يذهب اليه بعض الحكماء كما ذكرنا والحق ان الصراط الذي يوصلك الى الجنة هو سيرك باقدام اعمالك ونظر علمك ومعرفتك على حدود الله وتعريفه للهدى وتعرفه لك باياته التي في نفسك فان صورة هذه الحدود والتعريفات والتعرفات باياته هي الصراط الممدود يوم القيمة على جسر جهنم وهو الكلي الجامع لجميع الصراطات الجزئية وسيرك على تلك الحدود والمعالم التي هي الصراط الاعظم الممدود على متن جهنم باقدام اعمالك وبعيني علمك ومعرفتك هو صراطك الخاص بك الموصل لك الى ما خلقت له

وقوله { الممدودة } يعني بها ان النفس هي صراطها وهي الممدودة جسرا لانها ممتدة في اطوار تكوناتها من الطبيعة العنصرية التي كني بارض الموقف عنها الى باب الرضوان من الجنة يعني اعلاها الذي كني به عن مرور النفس بعلمها النظري على خفايا الموجودات واطوار التكونات وقد قدمنا سابقا ان النفس المجردة ليست من عالم الاجسام والطبائع وانما هي من عالم الملكوت موادها من تأييدات العقل واشراقه وانما تعلقت بالاجسام بافعالها لان عالم الاجسام مملكتها بمعنى ان الاجسام انما خلقت لها فلما خلقت لها وملكتها تنزلت الى مملكتها تتصرف فيها بافعالها لا غير وهي بريئة منها في ذاتها اذ الملكوت مغاير للملك وانما انزله الحكيم عز وجل الى عالم الملك في الوسائط على جهة التدريج ليتعلم لغة عالم الملك وافعاله وكيفية اطواره فيعلم علمه فيترقى في ثمرات افعاله فيه وهي ثمرات ما زرع فيه صاعدا الى ان يصل الى رتبته في الملكوت والدهر فيقعد على كرسيه ويستوي على عرشه فاذا اخذ يترقى من رتبته ترقى في رتب آثار الجبروت التي هي من نوع مواده فلا يتجاوز نوعه وانما ترقيه اشتداده في نوعه

وقوله { فهو في هذه الدار } يعني الصراط كسائر الحقائق الغائبة عن الابصار من حيث الصورة الصراطية اعني انه جسر ممدود على جهنم لا تشاهد له صورة معينة وانما يشاهد منه الاعمال والعلوم لان المشاهد هو النفس ولكنها لما نزلت من عالمها الاعلى وغطت بصيرتها الاجسام واحوالها قبل ان تمر على الصراط فلما امرت بالمرور على الصراط في الدنيا لم تشاهد جسرا ممدودا على جهنم لان بصيرتها غطتها غشاوة الاجسام وطبائعها فاذا امات نفسه وراضها برياضة اهل الشرع عليهم السلام اجتمع متفرقها فعاينت عملها وعلمها جسرا ممدودا على متن طبيعتها المكني عنها بجهنم لان سلوك مقتضاها مؤدي الى جهنم لانها خلقت منها او مجانسة لها وكذا اذا كشف الغطاء بالموت وهو قوله فاذا انكشف غطاء الطبيعة بالموت يكشف لك يوم القيمة جسرا ممدودا محسوسا على متن جهنم اوله في الموقف واخره على باب الجنة ان كان مستقيما والا فاخره على باب النار وانما لم يشاهد هو وما دونه بدرجة كاحوال البرزخ وما فيه من الذوات والصفات والاقوال والافعال وكاحوال القيمة وما فيها كالصراط والحوض وتطاير الكتب والحساب والختم على الافواه وانطاق الجوارح والسلاسل والاغلال وجميع ما اعد للكافرين من انواع العذاب وجميع ما اعد للمؤمنين من انواع الثواب وما فوق ذلك من عالم الملكوت والجبروت وما هنالك من الصفات والاحوال والافعال والاقوال لان الناظر الى شيء من ذلك بعين جسمانية ليس معه في صقع بل هذه العين الجسمانية والناظر بها في هذه الاجسام والمنظور اليه في عالم آخر خارج عن عالم الاجسام لان ادنى ما ذكر الى عالم الاجسام عالم البرزخ وهو في الاقليم الثامن اسفله فوق محدب محدد الجهات في الرتبة وعالم الملكوت خارج عن عالم البرزخ ووراءه بين مسير الف سنة وعالم الجبروت وراء عالم الملكوت بينه وبين الملكوت مسير الف سنة واما اذا مات او امات نفسه خرج من عالم الاجسام وشاهد كل عالم وصل اليه

وقوله { اوله في الموقف } يريد اول الصراط الصوري المشاهد يوم القيمة لا مطلق المشاهدة فان من شاهده في الدنيا شاهد انه في الدنيا سائر عليه فلا يكون عنده اوله الموقف الا اذا اريد بالموقف الموقف الباطني اعني على معنى التأويل

وقوله { كل من يشاهده يعرف انه صنعك وبناؤك } وذلك لانكشاف الحقائق يوم القيمة يوم تبدي الضمائر والصراط الممدود جسرا على جهنم واحد لانه صورة ولاية امير المؤمنين عليه السلام والخلائق كلهم مكلفون بالمرور على ذلك الجسر الواحد واما صراطك الخاص بك فهو صورة سيرك في ذلك اعني سيرك في القيام باوامر الله تعالى واجتناب نواهيه على النحو الذي امرك به وعلمك واعتقاداتك التي هي سيرك فيما يراد منك معرفته واعتقادك له وهو الذي من رءاه عرف انه صنعك وبناؤك لانه صورة عملك وعلمك واعتقادك ويعلم ايضا ان هذا كان جسرا ممدودا على متن جهنم يعني يعلم ان ما كان عليه من القوة العملية والقوة النظرية هو هذا الجسر الممدود على متن جهنم التي قيل لها هل امتلئت فتقول هل من مزيد لان عمله وعلمه المكلف بهما ممدودان على انيته وطبيعته ليصرفانها عن مقتضى ميلها الى محبة الله تعالى وتضعف وتصغر وتتلاشى كثافتها وتخف فتلحق بالملكوت فتقول هل من مزيد اي هل من يقوي ضعفي ويزيد في كمي وكيفي فما ازدادت بالتأديب والتخويف الا نفورا استكبارا في الارض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء الا باهله وهي ظل حقيقتك يعني ماهيتك ذي ثلاث شعب شعبة النفس وشعبة الطبيعة وشعبة الجسم وهو ظل غير ظليل قيل انما قيل ذي ثلاث شعب لا ظليل لان المثلث اذا وضع في الارض قائما على زاوية من زواياه في الشمس لا يكون له ظل وهذا انما يتحقق اذا كان ضلعاه القائمان لا يزيد انفراجهما عن سعة الشمس اذا فرض قرص الشمس قاعدة لذينك الضلعين بل اما ان يساوي قاعدة المثلث الموضوع على رأسه في الارض او يزيد عليها وتكون قاعدته الى جهة الشمس بحيث يكون المثلث قطعة من رأس مثلث قاعدته قرص الشمس وكون الظل غير ظليل لانه من سنخ النار ولا يغني من لهب جهنم لانه هو الجالب لها اي للهب الشهوة والغضب لان ذلك هو بذر جهنم ولهبها لان جهنم ولهبها كامن في الطبيعة وفي القوة الشهوية والغضبية اذا لم يعدلا وهي الأن كامنة في اهلها فاذا كان يوم القيمة برزت ليكونوا فيها قال تعالى يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين وقال تعالى يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وقال تعالى لو تعلمن علم اليقين لترون الجحيم

وقوله { الا ان يطفئها ماء التوبة المطهرة للنفس عن المعاصي } التي تنشأ عن طرفي الحكمة العملية وماء العلم المطهر لدنس القلوب الناشي عن رجس الجاهلية الاولى والجاهلية الثانية المنبعث عن طرفي الحكمة النظرية والمراد بالجاهلية الاولى ما قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه واله وما قبل التوسط بين اطراف الحكمة النظرية والجاهلية الثانية ما قبل ولاية امير المؤمنين عليه السلام وما قبل التوسط بين اطراف الحكمة العملية

قال : قاعدة في نشر الكتب والصحائف قال تعالى ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وقال واذا الصحف نشرت اعلم ان كل ما يفعله الانسان بنفسه ويدركه بحسه يرتفع منه اثر الى ذاته ويجتمع في صحيفة نفسه وخزانة مدركاته اثار الحركات والافعال وهو كتاب منطو اليوم غائب عن مشاهدة الابصار فيكشف له بالموت ما يغيب عن البصر في حال الحيوة مما كان مسطورا في كتاب لا يجليها لوقتها الا هو وقد مرت الاشارة الى ان رسوخ الهيئات الباطنة وتأكد الصفات النفسانية وهو المسمى عند الحكماء بالملكة وعند اهل الشريعة بالملك والشيطان مما يوجب خلود الثواب والعقاب فكل من فعل مثقال ذرة من خير او شر يرى اثره مكتوبا في صحيفة ذاته او صحيفة اعلى منها وهو عبارة عن نشر الصحائف وبسط الكتب
اقول نشر الصحائف والكتب عبارة عن تطائرها وذلك لانها في قبره موضوعة في اعناق المكلفين كما تقدم في ذكر كتابتها في قطعة من كفنه باصبعه وريقه باملاء رومان فتان القبور وكانت في الدنيا كذلك كتبها رقيب وعتيد في ورقة من اللوح المحفوظ بمعنى انه اذا عمل عملا صالحا مثلا كما اذا صلى يوم الجمعة في المسجد ركعتين كتبها رقيب وعتيد كما يكتب المقابل للمرءاة صورته فيها يكتبان صلاته للركعتين بهيئة المصلي في غيب ذلك المسجد وغيب ذلك الوقت ويبقى ذلك مكتوبا في غيب ذلك المكان وذلك الزمان الى يوم القيمة فاذا كنت حضرته حين الصلوة في المسجد يوم الجمعة لا تزال كلما التفت بخيالك اليه رأيت مثاله يصلي في الصلوة التي حضرته فيها وان كان العامل قاعدا عندك فان مثاله لا يزال في تلك فاذا حضر عندك وجدته لابسا لذلك المثال وكذلك لو رأيته سارقا لشيء وجميع الاعمال مكتوبة بهذا النحو ولكن رومان فتان القبور هو الذي يلبسه تلك الامثال المتعددة المتفرقة المتباينة بان يلبسه الاثار القائمة بها فاذا كان يوم القيمة تطايرت ذوات الامثال من امكنتها واوقاتها وذلك حين مدت الارض والقت ما فيها وتخلت ونشرها ان يجيء كل عمل في مكانه ووقته ومثاله متلبس بذلك فكل مثال عامل بعمله فلزيد مثلا الف مثال في الف عمل بل مائة‌الف مثال في مائة‌الف عمل كل مثال متلبس بعمله فذلك نشر الكتب والدواوين وكشف السرائر يا من اظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا الله قال تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه وذلك في قبره على يد رومان ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا وهذا كتاب الاعمال التي تعمل فيها الامثال وآثارها ما وضعها رومان في عنقه فيقال له اقرأ كتابك اي الذي طوقك به رومان فانه لا يخالف الكتاب المنشور الجامع للامثال العاملة بتلك الاعمال في اماكنها واوقاتها كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا لانه اذا رأى نفسه في امثاله عاملة لاعماله كما ترى نفسك في صورتك التي في المرءاة محركة للصورة لا يقدر على انكار ما اقر به حالة اقراره فكفى بنفسه ذلك اليوم عليه حسيبا وقال تعالى واذا الصحف نشرت وهي كتب الامثال فانها هي الكتب المنشورة والصحف المنشورة

وقوله { اعلم ان كل ما يفعل الانسان بنفسه ويدركه بحسه يرتفع منه اثر الى ذاته } وهو اتصافه بذلك العمل فالعمل متلبس به مثاله في مكان الفعل ووقته الى يوم القيمة وهو الكتاب المنشور يوم القيمة والاثر المرتفع الى ذاته هو اتصافه بذلك العمل وهو طائره اللازم لذاته في عنقه مثاله اذا رأيت عمرا يسرق من دكان زيد في السوق يوم الخميس شيئا ثم اتاك بعد ذلك عمرو فانك تراه متصفا بتلك السرقة فتشاهد الوصف الذي هو طائره لازما لعنقه اي غير منفك عنه وترى فعله ومثاله الذي سرق والسرقة عند الدكان المعروف وهو في غيب الدكان المحسوس وفي غيب يوم الخميس فتشاهد الكتاب المنشور في غيب مكانه وغيب وقته ومثاله يسرق ابدا لتلك السرقة هذا وعمرو ما لم يتب تراه متصفا باثار فعله لازمة لعنقه كلزوم الظل للشاخص فاذا تاب وعلمت بتوبته واتاك لم تره متصفا بتلك الاثار ولكن ترى مثاله في السوق يسرق من دكان زيد يوم الخميس ولا ترى آثار ذلك المثال بعمرو لانها متعلقة بمباديها من سجين كتاب الفجار فاذا كان يوم القيمة وقد تاب في الدنيا محا الله سبحانه صورة ذلك المثال السابق من الامكنة والاوقات ومن نفوس الملائكة ومد الله سبحانه على عمرو سرادق ستره وان لم يتب بقي اثر ذلك منطويا مدة حياته غائبا عن مشاهدة الابصار فاذا مات كشف عنه الغطاء فعاين الاشياء كما هي قال تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد مما كان مسطورا في كتاب لا يجليها لوقتها الا هو اي لا يكشفها في الوقت الذي تكون فيه الا هو سبحانه

وقوله { وقد مرت الاشارة الى ان رسوخ الهيئات الباطنة وتأكد الصفات النفسانية وهو المسمى عند الحكماء بالملكة وعند اهل الشريعة بالملك والشيطان } نعم ولكن اشرنا الى بطلانه اما ان رسوخها يكون ملكة ثابتة فلا كلام فيه لان الاعمال والواردات من الافكار والاعتقادات ان لم تستقر تسمى احوالا وان استقرت سميت ملكات عند الحكماء والصوفية واما انها اي رسوخ الهيئات الباطنة وتأكد الصفات النفسانية تسمى عند اهل الشريعة عليهم السلام بالملك والشيطان فلا لان الملك عندهم عليهم السلام وكذلك الشيطان نفوس على حدة ذوات شعور وتكليف واختيار الا ان الله سبحانه بلطيف صنعه وكل الملائكة بما يريد ايجاده مثلا اذا اراد ايجاد زيد امر كلمته فقبض له عشر قبضات من كل فلك من الافلاك التسعة قبضة ومن مجموع العناصر الاربعة قبضة وجعل لكل قبضة من القبضات العشر ملائكة فملائكة القبضة منهم ملائكة الدور الاول يديرون عناصرها وملائكة الدور الثاني يديرون معادنها وملائكة الدور الثالث يديرون نباتيتها وملائكة الدور الرابع يديرون حيوانيتها وملائكة تألف القبضات العشر وملائكة تربي المركب منها من نطفة الى علقة الى مضغة الى عظام الى ان تكسى لحما الى ان تنشأ خلقا وملائكة تصوره على ما يشاء تعالى وملائكة في اكوار تلك القبضات في تربية نفوسها وملائكة الاحكام تربي سعادته او شقاوته وهذه الملائكة المذكورون محال امر الله تعالى وحملته بواسطة اوليائه صلى الله على محمد واله فهم المدبرات امرا وهم حملة فعله فهم بامره يعملون قال امير المؤمنين عليه السلام في شأن الملأ الاعلى تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ه‍ فالملائكة في جميع ما اعطاهم من القوة والقدرة والاستطاعة والاختيار والمعرفة بجهات ما امروا به كالالة لفعله لانهم اعضاد للمسببات يحملون الاسباب وهي افعاله وبها يعملون وليسوا قوى المخلوقات كما توهموا لان القوى اجزاء المخلوق وآلاته الصالحة لجميع اراداته يفعل بها خيره وشره والملائكة جند الله المطهرون عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولكن الحكيم اذا رأي السبب ضعيفا وضع له مقويا يعضده ليقدر على مسببه واذا رأي المسبب ضعيفا عن مباشرة السبب وضع له حجابا يحجب قوة السبب لئلا يحترق المسبب قال صلى الله عليه واله ان لله سبعين‌الف حجاب من نور وظلمة لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ه‍ والملائكة من القسم الثاني فهم الحجب والسبحات افعاله فان قلت قوله وظلمة ينافي ما قلت من انها الملائكة لانهم كلهم نورانيون قلت ان ملائكة النور نورانيون وملائكة الظلمة ظلمانيون وملائكة النعيم في غاية الحسن والجمال كرضوان وملائكة العذاب في غاية القبح كمالك ومنكر ونكير وايضا يراد بالنور الملائكة العقلانيون المجردون وبالظلمة الملائكة الجسمانيون الماديون وايضا وجود النور نور ووجود الظلمة نور كوجود النور فالملك والشيطان نفسان متحركان بالارادة مباينان للانسان ولسائر الحيوان وليسا ملكة

وقوله { مما يوجب خلود الثواب والعقاب } صحيح على ما بيناه سابقا من ان الرجل اذا عمل عملا كتبت الحفظة مثاله في غيب مكان عمله وغيب وقته فلا يزال ذلك المثال يعمل ذلك العمل في ذلك المكان والوقت وثمرات تلك الاعمال تصل اليه ويتصف بها فان دام على ذلك العمل حتى حصلت له منه ملكة وطبيعة دامت له تلك الثمرات من ثمرات الاعمال الصالحة من الثواب ومن ثمرات الاعمال الطالحة من العقاب وهذا وجه لايجاب الخلود ووجه اخر ان اهل الجنة انطوت سرائرهم وتحققت نياتهم وعزمهم على انهم لو بقوا ابد الابدين ان يطيعوا الله سبحانه في كل ما يأمره وانما يمنعه عن بعضها بعض الموانع ويكون حينئذ ماقتا لنفسه معترفا بتقصيره في كل حال وذلك من اعظم الاعمال وافضلها ففي الحقيقة لا يفتر المؤمن عن طاعة الله طرفة عين لانه اما عامل واما معترف بالتقصير والذنوب فهو بذلك عامل واهل النار على العكس من اهل الجنة في كل ما ذكر ولذا ورد انما خلد اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار بنياتهم

وقوله { من فعل مثقال ذرة من خير او شر يرى اثره مكتوبا في صحيفة ذاته او صحيفة اعلى منها } نعم كل من فعل وجد اثر فعله مكتوبا في صحيفة ذاته اي تكون ذاته متصفة باثر ذلك العمل ويجد ذلك العمل مكتوبا في صحيفة اعلى من صحيفة ذاته لا اثره اذ اثر عمله لا يكون على غيره ولا تزر وازرة وزر اخرى ويجد ذلك مكتوبا في صحائف دون صحيفة ذاته فاما ما في ذاته فهو لون عمله وهيئته فتتقدر مادته بصورة عمله ويبيض وجهه او يسود واما ما في صحيفة او صحائف اعلى من ذاته فهو ما في الواح نفوس الملائكة والاشهاد من الانبياء والمرسلين والشهداء والصالحين واما ما في صحائف ادنى من ذاته فهو ما في الواح بقاع الارض التي عمل فيها والاوقات من الساعات والايام والشهور والسنين كذلك وما على الارض من الحيوانات والنباتات والجمادات وهذا معلوم الا ان ما في صحيفة ذاته امثال اعماله وآثارها التي هي نتائج تلك الاعمال وثمراتها وما في ما هو اعلى من ذلك امثال اعماله وما في ما هو ادنى من ذاته صور امثال اعماله وعكوسات آثارها ولذا تقع من وجود المؤمن الصالح العامل بركات وخصب ورخاء في الزروع والثمار والاسعار وتقع من وجود المنافق قلة البركة وقلة الريع والغلاء

وقوله { وهو عبارة عن نشر الصحائف وبسط الكتب } قد بينا في معناه ان الاثار التي تلزم ذات العامل عبارة عما املأه عليه رومان عند اول دخول قبره وان نشر الصحائف عند تطاير الكتب ولبس العامل امثاله التي عملت به اعماله وظهوره بها مكشوفة بين الخلائق بحيث لا يستر منها شيء الا ما ستره الله بستره وعفوه او ما ستره الله تعالى بتوبة عبده وذلك عند حضور الاشهاد من الملائكة المقربين والانبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والامكنة والبقاع والشهور والسنين

قال : فاذا حان وقت ان يقع بصره على وجه ذاته عند كشف الغطاء ورفع الغشاوة فيلتفت الى صفحة باطنه وكتاب نفسه فمن كان في غفلة عن ذاته وحساب حسناته وسيئاته يقول عند ذلك ما ل‌هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا وذلك ان نشأة الاخرة نشأة ادراكية حيوانية كل من فيها حديد البصر لقوله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فمن كان من اهل السعادة واصحاب اليمين اوتي كتابه بيمينه من جهة عليين لان معلوماته امور كلية رفيعة عالية كما قال ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ومن كان من الاشقياء المردودين الى اسفل سافلين واصحاب الشمال فقد اوتي كتابه بشماله او من وراء ظهره من جهة سجين لان مدركاته مقصورة على اغراض جزئية سفلية ولاشتمال كتابه على الكذب والبهتان والهذيان فحري بان يلقي في النار وخليق بان يحترق في الجحيم كما قال ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادريك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين
اقول يريد ان المكلف الذي كتبت آثار اعماله في صحيفة ذاته اذا قرب وقت اطلاعه على ما كتب في صحيفة ذاته وقع بصره اي بصيرته على وجه ذاته والمراد بالوجه مقدمها الذي هو متعلق الاتصاف بتلك الاثار وتلك المشاهدة عند كشف الغطاء غطاء الطبيعة المادية اعني الجسم بان تلقيه وتخرج اي الروح عنه ورفع الغشاوة اي رفع كدورات الطبيعة الشاغلة للروح عن الالتفات الى ما كتب في نفسها فتلتفت الى صفحة باطنه وكتاب نفسه فمن كان منتبها حاسب نفسه في الدنيا قبل ان يحاسب ومن حاسب نفسه في الدنيا وقام بما يراد منه المعبر عنه بمحاسبة النفس في الدنيا لم يحاسبه الله تعالى يوم القيمة لانه تعالى اكرم وارحم من ان يجمع على عبده حسابين ومن كان في غفلة عن ذاته وعن حساب حسناته وسيئاته يقول عند ذلك ما ل‌هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا قال المصنف وذلك اي كونه قد عاين ما هو مكتوب في ذاته لان نشأة الاخرة نشأة ادراكية اي عقلية تعقلية حيوانية ليس فيها موت من جهل او غفلة بل كلها حيوة ويقظة وتعقل وتذكر فيكون كل من فيها حديد البصر لقوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد واقول وان كان كلامه غير مناف في الجملة لكنه ليس مبنيا على كون العود عين البدء اذا ازيلت الامور العارضة عنه وذلك لان العائد قبل وصوله دار التكليف على حاله في العود بعد التخلص من الامور العارضة له من مراتب النزول ومن شرائط التكليف الجاري في استيجاب الثواب او العقاب على مقتضي الحكمة المحفوفة بالعدل والفضل المشفوعة بالابتلاء والاختبار ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة فالعود كالبدء كما بدأكم تعودون فحالته في الادراك والتذكر والتعقل ومشاهدة الغيب في العود نفس حالته في البدء ولكن تيقظه في الدنيا مستور بالغواشي الطبيعية والظلمات المادية فلما كشفت ظهر منها ما كان مستورا فيها فمن ساعده التوفيق وانتبه من غفلته في هذه الدنيا وجد ما يجده في الاخرة وعرف ما يعرفه وشاهد هنا ما يشاهده هناك فان كانت مشاهدته هناك مشاهدة تامة على مقتضى صحة الحكمتين العملية والنظرية قامت قيامته وعرف مفصوله وموصوله والا فاذا مات وكشف عنه غطاءه الذي هو جسده كان بصره حديدا يشاهد الغيب كما قال لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فمن كان من اهل السعادة واصحاب اليمين يعني اصحاب علي عليه السلام فانه هو يمين الله حتى انه قد اتفق ان حساب يمين موافق لحساب اسم علي عليه السلام بحساب الجمل الكبير اوتي كتابه بيمينه ليطابق الظاهر الباطن من جهة عليين وعليون اعالي الجنان لانه محل جنة عدن التي هي مسكن الانبياء والاوصياء عليهم السلام وهو محل كتاب الابرار والمراد منه نفس فلك الثوابت المسمى بالكرسي وباللوح المحفوظ وفيه صور الاعمال الصالحة اعني صور الاجابة حين سألهم داعي الله صلى الله عليه واله عن امر الله يقول الله لكم الست بربكم قالوا بلى والمجيب يؤتي كتابه بيمينه من تلك الجهة اي الجهة العليا لان معلوماته امور كلية بل وجزئية كما عندنا رفيعة عالية لان اليمين تطلق على الحق وعلى العالي وعلى اللب والباطن والغيب فيؤتي كتابه بيمينه لذلك كما قال تعالى كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وهم الرجال الكروبيون اعني ملائكة الحجب الذين جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سأل امر رجلا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا كذا رواه ابن ‌ادريس في مستطرفات السرائر نقلا من بصائر الصفار والكروبيون في القاموس انه مخفف الراء وبعضهم قرأ بالتشديد ومعنى ذلك انه صيغ من كرب بمعنى قرب ومن كان من الاشقياء المردودين الى اسفل سافلين واصحاب الشمال فقد اوتي كتابه بشماله او من وراء ظهره وظاهر عبارة المصنف هنا وفيما تقدم انهم فريقان فريق يؤتى كتابه بشماله وفريق يؤتي كتابه من وراء ظهره والذي صرح به كثير من العلماء انهم فريق واحد وانما ذكر في القرءان مرة واما من اوتي كتابه بشماله ومرة واما من اوتي كتابه وراء ظهره لانه تعالى يكرر الذكر والقصة لتستقر في قلوب المكلفين وليدل على تعظيم الامر في نفوسهم فيكون اردع لهم عن المعاصي ولئلا ينسى ما هو نبأ عظيم ويعرض عنه ولو ذكر القصة كلها في موضع واحد من كتابه وذكرها في موضع اخر بغير زيادة في المعنى وبغير تغيير العبارة لمجتها النفوس وملت من استماعها فجرت عادته سبحانه ان يكررها ليتذكر اولوا الالباب بزيادة معان في الثانية ليرغب المكلف الى استماعها طلبا لفهم المعنى الجديد وبتغيير العبارة لئلا يمل من استماعها وليكون الذكر الثاني مغايرا للاول معنى ولفظا ولما فيه من الاسرار التي لا يحيط بها الا هو ومن اطلعهم عليه من اوليائه عليهم السلام التي من جملتها انه لم ينزل لقوم دون قوم بل هو جار لجميع المكلفين الى انقضاء التكليف موافق لطباع كل طبقة بما يلايم لهم فلذا كان مرة قال تعالى فاما من اوتي كتابه بشماله ومرة قال تعالى فاما من اوتي كتابه وراء ظهره ومعناه كما قال بعضهم ان كتاب المنافق والكافر يأتيه من وراء ظهره فيضربه فيخرق ظهره ويظهر من صدره ويأخذه بشماله

وقوله { المردودين الى اسفل سافلين } من قوله لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين ولكن المخلوق في احسن تقويم ليس هو المردود الى اسفل سافلين لان المخلوق في احسن تقويم هو محمد او محمد وعلي صلى الله عليهما والهما والمردود الى اسفل سافلين حبتر او حبتر وزريق وهما اعرابيان من المنافقين صورا بصورة الانسان فدخلا في الانسان بالاسم الصوري فيكون ضمير المفعول في رددناه عائدا الى الانسان الصوري لا الى المعنوي لانهما ليسا من اصحابه صلى الله عليه واله الذين بايعوه بيعة الرضوان رضوان الله عليهم وانما كانا من الجن ولم يحضرا بيعة الشجرة الا بتلك الصورة الاولى فاذا عاد كل شيء الى اصله عادا الى رتبتهما من الكون وهو الرد المذكور

وقوله { من جهة سجين } وهو الصخرة التي تحت الارض السابعة وهي كتاب الفجار قال المصنف لان مدركاته يعني من اوتي كتابه بشماله مقصورة على اغراض جزئية سفلية منتزعة من امثاله العاملين لاعماله وتلك المدركات صور قائمة بالصخرة ومباديها في الثرى الذي لا يعلم ما تحته الا الله سبحانه وانما اشتمل كتابه على الكذب والبهتان والهذيان لان الصور التي كتبت فيه من الثرى الذي هو مظهر الجهل الكلي الذي قال له الله سبحانه ادبر فادبر ثم قال له اقبل فادبر فلعنه وطرده من رحمته وكل ما منه لاحق به فمن كان كتابه الذي اخذه بشماله مشحونا بذلك فهو حري بان يلقي في النار وخليق اي حقيق بان يحترق في الجحيم كما قال كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادريك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين وويل اسم واد في جهنم يرده من اوتي كتابه بشماله ومن وراء ظهره

قال : قاعدة في ظهور كيفية ظهور احوال تعرض يوم القيمة على الاجمال وتفاصيلها مستفادة من القرءان والحديث على اتم تفصيل واوضحه الا انه نبأ عظيم والناس عنه معرضون كما قال عز من قائل وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون واعلم ان القيمة كما اشرنا اليه من داخل حجب السموات والارض ومنزلتها من هذا العالم منزلة الانسان من الرحم والطير من البيضة فما لم ينهدم بناء الظاهر لم ينكشف احوال الباطن لان الغيب والشهادة لا يجتمعان في موضع واحد فلا تقوم الساعة الا اذا زلزلت الارض زلزالها وانشقت السماء وانتثرت الكواكب وتساقطت النجوم وكورت الشمس وخسف القمر وسيرت الجبال وعطلت العشار وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة
اقول يريد ان العارف في هذه الدنيا تظهر له كيفية ظهور احوال الاخرة ويتعقلها ويتصورها كلا او بعضا وذلك يحصل في هذه الدنيا لمن امات نفسه حتى قامت قيامته وظهر سلطان عقله على جميع جوارحه فانه لما قطع العلائق وصل الى الخالق سبحانه يعني انمحى في نور امره واشتغل بطاعته وذكره

وقوله { على الاجمال } يريد ان اسم العارف والواصل يصدق على من لم يقدر على تفاصيل احوال الاخرة وان كانت في جميع جهاتها مفصلة في الكتاب والسنة على اتم تفصيل واوضحه الا انه ليس على نمط واحد بل منها مبين في التفسير الظاهر ومنها في غيره كالباطن وباطن الباطن الى سبعة وكالظاهر وظاهر الظاهر وظاهر ظاهر الظاهر وهكذا الى سبعة وكالتأويل وباطن التأويل وباطن باطنه وهكذا الى سبعة بل الى سبعين ولكن لا يطلع عليها الا من خوطب به كما قال تعالى لا يسعني ارضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن لانه يتقلب معي وفي وبي ه‍ وذلك هو الذي يحيط بتفاصيلها وتفاصيلها بعضا او كلا مستفادة من الكتاب والسنة وكذلك من الافاق والانفس لان الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وقال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هيهنا ه‍ وايات الكتاب مشتملة على الاشارة الى ان تفاصيل الاشياء موجودة في الافاق وفي الانفس مثل قوله تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال تعالى وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون وقال تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وامثال ذلك كثير يشير الى كلها قوله تعالى قل سيروا في الارض اي اقرءوا القرءان بالتدبر او انظروا في الافاق وفي انفسكم حتى يتبين لكم انه الحق تعالى وحتى يتبين لكم حقائق الاشياء وحتى يتبين لكم ما يراد منكم واعلم ان الكتاب التدويني طبق الكتاب التكويني وكل ما في الكتاب التكويني فهو في نفسك لانك قد انطوي فيك العالم الاكبر فاذا اردت ان تعتبر في الايات اما في الافاق واما في نفسك فاذا ظهر لك في العالم فانظر هل هو مطابق لما في نفسك ام لا وبالعكس فاذا تطابقا فهو الحق وان تخالفا فهو الباطل وان لم تقف الا على واحد فتأمل وتدبر فانهما لا يختلفان والمصنف انما ذكر هذه الاية للاشارة الى ان ما ذكره مأخوذ من التدبر في الايات وهو ممن يتدبر الا ان شرط الصحة وهو المطابقة بين العالم الكبير والعالم الصغير قد لا يتوجه له لان المهتدي الى هذا الشرط قليل لكثرة وقوع الخطأ في الاقتصار على احدهما ومع التطابق ربما لا يقع خطأ

وقوله { واعلم ان القيمة كما اشرنا اليه من داخل حجب السموات والارض ومنزلتها من هذا العالم الخ } يريد به ان عالم الاخرة اما جنة وهي في غيب هذه السموات واما نار وهي في غيب هذه الارضين وهذا صحيح لان الدنيا ما نزل اليها من عالم الغيب في القوس النزولي كالاجسام الباقية يعني المبعوثة يوم القيمة فانها باقية في القبور قال تعالى وان الله يبعث من في القبور وكالصور البرزخية وكالجواهر الهبائية والطبيعية والنفسانية فانها نزلت من المكان الرفيع فلما نزلت لحقتها عوارض المراتب فلما عادت القت ما فيها وتخلت فاذا مات الانسان رجع الى البرزخ في الصورة البرزخية فاذا نفخ في الصور رجع الى الهبائية والطبيعية في اربع‌مائة سنة ويتخلص فيها من العوارض ويرجع الى النفسية يوم القيمة لانه مقابل النفس ومسامت لها في القوس الصعودي فالجنة في سموات الاخرة والنار في ارض الاخرة وسموات الاخرة وارضوها في سموات الدنيا وارضيها كالزجاج الشفاف في الحجر الكثيف وكالطير في البيضة وكالشجرة في النواة وليس منزلتها كمنزلة الانسان في الرحم بل ولا كمنزلة الطير في البيضة والشجرة في النواة لان الانسان متميز في الرحم والطير والشجرة غير موجودين بالفعل والجنة والنار والاخرة ليست متميزة كتميز الانسان في الرحم بالظرفية وليست في وجودها بالقوة كوجود الطير والشجرة وانما وجودها بالفعل كوجود الزجاج في الحجر وكوجود الزبد في اللبن وكبرادة الذهب في التراب كما مثل بها الامام عليه السلام فاجسادنا هذه التي في الدنيا بعينها هي اجساد الاخرة وانما غطاها عن الابصار العوارض كما غطي سحالة الذهب التراب عن الابصار فاذا غسل التراب بالماء او نفخ بالهواء ظهرت برادة الذهب واذا اذيب الحجر بالنار تخلص الزجاج وكذلك الجنة والنار وسموات الاخرة وارضوها موجودة الان بالفعل كوجود الزجاج في الحجر بالفعل وبرادة الذهب في التراب بالفعل واما وجود الانسان في الرحم فانه متميز الا انه مظروف والطير وجوده بالقوة ولا كذلك الاخرة والجنة وسمواتها وارضوها والنار وارضوها وسمواتها فان للنار سموات كما للجنة لانها ظلها وعكسها وهو قوله تعالى لهم من فوقهم ظلل من النار وهي سمواتها كما ان السموات تظل من تحتها وانما لم يصرح بذلك لخفائه على عامة المكلفين ولئلا يتوهموا ان فيها فسحة وسعة ولكن على نحو السموات في الدنيا فان بين كل سماء فاصلة وهي المتممات الحاوية والمحوية والارضون ظلها وعكسها وليس بينها فواصل ظاهرة ولا يتفوه بها والمصنف في قوله ان القيمة من داخل حجب السموات والارض على ما هو الظاهر انه عرف رتبتها ولكنه ماعرف آيتها ومثالها ويحتمل انه اخذ ذلك من كلام القوم ولو اخذه بالمعاينة لما اخذه الا من اياته في الافاق وفي الانفس ولو اخذه من اياته لمثل بها لانها هي مثاله وهي دليله فافهم

وقوله { فما لم ينهدم بناء الظاهر لم تنكشف احوال الباطن الخ } صحيح لان المراد بذلك هو تخليص الغيب الموجود الأن بالفعل ولذا قال فلا تقوم الساعة الا اذا زلزلت الارض زلزالها وانشقت السماء وانتثرت الكواكب وتساقطت النجوم وكورت الشمس وخسف القمر وسيرت الجبال وعطلت العشار وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة وبيان هذه على الظاهر مذكور في التفاسير والمراد ان هذا كله من كيفيات التخليص والتصفية لما تلوث من العالم ليلتحق بالصافي منه فهذه الاجسام الدنيوية المادية هي بنفسها تعود بعد التصفية فان قلت انك رددت على المصنف فيما تقدم حتى قلت انه عند اهل البيت عليهم السلام غير قائل بالمعاد الجسماني لانه لا يقول باعادة المادة وانما المعاد هو الصورة مع انه قائل باعادة الانسان بعد تصفيته لانه لا يعاد بهذه العوارض والكثافات وانما المعاد الجسم النوراني يعني بعد تصفيته ويريد بالصورة الصورة الوجودية لان الانسان انما هو انسان بهذه الصورة فقوله غير مناف لما تذهب اليه وانما النزاع لفظي قلت النزاع معنوي لاني اقول ان الذي يعاد هو هذا الجسد الموجود بالفعل بعد تصفية مادته الموجودة بالفعل الأن يعاد بمادته هذه بعد تصفيتها كتصفية الزجاج من الحجر الكثيف في صورة عمله فان عمل عمل الانسان من الطاعات اعيد بمادته في صورة الانسان لانها هي صورة الطاعة وان عمل عمل الحيوان اعيد بمادته في صورة الحيوان من حمار او ثور او كلب او خنزير او غير ذلك مما اقتضاه عمله من الصور وعلى كل تقدير فصورته في الدنيا لا تعود وان اعيد عليها اعيد على صورة مثلها لان الصور التخطيطية ليست جزءا من الجسد بخصوصها كما لو كسرت خاتمك وصغته على صورته الاولى فانه هو هو بغير تبديل والصورة الوجودية ليست الا المادة والمصنف يقول ان الانسان المعاد بصورته لا بمادته حتى قال فيما تقدم في الاصول السبعة في الاصل الاول : فهو هو بصورته لا بمادته حتى لو فرض تجرد صورته عن مادته لكان هو بعينه باقيا عند ذلك التجرد وانما الحاجة الى المادة لقصور بعض افراد الصور عن التفرد بذاته دون التعلق الوجودي بما يحمل لوازم شخصه ويحمل امكان وقوعه ويقربه باستعداده الى جاعله ويرجح وقت حدوثه على سائر الاوقات ونسبة المادة الى الصورة نسبة النقص الى التمام والشيء مع تمامه واجب الحصول بالفعل ومع نقصه ممكن بالقوة انتهى فقوله حتى لو فرض تجرد صورته الى آخره صريح في عدم اعتبار المادة في الاعادة وانما المعتبر في الاعادة عنده الصورة الوجودية مثل ما مثلنا بالنهر فانه يقال لهذا الماء الجاري الذي في النهر هذا الماء الذي شربنا منه في العام الماضي مع انه يتبدل ويتغير كل لحظة ولكنه باعتبار الصورة الوجودية هو ذلك الاول وقد قال في قاعدة بعد الاصول السبعة الماضية : ان المعاد في يوم المعاد هذا الشخص الانساني المحسوس الملموس المركب من الاضداد الممتزج من الاعضاء والاجزاء الكائنة من المواد مع انه يتبدل عليه في كل وقت اعضاؤه واجزاؤه وجواهره واعراضه حتى قلبه ودماغه سيما روحه البخاري الذي هو اقرب جسم طبيعي الى ذاته واول منزل من منازل نفسه في هذا العالم وهو كرسي ذاته وعرش استوائه ومعسكر قواه وجنوده وهو مع ذلك دائم الاستحالة والتبدل والحدوث والانقطاع فان العبرة في بقاء البدن بما هو بدن شخصي انما هي بوحدة النفس فما دامت نفس زيد هذه النفس كان بدنه هذا البدن لان نفس الشخص تمام حقيقته وهويته وهذا كما يقال ان هذا الطفل ممن يشيب او هذا الشاب كان طفلا وعند الشيب قد زال جميع ما كان له عند الطفولية من الاجزاء والاعضاء الى اخر كلامه فتأمل في كلامه وما قبله هل يدل على اعادة المواد وهل يكون كما ذكرنا وهل يكون النزاع بيننا لفظيا وقد تقدم هذا الكلام وذكرنا هناك ما يرد عليه ولكن اعدته لتتأمل فيه في مثل قوله وعند الشيب قد زال عنه جميع ما كان له عند الطفولية من الاجزاء والاعضاء فاعتبروا يا اولي الالباب وانما مراده بقوله ان هذا البدن الملموس المحسوس في هذه الدنيا هو المعاد ليس انه بمادته الا انها تصفى وان الجسم الاخروي الباقي هو هذا بعد التصفية على نحو ما بينا بل كما مثلنا بالنهر لان المعاد عنده هو الصورة الوجودية فيا ليت شعري اذا كان الطفل عند الشيب يكون قد زال عنه جميع ما كان له عند الطفولية من الاجزاء والاعضاء هل تكون الاعضاء التي له قبل الشيب المباشرة للمعاصي تزول وتجدد له اعضاء غيرها تعذب ولم تعمل شيئا من المعاصي بل لاجل انها جعلت عضوا للنفس العاصية والتي عملت المعاصي وباشرت ما حرم الله وتلذذت بالمعاصي تذهب طلقا سالمة من العذاب ويحمل عذابها على ما لم يعص فهنيئا للاعضاء الفانية اذا كانت عاصية وتعسا لها ان كانت مطيعة لانها حملت مشقة الطاعات بلا عوض فالله قال تعالى ولا تزر وازرة وزر اخرى والمصنف قال تزر وازرة وزر اخرى اذا كانت بصورتها

قال : والعارف قد يشاهد هذه الاحوال والاهوال عند ظهور سلطان الاخرة على ذاته فيسمع نداء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فيرى السموات مطويات بيمينه ويرى هذه الارض عند القيمة في الزلزال والجبال في الاندكاك حيث لا استقرار ولا جمود لها فاذا انكشف الغطاء بالقيامتين الكبرى والصغرى يرى كل على اصله من غير غلط في الحس وشبهة في الوهم فيرى ذوات الاوضاع الشخصية المركبة مواد وصورا متجددة مستحيلة مع اعراضها المختلفة التي كان يتم بها وجودها الشخصي المحسوس الذي مظهرها آلات الحواس وانفعالاتها عند الحواس وانفعالاتها عند القيمة
اقول العارف في هذه الدنيا اذا ظهر سلطان الاخرة على ذاته من جهة عقله على سائر بدنه حتى امتثل اوامر الله واجتنب نواهيه كما يحب الله واستقام على ذلك كان امتداد عقله من النور كما قال الصادق عليه السلام دعامة الانسان العقل والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح امره فاذا كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا ذاكرا فطنا فهما فعلم بذلك كيف ولم وحيث وعرف من نصحه ومن غشه فاذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله واخلص الوحدانية لله والاقرار بالطاعة فاذا فعل ذلك كان مستدركا لما فات وواردا على ما هو ات ويعرف ما هو فيه ولاي شيء هو هيهنا ومن اين يأتيه والي ما هو صائر وذلك كله من تأييد العقل ه‍ فاذا كان في الدنيا كذلك فقد امات نفسه وقامت قيامته كما قال صلى الله عليه واله فيشاهد احوال الاخرة واهوالها لانها كلها الأن موجودة بالفعل وانما غطاها عن اهل الدنيا الغواشي الدنيوية والحجب الطبيعية المادية ومن امات نفسه فقد كشف الغواشي وخرق الحجب لانه قد جمع قلبه على ما يحب الله فقذف الله سبحانه في قلبه العلم واليقين وقد قال تعالى لو تعلمن علم اليقين لترون الجحيم فيسمع نداء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فيجيب لانه سمع لمن الملك اليوم فقال لله الواحد القهار لان الله احدث الجواب في سره كما احدث الكلام لموسى في الشجرة بل سمع نداء الله سبحانه للارض بين النفختين يا ارض اين ساكنوك اين الجبارون المتكبرون اين من اكل رزقي وعبد غيري لمن الملك اليوم فلا يجيبه احد فيرد على نفسه تعالى لله الواحد القهار فيسمع العارف ذلك الرد ويرى السموات مطويات بيمينه يعني حين كشطت اي ازيل عنها القشر وغسلت من العوارض ويشاهد الارض حين زلزلت والجبال حين دكت فكانت هباء لان الارض كانت منذ كانت في الزلزال والجبال في الاندكاك والناس سائرون الى ارض المحشر منذ كانوا في النطف وتتم هذه الحالة الوصفية يوم القيمة العامة ويظهر ذلك لكل احد واما الغاية الذاتية اي الحالة الذاتية لهذا الاندكاك فلا غاية لها الا ان القيمة لما كان فيها زيادة تصفية وما بعدها ففي ابتداء دخول اهل الجنة قيل تحصل لهم بنسبة حالهم اذا دخلوا مقام الرفرف الاخضر فينتقلون الى مقام ارض الزعفران فيصفون ثم ينتقلون الى مقام الاعراف فيصفون ثم ينتقلون الى مقام الرضوان ثم لا انتقال ولا تصفية اذ لا غاية لذلك المقام ولا نهاية هذا والاندكاك والتبدل لا ينتهي لان الحادث لا ينفك عن ذلك ولكنه في الجنة من اعظم انواع النعيم لان المؤمن دائما في الجنة بلا نهاية يخلع من الامدادات ويلبس كما يخلع الانسان ثوبا من ثيابه ثم يلبس غيره ثم يخلع الملبوس ويلبس الذي كان لبسه اعني الاول او غيره فهم لا يزالون في لبس من خلق جديد كما في الدنيا والبرزخ الا انه في الدنيا والبرزخ تخليص من الغرائب والعوارض وفي الاخرة تبديل وتجديد لا تخليص

وقوله { لا قرار لها ولا جمود } يعني انها كما وصفها تعالى فكانت هباء منبثا وكثيبا مهيلا وكالعهن المنفوش وكذلك هي في الدنيا بل كل شيء مما سوى الله هكذا وان اختلفت الاشياء في السرعة والبطؤ

وقوله { فاذا انكشف الغطاء بالقيامتين الكبرى } العامة لجميع الخلق { والصغرى } الخاصة بالشخص العارف الذي امات نفسه بالارادة في هذه الدنيا يرى كل شيء من الاشياء على اصله وحقيقته من غير غلط في الحس لان الحقائق تنكشف لكل احد فلا يجهل احد شيئا من احوال اهل الجمع العامة فلا يكون غلط في الحس ولا شبهة في الوهم لان في ذلك تكشف السرائر وتبدئ الضمائر

وقوله { فيرى ذوات الاوضاع الشخصية المركبة مواد وصورا متجددة مستحيلة الخ } هذه الرؤية يراها المصنف واتباعه واما الذين عرفوا ونظروا بنور الله فانهم يرون ذوات الاوضاع الشخصية والمجردة مواد وصورا متجددة متغيرة في كل جزء من موادها العنصرية والبرزخية والملكوتية والجبروتية وفي كل حال من صورها وهيئاتها الا ان تبدل موادها الذاتية بكونها ذاهبة عنه عائدة عليه بعين مادتها كما يعود كله بعين مادته يوم القيمة في صورة اعماله كذلك في الدنيا وما قبلها وفي القيمة وما بعدها فهو بما فيه من الاجزاء كالنهر المستدير عوده الى بدئه واخره يصب في اوله فاذا ذهب عنه شيء منه عاد اليه اما مجددا كما لو وصل الذاهب منه الى بعض خزائنه الكونية واما جديدا كما لو انتهى الى خزانته الامكانية فالشخص ابدا يمد بما ذهب منه وبما له واما تبدل صورها فانها تبدل الصورة الذاهبة بصورة قد قدرت في قالب الاولى وهذا حكم جميع الممكنات الماديات والمجردات الا ان المجردات لما كانت في التبدل والتغير اشد واسرع بمعنى ان المادي اذا دار في تبدله وتغيره دورة واحدة دار المجرد في تبدله وتغيره الفي دورة او ثلاثة‌الاف دورة او اربعة‌الاف دورة وكلما كان اشرف واعلى كان اسرع واول المكونات واشرفها واعلاها نور محمد صلى الله عليه واله فهو اذا دار المادي دورة واحدة دار نوره صلى الله عليه واله في التبدل والتغير الف الف دورة وربما يستفاد من بعض الروايات سبعين ‌الف الف دورة وذلك لشدة فقره الى الله سبحانه وشدة اعتناء الله عز وجل به في امداده ولكن لشدة دورانه قصرت العقول والافهام عن ذلك حتى توهمته ساكنا قائما بذاته وذلك لان الشيء اذا كان شديد الاستدارة يراه الانسان بحسه المشترك ساكنا وليس بساكن واعتقاد ذلك غلو وشرك بالله العظيم والمصنف بني تحقيقاته هذه على منوال اقوام يقيسون الامور باوهامهم وهو قد اغتر بهم ولو فتح عين بصيرته لم ير منهم الا انهم اشباه الرجال واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة حيث جعلوا المجردات غنية عن الاستمداد وانها مجردة عن مطلق المادة اصلا وكل ما لها بالفعل وليس فيها ما بالقوة فلا تنتظر شيئا وتعالى الله عما يشركون ولاجل ذلك خصص التجدد والاستحالة بذوات الاوضاع الشخصية مع اعراضها اللازمة للمواد المختلفة باختلاف المراتب والاطوار التي كانت في نزولها الى الدنيا وفيها يتم بتلك الاعراض وجود المركبات الشخصي المحسوس المتعين لانه يتشخص بها لا بغيرها ومظهر تلك الاعراض آلات الحواس اي فعلها وانفعالاتها وقد قدمنا ان الاعراض المشخصة من لوازم الانفعال اي القبول عند اجتماع متمماته لان المواد الوجودية ليس مشخصاتها من ذاتها كما توهمه المصنف وانما هي متممات صورها وماهياتها من الكم والكيف والمكان والوقت والرتبة والجهة والوضع والكتاب والاجل والاذن التي تلزمها تلك الاعراض والهندسة المميزة

قال : ولها نحو آخر من الرؤية فليس لها في مشهد الاخرة هذا النحو من الوجود فيشاهد الاشياء في عرصة القيمة على حقائقها الاصلية بمشعر اخروي يتنور بنور الملكوت فيشاهد الجبال كالعهن المنفوش ويتحقق بمعنى قوله تعالى ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا ويشاهد يومئذ نار جهنم محيطة بالكافرين ويراها كيف تحرق الابدان وتنضج الجلود وتذيب اللحوم وقودها الناس والحجارة ويرى الحجارة مسجورة
اقول ان العارف الواصل المتحقق بالسير في افعال الصنع بان قرأ القرءان وكشف الله عن بصيرته الاغشية والحجب بحقيقة ما هو اهله وصدقه مع الله تعالى مع توفيق الله سبحانه وسبق العناية له من الله تعالى فشاهد من مضى ومن غبر وكأنما كان في الاولين واهتدى للتي هي اقوم ونظر الى من نجا بما نجا والى من هلك بما هلك فاذا استقام على الاقبال الى الله والاخلاص لله شاهد الاشياء على حقائقها الاصلية بمشعر ذاتي بنسبة واحدة في الدنيا والاخرة الا انه لما كان التخلص في الدنيا انما هو بالوجدان كان اذا نظر من حيث التخلص نظر الاشياء على ما هي عليه فيشاهذا (كذا) الجبال كالعهن المنفوش ويراها منسوفة ويرى الارض قاعا صفصفا لا يرى فيها عوجا ولا امتا وهو ما يظهر من مر الريح على الرمل وكذا من جرى الماء على الرمل واذا نظر من حيث الوجود وجد الاشياء على ما هي عليه عند اهل الدنيا ورأي الجبال ثابتة ولم ير من تلك الحالة التي شاهدها من حيث الوجدان لانه الأن لم يتخلص الا من الوجدان والاعتبار لا من حيث الوجود لانه من حيث الوجود مختلط بالاعراض المادية الكثيفة والاغراض الدنيوية السخيفة واما في الاخرة فانه يشاهد الاشياء على ما هي عليه كما شاهدها في الدنيا من حيث الوجدان بذلك المشعر الذاتي لان المشعر الذاتي في الدنيا والاخرة واحد وليس له في الاخرة حالة اخرى يشاهد بها الاشياء على حالة اخرى لان مشاهدته في الاخرة بعد التخلص الوجودي والوجداني ومشاهدته في الدنيا بعد التخلص الوجداني قبل التخلص الوجودي وكذلك ايضا في الدنيا بعد التخلص الوجداني يشاهد نار جهنم محيطة بالكافرين كما قال تعالى لو تعلمن علم اليقين لترون الجحيم ويراها كيف تحرق الابدان وتنضج الجلود وتذيب اللحوم وقودها الناس والحجارة اي حجارة الكبريت او القلوب القاسية كما قال تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة ويرى الحجارة مسجورة على المعنيين والمعنى الثاني كما لوح تعالى به لاهل الاشارة في قوله انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم لان الحصب لغة حبشية في الحطب وانما عدل عن الحطب الى الحصب مع ان المعنى واحد للاشارة باخذ الحاء والباء من الحطب الذي يشتعل بالنار واخذ الصاد من الحصي فالصاد من الحصي الذي يبقى ولا يفنى والباء من الحطب الذي يشتعل والحاء منهما ليكون المعنى انهم يشتعلون بالنار كالحطب ويبقون فيها كالحصى فكذا الحجارة اذا كني بها عن القلوب

قال : وهذه النار التي تحرق الجلود والابدان غير نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة فان تلك النار قد تخبو بالنوم وشبهه فيخفف ضرب من العذاب عنهم وان كان نومهم مما لا راحة فيه قال تعالى كلما خبت زدناهم سعيرا اي كل ما خبت فيهم النار الباطنة لغفلتهم عن الحسد والحقد والعداوة والبغضاء وسائر النيران الكامنة التي تحرق القلوب واشتغلوا باعمال بدنية من قضاء شهوة البطن والفرج وغيرهما لا على وجه المصلحة بل على منهج البهيمية والمعصية فزيد فيهم قوة بدنية موجبة لزيادة نار السعير فيهم ومن هيهنا يعلم ان هذه النار محسوسة قابلة للزيادة والنقصان وقال بعض اهل الكشف في معنى الاية وجها اخر وهو قوله كلما خبت النار المسلطة على ابدانهم زدناهم سعيرا بانقلاب العذاب من ظواهرهم الى بواطنهم وهو عذاب التفكر في الفضيحة والهول يوم القيمة لان عذاب حرقة القلوب بنيران الامور القطعية والحجاب عن الملكوت اشد من عذاب حرقة الابدان والجلود فتكون عذاب تفكرهم وتوهمهم في نفوسهم اشد من حلول العذاب المقرون بتسلط النار المحسوسة على اجسامهم ولاجل ذلك قيل شعرا :

النار ناران نار كلها لهب ونار معنى على الارواح تطلع

اقول يريد ان النار تكون من نوع ما يتعذب بها فنار الابدان والجلود الظاهرة المحسوسة نار ظاهرة محسوسة ونار القلوب والنفوس والافئدة نار معنوية ولهذا قال ان النار التي تحرق الجلود والابدان غير نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة فانها معنوية من نوع الافئدة فان تلك النار اي نار الافئدة قد تخبو بالنوم يعني يسكن لهبها بالنوم وشبهه كشغل بشيء يلهيه عن ذكر المعصية الاولى فيخفف ضرب من العذاب المعنوي عنهم وان كان نومهم مما لا راحة فيه لان الملازم للمعاصي اغلب احواله اذا نام رأي في منامه ما هو من نوع يقظته قال الله سبحانه وتعالى كلما خبت زدناهم سعيرا اي كلما سكن لهب النار الباطنة لغفلتهم عن معاصيهم كالحسد والحقد والعداوة والبغضاء وسائر النيران الكامنة التي تحرق القلوب لان ذكرى معاصيه تأجج نيرانها في قلبه وفؤاده وروحه ونفسه زدناهم من ثمرات اعمالهم الباطلة البدية التي تحرق الابدان والجلود سعيرا في بواطنهم والمستعرة من اعمالهم هي الخابية اي الساكن لهبها لان الاعمال البدنية من قضي شهوة البطن والظهر والفرج وغيرها مما ليس مباحا وانما هو في طاعة النفس الامارة تزيد في العاملين قوة بدنية موجبة لزيادة نار السعير لانها لتلك النيران كالحطب فان النار انما تزيد بالحطب وتنقص بقلته وليس ذلك خاصا بالنار المحسوسة كما توهمه المصنف من ان المحسوسة هي القابلة للزيادة والنقصان بل كلما دخل في الامكان فهو داخل في الزيادة والنقصان لا فرق في ذلك بين النار المحسوسة والمعنوية والباطنة وغيرها الا ان كل شيء فزيادته من نوعه ونقصانه من زيادته هذا في الدنيا بان يتألم الباطن بنار الحسرة والفضيحة وفقدان الخير او المطلوب وامثال ذلك ويتألم الظاهر باقامة الحدود فيه كقطع يد السارق والقصاص وبنقص العمر وذهاب ماء الوجه والفقر من الزاني وامثال ذلك واما في الاخرة فعذاب الابدان والنفوس والعقول والافئدة وغير ذلك بنيران مختلفة كلها موجودة في امثالها في الدنيا وهي النار المعروفة العنصر الحار اليابس والزمهرير العنصر البارد اليابس والرطب والهم والغم والحزن والفقر والخوف وانواع الامراض والندم والحسرة والخزي والتأسف وفوت المطلوب وفراق المحبوب ووجود المنافي وفقدان الملائم والضيق في المعيشة وفي المكان وفي النفس بفتح الفاء وسكونها وآلام الجروح والقروح وآلام القتل وآلام الموت وآلام خروج الروح ما سوى نفس خروج الروح والدق والاكل والشرب المكروهان لكونهما حارين او باردين بحيث لا يطاقان او للمرارة او الملوحة او مقيئين والحاصل كل ما في الدنيا مما تكرهه النفوس وتمجه الطباع من طعام او شراب او منام او سهر او ثياب او كلام او غير ذلك فهو في الاخرة معد لاهل النار على كمال غايته فكل شيء مكروه في الدنيا يبلغ شديده الهلاك وخروج الروح فهو في الاخرة لاهل النار مضاعف اربعة‌الاف ضعف وتسعمائة ضعف ويتزايد تضاعفه على مر الدهور والاوقات بلا غاية لذلك التألم ولذلك التضاعف سواء كان عذابا للابدان ام للنفوس ام للعقول ام للافئدة ام لما بينها من البرازخ ولكل منها كل نوع من كل عذاب فللمحسوس عذاب محسوس وعذاب معنوي وللمعنوي عذاب معنوي ومحسوس وللمجرد عذاب مجرد وعذاب مادي وللمادي عذاب مادي ومجرد وكل ذلك ثمرات اعمالهم فانك اذا رأيت شخصا قد سرق من السوق رمانة كلما التفت خيالك اليه وجد مثاله هناك سارقا لتلك الرمانة لان الملائكة الحفظة كتبت مثاله ومثال عمله في غيب ذلك المكان وفي غيب ذلك الوقت فهو ابدا يسرق فاذا كان يوم القيمة ظهر ذلك المثال بعمله في مكانه ووقته ولبسه على رؤس الاشهاد والمثال يسرق لانه في الدنيا القى في مثاله روحا من روحه وهو نيته ونية الكافر شر من عمله فان كنت ممن يحل الرمز ويستخرج الكنز فقد دللتك على مكانه واعطيتك مفتاح فتحه والا فان جرى لهذا ذكر في كلام المصنف زدناه بيانا واما ما ذكره المصنف من كون النار التي تطلع على الافئدة قد تخبو فليس لسكون لهبها ولكنهم عند اشتغالهم بشيء اخر اموات لا تجري فيهم الحيوة الناطقة القدسية فلا يحسون بلهبها واذا التفتوا جرت فيهم النفس الناطقة باحساسها فتألموا واما النار المحسوسة فانها قد تخبو كما تخبو النار المعنوية بل قد تخبو هذه النار ولا تكاد تخبو المعنوية لانهم اذا اشتغلوا بالاعمال الخبيثة المحسوسة ازدادت المعنوية تأججا وتلهبا ومن هنا تبين وعلم ان النار المعنوية تقبل الزيادة والنقصان كالنار المحسوسة لابتنائها عليها وجودا وعدما لا كما توهمه المصنف من اختصاص قبول الزيادة والنقصان بالمحسوسة

وقوله { وقال بعض اهل الكشف في معنى الاية وجها آخر } يشعر بارتضائه وصحته وعندي انه مدخول في بعضه فان قوله كلما خبت النار المسلطة على ابدانهم زدناهم سعيرا بانقلاب العذاب من ظواهرهم الى بواطنهم وهو عذاب التفكر في الفضيحة والهول يوم القيمة خلاف معنى الاية لان معنى الاية كلما خبت النار المعنوية سعرناها وهذا القائل قلب المعنى فقال معناها اذا خبت النار المحسوسة زدنا النار المعنوية سعيرا وهو خلاف المراد من الاية وانما المراد منها كلما خبت النار المعنوية زدناهم سعيرا منها اي نسعرها والا لما حسن كلما خبت لانها اذا خبت لا يقال كلما خبت بل خبت مرة واحدة وسكنت وانما يقال كلما خبت النار التي اذا خبت سعرت وهي جارية في المحسوسة كلما خبت المحسوسة باشتغالهم عن التألم بها بعمل خبيث موجب لزيادة سعيرها سعرناها على ان هذا القائل لو عكس لم يتجه عليه اعتراض فقال كلما خبت المحسوسة انبسطت عليها المعنوية فزادتها سعيرا وذلك بانبعاث نيته وميل نفسه الامارة بباعث ماهيته الى المعاصي التي تأجج النارين معا وقول القائل : وهو عذاب التفكر في الفضيحة والهول يوم القيمة لان عذاب حرقة القلوب بنيران الامور القطعية والحجاب عن الملكوت اشد من عذاب حرقة الابدان والجلود الى اخره } يريد به ان عذاب المعنوية الباطنة كالعقول والنفوس انما هو بالنار المعنوية وانما قالوا ذلك لان النار المحسوسة من نوع الماديات ولا تتسلط على البسائط كما يفهمونه في الدنيا بالفهم الظاهري وليس الامر كما توهموا ولا كما فهموا بل النار بجميع ابوابها السبعة التي اعدت للكافرين والمشركين والمنافقين آيتها ومثالها ودليلها هذه النار التي في الدنيا كما قال تعالى افرأيتم النار التي تورون ءانتم انشأتم شجرتها ام نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين يعني جعلها سبحانه تذكرة لنار الاخرة ولا شك في كونها مثالا وتذكرة لنار الاخرة التي اعدت للكفرة الفجرة ونار الحطمة هي التي تطلع على الافئدة ففي تفسير علي بن ابراهيم : والرابعة الحطمة ومنها يثور شرر كالقصر كأنها جمالات صفر تدق من صار اليها مثل الكحل فلا تموت الروح كلما صاروا مثل الكحل عادوا ه‍ فهي كما تحطم المعنوية منها القلوب والافئدة تحطم الاجساد والاكباد والنار الحسية هي النار المعنوية وبالعكس فكما انها تحرق الجلود والاجساد كذلك تحرق القلوب والافئدة وكما ان المعنوية تؤلم الافئدة والقلوب كذلك تؤلم الاجساد والجلود وتحرقهما وعذاب التفكر في الفضيحة كما يعذب القلوب يعذب الابدان بسر ما اشرنا اليه سابقا من ان اهل الاخرة تدرك اجسادهم المعقولات والمحسوسات وتدرك قلوبهم المحسوسات والمعقولات وقد اشرنا سابقا الى دليله مجملا من جهة العقل والنقل ومن جهة الاية والمثل ما برهن عليه في علم الطبيعي المكتوم بما يوصل من فهمه الى البديهي فافهم وقول الشاعر :

النار ناران نار كلها لهب ونار معنى على الارواح تطلع

جار على مفهوم اهل الدنيا كما قلنا

وقوله { على الارواح تطلع } مقتبس من قوله تعالى التي تطلع على الافئدة وهي كما قال تعالى كلا لينبذن في الحطمة وهي نار محسوسة وان كانت في صفة المعنوية وفعلها وهي نار معنوية في صفة المحسوسة وفعلها كما تقدم فافهم

قال : اقول وكلتاهما غير هذه النار التي في الدنيا ولاجل ذلك وصفها بانها كلها لهب لان هذه النار الدنيوية ليست نارا محضة بل جوهرا مركبا فيه نار وغير نار ولهذا قد تنقلب الى هواء او ماء او غير ذلك واما النار المحسوسة الاخروية فهي صورة نارية بحتة لا يطفئها شيء الا رحمة الله
اقول في الظاهر ان النارين الاخرويتين المعنوية والمحسوسة غير هذه النار التي تستعملها الناس لانهما لهب بحت كما اشار اليه الشاعر ويدل على هذا الظاهر ما روي ما معناه ان نار الدنيا توضع يوم القيمة في جهنم بعد سلب نورها ورجوعه الى اصله من نور الكرسي لانها عبدت من دون الله سبحانه وقد حكم تعالى في قوله الحق انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم فتصرخ حين توضع في النار صرخة لو جاز على اهل المحشر ان يموتوا لماتوا من شدة صرختها ولان هذه النار الدنيوية ليست نارا محضة بل هي جوهر مركب من اربعة اجزاء حرارة وثلاثة اجزاء برودة واربعة اجزاء يبوسة وثلاثة اجزاء رطوبة ولهذا قد تنقلب اذا طفئت هواء كما ذكره ابن‌سيناء في الاشارات وقد تنقلب ماء كما لو طفئت في قرع ثم ركب عليه الانبيق بحيث لا يتخلله شيء من الهواء الا الهواء المنقلب عن النار واوقد تحته بنار الحضانة فانه يعني ذلك الهواء المنقلب من النار يقطر ماء عذبا بخلاف النار الاخروية وقولي في الظاهر احتراز عن النظر الباطن فان مقتضاه ان نار الدنيا هي نار الاخرة وجنة الدنيا هي الاخرة كما اشرنا اليه سابقا من انه على نحو ان ابدان الدنيا هي ابدان الاخرة وكما دل عليه القرءان واما نار الدنيا التي يستعملها اهل الدنيا فقد روي ما معناه ان ادم عليه السلام لما هبط من الجنة الى الارض هو وحواء احتاجا الى نار لينتفعا بها في عمل طعامهم وغيره نزل جبرءيل عليه السلام واخذ من جهنم جذوة فغسلها في نهر الكوثر سبعين مرة وفي رواية وضعها في الكوثر سبعين سنة ولولا ذلك لاحرقت الارض ومن عليها فحقيقة نار الدنيا المعروفة من نار جهنم وانما لحقها الخلط بالماء من الكوثر وبالهواء من هذا الهواء الذي بين الارض والسماء لاستنشاقها واستمدادها منه ولنزولها الى محلهما كما هو شأن كل نازل في تلوثه بلطخ مراتب النزول واما صرختها من النار واحتراقها بها فليس لانها ليست من النار والا لما احترقت بل لتخليصها من الاعراض الدنيوية وذلك الصوت صوت القلع لتلك الاعراض واما احتراقها فلانها من النوع الذي يأكل بعضه بعضا ويصول بعضه على بعض فان هذا النوع من النار يشتعل بعضه ببعض ويحرق بعضه بعضا فان هذا النوع اذا ثار منه لهب وكان قويا اشتعل باللهب الذي قبله واحرقه وتقوى به كما تتقوي نار الدنيا بالحطب وان كان ضعيفا اشتعل به الاول وتقوى به واذا جاء لهب آخر كان حاله كاللهب الاول في القوة والضعف وهذه التي اشار اليها علي بن الحسين عليهما السلام في دعاء صلوة الليل بعد الفراغ منها من ادعية الصحيفة قال عليه السلام ومن نار يأكل بعضها بعض ويصول بعضها على بعض

وقوله { واما النار المحسوسة الاخروية فلا يطفئها شيء الا رحمة الله } صحيح لكنه ليس خاصا بالمحسوسة الاخروية بل المعنوية ايضا لا يطفئها شيء الا رحمة الله وكذلك نار الدنيا لا يطفئها شيء الا رحمة الله فان قلت نار الدنيا يطفئها الماء قلت لانه اثر الرحمة وهي اثر نار الاخرة قال تعالى فانظر الى اثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها اللهم اجرنا من النار برحمتك يا ارحم الراحمين

قال : ومن جملة الاحوال يومئذ ان المرء يفر من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه وذلك لان النفس قد فارقت هذا البدن وخرجت عن الدنيا وكل ما فيها كما قال وكلهم آتيه يوم القيمة فردا فلا يصادف الانسان احدا من هذا العالم الا نتائج اعماله وافعاله وصور نياته ولوازم صفاته وملكاته
اقول ان النفس قد فارقت هذا البدن ويوم القيمة تعود اليه وتجتمع به ويكونون كما قال تعالى يتعارفون بينهم وكل ما كان لله من صداقة وصحبة وخلة ومحبة فهي لازمة للانسان لا تفارقه كما قال تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين فان خلتهم صداقة ومحبة في الله وهي باقية لا تفنى ولا تغيرها الدهور فقوله { ومن جملة الاحوال يومئذ ان المرء يفر من اخيه الخ } يريد به ما اشار اليه من المفارقة لكل شيء غيره وغير نتائج اعماله وافعاله وصور نياته ولوازم صفاته وملكاته لانه اخذ من الاية وجه تأويلها والا ففي عيون الاخبار قال قام رجل يسئل امير المؤمنين عليه السلام عن هذه الاية من هم قال قابيل يفر من هابيل والذي يفر من امه موسى والذي يفر من ابيه ابراهيم يعني الاب المربي لا الوالد والذي يفر من صاحبته لوط والذي يفر من ابنه نوح وابنه كنعان ه‍ والمراد ان منهم من يفر خوفا كقابيل يفر خوفا من هابيل لانه يطالبه بدمه وكموسى عليه السلام يفر من امه خشية ان يكون قصر فيما وجب عليه من حقها ومنهم من يفر فرار تبرء كفرار ابراهيم (ع) من ابيه المربي له اعني آزر الذي هو زوج امه فانه هو الذي قال تعالى في حقه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه وليس المراد به ابوه الحقيقي الذي اسمه تارح وكلوط فانه يفر من زوجته واهلة او والهة فرار براءة وكنوح فانه يفر من ابنه كنعان فرار براءة وايات الكتاب والسنة والمعروف من مذهب المسلمين وما عند العقول تنافي ما ذهب اليه من كون النفس حين خرجت من البدن خرجت من الدنيا ومن كل ما فيها ومن تأويله للاية الاولى من ان المراد من انه لكل امرء من الخلائق شأن يغنيه انه لا يجد الا نفسه ونتائج اعماله وصور نياته ولوازم صفاته وملكاته وللاية الثانية في قوله تعالى وكلهم آتيه يوم القيمة فردا على ذلك فانه يلزم من مراده ان كل واحد يحشر وحده فلا تكشف السرائر من احد لاحد فاذا كان لا يصادف احدا من هذا العالم ولا شيئا الا نتايج اعماله فهو يحشر وحده ويبقى وحده لان جنته عند المصنف قصورها وحورها وولدانها وحريرها وطعامها وشرابها وجميع ما ذكر مما هو معد للمؤمنين عبارة عن صور نياته وملكاته وهذا حال عجيب لانه يكون قوله اخوانا على سرر متقابلين يراد من اولئك الاخوان صور نياته ولوازم ملكاته ولا يصح ان يحمل قوله على ان زيدا انما يصادف من عمرو شأنه وما يناط به من مطالبه لانه لو اراد هذا لقال فلا يلتفت الى شيء ولا يعتني به الا اذا كان له معه رابطة مثل طلب حق او اداء حق او شهادة او طلب شفاعة او شفاعة للغير ونحو ذلك لكنه قال فلا يصادف الانسان احدا من هذا العالم ولا شيئا الا نتايج اعماله وافعاله وصور نياته ولوازم صفاته وملكاته ولكن الواقع ان الانسان يحشر مع ما يشابهه في الاعمال كما قال سبحانه وتعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم اي مع ما يشابههم فالعشار مع العشارين والحاكم مع الحكام والعالم مع العلماء وهكذا كل شخص يحشر مع ابناء نوعه المشابهين له في صفاته واعماله وتحشر الخلائق كلهم في صعيد واحد فهم على انواع مختلفة يشاهد بعضهم بعضا فمنهم ظالم ومنهم مظلوم ومنهم شاهد ومنهم مشهود ومنهم شافع ومنهم مستشفع ومنهم مفتضح يشاهد مساويه من له به تعلق ومن ليس له به تعلق ومنهم المتحابون ومنهم المتباغضون ومنهم المذكرون ومنهم المتذكرون ومنهم المتعارفون ومنهم المتناكرون الى غير ذلك وكل احد مما ذكر يكون يصادفه غيره غالبا لانهم مجموعون ليوم عظيم فكيف لا يصادف الانسان احدا من العالم ولا شيئا الا نتايج اعماله ولكن هذا الذي يطابق اعتقاده كما تقدم في ذكر الجنة

