حياة النفس

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - حياة النفس

حياة النفس

في بعض ما يجب على المكلفين من معرفة أصول الدين

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

أمّا بعد، فيقول العبد المسكين أحمد بن زين ‌الدين الإحسائي انّه قد التمس منّي بعض الاخوان الذين تجب طاعتهم أن اكتب لهم رسالة في بعض ما يجب على المكلّفين من معرفة أصول الدين أعني التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد وما يلحق بها بالدليل ولو إجمالا لا بالتقليد على ما يظهر من ذلك ممّا يحتمله عوام الناس فأجبتهم إلى ذلك على ما أنا عليه من كثرة الأشغال ودواعي الاعراض وملازمة الأمراض إذ لا يسقط الميسور بالمعسور وإلى الله ترجع الأمور وسمّيت هذه الرسالة حيوة النفس في حضرة القدس ورتّبتها على مقدّمة وخمسة أبواب وخاتمة كل باب يشتمل على فصول

المقدمة

اما المقدمة فاعلم ان الله سبحانه لم ‌يخلق العباد عبثا لانه حكيم والحكيم لا يفعل ما لا فائدة فيه ولما كان غنيا غير محتاج لان المحتاج محدث كانت فائدة خلقه للخلق راجعة اليهم ليوصلهم الى السعادة الابدية وذلك متوقف على تكليفهم بما يكون سببا لاستحقاق السعادة الابدية ولو لم ‌يكلفهم لما استحقوا شيئا ولو اعطاهم بغير عمل كان عبثا وقد ثبت انه حكيم لا يفعل العبث قال تعالى افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون ولما اراد خلقهم انعم عليهم كرما لانهم لا يكونون شيئا الا بنعمته فلما انعم عليهم وجب عليهم شكر النعم ولا يمكنهم شكر نعمه حتى يعرفوه لئلا يفعلوا ما لا يجوز عليه فشكر نعمه متوقف على معرفته ومعرفته متوقفة على النظر والتفكر في آثار صنعه والنظر والتفكر متوقف على الصمت يعني الاعراض بالقلب عن الخلق فاول الواجبات على المكلفين الصمت كما روي عن امير المؤمنين عليه السلم فاذا صمت عن الخلق تمكن من النظر وهو الواجب الثاني وبه يتمكن من المعرفة فمن ترك الواجب الاول من المكلفين فقد ترك الواجب الثاني ومن تركه فقد ترك معرفة الله وتوحيده وعدله ونبوة انبيائه وامامة خلفاء انبيائه عليهم السلم ومعرفة المعاد ورجوع الارواح الى الاجساد ومن ترك ذلك فليس بمؤمن بل ولا مسلم وكان في زمرة الكافرين واستحق العذاب الاليم الدائم المقيم والمراد بالمعرفة التي لا يثبت الاسلام الا بها اعتقاد وجود صانع ليس بمصنوع والا لكان له صانع ومعرفة الصفات التي تثبت لذاته وهي ذاته والا لتعددت القدماء والصفات التي تثبت لافعاله ومعرفة الصفات التي لا تجوز عليه لانها صفات خلقه والصفات التي لا تجوز على افعاله لانها صفات افعال خلقه ومعرفة عدله لانه سبحانه غني مطلق فلا يحتاج الى شيء وعالم مطلق فلا يجهل شيئا ومعرفة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ونبوة جميع الانبياء عليهم السلم لانهم الوسائط بين الله سبحانه وبين عباده والمبلغون عنه تعالى اليهم ومعرفة خلفائهم عليهم السلم لانهم حفظة شرائعهم فهم حجج الله بعدهم ومعرفة بعث المكلفين وحشرهم الى مالك يوم الدين وذلك على ما نذكره من تعليم الله تعالى لعباده معرفة ذلك على السن حججه عليهم السلم كل ذلك بالدليل ولو مجملا كما يأتي ان شاء الله تعالى

الباب الاول: الله سبحانه موجود

يجب على كل مكلف ان يعرف ان الله سبحانه موجود لانه اوجد العالم ولو كان معدوما لم ‌يوجد غيره وانه سبحانه باق لاستمرار تجدد آثاره والاثر لا يحدث بنفسه الا بمؤثر يحدثه فالاثر يدل على المؤثر وهو الله سبحانه ولا يصح تغيره تعالى عن حاله وهو كونه موجودا باقيا مؤثرا فيما سواه والا لكان كسائر خلقه يتغير ويفنى فيكون وجوده من غيره فيكون حادثا يحتاج الى من يحدثه فلما وجدنا الآثار وجدناها تدل على وجود مؤثر وهو الله سبحانه ومثال الاستدلال بذلك مثل اشعة السراج فانها ما دامت موجودة تدل على وجود محدث لها وهو السراج ولو لم‌ يكن موجودا لم ‌يوجد شيئا منها والدليل على ان السراج دائم الاحداث للاشعة وانها محتاجة اليه في كل حال لا تستغني عنه لحظة انها لا توجد بدونه ولا تفقد عند ظهوره كذلك جميع الخلق التي هي آثاره تعالى بالنسبة الى صنعه على هذا النحو ولله المثل الأعلى

فصل: الله عز وجل قديم

ويجب على كل مكلف ان يعتقد انه عز وجل قديم بذاته لم‌ يجر عليه العدم في حال ولا يكون مسبوقا بالغير لانه اذا لم ‌يكن قديما كان حادثا اذ لا واسطة بين القدم والحدوث معقولة وقد ثبت انه ليس بحادث لاستلزام الحادث وجود محدث له ولانه لو لم‌ يكن قديما لجرى عليه العدم في بعض الاحوال فتختلف احواله ومن اختلفت احواله فهو حادث يحتاج الى من يحدثه ولانه لو لم ‌يكن قديما لكان حادثا مسبوقا بمن يحدثه تعالى الله عن ذلك ولانه لو لم ‌يكن قديما بذاته لكان وجوده مستفادا من غيره فيكون محتاجا الى ذلك الغير

فصل: الله تعالى دائم أبدي

ويجب ان يعتقد انه تعالى دائم ابدي لانه عز وجل واجب الوجود لذاته بمعنى انه وجوده هو ذاته بلا مغايرة فوجوب الوجود بالذات يستلزم الدوام الابدي لان القدم والازل والدوام والابد والاولية بلا اول بالذات والآخرية بلا آخر بالذات شيء واحد بلا مغايرة لا في الذات ولا في الواقع ولا في المفهوم والا لكان تعالى شانه متعددا مختلفا فيكون حادثا واما اختلافها في المفهوم فهو المفهوم اللفظي الظاهري المستعمل لتفهيم عوام المكلفين ولا يراد من هذه الالفاظ المتعددة المختلفة الا مفهوم واحد يقصد منه معنى واحد والا لكان معروفا بالكثرة والاختلاف ومن كان كذلك فهو حادث فقولي يستلزم الدوام عبارة لفظية لاجل التفهيم فنريد من كل واحد منها نفس ما تريد من الاخر والا فقد وصفته بالصفات المختلفة ومن كان كذلك فهو حادث

فصل: الله عز وجل حي

ويجب ان يعتقد انه عز وجل حي لانه احدث الحيوة واحدث الاحياء ويستحيل في العقول ان يحدث الحيوة والاحياء من ليس بحي فلما رأينا من بعض مصنوعاته الحيوة والاحياء المتصفين بها علمنا ان صانعها حي وقد ثبت انه قديم فحياته ان كانت حادثة لم‌ يكن هو حيا قبل حدوثها وتكون حينئذ مستفادة من الغير وذلك حال المصنوع فثبت انها قديمة ثم ان كانت حياته مغايرة لذاته ولو بالفرض تعددت القدماء وهو باطل كما يأتي في دليل التوحيد ان شاء الله تعالى فيجب ان تكون حياته عين ذاته اذ لا واسطة بين كونها عين ذاته وبين كونها غير ذاته فاذا انتفى التعدد والمغايرة ثبتت الوحدة

فصل: الله عز وجل عالم

ويجب ان يعتقد انه عز وجل عالم بدليل انه خلق العلم في بعض خلقه والعالم المتصف به ومن لم‌ يكن عالما لم ‌يصح ان يصنع من هو عالم بما يصنع فيه من العلم ولانه صنع الافعال المحكمة المتقنة الجارية على مقتضى غاية الحكمة ونهاية الاستقامة ومن لم‌ يكن عالما لم ‌يصدر عنه مثل ذلك وعلمه قسمان علم قديم هو ذاته وعلم حادث وهو الواح المخلوقات كالقلم واللوح وانفس الخلائق فاما العلم القديم فهو ذاته تعالى بلا مغايرة ولو بالاعتبار لان هذا العلم لو كان حادثا كان تعالى خاليا منه قبل حدوثه فيجب ان يكون قديما ثم لا يخلو اما ان يكون هو ذاته بلا مغايرة او لا فان كان هو ذاته بلا مغايرة ثبت المطلوب وان كان غير ذاته تعددت القدماء وهو باطل واما العلم الحادث فهو حادث بحدوث المعلوم لانه لو كان قبل المعلوم لم‌ يكن علما لان العلم الحادث شرط تحققه وتعلقه ان يكون مطابقا للمعلوم واذا لم ‌يوجد المعلوم لم‌ تحصل المطابقة التي هي شرطه وان يكون مقترنا بالمعلوم وقبله لم ‌يتحقق الاقتران وان يكون واقعا على المعلوم وقبله لم ‌يتحقق الوقوع وهذا العلم الحادث هو فعله ومن فعله وهو من جملة مخلوقاته وسميناه علما لله تبعا لائمتنا عليهم السلم واقتداء بكتاب الله حيث قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ

فصل: الله عز وجل قادر

ويجب ان يعتقد انه عز وجل قادر مختار اما انه تعالى قادر فلأنه تعالى غني مطلق وكل ما سواه محتاج اليه في كل شيء لتوقف وجودها على فعله اذ لا وجود لها من نفسها والا لاستغنت عنه دائما ولاجل كونه قادرا على كل شيء اعطاها ما سألته بلسان استعدادها ولو لم‌ يكن قادرا لما اعطى كل شيء خلقه لعجزه عما يحتاج اليه او بعضه والعاجز محتاج الى القادر فيكون محدثا تعالى عن ذلك واما انه مختار فلأنه خلق الاختيار والمختار ومن ليس بمختار لا يصدر عنه من هو مختار ولأنه اخر بعض مصنوعاته عن بعض مع قدرته على تقديم ما اخر وتأخير ما قدم لنسبة ذاته الى جميع الاشياء على السواء ولو كان موجبا لم‌ يتخلف شيء من آثاره عنه

فصل: الله عز وجل عالم

ويجب ان يعتقد انه تعالى عالم بكل معلوم وقادر على كل مقدور لان نسبة جميع المعلومات والمقدورات في الاحتياج اليه على السواء وغني ذاته عن كل ما سواه فلا تكون بشيء اولى منها بآخر ولو كان تعالى عالما بشيء دون آخر وقادرا على شيء دون آخر لاختلفت نسبته اليها والمختلف احواله ونسبه حادث متغير تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

فصل: الله سبحانه سميع

ويجب ان يعتقد انه سبحانه سميع بغير آلة بصير بلا جارحة اما انه سميع فلأن كل ما سواه متقوم بامره صادر عن صنعه اما بالذات او بالتقدير ومن جملتها المسموعات فهي حاضرة عنده في ملكه الذي اقامه بقيومية امره وفعله كما قال تعالى واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق فسمعه للمسموعات عبارة عن حضورها لديه وعلمه بها على ما هي عليه وليس ذلك حاصلا له بواسطة آلة والا لكان محتاجا اليها في ادراكه المسموعات وقد ثبت انه غني مطلق وانما حصل له ذلك بحضورها لديه حال كونها قائمة بامره وليس لها حال غير ذلك والا لتقومت بنفسها من دون امره وهو باطل وهذا الحضور هو علمه بها الحضوري وهو سمعه الحضوري واما سمعه القديم فهو ذاته ويحيط بها في اماكنها لا في ذاته تعالى ان يكون محلا للحوادث والكلام في بصره تعالى وادراكه للمبصرات كالكلام في السمع في جميع الاحوال وسمعه وبصره القديمان عين ذاته بلا تعدد الا في اللفظ كما تقدم في العلم لان السمع والبصر والعلم شيء واحد ومتعلقهما متعدد فان المسموع هو الاصوات والمبصر هو الالوان والاعراض والمعلوم هو الموجود

فصل: الله تعالى واحد

ويجب ان يعتقد انه تعالى واحد لا شريك له لانه كامل مطلق وغني مطلق فيكون كل ما سواه محتاجا اليه فيكون متفردا بالالوهية ولو فرض معه اله وجب ان يكون مستغنيا عنه تعالى والا لم ‌يكن الها ولو كان من فرض شريكا له تعالى محتاجا اليه عز وجل لكان اكمل لكماله المطلق من كون ذلك الشريك مستغنيا عنه تعالى واتم لغناه المطلق ففرض وجود شريك مستغن عنه تعالى نقص في كماله وغناه فلا يكون له شريك لاستلزام التعدد حصول النقص في الكمال المستلزم للحدوث ولانه لو كان له شريك في ازليته لوجب ان يكون بينهما فرجة قديمة وجودية لتحقق الاثنينية فيكونون ثلثة وتلزم الفرج القديمة بينهم فيكونون خمسة وهكذا بلا نهاية وهو باطل ولانه لو كان معه شريك في ازليته لاشتركا في الازل واختص كل واحد بما يميزه عن الاخر فيتركب كل واحد منهما مما اشتركا فيه ومما تميز به والمركب حادث ولانه لو كان معه شريك في ازليته لميز كل واحد صنعه عن صنع غيره والا لم‌ تثبت الشركة ولاقتضت ذات كل منهما العلو على الاخر والا لم‌ يكن الها وذلك كما قال تعالى اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض واعلم انه واحد في اربعة مراتب لا شريك له فيها الاولى لا شريك له في ذاته وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد والثانية لا شريك له في صفاته قال تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والثالثة لا شريك له في صنعه هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه والرابعة لا شريك له في عبادته فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا

فصل: الله تعالى مدرك

ويجب ان يعتقد انه تعالى مدرك بمعنى انه محيط بكل شيء متسلط على كل شيء وذلك هو العلم والقدرة لانه قد وصف نفسه بذلك قال تعالى وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير فاللطيف الى القدرة اشارة والخبير اشارة الى العلم فالادراك هو الذات الازلي على نحو ما قيل في العلم والقدرة والادراك المقارن للحوادث من صفات الافعال ثم هو سبحانه في الازل كما هو عالم ولا معلوم كذلك هو مدرك ولا مدرك و هذا حكم صفات الذات لانها نفس الذات بلا مغايرة

فصل: الله سبحانه مريد

ويجب الايمان والاعتقاد بانه سبحانه مريد لانه سبحانه وصف نفسه بذلك فلما وجدنا ان الارادة لا تكون الا والمراد معها لانها لا تنفك عنه علمنا بانه تعالى وصف نفسه بانه مريد بواسطة فعله وهذا يدل على انها من صفات الافعال ولو كانت من صفات الذات لكانت هي الذات لعدم التعدد في الذات ولو كانت كذلك لما جاز نفيها لان نفيها اذا كانت هي الذات او من صفات الذات نفي للذات مع انه تعالى وصف نفسه بنفيها عنه قال تعالى اولئك الذين لم ‌يرد الله ان يطهر قلوبهم فلو كانت الارادة هي الذات لكان نفي الارادة نفي الذات وايضا الصفة ان كانت توصف الذات بها وبضدها فهي من صفات الافعال لان الافعال لها ضد وصفاتها ضد فان كانت لا توصف الذات بها وبضدها فهي من صفات الذات لان الذات لا ضد لها فالاول مثل الارادة والكراهة فانه يقال هو مريد وكاره فتكونان من صفات الافعال والثاني مثل العلم والقدرة فانه لا يقال عالم وجاهل وقادر وعاجز فيكونان من صفات الذات فالقول بحدوث الارادة هو مذهب اهل البيت عليهم السلم وعليه اجماعهم وهو الحق فالارادة هي فعله تعالى وكذلك الكراهة فانها صفة فعله قال تعالى ولكن كره الله انبعاثهم

فصل: الله تعالى متكلّم

ويجب الايمان بانه تعالى متكلم لانه وصف نفسه بذلك قال تعالى وكلم الله موسى تكليما فلما وجدنا ان الحكيم لا يخاطب بما لا يعرف المخاطب ونحن لا نفهم من الكلام الا انه الحروف والاصوات المسموعة المنتظمة المركبة وقد اجمع اهل اللغة على ان ذلك هو معنى الكلام وهي الاصوات والحروف المؤلفة المتجددة المتصرمة وقد وصف نفسه بذلك قطعنا بانه تعالى انما اسنده الى نفسه بواسطة الفعل بحدثه فيما شاء من خلقه من حيوان ونبات وجماد وهو حادث لانه مركب مؤلف وكل مركب فهو حادث ولقوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الآية

فصل: ليس كمثله شيء

ويجب على كل مكلف ان يعتقد انه ليس كمثله شيء فليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا مركب ولا مختلف ولا في حيز ولا في جهة لان هذه صفات الخلق ولا يصح على الخالق سبحانه اما انه ليس كمثله شيء فلان وجود المشابه يستلزم ان يكون شريكا له في الصفات الذاتية وذلك يقتضي النقص في ذاته تعالى لان عدم النظير اكمل فيكون وجوده نقصا ومن يجوز عليه النقص يجوز عليه الزيادة ومن كان كذلك فهو متغير او ممكن التغير فيكون حادثا واما انه ليس بجسم فلان الجسم مركب محتاج الى اجزائه والى محل يحل فيه والمحتاج حادث مصنوع واما انه ليس بعرض فلان العرض يحتاج في تحققه وقيامه الى الجوهر او الجسم ولا يستغني عنه والمحتاج حادث مصنوع واما انه ليس بجوهر فلان الجوهر سواء كان جوهرا فردا على قول من اثبته وهو الذي لا يقبل القسمة طولا وعرضا وعمقا محتاج الى المحل ويلزمه الحركة بالانتقال عنه والسكون باللبث فيه وكل ذلك حوادث لا يحل الا في الحوادث واما انه ليس بمركب فلان المركب محتاج الى اجزائه والمحتاج حادث واما انه ليس بمختلف فلان المختلف انما يكون كذلك بتباين اجزائه او احوال ذاته وكلا الامرين موجب للتركيب المستلزم للحدوث واما انه ليس في حيز فلان من هو في حيز مشابه للحيز فهو من جنسه فيكون حادثا ولانه اما لابث فيه فيكون ساكنا او منتقل عنه فيكون متحركا وكل من كان كذلك فهو حادث لاستلزام كل منهما له المسبوقية بالآخر واما انه ليس في جهة فلان من كان في جهة يلزمه السكون او الحركة ويلزمه الحواية والتحديد والحصر في بعض دون بعض والخلو منه في غير تلك الجهة وكونه شاغلا للجهة التي هو فيها وكل من يلزمه شيء من هذه الامور فهو حادث

