
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد امرني من تجب علي طاعته من طالبي الحق واليقين ان اكتب على كتاب الملا محمد صدر الدين الشيرازي تجاوز الله عنه المسمى بالمشاعر كلمات تبين منه الغث من السمين وتوضح الحق على طريقة اهل الحق المبين محمد واله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين بنحو بيانهم من دليل الحكمة والموعظة الحسنة وبالمجادلة بالتي هي احسن حتى لا يتنكبه الا منكر لوجدانه ناقض ليقينه وايمانه فاجبته الى طلبته لما في ذلك من مصلحة الايمان وتقريرا لما قرره القرءان وما ابانوا عليهم السلم من البرهان بما هو قريب الى الاذهان لعدم انفكاكه عن الوجدان بشهادة العقل المستنير بنور الايمان بما يكون مهيمنا لدين الاسلام الذي اقر رسول الله صلى الله عليه واله امته امة الاجابة عليه وانساقت شواهد الكتاب والسنة والعقول المستنيرة بهما اليه بشرط ان يحسن الناظر فيه النظر والاستماع لما يحصل به الانتفاع وحسن النظر والاستماع ان ينظر الناظر فيه بمحض فهمه وخالص دليل عقله ولطيف فطرته التي فطر عليها وحسه غير ملتفت الى ما انست به نفسه من المطالب ولا الى قواعد رسخت في ذهنه مما حفظها قبل ان يفتح له باب العلم العياني والبرهان النوراني ولا الى دواع نفسانية من الحياء والاستنكاف عن التعلم فان العالم انما يكون عالما بالتعلم لان العلم نور يقذفه الله سبحانه في قلب من يشاء ويحب ولا يشرق ذلك النور في قلب من لا يقبله وهو من يظهر له الحق ويتغافل عنه تسترا من ظهور قصوره وجهله فيستر الحق بثوب اللبس والشبه فيكتم الحق وهو يعلم مع انه لا يخفى على المقتصدين لان ثوب اللبس والايهام لا يستر الجهل والعناد عن ذوي الافهام كما قال الشاعر :
ثوب الرياء يشف عما تحته فاذا التحفت به فانك عاري
والله سبحانه قد وكل بالمكلف ملائكة كراما يكتبون ما يفعل فيكتبون بانصافه في قلبه نور الايمان ويؤيده الله سبحانه بروح منه يسدده للصواب ويكتبون بانكاره ولبسه وتمويهه في قلبه ظلمة الجهل ويقيض له شيطانا يمده بطعام زقوم استنكافه وشراب حميمه والله سبحانه الهادي الى سواء الطريق وهو ولي التوفيق
ثم اعلم اني كثيرا ما اكرر العبارة واردد في التلويح والاشارة ليتقرر لك ما انبهك عليه لاحتمال ان لا يكون لك انس بمراداتي لانس ذهنك بمصطلح القوم واكثر اصطلاحاتهم يخالف معناها طريق اهل العصمة عليهم السلام ومراداتي مفتاح فهمها طريقهم عليهم السلام وانا اظن فيك انك تعتقد فيهم عليهم السلام انهم علماء لا يجهلون وحكماء لا يهملون ومعصومون مسددون من الله سبحانه لا يصح ان يقع منهم غفلة ولا جهل ولا غش ولا اضلال لمن طلب سبيل الرشاد وانك لا تظن ان احدا من العلماء ولا الحكماء ولا الانبياء ولا المرسلون ( المرسلين خل ) يعلم شيئا من الحق والصواب في ظاهر طريق ولا باطن تحقيق مثل ما علموا ولا يساويهم ولا يدانيهم في شيء فاذا حققت ظني فيك لزمك اني اذا استدللت لك بشيء من اقوالهم ان تقبل ذلك ولا ترده بكلام حكيم غير معصوم وقولي ولا ترده مرادي منه الا تأوله على معنى مما يقوله الحكيم لان تأويله رد لظاهره بظاهر كلام غيره فان قلت لكلام الامام عليه السلام ظاهر وباطن فيقبل كلامه عليه السلام التأويل بخلاف كلام الحكيم قلت لكلام الحكيم ايضا ظاهر وباطن ولهذا اختلف نظر الاشراقيين مع نظر المشائين لاجل ذلك وهذا ظاهر وعليه فلم اخذت كلام الحكيم من دون تأويل ولم تأخذ كلام الامام عليه السلم وهذا منك اما لانك عرفت المطلب من دليل خارج فوجدت كلام الحكيم موافقا فقبلته من غير تأويل وكلام الامام (ع) مخالفا فاحتجت الى تأويله واذا كنت كذلك فلا حاجة لك الى الكلامين واما لان فطرتك مطابقة لفطرة الحكيم ومخالفة لفطرة الامام عليه السلام ومن كان كذلك كان ممن قال الله تعالى ان الذين يلحدون في اسمائه على انك انما سميت شيعيا لانك خلقت من شعاعهم (ع) او لانك مشايع لهم ولا يتحقق احد الاشتقاقين الا باتباعهم في كل شيء وترجيح كلامهم على كلام كل احد وبعدم الاعتماد على كل شيء لا يخرج منهم ويصدر عنهم وكلامي هذا وصية مني لك لا لاني اريد ان تأخذ كلامهم (ع) وان لم تفهم وان خالف عقلك مع انك لو كنت كذلك لاهتديت الى محض الحق لان الله سبحانه جعلهم هداة فبهداهم اقتده بل لاني اريد منك ان تنظر في كلامهم بفهمك تاركا للاحوال الثلاثة الانس بما اعتادت به نفسك فيصعب عليها مفارقته والرجوع الى القواعد والاصطلاحات فان اكثرها باطل وستقف على بيان كثير من ذلك انشاء الله تعالى والاستنكاف عن الجهل والدعوى في مقابلة ما عرفه عقلك من الحق فانك اذا تركت هذه الاحوال الثلاثة فهمت مرادهم عليهم السلام لانهم منبهون مذكرون هادون ولا اذكر لك في كلامي هذا شيئا من مباحثاتهم لانها تعمي البصيرة ويحصل مغالطات ولبس وانما اذكر لك ما هو بديهي في فطرتك بحيث يفهمه العالم الحكيم والجاهل الذي طبعه مستقيم هذه وصيتي والله سبحانه يحفظ لك وعليك
قال المصنف تجاوز الله عنه : { بسم الله الرحمن الرحيم - نحمد الله ونستعين بقوته التي اقام بها ملكوت الارض والسماء}
اقول : اختار الجملة الفعلية الدالة على التجدد والاستقبال معاهدة منه على تجديد الحمد في كل حال خصوصا فيما يكتب آنا فانا وانه فواضل من مدده توجب الحمد على ظهورها وقوله { نستعين } معاهدة ثانية منه على نفي الحول والقوة الا بالله والمراد بهذه القوة القوة الفعلية لا الذاتية لانها ذاته ولا تصح الاستعانة بما لا يصح عليه الاقتران ولو في الاعتبار فان اريد بها نفس الفعل كان قيام ملكوت الارض والسماء قيام صدور اذ لا يتركب المفعول من الفعل مثل الكتابة فانها لا تتركب من حركة يد الكاتب ومن ذهب الى ذلك فقد اخطأ ولذا قال الرضا عليه السلام في الرد على سليمن المروزي هذا الذي عبتموه على ضرار واصحابه من قولهم ان كل ما خلق الله تعالى في سماء او ارض او بحر او بر من كلب او خنزير او قرد او انسان او دابة ارادة الله وان ارادة الله تحيي وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلتذ وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك فيبرأ منها ويعاديها وهذا حدها وان اريد بها اول صادر عن الفعل المعبر عنه بالماء الذي به حيوة كل شيء وبالوجود وبالحقيقة المحمدية وقد يعبر عنه بالحق المخلوق به كان قيام الملكوت المذكور به قيام تحقق والملكوت اذا اطلق عند القوم اكثر ما يريدون ( به خل ) عالم النفوس وهي الذوات المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية لا عن الصورة فان صورها كصور عالم الشهادة وقد يطلق ويراد به مطلق زمام الاشياء الذي به قوامها كما قال سبحانه قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو حقائق الاشياء الغيبية والظاهر انه مراد المصنف
قال : { وبكلمته التي انشأ بها نشأتي الاخرة والاولى }
اقول : المراد بالكلمة الكلمة التامة وهي فعل الله تعالى وارادته ومشيته وابداعه كما قال الرضا عليه السلام المشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد ولها رتبتان الاولى الامكانية التي بها امكن الممكنات والثانية الكونية التي كون بها ما شاء كما شاء فالاولى هي التي انزجر لها العمق الاكبر والثانية هي التي ارادها المصنف وقوله انشأ بها نشأتي الاخرة والاولى يراد منه انه تعالى انشأ اي خلق وبرأ وصور وقضي كل في رتبته يصدق عليه الانشاء على اعتبار سنذكره انشاء الله تعالى والمراد من النشأتين النشأتان المعروفتان وما سبق كل واحدة من العوالم التي يتوقف ايجادها عليه من العوالم فنشأة الاولى تتوقف على الماء الاول والارض الميتة وعلى العقول والارواح والنفوس والطبايع وعالم المواد والمثال ونشأة الاخرة تتوقف على كل ما ذكر وعلى الكون في الاولى والبرزخ وعلى ما بين النفختين
قال : { على تهذيب القوى القابلة للاستكمال واصلاح العقول المنفعلة عن المعاني والاحوال للاتصال بالعقل الفعال }
اقول : { القوى القابلة للاستكمال } هي ما تنشؤ عن المشخصات الظاهرة من الوقت والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف والوضع والاذن والاجل والكتب وما اشبه ذلك والباطنة كالاعمال والاعتقادات والاحوال والاقوال فان هذه المشخصات لحصة الوجود بها تتولد القوى القابلة فان كانت في اطوار السموات كانت عنها القوى القابلة للاستكمال في الدرجات وان كانت في اطباق الارضين كانت عنها القوى القابلة للاستكمال في الدركات نعوذ بالله من مهاوي الضلالة والعقول قد يراد بها افعال القلوب وهي تعقلات المعاني والمناسب لها الفعل لا الانفعال ومحل تعلق هذا المشعر الدماغ وهو وجه القلب وقد يراد بها القلوب ولا يناسب لها الانفعال ولا الفعل لان المعاني في الاول انتزاعات دهرية جبروتية والفعل مناسب لها وفي الثاني حروف جبروتية فالقلب كالكتاب وما يلحقه من المعاني حروف في ذلك الكتاب الا انه كتاب معنوي لانه مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة النفسية والمثالية وهذه الحروف حروف معنوية كذلك فهي له كالجزء للكل او من الكل ولذا قيل باتحاد العقل والمعقول فالانفعال لا يناسب العقول الا اذا اريد بها مدركاته فينالها العقل لان العقل جوهر دراك للاشياء او اريد بها المعنى المجازي يعني النفوس والخيالات واريد بالمعاني العلوم فانه قيل انه من مقولة الانفعال والاحوال رشحات الفيوضات الامدادية من الامر الالهي عن الكلمة التامة باستدعاء تلك القوي ان لم تستقر مستديمة فان استقرت كذلك كانت ملكات والاتصال بالعقل الفعال كون الذات غير محجوبة بشيء من ظلمات الانيات عن العقل بتزكية النفس الناطقة بالعلم والعمل كما قال امير المؤمنين عليه السلم وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها والمراد بالمشابهة هي الاتصال الذي ذكره المصنف وذلك كاتصال الحديدة بالنار فانها اذا اتصلت بها حتى صدق عليها الاتصال بالاستقامة في القرب منها بلا حجاب شابهتها والعقل الفعال عند القائلين بالعقول العشرة هو عقل العناصر وعند غيرهم قد يطلقونه على جبرئل لانه الحامل لركن الخلق والمستمد من الطبيعة الكلية وقد اشار صلى الله عليه واله الى هذا بقوله والورد الاحمر من عرق جبريل عليه السلم وكثيرا ما يطلقونه على العقل الاول عقل الكل وهذا مراد المصنف والناس قد اختلفوا في عقل الكل ما المراد منه فقال بعض الصوفية المراد منه المعبود بالحق سبحانه قال السيد محمد نور بخش في رسالته : ويجب ان تعتقد ان الله واجب الوجود حي عليم سميع بصير قدير ذو ارادة وكلام وهو بالعلم احاط بكل شيء من العرش والكرسي والسموات السبع والارضين وما فيهما وفوق العرش لا شيء غيره ولا نهاية له وهو نور الانوار ليس له جسم ولا كثافة ولا لون وهو منزه عنها وكان معبود الانبياء والاولياء وفي هذا المقام الانبياء يسمونه الحي العليم والاولياء بالحضرة العلية والحكماء عقل الكل ونفس الكل ولا يريد احد من الطوائف بعباراتهم المختلفة الا الله وهو في هذه الحضرة الجبروتية منزه عن الاشياء حتى عنها انتهى كلامه ومحصل كلام بعض الاشراقيين يلزم منه هذا ايضا ويلزم من كلام المصنف على ما سنذكره في محله انشاء الله وكذلك كلام ابن ابي جمهور في المجلي نقلا عن الاشراقيين راضيا به ونافيا لما خالفه وبعض جعله اول صادر عن الذات الحق بلا واسطة ولا جعل جاعل ومنهم من قال ان تأثير الحق سبحانه انتهى اليه وغير ذلك من الاقوال الباطلة والاعتقادات العاطلة والمعروف من مذهب اهل العصمة عليهم السلم ان عقل الكل اول ما خلقه الله من الوجودات المقيدة المؤلفة وانه اول غصن نبت من شجرة الخلد وانه اول من اكل اول فاكهة الوجود التكويني في جنان الصاقورة وانه الركن الايمن الاعلى من اركان العرش وقد خلق الله سبحانه قبله في الوجود التكويني الماء الاول الذي هو النفس الرحماني والحقيقة المحمدية ثم ساقه الى الارض الميت ارض الجرز وهي ارض القابليات المسماة عند الحكماء بالامكان الاستعدادي فخلق منهما العقل الكلي المشار اليه الذي اشار اليه جعفر بن محمد عليهما السلم بقوله وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الحديث وهذا العقل هو النفس الرحماني الثالث وهو عقل محمد واله صلى الله عليه واله ومن قال بانه هو المعبود فهو ملحد ومن قال بانه اول صادر من الذات الحق فهو ممن قال بان الحق يلد ومن قال بانه بغير جعل جاعل فقد شبه ومن قال بان تأثير الحق سبحانه انتهى اليه فهو مشرك حاصر مشبه سبحانه عما يصفون وتعالى عما يقولون علوا كبيرا واعلم ان المقام لا يقتضي البسط في الكلام فلنقتصر في البيان على بعض الاشارة
قال : { وطرد شياطين الاوهام المضلة بانوار البراهين وقمع اعداء الحكمة واليقين الى مهوى المبعدين ومثوى المتكبرين }
اقول : اعلم ان { شياطين الاوهام } قد يراد بها الاوهام في مذاهبها من باب اضافة الصفة الى موصوفها يعني الاوهام الشيطانية اي توهماتها فانها كثيرا ما تتوهم خلاف الحق او المراد بها سكان الارض الثالثة على ما قاله بعضهم فان سكانها همهم ادخال الشبه والشكوك على بني ادم في معتقداتهم او ان المراد بهم الشياطين الذين يسكنون هذه القوة الوهمية وذلك لان الوهم شيخ كبير عاجر ( عاجز خل ) بليد قليل الحافظة الا انه اذا حفظ لا يكاد ينسى وهو قاعد على كرسي من نار ظاهر الغضب على نفسه كثير الخوف والوحشة من نفسه ولشدة برودة باطنه كان بليدا وكثيرا ما يقتصر في مداركه على اشكال تصادم صفتي ظاهره وباطنه وانيات هذه الاوصاف منه تأوى اليها الشياطين المشاكلة لها قد قيضت لاضلال من لم تسبق له العناية بالهداية والتوفيق لانهم حملة الخذلان ووسائط الحرمان واعوان العصيان وطردهم بانوار البراهين المؤلفة من القضايا القطعية عن القلوب التي هي محال الحكمة واليقين فان استدلالات الشياطين الوهمية على العوام انما هي بالمقدمات الموهومة المرجوحة والمغالطات والاقناعيات وبالمسلمات العادية كما هو شأن سكان الارض الثانية فانهم اعوان اولئك بما يتعلق بالعادات وقمع اعداء الحكمة واليقين كذلك فان الوجود التكويني طبق الوجود التدويني فكما ان التدويني فيه محكم ومتشابه وظاهر وراجح ونص ووهم وحقيقة ومجاز وحقيقة بعد حقيقة ومجاز بعد مجاز ومجاز هو حقيقة وحقيقة هي مجاز وغير ذلك كذلك التكويني فان المكلفين فيهم من هو محكم ومنهم متشابه ومنهم راجح ونص ومنهم مرجوح وشك وغير ذلك فاعداء الحكمة في الخلق من الانس والجن لا تطمئن نفوسهم الا بعكس الحكمة العلمية والعملية واعداء اليقين لا تسكن نفوسهم الا الى الشك والريب والنجوى والطيرة والسفسطة وامثال ذلك وقمعهم بانوار الحق من اضداد ما يلتجئون اليه وقوله { الى مهوى المبعدين } الخ يراد منه ان شياطين الاوهام واعداء الحكمة واليقين انما يتعمقون في مذاهب مقاصدهم الى جهة اسفل السافلين فيصعدون لينزلوا بمن اضلوا الى مهواهم فاذا طردوا بشهب البراهين وقمعوا عن الصعود الى قلوب المكلفين ادبروا الى ما خلقوا منه الى جهة الثرى وما تحته من موهومات الارتياب وما فوقه من مثوى المتكبرين من ابواب جهنم فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبيـٔس مثوى المتكبرين
تنبيه - اعلم ان ظاهر كلمات المصنف في هذا الكتاب وغيره انه يريد بالبراهين البراهين الاصطلاحية وعلى هذا يخالف مراده دعواه لان دعواه ان ذلك بالكشف والكشف لا ينحصر في البراهين الاصطلاحية لان القضايا انما تصح فيما يتصور موضوعاتها وهذه المطالب تصورها ينافي معرفتها ولقد تتبعت اكثر ما يستدلون به من القضايا واحكام الموضوعات والمحمولات فوجدتها مخالفة للحق بل داعية الى نحو ما اشار اليه من طرق شياطين الاوهام المضلة وستقف عليه انشاء الله تعالى فيما يأتي في محله وانما الكشف الحق ما اخذ من دليل الحكمة بشرائطه من عدم الالتفات الى شيء من الاحوال الثلاثة التي ذكرناها سابقا لا مطلق الكشف فان من الكشف ما يوصل الى الضلالة لقوة اللبس فيه وذلك لان الانسان ينكشف له ما جمع قلبه ونظره وفكره ولسانه وجوارحه عليه من حق او باطل فلو جمعها على الاوهام او الشكوك او اللبس او الظلم للعباد او الخطأ او السفسطة او غير ذلك مما هو ظاهر البطلان والفساد عند جميع العباد لحصل له الكشف عن اشياء منها لا يقدر غيره على ردها وان كان محقا الا اذا جمعها على الحق مثله ولنال منها خفايا ودقائق لا يبلغها غيره ولا يصدق الكشف عن مراد الله سبحانه منه وعن الحق فيها الا اذا جمعها على ما يريد الله منه على لسان نبيه والسن اوليائه صلى الله عليه وعليهم معراة عن الاحوال الثلاثة المشار اليها قبل فافهم
قال : { ونصلي على محمد المبعوث بكتاب الله ونوره المنزل معه على كافة الخلق اجمعين واله واولاده المطهرين عن ارجاس الطبيعة المقدسين عن كلمات الوهم بانوار الحق واليقين اللهم صل وسلم عليهم وعلى من سلك سبيلهم واقتفى دليلهم من شيعتهم المتقين }
اقول : يجوز ان يكون اراد بقوله { ونوره المنزل معه } هو الكتاب والعطف تفسيري او اراد به نور النبوة او الهداية او الولاية او ما هو اعم من الالهام والوقع في القلوب والنقر في الاسماع او الرجم او علي بن ابي طالب عليه السلم كما في تفسير قوله تعالى فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا وقوله واتبعوا النور الذي انزل معه مما ورد عنهم عليهم السلم بذلك والمصنف اشار بهذه الكلمات الى ان ما استدل به هو معنى ما اتى به صلى الله عليه واله واخبر به اهل بيته عليهم السلم وهذه لا تسلم له حتى تشهد له ظواهر اخبارهم لا تأويلاتها لان الكلام ذو وجوه والمأول يصرفه على ما يراه وكل ذي راي يدعي الصواب فيما يراه والمحكم بينهم قول الشاعر :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
فان من اقتفى اثرهم عليهم السلم واقتدي بهم قال بقولهم واستدل بنحو ما استدلوا به واما من اخذ في استدلاله يأول كلامهم ويصرفه عن ظاهره فليس مقتديا بهم ولا قائلا بقولهم بل هو راد عليهم وستقف انشاء الله تعالى على ما يصدق قولي هذا فارتقبوا اني معكم رقيب فان قلت انهم انما قالوا بما اخذوا عنهم وقالوا بقولهم قلت ليس كذلك لانهم قالوا ان الاشياء كلها في ذاته بنحو اشرف لان لها وجهين اجماليا وتفصيليا فالاجمالي في ذاته والا لكان جاهلا بها واما التفصيلي فهي وجوداتها في ازمنتها وامكنتها قال ابن ابي جمهور في المجلي في شأن الماهيات وجماعة لهم الكشف والاشراق قالوا بثبوتها في ذات الحق تعالى لتعلق علمه بها ازلا على ما هي عليه وانها حقائق متمايزة فيه وعلمه تعالى نفس ذاته فهي عند التحقيق عين ذاته ويعبرون عنها بالحقائق الثابتة وحضرة الغيب المطلق وعالم الغيب والاعيان الثابتة والعالم العقلي والاعيان الخارجية المتعينة بالتعينات الاسمائية الخ وامثال هذا في كلماتهم مثل قول الملا محسن في الكلمات المكنونة قال فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لما كان فماكونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه ه يعني به العالم وانه كامن في ذات الحق تعالى وذلك الكامن هو المكون بالله لهذا الظاهر بالله فمن يكون هذا قوله واعتقاده كيف يكون تابعا لقول الامام جعفر بن محمد عليه السلم لم يزل الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه لان هذا القائل يقول ان المعلوم وهي ماهيات الاشياء لم يزل معه في ذاته والامام عليه السلم يقول ولا معلوم فان قلت ان هذه الماهيات هي عينه قلت هل يعلم تعالى انها غيره ام لا فان قلت يعلم اثبت المعلوم الذي نفاه امامنا عليه السلم وان قلت لا يعلم قلت لك هو لا يعلم وانت تعلم فان قلت المغايرة باعتبار والاتحاد باعتبار قلت لك انت تجوز في الازل تعدد الاعتبارات والجهة وهي جهات المخلوقين فان قلت دليلهم قوله عليه السلم بائن من خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة قلت انت تميز ماهيات الاشياء التي في ذاته بزعمك منه تعالى باختلاف الصفات فان ميزت عزلت وان لم تميز تقولت عليه ما لم يقله ولم يرض به وان قلت قال عليه السلم لم يكن خلوا من خلقه ولا خلقه خلو منه قلت قال عليه السلم كما رواه الصدوق في التوحيد وغيره كان خلوا من خلقه وخلقه خلو منه وقال عليه السلام لا هو في خلقه ولا خلقه فيه فاذا جمعت قلت لك الاولى والاصح ما هو حمل حديثكم على انه تعالى لم يكن خلوا من خلقه في ملكه وسلطانه وخلقه خلو من ملكه وسلطانه وحمل حديثنا على انه كان خلوا من خلقه في ذاته وذوات خلقه خلو منه كما نحن نجمع بينهما ام العكس بان يكون حمل حديثكم على ان خلقه في ذاته وذاته في خلقه وحمل حديثنا على انه خلو من خلقه في ملكه وسلطانه وخلقه خلو من ملكه وسلطانه ان عملت بعقلك تركت قولك والتزمت بما قلنا ونقوله والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل فهذا نمط طريق شيعتهم المتقين واقتفاء دليلهم باليقين
قال : اما بعد فاقل الخلائق قدرا وجرما واكثرهم خطأ وجرما محمد المشتهر بصدر الدين الشيرازي يقول ايها الاخوان السالكون الى الله بنور العرفان اسمعوا باسماع قلوبكم مقالتي لينفذ في بواطنكم نور حكمتي واطيعوا كلمتي وخذوا عني مناسك طريقتي من الايمان بالله واليوم الاخر ايمانا حقيقيا حاصلا للانفس العالمة بالبراهين اليقينية والايات الالهية كما اشار اليه سبحانه في قوله والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقوله ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا
اقول : قوله { قدرا وجرما } بكسر الجيم الجثة والجسد وقوله خطأ وجرما بضم الجيم الخطيئة وقوله { باسماع قلوبكم } يريد به اما استعارة واما حقيقة اما على الاستعارة فظاهر واما على الحقيقة فلان القلب الذي هو اللحم الصنوبري له اذنان محسوستان وهما صورة اذني القلب النوراني فانه صاحب الادراك والفهم والذكاء والشعور والاختيار فهو بصورة الانسان بل هو انسان وله اذنان يفقه بهما ويسمع بهما قرع المعاني في وجهه باصغاء الاجابة وتعليل النفوذ باسماع القلوب لتوقف ظهوره عليه لان الاسماع هو القابلية واما الايمان الحقيقي فلا يكون حاصلا للانفس كما هو المدعي بالبراهين الاصطلاحية وانما يحصل ببراهين اهل البيت عليهم السلام ولا يهتدي اليها الا من اتبعهم في الاعمال والاقوال والمتكلف لا يقدر على الصدق لان كل معتقد ومتيقن يرى يقينه في عمله كما قال امير المؤمنين عليه السلم
قال : { وهذه هي الحكمة الممنون بها على اهلها والمضنون بها عن غير اهلها وهي بعينها العلم بالله من جهة ذاته المشار اليه بقوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد والعلم به من جهة العلم بالافاق والانفس المشار اليه بقوله سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق }
اقول : قوله { الممنون بها على اهلها } من قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وقوله { المضنون بها } بالضاد اخت الصاد اي المبخول بها عن غير اهلها وفي الحقيقة هي لب الايمان والاسلام وهي قسمان عملية وهي معارف الاركان وعبودية الجوارح وعلمية وهي عبادة القلوب وعبودية الافئدة ومراد المصنف القسم الثاني بعبارة الاول يعني معارف القلوب والافئدة وجعله قسمين قسم هو معرفة الذات بالذات كما قال سيد الوصيين عليه السلم يا من دل على ذاته بذاته قالوا والى هذه المعرفة الاشارة بقوله تعالى اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد بعد قوله سنريهم آياتنا الخ فلما دلت الاية باولها على معرفته بالاثار كان اخرها مشيرا الى معرفة محض الذات لانه يقول ما معناه اذا كان سبحانه اظهر من كل شيء كيف يحتاج في ظهوره الى ما هو محتاج في اصل كونه وظهوره اليه ويستدلون بما نسب الى الحسين عليه السلم في مناجات دعاء عرفة قال ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك وقسم هو معرفة الذات بالاثار كما قال سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم هذا محصل كلامه وكلام كثير وقد عرفوا قشرا من الاية الشريفة لانهم فهموا ان المراد بقوله سنريهم آياتنا الخ انه النظر في الاثار وان الانتقال من ذكر الايات الى شهادته سبحانه لكل شيء وقيومية كل شيء به ينبه على رؤيته سبحانه مع كل شيء كما قال عليه السلم مارأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه والاية اولها ظاهره كما قالوا وتأويله المراد هو معنى قول علي عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فان العارف اذا محا جميع شؤنه وما ينسب اليه ويرتبط به وهو سبحات ذاته من وجدانه بحيث لا ينظر الى شيء يخالف مفهوم ذاته مثل فعله فانه غير ذاته وكونه ابن فلان او اب فلان غير ذاته وعلى شيء او في شيء غير ذاته ومن كذا والى كذا غير ذاته وهكذا ينفي من وجدانه كلما يغاير حقيقته حتى التكلم والخطاب والغيبة والاشارة والمحو بقي شيء ليس كمثله شيء وهو صفة الله التي وصف نفسه بها لذلك العارف وهي آية الله التي تدل عليه لا ذاته كما توهم القائلون بوحدة الوجود المحكوم بكفر معتقدها لان الله سبحانه يقول سنريهم آياتنا ولم يقل سنريهم ذاتنا واما آخرها وهو قوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد فقال الصادق عليه السلام في الاشارة الى بيانه يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك وهذا يجتمع مع قول الحسين عليه السلم ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك فان من معنى انه على كل شيء شهيد انه موجود عند من ذكره وعند من نسيه مثلا من نسيه انما اقبل على شيء من امر الدنيا او الاخرة او امر نفسه او غير ذلك وكل شيء مما سوى الله فانما هو ظهوره به لنفسه ولمن وجده فلا يغيب عن شيء كما لا يغيب عنه شيء فهو على كل شيء شهيد ولا يذهب عارف بالله الى انه يعرف الذات البحت وانما المعروف لكل عارف غير محمد واله صلى الله عليه واله هو عنوان مقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان واما محمد واله صلى الله عليه واله فالمعروف عندهم هو المقامات المشار اليها واما الذات البحت فلا سبيل للخلق اليها بوجه من الوجوه والمدعي للكشف عن الذات فهو مشبه ملحد لاستحالة ادراك الحادث للقديم فافهم
قال : { فالعلوم الالهية هي عين الايمان بالله وصفاته والعلوم الافاقية والانفسية من ايات العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله وشواهد العلم باليوم الاخر واحواله والقبر والبعث والسؤال والكتاب والحساب والصراط والوقوف بين يدي الله والجنة والنار }
اقول : قوله { العلوم الالهية هي عين الايمان بالله وصفاته } يدل على ان التصديق بوجود واجب الوجود ووجود صفاته التي وصف بها نفسه هو معرفة الله وهذا توحيد العوام وانما التوحيد الحقيقي ما قاله امير المؤمنين عليه السلام لكميل على معنى من عرف نفسه فقد عرف ربه واما قوله عليه السلام وجوده اثباته ودليله آياته فهو توحيد العلماء وهو بين التوحيدين المذكورين الا اذا اول باحد الوجهين فيلحق به
وقوله { والعلوم الافاقية والانفسية من ايات العلم بالله } الخ يدل على انه يريد بقوله سنريهم آياتنا الخ الاستدلال بالاثار لانه جعلها ايات للعلم بالله وهي على ظاهرها كما قال والا فتأويلها هي العلم الحقيقي بالله كما لوحنا اليه سابقا وان قوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ترجمة قوله سنريهم آياتنا وملخصها لمشاهدته لكونه على كل شيء شهيد في حال المحو وفي حال الصحو
وقوله { وشواهد العلم باليوم الاخر } الخ يريد به ان الوقوف على ايات الله في الانفس وفي الافاق يشهد لك ويشهدك ان تلك امثال اليوم الاخر واحواله والقبر والبعث الخ وادلتها لان الرضا عليه وعلى ابائه وابنائه الطاهرين السلام قد اعطانا ضابطة يشهد بصحتها الكتاب والسنة والعقول المزكاة بالعلم والعمل وهي قوله عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما ههنا وشهادة الكتاب لهذه القاعدة مثل قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم وقوله تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقوله تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وقوله وفي انفسكم افلا تبصرون وامثال ذلك ومثاله قال تعالى انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء في ايات متعددة فمثل الدنيا نفس الماء المنزل لا مثله والشاهد منه انه ينبت به الزرع فتصبح الارض مخضرة كالحيوة الدنيا ثم يهيج فتراه مصفرا كتغير احوال الدنيا واهلها من اسباب الزوال والفقدان والامراض ثم ييبس النبات فيكون كالاموات والفناء ثم ينزل الماء من السماء في العام القابل فينبت ذلك النبات الاول من بذره الذي بقي في الارض كذلك يخرج الموتى ينزل ماء من السماء من تحت العرش من بحر صاد فيقع على الارض فيجتمع بالطين بفتح الياء التي هي اصل طينة الانسان الباقية في قبره فينبت بها لحمه ودمه فيخرج بصورته في الدنيا فالماء مثلا قد شرح احوال الدنيا والقبر والسؤال والبعث والحساب وجميع ما يكون فان الله عز وجل قد خلق ما يدل عليه حرفا بحرف حتى ان في الاخرة اشجارا تحمل بنساء كما قال تعالى فيهن خيرات حسان كذلك دليله في جزائر الواقواق اشجار يحملن بنساء ويبقين بعد بلوغهن يوما او بعض يوم على اكمل تركيب وجمال ثم يمتن اشعارا بفناء الدنيا وقصر بقائها تصديقا لما في الكتاب من الحق المبين واشارة الى بقاء الاخرة وما فيها كما اخبر تعالى به ففي الافاق والانفس شواهد العلم بتلك مفصلة وبتوحيد الله وجميع ما يريد تعالى من عباده لانه عز وجل لم يخلق شيئا الا وهو دليل ومدلول عليه وعلة ومعلول وجوهر وعرض وسبب ومسبب ومانع وممنوع وكتاب ومكتوب واجل ومؤجل وقدر ومقدر الى غير ذلك فافهم ما اشرت اليه لك من اسرار الخلق والخليقة مما ظهر به الخالق وتعرف به لخلقه
قال: وهي ليست من المجادلات الكلامية ولا من التقليدات العامية ولا من الفلسفة البحثية المذمومة ولا من التخيلات الصوفية بل هي من نتائج التدبر في ايات الله والتفكر في ملكوت سمواته وارضه مع انقطاع شديد عما اكب عليه طبائع المجادلة والجماهير ورفض تام لما استحسنه قلوب المشاهير
اقول : يريد ان ما بينته لك من الحكمة المشار اليها ليست مبنية على الادلة الضعيفة والاوهام السخيفة كالمجادلات الكلامية فان اهل الكلام يبنون معارفهم على صناعات لفظية اغلبها مدخولة ولا من التقليدات العامية فان العوام ليس لهم نور يمشون به في الظلمات وانما يستوصفون غيرهم لما يستدلون به وعليه ولا من الفلسفية البحثية المذمومة فان كثيرا ممن يسمى بهذا الاسم دقق في البحث في المبادي وتساهل في المطالب ومنهم من تعمق في البحث في المفاهيم التي تنتزع من الالفاظ لا من حيث كونها بازاء معانيها فقد يكون بلا مصداق خارج او تخالف ما وضعت له لان اللفظ ان وجد الباحث في احوال جهات دلالاته بنظر ان بينه وبين المعنى مناسبة ذاتية وعثر على تلك المناسبة فكان بحثه من تلك الجهة فلا بد ان يتطابق المفهوم والمصداق فان طابق اللفظ بمفهومه مصداقه الخارجي كان صدقا وان طابق المصداق ذلك اللفظ بمفهومه كان حقا وان كان لا من تلك الجهة تباينا وان لم يعثر عليها اخذ مفادها بالنقل عمن عرف او عمن نقل عنه وان كان لا بنظر المناسبة بل بلحاظ ان التخصيص بارادة الواضع او بلحاظ المناسبة لكن الالفاظ موضوعة بازاء المعاني الذهنية خاصة من غير كونها وسيلة الى المعاني الخارجية بل المعاني الذهنية هي وجودات تلك الاشياء وحقايـٔقها لا غير وقع في الغلط والخطأ وكان في الواقع بحثا مذموما لدخوله في عموم قوله تعالى وتخلقون افكا وباب مهوى هذا المكان السحيق الذي لا قعر له دعوى ان للنفس لذاتها قدرة على اختراع ما شاءت من الصور لا انها تنتزع بمرءاة خيالها صور الاشياء القائمة في خزائنها من خزائن الغيب وانما ينزلها الله سبحانه في الاذهان عند استكمالها شرائط القابلية تنزل بها ملائكة الفكر من فلك عطارد بتسخير سيمون وشمعون وزيتون الموكلون بذلك عن امر الله كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والحاصل ان هذه الحكمة الممنون بها ليست من الحكمة البحثية المذمومة وذلك احتراز عن الحكمة الفلسفية البحثية باقامة البراهين القطعية المحصلة بواسطة الرياضات ولا من التخيلات الصوفية فانهم يهيمون في الافكار من غير برهان على ما حصل لهم وانما يعتمدون على الواردات التي ترد عليهم ويدعون انها واردات من الحق تعالى ترد على من قعد على بساط القرب وتخلى عن ناسوته وتحلى بطور لاهوته وليست تلك الواردات من الحق تعالى لانه تعالى انما ينزل تلك القبسات على نواميس وحيه وتراجمة امره ونهيه والسن ارادته وبتلك الوسائط تصل الى من تلقاها بشرائط التلقي من الاعمال الصالحة التي ترضي الله تعالى وهذا بخلاف طريقة الصوفية لان اغلب ما يجدونه من المكاشفات هو ما يتكلفونه من المخالفات مثاله انهم يقولون كما ذكره عبد الكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل ان شرط التصوف ان يكون على طريقة مذهب السنة والجماعة فاذا كان اصل التصوف مبنيا على هذا المذهب فالمتصوف يلتزم انه يكاشف على موافقة هذا المذهب فلو ظهر امر يخالف مذهب السنة والجماعة وان وجده حقا تكلف لرده وان كان بباطل وعدل عنه وان كان الى باطل لكن لما جمع قلبه وفكره وخياله وحسه ولسانه وجميع اعماله وجميع حركات جوارحه وسكناتها على التدبر والحيلة في رد ذلك المخالف له حصل له شيء محكم العبارة دقيق الحيلة والاشارة بعيد التلويح محكم صورة التصريح يصعب رده وابطاله الا على من جمع جميع مشاعره ومداركه واقواله واعماله على مراد الله تعالى منه فانه اذا رأي كلام ذلك الصوفي ظهر له ما فيه من العيوب والمغالطات وتوجه له امر الرد عليه وابطاله
قال المصنف وما اوردت لك في هذه الحكمة ليس من شيء من ذلك بل هو من نتائج التدبر في ايات الله والتفكر في ملكوت سمواته الخ اما ان المعرفة الحقية فلا تكون بتلك الامور التي ذكرها نافيا لها فهو حق واما انها لا تحصل الا من نتائج التدبر الى آخر ما ذكره فهو حق الا ان هذه دعوى ولا يعلم صدق قائلها بان يطابق قوله الواقع الا بصحة معرفته ومعتقده لا بمجرد القول لان هذه الالفاظ عند اهل الاستعمال مشتركة يطلقونها على ما وضعت له ويطلقها كل منتحل على ما يراه ولهذا ينفي المصنف شيئا مثلا واثبته ويثبت وانفيه فلهذا هو يقول لم نأخذ بقول اهل الكلام ومجادلاتهم ولا بتقليد العوام ولا بابحاث الفلاسفة ولا بتخيلات الصوفية وانا اقول بلى قد اخذت باقوالهم ويقول انما نقول بنتائج التدبر في آيات الله وانا اقول لم يسلك بذلك الطريق المأمور به وانما اختلفنا لاختلاف المرادات لان الفاظ التعبيرات مشتركة فكل يريد منها معنى ما يعتقده فاذا قال مثلا لااعتقد كتخيلات الصوفية فاقول اي شيء تعتقده الصوفية بتخيلاتهم ( فهو يقول به فانهم خل ) يقولون ليس لله في الاشياء قبل ايجادها وجهان ان شاء جعلها متحركة وان شاء جعلها ساكنة وانما له وجه واحد لان مشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك وهو يقول بهذه كلها والصوفية يقولون معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته الا انه في ذاته بوجه اشرف وهو يقول بذلك وهم يقولون بسيط الحقيقة كل الاشياء وهو يقول بذلك وهم يقولون مـئال اهل النار الى النعيم فانهم يتنعمون بالتعذيب وهو يقول بذلك وهم يقولون بجواز التفكه بالمردان في مقام النفس الملهمة وهو يقول بذلك كما في اسفاره وهم يقولون ان فرعون مات مؤمنا طاهرا لانه بعد ايمانه لم يعمل ذنبا والاسلام يجب ما قبله وهو يقول بذلك لانه لما قال مميت الدين بذلك في الفصوص قال : وهذا كلام يشم منه رائحة التحقيق وامثال هذه من تخيلاتهم فانه قائل بكل ما قالوا فاي شيء خالفهم فيه حتى يحمل قوله ولا من التخيلات الصوفية عليه نعم يخالفهم في شيء واحد وهو انه يقول اني ما اقول بقولهم وكل باقي كلامه على هذا النحو
واما قوله { من نتائج التدبر } الخ فهو من نتائج التدبر فيما قاله اهل التصوف لا فيما قاله اهل العصمة عليهم السلام فانهم (ع) قالوا بدوام تألم اهل النار وقال بانقطاعه وقالوا ولو شاء الله لهدي الناس جميعا وقال بعدمه وقالوا ان الله تعالى ان شاء فعل فيما لم يفعله وان شاء ترك وقال بعدمه وقالوا بحدوث المشية والارادة وليس لله مشية قديمة ( ولا ارادة قديمة خل ) والمشية والارادة من صفات الافعال وقال بخلاف ذلك كله فنتائج التدبر ما قالوا به او ما قال به فان كان ما قالوا به لم يكن قوله من نتائج التدبر وان كان ما قال به فلا يجوز القول بنتائج تخالف اقوالهم فافهم فان وفقت فهمت لان فهم الصواب انما هو بتوفيق الله وخلق الله له اهلا والسلام
قال : { ولقد قدمت اليكم يا اخواني في كتبي ورسائلي من انوار الحكمة ولطائف النعم وبزهر الارواح وزينة العقول مقدمات ذات فضائل جمة هي مناهج السلوك الى منازل الهدى ومعارج الارتقاء الى الشرف الاعلى من علوم القرءان والتأويل ومعاني الوحي والتنزيل مما خطه القلم العظيم في اللوح الكريم وقرأه من الهمه الله قراءته وكلمه بكلماته وعلمه محكم اياته مما نزل به الروح الامين على من اصطفاه الله وهداه فجعله اولا خليفة في العالم الارضي وزينة للملكوت السفلي فجعله اهلا للعالم العلوي ملكا في ملكوته السماوي فكلما تنور بيت قلبه بهذه الانوار ارتقى روحه الى تلك الدار ومن جحدها او كفرها فقد هوى الى مهبط الاشرار ومهوى الشياطين والفجار ومثوى المتكبرين واصحاب النار }
اقول : ان الذي قدم من الذي اشار اليه مثل الذي اخر مما ستسمع بيانه انشاء الله تعالى وعلوم القرءان مثل التفسير والاحكام والقراءة واللغة والنحو والصرف والخط المختص به ومن التفسير مما وقفنا على شيء منه تفسير الباطن وباطن الباطن وظاهر الظاهر والتأويل وباطن التأويل وغيره باطن باطن الباطن الى سبعة وظاهر ظاهر الظاهر الى سبعة وباطن باطن التأويل الى سبعة واما التأويل الذي اشار المصنف اليه فالمراد به ما سوى التفسير الظاهر كما هو المعروف بين اكثر العلماء واحاديث اهل البيت عليهم السلام كثيرا ما يعبر فيها عما سوى الظاهر بالتأويل ومعاني الوحي تكون على ثلاثة اوجه وهي التي اشار اليها في قوله تعالى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم فالوحي الالهام ومن وراء حجاب كتكليم موسى من الشجرة وارسال الرسول كخطاب جبرئيل عليه السلم عن الله تعالى فمعاني الوحي تجمعها هذه الثلاثة
وقوله { مما خطه القلم العظيم في اللوح ( الكريم خل ) } المراد منه ان القلم العظيم هو عقل الكل وروح من امر الله وقد يطلق على الروح الكلي الذي خلق البراق من فاضل نوره واللوح الكريم هو اللوح المحفوظ ووصف القلم بالعظيم لان ما اودع الله تعالى فيه من العظمة غير ظاهر بصورته في غيره ولان ما فيه من تعدد الذوات والحقائق فانها تعدد معنوي فلذا وصف بالعظمة واللوح المحفوظ وصف بالكريم لانه منبع الفيوضات للموجودات المصورة لان العقل يفيض المعاني والروح تفيض الرقائق والنفس تفيض الصور اي الجواهر المصورة فالمدد الذي هو بحكم المداد للكتابة والنطفة للانسان من العقل الذي هو القلم العظيم وتمام التصوير الذي هو بحكم الكتابة والجنين في بطن امه الذي ولجته الروح في اللوح المحفوظ وهو الخلق الثاني ومعنى خط القلم في اللوح ايجاد ذلك المدد المعنوي في لوح الكون في الاعيان في وقت وجوده ومكان حدوده واللوح له صفحات مختلفة فمنها صفحة مبادي التصوير بمداد الزعفران ومنها صفحة القضاء الاول في لوح الزبرجد ومنها صفحة الذوات الحقيقية الجامعة بمداد التركيب ومنها صفحة الاشباح وامثل لك بكتابة القلم في صفحة الاشباح من اللوح اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد يوم السبت تبقى ما دمت حيا كلما التفت قلبك بمرءاة خيالك رأيت زيدا في المسجد يصلي يوم السبت وجد زيد ام فقد في حياته وفي مماته فانك تراه في الهيئة التي رأيته فيها اول مرة في مكانه ووقته وذلك لانه لما كان هناك كتبت الحفظة عمله في وقته ومكانه بشبحه وهيئته في اخر الدهر القار وجرى زمانه بهيئته المحسوسة وبقي صورته قائمة في عالم المثال بخط الحفظة الكرام الموكلين بكتابة اعماله وهم الاقلام الجزئية بامر القلم الاعلى الذي اشار اليه المصنف بقوله بخط القلم العظيم وهذا نمط كتابة الحفظة الكرام لاعمال الانام وتأتيهم يوم القيمة على هذه الهيئة فيلبسها لبس الثوب ولهذا قيل تكشف السرائر وتبدي الضمائر
وقوله { وقرأه من الهمه الله قراءته } معناه الحق هو ما اشرت لك فافهم
وكذلك قوله { وكلمه بكلماته وعلمه محكم اياته } فان مثل ما مثلت لك وهو كلامه بتلك الكلمات وهو تعليمه لمحكم الايات فانها مما نزل به الروح الامين على نبيه صلى الله عليه واله الطاهرين
قوله { فجعله اولا خليفة } الى اخره يعني ان من عرف تلك المعارف وارتقى تلك المقامات الشرف الاعلى من العلوم التي اشار اليها حتى قرأ مثل تلك الكتابة التي قرأتها لك بلسان اهل الخلافة والقطبية كما سمعت من قراءة كون زيد يصلي في المسجد يوم السبت جعله الله خليفة في اول بلوغه هذه الدرجة خليفة في الارض بين الناس وجعله زينة للملكوت السفلي فبه ينزل عليهم المطر وينبت النبات ويدفع عنهم البلاء ثم يجعله اهلا للعالم العلوي يطأ اذا مشى على اجنحة الملائكة ويجعله ملكا في الملكوت السماوي حتى يكون قواما للارواح ونورا للاشباح وذلك اذا اعتدل مزاجه وفارق الاضداد واما قبل ذلك فلا يعرف الا قليلا من كثير فلا تتم له الخلافة فافهم فان الدعوى لا تصدق حتى يشهد لها الوجدان بالعيان
وقوله { كلما تنور بيت قلبه } الخ يعني انه يرتقي في تلك المقامات العاليات بنسبة ترقيه في تلك الدرجات ومن جحدها بعد ان ظهر له واضح سبيلها وركن الى شيء مما اشار اليه من المجادلات الكلامية او التقليدات العامية او التخيلات الصوفية او الابحاث الفلسفية المذمومة هوى الى مهبط الاشرار الخ وهذا انما يتم للطرفين اثباتا ونفيا اذا كان الاول على الطريقة المستقيمة الجارية على طريقة اهل الحق عليهم السلام مشفوعا بالعمل الصالح كما جرى عليه التكليف والمرادات الشرعية والاداب الالهية والاخلاق الروحانية والثاني على المشاقة الشيطانية واتبع هواه في خلاف كل ما اراد الله
قال : { ولما كان مسئلة الوجود اس القواعد الحكمية ومبنى المسائل الالهية والقطب الذي تدور عليه رحى علم التوحيد وعلم المعاد وحشر الارواح والاجساد وكثير مما تفردنا باستنباطه وتوحدنا باستخراجه فمن جهل بمعرفة الوجود يسري جهله في امهات المطالب ومعظماتها وبالذهول عنها فاتت عنه خفيات المعارف وخبياتها وعلم الربوبيات ونبواتها ومعرفة النفس واتصالاتها ورجوعها الى مباديها وغاياتها }
اقول : اعلم ان كثيرا من العلماء يبحثون في اوائل كتبهم الاصولية عن الوجود واختلفوا في المراد من المبحوث فيه فمنهم من يريد منه الواجب عز وجل على جهة الخصوص ومنهم من يريد منه الحادث على جهة الخصوص ومنهم من يريد منه المطلق الصادق على زعمهم على الواجب والحادث والمصنف في رسالته المسماة بالحكمة العرشية قال : ان الوجود اما حقيقة الوجود او غيرها ونعني بحقيقة الوجود ما لا يشوبه شيء غير الوجود من عموم او خصوص او حد او نهاية او ماهية او نقص او عدم وهو المسمى بواجب الوجود انتهى وظاهره في هذا الكتاب مطلق الوجود الصادق على الواجب والممكن وارادته في مباحثه مختلفة تعرف بالمقام فالوجود عنده واحد بسيط فما يشوبه شيء من الاغيار فهو الحادث سماه حادثا باعتبار ما يشوبه ويلحقه من التركيب والماهيات والجنسية والفصلية والنوعية وغيرها مما هي نقائص واعدام وواجبا باعتبار حقيقته وكنهه فالشوب عنده في الحقيقة لاحق له باعتبار تنزله في مظاهره كالماء فانه في حقيقته واحد لا يقبل الانكسار فاذا جمد قبل الانكسار والانكسار في الحقيقة لاحق له بواسطة الثلجية وهذا حاصل كلامه في سائر كتبه والى هذا الطريق ذهب كل اهل التصوف وفي هذا قال شاعرهم :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
فمن حصر الوجود على الواجب فقد اخطأ الا ان يقول بانه هو الحق والوجود المخلوق له حقيقة ممكنة وليس من الوجود الواجب ولا تجمعهما حقيقة بتواط ولا اشتراك معنوي ولا لفظي الا ان يكون من باب التسمية للتعريف والدعاء ومن حصره في الحادث فان اراد بالمحصور ما يمكن معرفته فهو حق وما يطلق على الله سبحانه فيراد منه العنوان الذي يقال له عند اهل البيت عليهم السلام المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وان نفي مطلق اطلاقه على الله سبحانه فقد اخطأ ومن اراد به المطلق الصادق على الواجب والحادث فقد ابطل سواء جعله على جهة التواطي ام على جهة الاشتراك المعنوي ام اللفظي اما القول بالاولىن فكفر واما اللفظي فجهل وباطل والذي افهم انه ان لم يتبين له الحق ويعدل عنه الى هذا لم يكفر واما ما ذهب اليه اهل التصوف كما هو طريق المصنف فهو قول بوحدة الوجود واما المصنف فالله اعلم بما هو صائر اليه لهذه المقالة وغيرها
واما تعريفه وبيان حقيقته فمترتب في الحقيقة على ما يراد منه فان اريد به الوجود الحق عز وجل فلا ريب في انه لا يمكن تعريفه ولا ايضاحه بل هو الظاهر الذي لا شيء اظهر منه كما قال الحسين بن علي عليهما السلم ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاشارة هي التي توصل اليك وان اريد به المطلق فكذلك وان اريد به خصوص الحادث ففيه الخلاف وانا ابين لك طريق السلوك الى معرفته من امكان تعريفه وعدمه لان كثيرا من الاشياء ما يكون له اسمان اسم معروف يعرف به معناه عند عامة الناس يميزه عن غيره ويعينه واسم غير معروف عند الكل يعني ان الاسم وان سمع لكنه لا يعين مسماه فربما يفهم منه خلاف مسماه كما اذا قلت لك احفظ العجوز فانك ربما تفهم منه المرأة الكبيرة لان هذا المعنى هو المعروف عند الناس وانا لا اريده وانما اريد الذهب ولو قلت لك احفظ الذهب لم يشتبه عليك فاذا قيل لك ما معنى العجوز قلت هي المرأة الكبيرة او الصلوة او الحرب وما اشبه ذلك فلا تكاد تعرف حقيقة معنى هذا اللفظ المراد فكذلك الوجود ربما لا تعرف من معناه الا الحصول الذي يقال له بالفارسية هست لانه هو المعروف عند عامة الناس فاذا قلت لك المادة لم يشتبه عليك بيانه فانا اقول لك الذي دلت عليه اخبار ائمتنا عليهم السلام ان الوجود الذي هو اصل الشيء الذي خلق منه الشيء كالخشب للسرير والباب والصنم وكالفضة للخاتم وكالتراب للانسان وضابطه ما تدخل عليه لفظة من للصنع فانه هو الوجود وهو الهيولي وهو العنصر الذي خلقت منه الاشياء وهو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي وهو المادة ويأتي انشاء الله تعالى بيان زيادة على هذا فاذا اردت ان تتكلم في الوجود الحادث فهو الهيولي والمادة فقل بصحة التحديد وعدمها
ثم اعلم ان الوجود المخلوق عند المشهور من المحققين منه خارجي ومنه ذهني اما الخارجي فظاهر واما الذهني فمنهم من جعله خارجا عن الوجود اما لانه عرضي انتزاعي ليس حقيقة الوجود ولا قسما منها كما هو ظاهر كلام المصنف في هذا الكتاب في بعض عباراته لانه يطلق الوجود فيه على المطلق الشامل للواجب والحادث ويريد به حقيقته وهذا خارج عن حقيقته واما لانه هو الثبوت الخارجي الذي هو اعم من الوجود كما يذهب اليه المعتزلي ومنهم من جعله قسما من الوجود وعندنا انه قسم من الوجود الا انه ظلي انتزاعي في حقنا ومنهم من قال انه اصل للوجود الخارجي كما ذهب اليه كثير من الصوفية حتى ان منهم من يقول ما تتحرك نملة في المشرق ولا في المغرب الا بقدرتي لانه يزعم ان ما في الخيال اصل وما في الخارج ظل له على ما ذكره عبد الكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل وهذا باطل والا لزم انه اذا مات يموت الوجود الخارجي لانه ظله وكذا قول من قال بان النفس لها قدرة على احداث الصور واختراعها وهذا ايضا باطل ويأتي ذكر الدليل عليه نقلا وعقلا نعم الخيال الكلي الذي هو خيال علة الوجود الخارجي كخيال محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله يجري هذا الحكم له وقد اشرنا في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة الى كثير من ذلك واما من سواهم فكل ما في خيالهم فانتزاعي ظلي ويأتي بيانه
ثم ما في الخيال على ما نختاره لا كلام فيه واما على قول من اثبته وجعله ظلا انتزاعيا او جعل منه انتزاعيا ومنه اصيلا وان ما فيه من الاشياء بحقائقها كما قال الشيخ جواد في شرح زبدة اصول الفقه قال : وليعلم ان الحق بعد القول بالوجود الذهني وان العلم من مقولة الكيف ان الاشياء بانفسها موجودة في الذهن كما هو مذهب المحققين لا باشباحها وامثالها كما هو مذهب شرذمة قليلة لا يعبأ بهم انتهى فهل هو وجود محض ام مركب من الوجود الظلي والماهية ؟ ظاهر اطلاق الاكثر انه وجود محض وربما فهم من كلام بعضهم انه مركب من ظلي الوجود والماهية الخارجين والحق انه مركب الا ان وجوده الذي هو مادته مجموع الظلين وماهيته التي هي صورته هيئة الخيال المنطبعة فيه تلك الصورة فالخيال مرءاة والخارج شاخص يقابله والصورة التي في المرءاة مادتها صورة الشاخص المنفصلة القائمة به قيام صدور وصورتها هيئة المرءاة من صقالة صافية واستقامة وبياض وكبر واضدادها فالمنتزع من الخارجي خصوص المادة المركبة من مادة وصورة نوعية بالنسبة الى الخيال كالخشب فانه مادة وصورة نوعية يؤخذ منهما مادة السرير خاصة وصورته من عمل الصانع بقابلية الخشب ليست من الخشب كذلك مادة الوجود الذهني منتزعة من مادة الخارجي وصورته وصورة الوجود الذهني من الخالق عز وجل بقابلية الذهن لا من الخارجي فافهم والمصنف يقول كما يقول الاكثر ببساطته ولم ينفه عن حقيقة الوجود لكونه مركبا بل لكونه ظليا لا اصيلا ونحن نقول هو منه وان كان ظليا لان الظلي ليس بعدم وظاهر انه يريد به في هذا الكتاب الوجود المطلق وعلى رأيه فان اراد به الواجب خرج الذهني والخارجي لما صرح به ان كل ما سوى الوجود الواجب تلزمه الماهية وسيأتي الكلام وحيث كان يريد به حقيقة الوجود المطلق صدق على الواجب والحادث ولما كانت عباراته كلها ممتزجة بصفات الوجودين فلا بد ان يجري في هذا الشرح على طريقة الفرض لكل منهما لئلا يفوت الشرح شيئا من مراداته