قال : ومنها ان الملك يومئذ لله وذلك لان الروابط المادية والاسباب الوضعية والعلل المعدة مرتفعة هناك لان هذه الروابط مختصة بعالم الاتفاقات التي منشاؤها انفعالات المواد واستحالاتها بواسطة الجهات والاوضاع السماوية كما بين في مقامه واما النشأة الثانية فالاسباب هناك ليست الا ذاتية غير خارجة عن ذات الشيء ومقوم وجوده وهذا العالم ايضا الملك لله اذ الكل بارادته وايجاده وتدبيره وحكمته الا ان الوسائط العرضية والعلل المعدة موجودة هيهنا والاتفاقات واقعة بقضائه وقدره
اقول يريد انما قيل ان الملك لله وحده يوم القيمة بمعنى ان في الدنيا من يملك وفي الاخرة ليس مالك الا الله لانه وان كان في الدنيا ايضا ليس مالك الا الله كما في الاخرة على الحقيقة الا ان الاشياء المملوكة خلقت لمنافع الانسان في هذه الدنيا لما فيها من موافقة دار الدنيا كما تنفع الاشياء الحارة في فصل الشتاء والباردة في فصل الصيف وكما لا ينفع البارد في الشتاء والحار في الصيف كذلك لا ينفع ما في الدنيا في الاخرة وما في الاخرة في الدنيا والعلة في ذلك انه خلق لخصوص الدار فلا ينفع لضدها لان الروابط المادية المقرونة بالاضمحلال وعدم الاعادة وبالانهدام وعدم البناء وبالذهاب وعدم العود وكذلك الاسباب الوضعية والعلل المعدة المقرونة بما ذكرنا خلقت الامور المملوكة عليها والاخرة واحوالها مقرونة بالدوام والثبات فروابطها المادية يلزم اضمحلالها العود والتجدد على وجه اكمل من المضمحل وانهدامها البناء الاكمل وذهابها العود الاتم بحيث لا يفقد المضمحل والمنهدم والذاهب بل انما يجدون الجدة والقوة والاشتداد فيضمحل ضعيفها الى القوى ومتهافتها الى الشدة وعتيقها الى الجدة لا انها لا تتغير ابدا فان ذلك وصف القديم الغني عز وجل ولكنها تتغير من الضعف الى القوة والكمال ابدا فلما كان ما خلقت من المملوكات في الدنيا مقرونة بالاضمحلال والانهدام والذهاب لان الدار ليست دار القرار لم يبق لاحد شيء مما ملكه في الدنيا من جميع الاشياء من اعيان او اعراض لم يوجد لاحد من الخلائق شيء من التملك والتسلط على شيء مما تملكه وتسلط عليه في الدنيا ولا على ما هو من نوعه ومثله ولم يدخل في يوم القيمة وهو حينئذ لم يدخل الجنة ليعطى الملك الكبير كما قال تعالى واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا فخلص الملك يوم القيمة لله سبحانه هذا باعتبار الامر الصوري الظاهري والا ففي الحقيقة في الواقع وفي نفس الامر ليس مالك الا الله عز وجل في الدنيا والاخرة على حد سواء ولكنه تعالى اعطي عباده في الدنيا ما يتم به نظامهم وبلاغ معاشهم ومعادهم وهو في ملكه وفي قبضته لم يخله من يده مع ان الخلق ملكه وما ملكهم ملكه فليس لاحد سواه ملك لا في الدنيا ولا في الاخرة فالعارف بالله لا يفرق بين الدنيا والاخرة فان الخلق فيهما مايملكون من قطمير واما العوام فانهم يفرقون لانهم يرون انهم مالكون في الدنيا ويوم القيمة تنكشف الحقائق ويشاهدون الملك خالصا لله

وقوله { لان هذه الروابط مختصة بعالم الاتفاقات والحركات التي منشاؤها انفعالات المواد واستحالاتها بواسطة الجهات والاوضاع السماوية } فيه ان هذه الروابط والاضافات وان كانت ناشئة من انفعالات المواد لكنها ليست مختصة بعالم الدنيا وليس هذا بعالم اتفاقات بل افعاله وانفعالات مفاعيله على نمط افعال الاخرة وانفعالات مفاعيلها نعم قد تخلل هذه المواد الدنيوية اعراض رتبتها فتغيرت الاوضاع وتغيرت التأليفات وذلك لفائدة الانتقال وعدم البقاء فيها لانها دار اختبار لا دار قرار والا فانها هي دار التجارة والتحصيل ودار الاكتساب جعلها تعالى هكذا بحكمته سوقا تشتري منه متاعك لسفرك الى دار القرار فاقتضت الحكمة هذا التغيير والتبديل والفناء والذهاب والاضمحلال فسبب الاسباب رب الارباب سبحانه لتكون هذه الدار هكذا فكان حتما ما اراد وفي الاخرة سبب اسباب البقاء بان رفع اسباب التغيير الموجب للفناء ووضع اسباب التغيير الموجب للبقاء وهو دوام الاعادة والتجديد ومضاعفة القوة والشدة وليست اسباب البقاء في الاخرة ولا اسباب الفناء في الدنيا ذاتية بل كل منها باعطاء الجواد مقتضيات الاستعداد لان الحادث مطلقا يعني ماديا او مجردا في الدنيا او في الاخرة لا يقدر ان يوجد نفسه وكما لا يقدر ان يوجد نفسه ويحدثها لا يقدر ان يبقيها ولا ان يفنيها فليس لاحد من الخلق من الامر شيء الا ما اعطاه الله واقدره عليه وليس من اسباب الايجاد ولا اسباب الفناء ولا اسباب البقاء شيء ذاتي لشيء من الخلق والا لما تغير عنه ولا احتاج الى غيره فيه ومن استغني عن غيره في شيء استغنى عنه في كل شيء فلو كانت الاسباب غير خارجة عن ذات الشيء لم يحتج الى غيره في جميع مطالبه

وقوله { وهذا العالم ايضا الملك لله تعالى اذ الكل بارادته وايجاده وتدبيره وحكمته الا ان الوسائط العرضية والعلل المعدة موجودة هيهنا والاتفاقات واقعة بقضائه وقدره } اما ان الكل بارادته وايجاده وتدبيره وحكمته فصحيح في الدنيا والاخرة واما ان الوسائط العرضية والعلل المعدة موجودة هيهنا اي في الدنيا فكذلك وموجودة في الاخرة كل شيء بنسبة رتبته فليس العرضية والمعدة مخصوصة بالدنيا والا لزم اما اتحاد ما في الاخرة وعدم تعدده اذ التعدد والكثرة انما تكون بالقوابل ومتمماتها من الكم والكيف والمكان والوقت والجهة والرتبة والوضع والاذن والاجل والكتاب لا فرق بين المجرد والمادي وان كان كل شيء بحسبه واما الاتفاقات فلا توجد في حال وانما الاشياء كلها مرهونة باوقاتها فاذا اقتضت الدواعي والاسباب امرا جرى به القدر والقضاء وهذا في الدنيا وفي الاخرة وان اختلفت الدواعي والاسباب شدة وضعفا وسرعة وبطؤا لانه انما يفعل بالاسباب واما ان الفاعل في الاخرة هو الانسان وهذه المملكات في الاخرة شؤنه وصنائعه او انها مصنوعة من وجوده وكلا اللازمين باطل ومراده ان الدنيا وان كان فيها كون الملك لله سبحانه الا ان الدنيا يقع فيها اتفاقات لاهلها ليست بسبق العناية ليخلص الملك لله وانما تقع بدواعي الاسباب الوضعية والوسائط العرضية فيجري بها القضاء والقدر فلم يخلص الملك لله واما الاخرة فكل ما فيها بسبق العناية اقول وهذا نظر ضعيف لم يصدر عن النور واما النظر الصادر عن النور فهو ان كل الاشياء مجردها وماديها جوهرها وعرضها لازمها وملزومها دنيويها واخرويها على نمط وصنع واحد اجريها سبحانه على اسبابها ومن الاسباب ان الدار المخلوقة للفناء كالدنيا تقتضي تغير ما فيها واختلافه وفناءه واضمحلاله واستتار وجوه الاشياء فيها وحقائقها كما قال تعالى ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعي وان الدار المخلوقة للبقاء كالاخرة تقتضي بقاء ما فيها وعدم اختلافه من قوة الى ضعف ومن وجود الى عدم واضمحلال ولما كانت الاشياء كلها لا تثبت ولا تبقى الا بدوام المدد وجب ان يكون كل ما فيها يختلف ويتجدد من ضعف الى قوة ومن عدم الى وجود ومن بلى الى جدة وذلك باعادة ما فني منها بالتدريج السيال بحيث لا يفقد شيء ولا قوة ولا جدة وانما كان ما في الاخرة من الضعف الى القوة لكونها دائمة الترقي والقرب الى المبدء وانما كان المعاد اقوى منه قبل فنائه لما برهن عليه في العلم الطبيعي المكتوم الذي هو مخ العلوم ان الشيء كلما كثر حله وعقده وحله وعقده ازداد قوة وتأثيرا وذلك كاللبنة اذا كسرتها ناعما ثم صغتها كان اقوى من الاولى فاذا دققتها ناعما وصغتها كانت اقوى من الثانية فالثالثة اقوى من الثانية والرابعة اقوى من الثالثة وهكذا ولان ما تحلل خلص من التأليف فيرجع الى رتبة اعلى من رتبته في التأليف فاذا اعيد مع ما دونه الحق ما هو ادون الى رتبة ما اعيد وهكذا

قال : ومنها ان الملك يومئذ الحق وان لا ظلم اليوم لما عرفت من ارتفاع المصادمات والمعارضات الاتفاقية في ذلك العالم
اقول في يوم القيمة يخلص الحق في الوجود كله فينقسم ما فيه على شقي الرحمة الواسعة فاهل محبة الله مغمورون بالشق الايمن الاعلى وهو الرحمة المكتوبة فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة الايات واهل سخط الله جرى عليهم العدل وهو الشق الايسر الاسفل فلا يكون يوم القيمة وما بعده الا فضل او عدل فاهل الفضل الذاتي في الجنان الاصلية على حسب مراتبهم واهل الفضل العرضي في جنات الحظائر السبع يسكنها ثلاث طوائف وهم المؤمنون من الجن واولاد الزنا اذا كانوا مؤمنين وما تناسل منهم الى سبعة ابطن والثامن يلحق بالمؤمنين الطاهرين في الجنان الثمان الاصلية والمجانين الذين لم يرشدوا في الدنيا وليس في اقاربهم وذرياتهم من هو من اهل الشفاعة واهل العدل الذاتي في النيران السبع الاصلية واهل العدل العرضي في نيران الحظائر والضحضاح على حسب مراتبهم وجنان الحظائر السبع اسماؤها باسماء اصولها ونيران الحظائر السبع تسمى ايضا باسماء اصولها فلا ظلم اليوم اي يوم القيمة لاستيلاء العدل على جميع ذرات الكون ولارتفاع الاعراض والاغراض المدافعة لسر الخليقة التي ما كونت هيئتها الا على هيئة فعل الله وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها وما بال المصنف مع ما عنده من العلم وما يدعيه يثبت في خلق الله وفي ملكه امورا اتفاقية لانه ان اراد ان العباد تفعل اشياء تترتب عليها اسباب وموانع فصحيح ولكن لا يعبر عن تلك الافعال بالاتفاقات لانها لو كانت الافعال بالاتفاق لقل ترتب الاسباب عليها لعدم ايقاعها عن قصد واختيار ذاتيين غالبا وان اراد انها واقعة من غير افعالهم الاختيارية فاسوء حالا سواء فرضت من فعله او من فعله بهم والحاصل التعبير بالاتفاقيات ليس بمستقيم لان ما يكون بقضاء الله وقدره لا يكون اتفاقا على اي نحو فرض وان كان ما يقع اتفاقا لا يكون الا بقضاء الله سبحانه وقدره

قال : ومنها ان القيمة يوم الجمع لان الازمنة والحركات علة التغاير والتعاقب في الحدوث والقدم والامكنة والجهات علة الحضور والغيبة في الوجود والعدم فاذا ارتفعتا في القيمة ارتفعت الحجب بين الموجودات فتجتمع الخلائق كلهم الاولون والاخرون فهي يوم الجمع لقوله يوم يجمعكم ليوم القيمة
اقول يريد ان يوم القيمة هو يوم الجمع وانما اقتضى الحال اجتماع الخلق لكون الخلق باجمعهم خلعوا المواد وكانوا مجردين نورانيين لان التغاير المقتضي للافتراق والتعاقب المقتضي لعدم الاجتماع في رتبة الحدوث والقدم انما هما لعلة الازمنة والحركات ولو لم تكن في الدنيا ازمنة ولا حركات لم يقع بين الخلق تغاير ولا افتراق وايضا الامكنة والجهات علة الحضور والغيبة في وجود الاشياء وعدمها فلو لم تكن امكنة لم يحضر موجود ولو لم تكن جهات لم يغب معدوم فاذا ارتفعت الازمنة والمدد وحركات الافلاك والامكنة والجهات في القيمة ارتفعت الحجب بين الخلائق الموجبة للغيبة والموانع المقتضية للافتراق فتجتمع الخلائق كلهم الاولون والاخرون فالقيمة يوم الجمع ويريد ان المقتضي للاجتماع هو تجردهم وانما سميت القيمة بيوم الجمع لانطلاق الخلائق من قيود الازمنة والامكنة واقول في كلامه هذا بالنسبة الى كلامه غير هذا تدافع وتناقض ومع هذا معارض بالكتاب والسنة والمذهب الحق وعقول المليين وذلك لان مذهبه ان الزمان ظرف جميع الكائنات لم يتقدم عليه الا الباري عز وجل وانه نهر يجري من تحت جبل الازل كما نقله عن بعض العارفين في شرحه لاصول الكافي مرتضيا له وقد صرح في كتبه ان الزمان عبارة عن حركة الفلك فتعارض قوله بان الزمان ظرف جميع الكائنات وانه لا يسبقه الا الله تعالى وقوله بانه عبارة عن حركة الفلك اذ يلزم منه كون الفلك سابقا على الزمان مع انه من المكونات وقوله هنا بارتفاع الازمنة والحركات والامكنة والجهات يوم القيمة مع ان في المحشورين الحيوانات كلها كما قال تعالى وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون ويقتص يوم القيمة للجماء من القرناء وكذلك تحشر الازمنة والامكنة والحركات والجهات كما دلت عليه الروايات بصريحها والبقر والغنم والجماد وامثالها لا تكون مجردات ولا تكون خارجة عن الزمان والمكان والا لكانت غير داخلة فيه قبل ان يخلق فان كونها بعده في العود دليل على كونها قبله في البدء فتكون سابقة عليه فلا يصدق قوله ان الزمان لم يتقدم عليه الا البارئ عز وجل وايضا كون الازمنة والحركات من علة التغاير والتعاقب مما لا اشكال فيه وان كان غيرهما علة للتغاير والتعاقب اذ لا تنحصر في الازمنة والحركات بل منها الازمنة والحركات ومنها غيرها بمعنى ان علة التغاير مركبة من الوقت والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف والوضع والاذن والاجل والكتاب واذا ارتفع شيء منها ارتفعت كلها فلا منافاة في ذكره للزمان خاصة وقد قال انها علة للحدوث والقدم ونحن نقول كذلك وفي الدنيا والاخرة فحيثما وجد الزمان وجد التغاير وحيثما ارتفع ارتفع كما قال المصنف ويلزم حينئذ ان اهل الجنة والجنة وما فيها من النعيم لا يتغير ولا يتبدل وان كان من ضعف الى قوة ومن بلى الى جدة ومن تمامية الى كمالية ومن كمالية الى اكملية والمعلوم من الكتاب والسنة والمذهب والعقل خلاف ذلك فان اهل الجنة دائما يترقون في الدرجات وفي مراتب الكمال الى غير النهاية وليس الا لوجود الازمنة والاجسام التي لا تنفك عن الزمان والمكان والمواد والصور والجهات والرتب والاوضاع وما اشبه ذلك اذ لا تتقوم الاجسام بدون ذلك في الدنيا وفي الاخرة بل ولا المجردات من جميع ما ليس بمعبود بالحق وان كانت هذه المشخصات والمتممات للقوابل والمقومات للذوات مجردة بحسبها وانما قلت من جميع ما ليس بمعبود بالحق دفعا لاحتمال اتباع المصنف القائلين بان الارواح القادسة ليست مما سوى الله تعالى وان روح القدس لم تدخل تحت حيطة كن لان الذي يشيرون اليه ان كان هو معبودهم فما ادري ما اقول لهم واما انا فاقول ما يشيرون اليه فعباد مخلوقون مركبون بنحو ما تركب به سائر المخلوقات الا ان كل شيء فمؤلف من نوع رتبته من الكون والحاصل معنى تسمية يوم القيمة يوم الجمع لاجتماع جميع الخلائق فيه لانه يوم الجزاء والتزييل في قوله تعالى فزيلنا بينهم وان قيل ان المصنف يفهم هذا ولكنه يريد بيان علة اجتماعهم من باب الاسباب كما هو طريقة الحكماء فلا اعتراض عليه قلنا اذا اراد هذا المعنى فان كان اراد بيانه بما ينقل عن غيره فلا اعتراض عليه وانما الاعتراض على غيره وان اراد ان بيان هذا النمط بالحق هو ما ذكره فالاعتراض متوجه عليه بل بيان الحق في سبب اجتماعهم ان الموجب لذلك هو العدل ( اي وضع كل شيء موضعه ورد كل شيء الى جوهره والتزييل فيجمعهم ليأخذ حق بعضهم عن بعض الذي هو العلاقة بينهم فيتفرقون بعد قطعها ورد كل شيء الى جوهره واصله فالجمع للفصل الذي هو ثمرة العدل ) الذي قام نظام الاكوان ودارت عليه رحاه وبلحاظ نمط ادلتهم فالموجب هو معنى قوله تعالى كما بدأكم تعودون وذلك ما قررنا في كتبنا ورسائلنا ومباحثاتنا انه تعالى خلق رحمته ( صورة العقل ) وكانت رتبتها في اعلى الامكان وخلق من ظل انيتها غضبه ( صورة الجهل ) وكانت رتبته في اسفل الامكان قضاء لحكم التضاد فاقام كلا منهما بالاخر على نحو ما ذكرنا في الكسر والانكسار فخلص اعلى الخيرات اي اقربها ( فخلق منه محمد وآل محمد عليهم السلام ) من المبدء واسفل الشرور اي ابعدها ( فخلق منه ائمة الجور ) منه وظهرت آثار الاختلاط ( فالشيعتان مختلطتان بينهم لطخ وخلط ويجب ان يخلصوا ) مما بينهما فخلق من كل واحد ( من النور والظلمة في عالم النفوس والذر الاول فقال لقوم الى الجنة ولا ابالي ولقوم الى النار ولا ابالي ) اهله فلما امر النور امتثل ولما امر الظلمة لم تمتثل فاجتمعا ( في عالم الطبيعة ) قبل التكليف كما قال تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين في الخلق الثاني ( في عالم المثال ) عند ما قال لهم الست بربكم فاخذوا في التزييل ( في المثال ) والتفريق بعد الاجتماع ( في الطبع ) المسبوق بالتفريق ( في النفس ) ويتم التفريق يوم القيمة ( اذا عادوا الى النفوس كما بدؤا ) لاخذ حقوق ( لطخ كل من كل ) كل من كل وبكل يعني حتى حق الفضيحة وحتى يعلم كل احد بان الله سبحانه العدل لا يجور والحكيم الذي لا يلهو والمتسلط الذي اليه ترجع الامور واكثر الخلق لا يعرفون من معنى هذا الكلام الا العبارة او مفهومها ولا يعلم الجاهل والغافل بذلك كعلم العارف الذاكر العاقل الا يوم القيمة ولا يتم ذلك كله على كمال ما ينبغي الا بجمع جميع الخلق في صعيد واحد ليشاهد كل احد كل احد وهذا الذي اومأت اليه من الحقوق التي يتعلق بها العدل ومعنى ما اردت مجملا انهم خلقوا من حقائق ( في النفوس ) متباينة ثم جمعوا ( في الطبع ) لما يراد منهم ( من الابتلا والاختبار وظهور الاختيار ) هذا في البدء وجمعهم لما يراد منهم حين قال لهم الست بربكم لان ذلك مما تعم به البلوى فيجب الاجتماع وتنتهي ثمرة الاجتماع ( التي هي الاختبار وظهور الاختيار ) في يوم القيمة ( بعد انقطاع الطبايع ) لانه مسامت مشهد الست بربكم في العود ( وهو مشهد النفوس التي هي حقايق المثال والدنيا ) فافهم ثم يتفرقون ( الى الجنة والنار ) ولا يجتمعون ابدا ( لانهم لا يعودون الى موادهم الاولية بل الى الشرعية ) يعني لا يجتمع من كان من النور بمن كان من الظلمة ابدا ولو كان علة الاجتماع ما ذكره المصنف لماحصل افتراق ابدا لانهم بعد القيمة ترتفع عنهم تلك الحجب والموانع اشد من ارتفاعها يوم القيمة مع انهم فريق في الجنة وفريق في السعير فان قيل اهل الجنة لا يفترقون واهل السعير لا يفترقون قلنا فرفع الموانع انما يقتضي جمع احد الفريقين لا الجميع مع انه جعله علة للجميع

قال : ومنها انها يوم الفصل لان الدنيا دار اشتباه ومغالطة تشابك فيها الحق والباطل والخير والشر يتعانق فيها الخصمان ويتمازج فيها المتقابلان والاخرة دار الفصل والتمييز والافتراق فيتفرق المختلفان ويتميز المتشابهان لقوله تعالى ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون وقوله ليميز الله الخبيث من الطيب الاية وقوله ويحق الحق ويبطل الباطل ولا منافاة بين هذا الفصل وذلك الجمع بل يقرره ويوجبه كما قال هذا يوم الفصل جمعناكم والاولين
اقول من لوازم القيمة انها يوم الفصل وهو مقتضى قيام العدل لما قلنا سابقا قبل هذه ان الخلائق انما جمعهم التكليف لما بينهم من المشابهة ( اي لما ماتوا من عالم النفوس ودفنوا في ارض الطبايع ونبت نبات المواد وقع المشابهة وهي علة الجمع في التكليف والحشر ) وهو قولي وظهرت آثار الاختلاط مما بينهما ولهذا يميل كل شيء الى شكله ونوعه فيتوافقان ويحصل بينهما تناف فيختلفان فيحصل من ذلك مع التكليف ( اي التكليف الجامع هو المفرق بينهم لانه الفرقان ) الجامع لهما احسان وعدوان واعطاء وحرمان وتصديق وتكذيب واعتراف وانكار وطاعة وعصيان فيحصل من التوافق والتفارق الطبيعيين مع التكليف الجامع جميع الصفات المتضادة ولما كان علة ايجادهم وتكليفهم الرحمة الواسعة الجامعة للفضل والعدل اقتضى ذلك الفصل بينهم بعد جمعهم ( اي الرحمة الواسعة تجمعهم والفضل والعدل تفرق بينهم ) فيما كانوا فيه يختلفون ليجزي قوما بما كانوا يكسبون وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين وليعرفوا الخلائق اجمعون ان الله سبحانه هو الحق المبين العدل الحكيم وانه كما وصف نفسه في كتابه المجيد فانه لا يعرف ذلك في الدنيا الا من هو اعز من الكبريت الاحمر واقل من الغراب الاعصم واما سائر الخلائق فلا يعرفون ذلك الا يوم القيمة و( عطف على قوله ان الله وانه ) انما خلق الخلق على وصف معرفته فانقسموا بما اشرنا اليه من الاتفاق والافتراق الطبيعيين الى المعرفة والانكار والى ما بين ذلك من المراتب والمصنف اشار الى ذلك فقال لان الدنيا دار اشتباه وذلك لما اشرنا اليه سابقا ان النفس الحيوانية الحسية الفلكية التي شأنها الغشم والظلم والغضب والشهوة وما اشبه هذا من الصفات الذميمة يكون وجودها وولادتها الجسمانية عند تمام الاربعة الاشهر من حين وقوع النطفة في الرحم وعند الولادة الدنيوية توجد النفس الناطقة وقد تمكنت الحيوانية من القوى والالات الجسمانية وسرت فيها بشؤنها وصفاتها الذميمة والنفس الناطقة عند ولادتها غريبة لم يأتها المربي لها المؤيد لما تقتضيه وهو العقل الا بعد ان تصرفت الحيوانية في سائر القوى واستعبدتها ثم اتى العقل الى بلد قد خربها الظالمون وتعبد اهلها الفاسقون فوجد النفس الناطقة وماوجد فيها غير بيت من المسلمين فشرع مع ضعفه وقلة ناصريه في تأييدها والانسان الذي هو تلك القرية حصل له داعيان متعارضان في كل فعل وميل احدهما آمر والاخر ناه فارسل الملك الحكيم عز وجل الى اهل هذه القرية رسولا من عنده قويا لا يشتبه عليه الداعيان صلى الله على محمد واله الطاهرين ليبين لهم ما يريد الله سبحانه ويحب مما يكرهه ولا يريده فمن اتبع رسول الله صلى الله عليه واله اهتدى ولم تشتبه عليه الامور فكانت الدنيا دار اشتباه لتعارض الداعيين من نفس المكلف اذا مالت الى شيء لا يدري ما مراد الله تعالى منه فعله او تركه ودار مغالطة لان النفس الامارة تحسن له مطلوبها من المعاصي والعقل يحسن له مطلوبه من الطاعات وقد اجتمعا في بيت واحد وهو القلب الصنوبري وله اذنان اذن عن يمينه عليها ملك مؤيد يوحي الى العقل ان يبادر الى طاعة الله سبحانه وتحت ذلك الملك جنود من الملائكة بعدد ميولات الوجود وعدد بواعث وزيره العقل يعينون الملك على وحيه ويدفعون الشياطين عن المنع من حصول مطلوبه واذن عن يساره عليها شيطان مقيض يوحي الى النفس الامارة ان تبادر الى معصية الله سبحانه قبل ان يستولي العقل على المتعلق بفتح اللام المشددة وتحت ذلك الشيطان جنود من الشياطين بعدد جنود الملك المؤيد وعدد ميولات الماهية وعدد بواعث وزيرها النفس الامارة يعينون الشيطان على منعه من فعل الطاعة ويدفعون الملائكة من حصول مطلوبهم فالملائكة يزينون للشخص فعل الطاعات ويرغبونه فيه بتذكير ثواب الله تعالى والجنة ويكرهونه فعل المعاصي ويخوفونه بتذكير النار وسخط الله على العاصين والشياطين يزينون للشخص فعل المعاصي وانها لذة عاجلة قطعية ولا مانع منها وان ما ذكر من العقوبة لا اصل له ولو فرض ثبوته فبعضهم يقولون له من له طالع ينال به شهوته وان كان بعث ورجوع الى الحيوة فالطالع الاول موجود وبعض يقول لبعض لو فرض ذلك فتب عن المعصية وبعض يقول لبعض لذات الدنيا يقين ولذات الاخرة شك واليقين خير من الشك وبعض يقول لذات الدنيا نقد ولذات الاخرة نسيئة والنقد خير من النسيئة وامثال ذلك والحاصل لما اشتبه الميلان وتشابه الداعيان وتشابك الخير والشر والحق والباطل لاجل اختبار المكلفين كما قال تعالى احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وغير ذلك من الايات وقال امير المؤمنين عليه السلام لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يعود اعلاكم اسفلكم واسفلكم اعلاكم وليسبقن سباقون كانوا قصروا وليقصرن مقصرون كانوا سبقوا ه‍ خفي العدل الذي وصف تعالى به نفسه وخلقهم عليه فبين عز وجل لهم ما وصف به نفسه حتى لا يشك احد من الخلق في شيء مما ذكره في كتابه كما اشار اليه في قوله واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين لانه تعالى انما خلقهم ليعرفوه فعرفهم نفسه وما وصف به نفسه بفعله في قوله واكثرهم ما شاهدوا فعله في قوله وانما سمعوا قوله فاحب ان يريهم فعله في قوله لئلا يقولوا انا كنا عن هذا غافلين فبلغت حجته وتمت كلمته وما ربك بظلام للعبيد فيجمعهم ويفصل بينهم بالحق ليميز الخبيث من الطيب ويحق الحق ويبطل الباطل ويتفرقون حينئذ فريق في الجنة وفريق في السعير وهو قوله ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون

وقوله { ولا منافاة بين هذا الفصل وذلك الجمع بل يقرره ويوجبه كما قال هذا يوم الفصل جمعناكم والاولين } فيه انه ان اراد بهذا الفصل خصوص الحكم لا غير فكما قال وان اراد به التفريق فينافيه الجمع على ما علله كما ذكرنا مما يلزمه فراجع

قال : ومنها ان المتخلصين عن البرازخ والقبور يتوجهون عند قيام الساعة الى الحضرة الالهية بلا تراخ وانتظار كما لغيرهم من المقيدين بالدنيا المأسورين باسر التعلقات كما قال فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون
اقول من جملة احوال القيمة ان الذين تخلصوا عن قيود البرازخ كالنفوس والارواح قبل النفخ في الصور نفخة الصعق بهذه النفخة كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة ما معناه تبقى الارواح ساهرة لا تنام ه‍ وعن مضيق المخازن والقبور كالارواح والنفوس عند النفخة الثانية نفخة الفزع وكالاجساد يتوجهون عند قيام الساعة الى الحضرة الالهية بلا تراخ وانتظار لا كما يكون من التراخي والانتظار لغيرهم من المقيدين بالدنيا المأسورين المقيدين باسر التعلقات وقيدها بل المتخلصون سيرهم حثيث مسرعون مهطعون الى داعي الحق سبحانه كما قال سبحانه فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون اي يسرعون اقول واعلم ان مدة القيمة كيوم من الايام الثلاثة يوم الدنيا ويوم الرجعة ويوم القيمة والناس في الايام الثلاثة كلهم يسيرون الى الله تعالى سيرا حثيثا وليس سيرهم بعد النفخة الثانية مغايرا لسيرهم قبل ذلك والعارفون الذين علمهم الله اسرار الخليقة او بعضها يشاهدون ذلك نعم هم فيما يرون من انفسهم يرون ان اهل الدنيا مقيمون واهل الاخرة يسيرون الى الله سبحانه واما انطلاق اهل الاخرة من قيد التعلقات فلا يتم الا بعد الفصل بينهم والا فقبله اشد تعلقا واعظم اختلاطا لان اغلب التعلقات في الدنيا معنوي بخلاف الاخرة فان التعلقات حسية وكثير منها لا يعتبرونه في الدنيا واما في الاخرة فقد قال تعالى وان تك مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين وكل هذا مما يمنع من سرعة السير ولهذا كان مقداره خمسين‌الف سنة لكن الظاهر مع المصنف

قال : ومنها ان الموت لكونه عبارة عن هلاك الحيوان بواحد من طرفي التضاد يقام بين الجنة والنار في صورة كبش املح ويذبح بشفرة يحيى عليه السلام وهو صورة الحيوة بامر جبرئل عليه السلام مبدء الارواح ومحيي الاشباح باذن الله لتظهر حقيقة البقاء والسرمد بموت الموت وحيوة الحيوة
اقول ان الموت هو خروج الروح من البدن اما بقتل او موت فاما القتل ففيه خلاف هل هو عند انقضاء العمر المكتوب بحيث لو ترك ولم يقتل مات وقيل لا يموت واختلف هؤلاء في قدر ما يبقى لو لم يقتل على اقوال لعدم عثورهم على نص يدل على شيء والنص موجود يذكرونه في الكتب ويقرؤنه ولا يفهمون معناه وهو انه يبقى سنتين ونصفا واما الموت فقسمان مسمى ومقضى فالمسمى لا يزيد ولا ينقص والمقضى يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وليس هذا مكان بيان ذلك واعلم ان كثيرا من العلماء ذهبوا الى ان الموت امر اعتباري عدمي ليس بموجود لانه عدم الحيوة مما من شأنه الحيوة والحق ان الموت شيء موجود مخلوق كما قال تعالى الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم ايكم احسن عملا

وقوله { بواحد من طرفي التضاد } كأن تزيد حرارة الشخص على برودته فتحرقها او برودته على حرارته فتطفئها او رطوبته على يبوسته فتذيبها او يبوسته على رطوبته فتجففها لانه ما دامت الطبائع معتدلة او قريبة الاعتدال فهو صحيح فاذا زادت واحدة على ضدها ولم تذهب ضدها تمرض الشخص فان اذهبته هلك وليس مراده ان الهلاك يكون من واحدة لا غير بل مراده اعم وهو كذلك

وقوله { يقام بين الجنة والنار الخ } يعني انه اذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار اقيم الموت بين الجنة والنار في صورة كبش املح بحيث يشاهده اهل الجنة واهل النار ويعرفونه انه الموت فيذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا اهل الجنة خلود ولا موت يا اهل النار خلود ولا موت فعند ذلك تشتد الحسرة على اهل النار اما انه بصورة كبش فكناية عن ذلته وحقارته في جانب قدرة القادر عز وجل واما انه املح فلان هذا اللون مركب من بياض وسواد ممتزجين فهو في حق المؤمن نور وفي حق الكافر ظلمة ولما كان ذلك اعني النور والظلمة كذلك وكان فعله كذلك ولم يكن في احدي جهتيه مستمرا حتى يفرغ منها بل هنا وهنا اقتضى امتزاج طبعيه وفعليه اختلاط لونيه فكان املح

وقوله { ويذبح بشفرة يحيي عليه السلام } لم يحضرني كون الذبح بسكين النبي يحيي على محمد واله وعليه السلام من طرقنا ولعله من طرق العامة وعلى فرضه فمعناه كما ذكره المصنف من ان كون ذبح الموت بشفرة يحيي عليه السلام اشارة الى ظهور الحيوة يوم القيمة في كل شيء كما قال عز من قائل وان الدار الاخرة لهي الحيوان اي لا موت فيها لان الموت انما يكون في مراتب الاعراض المتبدلة المتغيرة لفائدة عدم البقاء فيها كما في الدنيا واما الاخرة فهي لما كانت انما خلقت للبقاء كانت اعراضها صافية لا تتغير الا في مراتب الترقي والشدة والقوة والجدة والصفاء والحسن فانها لا تزال في الترقي فتبدلها وتغيرها الى جهة العلو والكمال بلا نهاية

وقوله { بامر جبريل عليه السلام } يعني انه انما قيل بشفرة يحيي عليه السلام لانه كناية عن صورة الحيوة وذلك بامر جبرئل عليه السلام لانه موكل بذلك ولذا قال مبدء الارواح ومحيي الاشباح ولكن الامر اخص مما قال لان جبريل عليه السلام هو الموكل بالخلق والتصوير واما الارواح والحيوة فموكل بها اسرافيل عليه السلام لانه صاحب الشاخص الذي ينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور كما قال سيد الساجدين عليه السلام ولكن بعض العارفين قال ان كل واحد من الملائكة الاربعة يعينه ملكان منهم كل واحد بنصف قوته فجبرءيل يعينه اسرافيل بنصف قوته وعزرائيل بنصف قوته واسرافيل يعينه جبرئل بنصف قوته وميكائيل بنصف قوته وميكائيل يعينه اسرافيل بنصف قوته وعزرائيل بنصف قوته وعزرائيل يعينه ميكائيل بنصف قوته وجبرئل بنصف قوته فعلى هذا يتجه قول المصنف وجبريل مصور الاشباح وانما ينفخ فيها الحيوة بما اعانه به اسرافيل لان اسرافيل هو المتلقي من النفس الكلية اعني اللوح المحفوظ وذبح الموت بسكين يحيي عليه السلام ليظهر للناس حكم السرمد والبقاء بذبح الموت وعدمه وحيوة الحيوة ووجودها

قال : ومنها ان الجحيم تحضر في العرصات على صورة بعير لاجل حقده ليتذكر الانسان صفاته الذميمة الباعثة للعقاب كما في قوله وجيئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان واني له الذكري وهي بارزة في ذلك اليوم لا كامنة كما في هذا اليوم لقوله وبرزت الجحيم لمن يرى فيطلع الخلائق من هول مشاهدتها على فنائهم وعذابهم فيفزعون الى الله من شرها لولا ان حبسها الله برحمته لشردت شردة احترقت بها السموات والارض
اقول من احوال القيمة ان جهنم يؤتى بها يوم القيمة تحضر في العرصات اي عرصات القيمة على صورة بعير لاجل ان طبع البعير الحقد بكسر الحاء لاضمارها لشدة الانتقام نعوذ بها من سخط الله والنار وايضا هذا الحديث بهذا الوضع مما رووه ما معناه ان النبي صلى الله عليه واله كان قاعدا مع اصحابه اذ عرض له حال شديدة فقيل يا علي ادرك ابن عمك رسول الله صلى الله عليه واله فاتى علي عليه السلام وسند ظهره بصدره وقال بابي انت وامي يا رسول الله ما الذي حدث فقال صلى الله عليه واله نزل جبرئل عليه السلام علي بهذه الاية وجيئ يومئذ بجهنم فقال علي عليه السلام يا رسول الله وكيف يجاء بها قال صلى الله عليه واله يؤتي بها تقاد بسبعين‌الف زمام في كل زمام سبعون‌ الف حلقة كل حلقة يمسكها الف ملك فتشرد شردة فتخر جميع الخلائق على وجوههم فاعترضها فتقول ما لي ولك يا محمد وقد حرم الله جسدك علي فامسكها للملائكة ولولا اني امسكتها لاحرقت اهل الجمع ه‍ ومن طرقنا ما رواه القمي قال حدثني ابي عن عمرو بن عثمن عن جابر عن ابي‌ جعفر عليه السلام قال لما نزلت هذه الاية وجيئ يومئذ بجهنم سئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه واله فقال ذلك اخبرني الروح الامين ان الله لا اله الا هو اذا برز الخلائق وجمع الاولين والاخرين اتى بجهنم تقاد بالف زمام اخذ بكل زمام مائة ‌الف ملك تقودها من الغلاظ الشداد لها هدة وغضب وزفير وشهيق وانها لتزفر الزفرة فلولا ان الله اخرهم للحساب اهلكت الجميع ثم يخرج منها عنق فتحيط بالخلائق بالبر منهم والفاجر فما خلق الله عبدا من عباد الله ملكا ولا نبيا الا ينادي رب نفسي نفسي وانت يا نبي الله تنادي امتي امتي ثم يوضع عليها الصراط الحديث

وقوله { ليتذكر الانسان صفاته الذميمة } يعني اذا رأي النار ندم على ما فعل في الدنيا من افراط او تفريط يقول يا ليتني قدمت لحياتي وهي بارزة في ذلك اليوم محسوسة ظاهرة لكل احد والأن في الدنيا كامنة كما روي عنهم عليهم السلام انها الأن فيهم وغدا هم فيها وهو قوله تعالى يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وقوله تعالى لو تعلمن علم اليقين لترون الجحيم فاذا برزت غدا كما قال تعالى وبرزت الجحيم لمن يرى اطلع الخلائق من هول رؤيتها على فنائهم وهلاكهم وعذابهم فيفزعون الى الله من شرها وهي محيطة بهم لا يظن احد منهم نجاة ولا ملجأ ولا مفزع الا الى الله سبحانه ولولا ان الله تعالى بلطفه بعباده حبسها برحمته وقيدها بقيد لطفه لشردت شردة من الملائكة الموكلين بها احترقت بها السموات والارض ومن فيهن اجرنا من النار بعفوك يا مجير

قال : قاعدة في العرض والحساب واخذ الكتب ووضع الموازين اما العرض فهو مثل عرض الجيش ليعرف اعمالهم في الموقف وقد علمت صحة اجتماع الخلائق كلهم على ساهرة واحدة فيعرف المجرمون بسيميهم كما تعرف الاجناد هيهنا وقد ورد ان النبي صلى الله عليه واله سئل عن قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال ذلك هو العرض فان من نوقش في الحساب عذب واما الحساب فهو عبارة عن جمع تفاريق الاعداد والمقادير ليعرف فذلكتها ومبلغها وفي قدرة الله تعالى ان يكشف في لحظة واحدة للخلائق حاصل متفرقات اعمالهم وجمع نتايج اعداد حسناتهم وسيئاتهم واثر كل دقيق وجليل من افعالهم ونياتهم وهو اسرع الحاسبين
اقول المراد بعرض الخلائق ايقافهم بين يدي ولي الله على خلقه ليجزي قوما بما كانوا يعملون كما دلت عليه احاديثهم وادعيتهم مثل ما في الزيارة الجامعة الكبيرة واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وهو معرفة لغات الخلائق ومن ذلك ما في الكافي عن الكاظم عليه السلام الينا اياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عز وجل حتمنا على الله في تركه لنا فاجابنا الى ذلك وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم واجابوا الى ذلك وعوضهم الله عز وجل ه‍ وفائدة العرض لتعرف اعمالهم ظاهرة على رؤس الاشهاد بعد اجتماع جميع الخلائق بالساهرة وهي الارض البيضاء المستوية التي ليس فيها نبات ولا بناء فيعرف المجرمون بسيميهم اي بامثالهم في اعمالهم مثلا اذا سرق زيد من دكان عمرو رمانة كتبت الملائكة الحفظة مثاله في صورة عمله فاذا جاء يوم القيمة جاء لابسا ذلك المثال بعمله فكما انك الأن ما دمت حيا كلما التفت بخيالك الى ذلك رأيت صورة مثاله يسرق الرمانة كذلك اذا جاء يوم القيمة جاء لابسا ذلك المثال بما هو فاعل فتراه الخلائق مادا في دكان عمرو آخذا لتلك الرمانة في ذلك الوقت الذي اخذها فيه في دار الدنيا وهكذا جميع الاعمال وعلى هذا قياس شهادة الجوارح والمؤمنون يعرفون بسيميهم بما البسوا من امثالهم الحسنة بما هم فاعلون من الخيرات على حد ما ذكرنا في المجرمين لظهور كل عامل بعمله والاعتقادات الصحيحة والنيات الصالحة والاعتقادات الباطلة والنيات الطالحة تظهر اعمالا ظاهرة محسوسة لاهل الجمع اذ يوم القيمة تبلى السرائر وتبدى الضمائر واما الحساب فهو في اللغة عبارة عن جمع متفرقات الاعداد والمقادير الممسوحات والمذروعات والموزونات والمكيلات والمراد به هنا ضبط الاعمال باعدادها ومقاديرها في كمها وكيفها ومعرفة نهاياتها ويوم المجازاة عنها او بها وبما تساويه في نحو القيمة ومدة بقائها وصحتها وفسادها واختلافها ومعرفة رتب ارواحها من النيات والمقاصد والمرادات وبيان من اريد بها وامكنتها من الاكوان واوقاتها وامثال ذلك لتتميز فذلكتها اي نهايتها في جهة ما طلب منها ومبلغها من رتب الوجود على وجه لا يكون فيه خفاء او يجوز عليه خفاء بحيث يتعلق به متعلل او متعذر بل صحو قائم وعدل دائم

وقوله { وفي قدرة الله تعالى ان يكشف في لحظة واحدة للخلائق حاصل متفرقات اعمالهم الى اخره } صحيح لانه على كل شيء قدير الا انه لا يفعل ذلك لانه مناف للحكمة اذ مقتضى الحكمة ان تجري الاشياء على مقتضى اسبابها وهو تعالى حافظ لها ولاسبابها بقيوميته ويعطي اسبابها آثارها التي اقتضتها فلذا خلق ما خلق في الدنيا على مقتضى الاسباب والقوابل ليبين لخلقه ليعرفوه فيطيعوه فيستحقوا الدرجات العاليات من ثوابه ورضوانه واخبر في كتابه المجيد ان سنته لا تتبدل ولا تتحول وجعل ما فعل في الدنيا دليلا ومثالا لمن اراد ان يعرفه ويعرف سنته في عباده فقال ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون فتستدلون بها على النشأة الاخرى

وقوله { وجمع نتائج اعداد حسناتهم وسيئاتهم } الانسب في العبارة ان يقول وجمع نتائج حسناتهم وسيئاتهم لان خصوص الاعداد ليس فيها نتائج معتد بها وان امكن توجيهه مع قلة الفائدة

وقوله { واثر كل دقيق وجليل من افعالهم ونياتهم } ربما اعترض بعض على هذا فقال الاثار مترتبة على الاعمال لا على النيات وان كانت لا تترتب على الاعمال الا بالنيات لان افعال القلوب لا شيئية لها الا باعمال الجوارح فاجيب بان المراد بالنيات الاعتقادات لانها هي التي تترتب عليها المجازاة بالثواب او العقاب وعورض بما صح من ان نية فعل الحسنة تكتب حسنة واجيب بانه لو كان المراد من النيات نيات الاعمال لماصح في نية فعل المعصية لما صح من انها لا تكتب حتى يعملها فاذا عملها كتبت سيئة واحدة والحق ان كل نية فلها اثر كما اطلقه المصنف اما نية الاعتقادات فظاهر لانها هي اعمال القلوب واما نية الحسنة فلان الالات والاسباب وجميع ما يتوقف عليه العمل من تخلية السرب والصحة التي بها يكون العبد متحركا مستطيعا للفعل والدواعي وما اشبه ذلك كلها انما خلقت للطاعة فتكون متأصلة فيها فاذا انبعثت النية من القلب بميل الفؤاد مرت على مراتبها التسعة القلب والنفس والتعقل والعلم والوهم والوجود الثاني والخيال والفكر والحيوة وهي متفرقة التأثير فلذا تحسب بحسنة واحدة لان كل واحدة ناظرة الى عمل الجوارح على الانفراد فاذا عملت الجوارح كتبت عشرا لتعلق كل واحدة من التسع بعمل الجسد فاذا عمل كتب كل تعلق منها حسنة وعمل الجوارح حسنة واما نية المعصية فلانها لا تنبعث من القلب وانما تنبعث من النفس الامارة وتمر على المراتب التي لم تخلق لها وانما خلقت للطاعة فلا قرار لها بدون العمل واستقراره فتمر من النفس والعلم والوهم والخيال والفكر والحيوة فهي ناظرة الى عمل الجوارح لكنها مع تفرقها من كون كل واحدة نظرها الى عمل الجوارح على حدة غير متأصلة فيها فقبل عمل الجوارح لم يكن لها ثبوت ولا استقرار لانها مجتثة فاذا عملت الجوارح تلك المعصية كانت واحدة اذا قرت لان قرار تلك الستة لا يتحقق لها تعلق قبل فعل الجوارح لعرضيتها فاذا عملت الجوارح انتظر سبع ساعات فان تاب لم تكتب وان مضت سبع ساعات ولم يتب كتبت سيئة لان الجوارح اذا عملت ومضت ساعة قرت في الحيوة عرضيتها وفي الساعة الثانية تقر في الفكر وفي الثالثة في الخيال وفي الرابعة في الوهم وفي الخامسة في العلم وفي السادسة في النفس وذلك بعد ساعة الجوارح فهذه سبع ساعات تستقر بعدها سيئة واحدة وان تاب مر ماء التوبة الذاتية على تلك العرضيات فغسلها فلا يحدث من نية المعصية البدنية اثر نعم يحدث منها اذا تكررت آثار عرضية اذا تراكمت ولم يرد عليها ما ينافيها حدثت عنها بواعث وشياطين مقيضين يزينون المعاصي ويصدون عن سبيل الله الذي امر بسلوكه كما قال عيسى بن مريم على محمد واله وعليه السلام للحواريين ما معناه اياكم والزنا قالوا يا روح الله انا نهم به فقال ما اريد انكم لا تهمون به ولكن اريد انكم لا تجروه على خواطركم فان البيوت التي توقد تحتها النار تسود سقوفها فكذلك هذا وكما نقل عن بعضهم انه ما من خطرة ترد على قلب بشر الا هي مادة لملك او شيطان ه‍ فميولات النفوس الامارة والحيوانية الفلكية والتفاتاتها اذا تكررت حدثت عنها بواعث ودواع شيطانية او حيوانية او سبعية والحاصل ان مدة حساب الخلائق خمسون‌الف سنة من سني الدنيا ولكنه حساب شخص واحد فيفرغ حساب جميع الخلائق بفراغ حساب واحد منهم اما لان كل وجه من كتاب الله الناطق ووليه الصادق عليه واله السلام يختص بشخص واحد من الخلق فاذا فرغ من حسابه فرغت الوجوه واما لطي الزمان بالقدرة العامة واما لان طول المدة كناية عن عظم الشدة واما لان الوجوه المذكورة عبارة عن التعلقات والوجه الواحد كما اشار اليه الحق تعالى في قوله الحق ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وذلك بامره الواسع وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر فمدة الحساب كلمح البصر وهو اسرع الحاسبين

قال : واما طول مدة الحساب ومكثهم في العذاب فلاجل قصور ذواتهم عن سرعة التفطن بجمع متفرقاتهم والوصول الى حاصل حسابهم واما اخذ الكتب فقد علمت ان كتب النفوس وصحائف القلوب بعضها علوية وبعضها يمينية وبعضها شمالية فاما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب الى اهله مسرورا لانه المؤمن السعيد الذي قلبه منور بنور الايمان مطهر عن خبث الباطن وذحل السريرة ولا حساب له مع احد من الخلق ولا شاغل لذمته عن التوجه الى عالم القدس ولذلك قال واما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه اني ظننت اني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية لانه كان عارفا بالاخرة وبالحشر والجزاء عالما بانه يلاقي حسابه وكتابه اذ الظن هنا بمعنى الجزم واليقين واما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابيه ولم ادر ما حسابيه وذلك لكثرة اشتغاله بالدنيا ولذاتها وتلهيه عن الاخرة وسرورها وخيراتها واما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلي سعيرا اما دعوة الثبور فلتعلق نفسه بالامور الهالكة الفانية واما صلى السعير فلكون كتاب الفجار المنافقين من جنس الاوراق المسودة الباطلة القابلة للنسخ والتبديل والتغيير اللائقة للاحراق بنار السعير
اقول اما طول مدة الحساب ومكثهم في العذاب قدر خمسين‌الف سنة فقد ذكرنا بعض الوجوه كالمتقدمة والمصنف قال ان ذلك ليس لطول المدة في نفس الامر وانما كان الطول على اهل المحشر لاجل قصور ذواتهم عن سرعة التفطن بجمع متفرقات اعمالهم واحوالهم وذواتهم وبالوصول الى حاصل حسابهم لما هم فيه من الشدة ويحتمل ان يكون المراد بالواحدة في قوله وما امرنا الا واحدة الواحدة الدهرية او السرمدية فانه تعالى انما قال كن فكان كل شيء بها مما كان ومما يكون الى يوم القيمة وبعد القيمة بلا نهاية فهذه الكلمة الواحدة مع وحدتها ممتدة بلا اول لها في الامكان ولا اخر كذلك على انا قد اشرنا في ما سبق ان يوم القيمة في القوس الصعودي مقابل ليوم التكليف الاول في عالم الذر في القوس النزولي وهو ايضا خمسون‌الف سنة ويوم القيمة يوم جزاء ذلك التكليف وهو خمسون‌الف سنة فكما ان يوم التكليف بكلمة واحدة وهي الست بربكم قالوا بلى مع انه اخذهم من اصلاب آبائهم كما في الدنيا بالتناكح ومن بطون امهاتهم بالتوالد على التدريج وكل من حضر كلف والتكليف ممتد بالكلمة الممتدة مثل نور الشمس لما طلعت استنار بها الجدار والموضع الذي ليس فيه جدار لم يستنر فاذا بني فيه جدار استنار فكذلك الست بربكم بصوت واحد كل من وجد وارشد خوطب به الى انقضاء التكليف بخطاب واحد بكلمة واحدة كذلك النشأة الاخرى واهل المحشر لا يخفى عليهم هذا المعنى الا انهم في شغل عن ذلك الا من كان مكلفا به في الدنيا لا بد ان يتفطن في ذلك لانه مسئول عنه ولو ترك لم يترك لانه مسئول عن التفطن ان غفل عنه لانه مكلف به اذ بعض الاشخاص مكلف بالعلم كما دل عليه قوله عليه السلام في قوله تعالى قل فلله الحجة البالغة ما معناه انه تعالى يقول للعبد يوم القيمة المءامرك الم انهك ان قال لم اعلم قال تعالى لم لم تعلم وقد جاءك المذكر وان قال علمت قال لم لا تعمل ه‍ فمن غفل عن التفطن ولم يدرك حقائق الاشياء وجد كل حين تعرض عليه اعمال من اعماله في وقتها ومكانها فتعرض الاعمال في اوقاتها المتعددة المتعاقبة وامكنتها المتجددة المصاحبة فالغافل يرى الطول في التجدد والتعاقب والتعدد بالنسبة الى تنقل نظره اليها كما اذا نظرت الى ورق الشجرة واحدة بعد واحدة في جهة بدء ظهورها من الغصن الى نهاية تكونها فان مدة استقصائها واحدة بعد واحدة تطول عليك بخلاف ما لو نظرت الى مجموع الورق من حيث تكونه من الشجرة فانه بمادة واحدة وسبب واحد وانما تعددت وتعاقبت من جهة اركان قوابلها كما قررنا سابقا مكررا

وقوله { واما اخذ الكتب الخ } تفسير منه لاخذ الكتب وهذا لا يصح الا اذا اراد بقوله واما اخذ الكتب الكتب المأخوذة واما اذا اراد اخذها فهو ما ذكرناه سابقا من ان اخذ الكتب في الظاهر عبارة عن ان الكتب الطيبة بالاعمال الصالحة تأتي اصحابها من بين ايديهم فيأخذونها بايمانهم والكتب الخبيثة بالاعمال الخبيثة تأتي اصحابها من وراء ظهورهم فتضربهم وتخرق ظهورهم وتخرج من صدورهم ويأخذونها بشمائلهم واما اخذها الحقيقي الذي ظاهره ما ذكرنا من الاخذ المعروف فهو ما اشرنا اليه سابقا من كون الكتب عبارة عن نسخ امثال العاملين بما هم عاملون له في غيوب امكنتها وازمنتها المعبر عن تلك الغيوب بالالواح الجزئية من اللوح الكلي الذي هو اللوح المحفوظ واخذها عبارة عن لبس تلك الامثال وخروجهم بتلك الملابس بين الخلائق متلبسين باعمالهم اي عاملين بها فمن لبس مثاله المصلي للنافلة خرج بين الناس يصلي تلك النافلة في المكان الذي صلاها فيه في الدنيا في الوقت الذي صلاها فيه لان الله سبحانه يحشر تلك البقعة وذلك الوقت وكذلك جميع اعمال الخير واعمال الشر الا العمل الخبيث الذي تاب عنه في الدنيا توبة نصوحا واصلح بعد ذلك عمله بينه وبين الله فان الله عز وجل بفضله يمحوه من المكان والزمان وينسي الملائكة الحافظين والا فكل صغير وكبير مستطر فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره

وقوله { فقد علمت ان كتب النفوس وصحائف القلوب بعضها علوية وبعضها يمينية وبعضها شمالية } ظاهره ان الكتب النفسانية والعقلية قسم ثالث وذلك بناء منه على ان الكتب اليمينية والشمالية امور حسية لانها نسخ الاعمال الحسية وتؤخذ باليد اليمنى واليسري وهما بدنيتان بخلاف الكتب التي هي نسخ العلوم والاعتقادات فانها من نوع الملكوت والجبروت فهي قسم ثالث وهذا ليس بصحيح اما اولا فلان الكتاب المجيد والسنة النبوية مصرحان بحصر الكتب في اليمينية والشمالية وليس ذلك عن عدم علم ولا عن غفلة واما ثانيا فلان ذلك كما ذكرنا سابقا من ان الاجسام اذا تخلصت من الاعراض الدنيوية والبرزخية ادركت بذاتها الجبروت والملكوت لانها من نوعه وان كانت جامدة لكونها اسفلهما واسفل الشيء من نوعه وان كان الشيء الاعلى اكمل في مدركه من الاسفل الا ان الشيء الواحد لا تختلف مداركه اختلافا كثيرا وايضا يكون ملكوتها وجبروتها يدركان الاجسام والجسمانيات بذاتهما فتكون كتب النفوس وصحائف القلوب داخلة في اليمينية والشمالية فاما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا بان يبدل الله سيئاتهم حسنات لان سيئاتهم ليست ذاتية بل هي آثار اللطخ الذي لحقهم من مجاورة طينة المنافقين فاذا رجع كل شيء الى اصله رجعت تلك المعاصي الى المنافقين وما عمل المنافقون من حسنات فليست ذاتية بل هي آثار اللطخ الذي لحقهم من مجاورة طينة المؤمنين ومثاله اذا اخذت قطعة من الصبر الاسقطري ووضعتها في شيء من الخل الثقيف فان ذقت الصبر وجدت في مرارته حموضة وان ذقت الخل وجدت في حموضته مرارة فهل تنسب حموضة الصبر الى الصبر ام الى الخل وهل تنسب مرارة الخل الى الخل ام الى الصبر بل تقطع بان حموضة الصبر من الخل ومرارة الخل من الصبر فاذا عاد كل شيء الى اصله بحكم العدل الحق عادت الحموضة كلها الى الخل والمرارة كلها الى الصبر وما ربك بظلام للعبيد وعلى هذا فوجه احاديث الطينة ولا تقابلها بالانكار مع كثرتها وصحة اكثرها من علم وللحساب اليسير وجوه كثيرة كالشفاعة والعفو والفضل وبراءة المحبة والولاية والعفو عما نقصت العقوبة عليه عن حقب وامثال ذلك كثير مما يطول الكلام ببيانه بل بذكره وينقلب الى اهله مسرورا والمراد من اهله اخوانه في الدين من اقاربه البدنيين والروحانيين الذين اتبعوه او اتبعهم بايمانهم وذلك لقوله تعالى قال نوح في سؤاله في شأن ابنه كنعان رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين قال يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح وقال تعالى في تعليم ابراهيم على محمد واله وعليه السلام فمن تبعني فانه مني لان الانساب والاسباب كلها تنقطع الا ما كان لله سبحانه فينقلب اليهم مسرورا بما هو قادم عليه مما بشر به واعد له لانه المؤمن السعيد الذي قلبه منور بنور الايمان لانه كتب في قلبه الايمان وايده بروح منه وهو نور الحيوة في قوله اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فكان قلبه مطهرا من الاخباث الباطنة كالشرك الظاهر والباطن والاعتقادات السيئة والظنون السوء ومن كدورات الغفلات وذحل السريرة بالذال المعجمة والحاء المهملة بمعنى الحقد بكسر الحاء بان لا يكون في قلبه غلا للذين امنوا بل هو صافي السريرة حسن السيرة مع الله سبحانه بالاخلاص وذكره على كل حال وبالرضى بقضائه وبعطائه وبالصبر على بلائه ومع النفس بالا يمكنها من شهواتها ولم يهملها بل قيدها بقيود الشريعة وراضها بالطاعات حتى اطمأنت بمتابعة العقل في جميع مطالبه ومع الناس بالا يكون له حساب مع احد من الخلق ولا تعلق عليه لاحد منهم ولا له فيكون شاغلا له عن التوجه الى عالم القدس بالعمل الصادر عن العلم العياني ودوام الذكر وكثرة الفكر في خلق الله وفي الموت والجنة والنار فان تفكر ساعة خير من عبادة سنة وادامة النظر والاعتبار في ايات الله التي يرى عباده اياها في الافاق وفي انفسهم والتدبر لكتاب الله والعمل بما امر الله والانتهاء عما نهي عنه وادامة التقرب الى الله عز وجل بالنوافل والتخلق باخلاق الروحانيين والتأدب باداب الله سبحانه ولاجل كون ما عمله وصنعه في دار الدنيا عن علم ذوقي ومعرفة يقينية قال للملائكة او لاولياء الله عليهم السلام هاؤم اقرأوا كتابيه اني ظننت اني ملاق حسابيه فهو باعماله التي تفضل الله عليه بقبولها في عيشة راضية اي مرضية ففاعل بمعنى مفعول مثل لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم على احد الوجوه في جنة عالية وقد تقدم ذكر الجنان واسماؤها وترتيبها

وقوله { اذ الظن هيهنا بمعنى الجزم واليقين } معلوم ولا بيان نكتة فيه وبيان النكتة في قوله اني ظننت اني ملاق حسابيه مع انه متيقن فينبغي ان يقول اني علمت او تيقنت وانما عدل الى الظن لفائدة هي انه يريد ان عملي هذا الصالح الذي هو سبب نجاتي اعلم واتيقن ان التوفيق له نعمة من الله علي لا اقدر على اداء شكرها وان قبوله مني نعمة اخرى وان وعده تعالى لي بحسن المجازاة نعمة اخرى واني لا استحق شيئا من ذلك ولا غيره الا برحمة منه وفضل ابتدائي ومع هذا كله اذا شاء ان يعذبني فهو غير ظالم لي وانا مستحق لاعظم من ذلك ولكن تصديقا لوعده في كتابه انه لا يضيع عمل عامل وحسن ظن به وعظم رجاء في كرمه ظننت بعظيم املي ورجائي النجاة وذلك كما قال زين‌ العابدين عليه السلام في السجود بعد الثمان من صلوة الليل قال الهي وعزتك وجلالك لو انني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلائق وشكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك علي ولو انني يا الهي كربت معادن حديد الدنيا بانيابي وحرثت ارضها باشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السموات والارض دما وصديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما يجب من حقك علي ولو انك يا الهي بعد ذلك عذبتني بعذاب الخلائق اجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي وملئت جهنم وطبقاتها مني حتى لا يكون في النار معذب غيري ولا لجهنم حطب سواي لكان ذلك بعدلك قليلا في كثير ما استوجب من عقوبتك ه‍ فتأمل في كلامه عليه السلام هذا الذي لا يحتمله غيرهم الا من شاؤا ومثله ما روي عن الصادق عليه السلام ما من معناه ان النبي الياس على محمد واله وعليه السلام سجد وبكى فاوحى الله اليه ان ارفع رأسك فاني لا اعذبك فقال يا رب ان قلت لا اعذبك ثم عذبتني الست عبدك ه‍ رواه في الكافي والأن لا يحضرني لفظه فتأمل رحمك الله في كلام المقربين مثل هذا وامثاله ومن فهم ما ذكرنا واشاروا عليهم السلام اليه عرف ان الانسب ان يقال اني ظننت اني ملاق حسابيه وكقوله تعالى الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون فكيف يعلمون انهم ملاقوا ربهم والله سبحانه يقول كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فالظن في الظاهر بمعنى الجزم وفي نفس الامر على ظاهره ليستحقوا من الله عز وجل المدح بقوله والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون وكم من سر في الالفاظ في القرءان المراد منها غير ظاهرها ولكن اذا اقتضى المقام ذكر شيء منها ذكرته بنحو ما تفهمه الخواص وربما لا اذكره بما يفهمه الخصيصون الا قليلا على جهة الاشارة لان هذا الزمان زمان دولة الباطل عجل الله فرج من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا فحينئذ اكون انشاء الله كما قلت في قصيدة رثيت بها الحسين عليه السلام :

هناك ابن زين ‌الدين احمد يشتفي وذلك امر في احاديثكم سر

وقوله في قوله تعالى { واما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابيه } فقد مضى ما يبينه والاية نزلت في الرابع ولم ادر ما حسابيه بل كنت ترابا او لم اخلق ويا ليت ما جرى علي من شدات الموت وسؤال القبر وعذاب البرزخ كانت قاضية في العقوبة والمجازاة عن هذه الاهوال وشدات الحساب والعذاب في الجحيم وانما كان ذلك منه وجرى عليه ليس لكثرة اشتغاله بالدنيا ولذاتها وتلهيه عن الاخرة وسرورها وخيراتها بل لعدم ايمانه بالاخرة حتى ان من نزلت هذه الاية في حقه لما حضرته الوفاة قالت له زوجته اني لا اتزوج بعدك وهي تريد حتى تكون انت زوجي في الاخرة فانشأ يقول :

اذا مت يا ام الحمير فانكحي فليس لنا بعد الممات تلاقيا
وان كنت قد خبرت عن مبعث لنا احاديث لهو تجعل القلب واهيا

ومثله قال ابوه وقد دخل على الثالث في اول خلافته في المسجد فقال يا ابن اخي علينا عين قال لا قال تداولوا فتيان بني‌امية الخلافة فو الذي نفس ابي‌سفيان بيده ما من جنة ولا نار ه‍ فاذا كان لا يؤمن بالاخرة ولا يخافها لم يعمل لها فكان جميع اعماله للدنيا على مقتضى شهوة نفسه وهويها فاقتضى العدل الذي جرت عليه الخليقة اعطاء كل حق حقه على حسب القوابل فاعمال الاخرة بالعقل الذي هو الجانب الايمن يأخذها العامل لها بيمينه ومن امامه واعمال الدنيا بالنفس وهويها التي هي الجانب الايسر فيأخذها العامل لها بشماله ومن وراء ظهره كما ذكرنا سابقا والدنيا ممر والاخرة مقر والمقر اطول من الممر وادوم فاذا كانت الاخرة جاء من لم يعمل لها شيئا لانها عنده عدم وليس عنده شيء من الزاد لدار مقره الذي لا نهاية له ولا غاية ويرى ما اعد له من لوازم اعماله ومسبباتها من العذاب الاليم الدائم الذي لا ينقطع وكان قد هدى الى النجاة والنعيم الدائم فاستحب العمى على الهدى والهلاك على النجاة مع قدرته على ما ينجيه وتمكنه منه فلذا قال يا ليتني لم اوت كتابيه ولم ادر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية الايات

وقوله { واما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلي سعيرا } قد قدمنا عليه ان كلامه يحتمل ان الاقسام في اخذ الكتاب ثلاثة من اوتي كتابه بيمينه ومن اوتي كتابه بشماله ومن اوتي كتابه وراء ظهره وقد تقدم رده ولو اراد ان من اوتي كتابه بشماله قسمان قسم يؤتي كتابه بشماله لا غير بان يؤتي كتابه من امامه او مطلقا فيأخذه بشماله وقسم يأتيه من ظهره فيضربه ويخرق ظهره وصدره فيأخذه بشماله لكان محتملا الا اني لم اقف صريحا او احتمالا راجحا ما يدل عليه واما ذكره من توجيهه فيما بعد هذا فتخريج صوفي لا يدل عليه كتاب ولا سنة ثم ان من اوتي كتابه بشماله لا يقدر على ان يأخذه بيمينه لان يمينه مغلولة الى عنقه حيث لم يطلق جهتها في دار الدنيا بالعمل الصالح

وقوله { واما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلي سعيرا } اما دعوة الثبور فلتعلق نفسه بالامور الهالكة الفانية فيعني به ان اعتماده في دار الدنيا كان على شهوات نفسه واتباع هويها وحظ ذلك وامثاله من التحقق والبقاء مدة تمتعه بها فاذا كان توهم انه احسن الصنع وهو قد طلب الري من السراب جاءه يوم القيمة ولم يجده شيئا وذلك وقت انقطاع التدارك والتلافي ولم يبق الا الندم والحسرة دعا وا ثبوراه وا هلاكاه وا حسرتاه

وقوله { واما صلى السعير فلكون كتاب الفجار المنافقين من جنس الاوراق المسودة الباطلة القابلة للنسخ والتبديل والتغيير اللائقة للاحتراق بنار السعير } فما ادري ما يفهم من الكتاب وظاهر كلامه انه يريد ان الكتاب شيء من نوع القراطيس ولهذا قال من جنس الاوراق يعني شيئا تكتب فيه الاعمال كتابة من جنس كتابتنا لكلامنا فتأمل في فهم مدعي الاسرار والاطلاع على حقائق الاشياء مع ان الكتاب هو ما يكتب في القرطاس لا القرطاس كما قال تعالى ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس وقال تعالى وكتاب مسطور في رق منشور وكلامه هذا في الكتاب كلام عوام الناس وفهمهم ومع هذا فهو عنده غير معلوم لانه قال من جنس الاوراق المسودة ولاجل انه مايفهم من معنى الكتاب الا ما تفهمه العوام قال القابلة للنسخ والتبديل اخذه من لفظ قوله تعالى انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون والقابلة للتبديل والتغيير تليق للاحتراق اي الكتب مع ان المراد من الاية ان صاحب الكتاب هو المحترق بنار السعير لا الكتاب فانظر هذا الخبط العظيم من هذا العالم الحكيم الذي يدعي ان جميع نتائج علومه من عند الله من باب الاختصاص لا من باب التعلم

قال : واما الكافر المحض فلا كتاب له والمنافق سلب عنه الايمان ولا تقبل منه صورة الاسلام كما يقبل من العوام والضعفاء ويقال في حقه كان لا يؤمن بالله العظيم فيدخل فيه المعطل والمشرك والجاحد لان المنافق في باطنه واحد من هؤلاء الثلاثة اذ لا تنفع له هناك صورة الاسلام الظاهري كما مر واعلم ان هذا الكتاب غير كتاب اعمال الفجار لانه كتاب الذين اوتوا الكتاب فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا وهو الكتاب المنزل عليه لا كتاب الاعمال فانه حين نبذه وراء ظهره ظن ان لن ‌يحور اي جزم كما في قوله وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاذا كان يوم القيمة قيل له اي للمنافق خذ كتابك من وراء ظهرك اي من حيث نبذته في حياتك الدنيا كما في قوله تعالى قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا
اقول قوله { واما الكافر المحض فلا كتاب له } غلط لان الكتاب ان اراد به كتاب الاعمال فان الكافر انسان وقد قال سبحانه وكل انسان الزمناه طائره في عنقه يعني كتابه وان اراد به الكتاب الذي انزله على رسول من رسله فلم يهلك الله عز وجل امة من الامم الا بعد ان يأتيهم نذير وبعد ان ينبذوا كتابه وراء ظهورهم فالكافر بكل اعتبار له كتاب والمنافق من اظهر الاسلام وابطن الكفر فمن حيث كونه منكرا هو كافر ومن حيث كونه مظهرا للاسلام حينئذ لا تنفعه هذه الصورة من حيث انه معتقد خلاف ما يظهر ولهذا كذبهم الله فيما يظهرون من الاسلام فقال والله يشهد ان المنافقين لكاذبون ولو كان ظاهر الاسلام الذي تلفظ به فيه شيء من النفع الاخروي وان قل لماكذبهم عز وجل والمنافق ايضا يقال في حقه اي يصدق انه كان لا يؤمن بالله العظيم بل انما نزلت هذه الاية في منافق رابع فيدخل في هذه الاية المعطل والمشرك والجاحد والمنافق واحد منهم بل صادق عليه كل واحد من الثلاثة فانه معطل وجاحد لانكاره المرسل والرسالة ومشرك لجعله الهه هويه وهذا المعنى الذي اشار اليه المصنف من ان المنافق واحد من هؤلاء صحيح واما انه ليس له كتاب فليس بصحيح واما ان الكتاب الذي يؤتي من وراء ظهره فهو الكتاب المنزل لا كتاب الاعمال فليس بصحيح وانما هذا المعنى من تخريج الصوفية المنهي عن اتباعهم وتصحيح كلامهم وتأويله

وقوله { واعلم ان هذا الكتاب يعني به الذي يؤتى من وراء ظهره الخ } يريد به بيان هذا المعنى المخرج من قوله تعالى نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون فالمصنف يريد ان الكتاب الذي يؤتي الانسان وراء ظهره هو كتاب الله الذي اوحاه الى نبيه صلى الله عليه واله لانه لما اعرض عن قبول ما انزل الله تعالى فيه من اوامره ونواهيه ونبذه وراء ظهره اي رماه خلفه بان جعله نسيا منسيا ولم يعمل بشيء يؤتي له به من المكان الذي رماه فيه ليكون حجة عليه وهذا المعنى وان كان صحيحا في نفسه الا انه ليس هو المراد من قوله واما من اوتي كتابه وراء ظهره بل المراد به كتاب الاعمال كما ذكرنا سابقا في قول كثير من المفسرين ان المنافق والمشرك يؤتي له بكتاب اعماله فيأتيه من خلفه فيضرب ظهره فيخرقه ويخرق صدره ويأخذه بشماله ومعنى كلام المصنف وان كان غير ما نحن بصدده يقال للمنافق خذ كتابك الذي اوحاه الله سبحانه الى رسوله الذي ارسله اليك ليهديك به وبكتابه الى صراط مستقيم فخذ ذلك الكتاب من المكان الذي جعلته خلف ظهرك فيه وفي ذلك الوقت وكان قد حشر الله الامكنة والاوقات لتشهد بما فيها على العاملين فيها او لهم كما ذكرنا سابقا على حد ما حكى سبحانه عن المنافقين حين سلبت عنهم انوار الايمان فكانوا يوم القيمة في ظلمة النفاق فيقولون للمؤمنين الذين كانوا معهم في الدنيا ويعرفونهم انظروا نقتبس من انواركم فيقول لهم المؤمنون او الاولياء عليهم السلام او الملائكة ارجعوا وراءكم حيث قسمت الانوار فالتمسوا نورا ولم يقولوا لهم فالتمسوا انواركم اذ لا نور لهم اصلا بخلاف المؤمنين فلذا قيل نقتبس من نوركم لان تلك الانوار انوار المؤمنين انوار اعتقاداتهم ومعارفهم وايمانهم واعمالهم