فصل: الله سبحانه لا في شيء

ويجب ان يعتقد انه سبحانه لا في شيء ولا من شيء ولا منه شيء ولا على شيء ولا عليه شيء ولا فوق شيء ولا تحت شيء ولا ينسب الى شيء ولا ينسب اليه شيء لان ذلك كله صفات الحوادث اما انه لا في شيء فلأنه لو كان في شيء لكان محصورا والمحصور حادث ولكان اما لابثا فيه فيكون ساكنا واما منتقلا فيكون متحركا واما انه لا فيه شيء فلأنه لو كان فيه شيء لكان محلا لغيره سواء ان كان ذلك الغير قديما ام حادثا فيكون مشغولا بالغير والمشغول بالغير حادث واما انه لا من شيء فلأنه لو كان من شيء لكان جزء من ذلك الشيء فيكون مولودا والمولود حادث واما انه لا منه شيء فلأنه لو كان منه شيء لكان ذلك الشيء جزءا منه فيكون والدا له فيكون حادثا واما انه لا على شيء فلأنه لو كان على شيء لكان الشيء حاملا له فيكون اقوى منه واما انه لا عليه شيء فلأنه لو كان عليه شيء لكان اعلى منه فيكون اقوى واما انه لا فوق شيء فمثل كونه في شيء واما انه لا تحت شيء فكمثل كون شيء فيه واما انه لا ينسب الى شيء ولا ينسب اليه شيء فلان النسبة على الفرضين اقتران ممتنع من الازل لانه من صفات المصنوعين

فصل: الله سبحانه لا يحل في شيء

ويجب ان يعتقد انه سبحانه لا يحل في شيء ولا يتحد بغيره اما انه سبحانه لا يحل في شيء فلان الحلول عبارة عن قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية كقيام الاعراض بالاجسام او على سبيل الظهور كقيام الارواح بالاجسام فلو فرض انه حال بشيء لكان محتاجا اليه ومتقوما به فيكون حادثا واما انه سبحانه لا يتحد بغيره فلان الاتحاد ان فسر بما احاله العقل كما قالوا وهو ان يصير الشيئان الموجودان شيئا من غير زيادة ولا نقصان والانفعال من احد منهما فهو محال حصوله فكيف يوصف به الوجوب الحق وان فسر بصيرورة الشيء شيئا آخر فانقلاب واستحالة فهذا وان جاز في الممكن الا انه يستحيل في الواجب تعالى لانه تحول الشيء من حالة الى اخرى والواجب عز وجل لا يتحول عن حالة والذي يتحول حادث متغير

فصل: الله سبحانه تستحيل عليه الرؤية

ويجب ان يعتقد انه تعالى تستحيل عليه الرؤية في الدنيا والآخرة لان الرؤية ان كانت بالقلب واريد بالمرئي هو الذات البحت فهو باطل لان الذات البحت لا تدركها البصائر لانها لا تحوم حول حجاب عظمته تعالى فلا يدركه لذاته الا هو عز وجل وان اريد بالمرئي آياته وآثار افعاله فالقلوب تدرك آياته لانه تعالى تجلى للقلوب بعظمته فتعرف الدليل عليه وان كانت الرؤية بالبصر الحسي فلا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار لان شرط ادراك البصر للاشياء ان يكون المرئي مقابلا او في حكم المقابل كالرؤية بالمرآة وان لا يكون بعيدا قريبا بعدا وقربا مفرطين وان يكون مستنيرا وان يكون في جهة والله سبحانه ليس معزولا عن شيء فلا يكون مقابلا ولا في حكم المقابل وليس الله بقريب ولا ببعيد بل هو ابعد من كل شيء واقرب من كل شيء وبعده وقربه غير متناهيين فهما فوق الافراط وليس مستنيرا من غيره ولا في غيره ولتكن ذاته مدركة بل ظهوره يمحو ما سواه فان تجلى محا ما سواه وان لم ‌يتجل لم‌ يقدر احد ان يراه وليس في جهة فيكون محصورا فيها فلا تمكن رؤيته لان شروط الرؤية لا تجري عليه تعالى ولان ما سواه في الامكان في الدنيا والآخرة ومن الامكان لا يدرك من الازل فلا يصح رؤيته لا في الدنيا ولا في الآخرة

فصل: الله سبحانه تعالى لا يدرك بشيء

ويجب ان يعتقد انه سبحانه وتعالى لا يدرك بشيء من الحواس الظاهرة السمع والبصر والذوق والشم واللمس ولا من الحواس الباطنة الحس المشترك والخيال والمتصرفة والواهمة والحافظة لانه عز وجل لا يشابه شيئا منها ولا يجانسه والشيء انما يدرك ما هو من جنسه ويشابهه كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وقال تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقال تعالى ولا يحيطون به علما وذلك لان الحواس الظاهرة والباطنة انما تدرك المحدود والمكيف والمصور والمميز وهو عز وجل لا حد له ولا كيف له ولا صورة له ولا مميز له تعالى الله عن جميع صفات خلقه علوا كبيرا

الباب الثاني: في الاصل الثاني وهو العدل

وهو عبارة عن افعال الله عز وجل العامة المنوطة بالمكلفين في دار التكليف من الاوامر والنواهي وفي دار الجزاء من الثواب والعقاب

والعدل لغة ضد الجور وهو عبارة عن التساوي فافعاله تعالى تتعلق بالمكلفين في الدنيا على جهة العدل بمعنى انه لا يكلفهم الا بما يطيقون مما فيه صلاحهم بان يكون جزاؤهم يزيد على قدر التكليف في الطاعة وقدر فعل المكلف في المعصية لتحصيل فائدة في تكليفهم وفي خلقهم فيها منفعتهم لانه تعالى غني عن كل ما سواه وانما ترجع فائدة التكليف اليهم ولما كان عز وجل لا تجري عليه احوال خلقه كان رضاه عبارة عن فضله وكان غضبه عبارة عن عدله لانه لم‌ يغضب على من عصاه لاجل انه عصاه فهو يتشفى ممن عصاه وانما غضبه في الحقيقة عبارة عن ايجاد المسببات باسبابها فالمعصية سبب تام لايجاد العقوبة الخاصة بها فيوجد الله سبحانه تلك العقوبة بمقتضى تلك المعصية الا ان يعفو اذا شاء ولان عفوه مانع من ذلك المقتضى فاذا لم ‌يحصل مانع من عفوه تعالى تمت سببية المعصية فخلق بها تلك العقوبة وهو حقيقة غضبه وليس غضبه كغضب خلقه من غليان دم القلب فينبعث عنه الانتقام لتشفى المخلوق وهو تعالى عن صفات خلقه واما حكم افعال الاختيارية فهي التي في امكان المكلف وقدرته ان يفعله ويفعل ضده

فاعلم ان الاشياء كلها من جميع المخلوقات من الذوات والصفات والافعال انما تتقوم وتكون شيئا بامر الله سبحانه فليس شيء منها يستقل من نفسه ولا في فعله ولما اراد من العباد طاعته وامتثال امره ولم‌ يتمكن المكلف من فعل الطاعة الا اذا كان متمكنا من تركها فيفعلها باختياره خلقه من نور وظلمة وجعله منهما متمكنا من الطاعة والمعصية فالعبد وافعاله قائمة بامر الله سبحانه فليست شيئا الا بامر الله الا انه هو فاعل فعله من غير ان يكون مشاركا فيه فمن قال بان الفاعل للفعل الصادر من العبد هو الله سبحانه من خير وشر ليس للعبد في شيء من افعاله مدخل ولا سبب بل هو فاعل لفعل العبد وسببه كما خلق العبد كذلك خالق افعاله كما تقول الاشاعرة فقد نسب الله تعالى الى الظلم حيث يلزمهم انه هو اجبرهم على المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بان العبد هو فاعل فعله من غير مدخل لغيره في شيء من ذلك بل هو مستقل بفعله لا مانع له منه ولا صاد عنه والا لما استحق ثوابا ولا استوجب عقابا فقد عزل الله سبحانه عن ملكه واخرجه عن سلطانه كما تقول المفوضة من المعتزلة والفريقان خارجان عن طريق الحق والصراط المستقيم فان الاولين مفرطون والآخرين مفرطون والحق في القول بالحكم الاوسط كما قال جعفر بن محمد عليهما السلم لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين يعني لا جبر بان يقال ان الله عز وجل اجبر العباد على المعاصي فانه لو كان كذلك لما جاز ان يعذبهم على معاصيهم والا لكان ظالما وما ربك بظلام للعبيد ولا تفويض بان يقال انه سبحانه فوض الى العباد وليس له امر في افعالهم فانه لو كان كذلك لكان في ملكه ما لم‌ يقدر ان يكون فيكون معزولا عن ملكه وسلطانه بل امر بين امرين يعني ان العبد هو الفاعل لفعله على جهة الاختيار من غير اكراه ولا اجبار ولكن بتقدير الله سبحانه الساري في فعل العبد فبدون القدر لم ‌يتم فعل العبد ولم ‌يمض ومعنى هذا ان الله سبحانه حافظ للعبد ولما يصدر منه من افعاله اذ بدون حفظ الله لا يكون العبد ولا افعاله شيئا فما دام محفوظ البقاء هو وافعاله فهو شيء وافعاله الصادرة عنه شيء فالعبد المحفوظ فاعل لفعله على الاستقلال من غير مشاركة مع الله تعالى فمعنى قولنا ان العبد فاعل لافعاله بالله لا بدون الله ولا مع الله هو ما اشرنا اليه فانه طريق مظلم وبحر عميق فتفهم ما ذكرنا لك اذ ليس غيره الا جبر او تفويض وهذا هو العدل في افعال العباد فان عصوا فباختيارهم وبموافقة قدر الله ولو شاؤا اطاعوا فلما اختاروا المعصية اجرى عليهم لازمها من العقاب ولم‌ يظلمهم لقدومهم على المعصية من غير اضطرار وان اطاعوا فباختيارهم وبموافقة قدر الله ولو شاؤا عصوا فلما اختاروا الطاعة اجرى عليهم لازمها من الثواب واستحقوا الثواب لقدومهم على الطاعة من غير اضطرار فيكون معصيتهم بموافقة قدر الله لا تكون بدون هذه الموافقة ولم ‌يلزمهم الجبر لتمكنهم حينئذ من الطاعة بموافقة قدر الله فاختيارهم لاحد الفعلين لا يفارقه القدر لانه لا يتم بدون القدر فكان العباد مستقلين بفعل خيرهم وشرهم مع تقدير الله لاي الفعلين اختاروا فلم‌ يفعلوا الا بتقدير الله وليس هذا التقدير تقدير حتما وانما هو تقدير اختيار فافهم