واما كون الوجود اس الحكمة ومبني المسائل الالهية فعلى ما يذهب هو وامثاله مع تخلف كثير من القواعد على ما يقوله عنه كحكمه بان الامكان اعتباري وليس بموجود لانه معنى سلبي ونحن نقول له ان كان شيئا فهو مخلوق والا فلا معنى لقوله امكان لانه على قوله لفظ مهمل ثم كيف يفهم هو شيئا غير الله تعالى لم يكن مخلوقا لله تعالى واياك ان تنظر الى الابحاث والعبارات فتقول ما لا تعرفه فتطفي نور بصيرتك بالركون الى اقوالهم من غير فهم الا مجرد انهم علماء حكماء فان كنت تقنع بهذا من غير فهم فائمتك علماء حكماء معصومون مؤيدون من الله سبحانه ومثل ما يترتب على الوجود الذهني الانتزاعي فان لم يكن الظلي وجودا كان عدما اذ لا واسطة بينهما على المذهب الحق مع انه عنده ليس حقيقة الوجود فان اراد بحقيقة الوجود الواجب كما ذكره في الحكمة العرشية قلنا له هو عنده كل الاشياء فان لم يدخل فيها العرضي الذهني الانتزاعي كان محصورا في غير الذهني تعالى الله عن كونه كل الاشياء وتعالى الله عن كونه محصورا مع كثرة ما يترتب على الوجود الذهني من القواعد الحكمية كما في كثير من القضايا التي حكم فيها على ما يصدق عليه في نفس الامر الكلي الواقع عنوانا
وقوله { والقطب الذي تدور عليه رحى علم التوحيد } ان اراد به معنى ما يقال له باللغة الفارسية هست يعني مطلق الحصول لان رحى علم التوحيد انما تدور عليه لا على العدم فلا ريب ان هذا لا يصدق على الواجب تعالى وان اراد به الذات البسيطة الحق لم يصدق الا على الواجب عز وجل لا غير فلا معنى لكون رحى علم التوحيد تدور عليه الا على نحو من التجوز لاستحالة معرفة الذات لغيره تعالى الا بمعرفة الدليل عليه وهو معرفة العنوان على ما يأتي بيانه نعم يجوز ان يكون اراد مطلق المعرفة ومطلق علم التوحيد اجمالا وان اختار في التفصيل نحوا خاصا ولا عيب فيه وعلم المعاد وحشر الاجساد كذلك
وقوله { وكثير مما تفردنا باستنباطه وتوحدنا باستخراجه } فيه ان توحده به مع مخالفته لما عليه عامة المسلمين يجب الاعراض عنه شرعا وعقلا فان قلت فانت ايضا قد خالفت العلماء والحكماء فيجب الاعراض عما تذهب اليه كذلك قلت اني لم اقل شيئا برائي ( برأيي خل ) الا اني اعبر عن معنى قول ائمة المسلمين عليهم السلم بكلامي والمعنى منهم ولااقول بقول يخالف قولهم فيما اعلم وعلي البيان فاذا ثبت ان قولي عنهم وباذنهم فانه يجب الاخذ بقولي فيما يخالف اقوال القوم
وقوله { فمن جهل بمعرفة الوجود } يريد به على النحو الذي قرر لا مطلقا لانه لا ينكر ان احدا من الخلق لا يجهل معرفة الوجود مطلقا فيحتج عليه بحجته ولا ترجيح الا بالدليل الموجب لانقياد العقول الناظرة بفطرتها
وقوله { يسري جهله في امهات المسائل ومعظماتها } يراد منه على بعض الوجوه والاحوال او اعظمها
وقوله { وبالذهول عنها فاتت عنه خفيات المعارف وخبياتها وعلم الربوبيات ونبواتها } هذا على ما يجده المصنف ولا يتم له فان من اخلص لله العبودية واحسن العمل وواضب ( واظب خل ) على النوافل والاداب الشرعية وجمع قلبه وهمه كشف الله له عن خفايا المعارف ما لا يطلع عليه من سواه ممن لا يعمل عمله وان شق الشعر بفهمه وذلك من قوله تعالى ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وروي عن علي عليه السلم انه قال ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيصعد اليكم بل مجبول في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم ه بخلاف ما ذكره المصنف فان كثيرا ممن بلغ الغاية في الحكمة والعلم على مذاقهم لم يشم رائحة الحق في جل مطالبه او كلها ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم
وقوله { ومعرفة النفس } يراد منها التي من عرفها فقد عرف ربه وطريق معرفتها كشف سبحات الجلال من غير اشارة الى اخر ما ذكره امير المؤمنين عليه السلم لكميل وبيانه قد ذكرته في رسائلنا وهذه هي النفس العليا التي اخترعها الله سبحانه لا من شيء بفعله اذا تخلقت بالاخلاق الروحانية واتصلت بمبدئها او باوائل جواهر عللها يعني تشبهت به بالاعمال الصالحة كما قال امير المؤمنين عليه السلم وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها ويحتمل بعيدا ان يراد بها معرفة النفس السفلى في مراتبها السبع الامارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة لانها اذا طهرت عن مراتبها الثلاث الاول ترقي بمعونتها للعقل الى المراتب العالية وهي تأويل قوله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله وهي مخلوقة من النفس الاولى لانها انية المصنوع والاولى هي حقيقته من ربه ويعبر بها عن الوجود وهي النور الذي خلق منه والنور الذي ينظر به صاحب الفراسة من المؤمنين وهي الفؤاد عندهم عليهم السلم والمادة النورية فافهم
قال : { فرأينا ان نفتح بالكلام في هذه الرسالة المعمولة في اصول حقائق الايمان وقواعد الحكمة والعرفان فيها اولا مباحث الوجود واثبات انه الاصل في كل موجود وهو الحقيقة وما عداه كعكس وظل وشبح }
اقول : لما كان البحث عن الوجود الذي هو اس القواعد والعقائد اقتضى الترتيب الطبيعي ان يفتتح به الكلام كما هو شأن كل اساس فانه مقدم على ما يبتنى عليه وقد اشرنا سابقا الى ان كلامنا يكون فيما يمكن فيه الكلام ويكون على نحو الكشف في التعبير لا على نمط البحث والتنقير فانهما لا يفيدان من العلم الذي هو نور قدر قطمير والمعنى بما يمكن فيه الكلام ويحصل به التوحيد الكامل التام هو الكلام في الوجود الحادث لان الواجب تعالى لا سبيل لاحد اليه من الخلق كما قال امير المؤمنين عليه السلام في قوله : رجع من الوصف الى الوصف وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وهجم به الفحص الى العجز والبيان على الفقد والجهد على اليأس والبلاغ على القطع والسبيل مسدود والطلب مردود دليله اياته ووجوده اثباته الخطبة فتدبر هذا الكلام وتفهمه هل بعد فهمه او الايمان به لمتكلم كلام هذا اذا اريد بالوجود الواجب تعالى وان اريد به المطلق فكذلك لان المطلق لا يصح الا على فرض صدقه على الحق تعالى وعلى خلقه وذلك موجب لكونه حقيقة واحدة كما يدعونه ولا ينافيه عندهم تحققه في الموجود الخارجي المحدود لزعمهم ان الحدود موهومة لا تحقق لها في نفس الامر الا كونها شؤنا وشؤن الشيء مستهلكة في وجوده عند ملاحظته كما تقول يا قاعد انظر فان القعود مستهلك عند الخطاب لم يلتفت اليه الوجدان الا بالعرض ويقول شاعرهم :
كل ما في الكون وهم وخيالا وعكوس في المرايا او ظلال
وقال اخر :
بانعكاس الشعاع في المرءاة ورجوع الصدا على الاصوات
عرف الناس انه ليس في الكون سوى مقتضى شؤن الذات
ولا يجوز تقرير هذا بل يجب هدم بنيانه لان قولهم ان الحدود موهومة يكفي في الرد عليهم لان الموهوم ان كان لاحقا له فهو حادث مطلقا والا فلا حدود وكلا الفرضين باطل اما الاول فلانه لا يتحقق الا مع حصول حالة له لم تكن قبل اللحوق فاختلفت احواله فهو حادث واما الثاني فلان الاشياء الحادثة موجودة لا يمكن انكارها فاذا قامت به قيام عروض كان محلا للحوادث وان قامت به قيام صدور ثبت قولنا ولم يقترن به شيء هذا في الاقتران الخارجي واما في الذهني فان لوحظ الاقتران فكذلك والا فما حصل في الذهن ان لم يكن منتزعا من الخارجي فليس هو المعروض وان كان منتزعا بدون القيود فهو حينئذ جزء فيكون حادثا لانه انتزع من مركب ومع هذا تختلف احواله في الوجودين والمختلف حادث وان اريد به الوجود الحادث فنحن انما نتكلم فيه فان قلت كيف يعقل وجود الحقيقة الحادثة قلت كما تعقل وجود نور السراج في الجدار وليس فيه من السراج شيء لان الذي منه في الجدار حادث متقوم بالشعلة قيام صدور وقياما ركنيا يعني قيام تحقق والشعلة هي الدخان المنفعل عن مس فعل النار والنار غيب لا يدرك انما ظهرت باثر فعلها فان قلت اي تحقق لما ظهر في الجدار حتى تقيسه بالذوات المتحققة القائمة بنفسها قلت هذه الذوات القائمة بانفسها مثل الانسان والجبل نسبتها في التحقق والثبات والتذوت الى امر الله الذي هو اثر فعله اعني الحقيقة المحمدية والوجود المخلوق اولا والدوات الاولى التي يستمد منها القلم والعقل كنسبة النور الذي ظهر من السراج على الجدار في التحقق والثبات والتذوت الى شعلة السراج التي هي الدخان المنفعل بالاستنارة عن مس فعل النار حرفا بحرف وما تحققك وتذوتك واستقلالك بقوابلك عند امر الله وتحققه وتذوته بفعل الله سبحانه الا كتحقق النور وتذوته واستقلاله بالجدار وكثافته عند شعلة السراج وتحققها وتذوتها بفعل النار فافهم ان كنت تفهم والا فامسك ولا تكذب بما لم تحط بعلمه ولما يأتك تأويله فقد كشفت لك الحق الصريح لا بالبحث في الموضوع والمحمول فلا تغفل عن مقصدي فاني لااتكلم على الوجود الحق الا على جهة التنزيه اذا وصفه واصف بصفة الحدوث قلت هذا لا يجوز لانه يلزم منه الحدوث
واعلم ان الناس قد اختلفوا في الموجود كزيد وعمرو والفلك والماء والشجر وما اشبه ذلك هل هو بسيط ام مركب ام بسيط كالمركب ام مركب كالبسيط فمن قال انه بسيط قال انه شيء واحد لذاته وان كان فيه لطيف وكثيف فانما هو كنور السراج وكلب اللوز ولو كان مؤلفا في ذاته او مختلفا لما ظهرت فيه الوحدة ولما كان دليلا على الواحد تعالى ولانه اثر والاثر يشابه صفة مؤثره التي عنها حدث ولا شك ان مؤثره ومدلوله واحد بسيط فيكون بسيطا وانما تكثر ظاهرا لتكثر عوارضه وهذا باطل وادلته مدخولة يطول الكلام بردها وليس هنا محله فان عرض في المتن ما يدل عليها استطردناها انشاء الله تعالى وهؤلاء منهم من يقول هو وجود ومنهم من يقول هو ماهية ومن قال انه مركب قال ان كل شيء مخلوق لا بد وان يكون له اعتبار من ربه وهو وجوده واعتبار من نفسه وهو ماهيته وهما متغايران وقد اشار تعالى الى ذلك بقوله ومن كل شيء خلقنا زوجين وقال الرضا عليه السلم ان الله تعالى لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه واستشهد بالاية ولذا قالوا كل ممكن زوج تركيبي وهذا هو الحق الذي شهد به النقل والعقل وسيأتي بيانه انشاء الله تعالى ومن قال انه بسيط كالمركب منهم من قال انه وجود وقع الصنع عليه والماهية ليست مجعولة اصلا او ليست مجعولة بنفسها بل بجعل الوجود او ليست مجعولة في الاعيان او انها فائضة من ذاته تعالى بغير توسط جعل ولا ارادة ولا اختيار بل بالايجاب المحض او ليست مجعولة وانما هي صور علمية للاسماء الالهية لا تأخر لها عن الحق تعالى الا بالذات او ليست مجعولة بل فائضة من ذاته بغير طلب منها اليه لا بالايجاب المحض او فائضة بطلب منها بلسان استعدادها او انها من مقتضيات الذات ومقتضى الذات لا يتخلف عنها وامثال هذه الاقوال وكل من قال بواحد من هذه الاحتمالات جعل الشيء هو الوجود والماهية متحدة به في الخارج صادقة عليه مستهلكة فيه وان تغايرا في الذهن كما يراه المصنف او ان الماهية لاحقة له في شيئيته بالذات وان كانت سابقة عليه لكونها غير مجعولة ففي الحقيقة هي خارجة عن مفهومه وان كانت مقومة له في الظهور كسائر الاعراض وبعضهم قال الشيء هو الماهية وجعلها اولا وبالذات وجعل الوجود ثانيا وبالعرض فهي الشيء والوجود عرض او عارض على الاحتمالين وبعضهم قال الشيء هو الوجود والماهية عرضت للوجود كالاحتمال الثاني وهذا الوجود هو بعينه وجود الحق سبحانه والمصنف مشارك لهم وبعض هؤلاء قال هذا الوجود وجود مشية الله لا وجود الله ولا وجود محدث كما يقوله ضرار بن عمر وفي كل هذه الاقوال المتكثرة المختلطة الشيء عندهم واحد الا ان الماهية او الوجود على ذلك القول لازم له فهو بلزوم الاخر له كالمركب فالشيء المخلوق بسيط كالمركب لاجل ملازمة الاخر له ولحوق بعض الاحكام له باضافة اللازم وما حكيناه عنهم فيه تسامح في التفصيل لعدم فائدة الاستقصاء واستلزامه التطويل وانما ذكرت بعض اقوالهم لتنتفع بالاطلاع عليها فيما بعد ومن قال انه مركب كالبسيط قال ان اول فائض اجزاء لا تتجزأ الف الشيء منها فهو مركب منها الا انها ليست مختلفة ليتحقق فيه ما يترتب على المركب من الاشياء المختلفة فهو وان كان مركبا بمعنى التأليف فهو كالبسيط والحاصل على المذهب الحق اعني الثاني وهو التركيب الحقيقي في كل مخلوق من العوالم الثلاثة اعني الجبروت الذي هو عالم العقول والملكوت ( الذي هو عالم النفوس خل ) والملك ( الذي هو عالم الاجسام خل ) يكون الوجود في كلها جزء الشيء والماهية البسيطة الاولى جزؤه الاخر فقوله انه الاصل في كل موجود قد يوجه
واما قوله { وما عداه كعكس وظل وشبح } فمبني على اصله وهو ليس بصحيح كما يأتي بل كل موجود فحقيقته مركبة من اصلين اولهما من فعل الله سبحانه وهو الوجود وثانيهما من الموجود وهو الماهية التي هي انفعاله بفعل الفاعل لان المخلوق فاعل فعل فاعله كما مر ويأتي البيان بنمط العيان انشاء الله تعالى والظل والشبح بمعنى واحد والعكس بينه وبينهما عموم وخصوص مطلق
قال : { ثم نذكر قواعد لطيفة ومباحث شريفة سنح لنا بفضل الله والهامه وهذا يتوقف عليه معرفة البداء ( المبدأ خل ) والمعاد وعلم النفس وحشرها الى الارواح والاجساد وعلم النبوات والولايات وسر نزول الوحي والايات وعلم الملائكة والهاماتها وعلاماتها والشياطين ووساوسها وشبهاتها واثبات عالم القبر والبرزخ وكيفية علم الله بالكليات والجزئيات ومعرفة القضاء والقدر والقلم واللوح واثبات المثل الافلاطونية ومسئلة اتحاد العقل بالمعقولات واتحاد الحس بالمحسوسات }
اقول : كيفية بدء العالم من الفعل الى العقل ومنه الى الروح ومنه الى النفس ومنه الى الطبيعة ثم جوهر الهباء ثم المثال ثم الفلك الاعلى ثم الكرسي ثم الافلاك السبعة ثم العناصر ثم المعادن ثم النبات ثم الحيوانات
وعلم المعاد من المعادن ثم النبات ثم الحيوانات على احد الاحتمالين ثم الكون في الدنيا وما يجري فيها من التكاليف الوجودية والوجودات التكليفية واحكام احوال الطورين ثم الممات ثم القبر والاحوال التي تجري فيه كما ذكره الشارع عليه السلم
وعلم النفس التي معرفتها معرفة الله والتي يترقى الى اعلى الدرجات بتهذيبها وتعديل احوالها بتوسطها بين طرفي حاليها
وحشر النفس يوم القيمة الى الارواح او الاجساد على احد الرأيين من الاسلاميين وغيرهم على فرض مغايرة الروح للنفس فان الروح تطلق تارة على العقل وتارة على النفس فمعنى حشر النفس الى الروح التي هي العقل جمعها به لان كل روح ما بين النفختين مدة اربعمائة سنة تنجذب الى ثقبها من الصور وفيه ستة منازل لان كل منزل يحل فيه رتبة من الروح التي هي النفس ونعني بها ما كان يقبضه ملك الموت ففي المنزل الاول يحل فيه مثالها وفي الثاني مادتها وفي الثالث طبيعتها وفي الرابع نفسها وفي الخامس روحها وفي السادس عقلها فاول نفخة الصعق الذي هو الجذب يبدء بالمثال واول البعث يبدء بسوق العقل الى الروح والى النفس وعلى قول اهل الاسلام والى الطبائع والى المادة والى المثال والى الجسد فتركيب العود كتركيب البدء كما بدأكم تعودون
ومعرفة علم النبوات بانها لطف واجب في الحكمة على الله مقرب من الطاعة مبعد من المعصية بحيث لا يبلغ الى الالجاء
ومعرفة الولايات كذلك لانها بدل النبوة ونائبها هذا ما يظهر من باب الاجمال
ومعرفة سر نزول الوحي والايات انه ترجمة اوامر الله ونواهيه والسن ارادته وتفسير مطالبه من خلقه فهي الاشراقات التأسيسية للايجادات الشرعية التكليفية والتكليفات الايجادية
ومعرفة علم الملائكة بانها الواح افعاله وحملة اوامره ونواهيه كما قال امير المؤمنين عليه السلم والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله
والهاماتها من الله سبحانه ما يرد من فيض اركان عرشه في حقائقها من بواعث اوامره ونواهيه من محو واثبات وايجاد واعدام وقبض وبسط
وعلاماتها ما يجد المكلف في الواح وجدانه مما يطابق الشرع لانه ترجمان وحي الله والوحي على ثلثة احوال وقع في القلب وكلام من بعض الجمادات والنبات والحيوانات وما اتت به الملائكة
ومعرفة الشياطين بانهم الواح اسباب خذلانه وحرمانه
ووساوسها بواعث نفسانية تكون لها كالارواح تستند الى هوى النفوس الامارة بالسوء
وشبهاتها ما تورده على خواطر المكلف مما ينافي الحق من ابواب ما انست به او اعتادته او مالت اليه بشهوتها او راحتها او في صورة النصح لها او في صورة حفظ دعواها او تقويتها وما اشبه ذلك
واثبات عالم القبر ما اخبر به الشارع عليه السلام من كتابة رومان فتان القبور ومنكر ونكير ومبشر وبشير وضغطة القبر وهول المطلع وما اشبه ذلك
والبرزخ وهو حالة ما بين الدنيا والاخرة من مضي ارواح ماحضي الايمان الى الجنة بالمغرب وزيارتهم في الجمع والاعياد وادي السلام واهاليهم ومواضع حفرهم وماحضي الكفر والنفاق الى النار عند مطلع الشمس وعند غروبها يمضون الى بلهوت في برهوت من حضرموت وما يجري على الارواح الى نفخة الصعق وعلى الاجساد كذلك
ومعرفة كيفية علم الله بالكليات اي على وجه كلي او بكليات الاشياء وهي العوالم الكلية التي تحتها افراد واشخاص او الكليات المنتزعة كالطبيعية والمنطقية والعقلية فانها اشياء ثابتة في الجانب الايسر من الاكوان وهذه المسئلة قد هلك فيها اكثر الخلق فلا تجد الا مشبها ومنكرا الا من قال بقول محمد واله صلى الله عليه واله لا يخطو قدما الا بقولهم وقد كتبت على رسالة للملا محسن التي وضعها في العلم لابنه علم الهدى معنى ما قاله ائمة الهدى عليهم السلام فلا تجد شيئا من كلامي موافقا لما كتب لانه تبع القوم فجرى عليه قول امير المؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه والحاصل ان الحق في هذه المسئلة خلاف ما يعرف الاكثر ويهون الخطب على من وجد وعرف ان العلم عين المعلوم في الواجب والممكن والغيب والشهادة ومن لم يعرف هذا فلا يصيب الحق في هذه المسئلة ابدا ويأتي بيان ذلك انشاء الله تعالى
ومعرفة القضاء والقدر عند القوم ان القضاء حكم ازلي لا يتعلق به حكم البداء وهو متقدم على القدر والقدر متفرع عليه ومتقدم على الفعل فهو متعلق المحو والاثبات ومن كشف عن حقائق معاني ما قالوا وجد فيها دلائل التشبيه كما قال جعفر بن محمد عليهما السلم على ما رواه الشيخ في المصباح في الدعاء بعد الوتيرة : بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة فشبهوك يا سيدي واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك ه ومما يدل على التشبيه قولهم ان القدر سابق على الفعل كما هو شأن الحادث يقدر ثم يفعل والحاصل ان القدر عند اهل البيت عليهم السلام ومن يأتم بهم سابق على القضاء كما ذكر الكاظم عليه السلم ومعناه ما ذكروه عليهم السلم لا ما ذكره القوم لانه معنى غير مستعمل عند اهل الوحي عليهم السلم وانما معناه عندهم كما قال في الوافي : واما في الاخبار فالقضاء بمعنى الحكم والايجاب فيتأخر عن القدر انتهى والحق ان الفعل الايجادي ان تعلق بالكون اي الوجود فهو المشية وبالعين اي الصورة النوعية فهو الارادة وبحدود المصنوع اي الهندسة كالطول والعرض والبقاء والفناء والاجل وما اشبه ذلك فهو القدر وباتمام الصنع والمصنوع فهو القضاء وباظهاره مشروح العلل مبين الاسباب فهو الامضاء
ومعرفة القلم وهو ملك يستمد من الدواة وهو ملك ويؤدي الى اللوح وهو ملك فالقلم هو العقل الكلي واللوح هو النفس الكلية
والمثل النورية الافلاطونية بضم الميم والثاء وهي صور الاشياء ونسب بعضهم الى ان افلاطون اثبت صور الاشياء التي هي وجوهها وحقائقها في ذات المبدء الفياض ويريد اثباتها في ذات الحق عز وجل وعبارات القوم تطابق هذا المعنى فانهم اثبتوا كل الاشياء في ذاته تعالى بنحو اشرف منها في ذواتها قال الملا محسن في رسالته : ان للاشياء كلها حصولا لذاته سبحانه بعد مرتبة علمه بذاته بعدية بالذات والرتبة من غير لزوم كثرة في ذاته بسبب تكثرها لوقوعها على الترتب الذي يجمع الكثرة في وحدة وقال في الكلمات المكنونة في ذكر وجود العالم قال : فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكايـٔن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لما كان فماكونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى فالفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدى يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى وكذلك قال الفارابي الى ان قال : ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل في وحدة وامثال هذا من عباراتهم واما من عرف مراد افلاطون فانه يعلم انه يريد بالذي فيه المثل هو العنصر الاصلي الذي منه خلقت الاشياء لانه يريد مراد مشائخه وهم يأخذون الحكمة عن الانبياء عليهم السلم غالبا وربما يقولون ذات الله ويريدون ذات ولي الله المطلق عليه السلام بمعنى انها ذات لله نسبها اليه تشريفا كما قال تعالى ونفخت فيه من روحي وقول علي عليه السلام في وصف انفسهم الشريفة قال : اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدئت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ومن جهلها ضل سعيه وغوى الحديث والاخبار بظاهرها مختلفة في المراد من ذلك الاصل واختلف العلماء فيه فقيل هو الماء الذي جعل منه كل شيء حي وقيل هو الوجود وقيل هو العقل وقيل هو العرش وقيل هو اللوح ويمكن الجمع بينها فمن قال هو الوجود فيراد منه الهيولي كما قررناه ومن قال هو الماء فاهل الظاهر على ظاهرهم واهل الباطن يأولونه بالوجود واهل التأويل يأولونه بالهيولي لقبولها ما لا يتناهى من الصور ومن قال هو العقل اراد بما فيه معاني الاشياء المجردة عن المدة الزمانية والمادة العنصرية والصورة الاسية والنفسية والمثالية ومن قال هو العرش اراد ان فيه مثال كل شيء كما روي عنهم عليهم السلام مثل ما روي في عجائب المخلوقات عن الصادق عليه السلام قال ما من مؤمن الا وله مثال في العرش فاذا اشتغل بالركوع والسجود فعل مثاله مثل ذلك فعند ذلك الملائكة يصلون عليه ويستغفرون له فاذا اشتغل العبد بالمعصية ارخى الله تعالى على مثاله سترا لئلا تطلع الملائكة عليه وهذا تأويل قوله عليه السلام يا من اظهر الجميل وستر القبيح ه وفي خطبة البيان قال عليه السلام : قال تعالى رفيع الدرجات ذو العرش وفي العرش مثل ما خلق الله في البر والبحر وذلك قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه ه ومن قال انه اللوح اراد انه النفس الكلية التي هي محل الخلق الثاني والعقد الاول
ومعرفة مسئلة اتحاد العاقل بالمعقول على ما يأتي من طريقة المصنف من القول بوحدة الوجود والزم ( التزم خل ) لتصحيح هذه القاعدة من النساء ما لزمه بما فيه من فساد الاعتقاد والتجازف في التحقيق بما لايليق بمثله وسيأتي انشاء الله تعالى بيان بطلان جميع ما اعتمد عليه وبيان قبح ما التزمه مثل اتحاد الفاعل والمفعول والعلة والمعلول وما اشبه ذلك اما اتحاد العقل بالمعقول على معنى انه كتاب معنوي اي كتاب معان والمعقولات حروفه وكلماته ونعني بالعقل هنا التعقل الذي هو وجه العقل الذي هو القلب فالقلب في الصدر يعني متعلقه الجسم الصنوبري تعلق تدبير وهو العقل واما العقل الذي هو التعقل فمتعلق بالدماغ كذلك فهو كالرأس من الجسد بالنسبة الى القلب ونريد به محل انتزاع المعاني لا القوة المنتزعة
ومعرفة اتحاد الحس بالمحسوس مذهب المصنف فيه مثل اتحاد العاقل بالمعقول بناء على اصله والكلام هنا كالكلام فيما قبله والاتحاد عندنا في الحس الذي هو المرءاة لا القوة المدركة
قال : { ومسئلة ان البسيط كالعقل وما فوقه كل الموجودات وان الوجود كله مع تباين انواعه وافراده ماهية واحدة وتخالف اجناسه وفصوله حدا وحقيقته جوهر واحد له هوية واحدة ذات مقامات ودرجات عالية او نازلة الى غير ذلك من المسائل التي توحدنا باستخراجها وتفردنا باستنباطها مما قررناه في الكتب والرسائل تقربا وتوسلا الى مبدء المبادي واول الاوائل }
اقول : يريد بما فوق العقل المعبود بالحق عز وجل كما هو المعروف من كلامهم كقولهم انه صادر عنه تعالى بذاته من ذاته ولم يخلق شيئا قبله والمعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلم كما هو صريح احاديثهم بلا تعارض ويدل عليه كتاب الله والعقل المستنير بانوارهم عليهم السلم ان فوق العقل الارض الميتة وارض الجرز وهو ارض القابليات والزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار وفوق هذا الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي وهو الوجود الفائض بفعل الله بلا واسطة وهو العنصر الذي عناه افلاطون بان فيه مثل الاشياء على احتمال وعلى احتمال اخر العنصر الذي فيه المثل هو ارض الجرز ومرجع الاحتمالين الى ان تلك المثل هي حصص الهيولي والمواد فعليه هو الماء والوجود او حصص الصور والفصول وهو الزيت وارض الجرز والحاصل ان المراد بالعنصر هو الدواة وهو المقبول او القابل والقلم الذي هو العقل على الاصح يستمد من الدواة ويؤدي الى اللوح بواسطة الرقائق الروحانية التي هي بمنزلة المضغ في تركيب جسد الانسان وقبله مشية الله التي هي فعله والسرمد الذي هو وقته والامكان الذي هو مكانه وهو العمق الاكبر وهذه الثلاثة هي الوجود الراجح والماء وارض الجرز يجوز ان يقال انهما من الوجود الراجح وانهما من الوجود المقيد فما فوق العقل خمسة والله من ورائهم محيط وكلها مخلوقة لله تعالى بفعله ومراد المصنف ان العقل بسيط وما فوقه بسيط وهو الله تعالى وكل بسيط الحقيقة فهو كل الموجودات وهذا باطل اما اولا فلان العقل ليس بسيط الحقيقة الا بالاضافة الى من دونه من عالم الملك والملكوت وانما توهموا انه بسيط من كلام اوائل الحكماء لانهم كانوا يتلقون الحكمة من الانبياء عليهم السلم وقد يستنبط الحكيم البالغ بعد الحكم فيقع الخطأ في استنباطهم وكتبوا كتبهم بالسريانية ولما عربت وقع بعض الغلط في التعريب وفي فهم كلام المشائخ فاذا قالوا هذا العقل مجرد يريدون انه مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة الاسية النفسانية والمثالية واتى من بعدهم وقال ان العقل مجرد بسيط الحقيقة كما يطلق على الخالق تعالى لان المخلوق مؤلف لا بد له من اعتبارين اعتبار من ربه وهو الوجود وهو مادته واعتبار من نفسه وهو ماهيته وهو الصورة وذلك لان كل ممكن زوج تركيبي فليس شيء ببسيط الحقيقة الا الله سبحانه وكيف يقال انه بسيط وخالقه اخبر بانه مركب في قوله تعالى مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الاية الى ان قال ولو لم تمسسه نار فشبه نوره الذي هو العقل على ما دلت عليه الروايات تصريحا وتلويحا بالمصباح المركب من دهن ونار وقوله كل الاشياء غير صحيح لان البسيط الحق ليس معه في ازله الذي هو كونه البسيط الحق شيء فلا يكون كل الاشياء من ليس معه شيء ولا يكون من معه شيء بسيطا حقا ويأتي بيان بطلان هذه الدعوى في محلها انشاء الله تعالى واما العقل فليس بسيطا وفوقه اشياء غير المعبود بالحق وليس بسيط الحقيقة كل الاشياء لان البساطة تنافي نسبة كل وتنافي وجود المغايـٔر لان وجود الغير ان كان غيرا فلا بساطة والا فلا غير وهذا حكم يصدق في نفس الامر وفي الاعتبار والفرض لما بينا ان الفرض والاعتبار خلق الله وعباده من الموجودات الخارجية الدهرية او الزمانية
وقوله { ان الوجود كله مع تباين انواعه } الى قوله { هوية واحدة } هذا على ظاهر اطلاقه ليس بصحيح لان صحة كلامه مبنية على كون المراد من الوجود هنا الوجود المطلق الذي هو في الواجب والحادث حقيقة واحدة فما في الحادث واجب والحدود الحادثة موهومة لاحقة للرتبة وهذا هوية واحدة ولا شك في بطلان هذا القول ويأتي بيان بطلانه وبطلان ما استدل به المصنف من المقدمات انشاء الله تعالى
واما قوله { ذات مقامات ودرجات عالية } ففيه انه ان كان تنزلاته بذاته انقلب عن حقيقته لان التنزلات يلزمها التعينات المتعددة المختلفة وهي تلزمها التقييدات المعينة كالرتبة والجهة والكم والكيف والوقت والمكان والوضع وما يلحق بها من المتممات لماهية كل تنزل ورتبة من اركان ذات الشيء لانها حدود ماهيته وهندستها لا تعقل للشيء هوية بدونها اذا تنزل فاذا تنزل بذاته تبدلت تلك المشخصات فلا يكون هو اياه فان الفصول اذا تبدلت تبدلت الانواع واختلفت اذ لا يتميز النابح من الناهق الا بالفصول التي هي المشخصات المذكورة وهي في الجنس واحد مثاله في الالفاظ قمر وقرم ومرق ومقر ورمق ورقم فان المادة في الجنس واحدة ولما قلبت الكلمة تغير المعنى تغيرا عظيما ولم يختلف فيها الا الوضع وكذا قمر وقم في الكم الذي هو القلة والكثرة والحاصل انك اذا اخذت حصة من الحيوان صلح لما شئت من انواع الحيوانات باختلاف الفصول فكذلك الوجود لو تنزل بذاته لم يكن اياه وان كانت تنزلاته بمظاهره التي هي افعاله وآثار افعاله لم تكن هذه الكثرات هوية واحدة فافهم ويأتي تتمة البيان انشاء الله تعالى
وقوله { توسلا الى مبدء المبادي واول الاوائل } ان اراد به التعبير للتفهيم على جهة المجاز فلا بأس الا انه قد يحصل به لبس على كثير من الناظرين في كلامه لانهم لايفهمون منه الا الحقيقة وان اراد به الحقيقة منعه قوله تعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد فان مبدء المبادي مساو للمبادي في المبدئية او متحد بها على رأي المصنف من اتحاد المتضايفين على اي معنى فرض في المبدء وكذلك اول الاوائل وانما انبه على هذا ومثله ليعلم مذهبه لان مذهبه ذلك ولو كان القائل لهذا الكلام مثلا انا لم يعترض علي لاني لا ارى هذا الرأي وانما اقول كما قال امير المؤمنين عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فيحمل كلامي اما على المجاز او على ان مرادي بمبدء المبادي واول الاوائل المخلوق الاول
قال : { وعلومنا هذه ليست من المجادلات الكلامية ولا من التقليدات العامية ولا من الانظار الحكمية البحثية والمغالطات النفسية ولا من التخيلات الصوفية بل هي من البرهانات الكشفية التي شهد بصحتها كتاب الله وسنة نبيه (ص) واحاديث اهل بيت النبوة والولاية والحكمة سلام الله عليه وعليهم اجمعين وجعلت هذه الرسالة مطوية على فاتحة وموقفين كل منها مشتمل على مشاعر سميتها بها لمناسبة بين الفحوى والظاهر والعلن والسر مستعينا بالله ومستمدا من اهل ملكوته }
اقول : كلامه هذا ذكره سابقا وهذه الدعوى انا احب ان تعرضها على عقلك واياك ان تنظر الى من قال فتقول في نفسك هذا فاضل العصر وواحد الدهر كيف يجوز ان تقع منه مثل هذه الاغلاط والهفوات البينة فتكابر عقلك حتى يدعوك الحال الى تأويل ما قال وتصحيحه وان لم يدل عليه كلامه بل تنظر الى ما قال وانا اذكر لك الأن قوله الاتي : قال فانك اذا فرضت بسيطا هو ج مثلا وقلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتى تكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب والسلب شيئا واحدا ولزم ان يكون كل من عقل الانسان عقل ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك فظهر وتحقق ان موضوع الجيمية مغاير لموضوع انه ليس ب ولو بحسب الذهن فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا وجهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الاشياء انتهى فاسالك بالله هل كلامه هذا من البراهين التي يشهد لها الكتاب والسنة واحاديث الائمة عليهم السلام ام من الانظار الحكمية البحثية والمغالطات النفسية فان قلت بالاول فانا اسأل الله سبحانه ان يصلح لك وجدانك فاذا لم يكن كلامه هذا من الانظار الحكمية البحثية فما الانظار الحكمية البحثية وكل رسالته من هذا القبيل الذي نفاه وابطله ثم اقول في بعض نقض كلامه هذا : بسيط الحقيقة هو الذي فرض معه شيء غيره ولم ينف عنه لئلا تتركب حقيقته من الاثبات والنفي ام هو الذي لم ينف عنه شيء لانه لم يكن معه شيء في رتبته فان كان بسيط الحقيقة هو الذي معه شيء غيره ولم ينف عنه فهذا مركب وان نفي عنه ذلك الغير لم يكن ذلك البسيط كل شيء اذ لا شيء الا المنفي فيتركب من الاثبات والنفي وان كان هو الذي لم ينف عنه شيء لعدم وجود شيء في رتبته فهذا بسيط الحقيقة ولكن اي شيء يكون هو كله ثم الاشياء كلها صنعه منها ما كان ومنها ما سيكون ومنها ما لا يكون وان كان ممكنا ومنها حق ومنها باطل ومنها طيب ومنها خبيث وكل شيء من هذه انما هو شيء بما هو هو من طيب وخبث وحق وباطل وكون وعدم فعلى قوله بعكس النقيض هو كل ما كونه وما لم يكونه وكل حسن وكل قبيح وايضا النفي لا يكون قيدا للثابت الا اذا اخذ قيدا للاثبات الذي هو الايجاد ليتحقق التركيب في الحقيقة لا النفي الذي هو لنفي شيء ليتميز آخر عند المميز كما في الصفات السلبية ولذا قال امير المؤمنين عليه السلم لكميل محو الموهوم وصحو المعلوم فافهم ويأتي انشاء الله تعالى كمال البيان في محله فعكس النقيض الذي ذكره مبني على ما نفاه من التقليدات والمغالطات والتخيلات والمصنف كان حيا من الاشياء مجتمع الاجزاء والأن هو ميت متفرق الاجزاء فيدخل باحواله المتغيرة في تلك الاشياء فان مثل التغيرات بامواج البحر بالنسبة الى البحر كما يلحدون فيه فهل التغيرات من الاشياء حال تغيراتها وانما هي شيء بما هي تغيرات فان جعلها موهومة فكل محدث موهوم هو وما يلحق هو به من الوجود وما كلامه الا كما ذكره ابن عربي في الفصوص في قوله :
ولولاه ولولانا لما كان الذي كانا
الى ان قال :
وغذ خلقه منه تكن روحا وريحانا
فاعطيناه ما يبدو به فينا واعطانا
على ان معنى كونه كل الاشياء يرجع الى احد امرين اما ان يكون هو كل الاشياء من حيث غيره بما فيها من نقائص الامكان لان هذه النقائص ايضا من الاشياء واما ان يكون كل الاشياء لا من حيث الاشياء او من حيث لا اشياء ولا مغاير بوجه ما ولايعلم سبحانه شيئا سواه وكلها باطلة فيبطل المعنى على الاولين واللفظ على الثالث وليس هذا موضع الكلام على ما ذكره وانما ذكرناه على قوله ان ما يذكره يشهد له الكتاب والسنة وليس من الانظار الحكمية البحثية ثم انظر فيما ذكرته لاي القولين يشهد الكتاب والسنة واحاديثهم عليهم السلم وقوله { لمناسبة بين الفحوي والظاهر } الفحوي هو المعنى واستعمله في معنى الاشارة
وقوله { مستمدا من اهل ملكوته } الملكوت مبالغة في الملك وهو عند العرفاء يستعملونه غالبا في عالم النفوس واما الجبروت فالاكثرون يطلقونه على عالم العقول وبعضهم يطلقه على مجموع الملك والملكوت ومنهم من يعكس فيجعل الملكوت اعلى من الجبروت ويستعمل الملكوت كثيرا في القرءان والاخبار على زمام الشيء الذي به قوامه والمراد به هنا عند المصنف العقل الفعال يعني به الحق المخلوق به ويأتي انشاء الله تعالى الكلام فيه في محله زيادة على ما تقدم
قال : الفاتحة - في تحقيق مفهوم الوجود واحكامه واثبات حقيقته واحواله وفيه مشاعر
اقول : يريد بمفهوم الوجود ما هو اعم من الاصطلاحي يعني معلوميته بما ذكر من بيانه بانه حقيقة كل شيء وانه ليس المراد به الامر الانتزاعي الذهني وما اشبه ذلك وعلى هذا المعنى يراد بالمفهوم هو المعنى الخارجي وباحكامه مثل قوله انه حقيقة كل شيء وما اشبه ذلك من كونه منبسطا على جميع الحقائق مع توحده في نفسه من غير لزوم كثرة في ذاته وباثبات حقيقته مثل قوله لو لم يكن الوجود موجودا لم يكن شيء من الاشياء موجودا وباحواله مثل كيفية شموله للاشياء ويأتي الكلام فيها انشاء الله تعالى
قال : { المشعر الاول - في بيان انه غني عن التعريف انية الوجود اجلى الاشياء حضورا وكشفا وماهيته اخفاها تصورا واكتناها ومفهومه اغني الاشياء عن التعريف ظهورا ووضوحا واعمها شمولا وهويته اخص الخواص تعينا وتشخصا اذ به يتشخص كل متشخص ويتعين كل متعين متخصص وهو متشخص بذاته متعين بنفسه كما ستعلم}
اقول : الانية للشيء حقيقته بلحاظ كونه ثابتا حاقا فهو اجلي الاشياء يعني انه ابينها واظهرها حضورا وكشفا لان الحضور والكشف انما هو بالموجودية التي هي اثر الوجود
وماهية الشيء ما به يجاب عن السؤال بما هو من حقيقته اما بحده الحقيقي او بحقيقته المعلومة بالبداهة فماهية الوجود التي هي كنهه وحقيقته المسئول عنها اخفي الاشياء وابعدها عن العقول والافهام تصورا واكتناها لان الشيء اذا اردت تصوره لا بد ان يتوجه عقلك او خيالك الى جهته التي يحل فيها ورتبته من الوجود ويتمثل هيئته التي بها يمتاز عن غيره فاذا كان الشيء هو الوجود فارادتك وعقلك وتوجهه والجهة او الرتبة والتمثل والهيئة والامتياز والغير وما اشبه ذلك ليست غير الوجود فاي شيء تطلب فهو الطالب والمطلوب والطلب
ومفهوم الشيء ما يفهم من اطلاق لفظ اسمه خاصة باعتبار دلالة مادته وهيئته الموضوعين بازاء معناه الذهني الانتزاعي لمراعاة المناسبة لمعناه الخارجي الذي لاجله التأليف ولاجله الوضع وقد يستعمل في المعنى الذي وضع اللفظ بازائه وهو مراده هنا فمفهومه اغنى الاشياء عن التعريف لان كل ما سواه لا يعرف الا به ولا يظهر ولا يتضح الا به
واعمها شمولا لان كل شيء هو شيء ان كان موجودا وان لم يكن موجودا فليس شيئا فقوله اعمها اي الاشياء شمولا انما يصح على قولي بان كل شيء موجود واما على قوله بان الشيء اعم من الوجود فيكون الشيء اعم من الوجود شمولا
وهوية الشيء هي حقيقته المشار اليها بهاء التثبيتية الدالة باصل الوضع على تثبيت الثابت وبالواو الدالة على الغيبة عن الحواس فهوية الشيء حقيقته المميزة بالاشارتين فهوية الوجود اخص الخواص تعينا وتشخصا لان تعينه وتشخصه من ذاته بمعنى ان تعينه وتشخصه ليس من غيره وتعين غيره وتشخصه منه وهو قول المصنف اذ به يتشخص كل متشخص ويتعين كل متعين لان التشخص والتعين قوة ظهور المتشخص والمتعين وشدته وهما مقابلان للخفاء والضعف اللذين سري فيهما الفقد والعدم وهذا ظاهر وفي ذكره الانية والماهية والكنه بعنوان المغايرة فيه نظر الا انه لا فائدة كثيرة في بيان ذلك
قال : { واما انه لا يمكن تعريفه فلان التعريف انما يكون بالحد والرسم ولا يمكن تعريفه بالحد حيث لا جنس له فلا فصل له فلا حد له ولا بالرسم اذ لا يمكن ادراكه بما هو اظهر منه واشهر ولا بصورة مساوية له فمن رام تعريفه فقد اخطأ اذ قد عرفه بما هو اخفي اللهم الا ان يريد تنبيها واخطارا بالبال وبالجملة تعريفا لفظيا }
اقول : يريد بقوله { انه لا يمكن تعريفه } لما يلزم من ذلك فان ما يعرف به الوجود ان كان وجودا لزم تعريف الشيء بما لايعرف الا به او تعريفه بنفسه فيلزم الدور وان كان غير وجود لزم تعريف الشيء بما ينافيه فيكون سترا له لا كشفا له فلا يكون تعريفه ممكنا ولان التعريف ان كان بالحد تاما او ناقصا لا بد فيه من الجامع وهو الجنس قريبا او بعيدا فيكون جامعا له ولغيره ولا شيء غير الوجود يدخل معه ولا يدخل فيه مع غيره الا العدم ولا يجمع المتنافيين جامع والفصل المانع موقوف على وجود الجامع وكذا تعريفه بصورة مساوية له فان حصول الصورة المساوية له موقوف على ثبوت غير الا ان يعرف بعض مظاهره ببعض لاجل التنبيه كما قال تعريفا لفظيا واعلم ان المصنف يريد من الوجود معنى غير ما يريده اكثر الباحثين عنه لانه يريد به الوجود المطلق الصادق على الواجب والحادث صدقا حقيقيا ذاتيا وهو حقيقة واحدة وكلامنا في الوجود الحادث وان الوجود المطلق بالمعنى الذي عناه باطل ونحن نلاحظ في الكلام على كلامه ما يصح عندنا فقد يوافقه لفظا وقد يخالفه لانه يعني بهذه الابحاث الواجب عز وجل ومع هذا بني مباحث اعتقاده على ما نفاه سابقا من الانظار الحكمية البحثية التي نفاها مرتين ولم يخرج عنها طرفة عين وانما يتعمق فيما قالوه بما قالوه فانه يتعمق في تصحيح احكام القضايا من حمل محمولاتها على موضوعاتها فيما لم يثبت موضوعه او محموله الا في الاعتبار الذي هو ليس شيئا الا في الذهن وان ما في الذهن ليس منتزعا من خارج بل هو وجود ذهني مستقل فيحمل بزعمه على الممتنع والحمل لا يصح الا على موجود ودعوى وجوده في الذهن تكذب القضية لانه ان وجد في الذهن فليس ممتنعا بل هو ممكن فاذا قيل مثلا شريك الباري ممتنع ان كان موجودا في الذهن كذبت القضية وان لم يكن موجودا بطل الحمل وان كان باعتبار الخارج في الامتناع فليس في الخارج ممتنع ولو سلم فيه امتناع لم يكن موضوعا مع انا قد بينا ان ما في الذهن لا يكون الا انتزاعيا وان الانتزاعي ظل لايتقوم الا بذات في الخارج الذي هو ذو الظل فيكون الشريك ممكنا ولو سلمنا ان ما في الذهن مستقل فهو ممكن لا ممتنع وكذا حمل ما هو اعتباري عدمي على موجود ويرتبون عليه احكام وجودية خارجية والحاصل ان معرفة الله سبحانه ومعرفة الاشياء كما هي في اصل البدء لاينال شيء من ذلك بالقوانين المنطقية لان المنطق مبني على مدارك عقولهم الاكتسابية وعلى ما يفهمون من دلالة الالفاظ والالفاظ وضعها الله سبحانه وتعالى بعلمه كما اطلع عليه اهل العصمة عليهم السلام وقد اخبروا انها على سبعين وجها واللغة التي يتعاطونها الناس وبني عليها علم المنطق وجه واحد من سبعين فكيف يكون عقل اسسوا مداركه على وجه واحد من سبعين يعرف شيئا اصله مبني على سبعين وجها وستقف على ما يصدق مقالي هذا كله انشاء الله تعالى فاول ما يرد على تعريف الوجود انه اذا كان كل وجود وماهية شيئا واحدا في الخارج عند المصنف وان تغايرا في الذهن وقد قال : ان تصور الشيء مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا له في العين ويراد من حصول معناه ان حقيقته تكون في الذهن معراة عن العوارض الخارجية وما العوارض الخارجية على ما حققناه وسنذكره انشاء الله تعالى الا الماهية او متمماتها فلم يبق من الشيء بعد العوارض الخارجية الا حقيقته وهي الوجود لانه حقيقة كل شيء فاذا جاز نقل الماهية الخارجية الى الذهن بعد طرح عوارضها الخارجية مع ان الذهن ووجوده مغاير لها جاز نقل الوجود اليه بعد طرح ما يعرض له خارجا بحقيقته مع ان الذهن ووجوده غير مغاير له كما اشرنا اليه ونشير فيجري عليه ما يجري على غيره لوجود الجنس والفصل لتعدد انواعه واما على ما نريد من الوجود الذهني بانه انتزاعي ظلي فما فيه من الماهية كما فيه من الوجود فحكمه فيه حكم غيره فيه
ثم اذا كان عنده الوجود حقيقة كل شيء وهو حقيقة واحدة وعنده اكثر الاشياء يجوز تعريفها ولا شك ان المعرف حصة من تلك الحقيقة فيلزمه تعريف الحق تعالى بالحد والرسم فان قال النقوش الكثيرة حادثة قيل له ان كانت بعينها هي الوحدة البسيطة بغير تحييث وقع التحديد وان كانت من حيث الوحدة البسيطة فليس الوجود من هذه الحيثية لم يكن كل الاشياء والعوارض الموجبة للكثرة من الاشياء وان كانت لاحقة للمراتب والا كانت الوحدة من حيث هي وحدة كثرة والكثرة من حيث هي كثرة وحدة وتعدد الاعتبارات انما تجري على مختلف الجهات والاحوال وقوله انه شامل للاشياء شمولا لا يعرفه الا العلماء الراسخون مصرح بانها غيره وذلك مناف لكونه كل الاشياء فان ابان التنزلات والكثرات والمراتب من الحقيقة وفصلها عنها وميزها باي اعتبار صح الشمول ووقع التحديد وان جعلها اعداما بطل السريان والشمول والكلية المدعاة والاعتباريات ان حكم عليها بالعدم بطل الشمول والكلية وان حكم بالوجود وقع التحديد فتفهم هذه العبارات ومعانيها فانها لم يكن فيها شيء من دليل المجادلة بالتي هي احسن كما هو مقرر في علم المنطق وما يشبهه لان المطالب الالهية والمعارف الربانية لا تدرك بدليل المجادلة بالتي هي احسن وانما تدرك وتعرف بدليل الحكمة وهو هذا الذي تسمع مما كتبت لك فانك اذا نظرت في كلام ائمة الهدى عليهم السلم وجدته من نمط ما كتبت لك لا من نمط ما كتب المصنف بل لا يكاد يوجد حرف في احاديثهم من نمط كلام المصنف وانما هو على نمط ما كتبت لك لانه من دليل الحكمة والله سبحانه جعل الادلة ثلاثة فقال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فدليل الحكمة آلة المعارف الحقيقية كما تسمع من كلامي والمجادلة ما يذكرون في كتب علم الكلام من الحدود والبراهين والاقيسة وهي الة اسكات الخصم واستنباط الاحكام الشرعية الفرعية ودليل الموعظة الحسنة مثل ان احتج عليك بان الائمة عليهم السلام علماء حكماء اتقياء ناصحون مؤيدون من الله سبحانه فلا يقع منهم سهو ولا غفلة ولا جهل ولا يزيغون عن الصواب في حال امر الله العباد باتباعهم والاخذ عنهم والرد اليهم فالراد عليهم راد على الله سبحانه لا يسع العباد ترك شيء مما ذكرت لك في حقهم فاذا كنت ممن يشهد بكل هذا وامثاله ويدين الله به في الدنيا والاخرة فلم تركت طريقتهم والتشبه بهم وقد قالوا نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا واتبعت غيرهم وتشبهت بهم في العبارات وان كنت تزعم اني ما اقول الا بقولهم ولكن هذا لا تصدق الا بالفعل لا بالقول فقد روي عنهم عليهم السلام ان كل ذي يقين فانه يرى يقينه في عمله فان قطعت وتيقنت ان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم والنجاة في اتباعهم والتشبه بسيرتهم وجدناك في الاعتقاد والتعبير عن ذلك الاعتقاد متبعا لهم والا فلا لان كل ما تطمئن اليه تتبعه ولسان الحال اصدق من لسان المقال فاحتجاجي عليك بهذا النمط من دليل الموعظة الحسنة ومنه قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد ولو كانت طريقة اهل علم الحكمة المعروفة والمنطق وامثالهما مما يوصل الى الحق من الطريق الاقرب لاستعملوه اهل البيت عليهم السلام لانهم لا يجهلونه وانما عدلوا عنه الى دليل الحكمة لكون ذلك كثير الاغلاط ومنشأ للشبه وصارفا للانظار عن الامور الوجدانية الى المفاهيم اللفظية والتخيلية التي لا تغني من الحق شيئا ولو صح منها شيء اوصل الى الحق بالطريق البعيد المشتمل على الظلمات والشبهات فافهم فان فهمت ما القيت اليك والا فقد تركت مقتضى فطرتك الاولى التي فطرت عليها واخذت بمقتضى الفطرة الثانية المكتسبة المغيرة لفطرة الله التي فطر الناس عليها فان مقتضى هذه الطينة المصنوعة بغير صنع الله اصله تقليد لمقلد لمن هو مقلد لمقلد وهكذا كما قال امير المؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه ولا تقل ان
كلا يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
فاني اقول :
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكا
ولقد رأيت في المنام علي بن محمد الهادي عليه وعلى ابائه وابنائه الطاهرين السلام وقد كنت تجادلت مع بعض المشائخ في النهار فلما رأيته شكوت له ما كان فقال عليه السلام دعهم وامض فيما انت فيه ثم اخرج الى اثني عشرة اجازة وقال هذه اجازاتنا الاثني عشر وانا اقول كما قال الله سبحانه ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون والحاصل انك اذا نظرت الى ما ذكرنا سابقا ونذكر ولم تهمل كلام ائمة الهدى عليهم السلام مثل قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لايعلم الا بما ههنا وقول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك ه ونظرت الى زيد وجدت انه وجود وماهية وتعريف حقيقته تعريف وجوده وماهيته وتعريفه عندك بالحد الحقيقي انه حيوان ناطق فالحصة الحيوانية مادته وهي وجوده والحصة الناطقية صورته وهي ماهيته الاولى فزيد مركب من وجود وماهية اي من مادة وصورة يعني حصة من الحيوان وحصة من الناطق وهذا المعنى هو المروي عن ائمتك عليهم السلام فان كنت تعتقد فيهم انهم يعرفون الحكمة فخذها عنهم نقية صافية فان قلت اين ذلك من كلامهم فاقول ان فهم كلامهم على من لا ينظر الا في قول الحكماء ولا يعرف الا اصطلاحهم صعب مستصعب ولكني اذكره لك لكن اولا تعرف اني اذا قلت لك صغت خاتما من فضة ان الفضة هي مادة الخاتم واذا قلت عملت سريرا من الخشب ان الخشب هو المادة وضابطه ان الذي تدخل عليه لفظة من هو المادة فاذا عرفت هذا قلت لك قال جعفر بن محمد عليهما السلم ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ثم استشهد عليه السلم بقول جده عليه السلام فقال وهو قول امير المؤمنين عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يعني بنوره الذي خلق منه انتهى كلامه عليه السلم فقوله عليه السلام من نوره المراد بالنور الذي خلق منه المؤمن هو الوجود لان لفظة { من } دخلت عليه فهو المادة ثم بينه فقال يعني بنوره الذي خلق منه وهو خلق من الوجود وهو المادة وهي الحصة من الحيوان وقوله عليه السلم وصبغهم في رحمته يريد به ما صورهم عليه من صورة طاعته فان تصويره لهم بصورة طاعتهم له هي صبغه لهم في رحمته ولو كان المخلوق كافرا او منافقا صبغه في غضبه وهو تصويره اياه بصورة معصيته وهذه الصورة هي الماهية الاولى من الخلق الثاني وهي حصة من الناطقية الانسانية للمؤمن وان كان كافرا او منافقا فحصته الناطقية شيطانية فالوجود هو الطينة التي خلق منها كل شيء وقد اصطلحوا على تسميتها باعتبار احوالها تسهيلا لادراك المعنى واختصارا للتعبير فباعتبار كونها جزءا للمركب تسمى ركنا وباعتبار ابتداء التركيب منها تسمى عنصرا وباعتبار انتهاء التحلل اليه يسمى استقصا وباعتبار كونها قابلة للصور الغير المعينة تسمى هيولي وباعتبار قبولها للصورة المعينة تسمى مادة وباعتبار كون المركب مأخوذا منها تسمى اصلا وباعتبار كونها محلا للصور المعينة بالفعل تسمى موضوعا وهي في الحقيقة شيء واحد وهي الطينة وهي الماء وهي الوجود والمراد منها هو الوجود الذي احدثه الله لا من شيء وهو اثر فعله التكويني ومتعلقه ولم يكون سبحانه بفعله التكويني ابتداء غيره ثم قسمه على اربعة عشر قسما فبقي نازلا في مراتب اجابته وطاعته يسبحه ويحمده ويهلله ويكبره الف دهر كل دهر فيما ظهر لي مائة الف سنة ثم كون من شعاع ذاته جميع الذوات المجردة التي هي ارواح انبيائه عليهم السلام مائة الف واربعة وعشرين ( عشرون خل ) الف قطرة ثم كون من شعاع هذه الذوات ذوات من دونها وهكذا كما ذكر وخلق من هيئات الوجود الاول الذي هو الذوات الاربعةعشر صفات الذوات المجردات التي هي مائة الف واربعة وعشرون الفا واعراضها ومن شعاع هيئاتها هيئات من دونها وهكذا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وهذه الطينة التي هي الوجود في جميع احوالها التي اصطلحوا على تسميتها في كل حال باسم والى نهايات تنزلاتها وما يتفرع منها من الصفات والاعراض ليس في الكون غيره وغير معيناته ومشخصاته التي احدثها الله سبحانه من شعاعها او من اظلتها وعكوسها وكلها مما يمكن تعريف بعضه ببعض وانما احالوا تعريفه لانه عندهم انه شيء واحد بسيط لا يستند الى غيره ويستند كل ما سواه اليه وهذه التكثرات مظاهره وتنزلاته ومقاماته ولكن وحدته وبساطته قد طوت هذه الكثرات ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل في وحدة فلا يمكن تعريفه وقد تقدم ما فيه كفاية في الجواب عن هذه الاوهام المتقومة بالمغالطات الواقعة في كلامهم وان لم يشعروا بها فان شموله لها الذي اشرنا اليه مجملا على رأي المصنف هو كشمول الخشب للسرير والباب والصنم لانه هو وجودها وانما تعدد بتعدد الصور فيكون الشمول انما تحقق بتكثر الماهيات التي لم تتحقق الا بالحصص الوجودية المتغايرة بتغايرها الموجبة لصحة التحديد والموهومة ان كانت موجودة ولو بنسبة حالها ومتحققة كذلك حصصته وكثرت افراده وجرى عليه ما يجري على غيره والا فلا كثرة ولا شمول ولا كلية كما تقدم لكن الواقع والضرورة حاكمان بالكثرة فيقع التحديد