قال : واما وضع الموازين فالميزان عبارة عن معيار صحيح يعرف به قدر الشيء ووزنه سواء كان آلة محسوسة مخصوصة او غيرها وميزان كل موزون من جنسه وان لم يساو ميزان الاخرة لميزان الدنيا ولا موازين العلوم والاعمال لموازين الاجرام والاثقال كما لا يساوي ميزان الحنطة والشعير والاقط والدبس لميزان الشعر كالعروض وميزان الفكر كالمنطق وميزان الاعراب والبناء كالنحو وميزان مقادير الساعات كالاسطرلاب او الارتفاعات والاعمدة كالشاقول والدوائر والاستدارات كالپركار ( كالفرجال بيان ) والاضلاع والاستقامات كالمسطرة والعقل ميزان الكل
اقول وضع الموازين انزالها واظهارها لاقامة العدل بين الخلق والمراد بوضع الموازين الموازين الموضوعة ليطابق التفسير المفسر كما هو عادته في اغلب عباراته والميزان آلة يستعلم بها الراجح من المرجوح من افراد الاجناس والانواع والاصناف والاشخاص وتلك الالة تكون من جنس الموزون بها والشيء الواحد الموزون اذا اريد بوزنه كمال الاحاطة به وجب تعدد موازينه فيوزن في كم مادته بانها خمسة امنان او عشرة وجوهرها بانها ذهب او فضة او خشب او تراب وفي صفة نفسها بكونها صافية او لا وببقائها وعدمه وفي رتبتها في الاكوان من الملك او الملكوت او الجبروت وفي وقت تكونها ومدة بقائها وكذلك موازين الوانها كحجري ياقوت كل منهما احمر وكل مثقال واحدهما قيمته عشرة دنانير والاخر قيمته الف دينار وكذلك موازين صورته وهندستها وحدودها ومتمماتها فان موازينها متعددة كموازين المادة وكذلك موازين هذا الشيء المذكور في كونه ذاتا او ذات ذات او عرضا او عرض عرض وهكذا كل عمل تجري فيه هذه الموازين المتعددة وهو السر في افراد العامل وجمع موازينه في قوله فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه فافهم وذلك قول المصنف معيار صحيح يعرف به قدر الشيء ووزنه سواء كان آلة محسوسة مخصوصة او غيرها وميزان كل موزون من جنسه وهو صحيح وقوله { وان لم يساو ميزان الاخرة لميزان الدنيا } هذا في الظاهر لا بأس به واما في الحقيقة الكونية وفي نفس الامر فهما متساويان ليس بينهما فرق في الوجود والعدم نعم بينهما فرق في الشدة والضعف والظهور والخفاء ويشير الى هذا قوله تعالى انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا

وقوله { ولا موازين العلوم والاعمال لموازين الاجرام والاثقال } هذا صحيح لتغاير الميزانين فينبغي ان يفصل بين تغاير ميزاني الاخرة والدنيا وبين تغاير ما ذكر لان التغاير بين ميزاني الدنيا والاخرة صوري والا فهما شيء واحد لا تغاير بينهما والي هذا اشار عليه السلام بقوله حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ه‍ اذ لو تغاير الميزانان لما كان حساب الدنيا كافيا عن حساب الاخرة وباقي كلامه في اختلاف صور الموازين باختلاف الموزونات ظاهر كموازين العلوم بالقواعد والضوابط وموازين الاعمال الاتيان بها على طبق حدود الله من اوامره ونواهيه وموازين الاجرام الفلكية بالابعاد المقدارية والموازاة والخطوط المستقيمة وما اشبه ذلك وموازين الاثقال بالمعايير الصنجية لمحض الاثقال كما في وزن الحنطة والشعير او لتعديل الطبائع كما قلنا ان الحاجة الى الماء اكثر من الحاجة الى الطعام فاذا اريد ذلك اخذ من النار جزء ومن الهواء جزء ومن التراب جزء ومن الماء جزءان وميزان الشعر بضبط الحركات كما هو مذكور في علم العروض في دوائر البحور كالطويل والبسيط والكامل وما اشبهها وميزان النحو بمعرفة العامل وما يقتضيه من الاعراب وميزان الفكر والنظر في المعاني والمفاهيم بما قرر في علم المنطق وميزان الساعات والارتفاعات بالالة المعروفة كالاسطرلاب والربع المجيب والكرة وميزان الاعمدة في تقومها واعوجاجها كالشاقول المستعمل لتعديل الارض واجراء الانهار وميزان الدوائر والاستدارات كالپركار المعروف بالفرجال وميزان الاضلاع والاستقامات في الخطوط والاعوجاجات كالمسطرة والبصر ومسقط الحجر وما اشبه ذلك والعقل هو ميزان الموازين اذ لا يعرف صحيحها من سقيمها ومعوجها من مستقيمها الا بالعقل لانه في كل شيء نور الهداية وباب الدراية

قال : وبالجملة ميزان القيمة نوع آخر من الموازين فتوزن به الكتب والصحائف وتجعل فيه ومما ورد في هذا الباب عن ائمتنا عليهم السلام ما رواه عن محمد بن علي بن بابويه رحمه الله انه سئل هشام بن سالم عن قول الله عز وجل ونضع الموازين القسط ليوم القيمة قال هم الانبياء والاوصياء عليهم السلام واعلم ان كل عمل بدني او قلبي وكل ذكر او نية يوضع في الميزان ويدخل فيه ويقابله شيء الا كلمة التوحيد من قول لا اله الا الله مخلصا لان كل عمل له مقابل في هذا العالم عالم التضاد وليس للتوحيد مقابل الا الشرك وهما لا يجتمعان في ميزان احد لان اليقين الدائم لا يجامع مع نقيضه في قلب واحد ولا يتعاقبان على موضوع كما اومأنا اليه من ان نفس المؤمن الموحد بحسب الجوهر والذات تخالف نفس الكافر مخالفة نوعية فضلا عن الشخصية فليست للكلمة ما يقابلها في الكفة الاخرى من قول او عمل او نية فضلا عن ان يرجح عليها كما يدل عليه حديث صاحب السجلات ولهذا روي عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال كما لا ينفع مع الكفر شيء لا يضر مع الايمان شيء وروى ابو الصامت عنه عليه السلام ان الله يغفر للمؤمن وان جاء بمثل ذا واومأ بيده قال قلت وان جاء بمثل تلك الهيئات فقال اي والله وان جاء بمثل تلك الهيئات اي والله مرتين وفي رواية عن النبي صلى الله عليه واله وان زني وان سرق واعلم ان اعمال الجوارح خيرها وشرها كلها مما يدخل في الموازين واما الاعمال الباطنة فلا يدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيه العدل وهو الميزان الحكمي المعنوي فالمحسوس يوزن بالمحسوس والمعنى بالمعنى فلذا توزن الاعمال من حيث ما هي مكتوبة واخر ما وضع في هذا الميزان قول الانسان الحمد لله وبه يملأ الميزان واليه الاشارة فيما قال صلى الله عليه واله الحمد لله يملأ الميزان ومن اللطائف الكشفية ان كفة ميزان كل احد بقدر عمله لا زيادة ولا نقصان
اقول قوله { ميزان الاخرة نوع آخر من الموازين } قد ذكرنا قبل هذا ان موازين الدنيا وموازين الاخرة شيء واحد لا اختلاف فيه الا في الشدة والضعف والظهور والخفاء والكبر والصغر لان الميزان المحسوس في الدنيا عين المحسوس في الاخرة والمعنوي عين المعنوي فلا فرق بينها في النشأتين وتعددها في الدارين انما هو لاختلاف الموزونات وتعددها كما ترى ذلك في الدنيا وانما قال { فتوزن به الكتب والصحائف } لان الاعمال عنده اعراض فلا تؤذن بنفسها بل تكتب في صحائف وتوزن تلك الصحائف وانت خبير بان وزن صحائف الاعمال لا يستعلم منه وزن الاعمال على مراده الا مجازفة لا تليق بالعدل المستقيم الا انه لما لم يقل بتجسيم الاعمال بانفسها كما قاله بعضهم او توزن هي بلحاظ الامر او النهي مطابقة او مخالفة كما هو مختارنا وقد ثبت وزن الاعمال ووضعها في كفتي الميزان لم يجد له بدا من القول بان وزنها في صحائفها ومنشأ الاختلاف الايات الدالة على ان الثواب والعقاب هي الاعمال مثل وما تجزون الا ما كنتم تعملون وان ليس للانسان الا ما سعى ومثل ان هذا ما كنتم به تمترون وعلى ان الاعمال سبب الثواب والعقاب مثل كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون وبما اسلفتم في الايام الخالية وكذلك اختلاف ظاهر الروايات وايضا اختلاف ظاهرها في ميزان الاعمال وانه هل هو ذو كفتين ام لا وانما هو ولاية امير المؤمنين عليه السلام او الانبياء والرسل والحجج عليهم السلام وذكر ذلك كله وتفصيله مما يطول به الكلام بل لا يقتضيه المقام الا انه لا بد من التلويح الى ذلك بذكر كلمات من باب دليل الحكمة يعرف بها الحق من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وذلك انه قد ورد ان الاعمال صور الثواب والعقاب فتتفاوت صورة صلوة ركعتين من زيد ومن عمرو تفاوتا ابعد مما بين الارض والسماء وان كانت المادة واحدة كما تتفاوت صورة السرير من الخشب الواحد من نجارين بحيث تكون قيمة احدهما خمسة والاخر خمسين ولو كان ما قيمته خمسة من الخشب وما قيمته خمسين من النحاس او الحديد لكان تفاوت القيمة منسوبا الى المادة فلا يصدق قوله لنبلوهم ايهم احسن عملا اذ معنى احسنية العمل ليس الا من جهة الصورة التي هي عمل المكلف مع وحدة المادة فاذا كانت المادة واحدة وعمل المكلفون فيها صح ابتلاؤهم بالاحسنية في اعمالهم ولم يوجه اليهم الا الامر والنهي الحاملان للمادة التي يكون عمل المكلف صورة لها وهذه المادة التي وردت بها الاوامر والنواهي هي المعاني التي دلت عليها الفاظ الاوامر والنواهي او ما يقوم مقامها فالاعمال الموافقة لتلك الاوامر والنواهي في انطباقها على المعاني المشار اليها هي صور الثواب والاعمال المخالفة لتلك الاوامر والنواهي لعدم انطباقها عليها هي صور العقاب والمواد هي تلك المعاني فالثواب خلقه الله تعالى من مادة هي تلك المعاني ومن صورة هي عمل المكلف بموافقة الامر والعقاب خلقه الله تعالى من مادة هي مخالفة تلك المعاني ومن صورة هي عمل المكلف بمخالفة الامر فللوزن يومئذ احوال ينقسم بسببها وزن العدد ووزن القيمة ووزن الرتبة ووزن الجهة ووزن الوقت ووزن مدة البقاء والابتداء والانتهاء ووزن المكان ووزن الكيف ووزن الكم في المقدار وفي ايجاد الثواب والعقاب فوزن العدد معرفة عدد الاعمال الحسنة والسيئة ووزن القيمة بكسر القاف وسكون الياء استعلام مقدار ما يستحق العامل بعمله من الحسنات والدرجات او من السيئات والدركات ووزن الرتبة استعلام رتبة العمل من الدرجات او الدركات ووزن الجهة استعلام جهة العمل من العامل مثل ما يستحق بفعل الطاعة جنة عن يمينه وبترك المعصية جنة عن يساره ووزن الوقت استعلام وقت جزاء العمل هل هو الدنيا ام البرزخ ام الاخرة ووزن مدة بقاء العمل يعني بقاء جزائه هو استعلامه هل هو يوم مثلا ام سنة ام الف سنة ام هو دائم ومدة وزن ابتداء جزاء العمل هل هو اول التكليف ام اول البرزخ ام اول القيمة ام غير ذلك ومدة انتهائه هل هو في الدنيا ام في البرزخ ام غير متناه ووزن المكان استعلام مكان جزاء العمل هل هو في العامل كبياض وجهه او اسوداده ام في قلبه كنور الايمان ونور العلم ام ظلمة الكفر وظلمة الجهل ام في داره في الارض والدنيا ام في الاخرة في الجنة او النار ووزن الكيف استعلام نورية العمل ونورية جزائه او ظلمتهما في اي رتبة من مراتب اجزاء النور او الظلمة ووزن الكم في المقدار استعلام مقدار العمل في الكم والحجم الصوري والمادي في غيبه وشهادته ووزن الكم في المقدار الركني في الايجاد استعلام مقدار العمل بالنسبة الى المعنى الذي منه ومن العمل يركب الثواب او العقاب لان العمل فصل وصورة للحصة المعنوية التي ورد بها امر الشرع ونهيه التي هي مادة الثواب او العقاب كما ذكرنا سابقا فان كل شيء مركب من مادة وصورة وفي كل مرتبة من مراتب الترويج الاربع يؤخذ جزء من الصورة اعني الفصل والماهية وجزءان من المادة اعني الحصة النوعية التي اخذت من الجنس كالحصة المأخوذة من الحيوان للانسان وكالحصة المأخوذة من الانسان لزيد فانها جزءان والفصل المأخوذ للانسان اعني الناطق جزء وحصة الفصل المأخوذة من الناطق لزيد فانها جزء وذلك هو ما اشرنا اليه من ان المعنى الذي اتى به الامر او النهي الشرعيان للتكليف الذي هو مادة الثواب مع الموافقة ومادة العقاب مع المخالفة يؤخذ منه جزءان كحصة الحيوان في خلق الانسان وان عمل المكلف في الموافقة او المخالفة يؤخذ منه جزء في خلق الثواب او العقاب لانه هو الصورة ويؤخذ جزءان من المعنى الذي دل عليه لفظ الامر والنهي لانه هو المادة والموزون الذي يوضع في الميزان في كفتيه هي الاعمال التي يعملها المكلفون مطابقة للامر او مخالفة وهي الحسنات والسيئات لان الاعمال حال تعلقها بموادها المعنوية التي اتت بها الفاظ الاوامر والنواهي تكون حسنات وسيئات وتوزن الحسنات والسيئات بتلك الموازين المتعددة التي اشرنا الى انواعها وبها تعرف جهات العمل الواحد فالاعمال انفسها هي الموزونة لا صحائفها ولا في صحائفها لان صحائف الاعمال هي غيب اماكنها وغيب اوقاتها التي تكتب الحفظة الكرام اعمال العاملين فيها ومن ذلك الرق والقرطاس قطعة من كفن العامل يكتب اعماله فيها باملاء رومان فتان القبور عند اول دخوله في القبر قبل مجيئ منكر ونكير اليه كما اشرنا اليه سابقا فان قلت يلزم على هذا ايضا ان الوزن مجازفة لا تحقيقا لان الاعمال على ظاهر قولك انما توزن مع المعاني قلت لا تلزم المجازفة لانا نريد انها هي الموزونة لا المعاني فلا يحصل اشتباه على المكلفين لانها ثلث المجموع والمعاني ثلثان هذا على فرض ان الوزن بعد التركيب واما اذا كان قبل التركيب فلا اشكال ولا يقال انها اعراض لا قيام لها بدون معروضاتها لان الاعراض تستقل في العلم بدون معروضاتها اذا لم يلحظ فيها كونها عارضة فتستقل في الميزان وتتقوم به كما تستقل حمرة الثوب في الخيال اذا تخيلتها فان الاعمال قائمة في كتاب الابرار عليين وفي كتاب الفجار سجين اعني صحائفها كما اشرنا اليه قبل ذلك بمثل العاملين بضم الميم والثاء بمعنى ان قيامها بمثل العاملين في تلك الصحائف التي هي غيب مكان ايقاعها ووقته به تتحقق وفيه توزن وهو غير قيامها بتلك المعاني التي هي مواد الثواب والعقاب فافهم واعلم ان كل نوع من انواع الموازين له كفتان بحسبه تسميان باسم الكفتين المعلومتين عند العوام وهما كفتان حقيقة في ذلك الميزان لان المراد من الكفتين شيء يحيط بالموزون من الجهات الخمس فالكفتان في ميزان مثل الحنطة معلومتان لان الكفة محيطة بالحنطة في الجهات الخمس واما جهة العلو في الثقيل والسفل في الخفيف فغير مفيدة اذ المقصود والفائدة رفع الثقيل بالاثقل ووضع الخفيف بالاخف ومثل الكفتين المعلومتين مع الكفتين الغير معلومتين كمثل اليدين المعلومتين في الصنع مع اليدين بمعنى القدرة وحقيقة الصنع انما هو بيدي القدرة واما الصنع بيدي الجسم فتابع لما هو بيدي القدرة فافهم الاشارة من العبارة

وقوله { ومما ورد في هذا الباب عن ائمتنا عليهم السلام ما رواه عن محمد بن علي بن بابويه (ره) الى قوله قال هم الانبياء والاوصياء عليهم السلام يعني ان الانبياء والاوصياء عليهم السلام } لما دعوا الى الله سبحانه اطاع بعض الناس وعصي بعض فطاعتهم كفة يوزن فيها المؤمنون ومعصيتهم كفة يوزن فيها الكافرون ومحبتهم كفة يوزن فيها المؤمنون وبغضهم كفة يوزن فيها المنافقون وولايتهم كفة يوزن فيها التابعون ومجانبتهم كفة يوزن فيها المخالفون وهكذا والمراد من الكفتين هنا في هذا المقام وغيره واحد وكل شيء بحسبه فما كان من عالم الغيب وزن في كفة من عالم الغيب وما كان من عالم الشهادة وزن في كفة من عالم الشهادة

وقوله { واعلم ان كل عمل بدني او قلبي الخ } يريد به ان جميع الاعمال البدنية مما جرت به الشريعة الغراء وكل عمل قلبي من سائر الاعتقادات والنيات وسائر المطالب النفسانية تجري عليه الموازنة ويصح دخوله في الميزان ويوجد له ما يقابله الا كلمة التوحيد اذ لا شيء من الاعمال الجزئية يصلح لمعادلة كلمة التوحيد ليوزن معها الا الشرك فانه يصلح لمعادلة التوحيد الا انه لا يجتمع معه في قلب لان الشرك اذا وجد في قلب المكلف لم ينصب له ميزان ولا يرفع له ديوان حيث ان الشرك يمحق كل عمل اذ لا يتحقق مع الوحدة الحقية فقوله { لان كل عمل له مقابل في هذا العالم عالم التضاد } يريد به ان العالم الزماني الذي هو عالم التضاد كلما وجد فيه شيء وجد له ضد فيكون قول لا اله الا الله مخلصا يعني كلمة التوحيد من عالم التضاد اي عالم الحوادث اذ الحوادث عنده في الزمان ولم يتقدم على الزمان الا البارئ سبحانه عنده كما صرح به في كتابه الكبير الاسفار وقد تقدم ما يلزمه على ذلك فاذا كانت كلمة التوحيد من عالم التضاد حيث كانت فضدها الشرك فعلى كلامه لا يجتمعان في قلب واحد ولا يتعاقبان اما انهما لا يجتمعان فلما قال لان اليقين الدائم لا يجامع مع نقيضه في قلب احد وفي هذا ان التوحيد الذي هو من عالم التضاد عالم الزمان يجتمع مع ضده كما اشار اليه تعالى بقوله وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وبقوله تعالى فيقول اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ماكنا مشركين لاعتقادهم انهم موحدون وهم مشركون فلذا كذبهم فقال انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون وقال الصادق عليه السلام هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون فقد اجتمع التوحيد والشرك لكونهما من عالم التضاد وانما يجتمع المتضادان في هذا العالم من جهة اختلاف الجهة والحيثية والاعتبار او على التعاقب ولو كان التوحيد اريد به اليقين الدائم امتنع ان تكون من عالم التضاد لان وصف الوحدة الحقية لا ضد له اذ من شرط كونه وصفا للوحدة الحقية ان لا ضد له ولا ند ولا يلاحظ فيه الدوام ولا عدمه فلا يجامعه ضد ولا ند لانه عنوان لمعرفة المعبود سبحانه وآيته وذلك هو نفس العارف وفؤاده فمن عرفها فقد عرف ربه وانما يعرفها بان يجردها من جميع سبحاتها واما انهما لا يتعاقبان على موضوع واحد ففيه ايضا انهما اذا كان من عالم التضاد لا يكون يقينا دائما بل يتعاقبان كما قال تعالى ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا وهم عضل والفأرة يعني عضل بن الهون بن خزيمة اخو الريش وهما الفارة كفروا مرين بعد ايمانين وان كانت المسئلة على خلاف بين المتكلمين الا ان الاية صريحة في وقوع الكفر بعد الايمان وما حكى سبحانه عن قوم صالحين علموا بان القلوب قد تزيغ انهم قالوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ظاهر في ذلك بل ربما لا اشكال في وقوع التعاقب وصحته وانما يمتنع التعاقب في عالم الوحدة والبساطة وهو عالم الثبات لان شرط تحققه نفي الغير عنه وبذلك يحصل اليقين الدائم المانع من النقيض اجتماعا وتعاقبا

وما اومأ اليه المصنف من { ان نفس المؤمن الموحد بحسب الجوهر والذات تخالف نفس الكافر الخ } مع كونهما معا في عالم التضاد ومن ثبت فيه التوحيد وتحقق فهو المؤمن ومن ثبت فيه الشرك فهو الكافر والمؤمن من حيث هو مخالف في ذاته للكافر لا يحل الشرك في قلبه والكافر من حيث هو كافر لا يحل في قلبه التوحيد انما يصح اذا كان كل واحد منهم في عالم البساطة على جهة الانفراد بمعنى كون كل منهما متصفا بصفة قد اعتبر فيه نفي ضدها اما المؤمن فقد تحقق في وجدانه شيء ليس كمثله شيء اعني معرفة نفسه لا اثبات شيء غير شيء بحت فانه مناف للتوحيد فلا يعرف الله به واما الكافر فقد تحقق في وجدانه شيء له ضد او ند او حد فانه مناف للتوحيد واما اذا فرضه في عالم التضاد فانهما يجتمعان فيه ويتعاقبان كما اشرنا اليه لان رتبة الخلط واللطخ هي محل الاجتماع والتعاقب واما تخالف نفسي المؤمن والكافر مع كونهما في الاصل من شيء واحد كما تشهد به الايات القرءانية مثل قوله تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين والايات الافاقية كما نرى في المداد فان الاسم الشريف والاسم الوضيع من مداد واحد وانما تخالفا وتمايزا بالقابلية فمن تخالف القوابل الوجودية والشرعية كما قال الشاعر :

أرى الإحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الأصداف درو في بطن الأفاعي صار سما

لان المراد بوجودات الاشياء موادها وطيب المادة انما هو من الصورة وكذا خبثها كما ترى في الباب والصنم فان كلا منهما عمل من الخشب وخبث مادة الصنم وطيب مادة الباب انما هو من الصورة التي هي الماهية ومراده من كون نفس المؤمن مخالفة لنفس الكافر حتى في النوع ان نفس المؤمن خلقت ابتداء من شيء غير ما خلقت منه نفس الكافر بل اصل مادة نفس المؤمن من نور واصل مادة نفس الكافر من ظلمة ولا ريب ان التوحيد نور فلا يقع في الظلمة والشرك ظلمة فلا يقع في النور ولهذا علل عدم اجتماع التوحيد والشرك في قلب واحد لتضادهما وان كانا في عالم التضاد ولا تعاقبهما لتضاد اصلي النفسين والقلبين وليس كما توهمه بل اصل نفسي المؤمن والكافر شيء واحد كما اشرنا اليه وبقبول المؤمن خلق ذلك الاصل الذي خلق منه من نور اي غمس في نور الاجابة والرحمة وهو الايمان المكتوب في القلب وبانكار الكافر خلق ذلك الاصل الذي خلق منه من ظلمة اي غمس في ظلمة الانكار والغضب وهو الطبع على قلوبهم بكفرهم فاصل المؤمن نور باجابته لا من ذلك الاصل نفسه واصل الكافر ظلمة بانكاره لا من اصله فبعد استقرار الاجابة او الانكار يكون صاحب ذلك الاستقرار من عالم البساطة لا من عالم التضاد فلا يجتمع فيه التوحيد والشرك ولا يتعاقبان وقبل الاستقرار قد يجتمعان مع اختلاف الحيثيات والاعتبارات مثل ان يشرك مع ظنه انه موحد وقد يتعاقبان لصلوح المحل للمتنافيين على التعاقب وللاجتماع مع اختلاف الجهات

وقوله { فليس للكلمة ما يقابلها او يعادلها في الكفة الاخرى من قول او عمل او نية الى قوله حديث صاحب السجلات } هذا انما يتم بعد استقرار الايمان او الكفر كما بينا وما رواه صاحب السجلات غير مناف لما ذكرناه والحديث من طرقهم

وقوله { ولهذا روي عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال كما لا ينفع مع الكفر شيء لا يضر مع الايمان شيء ه‍ } والمراد ان الكفر اذا اتى به المرء يوم القيمة لا ينفعه شيء من الاعمال بان يدخله الجنة او ينجيه من النار وان كان ينفعه بان يدفع به عنه بعض انواع العذاب في البرزخ او يخفف به بعض عذاب النار يوم القيمة بحيث لا يحس بالتخفيف كما لو كان مستحقا لمائة نوع من العذاب بكفره وكان له عمل صالح لم يجاز به في الدنيا ولا في البرزخ جعل عليه عند اول دخوله النار خمسين نوعا من العذاب مدة ما يقابل عمله الصالح ثم يجعل عليه مائة نوع من العذاب فلا يحس بالتخفيف الاول وربما يجازي به في الدنيا واذا اتى المرء يوم القيمة بالايمان الصحيح لا يضره شيء مما عمله من المعاصي بان يمنعه من دخول الجنة وان كان يعاقب عليه في الدنيا او عند الموت او في البرزخ او يوم القيمة الا انه لا بد وان يدخل الجنة بعد ذلك وكذا قوله { روى ابو الصامت عنه عليه السلام ايضا ان الله يغفر للمؤمن وان جاء بمثل ذا واومى بيده قال قلت وان جاء بمثل تلك الهيئات يعني بمثل السموات والارض او الجبال فقال (ع) اي والله وان جاء بمثل تلك الهيئات اي والله مرتين } والمراد بالمؤمن هنا هو المتوالي لمحمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله والمتبرئ من اعدائهم والكافر هو من انكر ذلك من بعد ما تبين له الهدى واما من انكر ذلك قبل ان يتبين له الهدى وانما انكر ذلك متابعة لغيره من غير بصيرة ولا علم فان مثل ذلك ممن يجدد له يوم القيمة التكليف وربما يدخل بايمانه ومعرفته الجنة ولا فرق في السيئات بين الكبيرة والصغيرة في كونها غير مانعة من دخول الجنة لمن لم يبلغ بمعاصيه الشرك ولا بين الحسنات في كونها غير موجبة لدخول الجنة لمن اتى بالشرك ومثله قوله { وفي رواية ما روي عن النبي صلى الله عليه واله وان زنى وان سرق } يعني ان المؤمن يدخل الجنة بولايته لهم صلى الله عليه وعليهم وان زنى وان سرق ومثله قول الصادق عليه السلام حين سئل عن محب علي عليه السلام انه يدخل الجنة وان زنى وان سرق وهذا انشاء الله ظاهر

وقوله { واعلم ان اعمال الجوارح خيرها وشرها كلها مما يدخل في الموازين الى اخره } يريد ان اعمال الجوارح توزن بذي الكفتين لانها محسوسة فتوزن في الميزان المحسوس ولانها مقدارية تدرك بالحواس الظاهرة وقوله واما اعمال البواطن فانها معنوية لا توزن بالموازين الصورية وانما توزن بميزان العدل وهو الميزان الحكمي بان يحكم على هذه بالراجحية وعلى هذه بالمرجوحية ولاجل هذا قال لا توزن بنفسها وانما توزن بصحائفها وكتبها

واقول قد مضى الكلام على هذا المعنى وان اعمال الجوارح واعمال البواطن كلها توزن بميزان ذي كفتين الا ان ذلك من نوع الموزون كل ميزان فكفتاه بحسبه وان الموزون هو العمل وهو يوزن بنفسه لا في صحائفه وكتبه ولكنه بني معرفة الاعمال على ما تفهم منها العوام وان الصلوة مكتوبة في صحيفتها هكذا صلوة صاد لام واو هي الف هاء كما لو كتبنا نحن زيد يصلي نافلة فانا نكتبها في القرطاس كما ترى والملكان الكاتبان عنده يكتبان الاعمال كلها بهذا النمط وليس كذلك وانما يكتبان الاعمال بمثلها بضم الميم والثاء الا ترى انك اذا رأيت زيدا يصلي يوم الجمعة في المسجد ركعتين فما دمت حيا متى ذكرت ذلك رأيت مثال زيد يصلي تلك الركعتين في غيب يوم الجمعة وفي المسجد في غيبه فالذي يشاهده خيالك في غيب يوم الجمعة وفي غيب المسجد يصلي تلك الصلوة هو مثاله وهو الذي كتبه الملكان من عمله فهو باق في مكانه ووقته الى يوم القيمة حتى يبعث صاحبه زيد ويلبسه ويحضر يوم الجمع متصفا به كما قال تعالى سيجزيهم وصفهم وقال ولكم الويل مما تصفون

وقوله { واخر ما وضع في هذا الميزان قول الانسان الحمد لله وبه يملأ الميزان الخ } هذا الكلام وهو ان اخر ما يوضع من الاعمال الحمد لله وانها تملأ الميزان ليس الان على خاطري من هذا شيء بمعنى وروده في رواياتنا بهذا النمط وليس في العقل ما ينافيه ولست نافيا له وانما الذي ببالي ما في الدعاء الحمد لله ملأ الميزان ومنتهى العلم وهو معنى غير ما ذكره

وقوله { ومن اللطائف الكشفية ان كفة ميزان كل احد بقدر عمله لا زيادة ولا نقصان } يريد به ان المراد من كفة الميزان انهما آلة وزن العمل ووزن كل عمل هو قدر وزنه وهذا على المعنى ظاهر لانه لا يتعلق به من الاختبار ازيد من اختباره وما زاد عن اختباره واستعلامه فهو استعلام لغيره كما ان استعلام العشرة وعدها لا يصلح لاستعلام الاحدعشر وعدها نعم لو زيد الموزون امدت الكفة بنسبة الزيادة فكفة كل عمل بهذا المعنى لا تزيد عليه ولا تنقص وهذا الاعتبار راجع الى خصوص الاعتبار لا الى نفس ما يعتبر به فافهم

قال : قاعدة في الجنة والنار يجب ان تعلم ان الجنة التي خرج عنها ابونا ادم (ع) وزوجته لاجل خطيئتهما غير الجنة التي وعد المتقون لان هذه لا تكون الا بعد خراب الدنيا وبوار السموات والارض وانتهاء مدة عالم الحركات وان كانتا متفقتين في الحقيقة والرتبة والشرف لكونهما جميعا دار الحيوة الذاتية ودار البقاء غير متجددة ولا متبدلة ولا دائرة ولا فانية ولا زائلة وبيان ذلك ان الغايات كالمبادي متحاذية متقابلة وان الموت الطبيعي ابتداء حركة الرجوع الى الله كما ان الحيوة الطبيعية ابتداء حركة النزول من عنده فكل درجة من درجات القوس الصعودية بازاء مقابلتها من درجات القوس النزولية وقد شبهت الحكماء والعرفاء هاتين السلسلتين بالقوسين من الدائرتين اشعارا بان الحركة الثانية الرجوعية انعطافية لا استقامية
اقول ان الناس اختلفوا في الجنة والنار هل هما موجودتان في الدنيا يعني الأن ام ليستا بموجودتين وانما توجدان في الاخرة ام هما موجودان بمكانهما خاصة وحائطهما وان الملائكة تصنع فيهما المنازل والدرجات والدركات بمدد اعمال العاملين فيكون وجودهما في الدنيا اي قبل يوم القيمة بالتدريج ومنشأ الاختلاف من اختلاف ظواهر الايات والروايات والحق انهما موجودتان الأن بل منهما بدئت الخلائق واليهما تعود اذ كل شيء يعود الى ما منه بدئ والكتاب والسنة متطابقان ناصان على وجودهما الأن والمعروف الدائر بين الناس تعددها فجنة الدنيا غير جنة الاخرة ونار الدنيا غير نار الاخرة ولذا صرح المصنف بان الجنة التي خرج عنها ابونا آدم وزوجته لاجل خطيئتهما غير الجنة التي وعد المتقون ثم علل هذا المعنى بقوله لان هذه يعني جنة الاخرة لا تكون الا بعد خراب الدنيا وبوار السموات والارض وانتهاء مدة الحركات مع انه قال في كتاب المبدء والمعاد في فصل : ان الجنة والنار حق قال فاذا ثبت وتحقق ما ذكرناه اتضح واستبان فساد بعض من المذاهب السخيفة والاراء الباطلة في هذا الباب وهو رأي من زعم ان الجنة والنار لم توجدا ولا توجدان الا بعد بوار العالم وهلاك السموات والارض ولم يعلموا ان هذا الاعتقاد يبعد صاحبه عن طريق الاخرة ويقلل رغبته في ثواب اعماله وجزاء احسانه ويقلل رهبته وخوفه عن عقوبة معاصيه وسيئاته انتهى فان قوله هنا في الجنة التي وعد المتقون لان هذه لا تكون الا بعد خراب الدنيا وبوار السموات والارض وانتهاء مدة عالم الحركات انتهى هو بعينه قول من افسد مذهبه ورأيه في كتاب المبدء والمعاد كما سمعت قوله هناك فان قوله هناك صحيح ومراده كما تقدم اولا ان الجنة وما فيها جواهر عقلية لا تحتمل الدثور ولا البوار ولا التغير ولا التجدد ولا التبدل بخلاف الدنيا وما فيها وهذه السموات والارض فان ذلك كله جار عليها فلا تكون جنة المتقين الا بعد ذلك كله فلا يصلح ان تكون في شيء من ذلك واما جنة الدنيا فظاهر كلامه انها كجنة المتقين لا تفاقهما في الحقيقة والرتبة والشرف لكونهما دار الحيوة الذاتية ودار البقاء وظاهر كلامه انهما اثنتان في الاخرة جنة المقربين وهي لا تكون الا بعد فناء عالم التغيير والتبدل والتجدد لما بينهما من كمال التباين وجنة اصحاب اليمين وهي المدهامتان وهي جنة الدنيا التي خرج عنها آدم وزوجته عليهما السلام وهي تجامع عالم التغير والتبدل في حال ولا يخفي ما في كلامه من الاضطراب والتنافي فان كونهما متطابقتين في الحقيقة والرتبة والشرف يقتضي تساويهما وكونهما دار الحيوة الذاتية كذلك ويلزم من ذلك ان يكونا معا متأخرتين عن عالم التجدد والتبدل ويلزم من ذلك كله عدم وجودهما الأن فيكون كلامه منافيا لكلامه ومقتضى ظاهر الادلة على رأي الاكثر ان لمن خاف مقام ربه جنتان وهما ذواتا افنان وهاتان للمقربين وان من دون تينك جنتان وهما المدهامتان لاصحاب اليمين وان للمؤمنين الذين محضوا الايمان محضا اذا ماتوا جنة تأوي اليها ارواحهم وان هذه جنة الدنيا وهي جنة ادم عليه السلام وفيها البكرة والعشي والكلام في النيران مثل الكلام في الجنان هذا ملخص ما فهموا والذي ثبت عندي مما فهمته من الكتاب والسنة على سبيل القطع بحيث لا ارتاب فيه ولا مرية عندي تعتريه ان جنة الاخرة خلقت قبل سائر الخلق وان المؤمنين خلقوا منها واليها يعودون وان جنة الدنيا خلقت بعد خلق الاجسام خلقت من تنزل جنة الاخرة كما خلقت الاجسام من تنزل النفوس والارواح والعقول وان جنة الدنيا هي بعينها بعد التصفية جنة الاخرة كما ان اجسام الناس الأن هي بعينها اجسام الدنيا وهي بعينها بعد تصفيتها اجسام الاخرة والقرءان ناطق بذلك لمن كان له قلب قال في حق الجنة فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا فقوله ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا يعني جنة الدنيا لان الاخرة ليس فيها بكرة وعشي وقوله تلك الجنة التي نورث من عبادنا يعني جنة الاخرة وهذا صريح في ان جنة الدنيا هي بعينها جنة الاخرة وقال في شأن النار وحاق بال فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة فقوله النار يعرضون عليها غدوا وعشيا يعني نار الدنيا لان الاخرة ليس فيها غدو وعشي وقوله ويوم تقوم الساعة يعني بالنار المعروض عليها يوم تقوم الساعة نار الاخرة وقد اتفق القراء على الوقف على تقوم الساعة ويلزم منه اتحاد النار المعروض عليها وهذا ظاهر فان جنة الدنيا تنزل جنة الاخرة ونار الدنيا تنزل نار الاخرة كما ان اجسام الدنيا تنزل اجسام الاخرة فتصفى اجسام الدنيا وتكون بعينها اجسام الاخرة كذلك تصفي جنة الدنيا وتكون بعينها جنة الاخرة وتصفي نار الدنيا التي عند مطلع الشمس وتكون بعينها نار الاخرة لان الله سبحانه قد بين لنا آية ذلك بل اية كل شيء في انفسنا فقال سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وايضا قال الله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان وقال ومن دونهما جنتان والمراد بالدون هنا القبل والقلة والضعف اي ولمن خاف مقام ربه قبل يوم القيمة واقل من جنة الاخرة جنتان فيصير المعنى ومن دون جنتي الاخرة اي من قبلهما ومن دونهما اي من انزل منهما جنتان في الدنيا اذا ماتوا تأوي اليهما ارواحهم وهما الأن في المغرب في الاقليم الثامن والفرات والنيل وسيحان وجيحان تجري من الجنتين اللتين في المغرب وهما المدهامتان وفي حديث امير المؤمنين عليه السلام ما يدل على انهما في الدنيا وهو قوله عليه السلام في الرجعة وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله ه‍ والرجعة من الدنيا وظهورهما في الدنيا دليل على انهما اي المدهامتان من جنان الدنيا وجنة ادم عليه السلام هي من جنان الدنيا فيها البكرة والعشي وهي المدهامتان فقد ظهر لمن نظر ان جنة ادم التي خرج منها هو وزوجته حواء هي من جنان الدنيا وهي الجنتان المدهامتان وانها موجودة الأن وانها هي بعينها جنة الاخرة الا انها تصفى بمعنى انها تطهر من اعراض البرزخية سبعين مرة فتكون هي بعد التطهر جنة الخلد كما ان اجساد المؤمنين تطهر في البرزخ للاخرة وفي الدنيا للبرزخ فتصفى سبعين مرة في الدنيا فتكون اجسادا للبرزخ لانها تطهر من اعراض الدنيا سبعين مرة فتكون برزخية وتطهر في البرزخ من اعراض البرزخ سبعين مرة فتكون اخروية فما بين الدنيا والاخرة في كل ما في الدنيا من الاحوال من النعيم والعذاب اربعة‌ الاف رتبة وتسعمائة رتبة وما بين البرزخ والاخرة سبعون رتبة فما بين جنة ادم عليه السلام التي هي جنة الدنيا وجنة الاخرة سبعون رتبة وبهذا يتبين لك خطأ المصنف حيث جعل جنة ادم (ع) وجنة الاخرة متفقين في الحقيقة والرتبة والشرف وعلل ذلك بكونهما جميعا دار الحيوة ودار البقاء ونحن قد نبهناك على ان جنة الدنيا اعني جنة آدم عليه السلام لا تبقى الى يوم القيمة بل تفنى عند نفخة الصور وان من جعل المدهامتين هي جنة الاخرة لاصحاب اليمين فقد اخطأ كما هو اكثر المفسرين لعدم ذكر ذلك في السنة الا ان يراد منها جنان الحظائر التي يسكنها في الاخرة ثلاث طوائف لا غير المؤمنون من الجن واولاد الزنا من المؤمنين الى سبعة ابطن ثم يلحق البطن الثامن منهم بجنة المؤمنين والمجانين الذين ليس لهم من آبائهم من هو من اهل الشفاعة ولم يبلغوا الحلم قبل ان يجنوا وهي اي جنان الحظائر سبع جنان كل جنة تسمى باسم اصلها وموصوفها وجنة عدن وهي اعلا الجنان الثمان ليس لها حظيرة فليس في جنان الحظائر ما تسمى بجنة عدن نعم جنان المقربين ومنازلهم اعلى من جنان اصحاب اليمين ومنازلهم وان كان الفريقان في جنة واحدة لانهم يتفاضلون في الدرجات والمراتب كما قال تعالى انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا والحاصل ان قوله { لكونهما جميعا دار الحيوة الذاتية ودار البقاء غير متجددة ولا متبدلة الى اخره } غلط لان جنة الدنيا متجددة ومتبدلة وداثرة وفانية وزائلة بزوال عالم البرزخ بمعنى ان المؤمنين ينتقلون عنها الى جنان الاخرة وبمعنى عدم وجودها يوم القيمة وانما توجد الجنان التي في باطنها لانها تصفي كما تصفي الاجساد فان جسدك الان في الدنيا لا يوجد في البرزخ باعراضه الدنيوية بل يصفي منها فيكون في البرزخ برزخيا لا دنيويا ولا يوجد جسدك البرزخي في الاخرة بل يصفي من الاعراض البرزخية فيكون في الاخرة جسدا اخرويا لا برزخيا فكذلك جنان الدنيا تصفي يوم القيمة فتكون هي جنان الاخرة لا جنان البرزخ

وقوله { وبيان ذلك ان الغايات كالمبادي متحاذية متقابلة } صحيح لمشابهة مراتب البدء للعود والنزول للصعود بعضها لبعض ولتشابه الذبول للنمو والتحلل والتفكك للتأليف والتركيب وبالجملة كل شيء يشابه ضده وعكسه ويقابله فيما ضاده وعاكسه فيه سواء كان جوهرا في جوهريته او معروضيته ام عرضا في عرضيته او عارضيته ولما كان مبدء كل شيء من العلو نازلا الى غاية قوس نزوله كان بدؤ سيره في صعوده ورجوعه الى جهة مبدئه من غاية قوس نزوله وكان متشابه الحركة في القوسين متقابل الاحوال وقد اخبر سبحانه عن القوس النزولي بقوله وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وهذا وان كان مما لا اشكال فيه ولا منكر له الا ان الاشتباه وقع في ابتداء الحركة النزولية وفي ابتداء الحركة الصعودية والمصنف طول القوس النزولي من طرفيه وقصر القوس الصعودي من طرفه الاسفل وطوله من طرفه الاعلى فلزمه عدم صدق قوله ان الغايات كالمبادي متحاذية متقابلة وبيان ما اشرنا اليه على جهة الاختصار والاقتصار والاجمال ان المصنف يذهب الى ان الاشياء منحطة عن حقائقها الازلية التي هي في الذات بنحو اشرف كانحطاط الاظلة والاشعة عن حقائقها كما ذكره في الكتاب فيما تقدم وفي غيره من سائر كتبه وقد بينا ان الاشياء لا ذكر لها هناك ولا اسم ولا رسم فلما شاء امكانها ذكرها بما هي به ممكنة وليست هي حينئذ اشياء بمعنى التكوين اي مكونات وان كانت اشياء امكانية فحقيقة بدء نزولها من التكوين بالفعل فهذا اول ذكر وجودها بالقوة ومنه ابتدأ القوس النزولي وهو طرفه الاعلى واخره انحلال الغذاء في الكيلوس واخر القوس النزولي هو الكيلوس وهو طرفه الاسفل واول القوس الصعودي هو كون صفوة الكيلوس كيموسا ثم نطفة وهي بمنزلة المعدن ثم علقة وهي اول مراتب النبات ثم مضغة ثم عظاما ثم تكسى لحما وهي اخر مراتب النبات ثم ينشأ خلقا آخر وهو اول مراتب الحيوان وهي الولادة الجسمانية عند تمام الاربعة الاشهر ثم الولادة الدنيوية وهي خروجه الى الدنيا فمن الكيموس الى خروجه من الدنيا من مراتب الرجوع الى الله تعالى بدعوته حين قال للعقل اقبل فاقبل او ادبر فادبر على اختلاف الاعتبارين والمصنف نقص القوس الصعودي من طرفه الابتدائي من الكيموس الى الموت والخروج من الدنيا وزاده في الطرف الاسفل من القوس النزولي وزاد في الطرف الابتدائي من القوس النزولي حتى انزله من الازل وفي الانتهائي من القوس الصعودي حتى وصله بالازل وقد اخطأ اذ يلزم منه في ابتداء النزولي الولادة والازل تعالى لا يلد اذ لا يخرج منه شيء ولا يعود اليه شيء وانما ينتهي المخلوق الى مثله كما انه يبتدئ من مثله فافهم وذلك هو قوله وان الموت الطبيعي ابتداء حركة الرجوع الى الله كما ان الحيوة الطبيعية انتهاء حركة النزول من عنده

وقوله { فكل درجة من درجات القوس الصعودية الى قوله لا استقامية } يشير به الى تشابه القوسين وتحاذيهما وهو كذلك وقد اشرنا الى ذلك فيما تقدم بان القوس الصعودي لو كانت حركة سيره استقامية لكان الانسان يرجع من هذه الدنيا الى اللحم ثم الى العظام ثم يكون مضغة ثم علقة ثم نطفة ثم كيموسا ثم كيلوسا ثم طعاما ثم نباتا ثم ماء وترابا وترجع نفسه الى الفلك وما فيها من النفس الى اللوح ومنه الى المدد العقلي ومنه الى الاشراق النوراني والهيئات الارادية ثم الى الامكان ويلزم من هذا الرجوع فناء الاشياء وهو خلاف ما خلقت له لانها انما خلقت للبقاء نعم يكون القوسان متقابلين متحاذيين وتمام الصوغ الاول في القوس النزولي تحت النفس الكلية عند قوله الست بربكم ويحاذيه ويقابله يوم القيمة في القوس الصعودي وبعد مقام الست بربكم في القوس النزولي الكسر في عالم الطبيعة النورانية ويحاذيه ويقابله ما بين النفختين نفخة الصعق ونفخة الفزع وذلك في مدة اربعمائة سنة وبعد ذلك في النزولي عالم الهباء وعالم المثال الى وقت الولادة الجسمانية ويحاذيه ويقابله الموت الطبيعي فان اسرافيل عليه السلام ينفخ فيه الحيوة اذا تمت له الاربعة الاشهر وعزرائيل يقبضها في مقابلة ذلك ويشير المصنف بهذه الكلمات من قوله لان هذه لا تكون الا بعد خراب الدنيا وبوار السموات والارض وانتهاء مدة عالم الحركات الى قوله لا استقامية الى ان الجنتين جنة الاخرة وجنة الدنيا متساويتين وانهما وراء عالم الملك وانهما باقيتان ويلزم من كلامه ان الدنيا لا جنة فيها وان عالم الملك يفني في الاخرة فلم يبق في الاخرة شيء مع انه يذهب الى ان جميع الاشياء في الزمان وان الزمان لا يسبقه شيء ولا يتقدم عليه شيء الا البارئ تعالى وقد صرح هنا بقوله وانتهاء مدة عالم الحركات وقد ذكر بان الزمان عبارة عن الحركة الحادثة عن الفلك وحينئذ لا يصدق قوله محسوسة كما يأتي في تقسيمه اذ الجنة المحسوسة لا توجد الا بالاجسام الزمانية

وقوله { وقد شبهت الحكماء والعرفاء هاتين السلسلتين بالقوسين من الدائرتين } يراد من السلسلتين مراتب النزول ومراتب الصعود فان كل مرتبة مرتبطة بما فوقها وبما تحتها كحلق السلسلة وكل مرتبة منها مستديرة على قطب علتها استدارة صحيحة كما نبهنا عليه في الفوائد فشبهوها بالسلسلة لهاتين العلتين ولاجل كون العود على غير طريق البدء وكون السير الى جهة المبدأ في النزول والصعود كانت الحركة انعطافية

قال : واذا تقرر هذا فاعلم ان الجنة جنتان محسوسة ومعقولة كما قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان وقوله فيهما من كل فاكهة زوجان المحسوسة لاصحاب اليمين والمعقولة للمقربين وهم العليون وكذا النار ناران محسوسة ومعنوية كما مر وكل من الجنة والنار المحسوستين عالم مقداري احديهما صورة رحمة الله والاخرى صورة غضبه لقوله ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ولذلك تصول على الجبارين وتقصم المتكبرين وكما ان الرحمة ذاتية والغضب عارض كما برهن عليه لقوله سبقت رحمتي غضبي وقوله عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء فلذلك خلق الجنة بالذات وخلق النار بالعرض وتحت هذا سر
اقول ذكر هنا ان الجنة جنتان جنة محسوسة ولا بد ان تكون جسمانية وقد قررنا في كتبنا ان الاجسام المحسوسة لا تكون الا زمانية والاجسام الزمانية من عالم الملك فالجنة المحسوسة من عالم الملك الا انها صفيت من العوارض الدنيوية والعوارض البرزخية ولما صفيت من اعراض الدارين دار البرزخ ودار الدنيا كانت من نوع الداخرة وهي على تماسكها بل هي اقوى من تماسكها في الدنيا وقد مثلنا لهذه التصفية وبقاء التماسك بالحجر فانه اذا القى عليه القلي ووضع في كورة النار تخلص زجاجا وهو كتخلص الاجسام من النباتات والفواكه والمطاعم مع بقاء تماسكه ولكنه لم يتصف في ذاته بالنسبة الى الاصلين اللذين تكون منهما وهما الكبريت والزيبق اللذان هما اصل لكل المعادن فاذا اذبت الزجاج والقيت عليه الاكسير الابيض اكسير الفضة فانه يكون بلورا يجمع البصر ويحرق في الشمس لانه يجمع الاجزاء النارية المنبثة في نور الشمس وتخلصه بلورا بالاكسير الابيض مثل تصفية الاجسام من الاعراض الدنيوية وكونها من اجسام البرزخ والبلور متماسك كتماسك الزجاج وابقى فاذا اذبت البلور والقيت عليه الاكسير الابيض مرة ثانية تخلص الماسا يثقب الاحجار الصلبة واذا كسر بالاسرب انكسر مثلثا ولا ينكسر بغيره بل لو وضع على السندان وضرب بالمطرقة غاص فيهما ولم ينكسر ولو لم يكن الماسا حقيقيا لماحصلت فيه صفات الالماس المعدني بل يكون اعلى من المعدني بكثير وهو من الحجر وصفى مرات ثلاثا فبلغ هذا الصفاء والصلابة والتماسك كذلك الاجسام صفيت مرات ثلاثا احديهن من الاغذية للدنيا وثانيتهن من هذه الدنيا للبرزخ وثالثتهن من البرزخ للاخرة وهذه الاجسام الاخروية من عالم الملك وهي في الاخرة متقومة بما تقومت به في الدنيا من المكان والزمان اما المكان ففيه خلاف كثير هل هو الفراغ المتوهم الذي تشغله الاجسام بالحصول فيه ام هو الفراغ المخلوق الخ ام هو البعد المجرد ام هو السطح الحاوي للجسم المحوي ام غير ذلك وحيرتهم في مكان الفلك الاطلس والحق انه الفراغ المخلوق الذي يشغله الجسم بالحصول فيه فانه مساوق للجسم في الوجود والظهور وشرط في تحقق الجسم فلا يكون شيء من الجسم ليس في مكان ولا شيء من المكان لا جسم فيه واما الزمان فليس هو عبارة عن حركة الفلك كما توهمه المصنف تبعا لغيره وانما هو المدد وامتداد مكث الجسم وانتقاله والحكماء الاولون انما ذكروا حركة الفلك لبيان تصوره فان السائر السريع الذي يقطع فرسخين في ساعة والسائر البطيء الذي يقطع فرسخا واحدا في ساعة اذا ابتدءا دفعة في مسافة هي فرسخ وصل السريع اخرها في نصف ساعة وبقي لابثا نصف ساعة ينتظر البطيء فمدة بقائه زمان قطع البطيء نصف الفرسخ وزمان مكث السريع فيتصور الزمان بالحركات لا ان الحركات هي الزمان والا لكانت المتحركات قبل الزمان وهو عنده ليس قبله الا الباري سبحانه وتعالى وايضا يلزم ان توجد المتحركات بدون الحركات كما سيكون بعد فناء الخلق بين النفختين فان الحركات كلها تبطل مع وجود السموات والارض اربعمائة سنة ولهذا يخاطب الله سبحانه الارض بما معناه يا ارض اين ساكنوك اين المتكبرون اين من اكل رزقي وعبد غيري لمن الملك اليوم فلا يجيبه احد فيرد على نفسه ويقول لله الواحد القهار والحاصل الجنة المحسوسة جسمانية من عالم الملك وفيها النمو الاستغنائي الامدادي والذبول اي التحلل الافتقاري الا ان ذلك ترق في مراتب الكمال والقوة والجدة كما ذكرنا سابقا وقوله { ومعقولة } يعني نفسانية وروحانية وعقلية وتنعماتها ولذاتها المعارف والخطابات الربانية والمناجاة الاحدية والمشاهدات القدسية واستمتاعهم فيها بالانكشافات والتجليات والامدادات الرحيمية والفيوضات الرضوانية وما يصل اليهم من اثار الحيوة والعلم والقدرة والملك والتسلط القدسية وما اشبه ذلك

وقوله { والمحسوسة لاصحاب اليمين والمعقولة للمقربين } واستدل على هذا التقسيم بقوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان وهو غلط لان المفسرين وغيرهم من اكثر العلماء يذهبون الى ان المراد بمن خاف مقام ربه هنا المقربون وان الجنتين لهم بمعنى ان كل واحد من المقربين له جنتان جنة عن يمين قصره نالها بفعل الطاعات وجنة عن يسار قصره نالها بترك المعاصي ولا يبعد ان تأول اليمنى بالمعقولة واليسرى بالمحسوسة والي ان المراد باهل قوله ومن دونهما جنتان هم اصحاب اليمين بمعنى ان كل واحد من اصحاب اليمين له جنتان جنة عن يمين قصره نالها بفعل الطاعات وجنة عن يسار قصره نالها بترك المعاصي وكذلك ايضا لا يبعد ان تأول اليمنى بالمعقولة لاهل اليمين واليسرى بالمحسوسة وهذا التأويل في الموضعين هو الحق الذي يشهد له الاعتبار الصحيح والنص الصريح واما ان ما في قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان للمقربين يوم القيمة وما في قوله ومن دونهما جنتان لاصحاب اليمين فالذي يفيده احاديث اهل العصمة عليهم السلام ان قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان يراد منه ان من خاف مقام ربه من المقربين واصحاب اليمين فله في الاخرة جنتان جنة معقولة وجنة محسوسة الا ان كلي الجنتين لكل واحد من المقربين واصحاب اليمين بنسبة رتبته في الشرف كما اشار سبحانه اليه بقوله انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض يعني في الدنيا وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ولم يرد تعالى ان المقربين لا محسوسة لهم واصحاب اليمين لا معقولة لهم بل لكل من النوعين معقولة ومحسوسة وان قوله ومن دونهما جنتان يراد منه ان لكل واحد من النوعين جنتين مدهامتين اذا مات في البرزخ لان الجنتين المدهامتين من جنان الدنيا ولهذا تخرج في الرجعة قبل القيمة الكبرى كما في حديث امير المؤمنين عليه السلام حيث قال وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله ه‍ وانهما جنة ادم عليه السلام فيكون قوله ومن دونهما اي من قبلهما يعني في الدنيا اي في البرزخ ومن دونهما اي اقل واضعف من جنتي الاخرة والحاصل لاصحاب اليمين جنة معقولة وجنة محسوسة كما للمقربين وان كان كل بنسبته والاية ليس فيها دلالة على مدعاه الا ان اراد تأويلها فان التأويل طريق واسع

وقوله { وهم العليون } يريد بهم ان المقربين في تلك الحال اي حال كونهم اهل الجنة المعقولة فانهم هم العليون اي ملائكة كروبيون وهو صحيح على ما نريد نحن من كونهم ذوي حالات هذه احد حالاتهم لا على ما يريد هو من كونهم ذوي حالة واحدة قد انخلعوا عن الحالة المحسوسة وكذا الكلام في قوله وكذا النار ناران محسوسة ومعنوية بمعنى ان المتبوعين اعني الائمة الذين يدعون الى النار لهم نار معقولة ونار محسوسة وللاتباع نار معقولة ونار محسوسة بنسبتهم وذلك كما قال سبحانه ولكل درجات مما عملوا

وقوله { وكل من الجنة والنار المحسوستين عالم مقداري } ان اراد به ان الجنة المحسوسة والنار المحسوسة من عالم الاجسام المعروضات وانما الجواهر الجسمانية صور للنفوس ولم يرد انهما اعراض مقدارية بل ذوات قائمة بنفسها كالطعام والشراب والحور والولدان والقصور فهو كذلك واما ان اراد انها صور واعراض بمعنى انها تصورات خيالية وتخيلات نفسانية كما ذهب اليه بعضهم فهو باطل وقد تقدم ما يشير الى هذا في قوله ما معناه ان جميع ما في الجنة من النعيم من القصور والولدان والحور والمأكل والمشارب والمناكح وغير ذلك كلها موجودة بوجود المؤمن لانها كلها من نوع النيات والاعتقادات وقد ذكرنا هناك ما يلزمه فراجع

وقوله { احديهما صورة رحمة الله } وهي جميع الجنة المحسوسة وما فيها من النعيم بل المؤمن نفسه في الدنيا والاخرة صورة رحمة الله لان مادته من نور الله وهو اثر فعله وصورته من رحمة الله لان حدودها هيئات طاعته { والاخرى صورة غضبه } اي النار المحسوسة لان مادتها من الماء الاجاج وصورتها من صورة غضب الله لان حدودها هيئات معصيته

وقوله { لقوله ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } يعني ان حلول غضب الله اعوذ بالله من غضب الله محسوس لانه يفني من وقع عليه ويقصمه فاستدل على المحسوسية بالحلول المحسوس فافهم

وقوله { وكما ان الرحمة ذاتية والغضب عارض كما برهن عليه لقوله سبقت رحمتي غضبي وقوله عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء } يشير به الى ما ذكروه من كون الرحمة ذاتية والغضب عارض حيث انه سبحانه قال سبقت رحمتي غضبي لان الرحمة خلقت اولا وبالذات لانها مطلوبة له تعالى لذاتها ومحبوبة عنده لانها عالم فاحببت ان اعرف بخلاف الغضب ولما كانت هذه الرحمة اعني التي وسعت كل شيء مخلوقة والمخلوق لا يكون بسيطا اذ لا يتحقق الا باعتبارين اعتبار من ربه واعتبار من نفسه وجب ان يخلق له دعامة يتقوم بها ولا تكون من نوعه والا لما تحقق الاعتباران فوجب ان تكون من خلافه وخلاف الرحمة لا يكون رحمة فكان غضبا والغضب ليس مرادا لله سبحانه لذاته بل لتقوم المحبوب عند الله وهو الرحمة فخلق الغضب ثانيا وبالعرض فلذا قال سبقت رحمتي غضبي فكان كلامه سبحانه في كتابه جاريا على طبيعة الايجاد فينسب الرحمة اليه وان كانت من فعله لاجل محبتها بالذات وينسب العذاب الى فعله لبيان العرضية قال تعالى ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم فلذلك خلقت الجنة بالذات لانها خلقت من الرحمة ودار الرحمة واهلها وخلقت النار بالعرض لانها خلقت من الغضب ودار الغضب واهله

وقوله { وتحت هذا سر } يريد به ان تحت كون الرحمة خلقت اولا وبالذات والغضب خلق ثانيا وبالعرض وان الجنة خلقت بالذات والنار خلقت بالعرض سرا مكتوما عن عوام الناس وهو ان الامر الذي يتعلق بالتكليف وبالعقاب على المخالفة اسهل مما يظهر فانهم يقولون انا تتبعنا كتاب الله العزيز ووجدنا كل موضع ذكر فيه الرحمة والغضب او العذاب يكون جانب الرحمة راجحا على جانب العذاب وجهة العفو ارجح من جهة العقوبة مع ما ثبت من غناه سبحانه عن عذاب عباده العاصين وحاجتهم الى عفوه ورحمته وان ملكه لا يزيد بالعقوبة ولا ينقص بالعفو وانما اظهر لهم هذه التشديدات تخويفا للعاصين ليرتدعوا عن المعاصي كما قال تعالى وما نرسل بالايات الا تخويفا وايضا اذا كان النار خلقت بالعرض لا يدوم عذابها بل يأول حال اهلها الى التنعم بما فيها من انواع العذاب واقول اعلم ان الصوفية ذهبوا الى هذا ومثله ليهونوا على انفسهم الخطب وليتوصلوا الى الراحة من مشقة التكليف حتى ان كثيرا منهم اباح كلما منع الله سبحانه منه فتركوا العبادات كلها وفعلوا المحرمات كلها واقسموا بالله العظيم ان مـٔال امرهم مع فعلهم هذا الى النعيم المقيم ويكفيهم من جميع ما يريد الله منهم قولهم لا اله الا الله ويأولون على مطلبهم هذا قول النبي صلى الله عليه واله من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة ه‍ واقول اما ما وصفوا من غني الله سبحانه عن عبادة عباده وعن تعذيبهم وان ذلك لا يزيد في ملكه بالعقاب ولا ينقص بالعفو والثواب فهو فوق ما ذكروا واعلى واجل بما لا يدخل تحت وهم من الاوهام واما ما ذكروا من تهوين الخطب في نفس التكليف وما يترتب عليه فهو مبطل لاحكام الكتاب والسنة واخباراتهما وذلك تقول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه واله والله سبحانه ورسوله صلى الله عليه واله منهم بريئان بل كذبوا ولعنوا بما قالوا بل قد يقع باهل المعاصي ما لم يذكر ظاهرا لا في الكتاب ولا في السنة كما اشار سبحانه اليه في قوله وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون لانه وان كان الله عز وجل لا يجازيهم الا باعمالهم السيئة الا ان الخلق لا يكادون يحيطون بشيء لان الله يعاقبهم ان لم يعف بما يترتب على معاصيهم في علمه ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ان يعلموه من ذلك وما شاء منه اظهره لهم في ظاهر كتابه وظاهر سنة نبيه صلى الله عليه واله وما اخفاه في الكتاب والسنة اكثر مما اظهره فيهما واعظم فلا يخرج احد من خلق الله عز وجل عن قصور وتقصير في حق الله تعالى لان كل ما في الامكان قاصر عن كل ما ينسب الى الازل ومقصر عن اداء ما هو اهله تعالى اذ كل ما في الامكان من الاداء والوفاء نعمة من اثر ما لله على خلقه ومن ذلك الاثر ذوات العاملين المؤدين والموفين والاداء والوفاء صفاتهم فكيف يصح مقابلة المؤثر بصفة الاثر فافهم

قال : وقد علمت ان ليس لهما مكان في ظاهر هذا العالم لا في علوه ولا في سفله لان جميع ما في امكنة هذا العالم متجددة داثرة مستحيلة فانية وكل ما هو كذلك فهو من الدنيا والجنة والنار من عالم الاخرة وعقبى الدار نعم لكل منهما مكان في داخل حجب السموات والارض ولكن لهما مظاهر في هذا العالم بحسب نشأتهما الجزئية وعليه تحمل الاخبار الواردة في تعيين الامكنة لاحدهما كما في قوله (ص) ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وقوله قبر المؤمن روضة من رياض الجنة وقبر المنافق حفرة من حفر النار وما روي ان في جبل اروند عينا من عيون الجنة وروي عن ابي ‌جعفر عليه السلام ان لله جنة خلقها في المغرب وماء فراتكم هذه يخرج منها وروي ان برهوت واد من اودية جهنم والروايات فيها كثيرة متخالفة الظواهر ذكرنا وجه التوفيق بينها في كتاب
اقول قد ذكر فيما تقدم ان الجنة والنار ليس لهما في هذا العالم مكان لان السموات متطابقة ليس فيها ولا بينها فضاء بناء منه على ان ظاهر هذا العالم العلوي منه والسفلي متماسك بعضه على بعض من محدب الفلك الاطلس الى اسفل التخوم وعلى ان الجنان والنيران ليست من نوع هذه الاجسام وانما هي معنوية ان كانت معقولة وصورية ان كانت محسوسة فهي من الجبروت والملكوت فيكون لكل منهما مكان في داخل حجب السموات او الارض فان كانت جنة معنوية فمكانها في باطن حجب السموات وان كانت جنة محسوسة فمكانها في ظاهر حجب السموات وان كانت نارا معنوية فمكانها في باطن حجب الارضين وان كانت نارا فمكانها في ظاهر حجب الارضين

واقول قد تقدم ذكر هذا وذكرنا عليه ان الجنة جنتان اما المعنوية فمكانها الجبروت ووقتها اعلى الدهر ومنها ما هو في عالم اللاهوت اعني الوجود الراجح وقته السرمد واما المحسوسة فمكانها الملك ووقته الزمان ومنها ما هو في الملكوت الاعلى ووقته اسفل الدهر واوسطه واما النار المعنوية فمكانها الملكوت الاسفل وما تحته كك واما النار المحسوسة فمكانها الملك كذلك يعني ان وقتهما بنسبتهما في الرتبة واعلم انا ذكرنا مرارا ان عالم الملك باق ابدا لا فناء له ولا نفاد ولا دثور وكذا عالم الملكوت وعالم الجبروت اما عندهم فلا اشكال في الجبروت والملكوت وانما يمنعون بقاء الملك ووقته اعني الزمان وقد ذكرنا ان هذا القول انكار للبعث وان الحق ان العوالم الثلاثة باقية ابد الابدين هي واوقاتها وان بقاءها على حد واحد بمعنى انها باقية بابقاء الله سبحانه بدوام امدادها متصلا لا ببقائه كما توهمه المصنف واتباعه وان كيفية امداده انه تعالى يمدها مما خلقها منه وبيانه ان ما تحلل منها وفني بالفقر والامكان اعاده لها بحال اكمل منه قبل الفناء والتحلل وكسره به وصاغه به صيغة اكمل من الصيغة الاولى واقوى واصح واحد وابقى واصفى واعلى وانور واغلى وهكذا بلا نهاية كل ثانية اعلى واجل واكمل من الاولى والتحلل والتبدل في الملك والملكوت والجبروت على حد سواء كل بنسبته في الدنيا والاخرة لان هذا حال الممكن اذ كل ما سوى الازل عز وجل متجدد متغير والباقي على حال واحدة لا يتغير ولا يتبدل ولا يتحول هو الواحد عز وجل فلكل من المقربين واصحاب اليمين جنان معنوية ملكوتية وجبروتية ومحسوسة جسمية ذاتية وصورية وصفية ولكل من الجاحدين الكافرين والمنافقين واتباعهم نيران معنوية تطلع على الافئدة ملكوتية وما تحت ذلك ونيران محسوسة ملكية كما ان المؤمنين لهم في هذه النشأة الدنيوية اعني النشأة الاولى اجسام ملكية واوصاف جسمانية ولهم نفوس وارواح وعقول ملكوتية وجبروتية ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون وان عليه النشأة الاخرى والاخرى كالاولى من عقل الاولى عرف الاخرى وهذه السموات والارض اللتان في الدنيا هما اللتان في الاخرة كما ان الاجساد التي في الدنيا هي التي في الاخرة ولكنها تصفي وتطهر ويبرز باطنها القوى المتماسك كما تصفي الاجساد وتطهر ويبرز باطنها القوى المتماسك والجنان تبرز فوق هذه السموات بعد تصفيتها وتطهيرها والسموات وان كنا الأن قائلين بانها دخان كالبخار ويوم القيمة كذلك فان الجنان واجساد اهلها فوقها ولا يذهب عليك انه كيف يحمل ما هو كالبخار الاجسام الثقيلة فان الارض لا تحمل الاجساد الثقيلة بتماسكها وانما الحامل لها هو الحي القيوم تعالى فان الله تعالى يحملها على ما هو كالبخار والطف الا ترى ان المؤمن اذا طهر ظاهره وباطنه من الذنوب مشي على الماء وعى الهواء والله سبحانه يقول اولم يروا الى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن الا الله وقال رفع السماء بغير عمد ترونها ولو اراد المصنف ان الجنان والنيران ليس لهما مكان في ظاهر هذا العالم بمعنى ان هذا الظاهر متغير بالتصفية وانما مكانهما فيه بعد التصفية كما يقال ان هذا هو مراده لكان صحيحا ولكنه يلزمه مساواة الاشياء قبل التصفية وبعدها في الافتقار الى المدد في بقائها وان كان كل بنسبته في التحقق ولما جعل المجردات القادسة باقية ببقاء الله تعالى لا بابقائه وجعل اهل الجنة عليين وان ما وصل هناك كله من الجبروت والملكوت واخرج الملك من عالم الاخرة قلنا عليه ما سمعت وعباراته موهمة لخلاف ما قلنا ولكن اذا تتبعت كتبه رأيت انه قائل بما نسبنا اليه واعلم ان الجنان المحسوسة كل جنة فوق سماء وفي خلال ما فوقه فالجنة السفلى فوق السماء الدنيا السفلى وفي خلال الثانية والجنة الثانية فوق السماء الثانية وفي خلال الثالثة والجنة الثالثة فوق السماء الثالثة وفي خلال الرابعة وهكذا الى الجنة السابعة فوق السماء السابعة وفي خلال الكرسي والثامنة فوق الكرسي وفي خلال العرش وذلك مثل ما كنا الأن فوق الارض وفي خلال الهواء فكل جنة فوق سماء واليه الاشارة بقوله لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة وقد تقدم ان السموات والارض يبدل وتكشط وان معنى كشطها وتبديلها تصفيتها وان اهل الجنة المحسوسة على ارض تقلهم كما قال تعالى حكاية عنهم وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء وتحت سماء تظلهم كما في الحديث ان الجنة ارضها الكرسي وسقفها عرش الرحمن

وقوله { ولكن لهما مظاهر في هذا العالم بحسب نشأتهما الجزئية } اي للجنان والنيران المحسوستان مظاهر في هذا العالم وهذا صحيح واما قوله { بحسب نشأتهما الجزئية } ليس على اطلاقه بصحيح لان المحسوسة جزئية ( والعقلانية ليست بجزئية لا في الدنيا ولا في الاخرة ) في النشأة الاخرة كما في الدنيا وما سمعت من ان المؤمن اذا اخذ الحورية او الرمانة من غصنها نبت مكانها غيرها بحيث لا يخلو مكانها من بدلها فانه احداث بدلها من امكانه منها ومثاله في الدنيا اذا اشعلت سراجا من سراج فانه يكون عندك سراج كالاول والاول على حاله وان اراد بذوات المظاهر الجنان المعنوية او الاعم اتجه بعض معاني كلامه على اصطلاحهم في الجزئي والكلي بمعنى ان هذا المظهر فيه شيء من الجنان المعنوية يظهر اثره في الدنيا بلذة الاقبال على الله ولذة مناجاته وانشراح الصدر بالاسلام وبرد القلب بالايمان وحب المعرفة في الفؤاد وقوله صلى الله عليه واله ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة له معنى ظاهر كما اشار اليه المصنف ومعنى باطن بينه الصادق عليه السلام بما معناه المراد من القبر علي بن ابي‌ طالب عليه السلام ومن المنبر القائم عليه السلام عجل الله فرجه وما بينهما الائمة عليهم السلام وهم الروضة التي اشار اليها صلى الله عليه واله واما جنة القبر وكونه روضة من رياض الجنة وكونه حفرة من حفر النار فالمراد بهذه الجنة التي قبر المؤمن روضة منها جنة الدنيا التي هي المدهامتان والنار التي قبر المنافق حفرة من حفرها نار الدنيا التي في المشرق وهذه المواضع اعني مواضع الجنة ومواضع النار من جنة الدنيا ونار الدنيا بمنزلة الاعضاء من الانسان اي من جسده او روحه فافهم ومثل ما روي ان في جبل اروند عينا من عيون الجنة وما روي عن ابي ‌جعفر عليه السلام ان لله جنة خلقها في المغرب وماء فراتكم هذه يخرج منها وروي ان الفرات والنيل وسيحان وجيحان تخرج منها والاحاديث في ذلك كثيرة وهذه الجنة اعني جنة الدنيا التي هي جنة ادم (ع) المدهامتان كما مر في الاقليم الثامن عند مغرب الشمس اسفلها على محدب الفلك الاطلس رتبة لا مكانا اذ لا مكان ولا شيء خارج فلك المحدد لان جميع الاكوان غيبها وشهادتها فيه وما ثبت ان هذه الانهار الاربعة تجتمع من الامطار والسيول من الجبال ومن ينابيع تجري من الارض لا ينافي كونها خارجة من الجنة فان الملائكة حملت تلك المياه الاربعة اغترفتها من البسملة فماء الفرات غرفته ملائكة الماء ماء من ميم بسم من بسم الله الرحمن الرحيم وماء سيحان اغترفته ملائكة اللبن من هاء الله ماء وماء جيحان اغترفته ملائكة العسل ماء من ميم الرحمن وماء النيل اغترفته ملائكة الخمر ماء من ميم الرحيم وهذه الانواع الاربعة من الملائكة القت ما اغترفته على الرياح والرياح القته على السحاب والسحاب القاه على الارض فمنه ما سلكه ينابيع في الارض ومنه على الجبال فسالت السيول ونبعت العيون وجرت المياه الاربعة في الانهار الاربعة المذكورة فجرى ماء الفرات من ماء الميم وهو الماء في انهار الجنة يوم القيمة وجرى ماء سيحان من لبن الهاء وهو نهر اللبن في الجنة يوم القيمة وجرى ماء جيحان من عسل ميم الرحمن وهو نهر العسل في الجنة يوم القيمة وجرى ماء النيل من خمر ميم الرحيم وهو نهر الخمر في الجنة يوم القيمة وما سمعت من هذا التفصيل اخذناه كله من معاني الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام على سبيل الاقتصار واما برهوت فهو واد من اودية جهنم في حضرموت من اليمن وفي برهوت عين يسمى ببلهوت وتلك البئر احر ماء على وجه الارض تأوي اليه الهام وارواح الكفار تعذب فيه الى قيام الساعة وتصدر تلك الارواح الخبيثة الى النار التي في المشرق عند مطلع الشمس وفيها يعذب قابيل ابن ادم وقد وكل به عشرة رجال اذا مات احدهم قام غيره مقامه يصبون على قابيل في الشتاء الماء البارد وفي الصيف الماء الحار وهكذا الى يوم القيمة وقد تقدم فيما ذكرنا سابقا مع هذا ما فيه توفيق بين ظواهر الاخبار وبين المعروف عند الناس