الباب الثالث : في النبوة

اعلم ان الله سبحانه لما كان غنيا مطلقا لم ‌يحتج الى شيء فخلق بمقتضى كرمه وفضله خلقا احب ان يوصلهم الى ما شاء من فواضل كرمه ولما كان حكيما وجب ان يكون ما تفضل به جاريا على مقتضى الحكمة فكلف خلقه بما يستحقون به نيل تلك الفواضل على وجه يخرج تفضله عن العبث ولما كان سائر الخلق لا يعلمون ما فيه صلاحهم لان ذلك لا يعلمه الا الله سبحانه وكان عز وجل لا تدركه الابصار ولا يقدر الخلق على التلقي منه عز وجل وجب في الحكمة ان يختار من خلقه قويا يقدر بمعونة الله سبحانه على التلقي منه سبحانه ليؤدي الى الخلق عن الله عز وجل معاني ما يريد منهم مما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم لان ذلك لطف بهم يتوقف داعي ارادته تعالى بهم صلاح نظامهم في النشئتين على ذلك اللطف فيكون واجبا في الحكمة وهو النبي صلى الله عليه وآله ولما اقتضت الحكمة ايجاد الخلائق في اوقات متعددة متعاقبة وكانوا مشتركين فيما خلقوا له وفيما يراد منهم وجب في الحكمة ان يبعث سبحانه في كل امة رسولا منهم ليؤدي اليهم ويبلغهم ما يريد الله منهم لانهم لا يعلمون الا ما علمهم حتى انتهت النبوة الى نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله

فصل: النبوة من مقتضيات العدل

لما كانت النبوة من مقتضيات العدل وجب ان يكون على اكمل وجه لتحصل فائدة البعثة وهو انه لا بد وان يظهر الله سبحانه على يد من بعثه الله نبيا امرا معجزا لا يقع من ابناء جنسه مثله خارقا للعادة مطابقا لدعواه يكون من الله عز وجل تصديقا لدعواه وان يكون صحيح النسب طاهر المولد مستقيم الخلقة مطهرا من جميع الاحوال التي تنفر القلوب منه في خلقه وخلقه بحيث لا يطعن عليه اهل زمانه بشيء وان يكون صادق القول لم ‌يعهد منه كذب ولا خيانة ولا طمع في شيء من حطام الدنيا وان يكون اعلم اهل زمانه واتقاهم وازهدهم واعملهم بما يأمر وانهاهم عما ينهي مطهرا من جميع الرذائل والنقائص الظاهرة والباطنة بحيث يعرفه اهل زمانه الذين ارسل اليهم انه لا يكون فيهم له نظير في كل صفة كمال وان يكون معصوما من جميع الذنوب الصغاير والكبائر قبل البعثة وبعدها من اول عمره الى آخره ومن السهو والنسيان ومن كل شيء يتعلل به الرعية من قبول امره ونهيه او يحصل به الشك فيه او التوقف في نبوته لان حجة الله بالغة والنبوة حجة الله على عباده ولو جاز ان يكون احد من المكلفين يجد خدشا في النبوة لماقامت حجة الله عليه وان يكون مسددا من الله موفقا للصواب في الاعتقاد والعلم والقول والعمل لان الله سبحانه يتولاه بالطافه والهامه الحق ويوصى اليه بذلك على حسب مقامه عند الله ويقدر له ملكا يسدده وكل ذلك ارادة منه تعالى لئلا تكون للناس على الله حجة بعد الرسل لان النبي هو الانسان المخبر عن الله بغير واسطة من البشر ولا يكون حجة لله حتى يثبت عند المكلف ان قوله قول الله وامره امر الله ونهيه نهي الله والله قادر على فعل ما تقوم به الحجة على خلقه وبذلك يتحقق لطفه بخلقه الذي يتوقف صلاحهم عليه في الدنيا والآخرة فيجب عليه فعله في الحكمة وهو تعالى لا يخل بواجب لان الاخلال به قبيح وهو لا يفعل القبيح لانه غني مطلق لا يحتاج الى شيء

فصل: محمد بن عبد الله (ص)

اذا عرفت هذا فنبي هذه الامة هو محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف ابن قصي ابن كلاب ابن مرة ابن كعب ابن لوي ابن غالب ابن فهر ابن مالك ابن نضر ابن كنانة ابن خزيمة ابن مدركة ابن الياس ابن نزار ابن معد ابن عدنان صلى الله عليه وآله الطاهرين لانه ادعى النبوة واظهر المعجز على يديه وكل من ادعى النبوة واظهر المعجز المطابق على يديه فهو نبي وقد تواتر بين المسلمين وغيرهم من جميع اهل الدنيا انه قد ظهر رجل في مكة المشرفة اسمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ادعى النبوة واظهر الله المعجز على يديه المطابق لدعواه المقرون بالتحدي فيكون نبيا حقا وهذا التواتر موجب للقطع الا لمن سبقت له شبهة وهذا امر متواتر بين جميع اهل الارض لانه صلى الله عليه وآله خاتم النبيين فلا يكون نبي بعده ولا معه فيجب ان يكون نبيا مرسلا الى الناس كافة لانهم مكلفون ولا يصح تكليفهم بغير حجة ولا تثبت لله حجة على خلقه الا على النحو المذكور فتثبت نبوته بالتواتر عند جميع المكلفين واما من سبقت له شبهة فكذلك وان كانت نفسه قد تعودت على الانكار لان الله سبحانه يقول وماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون

فصل: معاجز نبينا (ص)

واما معاجزه التي صدق الله بها دعواه فكثيرة وقد عد علماء الامة منها الف معجز منها انشقاق القمر ونبع الماء من بين اصابعه واشباع الخلق الكثير من الطعام اليسير وشكاية البعير وكلام الذراع المسموم ونطق الجمادات وحنين الجذع وتسبيح الحصى في كفه وختمه الحصى بخاتمه وغير ذلك ومنها القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وقد تحدى صلى الله عليه وآله به العرب العرباء حتى تحديهم بالاتيان باقصر سورة من مثله فعجزوا عن ذلك ولما لم‌ يقبلوا منه للحمية الجاهلية صبروا على حدود الرماح وشفار الصفاح حتى اباد مقاتليهم وسبى ذراريهم وتحملوا لبس العار ووقوع البوار ولم‌ يقدروا ان يدفعوه بالاتيان بسورة مثله وهو باق الى فناء العالم قد تحدى به ما سوى الله فلم‌ يطق احد من خلق الله معارضته ولم‌ يكن لنبي من انبياء الله عليهم السلم معجز باق بعدهم لان نبوتهم منقطعة الا معجز نبينا صلى الله عليه وآله فانه باق ما بقى التكليف لان نبوته صلى الله عليه وآله باقية كذلك ليكون معجزه قاطعا لحجة المعترضين والمعاندين

فصل: هو صلى الله عليه وآله خاتم النبيين

وهو صلى الله عليه وآله خاتم النبيين فلا نبي بعده لان الله سبحانه اخبر في كتابه فقال ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين والله سبحانه لا يقع منه الكذب لانه قبيح والغني المطلق لا يفعل القبيح لعدم حاجته الى شيء واخبر في كتابه فقال ما آتيكم الرسول فخذوه وقد اخبرنا صلى الله عليه وآله انه لا نبي بعده فيكون ذلك حقا وهو ايضا صلى الله عليه وآله افضل من سائر الانبياء عليهم السلم ومن الخلق اجمعين لقوله صلى الله عليه وآله انا سيد ولد آدم ولا فخر وقوله لابنته صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلم ابوك خير الانبياء وبعلك خير الاوصياء لانه معصوم ولا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وقال تعالى ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فيكون قوله صدقا وكونه افضل الخلق حقا وكذلك ما اجمع عليه العلماء من انه صلى الله عليه وآله سيد الكائنات ومن الكلام القدسي من قوله تعالى خطابا له صلى الله عليه وآله لولاك لما خلقت الافلاك فلاجله خلق الافلاك وهو سيد ولد آدم فهو خير خلق الله اجمعين