وتدبر معاني هذا الكلام وما قبله فانه ليس فيه شيء من الابحاث التي ذكرها بل كلها ضروريات وجدانية ومحسوسة واما الابحاث فيحصل فيها مقدمات صناعية صحتها في الحقيقة راجعة الى صحة ترتيبها على القواعد المقررة وان خالفت الواقع مثل ما ذكرنا من استدلال المصنف على ان العقل وما فوقه بسيط الحقيقة وهو باعتبار ظاهر اللفظ صحيح لكن العقل بالنسبة الى الاجسام بسيط والله سبحانه بالنسبة الى الاجسام بسيط فاذا كان الله بسيط الحقيقة والعقل بسيط الحقيقة وكل بسيط الحقيقة كل الاشياء والا لتركب الشيء الذي فرض بسيطا من ذاته ومن نفي غيره هف فرجع تصحيح المقدمة على لفظ البسيط وتصحيح كونه كل الاشياء على فرض غيره معه ليلزم اما انه مركب من ذاته ومن نفي الغير وهو غير جائز واما كونه كل ما سواه وقد بينا سابقا ان المصنوع كيف يكون بسيطا وهو مؤلف لا اقل من مادة وصورة فلا تصح بساطة العقل وما فوقه من المخلوقات كما ذكرنا سابقا وكيف يكون البسيط الحق كل الاشياء ولا شيء معه لان النفي او الكلية انما يتحققان مع وجود الغير وكونها فيه بنحو اشرف يخرجه عن البساطة الحقيقية ان كان يعلم ان فيه غيره ولو بنحو اشرف وان لم يعلم فكيف يكون كل الاشياء فان قلت لم يرد ما فهمت قلت ان اراد لزمه ذلك والا فالعبارة باطلة لان صحة الاستدلال بعكس النقيض موقوفة على كونها في ذاته ولم تغاير مفهوم ذاته باعتبار وان كانت غيره باعتبار لان تعدد الاعتبار لتعدد الجهات المستلزمة للتركيب وانما اطلنا الكلام لكثرة ما يترتب عليه من الفوائد
قال : { ولاني اقول ان تصور الشيء مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا له في العين وهذا يجري فيما عدا الوجود من المعاني والماهيات الكلية التي توجد تارة بوجود عيني اصيل وتارة بوجود ذهني ظلي مع انحفاظ ذاتها في كلا الوجودين وليس للوجود وجود آخر يتبدل عليه مع انحفاظ معناه خارجا وذهنا فليس لكل حقيقة وجودية الا نحو واحد من الحصول فليس للوجود وجود ذهني وما ليس له وجود ذهني فليس بكلي ولا جزئي ولا عام ولا خاص فهو في ذاته امر بسيط متشخص بذاته لا جنس له ولا فصل ولا هو ايضا جنس لشيء ولا فصل ولا نوع ولا عرض عام ولا خاص}
اقول : كلامه هذا تعليل ثان متضمن لمقدمة هي بيان حقيقة التصور ليعلم بمعرفتها عدم تصور الوجود ليرتب عليه عدم تعريفه بالحد او الرسم فقال { ان تصور الشيء مطلقا } اي سواء كان تصورا بالحقيقة او بالظاهر من جميع الاشياء لان اطلاقه يشمل الحالين اما الاول فلان مقتضى نفي المحدودية مطلقا ان يكون بتعذر طلب المحدود بحقيقته او برسمه واما الثاني اعني من جميع الاشياء فلانه بني القاعدة على الشيء الشامل لكل ما يصدق عليه ثم بين فاخبر عن مطلق التصور بانه { عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا له في العين } يريد ان المعنى من كل شيء في الجملة له حصولان لكل حصول منهما عوارض يتحصل بها فيما يناسبه من الامكنة والاوقات احدهما الحصول الخارجي بما يعرض لذلك المعنى الحاصل من العوارض المحصلة له في الخارج وثانيهما الحصول الذهني بما يعرض لذلك المعنى من العوارض المحصلة له في الذهن فكان ذلك المعنى يظهر في النفوس بلباس خيالي وفي الخارج بلباس خارجي ومعلوم ان اللابس والملبوس وجود فتلخص من هذا ان التصور عنده هو نقل المعنى الخارجي معري عن العوارض الخارجية فما في الذهن هو الحقيقة التي كانت في الخارج بعد طرح المشخصات الخارجية وهذا المعنى يعلم من قوله { حصول معناه } اي الشيء { مطابقا له } اي لذلك المعنى الذي نقل الى الذهن { في العين } الخارجية يعني الذي في النفس هو الذي في الخارج اذا عري كل واحد منهما عن عوارضه والمميز بينهما المميزات العارضة لمكانيهما ووقتيهما ولعل هذا موافق لما ذهب اليه اهل التصوف من ان الوجود الخيالي اصل للوجود الخارجي والخارجي فرعه وليعلم ان هذا الذهني غير الظلي الذهني الانتزاعي الذي هو عرضي وقد ذكرنا سابقا ان الذهني عندنا كله انتزاعي ظلي ويأتي بيان هذا انشاء الله واعلم ان المصنف ذكر هذا المعنى للوجود الذهني وهو المعروف من مذهبه فيه كما هو صريح كلامه في كتبه وفي هذا الكتاب ذكر هذا المعنى للذهني وجعل للذهني وجودا اخر كما ذكره غيره وهو الانتزاعي الظلي العرضي وجعل منه المعقولات الثانية كالشيئية والجوهرية والممكنية والانسانية والسوادية وغير ذلك واخرجها من حقيقة الوجود وعنى بالوجود المبحوث عنه المحكي بهذه الحكايات واما هي فامور اعتبارية يعني ليست من الوجود وفي كتابه الكبير جعلها من الوجود قال فيه : انهم عرفوا الحكمة بانها علم باحوال الموجودات الخارجية على ما هي عليه في الواقع وعدوا من جملة الحكمة معرفة احوال المعقولات الثانية واحوال انواع المقولات التسعة النسبية قال هذا هو الايراد لانه اورد الاشكال والجواب قال فيه ودفعه ان الوجود لكل شيء من الاشياء له مرتبة خاصة من الظهور ودرجة مخصوصة من الفعلية والحصول اي بحسب الخارج وغاية المجد والعلو هو الوجود القيومي الواجبي الذي هو محض الفعلية والكمال بلا شائبة نقص وقصور اصلا وما سواه مصحوب بالقصور والامكان الذاتيين على تفاوت مراتبهما فيهما فكلما بعد عن منبع الجود والوجوب كان قصوره اشد وامكانه اكثر الى ان ينتهي الوجود في سلسلة الجواهر الى غاية من النزول والخسة يكون وجودها الجوهري عين تقومها بالصورة الحالة فيها وفعليتها محض القوة والاستعداد ووحدتها الشخصية بعينها كثرتها الانفصالية تارة ووحدتها الاتصالية اخرى وفي سلسلة الاعراض الى عرض نحو حقيقتها ووجودها نفس التشوق والطلب والسلوك الى عرض آخر كمتي او كيف او اين او وضع على سبيل التدريج فهذا حظ ذلك العرض المسمى بالحركة من الوجود العيني انتهى فاذا عرف بان هذا مذهبه في كل عرض انه من الوجود تحقق بقدر ما قبل منه كما هو الحق عندنا فعزله في هذا الكتاب عن حقيقة الوجود لئلا يلزمه وقوع التحديد الذي نفاه فجرى هنا على الطريقة المعروفة عند المشائين وبعض المتكلمين لكنه اثبت للماهيات الكلية حصولين في الذهن غير الحصول الخارجي فانه عنده حصول الوجود لاتحادها به خارجا ولو عين بذي الحصولين الماهيات كما هو ظاهر استثنائه لما قال تصور الشيء الشامل للوجود واخراجه بالاستثناء مشعر بصحة الدخول واحتمال ارادة رفع توهم الدخول بالاستثناء يسقطه عدم الفرق بينه وبينها ودعوى انه ليس له وجودي اخر يتبدل عليه مغالطة لان الوجود هو بنفسه في الخارج والماهية هي به في الخارج كما هو عندنا وفي الذهن بالعرضي واما عنده فالوجودان للماهية في الذهن فوجودها الاصيل العيني فيه هل هو غير الوجود الذي عناه ام هو هو فان كان غيره كانت ثلاثة وان كان هو اياه فان تصورناها جردناها عن العوارض الخارجية فقد حصل الوجود في الذهن عارضا لها او معروضا على الاحتمالين وقد قال بثبوت عرضي ذهني للوجود فقد وجد الاصيل والعارض في الذهن وان عنى بالاصيل للماهية ( الماهية خل ) كما عندنا هو حصولها به في الخارج فقد كان لها خارجي اصيل وذهني فكذلك الوجود واما ان الفارق بينهما هو عينيته في الوجود ومغايرته في الماهية فهو فارق في الاحتياج والافتقار لا في الحصول في الذهن وعدمه فقد ساوت الوجود في الوجودين الذهني والخارجي مع ان الوجودي للشيء يراد منه ما هو بحسبه بحيث يترتب عليه اثاره المنسوبة اليه لذلك المقام وكذلك الوجود الذهني فانه يراد منه ما هو بحسبه بحيث يترتب عليه اثاره بنسبته كأن يحصل في النفس بمعناه او بهيئته وكونه عارضا لمعروضه او معروضا وهاتان النسبتان جاريتان في الماهية والوجود اما الماهية فظاهر كما اعترف به فوجودها الاصيل في الذهن بحقيقته فان جعل قبل في الخارج فقد نقل الى الذهن بعد طرح العوارض الخارجية لكن قولهم بعد طرح العوارض الخارجية يلزم منه وجودها في الخارج كما نقول وهم لا يقولون به والا فلا عوارض خارجية لها ووجودها الظلي معلوم واما الوجود فما المانع من نقله الى الذهن بوجوده الذي هو نفسه لانه هو معناه ولا مانع من نقل الماهية بما هي عليه عنده الا العوارض الخارجية وهي نسبية فان كان للوجود عوارض خارجية طرحت والا نقل بنفسه كما نقلت الماهية بنفسها وكون وجودها غير ذاتها غير فارق على انا نقول له اخبرنا اين ادركت الوجود حتى قلت بتفردك بمعرفته في الذهن ام في الخارج ببصرك اذ لا يخلو ادراكك له ومعرفتك به من كونه في الخارج ببصرك او في الذهن ببصيرتك
فقوله { وليس للوجود وجود اخر يتبدل عليه } فيه ان له وجودا ظليا انتزاعيا يتبدل عليه ففي الخارج وجوده نفسه بما لحقه من القيودات الخارجية وفي الذهن وجوده الظلي الانتزاعي يتبدل بما له من القيودات الذهنية كهيئة الذهن وصقالته وكبره او صغره واستقامته او اعوجاجه ولونه على ان قوله : ان الوجود يتحد بالماهية في الخارج ويعرض لها في الذهن فيه ان هذا العارض للماهية ما هو هل هو الوجود الاصيل الخارجي ام هو الانتزاعي الظلي وهذه المعروضة هي الماهية الاصيلة التي اتحدت في الخارج بالوجود بعد تعريها عن العوارض الخارجية ام هي الانتزاعية فان كان العارض هو الاصيل فله وجودان يتبدلان عليه وان كان هو الظلي فالمعروض ان كان ظليا لم تصح المقابلة لانه يقول انه يتحد بها خارجا ويعرض لها ذهنا وان كان العارض اصيلا ايضا وان كان المعروض اصيلا فالعارض لها غير المتحد بها خارجا والا لا تحد بها لوجود المقتضى وعدم المانع فلو قال ان الماهية ليس لها تارة توجد فيها بمعناها ووجودها الاصيل وانما ينزع منها ما به تحققها وتلبس الظلي الانتزاعي لكان له ان يقول ما به تحققها غير نفسها فاذا نزع بقي لها اعتبار اذا كسى بالانتزاعي الظلي ظهرت به في الذهن بخلاف الوجود فان ما به تحققه نفسه فاذا نزع نفسه لم يبق شيء ليكسى بالظلي فليس له وجود اخر لكنه قائل بانها توجد تارة بوجود اصيل وتارة بوجود ظلي ولا ريب ان الاصيل لها ليس الا ما هي به شيء في التحقق والواقع فكما توجد تارة به يوجد الوجود تارة بما به هو شيء في التحقق والواقع وتارة توجد بظلي وهو تارة يوجد بظلي مع انحفاظ معناه في الوجودين وان كان في الاصيل هو نفسه بل ولو قلنا بان كل ذهني فهو انتزاعي كما هو عندنا وان الماهية موجودة في الخارج فانا اذا انتزعنا الهيئة الحاكية بالذهن من الماهية او الوجود كان معنى المنتزع محفوظا في الوجودين الخارجي بالاصيل والذهني بالانتزاعي وكذا في كل حقيقة وجودية لا فرق بين شيء منها ولا سيما على ما حققناه من ان الوجود هو الهيولي والمادة ومن انه لا يتحقق في الخارج الا بمقوم يقومه وهو الماهية والصورة ومن ان المراد بهذا الوجود هو الحادث لا الواجب ولا المطلق ومن ان كل ما يذكرون له تحديدا فانه من هذا الوجود كما صرح به في كتابه الكبير بان كل شيء من الجواهر والاعراض النسبية كالتسعة المقولات وغيرها كالمعقولات الثانية وغيرها وجودات كما تقدم من كلامه المنقول فلكل حقيقة وجودية نحوان من الحصول يتبدلان عليها مع انحفاظ ذاتها في كلا الحصولين فكل حصول يحفظها في مقامه فللوجود وجود ذهني وله كلي وجزئي وكل وجزؤ وعام وخاص
وقوله { فهو في ذاته امر بسيط } لا ريب فيه فان كل هيولي امر بسيط كالخشب فانه بسيط بلحاظ حقيقته ولكنه مركب من المادة والصورة النوعية لا يظهر في عالم الكون الا مركبا ثم هو بسيط في حقيقته الخشبية متكثر في الباب والسرير بورود الصور الشخصية على حصصه والوجود امر بسيط بلحاظ حقيقته ولكنه مركب من مادته وصورته النوعية او الجنسية متكثر في زيد وعمرو بورود الصور الشخصية على تلك الحصص فافهم
وقوله { متشخص بذاته } ان اراد به القديم فليس كلامنا فيه وان اراد به الحادث فما معنى تشخصه بذاته وهو له اعتباران اعتبار من ربه واعتبار من نفسه وهذا هو هويته وماهيته كما تقدم وقوله { لا جنس له ولا فصل } مبني على انه يريد به الوجود المطلق الصادق على الواجب والممكن وقد ذكرنا ان هذا معنى باطل لا يبتني على قواعد المسلمين ولا تقل كل علماء المسلمين انما يتكلمون عليه بهذا لان كل من تكلم فيه بهذا النحو فهو ممن لا يفهم ما يقول وانما سمع كلاما اصله مبني على غير ملة الاسلام ولم يفهم منافاته لقواعد الاسلام لان التفاته الى ان هذا قول اهل التحقيق والعلم واكابر المتبحرين في العلوم فغطى على بصيرته فاذا اردت ان تعرف صدق قولي فانظر في كلامهم مع قطع النظر عن كونه كلام اولئك الاعلام وعن الرجوع الى القواعد التي قرروها فانك تعرف حقية قولي واما اذا اعتمدت على قواعدهم وترى ان الحق ما وافقها فانت مقلد لهم ولا كلام مع المقلد فاذا اثبت ان الوجود يصدق على الحادث والقديم فلا شك ان الحقيقة الصادقة على القديم يجب فيها جميع ما ذكر المصنف ولكن ما تصح فيه تلك الاوصاف حتى صح اطلاقه على الله سبحانه يصدق عليك ويكون حقيقة لك بحيث تتحد به في الخارج وان اختلفتما من حيث المفهوم فهل ترى بذلك انت راض فان الذي يرضى به يقول انا الله بلا انا فان هؤلاء يقولون كما يقول شاعرهم :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
والحاصل ان كلامنا ليس على الوجود الحق تعالى وعلى الوجود المطلق لانه داع الى ما هو اسوء حالا لان تحقيق تحققه موجب للقول بحدوث الواجب او بوجوب الحادث ومبني على انه اعم العام لانه عند المحققين مطابق للشيء فلا شيء اعم منه ليكون جنسا له لكنا نقول افراده وجودات تدخل تحت اجناسها
بقي معنى التصور عندنا هو طلب الصورة ولا يراد منها حقيقة المتصور بل صورته وهو عندنا بجميع اقسامه انتزاعي ظلي في حقنا وهو الذي عليه اساطين الحكماء الاوائل الاخذين عن الانبياء عليهم السلم لان من اتى بعدهم لم يفهم مرادهم ونحن ولله الحمد انما فهمنا مراد الانبياء عليهم السلم بتعليم ائمتنا ائمة الهدى عليهم السلم والمستفاد من الكتاب والسنة والصريح من التعقل المكتسب منهم عليهم السلم ان العقل لا يحصل فيه بلا واسطة الا المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصور الاسية والنفسية والمثالية وان التصور هو تحصيل الصورة في الخيال الذي هو بمنزلة فلك الزهرة في العالم الكبير ويقرره في العلم الذي هو بمنزلة فلك المشتري ويخزنه في النفس التي هي بمنزلة الكرسي والخيال مرءاة النفس فتقابل بمرءاتها ما في اللوح الذي تكتبه الملائكة تشرف عليه من احد تلك الابواب وتطلع عليه فينتقش فيها صورته وتلك الابواب التي منها المطلع رؤية الشيء او اسمه او سماع اسمه او لمس الشيء او شمه او ذوقه او تخيله فتنطبع في الخيال تلك الصورة المنفصلة عن الشيء القائمة به قيام صدور وهذا مادة الصورة الخيالية واما صورتها فهي صورة الخيال من كبر او صغر وبياض او سواد واستقامة او اعوجاج وصفاء او كدورة وهذه الصورة هي ظل ذلك الشيء وشبحه وبنسبة صلاح مرءاة الخيال وعدمه تنطبع تلك الصورة ولا تكون الا منتزعة من خارجي موجود في الغيب كبحر الزيبق ورجل له الف رأس او في الشهادة كما كنتم تعرفون لا ان النفس لها قوة اختراع الصور وانها حقائق تلك الاشياء لا اظلة واشباح كما عند كثير ممن يثبت الوجود الذهني ولا انها اشياء ثابتة في الخارج لا في الذهن وان شاهدها الذهن كما عند من لم يثبت الوجود الذهني بل هي موجودة كما اشار اليه سبحانه في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فان شيء نكرة في سياق النفي وهي من صيغ العموم فان كانت صورة رجل له الف رأس شيئا فهي في خزائنها عند الله سبحانه وما ينزلها في ذهنك الا بقدر معلوم وان لم تكن شيئا فالنفس ما اخترعت شيئا وكلام اهل البيت عليهم السلم دال على ذلك صريحا فمنه ما رواه الصدوق في اول كتابه علل الشرائع بسنده عن ابي الحسن الرضا عليه السلم قال قلت له لم خلق الله عز وجل الخلق على انواع شتي ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه فاذا اراد الله تعالى انزال صورة في وهم احد من خلقه قدر له بعمل عبده وارادته او جبلته ان يلتفت بمرءاة نفسه الى جهة ذي الصورة المعلومة فتنتقش في ذهنه باقلام الملائكة الثلاثة الموكلين بتلك الصورة وهم سيمون وشمعون وزيتون واقلامهم هم الملائكة الموكلون بخدمتهم وامتثال اوامرهم وهم اجمعون في فلك عطارد فافهم فلو قال العارف بما قلنا ان التصور للشيء عبارة عن حصول معناه في النفس اراد بالمعنى ما يستدل به من الصورة على معناه او على حذف مضاف اي معنى صورته يعني كيفية هندستها ومقاديرها والوانها واحوالها واما من لم يعرف ما قلنا فيريد من هذا الكلام نقل معناه الى الذهن مجردا عن العوارض الخارجية او انه يريد به انتزاع الذهن من نفس الذات مع عدم ملاحظة شيء غيرها او يريد ان ما انتزعه من الذات الخارجية من حيث ملاحظتها يسمى ذاتيا واصيلا ومن حيث ملاحظة كونه منتزعا يسمى عرضيا وقول المصنف مطابقا لما في العين يريد التصور الصحيح ومعنى مطابقته عندهم ان التصور مطابق لذي الصورة وتحقيقه عندنا ان المنتقش في مرءاة الخيال صورته المنفصلة القائمة به قيام صدور لا المتصلة به فان المتصلة لا تفارقه ولو كانت هي المتصلة لكان اذا رأيت زيدا ثم غاب عنك كلما انتقل الى حال غير ما رأيته عليه تغير ما في خيالك الى ما انتقل اليه وهذا بخلاف الوجدان والضرورة وبيان ما اشرنا اليه انك اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد يوم الجمعة كتبت الملائكة الحفظة ذلك في غيب المسجد وغيب يوم الجمعة فاذا اردت ان تذكر ذلك في كل وقت ما دمت حيا التفت بمرءاة خيالك الى غيب المسجد وغيب يوم الجمعة وجدت مثال زيد هناك يصلي تلك الصلوة التي رأيته فيها لا غيرها فترتسم في خيالك تلك الصورة بتلك الهيئة في ذلك المكان والوقت سواء كان زيد في ذلك المكان ام لا بتلك الهيئة ام لا قاعدا ام ماشيا ام نائما حيا ام ميتا فلا تكون مطابقة للعين وانما هي مطابقة للحال التي وجدته عليها
وقوله { فليس بكلي } الخ هذا ما اراد وتقرر واما عندنا فهو كلي له امثال جزئية لا افراد وهو كل له اجزاء هي ابدال له لا ابعاض وهو جزئي لانه فرد من جملة افراد ممكنة من كلي امكانه وهو جزء لانه ركن للشيء على ما اشرنا اليه وهو عام لانه يعطي ما تحته من امثاله اسمه وهو خاص لانه متعين
اما انه كلي فلانه نور واحد تنزل بامثاله واشباحه فاعطاها اسمه ففي نفس الامر نسبته الى امثاله على نسبة الكلي الى افراده يعني ان الكلي ظلي منتزع من افراده لا تحقق له الا بها وانما قيل انه يعطي ما تحته اسمه لان الوضع على كل من افراد الجنس وضع عام سواء كان الموضوع له عاما ام خاصا وملاحظة الكلي آلة الوضع على الجزئيات ويؤلف الواضع اللفظ لمناسبته لانه معنى جامع للافراد فلذا قيل يعطي الكلي الطبيعي اسمه ما تحته من الافراد وان كان انما هو عبارة عنها والوجود كلي بعكس ذلك لان الوضع في الحقيقة له وافراده اشباح جزئية له كاشعة الشمس فيستعار لها اسمه عارية فاستعمال لفظ الوجود لواحد منها حقيقة بعد حقيقة او مجاز له فيها لان ذواتها اشباح له وامثال واما انه كل فلان كثرة تبدله لتعدد جهاته فبها كانت ابداله كثيرة كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلم في قوله انا من محمد كالضوء من الضوء فهو في محمد مثلا كله وفي علي كله وفي فاطمة كله وفي الحسن كله وفي الحسين كله وهكذا فهو مع تكثره واحد وهو قولهم عليهم السلم كلنا محمد واولنا محمد واوسطنا محمد وآخرنا محمد الحديث واما انه جزئي فلانه فرد من جملة افراد ممكنة من كلي امكانه يعني ان الشيء الممكن كالعقل الكلي وكزيد فان له حقيقة امكانية يخلقه الله منها ولو شاء ان يخلق من حقيقة زيد الممكنة قبل ان يخلقه او بعد ان خلقه بان يقلبه في تلك الحقيقة الممكنة جبلا او جملا او ملكا او نبيا او شيطانا او سماء او ارضا او غير ذلك بلا نهاية فاذا خلقه زيدا بقي امكانه فيه اذا شاء ان يخلقه ما شاء خلقه يعني يقلب زيدا كما قلنا الى ما شاء كيف شاء وكذلك حكم الوجود والعقل وغيرهما بدليل النقل الصريح الدلالة والبيان ودليل العقل الصحيح من جميع اهل الايمان بقطعي البرهان بان هذا ممكن وكل ممكن تتعلق به القدرة على حسب ما يشاء القادر عز وجل فلاجل ما سمعت قلنا بهذا الاعتبار انه جزئي من جهة انه فرد من جملة افراد تلك الحقيقة الامكانية واما انه جزء فلانه ركن للشيء فان كل مخلوق من الوجودات المقيدة مركب من وجود وماهية على ما اشرنا اليه سابقا من الدرة اي العقل الى الذرة اي الثرى او ما تحت الثرى من رقائق الباطل واما انه عام فلانه يعطي ما تحته من اشباحه وامثاله اسمه كسائر الوجودات اولها وجودات الانبياء ثم المؤمنين ثم الملائكة ثم الحيوانات ثم النباتات ثم المعادن ثم الجمادات ويكون من باب الحقيقة بعد الحقيقة او من باب الاشتراك اللفظي او التسمية واما انه خاص فلانه متعين في نفسه بنفسه اما عند المصنف واتباعه فعلى ما ذهبوا اليه من اتحاده واما عند ائمتنا وعندنا فخصوص كل ظهور من ظهوراته في كل رتبة من مراتب تنزلاته واما باقي الكلام فبيانه يعرف مما ذكر لانه مبني على تشخصه
واما ثبوت الجنس والفصل والنوع والعرض العام والخاصة لاجزائه كما يلزمه على قوله بالاتحاد ولامثاله واشباحه في تنزلاته كما هو عندنا فانها وجودات حقيقية (ظ) فما يجري عليها فهو جار عليه فافهم
قال : { واما ما يقال له عرضي للموجودات من المعنى الانتزاعي فليس هو حقيقة الوجود }
اقول : يرد عليه ما ذكره في الكتاب الكبير من انه من الوجود حقيقة وقد تقدم ما نقلنا من كلامه من قوله ان الوجود لكل شيء من الاشياء له مرتبة خاصة من الظهور ودرجة مخصوصة من الفعلية والحصول اي بحسب الخارج انتهى ثم انه ادخل فيه الجواهر والاعراض بل المعقولات الثانية وهو المعروف من طريقته ولكنه ينقض ما اسسه ههنا فجرى في هذه الاعراض على مصطلح القوم ولكنا نتكلم على وجوداتنا ولا نرى الا وجودا في موجود او وجودا في صفة فكل ما وضع له اسم فهو داخل في هذين والمصنف ربما فرق بين الانتزاعي الذاتي والعرضي بان الاول ينتزع من الذات من غير ملاحظة ما ينضم اليها والثاني ما ينتزع من هيئة الذات بما ينضم اليها والمحقق عندنا بما قامت عليه الادلة ان الذات لا تنتزع الى الذهن وانما ينتزع الظل والهيئة والمنتزع منه اما محض الذات فينتزع منها هيئتها وهي شبحها واما مع ما ينضم اليها وينتزع منه شبح الكل فالمنتزع في الحالين ظل عرضي كما في المرءاة فانه ينطبع فيها صفة الذات وباعتبار صفة الجميع وما في الذهن كذلك فلا يمكن نزع الذات بلا ما انضم اليها الا اذا انتزع منها الحقيقة المجردة وحينئذ فالمنتزع منه غير موجود فيه انضمام شيء فالمنتزع هيئة الحقيقة لا ذاتها كما توهم والا اذا انتزع نفس المنضم لا من حيث هو منضم وهو حينئذ شيء مستقل على حدة فتنتزع منه هيئته والمنتزع هو مادة ما في الذهن وما من الذهن هو صورته كما تقدم فما في الذهن ليس كما يقوله بل هو انتزاعي ظلي في كل حال ومن الوجود حقيقة بلا اشكال لانه ان لم يكن وجودا فهو موجود وكل ما يدرك من الموجود فمن الوجود وللوجود وبالوجود فاين تذهبون فلا فرق بين حقيقة وجود زيد ووجود المعقولات الثانية ووجود الاعراض الذهنية والخارجية الا في الشدة والضعف
قال : { بل هو معنى ذهني من المعقولات الثانوية كالشيئية والممكنية والجوهرية والعرضية والانسانية والسوادية وسائر الانتزاعيات المصدرية التي تقع بها الحكاية عن الاشياء الحقيقية وغير الحقيقية }
اقول : قد تقدم معنى هذا وقوله { التي تقع بها الحكاية } الخ معلوم بان جميع ما في الاذهان كما في المرايا والاشياء الصقيلة كلها مما تقع بها الحكاية لانها اشباح تلك الامور الخارجية نعم لو حكى ذهن زيد ما تصوره عمرو كان حكاية ذهن عن ذهن يحكي عن الخارج كما لو قابلت مرءاة مرءاة قد قابلت شيئا فكما ان حكاية الثانية لما كانت عن الاولى الحاكية كانت حكايتها مركبة من هيئة الاولى الحاكية ومن هيئة المحكي كذلك حكاية ذهن زيد فانه يحكي هيئة ذهن عمرو وهيئة المحكي ولما كان المصنف يرى ان الذهن ينتزع المعنى المجرد عن العوارض الذاتية وقد ينتزع الهيئة استدرك كلامه بقوله واما ما يقال الخ لكن حكمه بان الذهن ينتزع المعنى ينقض قوله قبل وليس للوجود وجود آخر وقوله الاتي بل المحكي عنه الخ ويأتي
قال : { وكلامنا ليس فيه بل المحكي عنه وهو حقيقة واحدة بسيطة لا يفتقر ايضا في تحصيله الى ضميمة قيد فصلي او عرضي صنفي او شخصي }
اقول : هذه الحقيقة الواحدة اذا اراد بها ما يشمل وجوداتنا كما هو مقتضى عباراته هل لها معنى غير ما ظهرت به في الخارج ام لا فان كان لها معنى غير ما ظهرت به في الخارج فلا فرق بينها وبين الماهيات الكلية وان لم يكن لها معنى غير ما ظهرت فلم كان لها وجود ذهني وهو مناط صحة التعريف وهو عنده من الوجود وانما ذكر ما يقوله غيره ليترتب عليه صحة دليله وليس هذا طريق من يريد اثبات الحق بل طريق من يريد اسكات خصمه لانه يركب دليله من مقدمات عند الخصم مسلمات وهو لا يعتقدها واسكات الخصم اعم من اثبات الحق والاشكال في الكلام مع المصنف لانه يقول حقيقة الوجود ويريد به الوجود الواجب ويعمم في العبارة ما سواه فاذا اتى بوصف يحصل في حق الواجب اطلقه على غيره مع ان جميع مقدماته مبنية على ما يحق للواجب فقد قال قبل هذا وليس لكل حقيقة وجودية الا نحو واحد من الحصول وهذا يدل على الاشياء المتعددة وهي صفات الخلق والحصول الواحد بلا تعدد صفة الحق تعالى وقال فيما بعد اذ كل وجود سوى الوجود الاول البسيط الذي هو نور الانوار تلزمه ماهية كلية امكانية وهذا مقام فرق فجعل كل وجود سوى وجود الله تعالى مركب الكون من وجود وماهية وهو الذي عناه قبل بقوله : وليس لكل حقيقة وجودية الا نحو واحد من الحصول فاذا حكمنا بصحة شعوره بما قال يكون معنى كلامه ان الوجود في ذاته هو الله تعالى وهذه الذات البسيطة لها حالتان حالة البساطة انه وجود بحت واحد بسيط وحالة ثانية تتكثر ذاته بتكثر مظاهره وشؤنه فكل مظهر وكل شأن فيه حقيقة الحق وصفات الخلق فاذا لوحظ مجردا عما لحقه من الاثار الخلقية كان واحدا واجبا بسيطا لانه حقيقة واحدة واذا لوحظ مع العوارض الخلقية كان الخلق ونحن نقول لعله لا يفهم ما يقول ولا يشعر بما برهن عليه لانه اذا اشعر كان اعمى عن الحق وعن الخلق فلا يعرف الله ولا شيئا من خلقه ولقد اشاروا عليهم السلم الى مثل هذا بقولهم حتى ان الرجل ليدعي من بين يديه فيجيب من خلفه وانا اذكر لك كلامه في كتابه الكبير في بساطة الوجود وعدم تألفه
قال فيه : الست اذا نظرت الى ما يتألف جوهر الذات منه ومن غيره وجدت الذات في سنخها وجوهرها مفتاقة اليهما وان لم يكن على انها الاثر الصادر منهما بل على ان حقيقتها في انها هي هي متعلقة القوام بهما بل جوهر الذات بعينه هو جوهر ذينك الجوهرين سواء كان بحسب خصوص الخارج او الذهن او الواقع مطلقا فاذا فرض لحقيقة الوجود من حيث هي هي مباد جوهرية قد ائتلف منها جوهر ذاته فكل واحد من تلك المقومات او بعضها اما ان يكون محض حقيقة الوجود فالوجود حصل بذلك المبدأ قبل نفسه واما ان تكون او واحد منها امرا غير الوجود فهل المفروض حقيقة الوجود الا الذي هو ما وراء ذلك الامر الذي هو غير الوجود فالذي فرض مجموع تلك الامور عاد الى انه بعضها او خارج عنها وايضا يلزم ان يكون غير الوجود متقدما على الوجود بالوجود وهو فطري الاستحالة قطعي الفساد وايضا كان حصول حقيقة الوجود لتلك المقومات اقدم من حصولها لما يتقوم بها اي الوجود فيلزم حصول الشيء قبل نفسه فدار الوجود على نفسه وهو ممتنع فاذن حقيقة الوجود يستحيل ان تجتمع حقيقته من اجزاء متباينة في الوجود كالمادة والصورة او تنحل الى اشياء متحدة الحقيقة والوجود وبالجملة يمتنع ان يتصور تحليل حقيقته الى شيء وشيء بوجه من الوجوه كيف وصرف الحقيقة لا يتكرر ولا ينتهي بحسبها اصلا لا عينا ولا ذهنا ولا مطلقا انتهى
اقول في كلامه هذا ما قلنا في غيره ومما قلنا انه ان عنى خصوص وجود الواجب فهو فوق ما قال وليس امتناع تكثر حقيقته وتركبها لما قال بل لان ذلك شأن المخلوق لان فرض التكثر انما هو في الممكن لان الفرض ممكن وكذا التأليف وكل ما يرد في الاوهام فهو تعالى اجراه ولا يجري عليه ما هو اجراه وان عنى ما سواه ففيه ما تسمع وسمعت فمما تسمع قوله : وجدت الذات في سنخها وجوهرها مفتاقة اليهما انا نلتزم ذلك ولا عيب في المخلوق لانه مغموس في الحاجة وان لم تكن اثرا صادرا عنهما بل ركنان متقومة بهما اذ كل حقيقة فان ماهيتها متقومة بعلتيها المادة والصورة اي الوجود والماهية بل كل وجود مخلوق يستحيل كونه بدونهما لانه فائض من فعل خالقه سبحانه وهذه جهة مادته اي وجوده وله هوية وهي جهة صورته اي ماهيته فاذا كان المصنوع وجودا فجهته من ربه نفسه من غير تعدد وجود الا في الاعتبار والتحليل الفؤادي فان جهته من ربه تدور على نقطة فعله على التوالي ونفس الوجود المصنوع من حيث الصانعية تدور على تلك الجهة على التوالي ايضا باعتبار لحاظ المصنوعية وبلحاظ الصنع يدور على خلاف التوالي ومن حيث المصنوعية على خلاف التوالي وهذه الجهة هي منشأ ماهيته اي هويته لانها تدور على خلاف التوالي فبهذا الاعتبار تتكثر حقيقته وان كانت جهة وجوده واحدة بالذات الا انها علة مغايرة لكونها معلولة فكل مصنوع لا يكون الا من جهتين وقوله : فكل واحد من تلك المقومات او بعضها اما ان يكون محض حقيقة الوجود الخ يكون احدها هو الوجود ولا يلزم ان يكون حصل بذلك المبدأ قبل نفسه لان احدها المفروض كالمادة ويوجد بها معها فلا يكون قبل نفسه بل يكون مع نفسه مساوقا لها في الوجود وان تقدمت بالذات في العلم فان كل شيء خلقه الله فهو بهذا النحو مثلا اول جسم خلقه الله لا يكون الا من مادة جسمانية من جنسه سواء خلقت في عالم قبل عالمه كما لو كانت في الدهر في عالم المجردات كما نقول في جوهر الهباء انه آخر المجردات فانها غيب فلما تعلقت بها صورته المثالية ظهر الجسم والمادة والصورة دفعة ام لم تخلق كاول مصنوع واليه الاشارة بقوله عليه السلام يمسك الاشياء باظلتها اي بنفسها ومثل معنى خلق الله ادم على صورته على جعل ضمير صورته يعود الى ادم وهذا المعنى ظاهر لمن له باطن وقوله فهل المفروض حقيقة الوجود الخ اذا كان المفروض هو الوجود المخلوق فالوجود هو الموجود ولا سيما على ما يراه فحقيقة الوجود المخلوق هي المفروضة وهو وجود بعد كونه لا قبله وهو متقوم بنحو ما تقدم من نفسه وانه بنفسه كان وبهويته ظهر ولا ريب ان هويته غير جهته من ربه اذ جهته من ربه انه اثر وانه نور كما قال عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله اي بوجوده ولكن ليس من حيث هو فانه هوية مظلمة بل من حيث انه نور الله فلا هوية له ح ولا حقيقة له لنفسه فما عاد الى انه بعضها او خارج عنها عاد الى ما قلنا وهو ما اراد الله تعالى واليه الاشارة بقول جعفر بن محمد عليهما السلم كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم اي صفتكم مخلوق مردود اليكم لان الصفة ترد الى موصوفها وقوله : يلزم ان يكون غير الوجود الخ المفروض جزءا للشيء لا يكون غيرا منه والجزؤ الذي هو ركن اذا كان حصة من جنس لا يتحصص للشيء قبل الشيء بل معه وكذا حكم اول الاشياء اذ لا ينفك مصنوع عن التأليف ولكن كالكسر والانكسار وقوله وايضا كان حصول حقيقة الوجود لتلك المقومات اقدم من حصولها لما يتقوم بها اي الوجود هذا غير مسلم بل يكون حصولهما معا لان احداث مادة النور وصورته هو احداثه بعينه وليس كما يتوهم انها مثل احداث المخلوق كالبناء للجدار بل قال للشيء كن فكان دفعة بمادته وصورته ولم يكونا شيئا قبل ذلك فلذا ركب لصورة امره كاف يشير بها الى الكون ونون يشير بها الى العين ومجموعها ( مجموعهما خل ) كلمة واحدة وامر بسيط وبين الكون والعين ستة ايام هي حدود قابليته وتمام ماهيته الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة وصورتها في الانسان النطفة والعلقة والمضغة والعظام ويكسي لحما وينشي خلقا اخر ويدل على هذه الستة الايام المضمرة الواو المحذوفة من بين الكاف والنون للاعلال فانها ستة فكان الشيء ومادته وصورته بقول كن دفعة في المراتب الستة بدليل ان ضمير الامر الذي هو فاعله يعود الى الشيء الذي لم يكن ولم يكن له ذكر قبل هذا فكان مع هذا فاعل امر الامر والفاعل هو ذلك المفعول اشعارا بكمال المساوقة وعدم تقدم اجزائه عليه بل كلها خرجت في الكون معه فافهم ودع عنك العبارات القشرية التي ليس لها محقق الا التوهمات فلا يستحيل ان تجتمع حقيقته من اجزاء متبايـٔنة في الوجود كالمادة والصورة اللتين هما جهة اعتباره من ربه وجهة اعتباره من نفسه ولا يستحيل ايضا ان تنحل حقيقته الى اشياء متحدة الحقيقة والوجود كما ذكرنا وقد صرح بهذه المساوقة في الاجزاء جعفر بن محمد عليهما السلم في حديث حدوث الاسماء كما في الكافي والتوحيد قال ان الله تعالى خلق اسما بالحروف غير متصوت الى ان قال عليه السلام فجعله كلمة تامة على اربعة اجزاء ليس واحد منها قبل الاخر الحديث وجه الاستدلال انها مع كون بعضها من بعض حكم عليه السلام عليها بالمساوقة بمعنى ان العلة انما تتم علة بتأثيرها في معلولها فتكون علة بكون معلولها كما في الابوة والبنوة فان الاب انما يكون ابا بالابن اذ المراد بتلك الاربعة الاجزاء عالم الفعل والمشية وعالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك كما حققناه في شرح هذا الحديث الشريف والمراد بالاسم المخلوق منها هو مجموع العالم الذي هو ما سوى الله تعالى فانها اي الاربعة لا تتحقق قبله كما لا يتمحض الخشب للسرير بان يكون جزءا للسرير قبل السرير واما على ما يفهم ظاهرا فذلك حكم من يصنع بالتروي والتفكر ومن يكون في افعاله وعلمه التقدم والتأخر واما من ارادته احداثه لا غير ولا مضي معه ولا استقبال فلا يتحقق في فعله التقدم والتأخر ولا في مفعوله الا في شرائط ظهوره وهي لا تتحقق قبله كما في الكسر والانكسار والاب والابن وهذا اشارة والتصريح يطول به الكلام والعارف يفهمه من نحو الكسر والانكسار ونذكر في خلال الشرح كثيرا من البيان وقوله : ويمتنع ان يتصور تحليل حقيقته الى شيء وشيء اذا اراد به الوجود الحق فكلامه حق لان هذه جهات الخلق واحوالها فلا يصح عليه شيء منها واما ان اراد به المطلق فله نصف يصح فيه كلامه ولنا الكل في كل يصح كلامنا فيما يليق به وان اراد الخلق لم يصب الحق وقوله : وصرف الحقيقة الخ الكلام فيه كالذي قبله لان الصرف في الخلق مجاز وفي المشية حقيقة وفي الحق تعالى حق
قال : { بل قد تلزمه هذه الاشياء بحسب ما يتحصل به ويوجد من المعاني والماهيات اذ كل وجود سوى الوجود الاول البسيط الذي هو نور الانوار تلزمه ماهية كلية امكانية تتصف بهذه الاوصاف باعتبار حصولها في الاذهان فتصير جنسا او فصلا او ذاتيا او عرضيا او حدا او رسما او غير ذلك من صفات المفهومات الكلية دون الوجود الا بالعرض }
اقول : يعني ان الوجود من حيث هو لا يلزمه لذاته شيء لاستغنائه فلا تلزمه احكام الجنسية والفصلية وغيرهما وانما تلزمه باعتبار ما يتحصل به اي بالوجود من المعاني والماهيات فظاهر كلامه انها تلزمه لكن احكام الجنسية والفصلية اذا لزمته باعتبار لحوق الماهية به اين تلزمه في الخارج ام في الذهن فان لزمته تلك الاحكام في الخارج كان اسوء حال ( حالا خد ) من غيره لان غيره ماتلزمه تلك الاحكام الا في الذهن كما هو معتقده وان لزمته في الذهن لزمت ذاتيه او عرضيه فان كان الملزوم ذاتيه فقد ساوى الماهيات وكان له وجود يتبدل عليه وان كان الملزوم عرضيه فالمتحصل به من الماهيات هو العرضي والا كان ما هو ذاتي لازما لما هو عرضي والعرضي منه ليس هو المراد لان المراد حقيقته لا عرضيه وقال انها تتحد به خارجا وتغايره ذهنا والعرضي لا يوجد خارجا فوجب عليه انه لذاته لا يلزمه شيء من تلك الاحكام ولا شك ان كل متشخص حتى زيد لا تلحقه لذاته تلك الاحكام ولكن المفروض لحوقه حال تكثره بما يلحقه سواء كان خارجا ام ذهنا ثم اعلم ان الوجود الذي يدعي ان هذه الاشياء تلزمه هل هو ذلك الذي لا جنس له ولا فصل ام غيره فان كان غيره فاين كان حين حكم بوحدته وان كان هو ذلك فانه قد حكم بانه غني عما سواه فان كان غنيا فكيف يلزمه ما هو غني عنه فلما لزمه ظهر انه غير غني فاذا ثبت لزوم شيء له فهل لزمه في الخارج ام في الذهن كما ذكرنا فلزومها له في الخارج لا شك انها مقومة له ولا سيما اذا كانت متحدة به فقد لزمته لذاته فلا تنفك عنه في الخارج وانما تنفك عنه بالتحليل العقلي وهذا وجه المساواة لغيره وانه لا يمكن ان يتقوم في الامكان شيء بسيط لان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه كما قال ابو الحسن الرضا عليه السلام وقوله { قد تلزمه } اي هذه الاحكام بسبب انضمام الماهيات والمعاني والانسب بمذهبه ان يقول انها تلزم الماهيات والمعاني بسبب انضمامه اليها وكذلك تتصف الماهيات بها اتصافها به وان كان فيه تفصيل مع ان المستفاد من كلام اهل البيت عليهم السلم ان الاحكام لاحقة للماهيات وان كانت الماهيات متقومة بالوجود في التحقق وهو متقوم بها في الظهور والعقل الصحيح مطابق فيما يدركه لما قالوا عليهم السلم لانهم يجعلون الوجود هو الهيولي التي تكون المادة حصة منها والماهية هي الصورة والاحكام انما تلحق الصورة عندهم بل عند المصنف لانه لا ينكر انك لو اخذت خشبة وشققتها نصفين وعملت نصفا منها صنما والنصف الاخر بابا فان الخبث والطيب لاحقان للصورة لا للمادة وقد حكم الفقهاء انه لو نزى كلب على شاة فاولدها فان كان الولد صورة كلب فهو حرام نجس ولو كان صورة شاة كان حلالا طاهرا والمادة واحدة واذا نسب المصنف هذه الامور الى الماهيات لم يضطرب قوله لانه حكم ان الوجود مبرء عنها فكيف تلحقه وتلزمه لانها اذا لزمته وان كان باعتبار شيء اخر فقد اتصف بها وجرت عليه احكامها لانه انما فرق بين الذهني والخارجي بكون الذهني لا تترتب عليه الاحكام والخارجي تترتب عليه ولا موجب لذلك الا كونه خارجيا لانه هو المتحقق ولا يتحقق في الخارج الا بالماهيات وقبلها ليس بشيء الا في الذهن كالماهيات الكلية ولا حكم الا لخارجه مع انه قال ان حقيقة كل شيء هو وجوده الذي تترتب عليه اثاره فتدبر في هذه الالزامات والحاصل انك اذا نظرت الى ما ذكرنا ونذكر ولم تهمل كلام ائمة الهدى عليهم السلم مثل قول الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما ههنا ظهر لك بمعرفة شيء مما ظهر لك معرفة ما غاب عنك وقد اشرنا سابقا وصرحنا وكررنا مرارا ان الوجود المخلوق لم يتحقق في الخارج قبل انضمام الماهية اليه لانها نفسه ولا يتحقق الشيء بدون نفسه وهي ملزومة للاحكام وليس كما يذهب اليه من تحققه في الخارج قبل انضمام الماهية وقبل لحوق الاحكام فلما لزمته الماهية لحقته الاحكام ليتوجه ما يدعيه من العارضية لان هذا انما يصح اذا صح حصوله خارجا قبل الماهية ولا يصح عندنا لان ماهيته هي جهة انيته فكيف يحصل خارجا قبلها لانهما في نفس الامر كالكسر والانكسار لان الماهية قبوله التكوين فلا يكون قبل ان يتكون ولا يتكون قبل ان يكون فلما كونه تكون فحصل في الخارج معها ملزومين للاحكام ويأتي بيان تكوين الماهية بجعل غير جعل الوجود الا انه مترتب عليه لا كما يقولون انها غير مجعولة بنفسها مطلقا او الا بجعل الوجود على الخلاف بينهم
واما ثبوت عدم تحققه عند المصنف الا بلزوم الماهية وان لم يرد ذلك لكنه يلزمه فلحكمه بان كل وجود سوى الوجود الاول البسيط الذي هو نور الانوار تلزمه ماهية كلية امكانية الا ان ارادته تدور على الوجود المطلق ويلزمه ان يكون وجود الخالق سبحانه والوجود الحق المخلوق به ووجود الخلق حقيقة واحدة بسيطة في رتبة محض انية الوجود فتصدق على كل واحد من الوجودات الثلاثة فيتميز كل واحد من الاخر بخاصة كما قال بعض النحاة في تمثيل انقسام الكلمة الى الاسم والفعل والحرف بالجيم والحاء والخاء فعلامة الجيم نقطة من اسفله كوجود الحق المخلوق به وعلامة الخاء نقطة من اعلاه كوجود الخلق وعلامة الحاء عدم العلامة كوجود الحق تعالى عن ذلك علوا كبيرا واكثرهم ما يعني بالوجود في الكلام عليه الا هذا فيلتزم بان الوجود الحق تعالى احد افراده الم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون فمن كان يقول بهذا فذرهم وما يفترون فلقد ضلوا واضلوا لان الوجود الحق عز وجل ليس لاحد من جميع ما سوى الله تعالى ان يتكلم فيه فان المتكلم فيه لا يزداد من الله الا بعدا واما ما اراد تعالى منهم من معرفته فهو ما وصف به نفسه لهم في انفسهم وهي صفة مخلوقة هي ذاتك اذا القيت عنها من وجدانك كل ما لم يكن ذاتها التي لا يمكن فهمها قبله حتى الاشارة والالقاء كما قال امير المؤمنين عليه السلم لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة الى اخر الحديث واجمله في قوله عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه وذلك من قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وهي اية الله اي آية معرفته كما قال سيد الوصيين صلوات الله عليه وعلى آله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له والمراد بهذا هو المعروف باصطلاح الحكماء الالهيين بالعنوان وبلسان اهل البيت عليهم السلم هو مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان كما قال الحجة عليه السلم وعلاماتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء من ادعية شهر رجب وهذا العنوان دليل المعرفة من جهة صفة الفعل لا الذات كالكتابة فانها يعرف بها الكاتب من حيث حركة يده بالاعتدال وعدمه وبوجوده ولا يعرف حسن الكاتب او قبحه فافهم وهذا المقام الذي لا فرق بينه وبين الله سبحانه من حيث الفعل كالحديدة المحماة لا فرق بينها وبين النار في الاحراق لان احراق الحديدة فعل النار التي قامت صفته واثره بالحديدة فالنار هي المحرقة بفعلها الذي وضعته في الحديدة فهذا المقام المخلوق هو المطلوب معرفته لانه صفة الظهور لنا بنا فالصفات صفات معاني المقام والاسماء اسماء معانيه كما قال الرضا عليه السلم واسماؤه تعبير وافعاله تفهيم يعني ان اسماء الله عز وجل تعبير يعبر بها المعلم ليفهم المتعلم او يعبر بها سبحانه لعباده ليفهموا ما يريد منهم وافعاله تعالى تفهيم ليستدلوا بها والحاصل ان الوجود الذي يطلق في مقام بيان صفته لا يجوز ان يكون هو وجود الله تعالى ولا الوجود المطلق الصادق عليه وعلى غيره فان الوجود الصادق على غيره كاذب عليه تعالى بكل معنى وبكل ارادة وانما يجوز في الوجود المخلوق وهو لا ينفك عن نفسه وهويته التي هي الماهية فكل مخلوق جزءان الجزء الاعلى هو الوجود وهو جهة ذلك الشيء من ربه كما قلنا مكررا والجزء الاسفل هو ماهيته وهو جهته من نفسه فاذا تكلمت في الوجود المخلوق فانت تتكلم في جزء الشيء واعلم ان هذا الجزء الشريف يسمى في عرف ائمتنا عليهم السلم بالفؤاد وهو معنى قول الصادق عليه السلم واذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد احب واذا احب لم يؤثر ما سوى الله عليه نقلته بالمعنى وبنور الله في مثل قول امير المؤمنين عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلم يعني بنوره الذي خلق منه واذا تكلمت في جزء المركب الذي هو الوجود المخلوق كان كما قال المصنف متصفا بتلك الاوصاف الخ فقوله دون الوجود الا بالعرض فيه ما سمعت
قال : { الثاني - في كيفية شموله للاشياء شمول حقيقة الوجود للاشياء ليس كشمول معنى الكلي للجزئيات وصدقه عليها كما نبهناك عليه من ان حقيقة الوجود ليست جنسا ولا نوعا ولا عرضيا ولا كليا طبيعيا بل شموله ضرب آخر من الشمول لا يعرفه الا العلماء الراسخون في العلم }
اقول : اعلم انهم قد يريدون بكون الكلي شاملا لجزئياته كونه مشتركا بين افراده مطابقا لكل واحد منها بحقيقته اي ان حقيقة كل واحد من تلك الافراد بعد رفع ما عرض من المشخصات العارضية عين حقيقة ذلك الكلي ومثلوا له بخواتم منقوشة بنقش واحد اذا طبع بواحد منها على شمعة وظهرت صورة ذلك النقش واذا طبع بالاخر على ما في تلك الشمعة من صورة نقش الاول لم يحدث بالثاني الا ما حدث بالاول فهو هو وهكذا سائر الخواتم فالنقش الواحد الذي نقشت به الخواتم هو مثال الكلي وما في الخواتم مثال جزئياته وهذا يتمشى على رأي من يقول ان ما في الخيال اصل لما في الخارج وما في الخارج مشتق منه وفرع له واما على رأي من يقول ان الكلي معنى انتزاعي انتزع من الافراد الخارجة بان نظر اليها فوجد فيها شيئا في الخارج يوجد في كل فرد هو حقيقته وانما تمايزت بمميزات عارضة لتلك الحقيقة التي يكون ما في كل فرد منها بمنزلة جزء من كل كما هو شأن الحصص التي تتميز بعضها عن بعض بالعوارض كالحديد في المسمار والسيف والسلسلة الحديد وغير ذلك فنظر في مادة المسمار وفي مادة السيف وفي مادة تلك السلسلة فاذا هي حديد فانتزع منه صورة ظلية في ذهنه من ذلك الحديد الموجود خارجا ووصفها وسماها بملاحظتها في الخارج فكان ما في ذهنه صادقا على تلك الافراد المعمولة من مادة واحدة لان تلك الصورة الذهنية انتزعت مما في الخارج انتزاعا ظليا عارضا منفصلا في الحقيقة عن حقيقة الحديد الخارجية فمثاله كنقش واحد طبع به في شمعات متعددة فالحديد صورة ما في الخاتم والمسمار والسيف والسلسلة مادتها صورة ما في الشمعات المتعددة ففي الحقيقة الذهنية هي حصص وفي الحقيقة الخارجية اجزاء وفي الحقيقة عند من يفهم ان تلك الحصص مواد قطعت من كل لا من كلي ظهرت من كلي وان كان يجدها في ذهنه كذلك لكنه بناء على ان ما في الذهن اصل لما في الخارج والمصنف وان كان بعض عباراته يلزم منها ذلك ولكنه لا يلتزمه في حق الوجود بل يلتزم في حق حقيقة الوجود انه ليس له وجود ذهني وانما يوجد في الذهن منه العرضي كما في هذا الكتاب وان كان في غيره يحكم بالاول كما في الكتاب الكبير