قال : والعجب من عاقل يشك في النشأة الاخرة والجنة والنار المحسوستين ولا يشك فيما يراه في المنام وايضا الدنيا والاخرة داخلتان تحت مقولة المضاف لان احدهما مأخوذة من الدنو والثانية من التأخر وهما حالتان للانسان ادناها الدنيا والاخرى الاخرة والمتضائفان يعرفان معا فمن لم يعرف الاخرة ولم يصدق بوجودها بالحقيقة ماعرف الدنيا ايضا كما قال ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون وكذلك اني لاعجب من اكثر الفلاسفة واتباع ارسطاطاليس كابي‌علي ومن يحذو حذوه حيث انكروا غاية الانكار ان للنفس كينونة اخرى قبل البدن مع اعترافهم ان لها كينونة وبقاء بعد البدن ومن هذا القبيل من يشك في حشر هذه الاجساد وعودها الى الاخرة ويقول اين تذهب هذه الاجسام بعد خراب الدنيا ولا يشك في حدوثها ولا يقول من اين جاءت هذه الاجسام
اقول تعجب المصنف من عاقل له بصيرة في العلوم والحكمة يتوقف في شيء من احوال الاخرة مذكور عند اهل الملل وفي الجنة والنار المحسوستين ولا يتوقف ولا يشك فيما يراه في المنام في انه رأي اشياء في نشأة غير نشأة يقظته حتى انه رأى من مات من اسلافه واحوالهم الماضية كما هي قبل ذهابها فان العاقل العارف يستدل بعودها في المنام بعد ذهابها على عودها بعد ذهابها يوما لان عودهم في المنام بعد عدمهم وفقدانهم دليل لمن له قلب ممن يشاهد ما غاب عنه عيانا فيما حضر عنده او القي السمع وهو شهيد اي استمع ممن له قلب وهو حاضر القلب مصغ اصغاء تفهم قد اجتمع قلبه لذلك وهما اللذان ينظران بالفؤاد ويستدلان بدليل الحكمة ولقد روي ما معناه ان نبيا من انبياء الله دعا قومه الى عبادة الله والاقرار بالتوحيد والعدل والنبوة والايمان باليوم الاخر فانكروا البعث وقالوا ان كنت صادقا فائت بابائنا الذين ماتوافالقى الله عليهم المنام والرؤيا فرأوا آباءهم احياء وتلاقوا معهم في المنام وتعارفوا فاستدلوا بذلك على البعث فنبه صلى الله عليه واله على عموم جهات الاستدلال بذلك فقال كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون

وقوله { الدنيا والاخرة داخلتان تحت مقولة المضاف } يريد ان الدنيا انما سميت دنيا من الدنو وهو القرب وذلك يستلزم ضده وهو التأخر فالدنيا يعني المدة الدنيا او الحالة الدنيا او النشأة الدنيا تستلزم المدة الاخيرة او الحالة الاخيرة او النشأة الاخيرة فاذا لوحظ في النشأة الاولية ان بعدها نشئات تنسب الى الاولية قيل النشأة الاولى بصيغة التفضيل لان بعدها احوالا كالشيب بعد الشباب تكشف له عن وجوه العبر فكالبرزخ وكالرجعة وقيام الحجة عليه السلام عجل الله فرجه واذا لوحظ انه ليس بعد يوم القيمة حالة ترجي غير ما كان اتى بصيغة التفضيل فقيل النشأة الاخرى ولا ريب ان تسميتهما من مقولة المضاف كما اشار اليه المصنف فمن عرف ذلك مؤمنا به اعترف بالاخرة على حد ما مثل له وعاينه من النشأة الاولى ومن ذلك كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ضرب مثلا لمن انفق ماله في سبيل الله

وقوله { فمن لم يعرف الاخرة ولم يصدق بوجودها بالحقيقة ما عرف الدنيا } صحيح ويؤيده قوله تعالى ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون فانه تعالى عتب على من علم النشأة الاولى ولم يتذكر فيعرف بها النشأة الاخرى قال تعالى قل سيروا في الارض اي اقرأوا القرءان وتدبروا اياته او انظروا في الافاق وتدبروا فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الاخرة وما اعمى البصائر عن الاخرة الا حب الدنيا كما قال تعالى يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون

وقوله { وكذلك واني لاعجب من اكثر الفلاسفة واتباع ارسطاطاليس الخ } يريد اني اعجب من انكارهم وجود النفوس قبل الاجسام على نحو ما تقدمت الاشارة اليه مع اعترافهم بوجودها بعد الاجسام وما هذا الا مثل من انكر النشأة الاخرى او شك فيها وهو يرى النشأة الاولى فان ثبوت كينونتها بعد البدن دليل على ثبوت كينونتها قبل البدن وعجبه في محله في حق من يدعي العلم وكذا قوله { ومن هذا القبيل من يشك في حشر هذه الاجساد وعودها الى الاخرة الخ } فان من عرف هذه الاجساد في الدنيا ومن اين اتت فانها لم تكن شيئا ثم جعلها بمشيته شيئا مذكورا ولم تكن مذكورة قبل مشيته بحال فمن جعلها بمشيته شيئا لا من شيء قادر على ان يعيدها وهو اهون عليه اي هين عليه وله المثل الاعلى في السموات والارض وللمصنف في هذه الكلمات الاخيرة اغلاط عظيمة ذكرنا بعضها فيما تقدم منها ان قوله من اين جاءت لا يريد بها انها جاءت اختراعا لا من شيء بل يريد انها انحطت من وجوهها التي في ذاته الازلية انحطاط الظل من الشاخص لانه يقول معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وعلى قوله يكون انحطاطها عنه ولادة فلا يصح ان يقال لم يلد بل يلد ولو قال انه ليس فاقدا لها في ملكه لكان موحدا قائلا بقول المسلمين ولكن ضاع الكلام فلا كلام ولا سكوت معجب

قال : فاعلم يا حبيبي انا جئنا الى هذا العالم من جنة الله التي هي حظيرة القدس التي قدس بها المقدسون ومنها الى دار الحيوان وجنة الابدان ومنها الى هذا العالم دار العمل بغير جزاء ونذهب من هذا العالم الى دار الجزاء من غير عمل فمن سلمت منا فطرته وحسنت اعماله فالى جنة الله ان كان من المقربين الكاملين في العلم او الى جنة الحيوان ان كان من اصحاب اليمين ويبقى من ساء عمله واسود قلبه تحت نار غضب الله في جهنم خالدا فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد
اقول اعلم يا حبيبي ان الله سبحانه ضرب الامثال لعباده وقال سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وقال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هاهنا ه‍ ومن الايات المداد فانه مادة صالحة للاسم الطيب مثل الله وللاسم الخبيث مثل ابليس لم يتميز الخبيث والطيب الا بالصورة وكالخشب صالح للباب والسرير وللصنم لم يتميز الطيب والخبث الا بالصورة وهذه ايات الله التي ضربها في الافاق ونحن خلقنا هكذا من مادة واحدة كما قال تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ومن هذا اذا رأيت رجلين قاعدتين فنسبتهما قبل الاختبار اليك واحدة فلما امرتهما واطاع واحد باختياره وعصي واحد باختياره كان المطيع بطاعته مطيعا مقربا عندك طيب الاصل طاهر القلب ولم يكن شيء من هذه الاحكام الا بطاعته مختارا وكان العاصي بعصيانه عاصيا مبعدا عندك خبيث الاصل نجس القلب ولم يكن شيء من هذه الاحكام الا بعصيانه فالمادة بالطاعة التي هي صورة من صور الرحمة ومن الجنة تكون طيبة منيرة وبذلك تكون من النور لا بمعنى ان الطاعة كاشفة عن كون المادة طيبة بل بمعنى ان الطاعة تقلب المادة الى حقيقتها بمعنى ان الله سبحانه يقلب المادة بالطاعة نورا ويجعلها بها طيبة ويقلب المادة بالمعصية مظلمة ويجعلها بها خبيثة كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وليس كما توهمه المصنف والاكثر من ان المادة الطيبة خلقت من النور ابتداء واختراعا لا من حيث قابليتها وان المادة الخبيثة خلقت من الظلمة ابتداء واختراعا لا من حيث قابليتها بل لا مدخل لشيء في طيب الطيبة وخبث الخبيثة سوى نفس فعل الله تعالى ومشيته خاصة وقد ملئوا من هذا المعنى الكتب والدفاتر والسطور والقلوب والخواطر والصدور وهو غلط لا يأول الى شيء من الحق بل الحق ما اشرنا اليه والتحقيق ما نبهناك عليه من ان كل ما خلقه الله تعالى فمن مادة متماثلة في اجناس الجواهر وفي انواع الاجناس وفي افراد الانواع فميز بين اجناسها بالمميزات الجنسية وابان بين انواعها بالمميزات النوعية وعين بين اشخاصها بالمميزات الشخصية وكل شيء من المميزات في المراتب الثلاث امر وجودي حقيقي لا اعتباري وهي حدود قابليات الاشياء للايجاد وبها ميز بينها وبها احدثها وبطيبها جعل المميز بها طيبا وبخبيثها جعل المميز بها خبيثا لانه تعالى خلق المادة صالحة لكل من الامرين بما جعل فيها من التمييز والاختيار فجعل عز وجل ما اجاب دعوته الاجابة الحسني طيبا باجابته ونورا بقبوله وجعل ما اجاب دعوته الاجابة السوءي خبيثا بانكاره وظلمة بعدم قبوله وما تسمع من احاديثهم عليهم السلام من انه تعالى خلق ذلك الشيء من النور فمعناه انه خلق مادته بقبولها الدعوة التي امر بها من النور وخلق صورته من الجنة بما اختار من لباس التقوى وخلق ذلك الشيء من الظلمة بمعنى انه خلق مادته بعدم قبولها للدعوة التي امر بها من الظلمة وخلق صورته من النار بما اختار من لباس المعصية وحيث ان المصنف لا يفهم الا ان الطيب خلق ابتداء واختراعا طيبا والخبيث خلق ابتداء واختراعا خبيثا قال مشيرا الى اصل الاختراع { يا حبيبي انا جئنا الى هذا العالم من جنة الله التي هي حظيرة القدس التي قدس بها المقدسون } والمراد بالحظيرة القدس الجنة والقدس الطهر بمعنى انها مقدسة هي وما فيها من الموت والفناء والهرم والسقم والغم والهم والجهل والدثور والزوال والتغيير والانتقال والتعب والنصب واللغوب وعن كل ما لا تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وعنده انهم جاؤا منها في اصل الاختراع وعندنا انهم جاؤا بحقيقة ما هم اهله وان كان كل نعمه ابتداء وبيان السر دقيق يحتاج الى تطويل كلام وقد اشرت اليه سابقا ومراده بقوله المقدسون ان اهل الجنة من المقربين مجردون عن المواد والصور لاحقون بالارواح القادسة التي لم تدخل تحت كن بل وليسوا من سوى الله سبحانه وهذا كثيرا ما يلوح به ويصرح ونحن قد بينا بطلان هذا كله فيما مضى من هذا الكتاب وفي شرح المشاعر وغيره بل هم كغيرهم من اصحاب اليمين في التركيب من المواد والصور والافتقار الى المدد وان كانوا بنسبة حالهم

وقوله { ومنها الى دار الحيوان وجنة الابدان } يعني بها رتبة النفس الحيوانية الحساسة الفلكية او النفس الناطقة القدسية التي هي صدر العقل لا النفس العليا التي هي رتبة الفؤاد فانها الرتبة الاولى السابقة وهم اصحاب اليمين في الجنة الذين نعيمهم في لذات المطاعم من المأكل والمشارب والملابس والمناكح ومنها الى هذا العالم وهو دار العمل بغير جزاء وهذا يريد منه بيان القوس النزولي اجمالا والرجوع في القوس الصعودي على عكس الترتيب على نحو ما اشرنا اليه سابقا وهو قوله { ونذهب من هذا العالم الى دار الجزاء } ويريد ان الدنيا دار تكليف وعمل بغير جزاء الخ وهو في الظاهر لا بأس به على نحو الاجمال والا ففي الحقيقة ان هذه الدار دار التكليف بما تكره النفوس وقد يقع الجزاء فيها لبعض الاعمال لان جزاء الاعمال يقع في دار نوع الاعمال فان كانت دنيوية وقع جزاؤها في الدنيا كدفع البلايا وادرار الرزق ودفع الالام والفقر وبالعكس في عقوباتها وان كانت برزخية وقع جزاؤها في البرزخ كنعيم الروح ونعيم الاجساد في القبور وبالعكس في عقوباتها وان كانت اخروية وقع جزاؤها في الاخرة بانواع النعيم في الجنة وانواع العذاب في النار واما الاخرة ففيها تكليف بما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وذلك لما برهن عليه في محله ان المخلوق لا يتعلق به الايجاد والتكوين والتمكين من التكوين والتمكين من البقاء ولا البقاء الا بالتكليف وهذا مما لا ريب فيه عند اولي الالباب

وقوله { فمن سلمت منا فطرته وحسنت اعماله فالي جنة الله ان كان من المقربين الكاملين } يريد بجنة الله التي يكون نعيمهم فيها بمناجاته ولذيذ كلامه وسكر معرفته لانهم حينئذ مقدسون مجردون عن جميع الاكوان وهذا بناء منه على مذهبه من وحدة الوجود لانهم حينئذ ليسوا غير الله وقد بينه في باب اتحاد المعقول بالعاقل والمفعول بالفاعل والمحسوس بالحاس ونحن قد بينا مرارا بطلان هذا القول وبطلان اصل هذه المسئلة رأسا وايضا لو كانت الاشياء قبل التكليف وقبل ما يترتب عليه مخلوقة من الجنة ابتداء لعادت الى الجنة من دون ان تتصف نفسها وفطرتها بالسلامة من التقصيرات وحسن الاعمال اذ كل شيء يعود الى ما خلق منه ولما ثبت انها لا تعود الى الجنة الا اذا سلمت فطرتها وحسنت اعمالها دل على انها لم تخلق من الجنة الا بسلامة فطرتها وحسن اعمالها فافهم

وقوله { فالى جنة الله } يعني به ان المقربين يرجع امرهم الى جنة الله التي يكون نعيمهم فيها ولذاتهم وشهواتهم بلذيذ مناجاته والنظر الى وجهه لا غير ذلك ونحن قد بينا ان المقربين افضل نعيمهم ولذاتهم المناجاة والذكر والنظر ولهم تنعم بالمأكل والمشارب والمناكح وان كانت قرة اعينهم وتنافسهم في المناجاة بان يسمعوا كلامه وخطابه ويسمع دعاءهم ويذكرهم بما يذكرونه ويراهم بما يرونه ولاجل ذلك قال ويطاف عليهم بانية من فضة واكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا وهذه الايات نزلت في سادات المقربين وان اصحاب اليمين لهم حالات كحالات المقربين من المناجاة والاستماع والرؤية بنسبة حالهم لاشتراك الفريقين في احكام العبودية وفي الظهور في مظاهر الربوبية كما اشار اليه سبحانه بقوله واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا الا ان كل طائفة تقبل بنسبة جوهرها وطينتها

وقوله { ويبقى من ساء عمله واسود قلبه تحت نار غضب الله في جهنم خالدا فيها الخ } يعني ان من حسن عمله وابيض قلبه رفعته اعماله الى عليين ومن ساء عمله واسود قلبه بقي في سجن طبيعته لثقل اغلال اعماله فحطته الى اسفل سافلين الذي هو محل غضب الله وظاهر كلامه في قوله ويبقى من ساء عمله ان الكل مخلوقون في البعد فرفعت المقربين اعمالهم الى عليين وبقي في مقام البعد من ساء عمله اي لم ترفعه اعماله وليس الامر كذلك ويحتمل انه اراد بقوله يبقى معنى يمكث كما تفيده القرائن والمراد بقوله تحت نار غضب الله تحت قاهرية غضب الله التي يظهر عنها التعذيب بنار جهنم وقد اشرنا سابقا ويأتي انشاء الله الى ان الثواب والعقاب متقومان بالاعمال لان الاعمال صور الثواب والعقاب ومادة الثواب والعقاب اشراق من امر الله الذي به قام كل شيء تحصص ذلك الاشراق بصور الاعمال وهذا الاشراق يحمله امر الله ونهيه القوليان المتعلقان بافعال المكلفين فاذا وافق عمل المكلف امر الله ونهيه خلق تعالى منهما الثواب وان خالف خلق منهما العقاب فالعمل كالفصل لحصص الجنس وكالمشخصات بل هو المجنس والمنوع والمشخص لانه في الحقيقة هو الصورة ولاجل كون الاعمال صور الثواب والعقاب قال تعالى وماتجزون الا ما كنتم تعملون واصل ذلك ان الامداد والمدد اللذان لا يستغني المخلوق عنهما لا في التكوين ولا في البقاء منحصران في الرحمة والغضب وامتثال امر الله واجتناب نهيه طريق رحمته ومخالفتهما طريق غضبه فمن اطاع دخل باختياره الرحمة لان ذلك ثمرة عمله ومن عصي دخل في الغضب باختياره لانه ثمرة عمله وليس في الدنيا والاخرة الا دار الرحمة او دار الغضب فمن خرج عن احديهما دخل في الاخرى وهذا حكم الدارين واهلهما خالدين فيها ما دامت السموات والارض اما اهل الجنة فمنعمون فيها ابدا ويشتد نعيمهم فيها على مر الدهور المتطاولة بلا نهاية لزيادة النعيم واشتداده ودوامه واما اهل النار فمعذبون فيها ابدا واهل التصوف كابن‌عربي وعبدالكريم الجيلاني وابن عطاءالله والبسطامي وامثالهم من العامة واتباعهم من العامة والخاصة كالمصنف على ما نص عليه في شواهد الربوبية والملا محسن على ما ذكره في النوادر وغيره وامثالهم قائلون بانقطاع التألم عنهم ورجوع امرهم الى التنعم بالعذاب وهو خلاف نص الكتاب والسنة والاجماع كأنهم ماقرأوا قول الله كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب او قرأوه ومافهموه واصل هذا توهم ان الله سبحانه عدل لا يجور ولا يظلم العباد ومقتضى العدل انه لا يعذب العاصي اكثر من جزاء معصيته فاذا عصى عشر سنين لو عذب احدي ‌عشرة سنة مثلا كان قبيحا وكان الظالم بمعصيته مظلوما بمعاقبته اكثر من معصيته ولان العاصي اذا طال مكثه في الجحيم كانت طبيعته ملائمة لطبيعة النار وكان معتادا بها فيتلذذ بالعذاب كالجمرة فانها كانت خشبة فاثرت فيها النار واحرقتها حتى كانت من نوعها فانست بها بحيث لو اتاها ما ينافي النار والاحراق كالماء اطفأها وافسدها وكذلك اهل النار بعد تطاول الدهور وانقلاب طبائعهم كطبيعة اهل النار لو ادخلوا الجنة تألموا بها واضرت بهم كما تضر النار اهل الجنة لو كانوا فيها ولان الله سبحانه قال وهو اصدق القائلين ورحمتي وسعت كل شيء ولا شك انهم حينئذ من الاشياء فتسعهم الرحمة الواسعة ولانهم خلقوا من النار فاذا عادوا اليها عاد البعض على كله والشيء لا يحرق نفسه واما تألمهم في اول دخولهم مع انهم اشياء والرحمة تسع كل شيء وانهم من النار خلقوا والشيء لا يحرق نفسه فقد خرج بدليل خاص وقضاء مبرم وامثال هذه التوهمات وهذا اصل منتقض واساس منهدم وقد اجبنا عن هذه وامثالها في رسائلنا ومباحثاتنا بما لا مرد له عند كل من له ادنى عقل واقرب فهم ومنه على جهة الاقتصار ان العدل الحق تعالى لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون فان النيات والعزيمات اعمال حقيقية واعمال الجوارح آثارها فان من نظر احاديث اهل العصمة عليهم السلام وعرفها ظهر له ان الاخبار الدالة على ان نية المعصية انما لم تكتب معصية اذا نواها ولم يفعل وكانت النية نية اعمال الجوارح وتركها ولم يعملها فانها لا تترتب عليها احكام الشرع في الدنيا اما لو كان المانع له من الفعل عدم التمكن منه فانه يكون يوم القيمة فاعلا لها ومؤاخذا بها وهذا مما لا ريب فيه كما صرحت به الاخبار واتفقت عليه الفرقة المحقة من ان القائم عليه السلام عجل الله فرجه وسهل مخرجه يقتل قتلة الحسين عليه السلام ومن رضي بافعالهم الى يوم قيامه قصاصا وقد ورد ما معناه لو ان رجلا قتل رجلا بالمشرق ورضي بذلك رجل في المغرب كان شريكا في دمه ويؤاخذ به ويجري عليه حكم القاتل ولاجل ذلك ورد انه انما خلد اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار بنياتهم يعني ان اهل الجنة في نياتهم انهم لو بقوا في الدنيا ابد الابدين انهم يطيعون الله ولا يعصونه واهل النار في نياتهم انهم لو بقوا في الدنيا ابد الابدين انهم يعصون الله ولا يطيعونه وبذلك العزم وتلك النية خلدوا وذلك حيث ساوت النية العمل وقامت مقامه وكذا ما مثلنا به من مثال الاعمال المنقوش في غيب مكان الفعل ووقته كما تقدم فراجع فعلى هذا لا فرق بين اول دخولهم الجنة وبين ما بعده واما ملايمتهم للنار وانقلاب طبايعهم بطبعها حتى كانوا بعضا منها فليس بصحيح لانهم لو كانوا كذلك لم يكونوا اياهم لانهم انما تميزوا منها بالمميزات التي هي جزؤهم فانهم مركبون من مادة جنسية او نوعية او شخصية ومن صورة صبغهم فيها بصبغ الغضب ولو كانوا بعضا منها لماتمايزوا منها ولا في انفسهم بل مقتضى حكم بقائهم لا يموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها تمايزهم دائما وعدم اتحادهم بها ابدا بل كلما تطاولت الدهور قويت انياتهم التي هي المميزة لهم فلا اتحاد بينها وبينهم اصلا

واما ان رحمته وسعت كل شيء فحق ولكنها تسع كل شيء بقسميها الفضل والعدل فتسع المؤمنين بقسم الفضل الذي هو الرحمة المكتوبة فساكتبها للذين يتقون وتسع المنافقين والمشركين بقسم العدل على انها لو اريد منها معنى ما ارادوا لماتألم احد لا في الدنيا ولا في الاخرة ولما اصاب احدا من الخلق شيء من المكاره لان المكاره بجميع انواعها من فيح النار كما اشرنا اليه سابقا وقولهم ان تألم اهل النار عند دخولها انما هو لدليل خاص غلط فان الدليل الدال على التألم اولا دال على التألم آخرا بل جميع الادلة من الكتاب والسنة والعقل دالة بصريحها على دوام التألم واستمرار اشتداده على ممر الدهور

واما ان الشيء لا يحرق نفسه فاولا اهل النار ليسوا بعضا منها وان كانت صورهم من صبغ جهنم كما ان الانسان خلق من التراب ( الارض خ ) وليس بعضا من الارض مع ان الارض تبليه فكما ان الارض تأكل من خلق منها كذلك النار تأكل اهلها وان كانوا مخلوقين منها ولو كان الامر كما توهموه لما احرقتهم اول دخولهم

وقوله { خالدا فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد } يشير الى ما ذكر الله تعالى وفي الاية توهمان الاول قد توهم قوم ان السموات والارض تبدل وتغير وتكشط فما معنى ذكرها لاهل الجنة والنار في تعليق دوامهما على دوامها والثاني فتوهم ان الاستثناء ينافي الدوام والجواب ان السموات والارض انما يبدلان تبدل تصفية كما تبدل اجساد المكلفين بالكسر والتصفية من غير ان ينقص منها شيء او يبدل شيء منها بشيء آخر بل هي بعينها تعود وكذلك السموات والارض لقوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقد ثبت بالادلة القطعية عقلا ونقلا ان اجساد اهل الدنيا هي بعينها اجساد اهل الاخرة لانها بنفسها تعاد لا بصورها كما توهمه المصنف ولا ببدلها وانما تعاد عين موادها بنفسها من غير تبديل في نفس المادة وان تغيرت الصور عند كسرها وتصفيتها وصوغها فكذلك السموات والارض والجواب عن الثاني ان الاستثناء قيل فيه انه جار على جهة التعليم للعباد بان لا يقولوا الا مع الاستثناء كما قال سبحانه لنبيه ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله وقيل انه تأديب للعباد والفرق بينه وبين الاول ان هذا محض تأديب ليتأدبوا والاول ارشاد لهم ليتم لهم مرادهم وقيل بل هو تعليق الخلود والدوام على مشية الله عز وجل لانه سبحانه لو شاء افنى الجنة والنار ومن فيهما وقيل ان الجنة منذ خلقت لم تخل من ارواح المؤمنين ولم تخرج روح من الجنة الا عند معصيتها فانها حال المعصية خارجة من الجنة داخلة في النار حتى تتوب فتخرج من النار وتدخل الجنة وكذا النار فاستثنى حال معصية اهل الجنة وحال طاعة اهل النار وقيل الاستثناء لحالهم في الدنيا فان المؤمنين في الدنيا لم يكونوا في الجنة والمنافقين في الدنيا لم يكونوا في النار وقيل ان الجنة في الحقيقة هي الطاعة في الدنيا والنعيم في الاخرة والنار هي المعصية في الدنيا والعذاب في الاخرة وقيل المراد بالجنة في الاية جنة الدنيا والنار فيها نار الدنيا والذي افهمه من اثار اهل العصمة عليهم السلام ان الثلاثة الاول كلها مرادة في الاية والثلاثة التي تليها مرادة من الاية ومـٔال معناها واحد والسابع مراد ظاهره في البرزخ وباطنه في الاخرة فلاحظ

قال : قال بعض اهل الكشف اعلم عصمنا الله واياك ان النار من اعظم المخلوقات وهي سجن الله في الاخرة وسميت جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر وهي تحوي الحرور والزمهرير ففيها الحر على اقصى درجاته والبرد على اقصى درجاته وبين اعلاها واسفلها مسافة خمس وسبعين ‌مائة من السنين وهي دار حرورها هواء محرق لا جمر لها سوى بني ادم والاحجار المتخذة الهة والجن لهبها كما قال تعالى وقودها الناس والحجارة وقوله فكبكبوا فيها هم والغاون وجنود ابليس اجمعون ومن اعجب ما روي عن النبي صلى الله عليه واله انه كان قاعدا مع اصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال صلى الله عليه واله اتعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله اعلم قال (ص) حجر القي من اعلى جهنم منذ سبعين سنة الأن وصل الى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ من كلامه الا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فقال رسول الله صلى الله عليه واله الله اكبر فعلمت الصحابة ان هذا الحجر هو ذاك وانه مذ خلقه الله يهوى في جهنم فلما مات حصل في قعرها قال تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار فانظر ما اعجب كلام الله وما احسن تعريف النبي صلى الله عليه واله لاصحابه
اقول هو كما قال ان النار من اعظم المخلوقات ولكن ليست اعظم المخلوقات لانها خلقت من غضبه استجير بالله من غضب الله وغضب الله اعظم من النار وان جهنم لا تزال خائفة وجلة من غضب الله ورحمته تعالى اعظم من غضبه كما قال تعالى عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء وقال تعالى سبقت رحمتي غضبي نعم النار من المخلوقات العظيمة فاعظم في كلام المصنف صفة مضافة الى موصوفها والنار استجير بالله منها لها سبعة ابواب كل باب يسمى باسم مخصوص كما تقدم من ان الله سبحانه جعلها سبع درجات اعلاها الجحيم يقوم اهلها على الصفا منها تغلى ادمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها والثانية لظى نزاعة للشوي تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى والثالثة سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة ‌عشر والرابعة الحطمة ومنها يثور شرر كالقصر كأنه جمالات صفر تدق من صار اليها مثل الكحل فلا تموت الروح كلما صاروا مثل الكحل عادوا والخامسة الهاوية فيها ملوك يدعون يا مالك اغثنا فاذا اغاثهم جعل لهم انية من صفر من نار فيه صديد ما يسيل من جلودهم كأنه مهل فاذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدة حرها وهو قول الله تعالى وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار كلما احترق جلده بدل جلدا غيره والسادسة هي السعير فيها ثلثمائة سرادق من نار في كل سرادق ثلثمائة قصر من نار في كل قصر ثلثمائة بيت من نار في كل بيت ثلثمائة لون من عذاب النار فيها حيات من نار وعقارب من نار وجوامع من نار وسلاسل من نار واغلال من نار وهو قول الله انا اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالا وسعيرا والسابعة جهنم وفيها الفلق وهو جب في جهنم اذا فتح اسعر النار سعرا وهو اشد النار عذابا واما صعود فهو جبل من صفر من نار وسط جهنم واما اثام فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو اشد النار عذابا ه‍ وقد تقدم من تفسير القمي وانما اعدت ذكره لما فيه من الموعظة لمن كان حيا فجهنم اعظم الابواب السبعة واسفلها واشدها واولاها باهلها وابعدها قعرا وانما سميت جهنم بهذا الاسم لشدة عمقها وبعد قعرها وفي اللغة يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر

وقوله { وهي تحوي الحرور والزمهرير } يعني ان النار اجارنا الله منها تجمع جميع المكاره ومن جملتها المكاره المتقابلة المتضادة كالحرارة والبرودة في اخر مراتبها الممكنة فتحرق بحرارتها النارية والزمهريرية وضابط العبارة عن مراتب مكارهها ان كل شيء مكروه في الدنيا اذا اشتد وتناهى بحيث يكون قاتلا في الدنيا كالحرارة والبرودة والمرارة والملوحة والضيق والخوف والهم والغم والوحشة والفراق والجوع والعطش والفقر والخزي والندامة وامثال ذلك من المكروهات اذا تناهي وضوعف اشتداده القاتل اربعة ‌الاف مرة وتسعمائة مرة كانت شدته مساوية لما يماثله في النار وقس على هذه النسبة جميع مكاره الاخرة الى امثالها من مكاره الدنيا وقول المصنف ففيها الحر علىاقصى درجاته والبرد علىاقصى درجاته يصدق على ما اشرنا اليه في الجملة واما التقدير الذي ذكرناه فشيء لا يعرفونه وان مروا عليه في احاديث اهل البيت عليهم السلام

وقوله { وبين اعلاها واسفلها مسافة خمس وسبعين‌مائة من السنين } يدل على ان عمقها الاعظم هذه المسافة وهذا ومثله لا يعلم الا من الاحاديث وانا الى الأن ما وقفت على ما يدل على هذا الخصوص ولا انكر ما لا اعلم ولكن المستفاد من الخبر المذكور بعد هذا الكلام مع ما ذكره ان عمقها يتقدر بقدر مبلغ الهاوي فيها بحركة اعماله لا بقدر عمره كما هو ظاهر الخبر المذكور اذ لو عملنا بظاهره لزم ان تكون رتبة ذلك اليهودي ودركه من النار لا يبلغها من نقص عمره عن السبعين السنة وان كان اعظم جرما واشد معصية منه وهذا مخالف للواقع فان بعض المنافقين من دلت الاخبار المتفق على صحتها وصحة معناها على ان له دركا في جهنم لم يكن فيها درك ابعد منه مع ان عمره لم يبلغ السبعين ولكنه تكلف المعاصي بما لا تقتضيه طبيعته كما اشار تعالى اليه في قوله في حقه انه كان ظلوما جهولا واليهودي المذكور في الحديث الاتي جرى في معاصيه على مقتضى طبيعته فساوى سيره عمره كما يساوي هوى الصخرة ثقلها فانك اذا القيت صخرتين كبيرة وصغيرة من اعلى المنارة وصلت الكبيرة الارض قبل الصغيرة لان سيرهما في النزول بمقتضى طبيعتهما ولو انك القيتهما معا دفعة الا انك دفعت الصغيرة بيدك بقوتك والكبيرة وقعت بغير دفع وصلت الصغيرة الارض قبل الكبيرة لان الكبيرة نزلت بطبعها والصغيرة نزلت بتكلف من دفع يدك مع ثقلها فمن نظر بفؤاده بدليل الحكمة فهم من حديث الهدة حديث اليهودي وحديث المنافق الظلوم الجهول ان عمق النار قدر سير الواقع بمعاصيه واعماله السيئة فيها فكل واحد من اهلها بلغ قعرها في حقه ولا تقدر في نفس الامر بسبعين عاما ولا بخمس وسبعين ‌مائة سنة على ان اهلها يتضاعف عذابهم على ممر الدهور فيتغير قعرها لكل واحد منهم في كل وقت وليس لهذا الامتداد انقطاع ابدا وكذلك حكم الجنة مع اهلها في نعيمهم فهنيئا لاصحاب النعيم وسحقا لاصحاب السعير

وقوله { وهي دار حرورها هواء محرق لا جمر لها } يريد به بيان حقيقة ذاتها انها هواء محرق كالسموم والسموم انما صار حارا لانه هواء مر على اودية النار فكان حارا والا فهو الهواء الذي اذا مر على الزمهرير كان باردا وانما هي عنصر برأسه خلقه الله من غضبه كما ان النار العنصرية خلقها من حركة فعله وايجاده والنار المذكورة نستجير بالله منها على انواع مختلفة منها نار لا تنطفئ ابدا لانها تأكل من نفسها فبعضها يأكل بعضا فيظهر جزء فيشتعل في الجزء الذي قبله وهذا الاكل يأكله غيره وهكذا فاذا التقي الجزءان طلب كل واحد منهما اكل الاخر فيأكل القوي الضعيف والثاني الاول وهذه شدة لا يوصف وحدة لا تكيف وجمرها الذي يشتعل منه فيه الناس العاصون لله والحجارة والمراد بالحجارة التي توقد بها حجارة الكبريت لانها نار جامدة اذا مستها النار ذابت نارا وايضا المراد بها قلوب المنافقين والكفار والمشركين فان حقيقتها حجارة من نار تصلبت بطبخ حرارة النار ورطوبة الحميم وقد اشار الى معنى ما قلنا قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة بلحاظ ما ذكرنا سابقا اشارة الى ما ذكره بعض العلماء من ان المشبه عين المشبه به في القرءان وفي الاحاديث المنقولة عن النبي واله صلى الله عليه واله باللفظ وقد اقمنا عليه البرهان في محله في بعض كتبنا فعلى هذا يصير المعنى في الاية فهي الحجارة او اشد قسوة اي بل اشد قسوة وذلك لان تلك القلوب الخبيثة هي منشأ النار وهي المؤججة لها وهي طعامها وقد اشار سبحانه في قوله انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم الى نكتة عجيبة حيث قال حصب ولم يقل حطب مع ان المراد به الحطب كما في لغة الحبشة وعن الفراء ان الحصب في لغة اهل اليمن الحطب لان الحاء والصاد من اسم الحصى اعني الحجارة والحاء والباء من اسم الحطب والحاء مشتركة بين الاسمين لان المشركين وما يعبدون من الاصنام الظاهرة والمنافقين وما يعبدون من الاصنام الباطنة صفتهم وحالهم في النار كصفة الحطب وحاله في النار في الاشتعال بمعنى انها تشتعل فيهم كاشتعالها في الحطب وكصفة الحصى وحاله في النار من البقاء وعدم الفناء فلا يكونون رمادا فيفنون وينقطع عذابهم بل يبقون كالحجارة وتشتعل بهم النار كالحطب بناء على ان الالفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية كما هو الصحيح ويتناول اسم الاحجار ايضا الاصنام المتخذة من الحجارة كما ذكره المصنف واما الاصنام المتخذة من المعادن فيمكن ادخالها في الاحجار من حيث انها لا تجيب داعيها ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر فهي كالاحجار وان كان بعيدا من مفاد كلامه واما اذا اريد بالاحجار المعنى الاول او الثاني صدق على الكل بلا منافاة وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام لقد مررنا مع رسول الله صلى الله عليه واله بجبل واذا الدموع تخرج من بعضه فقال له ما يبكيك يا جبل فقال يا رسول الله (ص) كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس بنار وقودها الناس والحجارة فانا اخاف ان اكون من تلك الحجارة قال لا تخف تلك حجارة الكبريت فقر الجبل وسكن وهدأ وفي تفسير القمي عن الصادق عليه السلام قال ان ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وقد اطفئت سبعين مرة بالماء ثم التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي ان يطفئها وانها ليؤتى بها يوم القيمة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل الا جثا على ركبتيه فزعا من صرختها ه‍ اقول وهذا الحديث الاخير يشير الى العدد الذي اشرنا اليه في نسبة مكاره الدنيا الى مكاره الاخرة وان رتبة ما يبلغ حد القتل منها في شدته اذا ضوعف اشتداده اربعة‌الاف مرة وتسعمائة مرة ساوي نظيره من مكاره الاخرة لان قوله عليه السلام جزء من سبعين جزءا من نار جهنم يراد منه الشعاع المعبر عنه بالفاضل في بعض الاخبار وقوله عليه السلام وقد اطفئت سبعين مرة بالماء اشارة الى شعاع الشعاع وفاضل الفاضل فالاصل في الاخرة وشعاعه في البرزخ وشعاع الشعاع في الدنيا فافهم ولما كان الجمر المعروف هو الباقي من الحطب بعد ما تحرقه النار فهو ميراث الحطب بعد ذهاب صورته النوعية وكان حطب جهنم الناس والحجارة وقد تمت عليهم كلمة الله بان يعيد منهم ما اكلته النار ليذوقوا العذاب كانت اجسامهم واجسادهم وافئدتهم وقلوبهم التي هي حطب جهنم في الحقيقة هي جمرها لان اجسامهم بعد حرقها تؤرث اجساما لهم باعادتها لانها عين الاولى وكذلك الاجساد تؤرث اجسادا والافئدة تؤرث افئدة والقلوب تؤرث قلوبا كذلك اي هي عين الاولى فهم الحطب وهم الجمر والذي تفيده الادلة النقلية عنهم عليهم السلام ان لهم حالتين حالة الحطب وحالة الجمر على التعاقب من غير فصل ولا استقرار ففي حالة الاعادة هم حطبها وفي حالة الاحالة والاحتراق هم جمرها وقولي من غير فصل ولا استقرار تنبيه على نكتة وهي انهم لو حصل لهم استقرار في الاحتراق آنا ما لادركوا التخفيف ولو حصل لهم استقرار في حال الاعادة لانقطع عنهم التألم آنا ما لان تألمهم انما هو بتقطيع اعضائهم واذابة اوصالهم فلو فقدوا التقطيع والاذابة انقطع عنهم التألم ولو فقدوا الاعادة لاستراحوا في العدم ولكن الاعادة والاحراق والتقطيع تجري عليهم على نحو السيلان والاتصال من غير فصل ولا استقرار وان كانا على التعاقب ومثاله في الشاهد تعاقب الليل والنهار فافهم

وقوله { والجن لهبها } يشير به الى اصل ذلك عنده من جهة ان الجن خلقوا من مارج من نار وهو النار الخالصة من الدخان فكما ان عصاة بني ادم هم جمر النار كذلك عصاة الجن هم لهبها فاما كون عصاة بني ادم جمر النار فيتجه في الاعتبار على نحو ما ذكرنا من ان الجمر ما بقي من الحطب المحترق بالنار وهو هم حال التقطيع والاحالة وهم الحطب حال الاعادة والتبديل وهنا شيء يشكل وهو ان اللهب اقوى اجزاء النار واشد احوالها وهو المحرق لا المحترق فاللهب اقوى من الجمر لان الجمر بقية المحترق والناس في الاحوال النارية اقوى من الجن لان الناس جامعون لمراتب الملائكة والشياطين والجن ولهذا كان الانسان اكمل المخلوقات واشرفها اذا اطاع واخبثها اذا عصي واشرها قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين فالمناسب في التأويل العكس والجواب ان المراد باللهب هنا الناشي المتفرع من الجمر لا اللهب الذي هو اصل النار فان ذلك هو الكامن في الجمر وذلك هو الجنبة اليسري من الانسان واللهب المأول من الجن متفرع من الجمر فلا يكون هذا اللهب الثاني اشد من الجمر بل هو لهب الجمر كما ورد في رد مغالطة ابليس حين قال انا خير منه اي من ادم خلقتني من نار وخلقته من طين بانه كذب ففي تفسير علي ابن ابراهيم عن الصادق عليه السلام كذب ابليس ما خلقه الله الا من طين قال الله عز وجل الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا قد خلقه الله من تلك النار ومن تلك الشجرة والشجرة اصلها من طين ه‍ فالمارج الذي هو اللهب من النار الخالص من الدخان الذي خلق الله منه الجان خلقه الله من الشجر الاخضر وتلك الشجرة التي خلق منها النار التي خلق منها الجان خلقت من الطين فالجمر هو الخازن للنار وللهب فهو الانسان المأجج لها لانها خلقت من غضب الله يعني مادتها وصورتها من عمل الناس العاصين واللهب المذكور خلقت منها مادته وخلقت صورته من عمل الجن فارتفع الاشكال وضعف الاحتمال هذا على فرض صحة الوصفين من ان بني ادم جمرها والجن لهبها كما يدل عليه الاعتبار والتأويل

وقول المصنف { وقوله فكبكبوا فيها هم والغاون وجنود ابليس اجمعون } استشهاد بالايتين على كون الناس والجن وقود النار لا على خصوص كون بني ادم جمرا لها والجن لهبها

وقوله { ومن اعجب ما روي عن النبي صلى الله عليه واله انه كان قاعدا مع اصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال صلى الله عليه واله اتعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله اعلم قال حجر القي من اعلى جهنم منذ سبعين سنة والأن وصل الى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة الخ } اعلم ان المصنف عجب من ظهور وصول اليهودي الى نهايته في المحسوس مع كون الوصول معنى مصدريا معنويا وانما كانت له هدة لسرعة ذلك الهوي بسبب قوة ميل انيته وطبيعته الى معاصي الله الكبائر التي هي ثمرات النار وسخط الجبار بما هي عليه من العذاب وانما كان سريع الهوي لثقل انيته وانما ثقلت انيته لخلوصها في ارادة المعاصي وتبذخه بها وعدم التفات نفسه الى الله والي جهة طاعته فلهذا كان بغفلته وانهماكه في معاصيه حجرا ثقيلا لاجتماع مشاعره في جهات المعاصي واعلم انه روي ما معناه ان النبي صلى الله عليه واله كان يرعي الغنم قبل النبوة فسمع هدة عظيمة وجفلت الغنم ولما نزل عليه جبرءيل عليه السلام بعد النبوة سأله عن تلك الهدة فقال هذه صوت وقع صخرة القيتها في جهنم منذ سبعين سنة والأن وصلت الى قعر جهنم واخبر عليه السلام انه يهودي مات وعمره سبعون سنة والرواية التي ذكرها المصنف انه منافق ويحتمل الاتحاد بالتجوز في احد الوصفين وفي العيون في حديث المعراج انه صلى الله عليه واله قال ثم سمعت صوتا افزعني فقال لي جبرئل (ع) تسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها على شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت قالوا فماضحك رسول الله صلى الله عليه واله حتى قبض ه‍ فهذه ثلاثة احاديث وردت في ثلاثة اوقات متباينة ظاهرا وفي نفس الامر كلها حكاية عن واقعة واحدة سمعها صلى الله عليه واله في وقت واحد قبل البعثة وبعد البعثة وفي ليلة المعراج قبل ان يصل السماء الدنيا فاذا اراد احد ان يعجب فليعجب من هذا لا مما ذكره المصنف وانما العجب من هذا الفعل الربوبي حيث شهد كل شيء مما كان ومما يكون منذ خلق الله القلم الذي هو عقل الكل الى ما لا نهاية له فيما يكون كل شيء في وقته بل وما قبل العقل فان الله سبحانه شرفه صلى الله عليه واله وعرج به الى ملكوته فاشهده خلق السموات والارض وخلق نفسه التي هي قبل العقل بما لا يكاد يتناهى لانه حين كان في مقام قاب قوسين في عروجه اشهده العقل حين خلقه الله وانهي اليه علمه ثم حين كان في مقام او ادنى اي بل ادنى اشهده خلق نفسه وعرفه اياها فهناك عرف ربه وبالجملة اشهده تعالى ليلة المعراج كل شيء في اول وقت كونه الى اخر انتهائه وانهي اليه علمه من جميع ما كان وما يكون مما هو محتوم الكون من الدنيا والاخرة الا انه في جريتين كما اشار صلى الله عليه واله في حديث العيون المذكور في المعراج قال في شأن البراق حين سار عليها ليلة المعراج فلو ان الله تعالى اذن لها لجالت الدنيا والاخرة في جرية واحدة ه‍ فلما لم يأذن لها الا في جريتين جالت الدنيا في جرية والاخرة في جرية فافهم الاشارة واعجب ان كنت تعجب من شيء مما اشرنا اليه في وقوفه صلى الله عليه واله على كون كل شيء وبدئه حين انشأه سبحانه من عالم الغيب والشهادة من جميع ذرات وجودات الممكنات الكائنة والمحتومة مما لم يكن

وقوله { قال تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار } يشير به الى الاستشهاد على ان ذلك المنافق بلغ اسفل قعر النار والحق ان المنافقين الذين بلغوا الدرك الاسفل من النار على جهة الحقيقة ليس كل منافق بل هم منافقون مخصوصون والاية نزلت فيهم وسائر المنافقين دخلوا فيها بالتبع ودركهم اسفل من النار اضافي وليس السبعون السنة غاية اسفل النار اذ اسفلها غير متناه

وقوله { فانظر ما اعجب كلام الله الخ } بيانه كما في دعاء النبي ادريس على محمد واله وعليه السلام يا عجيب فلا تنطق الالسن بكل آلائه وثنائه واما التعجب من حسن تعريف النبي صلى الله عليه واله فكيف لا يكون كذلك واعظم من اثني الله عليه في كتابه في قوله وانك لعلى خلق عظيم وقال وسراجا منيرا

قال : قاعدة في ان اي حقيقة الهية اظهرت الجنة والنار والاشارة الى ابوابهما اعلم ان لكل معنى من المعاني الذاتية حقيقة اصلية ومثالا ومظهرا فالانسان مثلا حقيقة كلية وهو الانسان العقلي مظهر اسم الله وكلمته والروح المنسوبة اليه في وكلمته القيها الى مريم وروح منه ونفخت فيه من روحي ولها امثلة جزئية وافراد شخصية كزيد وعمرو وله ايضا مظاهر كالمشاعر والالواح الذهنية فكذلك للجنة حقيقة كلية هي روح العالم مظهر للاسم الرحمن لقوله تعالى يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا
اقول يريد ان لكل شيء حقيقة ومظهرا ومثالا فالحقيقة يطلق على ما به الشيء هو وعلى معناه العقلي اعني حقيقته في مرتبة العقول لا المعنى التعقلي الانتزاعي وعلى حقيقة الشيء من ربه وهو المسمى بالوجود عند الحكماء والعارفين وبالنور وبالفؤاد في اخبار الائمة عليهم السلام والظاهر انه يريد بهذه الحقيقة حقيقته العقلية لا التعقلية ولهذا قال وهو الانسان العقلي والمظهر معناه عند كثير ان الظاهر اشرق عليه والحق ان المظهر هو ما يظهر به الظاهر فمعني حقيقة الانسان هي مظهر اسم الله ان اسم الله الذي هو اثر فعل الله وتأكيده ظهر بتلك الحقيقة اي اشرق نورا هو تلك الحقيقة وان اراد بتلك الحقيقة الحقيقة الاولى اعني النور المحمدي صلى الله عليه واله فمعني كونه مظهرا لاسم الله انه اثر فعل الله وتأكيده ويراد بالاسم الفعل فان قلت كيف يكون نوره صلى الله عليه واله خير خلق الله وهو اثر فعله والفعل من الخلق والمؤثر افضل من الاثر قلت ان مادة النور الذي نور الانوار صلى الله عليه واله اخترعها الله بفعله لا من فعله وصوره بصورة فعله كما انك اذا كتبت كلمة فمادتها من المداد الذي عملته بفعلك لا من فعلك وفعلك انما احدثته بنفسه لاجل ايجاد الكلمة وايجاد مادتها فهي علة غائية لفعلك وان صدرت بفعلك وكونها متوقفة على فعلك لا يستلزم افضليته عليها وكذلك تصويرها بصورة فعلك لانك صورت الفعل لغاية ما ينبغي لتصوير مفعولك لان الفعل انما هو لاجل المفعول ففي الحقيقة وان كانت علة ايجاده نفسه فهو في نفس الامر مقصود لغيره ولذا ورد في الحديث كما في تفسير العياشي عن محمد بن عذافر الصيرفي عمن اخبره عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى خلق روح القدس ولم يخلق خلقا اقرب اليه منها وليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امرا القاه اليها فالقاه الى النجوم فجرت به ه‍ يعني ان روح القدس اقرب خلق الله اليه من جهة الوحي لانها كالالة وفي خلق الله من هو اكرم على الله منها كمحمد واله صلى الله عليه واله فعلى رأي المصنف كما ذكره في المشاعر ان المراد بروح القدس فعل الله فيتجه على تفسيره ما وجهناه وعلى رأينا ان المراد بروح القدس الملك الذي هو من امر الله اعني عقل الكل او جبرءيل فيكون هذا الحديث شاهدا لما وجهناه من افضلية المفعول على الفعل وان كان الفعل اقرب لكونه مقصودا بالعرض والمفعول بالذات والظاهر ان المراد بالنجوم في هذا الحديث الائمة عليهم السلام وسيدهم جدهم صلى الله عليه واله يعني ان الله يأمر الملك ان يلقي اليه صلى الله عليه واله ما شاء من امره ويأمره عن الله تعالى ان يلقي ذلك الى اهل بيته عليهم السلام لانهم الحفظة والمراد من اسم الله اسم فعله لان ذاته مقدسة لا تسمي ولا فائدة في التسمية لانه تعالى لا يشتبه على نفسه فلا يحتاج الى ان يميز نفسه بعلامة ولا يدركه ما سواه ليسمي له نفسه وانما سائر اسمائه لتمييز جهات افعاله وهيئات مفعولاته كالحي لتمييز الاحياء من سائر افعاله والحيوة من سائر مفعولاته والقيوم لتمييز الاقامة من سائر افعاله والمتقوم من سائر مفعولاته وكذلك كلمته التي هي مشيته وابداعه ومعنى كون الانسان مظهرا لها مثل ما تقدم ومعنى كونها كلمته انها مفهمة لمطلوبه عز وجل اذ معنى الكلام ذلك والمراد من الروح المنسوبة اليه في الأية الروح التي خلقها وقدسها من الرذائل وطهرها من الارجاس ونسبها اليه تعالى تشريفا لها فقال ونفخت فيه اي في ادم وعيسى وغيرهما من روحي وهي المسماة بروح القدس وبروح من امره وهي عندنا روحان روح من امر الله ونعني به عقل الكل ونعني بامر الله النور الذي نور الانوار صلى الله عليه واله ان اريد ان تقوم الروح بالامر تقوما ركنيا وان اريد ما تقوم به تقوم صدور فالامر فعل الله وروح القدس وهو النور الاصفر الثاني من اركان العرش اعني روح الكل فمعني كون الانسان مظهرا كونه اشراقا وكونه مشتقا ومعنى كونه في رتبة التشخص مثالا انه كان صورة ومركبا للانسان العقلي كما قال علي عليه السلام في بيان معرفته بالنورانية لسلمن وابي‌ذر الى ان قال عليه السلام وانا تكلمت على لسان عيسى ابن مريم في المهد وانا آدم وانا نوح وانا ابراهيم وانا موسى وانا عيسى وانا محمد انتقل في الصور كيف اشاء من رءاني فقد رءاهم ومن رءاهم فقد رءاني ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس وقالوا هو لا يزول ولا يتغير وانا عبد من عباد الله الحديث يعني انهم امثاله ظهر فيهم كل واحد من الانبياء ظهر فيه بوجه قال تعالى ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون اي مثلا لعلي بن ابي طالب عليه السلام وفي الكافي عن ابي ‌بصير قال بينا رسول الله صلى الله عليه واله ذات يوم جالس اذ اقبل امير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه واله ان فيك شبها من عيسى بن مريم ولولا ان تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيه قولا لا تمر بملأ من الناس الا اخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الاعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم فقالوا ما رضي ان يضرب لابن عمه مثلا الا عيسى بن مريم فانزل الله تعالى على نبيه ولما ضرب ابن مريم مثلا الى قوله لجعلنا منكم يعني من بني هاشم ملائكة في الارض يخلفون الحديث فعيسى هو مثل علي عليه السلام كما قال تعالى ان هو اي عيسى الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل لا كما توهمه من فهم العكس من قوله صلى الله عليه واله ان فيك شبها من عيسى بن مريم والحاصل المثال للانسان الحقيقي هو الانسان الظاهري المحسوس وهو قول المصنف ولها امثلة جزئية اي لتلك الحقيقة وافراد شخصية كزيد وعمرو لكن هنا شيء يجب التنبيه عليه وهو ان الشيء الجزئي كزيد وعمرو وهو الانسان المحسوس له حقيقة جزئية عقلية ذاتية غير التعقلية وتلك الحقيقة الجزئية لزيد غير الحقيقة الجزئية التي لعمرو متميزة منها بمشخصات عقلية وجودية كالحصة المأخوذة من الخشب للسرير والحصة الاخرى للباب واما قبل الاخذ فليس ثم حصة من الخشب للسرير والباب وانما الموجود الخشب الصالح لكل شيء والحقيقة الكلية لا يكون مثالها جزئيا لان الجزئي مثال للحقيقة الجزئية او لوجه من وجوه الكلية فان زيدا الجزئي حقيقته جزئية لا كلية لان حقيقته حصة من الكلية متميزة عن غيرها من الحصص واما قوله تعالى كان الناس امة واحدة فانهم متمايزون فيما بينهم وانما الاتحاد قبل بعث النبيين في جهات التكليف وقبول موجبات السعادة والشقاوة في الخلق الثاني

وقوله { وله ايضا مظاهر كالمشاعر والالواح الذهنية } يعني للانسان الجامع للانسان العقلي والحسي مظاهر كالمشاعر التي يشعر بها اقول والحق ان المشاعر منها ذاتية وهي حقائق مراتبها ومنها مظاهر لتلك الحقائق فاعلى المشاعر الفؤاد وهو الوجود والنور الذي خلق منه الانسان اعني مادته الاولى وذلك حقيقة الانسان في البدء والذكر الاول وهو مدرك المعرفة ومظهره ادراك الشيء بلا كيف ولا اشارة واوسط المشاعر القلب وهو العقل الجوهري وهو حقيقة معنى الانسان وهو مدرك المعاني ومظهره تعقل المعاني المجردة عن المدة الزمانية والمادة العنصرية والصورة الجوهرية والمثالية واخر المشاعر النفس والخيال وهو مدرك الصور ومظهره تخيل الصور الجزئية المجردة عن المدة الزمانية والمادة العنصرية فالمظاهر ادراكات المشاعر لا نفس المشاعر كما توهمه

وقوله { فكذلك للجنة حقيقة كلية هي روح العالم } اقول اما استدلاله بالانسان فحق لانه الاية التي جعلها عز وجل دليلا على ما يريد معرفته كما قال سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم واما تحصيل الدليل منه فموقوف على التوفيق الالهي واقول ان حقيقة الجنة هي الولاية والحقيقة المحمدية وهي متعلق المشية والاسم الرحمن من المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان ظهر بها فهي روح العالم وحقيقته فهي احد معاني العرش واستدلاله بقوله تعالى يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا لم يقع على نفس الحقيقة وانما وقع على مستوى الرحمن الذي احد افراده الحقيقة واحد افراده جنان الصاقورة واحد افراده التي ارضها الكرسي وسقفها عرش الرحمن واحد افراده السموات السبع واحد افراده ما فوق الارض وتحت السماء لان الحظائر من الجنان بين الارض والسماء يحشر اليها المؤمنون من الجن واولاد الزنا من المؤمنين المطيعون والمجانين الذين لم يعقلوا في دار التكليف وليس لهم اقارب من اهل الشفاعة وهم محشورون الى الرحمن واهل الجنان السبع في السموات السبع يحشرون الى الرحمن واهل جنة عدن التي ارضها الكرسي وسقفها عرش الرحمن يحشرون الى الرحمن واصحاب اليقين اصحاب جنان الصاقورة يحشرون الى الرحمن واولوا الحب والمعرفة يحشرون الى الرحمن وهم الذين قال تعالى في شأنهم في حديث الاسرار : يا احمد ان في الجنة قصرا من لؤلؤة فوق لؤلؤة ودرة فوق درة ليس فيها قصم ولا وصل فيها الخواص انظر اليهم في كل يوم سبعين مرة واكلمهم كلما نظرت اليهم ازداد ملكهم سبعين ضعفا واذا تلذذ اهل الجنة بالطعام والشراب تلذذوا اولئك بذكري وبكلامي وحديثي ه‍ فاذا اراد المصنف بقوله روح العالم ذات العالم وكنهه فصحيح فان اصل الجنة كنه العالم لان اصل العالم وكنهه الرحمة والرحمة كنه الجنة والرحمن هو الظاهر بالرحمة فتصدق الاية على كل مرتبة من مراتب الجنة كما مثلنا وان اراد بقوله روح العالم الروح المتعارف اعني المتوسط بين العقل والنفس فلا يصدق الا على الجنة التي ارضها الكرسي وسقفها عرش الرحمن لا على ما فوقها فلاحظ ما ذكرنا

وقوله { ولها مثال كلي } اذا اريد بالمثال الجنة التي سقفها عرش الرحمن وارضها محدب الكرسي واراد بها جنة عدن فحسن والا فالمثال في غير جنة عدن الجنان السبع التي في السموات السبع

قال : ولها مثال كلي هو العرش الاعظم مستوى الرحمن وصورته كما ورد ارض الجنة الكرسي وسقفها عرش الرحمن وامثلة جزئية كقلوب اهل الايمان كما ورد قلب المؤمن عرش الله قلب المؤمن بيت الله ولها مشاهد ومظاهر كلية وجزئية هي طبقات الجنة وابوابها
اقول الصواب ان يقال ان المثال الكلي هو الجنان المحسوسة لان المحسوسات امثال المجردات وصورها نعم ان كان يريد بالمثال الدليل اي بان المثال الكلي هو العرش الاعظم فقوله صحيح هنا وغير صحيح في قوله قبل ولها امثلة جزئية وافراد شخصية كزيد وعمرو فانه جعل زيدا وعمرا والذي هو الانسان المحسوس مثالا للانسان العقلي يعني انه ظاهر له لا انه دليل عليه واذا اراد هنا بالمثال الظاهر لم يصح لان العرش ليس هو ظاهر الجنة الكلي ولا قلب المؤمن ظاهر الجنة كما ان زيدا ظاهر الانسان العقلي نعم العرش الاعظم الذي هو ذو الاركان الاربعة النور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة والنور الاصفر الذي اصفرت منه الصفرة والنور الاخضر الذي اخضرت منه الخضرة والنور الابيض الذي منه البياض او ابيض البياض على الروايتين ومنه ضوء النهار وهي الملائكة الاربعة العالين الذين لم يسجدوا لادم عليه السلام والعرش الباطن الكلي الذي اشار اليه تعالى في الحديث القدسي في قوله ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فانه يتقلب معي وفي وبي ه‍ وهو قلب محمد وقلوب اهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله اجمعين والعرش الباطن الجزئي وهو قلوب من سواهم من المؤمنين هي كلها امثال للجنان بمعنى الادلة كليها لكليها وجزئيها لجزئيها

وقوله

وقوله { ولها مشاهد ومظاهر الخ } يريد به ان ما فيك مثلا من الحواس الظاهرة الخمس والخيال والنفس او الحواس الخمس والنفس والجسد على الاحتمالين هي ابواب الجنة السبعة اذا استعملتها فيما خلقت لاجله والعقل هو الباب الثامن المسمى بجنة عدن والظاهر من هذا انها طرق لتلك الابواب وان الاعمال الطيبة الصادرة عن هذه المشاهد الثمانية صور لما في ابواب الجنان الثمانية من النعيم والثواب الدائم المقيم ولعل المصنف انما رأى ان هذه المشاعر هي ابواب جهنم وطبقاتها لانه يرى ان الجنة وما فيها من النعيم والقصور والحور والولدان من نوع النيات والاعتقادات كما تقدم من كلامه وقد بينا هناك بطلانه

قال : وكذلك النار لها حقيقة كلية هي البعد من رحمة الله صورة غضبه ومظهر اسم الجبار والمنتقم ولها مثال كلي هي نار جهنم ولها مظاهر كلية وجزئية هي طبقات جهنم وابوابها وطبقاتها سبعة تحت الكرسي وفيه اصول السدرة ومنها منبت شجرة الزقوم طعام الاثيم طلعها كأنه رؤس الشياطين وهناك تنتهي اعمال الفجار والمنافقين وهي محيطة بالكافرين وكذا سرادقها ولها امثلة جزئية هي اهوية النفوس بل النفوس الهاوية المظلمة والصدور الضيقة الحرجة
اقول للنار حقيقة كلية ولا شك ان كل شيء فله حقيقة كلية او هو حقيقة كلية وليس المراد في المذهب الحق بالكلية المعنى المصطلح عليه فان المعنى المصطلح معنى ذهني ظلي صوري منتزع من الخارجي الموجود في افراده لانه في الحقيقة منتزع من القدر المشترك بين الافراد مع قطع النظر عن مشخصاتها كالخشب المشترك في السرير والباب والكلي المراد هنا على المذهب الحق هو الذات الجامعة الظاهرة باشراقاتها المتمايزة بالمشخصات بل هو ظهور تلك الذات الجامعة بتلك الاشراقات المتمايزة اذ المراد بذلك الظهور تلك الاشراقات نفسها فانا اذا قلنا العقل الكلي فافراده العقول الجزئية وليست اجزاء من ذاته ولا ان كل واحد من تلك الجزئية نفس عقل الكل تنقل فيها على جهة البدلية او تجزأ فيها بل هو واحد بسيط ليس فيه كثرة وانما الجزئية اشراقاته وتأييداته تكثرت بمشخصاتها

وقوله { هي البعد من رحمة الله صورة غضبه } ظاهره ان حقيقة النار اي النار المعنوية العقلية هي البعد من رحمة الله والحق ان حقيقة الجنة الرحمة وحقيقة النار الغضب وقوله صورة غضبه صحيح واما البعد فهو من لوازم الغضب وكما ان الجنة باعتبار كون ما فيها من الامور المحبوبة المطلوبة صورة الرحمة وظاهرها ولازمها كذلك النار باعتبار كون ما فيها من الامور المكروهة المنافية هي صورة الغضب وظاهره ولازمه ومظهر اسم الجبار والجبار يطلق على الله تعالى باعتبار معنى القهر والسطوة ويطلق على الله تعالى باعتبار كونه جابرا للكسر والمراد هنا المعنى الاول واضافة اسم اليه بيانية لان الغضب اثر الاسم ذي السطوة والقهر والانتقام وهذه من فعله بداعي العدل الذي هو جزء الرحمة الواسعة وقسيم الرحمة المكتوبة

وقوله { ولها مثال كلي } يعني ان لها ظاهرا كليا بمعنى ما تقدم من الكلي اي شاملا واسعا وهو نار جهنم والمراد بجهنم هنا مطلق النار الجامعة للابواب السبعة لا خصوص الباب السابع الاسفل كما مر تفصيلها ولها مظاهر كلية اي ايات كلية هي طبيعة الجهل الكلي المسماة بالطمطام ونفسه المسماة بالثرى وروحه المسماة بما تحت الثرى وهي مشاعر ائمة المنافقين وصاحب راياتهم الذي فيه شركاء متشاكسون تدعيه اهل النحل والملل المنحرفة عن الحق فالنصارى تدعي امامته واليهود تدعي امامته والصابئة والمجوس والدهرية والثنوية والمانوية والمزدكية وكل طائفة غير المؤمنين الاثني ‌عشريين يدعون انه امامهم فظاهر مشاعرهم ايات النار وافئدتهم مظاهر غضب الجبار المؤججة للنار في جميع الاطوار في الادوار والاكوار ولها مظاهر جزئية وكلية اضافية هي طبقات جهنم وابوابها ولهذه الطبقات امثلة جزئية ومظاهر هي ايات وظواهر فالايات اهوية النفوس المعبودة من دون الله والظواهر هي النفوس الهاوية المظلمة العابدة والصدور المضيقة الحرجة التي كأنها تصعد في السماء لشدة غليانها بلهب اعمالها الباطلة واعتقاداتها الفاسدة

وقوله { وطبقاتها سبعة تحت الكرسي } غلط على ظاهر مراده لانه يريد بالكرسي الذي هو ارض جنة عدن والذي تحت هذا الجنات السبع جنة دار المقامة وجنة الخلد وجنة المأوى وجنة دار السلام وجنة النعيم وجنة العالية وجنة الفردوس ولو اراد كرسي الباطل الذي هو الثور الحامل للعرش صح كلامه بل لو اريد مطلق التحتية صح في الجملة لان النيران السبع تحت الارضين السبع كما ان الجنان السبع فوق السموات السبع وحقائق النيران السبع تحت الثور وهو تحت الحوت وتحت البحر وتحت الريح العقيم ومنشأوها من الطمطام والثرى وما تحت الثرى والجهل الكلي ومأخذ هذا الترتيب ان كتاب الابرار وهو في عليين وهو نفس الكرسي والكرسي ارضه مقابل لكتاب الفجار وهو في سجين وهو الصخرة التي ذكرها الله حكاية عن لقمان وهي التي تحمل الملك الحامل للارض وهي طينة خبال وفي نهاية ابن‌ الاثير وفيه من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيمة وجاء تفسيره في الحديث ان الخبال عصارة اهل النار والخبال في الاصل الفساد انتهى وفي مجمع البحرين يعني طينة خبال قال وفسرت بصديد اهل النار وما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في قدر جهنم فيشربه اهل النار انتهى

وقوله { وفيه اصول السدرة } اي في الكرسي اما كون الكرسي قد يستعمل للكرسي الاسفل المعبر عنه بالثور فلا محذور في الاستعمال واما ان فيه اصول السدر فان كان على معنى انه ارض الجنة وفيها سدر مخضود اي لا شوك فيه فظاهر واما ان اصول السدر هو شجرة الزقوم فشيء لم اعرفه ولم اقف فيه على خبر ولاسمعته من احد ولا وقفت عليه في كتاب الا هنا وفي كتابه الاسفار ايضا قال فيه والكرسي موضع القدمين يفترقان بعده قدم الجبار وهي لاهل النار وقدم صدق عند ربك وهي لاهل الجنة وفيه اصول السدر التي هي شجرة الزقوم طعام الاثيم وهناك تنتهي اعمال الفجار والمنافقين انتهى ولا ادري هل كان هذا شيئا عند اهل التصوف ام لا لاني قليل التفتيش في كتبهم مع انه ليس عندي منها شيء فربما هو مذكور في رواياتهم او في اختراعاتهم ويحتمل انهم ارادوا به الرمز بمعنى ان سدرة المنتهى شجرة في الجنة كل احد له فيها ورقة هي وجهه الذي يبقى واصله الذي منه يستمد النور وتكون اصولها التي هي عبارة في الشاهد عن العروق كناية عن اسفلها المعبر به عن عكسها الذي هو الشجرة المجتثة وعلى ما هو من هذا النوع يمتنع التصريح به لان ظاهره يعارض مثل هذا التأويل وبالجملة هذا شيء لا اعرفه

وقوله { ومنها منبت شجرة الزقوم طعام الاثيم } وهي شجرة مرة كريهة الطعم والرائحة وعن ابن عباس لما نزلت هذه الاية قال ابوجهل ان محمدا يخوفنا شجرة الزقوم هاتوا الزبد والتمر وتزقموا اي كلوا وفي النهاية وقيل اكل الزبد والتمر بلغة افريقية الزقوم ه‍ وقال ابن‌الزبعري الزقوم بكلام البربر التمر والزبد وفي رواية بلغة اليمن طعام الاثيم الثابت الاثم ومنبت شجرة الزقوم في الجحيم كما قال تعالى انها شجرة تخرج في اصل الجحيم والجحيم اعلى النيران والظاهر عندي وهو ما استفدته من اثارهم عليهم السلام ان شجرة الزقوم في طرف اسفل سافلين في مقابلة شجرة المزن التي هي في عليين وفي الكافي باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان في الجنة لشجرة تسمى المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا تمرة اكلها مؤمن او كافر الا اخرج الله تعالى من صلبه مؤمنا ه‍ لان قوله عليه السلام ان في الجنة لشجرة ان اريد بالجنة عليين كان مقابلها سجين وهي الصخرة التي على قرن الثور او على سنامه على اختلاف الروايتين وان اريد غير عليين كان ما يقابلها فوق الصخرة لان مقابل الاعلى اسفل ومقابل الاسفل اعلى وشجرة الزقوم لا تكون اسفل من سجين وهي على العكس من شجرة المزن اذ منها تصعد ابخرة وتصيب البقول والتمر فمن اكل ما اصابه منها قطرة خرج من صلبه كافر وسدرة المنتهى مقابلة لها في طرف عليين فان اريد من شجرة المزن سدرة المنتهى كما يفهم من بعض الاخبار لم يكن اصلها سجين لان سجين تخرج في اصل الجحيم والسدرة في عليين اي اعلى الجنان او في سائرها فلا تكون منها لما بينهما من التباين وان اريد غيرها فالسدرة فوق شجرة المزن اذ ليس وراءها نهاية وفي العلل عن الباقر عليه السلام الى ان قال انما سميت سدرة المنتهى لان اعمال اهل الارض تصعد بها الملائكة الحفظة الى محل السدرة والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما ترفع اليهم الملائكة من اعمال العباد في الارض قال فينتهون بها الى محل السدرة الحديث وهذا الحديث مما يدل على اتحاد محل السدرة مع عليين كتاب الابرار وبالجملة لم اجد لكلامه من كون اصل السدرة شجرة الزقوم محملا يليق الا ذلك الاحتمال المرجوح

وقوله { طلعها كأنه رؤس الشياطين } يعني حمل تلك الشجرة كأنه رؤس الشياطين كناية عن تناهيه في الكراهة وقبح المنظر لما في النفوس من استكراه الشيطان واستقباحه لما في الطباع من ان الشيطان شر محض فيشبهون كل مكروه في طباعهم وكل قبيح برأس الشيطان كما كانوا يشبهون كل حسن جميل بالملك كما قال تعالى ان هذا الا ملك كريم لما في طباعهم ونفوسهم من ان الملك خير محض لا كراهة في شيء منه اصلا وهذا تشبيه تخييلي وقيل ان التشبيه على حقيقته فان الشيطان حية عرفاء لها صورة قبيحة المنظر هائلة شديدة الكراهة والوحشة وقيل ان شجرا اسمه الاستن حشفا منتنا مرا منكر الصورة يسمى ثمره رؤس الشياطين والعرب سموا هذا الثمر برؤس الشياطين لما فيه من الصفات المكروهة من جهة تخيلهم لشدة القبح والكراهة في الشياطين ثم بعد استقرار التسمية كان عندهم اصلا يشبهون به كل مستقبح وانت اذا لاحظت ما ذكرناه مرارا من ان جماعة من العلماء العارفين صرحوا بان المشبه عين المشبه به في القرءان وفي الاحاديث المروية عنهم عليهم السلام باللفظ ظهر لك من ذلك تفسير باطن التأويل بان طلع شجرة الزقوم وثمرها رؤس الشياطين الذين هم شياطين الانس وائمة الضلال الداعون الى النار في جميع الاحوال فافهم

وقوله { وهناك تنتهي اعمال الفجار } يعني به ان اعمال الفجار ينتهي الى منبت شجرة الزقوم الذي هو سجين كتاب الفجار كما تنتهي اعمال الابرار الى منبت شجرة المزن اعني سدرة المنتهى على الظاهر من كثير من اخبارهم عليهم السلام الذي هو عليون كتاب الابرار اذ ليس وراء ذلك في المقامين الا مبادي الاعمال ودواعيها فانها في الاعمال الصالحة في الافئدة ثم في القلوب ثم في النفوس وفي الاعمال الطالحة القبيحة فانها في الانية الاولى الكلية ثم في الجهل الكلي ثم في النفوس الامارة بالسوء فانها في الاولى مقومة منعمة وفي الاخرى مفرقة مؤلمة

وقوله { وهي محيطة بالكافرين } اي النار بجميع ابوابها او جهنم على جهة العموم اقتباس من الاية فانها كما اشار اليه الكتاب وصرحوا عليهم السلام به من ان النار موجودة في الدنيا في اهلها ويوم القيمة اهلها فيها ولما طلب السائل من الامام زين ‌العابدين عليه السلام بيان ذلك من القرءان اجاب عليه السلام بما معناه انه موجود في نحو ثلاثين آية منها قوله تعالى يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين يعني في الدنيا وقوله تعالى يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين يعني الأن وقوله تعالى لو تعلمن علم اليقين لترون الجحيم وامثال ذلك كثير حتى ان السائل قال له عليه السلام لم لا يتألمون اذا قال عليه السلام انهم اموات ولو كانوا احياء لتألموا ومعنى كونها فيهم ان مظاهرها اي محال ظهورها صور اعمالهم ومنشأوها مضمرات اعتقادهم وكذا سرادقها والسرادق كل ما احاط بشيء من حائط او مضرب او خباء يعني ان سرادقها محيط بالكافرين وقيل السرادق ما يحيط بالخيمة وله باب يدخل منه الى الخيمة وقيل هو ما يمد فوق البيت وسرادق النار بالمعاني الثلاثة نعوذ بالله من النار