الباب الرابع: في الامامة

لما ثبت ان النبي (ص‌) لا يتم النظام ولا يبقى الا به الى يوم القيمة وهو المبلغ عن الله والمؤدي عنه تعالى الى الخلق ما به بقاؤهم ما دام التكليف وما به سعادتهم الابدية وكان ما يؤديه عن الله سبحانه يتجدد آنا فآنا بتجدد احوال المكلفين الى يوم الدين وهو عليه السلم لا يبقى الى آخر التكليف بل يجري عليه التغيير والموت لانه صلى الله عليه وآله عبد مخلوق ولا يجوز في الحكمة رفع حكم النبوة لانه لطف واجب ما دام التكليف وجب في الحكمة نصب خليفة يقوم مقامه ويؤدي عنه الى الامة احكامه حافظ لشريعته قائم بسنته لئلا تبطل حجة الله البالغة على الخلق المكلفين ولا بد وان يكون في الخليفة جميع ما ذكر في حق النبي صلى الله عليه وآله من كونه اعلم اهل زمانه واتقاهم واعبدهم وازهدهم وانجبهم وغير ذلك وكونه معصوما من الذنوب الصغائر والكبائر من اول عمره الى آخره ومعصوما من الكذب والخطاء والنسيان وغير ذلك من جميع ما يعتبر في حق النبي صلى الله عليه وآله الا النبوة لما ثبت انه صلى الله عليه وآله خاتم النبيين فلا نبي بعده وانما اشترط ذلك في الخليفة لانه قائم مقام نبيه صلى الله عليه وآله في جميع ما يحتاج اليه سائر المكلفين من احكامه لانه حافظ شريعته وهو لطف من الله واجب عليه تعالى في الحكمة كما وجبت النبوة على حد واحد فلا بد ان يكون متصفا بصفات نبيه صلى الله عليه وآله بحيث يحصل للمكلفين القطع بانه حجة الله وان قوله قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وآله وحكمه ووجوب طاعته والتسليم له والرد اليه على جهة القطع ولا بد ان يكون مطهرا منزها عن كل ما يلزم منه نفرة القلوب وعدم الاطمئنان في جميع الاحوال ومن كان في هذه الصفات لا يطلع عليه الا من يطلع على السرائر ويعلم الضمائر وهو الله وحده فليس ذلك الى احد من الخلق ولا يعلم ذلك الا بنص من الله عز وجل على شخص وذلك لطف واجب من مقتضى العدل والقادر الحكيم عز وجل لا يخل بواجب لانه قبيح وهو يتعالى عن فعل القبيح لغناه المطلق ولم‌ يكن في الامة من تجتمع عليه شروط النبوة غير كونه نبيا الا عليّ بن ابي ‌طالب عليه السلام لانه معصوم من كل رذيلة عصم منها النبي صلى الله عليه وآله وشريكه في كل فضيلة الا النبوة وقد نص الله سبحانه عليه في كتابه فقال انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون فقد تواترت الروايات وكلام المفسرين من الفريقين بانها نزلت في عليّ عليه السلم حين تصدق بخاتمه وهو راكع لا ينكر ذلك الا مكابر مباهت فاثبت الله عز وجل لعليّ (عليه السلام) بنص كتابه العزيز ما اثبت له تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله من الولاية ولا معنى للولي هنا الا انه اولى بهم من انفسهم في كل شيء من امور دنياهم ودينهم وآخرتهم لانها هي الولاية التي ثبتت لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله ولهذا نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم على ما رواه الفريقان من طرق متعددة بلغت حد التواتر باعتراف الخصم بقوله لهم الست اولى بكم من انفسكم قالوا باجمعهم بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله اقول هذا من قول الله في حقه ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال فيه فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم وقال فيه وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وقال فيه ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وقد روى الفريقان انه صلى الله عليه وآله قال على اقضاكم وقال عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيث ما دار وامثال ذلك فاذا ثبت انه كما سمعت وانه معصوم مسدد من الله سبحانه يدور مع الحق حيث دار ثبت انه يهدي الى الحق ولم ‌يدل دليل على ان غيره من الصحابة بهذه المثابة ولم ‌يدع احد من الامة العصمة لاحد من الصحابة كما ادعيت له افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع ويتخذ اماما يقتدي به لانه عليه السلم لا يفارق الحق ولا يفارقه الحق يدور معه حيث ما دار فهو مرضي مروي من الفريقين لا ينكره احد على انه لا يكون مع باطل في حال من الاحوال ولا نعني بالعصمة الا هذا فقد ثبت عند كل منصف وطالب للحق على جهة القطع من مثل هذا الحديث وهذه الآية على ان عليّ بن ابي ‌طالب صلوات الله عليه وآله خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل لانه يهدي الى الحق ولانه لا يفارق الحق والحق لا يفارقه فهو احق ان يتبع بحكم الله سبحانه في كتابه على عباده ومن لم ‌يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون فهو الذي اذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا فهو المعصوم بالنص في كتاب الله وقول رسوله صلى الله عليه وآله وهو المنصوص عليه بالخصوص من الله ومن رسوله صلى الله عليه وآله ولم ‌يدع احد من المسلمين ذلك لاحد من الصحابة والحمد لله رب العالمين

فصل

والعلة الموجبة لنصب عليّ بن ابي ‌طالب (عليه السلام) هي بعينها العلة الموجبة لنصب ابنه الحسن عليه السلم ثم الحسين عليه السلم ثم عليّ بن الحسين عليه السلم ثم محمد بن عليّ عليه السلم ثم جعفر بن محمد عليه السلم ثم موسى بن جعفر عليه السلم ثم عليّ بن موسى عليه السلم ثم محمد بن عليّ عليه السلم ثم عليّ بن محمد عليه السلم ثم الحسن بن عليّ عليه السلم ثم الخلف الصالح الحجة القائم محمد بن الحسن صلى الله عليهم اجمعين وجميع ما اعتبر في خلافة عليّ بن ابي ‌طالب عليه السلم و قيامه مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وكونه حجة الله على خلقه الى غير ذلك مما اشرنا الى نوعه في حقه عليه السلم من الكمالات والفضائل المعتبرة في الواسطة بين الله سبحانه وبين خلقه كله معتبر في كل واحد منهم صلوات الله عليهم اجمعين وكذلك خصوص النص على كل واحد منهم من الله كما هو صريح حديث اللوح الذي رواه جابر بن عبدالله الانصاري وغير ذلك من القرآن والاحاديث القدسية ومن رسول الله صلى الله عليه وآله ومن نص كل سابق على من بعده وكل ذلك بالتواتر الموجب للقطع الا لمن سبقت له شبهة لان ذلك واجب على الله عز وجل وهو تعالى لم ‌يخل بواجب لعموم علمه وقدرته وغناه المطلق

فصل: أن القائم المنتظر عليه السلام حي

ويجب ان يعتقد بان القائم المنتظر عليه السلم حي موجود اما عندنا فلاجماع الفرقة المحقة على انه حي موجود الى ان يملأ الله الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وهو ابن الحسن العسكري الغائب المفتقد واجماعهم تبعا لاجماع ائمتهم اهل البيت عليهم السلم واجماع اهل البيت عليهم السلم حجة لان الله سبحانه اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فيكون قولهم حجة لانهم لا يقولون الا الحق فاجماع شيعتهم حجة لكشفه عن قول امامهم المعصوم عليهم السلم واما عند العامة فكثير منهم قائلون بقولنا ومن قال منهم انه الآن لم ‌يوجد ومنهم من قال بانه عيسى بن مريم عليه السلم فما روى الفريقان من قوله صلى الله عليه وآله من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية يرد قولي هذين الفريقين لأنه صادق على من في زماننا هذا فإن من مات في زماننا هذا ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ولا يصح إلا إذا كان الإمام موجوداً مع أنه لطف ما دام التكلف فلا يصح وجود التكليف بدون لطف موجود لأنه شرطه والمشروط عدم عند عدم شرطه فكل من قال : بأنه ولد ، قال بأنه موجود إذ لم يقل أحد بأنه ولد ومات ومن استبعد وجوده طول عمره فقد أخطأ الحكمة لأن الله عز وجل جعل له دليلاً لا يمكن رده وهو أنه خلق الخضروجده هود وإنه ولد في زمان ابراهيم على أحد القولين المشهورين وهو الى الآن باق بل هو حي الى النفخ في الصور وهو آية دالة على القائم وابليس عدو الله باق الى يوم الوقت المعلوم فإذا جاز بقاء عدو الله وبقاء الخضر الذي هو الدليل على المصلحة الجزئية بالنسبة الى مصلحة بقاء محل نظر الله سبحانه من العالم وقطب الوجود فكيف لا يجوز بقاء من متوقف جميع مصالح النظام في الدنيا والآخرة على بقائه مع إن الأمة قد اتفقت رواياتهم وأقوالهم على أنه لابد من قيام القائم فبينه رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي أو من ذريتي أو من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ومن قال من العامة بأنه عيسى بن مريم كذبه هذا الحديث المتفق على معناه لأن عيسى، ليس من أهل بيته ولا من ذريته ولا من ولده وليس اسمه كاسمه ولا كنيته ككنيته ومن قال بأنه الإمام المهدي العباسي كذبه هذا الحديث لأنه ليس من أهل بيته ولا من ذريته ولا من ولده فلم يبق للمنصف الطالب للحق إلا القول بأنه الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام التاسع من ذرية الحسين عليهم السلام عجل الله فرجه وسهل مخرجه

فصل

ويجب أن يعتقد وصاية أوصياء الأنبياء عليهم السلام ويؤمن بهم وإنهم وأنبيائهم قالوا الحق عن الله سبحانه أثنى عليهم بطاعته وإجابته وعبادته وذكره وشكره ومن أثنى الله عليهم فقوله حق وعلمه وفعله حق وإن يؤمن بكل ما أنزل الله عز وجل على لأنبيائه وأوصيائهم من كتبه ووحيه وبما أدته ملائكته إليهم لأن الله عز وجل أخبر بذلك وأخبر به نبيه محمد صلى الله عليه وآله وحججه الصادقون وكما كان كذلك فهو حق وصدق أشهد لهم بأنهم بلغوا ما أنزل الله إليهم وادوا الى عباده ما أمرهم بأدائه فهل على الرسل إلا البلاغ المبين

الباب الخامس: في المعاد

ويجب أن يعتقد المكلف وجوب المعاد يعني عودة الأرواح الى أجسادهم يوم القيامة وذلك أنه إذا مات الناس كانت أرواحهم على ثلاثة أصناف:

أحدها من محض الإيمان محضاً وهذا تمضي روحه بعد الموت الى جنان الدنيا يتنعمون فيها فإذا كان يوم الجمعة والعيد عند طلوع الفجر الثاني أتتهم الملائكة بنجب من نور عليها قباب الياقوت والزمرد والزبرجد والدر فيركبون فتطير بهم بين السماء والأرض حتى يأتوا وادي السلام بظهر الكوفة فيبقون هناك الى أول الزوال ثم يستأذنون الملك في زيارة أهاليهم وزيارة حفرهم الى أن يصير ظل كل شيء مثله فيصبح بهم الملك فيركبون ويطيرون الى غرفات الجنان يتنعمون فيها وهكذا الى رجعة آل محمد صلى الله عليه وآله فيرجعون الى الدنيا فمن قتل في الدنيا عاش في الرجعة بالضعف من عمره في الدنيا حتى يموت ومن مات في الدنيا يرجع حتى يقتل فإذا رفع الله محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام من الأرض بقى الناس أربعين يوماً في هرج ومرج وينفخ اسرافيل نفخة الصعق فتبطل الأرواح وساير الحركات فلا حس ولا محسوس أربعمائة سنة وأما أجسادهم فيأتيها الروح والريحان من حنان الدنيا الى نفخة الصور نفخة الصعق والأجساد تتفرق أجزاؤها وتبقى مستديرة في قبورهم مثل سحالة الذهب في دكان الصائغ