فاذا عرفت هذا فاعلم ان المصنف عنده على ما يظهر من كلامه انه كما ان شمول حقيقة الوجود للاشياء ليس كشمول الكلي لجزئياته كذلك ليس كشمول الكل لاجزائه بناء على ان الكل غير الاجزاء وحقيقة الوجود عين ما يتحد به في الوجود مع الماهيات من مراتبها اذا قطع النظر عن خصوصيتها فتعليله بانه ليس كشمول الكل لاجزائه لان الكل غير اجزائه عليل لانه ان اراد انه غيرها في الحكم فكذلك حقيقة الوجود غير ما تتحد به مع الماهيات من مراتبها والا كان محدودا لان كل شيء وقع عليه الحد ففيه حقيقة الوجود متحدة بماهيته وما يلحقها وان قيل ان الحد انما هو للحدود لا للحقيقة قلنا هي بدون الحقيقة لا شيء فما المحدود فان قيل المحدود ما حفظته الحقيقة فيحد هو خاصة دونها قلنا فاذن المحدود ذهنيه لا خارجيه لان الخارجي ان اعتبر مغايرته خارجا انتفي الاتحاد المدعي وان لم يعتبر امتنع تعريفه فلا يمكن تعريف شيء خارجي اذ ليس في الخارج الا حقيقة الوجود وعلى هذا يرتفع الثواب والعقاب عن جميع الموجودات الا في الاذهان لان الثواب والعقاب للاحكام الخارجية المتعلقة بالحقائق الخارجية لانها اذا حكمنا بانها حقيقة الوجود وهي لا تلحقها احكام المراتب والماهيات الا باعتبار حصولها في الاذهان فان اتصفت حقيقة باحكام الماهيات والمراتب خارجا وقع التحديد والا فلا يلحق احدا من الاحكام الشرعية في الدنيا ولا في الاخرة شيء لانها لاحقة للموجود خارجا في صورته وحقيقته فيجب ان يكون الكل هو الاجزاء من حيث الحقيقة مع قطع النظر عن الاحكام والخصوصيات اللاحقة للمراتب والهيئات ففي الحقيقة اذا فتحت عين البصيرة ونظرت في الكلي والكل والجزئي والجزء مع قطع النظر عن الاعتبارات الذهنية التي بنوا عليها احكام الفرق بين الكلي والكل وجدت انهما شيء واحد وانما حصل الفرق باعتبار خصوصيات المراتب والمفاهيم الذهنية التي منشاؤها الاعتبارات الفرضية وان شمول حقيقة الوجود الذي اشار اليه ليس الا كشمول الكل للاجزاء والكلي للجزئيات على ما بينا من معنى الكلي وانه ظلي ذهني انتزاعي والقوم انما فرقوا بملاحظة خصوصيات المراتب والمشخصات وهو لم يعتبر في شمول الحقيقة شيئا من تلك اللواحق بل يقول شمول حقيقة الوجود ليس كشمول الكلي للجزئيات ولا الكل للاجزاء بل هي عين ما تتحد به في الوجود مع الماهيات من مراتبها اذا قطع النظر عن خصوصيتها فكذلك حقيقة الكل عين اجزائه اذا قطع النظر عن خصوصياتها فافهم وتفهم ولا تقنع بمجرد العبارات
فقوله { بل ضرب من الشمول } الخ يريد به انه شمول لا يلحقه به نقص ولا قصور ولا ريب انه لو اعتبر شموله لها على ما هي عليه بما هي عليه لحقه نقص وقصور كما في الكل مع اجزائه لان النقائص من العوارض فان الكل شموله للاجزاء مع قطع النظر عن خصوصيات المراتب كذلك لعدم ملاحظة تلك الخصوصيات فان قيل ان كان شمول حقيقة الوجود للاشياء كشمول الكلي لجزئياته لزم ان توجد بكلها في واحد من الاشياء ولا ريب انها ليست كذلك والحديث القدسي المتفق عليه قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي الحديث يشعر بعدم ذلك وان كان كشمول الكل لاجزائه لزم الا توجد الحقيقة بكلها في شيء كما هو شأن الكل واخر الحديث القدسي المذكور قوله ووسعني قلب عبدي المؤمن يشعر بعدم ذلك قلنا ان المصنف لم يرد كل الوجود لينافي شمول الكل ولا بعضه لينافي شمول الكلي وانما يريد حقيقة الوجود وهي تصدق على الحالين كما هو حال سائر حقائق الاصول مثلا كالماء فان حقيقته كما تصدق في كله تصدق في القطرة فلا ينافي ذلك الشمول شمول الكلي كما في اخر الحديث المذكور ولا شمول الكل كما في اوله فتفهم والمصنف جعل شموله بالاشتراك المعنوي والفردي لانهم يجعلون للوجود اطلاقات ثلاثة الاول المفهوم وهو الوجود المطلق وفي هذا الاطلاق شموله عنده وعند امثاله بالاشتراك المعنوي وهو ما يوضع اللفظ بازاء حقيقة واحدة مختلفة الافراد والمراتب بالشدة والضعف بوضع واحد كحقيقة البياض في تفاوت مراتبه فان الوجود في الواجب اشد منه في الممكن لان هذا المفهوم منتزع من الدلالة الوضعية بحسب افهامهم والثاني هو الحصة وهي المفهوم الاضافي اي مع قيد الاضافة لتقييده في الفهم بلحاظ البعضية يعني احد فردي المطلق والثالث هو الفرد يعني ان للوجود في الخارج فردا يصدق الوجود عليه بالهو هو كما يمثلون له بالبحر وما يعرض عليه كالامواج فيجعل الوجود في شموله للاشياء كالاول والثالث في الشمول وما الاول الا كالكل وما الثالث الا كالكلي والكل فتفهم
قال : { وقد عبروا عنه بالنفس الرحماني وتارة بالرحمة التي وسعت كل شيء وبالحق المخلوق به عند طائفة من العرفاء وبانبساط نور الوجود على هياكل الممكنات وقوابل الماهيات ونزوله في منازل الهويات }
اقول : النفس الرحماني بفتح الفاء وسكونها فعلى الفتح شبهوا الوجود بالنفس لان النفس يخرج من جوف المتكلم ممتدا الى الهواء وهو الالف اللينة وطولها الف الف قامة وهو هيولي سائر الحروف فاول ما يخرج عنها الالف المتحركة وهي الهمزة وهي اول العالم التدويني طولها الف الف ذراع بمنزلة عقل الكل وهو اول الوجود المقيد فالمتحركة اول الحروف واخرها الميم وكلها شعب تجري من الالف اللينة فهي منه بمنزلة الشعب تجري من النهر فاللينة هي النفس بفتح الفاء الممتد من جوف المتكلم الى الهواء فالحروف حصص منه وكل حرف مركب من مادة هي حصة من ذلك الالف ومن صورة هي هيئة تلك الحصة في المخرج من الضغط والقلع والقرع فالالف اللينة الممتدة من الجوف الى الهواء مثل للوجود المنبعث من فعل الله سبحانه وامتداد الالف مثل لانبساط ذلك الوجود في هواء الامكان الذي هو العمق الاكبر الاضافي والحروف المتعينة في مخارجها بما يلحقها من هيئة الفعل بالضغط والقلع والقرع مثل لافراد الموجودات في امكنة حدودها المتعينة بما يلحقها من العوارض الخارجية والمشخصات للماهية كما هو حكم الهيوليات مع الحصص المأخوذة منها للافراد الخارجية المتعينة بالمعينات العارضية وهكذا المثال بالبحر وامواجه وبالمداد والحروف المكتوبة منه وبالاعداد الناشية من ظهورات الواحد وهيئات تنزلاته وبالماء مع قطع النظر من الثلج وبالثوب وتلوناته بالاصباغ المختلفة وكلها بمعنى واحد ترجع الى معنى واحد من الشمول كما ذكرنا وعلى سكون الفاء يراد بالنفس النفس التي هي صفة الرحمن واثره لانها منسوبة اليه وبها تجلي الرحمن على العرش فظهرت على اركانه الاربعة بكل الوجود باقسامه الاربعة الخلق ومحله الركن الاسفل الايسر من العرش وهو النور الاحمر وبابه جبريل عليه السلم والرزق ومحله الركن الاعلى الايمن من العرش وهو النور الابيض وبابه ميكائيل عليه السلم والممات ومحله الركن الاعلى الايسر من العرش وهو النور الاخضر وبابه عزرائيل عليه السلم والحيوة ومحله الركن الاسفل الايمن من العرش وهو النور الاصفر وبابه اسرافيل عليه السلام قال الله تعالى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم وهي نفس الولي عليه السلام المعبر عنه بصدر العالم والنفس الكلية ونظيرها الباء في الحروف اللفظية وفي الحديث على ما رواه ابن ابي جمهور عن النبي صلى الله عليه واله انه قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وقول بعضهم على الوجه الثاني او النفس بالسكون كلما ارادت النفس ان تتكلم بحرف فبارادتها يقارن مخرج ذلك الحرف فيعرضه ذلك ويحمله فهو امر واحد لمروره بمخارج الحروف حين التكلم يعرضه العوارض الحرفية المتخالفة لا معنى له اذا جعله تفسيرا للنفس الرحماني بسكون الفاء وانما هذا تفسيره بالفتح والحاصل انهم يجعلون حقيقة الوجود شيئا واحدا بسيطا وانما تكثر متفاوتا بين افراده الموجودات لاجل اختلاف ظهوراته الحاصل باختلاف مظاهره من غير تعدد في الحقيقة من حيث هي ويمثلون لذلك بالشمس واشراقها على الزجاجات المختلفة الالوان بلا تعدد في تلك الحقيقة ولا تجزية ولا تبعيض فهو الكل في الكل وانت اذا فهمت كلامي الماضي وما اقول لك الأن عرفت انهم مافهموا ما يقولون وان تمثيلهم غلط ولو عرفوا الحقيقة لاصابوا في المثل وبيان غلطهم في المثل انهم جعلوا الوجود كالشمس واتحادها واختلاف اشراقاتها على الزجاجات المختلفة فان المختلف هو العكوسات عن الاشراقات فالمثال الحق ان حقيقة الشمس غير حقيقة الاشراق وهو واحد واما العكوسات المختلفة فهي في تحققها خارجا مختلفة الحقائق لان استضاءة الزجاجات انما تحققت في الخارج بحيث تعلقت بها الارادة الكونية بقابليات الزجاجات لها ولا كون لها خارجا قبل قابليات الزجاجات فالموجودات في الحقيقة مثالها الاضواء المنعكسة ولا ريب في تغايرها في انفسها فلا تجمعها الا حقيقة كلية لا بسيطة متشخصة ونظيره ما قال الشاعر :
ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
ولا شك ان اللؤلؤ والسم حقيقتان مختلفتان ولا شك ان اصلهما من ماء واحد ولا تجمعهما حقيقة واحدة من الماء والا لكانت حقيقة النحاس وحقيقة الانسان واحدة لانهما خلقا من العناصر والمنعكس عن الزجاجة ليس الواقع عليها والا لذهب الواقع اذا انعكس على الارض بل هو نور من الواقع على الزجاج فهو جزء من سبعين جزءا من ذلك الواقع لانه شعاعه فالمنعكس الاخضر غير المنعكس الاحمر لمغايرته له في المادة والصورة فليس الوجود المتكون منه زيد هو المتكون منه عمرو الا بلحاظ المعنى الثاني الذي هو الحصة اي المفهوم بقيد الاضافة ولو قيل به كان لوجودات هذه الافراد جنس فاذا صدق على كل واحد منها الحقيقة وقع التحديد والمفهوم ما لم يصدق على الخارج لا تلحق الاحكام العارضة له بالاخر ولا تجري عليه فلا يكون مفهوما منه ولا له للحوق كل حكم ما يعرض له فيفترقان ومع الصدق يقع التحديد وغلطهم في المثال لتوهمهم ان المنعكس المختلف هو بعينه هو المشرق المتحد وليس كذلك بل المنعكس ظل للمشرق يتوقف تكونه على القابل فحقيقته هو الموجود المختلف بما هو مختلف والمشرق صانع والمنعكس مصنوع والصانع غير المصنوع فقولهم ان النفس الرحماني بالسكون هو الذات المنبسطة على الكل غلط لان الواحد المنبسط غير المتعدد المقبول بالقوابل لان المقبول اثاره المتعددة التي لم تكن جزءا من تلك الحقيقة المنبسطة وانما هي تعلقات ووجوه منها لم تكن موجودة معها ولا في رتبتها ولا جزءا منها ولا متصلة بها ولا قائمة بها قيام ظهور ولا قيام تحقق ولا قيام عروض وانما قامت بها قيام صدور بل كل وجه وتعلق منها قائم في مقامه الذي خلق فيه كما قال سيد الساجدين عليه السلام لا يملكون تأخيرا عما قدمهم اليه ولا يستطيعون تقدما الى ما اخرهم عنه ه فانبساط ذلك الوجود بالظهور باثاره لا بذاته فتفهم
وقوله { وتارة بالرحمة التي وسعت كل شيء } نريد نحن به وسعت كل شيء باثارها لا بذاتها والا لتساوت الاشياء في الخير واثار الخير وان كانت ايضا خيرا لكنها لما لم تتحقق في انفسها الا بقوابلها كانت حقائقها على حسب مقتضى قوابلها فمقتضي قبول الاجابة يكون به الاثر المقبول خيرا ومنيرا ومقتضي قول الانكار يكون به المقبول شرا ومظلما والكتاب والسنة مشحونان بالاشارة الى هذا من ذلك قوله تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم والقلوب اصلها النور فطبع الله عليها بانكارها فكانت ظلمة وقول الصادق عليه السلم العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان قال السائل فالتي في معوية قال عليه السلام تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بعقل وقوله تعالى وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا لان ما زاد الظالمين خسارا فبظلمهم والا فانه لو اقترن بايمان المؤمنين كان شفاء ورحمة ومثله ما روي في حديث العقل الكلي اياك اثيب واياك اعاقب وهو قولنا في قوله ونزوله في منازل الهويات فانه لا ينزل فيها بذاته وانما ينزل فيها باثاره المفعولية ومظاهره الفعلية وهو على ما هو عليه كما يظهر السراج باشعته فان انبساطه باثار فعله لا بذاته والاثار محدثة به لا منه
قال : { وستعلم معنى الكلام من ان الوجود مع كونه امرا شخصيا متشخصا بذاته متعينا بنفسه مشخصا لما يوجد به من ذوات الماهيات الكلية كيف يتحد بها وتصدق هي عليه في الخارج ويعرض مفهومه عليها عروضا في الذهن بحسب التحليل العقلي }
اقول : يعني به وجوده المبهم الذي مرة يكون ربا ومرة يكون عبدا وقد علمت بان هذا الوجود المشار اليه لا يصلح لله سبحانه ولا يصلح لخلقه لان الشخصي المتشخص بذاته في الخارج غني في كونه وتشخصه وتشخيصه عما سواه لا يكون الا ربا والمتحد بما يوجد به بحيث يصدق ذلك الموجود به عليه في الخارج ويعرض مفهومه في الذهن على الموجودات به بحيث يكون عارضا في التعقل على ما وجد به لا يكون الا عبدا ناقصا محتاجا لا يصلح الا لبعض الخلق كالاعراض مع انه اذا صدقت الماهيات الكلية عليه في الخارج فقد كان المصداق كليا فاذا كان الخارجي كليا كان مفهومه كليا موجودا في الذهن عارضا لها فيكون جنسا او فصلا او غيرهما كما في سائر المفهومات الكلية فيجري عليه التحديد وهو قد منع منه قبل ذلك فقال دون الوجود الا بالعرض يعني ان هذه الاوصاف انما تلحق الماهيات الكلية لصحة نقلها بذاتها الى الذهن دون الوجود فلا تلحقه هذه الاوصاف الا بالعرض لكونه ح عارضا لها عند التحليل العقلي فقلنا تجويزك وحكمك بصدق الماهية الكلية عليه في الخارج لا يصلح الا لكونه كليا في الخارج فاذا حلله العقل لم يحلله عن كليته الا ان كان جزئيا في الخارج وح لم يصدق عليه الماهية الكلية فان كان متشخصا في نفسه امتنع الصدق الا باعتبار تعدد الحيثية وان كان كليا في نفسه لم يحلل العقل كليته بل ينقله بها الى الذهن ويقع التحديد ودعوى ان الانتزاع لا من حيث الامر الخارجي لمغايرته للمفهوم فتكون جهة الانتزاع اعتبارية لحكمه بانه عارض عليها والاحكام الاعتبارية غير متحققة في نفس الامر غير صحيحة والا لكذب الانتزاع مع انا قررنا تحقق وجود كل الامور الاعتبارية عقلا ونقلا على ان صحة الصدق خارجا تحقق الاتحاد ومفاد تحقق الاتحاد واللازم منه ان يكون للوجود حصولان حصول معناه في الذهن وهو نقله الى الذهن مع قطع النظر عن العوارض الخارجية يعني مجردا عنها والحصول العرضي الانتزاعي لان الوجود متحد في الخارج الذي هو متحقق الحقيقة بالماهيات الامكانية الكلية ذوات الحصولين الحصول المعنوي الذاتي والحصول العرضي اذ المنافي لهذا انما هو المغايرة الذهنية الاعتبارية وهي غير موجودة لان الموجود انما هو الاتحاد والتحليل العقلي يشهد بعدم تحقق المغايرة مع الاتحاد خارجا الا بلحاظ التركيب واما معقول عارضية الوجود فانما هو باعتبار الحمل الصناعي مثل هذا موجود او باعتبار انها هي الوجود الحقيقي الذاتي الخارجي وانه بلحاظ التعدد الواقعي الذي هو تركب هذا الشيء من قابل ومقبول او من جهة خالقه وجهة نفسه كما قلنا سابقا مع لحاظ ان الماهيات في نفسها غير مجعولة بل هي صور علمية ثابتة في ذاته تعالى كما يقول اهل الاشراق او في الامكان الذاتي كما يقوله المعتزلة وانما المجعول وجوداتها انه يكون عارضا فلما رأوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم وهذه الريح من هوى النفس المتخذ الها لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { ويظهر لك ايضا انه كيف يصدق القول بكون حقيقة الوجود مع كونها متشخصة بذاتها مختلفة الحقائق بحسب اختلاف الماهيات الامكانية المتحدة كل منها بدرجة من درجاته ومرتبة من مراتبه سوى الوجود الحق الاول الذي لا ماهية له لانه الصريح الوجود الذي لا اتم منه ولا اشد قوة وكمالا ولا يشوبه عموم ولا خصوص ولا يحده حد ولا يضبطه اسم ورسم ولا يحيط به العلم وعنت الوجوه للحي القيوم }
اقول : لا يصدق القول بكون حقيقته مع تشخصها بذاتها مختلفة الحقايـٔق بحسب اختلاف الماهيات الخ الا بكون تلك الحقيقة هيولي لتلك الاشياء المتعددة كالخشب الذي حقيقته متشخصة بذاته الخشبية المتحدة بما في السرير والباب والسفينة من المواد الخشبية الا انه مع هذا فانا لا نحكم ببساطة الخشب بل هو مركب من مادة وصورة والسرير مركب من مادة هي تلك الحقيقة المركبة من مادة وصورة وهما الخشب ومن صورة وكذلك الباب والسفينة والوجود ايضا كذلك مركب من مادة هي جهته من ربه ومن صورة هي هويته والاشياء منه اجزاء او جزئيات على نحو ما اشرنا اليه سابقا يعني حصصا منه تتحقق وتتميز كل حصة بمشخصاتها ومميزاتها وهذا كله على قولهم باتحاد حقيقة الوجود في كل موجود كما قلنا في الخشب بالنسبة الى ما صنع منه واما على قولنا تبعا لقول ساداتنا وموالينا ائمة الهدى صلى الله عليهم اجمعين بان الوجود حقايـٔق متعددة فالاول وجودهم الاربعة عشر معصوما عليهم السلام لا غير لم يخلق الله سبحانه غيره ولم يخلق من حقيقته غيرهم ثم خلق من شعاعه الانبياء عليهم السلام كذلك ثم خلق من شعاع وجود الانبياء عليهم السلام وجود المؤمنين وهكذا الى الثرى كل حقيقة عليا لم يخلق من ذاتها السفلى وانما خلق السفلى من شعاع العليا فالعليا مثلا كالشمس نفسها والسفلى كشعاعها المشرق على الارض وكل رتبة حقيقة في محلها ولما دونها ومجاز واثر لما فوقها نعم افراد كل رتبة كالخشب وما عمل منه فالتمثيل بالخشب انما هو لا فراد كل رتبة واما الوجود الحق عز وجل فكما قال عليه السلم :
اعتصام الورى بمغفرتك عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فاننا بشر ما عرفناك حق معرفتك
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وقوله { لا ماهية له } يعني مغايرة لوجوده تعالى بحال والا فله ماهية هي عين وجوده بلا مغايرة لا خارجا ولا ذهنا ولا فرضا واعتبارا بل وجود وماهية وذات وعلم وقدرة وسمع وبصر وحياة وعزة وقدس وما اشبه ذلك اسماء لجهة واحدة اختلفت باعتبار متعلقات تأثيرات افعاله تعالى ولا مبادي لتلك الا تعلقات فعله بمفعولاته التي هي مظاهر معاني افعاله الحسنى وامثاله العليا لا اله الا هو اليه المصير
قال : { المشعر الثالث - في حقيقة الوجود اعلم ايدك الله بنوره ان الوجود احق الاشياء بان يكون ذا حقيقة موجودة وعليه شواهد قطعية : الاول ان حقيقة كل شيء هو وجوده الذي يترتب عليه اثاره واحكامه فالوجود اذن احق الاشياء بان يكون ذا حقيقة اذ غيره به يصير ذا حقيقة فهو حقيقة كل حقيقة ولا يحتاج هو ( في ان يكون ذا حقيقة الى حقيقة اخرى فهو خل ) بنفسه في الاعيان وغيره اعني الماهيات به في الاعيان لا بنفسها }
اقول : اعلم ان الباحثين عن هذا الشأن اختلفوا بعد اتفاقهم على حصول موجودات في الخارج فيها هل هي وجودات موهومة التحقق في الاعيان بل هي نقوش فهوانية ام هي وجودات بحت حادثة اقيمت بذواتها من غير وجود غيرها يقيمها ولا ماهية سوى ذواتها ام وجودات ازلية قديمة تعينت بما عرض لها من الماهيات الاعتبارية الموهومة ام وجود واحد بسيط ذاتي ازلي تكثرت تعيناته بما لحقها من احكام مراتبها بحسب كل مرتبة في احكامها ام وجود واحد بسيط فعلي ازلي تكثرت تعيناته في مراتبها بحسب احكام تلك المراتب ام كل موجود وجودان وجود حق ووجود خلق تعين الحق بالخلق والخلق بما لحقه من احكام مرتبه (كذا) ام وجودان وجود حق لم يتعين مع وجود خلق تعين باحكام مرتبته ام هي ماهيات بحت مكونة بانفسها من غير وجود سوى حصولها في الخارج ام مكونة بوجود عارض عليها به كانت من غير ان يكون جزءا ذاتيا لها ام ماهيات غير مكونة بل صور علمية اظهرت في الاعيان بما عرض لها من احكام الاكوان ام هي ماهيات ثابتة البست ثوبا به ظهرت في الاعيان كالاواني الثابتة في المكان المظلم اذا اشرق عليها نور السراج ظهرت للناظر اليها ام هي ماهيات موهومة التحقق في الاعيان وانما هي نقوش انموذجية فهوانية ميزانية ام هي متقومة من وجود اعتباري وماهية متحققة ام بالعكس ام من اعتباريين فهي موهومة التحقق ام هي مركبات من موجودات وماهيات كل فرد مركب من وجود وماهية في الاعتبار بمعنى ان التحقق للوجود خارجا والماهية في الخارج متحدة به بمعنى انها تصدق عليه ويعرض له ما يلحقها بسبب فرض لزومها له وان كانت مغايرة له في الذهن كما يذهب اليه المصنف واتباعه ام هي مركبات كل موجود مركب الذات من وجود هو مادته ومن ماهية هي صورته وهذا هو الذي اذهب اليه وكل منهما متقوم بالاخر فالوجود متقوم بالماهية تقوم ظهور والماهية متقومة بالوجود تقوم تحقق قد تلازما بالترابط والتداخل من غير اتحاد ولا استهلاك ولا انفصال بل بتداخل وتمازج كتداخل اجزاء الظلمة باجزاء نور السراج فان نوره ينبعث عنه على هيئة مخروط قاعدته عند السراج ورأسه الى حيث ينتهي والظلمة التي مازجته وتقوم بها على هيئة مخروط رأسه نقطة عند السراج في قاعدة مخروط نوره وقاعدة مخروطها الى حيث ينتهي النور وذلك في الشدة والضعف كل على عكس الاخر واما في الحجم ظاهرا فعلى العكس في النور خاصة فهما في الحقيقة كرتان متداخلتان متقابلتان بقطبيهما وسطحيهما واستدارتهما اما القطبان فالنور يدور على السراج على التوالي واما الظلمة فتدور على نفس النور من حيث نفسه لا من حيث السراج على خلاف التوالي واما السطحان فالنور سطح كرته عند منتهاه الى جهة الظلمة واما الظلمة فسطح كرتها عند جهة سطح النور بالمقابلة لا بالتوازي واما في الاستدارة فكما سمعت في استدارتهما على قطبيهما فالوجود احدثه الله تعالى بفعله بذاته اولا وبالذات من غير وجود زائد على ذاته واقامه بماهيته واما الماهية فاحدثها الله عز وجل ثانيا وبالعرض باثر فعله الذي احدث به الوجود وذلك الاثر فعل ثان اشتقه عز وجل من الفعل الاول كاشتقاق النور من المنير فهو منه جزؤ من سبعين جزءا فبه احدث الماهية من نفس الوجود من حيث نفسه لا من حيث ربه كالكسر فانه حدث من فعل الكاسر والانكسار خلق من نفس الكسر من حيث نفسه لا من حيث فعل الكاسر بفعل اشتق من فعل الكاسر للمكسور كما قلنا في النسبة ولذا نسب الى المكسور بنفسه فكان فعلا له وهو المعبر عنه بالقبول الا ترى انك اذا نظرت الى امر الله تعالى وتأملت فيه وجدت فاعل امر الله تعالى هو المخلوق المكون فاذا قال تعالى كن ففاعل امر الله ضمير تقديره انت يعود الى المكون لانه فاعل فعل الله بقابليته فلذا قال فيكون فصار المخلوق فاعل كن ويكون فتفطن في هذه الاسرار التي جرت بها الاقدار ففاعل كن قابل الوجود وفاعل يكون قابل الماهية وفي الحقيقة لم يتم الموجود بهما بل مع وقوع التلازم فخلق الله من نفسيهما التلازم بفعل مترتب على فعليهما كما تقدم ثم الزم بينهما بفعل رابع مترتب على الثلاثة الافعال كما مر فالفعل الاول من مشية الله والثاني من ارادة الله والثالث من قدر الله والرابع من قضاء الله فتم صنع الموجود بهذه الاربعة الحدود من هذه الافعال الاربعة وانا اريد بهذه الماهية قابلية الوجود ومجموعهما هيولي ومادة لما تحتهما فيؤخذ من المجموع حصة وتلبس صورة شخصية فالموجود هو الوجود بلحاظ انه اثر الله وصنع الله ونور الله وهو الماهية بلحاظ انه هو فنفسه باللحاظ الاول من عرف نفسه فقد عرف ربه وباللحاظ الثاني انيته التي بها حجب عن ربه وما اعجب ما ذكرت لك عندك حيث انهم يقولون كان الوجود والماهية بايجاد واحد وانا اقول باربعة ايجادات حقيقية كونية متحققة في الخارج لا في الاعتبار وانما اطلت هنا لاجل انتفاعك بهذه الاسرار الخفية ولتعلم مسلكي في امثال هذه القضية
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان المصنف يذهب الى الاول والثالث من الاقسام التي تراد من اطلاق الوجود وهي المذكورة سابقا اعني ارادة المفهوم مطلقا وهو الذي يقال له الوجود المطلق الصادق عنده على الحق والخلق صدقا ذاتيا والحصة اي المفهوم بقيد الاضافة والفرد اي ما يصدق عليه هذا المفهوم صدقا ذاتيا في الخارج بالهو هو وعباراته تدور على الاول وكذا السادس عشر والثالث اعني المطلق والفرد وتقريره واستشهاده عليهما وقد سمعت ما قلنا وستسمع فاول ما استشهد به ظاهرا مصادرة وهو جعل الدليل عين الدعوى فان قوله ان حقيقة كل شيء هو وجوده الخ الذي هو دليل عين الدعوى والقائلون بان الشيء حقيقته الماهية لا غير كما سمعت من الاقوال المتقدمة يكون كلامه عندهم مصادرة وكذا بالنسبة الى قولنا الذي هو معنى كلام ائمتنا عليهم السلم وصرحوا به في كلماتهم وادعيتهم من ان الموجود الحادث مركب من وجود وماهية فان الاثار بل الاحكام مترتبة على الماهية اكثر من ترتبها على الوجود ولا سيما احكام السعادة والشقاوة في النشأتين والبرزخ نعم لو قال حقيقة كل من جهة ربه هو الوجود قبلنا منه بشرط ان يجعلها جزءا لا كلا وكيف يكون الشيء الخارجي الحادث كل حقيقته وجود والوجود خير لا تصدر المعاصي عنه وانما تصدر عن الماهية وهو يقول بهذا ولكنها عنده انما تعتبر في الاذهان وهو انما يفرق بين الوجودين بترتب الاثار والاحكام وعدمه وايات الله في الافاق وفي الانفس ترد ما ذهب اليه وانا اضرب لك منها اية وهي انه لو كان عندك ماء حار شديد الحرارة لكان يحرق بحرارته ولو كان عندك ماء بارد شديد البرودة لكان يحرق ببرودته فان اجتمعا عندك بغير ممازجة مستهلكة لصفتيهما ظهر اثر كل منهما على حدة كطاعة الشخص بوجوده الغير المستهلك حكمه في الماهية وكمعصيته بماهيته الغير المستهلكة حكمها في الوجود فلو مزجت المائين وبقيت صفة احدهما صدر عنها اثرها خاصة كما لو اتحد الوجود بالماهية فان كان الحكم للوجود لم تصدر عن الشخص معصية وان كان للماهية لم تصدر عنه طاعة وان امتزج الماءان بالتعادل لم تجد حرارة ولا برودة كذلك اذا امتزج الوجود والماهية على هيئة تمازج المائين لم تصدر عن الشخص طاعة ولا معصية بل شيء ثالث ولو قال انها اتحدت به بحيث تصدق عليه صدق حمل صناعي خاصة لا ذاتي بل يصدق الوجود بمفهومه البحت على الفرد الخارجي صدقا بالذات لم تصدر من هذا معصية قط واعتبار المغايرة في الذهن خاصة لا يكون منشأ للمعصية كما لو تصورت حرارة الماء البارد عند تصور عروض التسخين بالنار لم يكن بذلك ساخنا لان الفرض والاعتبار لا يترتب عليهما في الخارج الاثار وان لحظ الوجود المطلق في الفرد فصرفه الى الوجود بطل اتحاد الماهية بالوجود ح ومغايرتها له في الذهن وما في توجيه كلامه انه يعني ان الوجود ما به تحقق كل شيء وكل ما هو كذلك فهو احق بان يكون متحققا في الخارج فالوجود احق الاشياء بان يكون ذا فرد خارجي ففيه اولا ان الماهيات الذهنية بها تحقق كل شيء عندهم ولا تحقق لها في الخارج وثانيا ان الوجود به تحقق الاشياء الا انها من جهة علل الوجود كالعلة الفاعلية والغائية لا من جهة علل الماهية فلا يصح ان يقال به تحقق الاشياء وحده لا مع غيره وثالثا فقوله ما به تحقق كل شيء لا يلزم منه ان يكون متحققا في الخارج بنفسه بل يكون تحققه منضما الى غيره كالجزء من الكل وكالحصة من الجنس فان بهما تحقق الامر الخارجي ولا تحقق لهما الا بانضمامها الى شيء اخر فليس كل ما به تحقق في الخارج يكون هو متحققا في الخارج وليس كلما هو متحقق في الخارج يكون تحققه بنفسه بغير انضمام شيء اخر وليس كلما كان كذلك يكون ذا فرد خارجي يصدق عليه صدقا بالذات بغير تعدد بل قد يكون ذا افراد والحاصل انه قد ثبت في الخارج اشياء متحققة موجودة فقيل يجب ان يكون معها في نفس الامر في الخارج مصحح لموجوديتها وهو الوجود وانت اذا رجعت في نظرك الى حقيقة الكائنات وجدت ان اثبات شيء معها حادث به موجوديتها الكونية غيرها مجازفة لانه يلزم ان يكون مغايرا لها فان كان هيئة وعرضا فلا بعد في احتياج الموجود في تقومه او ظهوره الى هيئته وعرضه لانهما من متممات قابليته ولكنه لا يكون ذلك حقيقة له الا على تأويل انها من اجزاء حقيقته من نفسه ومتممات ماهيته لانه من عللها كالصورة والحدود واللون والكم والوقت والمكان والوضع وما اشبه ذلك وعلى هذا لا تتحد به حتى يكون هو احق بالهو دونها لا في المتعارف ولا في نفس الامر وان كان جوهرا قد تحقق بما عرض له من المقومات الظهورية من جواهر واعراض قد شاركها في نسبة الهو الى المجموع على جهة الحقيقة بالذات فلا عيب فيه بل هو الواقع واما ان ذلك الشيء الذي به الموجودية لغيره مما يلحقه وان الهو له دونها فلم يصدر عن فعل الله فاذا حصل تكلمنا فيه هل هو شيء غير الشيء المعروف الذي حقيقته المادة والصورة مع متمماتها به كان ذلك الشيء ام لا لم نجد في الخارج ولا في العقل الصحيح ولا في الكتاب والسنة شيئا حادثا الا من المادة والصورة التامة نعم المواد والصور في كل شيء بحسبه فالعقول موادها وصورها معنويات والنفوس موادها وصورها اسيات جوهريات نفسانيات والمثال مواده وصوره ظليات والافلاك موادها وصورها برزخيات والعالم السفلي عنصريات وباقي كلام المصنف هنا كله دعاوي لا تثبت الا بالدليل القاطع الا انه جعل هذه ادلة وليست بادلة وانما هي المستدل عليها ويأتي كلامه في هذا
قال : { نريد به ان كل مفهوم كالانسان مثلا اذا قلنا انه ذو حقيقة او ذو وجود كان معناه ان في الخارج شيئا يقال عليه ويصدق عليه انه انسان وكذا الفرس والفلك والماء والنار وسائر العنوانات والمفهومات التي لها افراد خارجية هي عنوانات صادقة عليها ومعنى كونها متحققة او ذات حقيقة ان مفهوماتها صادقة على شيء صدقا بالذات والقضايا المعقودة كهذا انسان او ذاك فرس ضروريات ذاتية فهكذا حكم مفهوم الحقيقة }
اقول : قوله { نريد به ان كل مفهوم } الى قوله { والماء والنار } بيان لما قد يتوهم من عبارته انه مخالف لمقصوده واختصار لمعنى ما ذكر من كلامه لان مراده ان المفهوم الذي له حقيقة معناه الذي له خارج يصدق عليه صدقا بالذات لان بعض المفاهيم عنده لا خارج لها ولا معنى لها الا ما في الذهن فحقيقتها فيه كالمفاهيم الكلية الاعتبارية لانه جرى في هذا الكتاب على المتعارف عند الاكثر وان كان هو لا يرى هذا في اكثرها بمعنى انه في غير هذا الكتاب يذهب الى انها من الوجود وان لم يكن لها خارج وقد ذكرنا سابقا ان المتحقق عندنا على ما عليه ائمتنا صلوات الله عليهم ان جميع المفهومات موجودات خلقها الله سبحانه واقامها فيما يناسبها كالاذهان وانها بجميعها امور انتزاعية ظلية انتزعها الذهن باذن الله وقدرته من ذواتها الخارجة مثل صورة رجل له الف رأس وقد تقدم الاشارة الى ذلك والاشارة الى مأخذه ودليله من النقل والعقل وان كان مجملا لعدم اقتضاء المقام للتفصيل ولما كان المفهوم عند المصنف منه ما لا خارج له ومنه ما له خارج ذكر ما له خارج في التمثيل لمشاركته لمفهوم الوجود الذي يعنيه في مطلق صدقه على خارجه لكن لما كان يريد من مفهوم الوجود الاطلاق الاول من الثلاثة المذكورة سابقا وهو المفهوم المطلق الصادق على الواجب والحادث استدرك خصوص ذكره بما اختص به فقال كما يأتي بعد هذا والوجود ومرادفاته فقوله كالانسان مثلا يعني به انه من المفاهيم التي لها شيء خارج متحقق في الاعيان يصدق هذا المفهوم عليه صدقا بالذات فقال اذا قلنا انه اي مفهوم انسان ذو حقيقة او ذو وجود عبر بلفظين عنده مترادفين كان معناه اي معنى قولنا ان مفهوم انسان ذو حقيقة ان في الخارج شيئا كزيد وعمرو يقال ذلك المفهوم عليه قولا حقيقيا ويصدق عليه صدقا بالذات انه يعني زيدا مثلا انسان فتعقد له القضية الضرورية التي حكم فيها بامتناع انفكاك المحمول الذي هو انسان عن ذات الموضوع الذي هو زيد ما دام ذات الموضوع موجودة اي ما دام زيد حيوانا ناطقا وكذلك الفرس ما دام ذاتها حيوانا صاهلا فهي فرس وكذلك الفلك ما دام جرما كرويا مركبا من مادة وصورة برزخيين ذا حركة ارادية او مطلقا على الاحتمالين والخلاف فهو فلك وكذلك الماء ما دام عنصرا سيالا ثقيلا مطلقا مايعا مركبا من برودة ورطوبة جوهريين فهو ماء وكذلك النار ما دامت عنصرا خفيفا مطلقا مركبا من حرارة ويبوسة جوهريين فهو نار وغير هذه كما قال وسائر العنوانات اي الادلة والمفهومات التي لها افراد خارجية هي اي تلك العنوانات والمفهومات والعطف تفسيري عنوانات صادقة عليها اي على تلك الافراد وهذا معنى قوله { ومعنى كونها متحققة او ذات حقيقة ان مفهوماتها صادقة على شيء صدقا بالذات } ثم بين ان هذه { القضايا المعقودة } من هذه المحمولات وتلك الموضوعات كما مثل وذكرنا قضايا { ضروريات ذاتية } لصدق المحمول فيها على الموضوع بالذات والحقيقة ثم قال لبيان مشاركة هذه المفهومات لمفهوم الوجود في مطلق الضرورة والذاتية
قال : { والوجود ومرادفاته لا بد وان يكون عنوانه صادقا على شيء حتى يقال على شيء ان هذا حقيقة كذا صدقا بالذات وتكون القضية المعقودة هنا ضرورية ذاتية او ضرورية ازلية }
اقول : يعني ان الوجود ومرادفاته في كل شيء بحسبه بان يكون ذلك المرادف له بمعناه لا فرق بينهما الا في اللفظ ففي الواجب عز وجل الوجود والعلم والقدرة والحيوة وما اشبه ذلك الفاظ مختلفة على معنى واحد بسيط مطلقا يصدق كل واحد منها على ما يصدق عليه الاخر اذا اريد من العلم والقدرة وغيرهما ذات بحت ازلية وفي الحادث الوجود والسمع والبصر وما اشبههما الحادثات والحيوانية مع النطقية مثلا بالنسبة الى زيد وهذا بناء منه على الاطلاق الاول للوجود اعني المفهوم المطلق الذي يريد به الوجود المطلق الصادق بالذات على الواجب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وعلى الحادث بالذات الا ان القضية المعقودة في حمله على زيد هي الضرورية الذاتية كما تقدم وعلى الله تعالى عن ذلك هي الضرورية الذاتية الازلية وهي التي حكم فيها بامتناع انفكاك المحمول اي الوجود المذكور عن ذات الموضوع وهي ذات الله الحق تعالى ربي عن ذلك الوجود المطلق مع قطع النظر عن جميع ما سوى الذات وعن تقييدها بما دام الذات او اشتراطها بما دام الوصف فكل مادة تتحقق فيه هذه القضية الذاتية الازلية تتحقق فيها الضرورية الذاتية ولا عكس نعم يعتبر في تحقق الذاتية في الازلية قطع النظر عن القيود الا على جهة التفهيم والافهام والتعبير عن النفس وذلك معنى قوله وتكون القضية المعقودة هنا اي في شأن حمل مفهوم الوجود على موضوعه ضرورية ذاتية يعني ان حمل على ذات العبد او ضرورية ازلية ان حمل على ذات الرب عز وجل لاشتراك حقيقة الوجود بين القديم تعالى والحادث بالاشتراك المعنوي عند المصنف والله سبحانه ليس له شريك تعالى عما يشركون
قال : { لست اقول ان مفهوم الحقيقة او الوجود الذي هو بديهي التصور يصدق عليه انه حقيقة او وجود حملا متعارفا اذ صدق كل عنوان على نفسه لا يلزم ان يكون بطريق الحمل المتعارف بل حملا اوليا غير متعارف انما اقول ان الشيء الذي يكون انضمامه مع الماهية او اعتباره معها مناط كونها ذات حقيقة يجب ان يصدق عليه مفهوم الحقيقة او الموجودية }
اقول : يريد اني لم ارد بقولي هكذا مفهوم الحقيقة ان المراد بحمل مفهوم الوجود حمله على نفسه بالحمل المتعارف في مثل حمل الكلي على فرده كما في بعض المفاهيم مثل قولك هذا الشيء شيء فان الشيء فرد كليه الذي هو شيء حمل عليه بالحمل المتعارف فلا تتوهم عليه انه يريد حمل مفهوم الوجود الكلي على نفس ذلك المفهوم كما حمل شيء على الشيء كما هو رأي بعضهم بحصر معناه في المفهوم مع انه ليس كل مفهوم يحمل على نفسه بالحمل المتعارف بل كثير منها يحمل حملا اوليا مع اني لست اريد هذا وان كان لا منافاة فيه لو اردته وانما اقول ان ما يكون اذا انضمت اليه الماهية او اعتبر معها متعلق كونها ذات حقيقة يصدق عليه في الحقيقة مفهوم الحقيقة او الموجودية فيكون هو الحقيقة وهذا انما يتم ويصلح ان يكون دليلا على كون الوجود هو الحقيقة الخارجية اذا لم يكن للماهية مع انضمامها اعتبار في الحقيقة كما هو رأي المصنف لانه يرى صحة وقوع بسيط حقيقي حادث في الخارج واما اذا قلنا بمذهب اهل الحق عليهم السلم من انه لم يخلق الله عز وجل شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه واثبات وجوده كما قال الرضا صلوات الله عليه وبقول اوائل الحكماء الاخذين عن الانبياء عليهم السلم من ان كل مخلوق لا بد ان يكون له اعتباران اعتبار من ربه واعتبار من نفسه وان كل ممكن زوج تركيبي وكما قال الرضا عليه السلم مستشهدا على هذا المعنى بقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين فالحقيقة في كل مخلوق مركبة منهما فلا يكون مفهومه اولى بالصدق على الحقيقة من مفهومها وكونه منشأ لذلك التحقق من الماهية اذ لا تقوم الا به لا يلزم منه اختصاصه بصدق الحقيقة دونها لجواز ان الصدق على الحقيقة بعد تقومها به مستند اليها كما هو الظاهر لان معنى الشيء الخارجي ليس الا ما يفهم منها لا منه وهذا التعليل وان كان صحيحا عندنا الا انه لا يلزم منه استحقاقها بالصدق دونه لان ما يفهم منها وان كان هو معنى الشيء من حيث نفسه الا ان معناه من حيث ربه ما افاده الوجود فالاولى ان يقال حقيقة الصدق على الحقيقة بصدق الحقيقة المركبة او بصدقه على ما من الله من الحقيقة وبصدقها على ما منه من الحقيقة وكلام المصنف مبني على قاعدته وفيها ما ذكرنا سابقا
قال : { فالوجود يجب ان يكون له مصداق في الخارج يحمل عليه هذا العنوان حملا بالذات حملا شايـٔعا متعارفا وكل عنوان يصدق على شيء في الخارج فذلك الشيء فرده وذلك العنوان متحقق فيه فيكون لمفهوم الموجود فرد في الخارج فله صورة عينية خارجية مع قطع النظر عن اعتبار العقل وملاحظة الذهن فيكون الوجود موجودا في الواقع }
اقول : { فالوجود } الخ تفريع ما استدل به على اثبات فرد لمفهوم الوجود في الخارج يحمل عليه حملا شائعا بالذات بقوله انما اقول الشيء الذي يكون انضمامه الخ الا ان ذلك على ما فرضه واما على ما قلنا فلا دليل له عندنا فالكلام عليه في الحقيقة متوجه على صغراه واما الكبرى فمترتبة على الصغرى
وقوله { مع قطع النظر عن اعتبار العقل } يشير به الى انه مع ملاحظة اعتبار العقل في التحليل ينكشف ان ذلك الفرد مركب من الماهية والوجود مع ما يلزم من اثبات فرد يتحقق العنوان فيه بالذات صحة التحديد لثبوت الكلي والجزئي
واما قوله { فيكون الوجود موجودا في الواقع } يعني في الخارج لا في خصوص الذهن كرأي من يقتصر على مفهومه خاصة فنحن نقول بموجبه لكن وجوده جزء لذلك الفرد على نحو ما ذكرنا مرارا وقد قلنا ايضا سابقا ان كلامنا كله في الوجود الحادث واما الوجود القديم فلا كلام لنا فيه ويلتقى كلامنا مع كلام المصنف في الحادث فتفهم مواضع الالتقاء في مثل قوله فله صورة عينية خارجية وقوله : فيكون الوجود موجودا في الواقع حق وهو يحتمل بظاهر ما يجتمع كلامنا مع كلامه فيه وما لا يجتمع
قال : { وموجوديته في الخارج انه بنفسه واقع في الخارج كما ان زيدا مثلا انسان في الواقع وكون زيد انسانا في الواقع عبارة عن موجوديته فيكون هذا الوجود في الواقع عبارة عن كونه بنفسه موجودا وكون غيره به موجودا لا ان للوجود وجودا اخر زايـٔدا عليه عارضا له بنحو من العروض ولو بالاعتبار كما في العوارض التحليلية بخلاف الماهية كالانسان فان معنى كونه موجودا ان شيئا في الخارج هو انسان لا ان شيئا في الخارج هو وجود ومعنى الوجود موجود ان شيئا في الخارج هو وجود وهو حقيقة }
اقول : قوله { وموجوديته } اي الوجود { انه بنفسه واقع في الخارج } اعلم ان عبارة المصنف جرى على تأسيس الوجود المطلق الصادق على الحق والخلق فهو يصرف ارادته في عباراته على جهة التصحيح فلو قلت هذا كلام لا يصح في حق الواجب مثلا قيل يريد الحادث ولو قلت لا يصح في الحادث قيل يريد الواجب ما اشبه عباراته بمعنى قول الشاعر :
قلت قولا ليس يدري امديح ام هجا خاط لي عمرو قبا ليت عينيه سوا
وذلك لان عمرا الخياط احد عينيه عميا فهذا الشاعر يدعو له ام يدعو عليه بقوله ليت عينيه سوا وانا بناء كلامي على الحادث الا اذا صرح بما يميز ارادة الواجب فقوله انه بنفسه في الخارج هذا في حق الواجب تعالى ظاهر واما في حق الحادث فكون الوجود اوجد بنفسه لا بوجود اخر زائد على ذاته فهذا ظاهر ولكن معناه الحق ان الوجود الحادث هو مادة الاشياء المكونة ولم يوجدها عز وجل بمادة اخرى بل بنفسها وهذا مما لا ريب فيه لكن لتعلم ان الواقع في الكون هو هذا واما في التحليل العقلي والفؤادي على طريقة المصنف من كون الامر الاعتباري معتبرا ولا تحقق له الا في الاذهان والاعتبار ان قولك ان الوجود موجود بنفسه ان الله سبحانه اوجده بفعله لا ان الوجود هو الايجاد بل الايجاد فعل وهو مفعول ومعنى انه اوجده بنفسه انه اخترع تلك المادة لا بمادة ولا من مادة غيرها فاذا سلكنا التحليل قلنا مادته نفسه اي هو فجهة التحليل ان نفسه التي خلق منها هيولي كلية تدور على نقطة الايجاد على التوالي لجريان المفعول على علته الايجادية طايـٔعا منقادا وهو اي الوجود حصة من تلك الهيولي تدور عليها باعتبار انها علة من علل الماهية على خلاف التوالي لان مادته الكونية التي هي هو حصة من الهيولي الامكانية هذا على نحو طريقته واما على مقتضى طريقتنا من ان الامور الاعتبار ( الاعتبارية خل ) اشياء كونية خارجية وما في الاذهان اشباحها واظلتها فلانعقل من معنى وجوده بنفسه الا انه كان لا شيء فاخترعه الله تعالى بفعله بنفسه التي هي هو حين هو هو بمعنى كان الله عز وجل وحده ثم اخترع بفعله الوجود اي المادة والهيولي وخلق ماهيته بعد ذلك من نفسه من هو هو وخلق من كل حصة من ذلك ماهيتها فكانت تلك الحصة مع ماهيتها زيدا وعمرا وارضا وسماء وغير ذلك من سائر الحصص بماهياتها فاعرف هذه الاصول فموجودية وجود الحق تعالى في الخارج بنفسه بكل اعتبار وموجودية الوجود الحادث بفعل الله بمادته التي هي هو حقيقة واما وجوده في الخارج في ضمن الشيء الموجود كزيد وعمرو وتحققه في زيد وعمرو وغيرهما فلا اشكال فيه عندنا وزيد وعمرو وغيرهما من الموجودات فكل واحد حقيقته مركب من حصة الوجود الذي لنوعه ومن ماهية هي هيئة قابليته اي قابلية تلك الحصة للتكوين ولبسها لحلة الكون كالسرير فانه مركب من حصة من الخشب الذي لنوعه ومن ماهية هي هيئة قابلية تلك الحصة من الخشب لجعل السرير ولبسها حلة السريرية فحصة الخشب للسرير متحصلة في ضمن السرير متميزة عن سائر الحصص بتلك الصورة التي هي ماهيتها الاولى الصادقة على جزء السرير في ضمنه وهما معا السرير وليس السرير هو الخشب ولا الحصة الخشبية ليكون الحقيقة الخشبية صادقة على نفس السرير وانما تصدق على الحصة الخشبية في ضمن السرير فالسرير هو الشيء وهو الماهية الثانية فاذا قال المصنف ان حقيقة الوجود وماهيته صادقة على فرد خارجي ويريد الحق تعالى فكلامه صحيح على قاعدته وان كان عندنا انه باطل من جهة استعماله الوجود المطلق الشامل للواجب تعالى والحادث بالاشتراك المعنوي واذا قال ان مفهوم الوجود وحقيقته صادقة على فرد خارجي حادث في الشيء فصحيح واما اذا اراد بصدقها على فرد خارجي مستقل حادث فباطل لانه لا يريد به ما في ضمن الشيء كما يدل عليه قوله وموجوديته في الخارج انه بنفسه واقع في الخارج كما ان زيدا مثلا انسان في الواقع الا على معنى قد لوحنا اليه سابقا من ان كل شيء وجود من وجود وماهية جوهر وعرض ذهني وخارجي اعتباري وغيره فلا شيء يعلمه الله سبحانه الا ذاته او خلقه وخلقه هو كل ما سواه وكل ما سواه وجود مخلوق وانما قسم الى هذه الاقسام من وجود وماهية جوهر وعرض خارجي وذهني اعتباري وتحقيقي نظرا الى مراتبه من التحقق بالله تعالى اي بفعله وامره الذي به قام كل شيء فلو فرض بانه اراد هذا المعنى فهو حق وقد اصاب الا في اخراجه للماهيات الكلية والامور الاعتبارية واكثر الصور الذهنية والاشياء العارضة وكل ما لم يجد له جرما كالمعقولات الثانية وغير ذلك وان كان قد ادخل اكثر هذه في الوجود كما نقلنا عنه سابقا من كتابه الكبير والا في جعله الوجود المطلق صادقا على الحق تعالى والخلق والدليل عنده ان موجودية الوجود في الخارج انه بنفسه واقع في الخارج بدون شيء غيره تشبيهه بموجودية زيد وانسانيته في الخارج على سبيل التنظير فقال كما ان زيدا مثلا انسان في الواقع وكون زيد انسانا في الواقع عبارة عن موجوديته اي موجودية انسانيته وفي كلامه هذا نقض من كلامه السابق حيث جعل الانسانية من المعقولات الثانوية الاعتبارية وهنا جعلها عبارة عن موجوديته فاذا شبه موجودية الوجود بموجودية انسانية زيد على جهة التنظير لزمه كون موجودية الوجود اعتبارية والموجودية ايضا من المعقولات الثانية ولعله اراد بها في ذكر الانسان والوجود معنى انه هو فتكون من الاولى
وقوله { فيكون هذا الوجود في الواقع عبارة عن كونه بنفسه موجودا وكون غيره به موجودا } يلزم منه جعل حصول الوجود في الخارج عين وجوده بنفسه وعين وجود غيره به وحصوله مغاير لوجوده لنفسه ولوجود غيره به بل الثلاثة متغايرة وهي غير الوجود الذي يعني فاذا اراد بكونه الذي هو حصوله في الخارج انه هو في الخارج حالت دونه الماهية بينه وبين ما اراد وكونه بنفسه لا بغيره ليس هو الوجود وكذا كون غيره به لان الكونين وما استند اليهما معان مصدرية حدثية وهذا هو مدلول عبارته فان قوله { ومعنى الوجود موجود ان شيئا في الخارج هو وجود } لا يفرق بينه وبين الانسان موجود الا بان كون الوجود في الخارج وجودا انه وجود زيد وعمرو اي كونهما في الاعيان وهو المعنى المصدري ولو اراد هذا المعنى لاصاب الحق اذ ليس غيره ولم يوضع هذا اللفظ لغيره ولكنه يريد انه عين جوهرية
وظاهر قوله { لا ان للوجود وجودا اخر زائدا عليه عارضا له } انه بيان لبعض احوال الوجود واحكامه لا تحققه
وقوله { بخلاف الماهية كالانسان } الخ اذا كان الفارق بين الماهية والوجود هو مدلول اللفظ عاد الى الاعتبار فانه قال { فان معنى كونه الانسان موجودا ان شيئا في الخارج هو انسان لا ان شيئا في الخارج هو وجود } وهذا يعود الى ان الانسان من حيث انه موجود بغيره انسان وهو حكم عائد الى الماهية ومن حيث انه موجود بنفسه هو وجود والوجود هو الموجود وهذا من المصنف تمحل في تعريفه بعد ان جعله متعذرا وهذا التكرير لانسداد الباب بينه وبينه واما غيره فقد وصفه باسهل عبارة فقال : الوجود ما به التحقق لانه قال هكذا ان لنا تحققا في انفسنا وهو الكون في الاعيان وسماه العامة بالوجود وتحققا في الذهن وهو التصور الذهني المسمى بالعلم والظن والشك والوهم وتحققا في اللفظ وهو الحروف وهيئاتها وتحققا في الخط وهو اشكال الحروف واشكال هيئاتها ويسميها بعضهم بالوجودات ايضا وما به التحقق وهو الوجود عندنا بالحقيقة انتهى ومطلوب المصنف هذا المعنى فيتناوشه من مكان بعيد وهذا وان كان احسن واخصر من كلام المصنف الا انه عندنا لا يصح لانهم ان ارادوا بالوجود شيئا تتقوم به الاشياء بحيث يكون عارضا لماهياتها في الذهن كما اشار اليه المصنف فهو تأييد في الحقيقة لرأي المتكلمين ولمن يجعل الحقيقة للشيء هي ماهيته والوجود عارض لها به ظهرت كما قال ذلك الذي نقلنا بيان الوجود من كلامه قال في اخر كلامه : وبالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها وظهور صورته فيها ه وان اراد به روح الشيء الذي به قوامه كالشخص المقابل للمرءاة فان به قوام الصورة فيها فلا يعقل عارضيته لها في الذهن الا على فرض كونها غير مجعولة مطلقا لا بالذات ولا بالتبع فقد بعد الاكثر عن منال الوجود مع كمال قربه من الشهود لانه اثر الايجاد والايجاد ان تعلق بمتحقق وثابت كما يقوله كثيرون مثل قول الملا محسن في الوافي في باب الشقاوة والسعادة قال : فما كانوا في علم ( الله خل ) سبحانه ظهروا به في وجوداتهم العينية فليس للحق الا افاضة الوجود عليهم والحكم لهم وعليهم فلا يحمدوا الا انفسهم ولا يذموا الا انفسهم انتهى وهو يريد ان الماهيات حقائق وصور علمية لا يتعلق الجعل بها ثم قال بعد : فمشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك ثم قال بعد هذا : الحقائق غير مجعولة بل هي صور علمية تابعة للاسماء الالهية وانما المجعول وجوداتها في الاعيان والموجودات تابعة للحقائق انتهى فان تعلق بثابت كان عارضا وان تعلق به غيره كان معروضا