قال : وابوابها سبعة لقوله تعالى لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم وهي عين ابواب الجنة لاهلها فانها على شكل الباب الذي اذا فتح على موضع انسد به موضع اخر فعين غلق هذه الابواب على الجنة فتحها الى النار الا باب القلب فانه ابدا مطبوع على النار لا يفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط لان صراط الله كما مر ادق من الشعر فيحتاج من يسلكه الى كمال الدقة واللطافة فاني يتيسر سلوكه للحمقاء الجاهلين سيما مع العناد والاستكبار فابواب النار سبعة وابواب الجنة ثمانية
اقول للنار سبعة ابواب فيحتمل ان المراد بالابواب طبقاتها واصنافها ويحتمل ان يكون المراد بالابواب سبعة لكل طبقة منها والاحتمالان جاريان حتى في الاية في قوله تعالى لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزؤ مقسوم وان كان الظاهر من الاية وكلام المفسرين الاحتمال الاول

وقوله { جزؤ مقسوم } يعني ان المعذبين تختلف مراتبهم في اعمالهم بحسب اختلاف ذواتهم فان كل جزئ خلق من طبقة يعود اليها لا الى غيرها فمن خلقت طبيعته وصورته من الجحيم لا يعود الى لظي التي هي تحتها ومن خلقت طبيعته وصورته من لظي لا يعود الى سقر التي هي تحتها ولا الى الجحيم التي هي فوقها ومن خلقت طبيعته وصورته من سقر لا يعود الى الحطمة ولا الى لظي ومن كانت من الحطمة لا يعود الى الهاوية ولا الى سقر ومن كان من الهاوية لا يعود الى السعير ولا الى الحطمة ومن كان من السعير لا يعود الى جهنم ولا الى الهاوية ومن كان من جهنم لا يعود الى غيرها فلكل نار منهم قوم هم اولى بها وهي اولى بهم

وقوله { وهي عين ابواب الجنة لاهلها } يريد ان ابواب النار السبعة مظاهرها في الانسان حواسه الخمس اللمس والشم والذوق والسمع والبصر والخيال والوهم وقيل الحواس الخمس والجسد والنفس اذا استعملها في غير ما خلقت لاجله بل استعملها فيما نهى عن استعمالها فيه كانت ابواب النار السبعة لكل باب منها جزء من اعماله القبيحة خرجت منه وتدخل فيه او منه كما انها ابواب مشاعر ذلك المكلف واذا استعملها فيما خلقت لاجله ومنعها من غير ما لم تخلق لاجله كانت ابواب الجنة السبع لكل واحد منها جزؤ من اعماله الصالحة خرجت منه وتدخل منه بمعنى ان هذه السبعة طرق لتلك الدركات وهذه الدرجات واما الجنة الثامنة جنة عدن فبابها وطريقها العقل وهو لا يصلح لاستعمال الاعمال السيئة فلهذا كانت الجنان ثمان والنيران سبع واصل ذلك ان الانسان خلق انموذجا من العالم كله كما نقل عن امير المؤمنين عليه السلام في قوله :

اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

فكل ما يوجد في العالم الكبير يوجد نظيره في العالم الصغير الذي هو الانسان والذي في الانسان الصغير اياته وامثاله ونظائره التي يستدل عليه بها لا ان تلك السبعة الاعضاء هي حقائق ابواب الجنان وابواب النيران كما اعترف به في الاسفار في الجواب فقال : قلنا السمع والبصر وغيرهما التي لاهل السعادة والهدى مباينة بالحقيقة والنوع عندنا للتي لاهل الشقاوة والهوى وان وقع الاشتراك بينهما في اصل الاحساس والشعور انتهى نعم هي ادلة ذلك وطريق تلك المسالك

وقوله { فانها على شكل الباب } ليس على اطلاقه لان كونها على شكل باب واحد بين مدخلين انما يجري في الافئدة وضدها اذ لا سهو ولا فتور بينهما بل كما ذكر اذا فتح على موضع انسد به موضع اخر وذلك اذا كان باب الخشب بين مدخلين فانه اذا فتح باب مدخل سد بابه المفتوح المدخل الاخر وبالعكس بخلاف مداخل القلوب والنفوس والخيال والحواس فانه قد يغلق على مدخل لا ينفتح به المدخل الاخر لوقوع الغفلات والفترات والسهوات الا ان الفؤاد بل القلب ليس له وجه الى الباطل فلا يؤدي الى النار فلذا لم تكن النيران اكثر من سبع وكانت الجنان ثماني وحيث جاز وقوع الغفلات والفترات دل على انهما بابان متشابهان باب للجنة وباب غيره للنار فلا يصح جعل ابواب النيران بعينها ابواب الجنان بل هما متغايران وان اتحدت في الظاهر آلات الاستعمال لان الالة لم تخلق للنار وانما خلقت للجنة الا انها صالحة للاستعمال في التوصل الى النار فهي في الحقيقة للجنان اولا وبالذات وللنيران ثانيا وبالعرض ولاجل هذه النكتة كان المكلف اذا نوي خيرا كتبت له حسنة وان فعله كتبت عشرا واذا نوي شرا لم يكتب عليه شيء واذا فعله انتظر سبع ساعات بعدد الالات الصالحة فان تاب لم يكتب عليه شيء والا كتبت عليه سيئة واحدة والسر فيه ان الحسنة اذا برزت من العقل بالنية الصالحة كتبت واحدة لانها برزت مما خلق لها فهي متأصلة فيه فاذا عملها مرت على النفس والتعقل والعلم والوهم والوجود والخيال والفكر والحيوة والجسد فكتبت عشرا لانها مرت على عشر مراتب متأصلة فيها بخلاف السيئة فانها اذا برزت نيتها برزت من النفس التي لم تخلق لها فليست متأصلة بل هي عارضة فاذا عملها مرت على العلم والوهم والخيال والفكر والحيوة والجسد فلها سبع مراتب هي عارضة عليها النفس وهذه الستة فاذا عملها انتظرت سبع ساعات بعدد هذه المراتب فان تاب محيت لعدم استقرارها والا كتبت هذه السبعة الاعراض واحدة وليس الا لما قلنا والله سبحانه اعلم باسرار خليقته فابواب طرق الجنة ذاتية وابواب طرق النار عرضية فليس هي اياها فافهم

وقوله { الا باب القلب فانه مطبوع على اهل النار } يعني ان تلك الاعضاء السبعة لاهل الجنة وقد تفتح لاهل النار الا باب القلب فانه مطبوع باعمالهم على قلوبهم فلا يفتح لهم ابدا لانه لا يصلح لاعمال الشر وانما هو مفتوح لاعمال الخير ولذا قال تعالى في حق اهل النار لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط والسماء يطلق في التفسير الباطن كما روي عنهم عليهم السلام ويراد به رسول الله صلى الله عليه واله وهو يكنى به عن العقل كما قال تعالى وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا اي عقلا ولاجل هذا الطبع كانت الجنان ثماني والنيران سبعا لعدم فتح باب العقل عليهم

وقوله { لان صراط الله ادق من الشعر الخ } يشير به الى ان ما اشرنا اليه من كون الابواب في الجنة والنار واحدة وكون الجنة ثماني لان باب القلب مفتوح عليهم وكون ابواب النار سبعة لان باب القلب مطبوع عليهم مغلق عليهم فلم يكن بابا للنار هو صراط الله والصراط ورد في المتواتر المجمع عليه انه ادق من الشعر فيمور باقدام السائرين عليه واحد من السيف فيشق اقدام السائرين عليه فكني بكونه ادق من الشعر انه يضطرب لا يثبت عليه الا قدم من ثبته الله بالقول الثابت وكشف غطاء بصيرته وبكونه احد من السيف انه يشق قدم من سار عليه عن كونه يفرق قلبه ويقسمه حتى يسقط منه وذلك لان دقائق المعارف واسرار العلوم هي صراط الله في الدنيا فاذا كان يوم القيمة عرف ان هذا الجسر الممدود على جهنم طريقا الى الجنة هو ذلك الذي كان في دار الدنيا من اسرار علوم الاعتقادات والمعارف فمن ثبت عليه في الدنيا ومر عليه ثبت عليه في الاخرة ومر عليه قال فاذا كان ذلك كذلك في كمال الدقة واللطافة حتى ورد في بعض الاخبار ما معناه ان في الصراط لعقبات كؤدا لا يقطعها بسهولة الا محمد واهل بيته صلى الله عليه واله فانى يتيسر سلوكه للحمقاء الجاهلين سيما اهل العناد والاستكبار وهو يعرض بعلماء الظاهر ومعلوم ان كلامه هذا صادق على كثير منهم واما ارادة كلهم فغلط ظاهر لا يخفى اذ ليس كل من لم ‌يعرف الاسرار ويتعمق في المطالب الدقيقة الخفية هالكا كما ان ليس كل من دقق وتعمق ناجيا فان المصنف ممن تضرب به الامثال في التعمق ودقة النظر والاستفراغ للوسع وانظر كيف حال معرفته فاذا اردت ان تعرف معرفته واعتقاده فانظر الى شرحنا على كتابه المشاعر والي شرحنا هذا على العرشية وما نبهنا عليه فيهما من فساد اكثر معتقداته وبطلان اكثر قواعده واستدلالاته والعلة في ذلك انه سلك في جميع مطالبه مسلك الحكماء وشطحات الصوفية ولم ‌يقتصر على ما دلوا عليه ائمة الهدى عليهم السلام وقد قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقال عليه السلام ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه‍ فلاجل ذلك اخطأ مع بالغ تحقيقه وشدة تدقيقه

قال : قاعدة في الاشارة الى عدد الزبانية قال تعالى عليها تسعة ‌عشر وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا الايات اعلم انه قد انكشف لارباب البصائر النورية ان هذا القالب البشري بحسب مشاعره وابوابه وروازنه يشبه الجحيم وابوابها وانكشف بالبصيرة انه جلس على ابواب هذا البيت الذي هو مثال الجحيم تسعة‌ عشر نوعا من الزبانية وهي الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة وقوة الشهوة والغضب والقوى السبع النباتية وكل منها يجر القلب عن اوج القدس الى حضيض عالم السفل
اقول الزبانية هم ملائكة النار واحدهم زبني مأخوذ من الزبن وهو الدفع لانهم يدفعون اهل النار فيها والزبانية في اللغة الشرطة وهم تسعة عشر والدليل على سر خصوص هذا العدد مستنبط من قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وقال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا ه‍ وحيث ثبت ان الانسان هو العالم الصغير وكل ما في العالم الكبير فهو موجود في العالم الصغير لانه انموذج له ودليل بما حضر ووجد فيه على ما غاب من العالم الكبير كما قال :

اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

فاذا اردنا ان نعرف شيئا مما غاب عن حواسنا من العالم الكبير نظرنا نظيره فينا الذي هو دليله فاذا اردنا ان نعرف الزبانية وعددهم طلبنا نظيره فينا وطلبنا ظاهره في العالم الكبير وجدنا ان مدار التدبير في نظام العالم على اثني ‌عشر برجا وعلى سبعة نجوم سيارة اودع سبحانه فيها اسرار التدبير واحكام التقدير في العالم كما دل عليه الحديث المتقدم من تفسير العياشي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى خلق روح القدس ولم يخلق خلقا اقرب اليه منها وليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امرا القاه اليها فالقاه الى النجوم فجرت به ه‍ فان ظاهره ان الملائكة الموكلين بالنجوم اذا اراد تعالى اجراء شيء اجراه بواسطة روح القدس وروح القدس يلقيه بواسطتهم لقوله تعالى فالمدبرات امرا وهم الملائكة فالقاء الامر الى النجوم لو لم يكن بواسطة الملائكة لم يكونوا مدبري امر وروى علي بن عيسى في كشف الغمة عن الامام علي بن الحسين عليهما السلام قال وما عسيت ان اصف من محن الدنيا وابلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيب ولست اذكر منها الا قتيلا افنته او مغيب ضريح تجافت عنه الخ فاذا عرفت مأخذ الدليل وعرفت ان دليل الربوبية في العبودية ودليل العبودية في الربوبية وعرفت ان الاثني‌عشر البرج والسبعة السيارة موكل بها الملائكة الذين يفعلون بواسطة هذه البروج والنجوم فاذا عرفت مقام تلك الملائكة من الامر المراد في العباد عرفت انهم تلك الزبانية في الانسان الكبير بناء على ما ذهب اليه المصنف من ان الجحيم تحت الكرسي وعلى غير هذا الرأي المخدوش تكون هذه الملائكة موكلين بعالم الدنيا الجامع لعالم الاخرة الجامع لعالم الجنة والنار فتكون هذه النشأة وما فيها دليل نشأة الاخرة وما فيها في الدارين الجنة والنار اما الملائكة الذين في النار المشابهين لما في الدنيا فهم الزبانية في النار يوم القيمة وفي البرزخ بل وفي الدنيا كما في العالم الصغير فان فيه الفصول الاربعة في طبايعه وفي كل فصل ثلاثة بروج باعتبار اوله واوسطه واخره في مدة بقائه الفصول الاربعة فصل الربيع من الطفولية الى العشرين السنة او الى ما زاد عليها الى الثلاثين وفصل الصيف من العشرين الى الاربعين او مما زاد على الثلاثين الى الستين وفصل الخريف او فصل الشتاء على الخلاف من ان الشتاء في العالم الصغير مقدم على الخريف بعكس العالم الكبير لان الخريف فصل الموت في الصغير وآخر العالم الكبير اقوى من اوله او ان الصغير كالكبير في تقدم فصل الخريف وفصل الخريف في الصغير من الاربعين الى الستين او من الستين الى التسعين وفصل الشتاء من الستين الى الثمانين او من التسعين الى مائة وعشرين او ما دون ذلك على الاحتمالات وكل فصل طرفان ووسط على كل واحد ملك موكل به فهذه اثنا عشر وعلى عقله وعلمه ووهمه ووجوده الحسي وخياله وفكره وحياته كل واحد ملك موكل به فهذه تسعة‌ عشر لان المشابهين لما في الدنيا من جرى تدبير امورهم منهم على مقتضي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لم يغيرها اهلها كانوا لهم موكلين بتدبير امورهم يوم القيمة في الجنة ومن جرى تدبير امورهم على مقتضي الطبيعة المبدلة التي نهي تعالى عنه في قوله لا تبديل لخلق الله فان النفي بمعنى النهي والطبيعة المغيرة التي نهى تعالى عنه في قوله حكاية عن قول عدوه ابليس فليغيرن خلق الله كانوا لاهل التبديل والتغيير موكلين بتدبير امورهم يوم القيمة في النار وهؤلاء هم الزبانية فالزبانية الكلية زبانية العالم الكبير تسعة عشر والزبانية الجزئية زبانية الانسان الواحد وهو العالم الصغير لكل واحد من اهل النار زبانية تخصه غير زبانية الاخر هم سدنة الزبانية الكلية ولكن تطبيق المصنف ومن يقول كقوله ممن قبله او بعده مختلف لانهم جعلوا الزبانية في العالم الصغير الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة فالاولي اللمس والشم والذوق والسمع والبصر والثانية الحس المشترك والخيال والوهم والحافظة والمتخيلة وقوة الشهوة التي فعلها جذب الملايمات والميل اليها وقوة الغضب التي فعلها دفع المنافرات والمكروهات وقوة الجاذبة الحارة اليابسة والقوة الهاضمة الحارة الرطبة والقوة الدافعة الباردة الرطبة والقوة الماسكة الباردة اليابسة والقوة المغذية والمولدة والمنمية وهذه التسعة عشر التي من الطبيعة الجسمانية والنفوس الحيوانية الحسية الفلكية آلات الملائكة الموكلة بها لاثارة مقتضيات طبايعها الذين هم زبانية نار ذلك الشخص الطبيعية وهي جزئيات لما في العالم الكبير فلا تنطبق على ما ذكروه في العالم الكبير لان كثيرا من العلماء ذكروا ان النجوم السبعة منها زحل وهو نجم العقل يعني التعقل والعقل باب مغلق لا يفتح لاهل النار فبقيت ستة انجم اذا اعتبرت الملائكة الموكلون بها لانهم قالوا ان تلك الملائكة كالنفوس او نفوس وتلك النجوم اجسام لها او كالاجسام على الاحتمالين وملائكة ستة اخرى موكلون بنفوس افلاكها او نفوسها وهي نفوس تلك النفوس وكالنفوس لتلك النفوس والمراد ان الملائكة على المذهب الحق غير ما وكلوا به فهذه اثنا عشر ملكا واربعة ملائكة موكلون بالعناصر الاربعة وثلاثة ملائكة موكلون بمعادن العالم الكبير ونباتاته وحيواناته فهذه تسعة عشر ملكا هم المدبرون امرا في الدنيا لما في الاخرة فمن كان منهم جاريا في تدبيره على الطبائع والفطرة المغيرة والمبدلة بحسب مقتضياتها فهم زبانية النار الكلية للكلية والجزئية للجزئية ومن كان جاريا في تدبيره على مقتضى فطرة الله التي فطر الناس عليها فهم سدنة الجنان وجنود رضوان

وقوله { وكل منها يجر القلب عن اوج عالم القدس } صادر على متعارف العوام من كون المراد من القلب هذا الذي هو عبارة عن الفهم والتمييز الذي هو مناط التكليف وهذا المذكور ليس من عالم القدس بالفعل وانما هو بالقوة لانه اذا عمل بطاعة خالقه سبحانه واجتنب معاصيه كان ذلك القلب من عالم القدس واما قبل ذلك فليس من عالم القدس اذ لو كان من عالم القدس لما انجر من اوج عالمه المطهر الى حضيض عالم السفل والرجس اذ لو كان من عالم القدس لطهر كل تلك القوى الى عالمه ولا يقابله منها شيء لانه حينئذ جند الله وجند الله هم الغالبون ولكن هذه دقيقة تخفى على المصنف وامثاله فانهم يطلقونه على غير ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان لانهم يرون ان العقول ليس فيها قوة استعداد بل كل ما فيها بالفعل وهذا شأن من لم يجر عليه الايجاد وربما اشتبه على عارفيهم لقول علي عليه السلام حين سئل عن العالم العلوي فقال عليه السلام صور عارية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت الحديث وليس مراده عليه السلام ما ذهبوا اليه وانما مراده بعد قبولها ما اعطاها وقبولها عبارة عن القيام باوامر الله واجتناب مناهيه لان المراد بكونها عالية عن المواد العنصرية لا عن مطلق المادة اذ لا يوجد مخلوق بل لا يمكن ايجاد مخلوق لا مادة له سواء كان جوهرا ام عرضا والا لما كان شيئا سبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

قال : واما الكلام في اصولها وسوابقها فاعلم ان مدبرات الامور في برازخ عالم الظلمات وهي المشار اليها بقوله والسابقات سبقا فالمدبرات امرا فهي في باطن العالم الكبير الجسماني الارواح الملكوتية للكواكب السبعة والبروج الاثني عشرية فالمجموع تسعة عشر سرا وجهارا غيبا وشهادة وكذا في العالم الصغير الانسان هي رؤساء القوى المباشرة لتدبير البرازخ السفلية وهي التسعة عشر المذكورة سبع منها مبادي الافعال النباتية واثنا عشر منها مبادي الافعال الحيوانية
اقول اصول الزبانية الجزئية اي التي في الانسان الجزئي وهي الملائكة الموكلة بحواسه الظاهرة والباطنة وعناصره الاربعة الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة والمغذية والمربية والمولدة وقوة الشهوة وقوة الغضب متفرعة من الزبانية الكلية اي في العالم الكبير بمعنى انها خلقت من اشعة الملائكة الكلية والملائكة الكلية التي في النشأة الاولى اعني الدنيا هي الموكلة بالكواكب الستة التي هي المشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر والموكلة بافلاكها الستة والموكلة بالعناصر الاربعة والموكلة بالمواليد الثلاثة المعادن والنباتات والحيوانات من كان مربيا للطبائع المغيرة والمبدلة منهم وهم جنود مالك خازن النيران وهم زبانية جهنم وهم الاصول للزبانية الجزئية لان الجزئية امثال الكلية وصورها ومن كان من الملائكة الكلية مربيا في النشأة الاولى للفطرة التي فطر الله الناس عليها فهم جند رضوان وسدنة الجنان وبالجملة المدبرات امرا اصولهم ثلثمائة وستون ملكا تسعون جنود جبرئل عليه السلام ثلاثون يعملون له في خلق العقول وثلاثون يعملون له في خلق النفوس وثلاثون يعملون له في خلق الاجسام وتسعون جنود ميكائيل ثلاثون يعملون له في رزق العقول وثلاثون يعملون له في رزق النفوس وثلاثون يعملون له في رزق الاجسام وتسعون جنود عزرائيل ثلاثون يعملون له في موت العقول وثلاثون يعملون له في موت النفوس وثلاثون يعملون له في موت الاجسام وتسعون جنود اسرافيل ثلاثون يعملون له في حيوة العقول وثلاثون يعملون له في حيوة النفوس وثلاثون يعملون له في حيوة الاجسام وكل واحد من هذه الثلثمائة والستين تحته من الملائكة لا يحصي عددهم الا الله يخدمونه ويعينونه في الجهة الموكل بها وائمة الكل هذه الاربعة لانهم موكلون بالعالم كله غيبه وشهادته فجبرءيل عليه السلام موكل بالخلق وهو ربع العالم وهو يستمد من النور الاحمر من اركان العرش وميكائيل عليه السلام موكل بالرزق وهو ربع العالم وهو يستمد من النور الابيض من اركان العرش وعزرائيل عليه السلام موكل بالموت وهو ربع العالم وهو يستمد من النور الاخضر من اركان العرش واسرافيل عليه السلام موكل بالحيوة وهو ربع العالم وهو يستمد من النور الاصفر من اركان العرش وكل المذكورين من المتبوعين والتابعين مدبرون امرا بقول مطلق والتسعة عشر الملك الزبانية نوع خاص بملائكة يدعون المنافقين والكافرين الى مراتبهم من جهنم دعا ويدفعونهم الى النار دفعا وفعلهم ذلك هو صورة تدبيرهم لدواعي طبايعهم المغيرة المبدلة المؤججة لنيران تعذيبهم وهذه الملائكة في النشأة الاولى تجري فيما وكلوا به كجريان الروح في الجسد ومستجنون في غيبه كاستجنان المعنى في اللفظ وفي النشأة الاخرى يظهرون في عالم الشهادة لان وجود عالم الغيب في النشأة الاولى لعدم ظهوره في عالم الشهادة وفي النشأة الاخرى يحضر عالم الغيب فيكون الكل شهادة لا غيب فيه

وقوله { سبعة منها مبادي الافعال النباتية يعني ان سبعة من التسعة عشر تظهر تأثيرها بواسطة الافعال النباتية وهي افعال العناصر وما تألف منها من المعادن والنباتات والحيوانات اذ المراد بالحيوانات الاجسام الحيوانية لا نفوسها لان نفوسها من نفوس الافلاك وهي من مبادي الافعال الحيوانية فان النجوم الستة التي ذكرناها من مبادي الافعال الحيوانية لان اشعتها هي الملطفة للابخرة القلبية وهي المنضجة لها نضجا معتدلا وهي الحاملة للنفوس المتعلقة بتلك الابخرة بعد نضجها واعتدالها في النضج فان اشراقات نفوس افلاكها على تلك الابخرة القلبية انما تقع عليها بواسطة اشعة تلك الاجرام النيرة وان كانت ايضا مبادي للافعال النباتية لتوقف تنزل النفوس الحيوانية على النفوس النباتية فتكون هذه الكواكب الستة مبادي للافعال النباتية في التغذية والتربية والتوليد لكون النفوس النباتية مراكب للنفوس الحيوانية الا ان هذه الكواكب الستة ابواب لنفوس افلاكها فهي مظاهر الحيوة كالقمر والفكر كعطارد والخيال كالزهرة والوجود الثاني كالشمس والوهم كالمريخ والعلم كالمشتري فاذا كانت هذه الكواكب مظاهر النفوس الفلكية الحيوانية الحسية كانت احري بان يكون مبادي لافعالها نعم الاولى ان يقال سبعة منها مبادي لافعال النباتات وسابعها مشترك بين الحيوانات والنباتات وستة مبادي للافعال الحيوانية وهي نفوس الافلاك وستة منها مشتركة فهي مبادي للافعال النباتية ومبادي للافعال الحيوانية وهي النجوم الستة فافهم والله سبحانه اعلم

قال : فالانسان ما دام محبوسا بهذه المحابس الداخلة والخارجة مسجونا بسجن الطبيعة مأسورا في ايدي هذه العمال الكلية والجزئية لا يمكنه الصعود الى عالم الجنان ومنبع الرضوان ودار الحيوان فاذا لم يتخلص عن تأثيرها وتقييدها كانت حاله كما افصح عنه قوله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه الايات فاذا انتقل من هذا البدن بالموت فينتقل من السجن الى السجين فيؤديه المالك الى هذه الزبانية التي هي من اثار تلك المدبرات فيعذب بها في الاخرة كما يعذب بها في الدنيا من حيث لا يشعر لكثافة الحجب وغلظتها فاذا انكشف الغطاء او رق الحجاب يرى شخصه معذبا بايدي سدنة الجحيم وزبانية نار الحميم يجرونه الى جهنم بسلاسلهم واغلالهم
يريد ان الانسان ما دام محبوسا بهذه المحابس وهي جمع محبس بفتح الميم والباء محل الحبس ويجوز بكسر الميم وفتح الباء ما يحبس به من سلسلة وحبل وغيرهما والمراد بالمحبس بفتح الميم الطبيعة المادية العنصرية وما يتركب منها وبكسر الميم ميولها ومقتضياتها ودواعيها وخصوصا متعلقات هذه التسعة عشر ومحالها التي هي مدبرة لها فانها هي المؤججة للنيران من دواعي الطبيعة المادية وميولاتها وشهواتها وهويها وما اشتملت عليه واقتضته او ترتب عليها من الغلظ والتثاقل والكسل والتمطي وكثافة حجب انيتها مأسورا في ايدي هذه العمال المدبرة المربية لهذه الصفات الذميمة المنمية لها القائمة بمقتضاها المتممة لما نقص من رذائلها ونقائصها ولوازمها الكلية والجزئية لا يمكنه الصعود الى عالم الجنان لانها في اعالي مراتب الامكان وذلك لثقل تلك القيود الاليمة وغلظ حجب تلك الصفات الذميمة وظلمة تلك الطرق المعوجة الغير المستقيمة لان فروع مظاهر الغضب واثار السخط مقابلة لمنبع الرضوان ومعاكسة لدار الامان ودواعي الهلاك والبوار معاكسة لدار الحيوان التي لا موت في شيء منها ولا مما فيها واهل النار حقائقهم ثقيلة ولهذا يعبر عنهم بالحجارة كما مر في حديث المنافق او اليهودي ولوح امير المؤمنين عليه السلام بذلك في اشارات كلامه فقال تخففوا تلحقوا فانما ينتظر باولكم آخركم ه‍ فاذا تخلص من هذه الدواعي واطلق نفسه من هذه القيود والصفات الذميمة رقي الى اعالي الجنان ومنبع الرضوان ودار الحيوان واذا لم يتخلص من تأثيرها وتقييدها كانت حاله كما افصح عنه قوله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بذراع ابليس فاسلكوه وهذه الايات نزلت في ملك جبار لان السلسلة المشار اليها سبعون ملكا جبارا ثلاثون من ذرية رجل واحد وهذا الجبار الذي نزلت فيه هذه الايات منهم واربعون من ذرية رجل واحد والسلسلة سبعون ذراعا بذراع ابليس كل ذراع طوله سبعة اشبار والملائكة المأمورون باخذه هم الزبانية فاذا انتقل هذا الرجل المسجون بهذه السجون المقيد بهذه القيود الغليظة قبل ان يتخلص منها ينتقل بالموت من سجن المعاصي والاعمال القبيحة الى سجين كتاب الفجار وهي سجن الجزاء فيتسلمه مالك فيؤديه الى ايدي هذه الزبانية التسعة عشر الكلية التي هي من اتباع تلك المدبرات الكلية بل من ابدالهم لا من اثارهم نعم الزبانية الجزئية من آثارهم كما ان العالم الصغير من اثار العالم الكبير فتعذبه الزبانية بتلك الصفات الذميمة في الاخرة لان هذه الصفات الذميمة كانت ثمرات تغيير الفطرة وتبديلها المخالف لما ينبغي من الامور الملايمة الموافقة للنفس فان ثمرات المنافر للنفس منافرة للنفس غير ملايمة لها وانما هي ملايمة للتغيير والتبديل مثلا الملايم للنفس الصحة والغني والامن لانه هو مقتضي الفطرة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها وهي الموافقة لمحبته ورضاه سبحانه والمرض والفقر والخوف ملايم للفطرة المغيرة المبدلة ففي الدنيا لما غير الفطرة وبدلها وقع به المرض والفقر والخوف لانه مقتضاها اي مقتضي الفطرة المغيرة المبدلة فتلايمها الصفات الذميمة ولاجل تلبيس النفس ودعويها عدم التغيير والتبديل وخفاء الفطرة المستقيمة حتى كأنها عند النفس هي المغيرة فربما غفلت عن التألم بالمنافر لحصول ملايمته للمغيرة ومخاتلة النفس بانها هي المستقيمة في بعض غفلاتها فلا تكاد تحس بالتألم (ظ) وربما ذكرت فوجدت عملها غير ملايم للمستقيمة فتتألم عند وجدانها للمنافر واما يوم القيمة فتظهر الفطرة المستقيمة ويتبين منافرة الاعمال لها ومخالفتها لرضى الله تعالى فيتألم بذلك وينظر لزوم تلك الصفات المذمومة وعدم الانفكاك منها فتشتد حسرته وهو معنى قوله فيعذب بها في الاخرة كما يعذب بها في الدنيا من حيث لا يشعر لكثافة الحجب وغلظتها وقد يشعر عند تذكره فيشعر بها

وقوله { فاذا انكشف الغطاء او رق الحجاب الخ } يعني اذا مات المعبر عنه بكشف الغطاء او رق الحجاب اي او ضعفت الموانع الطبيعية او فاذا كشف الغطاء بان فتحت عين بصيرته او رق الحجاب بان امات نفسه واجتمع قلبه ظهرت له حقيقة الحال فرءا شخصه معذبا بايدي سدنة الجحيم وزبانية الحميم والسدنة جمع سادن وهو الخادم مثل كفرة جمع كافر في الدارين على الاحتمالين يعني ان مات او امات نفسه او فتحت عين بصيرته رأي نفسه معذبا بايدي خدمة الجحيم وزبانية الحميم عطف تفسيري يجرونه الى جهنم بسلاسلهم وهي ميولات طبيعته وشهواته وهوى نفسه واغلالهم بصحف اعماله وملكات انيته وعود صور اعماله الى مراكزها من النيران

قال : قاعدة في الاعراف واهله قال تعالى وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيميهم قيل هو سور بين الجنة والنار باطنه فيه الرحمة وهو ما يلي منه الجنة وظاهره من قبله العذاب وهو ما يلي منه النار يكون عليه من تساوت كفتا ميزان حسناته وسيئاته فهم ينظرون بعين الى النار وبعين اخرى الى الجنة وما لهم رجحان بما يدخلهم الله في احدي الدارين هذا ما قيل وعندي ان الاعراف غير السور الواقع بين الجنة والنار والذي ذكروه انما يصح ويليق في تفسير قوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب واما الاعراف فاصله مأخوذ من العرفان كما قال يعرفون كلا بسيميهم واما من عرف الفرس فهو شعر عنقه وهو الموضع المرتفع منه والعرفة ايضا الرمل المرتفع كناية عن ارتفاع مكانهم وعلو ذاتهم
اقول الاعراف قيل هو سور بين الجنة والنار مستعار من عرف الفرس وقيل العرف ما ارتفع من الشيء فانه يكون بظهوره اعرف من غيره وفي تفسير علي ابن ابراهيم عن الصادق عليه السلام الاعراف كثبان بين الجنة والنار وفي الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام في هذه الاية نحن الاعراف نعرف انصارنا بسيميهم ونحن الاعراف الذين لا يعرف الله عز وجل الا بسبيل معرفتنا ونحن الاعراف يوقفنا الله عز وجل يوم القيمة على الصراط فلا يدخل الجنة الا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار الا من انكرنا وانكرناه وفي البصائر : والاعراف صراط بين الجنة والنار وقيل الاعراف سور بين الجنة والنار باطنه فيه الرحمة وهو ما يلي منه الجنة وظاهره من قبله العذاب وهو ما يلي منه النار يكون عليه من تساوت كفتا ميزان حسناته وسيئاته وهم المرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم ويريد هذا القائل بقوله فهم ينظرون بعين الى النار وهي عين اليأس لكثرة السيئات وبعين اخرى الى الجنة وهي عين الرجاء لكرم الكريم وهؤلاء ان وقع منهم هذا النظر الثاني نظرا الى اعمالهم الحسنة هلكوا وان كان نظرا الى كرم الكريم سبحانه بل ولو الى غناه وصدق وعده انه لا يضيع عمل عامل ولم يتوعد هكذا في طرف السيئات نجوا وقول القائل وما لهم رجحان بما يدخلهم الله في احدي الدارين لتقاوم النظرين في انفسهم نظر الخوف ونظر الرجاء فالمستفاد من الادلة ان هؤلاء يأول امرهم الى النجاة لما قلنا من رجحان جانب الفضل على جانب العدل ولقد روي ما بعض معناه ان الله سبحانه يوقف رجلا يوم القيمة فيقول له الم اءمرك الم انهك فيقول بلى يا رب فيقول تعالى فلم عصيتني فيقول يا رب غلبت علي شقوتي فيقول تعالى يا ملائكتي مروا به الى النار فتأخذه ملائكة النار فيقول وعزتك وجلالك ماكان هذا ظني بك فيقول للملائكة قفوا به فيقول له ما كان ظنك بي فيقول ظني بك ان تعفو عني فيقول تعالى يا ملائكتي وعزتي وجلالي ماكان ذلك ظنه بي ولو كان ذلك ظنه بي في دار الدنيا لماروعته بالنار ولكن اجيزوا له كذبه وادخلوه الجنة ه‍ وذلك لان الخوف من السيئات مقو لمقتضى الرجاء ما لم يكن قنوطا من رحمة الله واعلم ان بعضهم ذكر معنى اخر للاعراف وهو ان الاعراف مقام لبعض اهل الجنة وهو ان من عرف الله ( عز وجل خ ) في دار الدنيا بالعلم والعمل اذا ورد على مقام التعارف بين الله وبينه ومثاله رجل قدم بلدا وفي تلك البلد شخص بينهما ( تعارف قبل وروده البلد فانه يقدم على صاحبه في بيته خ ) ( فمن خ‌ل ) عرف الله عز وجل بالمعرفة الظاهرة التي هي العلم بما وصف به نفسه لعباده وبالمعرفة الباطنة التي هي الاخلاص في العمل والطاعة اذا قدم الجنة كان له قدم صدق عند ربه وهو الاعراف ومقام الكثيب في الجنة انزل من مقام الاعراف فانه لمن قدم الجنة قاصرا عن رتبة الاول فانه كالقادم على بلد ماكان عارفا باحد من اهلها فانه اول قدومه غريب حتى يعرف ( يتعرف خ‌ل ) باحد منها وهذا مقام اهل الكثيب فتحصل من جميع ما اشرنا اليه ان الاعراف له اطلاقات احدها يراد منه موقف على الصراط لمن لم يتميز لهم حاله ( حالهم خ‌ل ) حتى يعرف حالهم فيلحقون باهل الجنة او باهل النار وثانيها يراد منه موقف يعرف فيه اهل الجنة واهل النار وبسيماهم ( النار بسيماهم خ ) باعمالهم او بمرورهم على الصراط وعبورهم الى الجنة وعدمه وثالثها يراد منه موقف المميزين للفريقين على الصراط بين اهل الجنة والنار للتميز ( للتمييز خ ) بينهم ورابعها يراد منه موقف ضعفاء الناجين الذين لم يسبقوا وكان يظن بهم انهم من الهالكين ثم يؤمر لهم بدخول الجنة وخامسها يراد منه مقام في الجنة دون مقام الرضوان كما سمعت مما نقلناه عن بعضهم وسادسها يراد منه المميزون لاهل الجنة واهل النار وفي الظاهر هم الانبياء والمرسلون والملئكة والشهداء والصالحون وفي الحقيقة هذا المسمى هنا بالاعراف هم الرجال وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الاطهار من ذرية الحسين صلى الله عليه وعلى اهل بيته الطاهرين ( صلى الله على محمد واهل بيته الطيبين خ )

وقوله { وعندي ان الاعراف غير السور الواقع بين الجنة والنار الخ } يريد ان ماذ كره هذا القائل من ان الاعراف هو السور الواقع بين الجنة والنار غير لايق لانه تعالى ذكر الاعراف وذكر بعده ما يشير الى المراد منه وذكر السور ووصفه بما لا يلائم وصف الاعراف وهذا يدل على مغايرته له والقائل فسر الاعراف بما وصف الله به السور فان الله سبحانه قال في السور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ورسول الله (ص) اشار الى بيانه في جوامع كلمه فقال انا مدينة العلم وعلي بابها وفي رواية اخرى انا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن اراد الحكمة فليأتها من بابها وورد تفسير السور بعلي بن ابي طالب (ع) وباطنه حبه وولايته وظاهره بغضه وعداوته فاشار (ص) الى ذلك بقوله حب على حسنة لا تضر معها سيئة وبغض على سيئة لا تنفع معها حسنة ه‍ وان عليا (ع) ايضا هو الرائد لمحبيه ( لمحبته خ‌ل ) اي رائدهم الى الجنة وهو الذائد لاعدائه يذودهم عن الجنة الى النار وهذه وامثالها تصح وتليق ببيان السور لانه (ع) هو الحايط بين الجنة والنار واين هذه المعاني من معنى الاعراف فان الاعراف من جهة مفهومه يليق به انه مأخوذ من المعرفة او من عرف الدابة وهو الشعر الذي ينبت على اعلى عنق الدابة او من العرفة بضم العين وهو الرمل المرتفع او من اعراف الرياح وهو اعاليها وكني به في اهل الاعراف عن ارتفاع مكانهم وعلو ذاتهم اذا اريد بهم العارفون او الذين يعرفون كلا بسيماهم واذا اريد بهم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم او المقصرون من الناجين فلان حالهم المشتبه يتبين فيه ويظهر كما يظهر الشيء العالي

قال : واهل الاعراف هم الكاملون في العلم و( او خ‌ل ) المعرفة الذين يعرفون كل طائفة من الناس بسيماهم ويرون بنور بصيرتهم الباطنة اهل الجنة واهل النار واحوالهما كما قال النبي (ص) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله لكنهم يعد في هذا العالم من حيث ابدانهم كما قيل ابدانهم في العالم الاسفل وقلوبهم معلقة كالقناديل بالملأ الاعلى فهم بالاجساد ارضيون وبالقلوب سماويون اشباحهم فرشية وارواحهم عرشية ولم يموتوا بالموت الطبيعي حتى يدخلوا الجنة بدنا كما دخلوها روحا كما قال لم يدخلوها وهم يطمعون رجاء رحمة ( لرحمة خ‌ل ) الله واذا خرجوا عن الدنيا كان طمعهم عين الوصول وقوتهم عين الفعلية والحصول واما قبل ذلك فحالهم كحال برزخي بين احوال اهل الجنة واهل النار لان قلوبهم منعمة في نعيم الجنان من الايمان والعرفان وابدانهم معذبة بعذاب الدنيا وموذياتها ( معذباتها خ‌ل ) فهم كما قال تعالى واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين
اقول اخذ يصف اهل الاعراف وقد سمعت ان الاعراف له اطلاقات والذي ذكرهم صنف من اهل الاعراف وعني بهم اهل الاعراف في التأويل والمراد من اهل الاعراف من يذكرون في التأويل وفي الباطن وفي الظاهر على ما يقتضيه ( تقتضيه خ ) مقامات الاطلاقات والمناسب لمثل كتابه ذكر الكل لا خصوص البعض فقال { واهل الاعراف هم الكاملون في العلم } الذي هو البصيرة في الدين وفي المعرفة بالله وصفاته واسمائه وافعاله وعبادته وبانبيائه ورسله واوصيائهم وباحوال الدنيا والاخرة وهو العلم المسمى بعلم اليقين والتقوى الذي هو الحكمة العلمية اعني علم الاخلاق لان من عرف ذلك عرف كل احد بسيماه او هم الكاملون في ذلك وفي العمل بالنوافل والمواظبة عليها والتقرب الى الله تعالى بها والمراد بالنوافل هي كل ما يحبه الله من صلوة او دعاء او عمل او قول فان الله سبحانه يقول في ذلك ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت عني ابتدأته الخ فان مثل هذا هو الكامل في الايمان الذي عناه ( الذين هم عناهم خ ) الله تعالى ( سبحانه خ‌ل ) بقوله وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وعناهم امامهم وسيدهم امير المؤمنين (ع) بقوله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ه‍ وهم الذين عناهم بقوله تعالى ان في ذلك لايات للمتوسمين اي المتفرسين اصحاب الفراسة يعرفون كل طائفة بسيماهم فان يقين المؤمن يرى في عمله ويقين الكافر والمنافق يرى في فعله وهؤلاء الكاملون يرون بنور بصيرتهم الباطنة اهل الجنة واهل النار واحوالهما في الاخرة بل وفي الدنيا لان اختصاص رؤية الاحوال في الاخرة يوجب عدم توقف الرؤية على الكمال فان الاحوال تبرز يوم القيمة لساير اهل الجمع واما المتوقف على الكمال في العلم والعمل فهي رؤية الاحوال في الدنيا وفي الاخرة

وقوله في وصف الكاملين { لكنهم يعد في هذا العالم من حيث ابدانهم كما قيل ابدانهم في العالم الاسفل } لما بقي فيها من الاعراض البشرية { وقلوبهم معلقة كالقناديل } لتجردها من رذائل الطبيعة الجسمانية وشدة نوريتها تضيء لاهل السماء واهل الارض وهي بالملأ الاعلى اي مع الملأ الاعلى فالباء بمعنى مع لا انها صلة ( صفة خ‌ل ) لمتعلقه ( لمعلقه خ‌ل لمعلقة خ ) كما فهمه المصنف لان الحديث المروي عن امير المؤمنين (ع) الذي اقتبس منه فيه : صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى وفي بعض النقل بالملأ الاعلى فتكون الباء في هذا النقل بمعنى مع كما قلنا

وكذا قوله { فهم بالاجساد ارضيون } لما لحق اجسادهم من الاعراض العنصرية { وبالقلوب سماويون } لعدم ارتباطها بشيء من احوال الدنيا وزينتها وزبرجها وزخرفها { اشباحهم فرشية } المراد من الاشباح هنا الاجساد من باب تسمية المحل باسم الحال وفرشية يعني ارضية من قوله تعالى والارض فرشناها فنعم الماهدون ذكرها لاجل السجع { وارواحهم عرشية } كالمعنى الاول { ولم يموتوا بالموت الطبيعي } يعني قتل النفس بالرياضات والاداب الشرعية { حتى يدخلوا الجنة بدنا } اي بابدانهم الجسمية المحسوسة في الاخرة { كما دخلوها روحا } اي كما دخلوا الجنة في الدنيا بارواحهم لانهم دائما في الدنيا متنعمون بقلوبهم وارواحهم بنعيم الايمان والمعرفة راتعون في رياض الحكمة

فقال المصنف استدلالا بالاية { لم يدخلوها وهم يطمعون رجاء لرحمة الله } يعني انهم الان لم يدخلوها ولكنهم يطمعون ان يدخلوها برحمة الله { واذا خرجوا من الدنيا كان طمعهم عين الوصول } لان طمعهم كان ناشيا عن قيامهم باوامر الله واجتنابهم عن نواهيه التي وعد عباده الصالحين مع القيام بها بالجنة ولن ‌يخلف الله وعده ولكنهم علموا بان القيام باوامره واجتناب نواهيه نعم من الله سبحانه يجب شكرها على من وفقه لذلك فلا يستحق على شيء من اعماله دخول الجنة ولكن للثقة بوعده تعالى يطمعون ان يدخلوا الجنة بفضله وبرحمته فلما قال (ص) ومن مات فقد قامت قيامته كان بناء على هذا طمعهم عين الوصول { وقوتهم عين الفعلية والحصول } لان ما بقوتهم من دخول الجنة عين ما هو بالفعل لانهم منذ فارقت ارواحهم اجسادهم دخلت ارواحهم جنة الدنيا التي هي جنة الاخرة اذا صفيت كما تقدم من ذكر الاستشهاد على ذلك بقوله تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا فان التي فيها بكرة وعشي جنة الدنيا واشار اليها بانها هي جنة الاخرة بقوله التي نورث من عبادنا من كان تقيا { واما قبل ذلك } يعني في الدنيا { فحالهم كحال برزخي } ليسوا في ذلك كحال اهل الجنة في كل حال متنعمين ولا كحال اهل النار في كل حال معذبين بل حال { بين احوال اهل الجنة واحوال اهل النار } وذلك لان قلوبهم في الدنيا متنعمة بنعم ( منعمة بنعيم خ ) الجنان من طعم الايمان وذوق العرفان وابدانهم متألمة معذبة بعذاب محن الدنيا والامتحان ومكاره الدهر او ( وخ‌ل ) الزمان فاذا جرت عليهم بلايا الدهر الخوان ذكروا محن الاخرة الجارية على اهل ( علم اصحاب خ‌ل على اصحاب خ ) النيران فاستعاذوا بالله الكريم المنان من عذاب دار الهوان ( الهيوان خ‌ل ) { كما قال تعالى واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } فاذا اعتبرنا في اصحاب الاعراف الكمال لانا نريد بهم من يعرفون كلا بسيماهم تعين علينا ان نريد بهم محمدا واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين لان الامر اليهم في تمييز الخلايق ورجوعهم اليهم في الحساب واليهم من جميع الخلق الماب

ومما يدل على بعض ما اشرنا اليه وزيادة مما لم‌ نذكره اعتمادا على ما هو وارد فيما نذكره عنهم فمنه ما ورد في تفسير قوله تعالى وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم رواه الشيخ ابو جعفر الطوسي عن رجاله عن ابي عبد الله (ع) وقد سئل عن قول الله عز وجل وبينهما حجاب فقال سور بين الجنة والنار قائم عليه محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة وخديجة عليهم السلام فينادون اين محبونا وشيعتنا فيقبلون اليهم فيعرفونهم باسمائهم واسماء آبائهم وذلك قوله يعرفون كلا بسيماهم فيأخذون بايديهم ويجوزون بهم على الصراط ويدخلونهم الجنة الخ وحديث الجوامع ونادوا يعني ونادى اصحاب الاعراف اريد بهم من كان مع الائمة (ع) على الاعراف من مذنبي شيعتهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم اصحاب الجنة ان سلام عليكم اي اذا نظروا اليهم سلموا عليهم الخ وفي تفسير العياشي عن كرام قال سمعت اباعبد الله (ع) يقول اذا كان يوم القيمة اقبل سبع قباب من نور يواقيت خضر وبيض في كل قبة امام دهره ( امام وهو خ ) قد احف به اهل دهره برها وفاجرها حتى تغيب عن باب الجنة فيطلع اولها قبة اطلاعه ( اطلاعة خ‌ل ) فيميز اهل ولايته ( ولاية خ‌ل ) من عدوه ثم يقبل على عدوه فيقول انتم الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اليوم لاصحابه فتسود وجوه الظالمين فتصير اصحابه الى الجنة وهم يقولون ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فاذا نظر اهل القبة الثانية الى قلة من يدخل الجنة وكثرة من يدخل النار خافوا ان لا يدخلوها وذلك قوله لم يدخلوها وهم يطمعون واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا نعوذ بالله ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين اي في النار وفي مجمع البيان ان في قرائة الصادق (ع) قالوا ربنا عائذا بك ان لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادي اصحاب الاعراف اي الائمة (ع) رجالا يعرفونهم بسيماهم من رؤساء الكفار والمنافقين ما اغنى عنكم جمعكم اي كثرتكم وجموعكم او جمع المال وما كنتم تستكبرون عن الامام الحق اهؤلاء يعني ضعفاء الشيعة الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمته ( برحمة خ‌ل ) اي اهؤلاء الذين تستحقرونهم في الدنيا وتحلفون ان الله لا يدخلهم الجنة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون وبالجملة امثال هذا مما يدل على ان المراد من اصحاب الاعراف الذين يعرفون كلا بسيماهم محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين كثير وانهم الاعراف كما تقدم

قال : والذي يدل على صحة ما ذكرناه امور : الاول ما ورد عن ائمتنا المعصومين (ع) انهم قالوا نحن الاعراف والثاني ان الاية تدل على غاية مدحهم والمتوسطون في الرتبة التي لاجلهم لا رجحان لهم لواحدة ( التي لا رجحان لواحدة خ ) من كفتي موازينهم الواقفون في السد الحاجز بين الدارين الجنة والنار ليسوا من المدح في هذا المحل ومن المعرفة على هذه الدرجة بان يعرفوا كلا من الطائفتين بسيماهم ومعرفة النفوس امر عظيم والثالث ان وضع الدعاء والمناجات لطلب الحاجات انما هي في الدنيا وقبل الموت واما الاخرة وما بعد الموت ففيه ميعاد الوصول والوجدان او حصول اليأس والحرمان
اقول يريد يبين وجه اختياره بان اصحاب الاعراف ليس المراد بهم في الاية من تساوت حسناتهم وسيئاتهم او الذين لم يمحضوا الايمان محضا او الكفر محضا وامثال ذلك وانما هم الرجال الكاملون في العلم والمعرفة الذين يميزون بين المسلم والكافر والمؤمن والمنافق والحق ما ذكرنا من ان الاعراف اطلاقات له ومعلوم انه اذا اريد به المكان تكون اصحابه مختلفين فمرة يراد منهم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الكافي عن الصادق (ع) انه سئل عن اصحاب الاعراف فقال قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فان ادخلهم النار فبذنوبهم وان ادخلهم الجنة فبرحمته وغيره من الاخبار ومرة يراد منهم محمد واهل بيته الطاهرين الطيبين صلى الله عليه وعليهم اجمعين ومرة يراد بهم المستضعفون من الشيعة الذين يقفون مع ائمتهم حتى يؤنبوا بهم اعدائهم الذين اقسموا ان الله لا يدخلهم الجنة ثم يدخلونهم الجنة كما تقدم قبل ومرة يراد بهم مطلق من لم يمحض الايمان محضا ولم يمحض الكفر محضا من المستضعف والطفل والشيخ الكبير الهم والمجنون ومن مات في الفترة بين النبوتين ( النبيين خ‌ل ) وهم الذين يجدد لهم التكليف لان المراد من الاعراف محل المعرفة والتميز ( التمييز خ‌ل ) باي طور كان والمصنف حيث كان مطمح نظره سلوك طريق القوم من الحكماء والصوفية الذين اذا تكلموا في احوال المعاد تكلموا بطريقة التأويل والاعراف واهل الاعراف عندهم هم العارفون كما ذكره المصنف ولا يراد بهم محمد واله صلى الله عليه واله الا انهم من جملة العارفين ولا يلتفتون الى بيان حال هذا الموقف كما سيكون مما سمعوا لان ليس ذلك ( لان ذلك ليس خ ) مطلوبا لهم وانما حقيقة وصفهم عائد الى انفسهم فهم بانفسهم مشتغلون عما سواها واذا ذكر المصنف شيئا مما لوحنا به فانما ذكر استطرادا

والحاصل ذكر ثلاثة ادلة على تخصيصه الاول الاحاديث والاحاديث منها ما يدل على مطلوبه ومنها ما يدل على غيره والثاني ان الاية تدل على غاية مدحهم لانه تعالى قال وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم وغير الكاملين لا يعرفون انفسهم فضلا عن غيرهم ولذا ( لهذا خ‌ل ) قال في ذكر غير الكاملين والمتوسطون يعني الواقفين ( الواقعين خ‌ل ) بين النجاة والهلاك الذين لم يترجح ( لم ترجح خ‌ل ) حسناتهم على سيئاتهم وان كانت رحمة الله شملتهم وادخلهم الجنة فيما بعد فانهم في ذلك الموقف الذي هو اعرافهم واقفون في السد اي الحائط الحاجز بين الدارين الجنة والنار ليسوا من اهل مرتبة المدح الذي هو النظر في الاشياء بنور الله بحيث يميزون بين الحقايق فيعرفون اهل الجنة واهل النار بسيماهم وسرائرهم لان الاطلاع على حقايق الاشياء امر عظيم لا يتأهل له الا الكاملون في العلم والعمل والثالث ان غير الكاملين يقولون ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين يوم القيمة وهم على الاعراف والدعاء والمناجات يومئذ لا تنفع ولا تفيد فايدة يحصل بها لهم كمال وعلم نافع ومعرفة تستنير بها قلوبهم بحيث يقدرون على التميز ( التمييز خ‌ل ) لان ذلك مظنة وقوعه في الدنيا وقولهم ذلك في الاخرة مناف لان يعرفوا كلا بسيماهم اذ لا ترقي لذي عمل بعمله ( يعمله خ ) في الاخرة لان الاخرة ليس فيها الا حصول مطلوب و( او خ‌ل ) فقد محبوب واعلم ان كلامه هذا فيه ابحاث ترد عليها ابحاث لا فايدة في ذكرها في مثل قوله انما هي الدنيا وما قبل الموت واما الاخرة وما بعد الموت الخ فانه كلام قشري جار على طريقة العوام ولكن لا فائدة في بيان ذكر شيء لم يذكر المصنف فيه منافيا عند الناظر في كلامه

قال : قاعدة في معنى طوبى وهي مثال شجرة العلم كثيرة الفروع والشعب شريفة النتايج والاثمار من المعارف الالهية التي اكثرها مما لا تستقل باكتسابه العقول البشرية بل يحتاج في تحصيلها وتناولها ان تقتبس بانوارها ( انوارها خ‌ل ) من مشكوة النبوة بواسطة اول اوصيائه وافضل اوليائه واشرف ابواب مدينة علمه فان العلوم الالهية والمعارف الربانية انما انتشرت في قلوب المستعدين القابلين للهداية من بدر الولاية وشجرة الهداية ومما ورد في هذا المعنى ما رواه اعظم المحدثين رواية وضبطا واوثقهم دراية وحفظا الشيخ الصدوق ابوجعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي (ره) بسنده المتصل عن ابي ‌بصير قال قال ابو عبد الله جعفر الصادق (ع) طوبى شجرة في الجنة اصلها في دار علي بن ابي طالب (ع) وليس من مؤمن الا وفي داره غصن من اغصانها وذلك لان نفسه الشريفة معدن الفضائل والعلوم وكان قلبه المنور مفتاح ابواب خزانة المعرفة الموروثة من الانبياء (ع) سيما خاتمهم واعلمهم عليه واله افضل التسليمات وازكيها كما افصح عنه قوله (ص) انا مدينة العلم وعلي بابها
اقول انما قال { معنى طوبى } ولم يقل معنى شجرة طوبى مع انه انما تكلم على معنى الشجرة لانه يريد ان طوبى اذا افردت في مثل مقام الدعاء كما يقال { طوبى لك } ان المراد بها شجرة العلم وربما يفهم من كلامه انه لا يريد غير هذا المعنى وان كان لها معاني اخر اما لانه جرى على طريقة ابناء نوعه من الصوفية وبعض الحكماء من حصرهم الالفاظ على معانيها الباطنة كما هو شأن اهل التأويل حتى ان بعضهم انجر به التطبع الى انكار كثير من الضروريات مثل القائم (ع) وخروجه عجل الله فرجه وقال ما مراد الشارع به الا العقل وخروجه عبارة عن استيلائه على جميع المشاعر والنفس والبدن واعتدال الطبيعة وان يأجوج ومأجوج وخروجهم امام الساعة عبارة عن ظهور الوساوس والاوهام الباطلة امام قيام العقل واستيلائه على جميع المشاعر ومعنى انهم يشربون ماء البحر يعني النفس ويأكلون الشجر انهم اي الاوهام يمنعون شؤن النفس ان تتعلق بمصالح البدن بافعالها ( بافعالهم خ‌ل ) واما لان غير هذا المعنى لا يعتد به والمصنف وان كان كثيرا ما لا يذكر ( يذكر خ‌ل ) الامور الظاهرة على نحو ( غير خ‌ل ) ما جرت به الشريعة الطاهرة ( الظاهرة خ‌ل ) الا انه يلوح في تعريفه الى مشرب القوم وانما لم يقل معنى شجرة طوبى ليعلم ان معنى طوبى مطلقا هو الشجرة المعينة اذ لو ذكر شجرة طوبى لفهم منه ارادة احد معاني طوبى ولم يرد ذلك وانما يريد ان معنى طوبى وان اريد بها الجنة فان المراد بها العلم لانه قد اشار ان الجنة وما فيها من القصور والولدان والحور والرمان والطيور وغير ذلك كلها من باب النيات والاعتقادات كما تقدم فكيف حال كلامه في معنى طوبى والحاصل الامر كما قال الصادق (ع) كما رواه الحسن بن سليمان الحلي في مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري قال (ع) ان قوما امنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم يك ينفعهم ايمانهم شيئا ولا ايمان ظاهرا ( ظاهر خ‌ل ) الا بباطن ولا باطن الا بظاهر ه‍ او كما قال وطوبى احد معانيها شجرة العلم وقال المفسرون في قوله تعالى طوبى لهم وحسن ماب اي طيب العيش وقيل طوبى الخير واقصى الامنية وقيل طوبى اسم الجنة بلغة اهل الهند وطوبى مصدر كبشرى بضم الطاء من الطيب فواوه مقلوبة عن ياء واحد معانيها شجرة العلم والحكمة وهي كثيرة الفروع والشعب لان فروعها وشعبها لا نهاية لها في الامكان شريفة النتايج والاثمار شعبها عين ثمرها والثمرة الواحدة منها اذا اكلها الانسان اشبعت في محلها من باطنه واروته ابدا ولا تفنى لذتها ولا يخلو محلها عنها بكثرة انفاقها بل كلما انفق منها قر اصلها وثبت ودر ( رد خ‌ل ) ثمرها ( ثمرتها خ ) واينع ( انبع خ‌ل ) ونبت

واختلف العلماء في اكتساب تلك العلوم هل تستقل بتحصيلها العقول مطلقا ام تستقل بمعارفها دون حدودها ام لا تستقل مطلقا بل تحتاج الى الشرع فقيل بالاول لان العقول جعلها الله تعالى حججا وما لا يستقل لا يكون حجة وقد قال تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وفسروا الظاهرة بالانبياء والحجج (ع) والباطنة بالعقول وطريقها الى العلوم الاكتساب ( اكتساب خ‌ل ) وبعض هؤلاء قال طريقها التخلق بالاخلاق الالهية كما قال علي (ع) ما معناه ليس العلم في السماء فينزل عليكم ولا في الارض فيصعد اليكم ولكن العلم مجبول في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم ونقل ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي وروى عن عيسى بن مريم على محمد واله وعليه السلام قال لبني ‌اسرائيل يا بني اسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من يصعد يأتي به ولا في تخوم الارض من ينزل يأتي به ولا من وراء البحر من يعبر يأتي به العلم مجبول في قلوبكم تأدبوا بين يدي الله باداب الروحانيين وتخلقوا باخلاق الصديقين يظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم وورد عن النبي (ص) انه قال العلم نور يقذفه الله في قلوب اوليائه وانطق به على لسانه ( لسانهم خ‌ل ) العلم علم الله لا يعطى الا الاولياء الجوع سحاب الحكمة فاذا جاع العبد مطر بالحكمة انتهى وقيل بالثاني لان المعارف لا تثبت بالنقل لانه لا يحصل منه الا الظن والظن لا يغني من الحق شيئا واما الاحكام فلان العقول لا تدرك مأخذها فاكتفى بالظن فيها فيرجع الى النقل وقيل بالثالث لان العقول قبل الشرع عقول التميز ( التمييز خ‌ل ) ومدار التميز ( التمييز خ‌ل ) الى الاسترشاد والاسترشاد على الله تبينه ( تبيينه خ‌ل ) ولم يتنبه ( لم يبينه خ‌ل ) الا في كتابه وعلى السنة اوليائه وحججه (ص) وانما تسمى تلك القوة المميزة عقلا اذا تعلمت من تعليم الله تعالى ولهذا قال الصادق (ع) العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان الحديث وما سوى هذا ليس عقلا حقيقيا لما تقرر في الاصول من ان صحة السلب علامة المجاز وقد قال (ع) في اخر الحديث حين قال له السائل فما الذي كان في معوية فقال تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل وقد روي عن ابن عباس عن النبي (ص) ما معناه ما من شيء من الحق عند احد من الخلق الا بتعليمي وتعليم علي بن ابي طالب (ع) وروي معنى هذا عن غير ابن عباس عنه (ص) والحق عند من اراد الله به خيرا هو القول الثالث ( الثابت خ‌ل ) ومن كان استمداد عقله من الكتاب والسنة علما وعملا وجد هذا ما ( مما خ‌ل ) لا يرتاب فيه

وقوله { بواسطة اول اوصيائه وافضل اوليائه } يريد ان العقول البشرية لا تستقل بانفسها في اكتساب المعارف الالهية بل تحتاج الى الاستمداد من مشكوة النبوة التي تستمد من الوحي الذي هو الواسطة بين المفيض الذي علم عباده تعالى ( سبحانه خ‌ل ) ما لم يعلموا ولا يمكن العقول الاستمداد من مشكوة النبوة التي تستمد من الوحي الا بواسطة علي (ع) وكلامه هذا صحيح في عدم الاستمداد بدون واسطته ( واسطة علي خ ) (ع) ولكن هل لساير الناس غير الاحد عشر وفاطمة (ع) ان يستمد من المشكوة بواسطة علي (ع) بدون واسطة الاحد عشر (ع) بينه وبين علي (ع) ام لا ؟ اما في الظاهر فنعم بل وبدون واسطة علي عليه السلام بل يأتي الرجل ويسأل النبي (ص) ويجيبه وان لم يكن علي (ع) حاضرا واما في الباطن فاعتقادنا انه لا بد من توسط ( توسطة خ‌ل ) الائمة الاحد عشر وفاطمة (ع) لان سبيل الادراك في سلسلة الصعود وهو سبيل البدء في سلسلة النزول فكما ان البدء لزيد لا يصل اليه المدد الا بواسطة جميع الاسباب كذلك الاستمداد من المبدء في العلوم والمعارف فان اشترط ( اشتراط خ‌ل ) المصنف توسط علي (ع) فالذي ينبغي له ان يشترط توسط باقي اهل بيت محمد (ص) بل وتوسط سائر الانبياء (ع) لساير الخلق ممن سواهم لما ثبت في صريح الاخبار وصحيح الاعتبار انهم (ع) خلقوا من شعاع انوار محمد واهل بيته (ص) وساير المؤمنين خلقوا من شعاع انوار الانبياء (ع)

وقوله { واشرف ابواب علمه } يدل على ما قلنا فانه اذا كان (ص) مدينة العلم وهم ابواب مدينة العلم دل على مشاركتهم في الوساطة لكل من سواهم هذا في الحقيقة وفي نفس الامر واما في الظاهر فلا تحتاج العقول في الاخذ من مشكوة النبوة الى واسطة ( وساطة خ‌ل ) احد منهم (ع) ولا في الاخذ من مصابيح الولاية الا وساطة النبي (ص) كما هو المعروف بين العوام

وقوله { فان انوار العلوم الالهية والمعارف الربانية } والعلوم الالهية هي علم الشريعة وعلم الطريقة اعني علم اليقين والتقوى الذي هو علم الاخلاق والمعارف الالهية هي علم الحقيقة اعني معرفة الله ومعرفة صفاته واسمائه وافعاله وما يصح عليه ويمتنع وهذه العلوم الثلثة هي التي عناها (ص) بقوله انما العلم اية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة الحديث ويلحق بهذه الثلثة كل ما طلب من العلوم لهذه الثلاثة او لاحدها وانما انتشرت في قلوب المستعدين بقابلياتهم من التعلم والعمل بما امر الله واجتناب ما نهي عنه والتفكر والتدبر والنظر فيما خلق الله من الافاق والانفس فان مثل هؤلاء هم القابلون للهداية من بدر الولاية وهو الامام (ع) وشجرة الهداية عطف صفة على صفة

وقوله { ومما ورد في هذا المعنى ما رواه اعظم المحدثين } في العلم والمعرفة بدراية الاحاديث ولهذا فسره بقوله { رواية وضبطا واوثقهم دراية وحفظا الشيخ الصدوق } الخ لعل المصنف انما بالغ في وصفه لما وجد في كلامه في اول كتابه الفقيه ومن مثل ما ذكره العلامة في ترجمة ( ترجمته خ‌ل ) في الخلاصة : والرجل تغمده الله برحمته لا عيب فيه وان كانوا لم يصرحوا بتوثيقه في كتب الرجال وكونه من مشايخ الاجازة لا يدل على الاستغناء عن توثيقه فان كثيرا من مشايخ الاجازة وثقوهم كالمفيد والكليني وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد وغيرهم وان كان ترك توثيقه لشهرة ثقته فليس باشهر ممن ذكر ولا من ابيه علي بن الحسين على انه ذكر في كتابه من لا يحضره الفقيه في اخر باب الصوم التطوع منه قال واما خبر صوم الغدير والثواب المذكور فيه لمن صلى فان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه ولم يحكم بصحة من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح انتهى وهذا يدل على خلاف ما ذكره المصنف من انه اعظم المحدثين رواية وضبطا واوثقهم دراية وحفظا لانه يدل على ان تصحيحه للاخبار بالاعتماد على مشايخه ومثل هذا ينافي الضبط والدراية ومثل هذا يصلح لمثل محمد ( لمحمد خ‌ل ) بن يعقوب الكليني (ره) واما الصدوق (ره) فهو لا شك انه مما ( ممن خ‌ل ) روي وحفظ ما به ان شاء الله نجاته ونجات من تمسك برواياته جزاه الله عن حفظه للشريعة عن هذه الامة خير الجزاء والحديث الذي روي ( يروي خ‌ل ) المصنف عنه مذكور في المتن وغيره كثير فمنه ما روي عن النبي (ص) شجرة طوبى شجرة في الجنة اصلها في داري وفرعها في دار على فقيل له في اين ذلك فقال داري ودار على في الجنة بمكان واحد وفي تفسير علي بن ابراهيم عن النبي (ص) حديث طويل وفيه يقول (ص) دخلت الجنة واذا انا ( وانا اذا خ‌ل ) بشجرة لو ارسل طائر في اصلها مادارها سبعمأة عام وليس في الجنة منزل الا وفيه غصن ( شجرة خ‌ل ) منها فقلت ما هذه يا جبرئيل فقال هذه شجرة طوبى قال الله تعالى طوبى لهم وحسن ماب وفيه عن ابي عبد الله (ع) قال طوبى شجرة في الجنة في دار امير المؤمنين (ع) وليس احد من شيعته الا وفي داره غصن من اغصانها وورقة من اوراقها تستظل تحتها امة من الامم وعنه (ع) كان رسول الله (ص) يكثر تقبيل فاطمة (ع) فانكرت ذلك عايشة فقال رسول الله (ص) يا عايشة اني ( لما خ ) اسري بي الى السماء دخلت الجنة فادناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فحول الله ماء ذلك ( ذلك ماء خ ) في ظهري فلما هبطت الى الارض واقعت خديجة ( الخديجة خ‌ل ) فحملت بفاطمة وكلما اشتقت الى الجنة قبلتها وماقبلتها قط الا وجدت رايحة شجرة طوبى منها فهي حوراء انسية وروى الشيخ بسنده وكتبه في كتاب مسائل البلدان يرفعه الى سلمان الفارسي (ره) قال دخلت على فاطمة (ع) والحسن والحسين (ع) يلعبان بين يديها ففرحت لهما فرحا شديدا فلم البث حتى دخل رسول الله (ص) فقلت يا رسول الله (ص) اخبرني بفضيلة هؤلاء لازداد لهم حبا فقال يا سلمان ليلة اسري بي الى السماء ادارني جبرئيل (ع) في سمواته وجنانه ( جناته خ‌ل ) فبينما انا ادور في قصورها وبساتينها ومقاصيرها اذ شممت رايحة طيبة فاعجبتني تلك الرايحة فقلت يا حبيبي ما هذه الرايحة التي غلبت روايح الجنة كلها فقال يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى ( سبحانه خ‌ل ) بيده منذ ثلثمأة ‌الف عام ما ادري ( ندري خ‌ل ) ما يريد بها فبينما انا كذلك اذا ( اذ خ‌ل ) رأيت ملئكة ومعهم تلك التفاحة قال رسول الله (ص) فاخذت ( واخذت خ‌ل ) من تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل (ع) فلما هبط بي الى الارض اكلت تلك التفاحة فجمع الله مائها ( فجمعت ماؤها خ‌ل ) في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة (ع) من ماء التفاحة فاوحى الله عز وجل الى ان قد ولدك ( ولد منك خ‌ل ولد لك خ‌ل ) حوراء انسية فزوج النور من النور فاطمة من علي فاني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الارض مهرها وسيخرج فيما ( مما خ‌ل ) بينهما (ص) ذرية طيبة وهما سراجا الجنة وهما الحسن والحسين ويخرج من صلب الحسين ائمة يقتلون ويخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم الخ اقول وهذا الحديث يشعر بان شجرة طوبى تحمل بكل فاكهة جمعا بين الاخبار ولو قيل انها في الاصل شجرة تفاح لم يكن بعيدا ولو قيل مع هذا انها ( انما خ‌ل ) تحمل بكل نوع من انواع الفواكه والثمار لكان صحيحا ثم ما ورد ان المؤمن اذا اتى قبر الحسين (ع) خصوصا اخر الليل فانه يشم منه رايحة التفاح واقول وحقه وحق جده وابيه وامه واخيه وحق التسعة الاطهار من بنيه صلى الله على محمد وعليهم اجمعين وقد ( لقد خ ) شممت من شباكه الطيب رايحة التفاح مرارا لا احصيها صلى الله عليك يا ابا عبد الله بعدد ما في علم الله وفي اصول الكافي عن ابي عبد الله (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) فان لاهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث واداء الامانة والوفاء بالعهد وصلة الارحام ورحمة الضعفاء وقلة المراقبة للنساء او قال وقلة الموافاة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الخلق واتباع العلم وما يقرب الى الله عز وجل زلفى طوبى لهم وحسن ماب وطوبى شجرة في الجنة اصلها في دار النبي محمد (ص) وليس من مؤمن الا في داره غصن منها لا تخطر على قلبه شهوة الا اتاه بها ذلك ولو ان راكبا مجدا سار في ظلها مأة عام ماخرج منها ولو طار من اسفلها غراب مابلغ اعلاها حتى سقط ( يسقط خ‌ل ) هرما الا ففي هذا فارغبوا ان المؤمن من نفسه في شغل والناس منه ( عنه خ‌ل ) في راحة اذا جن عليه الليل افترش وجهه وسجد لله عز وجل بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته الا فهكذا فكونوا الخ وفي عيون الاخبار قال يعني الحسين (ع) قال رسول الله (ص) يا علي انت المظلوم بعدي وانت صاحب شجرة طوبى في الجنة اصلها في دارك واغصانها في دار شيعتك ومحبيك الحديث وفي كتاب الخصال في تفسير حروف ابجد الى ان قال واما الطاء فطوبى لهم وحسن ماب وهي شجرة غرسها الله تبارك وتعالى بيده ونفخ فيها من روحه وان اغصانها تسري ( لترى خ‌ل ) من وراء سور الجنة تنبت بالحلي والحلل والثمار مستدلة ( متدلية خ‌ل ) على افواههم وعن ابي‌سعيد الخدري وفي احتجاج علي (ع) يوم الشوري وعن ابي ‌امامة وفي كتاب اكمال الدين واتمام النعمة وعن ابي ‌حمزة الثمالي وفي مجمع البيان وفي ثواب الاعمال وعن ابي ‌حمزة الثمالي ايضا روايات بمعنى ما تقدم وفي تفسير العياشي بسنده قال بينما رسول الله (ص) جالس ذات يوم اذ دخلت ام ‌ايمن وفي ملحفتها شيء فقال رسول الله يا ام‌ ايمن اي شيء في ملحفتك فقالت يا رسول الله فلانة بنت فلان املكتموها فلم تنشروا ( فلم تنثروا خ ) عليها فاخذت زوجها فلم تنشر ( فلم تنثر خ ) عليها فقال لها رسول الله (ص) ولا تبكين فو الذي بعثني بالحق نبيا بشيرا ونذيرا لقد شهد املاك فاطمة جبرئيل وميكائيل واسرافيل في الوف من الملئكة ولقد امر الله طوبى فنثرت ( فنشرت خ‌ل ) عليهم من حللها وسندسها واستبرقها ودرها وزمردها وياقوتها وعطرها فاخذوا منه حتى مادروا ما يصنعون به ولقد نحل الله طوبى لمهر فاطمة وهي في دار علي بن ابي طالب (ع) فظهر لمن نظر ان اطلاق طوبى على الشجرة مشهور في اخبارهم فعلى هذا تكون الاضافة بيانية وما ذكره المفسرون من معاني طوبى كلها صحيح ومراد وان كان على خلاف الاغلب وانما ذكرت كثيرا من الروايات ليظهر لك وجه الاغلب