وثانيها من محض الكفر محضاً إذا مات حشرت أرواحهم الى عند مطلع الشمس يعذبون بحرها فإذا قرب غروب الشمس حشروا الى برهوت بوادي حضرموت يعذبون الى الصباح فتسوقهم ملائكة العذاب الى مطلع الشمس وهكذا الى نفخة الصعق فتبطل الأرواح وأما أجسادهم فهي في قبورهم يأتيها الدخان والشرر من النار التي في المشرق وهكذا الى نفخة الصور

وثالثها من لم يمحض الإيمان ولم يمحض الكفر وهؤلاء تبقى أرواحهم مع أجسادهم الى يوم القيامة فإذا مضت أربعمائة سنة بين النفختين أمطر الله تعالى من بحر تحت العرش اسمه صاد ماء رائحته كرائحة المني حتى تكون الأرض كلها بحراً واحداً فيتموج في وجه الأرض حتى تجتمع أجزاء كل جسد في قبره فتنبت اللحوم في قدر أربعين يوماً ثم يبعث الله عز وجل اسرافيل فيأمره فينفخ في الصور نفخة النشور والبعث فتتطاير الأرواح فتدخل كل روح في جسدها في قبره فيخرج من قبره فينفض التراب عن رأسه فإذا هم قيام ينظرون وهذا هو المعاد أي عود الأرواح الى أجسادها كما هي في الدنيا ويجب الإيمان بهذا أي بعون الأرواح الى الأجساد لأنه أمر ممكن مقدور لله عز وجل وقد أخبر به عز وجل وقد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله الصادق الأمين فيكون حقاً ولأنه وقت ثمرة العدل والفضل ويوم الجزاء على الأعمال وعدم وجوده ينافي الفصل في إعطاء الثواب وينافي العدل في وقوع العقاب ولأنه لطف للمكلفين يعينهم على الطاعة ويردهم عن المعاصي فيكون واجباً في الحكمة

ولأن المسلمين أجمعوا على وقوعه وعلى أنه أصل من أصول الإسلام ولا يتحقق الإسلام بدون اعتقاد وقوعه وعلى أن منكره كافر فيكون وقوعه حقاً ولأن الله سبحانه كلف عباده فأمرهم بطاعته ووعدهم على الوفاء بعهده وامتثال أمره حسن الثواب ونهاهم عن معصيته وتوعد من نقض عهده وخالف نهيه بالعقاب وقد وقع التكليف منه تعالى ووقع من بعض عباده الطاعة ومن بعض المعصية ولم يقع الجزاء فيما وعد وتوعد وأخبر سبحانه أنه قد أخر ذلك الى يوم القيامة فقال تعالى إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وقال تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون الى غير ذلك من الآيات فيكون وقوعه حقاً لأنه أخبر به الصادق القادر عليه

فصل: الحشر - اعادة كل ذي روح

ولما كان الحشر إنما هو ليتم مقتضى العدل الحق وجب إعادة كل ذي روح لأجل أن يجازى بعمله من خير وشر ويؤخذ له الحق ممن تعدى عليه وظلمه ويؤخذ منه الحق لمن ظلمه فهذه الأحوال الثلاثة وهي مجازات المكلف بعمله من خير وشر وأخذ حقه ممن ظلمه وأخذ الحق منه لمن ظلمه شامل لكل ذي روح من جميع الحيوانات من الأنس والجن وساير الشياطين والحيوانات بجميع أنواعها إلا أن ذلك في كل شيء بحسبه بل النوع الواحد كذلك قال الله سبحانه ولكل درجات مما عملوا والدليل على أن كلاً من الحساب والحشر عام لكل الحيوانات الناطقة والصامتة قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون وقوله: ليقتص للجماء من القرناء وقوله تعالى ولا يظلم ربك أحداً يدل بتأويله أنه يأخذ الحق لذي الحق وأن كان من الناطقين للصامتات ومن الصامتات للناطقين بل تحشر بعض الجمادات كالحجارة المعبودة من دون الله والأشجار وغيرهما ويقتص منها لرضاها بذلك في أصل كونها لقوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون فإن قلت كيف ترضى وليس لها عقول ولا شعور قلت ان لها عقولاً وشعوراً بنسبة كونها ولذا قال سبحانه لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها بضمير العقلاء لأنها لو لم تكن لها عقول لقال ما وردتها وانما قال ما وردوها بضمير العقلاء لدلالة ان لها عقلا ومثل ذلك قوله تعالى فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ولم ‌يقل طائعات

فصل: القصاص من الجمادات

واما القصاص من الجمادات والاشجار فانه في الدنيا كما وردت به الاخبار الكثيرة مثل ان زمزم افتخرت على الفرات فاجرى الله فيها عينا من صبر ومثل قوله عليه السلم لو طغى جبل على جبل لهده الله وامثال ذلك كثير وانما كانت عقوبة الجمادات والنبات مثل ما ورد ان الارض السبخة والماء المالح والنبات المر كالبطيخ المر لما عرضت عليها ولاية محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله ولم‌ تقبل جعلت مرة ومالحة وانما جعلت عقوبتها في الدنيا لانها ليس لها اختيار كلي قوي فينتظر بها الى الآخرة عسى ان ترجع ولان ادراكها كلي لتكون رتبتها تصل الى الآخرة بل اختيارها جزئي لا يكاد يرجى رجوعها وادراكها جزئي لا تكون رتبته من نوع الآخرة وانما اخرت عقوبة الاصنام الى الآخرة وان كانت جزئية لاجل التبكيت لمن يعبدها من دون الله

فصل: انطاق الجوارح

ومما يجب اعتقاده انطاق الجوارح لتشهد على اصحابها من المكلفين بما عملوا لقوله تعالى يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون وقد وردت الروايات الكثيرة ان بقاع الارض تشهد عليهم بما عملوا فيها وتحشر الايام والليالي والساعات والشهور والاعوام فتشهد عليهم بما عملوا فيها والعقل يؤيد ذلك فاذا تطابق العقل والنقل على ثبوت شيء وجب اعتقاد ثبوته

فصل: تطاير الكتب

ومما يجب اعتقاده تطائر الكتب وذلك ان الانسان اذا مات فاول ما يوضع في قبره ويشرج عليه اللبن يأتيه رومان فتان القبور قبل منكر ونكير فيحاسبه ويقول له اكتب عملك فيقول نسيت اعمالي فيقول انا اذكرها لك فيقول ليس عندي قرطاس فيقول بعض كفنك فيقول ليس عندي دواة فيقول فمك فيقول ليس عندي قلم فيقول اصبعك فيملل عليه رومان جميع ما عمل من كبيرة وصغيرة فيأخذ تلك القطعة فيطوقه بها في رقبته فتكون عليه اثقل من جبل احد وهو قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا الآية ، فاذا كان يوم القيمة تطائرت الكتب فمن كان محسنا اتاه كتابه من وجهه واخذه بيمينه ومن كان مسيئا اتاه كتابه وراء ظهره وضربه وخرق ظهره وخرج من صدره واخذه بشماله فيقفون صفا جميع الخلائق بين يدي كتاب الله الناطق صلوات الله عليه وسلامه وهو الذي تعرض عليه الاعمال فينطق على الخلائق بما كانوا يعملون وكل ينظر في كتابه فلا يخالف حرف حرفا وهو بقول واحد وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون لانه كانت اعمال الخلائق تعرض عليه في دار الدنيا

فصل: الميزان لاعمال

ومن ذلك اعتقاد الميزان لاعمال الخلائق فروى انه ذو كفتين وروي انه ليس ذو كفتين وانما هو ولاية الائمة (عليه السلام) فقيل هو كناية عن عدل الله تعالى لعلمه بمقادير الاستحقاقات الراجح منها و المرجوح والحق انه لا تنافي بين الاقوال الثلاثة فانه ذو كفتين كفة للحسنات وكفة للسيئات وهو ولاية الائمة عليهم السلم وهو عدل الله ووجه الجمع ليس هذه الرسالة محله والواجب اعتقاد ان يوم القيمة تنصب الموازين لتمييز اعمال المكلفين واما انه هو كذا وكذا فلايجب وانما ذلك من كمال المعرفة والدليل على وجوده قول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون

فصل: الصراط

ومما يجب اعتقاده الصراط وهو جسر ممدود على جهنم اول عقبة منه بالمحشر صاعدا الى الجنة يصعدون اليه في الف سنة والف سنة نزول وبينهما الف سنة حذال وفيه على الحذال خمسون عقبة كل عقبة يقف فيها الخلائق الف سنة وهو احد من السيف وادق من الشعر يتسع للمطيع مثل ما بين السماء الى الارض ويضيق على العاصي والناس فيه على قدر اعمالهم فمنهم من يمر عليه مثل البرق الخاطف ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر عليه ماشيا ومنهم من يمر عليه حبوا ومنهم يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه شيئا والواجب اعتقاد وجوده يوم القيمة وانه احد من السيف وادق من الشعر وانه جسر ممدود على جهنم وان الخلائق يكلفون بالمرور عليه واما معرفة كيفيته والصعود عليه والنزول منه ومعرفة ما المراد منه فلا تجب وادلة ما ذكر الاخبار المتواترة معنى من الفريقين واجماع المسلمين على ذلك