واذا اردت بيان ما ارتبكوا فيه وتناوشه من مكان قريب فاسمع وافهم ان الوجود هو الشيء المكون بعد ان لم يكن شيء سواه عز وجل فاحدث سبحانه الشيء لا من شيء وهو الفيض ولم يكن شيء غير الفيض وهو الوجود وما كان بالوجود وتحقق به في بادي الرأي ليس شيئا غير الوجود لانه لو كان شيء غير الوجود لما كان مخلوقا بل هو قديم وما يظهر من الوجود ليس شيئا غير الوجود اذ ليس غيره الا العدم فهذه الاشياء المتكثرة المتعددة لم تتكثر بشيء غيره لانها اولاده والاول ابوهم ادم فاذا نظرت في ايات الله كما نبهناك عليه مرارا ان ما هنالك لا يعلم الا بما ههنا رأيت انما خلق الله تعالى ادم بنفسه وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء فهل ترى في ذرية ادم شيئا من غيره كذلك الوجود فانه ادم الاول الاكبر واولاده وجودات الاشياء يعني نفس الاشياء الموجودة وليس في الحقيقة فيها شيء من غيره اذ ليس غيره الا العدم ولم يتركب شيء منها من وجود وعدم وما تتوهمه من ذلك فانه من تفاوت مراتبه في القلة والكثرة كالخمسة اذا نسبتها الى العشرة فانها لم تتركب من نفس اعدادها ومن عدم ما زادت به العشرة عليها وانما سميت تلك الاحوال بالاسماء المختلفة لاجل خصوص مراتبها ولم يثبت شيئا يصح عليه اطلاق الاسم الا الله تعالى وخلقه وجميع خلقه اثار فعله وحدثه ونهايته فمثال فعله سبحانه ضرب ومثال خلقه الضرب فان ضربا اثر ضرب وحدثه ونهايته فاذا قلت ضرب ضربا فضرب هو الفعل وضربا هو مفعوله وحدثه ولم يكن شيء من ضربا لا من لفظه ولا من مادته ولا من هيئته ولا من معناه قبل ضرب ولا تحقق لشيء من ذلك قبله فكذلك كان الله وحده ولا شيء ثم احدث فعله بنفسه ثم احدث مفعوله بفعله وهو مشيته وارادته وابداعه وهو قول امير المؤمنين عليه السلم وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته وقول الرضا عليه السلم ليونس بن عبد الرحمن تعلم ما المشية قال لا قال (ع) هي الذكر الاول ه يشير بان كل محدث ليس له ذكر قبل المشية قط واذا اردت مثال ذلك من كتاب الله الكبير الذي هو العالم فانظر الى السراج تجد آية ذلك فان حرارة النار ويبوستها اللتين هما تأثير فعلها قد احرق الدهن وكلسه حتى كان دخانا فاستنار الدخان من ذلك التأثير لانه انفعل بالاستضاءة فظهرت اشعته كل جزء منها في مكانه ووقته فالحرارة واليبوسة هما فعل النار والاستضاءة هي الوجود الامري وهو الحقيقة المحمدية ظهرت بقابليتها التي هي من الزيت والفائض من ذلك الوجود الامري سائر الاشعة فهل ترى شيئا غيرها وكلها وجودات فقل لي بلى اري شيئا غيرها وهو الظل فانه ليس من السراج وهو كالماهيات الكلية عندنا قلت قولك ظاهره صحيح ولكنه في الحقيقة ليس بصحيح فان الماهيات الكلية عندكم اعدام ما شمت رائحة الوجود او انها ثابتة في الامكان او العلم الازلي متحققة كما هو بعض اقوالكم او انها مجعولة بتبعية جعل الوجود فلا جعل لها لذاتها وليس كذلك الظل فانه مخلوق مجعول كما قال تعالى وجعل الظلمات والنور وقال خلق الليل والنهار وهذا ومن قال بان الظلمة عدم لم يعرفها لانه يراها ببصره والعدم لا يرى بالبصر وانما لم يكن من المنير مع انه انما وجد بها لا منها للطيفة خفيت عن الاكثر وهي ان الايجاد بالمنير والفائض عن فعل الفاعل هو اثر فعله واثر فعله يتوقف في الظهور على قابلية ظهوره كالكسر والانكسار وصورة ذلك الاثر ولونه وقربه وبعده ومرده وجميع احكامه يصير في الظهور وفي كل ما ذكرنا على حسب قابليته فان كانت قابليته طيبة اي مجيبة يعني تابعة لمقتضي نفس الفعل كان الاثر مشابها للتأثير لانه تابع له بالاجابة فيكون الولد المتولد من الاب والام الطيبة نورا وسعيدا وقريبا كما قال امير المؤمنين (ع) وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها فهذا شابه مبدءه في النورية والقرب والمتابعة والموافقة كالنور وان كانت قابليته خبيثة اي منكرة غير مجيبة يعني انها تابعة لهواها ارأيت من اتخذ الهه هواه معرضة عن مقتضى نفس الفعل كان الاثر غير مشابه للتأثير بل مخالف له فيكون الولد المتولد من الاب الذي هو الاثر والام الخبيثة التي هي قابلية الانكار مظلما وشقيا وبعيدا كما قال عليه السلم الشقي من شقي في بطن امه والفائض من نوع واحد كالخشب فاختلف في السرير والصنم وفي الحكم الشرعي الواقعي الذي تجري عليه احكام الدنيا والاخرة التي هي علل الصنع والايجاد ان التأثير الفائض من الحق اذا تلون بقابلية الباطل ليس من الحق قال تعالى فمن تبعني فانه مني وقال تعالى لنوح عليه السلم انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح مع انه من نطفته المنيرة لو غمست في انوار العمل الصالح فكان اجنبيا في حكم الله الجاري على اصل الايجاد بل اصل الايجاد جار عليه تابع له فالظل انما خالف لونه لون النور كما خالف لون كنعان بن نوح عليه السلم لون ابيه حتى كان ظلمة وكان من النور ( نور خل ) نوح عليه السلم لسوء قابليته والا فهو من فيض النور قبل التغيير وبعد التغيير لم يكن منه حكما ولا تابعا له فالماهيات هي مخلوقة لله فائضة عن فعله وانما تغيرت لما غيرت فان الوجودات كلها تابعة لحقيقة اصلها الذي هو الوجود الامري من حيث كونه فايـٔضا عن فعل الله تعالى فكانت انوارا لرجوعها الى النور والماهيات كلها تابعة لحقيقة اصلها الذي هو الوجود من حيث نفسه الذي هو انيتها لا من حيث كونه فائضا عن فعل الله تعالى فكانت ظلمات لرجوعها الى نفس الانية وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ولو سجدت للشمس لله تعالى لم تكفر وكان كسجود الملائكة لادم ويعقوب ليوسف ففي الحقيقة كل شيء كان بفعل الله وما لم يكن بفعل الله ليس بشيء والاعتراض بالمعاصي يأتي جوابه انشاء الله تعالى في محله وانما اطلت الكلام في هذا المقام رجاء ان تكون ممن يطلب النور بالنور فانك اذا شربت من هذا الماء الذي هو ماء الحيوة لان كل هذه المعاني لقطتها لك من كلام ائمتك عليهم السلم فاذا شربت منه لم يمت ( لم تمت خل ) ابدا
قال : { واعلم ان كل موجود في الخارج غير الوجود ففيه شوب تركيب ولو عقلا بخلاف صرف الوجود ولاجل هذا قال الحكماء كل ممكن اي كل ذي ماهية زوج تركيبي فليس شيء من الماهيات بسيط الحقيقة وبالجملة الوجود موجود بذاته لا بغيره وبهذا تندفع المحذورات المذكورة في كون الوجود موجودا }
اقول : انما قال { كل موجود في الخارج غير الوجود } ولم يقل كل ممكن لانه قيد نفسه بالبحث عن الوجود المطلق الصادق على الواجب والحادث على معنى الاشتراك المعنوي ونحن في شرح كلامه قد نتغافل عن بيان مراده فان اردت ان ابين لك مراده من هذه الابحاث في سائر كتبه انما يعني بالوجود الذي هو حقيقة واحدة ويتكثر في مراتب ظهوراته بما يعرض لتلك المقامات والمراتب من الاعراض هو وجود معبوده الذي يعبده ونحن لانعبد من هذا وجوده الذاتي الذي هو ذاته لانا نعبد من لا يعرف وجوده الا هو ومن لا يصدق وجود غيره عليه لا حقيقة ولا مجازا ومن هو خالق كل ما يسمى ويعبر عنه باسم سواه عز وجل واما الوجود المطلق الذي يشيرون فاعتقادنا انه عبد الله وخلقه بقسميه لا يستنكفون ( عن خد ) عبادته ولا يستحسرون وعند المصنف انه اذا ذكر الوجودات المتكثرة فهي شيء واحد تكثر بما يلحق مراتب تنزلاته من العوارض والمشخصات مثلا وجود زيد ووجود الحيوان الصامت ووجود الجدار شيء واحد مع قطع النظر عن المشخصات قديم بالذات بسيط الحقيقة لا تكثر فيه وانما التكثر فيها والتغير مستند اليها لاحق بها كالثلج بالنسبة الى الماء فانه ينكسر مثلا والكسر مستند الى الثلج والماء لا يلحقه شيء من صفات الثلج وذلك الواحد هو الواجب الحق تعالى عن ذلك وهذا وامثاله مراده كما يأتي ونحن لا نقول بشيء من ذلك نعم نتكلم على عبارته على حسب مقتضاها وما يلزم منها ولنا ديننا ولهم دينهم فقوله { كل موجود في الخارج غير الوجود ففيه شوب تركيب ولو عقلا } هو ما ذكرنا فيه فمعنى كل موجود كل وجود ولو اراد بموجود غير الوجود لما قال ففيه شوب تركيب ولما استثنى الوجود يعني الحق هذا من المراد من عبارته ومن المراد منها ايضا انه يريد ان في الواقع الخارج اشياء احدها الوجود اي المطلق وكل تلك الاشياء غير الوجود المطلق ففيها شوب تركيب { الا صرف الوجود } اي خالصه وهو الله تعالى لان صرف الوجود غير الاشياء وغير الوجود المطلق وانما دخل تعالى في شمول موجود وهي غيره مركبة والوجود المطلق لما كان فرده الاكمل هو الواجب تعالى ابانه من الفرد الاخر الذي يجري عليه التركيب باعتبار ما لحقه بقوله بخلاف صرف الوجود
وقوله { ولاجل هذا } اي لاجل ان كل موجود غير الوجود المطلق في حقيقته وغير صرف الوجود ففيه شوب تركيب { قال الحكماء ان كل ممكن اي ذي ماهية زوج تركيبي } انما ذكر ممكن ليخرج صرف الوجود وانما خصصه بذي ماهية ليخرج الفرد الممكن من الوجود المطلق فانه بسيط لا تركيب فيه لذاته بل هو موجود بنفسه في الخارج اذ لو لحقه لذاته شائبة تركيب لماصدق عليه وعلى الواجب اسم الوجود بالاشتراك المعنوي لان الاشتراك المعنوي انما يصدق على الحقيقة الواحدة سواء كان بالتواطي ام بالتشكيك وهذا مما قلنا لك من مراد المصنف فانه يأتي فيما بعد في كلامه انه يبرهن على اتحاد العلة والمعلول والعاقل والمعقول تلويحا وتصريحا بهذا على نحو ما تقوله الصوفية انا الله بلا انا يعني ان الحقيقة واحدة اذا قطعت النظر عن العوارض والمشخصات على ان الحكماء قالوا كل ممكن زوج تركيبي ولا يريدون كل ممكن ذي ماهية والا لكان معنى كلامهم ان كل مركب زوج تركيبي وانما قال المصنف ذلك صرفا لكلامهم عن مرادهم ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ولا حول ولا قوة الا بالله
وقوله { فليس شيء من الماهيات بسيط } تفريع على قوله ففيه شوب تركيب ويريد ان زيدا بما هو انسان في الخارج لم يوجد بنفسه وانما هو موجود بالوجود فهو وان اتحد بالوجود في الخارج الا انه بماهيته في الذهن مغاير للوجود فهو مركب ونحن قد بينا رأينا في زيد بانه مركب من وجود هو مادته ومن ماهية هي صورته وان التركيب في الخارج كما هو في الذهن هذا في ظاهر نظرنا واما في باطنه فزيد كله وجود الا انه وجود مفعول وقابليته للمفعولية التي هي صفة قابليته فهي صفة الصفة منه فهي من مراتب تنزلاته وصفتها التي هي المفعولية كذلك وانما اختلفت بدورات قبولها المختلفة كما تقدم فالوجود نور وقابليته من حيث هو فهي ظلمة وكلها من الفيض بالذات او بالتبع فراجع ما تقدم
وقوله { وبالجملة الوجود موجود بذاته } اما في الواجب فمعناه ظاهر لانه موجود بذاته اي وجوده هو بكل اعتبار واما الوجود الحادث فمعنى انه موجود بذاته يعني اوجده فعل الله بنفسه لا بوجود غيره اخر كما في الماهيات فان وجودها بالوجود ومعنى كلامه هذا عندنا انه هو المادة فلا توجد المادة بمادة اخرى بل بنفسها واما الماهية يعني الثانية التركيبية فموجودة بالوجود الموصوفي والصفتي مثل السرير فانه موجود من مادة من الخشب وليست هذه المادة هي السرير وهي وجوده ومن صورة وهي الماهية الاولى الانفعالية وهذه ايضا ليست هي السرير الا انها في الحقيقة صفة للحصة المتعينة فهما وجود ومن الوجود ومجموعهما هو السرير وهو الماهية الثانية التركيبية التي تسمى بالحقيقة ويسميها المتكلمون بالماهية التي يجاب بها عن السؤال بما هو فقد تحققت في الخارج بركني الوجود الموصوفي والصفتي وقد يقال انها في نفسها نوعية والحاصل يقول الشاعر :
نحن بما عندنا وانت بما عندك راض والرأي مختلف
اما عندنا فالماهية حقيقة في الخارج مركبة في الحقيقة من وجودين هما ركناها وليس لزيد الشخص المعلوم الخارجي حقيقة غير ما به هو هو الا ما في الكتب الالهية العلوية من وجوهه الى ربه فافهم ودع عنك زخرف القول الا ان الله سبحانه ( يقول خل ) ارأيتم ان كنت على بينة من ربي واتاني رحمة من عنده فعميت عليكم انلزمكموها وانتم لها كارهون
وقوله { وبهذا يندفع } الخ اي بكون المراد من قولهم كل ممكن زوج تركيبي كل ممكن ذي ماهية مغايرة له يندفع ما يقال ان للوجود وجودا لانه على فرض كونه ممكنا زوج تركيبي لدخوله في هذه الكلية وانتم تدعون بساطته وانه وجد بنفسه ونحن قد قلنا وان كان وجد بنفسه الا انه لا يمكن ظهوره بسيطا بل لا بد له من الماهية لانها شرط ظهوره فلا يقبل الايجاد بنفسه بدونها والا لوجد بنفسه من دون نفسه وهو محال
قال : { واما الامر الانتزاعي العقلي من الوجود فهو كسائر الامور العامة والمفهومات الذهنية كالشيئية والماهية والممكنية ونظائرها الا ان بازاء هذا المفهوم امورا متأصلة في التحقق والثبوت بخلاف الشيئية والماهية وغيرهما من المفهومات }
اقول : يريد ان الذهن كما ينتزع مفاهيم من الاشياء ينتزع مفهوما من الوجود وليس حقيقة الوجود كما هو رأيه في هذا الكتاب بخلاف ما ذكر في الكتاب الكبير فانه يجعل الانتزاعي وجودا ايضا وكل شيء وجودا وانما يختلف في الشدة والضعف بنسبة كل شيء بما هو حظه من الوجود فقال هنا كما يقوله المشاؤن والمتكلمون ان الامر الانتزاعي العقلي اي المتعقل في الذهن كما هو مشهور في اصطلاحهم بخلاف ما نصطلح عليه على ما يناسب مذهب الائمة عليهم السلم من ان التعقل ادراك المعاني لا الصور فان مدركها الخيال والنفس ولكن لا مشاحة في الاصطلاح يعني ان المتصور المنتزع من الوجود كسائر الامور العامة اي الكلية والمفهومات الذهنية اي الاعتبارية كالشيئية والممكنية ونظائرها ويريد انه يحصل من الوجود امر انتزاعي عرضي لا فرق بينه وبين غيره من المفهومات الا ان هذا المنتزع من الوجود بازائه اي مقرونا في تقومه بالذهن امورا اي بامور متأصلة في التحقق والثبوت وهي الوجودات المنتزعة منها تلك الصور والشيئية والماهية وغيرهما ليس بازائها ( بازائهما خل ) امور خارجية متأصلة في التحقق والثبوت بل هي امور اعتبارية لا خارج لها وهذا على ما يراه المصنف والاكثر واما على مذهبنا المأخوذ عن موالينا وساداتنا عليهم السلام فكل ما في الذهن فبازائه امور اصلية خلقها الله سبحانه واقامها في خزائن ملكه الحادث الخارجي قبل ان تحصل صورها في الاذهان فما في الاذهان منتزع فلا فرق بين الوجود وغيره في ذلك عندنا
قال : { واعلم ان الوجودات حقائق خارجية لكنها مجهولة الاسامي شرح اسمائها انها وجود كذا ووجود كذا ثم يلزم الجميع في الذهن الامر العام واقسام الشيء والماهية معلومة الاسامي والخواص والوجود الحقيقي لكل شيء من الاشياء لا يمكن التعبير عنه باسم ونعت اذ وضع الاسماء والنعوت انما يكون بازاء المفهومات والمعاني الكلية لا بازاء الهويات الوجودية والصور العينية }
اقول : لما ذكر ان الامر الانتزاعي العقلي من الوجود كسائر المفهومات العامة ميزه بخاصة يختص بها عن سائر المفهومات اذ لا خارج لها بخلاف هذا فان بازائه مفهوم الوجود الانتزاعي امر متأصل متحقق الا ان اسمه مجهول لم يوضع له اسم خاص اذا اطلق حضر مسماه في الذهن ولا عام يشمله ونظيره فتكون حصصه مجهولة الاسماء الا بما تنسب اليه لانه ح يكون شارحا لتلك الاسماء ومبينا لها فتقول وجود زيد ووجود الفرس وانما قال انها لم يوضع لكل واحد اسم لا خاص ولا عام لانها لو وضع لها لكان ذلك امارة تباين حقائقها وانما وضع اسم الوجود لمفهوم تلك الحقيقة اي حقيقة الوجود الخارجية مصداق لذلك المفهوم الذي وضع له اسم الوجود فاذا اطلق تبادر الى الحقيقة الثابتة في الخارج فلا يلزم حينئذ حصول الوجود في الذهن ابتداء فلا يساوي الماهيات الكلية في الحصول الذهني فلا يكون له حصولان فلا يحد ولا يعرف نعم يطلق ذلك الاسم اي الذي هو اسم الوجود على حقيقة تحتها افراد متفاوتة في الشدة والضعف من باب الاشتراك المعنوي فالاسم في الحقيقة للحقيقة والافراد مجهولة الاسماء الا بالاضافة الى ما تنسب اليه كما هو شأن الوضع لحقيقة الاشتراك المعنوي وان كان يلزم عند شرح اسماء تلك الوجودات حصول الامر العام الذهني بعد ذلك انتزاعيا عارضيا بخلاف معلومة الاسامي كالشيئية والماهية واقسام الشيء فان وضع الاسماء لها والنعوت انما يكون ابتداء بازاء مفهوماتها ومعانيها الكلية فتكون الامور الخارجية منها افرادا لتلك المفاهيم والمعاني الكلية الذهنية لا بازاء الخارجية الوجودية والصور العينية كما في الوجود هذا ما اراد من كلامه تفصيا عما يرد عليه وقيل ان ما ذكر في كتابه الكبير ينافي ما ذكره هنا وهو قوله حيث ذكر في ذيل تنبيه تقدسي في فصل عقده لبيان ان اول ما ينشأ من الوجود الحق المتعال ماذا قال : لما تكررت الاشارة سابقا الى ان لفظ الوجود يطلق بالاشتراك على معان منها ذات الشيء وحقيقته وهو الذي يطرد العدم وينافيه والوجود بهذا المعنى يطلق عند الحكماء على الواجب ومنها المعنى المصدري الذهني انتهى فان قوله : ومنها المصدري الذهني يشعر بان مراده من الاشتراك هو الاشتراك اللفظي الموجب لتعدد الوضع المستلزم لوضع اسم الوجود بازاء فرد من الافراد وايضا في الكتاب الكبير جعل من افراد الحقيقة المعنى المصدري وهنا ينافيه لخروج المعنى المصدري من حقيقة الوجود هذا معنى ما قيل واعلم ان ما في الكتاب الكبير وان كان شارحا ومبينا عما في كتابه الصغير هذا الا انه في ذلك الكتاب جعل الامور الانتزاعية والمعاني الكلية والمعقولات الثانوية كلها من الوجود كما نقلنا عنه سابقا بخلاف ما ذكره في هذا الكتاب فلا غرابة ان يكون كلامه هناك منافيا لما هنا نعم يمكن الجمع بين كلاميه بان قوله : اول ما ينشأ من الوجود لا يدل صريحا على انه ينافي قوله هنا لجواز ان يكون مراده ان المعنى المصدري تحققه في الذهن هو حظه من تلك الحقيقة والانشاء للعوارض اللاحقة لمراتب التنزلات في كل شيء بحسب رتبته من الحصول والظهور هذا ما له من الكلام
واما ما عليه منه فاعلم انهم اختلفوا في كيفية وضع الاسماء فقيل وضعت بازاء المعاني الذهنية والخارجية افراد لها فلما كانت الذهنية طبيعية فكليتها طبيعية لا منطقية اعطت ما تحتها اسمها لان شمولها لكونها مطلقة مجردة عن قيد العموم والخصوص فيصلح اسمها لكل فرد وعلى هذا القول بني المصنف قواعده وقيل وضعت الاسماء بازاء المعاني الخارجية الا انها لما كان الواضع وضع الاسماء علامة على المسميات يتميز بها بعضها عن بعض كانت صفات للمسميات كما قال الرضا عليه السلم وقد سئل عن الاسم فقال (ع) صفة موصوف ه لانها ظواهرها الدالة وجب ان يكون اكمل الوضع لتلك الفائدة ان يكون بين الالفاظ والمعاني مناسبة ذاتية لانها اكمل للوضع وابلغ للدلالة والتمييز ولا يترك المناسبة الذاتية بينهما الا اذا كان الواضع غير قادر عليها او غير عالم بها او اذا كان في اعتبار المناسبة مشقة ولغوب في الواضع وقد ثبت في محله ان الواضع هو الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى وعلم ادم الاسماء كلها ومعلوم ان فعله وصنعه تعالى يكون على اكمل ما يمكن واكمل ما يمكن في العلامة والدلالة المناسبة الذاتية ولانها صفات والصفات انما تشتق من هيئات الموصوفات والله عز وجل عالم بذلك قادر عليه بلا مشقة ولا لغوب فترك الصنع الاكمل مع القدرة عليه والتمكن منه نقص لا يجوز في فعله وصنعه فوجب ان يكون بينهما مناسبة ذاتية وعلى هذا لو كان الواضع هو المخلوق وهو عالم بالمناسبة قادر عليها بلا مشقة فلا شك انه يلتزمها فاذا اراد ان يضع اسما واحدا لافراد نوع من الانواع يصدق على كل فرد بالمطابقة تصور حقيقة افراد ذلك النوع انتزعها بمرءاة ذهنه من تلك الافراد الخارجية بحيث تكون تلك الحقيقة تصدق على كل فرد منها من باب التواطي او التشكيك وتلك الصورة ظلية فالف حروفا تكون صفات جواهرها من الشدة والرخاوة والمجهورة والمهموسة والقلقلة وغير ذلك مناسبة لتلك الحقيقة التي صورتها في ذهنه على حسب ما تصورها ورتب تلك الحروف في نظمها وفي حركاتها مناسبة لهيئة تلك الحقيقة لانه ينظر الى شبحها الذي في ذهنه فيؤلف ما يناسب تلك الحقيقة في المادة والهيئة ويكون تصور تلك الحقيقة الخارجية الجامعة لتلك الافراد آلة لاختيار ما يناسب للتأليف والوضع على كل فرد خارجي تحققت تلك الحقيقة فيه فالوضع في الحقيقة للامر الخارجي الثابت لا للذهني وانما الذهني آلة لملاحظة تلك الحقيقة الخارجية الموضوع لها ولما كان الواضع هو الله عز وجل وهو لا يجوز عليه التصور والتفكر والتروي كان محل تلك الصور هي الكتب الملكوتية الثانوية الشبحية المعبر عنها بعالم المثال لانها محال التأليف وآلات الوضع على الحقائق الاصلية الملكوتية الاولىة الجوهرية المتحققة في الخارج لان الشبحية صفات هيئات الصور الجوهرية الملكوتية والاسماء صور الصفات فخلقها عز وجل من الشبحية وهذا هو الحق
فاذا عرفت هذا فالوضع حيث يعتبر فيه المناسبة لا بد فيه من تصور الموضوع له وهذا التصور الذهني آلة للوضع لا ان الوضع بازائه وانما الوضع بازاء المسميات الخارجية فعلى هذا يكون لزوم الامر الذهني في الوضع لكونه آلة وكل شيء لا تمكن فيه المناسبة لا يصح ان يوضع بازائه اسم غير ذاته لا لفظي ولا معنوي وهو الله وحده سبحانه وتعالى واما فعله فله مناسبة من جهة التعلق بالمفعولات فيجوز الوضع بازائه وما سواه من الوجودات وغيرها فهي متساوية في هذا الحكم سواء علم وجه المناسبة كما في بعض المشتقات واسماء الاصوات مثل غاق اسم لصوت الغراب وشيب اسم لصوت شفتي الناقة عند شربها الماء وكالجولان والطيران والنزوان والغليان وما اشبه ذلك من المعاني التي تكون فيها الحركة والتقلب يوضع بازائها على وزن فعلان بفتح العين لاجل مناسبة حركة وسط الاسم لحركة وسط المسمى ام لا كاكثر الاسماء خصوصا المرتجلات والوضع لنقيضين لا يدفع المناسبة لجواز كون الاسم له مناسبتان من جهتين لانا لا نريد بها خصوص المناسبة الشخصية بل والنوعية فقد يكون الضدان بينهما جهة ذات وجهين جامعة بينهما بجهتيها كالنار الحارة اليابسة والماء البارد الرطب بينهما الهواء الجامع بينهما بجهتيه فبحرارته يوافق النار وبرطوبته يوافق الماء فافهم واقتصر على التمثيل وبعض البيان والدليل فان هذا ليس مكان تحقيق هذه المسئلة فاذا اردت بالوضع اللفظي بل والمعنوي للوجود الحق تعالى فهو باطل لان وجوده ذاته ولا يمكن الوضع بازائها لامتناع تصورها ومناسبة غيرها لها واقتران غيرها بها وعدم حاجتها الى العلامة لانها للتمييز واذا اردت به ما سوى الله تعالى تساوت الاشياء في حكم الوضع فينهدم كل ما اسسه المصنف وغيره من قواعدهم من جعل الوجود صادقا على الواجب والحادث بكل من الاشتراكين ومن تقسيم الاشياء الى حقيقي وجودي واعتباري عدمي ومن الوضع بازاء المفهومات الكلية الاعتبارية في شيء وبازاء الخارج في اخر ومن ان امكان التعبير عن المسمى بالاسم والنعت لكون الوضع بازاء مفهومه العام والمعنى الكلي لعدم امكان الوضع بازاء الهويات والصور العينية ومن ثبوت حقائق بعض الاشياء في الاذهان ومن ان ليس كل ما في الاذهان انتزاعيا ظليا الا اذا كان ذو الذهن علة الوجود الذي به قوام الخارجي فانه يكون ما في الذهن اصلا لما في الخارج كما ان قوام الصورة في المرءاة بالشاخص المقابل لها فانها بعدمه تنعدم فاذا كان العلة بعدمه ينعدم الخارجي فالخارجي متقوم بما في ذهن العلة وهذا الحكم مختص بخلق هم علة وجود الخلق ممن سواهم اللهم صل على محمد الامين واهل بيته الطيبين
قال : { الثاني ان من البين الواضح ان المراد بالخارج والذهن في قولنا هذا موجود في الخارج ( وذاك موجود في الذهن ليسا من قبيل الظروف والامكنة ولا المحال بل المعنى بكون الشيء في الخارج خل ) ان له وجودا تترتب عليه اثاره واحكامه وبكونه في الذهن انه بخلاف ذلك فلو لم يكن للوجود حقيقة الا مجرد تحصيل الماهية لم يكن فرق بين الذهن والخارج وهو محال اذ الماهية قد تكون متحصلة ذهنا وليست بموجودة في الخارج }
اقول : يريد ان الذهن قد تحصل فيه الماهية بحقيقتها مجردة عن العوارض الخارجية كما هو مذهب كثيرين ومنهم المصنف من حصول الاشياء بحقائقها في الذهن وقد توجد في الخارج الا انها اذا لوحظ امر منضم اليها في الخارج ترتبت عليها اثاره واحكامه واذا لم يضم اليها ذلك الامر الخارجي لم يترتب عليها شيء منها وذلك الامر هو الوجود ولولاه لم يحصل فرق بين الذهن والخارج بالنسبة اليها فالخارجي ما ترتبت عليه الاحكام والذهني ما لم يترتب عليه شيء لانا لا نريد منهما مجرد انهما ظرفان ليكون التسمية باعتبار المكانين فنقول هذا موجود في الذهن اي في هذا المكان المخصوص وذلك موجود في الخارج اي في هذا المكان المعين وانما التسمية بالذهني لعدم ترتب الاثار والاحكام وبالخارجي لترتبهما فاذا كانت الماهية توجد فيهما فما الفرق الا بترتب الاثار الا ان وجودها في الذهن مجردة فلم يترتب عليها شيء وفي الخارج بالوجود وجدت فترتب عليها الاثار فثبت ان الوجود ما به التحقق في الخارج فيكون اولى بالتحقق خارجا مما سواه واعلم ان هذه التقريرات مبنية على قواعدهم واكثرها لا يصح على المذهب الحق كما اشرنا اليه سابقا ولكني اقول لك انه لا شك في تحقق الوجود خارجا وهو بديهي وانما الكلام في هذه الاستدلالات والقواعد فان كون الماهية توجد بمعناها الجوهري وان كان مجردا عن العوارض الخارجية باطل مع ان العوارض الخارجية هي المنوعات والمشخصات والشيء الموجود المتحقق انما هو وجود تشخص بمشخصات فاذا وجد الشيء بحقيقته في الذهن مجردا عن تلك العوارض كان الوجود هو الموجود في الذهن بحقيقته وكون المراد بالماهية الحاصلة في الذهن انما هي العامة لا ينافي كون ذلك هو حقيقة الوجود على هذا لان حقيقة الوجود مطلقة فهي كلية عامة باطلاقها وانما تشخصت بالمشخصات او المنوعات لان القائل بهذا لا يفرق بين حقيقة الماهية في الوجودين الا بالعوارض التي على حصولها تترتب الاثار ونحن على ظاهر قولنا لا يحصل في الذهن الا شبحها الظلي مع انه لا شك انه تترتب عليه اثار بنسبته لان للذهن عوارض بها يتنوع الذهني ويتشخص كما للخارج عوارض بها يتنوع ويتشخص وتترتب على كل آثاره بنسبته فليست الاشياء بحقائقها في الذهن وليس الفارق بينهما حصول الاثار لانكم لا تريدون ان الخارجي بعوارضه تترتب عليه الاثار الذهنية كما لا تريدون ان الذهني بعوارضه الذهنية تترتب عليه الاثار الخارجية بل تترتب اثار الخارجية في الخارج فكذا الذهنية ولو قلتم ليس في الذهني عوارض قيل لكم فاذا لا تعلمون العوارض الخارجية اذ لا تعلم الا بصورها الذهنية التي هي العوارض الذهنية ثم على فرض ان الماهية ليست هي رتبة ثانية للوجود كما تقولون فما المانع ان تكون بنفسها هي منشأ الاثار ولا سيما اذا قلنا بان تلك العوارض انما هي حدودها ومتمماتها مع ما قد ثبت من ان الاحكام تابعة للصورة لا للمادة عقلا ونقلا ومن ان الوجود هو الهيولي وان حصة الوجود في الشيء المتشخص هو المادة وان صورته هي الماهية الاولى التي هي القابلية وان الماهية الثانية التي تعنون مركبة منها ومن المادة وان الاحكام اللاحقة لها ناشية عن الاولى وكل ذلك ثابت بالنقل عن معاني كلمات ائمة الهدى عليهم السلم وبالعقل بل بالفؤاد الذي هو المدرك بدليل الحكمة وكون الاثار موجودة لا تصدر عن الماهية لانها هي المفهوم الاعتباري الغير المتحقق مردود بان هذا مصادرة فانا لانسلم ان الاعتباري عدم على انكم اثبتم الحقيقة في الذهن كما هي في الخارج الا انها في الذهن مجردة عن العوارض الخارجية ويلزمكم انها وجود بدون العوارض لان العوارض ليست جزءا لحقيقتها وانما لحقتها بعد ثبوتها فان كانت ثابتة بنفسها قبل العوارض فهي وجود وان كانت ثابتة بالوجود فهو لم يستثن تجردها منه فتصحبه في الذهن وان جردتموها منه لم تكن شيئا ولا حقيقة لها فما معنى قولكم فيما قبل ان تصور الشيء حصول معناه في الذهن وقولكم ان الاشياء بحقائقها في الذهن وقولكم مرة توجد بحقيقتها في الذهن لقولكم حصول معناه في الذهن ومرة توجد بوجود انتزاعي وقد تقدم النص عن المصنف في الكتاب الكبير بان جميع المفهومات موجودة في الذهن وان وجودها ذلك هو حظها من حقيقة الوجود ولا شك في ان كل شيء يظهر في الكون بقدر ما قبل من الوجود على حد تأويل قوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها وكون ما في الخارج اقوى مما في الذهن لا يكون سببا للاختصاص بترتب الاثار وليس انما لم تؤثر ماهية النار الاحراق في الذهن لعدم القابلية لتجرده لان المجرد يؤثر في المجرد ولو كان ما في الذهن من النار حقيقتها المجردة لاثرت في الذهن كما يؤثر بعض المجردات في بعض ولو كانت الجسمانية التي هي الحرارة واليبوسة الجوهرين لم تؤثر في الذهن لتجرده الا ان كون الاجسام في المجردات مما لا يتصور ولا يحتمله من له ادنى فهم او وجدان بل انما لم تؤثر لان الموجود منها في الذهن انما هو الصورة المنتزعة من الموجود منها في الخارج انتزاعا ظليا على اي طور كان الانتزاع وكأن الفرق بين الوجودين عندهم المحصور في ترتب الاثار وعدمه مبني على كون ما في الذهني اعتباريا عدميا ولا يجري على صحة نقل حقيقة الشيء الى الذهن لان الشيء عند العرفاء ما له التحقق وعلى هذا لو ثبت كان وجودها الذهني متوقفا على اعتبار عوارض ذهنية كما قلنا قبل كما ان الخارجي الذي هو اقوى يتوقف على لحوق العوارض الخارجية له في ظهوره وفيما عنه وله من الاثار والاحكام وكما تختلف احواله بعدم لحوقها كذلك ما في الذهن فلا بد له من لحوق عوارض ذهنية به تكون مع انضمامها منشأ للاثار والاحكام الذهنية وان قلت في الخارجي انما منشأ الاثار ما به التحقق وهو الوجود وان كان بسبب لحوقها قلنا كذلك فان منشأ الاثار في الذهني ما به تحققه وهو الوجود الذهني وان كان بسبب لحوق عوارضه ولعلك تقول اي اثر واي حكم للذهني تترتب عليه وعلى عوارضه بل اي شيء تكون عوارضه فانا نقول ان سر العلوم ومعرفة الكون في العلم ومعرفة المنزلة بين المنزلتين وادلة تلك المعارف بل معرفة وضع الاسماء بازاء مسمياتها ونشو الصفات عن موصوفها ( موصوفاتها خل ) وربط اللوازم بملزوماتها وغير ذلك من مثل الكليات الطبيعية والمنطقية والعقلية واحكام العموم والخصوص وغيرها منشاؤها تلك الامور الذهنية مما به التحقق ومعه التحقق وله التحقق كل شيء بنسبته سواء قيل بكونها اعتبارية ام وجودية
وقول المصنف { اذ الماهية قد تكون متحصلة ذهنا وليست بموجودة في الخارج } مبني على ما اصلوه واما على طريقة ائمتنا عليهم السلم فكلامه لا يتم بل التام المقبول عندهم صلى الله عليهم ما معناه ان الماهية لا تتحصل في الذهن الا منتزعة مما في الخارج الا ما كان في ذهن علة الايجاد في الفاعلية والمادية والصورية والغائية صلى الله على محمد واله الطيبين فانه لو فرض ذهاب ما في اذهابهم ( اذهانهم خل ) عليهم السلام عليهم ولهم من كل ما يكرهون لم يوجد في الكون شيء اذ ما هم عليهم السلام الا كشعلة السراج وسائر الخلائق كالاشعة واما ما في اذهان ما سواهم فهو ظل للخارجي بل قد تتحصل اشياء في الخارج لم تحصل في الذهن لان وجود الظل مسبوق بوجود ذي الظل
قال : { الثالث انه لو كانت موجودية الاشياء بنفس ماهياتها لا بامر اخر لامتنع حمل بعضها على بعض والحكم بشيء منها على شيء كقولنا زيد انسان والانسان ماش اذ مفاد الحمل ومصداقه هو الاتحاد بين المفهومين المتغايرين في الوجود وكذا الحكم بشيء على شيء عبارة عن اتحادهما وجودا وتغايرهما مفهوما وماهية وما به التغاير غير ما به الاتحاد }
اقول : هذا الاستشهاد الثالث على ثبوت حقيقة الوجود وتقريره على ما يريد في الحمل المتعارف الشايع بين اهل العرف لان مقتضاه الاتحاد بين المحمول والموضوع مع تغاير مفهوميهما كما مثل به فقال { كقولنا زيد انسان } فلو كان زيد موجودا ومتحققا بنفس ماهيته في الخارج وانسان كذلك كان مقتضى ذلك المغايرة اذ لا رابطة بينهما فلا يكون زيد هو الانسان فتكذب القضية مع الاتفاق على صدقها في الخارج وليس الا لان ما به زيد زيد عين ما به انسان انسان ولا يكون في المتغايرين فثبت انه شيء واحد وهو الوجود وان كانا من حيث المفهوم الذهني متغايرين كما هو حكم الحمل المتعارف ولو كان ليس بينهما رابط جامع وحقيقة جامعة لكان قولك زيد انسان بمعنى قولك زيد غيره اي غير زيد فيبطل الحمل ومثل المصنف بمثالين لحكمين حمل شيء على اخر كزيد انسان والحكم بشيء على شيء كالانسان ماش وهو قوله اذ مفاد الحمل ومصداقه هو الاتحاد بين المفهومين المتغايرين وان كان عرضيا كماش بالنسبة الى الانسان ومراده ان الحمل المتعارف تحققه مشروط بهذين الشرطين اي الاتحاد في الخارج والتغاير في المفهوم
وقوله { وما به المغايرة } يعني الماهية { غير ما به الاتحاد } يعني الوجود فلولا الوجود لامتنع الحمل بالحمل المتعارف لان الموضوع والمحمول كل منهما مركب من وجود وماهية والتغاير بالماهية لان التمايز انما يتحقق بها فينحصر الحمل في الاولى الذاتي الذي يتحد فيه الموضوع والمحمول بحسب الخارج والذهن والتغاير المعتبر في الحمل المتعارف يصدق بدلالة اختلاف اللفظين او بالتقدير مثل قولك زيد زيد فان المعنى المقدر للمغايرة هو قولك زيد المذكور زيد المعلوم او بالعكس كقولك زيد المعلوم زيد المذكور هذا مفاد كلامه وهو على ما هو معروف بينهم صحيح ولكن لقائل ان يقول من اين يلزم من كون موجودية الاشياء نفس ماهيتها امتناع الحمل الشايـٔع فما المانع من ان تكون ماهيات الاشياء موجودة بنفسها ويحمل بعضها على بعض ويحصل الشرطان كما تقولون في الوجود بان الماهيات مجهولة الاسامي وشرحها انها ماهية كذا وماهية كذا فيتحدان باعتبار نفس الماهية وحقيقتها ويتغايران في الذهن باعتبار ماهية كذا فالاتحاد باعتبار نفس الماهية وحقيقتها ويتغايران باعتبار ما ينسب اليهما فلا يلزم بهذا امتناع الحمل فلا يلزم وجود الوجود
قال : { والى هذا يرجع ما قيل ان الحمل يقتضي الاتحاد في الخارج والمغايرة في الذهن فلو لم يكن الوجود شيئا غير الماهية لم تكن جهة الاتحاد مغايرة لجهة المغايرة واللازم باطل كما مر والملزوم مثله بيان الملازمة ان صحة الحمل مبناه على وحدة ومغايرة ما اذ لو كان هناك وحدة محضة لم يكن حمل ولو كان كثرة محضة لم يكن حمل فلو كان الوجود امرا انتزاعيا تكون وحدته وتعدده تابعين لوحدة ما اضيف اليه وتعدده من المعاني والماهيات واذا كان كذلك لم يتحقق حمل متعارف بين الاشياء سوى الحمل الذاتي وكان الحمل منحصرا في الحمل الذاتي الذي مبناه الاتحاد بحسب المعنى }
اقول : هذا الكلام معناه ما تقدم قبله ومتفرع عليه وتكرير له وقوله { فلو لم يكن الوجود شيئا غير الماهية لم تكن جهة الاتحاد مغايرة لجهة المغايرة } قد قلنا لو قال قائل انه لم يكن الوجود موجودا وانما ماهيات الاشياء وجدت بنفسها وهي حقيقة واحدة قد وضع الاسم لها وماهيات الاشياء مجهولة الاسامي شرحها ان يقال ماهية زيد وماهية الفرس الى اخر ما احتج به في الوجود حصل الاتحاد بين الماهية التي ( هي خل ) موضوع والتي هي محمول والمغايرة بينهما في الذهن بما هو شرح اساميها بما تضاف اليه كما قيل في الوجود فلا يلزم شيء مما ذكر على تقدير عدم الوجود فتدبر
قال : { الرابع لو لم يكن الوجود موجودا لم يكن شيء من الاشياء وبطلان التالي يوجب بطلان المقدم بيان الملازمة ان الماهية اذا اعتبرت بذاتها مجردة عن الوجود فهي معدومة وكذلك اذا اعتبرت بذاتها مع قطع النظر عن الوجود والعدم فهي بذلك الاعتبار لا موجودة ولا معدومة فلو لم يكن الوجود موجودا في ذاته لم يكن ثبوت احدهما للاخر فان ثبوت شيء لشيء او انضمامه اليه او اعتباره معه متفرع على ثبوت المثبت له او مستلزم لوجوده فاذا لم يكن الوجود في ذاته موجودا ولا الماهية في ذاتها موجودة فكيف يتحقق هناك موجود فلا تكون الماهية موجودة }
اقول : هذا هو الاستشهاد الرابع على كون الوجود موجودا وحاصله هو عنوانه ان الوجود لو لم يكن موجودا لم يوجد شيء من الاشياء ولا ريب في وجود الاشياء فيلزم ثبوت الوجود وقوله { وبطلان التالي يوجب بطلان المقدم } فيه انه انما يوجبه مع التلازم بينهما والمانع للدليل يمنع الملازمة لجواز ان تكون الاشياء موجودة بانفسها لا بشيء اخر واذا قطعنا النظر عن الاصطلاح حققنا هذه الدعوى لانا نقول انت تريد بالوجود للشيء نفس مادته او ما به المادة فان اردت به نفس المادة ارتفع النزاع وان اردت به ما به المادة فنقول تريد بما به المادة شيئا مفارقا للشيء بمعنى انه ليس من حقيقته وانما هو شيء تقوم به الشيء تقوم صدور وتعني به الفعل كحركة يد الكاتب لم تتقوم الكتابة بها الا تقوم الصدور والا فالكتابة انما تقومت بالمداد والصورة ولم تتقوم بها تقوم ركن فان اردت هذا ارتفع النزاع وان اردت بالوجود ما به يتقوم الشيء تقوم ركن او تقوم كل ولا مادة ولا صورة وانما هما عرضيان فدون ذلك خرط القتاد لان زيدا حيوان ناطق والفرس حيوان صاهل فحيوان مادة والناطق صورة نوعية والصاهل صورة نوعية وزيد مركب من حصة من الحيوان وهي مادة حقيقته ومن حصة من الناطق وهي صورتها فحقيقته مركبة منهما لا غير وليس شيء من حقيقته غيرهما اتفاقا فاين الوجود يا قائلين بانه حقيقة كل شيء الا ان تقولوا هو المادة والصورة ولا نعني بحقيقته وماهيته الا ما به التحقق وفي الحقيقة مع قطع النظر عن الاصطلاحات ليس حقيقة الشيء وماهيته وكنهه وهويته الا شيئا واحدا وهذه كلها تصدق على شيء واحد وهو مجموع المركب منهما اي من المادة والصورة صدقا بالمطابقة ويصلح الجواب بذلك عن السؤال بما هو على جهة الحقيقة فان ادعيتم ان شيئا من حقيقة زيد غيرهما فعلى المدعي البيان على جهة العيان كما قلنا لكم لا بمفاهيم العبارات والقضايا التي اذا تحققها العاقل لم يجد الا شعريات وتخيلات منتزعة من دلالات الالفاظ على حسب الافهام الاكتسابية التي تخالف مقتضى الفطرة اذ لو كان حبس فهمه على مقتضى الفطرة لما قال ان حقيقة زيد هو الوجود وهو غير المادة والصورة مع انه يقول ان حد زيد الحقيقي حيوان ناطق فافهم
وقول المصنف في بيان الملازمة في دليله { ان الماهية اذا اعتبرت بذاتها مجردة عن الوجود فهي معدومة } صحيح اذا اراد بالوجود ثبوتها وتحققها فانه بهذا المعني صحيح وكذا لو اراد به المادة لان المعدوم معدوم وان اراد انه شيء اخر حقيقة مستقلة سواء اتحدت به ام استندت اليه مغاير لها في الحقيقة فلقائل ان يقول ما هو قل سموهم فما المانع من كونها موجودة بنفسها كما قلتم في الوجود على ان قوله وكذا اذا اعتبرت بذاتها مع قطع النظر عن الوجود والعدم يشعر بان الوجود يراد به المعنى المصدري فانه بمعنى لا موجودة ولا معدومة ولا شك ان كل شيء لا موجود ولا معدوم فانه لا موجود ولا معدوم فان المراد به المعنى المصدري
وقوله { فلو لم يكن الوجود موجودا في ذاته لم يكن ثبوت احدهما للاخر } كالاول فانه اذا كانا موجودين بانفسهما ثبت احدهما للاخر
وقوله { فاذا لم يكن الوجود في ذاته } الخ جوابه اذا قلنا بان ماهية الشيء اذا وجدت بنفسها تحقق ذلك الشيء الموجود والحاصل ان صحة كلامه في هذا الاستشهاد مبنية على كون المراد من الوجود المعنى المصدري او المادة وان اراد غيرهما لم يصح منه شيء والمعروف من مذاهبهم ان الوجود غير المادة وهو واتباعه يريدون به غير المادة وغير المعنى المصدري
قال : { وكل من راجع وجدانه يعلم يقينا انه اذا لم تكن الماهية متحدة بالوجود كما هو عندنا ولا معروضة كما اشتهر بين المشائين ولا عارضة كما عليه طايـٔفة من الصوفية فلم يصح كونها موجودة بوجه فان انضمام معدوم بمعدوم غير معقول وايضا انضمام مفهوم بمفهوم من غير وجود احدهما او عروضه للاخر او وجودهما او عروضهما لثالث غير صحيح اصلا فان العقل يحكم بامتناع ذلك }
اقول : ان الاتحاد قد يطلق ويراد ( به خل ) شيء واحد اختلف اسماه او مفهوماه او شيء صار شيئا اخر او شيئان صارا شيئا واحدا اما بالمزاج او الانقلاب او كون الشيئين شيئا واحدا موجودا من غير زيادة ولا نقص ولا انقلاب هذا الاتحاد الذاتي والصفاتي الاتحاد في الصفات بين شيئين فالاول كالمترادف كاسد وسبع والمراد هو المعنى الواحد والثاني كما في الصفات الثبوتية والثالث بالانقلاب كالماء يصير هواء والرابع كغذاء الشجر من الماء والتراب والخامس كالعناكب في بيت الزنبور تنقلب زنبورا والسادس ان يكون شيئان شيئا واحدا من غير مزاج ولا امتزاج ولا انقلاب في شيء منهما ولا زيادة ولا نقصان واحال هذا الاكثرون وما ذكره المصنف في اتحاد الماهية بالوجود ان كان من الاول اتحد المفهوم ومن الثاني يتعدد المفهوم ومن الثالث يتحد المفهوم مع ملاحظة الاتحاد ويتعدد بالتحليل وكذا من الرابع والخامس وفي هذه الخمسة يكون بازاء المفهوم تعدد او اتحد امر متحقق خارجي في الماضي او الحال ولا كذلك الوجود والماهية عنده والا لتساويا واما السادس فمن احاله استراح ومن جوزه قال كما نقل عن الحسين بن منصور الحلاج سبحاني ما اعظم شأني والمصنف في التوحيد لا يثبت اثنين شيئا واحدا انما يثبت واحدا يسمى باسمين باعتبارين وهذا الاتحاد بين الوجود والماهية عنده بهذا المعنى ويلزمه المفهومان اما مفهوم الوجود الكلي بازاء فرد خارج فقائل به ومحتج به كما تقدم واما مفهوم الماهية فهو يقول الموجود الخارجي هو الوجود لا غير ويلزمه انه ليس بموجود في الخارج وانما هو مفهوم والمفهوم امر اعتباري عدمي وكلامه في التحقق وعدمه فرع عليه هذا كلامنا لما راجعنا وجداننا واذا تكلمنا على عبارته فمفادها ان الوجود في الخارج هو الماهية والماهية هي الوجود الا ان الموجود يقال له الوجود لما تقدم من قوله ان الماهية تصدق عليه في الخارج ولا يقال له الماهية لانه لا يصدق عليها لا خارجا ولا ذهنا لحكمه بالمغايرة ذهنا وهذا طريق معروف عند اهل التصوف ولقد قال عبد الكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل في هذا المعنى :
صح عندي انها عدم مذغدت بالوجود مشتهره
قد يراها الخيال من بعد قدرت في الخيال مقتدره
لم تكن غير حائط نصبت لك فيها الكنوز مدخره
انا ذاك الجدار وهي له كنزه المختفى لاختفره
فاتخذها تصورا شبحا وهي روح لها لتعتبره
اكمل الله حسنها فغدت بجمال الاله منتشره
لم تكن في سواه قائمة فافهم الامر كي ترى صوره
وهو يشير الى الماهية التي هي الغير ولهذا قال بعض محققيهم : والماهية هي المسماة عندنا بالعين الثابتة اذا اعتبر ثبوتها في العلم الازلي وبالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها وظهور صورته فيها وقد تطلق الحقيقة على الماهية مطلقا مجازا وقول العامة ماهية الشيء ما به هو هو لا يصح عندنا على ارادة ما يحققه في نفسه بل هي نوعية والشيء ما له التحقق انتهى وقد قال هذا قبل هذا الكلام : وما به التحقق وهو الوجود عندنا بالحقيقة وان اطلقناه على الغير مجازا وهو واحد بالذات والشخص وما يقبل التحقق وهو الماهية وهي واحدة بهذا المفهوم مختلفة باختلاف ما صدق عليه هذا المفهوم انتهى الا ان هذا يخالف بظاهر كلامه المصنف في قوله : وبالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها وفي قوله : وظهور صورته فيها وفي قوله : وما يقبل التحقق وهو الماهية ويوافقه ويخالفه معا في قوله : مختلفة باختلاف ما صدق عليه هذا المفهوم وان كانا في الارادة متفقين يسقي بماء واحد
وقوله { ولا معروضة كما اشتهر بين المشائين } وكذلك المتكلمون لارادتهم من الوجود في الحقيقة المعنى المصدري وان الشيء هو الماهية وان اختلفوا فيها هل هي مجعولة ام لا ام ثابتة قبله
وقوله { ولا عارضة له كما عليه طائفة من الصوفية } لان منهم من يقول بالاتحاد كما يقول المصنف ومنهم من يقول بان الشيء هو الوجود وهو ذات الله تعالى او فعله على خلاف بينهم والماهية عارضة له لانها حدود مراتبه كالمقسمات او المشخصات والمعينات متحققة بتحققه او موهومة فان هذين الوجهين وان لم يرتضهما الا انهم وافقوه على عدم تحققها بنفسها وهو يقول اذا كانت ليست موجودة الا بالوجود على الاراء الثلاثة فلو لم يكن الوجود موجودا لم يوجد شيء لان الامر دائر بينهما امتنع وجود الاشياء من قبلها لا للاشياء ولا لها تعين كون الوجود موجودا وقد سمعت مرارا ان هذه الادلة مبنية على المصادرة لانه ان اراد به الوجود الحق تعالى صح بلا كلام وان اراد به المخلوق على نحو ما ذكرنا مرارا من انه هو المادة والصورة اتحد مع الماهية وتعدد المفهوم في التحليل الذهني وان اراد بهذا المخلوق المعنى المصدري ارتفع النزاع فان قلت يعني بالوجود امر الله الذي به قوام الاشياء كما قال سبحانه ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال الصادق عليه السلم في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك ولا ريب ان ذلك اما الفعل او الوجود ولا جائز ان يكون الفعل كما قررت لان الاشياء تتركب منه ولا يكون هو الاشياء كما هو رأي ضرار واصحابه الذين زعموا ان ارادة الله تأكل وتشرب وتنكح وتحيى وتموت فلم يبق الا ان تقوم الاشياء به تقوم صدور وليس بمراد المصنف فلم يبق الا الوجود وهو ذات لا عرض على ما تعترف به انت قلت انا معترف بان امر الله الذي به قام كل شيء قيام الركنية هو الوجود ولكن ليس مرادي منه ومن قيام الاشياء به حيث تذهب لاني قد اشرت سابقا الى مرادي والأن اشير اليه لئلا يلتبس الحق بالباطل فاقول اعلم ان اول ما صدر عن فعل الله سبحانه الراجح هو الامكان لانه عز وجل كان ولا شيء معه وكان عالما ولا معلوم وقادرا ولا مقدور وسميعا ولا مسموع وبصيرا ولا مبصر وذاكرا ولا مذكور فاحدث الفعل بنفسه ولا يتقوم الا بمتعلق فالفعل ومتعلقه اول الامكان ولا اول له محدث غير ذاته فكون تعالى من نفس ذات فعله الامكانات لجميع الاشياء لكل جزئي امكان كلي اضافي لا يتناهى وهذا هو العلم بالاشياء السابق ( على خل ) المشية اي المشية الكونية وهو العلم الذي لا يحيطون بشيء منه الا بما شاء منه بالمشية الكونية ثم شاء بمشيته الكونية تكوين ما شاء مما شاء امكانه فاول كائن عن فعله التكويني هذا الوجود وهو الماء وهو ن والقلم وما يسطرون وهو الحقيقة المحمدية فقسمه بقاسم محبته اربعةعشر جزءا بجهات قابليته ثم خلق من صفته وجودا دون ذلك كما خلق من صفة جرم الشمس نورا اشرق على القوابل للنور وهي الكثيفة كالارض وما عليها والكواكب وهذا نور اشتق من صفة النور الاصلي فخلق منه الانوار الاربعة العالين الذين لم يسجدوا لادم عليه السلم ثم خلق من شعاعها انوار الملائكة الكروبيين المسمين بملائكة الحجب وهكذا الى الثرى كل سافل خلق من صفة العالي فترامت المراتب الى الثرى قبولا وعكوسا وافراد كل مرتبة لكل فرد منها حصة هي مادته وحصة من هيئتها هي صورته وكل ما في هذه المرتبة من نوعي الحصتين قائمة بما فوقها قيام صدور وكل فرد منها قائم بمادته وصورته قيام ركني وبوجهه من المرتبة التي فوق مرتبته قيام صدور فهذا معنى ان كل شيء قام بامره وهذا معنى القيومية في كل شيء فخذها هدية مني اليك بقوة وكن من الشاكرين فانك لا تظفر بمثلها من غير كتبي ورسالتي ( رسائلي خل ) على هذا النحو الصافي النقي وافهم مرادي من قيام الصدور انه كقيام الكلام بالمتكلم مع انه قائم في الهواء وكقيام نور الشمس بها مع انه قائم بالجدار فالذي تقوم به زيد ان كان بما فوق رتبته فهو قيام صدور وان كان بما في رتبته فهو كل وجود رتبته او حصته منها فان كان كل وجود رتبته فهو قيام صدور اذ يلزم من هذا انه كله في زيد وكله في عمرو وكله في الفرس ولا يعقل الا بمظاهره لا بذاته وان كان حصة منها فان كان عارضا صدق قول المشائين وان كان معروضا صدق قول الصوفية وان كان جزءا من حقيقة زيد فان كان هو المادة جاء الحق وان كان غيرها وغير الصورة بطل الحق المتفق عليه بان زيدا عبارة عن الحيوان الناطق لا غير فكم اكرر الكلام واردده للافهام
فقوله { فان انضمام معدوم الى معدوم غير معقول } هذا غير معقول اي غير صحيح في العقل لانه مصادرة حتى يثبت انها عدم بالدليل الكشفي الحقيقي لا المدعي فان جميع استدلالاته هي التي نفاها اولا من الابحاث الحكمية والتخيلات الصوفية لانه انما يكون معقولا اذا كان وجودها غير معقول بدون الوجود على المعنى الذي قرره واما على فرض انها غير موجودة تكون معدومة فلا شك فيه
وكذا قوله { انضمام مفهوم بمفهوم من غير وجود احدهما او عروضه للاخر او وجودهما او عروضهما لثالث غير صحيح اصلا } فان القول بوجود للشيء غير ما يصدق عليه حده المتعارف بحصة الجنس القريب وحصة الفصل لم يثبت الا على نحو ما قررنا سابقا من ان الوجود اما المعنى المصدري اعني الكون في الاعيان كما هو معنى الوجود عند العامة او حقيقة الشيء التي هي مجموع ركني ماهيته من المادة والصورة وهذا هو الذي صدر عن فعل الله واختراعه ولم يصدر عن الله غير الوجود وهذان الركنان اللذان هما حقيقة ان كانا هما الفائضين عن فعل الله فهما الوجود وان لم يكونا الوجود فقد فاض عن فعله غير الوجود ولم يقل به احد وان كانا غيره ولم يكونا فائضين عن فعله تعالى فهما قديمان على ان الله سبحانه هو الذاكر قبل المذكور فاذا وجد المذكور ذكره بما هو عليه من الحقيقة فهل يذكره بوجوده ام بغير وجوده فاذا قلت بوجوده قلنا بوجوده الذي هو حقيقته ام لا فان قلت بالذي هو حقيقته قلت حقيقته ما حده الحقيقي شرحه وتفصيله وليس غير المادة
وقوله { فان العقل يحكم بامتناع ذلك } يحكم العقل بامتناعه
قال : { وما قيل بان موجودية الاشياء بانتسابها الى الواجب الوجود فكلام لا تحصيل فيه لان الوجود للماهية ليس كالبنوة للاولاد حيث يتصفون بها لاجل انتسابهم الى شخص واحد وذلك لان حصول النسبة بعد وجود المنتسبين واتصافها بالوجود ليس الا نفس وجودها قال بهمنيار في التحصيل انا اذا قلنا كذا موجود فانا نعني امرين احدهما انه ذو وجود كما يقال ان زيدا مضاف وهذا الكلام مجازي وبالحقيقة ان الموجود هو الوجود كما ان المضاف بالحقيقة هو الاضافة }
اقول : لما قرر مذهبه بان الوجود متحد بالماهية خارجا وان تغايرا في الذهن واخذ في الاستشهاد على ثبوت الوجود للاشياء بوجوه منها ما ذكره في هذا الاستشهاد من انه لو لم يكن موجودا لم يكن موجود قط وذكر مذهبه بالاتحاد ذكر مذهب المشائين والصوفية والقائلين بالانتساب لثلاث ارادات في ذكر هذه المذاهب احديها ان الكل ينسبون الموجودية للاشياء الى الوجود ولا ينسب احد منهم وجود الاشياء انفسها والا لزم ما قرر سابقا وان اختلفوا في الوجود ما هو بكونه عارضا لها او معروضا او بانتسابها الى جاعلها او هو الهها وخالقها والثانية ان ظاهر كلام هؤلاء ليس بصحيح بل هو ظاهر البطلان والثالثة ان مرادهم لعله هو كون العارضية او المعروضية ليس بحسب الخارج بل باعتبار ذهني وان الكل منهم قائل بالاتحاد الخارجي فيكون النزاع لفظيا ولهذا قال فلم يصح كونها موجودة بوجه يعني لم يكن وجودها كما قلنا ولا كما يقولون هؤلاء فلهذه الارادات تعرض لذكر اقوالهم وذكر كلام القائلين بالانتساب وابطله كما سمعت الا ان ابطاله راجع الى ظاهر اللفظ لان المصنف يأول مذاهب المتألهين من الصوفية الى مذهبه فقال في ابطال ظاهر كلام اهل الانتساب ان كلامهم لا تحصيل فيه لان الوجود للماهية ليس كالبنوة للاولاد الخ يعني ان الانتساب ظاهره ان يوجد المنتسبان قبل الانتساب لانه متفرع على وجودهما والماهية ليست موجودة قبل اتصافها بالوجود ليصح انها موجودة بانتسابها اليه بل اتصافها بالوجود نفس وجودها بخلاف البنوة للاولاد ولقائل ان يقول ان التمثيل مستقيم فان البنوة مساوقة لوجود الاولاد في وجودها في الخارج لانا لا نريد بالبنوة نفس وجودهم وانما نريد المساوقة التي هي تمثيل للدليل فان انتساب الاشياء اليه تعالى مساوق لوجودهم فاما ان يكون وجوداتهم عين انتساباتهم اليه تعالى او غيرها فان كانت غيرها انتقضت ادلته في اتحاد العاقل بالمعقول كما يأتي وان كانت وجوداتهم عين انتساباتهم اليه تعالى كما قرره العارفون في علمه تعالى بالاشياء بالعلم الاشراقي الحضوري فان حضورها لديه عين انتسابها وليس لها وجود يعقل قبل ذلك الحضور الذي هو نفس الانتساب واثبات موجوديتها انها عين انتسابها اليه عز وجل متحقق بعين ما استدل به فيما بعد من اتحاد العاقل بالمعقول وما قاله بهمنيار نقول به ونلتزمه على نحو ما اقرره لك من قوله { ان الموجود هو الوجود } ومعنى كون التزامنا بذلك مشروطا بكونه على ما اقرره اني اقول ان الوجود الذي هو الموجود هو الوجود المخلوق والوجود الحق تعالى هو الموجود الحق عز وجل ولا اتحاد بين الوجودين ولا الموجودين ولا يطلق شيء من احدهما على شيء من الاخر لا في الذات ولا في الصفات ولا الافعال ولا العبادة واما الاسم اللفظي فموضوع في الوجود الواجب تعالى بازاء عنوان توحيده ومعرفته وهو شيء خلقه الله سبحانه وصفا لمعرفته وصف استدلال عليه لا وصفا يكشف عنه تعالى وهي ( هو خل ) ليس كمثله شيء والا لعرف الله سبحانه بذلك الشيء الذي فرض انه مثل لعنوانه وفي الوجود الحادث موضوع بازاء ذلك الوجود الحادث وليس بين العنوان والحادث اشتراك معنوي لانه بوضعين مختلفين الاول حقيقة والثاني حقيقة بعد حقيقة ومرادنا بقولنا حقيقة بعد حقيقة ان الثاني يجوز اطلاق المجاز عليه باعتبار المعنى في جهة العلية والمعلولية في الذوات او الصفات او فيهما لا باعتبار ان الوضع للاول والثاني استعمل اللفظ الموضوع للاول فيه لعلاقة بل الوضع الثاني وضع اول ايضا ولا اشتراك لفظي لانا نشترط في الوضع المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى بان يكون بين مادة اللفظ ومادة المسمى مناسبة ذاتية وبين هيئة اللفظ وصفة المعنى كذلك وهذا الاعتبار متحقق بالوضع بازاء الوجود الحادث واما في العنوان فلا تتحقق المناسبة الا من باب التفهيم والتعبير وليست ذاتية والا لكان لذلك العنوان مثل ولو في جهة ما فيلزم ان يكون الله سبحانه يعرف بذلك وهو باطل لان الله عز وجل قال في كتابه العزيز ليس كمثله شيء فلو كان للدليل عليه شبيه او مناسب بجهة ما لعرف به تعالى عن ذلك علوا كبيرا فافهم ان كنت تفهم فلم يبق بينهما الا نسبة الاشتراك في تسمية التعبير والتفهيم خاصة فلذا قلنا انه حقيقة بعد حقيقة