وقوله { وذلك لان نفسه الشريفة معدن الفضايل والعلوم وكان قلبه المنور } الخ فيه ما قلنا لان هذه الفضائل ليست مختصة به دون اولاده الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين

قال : وانما نسب معنى طوبى الى داره الاخروية من بيت قلبه المعنوي دون دار محمد (ص) لان تفاصيل العلوم الحقيقية التي جاء بمجامعها الرسول (ص) والكتاب مستفادة من بيانه وتعليمه وهو كما اشار تعالى بقوله ومن عنده علم الكتاب وبقوله وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وبقوله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وبقوله انما انت منذر ولكل قوم هاد ولذلك ورد انه قال (ص) لما نزلت هذه الاية يا علي انا المنذر وانت الهادي ه‍ فقد تبين بنور العقل والنقل ان مثال شجرة طوبى اعني اصل العلوم والمعارف في دار علي (ع) واولاده المطهرين الذين هم ذرية بعضها من بعض لان كلا منهم يحذو حذو ابيهم المقدس وجدهم المنور المطهر صلوات الله عليهم اجمعين
اقول اذا فسرت طوبى بشجرة العلم والمعرفة فسرت ( فسر خ ) البيت بالقلب فيكون جانبه ( جانب خ ) الايمن محل المعرفة وجانبه ( جانب خ ) الايسر محل العلم لان الايسر جانب النفس التي هي محل الصور التي هي العلم والايمن محل العقل الذي هو مدرك المعاني التي هي المعرفة

وقوله { دون دار محمد (ص) } غلط لان علم علي (ع) من علم محمد (ص) مجملة ومفصلة ( مجمله ومفصله خ‌ل ) نعم لو قال ان صاحب الخلافة هو صاحب التأويل وصاحب النبوة هو حامل التنزيل وطوبى من نوع التأويل ناسب كلامه على ان الحديث الاول المذكور عن النبي (ص) فيه اصلها في داري وفرعها في دار علي (ع) فقيل له في ذلك فقال داري ودار علي في الجنة بمكان واحد فقوله (ص) في الجنة يشعر بان حصول ذلك العلم في الجنة يوم القيمة واما حصوله له ولاهل بيته (ص) فهو ( فهي خ‌ل ) في الدنيا كما هو ( هي خ‌ل ) في الاخرة لان هذا العلم من جملة ثمار الجنة فكما انهم (ع) يأكلون في الدنيا من ثمار الجنة كذلك يأكلون ما كان من نوع ذلك وكما انه قد يأكل غيرهم من ثمار الجنة وان كان نادرا كما اكل الحواريون من المائدة وشرب عبد الله بن سنان من ماء الكوثر في الدنيا بواسطة جعفر بن محمد عليهما السلام كذلك قد يحصل بعض ذلك من العلوم والمعارف لغيرهم من شيعتهم وكذلك ما في اصول الكافي من قوله اصلها في دار النبي محمد (ص) فانه وغيره من الاخبار يدل على اتحاد الدار فقول المصنف { دون دار النبي محمد (ص) } ليس بشيء على اطلاقه وكذا الكلام في قوله

وقوله { وهو كما اشار تعالى بقوله ومن عنده علم الكتاب } في الخرائج وفي الكافي والعياشي عن الباقر (ع) ايانا عني وعلى اولنا وافضلنا وخيرنا بعد النبي (ص) وروي مثله في مجمع البيان عن الصادق (ع) وفي الاحتجاج سئل رجل علي بن ابي طالب (ع) اخبرني بافضل منقبة لك فقرء الاية وقال ايانا عني بمن عنده علم الكتاب وفي المجالس عن النبي (ص) انه سئل عن هذه الاية فقال ذاك ( ذلك خ‌ل ) اخي علي بن ابي طالب (ع) وروى العياشي عن الباقر (ع) انه قيل له هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم ان اباه ( اياه خ‌ل ) الذي يقول الله قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال كذب هو علي بن ابي طالب (ع) وفي الكافي بسنده عن سدير قال كنت انا وابوبصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس ابي عبد الله اذ خرج علينا وهو مغضب فلما اخذ مجلسه قال يا عجبا لاقوام يزعمون انا نعلم الغيب ما يعلم الغيب الا الله تعالى لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في اي بيوت الدار هي قال سدير فلما ان قام من مجلسه وصار في منزله دخلت انا وابو بصير وميسر فقلنا له يا بن رسول الله جعلنا فداك سمعناك وانت تقول كذا وكذا في امر جاريتك ونحن نعلم انك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك الى علم الغيب قال فقال يا سدير الم تقرء القرءان قلت ( فقلت خ‌ل ) بلى قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك قال قلت جعلت فداك قد قرأته قال فهل عرفت الرجل وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب قال قلت اخبرني به قال قدر قطرة من الماء في البحر الاخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب قال قلت جعلت فداك ما اقل هذا قال ( فقال خ‌ل ) يا سدير ما اكثر هذا ان ينسبه الله عز وجل الى العلم الذي اخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل ايضا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال قلت قد قرأته جعلت فداك قال فمن عنده علم الكتاب كله قال فاومي بيده الى صدره وقال علم الكتاب والله كله عندنا وفي تفسير علي بن ابراهيم بسنده عن ابي عبد الله (ع) قال الذي عنده علم الكتاب هو امير المؤمنين (ع) وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب اعلم ام الذي عنده علم الكتاب فقال ما كان علم الذي كان عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب الا بقدر ما تأخذ ( تأخذه خ‌ل ) البعوضة بجناحها من ماء البحر وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن عجلان عن ابي ‌جعفر (ع) قال سألته عن قوله قل كفى بالله فقال نزلت في علي (ع) بعد رسول الله (ص) وفي الائمة بعده وعلي عنده علم الكتاب وعن عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب فلما رءاني اتتبع هذا واشباهه من الكتاب قال حسبك كل شيء في الكتاب من فاتحته الى خاتمته مثل هذا فهو في الائمة (ع) عني به وروى المفيد مسندا الى سلمان الفارسي (رض) قال قال لي امير المؤمنين الويل كل الويل لمن لا يعرف لنا حق معرفتنا فانكر فضلنا ( فضائلنا خ‌ل ) يا سلمان ايما افضل محمدا او ( محمد (ص) ام خ‌ل ) سليمان بن داود وقال سلمان فقلت بل محمد (ص) فقال يا سلمان هذا اصف بن برخيا قدر ان يحمل عرش بلقيس من سبا الى فارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب ولا اقدر انا وعندي علم الف كتاب انزل الله منها على شيث بن ادم خمسين صحيفة وعلى ادريس النبي (ع) ثلثين صحيفة وعلى ابراهيم الخليل عشرين صحيفة وعلم التورية والانجيل والزبور والفرقان قلت صدقت يا سيدي فقال اعلم يا سلمان ان الشاك في امورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا وقد فرض الله طاعتنا وولايتنا في كتابه في غير موضع وبين فيه ما وجب العمل به وهو مكشوف ه‍ الى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الخصوص بل كلهم مشتركون في هذه الفضيلة وذكر علي (ع) في بعضها وحدة ( وحده خ ) للتمثيل في تشريكهم مع ما علم من اخبارهم (ع) وان ما جرى لاولهم يجري لاخرهم

وبقوله { وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وبقوله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون } مما يدل على احاطة علومهم وحاجة جميع الخلق في العلم اليهم لان الله تعالى ( لانه سبحانه خ‌ل ) قد اقام نبيه (ص) مقامه في ساير عالمه في الاداء اي فيما يريد ان يؤديه الى خلقه من خلق او رزق او حياة او مماة اذ كان تعالى ( سبحانه خ‌ل ) لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار كما تقدم ذكره في خطبة علي (ع) يوم الغدير ويوم الجمعة ثم اوحى ( اوحى الى نبيه خ‌ل ) صلى الله عليه واله والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء وانزل الله اليه ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها فعلم رسول الله (ص) عليا (ع) جميع ما اوحى اليه وامره ان يعلم اهل بيته الطاهرين (ع) جميع ما علمه من العلوم

وكذلك قوله تعالى { انما انت منذر ولكل قوم هاد } فان محمدا (ص) هو المنذر والهادي علي (ع) ولذلك ( ولذا خ‌ل ) ورد انه (ص) قال لما نزلت هذه الاية يا علي انا المنذر وانت الهادي

وقوله { فقد تبين بنور العقل والنقل ان مثال شجرة طوبى يعني ( اعني خ ) اصل العلوم والمعارف في دار علي (ع) واولاده المطهرين (ع) الخ } ربما يشعر بان كلامه الاول لم يرد به التخصيص به عليه السلام وانما ذكره لكونه سيدهم ومقدمهم وليس ببعيد وان كان خلاف ظاهر عبارته لانه كثيرا ما لا يغني ( لا يعتني خ ) باصلاح ( باصطلاح خ‌ل ) العبارة فان عني بقوله الاول ما اراد هنا في قوله { واولاده المطهرين } فقد اجاد وان اراد خصوص التوسط فقد اخطأ السداد

وقوله { لان كلا منهم } اي من الائمة الاثني ‌عشر اعني الاحد عشر وفاطمة { يحذو حذو ابيهم المقدس } امير المؤمنين (ع) { وجدهم المطهر } خاتم النبيين صلوات الله عليه وعليهم وان اراد به انهم مثلهما (ع) في العلوم العامة وفي التوسط لكل الخلق فهو حق وان اراد به خصوص العلوم ( العلم خ‌ل ) دون التوسط فهو غلط

قال : وفروعها في دور صدور شيعتهم وبيوت قلوب مواليهم اذ ( ان خ ) يتفرع ويتشعب من علم النبي والوصي والهما صلى الله على محمد وعلي والهما علوم عقلية وفروع فقهية في قلوب العلماء والمجتهدين من اتباعهم ومقلديهم الى يوم القيمة ونسبة سيد الاولياء علي (ع) الى علماء هذه الامة يا علي انا وانت ابوا هذه الامة وهكذا نسبة شجرة طوبى لجميع ( بجميع خ‌ل ) اشجار الجنة قال العارف المحقق في الفتوحات المكية اعلم ان شجرة طوبى لجميع شجر الجنان ( الجنات خ‌ل ) كادم (ع) لما ظهر عنه من النبيين فان الله لما غرسها بيده وسويها ونفخ فيها من روحه كما شرف ادم باليدين ونفخ فيه فاورثه نفخ الروح فيه علم الاسماء لكونه مخلوقا باليدين ولما تولي الحق غرس شجرة طوبى ونفخ فيها زينها بثمرة الحلي والحلل اللذين فيهما زينة للابسهما ونحن ارضها كما جعل ما على الارض زينة لها انتهى فقد ظهر من كلامه ان شجرة طوبى يراد بها اصول المعارف والاخلاق الحسنة لتكون زينة للنفوس القابلة بمنزلة ما على الارض زينة لها
اقول المراد بالفروع الاغصان كما هو منطوق الاخبار والغصن يراد منه نوع منها اذا فسرت بالعلوم وجزء منها اذا فسرت بالشجرة المعلومة فاذا ( فان خ‌ل ) فسرت بالعلوم فالغصن منه كلي ومنه جزئي فمرادنا بالكلي ان المؤمن له حصة من شجرة العلوم وتلك الحصة من كل علم يناسب رتبة ذلك المؤمن من المعارف وغيرها ومرادنا بالجزئي ان ذلك الغصن يعطي صاحبه المؤمن من كل فاكهة وطعام يناسب رتبة ذلك المؤمن بما تقتضيه الحكمة وكل ملبوس ومشروب ومنكوح ومشموم وملموس ومذوق ومسموع ومبصر ومتخيل مما تقتضي الحكمة حسن تنعمه به وتمتعه فيه وان فسرت بالشجرة النباتية حملت بكل فاكهة توجد في الدنيا على اطوار والوان لا تتناهى مثلا تحمل برمان رطب ويابس فيه طعم كل فاكهة تميل اليها نفس صاحب ذلك الغصن وفي ذلك الرمان جميع الالوان والطبايع المستقيمة كما كان فيه جميع الطعوم وكذا يحمل ذلك الغصن بتفاح بين رمان وعنب ورطب في كل شيء كل لون محسن ( مستحسن خ‌ل ) وكل طعم مستعذب وكل رايحة طيبة وهكذا وكل واحدة من تلك الثمرات المتغايرة المتشاكلة ظاهرها طعام وطيب وفاكهة وشراب وقوة باه واصلاح مزاج وتفريح وكمال عقل وذكاء وما اشبه ذلك وباطنها علم كما قال علي (ع) اسفله طعام واعلاه علم ه‍ لمثل هذا فليعمل العاملون

وقوله { في دور صدور شيعتهم } يعني ما كان من علوم الاحكام مما يتعلق بالخلق واحوالهم ومعرفة صفاتهم وذواتهم لان الصدور هي مقر العلوم التي صور الاشياء واحوالهم وافعالهم واعمالهم واقوالهم والمراد بالدور جمع دار وهي المشتملة على بيوت كثيرة

وقوله { في بيوت قلوب مواليهم } يعني ما كان من المعارف الالهية من معرفة صفاته وصفاتها واسمائه واسمائها وافعاله ومتعلقاتها واوقاتها والقلوب في الصدور كالبيوت في الدور وذكر القلوب للمعارف غير مناسب لمذاق العارفين لان القلوب مقر اليقين الذي هو ضد الشك والريب وهذا نوع علم اليقين والتقوى الذي هو ثمرة علم الاخلاق لذلك كما ان الصدور مقر العلوم التي هي ضد الجهل ولا شيء من الاثنين بمحل المعارف ( للمعارف خ‌ل ) التي يتناولها العارف بلا صورة ولا معنى ولا كيف ولا كم ولا اشارة وذلك لان العلم باعث للخوف بما يتحقق في الصدور واليقين باعث للرجاء بما يشرق في القلوب ( القلب خ‌ل ) واما المعارف المحضة المجردة عن الصور وعن المعاني فلا تنجلي ( فلا تتجلى خ‌ل ) الا في الافئدة فتنبعث عنها المحبة بلا اشارة ولا كيف والقلب يطلق على الفؤاد وبالعكس الا انه بحسب ظاهر اللغة واما في اللغة الخاصة فالفؤاد روح القلب والقلب وجهه وظاهره ولعل المصنف لا يعرف الفرق بينهما ولهذا لم‌نجد لهذا ذكرا في شيء من كتبه والموافق لمن يسلك الغور في المعارف ذكر الفرق بينهما ليعرف ما يحل في مكانه اللايق به فنسب ( فينسبه خ‌ل ) اليه واذا فسرت هذه الشجرة الطيبة بالمعارف والعلوم فهل توجد تلك العلوم والمعارف في الدنيا لاصحاب الغصون في الاخرة ام لا ؟ الظاهر ان ذلك يوجد فكل علم اجابه العمل اذا هتف به فانه تنزل ( متنزل خ‌ل ) من تلك الشجرة وذلك الغصن كامن في بيت صاحبه يظهر له يوم القيمة ومن مات فقد قامت قيامته ومن قتل نفسه كما يحب الله اورق غصنه وكثر ثمره وتناول منه في الدنيا واكل من ثمره ولا يجد احد لذة للعلم دائمة ثابتة الا ما كان من تلك الشجرة واذا كان من غيرها فان وجد لذة لشيء من العلم فانما ذلك للبس خادعته فيه نفسه وغفلته ( غفلة خ‌ل غفله خ ) عما يراد منه او به ولما كانت تلك الشجرة في الجنة كان كل علم يوصل اليها فهو منها وكل علم يصد عنها فليس منها لان الاشياء بمقتضى طبيعتها تنعطف فروعها على اصولها

وقوله { اذ يتفرع ويتشعب من علم النبي والوصي والهما (ص) علوم عقلية } اي كالمعارف الحقة { وفروع فقهية } كالعلوم المستنبطة من الكتاب والسنة بالاستنباط الذي اشاروا اليه (ع) بقولهم علينا ان نلقي اليكم اصولا وعليكم ان تفرعوا وتلك الفروع من تلك الغصون اذا كانت جارية في استخراجها على نمط ما سلكوا (ع) وعلى هذا ( والي هذه خ‌ل ) الاشارة بقوله تعالى واوحى ربك الى النحل اي النفوس المتنحلة ( المنتحلة خ ) يعني المختارة المستنبطة من ادلتها ان اتخذي من الجبال بيوتا اي انظري وتدبري في متعلقات الاحكام التي هي محال النظر والتدبر من الجبال اي مقتضيات الاجسام والطبايع جمع جبلة من تفسير ظاهر الظاهر بيوتا وهي محال النظر لاستنباط مقتضي اوصافها ودواعيها من الحسن والقبح ومن الشجر وهي النفوس في تطوراتها وشئونها ومما يعرشون من تعلقات افعالها بالاجسام ووقوع اطيار شئونها على اوكارها من الاجسام والجسمانيات ثم كلي من كل الثمرات اي من موجبات الافعال المقتضية لتلك الثمرات باوصافها من الحسن والقبح فاسلكي سبل ربك ذللا اي في الاستنباط بما عرفك من سبله ونمط استخراج المسببات من اسبابها ( الاسباب خ‌ل ) واستنباط الفروع من اصولها يخرج من بطونها اي من بطون خيالها وانظارها ( افكارها خ‌ل ) شراب اي علوم يحيي بها اموات النفوس والقلوب كما يحيي ( تحيي خ‌ل ) بالماء اموات الاشجار والارضين كما قال تعالى وجعلنا من الماء الظاهري والماء الباطني الذي هو العلم كل شيء حي

فان قلت يلزم من بيانك خصوصا بتأويلك ان يكون النبي (ص) واهل بيته (ص) يجتهدون في استخراج الاحكام من الادلة وهو خلاف الاتفاق قلت نعم فانهم (ع) يستنبطون الاحكام من ادلتها الا ان الفقهاء غيرهم اغلب ما يتوصلون به الظنون وهم (ع) جميع ما تؤديهم اليه ادلتهم الى اليقين القطعي العياني في جميع ما يحكمون به والا فاخذهم بالاستنباط كما قال تعالى ولو ردوه الى الله واىي الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ففي تفسير العياشي عن عبد الله جندب ( سنان الجندب خ‌ل ) عن الرضا (ع) يعني آل محمد (ع) وهم الذين يستنبطون من القرءان ويعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلقه وعن ابي عبد الله (ع) قال هم الائمة عليهم السلام وعن ابي عبد الله (ع) قال عز وجل اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فقال عز وجل ولو ردوه الى الله والى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فردا لامر الناس الى اولي الامر منهم الذين امر بطاعتهم وبالرد اليهم وفي الاكمال بسنده الى ابي ‌حمزة الثمالي عن ابي‌جعفر بن محمد بن علي الباقر (ع) في حديث طويل يقول فيه (ع) ومن وضع ولاية الله واهل استنباط علم الله في غير اهل الصفوة من بيوتات الانبياء فقد خالف امر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة امر الله والمتكلفين بغير هدى وزعموا انهم اهل استنباط علم الله فكذبوا على الله وزاغوا عن وصية الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا واضلوا اتباعهم فلا تكون لهم يوم القيمة حجة وقال ايضا بعد ان قرء فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين فان يكفر بها امتك فقد وكلنا اهل بيتك بالايمان الذي ارسلناك له فلا يكفرون بها ابدا ولا اضيع ( ولا اضع خ‌ل ) الايمان الذي ارسلناك به وجعلت اهل بيتك بعدك على امتك ولاة من بعدك وعلى الاستنباط الذي ليس فيه كذب ولا اثم ولا زور ولا بطر ولا رياء ه‍ فتدبر هذه الاخبار ليظهر لك ان الاستنباط ( استنباط خ‌ل ) الحق ما استنبطه محمد واهل بيته والانبياء (ع)

وقوله { ونسبة سيد الاولياء علي (ع) الى علماء هذه الامة } اذا اريد بعلماء هذه الامة الائمة الطاهرون ( عليهم السلام خ ) صح التشبيه في الجملة لان امير المؤمنين (ع) سمي ( يسمى خ‌ل ) امير المؤمنين لانه يمير الائمة (ع) العلم المأخوذ ( مأخوذ خ‌ل ) من قوله تعالى ونمير اهلنا والمؤمنون هنا هم الائمة عليهم السلام الا انه (ع) يسقيهم مما استسقى ( اسقى خ‌ل استقى خ ) منه بنفسه لا بصفته فلهذا قلنا صح التشبيه في الجملة ولو اريد الانبياء صح التشبيه على الحقيقة وان اريد مطلق علماء هذه الامة صح على الحقيقة بنسبته في كل شيء بمعنى ان كنه الشجرة واصلها الذي ليس ورائه لها ( له خ‌ل ) ذكر بحال ما هو في بيت محمد وذلك في بيت على وبيوت اهل بيته الطاهرين (ع) بحكم الثانوية ( ثانوية خ ) فان ما هو بحكم الاولوية ( الاولية خ‌ل ) في بيت محمد (ص) وبعده في بيوتهم وظاهر ذلك منتشر في بيوت الانبياء (ع) يقع في بيت كل نبي ما يسعه استعداده واشعة ذلك الظاهر مشرقة في بيوت المؤمنين يقع في كل بيت من بيوت المؤمنين ما يستدل عليه ( يستدعيه خ‌ل ) استعداده وبمثل ذلك استمداد مقلديهم الى انقضاء التكليف ( انقضائه خ‌ل ) هذا نسبة باطنها وتأويلها ونسبة ظاهرها ( مظاهرها خ ) الى جميع شجرات الجنان ( الجنات خ ) كشجرات الخير وهو النهر الجاري في المدهامتين التي تحمل بالنساء الخيرات الحسان المعلقات في تلك الاشجار بشعورهن وكشجرات الفواكه بجميع انواعها وشجرات الدنيا وما اودع فيها من الخواص والاسرار كنسبة ظاهر علوم محمد (ص) واوصيائه الى علوم ساير علماء شيعتهم من الاولين والاخرين لا خصوص علماء هذه الامة كما توهم ( توهمه خ‌ل ) المصنف بل الى علوم ساير الانبياء والمرسلين وساير المؤمنين من الاولين والاخرين كساير ( وساير خ‌ل ) الملئكة اجمعين وساير ما اودع علما ( علنا خ‌ل ) و( او خ ) سرا من جميع الحيوانات والنباتات والجمادات في ذواتهم وصفاتهم واحوالهم وافعالهم فتأمل في هذه الاجمال والتعميم وارسله في كل شيء ليصح لك التمثيل

وقوله { قال العارف المحقق في الفتوحات المكية } يعني به محمد بن علي الطائي الاندلسي ابن ‌عربي المعروف وقول ابن ‌عربي { اعلم ان شجرة طوبى لجميع ( بجميع خ‌ل ) شجرات الجنات ( الجنان خ‌ل ) كادم (ع) لما ظهر عنه (ع) من النبيين ( البنين خ ) } يعني ان ادم (ع) لم يتولد من اب وام غير مادته وصورته فظهرت عنه ذرية ( ذريته خ‌ل ) بالتناكح والتناسل كذلك شجرة طوبى لو لم يكن ( لم تكن خ‌ل ) متولدة من بذر او نواة ولا من صلب شجرة كانت قبلها فتولدت من اصلها كتولد النخلة من النخلة قال { فان الله لما غرسها بيده وسواها } يعني سوى صورتها { نفخ فيها من روحه } اي المراد بالروح عندنا وهو روح وليه (ع) فحييت ظاهرا بالحيوة النباتية وهي النفس النباتية وحييت بالحياة التأويلية وهي حياة العلم الوجداني ( الوحدانية خ ) كما قال تعالى أ ومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس اي جعلنا له عقلا وعلما يهتدي به في ظلمات الجهالة وحييت باطنا بالحياة الحقيقية الناطقية { كما شرف ادم باليدين } اي يدا ( يدي خ‌ل ) قدرته واليدان من جهة الفعل المشية هي يده اليمنى خلق بها ( منها خ‌ل ) مادته والارادة هي يده الشمال خلق بها ( منها خ‌ل ) صورته { ونفخ فيه } يعني نفخ فيه الحياة من روحه وهي روح وليه (ع) { فاورثه نفخ الروح فيه علم الاسماء } قال { لكونه مخلوقا باليدين } يعني لاجل كونه مخلوقا باليدين اللتين هما العقل والنفس اي القلم واللوح قال { ولما تولى الحق غرس شجرة طوبى ونفخ فيها زينها بثمرة الحلي والحلل اللذين هما زينة للابسهما ونحن ارضها } يعني انا محل اشراقها فيجب ان يجري علينا شبهها فزين ( فتزين خ‌ل ) بالعلم { كما جعل ما على وجه الارض من زينة لها } ويريد ان النفخ من روحه في ادم (ع) اورثه علم الاسماء والنفخ في الشجرة من روحه اورثها زينة الحلي والحلل ونحن بنو ادم وارض الشجرة فورثنا الصفوتين فقول المصنف { فقد ظهر من كلامه ان شجرة طوبى يراد بها اصول المعارف والاخلاق الحسنة ليكون زينة للنفوس القابلة بمنزلة ما على الارض زينة لها } هو الظاهر من لفظه واما ما يظهر من مراده فهو ما اشرنا اليه فافهم

قال : قاعدة في دخول اهل النار فيها هذه مسئلة عويصة وهي موضع خلاف بين علماء الرسوم وعلماء الكشف وكذا بين اهل الكشف هل يسرمد العذاب عليهم الى ما لا نهاية له او يكون لهم راحة ونعيم بدار الشفاعة بدار الشقاء جهنم عند منتهى مدة العذاب الى اجل مسمى مع اتفاق الكل على عدم خروج الكفار من النار وانهم ماكثون فيها الى ما لا نهاية له فان لكل من الدارين عمارا ولكل منهما ملؤها والاصول الحكمية دالة على ان القوى الجسمانية متناهية وعلى ان القسر لا يدوم على طبيعة واحدة وعلى ان لكل موجود غاية ينتهي اليها وعلى ان مال الكل الى الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء
اقول قوله { هذه مسئلة عويصة } غلط لانها في نفسها سهلة وانما جعلها عويصة تكلف المتكلفين وذلك انهم بنوا امورهم على اظهار النكت الغريبة ليماروا به العلماء لان اصل هذه وامثالها لما اخبروا ائمة الهدى (ع) بتألم اهل النار واظهروا ذلك بين شيعتهم حتى كان مذهبهم معروفا بالقول بدوام التألم اخذ المقابلون لهم بالرد والانكار في اظهار خلافهم ولما كانت ظاهرة التحقق كانت مخالفتها عويصة فاستدلوا على ما يدعون من المخالفة بامور مفرقة ودلائل ملفقة فلهذا كان تصحيحها عويصا صعبا والمصنف هو واتباعه لما كان ديدنهم النظر في كتب اولئك والخطاب معهم غلبت عليهم المخالطة وعظمت عليهم الشبهة وعميت عليهم الادلة فتكلفوا لما انست به نفوسهم عن ( من خ‌ل ) الشبهة اوهاما اعتمدوها وشبهات زخرفوها يحسبه ( يحسبها خ‌ل ) الظمان ماء وهي سراب حتى اذا جائها لم يجدها شيئا وستسمع ما ذكروه فاختلفوا ( اختلفوا خ‌ل ) هل يسرمد عليهم العذاب بمعنى هل يدوم تألمهم مع اتفاقهم على دوام العقاب والخلود فيه ام تكون لهم بذلك العذاب راحة ونعيم في دار الشقاء جهنم بحيث يتنعمون بالتعذيب واكل الزقوم وشرب الحميم كما يتنعم الجعل برايحة الغذيرات ( العذرات خ‌ل ) حتى لو وضعوا في الجنة لتألموا بنعيمها كما يتألم الجعل برايحة المسك والريحان ولكنهم ماكثون فيها لا يخرجون منها الى ما لا نهاية له وذلك لما دلت عليه الادلة النقلية والعقلية على ان للجنة عمارا وللنار عمارا وان لكل منها ( منهما خ ) ملؤها والمصنف لما كان مؤتما بالقوم تابعا لهم في مذاهبهم اختار مذهبهم في ان اهل النار بعد انتهاء مدة عقابهم على اعمالهم بقدرها يؤل امرهم الى التنعم بالعذاب بحيث لو دخلوا ( ادخلوا خ‌ل ) الجنة تألموا بنعيمها فقال { الاصول الحكمية دالة على } انقطاع التألم منها { ان القوى الجسمانية متناهية } كاللامسة والذايقة والشامة والباصرة والسامعة وغير ذلك وهي المسماة بالانسان الطبيعي وهو ظل الانسان النفسي وهذا الانسان الطبيعي عندهم متناه فان بفناء هذه الدار ومعنى فنائه تبدله وتجدده حتى اذا عاد يوم القيمة يعود بصورته الوجودية لا بمادته كما تقدم من كلامه وهذه التبدلات والتناهي والتغيرات وما وقع بسببها من المعاصي او نشأ منها وهي خيرات في حقها وكمالات لها بها تسبح الله تعالى وتقدسه ولم تقصد في شيء من افعالها القبيحة مخالفة امر الله ولا رضاه ولا في انبعاثها في المعصية انتهاكا لشريعة ( للشريعة خ‌ل ) بل هي عاشقة لله تعالى طالبة له من الطريق الذي وضعها فيه لانها فاعلة ( فاعله خ‌ل ) بحسب طبعها وكل ما يفعل بحسب طبعه فهو تسبيح ( يسبح خ‌ل ) الله تعالى وتقدسه ( يقدسه خ‌ل ) وهذه القوى والاعضاء لما كانت عاملة بعقوبات ( حاملة لعقوبات خ‌ل ) النفس الحساسة المتخيلة كانت بمنزلة زبانية جهنم وسدنة الجحيم وبمنزلة مالك فكما ان سدنة النيران لا يتألمون منها لانهم هم المعذبون لاهل النار كذلك هذه القوى والاعضاء فانظر ايها العاقل الى هذه التوجيهات الفاسدة والتمويهات الكاسدة كيف يعتقدها المصنف ويدين الله بها

ومثله ( مثلا خ‌ل ) ما يريد من القسر فانه ( لانه خ‌ل ) لا يدوم على طبيعة واحدة وهي ما اقتضته المعاصي من العقوبات والالام فانه اقتضاء على غير مقتضى الطبيعة فاذا انقضى القسر عاد الى النعيم الذي هو مقتضى الطبيعة من تقطيع الاعضاء وتفريقها وقبولها الاحتراق لانها قابلة اما ( لما خ ) يجري عليها فتنعم ( فتتنعم خ‌ل ) به لانه هو الملائم لها ولان لكل موجود غاية يؤل امره اليها والموجودات صدرت بمقتضي الرحمة الواسعة فيعود كل شيء اليها انتهى وامثال هذه الاستدلالات الباطلة العاطلة وستسمع بطلان هذه الاوهام بعد ايراد كلامه

قال : وعندنا ايضا اصول دالة على ان الجحيم والامها وشرورها دائمة باهلها كما ان الجنة ونعيمها وخيراتها دائمة باهلها وان كان الدوام في كل منهما على معنى اخر وانت تعلم ان نظام الدنيا لا يصلح الا بنفوس جافية غليظة وقلوب قاسية شديدة القسوة فلو كان الناس على طبقة واحدة وطبيعة سليمة وقلوب خاشية مطيعة لاختل النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الشديدة الغلاظ كالفراعنة والدجاجلة والنفوس المكارة الشيطانية وفي الحديث اني جعلت معصية ادم (ع) سببا لعمارة هذه ( هذا خ ) العالم وقال تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها الاية وقال ولو شئنا لاتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين وكونها على طبقة واحدة تنافي ( ينافي خ‌ل ) الحكمة والمصلحة لاهمال ساير الطبقات الممكنة في ممكن الامكان من غير ان يخرج من القوة الى الفعل والعناية تأباه فاذا كان وجود كل طايفة من مقتضى قضاء الله وقدره وعنايته ورحمته وتكون لها غايات طبيعية ومواطن ذاتية والغايات الذاتية للاشياء مناسبة لها ملائمة لذواتها يقع الوصول اليها اخر الامر وان عاق عنها عايق زمانا مديدا او قصيرا كما قال وحيل بينهم وبين ما يشتهون والله يتجلي بجميع الاسماء في جميع المنازل والمقامات فهو الرحمن الرحيم الرؤف وهو العزيز الجبار القهار المنتقم وفي الحديث ايضا لولا انتم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون قال بعض المكاشفين يدخل الله اهل الدارين فيهما السعداء بفضل الله واهل النار بعدله وينزلون فيهما بالنيات فيأخذ الالم جزاء العقوبة موازيا لمدة العمل ( العمر خ‌ل ) في الشرك في الدنيا فاذا فرغ الامد جعل لهم نعيم في الدار التي يخلدون فيها بحيث لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة الطبع الذي جبلوا عليه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار وزمهرير وما فيها من لدغ حيات وعقارب كما يتلذذ اهل الجنة فيه من الظلال والنور ولثم الحسان من النور ( الحور خ‌ل ) لان طباعهم تقتضي ذلك الا ترى الجعل على طبيعة يتضرر بريح ( بطيب خ‌ل ) الورد ويتلذذ بالنتن والمحرور من الانسان يتأذي بريح المسك فاللذات تابعة للملائمة والالام لعدمه وصاحب الفتوحات المكية امعن في هذا الباب وبالغ فيه في ذلك الكتاب وقال في الفصوص واما اهل النار فمالهم الى النعيم اذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب ان تكون بردا وسلاما على من فيها واما انا والذي لاح لي بما انا مشتغل به من الرياضات العلمية والعملية ان دار الجحيم ليست بدار نعيم وانما هي موضع الالم والمحن وفيها العذاب الدائم لكن الامها متنفنة ( متفننة خ‌ل متفتتة خ ) متجددة على الاستمرار بلا انقطاع والجلود فيها متبدلة وليس هناك موضع راحة واطمينان لان منزلتها من ذلك العالم منزلة عالم الكون والفساد من هذا العالم
اقول ان المصنف قد برهن على هذه المسئلة بما هو صريح بانه قائل بمال امرهم الى النعيم كما ذكره في ساير كتبه مثل شواهد الربوبية التي قيل انها اخر تأليفاته وهنا كذلك وذكر هذا الكلام الاخير الذي يدل على عدم ذلك حين غفل عن قواعدهم وادلتهم التي ملأ الكتب منها وايدها وعدوله منها ( هنا خ‌ل ) يشبه مسائل الاجتهادية الظنية لا الاعتقادات ( اعتقادات خ‌ل ) اليقينية وما ( مما خ‌ل ) اطنب فيه في ذلك المذهب الفاسد ما ذكره في الكتاب الكبير الاسفار وان كان طويلا فاني احببت ان اورده بتمامه لتعرف ما فيه وربما اذكر فيه كلاما مني واصدر كلامه بقولي يقول واصدر كلامي بقولي قلت ليميز ( لتميز خ‌ل ) بين الكلامين والفرق بين هذا في هذا البحث وبين غيره في ساير ( هذه خ‌ل ) الشرح

يقول : هذه مسئلة عويصة وهي موضع خلاف بين علماء الرسوم وعلماء الكشوف وكذا موضع خلاف بين اهل الكشف هل يسرمد العذاب على اهل النار الذين هم من اهلها
قلت : قوله { الذين هم من اهلها } احتراز عن الذين يخرجون منها

يقول : الى ما لا نهاية له او يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي العذاب عنهم ( فيهم خ‌ل ) الى اجل مسمى مع اتفاقهم على عدم خروج الكفار منها ( منهم خ‌ل ) وانهم ماكثون فيها الى ما لا نهاية له فان لكل من الدارين عمارا ولكل منهما ملؤها اعلم ان الاصول الحكمية دالة على ان القسر لا يدوم على طبيعة واحدة وان لكل موجود من الموجودات الطبيعية غاية ينتهي اليها وقتا وهي خيره وكماله
قلت يريد ان القسر الذي اقتضى تألمهم جار على خلاف طبايعهم لان قبولهم للحرق والتقطيع والفراق والهم والغم ان كان جاريا على ما يقتضيه ( مقتضي خ‌ل ) طبايعهم كان ملايما والشيء لا يتألم بما يلائمه وان كان جاريا على خلاف ما يقتضيه ( تقتضيه خ‌ل ) طبايعهم فهو قسر والقسر على خلاف المقتضى فلا دوام له من طبيعة ( طبيعته خ‌ل ) وايضا كل موجود فله غاية ينتهي اليها ووصول الشيء الى غاية خيره وكماله وذلك كمال الملائمة فينقطع التألم والجواب ان القسر كما يجري في وقت ( لوقت خ‌ل ) ما لموجب قاسر كذلك يدوم ما دام الموجب القاسر وقد ثبت دوامه بثبوت المعاصي الجارية من المعاصي ( العاصي خ ) على الدوام والاستمرار ماقطعه عنها الا الموت لان المفروض من عدم توبته ودوام عزمه ونيته انه لو بقي ابد الابدين ودهر الداهرين انه لا يطيع الله تعالى ابدا واما رجوع كل موجود الى غاية ينتهي اليها فحق ولكن الغاية هي التي جرى عليها باختياره اذ لو كانت دواعي معاصيه عارضة لما استمر عليها مختارا فلا حقيقة له غير ما هو عليه في اول دخوله النار ولو كانت عارضة لماخلد فيها بل اذا كانت غاية ( غايته خ‌ل ) غير ما تقتضي هذه وجب خروجها عنها ( خروجه منها خ‌ل ) ودخوله الجنة وكمال كل شيء بنسبته ولهذا قلنا انهم كلما تطاولت الدهور اشتد تألمهم لانه كمال طبيعتهم وحقيقتهم كما ان اهل الجنة كلما تطاولت الدهور اشتد نعيمهم والجنة والنار واهلهما وما فيه اهلهما بينهما كمال التضاد في الصفات وكمال الاتحاد في الامتداد وذلك مثل ما بين الشاخص وظله فانه على عكس الشاخص ومثله في التناهي وعدمه لان الجنة من الرحمة والنار من الغضب فافهم

يقول : وان الواجب جل ذكره اوجد الاشياء على وجه تكون مجبولة على قوة تحفظ ( تنحفظ خ‌ل ) بها خيرها الموجود وتطلب بها ( منها خ‌ل ) كمالها المفقود كما قال هو الذي اعطي كل شيء خلقه ثم هدى
قلت : هو ما قلنا فان هذه القوة هي القوة المقتضية للاعمال الخبيثة سواء كانت طبيعية ( طبيعة خ‌ل ) ذاتية او تطبعية قد قسرت ( مرت خ‌ل قرت خ ) لان حقيقة الاشياء ما تصل اليها بالقوابل الاختيارية التي اقواها وامرها ( اقرها خ‌ل ) قوابل الاعمال فيها تصل الى كمالها التي هي عليه من خير او شر

يقول : ولاجل ذلك يكون لكل منها عشق للوجود وشوق الى كمال الموجود وهو غايته الذاتية التي طلبها وتحرك ( تتحرك خ‌ل ) اليها بالذات وهكذا الكلام في غايته وغاية غايته حتى ينتهي الى غاية الغايات وخير الخيرات
قلت : يريد حتى ينتهي الى خالقه وهذا باطل فان الحوادث لا تنتهي الى القديم ولا تقصر المسافة بينه وبينه بكثرة السير كما قال امير المؤمنين (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ومعنى رجوعها الى الله تعالى انتهاؤها الى ما خلقها منه او لاجله فانه هو الرجوع الى امره وسلطانه

يقول : الا ان يعوق له عن ذلك عايق ويقسر قاسر لكن العوايق ليست اكثرية ولا دائمية ( دائمة خ‌ل ) كما سبق ذكره والا لبطل النظام وتعطلت الاشياء وبطلت الخيرات ولم تقم الارض والسماء ولم ينشأ الاخرة والاولى وذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار
قلت : انما يبطل النظام لو اقتضى الامر سوقها كلها الى الخيرات لتعطل قابليات الظلمات والمكروهات لان الانوار والمحبوبات ( المحوبات خ‌ل ) لا تقوم بدون اضدادها كما اشار اليه الرضا (ع) بقوله ان الله تعالى لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده

يقول فعلم ان الاشياء كلها طالبة لذاتها للحق مشتاقة الى لقائه بالذات وان العداوة والكراهة طارية بالعرض فمن احب لقاء الله بالذات احب الله لقائه بالذات ومن كره لقاء الله بالعرض لاجل مرض طار على نفسه كره الله لقائه بالعرض
قلت ان العداوة والكراهة ليست طارية لانها هي المشخصة للشيء فان صورة السرير ليست طارية عارضة للسرير اذ ليس الخشب سريرا لتكون الصورة التي هي المشخصة للسرير عارضة وانما هي جزء ماهيته لانها عين قابليته وايضا اذا جعل الله عز وجل غاية كل طالب لم يتصور كونه تعالى كارها للقاء احد لانه انما يصل اليه ويلقاه بالذات فلا يتحقق اللقاء بالعرض فان ( وان خ‌ل ) وجد العرض لم يحصل اللقاء وان حصل اللقاء مع العرض لم يكن تعالى غاية للطالب لان الغاية الحقيقة لا يصل اليها الطالب لا ( الا خ‌ل ) بالذات لا بالعرض والا لكانت الغاية ورائها

يقول : فيعذبه مدة حتى يبرأ من مرضه ويعود الى فطرته ( الفطرة خ ) الاولى او يعتاد بهذه الكيفية المرضية وزال المه وعذابه بحصول ( لحصول خ‌ل ) اليأس وتحصل له فطرة اخروي ( اخرى خ‌ل ) وهي فطرة الكفار الايسين من رحمة الله الخاصة بعباده واما الرحمة العامة فهي التي وسعت كل شيء كما قال تعالى عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء
قلت : اذا عاد الى فطرة ( فطرته خ‌ل ) الاولى وجب اخراجه من النار فلا يخلد فيها واذا اعتاد بهذه الكيفية بقيت الطبيعة الموجبة للتألم واذا حصلت له فطرة اليأس اشتد المه لان اليأس اشد عذاب في جهنم واما الرحمة الواسعة فتشمله اخر امره كما شملته اول دخوله النار لانه حين دخولها ( دخلها خ‌ل ) شيء والرحمة وسعت كل شيء ولكنا لا نقول اذا عذب وتألم انه مظلوم بل هذا حكم العدل والرحمة الواسعة قسمان قسم فضل وهو الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين وقسم عدل وهو الجاري على المنافقين والمشركين والكافرين

يقول : وعندنا اصول دالة على ان الجحيم والامها وشرورها دائمة باهلها كما ان الجنة ونعيمها وخيراتها دائمة باهلها الا ان الدوام لكل منهما على معنى اخر ثم انك تعلم ان نظام الدنيا لا يصلح الا بنفوس جافية وقلوب غلاظ شداد قاسية فلو كان الناس كلهم سعداء بنفوس خايفة من ( عن خ‌ل ) عذاب الله وقلوب خاضعة خاشية لاختل النظام بعدم القائمين بالعمارة من هذه الدار من النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة والدجاجلة وكالنفوس المكارة وكشياطين الانس بجريرتهم وحيلتهم وكالنفوس البهيمية والجهلة كالكفار وفي الحديث اني جعلت معصية ادم سبب عمارة هذا العالم
قلت : هذه اشياء معلومة لا ننكر ( لا تنكر خ‌ل ) وان كان مقتضى كثير منها ينافي ما تقدم من رجوع امر اهل النار الى النعيم لان ذلك ينافي النظام لتعطل بعض المقتضيات كالتألم الذي هو من اسباب عمارة العالم لان النظام انما قام باعطاء كل ذي حق حقه باجراء الخير على مقتضى خيريته والشر على مقتضى شريته وهذا الحديث من طرق الجماعة وهذه عادة المصنف في كل الروايات التي يستدل بها من طرق العامة لان علمه ( عمله خ‌ل ) مأخوذ منهم ونظره في كتبهم ولكن معنى هذا الحديث لا ينافي الحق وبيان السر فيه انه لو بقي هو وذريته في الجنة بطل نظام هذا العالم ولا يعرف المطيع من العاصي ولا الصادق في طاعته من الكاذب ولا يجوز في الحكمة ان يخرجه من الجنة بلا تقصير لانه تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فنهاه عن الاكل من الشجرة لمصلحته ( لمصلحة خ‌ل ) وليكون على بصيرة من امره ووكله الى نفسه طرفة عين لان العصمة ليست واجبة في الحكمة لانها من التفضل لا من اللطف وكون عدم العصمة يجر الى المعصية لا يستلزم قبحا لان هذه المعصية سبب لدفع مفسدة اقبح من المعصية فكان احسنه العرض انصح ( حسنه العرضي ارجح خ‌ل ) من حسن تلك الطاعة الذاتي وهو ظاهر لمن يفهم اسرار التكليف

يقول : وقال تعالى ولو شئنا لاتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لأملئن جهنم من الجنة والناس اجمعين فكونها على طبقة واحدة ينافي الحكمة كما مر ولاهمال ساير الطبقات الممكنة في ممكن ( مكمن خ‌ل ) الامكان من غير ان يخرج من القوة الى الفعل وخلو اكثر مراتب هذا العالم من ( العلم عن خ‌ل ) اربابها ( عن ما بها خ ) فلا يتمشى النظام الا بوجود امور ( الامور خ‌ل ) الخسيسة والدنية المحتاج اليها في هذه الدار التي يقوم بها اهل الظلمة والحجاب ويتنعم بها اهل الذلة والقسوة المبعدين عن دار الكرامة والنور والمحبة فوجب في الحكمة الحقة التفاوت وفي الاستعدادات لمراتب الدرجات في القوة والضعف والصفاء والكدورة وثبت بموجب قضائه اللازم النافذ في قدره اللاحق ( اللائق خ‌ل ) الحكم بوجود السعداء والاشقياء جميعا فاذا كان وجود كل طايفة بحسب قضاء الهي ومقتضى ظهور اسم رباني يكون لها غايات حقيقية ومنازل ذاتية والامور الذاتية التي جعلت ( جبلت خ‌ل ) عليها الاشياء اذا وقع الرجوع اليها تكون ملائمة لذيذة وان وقعت المفارقة عنها امدا بعيدا وحصلت الحيلولة عن الاستقرار عليها ( اليها خ‌ل ) زمانا مديدا كما قال تعالى وحيل بينهم وبين ما يشتهون
قلت قد قلنا ان وجود الاشقياء من صور الغضب واشراقاتها ( اشراقاته خ‌ل ) كما ان وجود السعداء من صور الرحمة واشراقاتها فغاية كل من الطايفتين ما خلقت منه فان بقي الشقي بهيئة ما شقى ( يشقى خ‌ل ) به فهو من الغضب ويترتب على تلك الهيئة مددها من الغضب الذي به تألم اولا وبه يتألم اخرا بل يشتد عليه ذلك لما تقرر وثبت في الوجدان ان الاشراق كل ما قرب من المشرق اشتد وقوي وان لم يبق بتلك الهيئة وجب خروجه من دار الغضب ودخوله في دار الرحمة لانه حينئذ مخلوق منها وهذا مما لا شبهة فيه

يقول : ثم ان الله يتجلى بجميع الاسماء والصفات في جميع المراتب والمقامات كما حققناه في مباحث علم الله وغيره فهو الرحمن الرحيم وهو العزيز القهار وفي الحديث القدسي لولا انكم تذنبون لذهب بكم وجاء بقوم يذنبون
قلت : هذا دليلنا على دوام التألم ان الاشياء آثار لتجلي الاسماء فيترتب على كل شيء مقتضي علته فلو زال هذا المقتضي الذي هو فيض ذلك الاسم فني ذلك الشيء اذ ليس هو الا ذلك الفيض والتجلي ولو فرض ان ذلك الشيء بقي بعد زوال ذلك المدد والفيض دل على ان ذلك الفيض والمدد عارض وان ذات الشيء من فيض تجلي اسم معاكس لفيض ذلك المدد المعارض ( العارض خ‌ل ) كما في لطخ الكفر في المؤمن فيجب نقله الى مقام الفيض الذاتي الذي هو حقيقة ( حقيقته خ‌ل ) التي اذا زالت فني واعلم ان الحديث المروي من طرقنا هكذا : لولا انكم تذنبون لذهب بكم وجيئ بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ه‍ ولا شك انه اذا غفر لهم نقلوا من دار الذنب الى دار المغفرة

يقول : قال الشيخ الاعرابي في الفتوحات : يدخل اهل الدارين فيهما السعداء بفضل الله واهل النار بعدل الله وينزلون فيهما بالاعمال ويخلدون فيهما بالنيات فيأخذ الالم جزاء العقوبة موازيا لمدة العمر في الشرك في الدنيا فاذا فرغ الامد جعل لهم نعيم في الدار التي يخلدون فيها بحيث انهم لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة الطبع الذي جبل عليه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار وزمهرير وما فيها من انواع الحيات والعقارب كما يتلذذ ( يلتذ خ‌ل ) اهل الجنة بالظلال والنور ولثم الحسان من الحور لان طبايعهم تقتضي ذلك الا ترى ان الجعل على طبيعة يتضرر بريح الورد ويتلذذ ( يلتذ خ ) بالنتن والمحرور من الانسان يتألم بريح المسك واللذات تابعة للملائم والالام تابعة لعدمه ( لعدم الملائمة خ‌ل ) ونقل في الفتوحات ايضا عن بعض اهل الكشف انه قال : انهم يخرجون الى الجنة حتى لا يبقى احد من الناس البتة وتبقى ابوابها تصطفق وينبت في قعره الجرجير ويخلق لها اهلا يملؤها قال القيصري في شرح الفصوص : واعلم ان من اكتحلت عينه بنور الحق يعلم ان العالم باسره عباده ليس لهم وجود وصفة وقوى الا بالله وحوله وقوته وكلهم محتاجون الى رحمته وهو الرحمن الرحيم ومن شأن من هو موصوف بهذه الصفات ان لا يعذب احدا عذابا ابدا وليس ذلك المقدار ايضا الا لاجل ايصالهم الى كمالهم المقدر لهم كما يذاب الذهب والفضة بالنار لاجل الخلاص مما يكدره وينقص عياره فهو متضمن لعين اللطف كما قيل وتعذيبكم عذب وسخطكم رضى وقطعكم وصل وجودكم عدل انتهى
قلت : ما ذكر عن الفتوحات فقد تقدم الجواب عنه وما نقل عن بعض اهل الكشف فهو غلط مخالف لاجماع المسلمين واهل الملل فلا يلتفت اليه واما ( ما خ‌ل اما ما خ ) في شرح الفصوص فجوابه يعلم لما ( مما خ‌ل ) تقدم وتمثيله بالذهب والفضة لانقطاع التألم انما يصلح للمذنبين من اهل الجنة فكما ان الفضة والذهب المغشوشين بمثل النحاس اذا صفيا يوضعان مع الذهب والفضة الصافيين في الصندوق لا مع الاواني والقدور من النحاس في المطبخ لان هذا مثال الطيب الذي اصابه لطخ الخبيث بخلاف الخبيث الذي هو من اهل الخلود في النار فانه لا يصفى اذ لو صفى لم يبق منه شيء فافهم لضرب الامثال

يقول : فان قلت هذه الاقوال الدالة على انقطاع العذاب عن ( من خ ) اهل النار ينافي ما ذكرته سابقا من دوام الالام عليهم قلنا لا نسلم المنافات بين عدم انقطاع العذاب من اهل النار ابدا وبين انقطاعه عن كل واحد منهم في وقت
قلت : جوابه فيه اضطراب اذ يلزم منه اختلاف الانقطاع بالاولية والاخرية بالنسبة الى افراد من في النار ولم يقل احد بانقطاع العذاب عن شخص في اول دخوله ثم يعذب بعد ذلك ولكن المناسب لجوابه ان يقول ان انقطاع العذاب عبارة عن عدم التألم لا عن رفع العذاب بل يعذبون ولكنهم يتنعمون بذلك التعذب ( التعذيب خ‌ل ) كما تصلح الجمرة باشتعال ( باشعال خ‌ل ) النار وينطفي ( تنطفي خ‌ل ) بعدم الاشتعال

يقول : وقال في الفتوحات المكية : ان من الاحوال التي هي امهات احوال الفطرة التي فطر الله الخلق عليها هو الا يعبدوا الا الله فبقوا على تلك الفطرة في توحيد الله فما جعلوا مع الله مسمى اخر هو الله بل جعلوا الهة على طريق القربة الى الله ولذا قال قل سموهم فانهم اذا سموهم بان بانهم ما عبدوا الا الله فما عبد عابد الا الله في المحل الذي نسبوا اليه الوهية ( الالوهية خ‌ل ) فصح بقاء التوحيد لله الذي اقروا به في الميثاق وان الفطرة مستصحبة اقول وهذه عبارة ذاتية وقد سبق القول بان جميع الحركات الطبيعية والانتقالات في ذوات الطبايع والنفوس الى الله وبالله وفي سبيل الله والانسان بحسب فطرته داخل في السالكين اليه بحسب اختياره وهواه فان كان من اهل السعادة فيزيد الى قربه قربا وعلى سلوك ( سلوكه خ‌ل ) الجبلي سعيا وامعانا وهرولة وان كان من الكفار المنافقين ( الناقصين خ ) المختوم على قلوبهم الصم البكم الذي ( الذين خ‌ل ) لا يعقلون فهو كالدواب والبهائم لا يفقه شيئا الا الاغراض ( الاعراض خ‌ل ) النفسانية الحيوانية وانما الغرض في وجوده حراثة الدنيا والاخرة وعمارة الابدان وما له في الاخرة من خلاق فله المشي في مراتع الدواب والسباع فيحشر كحشرها ويعذب كعذابها ويحاسب كحسابها وينعم ( يتنعم خ‌ل ) كنعيمها وان كان من اهل النفاق المردودين على ( عن خ‌ل ) الفطرة الخاصة المطرودين عن سماء الرحمة فيكون عذابه اليما لانحرافه عما فطر عليه وهوية ( هويه خ‌ل ) الى الهاوية بما كسبت يداه فيقدر خروجه عن الفطرة ونزوله في مهاوي الجحيم يكون عذابه الاليم الا ان الرحمة واسعة والالام دالة على وجود جوهر اصلي يضاد الهيئات الحيوانية الردية والتقاوم بين المتضادين ليس بدائم ولا باكثري كما حقق في مقامه فلا محالة يؤل اما الى بطلان احدهما او الى الخلاص ولكن الجوهر النفساني من الانسان لا يقبل الفساد فاما ان نزول ( ان تزول خ‌ل ) هيئات الردية بزوال اسبابها فيعود الى الفطرة ويدخل الجنة ان لم تكن الهيئات من باب الاعتقادات كالشرك والا فيقلب ( فينقلب خ‌ل ) الى فطرة اخرى ويخلص من الالم والعذاب وهذه ( هذا خ‌ل ) هو المراد من مذهب الحكماء ان عذاب الجهل المركب ابدي يعني صاحب الاعتقاد الفاسد الراسخ في جهله وعتوه لا يمكن عوده الى الفطرة الاصلية فيصير من الهالكين البائنين عن هذه النشأة وعن الحياة العقلية ولا ينافي ذلك كونه حيا بحياة اخرى نازلة دنية وقوله تعالى في حقه لا يموت فيها ولا يحيي اي لا يموت موت البهايم ونحوها ولا يحيي حياة العقلاء السعداء
قلت : قوله في الفتوحات { فبقوا على تلك الفطرة في توحيد الله } غلط فانهم حين عبدوا غير الله تغير ( تغيرت خ‌ل ) الفطرة الاولى الانسانية الى الحيوانية البهيمية ولذا حكى الله تعالى عنهم فقال ان هم الا كالانعام بل هم اضل والمعنى انهم الان ليسوا في نفس الامر من نوع الانسان بل من نوع البهايم يدل على هذا قول سيد الساجدين (ع) في دعاء الصحيفة فيمن اكل رزق الله ولم يحمده ولو كانوا ( كان خ‌ل ) كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الى حد البهيمية قد كانوا ( فكانوا خ‌ل ) كما وصف في محكم كتابه ان هم الا كالانعام بل هم اضل وقول محمد بن علي الباقر الناس كلهم بهايم الا قليلا من المؤمنين والمؤمن قليل الخ ولهذا صح انهم عبدوا غير الله وقوله { ماعبدوا الا الله } غلط وجهل فكيف ماعبدوا الا الله والله يقول ويعبدون من دون الله نعم لو امرهم الله بذلك فامتثلوا امر الله كانت عبادة الله ( عبادة لله خ‌ل ) وان سميت عبادة لهم كما قال (ص) من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ومعنى ينطق عن الله ان الناطق ينطق بما اذن له الله تعالى ومعنى ينطق عن الشيطان انه ينطق بغير اذن من الله وان كان بحق ( يحق خ‌ل ) وقوله { ولذا قال قل سموهم فانهم اذا سموهم بان بانهم ماعبدوا الا الله } فيه انهم اذا سموهم قالوا هبل حجر نحتناه لنعبده فبان بانهم عبدوا غير الله بغير اذنه ( اذن خ‌ل ) ليس كسجود الملئكة لادم (ع) ويعقوب (ع) ليوسف فانه باذن الله فلم يبق توحيد الله ( لتوحيد لله خ‌ل ) بل لو قلنا يصح منهم ان يعبدوا الهة يتقربون بعبادتها الى الله ولم يصح توحيده اليه ( توحيد الله خ‌ل ) في عبادته بل اشركوا بعبادة الله والذي اقروا به في الميثاق انهم يوحدونه تعالى في ذاته بانه واحد في ذاته بلا تعدد بكل اعتبار وواحد في صفاته ليس كمثله شيء وواحد في افعاله هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه وواحد في عبادته ( عبادة خ‌ل ) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا ومن عبد هبل فانهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون واستصحاب الفطرة الاولى ابطله فليغيرن خلق الله وقول المصنف تأييدا لترهات الفتوحات { وهذه عبادة ذاتية } صحيح في انها عبادة ذاتية لكنها للشيطان وقول المصنف ايضا { وقد سبق القول بان جميع الحركات الطبيعية الخ } صحيح اذا كانت موافقة لامر الله في تكليفها الوجودي و( او خ‌ل ) الشرعي بقبولها منه كما احب ورضي وان ( واما خ‌ل ) الحركات الطبيعية من دواعي شهوات النفس الامارة فليس بعبادة لله بل كفر بالله وبعد منه تعالى ولو كانت كل حركة وانتقال الى الله وبالله وفي سبيل الله فان اريد بانها اليه تعالى اي الى حكمه عليها بما عملت فصحيح ولكن لا يدل على مطلوبهما ( مطلوبها خ‌ل ) وان اريد بانها اليه تعالى حيث يحب لانها اذا كانت عابدة ( عائدة خ‌ل ) له فهو يحبه لانه تعالى قال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فهو يحب ما خلق لاجله وما لا يحبه فليس عبادة له وحكمه على المعاصي ( العاصي خ‌ل ) بمعصيته انما يحب الحكم لانه العدل ولا يستلزم محبة المعصية فان اريد بانها اليه حيث يحب فلم يبق ( فلم يق خ‌ل ) فان كان من اهل السعادة فيزيد الى قربه قربا وان كان من الكفار فكذا وكذا اذ لا فايدة في التقسيم لانه اذا كانت كل حركة طبيعية او انتقالية عبادة فهي محبوبة لانه تعالى انما خلق المتحرك والمنتقل ليعبده وقوله في حق اهل النفاق وطردهم عن سماء الرحمة { فيكون عذابه اليما لانحرافه عما فطر عليه وهوية ( هويه خ‌ل ) الى الهاوية الخ } ينافي كون فطرة الميثاق مستصحبة ( المستصحبة خ ) وقوله { والالام دالة على وجود جوهر اصلي } يريد انه لو كان بسيطا لم يتألم كالبدن فان النار اذا قطعته وحرقته فانه قابل للتقطيع والحرق فيكونان ملايمين له والشيء لا يتألم بالملائم وانما يتألم بعدم الملايمة فوجود الالام يدل على وجود جوهر اصلي وهو الجوهر ( الجوهري خ‌ل ) النفساني الذي يتألم بما يحل بالبدن من التقطيع والحرق لانه مركبة وان كان البدن نفسه يتلذذ بذلك وهذا الجوهر النفساني انما يتألم قبل كونه عقلا وهو يضاد الهيئات الحيوانية الفاسدة الموذية ( الردية خ‌ل ) فالتألم في حال التصادم والتضاد والتقابل الا ان مقاومة الجوهري لتلك الهيئات ( الهيئة خ ) الردية غير دائمة ولا في اكثر الاحوال فلا محالة لا بد من التغير ( التغيير خ‌ل ) عن تلك المقاومة فاما بان يبطل احدهما او يبطل اعتباره او تكون فطرة غير الاولى فان فرض بطلان احدهما لا يفرض بطلان الجوهري النفساني لانها ( لانه خ‌ل ) من الجواهر الثابتة التي لا يجري عليها ( عليه خ‌ل ) التغيير والتبديل ( التبدل خ‌ل ) فلا بد اذا فرض البطلان لاحد المتضادين ان يفرض بطلان الهيئات ( الهيئة خ ) الردية فيتخلص ( فيخلص خ‌ل ) الجوهر النفساني فاذا خلص وجب انتقاله الى الجنة والمفروض انه من عمار النار ( الدنيا خ‌ل ) فلا محالة لا يفرض زوال الهيئات الردية لئلا تخلو النار من العمار لما يأتي من ان حقيقة الجواهر حينئذ ( الجوهر هي خ‌ل ) الهيئات الردية وهي التي بها هو هو فحيث امتنع الفرضان تعين الثالث وهو ( هي خ‌ل ) الانقلاب الى فطرة اخرى لا يخلص فيها الجوهر النفساني من الهيئات الردية ولا تحصل ( لا يحصل خ‌ل ) بينهما تضاد ومقاومة بل الجوهر النفساني يعتاد صحبة الهيئات الردية فيأنس بها فيكون ( فتكون خ‌ل ) طبيعة له ( طبيعية لها خ‌ل ) فلا تكون بينهما منافرة فيتنعم بالعذاب لحصول الملائمة لتلك الهيئات الردية لانها تكون هي حقيقته ( حقيقة خ‌ل ) ولا يحسن دخوله الجنة لانه من عمار النار ( الدنيا خ‌ل ) وقوله { ان لم تكن الهيئات من باب الاعتقادات كالشرك } فانه لرسوخه في جهله وعتوه لا يمكن فرض زواله فعلى هذا لا يخلد في النار الا المشرك ومن جرى مجراه لان ما سوى ذلك قد يفرض زواله ان لم يزل لقوله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وليس مرادهم ان الشرك ( المشرك خ‌ل ) لا يؤل امره الى التنعم في النار بالعذاب بل يتنعم بعذاب جهنم ولكنه وما هم منها بمخرجين بل هم فيها خالدون وقوله { وهذا هو المراد من مذهب الحكماء الخ } يعني ان الحكماء يذهبون الى ان صاحب الاعتقاد الراسخ كالمشرك لا يخرج من النار ابدا وان كان يؤل امره الى التنعم في النار واقول اكثر هذه التدقيقات التي ذكروها مبنية على قواعد غير وثيقة واكثرها قشرية عامية وبيان ذلك على حقيقة نفس الامر يطول به الكلام ولكن انبه الى ( على خ‌ل ) بعضها اشارة وتلويحا : اما ان البسيط كالبدن لم يتألم فهو غلط اذ ليس كل ما يمكن في الشيء ملايما والا لم يوجد منافرا قط فان الجوهر النفساني في مضادته للهيئات الردية مما يمكن فيه التضاد والتقاوم فما ( فيما خ ) جرى عليه مما حصل به التألم بل وتألم ( التألم خ‌ل ) نفسه ممكن ومقتضى طبيعة ( طبيعته خ ) التألم بالتقاوم فيكون ملايما فلا يتحقق تألم اصلا فالشيء بملايمة اختياره وجبره وقسره عند حصول القاسر والمجبر ومقتضى طبيعة التألم بالمؤلم فهو ملايم ومقتضى طبيعة ( طبيعته خ‌ل ) عدم الملائمة عند وجود غير الملائم فعدم الملائمة ملائم ( فعدم الملائمة خ ) وهكذا فهذا ( وهذا خ‌ل فهو خ ) اصل باطل لا يصار اليه اصلا على انه قد ثبت بالعقل والنقل على ان كل شيء فهو مكلف ومثاب او معاقب بنسبة رتبته من الوجود اولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيء ظلاله عن اليمين والشمايل سجدا لله وهم داخرون وقد اشرنا فيما مضي الى ثبوت العقل والاختيار في ( وخ‌ل ) التكليف والثواب و( او خ‌ل ) العقاب لكل شيء من الحيوانات والنباتات والمعادن والجمادات والاعراض واعراض الاعراض وغير ذلك من المعاني والاعيان من الامور الخارجية والذهنية والفرضية والاعتبارية التي يتوهمون انها ليست شيئا وهي اشياء ثم الى ربهم يحشرون الا ان كل شيء في كل شيء بحسبه والجوهر النفساني انما يكون من عمار النار لان حقيقته التي بها هو هو لذاته من النار لان الحقيقة التي بها تكون ( يكون خ‌ل ) الشيء اياه هي صورته المشخصة له وهي جزئها ( جزؤ خ‌ل ) ماهيته وهي نفس حقيقته وهي هذه الهيئات الردية الا ترى ان ( الى خ‌ل ) الصنم ليس هو الخشب الذي هو مادته ولم يتولد الصنم ولم يتكون صنما الا في بطن امه وهي الصورة لا المادة كما توهمه العيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض يأخذ اللاحق كلام السابق ولا يدري ما يقول وكأنهم لم يسمعوا الحديث المقبول عندهم وعند غيرهم قال (ص) السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه الخ فان كنت تفهم فانا اسألك الصنم شقي في بطن امه وهذا معلوم ولكن امه الذي شقي في بطنها المادة او الصورة ؟ فاذا عرفت ان حقيقة الصنمية التي بها شقي في بطنها هي الصورة لا المادة التي هي الخشب فانها هي الاب وعلى هذا ادلة قطعية عقلية ونقلية بان شقاوة الصنم من صورته والخشب ليس صنما ولا جائت الصنمية من الخشب فالهيئات الردية التي من النار وهي العقاب كما قال تعالى انما يأكلون في بطونهم نارا وقال تعالى ان هذا ما كنتم به تمترون وهي صورة ذلك النفساني وهي حقيقة ذلك المعذب كما ان حقيقة الصنم هي صورته المتقومة بالمادة التي هي الخشب و ( او خ‌ل ) الحديد او غيرهما كذلك الخالد في النار المعذب بها هو تلك الهيئات الردية من الاعمال السيئة والاقوال الخبيثة والافعال القبيحة وهي صورته ( صورة خ‌ل ) المتقومة بتلك المواد الملعونة المسخوطة منها هذا الجوهر النفساني المبعد من رحمة الله وجسمية الخشب الممسوح ( جسمه الخبيث الممسوخ خ‌ل ) وجسده المر ومائه الاجاج ولاجل ما اشرنا اليه لا يمكن في الحكمة فرض دخول هذه ( هذا خ ) الجوهر النفساني الجنة ولا فرض تنعمه فيها ما دام هكذا الا ان تقلب حقيقته فيكون نارا لا معذبا في النار او يكون ملكا من زبانية جهنم المعذبين لاهلها او يجعله الله طيبا من سكان الجنة فانه على كل شيء قدير واما ما دام هكذا فلا نعيم له ولا راحة ولا يخرج منها وذلك تأويل قوله تعالى لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم

يقول : وما ( مما خ‌ل ) استدل به صاحب الفتوحات المكية على انقطاع العذاب للمخلدين في النار قوله تعالى اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وما ورد في الحديث النبوي (ص) ولم يبق في النار الا الذين هم اهلها وذلك لان اشد العقاب على احد مفارقة الموطن الذي الفه فلو فارق النار اهلها لعذبوا باغترابهم عما اهلوا له وان الله قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الموطن اقول هذا استدلال ضعيف بني ( مبني خ‌ل ) على لفظ الاهل والاصحاب ويجوز استعمالهما في معنى اخر من المعاني النسبية كالمقارنة والمجاورة والاستحقاق وغير ذلك ولا نسلم ايضا ان مفارقة الموطن اشد العذاب الا ان يراد به الموطن الاصلي الطبيعي واثبات ذلك مشكل والاولى في الاستدلال على هذا المطلب ان يستدل بقوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس الاية فان المخلوق الذي غاية وجوده ان يدخل في جهنم بحسب الوضع الالهي والقضاء الرباني لا بد ان يكون ذلك الدخول موافقا لطبعه وكمالا لوجوده اذ الغايات كما مر كمالات الموجودات وكمال الشيء الموافق له لا يكون عذابا في حقه وانما يكون عذابا في حق غيره ممن خلق للدرجات العالية
قلت واستدلال صاحب الفتوحات ضعيف كاستضعاف المصنف له فان مفارقة موطن ( مواطن خ‌ل ) النور خاصة عذاب شديد لا الموطن الطبيعي مطلقا لان الطبيعي منه نور ومنه ظلمة فكل منهما ذاتي له وهو ما به هو هو لذاته وعارض وهو بخلافه ( لخلافه خ‌ل ) ونريد بالذاتي ما خلق منه او به ومعنى ما خلق منه النور ومعنى ما خلق به الظلمة اما الموطن العارضي فلا يتعذب بمفارقته غالبا واما الذاتي فالذي خلق منه يتعذب بمفارقته اشد العذاب واما الذي خلق به فلا يتعذب بمفارقته بل يتنعم بمفارقته اشد التنعم ومرادنا بما خلق به ان لطف اللطيف وكرم الكريم ورحمة الرحيم جرت في ايجاده عباده على ما يصلون به الى كمال التنعم والراحة كما قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولما خلقهم على حسب قوابلهم لئلا تكون لهم الحجة عليه فمن قبل فضل سيده تعالى بامتثال اوامره واجتناب نواهيه خلقه مما اراده واختاره له ومن ترك اوامره وارتكب نواهيه خلقه بعمله كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وليس الطبع منه تعالى بسبب كفرهم بل الطبع منهم اي خلق الطبع على قلوبهم من كفرهم فالمادة او ( وخ ) الصورة منهم والخالق هو الله تعالى لانه يخلق مقتضي كل ماثل ( مائل خ ) الى شيء باختياره فتمت كلمته وبلغت حجته وما ربك بظلام للعبيد ولم يرض لعباده ان يخلقهم باعمالهم المخالفة لمحبته فاذا خلقه هكذا كان موطنه الذاتي الطبيعي ما يخالف محبة الله ورضاه فهو جهنمي ( جهنم خ ) مبدؤه من غضب الله واليه يعود فلو فرض مفارقة هذا الموطن لم يكن له موطن يأوي اليه ويصاغ منه الى ( الا خ ) محبة الله ورحمته ورضاه فكيف تجد من فارق سخط الله ولعنة الله الى رضى الله وقربه واصل ارادة الله لايجاده ان يصيغه ( يصبغه خ‌ل ) في رحمته فلم يقبل هذا الصبغ فصبغه في عدم ( وعده خ‌ل ) قبوله بصبغ ( لصبغ خ‌ل ) الرحمة في غضبه ثم فرض تحول هذا الصبغ صبغ رحمة ورضاه ( رضي خ‌ل ) هل يتعذب بمفارقة ذلك الموطن الملعون المسخوط بموطن الرحمة والرضوان فاذا ظهر لك انه يتنعم بهذه المفارقة بما لا نعيم وراءه كيف يظهر لك انه اذا بقي في ذلك الموطن الملعون يتنعم ما لكم كيف تحكمون فاين تذهبون عن الطريق الواضح والحق اللايح ان هو الا ذكر للعالمين لمن شاء منكم ان يستقيم

يقول : وقال في الفتوحات : فعمرت داران ( الدار خ‌ل الداران خ ) اي دار النعيم ودار الجحيم وسبقت الرحمة الغضب ووسعت كل شيء جهنم ومن فيها والله ارحم الراحمين
قلت الرحمة وسعت نصف جهنم الاخير ونصف احوال من فيها الاخير واما اوائلها فلم تسعها الرحمة ولهذا عذبوا في الاول او انهم حين دخلوا جهنم ليسوا اشياء فلما كانوا اشياء وسعتهم ( وسعهم خ‌ل ) او لانها في الاول ولم تسبق الغضب لكن الامر ليس كما فهموا لان الرحمة الواسعة قسمان قسم فضل وهو النعيم المقيم للمؤمنين في الجنة وهو المسمى بالرحمة المكتوبة في قوله تعالى فساكتبها للذين يتقون وهي صفة الرحيم وقسم عدل وبه كان العذاب الاليم على اصحاب الجحيم

يقول وقد وجدنا في نفوسنا فمن ( ممن خ‌ل ) جبل على الرحمة بحيث لو مكنه الله في خلقه لأزال صفة العذاب عن العالم والله قد اعطاه هذه الصفة ومعطي الكمال احق به وصاحب هذه الصفة انا وامثالي ونحن عباد مخلوقون اصحاب اهواء واصحاب اغراض ( اعراض خ ) ولا شك انه راحم ( رحيم خ‌ل ارحم خ ) بخلقه منا وقد قال عن نفسه انه ارحم الراحمين ولا شك انه ارحم بخلقه منا ونحن عرفنا من نفوسنا هذه المتابعة ( المبالغة خ‌ل ) انتهى كلامه
قلت : لا تدعي هذا الوجدان فقد وجدنا امثالك لو تمكن اخرب العالم كله فكيف تدعي هذا وهو خلاف ما فعل الله عز وجل حيث يقول ولنجزينهم اسوء الذي كانوا يعملون وهو تعالى يقول فان لم تفعلوا ولن ‌تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين فلا ادري هل انه تعالى ماتمكن والا لأزال صفة العذاب عن العالم