فصل: الحوض

ومما يجب اعتقاده الحوض ويسمي حوض الكوثر لان الماء ينصب فيه من نهر الكوثر والحوض يكون في عرصة القيمة يسقي منه امير المؤمنين عليه السلم عطاشي المؤمنين يوم القيمة ومما يجب اعتقاده الشفاعة وهي شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وآله لاهل الكبائر من امته كما قال صلى الله عليه وآله ادخرت شفاعتي لاهل الكبائر من امتي والاخبار متواردة متكثرة بانه صلى الله عليه وآله شفيع لاهل بيته (عليه السلام) وللانبياء عليهم السلم فتشفع الانبياء لمن ارتضي الله دينه من اممهم ويشفع الائمة عليهم السلم لشيعتهم ويشفع شيعتهم لمن يشاؤن من المحبين والواجب اعتقاد ثبوت شفاعة محمد صلى الله عليه وآله للعصاة من امته واما التفصيل والترتيب فعلي حسب ما يصح من الدليل لانه من متممات الايمان ومكملات المعرفة

فصل: الجنة

ومما يجب اعتقاده وجود الجنة وما فيها من النعيم المقيم وهي جنان الخلد الثمانية كما دلت عليه الاخبار ونطق به القرآن المجيد وجنان الدنيا ايضا موجودة التي تأوى اليها ارواح المؤمنين الى ان ينفخ اسرافيل في الصور نفخة الصعق وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه فقال جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وهي جنان الدنيا لان جنان الآخرة ليس فيها بكرة ولا عشي ثم قال تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا وهذه جنان الآخرة وجنان الآخرة ثمان:

  1. الاولى جنة الفردوس
  2. الثانية الجنة العالية
  3. الثالثة جنة النعيم
  4. الرابعة جنة عدن
  5. الخامسة جنة دار السلام
  6. السادسة جنة دار الخلد
  7. السابعة جنة المأوى
  8. الثامنة جنة دار المقام

وجنان الحظائر سبع كل حظيرة ظل لجنة من جنان الاصل واما جنة عدن فلا ظل لها ففي الآخرة خمسة‌ عشرة جنة ثمان هي الاصول المعروفة كل سماء فوقه جنة والثامنة فوق الكرسي وسبع جنان الحظائر وهي تحت الثمان واقل منها وفي الحديث ان جنان الحظائر يسكنها ثلاث طوائف من الخلائق مؤمن الجن واولاد الزنا من المؤمنين واولاد اولادهم الى سبعة ابطن والمجانين الذين لم‌ يجر عليهم التكليف الظاهر ولم‌يكن لهم من اقربائهم شفعاء ليلحقوا بهم واسماء جنان الحظائر اسماء جنان الاصل مثل الشمس التي في السماء الرابعة فان اسمها الشمس واشراقها في الارض اسمه الشمس والواجب اعتقاد وجود الجنة ونعيمها الآن واما مثل هذا التفصيل ونحوه فلا يجب والدليل على وجودها القرآن والاخبار والاجماع

فصل: النار

ومما يجب اعتقاده وجود النار وما اعد فيها من العذاب الاليم وهي نيران الخلد السبع ونيران الدنيا سبع عند مطلع الشمس وقد نطق القرآن بذكر النار وانها موجودة قال تعالى وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا وهي نيران الدنيا لان الآخرة ليس فيها غدو وعشي وقال ويوم تقوم الساعة وهذه نيران الخلد لان نيران الدنيا لا يوجد يوم تقوم الساعة وليس المعروض عليه يوم تقوم الساعة غير المعروض عليها غدوا وعشيا وقد اتفق علماء التفسير والقراء على الوقف على الساعة والابتداء بادخلوا آل فرعون فقد اخبر الله سبحانه بوجود نيران الآخرة ونيران الدنيا والسنة النبوية صريحة في ذلك والاجماع من المسلمين واقع على وجود النار بقول مطلق والاختلاف انما هو في الكيفية والصفة وهل هي موجودة بالفعل او بالقوة او ان الموجود منها كلياتها واما جزئياتها فليست موجودة بالفعل وانما توجد بالتدريج والخلاف ليس بصحيح بل الصحيح انهما موجودتان نيران الدنيا ونيران الآخرة بالفعل كما دل عليه القرآن والاخبار خصوصا احاديث المعراج فانه صلى الله عليه وآله دخلهما ليلة المعراج ورأى من يعذب فيهما والواجب اعتقاد وجودهما ووجود عذابهما واعلم ان الواجب اعتقاد التألم الدائم في نيران الآخرة بلا انقطاع ولا انتهاء بل كلما طال الزمان اشتد التألم على اهلها كما هو صريح القرآن واخبار اهل العصمة عليهم السلم ودليل العقل حاكم بذلك كما هو مقرر في محله ونيران الآخرة اربعة‌ عشرة طبقة سبع نيران الاصل

  1. الاولى اعلاها الجحيم
  2. والثانية لظى
  3. والثالثة سقر
  4. والرابعة الحطمة
  5. والخامسة الهاوية
  6. والسادسة السعير
  7. والسابعة جهنم

ثلاث طبقات الفلق وهو جب فيه التوابيت وصعود وهو جبل من سقر من نار وسط جهنم واثام وهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل ونيران الحظائر ظل نيران الاصل وتسمى باسماء الاصل كل نار تسمي باسم اصلها او نيران الحظائر يعذب فيها اهل الكبائر من الشيعة ممن استحق دخول النار

فصل: اهل الجنة

ويجب ان يعتقد ان اهل الجنة خالدون فيها ابدا متنعمون ابدا كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل عطاء غير مجذوذ دائمون بدوام امر الله الذي لا غاية له ولا نهاية وما هم منها بمخرجين شهد بذلك الكتاب والسنة واجماع المسلمين وان اهل النار خالدون فيها ابدا معذبون لا يخفف عنهم العذاب لايقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب شهد بذلك الكتاب والسنة واجماع المسلمين ومن خالف من الصوفية وبعض اهل الخلاف من اصحاب الآراء المنحرفة فلا عبرة بقولهم ولا يلتفت اليهم بعد نص الكتاب والسنة المجمع على صحتها وقد اقمنا عليه الادلة العقلية القطعية

فصل: ما نطق القرآن

ويجب ان يعتقد ان ما نطق القرآن به وجاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله حق من علم الساعة وسؤال منكر ونكير لمن محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا في القبر والحشر والنشر والمرصاد وهو كما قال الصادق عليه السلم المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوز عبد بمظلمة عبد ومن الختم على الافواه وانطاق الجوارح ومن الجنة واحوال ما فيها من المآكل والمشارب والنكاح وصنوف النعيم ومن النار واحوال ما فيها من العذاب والاغلال والسلاسل والسرابيل ومقامع الحديد والجحيم والزقوم والغسلين وغير ذلك ومن ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور

خاتمة في الرجعة

ومما ينبغي اعتقاده رجعة محمد واهل بيته اجمعين صلوات الله عليهم على نحو ما ذكرناه في جوابنا الموضوع للرجعة ومختصره انه اذا كانت السنة التي يظهر فيها قائم آل ‌محمد صلى الله عليه وآله عجل الله فرجه وقع قحط شديد فاذا كان العشرون من جمادي ‌الاولى وقع مطر شديد لا يوجد مثله منذ هبط آدم عليه السلم الى الارض متصلا الى اول شهر رجب تنبت لحوم من يريد الله ان يرجع الى الدنيا من الاموات وفي العشر الاول منه ايضا يخرج الدجال من اصفهان ويخرج السفياني عثمن بن عنبسة ابوه من ذرية ابي ‌سفيان وامه من ذرية يزيد بن معاوية من الرملة من الوادي اليابس وفي شهر رجب يظهر في قرص الشمس جسد امير المؤمنين عليه السلم يعرفه الخلائق وينادي في السماء مناد باسمه وفي اواخر شهر رمضان ينخسف القمر وفي الليلة الخامسة منه تنكسف الشمس وفي اول الفجر من اليوم الثالث والعشرين ينادي جبرئيل في السماء ان الحق مع علي وشيعته وفي آخر النهار ينادي ابليس من الارض الا ان الحق مع عثمن الشهيد ويسمع الخلائق كلا الندائين كل بلغته فعند ذلك يرتاب المبطلون فاذا كان يوم الخامس والعشرون من ذي ‌الحجة يقتل النفس الزكية محمد بن الحسن بين الركن والمقام ظلما وفي يوم الجمعة العاشر من المحرم يخرج الحجة عليه السلم ويدخل المسجد الحرام يسوق امامه عنيزات ثمان عجافا ويقتل خطيبهم

فصل: علائم الظهور

فاذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة فاذا جنه الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادي اصحابه الثلاثمائة وثلاثة‌ عشر فيجتمعون عنده من مشرق الارض ومغربها فيصبح يوم السبت فيدعو الناس الى بيعته فاول من يبايعه الطائر الابيض جبرئيل عليه السلم ويبقى في مكة حتى يجتمع اليه عشرة ‌آلاف ويبعث السفياني عسكرين عسكرا الى الكوفة وعسكرا الى المدينة ويخربونها ويهدمون القبر الشريف وتروث بغالهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ويخرج العسكر الى مكة ليهدموها فاذا وصلوا البيداء خسف لهم لم‌ ينج منهم الا رجلان يمضي احدهما نذيرا للسفياني والآخر بشيرا للقائم عليه السلم ثم يسير عليه السلم الى المدينة ويخرج الجبت والطاغوت ويصلبهما في الشجرة ويسير في ارض الله ويقتل الدجال ويلتقي بالسفياني ويأتيه السفياني ويبايعه فيقول له اقوامه من اخواله يا كلب ما صنعت فيقول اسلمت وبايعت فيقولون والله مانوافقك على هذا فلا يزالون به حتى يخرج على القائم عليه السلم فيقاتله فيقتله الحجة عليه السلم ولا يزال يبعث اصحابه في اقطار الارض حتى يستقيم له الامر فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما

فصل: يستقر في الكوفة

ويستقر في الكوفة ويكون مسكن اهله مسجد السهلة ومحل قضائه مسجد الكوفة ومدة ملكه سبع سنين يطول الله الايام والليالي حتى تكون السنة بقدر عشر سنين لان الله سبحانه يأمر الفلك باللبوث فتكون مدة ملكه سبعين سنة من هذه السنين فاذا مضى منها تسع وخمسون سنة خرج الحسين عليه السلم في انصاره الاثنين والسبعين الذين استشهدوا معه في كربلاء وملائكة النصر والشعث الغبر الذين عند قبره فاذا تمت السبعون السنة اتى الحجة (عليه السلام) الموت فتقتله امراة من بني ‌تميم اسمها سعيدة ولها لحية كلحية الرجل بجاون صخر من فوق سطح وهو متجاوز في الطريق فاذا مات (عليه السلام) تولى تجهيزه الحسين عليه السلم ثم يقوم بالامر ويحشر له يزيد بن معوية وعبيد الله ابن زياد وعمر بن سعد والشمر ومن معه يوم كربلاء ومن رضي بافعالهم من الاولين والآخرين لعنة الله عليهم اجمعين فيقتلهم الحسين عليه السلم ويقتص منهم ويكثر القتل في كل من رضي بفعلهم او احبهم حتى تجتمع عليه اشرار الناس من كل ناحية ويلجئونه الى البيت الحرام فاذا اشتد به الامر خرج السفاح امير المؤمنين عليّ بن ابي ‌طالب عليه السلم لنصرته مع الملائكة فيقتلون اعداء الدين ويمكث عليّ (عليه السلام) مع ابنه الحسين عليهما السلم ثلاثمائة سنة وتسع سنين كما لبث اصحاب الكهف ثم يضرب على قرنه ويقتل لعن الله قاتله ويبقى الحسين عليه السلم قائما بدين الله ومدة ملكه خمسون‌ الف سنة حتى انه ليربط حاجبيه بعصابة من شدة الكبر ويبقى امير المؤمنين عليه السلم في موته اربعة‌ آلاف سنة او ستة ‌آلاف سنة او عشرة ‌آلاف سنة على اختلاف الروايات

فصل: يقتل مرتين ويحيى مرتين علي عليه السلام

ثم بكر عليّ عليه السلم في جميع شيعته لانه عليه السلم يقتل مرتين ويحيى مرتين قال عليه السلم انا الذي اقتل مرتين واحيى مرتين ولي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة والائمة عليهم السلم يرجعون حتى القائم عليه السلم لان لكل مؤمن موتة وقتلة فهو في اول خروجه قتل ولا بد ان يرجع حتى يموت ويجتمع ابليس مع جميع اتباعه ويقتتلون عند الروحاء قريبا من الفرات فيرجع المؤمنون القهقري حتى تقع منهم رجال في الفرات وروي ثلاثون رجلا فعند ذلك يأتي تأويل قوله تعالى هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر رسول الله صلى الله عليه وآله ينزل من الغمام وبيده حربة من نار فاذا رءاه ابليس هرب فيقول انصاره اين تذهب وقد آن لنا النصر فيقول اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله رب العالمين فيلحقه رسول الله صلى الله عليه وآله فيطعنه في ظهره فيخرج الحربة من صدره ويقتلون اصحابه اجمعين وعند ذلك يعبد الله ولا يشرك به شيئا ويعيش المؤمن لا يموت حتى يولد له الف ولد ذكر واذا كسىى ولده ثوبا يطول معه كلما طال طال الثوب ويكون لونه على حسب ما يريد وتظهر الارض بركاتها وتؤكل ثمرة الصيف في الشتاء وبالعكس واذا اخذ الثمرة من الشجرة تنبت مكانها حتى لا يفقد شيئا وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله فاذا اراد الله تعالى نفاذ امره في خراب العالمين رفع محمدا وآله صلى الله عليه وآله الى السماء وبقى الناس في هرج ومرج اربعين يوما ثم ينفخ اسرافيل في الصور نفخة الصعق وما ذكرناه هنا ملتقط من روايات الائمة الاطهار عليهم السلم والذي ينبغي للمؤمن اعتقاد رجعتهم عليهم السلم الى الدنيا وهو في احاديثهم واجب لا يرتاب فيه المؤمنون بتلك الاخبار وانما عبرت بلفظ ينبغي دون لفظ الواجب اتقاءا من خلاف بعض العلماء في ذلك من ان المراد بالرجعة قيام القائم عليه السلم والحق ان رجعتهم حق بنص الاخبار المتكثرة ودعوى انها اخبار آحاد غير مسموعة بعد ظاهر القرآن ونص نحو خمسماة حديث مروي عنهم عليهم السلم ولو لم ‌يكن الا لانكار المخالفين الذين يكون الرشد في خلافهم لكفى

فصل

ومما يلحق بذلك الكلام في الآجال والارزاق والاسعار ، الاجل هو وقت حدوث الشيء واجل الموت هو انتهاء مدة كونه في الدنيا وانتهاء ما كتب له وهو يحصل بالموت والقتل اما الموت فما كان بالموت الطبيعي وهو مائة سنة او ثمانون سنة او مائة وعشرون سنة على احتمالات الفصول الانسانية في الانسان هل الفصل اي فصل الربيع عشرون او خمسة وعشرون او ثلثون وكذا الصيف والخريف والشتاء فهو عند انتهاء ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ له من مدة البقاء في هذه الدنيا ومن الارزاق لجميع قوابله من اكل وشرب وملبوس وعلم وفهم وغير ذلك ثم ان كان من محض الايمان محضا او محض الكفر محضا بقي له من ذلك في اللوح المحفوظ ما قدر له مدة بقائه عند قيام القائم عليه السلم او رجعة النبي والائمة عليهم السلم وما كان بالموت الطبيعي فعلى حسب السبب المقتضي لموته فقد يعمل المعصية التي تمحو ما كتب له من الرزق والاجل فيموت ولم ‌يبق الا ما كان له ان كان ماحضا للايمان او الكفر وما كان بالقتل فقيل يموت باجله وقيل قبل اجله ثم اختلف القائلون الذين قالوا بان اجله مخترم وانه قبل الاجل ولولا ذلك لما استحق الدية من القاتل فقالت بعضهم لو لم ‌يقتل عاش اربعين يوما وقيل لا نعلم ولو لم ‌يقتل هل يموت او يعيش وقيل غير ذلك والذي فهمت من اخبار الائمة عليهم السلم انه يقتل قبل الاجل وانه لو لم ‌يقتل عاش سنتين ونصف سنة واما الرزق فهو ما ينتفع به الحي وليس لغيره منعه منه والمراد بالغير غير الله سبحانه وغير رسوله واهل بيته صلوات الله عليهم فعلى هذا لا يكون الحرام رزقا خلافا لاهل الخلاف والدليل على ان الحرام ليس برزق اخبار الائمة عليهم السلم ومن القرآن مثل قوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون فمدحهم على الانفاق من الرزق ولو كان حراما لذمهم على الانفاق منه لانه تصرف في مال الغير بغير اذنه واما الاسعار فالرخص انحطاط السعر عما جرت به العادة في وقت مخصوص ومكان مخصوص واما الغلا فهو ارتفاع السعر عما جرت به العادة كذلك فقيل قد يكونان من الله سبحانه بان يقلل الامتعة ويكثر رغبة الناس فتغلا الاسعار وقد يكثر الامتعة ويقلل رغبة الطالبين فترخص الاسعار وقد يكونان من غير الله سبحانه بان يمنع السلطان الناس من جلب الامتعة فتغلو او يمنعهم من شرائها فترخص والعوض فيما يدخل على الناس من الآلام في ذلك على الظالم والحق في ذلك ان الغلا والرخص يكونان بتقدير الله باعمال الناس وذلك ان الله سبحانه قد يقلل الامتعة او اسباب وجودها اما عقوبة لاهل المعاصي بما قدمت ايديهم فتصيب تلك العقوبة وان لم ‌يعص لاجل كونه معهم كما في قوله تعالى فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم او اختبارا للعباد كما في قوله تعالى ليبلوني ءاشكر ام اكفر وليذيقهم حلاوة الفرج كما في قوله تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين او ليرفع درجة الشاكرين على الرخاء الصابرين على البلاء فان الدنيا سجن المؤمنين وغير ذلك ويكل المحتكرين الى انفسهم في الغلا وبالعكس في الرخص وقولي او اسباب وجودها اي يقلل اسباب وجود الامتعة اريد به اسباب قابلية وجودها مثل كثرة الطالب وايجاد المحتكر ومنع الامطار وخوف الطرق وكثرة قطاع الطريق وامثال ذلك بان يكل الذي يخالف محبة الله الى نفسه حتى تقع منه اسباب المنع من المعاصي ومن ظلم العباد وغير ذلك فان كل ما يكون سببا للغلاء انما هو لانه تقصير في حق المعبود او مسبب لتقصير لان مقتضى الكرم الرخاء والرخص وانما يكون خلاف ذلك المقتضى لاجل موانع من تقصيرات قوابل المكلفين فان قلت ان الغلاء والرخص من الله عز وجل بمعنى انه قدر اسباب ذلك بتقصيرات المكلفين في الغلاء وبفضله في الرخص فقد اصبت وان قلت ان الغلا والرخص بسبب اعمال العباد بمعنى انه تعالى عاملهم بعدله في الغلاء وتجاوز عنهم في الرخص فقد اصبت والواجب على العباد شكره على نعمائه وحمده على كرم عدله وآلائه والرضى في كل حال بقدره وقضائه فانه ولي كل خير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المصادر
المحتوى