وعلى هذا ومثله مما ذكرنا سابقا ونذكر انا اذا تكلمنا في الوجود فانما نعني به الوجود المخلوق وعلى هذا فنقول بظاهر كلام بهمنيار ولانقول بمراده ولا بمراد المصنف منه لانه يريد به الوجود الحق او الوجود المطلق فالوجود المخلوق هو الموجود المخلوق وليس له حقيقة الا ذاته ولهذا قال امير المؤمنين صلوات الله عليه : انتهى المخلوق الى مثله ه وقول بهمنيار الحكيم : انا اذا قلنا كذا موجود فانا نعني امرين احدهما انه ذو وجود كما يقال زيد مضاف وهذا الكلام مجازي ه مقرر للامر الثاني بان الموجود هو الوجود وان لحاظ المغايرة مجاز فيحمل على المعنى العامي اي الكون في الاعيان وكذلك قوله { كما ان المضاف هو الاضافة } وهذا شاهد للقول بان الوجود هو الانتساب الى الواجب واما قولي باني لااقول بمرادهم فلانهم يزعمون بان الوجود موجود متأصل في الخارج جزئي حقيقي ليس فيه لذاته جهة تعدد بوجه ما وهو الوجود الحق تعالى ليس كما يريدون لانهم يريدون بان الموجودات وجدت بنسبتها الى الوجود الحق تعالى وان لم يكن الوجود فيه مستندين الى ان صدق المشتق على شيء لا يقتضي قيام مبدء الاشتقاق به فان صدق الحداد مثلا انما هو بسبب كون الحديد موضوع صناعة ذلك الشخص وهذا يشعر بان الوجود لم يرتبط بشيء من الممكنات لانه عندهم شيء واحد جزئي بسيط حقيقي وهو الله تعالى وانا اقول مثلا بانها موجودة بنسبتها اليه تعالى وتلك النسبة هي عين وجوداتهم وهي وجودات متكثرة اذا نسبتها بعضها من بعض وجدت مراتبها مختلفة كل سافلة شعاع للعالية على نحو ما سبق وكل هذه الوجودات عين الموجودات وذواتها بما انتسبت به انتسابا اشراقيا فقولي غير قولهم وان صلح اللفظ لي ولهم في بعض الاحوال لاني اقول بهذه النسبة بهذا المعنى وهم يقولون يصح اطلاق المشتق على شيء بسبب انتساب ذلك الشيء الى مبدئه انتسابا مخصوصا واطلاق الوجود على الممكنات كذلك لا ان الوجود قائم بها نحوا من القيام بل الوجود عين ذات الواجب ولا تعدد فيه اصلا وما سواه من الموجودات لاجل انتسابها اليه تعالى انتسابا خاصا صار موجودا وتطلق عليه الموجودية ولا يتوهم انهم يقولون باختلاف مفهوم الوجود في الواجب والممكن فانهم يطلقون الموجود على الواجب ايضا اذ ذاك اختلاف في المصداق دون المفهوم ويجوز ان يكون المصداق مختلفا مع كون المفهوم واحدا في الجميع كما سيجيء والحاصل انهم يقولون بوحدة الوجود دون الموجود على الوجه الذي مر انتهى ما نقل من معنى كلامهم والمصنف نقل كلام بهمنيار مستشهدا به لتوافق الارادتين واتحاد المرادين
وربما جمع بين مذهب المصنف ايضا ومذهب اهل الانتساب بان المراد بالانتساب هو الوجود الارتباطي التعلقي وهو قد قال ان جميع الوجودات الامكانية هي عين التعلقات والارتباطات فصرح هو بالمراد وهم عبروا عنه بالانتسابات فلذا قالوا بان تلك الانتسابات مجهولة الكنه والحقيقة كما قال هو ان الوجود مجهول الحقيقة وانما اعترض على ظاهر كلامهم كما تقدم وان كان مراده مرادهم وما توهم من ان صريح قولهم ان الماهية اثر الجاعل وان اطلاق المشتق على شيء لا يستلزم قيام مبدء الاشتقاق به ينافي مراد المصنف يعارضه قولهم ان الجاعل هو الماهية يوافق قول المصنف تبعا لمحققي مشائخ الصوفية وكبارهم من ان الجاعلية والمجعولية في الحقيقة يرجعان الى تطورات المبدأ الاول في مراتب مظاهره واطواره في شؤنه وقولهم ان اطلاق المشتق لا يستلزم قيام مبدء الاشتقاق به مع قولهم واطلاق الوجود من هذا القبيل قيل يريدون بمبدء الاشتقاق الوجود المطلق ولا ريب انه من حيث هو مطلق لا يكون مقيدا بالقيام بها وانما القائم نحوا من القيام طور من اطواره فتتفق الارادتان والمعروف من مذاهب الاوائل من اساطين الحكماء الذين اخذوا عن الحكمة السماوية التي نزل بها الوحي على انبياء الله عليهم السلم انهم وافقت عباراتهم عبارة من تأخر عنهم الا انهم يريدون منها معنى يوافق الحق لانهم يريدون بان الوجود القائم بها نحوا من القيام اي مما يسمى قياما لغة في كل شيء بحسبه وهو طور من اطوار الحق سبحانه اي من اطوار ظهوراته بافعاله ومفعولاته فالاوائل يريدون انه تعالى يظهر بفعله ومفعوله الظهور الفعلي وهو على حاله قبل فعله ومفعوله وبعدهما لم يتحول من حال الى حال ولا تتبدل عليه الاحوال ولا يعتريه التغير والزوال ولم يتنزل من رتبة الذات الى رتبة الافعال وانما معنى ظهوره بهم اظهاره لهم بهم وهي الظهورات الفعلية والمفعولية وعبارتهم السابقة تصدق على هذه المعاني واما من تأخر عنهم فاخذوا العبارة بعينها بان ذلك طور من اطوار ظهوراته كما قال الاولون وارادوا به انه تعالى يظهر بذاته في افعاله ومفعوله وان الجاعل هو المجعول والعاقل هو المعقول والفاعل هو المفعول وقالوا الذات واحدة والنقوش كثيرة ويقول شاعرهم من اتباعهم :
كل ما في عوالمي من جماد ونبات وذات روح معار
صور لي خلعتها فاذا ما زلتها لا ازول وهي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
فاذا اجمل هؤلاء في عباراتهم ربما وافقت ما اجمل الاوائل واذا صرح كل بمراده افترقوا فغرب الاوائل وشرق الاواخر وكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله والى الله ترجع الامور وان في كلماتهم لمستفضعات ( لمستفظعات خل ) من الامور لو تصديت لكشف ما فيها من المنكرات لرأيت ما تضيق به الصدور ولا تسعه السطور وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا وان الله لعفو غفور لمن لم يستمر على حاله من بعد ما تبين له الهدى
قال : { الخامس انه لو لم يكن للوجود صورة في الاعيان لم يتحقق في الانواع جزئي حقيقي هو شخص من نوع وذلك لان نفس الماهية لا تأبى عن الشركة في كثير وعن عروض الكلية لها بحسب الذهن وان تخصصت بالف تخصيص من ضم مفهومات كثيرة كلية اليها فاذن لا بد ان يكون للشخص زيادة على الطبيعة المشتركة تكون تلك الزيادة امرا متشخصا لذاته غير متصور الوقوع للكثرة ولا نعني بالوجود الا ذلك الامر فلو لم يكن متحققا في افراد النوع لم يكن شيء منها متحققا في الخارج هف }
اقول : قوله { لو لم يكن للوجود صورة في الاعيان } المراد بالصورة مطلق الحصول فانه في الظاهر صورة الوجود يعني اثره الدال عليه ولا يريد به الصورة المعروفة المشتملة على الحدود لان البساطة الحقيقية تنافيها يقول لو لم تكن في الخارج للوجود ما يدل على تحققه في الخارج بان تكون اشياء موجودة في الخارج لا يجوز ان يستند وجودها الى نفسها على ما قرره سابقا مثل قوله : اذ لو كانت موجودية الاشياء بنفس ماهيتها لا بامر خارج لامتنع حمل بعضها على بعض والحكم بشيء منها على شيء وامثاله وقد تقدم بما فيه لم يتحقق في الانواع اي في كل نوع من الانواع جزئي حقيقي بحيث يكون شخصا من نوع منها لانه اذا لم يتحقق من جهة الوجود الذي يتحقق بنفسه وذاته في الخارج لا بشيء غيره فاما ان يتشخص ويتحقق بنفسه وهذا شيء للوجود لا له او بامور اعتبارية وهي ليست موجودة فلا توجد غيرها او بنفس الماهية وهي بدون حقيقة الوجود لا وجود لها الا في الذهن وهي كلية لا يمتنع من وقوع الشركة فيها بين كثيرين وتعرض لها الكلية لانها المفهوم الذهني العام ولو فرض لها ضم كليات كثيرة بينها بنسبة بعضها الى بعض العموم والخصوص مطلقا او من وجه بحيث يتخصص جهة عموم بعضها بجهة خصوص بعض كالطائر الولود لم تنخلع عن العموم فلا يتشخص بنفسها جزئيها فلا بد له من امر زائد على طبيعة نوعه متشخص في الخارج بنفسه يمتنع وقوع الشركة فيه للكثرة لذاته ليكون ذلك الفرد الجزئي البارز من نوعه بذلك الزائد متشخصا وذلك الامر الذي به تشخص الجزئي هو الوجود هذا مراده من معنى كلامه واقول ان المشخصات التي بها يتشخص الفرد الواحد من النوع ليست من نوع الذوات التي هي المواد وانما هي من نوع الهيئات لانها من قبيل الحدود وان كانت جزءا من الماهية باعتبار كونها من متممات القابلية ولها ماهيات كلية لكل حد مشخص ماهية هو حصة منها مجموع تلك الحصص فصل يتميز به نوع ذلك الجنس الذي منه حصة تتقوم بذلك فهيولي المواد اجناس وهيولي الفصول اجناس مثلها سلخت في الحقيقة من هيولي الاجناس وان كانت حصص الاجناس تتقوم بالفصول تقوم اختصاص وتعين فالماهية النوعية التي تكون مادة الجزئي الخارجي حين تحققه في الخارج منها كلية عامة وهي التي من نوع الذوات كما ذكرنا قبل والحصة المأخوذة لزيد او لعمرو منها ذاته التي هي وجوده عندهم ومقبوله والماهية النوعية التي تكون صورة الجزئي الخارجي حين تحققه في الخارج منها كلية عامة وهي التي قلنا انها من نوع الهيئات والحصة المأخوذة لزيد او عمرو منها هي ماهيته وقابليته والمشخصات للفرد الجزئي في الخارج حدود للحصة الوجودية المادية كل حد حصة من ماهية كلية مجموع تلك الحدود فصل لنوع وهي لكل فرد من افراد ذلك النوع ولكنها تختلف في اجزائها او جزئيات جزئي منها بالشدة والضعف والقلة والكثرة في المرتبة والجهة والمكان والوقت وفي ترتيبها الوضعي فلذلك اختلفت افراد النوع في اكثر احوالها وصفاتها ومراتبها وآجالها مع استوائها في نوعها فكل واحد من المشخصات للحصة الوجودية النوعية حصة من ماهية كلية وهذه الحصة حد من حدود تشخص الشخص سواء اعتبرنا ذلك الحد المشخص جزءا كما في ظاهر الحال او جزئيا كما هو في الواقع والمصنف استدل بوجود جزئي خارجي متشخص من ذلك الكلي العام الذهني على وجود فرد متشخص بذاته به يتشخص ذلك الجزئي المتشخص لان الماهية الذهنية لا تقبل ذلك والا لجاز امتناعها لقبول الشركة في كثيرين ولا يكون من انضمام امثالها اليها ولا يكون التشخص من نفسه ولا يكون الا من خارجي متشخص بنفسه وهو الوجود وهذا كلام من انحصرت مداركه في المفاهيم لان علمه علم اخبار لا علم عيان ولو كان علم عيان لماجعل منشأ التشخصات هو الوجود لانه ان جعله من علل الوجودات لم يكن به التشخص لان العلل (كذا) الوجودات علل فاعلية ومنها يصدر التأثير خاصة والتشخصات من لوازم الماهية وتوابعها لانها حدودها وان جعله من علل الماهيات اثبت ما نفاه هو وغيره من ان المشخصات والحدود ليست من لوازم الوجود وانما هي من لوازم الماهية ثم ان المشخصات منها نوعية ومنها شخصية والتشخص الجزئي به تتكثر الافراد بما يلحقها من المميزات لبعضها من بعض ولا تكون من بسيطة الحقيقة ولا من متفق الحقيقة لان البسيط لا تكثر فيه والمتفق لا اختلاف فيه فلو كان الوجود منشأ للتمييز بين الافراد افراد الانواع لكان مركبا مختلف الحقيقة فحيث كان الجزئي الخارجي المتشخص بما هو خارجي متشخص متشخصا بالحدود المختلفة كان كل حد منها حصة من ماهية كلية كان مجموع تلك الحصص المختلفة من ماهياتها المتعددة المختلفة هو منشأ تشخص ذلك الجزئي فاستغنت تلك الهويات الخارجية في تشخصها وتمايزها بعضها عن بعض عن الوجود لان الوجود ان عنى به الفاعل عز وجل فانما ميزها ببعضها عن بعض لم تكن جزءا منه ولا تنزله بذاته وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين وان عنى به الوجود المصنوع فان رضي بانه مادة كل الاشياء المصنوعة وكل فرد جزء منه اي من حقيقته هو مادة ذلك الفرد وجزء من هيئته هي صورة ذلك الفرد فذلك ما كنا نبغ وان عنى غير هذين وعلى غير ما قررنا سابقا في بيان تقوم الاشياء بموادها تقوم ركني فعليه ان يثبت العرش اولا ثم ينقش فيا ايها الناظر في كلامي فاياك ان تقول هذا شيء لم يقل به احد من العلماء ولا الحكماء فان كنت مقلدا لهم فليس لنا معك كلام والا فتفهم وتفطن تسلم ولا تكذب بما لم تحط به علما ولما يأتك تأويله والله سبحانه ولي التوفيق
قال : { واما قول ان التشخص من جهة الاضافة الى الموجود الحق المتشخص بذاته فقد علم فساده بمثل ما مر فان اضافة الشيء الى شيء بعد تشخصهما جميعا ثم النسبة بما هي نسبة ايضا امر عقلي كلي وانضمام الكلي الى الكلي لا يوجب الشخصية هذا اذا كان المنظور اليه حال النسبة بما هي مفهوم من المفهومات وليست هي بذلك نسبة اي معنى غير مستقل واذا كان المنظور اليه حال الماهية بالذات فليست هي بحسب نفسها محكوما عليها بالانتساب الى غيرها ما لم يكن لها كون هي تكون بذلك الكون منسوبة الى مكونها وجاعلها ولا نعني بالوجود الا ذلك الكون ولا يمكن تعقله وادراكه الا بالشهود الحضوري كما سيتضح بيانه }
اقول : وقوله { واما قول ان التشخص } الى قوله { فساده } قد تقدم انه انما ابطل ظاهره واما باطنه يعني مرادهم فقد حاول توفيقه مع مذهبه وهو قائل به ويأتي عن قليل بيان ما يدل على هذا من كلامه واما نحن فنقول بموجبه وليس كما اراد ولا كما ارادوا وقد تقدم ويأتي
وقوله { بمثل ما مر } يشير الى قوله قبل في رد كلامهم هذا فكلام لا تحصيل فيه لان الوجود للماهية ( ليس خل ) كما للبنوة للاولاد الخ وقد تقدم ابطال ابطاله فراجعه واراد بمثل ما مر ان غير هذا الدليل يدل على ابطاله ايضا ولعله ما اراد به هنا ولذا اتى بتعليله بالفاء ليدل على ارتباطه بالاول وهذا التعليل كما تقدم عليل فان هذه الاضافة للشيء الى شيء هي عين وجود نسبة المضاف فلا يتحقق قبلها كما يتوهمه المصنف حيث اثبته في احد الاعتبارين قبل النسبة بقوله { واذا كان المنظور اليه } ويأتي الكلام فيه
وقوله { ثم النسبة بما هي نسبة امر عقلي كلي } فيه ما تقدم مرارا من ان كل معقول فانه في الذهن امر وجودي ظلي انتزاعي انتزع من خارجي متحقق واما كونه كليا فمن تعقله باعتبار ما يفهم من لفظ اسمه وهذا الشبح لا يصدق بالمطابقة على ما في الخارج الا مع تقييده بمشخصاته والا لكانت حقيقة الجنس نوعا كاسم الحيوان في صدقه على زيد والفرس فانهما بهذا الاعتبار فردان من نوع لا فردا نوعين من جنس على انه ليس كل انتزاعي كلي بل تكون الصور جزئية اذا انتزعت من جزئي فانك اذا اردت تصور زيد لا تتصور حقيقة نوعه لتكون تلك الصورة كلية
وقوله { وانضمام الكلي الى الكلي لا يوجب الشخصية } انا قد قدمنا ان التشخص الخارجي ليس منشاؤه الوجود لكونه اعم والعام لا يخصص تشخيصا وانما منشاؤه ان تحضر في الذهن كلية ذاتية اي مادية ويحضر معها كليات صفاتية فيأخذ حصة من الاولى هي مادة المتشخص ويأخذ من تلك الكليات حصصا مشخصة هي حدود حصة الاولى وبهذه الحصص الصفاتية يتشخص
وقوله { هذا اذا كان المنظور اليه حال النسبة بما هي مفهوم من المفهومات وليست هي بذلك الاعتبار نسبية } فيه ان النسبة ان نظرت اليها من حيث هي هي فكما قال ولكنا ننظر اليها من حيث هي نسبة فهي بهذا الاعتبار نسبية اي غير مستقلة مثاله اذا تصورت العرض من حيث هو هو فانه ح ذات اما اذا تصورته من حيث هو عرض فانه يتوقف تصوره على حضور معروضه فهو اذ ذاك عرض فتصور تلك النسبة من حيث هي نسبة والمنظور اليه وهو المنسوب كذلك فانه لا ينظر اليه من حيث هو هو لان كل شيء نظر اليه من حيث هو هو انقطعت بهذا الاعتبار عنه نسبة الارتباط والانتساب لا فرق بين الماهيات والوجودات ولا بين الذوات والصفات اذ ليس هذا نظر حقيقة على ما هو عليه وانما النظر والاعتبار الذي تنشأ عنه الاثار وتبني عليه الاحكام ان تنظر الشيء على ما هو عليه فتنظر المفتقر اليه حال افتقاره والغني عز وجل في غناه فتنظر الى المنظور اليه من حيث هو منتسب لان ذلك هو ما هو عليه في نفس الامر وهو عين وجوده كما اعترف بهذا المعنى في مواضع متعددة في كتابه هذا وغيره
وقوله { واما المنظور اليه بالذات } الخ هذا النظر هو حيثية النظر الاول اي من حيث هي مفهومات لان المـٔال واحد وان تغيرت العبارة فهي من حيث حقيقتها وهي كونها منسوبة محكوم عليها بالانتساب على ان هذا الحكم لا يخرجها عن حقيقتها وفقرها بل لو حكم عليها بالغني كان حاكما على وهم بوهم وما هذا الفرض الذي فرضه المصنف الا مثل قولك اذا كان المنظور اليه نور الشمس المشرق على الارض بما هو هو او من حيث مفهومه مع قطع النظر عما هو عليه في نفس الامر فانك لم تقع على شيء من حقيقته ولا يخرجه فرضك عما هو عليه وسيأتي في كلامه ما يلزم منه على رأيه صحة هذه الدعوى التي سعي في ابطالها في مثل قوله في الاستشهاد السابع حيث قال : انهم قالوا ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها اي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه ولا شك ان حلول العرض في موضوعه امر خارجي زائد على ماهيته الخ وهذا يلزم عليه القول بالانتساب وقال في اخره : فكذلك حكم الجواهر ولهذا لا قائل بالفرق انتهى ولا يلزمنا حيث رددنا كلامه هذا هناك نقض كلامنا لان حقيقة الوجود للشيء عندنا وجود موصوفي ووجود صفاتي فوجود زيد مثلا حصة من الموصوفي وهي مادته وهو وجوده وهو الحصة الحيوانية من نوعه وحصة من الوجود الصفاتي وهي صورته وهي ماهيته الاولى اي انفعال الحصة الاولى وقابليتها وهي الحصة الناطقية من نوعه فبالنسبة الى العرض ليس مادته حلوله في المعروض ولا صورته وبالنسبة الى ما ذكر من الانتساب فليس كما ارادوا ولا كما اراد بل الاشياء منتسبة الى فعله لا الى ذاته تعالى ونسبتها الى فعله كنسبة الضرب الذي هو اثر ضرب الفعل الماضي اليه فوجودها متقوم بفعله تعالى تقوم صدور فوجودها الظاهري المواد مع الصور والصدوري انها اثر فعله فمن عرف نفسه فقد عرف ربه فلا يرد علينا بحث لا هنا ولا هناك على انه ليس له كون زائد منها على الانتساب اليها اذ معناه كونه نورا لها لا ان معناه انه هو ليحتاج الى كون غير الانتساب فان الانتساب هو نفس كونه واذا اردت معرفة هذا من كلام المصنف فانظر الى قوله في اتحاد العاقل بالمعقول والحس بالمحسوس وفي العلم الحضوري قائلا هناك بما نفاه هنا وقد مر انه انما يبطل ظاهر كلام هؤلاء وان كان يوافقهم في المراد ولكنه ابطل ظاهره بما هو باطل والباطل لا يبطل الحق بل يصححه اذا عارضه
وقوله { ما لم يكن لها كون هي تكون بذلك الكون منسوبة الى مكونها وجاعلها } الخ هذا بناء منه على ما نبهنا عليه سابقا من ان النسبة لا تكون الا بعد وجود المنتسبين وهو غلط بل كما تكون بعد وجودهما في النسبة الظاهرية القشرية تكون مع وجودهما او وجود المنتسب خاصة اذا كانت النسبة من جهته كالذي نحن فيه في النسبة الحقيقية الذاتية على جهة المساوقة كالكسر والانكسار وكالبنوة التي انكرها كما قررنا ثبوتها قبل هذا
وقوله { ولا نعني بذلك الوجود الا ذلك الكون } اقول ولا نعني بذلك الكون الا ذلك الانتساب عند اولى الالباب
وقوله { ولا يمكن تعقله وادراكه الا بالشهود الحضوري } اقول ان اراد به الوجود الحق عز وجل كما يراه لا يمكن تعقله وادراكه لا بالشهود الحضوري ولا بالغيبة وانما هو ظاهر لكل شيء باياته في الحضور والغيبة كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك ه وان اراد به الوجود الحادث فهو ظاهر مشاهد بالابصار الحسية والاسماع الظاهرة وبالبصائر الباصرة والله سبحانه ولي التوفيق
قال : { السادس اعلم ان العارض على ضربين عارض الوجود وعارض الماهية والاول كعروض البياض للجسم والفوقية للسماء في الخارج وكعروض الكلية والنوعية للانسان والجنسية للحيوان والثاني كعروض الفصل للجنس والتشخص للنوع وقد اطلقت السنة المحصلين من اهل الحكمة بان اتصاف الماهية بالوجود وعروضه لها ليس اتصافا خارجيا وعروضا حلوليا بان يكون للموصوف مرتبة من التحقق والكون ليس في تلك المرتبة مخلوطا بالاتصاف بتلك الصفة بل مجردا عنها وعن عروضها سواء كانت الصفة انضمامية خارجية كقولنا زيد ابيض او انتزاعية عقلية كقولنا السماء فوقنا او سلبية كزيد اعمي}
اقول : المراد بالعارض الخارج المحمول على معروضه وهو قسمان الاول العارض لوجود الشيء والثاني العارض لماهيته والاول عندهم قسمان احدهما العارض الموجود في الخارج للوجود الخارجي وثانيهما العارض الموجود في الذهن للوجود الذهني والثاني قسمان الاول العارض الموجود في الخارج للماهية الخارجية عند قوم وهو الصحيح وقيل هو العارض الموجود في الذهن للوجود الخارجي والثاني العارض الموجود في الذهن للماهية الذهنية
فالاول مثل ما مثل به المصنف كعروض البياض للجسم فانه خارج عن وجود الجسم عارض له محمول عليه هذا على ظاهر الحال والا ففي الحقيقة هو من مشخصات الجسم ومتممات قابليته فهو من عوارض الماهية وحدودها التي تتألف منه فهو من متمماتها هذا على ما قيل بانه لون وربما استدل على انه لون بما روي عن علي بن الحسين عليهما السلم حين سئل عن العرش فقال انه مركب من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة ونور اخضر منه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور ابيض منه ابيض البياض ه ومعنى كون البياض لونا انه خارج عن الذات وليس من مقوماتها الذاتية وانما هو من لواحق الرتبة وقيل بانه ليس بلون لانه في الحقيقة جزء الذات من لوازم مقوماتها لما تقرر في الطبيعي ان كل بارد رطب ابيض مثلا الماء بارد رطب يعني ان ماهيته مركبة من برودة جوهرية ورطوبة جوهرية والبياض لازم ضم احدهما الى الاخر بمعنى انه مقتضى اجتماعهما فلا تتحقق حقيقة الماء الا بذلك الضم ولا ينفك الضم عن البياض لانه انفعال احدهما بالاخر الذي هو مقتضى ذلك الضم او هو حاصله واما عدم احراق النار لابراهيم عليه السلم فليس لعدم ضم الطبيعتين بل لقلب فعلها الذي هو الاحراق بالنسبة الى ابراهيم عليه السلم ولهذا كانت في تلك الحال تحرق الطير في السماء اذا مر بها وربما استدل على انه ليس بلون بما روى في الرواية المتقدمة بطريق اخر فيه منه البياض ومنه ضوء النهار ولم يقل عليه السلم منه ابيض البياض فعلى هذا القول يكون من الذاتيات فيكون حد الماء مثلا انه العنصر البارد الرطب الابيض السيال المائع وانما جعل البياض من العوارض الخارجية على هذا من دلالة الاسم من حيث التسمية ومن جهة مغايرته لسائر الالوان والثاني وهو العارض الموجود في الذهن للوجود الذهني على القول بثبوته اي ثبوت الوجود الذهني كعروض الكلية والنوعية للانسان وعروض الكلية والجنسية للحيوان في الذهن وعلى القول بان الكلية والنوعية والجنسية وما اشبهها ليست امورا اعتبارية لا تحقق لها الا في الفرض بل هي بحقائقها موجودة في الذهن كما عند كثيرين من المحققين واما عندنا فهي ظلية انتزاعية من حقائقها الخارجية الا انها موجودة بوجود ذهني وهو حظ تلك الاشباح من الوجود والتحقق وبوجود خارجي موجود في كل هيولي وفي مجموع افرادها الخارجية ولهذا عبرنا عنه بالعارض الموجود والثالث وهو العارض الموجود في الخارج للماهية الخارجية عند قوم وهو الصحيح عندنا وقيل هو العارض الموجود في الذهن للوجود الخارجي كما اشار اليه المصنف بقوله والفوقية للسماء في الخارج يعني به ان الفوقية معنى ذهني لا حصول له في الخارج عارض لوجود السماء وانما الموجود في السماء انه فوقنا واما الفوقية فانها من المعقولات الثانوية الاعتبارية وقد تقدم في نظائرها الكلام من انها اي الفوقية شيء وجودي خارجي خلقه الله سبحانه من تكوينه السماء فوقنا وليست كما قالوا انما هي عبارة عن كون السماء فوقنا ومعنى عروضها لما في الخارج هو اتصافه بها من حيث هو في الخارج وليست شيئا الا في التعقل بل هي متحققة في الخارج وان كانت في وجودها مترتبة على وجوده كما هو شأن جميع الصفات في ترتب وجودها على وجود موصوفاتها وان لم تكن الفوقية شيئا متحققا موجودا في الخارج لم يتحقق اتصاف السماء بها في الخارج بل يكون متصفا بها في الذهن لانه مقام وجودها فلا فوقية له في الخارج فلا يكون فوقنا وذلك كسائر الصفات مثل حركة يد زيد فان يده لا تتصف بالحركة في الخارج الا اذا وجدت الحركة في الخارج ولكن اذا كان العالم انما علمه ما استفاده من مفاهيم العبارات ودلالاتها اللفظية مما فهم منها فلا يتعداها وهو في الحقيقة لا يرى شيئا من المحسوسات الا من القول كالاعمي الذي لا يعرف من المبصرات الا معنى ما سمعه والرابع وهو العارض الموجود في الذهن للماهية الذهنية وهو الذي اشار اليه المصنف بقوله كعروض الفصل للجنس والتشخص للنوع بمعنى ان الفصل من حيث هو خارج بمفهومه عن مفهوم الجنس لاحق به في معناه الذهني وان اتحد به في الوجود لا ان المراد بعروضه انه انما قيل له انه عارض لان لمعروضه شيئا ما من الحصول والتحقق بدونه وهذا العروض الرابع هو نظير عروض الوجود للماهية عند المصنف
وقوله { وقد اطلقت السنة المحصلين } الخ يعني به ان اهل التحصيل من اهل الحكمة سواء كانوا من الاشراقيين ام من المشائين على ما يظهر من بعض كلامه توافقت اطلاقات عباراتهم واراداتهم على ان المراد من اتصاف الماهية بالوجود واطلاق عروضه لها ليس على جهة الاتصاف الخارجي ليلزم تقومها بدونه ولا على جهة العروض الحلولي لتكون متحققة قبل عروضه او يكون لها جهة ما من التحقق والحصول مجردا عن عروضه بنوع ما ( مر خل ) من التجرد كما في الصفة الانضمامية الخارجية التي ضمت فيها الصفة الى خارجي متحقق في الخارج مثل ابيض الى زيد والصفة الانضمامية الذهنية الى الخارجي كالفوقية الى السماء او الى الذهني كالكلية النوعية والجنسية الى الانسان والحيوان والانضمامية السلبية كالعمى الى زيد وانما ذلك مثل عروض الفصل للجنس في مقام التحليل الذهني من مغايرة مفهوميهما ولحقوق ( لحوق خل ) مفهوم الفصل بمفهوم الجنس لانه صفته وان اتحدا في الوجود الخارجي هذا مراده ومفاد كلامه وغاية مرامه وانت خبير بما اشرنا اليه من ان الوجود هنا يريد به اما الوجود المخلوق او الحصة الخلقية من الوجود المطلق لاني قد ذكرت سابقا ان عباراته مرة يريد منها الوجود الحق ومرة الوجود المطلق ومرة الوجود الخلق وهنا تتعين ارادة المخلوق بقرينة عروضه للماهية ولحوقه بها وان كان ذهنا فان اراد غير هذا فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وقد قدمنا انه ليس المراد بالوجود الخلق الا الهيولي وان وجود الانسان مادة نوعية وهي حصة من تلك الهيولي وان وجود زيد مادة فردية شخصية وهي حصة من النوعية وان الصورة للانسان هي الفصل ولزيد حصة من ذلك الفصل واعلم ان الجنس عندنا في عالم الملكوت والصورة الجوهرية في اللوح المحفوظ والمثالية بين الملكوت والملك فاذا قلنا ان الجنس متقوم بالفصل نريد بان نزول حصة منه بل جميع حصصه الى الملك او الى الملكوت ان كان الجنس في الجبروت متوقفة على انضمام الفصول اليها فحصة الانسان من الحيوان الذي هو الجنس عندهم وهو الوجود عندنا متوقفة (ظ) النزول او الظهور المعبر عن كل منهما بالكون في الاعيان وهو المعنى المصدري للوجود على انضمام الفصل وهو الناطق وهو حصة نوعية من ظل الصورة الانسانية اعني الحقيقة المحمدية والحصص المادية اشباح اشعة مادتها والحصص الصورية اشباح اشعة هيئتها والاجناس والانواع والاشخاص مذروءة في مراتب ظهوراتها باثارها واثار اثارها لا بذاتها ففي كل رتبة من ظهوراتها جنس وانواع له وافراد لانواعه من جنس تلك الرتبة وهكذا الى ما تحت الثرى ظلا او عكسا هذا في حصص المواد منها وفي حصص الصور من هيئاتها كل صورة من نوع رتبة مادتها فلا يخلق عال من سافل ولا سافل من عال وليس في جميع المراتب ولا في كل مما فيها من جنس او نوع او شخص من ذات الحقيقة المحمدية شيء الا ما كان من اشعتها واشباحها واشعة اشعتها واشباح اشباحها وهكذا وهي في رتبتها لم تتنزل بذاتها ولم تخرج عن حكم سرمديتها ومثالها كقرص الشمس وكالسراج لم يخرج جزؤ منهما في الاشعة ولم يخل شيء من الشعاع عن ظهور منيره به له وفيه فافهم
ثم اعلم ان الحيوانية التي يعبرون عنها بالتحرك بالارادة كانوا قد جعلوا الحيوان جنسا لكل متحرك بالارادة فيأخذون منه اي من هذه الحقيقة حصة فيضمون اليها الناطق ويقولون هذه حقيقة الانسان من نبي ومؤمن وجاهل وكافر ويأخذون من تلك الحقيقة بعينها حصة ويضمون اليها الصاهل ويقولون هذه حقيقة الفرس عتيقها وهجينها ومقرفها ويأخذون منها ايضا حصة ويضمون اليها النابح ويقولون هذه حقيقة الكلاب بجميع اصنافها ويأخذون منها حصة ويضمون اليها الناعق ويقولون هذه حقيقة الغراب بجميع انواعه وهكذا ويلزم من هذا تساويها في الحيوانية التي هي الوجود او المادة او كالمادة على قولهم لا تمايز بينها الا بالفصول التي هي الصور او كالصور عندهم ويلزمهم ان حيوانية الانبياء عليهم السلم من طينة الحيوانات والحشرات تجمعها رتبة واحدة من الوجود فطينة اول الخلق من طينة الحشرات والعياذ بالله او انهم انتزعوا مفهوما كليا من مدلول لفظ متحرك بالارادة وعلى هذا ان صدق على الحيوانية الخارجية ولو في افرادها رجع عوده على بدئه وان لم يصدق فتلك الانواع لم يخلق مما في اذهانهم وانما خلقت مما هو في الخارج والا لخلقوا وخلقت اذهانهم مما في اذهانهم واما على قول ساداتنا عليهم السلام فكل جنس من رتبته وانواعه حوله وافراده كل حول نوعها فقد خلقت حيوانية محمد واله صلى الله عليه واله قبل خلق حيوانية انبياء الله عليهم السلم بالف دهر كل دهر مائة الف سنة او ثمانون الف سنة ثم خلقت حيوانية الانبياء عليهم السلم من شعاع الاولى قبل خلق حيوانية الناس بالف دهر ثم خلقت حيوانية الملائكة ثم الحيوانات فكل متأخرة حقيقة بعد حقيقة ما قبلها او مجاز بالنسبة اليها ولا يصدق الاسم عليها بالاشتراك اللفظي ولا المعنوي الا بلحاظ المفاهيم كما مر نعم الاشتراك في التسمية خاصة ولو قيل بالاشتراك اللفظي امكن تصحيحه على تأويل والكلام في فصولها كالكلام فيها هكذا ما هو المعلوم عندنا من مذهبهم عليهم السلام ولو قيل بان الحصص لا وجود لها ولا تحقق الا بانضمام الفصول قلنا يمكن توجيهه بان نقول ان الحصة المقبولة التي هي حصة الحيوان وحصة الوجود كحصته في زيد يتوقف وجودها على وجود قابلها التي هي الماهية الاولى اعني الانفعال كالانكسار للكسر وهي الصورة وهي الفصل الا انا نقول ان توقف وجود المقبول على وجود القابل توقف ظهور وتوقف وجود القابل على وجود المقبول توقف تحقق فافهم انشاء الله راشدا موفقا
قال : { وانما اتصاف الماهية بالوجود اتصاف عقلي وعروض تحليلي وهذا النحو من العروض لا يمكن ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون ولا تحصل وجودي لا خارجا ولا ذهنا لا يكون المسمى بذلك العارض فان الفصل مثلا اذا قيل انه عارض للجنس ليس المراد ان للجنس تحصلا وجوديا في الخارج او في الذهن بدون الفصل بل معناه ان مفهوم الفصل خارج عن مفهوم الجنس لاحق به معنى وان كان متحدا به وجودا فالعروض بحسب الماهية في اعتبار التحليل مع الاتحاد}
اقول : يريد كما ذكرنا قبل ان اتصاف الماهية لكونها معروضا في الذهن بالوجود ولكونه عارضا لها في الذهن اتصاف عقلي لان الخارجي متحد لا تعدد فيه عنده ولكن لما لحظ في الذهن مفهومها منفردا ومفهومه كذلك عرض لها عروضا تعينت به معه في الخارج وذلك لما ثبت ان له وجودا بنفسه في الخارج ولا وجود لها بنفسها حين فكك ما بينهما الذهن وحللهما به لحق بها اي لحق مفهومه بمفهومها بمعنى اتصافها به في مقام التحليل والتفكيك لان مفهومها عنوان زيد الخارجي مثلا ومفهومه عنوان وجود زيد فيعرض مفهومه لمفهومها لان مفهومه المعنى المصدري فيتحدان خارجا ويتغايران في الذهن واقول انه يرى ان الوجود لا يكون مفهومه حقيقته كما قال سابقا اذ ليس له الا حصول واحد فيكون مفهومه المعنى المصدري واما الماهية فمفهومها عنده حقيقتها خصوصا والذهني بذاته لا يكون في الخارج وانما يحصل فرده عندهم وعندنا لا يمكن حصول فرده ايضا وانما يحصل مثاله لانه اذا حصلت الحقيقة في الذهن فاذا وجدت في الخارج وان كان مع لحوق عوارضها الخارجية فاما ان يخلو الذهن منها او يتعدد وكلاهما باطل اما بطلان الاول فبالوجدان واما بطلان الثاني فلان ما له المعروضية غير ما به الاتحاد والمفروض ان ما له المعروضية هو ما به الاتحاد والا بطل الاتحاد لان الاتحاد انما هو بها لا بغيرها وان كان الحاصل منها في الذهن هو الظلي الانتزاعي كان هو معروض الوجود فلا يتحد بالوجود في الخارج شيء ولا هوية ح للوجود المخلوق فلا يعرف نفسه لانه لا انية له اما من جهة الماهية فليس للعرض انية في نفسه واما الوجود فلا يوجد الا اثرا فهوانيا ونورا شبحيا ولذا كان عنوان صانعه
وقوله { وهذا النحو من العروض } وهو عروض الفصل للجنس وعروض الوجود للماهية كما قال بعد هذا فهكذا حال الماهية والوجود قال { لا يمكن } اي في هذا النحو من العروض { ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون ولا تحصل وجودي } يعني ان ما كان بهذا النحو لا يمكن ان يحصل للمعروض قبل عروض علته عليه شيء من التحقق والتكون والتحصل لا شيء قليل ولا كثير لا ذهنا ولا خارجا الا ما كان مخلوطا بشيء من العلة لا في تقوم المعروض ولا تميزه وتعينه ولا في ظهوره ولا حصوله وهذا النحو عنده هو نحو عروض الفصل للجنس والتشخص للنوع وعروض الوجود للماهية وظاهر كلامه تساوي الصنفين وعندنا انه شيء واحد بناء على كلامه لا على ما عندنا لان الذي عندنا ونعتقده ونرويه عن ساداتنا عليهم السلم ان المعروض هو الوجود وهو الجنس والعارض هو الفصل وهو الماهية ثم على ظاهر كلامه من المغايرة والتساوي في نوع العروض اي نحوه كما قال يلزم من كلامه في كتابه الكبير منافاة هذا قال فيه في ان حقيقة الوجود لا تتقوم من جنس وفصل بعد تمهيد مقدمة : وهي ان افتقار الجنس الى الفصل ليس في تقومه من حيث هو هو بل في ان يوجد ويحصل بالفعل فان الفصل كالعلة المفيدة للجنس باعتبار بعض الملاحظات التفصيلية العقلية انه لو كان لحقيقة الوجود جنس وفصل لكان جنسه اما حقيقة الوجود او ماهية اخرى معروضة للوجود فعلى الاول يلزم ان يكون الفصل مفيدا لمعنى ذات الجنس فكان الفصل المقسم مقوما هف وعلى الثاني تكون حقيقة الوجود اما الفصل او شيئا آخر وعلى كلا التقديرين يلزم خرق الفرض كما لا يخفى لان الطبائع المحمولة متحدة بحسب الوجود مختلفة بحسب المعنى والمفهوم وههنا الامر ليس كذلك انتهى فجعل افتقار المعروض الذي هو الجنس الى العارض الذي هو الفصل ليس في تقومه اي تقوم الجنس من حيث هو هو بل في ان يوجد ويحصل بالفعل اي انما افتقار المعروض الى العارض الذي هو كالعلة في خصوص الحصول بالفعل اي في خصوص ظهوره في الكون الخارجي لا في اصل تحققه لذاته ثم قال بعد : على فرض لو كان جنس الوجود حقيقته يلزم ان يكون الفصل مفيدا لمعنى ذات الجنس فكان الفصل المقسم مقوما هف يعني ان عارضية الفصل وعليته لا تكون مفيدة اي محصلة لمعنى ذات الجنس وهنا في هذا الكتاب سوى بينهما بقوله فهكذا حال الماهية والوجود وجعل هذا النحو اي النوع من العروض لا يمكن ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون ولا تحصل وجودي لا خارجا ولا ذهنا فاذا حصر العروض فيهما في خروج مفهوم العارض عن مفهوم المعروض ولحوقه به معنى لم يحسن تبيينه بالا يكون للمعروض مرتبة من الكون فيكون انما عرض لها لان لها نوع تحقق ما به والا لم تكن شيئا لا مفهوما ولا معلوما وح يجب على قاعدته ان تتحد به كما في الخارج لوجود المقتضي ولا بان افتقاره الى العارض انما هو في ان يوجد ويحصل بالفعل واصل هذا التدافع والاضطراب ناش من القول بنفي حقيقة الجنس عن الخارج لا في الماديات ولا في المجردات وانه غير الوجود وان الوجود غير الهيولي وانه غير متحقق في اخر مراتب المجردات في الخارج وان الفصل غير هيئة حصة الجنس وامثال هذه كما هو رأي المشائين والمتكلمين وكثير من الاشراقيين وهؤلاء كلهم قوم المفهوم لا يعرفون من المعلوم شيئا الا المفهوم وقوله في كتابه الكبير في تعليله المذكور : وهو لان الطبائع المحمولة متحدة بحسب الوجود يعني في الخارج الخ قد تقدم انهم لا يفرقون بين الوجودين الا بترتب الاثار على الخارجي وعدمه على الذهني ولا ريب ان مع الاتحاد لا تصدر عن الشيء الخارجي اثار متعاكسة متناقضة لانه شيء واحد وكونه في الذهن متعددا لا تترتب عليه الاثار فاذا صدرت عن الخارجي مثلا طاعة ومعصية ضدها دل على التعدد لانه ان كان وجودا لم يعص وان كان ماهية لم يطع واذا اطاع وعصي فهو غير متحد في الخارج والتعدد الذهني لا تترتب عليه الاحكام وقد تقدم معنى هذا الكلام وانما اعدته لاني كثيرا ما اقول متحد في الخارج حكاية عن المصنف فاخاف ان يتوهم متوهم انه مذهبي نعم مذهبي ان الشيء مركب من حصة من الوجود الموصوفي وهو مادته ومن حصة من الوجود الصفتي وهو صورته فالمركب من هذين هو الشيء وله حقيقتان حقيقة من ربه اي جهته من ربه وهذا هو المسمى بالوجود وبالفؤاد وبالنفس التي من عرفها فقد عرف ربه وبالنور في قوله (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهو جهة حقيقته التي هي مادته او مادة مادته ومادة صورته وحقيقة اخرى وهي ماهيته التي اصلها من انفعال وجوده وهذه الماهية هي جهته من نفسه وهي هويته وانيته وصورة مادته لان الذي هو اثر فعل الله هو هذا وليس للوجود معنى غير هذا الا المعنى المصدري الذي تعرفه العامة وهو الكون في الاعيان وهو خارج عن حقيقة الشيء فاذا فتشت عن ما سوى الله على جهة الاجمال لم تجد الا الفعل والمفعول وما ينسب الى المفعول وكل ما ينسب الى المفعول فهو خارج عن حقيقته تابع له مترتب عليه والمفعول هو زيد مثلا فاذا بحثت عن حقيقته لم تجد الا المادة والصورة وان كانت المادة تختلف بحسب الشيء فمادة المجرد المخلوق كالعقول نورانية ومادة الاجسام منها جسمانية اي من عناصر هورقليا ومنها عنصرية والصور بنسبة المواد واما امر الله الذي قام به الشيء فهو الهيولي اعني الحقيقة المحمدية فان مواد الاشياء قائمة بها قيام صدور وقيام ظهور بها لانها كلها اشعة لتلك الحقيقة وما ذكروه من الوجود فانه شيء لا يعقلونه ولهذا لا يقدرون على التعبير عنه لانهم يتوهمون شيئا لا يدرون ما هو وشرحه ما ذكرته لك فانه هو هذه المعادن والجمادات والنباتات والحيوانات وغيرها مما سوى الله سبحانه فافهم
وقوله { فان الفصل مثلا } قد تقدم ذكر معناه وقد ذكرنا فيما سبق ان التشبيه بينهما عند المصنف بان عروض الوجود للماهية كعروض الفصل للجنس انما هو مطلق التشبيه الا انه يفهم منه ومن غير هذا الكلام من كلامه وكلام غيره ان الوجود بمنزلة الفصل وان الماهية بمنزلة الجنس وان كلا منهما غير الاخر ومما ذكرنا اتحاد التشبيه والمشبه بان العروض واحد وبان الجنس هو الوجود وان الفصل هو الماهية وهذا المعنى هو المروي عن ساداتنا وموالينا محمد واله صلى الله عليه واله وهو المعقول المطابق لمدلول الشرع واللغة والعقل لما ذكرنا سابقا من ان زيدا خلق من الوجود كما تقول خلق من مادة كذا والمأخوذ منه الحصة المادية هو الذي تدخل عليه من التبعيضية فكما تقول على الحقيقة خلق الانسان من حصة من الوجود مصورا بحصة من الماهية لا بالعكس كذلك تقول خلق الانسان من حصة من الحيوان مصورا بحصة من الناطق وكذلك تقول خلق الانسان من حصة من التراب مصورا بحصة من الانسانية وكذلك تقول خلق الانسان من حصة من النور مصورا بحصة من هيئة انفعال ذلك النور وقابليته فالعبارة والمعنى في كلها وعن كلها واحد لا يختلف الا في الالفاظ باعتبار دلالتها على ما وضعت له من مراتب خلق الانسان في العقول والنفوس والاجسام فافهم وقد ذكرته سابقا وساذكره فيما بعد من قوله تعالى وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين
وقوله { فالعروض بحسب الماهية في اعتبار التحليل مع الاتحاد } الحق ان المعروض في الخارج هو الوجود والعارض هو الماهية وليس العارض في الذهن الا المعنى المصدري من الوجود وحينئذ فمعروضه مجموع الوجود والماهية الاولى اللذان هما الماهية التي هي الحقيقة والهوية واما شبح الماهية الاولى التي هي الانفعال ومعروضها شبح الوجود واما ان العارض الفصل والوجود والمعروض الجنس والماهية فمن المفهوم لا من المعلوم الواقعي
قال : { فهكذا حال الماهية والوجود اذا قيل ان الوجود من عوارضها }
اقول : قد تقدم ان المشبه به حال الفصل في عروضه للجنس وحال الجنس في معروضيته وان المشبه ( به خل ) حال الوجود في عروضه للماهية وحال الماهية في معروضيتها وقد تقدم تحقيق الاتحاد بين الوجود والجنس وبين الماهية والفصل فراجع ولا تكن من الغافلين
قال : { فاذا تقرر هذا الكلام فنقول لو لم يكن للوجود صورة في الاعيان لم يكن عروضه للماهية هذا النحو الذي ذكرناه بل كان كسائر الانتزاعيات التي تلحق الماهية بعد ثبوتها وتقررها فاذن يجب ان يكون الوجود شيئا توجد به الماهية وتتحد معه وجودا مع مغايرتها اياه معنى ومفهوما في ظرف التحليل تأمل فيه }
اقول : قوله { فلو لم يكن للوجود صورة في الاعيان لم يكن عروضه للماهية هذا النحو } يشعر بان الاستشهاد السادس من تتمة الخامس والامر كذلك وكلامه هذا صريح بان الوجود عنده بمنزلة الفصل لانه قرر كلية الماهية وجعل هذا الوجود فردا لها تصدق عليه كما تصدق الحيوان على الانسان وهو كما تقدم يريد بالصورة حصته المتحققة خارجا فهذه الحصة كالتشخص للفرد من النوع كما صدر به الاستشهاد الخامس حيث قال : لو لم يكن للوجود صورة في الاعيان لم يتحقق في الانواع جزئي حقيقي هو شخص من نوع بل يفهم منه ان تلك الصورة التي هي حصة من الوجود هي ذلك التشخص للفرد الجزئي وهو حق وان لم يرده لما يلحقه من النقض بهذا فيما قدمه ويلزم من هذا كله ان الوجود هو الفصل وهو باطل وان لزمه وقوله في الحصة للتشخص وهو حق وفي الفصل وهو باطل مع ان حصة التشخص من الفصل اريد ان كون التشخص من حصة من الوجود هو الوجود الصفتي وان كون الوجود هو الفصل باطلا اذا اريد بالوجود الموصوفي لان الوجود عندي منه ذوات ومنه صفات فالذوات الجواهر والاجناس والانواع ومواد الافراد والصفات هي الفصول مطلقا والهيئات المجنسات والمنوعات والمشخصات
وقوله { لم يكن عروضه للماهية } الخ فيه منع الملازمة من وجوه منها ما ذكره في كتابه الكبير مما نقلنا عنه فيما تقدم من كون جميع الامور الانتزاعيات واللوازم من المعقولات الثانية وغيرها كلها صور للوجود وليست في عروضها من هذا النحو ومنها ان مما ذكر عوارض للوجود الخارجي وللموجود من جميع الحوادث الخارجية كلها عوارض خارجية لموجودات خارجية وليست بهذا النحو من العروض ومنها الاجزاء للمركبات الخارجية كلها صور للوجود وليس عروضها بهذا النحو الذي ذكره وهي كثيرة وهذا على ما يذهب اليه واما على ما نذهب اليه فان كل شيء ضم الى شيء فعروضه له بهذا النحو الذي يدعيه لا يخالف حرف حرفا لان الصانع عز وجل واحد والصنع واحد والمصنوع في نوع الصنع وكيفيته وجميع احواله على ما قرر في العلم الطبيعي خصوصا المكتوم الذي هو اصح العلوم وقد اشار سبحانه الى هذا في قوله ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسيـٔا وهو حسير وكذا في قوله ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وكذا في قوله تعالى وما امرنا الا واحدة وبالجملة لا اشكال في هذا عند العارفين بالله تعالى وبما عرفهم من صنعه ومصنوعه نعم اجرى سبحانه الاشياء كلها في فعله على حسب قوابلها واسبابها فتفاوتت شدة وضعفا وظهورا وخفاء وكلها بحكم واحد على نمط واحد من عرف شيئا منها عرف كل شيء بنسبة معرفته بذلك الشيء شدة وضعفا وقد يحصل هذا النحو من العروض للامور الذهنية ولم تكن للوجود عنده صورة في الاذهان وبالجملة فالملازمة ممنوعة من الطرفين
وقوله { بل كان كسائر الانتزاعيات } الخ فيه ان الامور الانتزاعيات اظلة تابعة لما انتزعت منه فيجري فيها ما يجري في المنتزع منه والا كانت منتزعة من غير هيئته فلو تصورت زيدا حال قيامه قائما كان الانتزاعي مطابقا له في تلك الهيئة ولو تصورته حال قيامه قاعدا لم يكن المنتزع منه هيئة القعود هو القيام وانما انتزعت من هيئة قعوده وكذا اذا تصورته ذا الف رأس فانك لم تنتزع الصورة من ذي الرأس الواحد وانما انتزعت من ذي الرؤس الالف وهو زيد الذي في الخزائن الامكانية المنزل الى صفحات الكتب الكونية في عالم الدهر وبالجملة الامور الانتزاعية في كل شيء حكمها حكم ما انتزعت منه في احكام العروض وغيرها الا انها انتزاعية ظلية وما انتزعت منه متأصلة التحقق اما في نفس الامر كما لو انتزعت من الذوات واما بالنسبة اليها كما لو انتزعت من الصفات
وقوله { بعد ثبوتها وتقررها } فيه ما تقدم من تشبيهه الوجود بالفصل وجعل الجنس غير مفتقر الى الفصل في اصل تقومه من حيث هو هو والتشبيه في العروض بالنحو المذكور موجب للافتقار في كل شيء والا يلزم عدم صحة التشبيه او فساد حكم الفصل او الوجود بالنسبة الى معروض كل منهما
وقوله { فاذن يجب ان يكون الوجود شيئا توجد به الماهية } الى آخره متفرع على ما تقدم كله لا على خصوص حكم العروض وقد اشرنا سابقا الى ان كون الماهية موجودة بالوجود عندنا انها احدثت بفعل الله من نفس الوجود التي هي قابلية الوجود للايجاد وانفعاله عند تعلق الفعل به واما على ما يفهم من كلام المصنف فالوجود شيء جوهري يحدث الماهية وفيه انه اذا احدثها لم يتحد بها اذ لا تتحد العلة بالمعلول ولا الاثر بالمؤثر مع انا قدمنا ان الوجود اذا كان فرض انه حقيقة كل شيء لا يكون عارضا لما هو حقيقة له بل يكون قائما به قيام صدور او تحقق فيكون العلة الذي هو الوجود معروضا لذلك عروض اشراق او عروضا ركنيا او عروضا لونيا فالعروض الاشراقي كعروض العلم للعالم بحضور المعلوم والركني كعروض الفصل لحصة الجنس والصورة للمادة واللوني كعروض الحمرة للثوب والمصنف اثبت ان الوجود في كل شيء هو حقيقته ومع هذا جعله عارضا والذي يجب جعله معروضا باحد العروضات الثلاثة واما اعتبار خروج مفهومه عن مفهوم الماهية وان كانت في الخارج انما هي به لا بنفسها فلا يوجب عروضه لها لان الماهية في الحقيقة وفي نفس الامر انما هي لحقيقة الشيء فاذا فرض انه اي الوجود حقيقة الشيء فهو ماهيته وهويته في الخارج وفي الذهن ان كان حقيقة الشيء هو الوجود فالواجب ان يكون معروضا لها بملاحظة التغاير او تكون هي في الذهن حقيقة الشيء فيكون العارض لها هو المعنى المصدري وهو غير الحقيقي فيكون ما في الذهن من جهة تعين الحقيقة مخالفا لما في الخارج ومن جهة العارضية والمعروضية ايضا يعني ان كانت في الخارج عارضة له لجواز تحققه قبلها عند المصنف ففي الذهن ان كانت معروضة للمعني المصدري كان هو المتحد بها كما يقوله المصنف من انه يعرض لها في الذهن وفي الخارج تتحد به وان اراد بما تتحد به الوجود الاصيل كما هو مراده كان هو العارض لها في الذهن بل وان لم يكن ( لها خل ) عروض خارجا وانما هو محض اتحاد بمعنى ان ما في الخارج شيء واحد كما هو مراده من الاتحاد فقد اختلف الوجودان وذلك لا يصح وان كان محض اعتبار فقد اختلفت حقيقة الشيء مثلا حقيقة زيد في الخارج هي الوجود وفي الذهن هي الماهية ولا شك ان المعروض هو الحقيقة وان لم يكن عروض في الخارج اصلا كان المعروض في الذهن لم يشم رائحة الوجود في الخارج كما يقوله كثيرون فلا معنى للاتحاد ولا فائدة في ذكره ثم ما في الذهن منها ح ان كان ظلا شبحيا كما نقول فقد عرض الاصيل لغير الاصيل وهو باطل اذا كانا في رتبة واحدة من الكون والحصول وان كان اصيلا كما يقوله المصنف وقوم بمعنى صحة حصول الحقيقي في الذهن لم يكن هو المتحد في الخارج على قوله والا لخلا منه حين الاتحاد وان كان مثله او شبحه اختلف الوجودان فلا مقابلة كما تقدم وعرض الاصيل للشبح على انه ان فرض في الذهن وجودان اصيل وعارض فبالعارض ثبت مفهومها وعرض لها الاصيل او بالعكس فكلاهما غير صحيح لان حصول الاصيل موجب للاتحاد فلا عروض اصلا كما في الخارج وحصوله في الذهن موجب للتحديد ( للاتحاد خل ) كما تقدم من نفيه له وتنتفي فائدة العارض وكذا في العكس ايضا على فرض الثبوت بالاصيل والعروض بالعارض وايضا مفهومها المعروض ان كان هو الحقيقة والعارض من الوجود هو الحقيقة وجب الاتحاد عنده لتساوي الصورتين في الوجودين وان كان مفهومهما هو الانتزاعي لزم اختلاف الوجودين والانتزاعي ان خالف الاصيل فهو باطل وقد تخالفا في الاتحاد والتعدد كما تقدم سابقا وكذلك ان اختلف المفهومان في الاصالة والعرضية في العارض والمعروض فعلى كل فرض لا يتوجه مما ذكر شيء غير مدخول واراد بظرف التحليل الذهن والتعقل والمصنف لعله انما امر بالتأمل ليعرف الناظر في كلامه ان قوله { فاذن يجب ان يكون الوجود شيئا توجد به الماهية } للفرق بين عروضه لها وعروض الانتزاعيات لها فانها تعرض لها بعد تحققها وذلك حيث اشار هنا وذكر في الكتاب الكبير ان لوازمها تلحقها لذاتها من غير اعتبار وجود لها فصور معترضا بهذا نافيا للفرق بين عروض تلك الانتزاعيات لها وبين عروض الوجود لها فقال هنا في رفع الاعتراض تلك تعرض للماهية بعد تحققها وان عرضت لها من غير اعتبار تحققها باعتبار اخر ولا كذلك الوجود في عروضه لها اذ لا تحقق لها بدونه في حال من الاحوال واما نحن فقد سمعت كلامنا سابقا على نمط ما نعتقده ونعرفه من كلام الائمة الاطهار عليهم السلام