وقوله : وصاحب هذه الصفة انا وامثالي
اقول ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم لو مكنه الله افسد العالم وذلك كما قال امير المؤمنين ان المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى انكاره في عمله الخ فهذا هو ابتلاه ببعض العلوم والمعرفة الصوفية فافسد الاعتقادات وامات الدين حتى قلب الشريعة ظهرا لبطن وقال بالمناكير ( بالمنكر خ‌ل ) حتى قال بايمان فرعون وانه مات طاهرا ليس عليه ذنب وان الاجماع من المسلمين كلهم قد قام وتحقق على كفر فرعون وان الله رضي بفعل سامري ( السامري خ‌ل ) للعجل لانه تعالى احب ان يعبد في كل صورة وما اشبه ذلك من المناكير المخالفة للمسلمين

يقول : ولك ( ذلك خ ) ان تقول وقد قام الدليل على ان الباري تعالى لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات وان كل شيء جار بقضائه وقدره وان الخلق مجبورون في اختيارهم فكيف يسرمد العذاب عليهم وجائت ( جاء خ‌ل ) في الحديث واخر من يشفع هو ارحم الراحمين والايات الواردة في حقهم بالتعذيب كلها حق وصدق وكلام اهل المكاشفة لا ينافيها لان كون الشيء عذابا من وجه لا ينافي كونها رحمة من وجه اخر فسبحان من اتسعت رحمته لاوليائه في شدة نقمته واشتدت نقمته لاعدائه في سعة رحمته لهم في الاخرة
قلت : هو سبحانه الغني الحميد لا تنفعه الطاعات ولا تضره المعاصي ولا نقول انه تعالى يتشفى بالانتقام من ( ممن خ ) عصاه تعالى من ( عن خ‌ل ) ذلك علوا كبيرا لكنه تعالى لما كان اجرى افعاله على انه يعطي كل ذي حق حقه لزم من ذلك في الحكمة انه يثيب بفضله ويعاقب بعدله واما ان كل شيء جار لقضائه ( بقضائه خ‌ل ) وقدره ومما لا شك فيه ( فمما لا نشك فيه خ‌ل ) ولا ينفعهم فيما تذهبون ( يذهبون خ‌ل ) اليه شيئا واما ان الخلق مجبورون في اختيارهم فلا معنى له ولكن الخواجة نصير الدين توهم هذا الخيال حيث لم يجد الا الفعل والترك وتبعه كثير وهو خطاء بل الخلق مختارون ان شاؤا فعلوا وان شاؤا تركوا ولو كان الامر كما توهموا لكان الخلق مجبورين في الفعل والترك وان اختاروا الفعل الجأوا اليه وان اختاروا الترك الجأوا اليه لم يكونوا في كل من الحالين مختارين وكيف ينقطع التألم عنهم مع استمرار موجبه وهو العزم على المعصية ونية الكافر شر من عمله ولذلك كذبهم الله حين قالوا يا ليتنا نرد ولانكذب بايات ربنا ( باياته خ‌ل ) ونكون من المؤمنين قال تعالى بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وما رووا في حديثهم انه تعالى اخر من يشفع لا يفيدهم شيئا وكلامهم ينافي ايات التعذيب وكيف لا ينافي وهو تعالى يقول بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب الاليم لانهم عند اول دخولهم النار تألموا لانهم ( لكونهم خ‌ل ) طريين لم يألفوا بالنار ولم يأنسوا بها فاذا احترقت جلودهم عادت طرية لم يألف بالنار ولم يأنس بها وهكذا في كل وقت واقول ان ذقت معنى كلامي هذا وفهمت مرادي اغناك عن كل دليل في هذه المسئلة فقوله ( وقوله خ‌ل ) فسبحان من اتسعت رحمته الخ جوابه سبحان من غطي بصائرهم باعمالهم ووكلهم الى انفسهم حتى كانوا لا يختارون الا روايات القوم ويزيدون فيها فان قوله لهم في الاخرة ليس من الحديث بل من جواب ( جراب خ‌ل ) النورة

وبالجملة كلامهم طويل عريض الا انه يرجع على نوع ما سمعت ولا فايدة في ذكر غير ما ذكرنا من كلامهم لانه مثل ما ذكرنا وجوابنا عن المذكور جواب لغيره يقينا فيما ذكره في هذه الرسالة هنا وهو الذي لاح له وهو حق لا شبهة فيه ولم يذكره في غير هذا

واما تعليله ذلك بانه انما كان فيه التألم وعدم الراحة بل فيه العذاب الدائم والمحن المستمرة الغير المتناهية لان منزلتها ( منزلته خ‌ل ) من ذلك العالم منزلة عالم الكون والفساد ومن ( الفساد من خ ) هذا العالم فهو مبني على ما نذهب ( يذهب خ‌ل ) اليه من ان الجنة ثابتة لا يجوز عليها التغير ولا التغيير وقد ذكره سابقا وذكرنا عليه هناك ان الاخرة بكل ما فيها من جنة ونار حادثة والحوادث مجردها وماديها متغيرة وان كان تغير كل ما ( بتغير كل خ ) بحسبه كما ترى في الدنيا فان المدر يتغير والحديد يتغير الا ان تغير المدر اسرع من تغير الحديد خصوصا الجنة وما فيها فتغيرها ( فان تغيرها خ‌ل ) من الضعف والخلق محركا الى الشدة والجدة والنار كلما طال المدي على اهلها ضعف قولهم ( قواهم خ ) وقويت بلاياهم بلا نهاية في الدارين

قال : قاعدة في كيفية تجسم الاعمال وتصور النيات يوم القيمة والاشارة الى مادة صورها اعلم ان لكل صورة خارجية ظهورا خاصا في موطن النفس ولكل صورة النفسانية ( نفسانية خ‌ل ) وملكة راسخة وجودا في الخارج الا ترى ان صورة الجسم الرطب اذا اثرت في مادة جسمانية قابلة للرطوبة قبلتها فصارت رطبا مثله سهل القبول للاشكال فاذا اثرت في مادة اخرى كمادة القوى الحسية او الخيالية وانفعلت عن الرطوبة لم تقبل هذا الاثر ولم يصر ( لم يصل خ‌ل ) رطبا مثله مع انها قبلت ماهية ( ماهيته خ‌ل ) الرطوبة لكن بصورة اخرى ومثال اخر وكذا قبلت القوة ( للقوة خ‌ل ) العاقلة الانسانية منها صورة اخرى ونحو اخر من الوجود والظهور مع ان الماهية واحدة هي مادة الرطوبة والرطب فللماهية الواحدة صور ثلثة في مواطن ثلثة لكل منها وجود خاص وظهور معين فانظر في تفاوت حكم هذه النشأة الثلاثة ( النشئات الثلاث خ‌ل ) في ماهية واحدة وقس عليه تفاوت النشأة ( النشئات خ‌ل ) في انحاء الظهورات والوجودات في كل معنى وماهية عينية فلا تتعجب من كون الغضب وهو كيفية نفسانية اذ وجدت في الخارج صارت نارا محرقة وان العلم وهو كيفية نفسانية اذا وجدت في الخارج صارت عينا تسمى سلسبيلا وان المأكول من مال اليتيم ينقلب في موطن الاخرة ( في خ ) بطون آكليه نارا يصلونها يوم الدين ولا ايضا من صيرورة حب الدنيا وهي شهواتها وهي اعراض النفسانية هيهنا حيات وعقارب تلسع وتلدغ بصاحبها ( لصاحبها خ‌ل ) يوم ( في يوم خ ) القيمة وهذا القدر كاف للمستبصر لان يؤمن بجميع ما وعده الشارع واوعد عليه وكل من له قوة تحدس في العلم يجب عليه ان يتأمل في الصفات النفسانية وكيفية منشأيتها للاثار والافعال الخارجية ويجعل ذلك ذريعة لمعرفة استيجاب بعض الاخلاق والملكات لاثار مخصوصة في القيمة
اقول ان المعاني التي تبرز والهيئات التي تظهر لها صورتان : احديهما ما كانت من المعاني والثانية ما كانت من الاعراض فالاولى ما اشار اليه بالبيان في قوله { ان لكل صورة خارجية ظهورا خاصا في موطن النفس } كما لو مدحت شخصا او شتمته فان هذا المدح او الشتم له تأثير في النفس وانت وجهته اليه في لباسه اللفظي وكذلك ما تعلمه له مما يحب او يكره فانه يظهر بوجوده الملكوتي او البرزخي فيؤثر ( ويؤثر خ‌ل ) في النفس او ( وخ ) المتخيلة ما تقتضيه من التأثيرات كالتهيج والتسكين والقوة والضعف والانبساط والانقباض والشجاعة والجبن والكرم والبخل والحياء والخلع وما اشبه ذلك وكذلك لكل صورة نفسانية يعني معنى نفسانيا ولكل ملكة راسخة وانما ذكر راسخة قيد الملكة ( قيدا للملكة خ‌ل ) مع ان الملكة لا تكون الا راسخة لان الطاوي ( الطاري خ‌ل ) اذا لم يرسخ ولم يثبت يسمى حالا واذا رسخ وثبت يسمى ( سمي خ ) ملكة لبيان ما هو الواقع والحاصل لكل ملكة وجود في الخارج تظهر به اما الصورة الخارجية التي قلنا لها تأثير ملكوتي وبرزخي فمنها ما يكون ذلك التأثير رجوعا لها الى مباديها ومشابهة لمباديها اذا تمت في استعدادها وهذا اذا كانت الصورة راجعة الى موطن النفس ( نفس خ ) صاحبها ومنها ما تكون طامحة الى غير موطن نفس صاحبها كان ظهورها بتأثير يشابه صفتها من صاحبها وهذه الصفة قد تكون ذاتية وقد تكون استعمالية صناعية فاذا ( فان خ‌ل ) كان ظهورها رجوعها الى موطنها من النفس كان استكمالا لوجودها ( لها بوجودها خ‌ل ) وان كان رجوعها الى غير موطنها كان وجودا باثارها واما الصورة النفسانية والملكة الراسخة وجودها ( فوجودها خ‌ل ) في الخارج بحيث يكون ( تكون خ ) مدركة بالحواس الظاهرة بل كل ما هو من عالم الغيب فوجوده في ( من خ‌ل ) عالم الشهادة وقد تكون تنزله ( بتنزله خ‌ل ) الى عالم الشهادة وجوده كما يظهر جبرئيل في صورة دحية بن خليفة الكلبي وكما ظهر الملك المستحفظ لاقرارات المؤمنين بالولاية في التكليف الاول في الذر في صورة الحجر وهو الان الحجر الاسود في الكعبة المشرفة في الركن العراقي وقد يكون بصعود المدركين له الى رتبه ( رتبته خ‌ل ) من الملكوت فيشاهدونه بحواسهم لاجتماعهم معه في مشهد واحد على الاعتبارين وعلى الظاهر في الدنيا الاغلب يكون الظهور بنزول الغيب الى الشهادة فيشاهدونه في رتبتهم وقد يكون بصعود الشاهد الى الغائب والاغلب في الصاعدين الصعود النفسي وقد يقع في الدنيا الجسمي كما في الاخرة مثل معراج النبي (ص) واما في الاخرة فبالترقي يقينا في كلام المصنف في تنظيره وبيانه يقول ( بقوله خ‌ل ) الا ترى الى الرطوبة في تصور تأثيرها فان صورة الجسم الرطب كالماء وكالطين اللبن الذائب اذا اثرت رطوبته في مادة جسمانية قابلة للرطوبة مثل اللبنة المعمولة من الطين ولم تحرق كالاجر بل هي مدرة قبلت الرطوبة فصارت رطبة مثل الماء ومثل الطين في الرطوبة لانها في رتبتها وانفعلت بها كما انفعل التراب بها حتى صار طينا فاللبنة صارت طينا او كالطين سهل القبول للاشكال فهذه نشأة ( لنشأة خ ) من النشئات واذا اثرت الرطوبة في مادة اخرى كمادة القوة الحسية التي هي عنده من عالم الملكوت و( او خ‌ل ) الخيالية التي هي من عالم البرزخ لم تكن مع الرطوبة من صقع واحد وانفعلت عن تلك الرطوبة ولكن ليس كانفعال التراب فلم تقبل ذلك الاثر الجسماني ولم يصره ( لم تصر خ‌ل ) رطبا مثل رطوبة الطين لكن بصورة اخرى بان تكون ضعيفة الشعور والاحساس فلها صورة غير صورة رطوبة الطين ومثال اخر واذا اثرت الرطوبة المائية في القوة العاقلة الانسانية وقبلت منها قبولا ليس على نحو قبول الاولين بل تكون قوية الشعور ( قريبة الغور خ‌ل ) والادراك وهو نحو اخر من الوجود والظهور مع الماهية المؤثرة مع ان الماهية الواحدة ( واحدة خ ) وهي رطوبة الماء فقد ظهر للماهية الوحدة ( الواحدة خ‌ل ) صور ثلث في مواطن ثلثة لكل واحد من هذه المواطن صورة من الرطوبة غير صورة الاخر بل للرطوبة الواحدة في كل موطن وجود خاص وظهور معين فانظر في حكم تفاوت هذه النشئات ( النشأة خ‌ل ) في انحاء الظهورات في قوابلها والوجودات في مواطنها وهذا حكم مراتب الوجودات ( الموجودات خ ) وقس عليه هذه الاعمال الصادرة من المكلفين بالنسبة الى اوقات وجودات الاعمال التي نعمله ( تحضر خ‌ل ) فيه

ثم فرع على بيانه { فلا تتعجب من كون الغضب وهو كيفية نفسانية اذا وجدت في الخارج } اي في كونها محسوسة { صارت نارا } كما صارت الرطوبة المائية في القوة العاقلة الانسانية غباوة وبلادة { وان العلم وهو كيفية نفسانية } لانه عرض من جملة الاعراض { اذا وجد في الخارج } المدرك بالحواس { صار عينا تسمى سلسبيلا } اقول ويؤيد هذا ما رواه ابو الطفيل عامر بن واثلة قال قلت يا امير المؤمنين اخبرنا ( اخبرني خ‌ل ) عن حوض النبي (ص) في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي وليصرفن عنه اعدائي وفي رواية ولاوردنه اوليائي ولاصرفن عنه اعدائي الخ وكذلك حال ( المال خ ) المأكول من مال اليتيم ظلما ينقلب في موطن الاخرة اي يوم القيمة الكبرى في رتبة الاخرة في بطون الذين يأكلونه على غير وجه شرعي نارا محرقة وهو بنفسه يكون في بطن من اكله ظلما نارا يصليها يوم الدين { ولا ايضا } اي ولا تعجب ايضا من صيرورة حب الدنيا وهي شهواتها ولذاتها الفانية مع ان حب الدنيا عرض نفسانية ( نفساني خ‌ل ) في الدنيا ولكنك اذا وجدتها يوم القيمة وجدتها بعينها حيات وعقارب لان هذه الاعراض المذكورة لها هيئات نفسانية على صور الحيات والعقارب فان الشهوة التي لا يكون مال امرها الى الله هي على هيئة العقرب وذاتها هيئة نفسانية تدب الى صاحب تلك ( هذه خ‌ل ) النفوس ( النفس خ‌ل ) وتلدغه وتخدر عضوه الملدوغ وهو باعث العقل الى الطاعة فتضعف تلك العزيمة عن الطاعة فاذا كشف له المستور عنه وجدها عقربا من عمله تلدغ ( تلدغه خ‌ل ) وكذلك الحيات

يقول وهذا القدر من التمثيل والبيان كاف للتفهيم للمستبصر اذا تفكر فيما خلق الله تعالى وفيما ضرب في خلقه من الامثال ليتوصل به ويهتدي به الى الايمان بجميع ما وعد به الشارع من انواع الثواب واوعد عليه من اليم العقاب فان كل من له قوة حدس وفكر استنباط للايات ( الايات خ ) في الافاق والانفس ينبغي له ان تدبر ( يتدبر خ‌ل ) في الصفات النفسانية والاوضاع الافاقية وكيفية منشأية النفسانية للاثار والافعال الخارجية اي كيف تنشأ منها الاثار وعلى اي نحو تكون وكيفية انتزاع الاستدلال من الاوضاع الافاقية كيف ينتزع وكيف يستدل بها فاذا عرف المنشأ النفساني والانتزاع الافاقي ( الانتزاعي الافاق خ‌ل ) والتطبيق الاستدلالي وجعل ( الاستدلالي جعل خ ) ذلك ذريعة ووصلة الى معرفة ما توجبه بعض الاخلاق والايات عن ( من خ‌ل ) الاثار المخصوصة من حقايق الثواب والعقاب البارزة من استارها يوم الحساب وهذا هو نمط تجسم الاعمال عند المصنف وعند من قال بمقالته وستسمع ما نذكره في بيان تجسم الاعمال والمصنف ضرب لما يدعيه مثالا :

قال : مثال ذلك ان شدة الغضب في رجل تورث ثوران دمه واحمرار وجهه وانتفاخ بشرته والغضب حالة نفسانية موجودة في عالم باطنه وهذه الاثار من صفات الاجسام المادية وقد صارت نتايج في هذه النشأة فلا عجب من ان يلزمه في نشأة اخرى ان تنقلب ( تتقلب خ‌ل ) نارا محضة محرقة للقلب ( للقلوب خ‌ل ) مقطعة للامعاء موقدة تطلع على الافئدة كما يلزمه هيهنا اذا اشتد تسخن البدن وضربان العروق والاوداج واضطراب الاعضاء واحتراق المواد والاخلاط وربما يؤدي الى المرض الشديد بل الى الهلاك من الغيظ فهكذا جميع الصور المجسمة الموجودة في عالم الاخرة حاصلة من ملكات النفوس واخلاقها الحسنة والقبيحة واعتقاداتها ونياتها الصحيحة والفاسدة الراسخة فيها من تكرار ( تكرر خ‌ل ) الاعمال والافعال في الدنيا فصارت الاعمال مبادي للاخلاق في الدنيا فتصير النفوس بهيئاتها مبادي الاجسام ( للاجسام خ ) في الاخرة

اقول يريد ان كون الصفات النفسانية منشأ للاثار الخارجية دليل على ان بعض الاخلاق التي تطبع عليها والملكات التي استقرت في جبلية ( جبلة خ‌ل جبلته خ ) من الاعمال حتى كانت طبيعة له موجبة ( موجب خ‌ل ) لايجاد اثار مخصصة ( مخصوصة خ‌ل ) ناشية عنها ومثال تلك الصفات النفسانية التي تنشأ عنها الاثار الخارجية المحسوسة التي يستدل ( تستدل خ‌ل ) بها على صحة ان تكون النفس ( النفوس خ ) منشأ ومبدء لاجسام ( الاجسام خ‌ل ) تحدثها في الاخرة ان الغضب حالة نفسانية ملكوتية اذا اشتدت في نفس شخص اثارت وهيجت ثوران دمه واحمرار وجهه وانتفاخ بشرته وعروق جبهته وهي حالة معنوية لم تكن من عالم شهادته وانما هي موجودة في عالم باطنه وتأثيرها ايضا باطني واثرها حسي ( حسية خ‌ل ) من صفات الاجسام المادية وقد صارت الحالات النفسانية التي هي من نشأة عالم الغيب نتايج الحسنة ( الحسية خ‌ل حسية خ ) في هذه النشأة الحسية التي هي نشأة من عالم الشهادة فلا عجب من ان يلزم ( يلزمه خ‌ل ) اي يلزم الغضب في نشأة اخرى فوق نشأة اخرى ( نشأته خ‌ل ) ان تنقلب نارا محضة كما لزم تحته ( لزمه تحت خ‌ل ) نشأته ( نشأة خ ) ان تنقلب صفات جسمانية مادية لزم فوق نشأة ( لزمه فوق نشأته خ‌ل ) ان تنقلب نارا محضة محرقة للقلوب مقطعة للامعاء حاطمة للعظام موقدة تطلع على الافئدة الا ترى انه اذا اشتد واستحكم لزمت منه اثار هيهنا يظهر عنها تسخين البدن وضربان العروق والاوداج واضطراب الاعضاء واختلاجاتها واحتراق المواد والاخلاط وربما تؤدي الى المرض الشديد ( بل خ ) ربما يوصل ( توصل خ‌ل ) الى الهلاك من شدة الغيظ والدليل على ان هذه الاثار من نفخات النار قول النبي (ص) الحمي رايد الموت وحرها من فيح جهنم وهي حظ كل مؤمن ومؤمنة من النار الخ ( ه خ )

وقوله { فهكذا جميع الصور الجسمية ( المجسمة خ‌ل ) الموجودة في عالم الاخرة } يعني ان جميع ما في الاخرة من النعيم والحور والقصور والماكل والمشارب والاشجار والثمار والاطيار هي تلك الاحوال الطيبة والملكات الزاكية تظهر بصور هناك ظاهرة مشاهدة كما ظهرت اثار الرضا والغضب والفرح والحزن في البدن محسوسة واصله ( اصلها خ‌ل ) معقول ومتخيل وكذلك احوال العقاب والعذاب الاليم فانما ( فانها خ‌ل ) هي احوال ( الاحوال خ‌ل ) الخبيثة والملكات السيئة فانما ( فانها خ‌ل ) تظهر بصور هناك ظاهرة مشاهدة ومباديها الغضب والشهوة والاعمال السيئة والاخلاق القبيحة من ترك الصلوة والزنا ( الزكوة خ ) والامر بالمنكر والنهي عن المعروف كما ظهرت الجنة وما فيها من النعيم من ( وخ‌ل ) الاعمال الصالحة كالصلوة والزكوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما اشبه ذلك فالاعمال الصالحة والطالحة يتجسم ( تتجسم خ ) اذا برزت من مباديها الغير المجسمة الموجودة على نحو ما مثلنا وذلك في الاخرة

وقوله { فهكذا جميع الصور المجسمة الموجودة في عالم الاخرة حاصلة من ملكات النفوس واخلاقها الحسنة والقبيحة } وهو معنى قولنا فانها تظهر بصور هناك ظاهرا ( ظاهرة خ ) الخ ولذا قال { فصارت الاعمال } الى اخر كلامه وقد تقدم ما يرد على بعض كلامه مثل قوله ان الجنة وجميع ما فيها من القصور والولدان والحور من نوع النيات والاعمال وان وجوداتها من وجود النفس الادمية لانها في نفس الامر صفات النفس وملكاتها ومما يرد عليه ان الجنة خلقت من الانسان واليه يعود ( تعود خ‌ل ) والامر على العكس

قال : واما مادة تكون الاجساد ( الاجسام خ‌ل ) وتجسم الاعمال وتصور النيات في الاخرة فليست الا النفس الانسانية وكما ان الهيولي هنا ( هيهنا خ‌ل ) مادة تكون الاجسام والصور المقدارية وهي لا مقدار لها في ذاتها فكذلك النفس الادمية مادة تكون الموجودات المقدرة المصورة الاخروية وهي في ذاتها امر روحاني لا مقدار لها

اقول ذكر اولا كيفية تجسم الاعمال وتمثيله وهنا ذكر المادة التي تتكون منها الاعمال عند تجسمها واعلم ان الناس الذين قالوا بالمعاد والثواب والعقاب اختلفوا في الثواب والعقاب هل هما جزاء على الاعمال مغايران لهما ام هما الاعمال الحسنة والسيئة فالذين جعلوهما جزاء على الاعمال اختلفوا فذهب الشيخ المفيد وجماعة ( جماعته خ ) الى ان الاعمال اعراض ومعاني فلا يعقل تجسمها ولا وزنها والمراد من الموازين التعديل بين الاعمال والجزاء عليها ووضع كل جزاء في موضعه وايصال كل حق الى مستحقه فلا ميزان ولا وزن على الحقيقة بل هو محمول على المجاز وقال اخرون ان الاعمال لا تجسم لانها اعراض ومعاني نعم يخلق الله تعالى بازاء الاعمال وتناسبها ( مناسبها خ‌ل ) صورا حسنة او قبيحة وتكون هي ( هو خ‌ل ) الموزونة في الميزان الحقيقي وهي الصور التي تكون مع الانسان في عالم البرزخ وقالت طايفة الى ان الاعمال ( ان الموزون خ‌ل ) هي صحايف الاعمال لا نفسها بناء منهم على ان كتابة الاعمال في صحايفها مثل كتابتنا لما ( فيما خ‌ل ) نكتبه في دفاترنا وبعض الروايات تشير الى ان الموزون هي الصحايف مثل ما روي عنه (ص) انه يؤتى برجل يوم القيمة الى الميزان ويؤتى له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيها خطاياه وذنوبه فيوضع ( فتوضع خ‌ل ) في كفة الميزان ثم يخرج له قرطاس كالانملة فيها شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ( عبده ورسوله خ‌ل ) فيوضع في الاخير فيرجح والمصنف يرى الوزن للصحايف وقيل ويمكن ان يجمع بين الاخبار الدالة على هذه الاقوال المختلفة بحمل ما ورد من ان الميزان ليس هو ذا كفتين وانما هو مجاز عن العدل في الجزاء على ميزان اعمال الانبياء عليهم السلام وميزان اعمال من بينهم ( يليهم خ ) من اهل الطاعات والمعرفة لانهم لا يتهمون ربهم فيما قضى عليهم باعمالهم وحمل ما ورد من ان الله تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان لسانه بيد جبرئيل (ع) يزن فيه الاعمال على ميزان اعمال ساير الخلق لينظروا الى اعمالهم كيف توزن بالموازين فلا يتهمونه تعالى ومن قال ان الثواب والعقاب هما عين اعمال المكلفين منهم من قال ان جعل الاعراض ذوات شيء ممكن مقدور لله عز وجل فيجعلها اجساما مناسبة لنوع ما انقلبت عنه من الاعراض في الكم والكيف والوقت والمكان والرتبة والجهة والوضع ويرون ان هذه الامور هي التي عليه في نفس الامر ولم تجدد ( لم تتجدد خ‌ل ) لها نشات ( نشأة خ ) بحسب تجدد الاوقات والامكنة والرتب وانما هي هكذا في كل نشأة فوجوداتها قائمة في كل نشأة بما هي عليه في تلك النشأة مثاله انت في بغداد تتصور مصر بصورة ملكوتية او برزخية وهي وجود مصر في رتبة النفوس و( او خ‌ل ) الخيالات واذا مضيت عليه ( اليه خ‌ل ) وجدته ذاتا محسوسة وهذا وجوده في عالم الحس فمصر موجود في كل رتبة من مراتب الوجود من نوع وجودها ووجود ما هو من مقامها

وممن تنبه الى هذا المعنى المحقق الدواني في رسالة الذوراء ( الزوراء خ ) وقد ذكر في مفتحها ( مفتتحها خ ) انها من فيوض زيارة عتبة باب مدينة العلم وابنه سيدالشهداء عليهما من الصلوة اكملها ومن التسليمات اجزلها وحاصله مختصرا مع بعض التغير ( التغيير خ‌ل ) ان الحقيقة الواحدة تظهر في البصر بالصورة المعينة المنكشفة ( مكشفة خ‌ل ) بالعوارض المادية ملازمة لوضع معين من قرب وبعد وغير ذلك وهي بعينها تظهر في الحس المشترك بصورتها ( بصورة خ‌ل ) نشأ بهما من غير تلك الشرايط وهي في الحالين تقبل التكثر بحسب الاشخاص كصورة زيد وبكر ثم تظهر تلك الحقيقة في العقل بحيث لا تقبل الكثرة وتصير الافراد المتكثرة في الصور ( الصورة خ‌ل ) المبصرة والمتخيلة متحدة ( المتحدة خ‌ل ) في الصورة العقلية فتظهر ( فظهر خ‌ل ) ان الصورة ولو كانت عقلية غير الحقيقة بل الصور المختلفة لباس لتلك الحقيقة واختلاف تلك الصور ( الصورة خ‌ل ) يكون لاختلاف المشاعر والمدارك وتلك الحقيقة مع وحدتها الذاتية قد تظهر في صور ( صورة خ‌ل ) متكثرة متخالفة الحكم كصور الاشخاص وقد تظهر في صورة واحدة كالصورة العقلية ومحصل هذا ان الحقيقة مغايرة لجميع الصور التي تخيل ( تتخيل خ‌ل ) فيها على المشاعر الظاهرة والباطنة الجسمانية والروحانية وان تلك الحقيقة من حيث ذاتها قابلة للظهور بصور مختلفة وان جميع الصور هي بها متساوية وليس بعضها اولي من البعض بل انما تخصص تلك الصور باحكام المواطن والمشاعر فالعلم مثلا حقيقة واحدة يظهر ( تظهر خ‌ل ) في مواطن اليقظة بصورة عرضية محتجبة عن الحس مدركة بالعقل كلية وبالوهم جزئية وهي بعينها تظهر في مواطن ( موطن خ‌ل ) الرؤيا بصورة جوهرية اعني صورة اللبن وكما ان الظاهر على المدارك الباطنة في اليقظة الحقيقة ( حقيقة خ‌ل ) العلم كذلك الظاهر على المشاعر في الرؤيا حقيقة العلم الا انه يتجلي في كل موطن بصورة تعينها لها ذلك الموطن ثم ان المحجوب المنغمس في احكام الطبيعة الذي ( التي خ ) لا يعرف الحقايق الا بصورها ينكر الحقيقة عند تبدل الصورة ولا يعرفها لتحولها في ملابسها ولكن العارف لا يصير مغلوبا باحكام خصوصيات المواطن ولا يحجبها حكم موطن عن احكام المواطن الاخر بل يعرفها في ساير ملابسها تظهر ( فظهر خ‌ل ) عليك من هذا اسرار غامضة من احوال المعاد وظهوره في الكثرات فان ذلك يتحصل ويتقوم بالنفس ومراتبها واسرار المعاد من ظهور الاعمال والاخلاق الظاهرة في النشأة الدنيوية بالصور الخاصة وفي النشأة الاخروية بالصور ( بالصورة خ‌ل ) التي تقتضيها احكام تلك النشأة كما فصل في الشريعة وتيسر عليك ايضا مشاهدة الواحدة الحقيقي في التكثرات من غير شوب ممازجة وتسلقت ( تسلفت خ‌ل ) به الى حقايق ما انبأ عنه لسان النبوات من ظهور الاخلاق والاعمال في المواطن المعادية لصور ( بصور خ‌ل ) الاجساد وكيفية وزن الاعمال وسر حشر الاعراض بصور الاخلاق العالية واطلعت على سر قوله تعالى وان جهنم لمحيطة بالكافرين فان الاية بظاهرها تدل على احاطة جهنم بالكافرين في زمان الحال ولا حاجة الى الصرف عن الظاهر وان الاخلاق الرذيلة والعقايد الباطلة هي محيطة بهم في هذه هي بعينها جهنم التي ستظهر في الصورة الموعودة عليهم كما انذرهم الشارع الا انهم لا يعرفون ذلك لعدم ظهورها في هذه النشأة عليهم في تلك الصورة وهم لفرط جهلهم بالحقايق لا يعرفون الحقايق الا بصورها واما النفس المحيطة بالحقايق وتنقلها بالصور ( في الصور خ‌ل ) بحسب المواطن فتعرف حقيقة الامر وايضا تعرف من ذلك التحقيق قوله تعالى الذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وقوله (ص) الذي يشرب في انية الذهب والفضة انما يجرجر في بطنه نار جهنم فان ( وان خ‌ل ) ظاهرها ( ظاهره خ‌ل ) يدل على وقوع هذه الحال في الحال والجرجر ( الجرجرة خ ) بمعنى الصب وقوله (ص) ان في الجنة قيعانا وان غراسها سبحان الله والحمد لله فان هذا الحديث يدل على ان هذا القول بعينه غراسها فيكون محمولا على الحقيقة لا على المجاز كما توهمه المتوهمون ثم قال لعلك تقول كيف يكون العرض بعينه هو الجوهر وكيف يكون المعنى واحدا والحال ان الحقايق متخالفة بذواتها فنقول قد لوحنا عليك ( اليك خ ) ان الحقيقة غير الصورة فانها في حد ذاتها وصرافة سذاجتها ( من الساذج ) عارية عن جميع الصور التي تتجلي بها لكنها تظهر في صورة تارة وفي غيرها اخرى والصورتان متغايرتان قطعا لكن الحقيقة المتجلية في الصورتين بحسب اختلاف الموطنين شيء واحد وما اشبه ذلك بما يقول ( يقوله خ‌ل ) اهل الحكمة النظرية ان الجواهر باعتبار وجودها في الذهن اعراض قائمة به محتاجة اليه ثم هي في الخارج قائمة بانفسها مستغنية عن غيرها فاذا اعتقدت ان حقيقة تظهر في موطن بصورة عرضية محتاجة وفي اخر بصورة مستقلة يكون ( تكون خ ) فاكسر به سورة نبو طبعك عنه في بدء النظر حتى يأتيك اليقين وتشرف على حقيقة قوله (ص) النوم اخ الموت وقول صاحب سره وباب مدينة علمه الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا ثم قال ارأيت الحقيقة الواحدة كيف ظهرت على القوة العاقلة بصورة وحدانية لطيفة مجردة ثم ظهرت على الحواس بصور مخالفة ( متخالفة خ ) كثيرة مادية فكأنها تنزلت مع النفس عن صرافة تجردها ووحدتها الى التكثر والتعدد فاذا وصلت النفس الى مرتبة الحواس وصلت هي الى غاية التكثر والتعدد واذا ترقت الى مرتبة التجرد الصرف توحدت والحقايق مع النفس صعود وهبوط فهي اذن موجودة في النفس لا في الخارج عنها وهي تصاحبها في مواطنها المختلفة وتنصبغ في كل موطن من مواطنها باحكامها من الوحدة والكثرة واللطافة والكثافة ومن ثم اقول شأن العلم تكثر الواحد وذلك في العلم التفصيلي المتحصل بما يلي الجهة السافلة من النفس وكماله في المشاعر الظاهرة وتوحيد الكثير وذلك في العلم الحقيقة ( الحقيقي خ‌ل ) الاجمالي المتقوم بما يلي الجهة العالية من النفس وكماله في المدرك الشهودي المعبر عنه بنور الولاية وهو غاية المراتب ويليه في الشرف مرتبة الذوق الفطري

انتهى ما نقلته من نقل السيد نعمة‌ الله الجزايري في كتابه المسمى بمقامات النجاة والمصنف ذهب الى ما ذهب اليه الدواني في معنى تجسم الاعمال الا انه بني تعريفه وبيانه ومادته وغير ذلك على ما يراه وهذا عنده هو حقيقة تجسم الاعمال الصالحة والسيئة ومعرفته واقول هذا طريق مشاهدة تجسمها واما انها من اي شيء تتركب فلا تعم ( فلا نعم خ‌ل ) المصنف نص على ان مادة تكون الاعمال وتجسمها نفس العامل وتصوره في الاخرة فليس الا النفس الانسانية

ثم مثل ( ذكر خ‌ل ) لمدعاه تقوية لدليله فقال : وكما ان الهيولي هيهنا يعني في الدنيا مادة تكون الاجسام والصورة المقدارية وهو ( هي خ ) يعني الهيولي لا مقدار لها في ذاتها فكذلك النفس الادمية مادة تكون الموجودات المقدرة المصورة الاخروية وهي في ذاتها امور روحاني لا مقدار لها

اقول وفي هذه الكلمات كلام يرد عليها من ذلك قوله { فليس الا النفس الانسانية } فانه يرد عليه انه ان اراد ان مادة الثواب والعقاب نفس جوهر النفس الادمية كانت مادة ثوابه من ذاته وصورة ثوابه من عمله وكذا في العقاب كان الثواب والعقاب متولدا منه وحينئذ فالمنعم والمؤلم شيء اجزاؤه ( للشيء جزؤه خ‌ل ) ثم لا يخلو اما ان يكون عمل الجزء وتأثيره بمقتضى خارجي اولا والثاني باطن لان الجزء ملائم لكله لذاته ففي الثواب تسقط فايدة مشقة الطاعة وهو باطن وفي العقاب يكون ما به الملائمة به المنافرة بجهة واحدة وهو باطن والاول ان فرض استقلال الخارجي بالاثر دل على مغايرة الجزء وان لم يستقل لزم ما يلزم في الثاني ومن ذلك قوله في تمثيل النفس للاعمال المجسمة ومقايستها بالهيولي { وكما ان الهيولي هيهنا مادة تكون الاجسام الخ } فانه يرد عليه ان الهيولي جسم والجسم يكون مادة للاجسام ولكن لا يكون مادة للصور ( للصورة خ‌ل ) المقدارية وان كانت تتقوم به والنفس ليست من الاجسام وانما هي جوهر مجرد والجوهر المجرد لا يكون مادة للاجسام المادية وعندنا ايضا لا تكون المادية ( المادة خ‌ل ) مادة للجواهر المجردة وان كان المصنف يرى ذلك وان زعم ان الاجسام الاخروية مجردات كالنفوس لان الماديات كلها متغيرة متبدلة كما ذكره فيما تقدم فعلى فرض تسليمه له نقول هذا الذي وجد في الاخرة تنقلب ( منقلب خ‌ل ) عن الاعمال او ( وخ ) عن نفوس العاملين فان كان عن الاعمال لم تكن نفوسهم مادة له وقد ثبت ان الاعمال اعراض والاعراض لا تكون موادها من ذوات معروضاتها وان الانقلاب عن نفوس العاملين لم تكن الاعمال مجسمة لانها ليست من نفوس العاملين بل المجسم غيرها ولزم ايضا ما ذكرنا من كون الملائم منافرا نعم ان اراد بها ( انها خ‌ل ) غير منقلبة عن شيء وانما تلك الصور التي تظهر غدا فيها هي بعينها هذا ( هذه خ ) الصور التي ظهرت بها في دار التكليف من صلوة وزكوة وصوم وحج وتسبيح وتهليل وغيرها لان الحقيقة واحدة والتغيير ظاهر انما هو لاحكام المواطن كما ذكره المحقق الدواني فان المصنف انما ذهب اليه في ساير كتبه وهو ما نقله عنه ولكنه مزجه بشيء من آرائه بمعنى انه ليس المراد بالتجسم الا ظهورها غدا بحكم ذلك الموطن ولم تتغير في كل موطن فهو صحيح الا ان ذكره للمادة يدل على انها تجسم غدا من النفس ونحن حين ذكرنا مادتها انما هو لبيان اصلها ولم ترد ( نرد خ‌ل ) انها تصاغ غدا او لم تصنع ونريد بمادتها ما تكونت منه في التكليف الاول وفي الدنيا وفي الاخرة ويأتي مرادنا بالمادة والهيولي ايضا وان لم يكن لها مقدار شخصي الا ان لها مقدارا نوعيا والاعمال المجسمة لها مقدار شخصي ولكنه ليس من ذات الهيولي وان كان صورة انفعالها الا ان المقدار الشخصي مركب من حدود كما ذكرنا مرارا مؤلفة من الكم والكيف والوقت والمكان والرتبة والجهة والوضع ولو قيل بقولنا من ان الهيولي الكلية مجردة وانها اخر المجردات لا يلزم علينا صحة المقايسة التي ذكرها المصنف فانها مادة جسمانية ولكنها قبل تعلق الصورة ( الصور خ ) المثالية بها وقبل التركيب لم تلحقها اعراض المراتب والاوقات لان هذا التغيير ( التغير خ ) السريع والتبدل والتحول من اثار الحدود السبعة المذكورة اعني الكم والكيف والوقت والمكان والرتبة والجهة والوضع فلذا سميناها مجردة يعني عن المادة العنصرية والمدة الزمانية اللتين لا يتقومان الا بتلك السبعة والا فهي جسم لانها في الحقيقة هي المادة التي تعلقت بها الصورة قبل تعلقها بها ولا كذلك النفس مع ما سمعت من اصالة الجسم بالنسبة الى الهيولي لانه هو هي قبل تعلق الصورة ( الصور خ ) المثالية به ومن عرضية الاعمال بالنسبة ( بالنفس لنسبة خ‌ل ) الى النفس قبل التعلق وبعده واما النفس الادمية فانها صورة جوهرية وانما سمينا الصور بالمثال لان تلك الصور المثالية صور مماثلة لصور النفوس لان النفوس صور جوهرية ذات حدود وتخطيط مثل الصور المحسوسة لكنها صور جوهرية اصلية وعالم المثال صور ذات حدود وتخطيط مثل صور النفوس الا ان النفوس صور قائمة بنفسها لانها ذوات والمثال صور غير قائمة بنفسها لانها اظلة للنفوس فقوله { وهي في ذاتها امور ( ذواتها امر خ ) روحاني لا مقدار لها } غلط

والحاصل اذا اردت التمثيل للاعمال المجسمة فما ذكره المصنف لا بأس به واما اذا اردت ان تعرف مادة الثواب والعقاب وصورهما ( صورتهما خ ) فاسمع : اعلم انه قد ثبت باتفاق العقلاء من الحكماء والعلماء ان كل ممكن زوج تركيبي اذ المخلوق لا بد له من اعتبار من جهة ربه وهو مادته وان شئت قلت وجوده ومن اعتبار من جهة نفسه وهو صورته وان شئت قلت ماهية وهكذا ( هذا خ‌ل ) حكم كل ما سوى الله تعالى من ذات او صفة جوهر او عرض عين او معنى والثواب والعقاب من الممكنات ولا بد ان يكون كل واحد منها مركبا من مادة وصورة ولا بد ان تكون المادة موجودة قبل الصورة والمادة من امر الله ونهيه والصورة عمل المكلف في الثواب بالموافقة وفي العقاب بالمخالفة والمراد بامر الله ونهيه اللفظيين الجاريين على المكلفين الامر الحامل لنور الله المسمى بالامر الفعلي اعني مشية الله وفعله الذي قام به كل شيء قيام صدور والحامل لنور الله والمسمى ( الله المسمى خ ) بالامر المفعولي اعني الحقيقة المحمدية (ص) الذي قامت به الاشياء كلها قياما ركنيا وهذان الامران منهما مدد كل شيء فالامر القولي افاضة للامر المددي وامتثال المكلف للامر هو قبوله للامر الامدادي والامر المددي والاجتناب للنهي القولي نفي للمدد الخذلاني ونفي للمانع فالامتثال للامر هو الموجب للمقتضي والاجتناب للنهي هو الرافع للمانع فاذا فعل العبد المكلف ما امر به خلق الله مادة الحورية مثلا او القصر او الجنة من فيض الامر الذي هو لازم للامر الذي امتثله المكلف وعمل به ( امر به خ‌ل ) كما امره الله وخلق صورة تلك الحورية و( او خ ) القصر او الجنة من عمل المكلف ونفخ في ذلك الذي خلقه من روحه فهذا حقيقة الثواب واما العقاب فمادته من الامر الفعلي العرضي ومن الامر المفعولي العرضي اعني الغضب المسبوق بالرحمة التي هي الامر المفعولي الذاتي وصورته من عمل المكلف بارتكاب المناهي واجتناب الاوامر فالاعمال الحسنة صور الثواب ومواد الثواب من تأييدات امر الله وارواح انواع الثواب من روح الله كما ان مواد المطيعين من اشراقات النور الذي تنورت الانوار منه وصورهم من هيئات طاعاته والاعمال السيئة صور العقاب ومواد العقاب من ظلمة البحر الاجاج كما ان مواد العاصين من اظلة البحر الاجاج الذاتية وصورهم من هيئات معاصيه فافهم

قال : والفرق بين النفس والهيولي بامور : منها ان الهيولي وجودها بالقوة من كل وجه لا تحصل لها في ذاتها لصور ( امور خ‌ل ) الجسمانية بخلاف النفس فانها كانت في ذاتها موجودة بالفعل وجودا جوهريا حساسا وكانت اولا صورة هذا البدن العنصري فصارت مادة اخروية يتحد ضربا من الاتحاد فهي صورة الماديات الدنيوية ومادة الصوريات الاخروية المنفوخة فيها باذن الله يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجا لاختلاف انواعها في الاخرة
اقول قوله { ان الهيولي وجودها بالقوة من كل وجه لا تحصل لها في ذاتها لصور ( الصور خ ) الجسمانية } تبعا لاقوام من العيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض وهو خطاء فان الهيولي في الحقيقة هي الجنس لانواعه والنوع لاشخاصه وقولهم ان الاجناس انما تتقوم بالفصول يريدون تقوم حصص انواعه كالخشب انما تتقوم حصة السرير بالصورة يعنون تميزها من حصة الباب وتميزها من الخشب انما هو بالصورة ولا يريدون ان حصة السرير معدومة اصلا وقد صرح بهذا المعنى في كتابه الكبير كتاب الاسفار وفي القاموس الهيولي مشددة الياء مضمومها عن ابن ( ابي خ‌ل ) القطاع القطن وهيلا جبل اسود بمكة والهيولي القطن وشبه الاوايل طينة العالم به او هو في اصطلاحهم موصوف بما يصف به اهل توحيد الله تعالى انه موجود بلا كيفية وكمية ولم يقترن به شيء من مسمات ( سمات خ ) الحدث ثم حلت به الصنعة واعترضت به الاعراض فحدث به العالم انتهى وهذا يشعر بان الهيولا عندهم موجودة بالفعل بنفسها والحكماء قسموا الشيء في اصطلاحهم فقالوا ان الشيء باعتبار كونه جزءا للمركب بالفعل يسمى ركنا وباعتبار ابتداء التركيب منه يسمى عنصرا وباعتبار انتهاء التخلل ( انتهاء التحلل خ ) اليه يسمى اسطقسا وباعتبار كونه قابلا للصور الغير المعينة يسمى هيولي وباعتبار كونه قبوله للصور المعينة يسمى مادة وباعتبار كون المركب مأخوذا يسمى اصلا وباعتبار كونه محلا للصور المعينة بالفعل يسمى موضوعا وهو ( هي خ‌ل ) في الحقيقة شيء واحد تعرض ( له خ ) هذه الاسماء عند هذه الصفات ه‍ وعلى اي نحو فالهيولي موجودة ووجودها بالفعل لا بالقوة فيكون لها تحصل في نفسها لصور الجسمانية وان لم تكن صورا شخصية بل كانت صورا جنسية ونوعية فانهما من الصور الجسمانية ووجود الاجناس والانواع في الخارج مما لا يكاد يخفي على احد وهو جار على السنة العوام معروف عندهم من غير نكير فانهم يقولون ان فلانا التاجر اتى باجناس وبانواع كثيرة ولا يقال ان كلام العوام لا يعتبر لان هذا استعمال اهل اللغة العالمين بمدلولاتها التي وضع الواضع سبحانه اسمائها بازائها ولا شك ان الخشب قابل للصور الغير المعينة كصورة السرير والباب وغيرهما فهو لا شك هيولي لما يعمل منه والنفس ( النفوس خ‌ل ) موجودة كالهيولي

وقوله { وكانت اولا صورة هذا البدن العنصري } ليست النفس مادة لهذا البدن العنصري لذاتها وان قلنا انه في الاصل من تنزلاتها لان تنزلاتها من اثارها ومن احوالها لا من ذاتها لان مبدء النفس ليس من التراب ومن الطبايع الجسمانية بل الطبايع من اثارها وقد نص امير المؤمنين (ع) عليها بان اصلها من التأييدات العقلية واين التأييدات العقلية والتراب لمن تعقل الجواب والمصنف قال في النفس هنا بانها كانت في ذاتها موجودة بالفعل وجودا جوهريا حساسا فكيف كانت اولا صورة هذا البدن العنصري اذ يلزم من هذا انها لم تكن في ذاتها موجودة بالفعل وجودا جوهريا حساسا بل القوة ( بالقوة خ‌ل ) في ذاتها ثم كانت بالفعل وكما لم تكن صورة هذا البدن العنصري بذاتها بل باثار تنزلات اثارها كذلك لم تكن بذاتها مادة الصوريات الاخروية بل بوجودات اثار افعالها واما النفخ في وجودات اثار افعالها باذن الله تعالى من روحه فظاهر لان موادها من اثار امر الله القولي الذي حمله الى المكلف امر الله القولي وكذا في النهي كما مر وصورها المنفوخ فيها اعمال العاملين وكونهم يأتون افواجا فلاختلاف اعمالهم

قال : ومنها ان النفس مادة روحانية لطيفة لا تقبل الا صورا لطيفة غيبية ( الصور اللطيفة عينية خ‌ل ) لا تدرك بهذه الحواس بل بحواس الاخرة والهيولي مادة كثيفة انما تقبل الصور الكثيفة المقيدة بالجهات والاوضاع المشوبة بالقوى والاعدام
اقول اما كون النفس لطيفة لا تقبل الا صورا لطيفة غيبية فصحيح وكذا لا تدرك بهذه الحواس حال كونها متلوثة برذايل الطبايع الجسمانية واما ان الجنة وما فيها من القصور والحور وجميع انواع النعيم كلها من قبيل النيات ( قبيل النعيم خ ) يعني صورا ملكوتية نفسانية وخيالية فممنوع لانه يلزم منه عدم المعاد الجسماني كما يلزم المصنف فيما سبق اذ هذا هو الظاهر من عباراته وقد قلنا هناك انه على مذهب ائمة الهدى (ع) غير قائل بالمعاد الجسماني واما كون الهيولي مادة كثيفة فليس بصحيح اذ ليس كل هيولي مادة كثيفة فان الاجرام الفلكية لا تدرك بهذه الحواس وكذلك الارض فان الارض التي لم يطأ عليها بنوا ادم لطيفة لا تدرك بهذه الابصار الدنيوية واهل الجنة كلهم اجسام مقيدة بالجهات والاوضاع لان ذلك لا ينافي البقاء والدوام نعم ليس فيها اعدام ولا كثافات لان ذلك من لوازم التغيير والتبديل بالاضعف وهو غير جايز في الاخرة لانهم صاعدون واللازم من ذلك التغيير والتبديل بالاقوي والاجد واما الاوضاع والجهات فمن لوازم الامكنة والاجسام واهل الاخرة كأهل الدنيا الا في الكثافة والضعف والانتقال الى الاضعف وما يؤل الى الفناء واما التبديل بالاقوي والتغيير الى الشدة والجدة والاحسن فهذا حالهم وكيف لا تكون الماديات هناك وما هم الا الذين كانوا في الدنيا باجسادهم واجسامهم وارواحهم لم يتغير شيء منهم الا الاعراض الغريبة الفانية والكثافات المتهافتة المضمحلة نعم هذه الاجسام الدنيوية التي تراها ( نراها خ‌ل ) في الدنيا اذا طهرت من الاعراض والغرايب الاجنبية لحق حكم سافلها باعاليها فتدرك بذاتها الاجسام المعاني الجبروتية والصور الملكوتية والارواح الموجودة المتعلقة بهذه الاجسام اذا طهرت ما ( مما خ ) تلوثت به من المعاصي وسهو الغفلات ادركت بذاتها الاجسام والجسمانيات لان اجسامهم اذا شاؤا تروحوا وارواحهم اذا شاؤا تجسدوا ( تجددوا خ‌ل ) ولذلك مثال في العالم من وقف عليه عرف ما اشرنا اليه وهو ان الحكماء الطبيعيين اهل العلم المكتوم قالوا ان الحجر يحلونه ويعقدونه بجزء من روحه ويحلونه ويعقدونه بجزء من روحه ويحلونه ويعقدونه كذلك فاذا دبر على النحو المقرر عندهم ثلاثا في اكسير البياض وتسعا في اكسير الحمرة كان معدنا حيوانيا روحانيا يعني انه هو في نفسه جسم وفي عمله روح تحيي الاموات ( الموات خ‌ل ) من المعادن وينفخ فيه ( فيها خ‌ل ) روح البقاء فانه اذا تم في اول مرة كان مثقاله يحيي الف مثقال ويلحقه بجوهره فاذا سقي مرة اخرى كان مثقاله على الفي مثقال وهكذا ولو سقي الف مرة كان مثقاله يحيي الف الف مثقال وهكذا بلا نهاية ونقل عن بعض الحكماء انه سقاه ثلثمأة مرة فاقام مثقاله ثلثمأة الف مثقال ومع هذه الزيادة في الكيف يزيد في الكم مثلا اذا سقي المثقال ( مثقال خ‌ل ) الاحمر ( الاجر خ ) منه سقية ثانية في ست حلات وست عقدات كان وزن ذلك المثقال تسعة واربعين مثقالا كل مثقال يحيي الفي مثقال وكان قبل السقي مثقالا يحيي الف مثقال وبعد السقي كان تسعة واربعين مثقالا كل مثقال يحيي الفي مثقال اجود ذهبا من الاول قبل السقي فيكون بعد السقي يقيم مأة ( بمأة خ‌ل ) الف مثقال الا الفي مثقال وليس مثل هذا العمل يتصور في الاجساد وانما يعقل في الارواح ولهذا قالوا هو جسد وعمله روحاني فافهم الاية فان هذا الجسد اية اجسام اهل الجنة فانهم اجسام فيها جميع صفات الاجسام واحكامها وافعالها وتفعل افعال الارواح والعقول وتدرك جميع ما تدركه النفوس والعقول وكذلك العقول تدرك بذاتها مدارك النفوس والاجسام وكذلك النفوس وذلك معنى قولنا الحق حكم سافلها باعاليها

قال : ومنها ان قبول الهيولي للصور والاكوان على سبيل الانفعال والاستحالة والتغير والحركة وقبول النفس لصورها الراسخة فيها على سبيل الحفظ والاستيجاب ولا منافاة بين قبولها وفعلها فهي بجهة واحدة فاعلة وقابلة للصور والامثال معا وكذلك علوم المبادي وصفاتها حيث انها بجهة واحدة حصلت فيها ومنها لان القبول هناك ليس معنى الاستعدادية والامكان
اقول نعم قبول الهيولي للصور والاكوان على سبيل الانفعال والاستحالة والتغير والحركة ولكن باعتبار وباعتبار اخر قبولها للصور والاكوان على سبيل الفعل والاحالة والتغير ( التغيير خ ) والتحريك ولكن الاعتبار الثاني لا يقولون به بناء منهم على ان المادة هي الام والصورة هي الاب وذلك هو المعلوم بينهم فلما بنوا امرهم على الاصل الباطل وقع الخلل في الفرع وحيث ثبت ان المادة هي الاب كما نطقت به الروايات وقد سبقت الاشارة الى ذلك وان الام هي الصورة كذلك قلنا ان قبول الهيولي وهي المادة قبل تعلق الصور بها للصور والاكوان على سبيل الانفعال والاستحالة والتغير والحركة على اعتبار وعلى اعتبار اخر يكون قبولها للصور والاكوان على سبيل الفعل والاحالة والتغيير والتحريك ويزيد بالاعتبار الاول ان انفعال المادة والهيولي مع انها هي الاب من باب وانتم لباس لهن فيكون الذكر منفعلا كما قال تعالى حتى تنكح زوجا غيره وبالاعتبار الثاني على الاصل من باب هن لباس لكم فتكون الهيولي فاعلة للصور محيلة مغيرة محركة وذلك لان الهيولي هي الشيء في نفس الامر واما الصورة فهي صفتها في كل حالة اي صفة كمها وكيفها وكونها في مكانها ووقتها ورتبتها وجهتها وما يلحق اجزائها من الاوضاع الجوانية والبرانية ففي الحقيقة انما احدثت الصورة من نفس المصور لانها قابلية ( لانه قابليته خ‌ل ) للايجاد وحدود صنعه التي ( الذي خ‌ل ) بها يتقوم وقد قدمنا ان التي تدخل عليها لفظة من هي المادة تقول صغت الخاتم من فضة وعملت السرير من الخشب وهذا ظاهر فقال الله تعالى خلقكم من نفس واحدة وهي ادم (ع) وخلق منها زوجها وهي حواء خلقها تعالى من ادم فمنه مادة اولاده ومن حواء صورتهم فجريان الهيولي على الفعل والاحالة والتغيير والتحريك لانها هي الاب كما سمعت اظهر من جريانها على الانفعال والاستحالة والتغير والتحرك فافهم

واما النفس فقال المصنف ان قبولها لصورها الراسخة فيها على سبيل الحفظ والاستيجاب ولا منافاة بين قبولها وفعلها واقول ان مقابلته بين الهيولي والنفس ليست بصحيحة لان صور هيولي الشيء جزء ماهيته وصور النفس التي عناها ليست في الشيء جزء ماهيته لان هذه الصور النفسانية اثار لقويها ومشاعرها كما اذا تخيل خيالها صورة وتوهم وهمها صورة وادرك فكرها صورة وادرك علمها صورة فان هذه صفات ( الصفات خ‌ل ) قواها الفعلية وليست صفات ذاتية لقويها لان قواها التي هي العلم والوهم والخيال والفكر هي المحدثة لهذا ( لهذه خ ) الصور عنده فلا تكون اثار القوى جزء ماهية ذي ( ذوي خ ) القوى فليست هذه الصور صورا للنفس وانما نظير ( نظيره خ‌ل ) مقايسة كما اذا قلت بين زيد وبين عمرو فرق لان زيدا يده ورجله جزء جسده وعمرو ( عمر خ ) قيامه وقعوده ليسا جزء جسده فهذا نظير مقايسته بين الهيولي والنفس نعم لو فرق بينهما في صور الهيولي وصور النفس التي هي جوهريتها لا الصور المثالية التي هي ظل تلك الصور ( الصورة خ‌ل ) الجوهرية فان هذه الصور الجوهرية هي قابلية النفس ( قابليته خ‌ل ) لانها من هيئة الايجاد لتلك التأييدات العقلية التي هي الهيولي للنفس وبهذا الاعتبار ينتفي الفرق البتة

وقوله { ولا منافاة بين قبولها وفعلها فهي بجهة واحدة فاعلة وقابلة للصور والامثال معا } يقال عليه انه ان اراد انها فاعلة للقبول كان القبول والفعل واحدا بجهة واحدة ولكن لم تكن فاعلة للمقبول اذ تكوين الشيء غير قبوله ثم المقبول الذي يريده اين محل قبوله من القابل هل هو في ذاته فتكون النفس فاعلة لذاتها ام هو خارج عن ذات القابل فما معنى القبول حينئذ فاذا كان كلامه في بيان تجسم الاعمال وان ليس الا النفس الانسانية كما قال وانه يريد ان هذا العمل الذي تجسم فصار ثوابا لا عقابا هو بعينه ذلك الثواب او ذلك العقاب في نشأة اخرى كان المراد ان عمل زيد الذي اوقعته نفسه في النشأة الدنيا هو عقابه وهو النار التي تحرقه في النشأة الاخرى ( الاخرة خ‌ل ) وان ايجاده في النشأتين وقبوله لنفسه ايقاعه ( ايقاع خ‌ل ) اياه في النشأة الدنيا كما هو رأيه ومراده من كلامه وكان المراد ايضا ان قبوله له اتصافه به وكل ذلك مقتضي طبيعته ولا يكون ( بل يكون خ ) شيء اشد ملايمة للشيء مما هو مقتضي طبيعته فيلزمه على ما قرر في كتبه خصوصا في الاسفار انه لا يكون ذلك عقابا بل يكون ثوابا لما بينهما من شدة الملايمة ويلزم ( يلزمه خ‌ل ) عدم صحة قوله كن فيكون لان صحة هذا مبني على ان فاعل التكوين بقوله كن غير فاعل ( قابل خ‌ل ) التكون المعبر عنه بقوله كن فيكون لان الفاعل غير القابل والمعروف في الشاهد ان الفاعل غير القابل ولو كان الفاعل قابلا لما يفعله لوجب ان يتعدد الفعل فان جهة الفاعل غير جهة القابل ومكان الفاعلية غير مكان القابلية وقد قال الرضا (ع) قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هيهنا ه‍ وايضا ان كانت مادة الثواب او العقاب من النفس فما المراد من هذه المادة هل هي حصة قاطعة لها من ذاتها من ذات النفس ام من اثرها فان كانت من ذاتها فما معنى كونها فاعلة له هل هو تحصيصها ( يحصصها خ‌ل ) منها فتكون قاطعة لها من ذاتها ام احداثها منها فتكون والدة لها وان كانت من اثرها عادت الى مبدئها فلا يصح كونها قابلة لها ولا فعلها قبولها

وقوله { وكذلك علوم المبادي الى اخره } اقول وكذلك ما حصل لها من علوم ( العلوم خ‌ل ) المبادي بل والنهايات اذ لا فرق بينهما وما توهمه من علم التوحيد من كون الصورة ( المصورة خ‌ل ) المعقولة لا وجود لها الا وجود عقل العاقل لها فايجادها نفس وجودها ونفس وجود ايجادها وعقل عاقلها لها نفس وجود عاقلها وهو ( هي خ‌ل ) معنى اتحاد العاقل بالمعقول ( المعقول بالعاقل خ ) كما يراه ويعتقده غلط فاحش وقياس غيره عليه افحش لان دعوى ذلك في الحق تعالى يصح ( يقبح خ‌ل ) منها انه تعالى موجد لتلك الصور بفعله ولا يصح ان وجود فعله عين وجودها بل وجودها اثر فعله والفعل هو الايجاد والصور ( الصورة خ‌ل ) موجودة تقومت بالايجاد تقوم صدور وتقومت بوجودها تقوم تحقق يعني تقوما ركنيا والموجود غير الايجاد وهما غير الموجد والصور النفسانية اوجدها الله تعالى بفعله وان كانت بسبب فعل النفس لانه تعالى هو الموجد وهو القائل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فهو تعالى انزله ( انزلها خ‌ل ) من خزائنها الى النفس عند اقتضائها وتقومت تلك بفعل الله تقوم صدور وبوجودها الذي انزله من الخزائن تقوم ركن وتحقق وبمقتضي النفس تقوم ظهور فصور النفس غير فعل الله وغير ما اقتضته النفس وعلى ظاهر الحكمة انما انتزعت النفس تلك الصور من الموجودات الخارجية فهي اظلة للامور الخارجية وقد دل على هذا العقل والنقل كما تقدم مما ذكرنا انك لا تقدر على ان تذكر شيئا غاب عنك الا اذا التفت بمرءاة خيالك الى مكان ادراكك له اولا ووقته وليس ذلك الا ان خيالك مرءاة تنتقش فيها صورة المقابل ( القابل خ‌ل ) وان مثال ذلك الشيء قد كتبته الحفظة في مكان رؤيتك لذلك الشيء ووقتها فاذا قابلتها بمرءاة خيالك انتقش ( انتقشت خ‌ل ) فيها صورته فذكرته فيكون ما في خيالك ظل الشيء الخارج فاذا عرفت بوجدانك انك لا تقدر ان تذكر شيئا حتى يلتفت خيالك بمرءاة نفسك الى مكان ذلك الشيء ووقته فتقابل مثاله فتنتقش فيها صورة ذلك المثال عرفت انه لا يكون في الاذهان الا صور الامور الخارجة فهذا دليل عقلي وجداني لا يمكن انكاره ومن الادلة النقلية ما رواه الصدوق في اول علل الشرايع بسنده عن الحسن بن علي بن فضال عن ابي الحسن الرضا (ع) قال قلت له لم خلق الله عز وجل الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله تعالى عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه‍ وقد تقدم هذا ( هكذا خ‌ل ) مكررا فراجع والحاصل ( الاصل خ‌ل ) ان ما حصل لها من علوم المبادي ليس بجهة واحدة حصلت لان جهة الفاعل غير جهة القابل وايضا ليست حاصلة من النفس وانما حصلت من ظل الخارج ولا فيها وانما هي في صدر النفس لانها صور انتزاعية انتزعتها بمرءاتها صورا ظلية والنفس جوهر تنتقش صور المقابل الظلية في وجهها فليست منها ولا فيها ولو كان قبولها للصور غير استعدادي ولا امكاني لمافقدت شيئا وذلك صفة الواجب الحق سبحانه وتعالى على ان الصور العلمية للحق عز وجل لا تجوز ( لا نجوز خ‌ل ) انها منه ولا فيه والمصنف اوجب ذلك في القديم ( للقديم خ‌ل ) والحادث فيلزمه ( فيلزم خ‌ل ) ان للقديم مثلا في خلقه وهو النفس تعالى عن ذلك علوا كبيرا وهو قد ذكر فيما سبق ان النفس طبيعة جسمانية فترقت بحركتها الجوهرية بذاتها حتى تكملت في سيرها تدريجيا واذا قال هنا ان قبولها ليس معنى القوة الاستعدادية والامكان فقد اعترف ببطلان احد قوليه

قال : { ومنها ان هذه الصور كمالات لموادها وموضوعاتها وليس الصور الناشية من النفس كمالات لها في حصول تلك الصور لها وانما اكمالها في ان تكون بحيث تفعل تلك الصور وتجعلها مدركة لها وبين الاعتبارين فرق ثابت وقد بين في موضعه ان جهتي القبول والفعل واحدة في لوازم الذا ت }
اقول هذه الصور كمالات لموادها في الاشياء كما بينا في ذكر الاصطلاح ان الهيولي انما تسمى مادة في الشيء واذا نظرت الى الشيء كزيد مثلا وجدت الصورة كمالا لزيد في مقتضى صورته التي ركب عليها من خير او شر اذ قبل الصورة لم تكن مادة زيد مقتضية لخير او شر وبعد انضمام الصورة اليها كان المركب منهما خيرا او شرا لان الصورة الشخصية هي قابليته ( قابلية خ‌ل ) للخلق ( في الخلق خ‌ل ) الثاني للخير او الشر وان كانت المادة بانضمام الصورة تنقلب الى حال ما الا انها بالنسبة اليها نفسها قد تنقلب الى نفس واما الصور الناشية من النفس ( الناس خ ) فانها كمالات لها اما عنده فلانها انما تترقى في مراتب كمالاتها حتى تكون عقلا بما تكسبه ( تكتسبه خ‌ل ) من العلوم ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث فالفرق بينهما على العكس من مراده ولو سلمنا انها هي المخترعة للصور لقلنا هو كمال وهذا كمال الا ترى ما في الشاهد هل تجد في تحصيل العلوم لك كمالا ولا تجد في حصولها لك كمالا بل في كل كمال ولكنا لا نسلم انها فاعلة للصور الا على معنى انتقاشها في وجهها كما مر عليك فان قلت انك لم تجعل الصور في صقع النفس وانما تجعلها في صقع فعلها فكيف تكون كمالا لها قلت قد برهن على معنى ما ذكرنا وان كانت في صقع الافعال في نظايرها من العلوم مثل علم الفقه في مسئلة ان مكروه العبادة من المندوب وفيما قيل في كون دعاء الشيعة وعبادتهم وورعهم يزيد في درجة ائمتهم (ع) كما يزيد الورق في حسن الشجرة مع احتياج الورق الى الشجرة ولا عكس على ان ما نحن فيه ابلغ من التمثيل بل التمثيل ( بالتمثيل خ‌ل ) الحق المطابق ما اشار الى نوعه امامنا وسيدنا جعفر بن محمد (ع) في قوله بالحكمة يستخرج غور العقل وبالعقل يستخرج غور الحكمة ه‍ فان هذه الصور العلمية اذا وجدت للنفس قويت على ايجاد صور غيرها على حد قوله (ع) المتقدم

وقوله { وقد بين في موضعه } الى قوله { في لوازم الذات } فيه انما ذكروه هؤلاء من حكم لوازم الذات ليس له ثبات وانما هو من فروع وحدة الوجود التي ليس في الحق لها وجود فان احداث الصور وجعلها مدركة لها لا ينفى ( لا يتقى خ‌ل ) لها تغاير جهة الفاعلية بجهة ( لجهة خ‌ل ) القابلية كما ذكر قبل فافهم

قال : قاعدة في ان باقي الحيوانات هل لها حشر كالانسان ام لا قد اشرنا الى ان لكل جوهر طبيعي حركة ذاتية وخلقا وبعثا وبداية وعودا والفلاسفة اثبتوا للطبايع عنايات ( غايات خ‌ل ) ذاتية كما اثبتوا لها مبادي ذاتية وعود كل شيء الى ما بدء منه فعود الاجسام الى القوى وعود القوى الى النفوس وعود النفوس الى الارواح وعود الكل اليه تعالى كما قال الا الى الله تصير الامور وقوله كل الينا راجعون فمن علم من اين مجيئه علم الى اين ذهابه لكن الكلام انما هو في بعث الشخص الجزئي مع بقاء تعينه وتشخصه الجامع للنشأتين وهذا في الانسان امر محقق لتجرد نفسه المتعلقة تارة بهذا البدن المادي الدنيوي وتارة بذلك البدن الصوري الاخروي
اقول اتفقوا ( اتفق خ‌ل ) اهل الملل على ان بعد هذه الدار لا بد من البعث لكل مكلف في دار الجزاء ولكنهم اختلفوا في المكلف اما الانسان فهو مكلف اتفاقا باعتبار نفسه واما جسده ففيه الكلام بناء على انه مكلف فيعاد او غير مكلف فمن اثبت له شعورا وادراكا لللذة والالم حكم باعادته ومن لم يثبت له ذلك فبعضهم حكم باعادته تبعا لحكم الوحي وبعضهم حكم باعادة صورته اذ الشخص بها هو لا بمادته ومنهم المصنف وبعضهم نفي الاعادة اصلا وكذلك الجن والشياطين والملئكة اما الجن فظاهر بعض الروايات انهم انواع وان الحساب على النوع الكامل منهم وهو ما يكون قريبا من ( اجسام خ ) الانسان وروي الصدوق في الخصال عن النبي (ص) قال خلق الله الجن خمسة اصناف صنف حيات وصنف عقارب وصنف حشرات الارض وصنف كالريح في الهواء وصنف كبني ادم عليهم الحساب والعقاب وعن ابي عبد الله (ع) قال الجن على ثلثة اجزاء فجزء مع الملئكة وجزء يطيرون في الهواء وجزؤ كلاب وحيات والانس على ثلاثة اجزاء فجزء تحت ظل العرش يوم لا ظل الا ظله وجزء عليهم الحساب والعذاب وجزء وجوههم وجوه الادميين وقلوبهم قلوب الشياطين ه‍ وظاهر التقسيم والتشبيه ان ما كان مشابها لبني ادم عليه الحساب والعقاب خاصة وما سوى هذا النوع فحكمه حكم ما شابهه فالحيات والعقارب والحشرات من الجن حكمهم حكم الحيات والعقارب والحشرات من غيرهم فمن حكم بحشر الحيات والعقارب والحشرات لم يفرق ( لا يفرق خ ) بين الانس والجن والذين مع الملئكة حكمهم كحكمهم فانهم هم الذين يقال لهم الملئكة السفليون والملأ الاعلى الذين يختصمون كما قال تعالى ومن تدبر في الايات والروايات ظهر له ان كل مخلوق ممن دخل في مشية الله فهو مكلف بل لا يوجد شيء الا بقابلية التكليف لان من لم يكلف لم يوجد لتوقف الايجاد على القابلية للايجاد اذ لو لم يقبل الايجاد لم يوجد والقابلية هي تحمل الايجاد والايجاد هو التكليف ومن قبل التكليف وجد بنسبة قبوله وكل مكلف ان قام بما يراد منه استحق الثواب ومن اعرض عنه استحق العقاب وكل من له ثواب او عليه عقاب لا بد له من ايصاله ما يستحق من الثواب واما العقاب فمن لم يعف عنه عوقب ومن عفي عنه استحق ثوابا ولو من جهة الفضل فلا بد من يوم يقوم فيه العدل وهو يوم الفصل فلا بد من الاعادة على تفصيل ما يأتي بعض الاشارة الى بيان نوعه

وقوله { ان لكل جوهر طبيعي حركة ذاتية } اعلم ان هذه الحركة لا تختص بالجواهر بل والاعراض لان الصانع سبحانه واحد والصنع واحد والمصنوع واحد كل شيء مثل كل شيء ماتري في خلق الرحمن من تفاوت وذلك لان كل ممكن فهو مركب من مادة وصورة اما الجوهر فمادته حصة من ذات اي هيولي او مادة مخترعة لا من شيء وصورته انفعالها اي المادة عند تأثير الفعل فيها واما العرض فمادته اثر الفعل اي المعنى المصدري او حصة من لون وما اشبه ذلك وصورته هيئة معروضه ( معروضة خ ) مثلا اثر الفعل الضرب وصورته هيئة فعل الضارب ان اعتبرنا قيامه به قيام صدور وهيئة انفعال المضروب ان اعتبرنا قيامه به قيام عروض وحمرة الثوب مادتها حصة من لون القرمز وصورتها هيئة الثوب ولا يقال هنا ان التمثيل مستلزم لانتقال الاعراض الذي قيل بمحاليته لانا نقول انتقال الاعراض جايز يشهد به الوجدان ودعوى انه لم يزل من محله وانما انتقل بمعروضه الى الثوب دليلها دعوى بلا دليل لان معروضها الان هو الثوب حقيقة وهي محمولة عليه على سبيل الحقيقة لا المجاز وتوهم انه لو انفك عن معروضه عدم اذ لا قيام له بدون ( بلا خ‌ل ) معروض لان وجوده نفس وجوده لمعروضه عند المصنف واتباعه واما وجوده بالمعنى الاول هو المادة وقد نبهناك على نوع اصل مادة العرض واما وجوده بالمعنى الثاني فغير مراد هنا لا لهم ولا لنا فاذا ثبت ان كل شيء يرجع الى اصله لم يختص الجوهر بالحركة بل يرجع العرض الى اصله كالجوهر وان قيل ان اصله الجوهر

وقوله { والفلاسفة اثبتوا للطبايع غايات } لثباتهم ( اثباتهم خ ) على الظاهر صحيح الا انه قشري لان الاشياء في الحقيقة لا تسير الى غاياتها بل الله تعالى يسيرها كما قال تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر

وكذا قوله { وعود كل شيء الى ما بدء منه } صحيح الى قوله

واما قوله { وعود الكل اليه تعالى كما قال الا الى الله تصير الامور وقوله كل الينا راجعون } ليس بصحيح اذا اراد به عود الكل الى الذات وصحيح ان اراد به عود الكل الى امره وحكمه كما قال سيد العابدين (ع) كلهم سائرون الى حكمك وامورهم آئلة الى امرك لان العايد يتصل بالعود اليه بنوع من الاتصال ومن اللازم ان يكون بين المتصلين احدي النسب الاربع ويكون بينهما واحد من الاكوان الاربعة الافتراق او الاجتماع والحركة او السكون متحدين او متعددين متفقين او مختلفين ولا تقع احدي النسب او احد الاكوان الا في الحوادث فلا ينتهي شيء الى ذات الله بحال واليه الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلام في خطبة المسماة بالدرة اليتيمية رجع من الوصف الى الوصف وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وهجم به الفحص الى العجز والبيان على الفقد والجهد على اليأس والبلاغ على السهام ( القطع خ‌ل ) والسبيل مسدود والطلب مردود الخ

وقوله { فمن علم من اين مجيئه علم الى اين ذهابه } يعني انه يعود الى مبدئه فمعني كلامه صحيح وعبارته ( عباراته خ‌ل ) غير كاملة وكمالها ان يقول فمن اعتقد ان شيئا من الاشياء مبدئه اعتقد انه يرجع اليه اذا كان يعلم ان كل شيء يعود الى ما منه بدء اذ ليس كل من علم مبدئه علم منتهاه الا مع الشرط والاحتمال المجاز في احد العلمين علم الشرط وعلم الجزاء

وقوله { لكن الكلام انما هو في بعث الشخص الجزئي } يعني انا لا نتكلم على جنس البعث والمبعوث ونوعهما وانما نتكلم على خصوص البعث للشخص الجزئي لمعلومية العموم ولحصول الاشتباه في الشخص الجزئي مع تعينه وتشخصه في النشأة الاولى والنشأة الاخرى اما في الانسان وما يجري مجراه من الجن والشياطين فهو ثابت لا شك فيه لان لهؤلاء نفوسا مجردة عن صفات الاجسام فلاجل تنزهها ترتبط تارة بالبدن المادي الدنيوي ارتباط ( بارتباط خ‌ل ) تدبير واذا تغير المادي الدنيوي تعلقت بالبدن الصوري النوراني الاخروي تعلق تقرير فتلزم الصوري حينئذ لزوما قارا لما بينهما من المشاكلة في اللطافة والثبات وانما قال ان تعلقها بالمادي في الدنيا وبالصوري في الاخرة لما قرر فيما سبق في اصوله وغيرها من ان البدن المادي متغير متبدل في كل آن غير مستقر في آنين فلا يصح ( فلا يصلح خ‌ل ) للبقاء ولا يبقى واما الصوري فعنده انه غير متغير ولا متبدل فهو يبعث ويحشر الشخص فيه الى الجنة او النار ومما استدل به على هذه الدعوى ان زيدا يعفن ويسمن حتى يكون عشرين منا وهو زيد ويمرض ويضعف حتى يكون قدر من واحد وهو زيد لان المادة تتغير بالزيادة والنقصان والصورة هي هي لا تتغير والجنة وما فيها واهلها وابدانهم لا تتغير واللائق لها الصورة لا المادة ولهذا قال { البدني الصوري الاخروي } وقد قدمنا الكلام في رد هذا وما يلزمه من ان الاعمال انما هي صفات المواد والمباشر لها والمتصف بها المواد فلو لم تعد المواد الاولى بعينها لعادت الصور في مواد جديدة لم تباشر شيئا من الاعمال فتأتي لا ثواب لها ولا عقاب عليها فتنتفي فايدة العود والبعث وتبطل الجنة والنار وقد تقدم بطلان ذلك

قال : واما غيره من الحيوانات ففي بقاء نفوسها وعودها الى الاخرة خلاف بين الحكماء والروايات فيه ايضا متخالفة والايات فيه متشابهة غير محكمة لاحتمال ان يكون المراد من مثل قوله تعالى واذا الوحوش حشرت حشر طائفة من افراد البشر نفوسهم من جنس ارواح الوحوش فحشروا وحوشا لا اناسا والذي ثبت من طريق البرهان الحدسي هو القول بالتفصيل فكل حيوان يكون له نفس متخيلة متذكرة فوق النفس الحساسة فهو باق بعد الموت محشور الى بعض البرازخ غير معطل عن مجازاة لان العناية تأبى عن اهمال ما هو بصدد الاستكمال واما حشر النفوس الحاسة ( الحساسة لا خ ) المتخيلة المتذكرة فكحشر القوى النفسانية الى مبدئها ورب نوعها كما ذكره معلم الفلاسفة في كتابه في معرفة الربوبية وكذلك النفوس النباتية اذا قطعت الاشجار او يبست كما ذكره بعض العرفاء وحشر المقلدين والاتباع الى منازل الائمة والمجتهدين يشبه حشر القوى النفسانية الى الناطقة كما في قوله تعالى وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون وكمثل قوله والطير محشورة كل له اواب
اقول ما سوى الانسان والجن والشياطين والملئكة فقد اختلف الناس فيه واصل اختلافهم في ان غير ما ذكر مكلف ام لا واختلافهم في التكليف مبني على الاختلاف في ان هذه الاشياء من الحيوانات والنباتات والجمادات هل لها شعور وتمييز ام لا فقيل ان الحيوانات والنباتات والجمادات ليس لها عقول ولا تمييز والتكليف منوط باولي العقول وما ليس بمكلف لا فايدة في بعثه لما ذكر من ان البعث انما هو للمجازاة على الاعمال بالثواب او العقاب وقيل ان لها عقولا او تمييزا

واحب نقل كلمات للسيد نعمة ‌الله الجزايري في رسالته التي صنفها في الطاعون واسبابه واحكامه وان كانت طويلة لانه لما ذكر ان الوباء والطاعون ينقي الزمان من كثير من الفسقة والظلمة قال :

فان قلت قد ذكرت الحيوانات والجمادات واغلبها في احكام التنقية فهل يدخلون في نظام النفوس الناطقة وهل يتحصل لهم شعور وعلم وتكليف قلت هذه مسئلة غريبة والبحث عنها اغرب فالجواب ان النطق والكلام للطيور والحيوانات مما وردت الاخبار متواترة به وكفى بذلك ما حكى الله تعالى في الكتاب المجيد عن النملة وكلامها مع سليمن (ع) وسمع سليمان (ع) عصفورا يقول لعصفورته لم تمنعيني نفسك وانا اقدر على ان آخذ سرير سليمان (ع) بمنقاري وارمي به في البحر فطلبهما سليمان (ع) فقال لا تقدر فقال يا نبي الله الزوج يعظم نفسه عند زوجته كيلا تطمع فيه ثم قال (ع) للانثي لم تمنعينه نفسك وهو يحبك فقالت يا نبي الله انه مدع يزعم انه يحبني وهو يهوى غيري فاثر كلام العصفورة في قلب سليمان ودخل بيته وبقي اربعين يوما يعني ان العصفورة لا تريد الشركة في الحب فكيف يكون سليمن يحب الله تعالى ويحب الملك والسلطان وفي الحديث ان القبرة وانثاها كانا قد اتخذا عشهما في جواد الارض عند دنو وقت الفراخ فماشعرا الا وقد اتى سليمان (ع) وعساكره ونزلا بالقرب منهما فخافا على فراخهما فقالت الانثى ان سليمن نبي كريم وهو يحب الهدية وكانا خبئا لافراخهما تمرة وجرادة فحمل احدهما التمرة والاخر الجرادة فلما اتيا سليمن (ع) بسط يديه فوقع الذكر على اليمين والانثى على اليسار فتكلما معه وقبل هديتهما ودعا لهما بخير وامر عساكره الا يمروا على طريقهما ثم انه مسح على رؤسهما فكان التاج من مسح سليمن (ع) وتسبيحهما في الاسحار لعن الله مبغضي آل محمد (ص) ومن ثم ورد النهي في كراهة ذبحهما وقال (ع) لا تدعوا صبيانكم يلعبون بالقنابر واما العصفور فورد في الخبر انه من شيعة عمر بن الخطاب وانه لما عرضت عليه ولاية اهل البيت (ع) لم يقبلها وكذلك الفاختة والرخمة ( الرحمة خ ) وفي الحديث انه ماصيد الصيد في بر او بحر الا في حال ترك التسبيح وائمتنا (ع) وخواص اصحابهم كانوا يعرفون كلام الطيور والحيوانات ويترجمونها للناس وفي الرواية ان الخطاف دل ادم على الحواء حتى اجتمعا في مكة شرفه الله تعالى فعاتبه الله على جمعه من فوقه ( فرقه خ‌ل ) الله تعالى فقال الخطاف الهي الست قلت ومن كل شيء خلقنا زوجين ورأيت ادم منفردا اردت ايضا ان يكون مع حواء زوجين غيرة مني على وحدانيتك فقال تعالى غفرت ( عفوت خ ) عن قبح ( سوء خ‌ل ) فعلك بحسن عذرك وجعلتك في جوار ذريته وامانهم وفي الحديث ان صوته قرائة سورة الفاتحة ومد صوته قرائة الاخير يقول فيه الضالين وبالجملة فكلام الحيوانات ولغاتها مما لا ينبغي انكاره وعدم فهمنا له لا يدل على انكاره فانا نري بعض الهنود يتكلمون بلغة تقع في الاسماع مثل اصوات الخطاطيف من غير حروف ولا تمييز كلمات مع انها لغة عندهم يتعارفون بها واما ان لها نفوسا ناطقة بمعنى الشعور والعلم بمصالحها ومضارها ونحو ذلك فذهب اليه قدماء الحكماء والمحققون منهم وصرح به ابن ‌سيناء في جواب اسولة بهمنيار وقال القيصري في شرح فصوص الحكم : لا تفاوت بين الانسان والحيوانات في النفوس الناطقة ولا دليل على نفيه بل هي دراكة للكليات والجهل بالشيء لا ينافي وجوده وامعان النظر بما يصدر عنها من العجايب يوجب ان يكون لها ادراك الكليات اقول والاخبار ظاهرة فيه ودالة على ان لها تكليفا من التسبيح والتقديس والطاعة لخالقها والقيام بولاية آل محمد (ص) ومحبتهم وامتثال اوامرهم ونواهيهم وروي ان رجلا من الصحابة مر بطريق فغطه ( فعضه خ ) كلب ومزق ثيابه فاتى الى النبي (ص) يشكو صاحب الكلب فقام (ص) مع جماعة من الصحابة واتوا الى منزل صاحب الكلب فخرج فقال له ان كلبك جرح فلانا ومزق ثيابه فاخرجه حتى نقتله فدخل ووضع في عنقه حبلا وخرج به فلما راه الكلب سلم عليه فقال له النبي (ص) لم جرحت هذا الرجل ومزقت ثيابه فقال يا رسول الله (ص) هذا يبغض اهل بيتك وينصب العداوة لوصيك علي بن ابي طالب (ع) ونحن معاشر الكلاب امرنا بان من ينصب العداوة لاهل بيتك نفعل به هذا الفعل فخجل ذلك المنافق وحسن النبي (ص) ما فعله الكلب ورجع وفي حديث ان بعض الحيوانات نكرت له امه فنزا عليها ولما فرغ عرفها فعمد الى ذكره فقطعه باضراسه وينبغي ان تعلم ان غاية الادراك هو الافراط في المحبة التي يسمى في عرف الناس عشقا وصرح الحكماء بان من بلغ درجة العاشقين كان من اهل العلم والادراك وذكروا ان الطيور اعشق من الناس حتى ان القماري ونحوها اذا مات ذكرها نعته الانثى وبكت عليه حتى تموت وكذلك اذا ماتت ( مات خ‌ل ) الانثى وهذا مشاهد في الخيل والبغال واضرابهما فانها تكثر الحنين الى ما الفته من جنسها حتى تلقاه وذكروا ان صاحب قندهار يحارب مع حاكم بخاري ولما اصطفت الناس كان مع كل عسكر افيال فنظر فيل من احد العسكرين الى فيل من العسكر الاخر فعدي نحوه وعدي الاخر اليه فتلاقيا في الميدان ووضع كل واحد منهما خرطومه على خرطوم الاخر وتعانقا طويلا وسالت الدموع من اعينهما ثم وقعا على الارض فوجدا ميتين واما النبات فذكر الشيخ ابو علي في رسالة صنفها في العشق ان العشق لا يختص بالانسان بل هو موجود في الحيوانات والنباتات والمعادن وفي كتب الفلاحة ان النخل يخاف تارة ويعشق اخرى قالوا صح ان النخلة اذا لم تحمل ضرب في اصلهما ( اصلها خ ) بفأس ويقول شخص لاخر لاي شيء هذا فيقول الضارب دعني اقطعها فيقول دعها في ضماني العام فان لم تحمل فاقطعها وفي كتاب النفايس اذا زرع شخص اربع نخلات ( نخيلات خ‌ل ) فحسن ثمرهن سنين ثم يبست واحدة لم تحمل مقابلها وفيه ايضا ان شخصا كان له نخل وكانت واحدة منهن تزهر وتسقط قبل الانعقاد او قبل البلوغ فشكي الى حاذق فجاء حتى نظرها فقال انها عاشقة فدعا برصاص فصنع شريطا وربطه منها الى نخلة هناك فحسن ثمرها تلك السنة ودامت كذلك وان صاحب البستان قطع ( قلع خ‌ل ) الشريط لينظر فاسقطت الزهر فاعاده فصلحت وذكروا من هذا الباب اشياء كثيرة واما المعادن فروي في الحديث ان نبيا من الانبياء مر على جبل فرءاه يبكي فسأله عن سبب بكائه فقال منذ سمعت قول الله تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة فاخاف ان اكون من تلك الحجارة التي تكون من وقود تلك النار فقال ادعو الله ان لا تكون من تلك الحجارة فسكن بكاؤه ثم ان ذلك النبي (ع) مر به بعد مدة فرءاه يبكي فسأله ما هذا البكاء وقد امنت ان تكون من حجارة جهنم فقال هذا بكاء الشكر وذلك بكاء الخوف ه‍ والدال على هذا كله قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم حتى انهم قالوا ان تسبيح الحصي في يده (ص) وكذلك حنين الجذع الاعجاز انما هو في اسماع الحاضرين والا فكل شيء يسبح الله وكل شيء مخلوق يحن الى النبي (ص) واهل بيته (ع)

انتهى كلامه في رسالة الطاعون وانما ذكرته مع طوله وعدم اشتماله على ما يناسب المقام من التحقيق لاشتماله على ايات وروايات وحكايات

وايضا يدل على ما يوجب التكليف المستلزم للدعوي والحق الذي تشهد ( يشهد خ ) له الايات والروايات والصحيح من الاعتبارات ان كل شيء مكلف وكل شيء له عقل وتمييز بنسبة حظه من الوجود فمن ذلك قوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فقوله تعالى فقال لها ولم يقل لهم اشارة الى جماديتها المعلومة وقوله اتينا طائعين اشارة الى تمييزها الموجب لادخالها في مقام التكليف في جملة العقلاء ولذا لم يقل طائعات ومثل قوله تعالى وخلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ولم يقل يسبحن للاشارة الى ان تكليفهم الذي دخلن به في جملة العقلاء هو يسبحون في فلك وكل موضع من القران ذكر فيه النباتات والجمادات في مقام التكليف ذكرها لضمير ( بضمير خ‌ل ) العقلاء مثل قوله ولكن لا تفقهون تسبيحهم ولم يقل تسبيحهن ومثل اولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولم يقل داخرات ولهذا ساوي بين الانسان وبين ساير الحيوانات في موجب التكليف وفي التكليف وفي فايدة التكليف وغايته في كتابه فقال وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون فذكر غاية التكليف لكل ذي روح بانه يحشر الى ربه المربي له بما يوجب حشره اليه ليوصل اليه ثمرة فعله الذي هو فايدة التكليف وغايته وذكر موجب التكليف في قوله امم امثالكم حكمهم كحكمهم لمشاركتهم لكم في مناط التكليف الذي هو تمييز الصلاح من ضده والخير من ضده بنسبة رتبتهم من الوجود وذكر التكليف في قوله تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير وامثال ذلك من الايات واما الاخبار الدالة على المدعي فكثيرة لا تكاد تحصى بل لا يكاد يوجد منها شيء يخالف الا ما كان وجه الموافقة فيه ظاهرا في الظاهر والباطن وقد ذكرنا فيما سبق ما يدل على ذلك تلويحا وتصريحا من الكتاب والسنة وادلة العقل ما فيه كفاية لمن عرفه مثل ما اشرنا اليه من ان كل شيء انما خلقه الله من الوجود المخترع الذي لم يكن شيئا قبل الاختراع ولا ذكر له قبل الاختراع ( ذلك خ‌ل ) ولم يخلق الله تعالى شيئا الا من الوجود المخترع وهو قسمان وجود موصوفي ووجود وصفي والوجود الوصفي خلقه الله تعالى من الوجود الموصوفي وحكمه في كل شيء حكم موصوفه بنسبته لانه من نفسه من حيث نفسه الا انه تابع له فيما يعطيه من فواضله والوجود الموصوفي الذي هو الذات هو اول اثر فاض من فعل الله فهو اثر فعل العالم القادر المختار فيكون عالما قادرا مختارا كما قال تعالى انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا لانه اثر فعل المختار والاثر يشابه صفة موثره التي هو اثرها فكان ذلك الوجود المحدث من فعله تعالى نورا وتمييزا وفهما وعلما واختيارا ليس منه شيء لا نور فيه ولا تمييز له ولا فهم له ولا علم له ولا اختيار له والوجود الوصفي تابع لموصوفه في كل ما للموصوف بنسبته والوجود الموصوفي صفوته الانسان وغير الانسان من فاضله فهو انزل منه رتبة في جميع تلك الصفات فمن دون الانسان فيها الجن والملئكة ومن دونهم ساير الحيوانات ومن دون الحيوانات ساير النباتات ومن دون النباتات ساير الجمادات ومن دون الموصوفات صفاتها كل صفة دون موصوفها بنحو سبعين درجة فكل صفة فيها من جميع ما في موصوفها واحد من سبعين فانزل الجمادات بل انزل صفاتها فيها ما في اعلى الانسان بنسبتها ومثال ذلك السراج فانه بمنزلة امر الله الذي قام به كل شيء وكل شيء من الصفات والموصوفات بمنزلة اشعة السراج وكل ما قرب من الاشعة من السراج كان اشد نورا وحرارة ويبوسة من الشعاع الابعد منه من السراج حتى تنتهي الى اخر الاشعة وابعدها من السراج وهو الذي ليس بعده الا ظلمة بحت فاقربها الى السراج اشدها ( امثلها خ‌ل ) في اثار صفات السراج وابعدها اضعفها في اثار صفات السراج وما بينهما بالنسبة وكلها تستمد من اشراق السراج فجميع ما في اقويها يوجد في اضعفها بنسبته فهذا مثال الاشياء فالانسان كالشعاع الاقرب من السراج والجمادات بل صفاتها كالشعاع الابعد من السراج فكل ما في الانسان من العقل والشعور والاختيار فهو موجود في الجمادات وصفاتها بنسبة حظها من الوجود فكل شيء مخلوق مكلف والا لما خلق كما تقدم وكل مكلف يحشر الى ربه في احد الاوقات الاربعة على ما نبينه لك على نحو الاختصار ان شاء الله تعالى اما في الدنيا او في البرزخ او في الرجعة او في القيمة وذلك لان كل شيء يصير الى ربه في اخر ما قبل منه في التربية فبعض الجمادات والاعراض كبعض الالوان والحركات تحشر الى ربها بثمرة ما رباها به في الدنيا وبعضها في البرزخ وبعضها في رجعة محمد واهل بيته (ص) وبعضها يوم القيمة لان يوم الحشر يوم المجازاة على الاعمال فاذا كان شيء مجازاته في الدنيا وكان له ربط بمن مجازاته في الاخرة لا بد ان يرجع في الاخرة مثاله روي عنهم (ع) ما معناه انه سئل انه قد يكون في بعض التمر تمرة فيها سواد كالرماد ما اصل هذا قال (ع) ان تلك التمرة تركت ذكر الله تعالى ذلك اليوم فارسل عليها ملكا فضربها بمنقاره فكانت هكذا ه‍ فهذه التمرة يوم حشرها الى ربها ساعة ارسل عليها الملك فضربها بمنقاره فافسدها وليس لها يوم مجازاة وحشر تحشر فيه الى ربها غير ذلك اليوم نعم لو كان لها ربط بانسان حشرت يوم القيمة لمجازاة ذلك الانسان كما لو جمع منها زيد شيئا في اناء مغطي الرأس وباعه من عمرو بقيمة الصحيح غارا له بمحضر بكر وخالد والاناء معروف عند الجميع لا تشتبه معرفته على احد من الاربعة وبعد ما مضى به عمرو فتحه في بلية ( بيته خ‌ل ) واذ الذي فيه من التمر باطل لا قيمة له فرجع على زيد فانكر زيد ذلك وحلف عليه بان هذا ليس هو التمر الذي باعه اياه مع اتفاقهم على ان هذا هو الاناء وانكر زيد وحلف فانه يأتي زيد يوم القيمة وعمرو وبكر وخالد وذلك الاناء عند عمرو بعينه وبما فيه من التمر الفاسد بعينه الذي كان في الاناء يوم القيمة يوم البيع في ساعة البيع والاناء ان كان من البيع ( المبيع خ ) مع التمر كان عند عمرو والا فالاناء عند زيد ويحشر ذلك المكان الذي وقع فيه البيع في تلك الساعة من ذلك اليوم والاربعة على هيئتهم من قيام او قعود حال البيع فيفتح الظرف وترى فيه تلك التمرات الباطلة بحيث لا يشك احد منهم في شيء مما كان لان ساعة البيع والمتبايعين والشاهدين وهيئتهم والمبيع وهيئاته حاضرة يوم القيمة والحساب لان الدنيا بما فيها مما له ربط بالحساب يوم القيمة تحضر بعينها في الوقت الاول بعينه فكما انك انت الان في الدنيا بعينك المحسوسة هذه تعاد انت بذاتك لا بدلك كما توهم ( توهمه خ‌ل ) المصنف كذلك تعاد الاوقات والامكنة بعينها لا بدلها ومن انكر هذا لزمه انه لم يقل بالمعاد الجسماني ونظير ما قلنا ان الشمس ردت للنبي يوشع بن نون على محمد ( نبينا خ‌ل ) واله وعليه السلام في قتال الجبارين فصلى بعد ما غربت الشمس اداء وردت لامير المؤمنين (ع) عندنا مرتين مرة حين كان رأس رسول الله في حجره في مرضه الذي توفي فيه بعد ما غرب ( غربت خ‌ل ) وصلى الناس المغرب وهو (ع) لم يصل الظهرين فدعا فردت الى محل خمس واربعين درجة من الافق الغربي فصلي الظهرين اداء والمرة الثانية حين تجاوزه من بابل والي الان محله حين ردت له قريبا من الحلة وقد بني هناك منارة الى الان وهو سنة تاريخ تأليف هذا الشرح سنة ست وثلثين بعد المأتين والالف من الهجرة هي موجودة فصلي الفرضين اداء لا قضاء كما توهمه بعض من يتكلم بما لا يعلم ولا يفهم ركونا الى ما يقولون امس الدابر لا يعود وان الزمان غير قار الذات وما اشبه هذه الالفاظ التي يأولونها ( يلوكونها خ‌ل ) ولا يفهمونها فبالله العجب الوقت الذي وجد كامس دخل في ملك الله هل خرج من ملك الله فاين يذهب ( تذهب خ‌ل ) ولكن اكثرهم يجهلون وقد وردت اخبار كثيرة مصرحة باعادة الاوقات والامكنة من الدنيا يوم القيمة فمن ذلك ما رواه في البحار عن تفسير الامام (ع) قال رسول الله (ص) اما ان الله عز وجل كما امركم ان تحتاطوا لانفسكم واديانكم ( الى انفسكم واياديكم خ‌ل ) واموالكم باستشهاد الشهود العدول عليكم فكذلك قد احتاط على عباده ولكم في استشهاد الشهود عليهم فلله تعالى على كل عبد قياد من خلفه ومعقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ويحفظون عليه ما يكون منه من اعماله واقواله والفاظه والحاظه والبقاع التي تشتمل عليه شهود ربه له وعليه والليالي والايام والشهور شهوده عليه او له وساير عباد الله المؤمنين شهود عليه او له وحفظته المكاتبون ( الكاتبون خ‌ل ) شهود له او عليه فكم يكون يوم القيمة من سعيد بشهادتها له وكم يكون يوم القيمة من شقي بشهادتها عليه ان الله عز وجل يبعث يوم القيمة عباده اجمعين وامائه فيجمعهم في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ويحشر الليالي والايام ويستشهد البقاع والشهور على اعمال العباد فمن عمل صالحا شهدت له جوارحه وبقاعه وشهوره واعوامه وساعاته وليالي الجمع وساعاتها وايامها فيسعد بذلك سعادة الابد ومن عمل سوءا شهدت عليه جوارحه وبقاعه وشهوره واعوامه وساعاته وليالي الجمع وساعاتها وايامها فيشقي بذلك شقاء الابد فاعملوا ليوم القيمة واعدوا الزاد ليوم الجمع يوم التناد وتجنبوا المعاصي فبتقوى الله يرجى الخلاص فان من عرف حرمة رجب وشعبان ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الاعظم شهدت له الشهور يوم القيمة وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها وينادي مناد يا رجب ويا شعبان ويا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم وكيف كانت طاعته لله تعالى فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان يا ربنا ماتزود بنا الا استعانة على طاعتك واستمدادا لمراد ( لمزاد خ ) فضلك ولقد تعرض بجهده لرضاك وطلب بطاقته محبتك فقال للملئكة الموكلين بهذه الشهور ما تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد فيقولون يا ربنا صدق رجب وشعبان وشهر رمضان ماعرفناه الا متقلبا ( متلقيا خ‌ل ) في طاعتك مجتهدا في طلب رضاك صائرا فيه الى البر والاحسان ولقد كان بوصوله الى هذه الشهور فرحا مبتهجا منجحا امل فيها رحمتك ورجا فيها عفوك ومغفرتك وكان مما منعته فيها ممتنعا والى ما ندبته اليه فيها مسرعا لقد صام ببطنه وفرجه وسمعه وبصره وسائر جوارحه ولقد ظمأ في نهارها ونصب في ليلها وكثرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين وعظمت اياديه واحسانه الى عبادك صحبها اكرم صحبة وودعها احسن توديع اقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك ولم يهتك عند ادبارها ستور حرماتك فنعم العبد هذا فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد الى الجنة الحديث وهو طويل فانظر الى صراحة هذا الحديث الشريف في حشر الاوقات والامكنة وكل ما تتوقف الشهادة العيانية فبه عليه ( فيه علية خ‌ل فيه غلبة خ ) لان التقرير في يوم القيمة لا بد ان يكون على اكمل وجه واكمل وجه ما يكون بنفس الشيء المختلف كما هو هو وهو الشيء بنفسه مثال ذلك اذا سرق عمرو من دكان زيد في سوق بغداد يوم الخميس رمانة حشر يوم القيمة دكان زيد في سوق بغداد يوم الخميس وحشر عمرو وتراه الناس مادا يده الى دكان زيد اخذا للرمانة المسروقة في الدنيا بعينها في الوقت الذي اخذها فيه في الدنيا كما انك اذا رأيته في الدنيا سارقا للرمانة من ذلك الدكان المعين في الوقت المعين فانك ما دمت حيا كل ما ذكرته رأيته اخذا لتلك الرمانة من ذلك الدكان في الوقت المعلوم فكلما ذكرته احضرت الكل في ذهنك بلا تغيير ( تغير خ‌ل ) ابدا فذلك هو الذي يبعثه الله تعالى بجميع احواله ومشخصاته الم تعلم ان الله على كل شيء قدير وما ذكرته بجميع شقوقه ضروري قطعي لاهل توفيق الله

وقول المصنف { لاحتمال ان يكون المراد من مثل قوله واذا الوحوش حشرت حشر طايفة من افراد البشر نفوسهم من جنس ارواح الوحوش فحشروا وحوشا } الاحتمال صحيح ولا ينافي حشر الوحوش الظاهرة فمن حصر معنى الاية في هذا المعنى الباطني فقد ابطل واخطأ كخطاء من حصرها على الوحوش الظاهرة لان القرءان له ظاهر وباطن وكلاهما صحيح ومما تواتر معناه بين المسلمين انه يوم القيمة يقتص للجماء من القرناء وقد نطق نص الكلام ( كتاب خ‌ل ) المجيد في قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ومما عبد من دون الله هبل وهو حجرة منحوتة والان هو مدفون عند المسجد الحرام في باب السلام باب بني‌شيبة حتى اذا دخل الحاج المسجد للطواف يطأ عليه لكونه ( لانه خ‌ل ) عبد من دون الله اهانة له ويوضع يوم القيمة في جهنم لانه رضي بان يعبد من دون الله والا لكان مظلوما والعدل الحكيم لا يعذب من لم يقع منه تقصير وقد قدمنا من الاشارة الى تمييز الجمادات وانها مكلفة من الاخبار ودليل العقل ما فيه كفاية لاولي الابصار

وقوله { والذي ثبت عندي من طريق البرهان الحدسي هو القول بالتفصيل } يريد به ان بعض الحيوانات لها تصورات جزئية لان لها نفوسا متخيلة متذكرة وما كان كذلك فانها تحشر الى مقابل ادراكاتها ومسامتها من البرازخ فان تلك التصورات من نحو رتبتها اي رتبة ما تعود اليه وما ليس لها ذلك فلا عود لها والحق ان كل حيوان فله تصورات وتخيلات لما فيه صلاح معاشه ونظام نوعه واي حيوان لا يميز طعامه مما يشابه لونه مثل التيس الذي هو شديد الغباوة يميز العلف الاخضر من الثوب الاخضر الذي لونه مثل لون الحشيش واذا نقل عن مكان مربطه او موضع معتلفه اذا ترك يمضي الى مكانه ومحل معتلفه لانه يتصور ذلك ويتصور محل شهوته فيعرف الانثى من الذكر ويخاف مما فيه مظنة هلاكه او ضرره ويعرف من الناس من الف به ممن لم يألف به وبالجملة لا ينفك حيوان عن الصور ( التصور خ‌ل ) بل قيل انها تدرك الكليات لان لها نفوسا ناطقة نعم الامر كذلك لانها من فاضل اصحاب النفوس الناطقة ولكن نفوس ( نفوسها خ‌ل ) الناطقة بنسبة رتبتها من الوجود فهي ناقصة لضعفها وانحطاطها عن النفوس الناطقة الانسانية فاذا حصل لها متمم نطقت كما تكون لبعض الحيوانات عند صاحب المعجز فانه بفاضل نورانيته ربما تمها ( تممها خ‌ل ) فنطقت واظهرت اثار الافهام الانسانية من المعارف والاثار العقلية وهذا في الحيوانات كثير بل وفي الجمادات والنباتات والحاصل الطريق الى معرفة ما نشير اليه وادراكه اما العقل واما النقل فاما العقل فيكفي صاحب العقل ما مثلنا به من السراج واشعته فتأمل فيه وان اردت الزيادة فعليك برسالتنا الفوائد وشرحنا عليها واما النقل فهو في الحيوانات والمعادن والجمادات اكثر من ان يحصي من الكتاب والسنة

وقوله { فهو باق } فنقول عليه اي شيء باق بعد قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه فان اريد وجه الشيء فقد اشتركت الاشياء فيه فكل الاشياء فانية وكل وجوهها باقية فلا تفصيل وان اريد ان وجه الله بمعنى ذاته فكل الاشياء فانية ولا تفصيل وان اريد وجه الله الذي تتوجه اليه الاولياء فكذلك وايضا اي شيء فان والله تعالى يقول قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ على ان العناية تأبي عن اهمال ما هو بصدد الاستكمال واي فقير لم يكن مادا ليد السؤال من الكريم الفعال القابل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون وهو تعالى سبب من لا سبب له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب ففي نفس الامر كل شيء راجع الى ما منه بدئ رجوع مجاورة وهو كل شيء يدرك الامور الكلية من الانسان وغيره لانه لا يزال متعينا متميزا فهو باق في تعينه وتشخصه وتميزه وكل شيء انحط عن تلك الرتبة فهو راجع الى مبدئه رجوع ممازجة فهو باق لمبدئه لا لنفسه فاستكمال ذوي النفوس المدركة طلب الاستمداد للبقاء في تشخصها لانفسها واستكمال ما دونها طلب الاستمداد للبقاء في مبدئها اذ كل شيء مخلوق فقير الى الغني المطلق تعالى في استمداد بقائه وهو تعالى يمد كل شيء مما خلقه منه وهو الغني الحميد وكل شيء محشور الى مبدء استمداد بقائه وهذا معنى ما ذكره معلم الفلاسفة كما ذكره المصنف ومعنى ما ذكره المصنف ايضا في النفوس المتخيلة والنفوس الحساسة وهو معنى ما ذكره معلم جميع الخلق جميع الحق امير المؤمنين (ص) فيما تقدم من كلامه للاعرابي الذي سأله عن النفس حيث جعل (ع) النفس النباتية والنفس الحيوانية الحساسة الفلكية كلا منهما اذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة والنفس الناطقة اذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة وقول معلم الفلاسفة وكذلك النفوس النباتية اذا قطعت الاشجار او يبست يعني انها تعود وتحشر الى اصلها كحشر القوى النفسانية الى مبدئها ورب نوعها والمعروف من عود الشيء الى اصله انه ( لانه خ‌ل ) ان كان مركبا عاد كل جزء منه الى اصله لانه اي المركب لم يكن مأخوذا من اصل مركب ليعود المركب الثاني الى المركب الاول المأخوذ منه وانما اخذ الثاني من مفردات الاول فالنفس النباتية جزء من النار وجزء من الهواء وجزءان من الماء وجزء من التراب فاذا اجتمعا ونضجا بطبخ حرارة الفصول والكواكب واعتدلت الاجزاء واعتدل طبخها ونضجت الاجزاء وتلطفت حتى كانت في لطافة سماء الدنيا تعلقت بها نفس سماء الدنيا التي هي نفس الحياة فتحركت فاذا فارقت عاد الجزء الناري الى النار والهوائي الى الهواء والمائي الى الماء والترابي الى التراب فاذا عاد جزء الى اصله امتزج به بحيث لا يمكن تميزه منه الا لخالقه تعالى وعادت نفسه الى نفس الفلك وامتزجت به كامتزاج الجزء المائي بالماء فالقوى النفسانية الاشراقية حكمها في العود الى ما منه صدرت حكم اجزاء النباتية كما سمعت من انها تعود عود ممازجة والقوى النفسانية الاركانية اذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة كالنفس الناطقة في عودها فعود ( وعود خ‌ل ) النباتية التي في الشجرة وفي اغصانها الى ما منه بدئت كعود القوى النفسانية الاشراقية لا كعود القوى النفسانية الاركانية وعود المقلدين الى المجتهدين كعود الاركانية وعود المجتهدين والمقلدين والاتباع الى الائمة (ع) كعود الاركانية في الظاهر يعني عود مجاورة وكعود الاشراقية في نفس الامر وما في قوله تعالى وحشر لسليمن جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون كحشر المجتهدين والمقلدين والاتباع الى الائمة (ع)

قال : ختم ووصية يقول هذا العبد الذليل اني استعيذ بالله ربي الجليل في جميع اقوالي واحوالي ومعتقداتي ومصنفاتي من كل ما يقدح في صحة متابعة الشريعة التي اتانا بها سيد المرسلين وخاتم النبيين عليه واله اجزل صلوات المصلين او يشعر بوهني بالعزيمة والدين او ضعف في التمسك بحبل الدين لاني اعلم يقينا انه لا يمكن لاحد ان يعبد الله كما هو اهله ومستحقه الا بتوسط من له الاسم الاعظم وهو الانسان الكامل المكمل خليفة الله بالخلافة الكبرى في عالمي الملك والملكوت الاسفل والاعلى ونشأتي الاخرى ( نشأتهما الاخرة خ‌ل ) والاولى

اقول احاديثنا التي نرويها ( مروية خ‌ل ) عن اهل العصمة ائمتنا (ع) مختلفة في مثل حال المصنف الذي اكثر اعتقاداته التي وقفنا عليها في كتبه مخالفة لكلام الائمة (ع) ومذهبهم مثل قوله بان الوجود يصدق على القديم والحادث من باب الاشتراك المعنوي لان الاشياء من سنخ ذاته تعالى وان بسيط الحقيقة كل الاشياء ويريد ببسيط الحقيقة هو الله تعالى وان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته فاذا قيل له الله تعالى اعطاني هذه العصا هو تعالى ليس فاقدا لها في ذاته قال نعم بنحو اشرف وان وجودات الاشياء ليست خارجة عن ذاته والاشياء الموجودة في الخارج اظلة لتلك الحقايق انحطت عنها كانحطاط الاظلة عن الشاخص وان الماهيات الثابتة في علمه الذي هو ذاته اعني ماهيات الاشياء هي شئون الذات ولوازمها التي لا يمكن تصور انفكاكها عن الذات وهي ليست مجعولة ولا يطرء عليها التغير والتبدل وان الصور المعقولة متحدة بعاقلها والمفعول متحد بالفاعل والمحسوسة متحدة بالحاس وان الصور المحسوسة المتعلقة بالمواد ليست معلومة له بالذات وانما هي معلومة له بتبعية حقايقها المتحدة به وان اهل النار يؤل امرهم الى النعيم وانه تعالى ليس له ان شاء فعل وان شاء ترك ولهذا منع ان يكون الله فاعلا بالقصد وانما هو فاعل بالعناية بمعنى ان علمه بوجه الخير والصلاح ويكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير مع ( من خ‌ل ) غير قصد زائد على علمه كما تقدم ويكون معنى كونه عنده مختارا انه ان شاء فعل وان لم يشأ ترك ( لم يفعل خ‌ل لم يفعله خ‌ل ) وبينا فيما سبق ان هذه العبارة تنافي الاختيار وانما عدل عن العبارة المعروفة لاجل نفي القصد الزائد على العلم لما يلزم من اعتبار القصد عنده من المفاسد وقد ذكرنا فيما سبق جواب ما توهمه وان المعاد الجسماني عبارة عن اعادة الاشخاص ( الاشياء خ‌ل ) بصورهم لا بموادهم لان المواد تتبدل وتتغير ولا تبقى بخلاف الصور وان علم الله بالاشياء مستفاد من الاشياء وانه تعالى ليس له ان يهدي جميع الخلق اذ ليس له في الاشياء الا وجه واحد وان جنة زيد المؤمن وجميع ما فيها من القصور والولدان والحور والمطاعم والمشارب والمناكح والحلي والحلل وجميع انواع النعيم التي اعدها الله تعالى له كل ذلك وجودها عبارة عن وجوده لانها كلها من قبيل نياته ومعتقداته فليس لها وجود الا وجوده وامثال هذه من اعتقاداته ومع هذا كله يقول { استعيذ بالله ربي الجليل في جميع اقوالي واحوالي ومعتقداتي ومصنفاتي من كل ما يقدح في صحة متابعة الشريعة التي اتانا بها سيد المرسلين وخاتم النبيين عليه واله اجزل صلوات المصلين او يشعر بوهني بالعزيمة والدين الخ } والروايات المتكثرة دالة بصريحها على ان القائل بهذه المقالات وامثالها كافر ومشرك وظاهر كلام العلماء ذلك في حق القائل بهذه المقالات نعم روي عن الباقر (ع) ما معناه لو ان رجلا سمع الحديث يروي عنا ولم يعقله عقله وانكره وكان من شأنه الرد الينا فان ذلك لا يكفره ه‍ ومعلوم بان مثله لا يريدون خلاف ائمة الهدى (ع) وانما دخلوا في هذه المقالات الباطلة لانهم قرأوا كتب الفلاسفة والصوفية ووجدوا فيها رموزا واشارات وتدقيقات وانسوا بها اولا فلما نظروا في كلام الائمة (ع) ووجدوه مخالفا لما ذكره اولئك اولوا كلام الائمة (ع) على ما يطابق مرادات الحكماء والصوفية لتوهمهم صحة كلام اولئك حيث ذكروا ادلة من المجادلة بالتي هي احسن دخلت في اذهان هؤلاء فاعتقدوا صحة كلامهم وكلام ائمتنا عليهم السلام اغلب ادلته من ادلة الحكمة وهي غير مأنوسة لانها جارية على الفطرة والبداهة وتستبعد النفوس بيان هذه المطالب العالية بهذه الادلة التي ليس فيها غموض وتوهموا ان هذه المطالب الغامضة ماتكشف عنها الا الادلة المعقدة المشبكة فاعتمدوا على ادلة اشباههم

وقوله { لاني اعلم يقينا انه لا يمكن لاحد ان يعبد الله كما هو اهله ومستحقه الا بتوسط من له الاسم الاعظم الخ } فاعتقد ان الانبياء المتقدمين على محمد واله وعليهم السلام ممن لهم الاسم الاعظم والحكماء الاجلة الثقاة الذين افنوا اعمارهم في القراءة عليهم عليهم السلام فلا شك عنده انهم عرفوا الله حق معرفته التي يمكن ان ينالها البشر مع ما يشاهد من انقطاعهم وصرف جميع اعمارهم في اخذهم العلم عن الكمل الذين لهم الخلافة الكبرى في عالمي الملك والملكوت واقول الامر في حق الانبياء عليهم السلام كذلك ولكنه ما اخذ عنهم مشافهة وانما اخذ من الوسائط مع بعد الزمان وطوله وائمتنا عليهم السلام اتوا بعدهم وهم اعلم من اولئك توسطا وواسطة واضبط اخذا عن الله فالذي ينبغي ترجيح قولهم وعلمهم ونقلهم ولانهم مجددون لما درس وحافظون لما تلف وكاشفون لما ستر فالاولي تأويل كلام غيرهم الى كلامهم لا العكس فان قلت ان كلام اولئك مطابق للعقول وكلام الائمة عليهم السلام بعيد عنها فلذا وجهوا البعيد عن العقول الى القريب اليها قلت الامر على العكس لان كلام الائمة عليهم السلام جاري على الطبيعة بخلاف كلام اولئك فان قلت هذا وجداني فانا نجد كلام اولئك اقرب قلت ليس كذلك فاني اجد كلام الائمة عليهم السلام اقرب الى فهمي من كلام اولئك والسر فيه اني ما اشتغلت بكلام اولئك واصطلاحاتهم فلما وقع علي الكلامان قبل فهمي كلام الائمة عليهم السلام لانه جار على الفطرة وفهمي كان على فطرته ماحصل له شيء اخر قبل هذا حتى تغير عن فطرته واما مثل المصنف ماوصل اليه كلام الائمة عليهم السلام الا بعد ما وصل اليه كلام الاغيار فاعوجت به طبيعته وتبدلت به فطرته وانحرفت به سليقته فلما وصل اليه كلام ائمة الهدى عليهم السلام لم ينطبق على فطرته لانها مغيرة وكان يعلم انهم عليهم السلام على الحق من دليل خارج فاحتاج الى تأويل كلامهم صلى الله عليهم والحاصل ظاهر حديث الباقر عليه السلام صادق عليه لانه كان من شأنه الرد اليهم والله سبحانه اعلم بعواقب الامور

قال : واوصيك ايها الناظر في هذه الاوراق ان تنظر فيها بعين المروة والاشفاق وانشدك بالله وملكوته واهل رسالاته ان تترك عادة النفوس السفلية من الالف بما هو مشهور بين الجمهور والتوحش عما لم تسمعه من المشائخ والاباء وان كان مبرهنا عليه بالحجة البيضاء فلا تكن ممن ذمهم الله على التقليد المحض من غير برهان في مواضع كثيرة في القرءان كقوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه اباءنا فاياك ان تجعل مقاصد الشريعة الالهية وحقائق الملة الحنيفية مقصورة على ما سمعت من معلميك واشياخك منذ اول اسلامك فتجمد دائما على عتبة بابك ومقامك غير مهاجر الى ربك بل اتبع ملة ابينا الحقيقي ابراهيم حنيفا مسلما حيث قال لابيه المجازي يا ابت لا تعبد الشيطان وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين فاذهب الى ربك وسافر من بيت حجابك وعتبة بابك مهاجرا الى الله ورسوله لترى من ايات الجبروت وعجائب الملكوت ما لا عين رأت ولا اذن سمعت فان ادركك الموت في هذا السفر فاجرك على الله لقوله ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله الاية
اقول ان المصنف اوصاك ان تنظر في كتابه هذه بعين المروة يعني انك لا تسرع بالرد ولا تكذب بما لا تعلم فان ذلك خلاف المروة فان من المروة ان تتأمل في ان هذا الرجل ماتفرد بشيء لم تقل به غيره بل اتبع خلقا كثيرا وطابق في هذه المطالب جما غفيرا وتنظر بعين المحبة فان المحب ربما يرى في الكلام على الظاهر خطأ واذا نظر بعين المحبة امعن نظره في تحصيل وجه مصحح ثم اقسم عليك وسألك بالله وملكوته وهو صفاته الذاتية عنده لانها مغايرة للذات في المفهوم واما عندنا فملكوته صفات افعاله وامثاله العليا وهي ما ظهر بها على عرشه فخلق ورزق وامات واحيي واهل رسالته انبياؤه والوسائط في الاداء والتبليغ الى خلقه سألك بذلك ان تترك عادة النفوس السفلية الحيوانية الفلكية والطبيعية من كونها اذا انست بشيء صعب عليها مفارقته وان تبين لها عدم صحته بل تتكلف تصحيحه خصوصا اذا كان مشهورا بين جمهور العلماء وسألك بذلك ان تترك التوحش عن كل شيء لم تسمعه من مشائخك لان النفوس السفلية حريصة على ملازمة ما سمعته من مشائخها بل ربما تأخذها الحمية الجاهلية بان تقبله وتنصره وان تبين لها وهنه وضعفه بل ربما عملت به لاخرتها لا سيما ان كان له من ابناء الجنس الاحياء معارضا له كما شاهدناه في زماننا كثيرا حتى قال بعض من يقتدي به لمن يطيعه ينبغي ان تقوي هذا الرأي ولو بشيء مفترى لئلا يقوى الضد وهو من مراد المصنف بقوله وان كان مبرهنا عليه بالحجة البيضاء فان قلت كيف اعتذارك في ترك النظر بعين المروة والاشفاق حتى بلغ بك الحال انك ربما ماصححت له مسئلة مع اني ما اظن انك تعجز عن تصحيح اكثر المسائل ولو بالتوجيهات البعيدة ولكنك لم ترده قلت اني لم ارد التصحيح ولو اردت التصحيح لماعسر علي ولكن بعض التلامذة قال لي ان الناس في هذا الزمان افتتنوا بكتب هذا الرجل واعتقاد حقية كلما يقول حتى ان كثيرا منهم يسمع كلام الامام عليه السلام بخلاف كلام المصنف ويترك كلام امامه ويأخذ كلام المصنف فاذا قيل له لم فعلت كذا قال ان المصنف اعلم بمراد الامام عليه السلام لانه يأتي بالبراهين القاطعة فهو ادل فقال لي ان كنت تعرف بطلان قوله وادلته فبين بطلان ذلك وما يلزمه ليجتنبه طالب الحق فسلكت هذا المسلك والله سبحانه يعلم اني ماقصدت خصوص تنقيصه وانما اردت بيان الحق على نحو ما سلكه ائمة الهدى عليهم السلام ومن الذي اوصاك الا تكون ممن ذمهم الله على التقليد المحض من غير برهان في مواضع كثيرة من القرءان كقوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم وهو دليل المجادلة ولا هدى وهو دليل الحكمة ولا كتاب منير وهو دليل الموعظة الحسنة يعني بعض الناس من يصف الله او يعبده برأيه واستحسانه يقول في وصف الله وعبادته بالخرص والظن بغير دليل من الادلة الثلاثة فاذا قيل له لم تركت ما انزل الله على نبيه صلى الله عليه واله قال هذا دين اسلافي والمشهور بين الناس وانا اقول للمصنف كما قال لك :

وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

والجواب الفاصل :

اذا انبجست دموع في خدود ( من عيون خ‌ل ) تبين من بكى ممن تباكا

ان كان كلام المدعي يصدقه الكتاب والسنة ويشهدان له بحيث لا يخالف ما عليه عامة المسلمين لان رسول الله صلى الله عليه واله اقرهم على ظاهر ما فهموا فان كان ما فهموه حقا كان ما ذكروه اولئك مما خالف المشهور باطلا وان كان ما فهمه الجمهور من الدين الذي دعا اليه صلى الله عليه واله غير الحق وغير مراده فقد مات ولم يبلغ ما امره الله بتبليغه ولم يكن ذلك باجماع المسلمين ان هذا لهو القصص الحق

وقوله { فاياك ان تجعل مقاصد الشريعة الالهية الخ } فيه ان المعلمين ربما اقروه على حق لا يجوز تجاوزه فعلى مثل هذا يجب الجمود على عتبة الباب ولا يجوز المهاجرة عنه لان هذا هو الاستقامة التي اشار سبحانه اليها في قوله ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وصاحب الشريعة صلى الله عليه واله انما بعث لتكميل الناقصين ولم يترك شيئا مما فيه تكميل او تتميم الا اتى به وبينه على اكمل بيان ودل عليه باوضح برهان فان امر بالمهاجرة وان سكت وجب السكوت وقد اشار الصادق عليه السلام الى هذا المعنى في جوامع الكلم التي علم رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام من الالف الباب التي ينفتح من كل باب الف باب وهو قوله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه واله امر باشياء ونهى عن اشياء وسكت عن اشياء ولم يكن سكوته عنها غفلة فابهموا ما ابهمه الله واسكتوا عما سكت الله ه‍ فليس كل من لم يهاجر مخطئا بل المخطئ من امر بالمهاجرة ولم يهاجر فان من امر بالمهاجرة اذا هاجر رأى من عجائب الملكوت وايات الجبروت ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والمراد بهذه العين وهذه الاذن وهذا القلب مدارك من لم يهاجر ولم يسافر عن بيته المحبوس فيه في حبس طبيعته فان ادرك هذا المهاجر الى الله الموت قبل بلوغه الغاية وكانت نيته صالحة في سفره الى الله فروى اصحابنا ما معناه ان الله سبحانه يوكل به ملكا او ملائكة يعلمونه ما ادركه الموت قبل ادراكه له حتى يأتي يوم القيمة وهو مدرك لما قطعه عن ادراكه الموت ه‍

قال : فلا تبال ان كنت مسافرا بمخالفة الجمهور فان الجمهور واقفون في منزلهم والمسافر مرتحل من المنزل فكيف يقع الاتفاق بين الساكن والمتحرك والحال والمرتحل فكن كما قال امامك وامامنا امير المؤمنين عليه وعلى اخيه واله صلوات رب العالمين لا تعرف الحق بالرجال بل اعرف الحق يعرف منه اهله
اقول نعم لا يبال اذا كان مسافرا الى حق بمخالفة الباطل واما المسافر من حق الى باطل فلا وذلك معلوم بالضرورة ان المقيم اذا كان على باطل لا يوافقه المسافر الى الحق لا العكس فان الغلاة سافروا الى باطل والخوارج مرقوا بسفرهم عن الطريقة المأمور بالاستقامة عليها قال تعالى وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه وقوله عليه السلام لا تعرف الحق بالرجال الى اخره صادق على بعض المسافرين وبعض المقيمين فليس فيه دليل

قال : واعلم ان المتبع في المعارف الالهية هو البرهان او المكاشفة بالعيان كما قال تعالى قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقال ومن يدع مع الله الها اخر لا برهان له به وهذا البرهان نور يقذفه الله في قلب المؤمن تتنور به بصيرته فيرى الاشياء كما هي كما وقع في دعاء النبي صلى الله عليه واله لنفسه ولخواص امته واوليائه من قوله اللهم ارنا الاشياء كما هي
اقول كون المتبع المنجي في المعارف الالهية هو البرهان او المكاشفة بالعيان فمما لا اشكال فيه وانما الاشكال في البرهان ما المراد منه ولا شك ان البرهان الاصطلاحي ليس هو المراد على جهة الخصوص لان مقدماته رتبوها بنتائج عقولهم ونتائج عقولهم لا تقدر بها عظمة الله لان العقول لا تحيط بكنهه ولا تبلغ ادنى ما استأثر به من الغيب والقدس والتنزه عن الادراك والاحاطة واما دليل الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن فانما تحصل بها المعرفة الصورية في دليل المجادلة والعقلية في دليل الموعظة والحقيقية في دليل الحكمة لانه تعالى جعلها كذلك وتعرف منها على حسب جعله تعالى كذلك الا ان دليل المجادلة لما كان مأخذه من اثار العقول وانظارها وكانت لا تدرك الا نظائرها وكان المؤسس منها والهادم منها انحط عن رتبة معرفة الله فلا يدرك الا ما هو من الممكنات ودليل الموعظة اساسه يـٔول الى التقليد فكان في انحطاطه مثل الادلة العقلية لا تتجاوز معرفة الحوادث والممكنات ولا يتوصل به الى حقيقة المعرفة الا دليل الحكمة لان الدليل الذي تتوقف صحته على تصور المطلوب معرفته لا يمكن ان يستعمل الا في الحادثات فالبرهان الاصطلاحي لا يعرف به القديم تعالى واما المكاشفة فقد تستعمل في الامور المؤدية الى الجهل بالله تعالى لانها قد تكون ناشئة من الرياضات المنهي عنها شرعا والاوراد التي تستعملها الصوفية التي لم ترد عن اهل العصمة عليهم السلام بل ورد عن الصادق عليه السلام الا ان اكثرهم يسفل يعني ان اكثرهم يخطئ الحق اللهم الا ان يكون رجلا قد راض نفسه بصدق الاخلاص في القيام بالامتثال لاوامر الله واجتناب نواهيه والتقرب اليه بالنوافل وملازمة الاداب الشرعية ويجعل فهمه وعقله تابعين للكتاب والسنة لا يريد بجميع اعماله وافعاله واقواله الا ما يرضي الله سبحانه فان الله عز وجل يسدده للاصابة في جميع اعماله واعتقاده لما هو الاحب اليه ويعصمه من الخطأ في امور دنياه واخرته وهذا هو البرهان الحق لا البرهان الاصطلاحي وهذا هو معنى الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث فحينئذ يريه الله الاشياء كما هي واما من كان برهانه من القضايا المنطقية فلا يدرك من الاشياء الا الفاظ اسمائها

قال : واعلم ان هذه المسائل التي وقع الخلاف فيها لجمهور الفلاسفة مع الانبياء عليهم السلام ولهم الدعاء لو كانت سهلة التناول والحصول ممكنة الاكتساب بافكار هذه العقول المنطقية وانظارهم التعليمية البحثية لما وقع الخلاف فيها من اولئك العقلاء المشتغلين طول عمرهم باستعمال آلة الفكر والنظر في اكتساب تصور الاشياء ولما نشأ منهم فيها الخطأ ولما وقعت الحاجة الى بعثة الانبياء فعلم ان هذه المسائل لا تحصل الا باقتباس الانوار من مشكوة النبوة والتماس فهم الاسرار من باطن الولاية فعليك بتجريد تام للقلب وتطهير بالغ للسر وانقطاع شديد عن الخلق ومناجاة كثيرة مع الحق في الخلوات واعراض عن الشهوات والرياسات وسائر اغراض الحيوانات بالنية الصافية والدين الخالص
اقول طريق المصنف في كثير من اعتقاداته مثل طرق الفقهاء المجتهدين فانه يذكر المسئلة ويستدل عليها بكل ما يمكنه من الاستدلال من كلامه وكلام غيره ثم يحصل له بعض الاوقات عدول عن ذلك الرأي كما وقع له في بعض المسائل مثل حكمه على ان اهل النار اذا تطاولت عليهم الدهور تنعموا بالعذاب وقد بسط الكلام في الاستدلال على هذه المسئلة في سائر كتبه خصوصا في الكتاب الكبير وفي هذا الكتاب جرى على طريقته في الاستدلال على ذلك المقال ثم ذكر في اخر كلامه انهم لا يجدون راحة في النار لانها دار المحن والبلاء وفي هذه المسئلة التي نحن الان بصددها في كتابه المشاعر ذكر ان الانبياء عليهم السلام طريقهم في المعارف الالهية البرهان وظاهر كلامه انه طريق جميع العارفين وان المراد به البرهان الاصطلاحي وهنا في هذا الكتاب اشار الى ان المراد بالبرهان ليس هو البرهان الاصطلاحي الذي يبين تركيبه واصلاحه وتصحيحه في علم المنطق لان الفلاسفة افنوا اعمارهم في استعمال آلة النظر والفكر وفي تصحيحها وضبطها فلو كان منشأ دليلهم ومبني استنباطهم على ذلك لهذه المسائل لتناولوها بهذه الادلة ولماوقع بينهم وبين اهل الوحي عليهم السلام اختلاف ولما احتاجوا الى بعثة الانبياء عليهم السلام في تحصيل مسائل قد احكموا ادلتها التي بنيت تلك المسائل عليها ولكن تلك المسائل لما كانت مبنية على ادلة لا يمكن تحصيلها الا من قبل الوحي وذلك لصعوبة تلك المسائل ودقة مأخذها فلم تنهض ادلتهم المنطقية بادراكها ومعرفتها حتى ان احدهم اذا تفرد في استدلاله بقدر شعرة عن ادلة اهل الوحي عليهم السلام خالفهم واخطأ الصواب ويفهم من هذا ان المراد بالبرهان هنا البرهان الالهي لا المنطقي وهو عين ما نريد وقد ذكرنا في شرح المشاعر ان ادلة الانبياء على محمد واله وعليهم السلام هي البراهين الالهية التي كثيرا ما نشير اليها بدليل الحكمة لا البراهين الاصطلاحية المنطقية التي هي دليل المجادلة بالتي هي احسن ولكن اذا فرضنا مسئلة من المسائل سهلة التناول يمكن المصنف ان يقطع بارتفاع الخلاف فيها حيث ما كانت سهلة لم يقع فيها خلاف اذا كانت ادلة الباحثين فيها من البراهين المنطقية ليستدل على صعوبة هذه المسائل بوقوع الخلاف ليكون الحكم مطردا اثباتا ونفيا ولكن الاستدلال اذا كان من كل واحد من الباحثين من نوع واحد بمعنى ان تكون جميع استدلالاتهم مأخوذة من ايات الله المضروبة في الافاق وفي الانفس بالطريق التي امر عز وجل ان يؤخذ بها كما اشار اليه سبحانه في قوله تعالى من جهة باطن التأويل واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا فالنحل نفوس العلماء الذين ينتحلون الدين بمعنى عدم الواسطة بينهم وبين ربهم بحيث ينسب الدين اليهم لا الانتحال الذي هو الابتداع بل الانتحال هنا بمعنى الاختيار وكيف يكون هنا بمعنى الابتداع وهو يقول واوحي ربك وان اتخذي وثم كلي من كل الثمرات وان اتخذي من الجبال اي الاجساد ومن الجبال اي الطبائع جمع جبلة على غير القياس بيوتا اي متعلق انظار النحل وافكارها تأوي اليها ليستخرج من صفاتها ما تقتضيه من احكامها وكذلك من الشجر اي النفوس بيوتا ومما يعرشون من ارتباط النفوس بالاجسام كذلك وانظري فيها بكل علم واستنبطي احكامها بالنحو الذي امر الله فاذا سلك في الاستدلال سبل الله وان تعددت صور البرهان فهو واحد ينفي الاختلاف بين الناظرين وطالبي حق اليقين والطريق الموصل الى تحصيل هذه الملكة او الحالة هو كما قال المصنف تجريد تام للقلب بان يكون قلبه مجتمعا وتطهير بالغ للسر بحيث لا يغفل عن ذكر الله بان لا يجده حيث ينهاه ولا يفقده حيث يأمره وانقطاع شديد عن الخلق وذلك بدوام ذكر الله ومناجاة كثيرة مع الله بدوام الدعاء والاستغفار وطلب التوبة في الخلوات خصوصا اخر الليل وترك الشهوات والرياسات وسائر اغراض الحيوانات فان في ترك ذلك رضى الله سبحانه

قال : وليكن نفس عملك نفس جزائك وعين علمك عين وصولك الى مبتغاك حتى اذا كشف الغطاء ورفع الحجاب كنت كما كنت في الباب محضرا عند رب الارباب فانك لا تلحق غدا الا ما علمته ولا تحشر يوم القيمة الا الى ما احببته حتى انه لو احب حجرا لحشر معه كما ورد في الحديث فاياك ان تحب لما لا وصول لك اليه او تعلم لما لا تحقق له في الاخرة فتهلك محترقا بنار الحريق او تهوي الى مكان سحيق وقد علمت الا يحشر احد الا اليه ولا يتألم ولا يلتذ الا بما فيه فهذب نفسك وخلص نيتك وصحح عقيدتك ونور قلبك للناظرين وطهر بيتك للطائفين والعاكفين فول وجهك شطر كعبة المقصود وتوجه الى ولي الخير والجود فهذا غاية السفر والذهاب الى عالم النور وهو حاصل التجارة التي لن‌ تبور من بذل متاع هذا الوجه الفاني واخذ العوض من الوجه الباقي فما عند الله خير للابرار
اقول من الوصية ما ذكره هنا بل هذا هو الاصل وهو ليكن نفس عملك نفس جزائك بان تعتقد انك تجازي يوم القيمة بعملك فاعمل ما تعلم انك تجازي به وانه عائد اليك وايضا تعلم وتتيقن انك انما تصل الى مطلوبك بعلمك فانظر الى ما تحب ان تصل به فحصله اما الفقرة الاولى فظاهرة التحقق ومحكمة الاساس واما الفقرة الثانية فعند المصنف على اطلاقها وهو ان مطلوبك من كل شيء عين علمك به سواء كان مطلوبك معرفة خالقك ام الجنة ام الحور العين ام النكاح ام الاكل والشرب وما اشبه ذلك واما عندنا فان كان مطلوبك معرفة خالقك فكذلك لان العلم كالعمل كما في الفقرة الاولى واما ان كان مطلوبك الجنة والحورية مثلا فاذا قلنا بالاتحاد في العمل فعلى معنى ما سبق من ان العمل صورة الثواب والعقاب سواء كانت الصورة ذاتية ام تخصيصية كما مثلنا سابقا بالرمانة التي تباع في السوق فانها موجودة قبل ان تشتريها بصورتها الذاتية فاذا اشتريتها صورت بصورة التخصيصية يعني انها بعد الشراء كانت مختصة بك من جملة املاكك وقد كانت قبل الشراء صالحة لك ولزيد وعمرو واما مادة الثواب فكما ذكرنا سابقا من انها من امر الله الذي به قام كل شيء قد حمله الامر التكليفي اليك فتخصص بحيازتك له التي هي عبارة عن امتثالك للامر التكليفي الحامل لتلك المادة وهي حصة من شعاع الامر القيومي فاذا قلنا بالاتحاد في العمل لم نقل بالاتحاد في العلم واما المصنف فعلى طريقته ورأيه من ان جنة زيد المؤمن وحورياته وجميع ما هو ملاقيه من انواع النعيم فعبارة عن ملكاته لان جنته وما فيها بمنزلة نياته ومعتقداته كما تقدم ففي الفقرة الثانية ان كان مبتغاك معرفة مولاك فنعم ما اولاك لانه لا يعلم من نحو ذاته ولا يدرك وانما يعرف بما عرف به نفسه مما وصف من صفات افعاله وان كان مبتغاك معرفة مثواك ونعيمك فيما اعطاك فعلمك غير مبتغاك فاذا تيقنت ان عملك نفس ما تجازي به وعملت بما ترضى به ان يكون جزاء لك كنت اذا كشف الغطاء عنك بان فارقت نفسك جسدك ورفع حجاب الطبيعة الجسمانية عنك كما كنت اي كنت عند مطلوبك ومحبوبك كما كنت في دار الدنيا لم تختلف عليك الاحوال ولم يغير نعيمك الانتقال

وقوله { فانك لا تلحق غدا الا ما علمته ولا تحشر يوم القيمة الا الى ما احببته } يريد به تعليل قوله نفس علمك نفس جزائك الخ وانت قد سمعت تخصيص بعض ذلك اذ لا يصح الكلام كله على اطلاقه وحتى لو احب حجرا لحشر معه اذا كان الحب ذاتيا لانه ميل المتحدين بعضهما الى بعض ولو كان الميل عرضيا لم يستلزم ذلك كما لو احب كافر ممن وجبت له النار مؤمنة قد وجبت لها الجنة محبة نكاح فانه لا يحشر معها

وقوله { ان تحب ما لا وصول لك اليه } كأن يحب رتبة النبيين عليهم السلام او تعلم ما لا تحقق له في الاخرة كأن تعتقد نجاة المنافقين فتعذب بنار الحرمان وتلقي في غير مكان يقول والحال انك قد علمت ان كل احد انما يحشر الى ما كان من اعماله ونياته فتكون لا الى قرار وان كل احد انما يتألم ويتلذ بما فيه من الاثار فتكون بعلمك ما لا اصل له الى بوار وهاتان الفقرتان مبنيتان على رأيه كما اشرنا اليه مرارا من انه يذهب الى ان خيرك وشرك انت وهو كما سمعت فصحح عقيدتك بمتابعة ائمة الدين عليهم سلام الله اجمعين ونور قلبك بنور اليقين وطهر بيتك اي قلبك للطائفين اي للملائكة الطائفين المستمدين من انوار اعمالك واسرار اعتقاداتك والملائكة العاكفين المقيمين بفناء قلبك الحافين بعرش ربك رب العالمين فول وجه قلبك شطر كعبة المقصود بان تقوم بوظائف سنة نبيك واله صلى الله عليه واله وتوجه بهم الى ولي الخير والجود مجددا للعهد المعهود في اصل التكوين وتعاهد امانتك يوم الشاهد والمشهود فاذا وصلت الى الغاية التي ندبت اليها افاض عليك ما وعدك عليها فهذا غاية السفر الى خير مستقر ونهاية الذهاب الى جوار رب الارباب في عالم النور ودار السلام والسرور وهذا ثمرة التجارة التي لن‌تبور حين جنيت الثمر والعوض الدائم من الوجه الباقي وحصدت الثمرة الباقية من زرع متاع الوجه الفاني وذلك كله من فضل الكريم الغفار وما عند الله خير للابرار

قال : وهذا الوصول الى كعبة المقصود ولقاء المعبود لا يمكن الا بالسير الحثيث العلمي بقدم التفكر والنظر لا بمجرد حركات البدن التي لا حاصل لها الا متاعب السفر دون تحصيل الزاد واخذ المتاع للمعاد ولهذا قال صلى الله عليه واله تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة وقال لخير امته وباب مدينة علمه يا علي اذا تقرب الناس الى خالقهم بانواع البر تقرب اليه بانواع العقل حتى تسبقهم كلهم فتحدس من هذا ان المقصود من العبادة البدنية والاوضاع الدينية كالقيام والصيام وغيرهما انما هو تصفية القلب وتهذيب السر بالنية الخالصة فيها والفكر الباطن من حيث انها تعبد للمعبود الحق قربان للاله المطلق لا حركة الاركان وقلقلة اللسان قال تعالى لن‌ ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر الاية
اقول يريد ان الوصول لما يشير اليه لا يمكن الا بالاجتهاد والسير الحثيث لا بقدم الرجل المعلومة بل بقدم التفكر والنظر كما قال تعالى اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض اولم يتفكروا في انفسهم وقال سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وكأين من اية في اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وقول المصنف لا بمجرد حركات البدن الخ ان اراد به ان مجرد حركات البدن لا فائدة فيها فهو غلط بل هي عبادة البدن وان اراد انها عبادة ناقصة فكما قال لان العبادة عبادة الباطن وحدها فهي ناقصة لا توصل الى دار رضى الله تعالى وعبادة الظاهر خاصة ناقصة لا توصل الى رضوان الله وعبادة الباطن والظاهر معا وهذه اذا وقعت على وفق ما امر الله كان صحيحة موصلة الى رضوان الله والجنة قال الصادق عليه السلام على ما رواه الحسن بن سليمن الحلي في كتابه مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري ما معناه ان قوما امنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم يك ينفعهم ايمانهم ذلك شيئا ولا ايمان ظاهر الا بباطن ولا باطن الا بظاهر ه‍

وقوله { دون تحصيل الزاد واخذ المتاع } فاعلم ان العبادة الظاهرة الصورية اذا وقعت مطابقة لصورة الشرع مع خصوص النية كانت مجزئة ويثاب عليها في الاخرة وربما كانت سبب دخوله الجنة واما اذا عرت عن كل باطن حتى النية فهي باطلة ومعاقب عليها والاعمال منها ما حاصله في الدنيا خاصة كدفع البلايا والامراض وادرار الارزاق ومنها ما يكون جزاؤه في البرزخ ومنها ما يكون جزاؤه في الاخرة وليس هنا محل تفصيل ذلك واما الباطن مع القيام بالوظائف الشرعية الظاهرة كما هو المراد من مدحها في الكتاب فذلك هو مراد الله سبحانه من عباده المؤمنين كما قال صلى الله عليه واله تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة ه‍ يعني بغير تفكر والمراد بالتفكر هو التفكر في الاء الله وفي عظمته وفي اثار قدرته وفي رتب اوليائه وما نالوا من الفضل بطاعتهم لله وفي الموت واحوال القبر واهوال يوم القيمة وفي الجنة والنار وقوله صلى الله عليه واله لعلي امير المؤمنين عليه السلام تقرب اليه بانواع العقل اي بانواع دواعيه من صحة الاعتقاد وصحة الاعتراف بالتقصير وصحة التوبة وصحة الاستغفار وصحة العمل وصحة التخلص من هذه الدار دار الغرور وصحة المعرفة التي هي ملاك الامر كله

وقول المصنف { فتحدس من هذا ان المقصود من العبادات الخ } ان المقصود لاصلاح الباطن كما قال لا ان المقصود منها اصلا وفرعا ليس الا ذلك بحيث يكون لا فائدة فيها لذاتها بل فيها فوائد لا تحصى لذاتها ايضا ولما قال المصنف من تصفية الباطن كما قال تعالى ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته ه‍

وقوله { لا حركة الاركان وقلقلة اللسان } فيه ما قلنا وظاهر كلامه عدم الفائدة فيها لذاتها ولا بد من توجيهه على ما قلنا والا لزمه القول بمذهب الاباحية المستدلين بقوله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وعلى قولهم لو سلمنا لهم ان المعنى في الاية ما ارادوا لم يلزم ترك عبادة الجوارح لان الجوارح مكلفة فلو فرض ان قلوبهم مؤمنة وحاشى لله فابدانهم وجميع جوارحهم كافرة واستدلال المصنف بقوله لن ‌ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم من باب التأويل ولا بأس به وان كان على خلاف ظاهر الاية الا انه ان لم يرد نفي ذاتي الظاهر كما قلنا فان اراد فبه بأس واي بأس لان معنى الاية لن ‌ينال رضى الله ولا يوافق محبته لحومها ولا دماؤها لانهم كانوا في الجاهلية اذا نحروا الابل لطخوا البيت بالدم فلما حج المسلمون ارادوا مثل ذلك فنزلت فقال لن ‌ينال رضى الله لحومها التي تتصدقون بها من حيث هي لحوم ولا دماؤها التي تهريقونها من حيث انها دماء اهريقت ولكن ينال رضى الله تقوى قلوبكم اذا اهرقتم الدماء تقربا اليه وتصدقتم باللحوم ايضا طلبا لرضاه وليست على ظاهرها لان الله عز وجل لا يناله شيء لا لحومها ولا دماؤها ولا تقويهم وانما المعنى وانما ينال رضاه ما تطلبون به وجهه الكريم كما امركم وكذلك الاية الاخرى ليس البر مجرد توجهكم الى جهة من الجهات ولكن البر طاعة الله فيما امر فلا فرق بين الظاهر والباطن وانما البر ومعرفة الله على الحقيقة امتثال امر الله على كل حال

قال : ثم ان افسد قواطع الدين واكثف سد على طريق السالكين هو اجابة دعوة علماء السوء وتتبع ارائهم المضلة واثارهم المغوية ولاغترارهم بما يسمونه علما وفقها وحكمة اغترار الظمان بالسراب عن عين ماء الحيوان كما قال تعالى وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون ان الظن لا يغني من الحق شيئا اعاذنا الله واخواننا المؤمنين من شر الشياطين والمضلين ونور قلوبنا بانوار الحكمة واليقين بحق محمد واله الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين
اقول الى هنا انتهى كلامه واراد بعلماء السوء علماء الظاهر لانهم يردون عليه وعلى اتباعه ويحكمون بكفرهم ويحللون سفك دمائهم وانا اقول عافانا الله من البلا وعجل الله فرج قائم آل محمد صلى الله عليه وعليهم ليكشف هذه المحنة ويزيل هذه الغمة عن هذه الامة لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد واله سادات الزمان


الى هنا ما اردت كتابته على هذه الرسالة المسماة بالعرشية التي وضعها في المبدء والمعاد وقع الفراغ منه ومن تسويده بقلم مؤلفه العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم ابن داغر المطيرفي الاحسائي على رأس سبع ساعات ونصف تقريبا من ليلة الاربعاء السابع والعشرين من شهر ربيع المولود سنة السادسة والثلاثين بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها واله افضل الصلوة وازكي السلام بدار الامان كرمان‌شاهان حرسها الله من طوارق الزمان ونوائب الحدثان حامدا مصليا تائبا مستغفرا

المصادر
المحتوى