قال : { السابع من الشواهد الدالة على هذا المطلب انهم قالوا ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها اي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه ولا شك ان حلول العرض في موضوعه امر خارجي زائد على ماهيته وكذا الموضوع غير داخل في ماهية العرض وحدها وهو داخل في الوجود الذي هو نفس عرضيته وحلوله في ذلك الموضوع }
اقول : هذا هو الاستشهاد السابع على تحقق الوجود وثبوته في الخارج وجعل مستند دليله ما قالوا واستنباطه من قولهم بان اخذ ظاهر كلامهم فيما ارادوا وجعله فيما اراد فقال انهم جعلوا وجودات الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها وفسر هذا بقوله اي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه فهذان كلامان الاول منهم والثاني منه ثم رتب على تفسيره فقال ولا شك ان حلول العرض في موضوعه امر خارجي زائد على ماهيته وهذا الكلام الثالث منه ثم قال وكذا الموضوع غير داخل في ماهية العرض وحدها وهذا هو الرابع منه ثم قال وهو داخل في الوجود الذي هو نفس عرضيته وحلوله في ذلك الموضوع وهذا هو الخامس واستنبط الاربعة من كلامهم الاول ويريد ان حكمهم بان وجود العرض في نفسه هو وجوده لموضوعه لا معنى له الا حلوله فيه وحلوله في موضوعه امر خارجي زائد على ماهيته وهذا لا شك فيه وكذا كون الموضوع لذاته غير داخل في ماهية العرض والعرض انما دخل في الوجود بحلوله في الموضوع فاذا كان منشأ لوجوده كان احق بكونه موجودا والا لم يكن علة لوجود العرض وهذا الحلول الذي هو وجوده ليس هو ماهيته ولاجزءا منها ولا منتزعا منها والا لكان ذهنيا لانه محل الانتزاع والحلول امر خارجي لا ذهني لانحصار الحصول فيهما فلو لم يكن في الخارج لكان نفس العرض اعني ماهيته ويأتي في كلامه بقوله لكان وجود السواد نفس سواديته هذا حاصل كلامه وانت اذا تفهمت كلامهم ظهر لك غير ما اراد وان كل ما ذكر وما فهم منهم مخالف لما هو الامر عليه وبيان ذلك ان الوجود عند العوام واهل القشور هو الكون في الاعيان والحصول فيها وعند اهل البيان الذين شاهدوا بالعيان ان الوجود ما به الكون والحصول في الاعيان لان الذي ذكره العوام هو المعنى المصدري والمصنف في عباراته ومقاصده ومعرفته واستدلالاته وانظاره مضطرب فمرة فوق السماء السابعة وتارة في اسفل السافلين فتدبر في كلماتي معه تجد ما ذكرت لك عيانا ولا تظن ان بيني وبينه منافاة في شيء الا في خالص المذهب لانه يحقق مذهبه وانا احقق مذهبي لا لاجل الرد عليه ولكنه يستلزم ذلك لان كلامي مبني على كلامه وانا اقول بما حصلت من طريق ائمتي عليهم السلام فان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون
فقولهم { ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها } ان كانوا يعقلون ان معناه ان وجود العرض للجوهر هو حصوله له وهذا ظاهر ان حصول الحمرة في نفسها للثوب وثبوتها له هو وجودها له لا وجودها في انفسها واين هذا من مراد المصنف لان هذا الوجود هو المعنى المصدري والمصنف لا يريده وانما يريد ما به تحقق الشيء في نفسه وثبوت شيئيته لا ثبوته لكذا وكلامه هنا في حصول العرض للجوهر لا في تحققه في نفسه وما معنى قول المصنف { اي وجود العرض بنفسه حلوله في موضوعه } الا كمعنى قولك وجود زيد الفايض من فعل الله الذي هو حقيقته الذي لم يذكر في كل مرتبة من مراتب الكون والتكوين الا به الذي يتحد به الماهية في الخارج كما عند المصنف هو انه فوق الارض على انه قال سابقا في عدم تحقق شيء بدون الوجود في الاستشهاد السادس وهذا النحو من العروض لا يمكن ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون ولا تحصل وجودي لا خارجا ولا ذهنا لا يكون المسمى بذلك العارض وقبله بقليل قال عن المحصلين من اهل الحكمة مستدلا به بان اتصاف الماهية بالوجود وعروضه لها ليس اتصافا خارجيا وعروضا حلوليا بان يكون للموصوف مرتبة من التحقق والكون ليس في تلك الرتبة مخلوطا بالاتصاف بتلك الصفة الخ وقبل هذا ابطل قول القائلين بالانتساب بان الاشياء وجودها انتسابها الى الواجب فان لم يصح ذلك الانتساب الى العلة الفاعلية كيف يصح ان يكون هو الانتساب الى شرط من شروط الظهور والقابلية فعلى ما قال لو تصور شخص الحمرة كانت موجودة في الذهن غير حاصلة في الثوب مع انها موجودة في الذهن فوجودها لو كان هو حصولها في الثوب خاصة لكان لمعروض هذا الوجود تحصل وجودي ومرتبة من الكون لا يكون المسمى بذلك العارض لحصول الحمرة في الذهن غير حاصلة في الثوب فان قيل انما يراد من حيث هو عرض وهو بهذه الحيثية لا يتصور بدون ذلك الحلول قلنا المصنف هو القائل هنا بان وجوده هو حلوله وهو لا يلحظ في الذهن كون الحلول عارضا للحمرة وانما يلحظ خروج مفهوم الحلول عن مفهومها فيكون لها تحصل بدون العارض ليعرض بعد ذلك على متحصل ويجري هذا فيما تقدم في عارضية الوجود للماهية والحكم في نفس الامر واحد الا ان التمثيل بالحمرة اوضح اذ لا شك ان من تعقل نفس الحمرة لا من حيث كونها عارضة فانها معنى من المعاني مستقل وانما تلحقه المعروضية باعتبار اخر وهو اعتبار كونها عارضة فيعرض لها بهذا الاعتبار الحلول هذا في الظاهر
واما في الحقيقة ونفس الامر ان الذوات وجودات تحدث لها عند اختراعها بفعل الله سبحانه انفعالات هي هيئات المخترعات حين الايجادات اذ لم تكن في نفسها شيئا قبل الايجاد ولا ذكر لها قبله ولهذا قال الرضا عليه السلم ليونس بن عبد الرحمن تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول الحديث والمشية هي الايجاد وهذه الهيئات هيئات الحركات الايجادية قائمة بها قيام احداث ومتعلق هذه الهيئات هي الوجودات الكونية التي هي الحصص المشار اليها وقوابلها التي هي انفعالات تلك الحصص كحركة يد الكاتب لايجاد الكتابة فان هيئتها القائمة بها قيام احداث متعلقة بالحصص المدادية للحروف النقشية وبقابلياتها لاجزاء حركة اليد وهذه الهيئات القائمة بتلك الحصص مع قوابلها لها مظاهر واثار في الجسمانيات وتلك الاثار هي الاعراض فالحركات اثار تلك الحيوة والسكونات آثار نفاد اقتضاءاتها وطلبها والالوان آثار تنزلاتها فالبياض من اثار العقول والصفرة من الارواح والخضرة من النفوس والحمرة من الطبائع وسائر الالوان من تراكيب اسبابها وتلك العوارض احكامها في كل شيء من جهة الحقيقة صفات احكام معروضاتها مطلقا ومن هنا قال الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك الحديث على ان الحكماء قالوا ان وجود الجوهر شرط لوجود العرض لانه من تمام قابليته للوجود يعنون ان الموجود ( الوجود خل ) لا يتحقق ولا يوجد الا بعلل اربع فاعلية وهي فعل الله سبحانه ومن جعله عز وجل محلا لفعله من خلقه ومادية وهي التي يخلق منها الشيء كما يخلق السرير من الخشب وهي في كل مخلوق بحسبه المجرد من مادة مجردة كالعقل من المعنى والروح من الرقيقة والنفس من الصورة الجوهرية والطبيعة مما سبقها لانها الكسر بعد تمام الصوغ الاول وجوهر الهباء تحصيص الطبيعة بالحصص والمثال بالصور الظلية والاجسام العلوية من الجسمانية والسفلية من العنصرية والاعراض من هيئات معروضاتها اما من حيث معروضيتها او من ذاتها من حيث هي او من العرض من حيث معروضه او من حيث نفسه واما اول فائض عن فعل الله سبحانه الكوني فمادته هي مخترعة لا من مادة مثلها بل من امكان مثلها واما امكان مثلها فمادته من صفة فعل الله سبحانه الامكاني اي من امكان الفعل الامكاني وسرمده واما الفعل نفسه فلا مادة له الا نفسه كما انه خلقه الله تعالى بنفسه واقامه بنفسه وصورية وهي من هيئات تلك الحصص الممكنات وهي للحصة الواحدة هيئات لا تتناهى والتخصيص بالمخصصات وهي الكم والكيف والرتبة والجهة والمكان والوقت ونريد بالكم هنا غير الاصطلاحي وانما نريد به قدر مادته مثلا شخص من خمسة امنان واخر من عشرة واخر من واحد واخر من مثقال وهو محل الاصطلاحي فهذه الستة اصول المشخصات ويلحقها اشياء كالاجل والكتاب والاذن والوضع بمعنييه الاخيرين وهما ترتب اجزائه بنسبة بعضها الى بعض وبنسبتها الى الخارج الى غير ذلك لا يحصيها الا الله سبحانه ولما كان العرض بعيدا من اوايـٔل علل الاشياء كثرت علله واسبابه التي يتوقف وجوده عليها فمادته مركبة من مواد فمثل الحمرة التي مثلنا بها مادتها مركبة من بياض وصفرة كالزنجفر مثلا فانه مركب من زيبق وكبريت اصفر وصورتها التي هي قابليتها للايجاد مركب من هيئات احدها وجود جوهر تحل به كالثوب فيكون وجود الثوب متمما لقابلية الحمرة للايجاد في المعروض فوجود الثوب للحمرة من المشخصات الخارجية ولاجل هذا قال الحكماء ان وجود الجوهر من تمام قابليته للايجاد اذ لا يقدر على قبول الايجاد في الخارج الجسماني الا بوجود ما يحل فيه وكذلك اعراض المجردات بنسبتها الى المجردات فاذا طلبت معرفة وجود العرض على نحو ما قرر المصنف في الوجود عرفت ان حلوله في الجوهر هو وجوده له اي حصوله للجوهر فيه لا ان ذلك الحلول هو حقيقة العرض كما يدعيه المصنف من انه هو الحقيقة في كل شيء والا لكان حقيقته حلوله في الجوهر وهذا لا يلتفت اليه ذو عقل الا اذا كان من اهل المفهوم الذين لا ينظرون الى المصداق وما قيل ان الحلول راجع الى افتقاره الى الموضوع وذلك امر زائد على ماهيته فحيثيته ان كانت اعتبارية لم يتحقق تقومه بها وان كانت موجودة فهي المطلوب ليس بشيء لان حيثية الافتقار انما هي من اسباب القابلية ومتمماتها وحدودها وهي على مذاقهم خارجة عن الوجود وان كانت من شرائط ظهوره واما على مذاقنا فهي من متممات قابليته وعلى المذاقين فالافتقار غير الوجود وانما هو هيئته والحيثية جهة له فهي ابعد من الافتقار من الوجود وقد قلنا سابقا ان الفايـٔض من كرم الجواد عز وجل انما هو الوجود وهذا الفائض صفته الافتقار وشأنه الحاجة ويعينه المعطي ويغنيه الغني عز وجل بالمتممات وهي حدود قابليته للايجاد والافتقار والحلول والحيثية المدعاة لم تكن اول فائض فليست هي الوجود وانما تحققت به
قال : { وهذا معنى قول الحكماء في كتاب البرهان ان الموضوع مأخوذ في حدود الاعراض وحكموا ايضا بان هذا من جملة المواضع التي تقع للحد زيادة على المحدود كاخذ الدائرة في حد القوس واخذ البناء في حد البناء }
اقول : انما قالوا باخذ الموضوع في حد العرض ليس لان وجوده حلوله فيه بل انما اخذوا ذلك في العرض ليبينوا ان المحدود انما هو العارض من حيث كونه عارضا فيقولون هو الحال في المتحيز احترازا بهذه الحيثية عن تحديد نفس ماهيته اي لا من حيث كونه عارضا لانه من هذه الحيثية جوهر او كالجوهر ففي الحد يكون ذكر الموضوع ليس من المحدود فيكون زائدا وانما قالوا بذلك لان بناء امرهم في تحديد الاشياء على مفاهيمها ومفهوم الجوهر ومفهوم العرض شيء واحد كلي فيلحقون كل حصة بما يميزها عن الاخرى فهي اي الملحق بها المميز فصلها فيقولون الجوهر هو الحال في الحيز والعرض هو الحال في المتحيز فالحال جنس لهما والمميز فصل وهذا عندهم حد حقيقي وانت اذا تركت قولهم واعتبرت بفهمك وجدت ان الحال ليس هو حقيقة الجوهر في نفس الامر ولا العرض وانما هو على مذاقهم واصطلاحهم عرض عام فحدهم رسمي لان الحال الذي جعل جنسا ليس هو اسم ذات وانما هو صفة فعلية فهو اسم فاعل فيكون قولهم ذلك مثل قولك الجوهر هو القاعد في الارض والعرض هو القاعد في الجوهر وربما يلتفت احدهم الى ذوقه مع قطع نظره عن ما قالوا فيجد ان هذا الشيء لا يمكن تعريفه كما توهمه المصنف في الوجود فيما تقدم لانه انما يعرف منه ما ذكروا وذوقه يأبى كونه حدا حقيقيا وفي قولهم القوس قطعة من الدائرة فالمحدود القوس وهو جزء من بعض الحد اعني الدائرة ففي الحد زيادة على المحدود الا ان الحد ليس بالرسم كما في المعروض والمعرض ( العرض خل ) وان قيل فيه بلزوم الدور الا انه تحديد بذاتي بخلاف المعروض والعرض حيث حدد بالحال وليس الحلول حقيقة لواحد منهما اذ لو كان حلوله هو حقيقة وجوده ووجوده اول فائض عن الايجاد لكان حلوله الذي هو صفة فعلية منه اول فايـٔض قبل العرض من فعل الله سبحانه فيكون الفعل في نفس الامر وفي الاعتبار سابقا على فاعله هف
قال : { فقد علم ان عرضية العرض كالسواد اي وجوده زائد على ماهيته فلو لم يكن الوجود امرا حقيقيا بل كان امرا انتزاعيا اعني الكون المصدري لكان وجود السواد نفس سواديته لا حلوله في الجسم واذا كان وجود الاعراض وهو عرضيتها وحلولها في الموضوعات امرا زائدا على ماهيتها الكلية فكذلك حكم الجواهر ولهذا لا قائل بالفرق}
اقول : اذا علم ان عرضية العرض كالسواد زائد على ماهيته فهذا الذي تدركه ابصارنا ما هو هل هو الحلول ام الحال وعلى الاول فهل الحلول امر عقلي ام حسي فان كان عقليا فما هذا الذي نراه ببصر الحس وان كان حسيا فكيف تكون فوقية السماء عقلية كما قال سابقا ويكون هذا حسيا واي فرق بينهما وعلى الثاني هل المرئي هو الماهية متحدة بالوجود ام منفردة ام الوجود منفردا فعلى الاتحاد يبطل حكمه بالوجدان المعروف بان الحال غير الحلول مغايرة لا ينكرها الا مكابر لمقتضى عقله والا لكان القعود هو القاعد وعلى الانفراد يبطل قوله بالاتحاد كما تقدم مؤيدا بقوله في اخر كلامه هذا ولهذا لا قائل بالفرق وعلى انه الوجود خاصة فيبطل قوله من وجوه الاول بعدم الاتحاد الذي يدعيه الثاني بالوجدان الحاكم بمغايرته للحلول ونحن لانشاهد الا الحال والحلول انما نشاهد منه كون المرئي في الموضوع وهذا الكون غير الكائن والثالث يلزم ان يكون الوجود هو الحال لا الحلول وهذا وان كان حقا عندنا على نحو ما ذكرنا سابقا من ان الشيء هو الوجود مع مشخصاته واسباب تعينه الا انه لا يقول به لانه يريد بالمتحد مع الوجود خارجا هو الماهية التي ينتزعها في الذهن وهي الهوية وهي معنى غير مفهوم الوجود ولهذا يتغايران في الذهن عنده لاجل امر يشير اليه تعالى ربي والهي عنه علوا كبيرا ولهذا الزمناه فيما تقدم بمغايرة المتحد للعارض على رأيه الذي يجعله فيه متحدا في الخارج وفي الذهن مغايرا في قوله يتحدان خارجا ويتغايران في الذهن فيدفع قبيح ما يلزم من هذا بان المغايرين مفهوماهما فقلنا له فاذا لا مقابلة فينبغي ان يقول في الخارج شيء واحد وفي الذهن مفهومان تغايرا فهما غير الخارجين ولاانتزعا منهما فيلزم ما تقدم من عدم المقابلة ومن التحديد اذا لم يكونا انتزاعيين
وقوله { فلو لم يكن الوجود امرا حقيقيا } الى قوله { لا حلوله في الجسم } فيه ما تقدم مما يدل على ان وجود السواد نفس السوادية المرئية لا حلولها الا اذا فسر الوجود بالكون في الاعيان كما تعرفه العوام وهو المعنى المصدري
وقوله { واذا كان وجود الاعراض } الخ كما تقدم مكررا مرددا فان قوله زائدا على ماهيتها الكلية يعني الذهنية يلزم منه ان كل زائد على الماهية الكلية وكان سببا للكون في الخارج هو الوجود كالعوارض الخارجية والوقت والمكان بل واقسام الوضع بل ووجود الاغيار كلها اشياء خارجية زائدة على ماهية الجوهر والعرض فيجب ان يكون كل واحد منها على الانفراد والانضمام هو الوجود لتوقف الكون في الاعيان عليها كما دل عليه النقل المعتبر وصحيح العقل والنظر وهذه وان قلنا نحن بانها من الوجود لكنه لا يقول به
قال : { الثامن ان ما يكشف عن وجه هذا المطلب وينور طريقه ان مراتب الشديد والضعيف فيما يقبل الاشد والاضعف انواع متخالفة بالفصول المنطقية عندهم ففي الاشتداد الكيفي مثلا في السواد وهو حركة كيفية يلزم عليهم لو كان الوجود اعتباريا عقليا ان تتحقق انواع بلا نهاية محصورة بين حاصرين وثبوت الملازمة كبطلان اللازم معلوم لمن تدبر واستبصر ان بازاء كل حد من حدود الاشد والاضعف اذا كان ماهية نوعية كانت هناك ماهيات متباينة بحسب العقل والحقيقة حسب انفراض الحدود الغير المتناهية }
اقول : قد اعترض بعضهم على المصنف في قوله { عندهم } بانه ان اراد بقوله عندهم عند المشائين فلا يكون حجة على المخالف وان اراد به عند المخالف فليس بصحيح اذ ليسوا قائلين به انتهى يعني انهم ليسوا بقائلين بوجود مراتب متعددة متخالفة بفصولها في الشديد والضعيف وانما كل منهما حقيقة واحدة كالمخروط الواحد فلا يعتبر فيه تفاوت يتمايز بالفصول واقول قد تقدم مما ذكرناه ان الوجود له مراتب فهي في انفسها لا تدخل في حكم الشديد والضعيف على فرض تحقق تخالف في مراتبهما اذ ليست السفلى من نوع العليا فلا تشكيك في الحقيقة بينها الا في التسمية الظاهرة نعم افراد كل مرتبة وذراتها يجري فيها التشكيك وانواع كل مرتبة في رتبة امكانها غير ما هي به في رتبة اكوانها اما في رتبة امكانها ففيها انواع كلية لا تتناهى في اعدادها ولا في افرادها يعني فيها انواع لا تتناهى وكل نوع فرض ففيه افراد لا تتناهى وكل فرد من ذلك الامكان فهو يقبل قبل تكوينه افرادا لا تتناهى وبعد تكوينه يقبل بحسب قبوله للتغيير افرادا لا تتناهى بل ويقبل كذلك قبل التكوين وبعده بقبوله للتغيير انواعا واجناسا لا تتناهى واما في رتبة اكوانها فمع قبول التغيير كذلك واما مع قطع النظر عن قبول التغيير وعن مقتضى الحكمة فالكون يضيق محله عن وجود افراد لا تتناهى لا ( الا خل ) على التدريج وذلك لضيق محلها ووقتها عن ذلك فيكون الامتناع من قبلها لا من قبل القدرة الكاملة ولهذا كانت في التدريج على بواعث استدارة الحركات فتحركت الافلاك على الاستدارة والمفعولات في طلبها من امدادات مباديها على الاستدارة لان الاستدارة هي المقتضية للتدريج
فقوله { يلزم عليهم لو كان الوجود اعتباريا عقليا } الى قوله { حاصرين } يلزم عليه ان العقليات ليست عدمية بما ذكرنا سابقا من النص عن الرضا عليه السلام ومما اشرنا من الدليل العقلي بل الفؤادي لانه من دليل الحكمة من انه لا يمكن ان تتصور شيئا حتى تقابله بمرءاة خيالك مثلا اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد يصلي يوم الجمعة العاشر من شهر رمضان مثلا سنة كذا لا يمكن ان تذكره ما دمت حيا حتى تلتفت بمرءاة خيالك الى صورة مثاله في غيب ذلك المسجد يصلي في غيب يوم الجمعة العاشر من شهر رمضان سنة كذا فان مثاله الى يوم القيمة قد كتبه الملكان الحافظان في ذلك المكان وذلك الوقت فاذا قابلته بتلك المرءاة انتقش شبح ذلك المثال في مرءاة خيالك فتذكره ولا تقدر ان تذكره بغير هذا الالتفات على نحو ما قلنا فلو قلت لك اذكره ولا يلتفت قلبك بمرءاة خيالك الى ذلك المكان وذلك الوقت لكان ذكرك له مستحيلا ممتنعا لاني اريد منك ان تذكر من حيث لا تذكر وكل تذكر وتعقل هكذا ولكن اكثر الناس لا يعقلون فتذكرك لم يكن في عالم الاجسام لكنه موجود في عالم العقول والمصنف كالاكثرين لا يعرفون الا ان الاعتباري عدمي نعم لو اراد صور امكاناتها لا صور اكوانها على قولهم سكتنا عنه فقوله { ان تتحقق انواع بلا نهاية محصورة بين حاصرين } ينبغي ان يقيد هذا بان يقول موجودة لا بالتدريج اذ الممنوع منه كون الامور الغير المتناهية المحصورة بين حاصرين مجتمعة واما بالتدريج فلا واما مسئلة التناهي وعدمه فلا تبني عليها الاستدلالات الحقيقية لان من الامور الممكنة ما لا تتناهى في الامكان وان كانت متناهية عند الواجب تعالى مثل نعم الجنة ونعيمها واهلها والام النار وعذابها وشقاوة اهلها كل ذلك غير متناهية ولا منع منها والحاصل ليس كل غير متناه باطلا بقول مطلق اذ لا محذور في عدم تناهيها وعدم انقطاعها اذا ثبت كونها محدثة متناهية الى فعل خالقها تعالى فليس بممتنع اذ ليس الفعل متناهيا ليمنع من كون اثره غير متناه فبطلان اللازم الذي ذكره غير معلوم يعرف هذا من قاعدتين اتفق الحكماء على صحتهما وهما قولهم كل ما له اول له اخر وكل ما سبقه العدم لحقه العدم وبعد الاتفاق من المسلمين تبعا لما دل عليه النص المتواتر من الكتاب والسنة ودل عليه العقل الصحيح بدليل الحكمة ان الجنة ونعيمها واهلها والنار وعذابها واهلها مخلدون ابدا لم يلحقهم عدم وليس لهم آخر فبمقتضى حكم القاعدتين انه لم يسبقهم عدم وانما سبقهم وجود واذا قيل انه سبقهم عدم يراد منه انهم لم يكونوا موجودين في رتبة الازل ولان العدم ليس شيئا يتحقق له السبق وانه ليس لهم اول يعني اولا حادثا لان الاولىة الحادثة من جملة تلك الحوادث والاولىة الازلية هو ذات الواجب وهو تعالى ليس اولا لشيء ولا اخرا لشيء وانما هو سبحانه قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد فاليه اي الى فعله المنتهى ومن فعله المبتدأ ولا غاية لفعله فلا يكون مفعوله مغايا
فاذا عرفت مرادنا من هذا الكلام كله بان ما سوى الله سبحانه لا يتناهى لا في الابتداء ولا في الانتهاء الا الى فعله وصنعه عرفت انه لا معنى لكون ما سوى الله سبحانه متناهيا الا انه محدث لم يكن في الازل ثم اخترعه وكونه في الامكان لا انه منقطع اولا او آخرا وليس كلامي هذا قولا بقدم العالم فان لم تفهم منه الا القول بالقدم فاسئل الله ان يصلح وجدانك وعرفت وجود اشياء غير متناهية في الامكان اولا وآخرا الا انها لم تكن في مقام الاكوان مجتمعة الا على سبيل التدريج على اني انشاء الله تعالى ابين لك حقيقة صحة ما يترتب على القاعدتين من غير لزوم محذور يأتي فيما بعد واما في مقام الامكان فكلها حاصلة فيه اي في الامكان بلا نهاية وهو العمق الاكبر وعرفت ان بطلان اللازم غير معلوم وان على تقدير كون الوجود امرا حقيقيا قد يلزم منه حصول اشياء لا تتناهى بل تلزم من كلامه الاتي في قوله اذا كانت الحدود فيها بالقوة لم يلزم محذور اصلا اذ وجود تلك الانواع التي هي بازاء الحدود او الاقسام وجود بالقوة لا بالفعل اذ الكل موجود بوجود واحد اتصالي وحدته بالفعل وكثرته بالقوة انتهى ما فر منه واشنع لانه انما الزمهم بها وهم لا يدعون وقوعها دفعة ولعلهم لو سلموا الالزام يدعون حصولها على جهة التدريج تبعا لتنقل الذهن في الاعتبار حيث لم ينتقل الى جميعها دفعة ولهم ان يقولوا كما ان تحققها فرع على الاعتبار كذلك يكون بقاؤها كذلك فيكون تحققها على نحو التجدد والدثور فح لا مانع من وقوعها بهذا النحو واما هو فقد اثبت تحقق انواع لا تتناهى بالفعل على تقدير فرض الوجود متحققا لان قوله اذ الكل موجود في حصول حصص تلك الانواع الغير المتناهية بالفعل متحققة ثابتة الا انها لم ترتبط بها فصولها فقد حقق جميع الحصص وان كانت بوجود واحد مع انه لا يرضى بتحقق الحصص ولا جنسها قبل الفصول بل ظاهر كلامه في الكتاب الكبير ان لها في انفسها تحققا ما قبل الفصول وان توقف تمييزها وحصولها على الفصول ففي فرض الاعتباري منع من تحقق انواع لا تتناهى مع انه يقول بثبوتها بالتحققي اذا وجدت فصولها او مطلقا فكذلك بالاعتباري اذا اعتبرت فصولها فانه هو وجودها كالتحققي فاذا اعتبرت وجدت خارجا بالطريق الاولى اذ يمكن في الاعتبار ما لا يمكن في التحقق ولا يلزم من اعتبار الاعتباري تحققها الاجتماعي كما لا يلزم على التحققي لان الاعتباري على فرضه لا يكون اقوى من التحققي ليلزم منه تحقق ما لا يتناهى مجتمعا بل انما هو تابع للتحققي او مساو له فبنسبة ما يعتبر التحققي يعتبر الاعتباري ونحن وان لم نقل بالاعتباري مع ان الاعتباري عندنا كله وجودي الا انه ظلي انتزاعي من الخارجي كما ذكرنا مرارا نعم قد قلنا ان الذهني الذي في ذهن علة الموجودات صلى الله عليه واله وان كان مما فوقه افيض عليه لكنه علة لما تحته بالله سبحانه وما في ذهنه هي وجوه الاشياء الباقية اي وجوه باقية للاشياء الهالكة كما اشار اليه سبحانه في مواضع من كتابه قال تعالى كل شيء هالك الا وجهه وقال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلم وفرعون في سؤاله قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وهم عليهم السلم العند والكتاب فافهم لانا انما نقول بالتحققي الحادث الخالص لا المطلق المشوب ولا الحق الخالص عز وجل ومع ذلك كله فقوله في هذا الاستشهاد ليس بمستقيم لانه اثبت فيه الكل والزم القائلين بالاعتباري بما لا يلزمهم ولا يضرهم ونحن نقول بان اهل الاعتباري غير معتبرين ولا دليل لهم الا التخمين وما هم بمستيقنين وانما تكلمنا على كلام المصنف لانه يدعي ان استدلالاته ليست من الابحاث الحكمية ولا من التخيلات الصوفية والفاظ استدلالاته ونمطها من تلك الابحاث الحكمية بعينها ومعاني كلامه ومقاصده ومراداته من تخيلات الصوفية فانهم لا يتجاوزون في تخيلاتهم ما تخيل وانما حذا حذوهم وقال بقولهم بعبارات الحكماء واستدلالاتهم على ان اهل القول بالاعتباري لا يحتاج في رد قولهم الى هذه التمحلات بل يكفي في رد كلامهم ان الاعتباري هو عدم ام ضده فان كان عدما فكيف يصدر عنه ضده وان كان ضد العدم فقد وافقوا فليجيبوا بما شاؤا يخصموا
قال : { فلو كان الوجود امرا عقليا نسبيا كان تعدده بتعدد المعاني المتمايزة المتخالفة الماهيات فيلزم ما ذكرناه نعم اذا كان للوجود وجود واحد وصورة واحدة اتصالية كما هو شأن المتصلات الكمية القارة او غير القارة اذا كانت الحدود فيها بالقوة لم يلزم محذور اصلا اذ وجود تلك الانواع التي هي بازاء الحدود او الاقسام وجود بالقوة لا بالفعل اذ الكل موجود بوجود واحد اتصالي وحدته بالفعل وكثرته بالقوة فاذا لم يكن للوجود صورة عينية كان الخلف لازما والاشكال قائما }
اقول : يريد ان الامر العقلي النسبي ذهني والذهن محل التكثرات لانه محل التحليل العقلي ولهذا مع حكمه بالاتحاد خارجا حكم بالتغاير ذهنا فيلزم ان كل ما اعتبر ذهنا وجد خارجا لان الاعتباري به وجود ما اعتبر في الخارج فيلزم ما ذكره من وجود الانواع الغير المتناهية خارجا بقي هنا شيء وهو انه ما المراد بهذا الوجود الاعتباري وما هو فان اريد به اي بكونه وجودا للخارجي انه بنفسه لا باعتبار معتبر وانما الاعتبار دليل معرفته كان محصل ذلك ان الاشياء موجودة في الخارج لكن لما لم يكن غير ما يسمى بالوجود موجودا بنفسه لما علم ان الوجود موجود بنفسه وغيره موجود به ولم يعقل شيء غير الموجود وجب فرض شيء وجدت به الاشياء ولما كان ما توجد به الاشياء يستحق اسم الوجود مراعاة في التسمية لجهة الاشتقاق سمي ذلك الامر الفرضي وجودا وان لم يكن شيئا متحققا وان اريد به انه عبارة عن اعتبار كونها موجودة كان محصل ذلك انها بموجوديتها وجدت لان الموجودية عبارة عن التأثر بتأثير فعل الله تعالى وتلك الموجودية على قاعدتهم من المعقولات الثانوية وان اريد به ما حصل في الذهن كان المراد منه اما العارض من مفهوم الوجود على مفهوم الماهية واما مطلق مفهومه والعارض اما العرضي واما الذاتي واما المعنى المصدري فعلى ارادة الاول فمع كون الاعتباري امرا وجوديا خارجيا لم يناف مذهب المصنف الا في بعض التعبيرات كقول انه اعتباري وقول انه تحققي ويتفقان في انه غير مكتنه ولا مدرك كما تقدم من قول المصنف وماهيته اخفاها تصورا واكتناها ومع كونه وجوديا ذهنا ( ذهنيا خل ) فيأتي في الثالث ومع كونه عدميا وان قيل بموجودية الاعتباري ولم يرد به الكناية عن اتحاد الوجود والموجود يكون بديهي البطلان اذ لا شيء لا يحدث الشيء ولا يكون علة له ولا من متممات علله ما لم يأول بعدم المانع وعلى ارادة الثاني فمع كون الموجودية متحققة في الخارج يكون المراد بذلك اما ما اراده المصنف واما ما اراده اهل الانتساب واما ما اراده اهل الهيولي لان القائلين بان الوجود هو الهيولي لهم فيه مذاقات فمنهم من يحصره في المواد خاصة ومنهم من يفصل ونحن منهم بان نقول الوجود الموصوفي منه المادة والوجود الصفتي منه الصورة والشيء هو المركب منهما فالتأثر هو الصفتي وهو القابلية وما لها من المتممات والمكملات من الهندسة الباطنة والظاهرة كما تقدم وهذا المركب هو الموجود وله اعتبارات ثلاث فباعتبار كونه اثرا نور ووجود وباعتبار انه هو ماهية وظلمة والمعنى المصدري صفة ظهوره وهو المعبر عنه بالكون في الاعيان وهذا المعنى يراد منه احد معنيين احدهما الظاهري المعبر عنه بالفارسية بالهست ضد نيست والثاني المعنوي وهو ما به الكون وهو الشيء بجملته وهنا ( هذا خل ) الكون والحصول يراد منه نفس الشيء ومع كونها من المعقولات الثانية فعلى القول بوجودها او بعدميتها تقدمت الاشارة اليه وعلى انها امر ذهني فهي كسائر الامور الذهنية وان اريد به ما حصل في الذهن وللمبني عليه من الذهني اعتباران : احدهما ان الذهني قسم من الوجود بمعنى انه ينقسم في نفسه الى قسمين وذلك لانه انقسم باعتبار محله لان محال الاكوان باعتبار الحال فيها منها فمنهم من قال الذوات محالها جواهر والصفات محالها اعراض ومنهم من قال الغيب ذاتياتها محالها جواهر مجردة وصفاتياتها محالها اعراض مجردة والشهادة ذاتياتها محالها جسمانيات واجسام وصفاتياتها محالها غير مجردة فما كان من الصفات مطلقا من نوع الاشباح الهندسية فمحالها الاعراض الصقيلة كالذهن للاشباح المجردة وكالمرءاة والماء وما اشبههما من اعراض الاشياء المادية الصقيلة للاشباح الحالة بالماديات كالصورة في المرءاة والماء وفي الاشياء الصقيلة كالحديد المصقول وغيره وما من نوع الاشباح الظلية فمحالها اعراض الماديات الكثيفة كالجدار للنور والهواء للكلام فعلى هذا يكون الذهن محلا للصفات المجردة فتكون منتزعة من الخارجي ولما كان المحل لا يصلح للماديات لانه مجرد كان ما يحل فيه وينتقش من نوعه وان كان منتزعا من الاجسام فيتساوي فيه المنتزع من الماديات والمجردات لانه من مرايا عالم الغيب وانما خلقه الله تعالى لذلك لان نظام النوع الانساني المدني الطبع الجامع للشؤن المتكثرة المتعددة التي لا يفي بها الشخص منهم لنفسه ولا بمثله بل لا بد له من مخالطة ابناء النوع طوى الله سبحانه له المتفرقات في استحضارها بوضع مرءاة عنده تجمع له صفات مطالبه من غير مشقة السعي الى استحضارها بانفسها لان ذلك متعسر او متعذر وذلك لان غرضه ليس في نفس اشباحها وصورها ليكون ما حصل له في ذهنه هو مطلوبه فاذا تصوره تم له مطلوبه وانما مطلوبه الامر الخارجي ولذا حكمنا بان جميع ما في اذهاننا ظلية انتزاعية وثانيهما ان ما حصل في الذهن منه ما هو اصيل وهو حقيقة الشيء الخارجي عندهم ومعناه مجردا عن العوارض الخارجية ولهذا لا فرق بين الوجودين الا ترتب الاحكام الخارجية واثار الحقائق المتحققة فالخارجي ما تترتب عليه الاحكام والاثار والذهني ما لا تترتب عليه ولا يراد منهما الا هذا عندهم ومنه ما هو منتزع كما ذكر الاولون والمصنف من اهل القول الثاني ونحن قائلون بالاول فعلى الثاني ان اريد بالوجود الاعتباري العارض للماهية سواء كان هو العرضي ام الاصيل فانما يعرض لها من حيث هي لا من حيث كونها موجودة ولا من حيث كونها معدومة فلا يكون مؤثرا فيها لعدم ترتب اثار الذهني وانما عرض لها لملاحظة تكونها به فهي متعلق التكوين به فعرض مفهومه على مفهومها والمعنى المصدري حدث فعلي انما يصدر عن متحقق ولو بالذهني وعلى اي فرض اعتبر يكون غير مؤثر عند المصنف وموافقيه واما اهل الاعتبار فيصدق الاعتباري عندهم على ما يظهر من اطلاقهم على ما سوى المتحقق الخارجي ولا شك ان الاعتبار ( الاعتباري خل ) وما يترتب عليه من الامور الاعتبارية الغير الخارجية المتحققة لا تترتب عليها آثار خارجية عند المصنف وموافقيه وعندنا في اغلب الاحوال بناء منا علي ان ما في الاذهان ظلي انتزاعي غير متأصل اذ لو فرضنا نحن حصول الاصيل في اذهاننا كما نحكم به على ما في ذهن علة الوجود ومحل الايجاد حكمنا بحصول اثاره في الخارج بل نقول انه لا تأثير لغيره الا به كما اشرنا اليه مرارا في شرح الزيارة الجامعة ومن قال بتأثير الاعتباري منهم من يرى ان تأثيره ايضا اعتباري لانه يرى ان وجودات جميع ما سوى الله سبحانه اعتباري موهوم لا تحقق له اصلا لا خارجا ولا ذهنا ولهذا قال شاعرهم :
كل ما في الكون وهم وخيالا وعكوس في المرايا او ظلال
فجعل الحادث ووجوده وماهيته وجميع شؤنه موهومة ومنهم من يرى ان تأثيره امر متحقق في الخارج وعلى كل فرض فهو قول باطل اما على الرأي الاول وهو لاهل التصوف فان ارادوا بالاعتباري في المؤثر والاثر ان معناه عدم استقلاله بنفسه وانما الكل في الحقيقة قائم بامر الله سبحانه على الدوام قيام صدور ونسبة التحقق اليه بالاعتبار مع عدم ملاحظة تقومها بامره تعالى فلا استقلال لها ولا شيئية بنفسها بحال من الاحوال فكلامهم بهذا المعنى صحيح وان ارادوا به عدم تحققها في انفسها في رتبة امكانها فباطل لمخالفته الوجدان لانه مكابرة لمقتضى العقول ومن اثبت تحققها في الخارج بالاعتباري الغير المتحقق فباطل لما تقرر من ان العلة اقوى من المعلول ولا يصح العكس لعدم صحة ابتناء القوي على الضعيف فعلى قولهم من ان الاعتباري عدمي يلزم بناء الشيء على لا شيء وعلى قولنا يلزم بناء القوي على الضعيف وكلاهما باطل ولا يرد علينا ترتب ما بالفعل على ما بالقوة لان ما بالفعل انما ترتب على ما بالقوة لان ما بالقوة مترتب على ما بالفعل ففي الحقيقة ما بالفعل مترتب على ما بالفعل والا لزم في سلسلة العود ان يعود ما بالفعل الى ما بالقوة كما في حال البدء والنزول وانما لم نوافق المصنف لعدم صحة ابطاله لا تصحيحا لدعواهم فان قوله بلزوم تحقق انواع بلا نهاية غير ملزم لان تحقق الانواع الغير المتناهية انما يكون على فرض اعتبار الاعتباري وقد قرروا ان الاعتباري ينقطع بانقطاع الاعتبار والتأثير منوط بدوام الاعتباري فافهم فلا يلزم من كونه اعتباريا ما ذكر من تحقق ما لا يتناهى لما قلنا من انه ليس اقوى من التحققي في التأثير ولان تحققه اي الاعتباري انما هو بالاعتبار وهو اي الاعتبار تدريجي فيكون ما يترتب عليه تدريجيا ولانه ينقطع بانقطاع الاعتبار كما قالوا مع ان ذلك المحذور لازم على قول المصنف كما ذكرنا سابقا فقوله { فاذا لم يكن للوجود صورة عينية كان الخلف لازما والاشكال قائما } صحيح لا من حيث كونه مبنيا على دليله السابق بل من حيث كونه منافيا للوجدان والاحساس والضرورة
قال : { ذكر كلمات في دفع شكوك اوردت على عينية الوجود ان للمحجوبين عن مشاهدة نور الوجود الفائض على كل ممكن موجود والجاحدين لاضواء شمس الحقيقة المنبسطة على كل ماهية امكانية حجبا وهمية وحججا قوية كشفناها وازحنا ظلمتها وفككنا عقدتها وحللنا اشكالها باذن الله الحكيم العليم }
اقول : اراد ان يذكر بعض حجج النافين لتحقق الوجود في الخارج مثل شيخ الاشراق وغيره القائلين بانه اعتباري ومنهم ابوجعفر الطوسي في التجريد حيث قال والوجود من المحمولات المعقولة ( العقلية خل ) لامتناع استغنائه عن المحل وحصوله فيه والعلامة الحلي رحمه الله في شرح كلام الطوسي هذا قال : اقول الوجود ليس من الامور النسبية بل هو من المحمولات العقلية الصرفة وتقريره انه لو كان ثابتا في الاعيان لم يخل اما ان يكون نفس الماهيات الصادق عليها او مغايرا لها والقسمان باطلان اما الاول فلما تقدم من انه زائد على الماهية ومشترك بين المختلفات فلا يكون نفسها واما الثاني فاما ان يكون جوهرا او عرضا والاول ظاهر والا لم يكن صفة لغيره والثاني باطل لان كل عرض فهو حاصل في المحل وحصوله في المحل نوع من الوجود فيكون للوجود وجود هف ويلزم تأخره عن محله وتقدمه عليه هف انتهى قال الماتن (ره) : وهو من المعقولات الثانية قال العلامة (ره) : اقول الوجود كالشيئية من المعقولات الثانية وليس الوجود ماهية خارجة على ما بيناه بل هو امر عقلي يعرض للماهيات وهو من المعقولات الثانية المستندة الى المعقولات الاولى وليس في الموجودات شيء هو وجود او شيء بل الموجود اما انسان او حجر او غيرهما ثم تلزم معقولية ذلك ان يكون موجودا انتهى ويأتي بعض ما استدل عليه هؤلاء مثل شيخ الاشراق وقول صاحب التجريد ان الوجود من المحمولات العقلية لامتناع استغنائه عن المحل وحصوله فيه يريد به ان الوجود مفهوم وصفي وهو المعنى المصدري اللاحق للمعقولات الاولى ولهذا قال : وهو من المعقولات الثانية ولا ريب انه بهذا المعنى يكون عن غيره لا ان غيره يكون به لانه من الصفات اللاحقة لوجود موصوفاتها وهي كائنة بموصوفاتها او تابعة لها في كونها او مكونات بها والحاصل من هذا المذكور ليس هو الوجود الذي تحققت به الاشياء وقول العلامة في بيانه : لو كان ثابتا في الاعيان لم يخل اما ان يكون نفس الماهيات الصادق عليها الخ يكون هو نفس الماهيات بنوعيه الموصوفي والصفتي فهو بنوعيه الموجود ولا نسلم كونه زائدا والتركيب انما هو من نوعيه وليس مغايرا لها الا مغايرة الاجزاء للكل هذا في الظاهر واما في نفس الامر فمغايرته لها بلحاظين فبلحاظ كونه اثرا هو وجود وبلحاظ هويته من حيث هو هو ماهية فليس الوجود ما اشاروا اليه لان هذه التصورات التي استندوا اليها كلها موهومة مأخوذة صناعية من مفاد حمل الالفاظ بعضها على بعض من غير ملاحظة مطابقتها وعدمها وقوله بعد هذا في المتن : واذا حكم الذهن على الامور الخارجية بمثلها وجب التطابق في صحيحه والا فلا ويكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس الامر لامكان تصور الكواذب فاعترض عليه العلامة مشافهة بحصر نفس الامر في الذهني والخارجي وقد منع منهما هنا فاجاب المراد بنفس الامر هو العقل الفعال فاعترضه بانه يلزم الحكماء القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال لانهم استدلوا على ثبوته بالفرق بين النسيان والسهو فان السهو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل وارتسامها في الحافظة لها والنسيان زوالها عنهما معا وهذا يتأتي في الصور المحسوسة اما المعقولة فان سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات والتصديقات وهاتان الحالتان قد تعرضان في الاحكام الكاذبة فلم يأت فيه بمقنع انتهى يعني لم يأت في هذا الاعتراض بجواب مقنع وذلك لان جوابه الاول ليس بصحيح وهو تفسير نفس الامر بالعقل الفعال والجواب ان العلم لا يخرج عن الذهني والخارجي وانما المراد بنفس الامر ما ثبت حكمه بالدليل من الذهني او الخارجي وهو ما عند الله عز وجل من الحكم التشريعي كما في قوله تعالى فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون فكذبهم لمخالفة التشريعي وان طابق قولهم التكويني ومن الحكم التكويني كما في قوله تعالى والله يشهد ان المنافقين لكاذبون فكذبهم لمخالفة التكويني لبناء فطرتهم المبدلة والمغيرة على مخالفة ما استيقنتها انفسهم وان طابق قولهم التشريعي فقوله في المتن ويكون صحيحه لمطابقته لما في نفس الامر وقول الشارح تبعا لقوله صريح في بطلان ما ذهبا اليه ومن وافقهما لما قلنا من استنادهم الى تصورات موهومة صناعية مخالفة لما في نفس الامر فقول المصنف { ان للمحجوبين عن مشاهدة نور الوجود الى قوله : حجبا وهمية } صحيح والله سبحانه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم وقول العلامة (ره) : واما الثاني فاما ان يكون جوهرا او عرضا الخ فيه ان الجوهر من الوجود الموصوفي والعرض من الوجود الصفتي والموصوف محل الصفة وهي متأخرة عنه ولا يلزم ان يكون للوجود وجود جوهره وعرضه اذ لا فرق بينهما
قال : { سؤال - ان الوجود لو كان حاصلا في الاعيان لكان موجودا فله ايضا وجود ولوجوده وجود آخر الى غير النهاية}
اقول : هذا السؤال من شيخ الاشراق وهو استدلال بابطال النقيض فاجابه المصنف فقال :
اقول : قوله { ما يقوم به الوجود } يريد انه لو كان شيء يقوم به الوجود لزم ان يكون متحققا قبل قيام الوجود وقد تقدم بطلان اللازم فيبطل الملزوم وهذا جار في كل شيء اما الماهية فليست شيئا قبل الوجود وهو قوله فلما اشرنا اليه من انه لا قيام للوجود بها واما الوجود فلو فرض قيامه بنفسه لزم تقدم نفسه عليه وهو باطل
وقوله { واما الوجود فلامتناع ان يقوم الشيء بنفسه } فيه رد لما في السؤال من قوله { فله ايضا وجود ولوجوده وجود } يعني انه قد ثبث فيما سبق ان الوجود بنفسه وجد لا بوجود اخر لانه لا تعدد فيه فاذا فرض قيام الوجود به فهو فرض لقيامه بنفسه وهو ممتنع وهؤلاء يزعمون ان ما به الانوجاد اعتباري فاذا فرض وجود في الخارج وجوزتموه فلا يكون الا موجودا بوجود خارجي وهذا الخارجي كالاول فيتسلسل ولا كذلك لو كان اعتباريا فنقول ان قولكم ان زيدا انما كان موجودا بمعقولية وجوده فيه ان هذه المعقولية تتوقف معقوليتها على معقولية اخرى الى غير النهاية فان كانت المعقولية الاولى معقولة بما هي معقولة لا باخرى فالخارجي موجود بما هو موجود على انا لا نعني بالوجود الحصول المعروف الذي هو الكون في الاعيان كما فهمتم لان المعنى المصدري نسبي وان اطلق عليه المصنف بعض عباراته لان الحصول الذي يراد به الشيء غير الحصول الذي يراد به حصول الشيء في كذا او لكذا فالوجود عندنا اذا اطلقنا عليه الحصول نريد به الحصول بالمعنى الاول الذي هو الشيء لا الذي هو النسبة وهو بمعنى الشيء لا يقوم بنفسه ولو فرض فرد من افراده قائم باخر وان تغايرا لم يجز ذلك لان المفروض انه فرد من الوجود فهو جزء او جزئي منه فلا يغاير حكم كله او كليه فيما هو مقتضى طبيعته والا لم يكن وجودا بل يكون ماهية وهو خلاف المفروض
وقول المصنف { اذ لا شيء في العالم بهذا المعنى موجود } فيه انه لو اريد بالوجود الحصول الذي هو النسبة والمعنى المعبر عنه بالفارسية بهست لم يخل شيء من العالم عن متصف به منسوب به او اليه مع انه كثيرا ما يطلق الوجود الذي هو الحقيقة في كل شيء ويريد ان هذا المعنى الذي هو الحصول النسبي والمعبر عنه بالفارسية بهست يصدق عليه وعبارات القوم اكثرها على هذا النمط وقد صدق في حقهم قول سيد الوصيين امير المؤمنين عليه السلم ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض الحديث وقد تقدم فاين هذا المعنى من حقيقة الشيء ولكن اكثرهم لا يعلمون
قال : { بل نقول ان اريد بالوجود هذا المعنى اي ما يقوم به الوجود نلتزم ان يكون الوجود معدوما بهذا المعنى فان الشيء لا يقوم بنفسه كما ان البياض ليس بذي بياض انما الذي ذو بياض كالجسم او المادة وكونه معدوما بهذا المعنى لا يوجب اتصاف شيء بنقيضه لان نقيض الوجود هو العدم او اللاوجود لا المعدوم او اللاموجود وقد اعتبرت في التناقض وحدة الحمل مواطاة او اشتقاقا }
اقول : يريد انا نلتزم بطلان التالي اي لم يكن موجودا بهذا المعنى من كونه قائما بالوجود المستلزم لبطلان المقدم اي لم يكن حاصلا بهذا المعنى في الاعيان ونلتزم انه معدوم بهذا المعنى وذلك لا ينافي ما نقول به لانا نقول ان الشيء لا يقوم بنفسه كما ان البياض ذو بياض معدوم بهذا المعنى لان الموجود ان الجسم ذو بياض والبياض بياض بنفسه ثم استشعر اعتراضا وهو انكم اذا قلتم بان الوجود بهذا المعنى معدوم كان موجبا لاتصاف الشيء بنقيضه وهو باطل فيلزمكم ان الوجود بهذا المعنى موجود والا كان متصفا بنقيضه فاجاب بقوله وكونه اي الوجود معدوما بهذا المعنى لا يوجب اتصاف الشيء بنقيضه لان الوجود نقيضه العدم او اللاوجود واما المعدوم او اللاوجود فليس بنقيض للوجود لاشتراط وحدة الحمل فاذا كان احد النقيضين محمولا بالمواطاة يجب ان يكون الاخر بالمواطاة مثل وجود نقيضه عدم واللاوجود او بالاشتقاق مثل موجود نقيضه معدوم واللاموجود اما اذا كان احدهما بالمواطاة مثل وجود والاخر بالاشتقاق مثل معدوم واللاموجود فان الاخر وهو ما بالاشتقاق ليس نقيضا لما بالمواطاة لانه اي العدم انما هو محمول في ضمن معدوم فاختلفت الوحدة التي هي شرط التناقض بالاتحاد وانما التزم بكون الوجود معدوما بهذا المعنى الذي ذكروه مع انه لا فائدة فيه تنصيصا على دعواه وتأكيدا لمقتضي دليله
قال : { وان اريد به المعنى البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست ومرادفاته فهو موجود وموجوديته هو كونه في الاعيان بنفسه وكونه موجودا بنفسه كونه وجودا لا ان له امرا زايـٔدا على ذاته والذي يكون لغيره منه يكون له في ذاته كما ان الكون في المكان والزمان لهما بالذات ولغيرهما بواسطتهما وكما في التقدم والتأخر الزمانيين والمكانيين فانهما لاجزائهما بالذات ولغير اجزائهما بواسطتهما وكما في معنى الاتصاف فانه ثابت للمقدار التعليمي بالذات ولغيره بسببه وكالمعلومية للصورة العلمية بالذات وللامر الخارجي بالعرض }
اقول : يريد بالمعنى البسيط من الوجود الذي يعبر عن ضده بالفارسية نيست ومرادفاته ما كان بمعناه مثل الحصول وهذا الذي يشير اليه ليس هو الوجود الذي هو حقيقة الاشياء عندنا ولا عنده في بعض الاحوال لان عباراته في المراد منه مضطربة جدا فمرة يفهم من بعضها انه الواجب تعالى ومرة يفهم منها انه المطلق الصادق على الواجب والحادث وتارة يفهم منها ارادة الحادث بخصوصه وتارة يفهم منها ارادة المعنى المصدري كما هنا فان قولك ان زيدا هست لم ترد بهست حقيقية ( حقيقته خل ) وانما تريد به حصوله وهو معنى مصدري فعلي وليس مما نعني به من الوجود في شيء نعم عبارات القوم من المشائين والرواقيين والمتكلمين صريحة في ارادة هذا لكنهم يجعلون الشيء هو الماهية وهذا الوجود عارض عليها وقولهم هذا صحيح لو عرفوا حقيقة المراد منه وانما نقول ان كلامهم باطل لعدم معرفة المراد من ذلك ومعرفته كما نريد قد اشرنا اليه سابقا من انا نريد بالوجود هو حقيقة الشيء الفائضة من فعل الله سبحانه وهي عندنا هي المادة المطلقة خلقها سبحانه من الامكان الراجح الذي هو محل المشية الامكانية ومتعلقها ومن هيئة تلك المشية التي هي فعله فامكنها بتلك المشية الامكانية ثم كون الشيء بمشيته التكونية من حصة من تلك المادة المطلقة ومن هيئة مشيته التكوينية الخاصة بذلك الشيء وهذه الهيئة التي هي صورة الشيء خلقت من هيئة مادته بهيئة المشية الخاصة به فالوجود الذي خلق بنفسه لا بوجود زائد على نفسه هو حقيقة هذا الشيء المركبة في الاصل من المادة المسماة بالوجود الموصوفي ومن الصورة المسماة بالوجود الصفتي فان تلك الحقيقة خلقت بنفسها لا بحقيقة زائدة على نفس تلك الحقيقة وهذا الوجود المعبر عنه بهست عارض على ذلك الوجود وهو نسبة له خارجية والحصول مثله وهذا غير الحصول الذي هو ذلك الشيء وهو كونه لا كونه في الاعيان كما هو المراد من حصولهم هذا وهو قول المصنف وموجوديته هو كونه في الاعيان بنفسه وهذا معنى مصدري فعلي عارض للشيء باعتبار حضوره ما بين امثاله بخلاف حصولنا وكوننا اذا اطلقنا احدهما نريد به الوجود اي حقيقة الشيء اي الذي به الكون في الاعيان وبيان حصولنا وكوننا على جهة الاختصار والاقتصار مضافا الى ما سبق وهو انه اذا اراد سبحانه ايجاد شيء اوجده اي احدثه وهو احداث وجوده فقال له كن فالامر كن وصورته الكاف والنون اشارة الى الكون بالكاف والى العين التي تسمى الماهية بالنون فكما ان الامر الذي هو المؤثر باذن الله صورته مركبة من الكاف والنون كذلك الاثر الذي هو حقيقة الشيء مركب من اثر الكاف الذي هو الكون ومن اثر النون الذي هو العين ومعنى قولنا الاثر ان الكاف والنون يشار بهما الى ثلاثة اشياء الاول بالكاف الى المشية والنون الى الارادة والثاني بالكاف الى الفعل الذي هو المادة وبالنون الى الانفعال الذي هو القابلية والصورة والثالث بالكاف الى التكوين والتأثير وبالنون الى التكون والتأثر فالصادر من فعل الله عند ايجاد الشيء هو الوجود وليس في الحقيقة شيء غير مادته وصورته على نحو ما قدمنا فهما وجوده وهما كونه وهما حصوله وليس غيرهما شيء الا المصدري الارتباطي الفعلي لانه في وجوده متوقف على تحقق الحاصل والكائن والحاضر والحصول والكون والحضور العامية نسبه المترتبة على وجوده لا وجوده
وقوله { وموجوديته هو كونه في الاعيان بنفسه } فيه ان الموجودية عندهم وعنده من المعقولات الثانية وهي معنى اعتباري عدمي عنده فجعلها هي وجوده قول بقولهم الذي نفاه وهو الأن بصدد نفيه وانما هي موجودة في الخارج على قولنا لا على قوله نعم قد يستعملها في المعنى التحققي ويطلقها على الوجود كما فعل هنا وجعل كونها في الاعيان هو وجودها وقد سمعت ان الكون في الاعيان معنى مصدري نسبي تابع للوجود زايـٔد عليه
وقوله { والذي يكون لغيره منه يكون له في ذاته } صريح بان الوجود شيء غير الماهية في الخارج والذهن لانه يقول ان الماهية لا وجود لها من نفسها بل بالوجود وهو يشعر بكونها به في الخارج فلا معنى للاتحاد الذي يدعيه والامر كذلك واما عندنا فالشيء هو الوجود بلحاظ انه اثر لفعل الفاعل عز وجل وهو الماهية بلحاظ انه هو وتشبيهه بالمكان والزمان في قوله كما ان الكون في المكان والزمان لهما بالذات ولغيرهما بواسطتهما يشعر بان الوجود زائد على الماهية كما يقوله الاكثرون وان كان هو لا يرتضيه لان الكون للمكان في المكان والكون للزمان في الزمان هو نفس الكائن لانه كون الشيء في نفسه وهذا ظاهر واما كون المكان في الزمان وكون الزمان في المكان وكون غيرهما فيهما فهو زائد على الكائن بخلاف ما اراد وذلك على رأيه واما على رأينا فله عندنا وجه مصحح وهو ان الكون للشيء كونان كون هو وجوده وهو كونه في نفسه بنفسه وله جهتان احديهما يراد بها كونه بنفسه انه احدث واخترع بنفسه واقيم بنفسه وهذا وجوده الشامل للوجود الموصوفي المقبول والصفتي القابل وثانيتهما كونه الذي هو قابليته وانفعاله ومتممات ذلك من الكم والكيف والمكان والزمان والجهة والرتبة وما يتبع ذلك من الوضع والاذن والاجل والكتاب وغير ذلك من المشخصات كالاقوال والاحوال والاعمال مما بينه الشرع الشريف امرا او نهيا ومجموع هذه هو الوجود الصفتي وهو جزء الشيء وهو جهته من نفسه وهو وجه ماهيته وكون هو حصوله في الاعيان اي في شيء او لشيء وهذا المعنى نسبي مصدري زائد على ماهيته وكذلك الكلام في التقدم والتأخر الزمانيين والمكانيين فانهما اي التقدم والتأخر لهما حكم الحصول بالنسبة الى الحاصل على نحو ما تقدم فما كان من مادتهما وصورتهما فذاتي بالنسبة اليهما وما كان منهما نسبة لاجزاء الزمان والمكان وما كان منهما ايضا لغير اجزاء الظرفين بواسطتهما فكله زائد على الماهية تابع لها مترتب على وجودها اي على وجود ما كانا ( كان خل ) نسبة له
وقوله { كما في معنى الاتصال فانه ثابت للمقدار التعليمي } الخ المراد بالاتصال في المعنى كون شيء واحد يقدر فيه اجزاء تشترك في الحد في الحقيقة لا خصوص الاصطلاحي الذي هو الجسم التعليمي وهو الشبح بلا مادة جوهرية فمعنى الاتصال بالمعنى اللغوي ثابت لنفسه بالذات ولمادة الجسم الطبيعي كذلك وبالمعنى الاصطلاحي ثابت لنفسه بالذات ولمادة الجسم الطبيعي بالعرض والتبعية فيكون اتصال اجزائها على الاصطلاحي انما هو ظله واثره وذكر المصنف التعليمي يدل على خصوص ارادة الاصطلاحي فيلزمه ان ما في الماهية من الوجود كالاتصال الذي في المادة من اتصال التعليمي فيلزمه على هذا التمثيل عدم اتحاد الوجود بحقيقته بالماهية وانما المتحد بها خارجا هو ظله فان سلم له الاتحاد وجب ان يكون المتحد هو عرض الماهية او ان الماهية عارضة على الوجود عند تحققها بعرضه لئلا يكون المعلول اقوى من العلة ومتبوعا لها فيلزم من عروضها قول الصوفية الذي نفاه سابقا وان لم يسلم فالحجة ان الخارجي جوهر لا عرض فافهم
وقوله { وكالمعلومية } الكلام فيه كالكلام في الموجودية والمراد ان كون الصورة العلمية معلومة بنفسها هو كونها علما واعلم ان الناس اختلفوا في العلم هل هو نفس المعلوم ام غير المعلوم ام بعض منه هو المعلوم وبعض غيره فقال بعض اهل الاشراق ان العلم نفس المعلوم مطلقا اي في الواجب والحادث وفي الغيب والشهادة وقال المتكلمون وبعض من غيرهم ان العلم غير المعلوم مطلقا خرج منه ما ثبت بالدليل القطعي في علم الله تعالى بذاته لعينية الصفات وبقي الباقي على عموم اصل المغايرة وقال جماعة من المشائين وغيرهم بان العلم في الغيب كالصور الذهنية والمعاني العقلية عين المعلوم والا لزم التسلسل وفي الشهادة غير المعلوم فالعلم بالصورة بالذات للعينية وبذي الصورة بالعرض لشهادة الوجدان ان صورة العلم بزيد غير زيد والحق الذي يشهد له العيان والبرهان وتجري عليه احكام الايمان هو الاول وقد ذكرنا عليه شواهد قطعية في شرح رسالة الملا محسن الذي صنفها لولده علم الهدى في كيفية علم الله تعالى وان اتى فيما بعد ما يقتضي ذلك ذكرنا شيئا من ذلك انشاء الله تعالى وظاهر كلام المصنف الميل الى الثالث فان قوله { كالمعلومية للصور العلمية بالذات وللامر الخارجي بالعرض } فان قوله بالذات ان معلوميتها عين علميتها بالذات كما اذا تصورت زيدا فان هذه الصورة هي العلم به ولا ريب انها معلومة لك ولا تعلمها بصورة اخرى والا لزم التسلسل فتعلمها بنفسها وكون زيد معلوما لك بالعرض يعني ان معلومية الصورة حاصلة لك بالذات لان الصورة ثابتة في ذهنك ومعلومية زيد حاصلة لك بالعرض اي بواسطة الحاصلة لك وهو الصورة بذاتها واما معلومية زيد فبتبع معلومية الصورة لانها هي الملحوظة فمعلومية زيد ما حصلت ولا لحظت بالذات بل ثانيا وبالعرض واعلم ان الصورة التي في ذهنك هي صورة زيد حالة رؤيتك له وهي صورة منفصلة منه ولهذا اذا غاب عنك بقي عندك ما انتزعته بمرءاة خيالك من مثال زيد ومدة غيبية ( غيبته خل ) عنك فانت لا تعلم شيئا من احواله هل هو ماش ام قاعد ام حي ام ميت ولو كان ما عندك هو الصورة المتصلة به لكان كل ما تغير شيء من احواله في غيبته تغيرت الصورة التي عندك لان العلم مطابق للمعلوم ومقترن به فلما لم تتغير الصورة التي عندك دل على انها ليست علما بزيد وانما هي علم بحالة صورته عند رؤيته قبل غيبته وهي صورة منفصلة عنه قائمة بذهنك قيام عروض محفوظة بواسطة مثاله الذي كتبه الملكان الحافظان في لوح غيب مكان الرؤية ووقتها فالمثال قائم هناك الى يوم القيمة وهو الشاخص الذي تنطبع صورته في مرءاة خيالك فقول المصنف { وللامر الخارجي } مبني على مذاق العوام لان المعلوم الخارجي هنا هو المثال المذكور القائم بتلك الهيئة في غيب ذلك المكان وذلك الزمان ولو علمه كما وصفت لك لما قال خارجي بل كان يقول هو ذهني وهو عندنا ليس بذهني بل هو خارجي وانما الذهني ما في ذهنك من شبحه وصورته واما ذلك المثال ان كان خيرا فهو مكتوب اي منقوش في نفس فلك البروج كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وان كان شرا فهو مكتوب اي منقوش في الصخرة التي تحت الارض السابعة وهي نفس الجهل الاول وهي سجين كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادريك ما سجين كتاب مرقوم فاذا قابلت بمرءاة نفسك وهي الخيال ذلك الكتاب من اي الكتابين بواسطة رؤيتك لظاهرهما انتقش شبح ذلك المثال المنفصل من ذات زيد القائم بذينك الغيبين والمنطبع فيك منفصل منه ايضا فالخارجي الذي يعني هو زيد وهو ليس معلوما لا بالذات ولا بالعرض لان المعلوم بالذات هو الصورة التي في ذهنك والمعلوم بالعرض هو مثال زيد الذي هو حاله وقت الرؤية والحضور وهو القائم الذي نقشه الملكان الحافظان في غيب مكان الرؤية ووقتها
قال : { سؤال - فيكون كل وجود واجبا بالذات اذ لا معنى لواجب الوجود الا ما يكون وجوده ضروريا وثبوت الشيء لنفسه ضروري الجواب - هذا مندفع بثلاثة امور التقدم والتأخر والتمام والنقص والغنى والحاجة وهذا المورد لم يفرق بين الضرورية الذاتية والضرورية الازلية فواجب الوجود يكون مقدما على الكل غير معلول لشيء وتاما لا اشد منه في قوة الوجود ولا نقصان فيه بوجه من الوجوه وغنيا لا تعلق له بشيء من الموجودات }
اقول : ان المصنف لما قرر ان الوجود موجود بنفسه وهو قوله : وكونه موجودا بنفسه كونه وجودا استشعر اعتراضا متفرعا على قوله فجعله سؤالا ليرفع بجوابه عنه جميع الاحتمالات ويحتمل انه اعتراض منهم وعلى كل حال فهو اعتراض ضعيف لانهم يقررون ان المعلول اذا كانت علة وجوده تامة يجب وجوده عند وجود العلة التامة ومثل هذا لا يكون واجب الوجود لذاته الا اذا كانت علة وجوده هي ذاته والوجود الحادث لا يدعي احد ان علة ايجاده نفسه وانما الاحتمال في ان وجود الوجود هل هو بنفسه بمعنى انه لا يحتاج في وجوده الى وجود آخر ام هو مساو لغيره وقوله { وهذا المورد } ظاهره ان الاعتراض من القائلين بالاعتباري وقوله { لم يفرق } الخ ان ضرورية الذاتية وهي القضية التي حكم فيها بامتناع انفكاك المحمول عن ذات الموضوع ما دام ذات الموضوع موجودة والضرورية الازلية هي القضية التي حكم فيها بامتناع انفكاك المحمول عن ذات الموضوع مطلقا اي مع قطع النظر عن جميع ما سوى الذات وعن التقييد بما دام الذات وعن الاشتراط بما دام الوصف فالازلية اخص من الذاتية لان كل مادة تثبت فيها الازلية تثبت فيها الذاتية لا العكس وانما اجاب بالفرق بين الضرورتين حيث استدلوا عليه بقوله : ان الوجود موجود بذاته فيكون واجب الوجود وهو انما عنى بقوله بذاته يعني لا بوجود غيره فاقرهم على ظاهر القول لانه لو عارض بما اراد امكن ان يردوا عليه بما سيأتي من كلامه من اتحاد العاقل بالمعقول والحس بالمحسوس فانه يقرر ما يلزمه هنا بما اعترضوا به عليه من وجوب الوجودات فان ما كان وجوده بنفسه فالوجود له ضروري ذاتي فاجاب بالفرق بين الضرورتين بان الذاتي هو ما امتنع الانفكاك عن ذاته ما دامت موجودة فصار بهذا المعنى اي القيد وجوده منسوبا الى نفسه بالعلة الخارجة فقد انتهى وجوب وجوده وذاتيته الى العلة الخارجة وتأثيرها فيه مشروط بثبوته بخلاف الضرورة الذاتية الازلية فان امتناع الانفكاك ليس مقيدا ولا مشروطا لانه ليس من الغير ليتوقف التأثير على حصول القابل بدءا او دواما فلذا قال { فواجب الوجود يكون مقدما على الكل غير معلول لشيء وتاما لا اشد منه } الخ الا انه يرد على قولهم وقوله محذور وهو ان القوم اطلقوا الوجوب وجعلوه مشتركا معنويا كما جعلوا الوجود كذلك فلذا توجهت عليهم الاشكالات واعترضتهم الشبهات فاحتاجوا الى التكلفات البعيدة مما يرد عليهم ومن كان عارفا بما هنا يرى انهم لا يتخلصون من شبهة الا بما هو اسوء حالا منها واقوى اشكالا والجواب الحق منع اصل الاشتراك بين الواجب والحادث في كل شيء لا باللفظي ولا بالمعنوي والمصنف حيث انه قائل بالاشتراك المعنوي وردت عليه الاشكالات اشد من اصحاب الاشتراك اللفظي فيتكلف الاجوبة الغير السديدة المشككة وقد يلتزم بالاقوال والاعتقادات البعيدة المهلكة ولهذا التزم بالاشتراك المعنوي في الضرورة وفي الوجوب وفي الذاتية فاحتاج في تمييز المعبود عن العابد بهذه الثلاثة الامور فقال المعبود سابق لكل شيء والعابد مسبوق معلول للسابق والمعبود تام مطلق لا اشد منه في التمام ولا يجوز عليه النقص بكل اعتبار والعابد ناقص لان فوقه تمام لا يتناهى والمعبود غني مطلق لا يحتاج الى شيء ولا يتعلق بشيء والعابد بخلافه وفي بنائه هذا هدم لبنائه لا يمكن على قوله والتزامه زواله بوجه وذلك لانه قد جعل للمعبود والعابد صفات اشتركا فيها لذاتهما ولا بد ان تكون تلك الصفات وجودية ذاتية وهذه الاشياء الثلاثة التي ميز بينهما بها ان كانت ثابتة وجودية ذاتية تركبا مما به الاشتراك ومما به الامتياز والمركب حادث عابد لمحدثه وان لم تكن وجودية او كانت وليست ذاتية بطل التمييز وبقي الاشتراك الذي تمسك به اهل الاعتباري في مناقضاتهم لانها ان لم تكن موجودة لم يحصل مميز والتمييز الاعتباري وان صح على رأي اهل الاعتباري لم يصح عند المصنف وان كانت عرضية كانت خارجة عن ذاتيهما ( ذاتهما خل ) فيلزم ان يكون المميز عارضا وفيه محذوران احدهما ان يكون الاشتراك سابقا فلا يعتبر العارض في التمييز الا اذا كان مقسما فيلزم من هذا الاجتماع ثم الافتراق والاتحاد ثم التغاير وفيه مع ثبوت الجنسية اختلاف احوال الواجب ومختلف الاحوال حادث وثانيهما ان يكون القديم محلا للعوارض الغيرية وذلك حادث يلزم منه الحدوث
قال : { اذ وجوده واجب بالضرورة الازلية من غير تقييده بما دام الذات ولا اشتراطه بما دام الوصف والوجودات الامكانية مفتقرات الذات متعلقات الهويات اذا قطع النظر عن جاعلها فهي بذلك الاعتبار باطلة مستحيلة اذ الفعل يتقوم بالفاعل كما ان ماهية النوع المركب يتقوم بفصله فمعنى كون الوجود واجبا ان ذاته بذاته موجود من غير حاجة الى جاعل يجعله ولا قابل يقبله ومعنى كون الوجود موجودا انه اذا حصل بذاته او بفاعل يفعله لم يفتقر في كونه متحققا الى وجود اخر يحصل له بخلاف غير الوجود لافتقاره في كونه موجودا الى اعتبار الوجود وانضمامه }
اقول : يريد ان واجب الوجود وان اشترك مع الحادث في حكم الضرورية الذاتية لكن الواجب تكون ضروريته الذاتية ازلية سابقا على كل ما سواها فالقيود والشروط لاحقة بالممكنات لان وجوب الوجود الازلي سابق على ما سواه مستغن عن الافتقار والتعلق والانتساب الى غيره في كل احواله بخلاف الممكنات فانها مفتقرات الذات متعلقات الهويات يعني انها تفتقر في ذاتها الى الجاعل لا تحقق لهويتها الا بتعلقها بفاعلها فلو نظر الى ذواتها وهوياتها من حيث هي هي وجدت باطلة مستحيلة اذ لا تعقل لها ذات وهوية الا منتسبة الى الغير الجاعل اذ الفعل في حد ذاته يتقوم بفاعله لا بنفسه كما ان النوع في ماهيته انما يتقوم بفصله ثم فرع على ما قرر ان معنى كون الوجود واجبا اذا اطلقناه على الحق تعالى ان ذاته بذاته موجود من غير حاجة الى جعل ولا الى جاعل يجعله لاستحالة كونه مسبوقا لشيء سواه ليكون حصول مقبوليته من السواء السابق ولا يحتاج ايضا الى قابل لمقبوله لا من جهة انفعاله لانه معلل بسبق الصنع والفعل ثم عطف على ما فرع على ما قرره مما سبق فقال ومعنى كون الوجود موجودا انه اذا حصل بذاته او بفاعل لا يحتاج في تحققه الى وجود آخر غير نفسه كما هو شأن غيره من الحوادث فانها تفتقر الى شيء غير ماهياتها وهو الوجود ويرد على المصنف في كلامه هذا ثلاثة ( ثلاث خل ) ايرادات : الاول على قوله اذ الفعل يتقوم بالفاعل فان المقام يقتضي ذكر المفعول لا الفعل وانما اتى بالفعل لما يأتي من انه يرى ان المفعول يتحد بالفعل بل والفاعل وفيه ما سمعت وتسمع انشاء الله من فساد هذا القول الثاني على قوله كما ان ماهية النوع المركب يتقوم بفصله وفيه ما تقدم وهو ان تشبيه افتقار هويات الوجودات الامكانية واحتياجها الى جاعلها وتعلق حقايـٔقها به بحيث لو قطع النظر عن جاعلها كانت بهذا الاعتبار باطلة مستحيلة بماهية النوع المركب في تقومه بفصله يلزم منه مساواتها في التحقق بجاعلها وعدم التحقق لعدم تعلقها بجاعلها لماهية النوع المركب بالنسبة الى فصله وان لذوات تلك الوجودات وهوياتها لذاتها نوع تحقق بدون اعتبار تعلقها بجاعلها كما ان النوع في الحقيقة حصة من الجنس والجنس لم يفتقر الى الفصل في تقومه من حيث هو هو بل باعتبار كما تقدم قوله المنقول من الكتاب الكبير حيث قال : ان افتقار الجنس الى الفصل ليس في تقومه من حيث هو هو بل في ان يوجد ويحصل بالفعل فان الفصل كالعلة المفيدة للجنس بل باعتبار بعض الملاحظات التفصيلية العقلية انتهى وبعده بقليل في مقام منع ذلك يلزم ان يكون الفصل مفيدا لمعنى ذات الجنس فكان الفصل المقسم مقوما هف انتهى وغير هذا من كلامه مما هو صريح في ان الفصل ليس مفيدا لذات الجنس وحصة النوع منه وليس هذا حكم الحادث بالنسبة الى جاعله الثالث على قوله ومعنى كون الوجود موجودا انه اذا حصل بذاته او بفاعل يفعله الخ فان الظاهر من قوله بذاته او بفاعل يفعله انه اراد به المطلق الصادق على القديم والحادث ويلزم الاتحاد في الحقيقة او في الحكم او الصفة والاشتراك الا بالتمييز وذلك يستلزم التركيب
قال : { سؤال - اذا اخذ كون الوجود موجودا انه عبارة عن نفس الوجود وكون غيره من الاشياء موجودا انه شيء له الوجود فلم يكن حمل الوجود على الجميع بمعنى واحد وقد ثبت ان اطلاق الوجود على جميع الموجودات بمعنى مشترك فلا بد من اخذ الوجود موجودا اما بمعنى الذي اخذ في غيره من الموجودات وهو انه شيء له الوجود فلم يكن الوجود موجودا لاستلزام التسلسل عند عود الكلام الى وجود الوجود }
اقول : هذا الكلام وارد على قوله قبل هذا : ومعنى كون الوجود موجودا الخ فهذا السؤال وارد عليه فان قوله بعد هذا بخلاف غير الوجود صريح في ان الوجود عبارة عن نفس الوجود اي شيء هو الوجود وان غيره من الاشياء شيء ثبت له الوجود فيتغايران والمصنف حاكم بان اطلاق الوجود على كل موجود بالاشتراك المعنوي فيكون حقيقة واحدة بسيطة وبناء اعتقاده على هذا فيلزم من حكمه على غير الوجود بانه شيء له الوجود وان جميع الاشياء من هذا الوجود وغيره من الماهيات متساوية في حمل الوجود عليها ان للوجود على فرض تحققه وجودا فلم يكن الوجود متحققا والا لزم التسلسل او الاشتراك اللفظي وهو لا يقول به وهذا السؤال يؤل الى معنى دقيق حقيق في باب المناقضة والالزام بالتصديق فان المصنف اذا التزم بالاشتراك المعنوي وانه حقيقة كل شيء لم يخلصه من هذا الاعتراض ما التجأ اليه من التجوز في معنى اللفظ المطلق وانه من جهة صدق المفهوم من اللفظ وقد تقدمت الاشارة ان صدق حكم الذهن بمطابقته لما في نفس الامر فاذا حكم على الخارج بخارج كحكمه على الانسان بانه حيوان في الخارج كان صحيحا والا فلا فاذا حكم باشتراك الوجود معنى وانه متحد بالماهيات خارجا كان قوله الوجود موجود مساويا لقوله زيد موجود في حمل حقيقة الوجود وجوابه بنفي الاختلاف بحمل الوجود المشتق مقرر للاختلاف لان المشتق غير ما به التحقق فاذا حكم بصحة الحملين بما به التحقق على الاشتراك المعنوي كما هو المدعى بطل الحكم باتحاد المحمولين او اختلافهما على المشتق لعدم مطابقته لما في نفس الامر لان المصدري ليس هو ما به التحقق عندنا اذ على الاشتراك المعنوي لو جوزناه منعنا حمل المصدري على ذات الحق تعالى وان جوزناه في الحمل على عنوان معرفته
قال : { جواب - هذا الاختلاف بين موجودية الاشياء وبين موجودية الوجود ليس يوجب الاختلاف في اطلاق مفهوم الوجود المشتق بين الجميع لانه اما معنى بسيط كما مرت الاشارة اليه واما عبارة عما ثبت له الوجود بالمعنى الاعم سواء كان من ثبوت الشيء لنفسه الذي مرجعه عدم انفكاكه عن نفسه او من باب ثبوت الغير له كمفهوم الابيض والمضاف وغيرهما فان مفهوم الابيض ما له البياض سواء كان عينه او غيره }
اقول : قد اجاب عن قولهم بلزوم الاختلاف بين الحملين بل والمحمولين بان كون الوجود في نفس الامر موجودا بمعنى انه موجود بنفسه لا بوجود اخر وان غيره به موجود لا يلزم من ذلك منع اطلاق الوجود عليهما لان المحمول اما نفس المعنى البسيط المعبر عنه بهست اي الحصول والثبوت واما الوجود بالمعنى الاعم الشامل بمعنى ما ثبت له الوجود سواء كان ثبوته بنفسه اي بالضرورة لعدم انفكاك الشيء عن نفسه ام من غيره وهو بكل من هذين المعنيين يجوز ان يؤخذ منعا للملازمة المناقض بها لاطلاقه على الجميع على السواء واعلم ان عبارة المصنف بحسب ظاهرها غير متسقة فانه في الجواب في تعليله لنفي الاختلاف في اطلاق مفهوم الوجود المشتق في حمله على الوجود وغيره في قوله لانه اما معنى بسيط كما مرت الاشارة اليه واما عبارة عما ثبت له الوجود ذكر الوجود المحمول على قسمين فقال ان المحمول اما معنى بسيط ويريد به المعبر عنه بهست واما عبارة عما ثبت له الوجود وهذا القسم بيان للموضوع وهو يريد تقسيم المحمول ويمكن تصحيحها بان يقال لعله اراد بقوله واما عبارة عما ثبت له الوجود ان المحمول يراد منه اما المعنى البسيط واما ثبوته لما ثبت له الوجود بالمعنى الاعم اي ثبوته لشيء اعم من ان يكون هو نفس ما ثبت له امر غيره فيكون العموم والشمول اما من ذات المحمول كالمعنى الاول البسيط واما من جهة حمله وتعلقه اي كون حمله وتعلقه مطلقا يعني غير مقيد بالمغايرة وعدمها واما هو مطلق الثبوت وح تتسق عبارته ظاهرا وباطنا بمثل هذا التوجيه والتقدير
واعلم ان من القائلين بالاشتراك المعنوي بين الواجب والممكن من وجود وماهية بقول مطلق يجعلون هذا الشامل بالنسبة الى الوجود الحق انما كان صادقا على وجود الحق الخاص تعالى صدق العارض على معروضه وكذلك صدقه على كل ما شمله فانه عارض عليها لان الوجود الحقيقي هو ذات الشيء وذات الشيء لا تصدق على غيره فالشامل المقول بالاشتراك المعنوي على الجميع هو المعنى البسيط المعبر عنه في الفارسية بهست والمصنف في ابحاثه في اوائل هذا الكتاب قائل بهذا وان كان فيما يأتي يجعل الشامل هو الحقيقي المتحد في كل شيء بماهيته خارجا ولهذا نعارضه في اكثر ادلته بما يناقض هذا المراد وان كان اراد بالشامل المعنى الاولى كما اراد هنا في هذا البحث لان عباراته لا تكاد تخلص في خصوص مراد بل تعطي في اغلبها التردد بين المعنيين المرادين من الوجود المطلق لان قوله ليس يوجب الاختلاف في اطلاق مفهوم الوجود المشتق بين الجميع لانه اما معنى بسيط كما مرت الاشارة اليه واما عبارة عما ثبت له الوجود بالمعنى الاعم الخ صريح بظاهره انه اراد بهذا المطلق المعنى الاول اي مطلق الحصول والثبوت الشامل للكل بالاشتراك المعنوي ومع هذا كله فانا اناقضه بالمعنى الثاني اعني الحقيقي الذي به الحصول والتحقق وهو المتحد بالماهيات في الخارج لا هذا المعنى الاشتقاقي المصدري لان كلامه في الحقيقة يدور على مفهومه اللفظي فيريد منه مرة المعنى الاول وتارة المعنى الثاني لانه كما تقدم يصفه بانه هو بنفسه في الاعيان وغيره به وانه غني عن غيره وانه اخفى الاشياء كنها وابعدها ادراكا وهذا المعنى المصدري ليس يصدق عليه شيء من هذه الاوصاف لانه صفة ونسبة مسبوق بالموصوف المنسوب اليه على ان هذا لا يوصف بالوجوب لذاته لانه غير الذات الحق تعالى ولا يجوز ان يكون عارضا للوجوب الذي هو ذاته المقدسة لان ذاته تعالى ليس محلا للغير وفي غير الواجب تعالى ايضا كذلك فانه ليس هو بنفسه في الاعيان وليس غيره به وهو محتاج الى ما يعرض له ويحمل عليه وهو اظهر الاشياء واقربها اكتناها وادراكا ولهذا لما كان بعض منهم اطلقه على الواجب تعالى اعترض عليه بانه ان كان هو ذاته تعالى لزم ان تكون ذاته معلومة مدركة لان هذا الوجود معلوم مدرك اجاب بمعنى ما تقدم بان هذا ليس هو الوجود الحق وانما هو صادق عليه تعالى صدق العارض على معروضه والحاصل الذي ظهر مما ذكرنا ان السؤال باق لان جواب المصنف بالمفهوم اللفظي الشامل والسؤال على المصداق الخارجي وهما متغايران نعم قد يراد بهذا اللفظ المفسر بالكون في الاعيان وبالحصول والثبوت والتحقق ما هذه به وهو ذات الكائن في الاعيان وذات الحاصل وذات الثابت وذات المتحقق وهو الشيء وذلك هو المسئول عنه والكلام في الحقيقة انما هو فيه فاذا اريد منه ذات الحق تعالى لم يقع الا على عنوان المعرفة وهو المخلوق الذي ليس كمثله ( شيء خل ) اذ به يعرف الله ولو كان له مثل لعرف الله تعالى بذلك المثل فليس كمثله شيء وهو عبد الله وخلقه فتقه ورتقه بيده لا اله الا هو العزيز الحكيم
قال : { والتجوز في جزء معنى اللفظ لا ينافي كون اطلاقه بحسب الحقيقة وكون الابيض مشتملا على امر زائد على البياض انما لزم من خصوصية بعض الافراد لا من نفس المفهوم المشترك نظير ذلك ما قال الشيخ الرئيس في الهيات الشفاء ان واجب الوجود قد يعقل نفس واجب الوجود كالواحد قد يعقل نفس الواحد وقد يعقل من ذلك ان ماهية ما انسان او جوهر آخر هو او واجب الوجود كما انه يعقل من الواحد انه ماء او انسان وهو واحد قال ففرق اذا بين ماهية يعرض لها الواحد والموجود وبين الواحد والموجود من حيث هو واحد وموجود }
اقول : قوله { والتجوز } اتى به جوابا لسؤال مقدر استشعره وهو ان ثبوت شيء لاخر معناه الحقيقي ان يكون شيء ثبت لغيره فاذا اخذتم الوجود لغيره لم يكن شاملا لاخذه لنفسه على الحقيقة لان المغايرة ح اعتبارية فغاية ما يجوز فيه على جهة المجاز اذا اخذ بالمعنى العام فيكون حمل موجود عليه مجازا لان طريق شمول الثبوت له مجازي فاجاب عن ذلك بقوله والتجوز اي استعمال المجاز في جزء معنى اللفظ كما اذا كان معناه ذا اجزاء فاستعمل في جزء من معنى اللفظ المجاز لا ينافي هذا التجوز في جزء المعنى اطلاق ذلك اللفظ على مجموع معناه بالحقيقة لعدم المانع منه فان مفهوم الابيض شيء له البياض سواء كان ذلك الشيء نفس البياض ام امر زائد عليه لان الزيادة العارضة لبعض افراد البياض انما هي من اقتضاء بعض افراد البياض للزيادة لخصوصية كالتقوم بها فهذا الاقتضاء ليس من جهة المفهوم لتساويه بالنسبة الى حقيقة البياض من حيث هي ثم نظر لذلك اي لاتحاد المفهوم وتعدد المصداق فيما استدل عليه وهو مفهوم ثبوت الوجود في اتحاده وتعدد مصداقه في ثبوته لنفسه او لغيره وفيما استدل به وهو مفهوم البياض في اتحاده بالنسبة الى افراده في ثبوته لها وتعدد مصداقه في ثبوته في بعض الافراد لنفسه وفي بعضها لامر زائد اقتضته بما ذكره ابن سيناء في الهيات الشفاء كما نقله المصنف في المتن وهو المذكور الذي مفاده جواز اتحاد المفهوم وتعدد المصداق لان ما يطلق عليه لفظ واجب الوجود من حيث مفهومه قد يراد به الواجب الحق تعالى ويراد به جوهر اخر واجب الوجود وذلك كلفظ الواحد فانه قد يطلق ويراد من الواحد انه ماء او انسان مع انه واحد واعلم ان في هذا الجواب وفي كلام الرئيس مجازفة حيث كان الجواب ونظيره مبنيا على غير العلم العياني وذلك لان افراد المشترك المعنوي متساوية في معنى الحقيقة على نحو التواطي وانما التشكيك العارض لبعض الافراد ليس من جهة نفس الحقيقة بل من جهة قابلية تحقق الفرد في القرب والبعد فيقوى او يضعف فاذا تساوت في نفس الحقيقة لم يعرض لشيء منها المجاز من حيث تلك الحقيقة بل لو عرض مجاز لبعض منها فانما هو عارض لما عرض له او بواسطته وانما الجواب الحقيقي ان يكون بنفي المجاز بان يمنع من كون ثبوت الوجود لنفسه مجازا لان ثبوت الشيء لنفسه اوغل من ثبوته لغيره في كل رتبة من مراتب الوجود اذ ثبوت الوجود للماهية اعني ثبوت علة تحققها لها فرع لثبوته لنفسه وتحقق العلية والمعلولية مع الاتحاد اقوى من تحققها مع المغايرة لان الاول اقتضاء الشيء لنفسه لأن ذلك شأن صقع الربوبية وما يقرب من تأثيرها من الاثار لان كل اثر يشابهه ( يشابه خل ) صفة مؤثره التي بها التأثير وما نظر به من كلام صاحب الشفاء فليس فيه شفاء لانه لا يجري على طريقة اهل الحق عليهم السلام اذ كلام الشفاء مبني على جواز تصور الواجب والممتنع وهو باطل لان الممتنع ليس شيئا فاذا تصور انما تصور ممكنا لان هذه الصورة الذهنية اما ان تكون حقيقة الممتنع ام ظله فعلى الاول يكون موجودا لا ممتنعا وكذا على الثاني لان الصورة لا توجد قبل ذي الصورة فما تصوروه فهو ممكن كما قال تعالى وتخلقون افكا واما تصور الواجب فهو تصور الثبوت الحادث واللزوم الممكن فليس للواجب الحق سبحانه صورة ولا مفهوم غير ذاته او ما يكون اثرا لعنوان عنوان معرفته وهو مخلوق ولهذا قال بعض العارفين ان واجب الوجود لذاته يستحيل ان تكون له ماهية وراء الوجود فلا يمكن ان يفصلها الذهن الى ماهية ووجود وهذا ظاهر قال جعفر بن محمد عليهما السلم كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم الحديث فليس له تعالى مفهوم اذ المفهوم للمدرك المحاط به فكيف يمكن تعقل الكثرة في مفهوم هذا اللفظ لان ما يصلح لغيره يمتنع عليه وما يصلح له يمتنع على غيره والا لكان له ند وضد تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ومعقولية الماء والانسان من الواحد لتعدد ما يصدق عليه الواحد واما الواجب فليس حقيقته في الحق تعالى تشاركه فيها كون صلوة الظهر واجبة وزيد الموجود واجب الوجود لوجود علته وفرض وجود واجب اخر كما يفرضونه في باب التوحيد فان هذا الوجوب للصلوة ثبوتها وعدم جواز تركها لما يترتب عليه من العقاب مع امكانه وفي زيد هو امكاني كيف وحمى ليلة تفسخه والمفروض موهوم لا تحقق له الا في التوهم وهو لفظ ليس له مسمى كما اشار اليه سبحانه بقوله قل سموهم ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول على ان قول المصنف في جوابه غير مطابق للسؤال لان الدعوى اخص من الدليل لان السؤال انما تضمن انكار حمل الوجود البسيط الذي به التحقق على نفسه وعلى غيره والجواب المطابق بمنع ( يمنع خل ) مغايرة المحمول فيهما بان المحمول هو المدعى ثبوته والثابت لنفسه هو الثابت لغيره لان تحقق نفسه به لا غير وتحقق الغير به لا غير واعتبار المغايرة لاجل صحة الحمل الصناعي ظاهر معلوم لان المغايرة يجب اعتبار عدمها في نفس الامر في صحة الحمل وانما تعتبر في صحة حمل اللفظ الذي هو دليل المعنى وذلك لان جاهل الاتحاد في الموضوع والمحمول تعرض له المغايرة وصورة الحمل اللفظي فيما توهم الجاهل فيهما المغايرة مقررة للاتحاد الواقعي عنده ويكفي فيها توهمه لها والجواب بالمعنى المصدري الشامل لهما غير مطابق لان المصدري لاحق لهما بعد تحقق كل منهما ( به لذاته خل ) فاتصاف كل منهما به لذاته فاتصاف الماهية بعد ثبوتها وتحققها بالوجوب المسئول عنه بهذا الوجود المصدري لذاتها لا من حيث ما به تحققها وكذلك اتصاف الوجود به فلا يكون مطابقا للوجود المسئول عنه فضلا عن ان يكون هو اياه فتفهم هذا الكلام لتعرف وجه المغالطة فانها من باب اخذ اللازم مكان الملزوم اي ما من الشيء مكان ما به الشيء بواسطة الاشتراك في اللفظ عند الاطلاق واكثر اجوبته من هذا النوع
قال : { وقال ايضا في التعليقات اذا سئل هل الوجود موجود فالجواب انه موجود بمعنى ان الوجود حقيقته انه موجود فان الوجود هو الموجودية ولقد اعجبني كلام السيد شريف في حواشي المطالع وهو ان مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم المشتق كالناطق والا لكان العرض العام داخلا في الفصل ولو اعتبر في المشتق ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورية فان الشيء الذي له الضحك هو الانسان وثبوت الشيء لنفسه ضروري فذكر الشيء في تفسير المشتقات بيان لما يرجع اليه الضمير فيها انتهى }
اقول : هذا الكلام المذكور في التعليقات من نوع ما ذكر لان كلام المصنف مقتبس منه ومن مثله وقول الشيخ : ان حقيقة الوجود انه موجود يظهر منه كأنه لم يعرف اللغة فان حقيقة كل شيء ليست هي انه موجود او مخلوق او حادث او ممكن وما اشبه ذلك فان هذه خارجة عن حقيقة الشيء والا لاعتبر مفهوم الشيء في مفهوم المشتق وان اراد بالمشتق نوعا من التفسير مع تقدير الصلة يعني حقيقته انه موجود بنفسه كان الكلام صحيحا من جهة التعبير ولكن يحتاج الى تقدير مضاف هو مضاف اليه اي حقيقة تكوين الوجود انه موجود بنفسه فيكون بيانا لكيفية ايجاده واين المعنيان مما نحن فيه ويدل على ارادة الاول قوله فان الوجود هو الموجودية واتى بهذا المصنف استشهادا له واستدلالا به مع ان الموجودية عنده من المعقولات الثانوية وكلام السيد شريف مليح في صورة اللفظ وقد اعجب المصنف ولقد اعجبني اعجابه كيف قبل منه ان مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم المشتق وقبل كلام الشيخ ان الوجود هو الموجودية وهو بعينه اعتبار مفهوم الشيء كالوجود في مفهوم المشتق كالموجودية لان مفهوم الوجود عرض عام على اصطلاحهم ومفهوم الموجودية التي هي اسم المفعول هو مفهوم المشتق وهو مستلزم للفصل وان لم يكن فصلا حقيقيا من حيث كونه اسم مفعول الا انه من حيث انه منتزع من الفصل الذاتي الذي هو موجود كان مطابقا له فيكون الموجود فصلا ذاتيا فاذا اعتبر مفهوم الوجود في مفهوم موجود ( الموجود خل ) الذي هو الفصل كان مركبا من الخارجي الذي هو العرض العام ومن الذاتي الذي هو موجود للزوم الاتحاد في الحمل والمركب من الذاتي والخارجي خارجي والفصل ذاتي لانه جزء ماهية النوع فان قلت انما عنوا بالشيء لفظ الشيء كما صرحوا به والشيخ والمصنف لم يذكرا الشيء ولم يريداه وانما ذكرا ان الوجود هو الموجودية وارادا به كون الوجود موجودا قلت يلزم من ذلك ما قلنا لان الوجود المحمول يريدان به نفس الوجود الذي هو الشيء والذات والموجودية صفة فهو كقولك زيد هو القائم فاذا اعتبرت مفهوم زيد في مفهوم القائم لزم دخول العرض العام الذي هو المنتزع من ماهية زيد في مفهوم المشتق فان مفاد قولك زيد القائم هو مفاد زيد الشيء القائم وان اعتبرته باعتبار المصداق لزم ما نذكره على نمط ما قلنا اذ مناط ذلك المحذور اعتبار معنى الموصوف في معنى الصفة كما اشار اليه السيد شريف في قوله ولو اعتبر في المشتق ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الامكان ضرورية فان الشيء الذي له الضحك هو الانسان وثبوت الشيء لنفسه ضروري الخ ففي كلامهما اعتبرا في الموجودية الوجود لانه هو مفاد الحمل في الحقيقة واما صحة زيد القائم فلان المعتبر في القائم ما صدق عليه ظهور زيد بالقيام وهو مثاله لا ذات زيد ليرد المحذور كما هو رأي الاكثرين الذين يعتبرون في القائم ما صدق عليه زيد فان المحذور وارد على قولهم في هذا وفي امثاله مما لا يثبت به لهم قول صحيح لا في مسائل علومهم ولا في امر توحيدهم وفي خلال هذا الشرح يظهر لك كثير من ذلك ومراد السيد شريف ان مفهوم الشيء عرض عام فاذا اعتبر في مفهوم الناطق اسم الفاعل الذي هو المشتق وهو الذي انتزع من الناطق الذي هو الفصل فهو وان كان غيره باعتبار الذاتية والعرضية الا انه خاصة يصدق على كل ما يصدق عليه الفصل فاذا اعتبر ذلك العرض العام اعني مفهوم الشيء في مفهوم ما يطابق الفصل كان الفصل مركبا من الداخل في الماهية والخارج عنها والمركب منهما خارج ويلزم ايضا على هذا انقلاب مادة الامكان الخاص اعني سلب الضرورة من الطرفين ضرورية لان حمل العرض العام الخارج عن الماهية اذا كان جزءا للداخل الذي هو جزء الماهية حمل الشيء على نفسه اعني ثبوت الشيء لنفسه وثبوت الشيء لنفسه ضروري لعدم انفكاكه عن نفسه وكان قبل اعتبار دخوله في الداخل ممكنا بالامكان الخاص وانقلاب الحقائق محال والمصنف يريد انا لو اعتبرنا في المحمول الاتحاد لكان اعتبارا لمفهوم الموضوع في مفهوم المشتق ويلزم منه دخول العرض العام في المشتق ويكون الفصل مركبا ويلزم ما قاله السيد شريف بخلاف ما اذا اردنا بالمحمول المعنى البسيط او مطلق الحمل بالمعنى الاعم اي مطلق ثبوت الشيء من غير تقييد كونه لنفسه او لغيره فيقال له ان قبولك لكلام الشيخ وهو قوله في التعليقات فان الوجود هو الموجودية يلزم منه دخول العرض العام في المشتق الذي يلزم منه تركب ( تركيب خل ) الفصل كما ذكرنا سابقا مع عدم مطابقة الدليل للدعوي والجواب للسؤال لان الدعوى ثبوته بنفسه والدليل ثبوته بالبسيط او بالمعنى الاعم ولم يرد به ان الاعم هو الموضوع المتحقق في الخارج وانما يريد في الحقيقة هو المعنى البسيط وذلك البسيط تارة تشمل الوجود بعمومه وتارة بعموم تعلقه وارتباطه ولما ذكر السيد شريف ان اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق يلزم منه المحذور المذكور استشعر اعتراضا تقريره انه على ما قررت يلزم المحذور مع انهم كثيرا ما يقولون مثل ذلك كما يقولون الضارب شيء ثبت له الضرب ولا يلزم عندهم من ذلك شيء فاجاب بقوله فذكر الشيء في تفسير المشتقات بيان لما رجع اليه الضمير الذي فيها يعني انهم هناك انما اتوا به لبيان معود ضمير المشتق والجواب على ما هو المعروف عندهم صحيح واما في نفس الامر فالاتيان به لاجل ما ذكر وعدم لزوم محذور مما ذكر هو في هذا صحيح لكن فيه شيء يلزم الكل لا يختص بالسيد شريف وانما ذكرته لبيان سر من اسرار العربية لتقف عليه وهو انك اذا قلت زيد ضارب وفسرت معود الضمير بزيد كما في قولهم ان زيدا ذات او شيء ثبت له الضرب فهو غلط لان ذات زيد لم تتصف بصفة من صفات افعالها في الحقيقة لان صفات الافعال تنتهي الى الافعال لا الى الذات لان الذات لم يصدر عنها الضرب وانما صدر عن فعلها وهو شيء غيرها احدثته الذات بنفسه لانه حركة ايجادية يحدث عن حركة ايجادية وهي ذاته وذات زيد ليست حركة ولا تتحرك في افعالها بذاتها قط وانما تتحرك بفعلها نعم الفعل قائم بزيد قيام صدور وهو ثابت له في ملكه واستطاعته الخارجة عن ذاته لا في ذاته فمعنى انه ثبت له الضرب اي ثبت له في ملكه فعود الضمير اليه مجاز والضارب اسم فاعل والفاعل هو الفاعل للضرب وهو الظاهر به وهو صفة فعلية لذات زيد فالضارب صيغ من الحركة الايجادية للضرب ومن الضرب الذي هو الاثر وفي الحقيقة هو مثال زيد لا زيد تأمل في قولك جاء زيد الضارب فان زيدا مرفوع فاعل جاء والضارب مرفوع باي شيء وكم استحقاقه من المجيء حيث قلت مرفوع بالتبعية فهو مرفوع لانه ظله وشعاعه فاستحقاقه من الفاعلية واحد من سبعين ورفعه كذلك وهذا تنبيه والا فبيانه يحتاج الى تقديم مقدمات وقولي سابقا ان كلام السيد شريف مليح في صورة اللفظ فيه تنبيه على ما يرد على كلامه ولو اعتبر في المشتق ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الامكان الخ فيه ان قولك كل انسان ضاحك لا يكون ضاحك نفس الانسان ليلزم منه المحذور اذ الانسان ما ثبت له الضحك وما يثبت للشيء قد يكون لاحقا بذاته وقد يكون لاحقا بفعله او صفته مثل الانسان ناطق وزيد ضارب وعمرو مالك وقيل في تصحيح معنى عدم اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق انه يلزم التكرار في الماهية الموصوفة وهو معلوم الانتفاء ه يعني لو انك اخذت مفهوم الشيء في مفهوم المشتق وقلت في جاء زيد الضارب معناه جاء زيد الشيء الضارب والضارب صفة لزيد كان المعنى جاء زيد زيد الضارب لان زيدا هو الشيء الذي له الضارب فيلزم التكرر في الماهية الموصوفة والحق انه لا يلزم الانقلاب المذكور لان المشتق غير الفصل وتركب المميز ( تركيب المغير خل ) من الخاصة والعرض العام بالنسبة الى المفهوم يكون رسما مفيدا للتميز بالخارج وكلاهما خارج فهو كقولك الانسان ضاحك ماش لا يلزم منه الانقلاب المذكور لان المشتق غير الفصل ولو اريد من المشتق الفصل لدلالته عليه انفسخ عنه ما اعتبر في المشتق للعدول عنه حين الارادة وتقرر حكم الفصل ولو لوحظ في مفهوم الشيء معناه الخارجي لكان اذا اعتبر في المشتق جاء فيه ما قلنا في معود ضميره فيبطل الحمل لان معنى الشيء هو الذات ومعود ضمير المشتق هو مثاله كما ذكرنا واذا اعتبر في الفصل كان قولك الانسان الشيء الناطق اخذا من الجنس البعيد او يكون بدلا لفائدة الابهام او التخصيص فلا يلزم تكرر الماهية وان جاز تكررها بقصد خاص لذلك لعدم الفائدة
قال : { وهو قريب مما ذكره بعض المتأخرين في حاشية القديم لاثبات اتحاد العرض والعرضي فعلم ان مصداق المشتق وما يطابقه امر بسيط ليس يجب فيه التركيب بين الموصوف والصفة ولا الشيء معتبر في الصفة لا عاما ولا خاصا }
اقول : هو المحقق الدواني قال في الحاشية القديمة : لا يدخل في مفهوم المشتق الموصوف لا عاما ولا خاصا لانه لو دخل في مفهوم الابيض مثلا الشيء كان معنى قولك الثوب الابيض الثوب الشيء الابيض ولو دخل فيه الثوب بخصوصه كان الثوب الثوب الابيض وكلاهما معلوم الانتفاء انتهى واورد على هذا معاصره السيد بانه لو دخل فيه الشيء او الثوب لم يكن معناه ما ذكره بل يكون معناه على الاول الثوب الشيء له البياض وعلى الثاني الثوب الثوب له البياض انتهى وقال المحقق الباغنوي في حاشيته على الحاشية القديمة في توجيه كلام الدواني بهذه العبارة : المراد بالابيض ههنا هو الناعت وحده وهو الذي عبر عنه بالفارسية سفيد وحاصل غرضه انا نعلم بالبديهة انه ليس في توصيف الثوب بالابيض تكرير الموصوف اصلا لا بطريق العموم ولا بطريق الخصوص مع انه لو كان الموصوف داخلا في مفهومه لزم التكرار انتهى واقول مراد المحقق الدواني ما وجهه الباغنوي يعني ان الابيض صفة للثوب لا يلحظ جهة الموصوف بعموم فيقدر له الشيء ولا بخصوص فيقدر له الثوب لان الابيض صفة محضة تحمل على جهتها من الموصوف فلا يكون ( من خل ) تلك الجهة محمولة على نفسها مع الصفة لا بخصوص ولا بعموم وان اتحدت بها بعد الحمل اتحادا ركنيا لكون الصفة ركنا لتلك الجهة من الموصوف والمعقول ان الصفة وجهتها محمولان بعد ( الحمل محتمل فيه خل ) حمل الصفة على الجهة مثاله الابيض في قولك الثوب الابيض فانه مركب من البياض الذي هو ركن الابيض ومن جهة الموصوف به اعني الثوب وهو مثاله وصورته فحمل البياض على المثال وحمل المركب على الثوب فبالعبارة الظاهرة ليس في الابيض شيء من ذات الثوب وانما المعتبر في الابيض منه جهة الاتصاف بالابيض وتلك الجهة قام بها البياض كما قلنا في القائم صفة لزيد انه ليس يعتبر فيه شيء من ذات زيد لا بخصوص كما توهموا في قولهم الثوب الثوب الابيض ولا بعموم مثل الثوب الشيء الابيض وانما فيه ظهور زيد بالقيام وهو الحركة وحدثها المحمول عليها الذي هو ركنها وهو القيام ومجموعهما القائم محمول على تلك الجهة التي هي جهة اتصافه به وهي ظهوره بالقيام وهو الصورة والمثال المعبر عنه بالفاعل والقائم اسمه فعلى كل اعتبار لا يتصور ذات الموصوف في المشتق لا في ذاته ولا في مفهومه فاذا قصد ذلك على جهة العموم وقيل الثوب الشيء الابيض او الخصوص وقيل الثوب الثوب الابيض لم تتكرر ماهية الموصوف لذاته وانما يظهر صورة عموم ظهوره على الاول وصورة خصوصه على الثاني واما توجيه السيد على فرض دخول الشيء او الثوب بان معناه على الاول الثوب الشيء له البياض وعلى الثاني الثوب الثوب له البياض فمبني على كلامه السابق وما يقال على الكلامين واحد وقول المصنف لاتحاد العرض والعرضي يشير به الى ان كلام الدواني والسيد متقاربان لاتفاق رأيهما في اتحاد العرض اي الابيض اذا اخذ بشرط لا المقابل للجوهر بالعرضي كالابيض اذا اخذ لذاته اي لا بشرط شيء وان اختلفا في اللازم على فرض دخول الموصوف في الصفة فان السيد جعل اللازم من ذلك الانقلاب المذكور سابقا واليه يميل المصنف فيما مر من قوله الذي مرجعه عدم انفكاكه عن نفسه والدواني جعل اللازم تكرر الماهية في قوله لكان معنى قولك الثوب الابيض الثوب الشيء الابيض لو كان الداخل الشيء ولو كان الثوب كان الثوب الثوب الابيض ولاجل موافقته في اللازم والملزوم للسيد قال ولقد اعجبني كلام السيد ولموافقته للمحقق الدواني في الملزوم ومخالفته في اللازم قال { وهو قريب مما ذكره } الخ ووجه دليله من كلامهما ان البياض المحمول على الابيض ليس هو المعنى المصدري لانه عنده من الامور الاعتبارية التي لا تحقق لها في الخارج والابيض متحقق اللون خارجا بل المحمول عليه معنى خارجي بسيط وهو المعبر عنه بالفارسية بسفيد فيكون المحمول عنده على الوجود والماهية ليس هو المعنى المصدري المعبر عنه بالفارسية بهستي بل المعنى البسيط الخارجي المعبر عنه بالفارسية بهست وقد تقدم الكلام على جعل المحمول المعنى البسيط وكل هذا وامثاله تمحل في الاستدلال بما لا يجدي ولا ينفعه الاستشهاد بكلام السيد شريف الا ان يقول بجواز اخذ مفهوم الموصوف في مفهوم الصفة لذاتهما لان المحمول لامحالة يتحد بعد الحمل مع الموضوع اما في الذات او في جهة الاتصاف فاذا جعل المحمول هو المراد بهست اي المعنى البسيط كان هو الصفة والمنازع فيه هو الموصوف ولا بد من الاتحاد بعد الحمل فان كان المحمول صفة لم يحمل على ذات الموصوف كما حققناه مرارا لعدم اتحاد الصفة بذات الموصوف وان كان هو الذات صح عندنا الا انه عنده يلزم عليه التسلسل ومع هذا فلا يقال انه المعنى البسيط المعبر عنه بهست لان هذا صفة لما به التحقق وما به التحقق هو المتنازع فيه لا صفته اللاحقة للمتحقق سواء كان بنفسه ام بغيره وقد تقدم هذا المعنى متكررا
قال : { سؤال - ان كان الوجود في الاعيان صفة موجودة للماهية فهي قابلة له والقابل وجوده قبل وجود المقبول فتقدم الوجود على الوجود }
اقول : هذا السؤال ليس بصحيح في نفس الامر وان كان على طريقتهم معتبر ولهذا اعتبره المصنف واستعد به وتكلف للجواب عنه اما قولنا انه ليس بصحيح فلان المصنف لا يدعي كونه صفة في الخارج لان هذا رأي المتكلمين والمشائين لان الشيء عندهم هو الماهية والوجود عارض عليها عكس قول اهل التصوف ان الشيء عندهم هو الوجود والماهية عارضة عليه واما المصنف فمذهبه كما مر ويأتي اتحاد الوجود بالماهية في الخارج وانما يفرض عروضه لها في الذهن ولكن لما كان مقتضاه منافيا لقوله وجب عليه الجواب عنه واما على ما عندنا فالوجود المقبول والماهية هي القابل هذا بالنسبة الى اصل التكوين لان الوجود عندنا هو المادة المطلقة والماهية لها اعتباران الماهية الاولى نريد بها انفعال المادة لفعل الله سبحانه فهو القابل والقابل قابل بانفعاله وانفعاله هو الماهية الاولى وهي كالصورة النوعية فالمادة هو الوجود الموصوفي والصورة والانفعال والماهية الاولى هي الوجود الصفتي لان الوجود خلق بنفسه لا بوجود اخر كما تقول المادة خلقت بنفسها لا من مادة اخرى او بمادة اخرى والصورة والانفعال والماهية الاولى خلقت من نفس المادة من حيث هي لا من حيث خالقها ولا من حيث فعله والاعتبار الثاني ان الموجود من حيث كونه نور الله سبحانه واثر الله وصنعه هو وجود ومن حيث كونه هو هو ماهية وعلى كل فرض وكل قول فالقابل والمقبول يجب كونهما في الاعيان دفعة على جهة المساوقة لا يتقدم احدهما على الاخر كالكسر والانكسار وذلك لانه تعالى لم يكن معه غيره فاحدث فعله بنفسه اي بنفس الفعل ثم خلق المادة بفعله لا من شيء فانخلقت فانخلق هو الانفعال فبخلق كان المقبول لانه اثره وبانخلق كان القابل لانه اثره وقد تقدم في كلامنا هذا مكررا ونذكره انشاء الله فيما بعد ليتحقق في اذهان المؤمنين الطالبين للحق واليقين وتعيها اذن واعية فعلى ما ذكرنا لا يتقدم الوجود على نفسه ولا على الماهية الا بالذات كتقدم الكسر على الانكسار ثم انا نعارض السائلين بقولهم بالوجود الاعتباري بهذا الكلام لانهم لا يقولون بتقدم الماهية عليه بل يقولون باعتبار موجوديتها وجدت ونقول الماهية هي القابل والاعتباري هو المقبول فيلزمهم ان يكون الماهية موجودة قبل اعتبار موجوديتها فتكون موجودة قبل كونها موجودة فجوابهم لنا هو جوابنا لهم
قال : { كون الوجود متحققا في الاعيان فيما له ماهية لا يقتضي قابلية الماهية له اذ النسبة بينهما اتحادية لا ارتباطية واتصاف الماهية بالوجود انما يكون في ظرف التحليل اذ الوجود من العوارض التحليلية للماهية كما سبق وسيجيء زيادة ايضاح }
اقول : قد ذكرنا ان السؤال المتقدم غير وارد على المصنف وهو وان كان واردا على بعض من المشائين القائلين بان الوجود صفة خارجية متحققة الا انها منضمة الى الماهية لان الصفة لا تقوم بنفسها فهي كالبياض العارض للجسم واكثرهم قائلون بالاعتباري والسؤال وارد على البعض وجواب المصنف ليس لوروده عليه بل لبيان عدم الورود فقال { كون الوجود متحققا في الاعيان فيما له ماهية } وهو سائر الممكنات احترازا عن الواجب تعالى لان وجوده لا يزيد على ماهيته لا خارجا ولا ذهنا بخلاف الممكنات عند المصنف فان وجوداتها تزيد على ماهياتها ذهنا وتعرض لها فكونه كذلك لا يقتضي قابلية الماهية له المستلزم للتقدم اذ نسبة قابليتها له لو صحت نسبة ارتباطية وليس كذلك اذ نسبة قبولها له نسبة اتحادية وشأن النسبة الاتحادية ومقتضاها عدم التقدم والتأخر لان هذا مقتضى المغايرة ثم استشعر اعتراضا وهو انك قائل بعروضه لها في الذهن وهو مناف لدعوي الاتحاد فاجاب بان اتصاف الماهية بالوجود المقتضي للمغايرة انما يكون في ظرف التحليل اي مكان التحليل والتفكيك العقلي وهو الذهن وذلك بلحاظ المفاهيم لا بشرط شيء وحينئذ يكون عارضا لها عند التحليل لانه من العوارض التحليلية لها
قال : { سؤال - ان كان الوجود موجودا فاما ان يتقدم على الماهية او يتأخر او يكونا معا فعلى الاول يلزم حصوله مستقلا دون الماهية فيلزم تقدم الصفة على الموصوف وتحققه بدونها وعلى الثاني يلزم ان تكون الماهية موجودة قبله ويلزم التسلسل وعلى الثالث يلزم ان تكون الماهية موجودة معه لا به فلها وجود اخر فيلزم ما مر فبطلان التوالي باسرها مستلزم لبطلان المقدم }
اقول : هذا السؤال انما يصح على طريقتهم من حصر التأثير والتأثر في حالتي التقدم والتأخر فاذا فرض كون الوجود متقدما على الماهية يلزم حصوله قبلها مستقلا وعندنا يجوز ان يكون متقدما بالذات ويتوقف على الماهية في الظهور كالكسر والانكسار بل ليس غيره ولو سلمنا قولهم على هذا الفرض بحيث يلزم منه تقدم الصفة على موصوفها الممنوع منه قلنا انما يلزم الممنوع منه على فرض التقدم لو قلنا بانه صفة للماهية كما توهموه وليس ما به التحقق هو الصفة بل هو في الحقيقة هو الموصوف لان الماهية قابليته او هويته من حيث نفسه والوجود الهوية من فعل الله تعالى فما بالاعتبار من فعل الله سابق بالذات على ما بالاعتبار من نفس المصنوع اذ لا ذكر له قبل ذكره من فعل الله تعالى كالكسر وبعد تحققه بالانكسار كان مذكورا من حيث هو واما الوجود الواقع صفة فليس هو ما به التحقق الذي فيه النزاع وانما هو التابع اللاحق للشيء بعد اعتبار ثبوته كالثبوت والحصول اللاحقين للثابت والحاصل ولو سكتنا عن هذا قلنا هذا ايضا وارد عليكم لانكم تجعلون الاعتباري متقدما على الماهية وهو صفة فجوابكم لنا جوابنا لكم لانكم اذا قلتم باعتبار موجودية زيد كان موجودا فلا بد من تقدم الاعتبار ذهنا على الموجود والا كان تحصيلا للحاصل ومع ذلك فلا نجوز كونه مستقلا وان كان هو الموصوف لما ذكرنا من امتناع وقوع حادث مستقلا بنفسه عقلا ونقلا اما العقل فلان كل مخلوق لا بد وان يكون له اعتبار من ربه واعتبار من نفسه فما من ربه اي من فعل ربه تعالى فهو وجوده وما من نفسه فهو ماهيته وهما متلازمان كالكسر المتوقف على الانكسار في الظهور وكالانكسار المتوقف على الكسر في التحقق واما النقل فهو قول الرضا عليه السلم ان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده وعلى فرض التأخر ايضا لا يلزم التسلسل او الدور لا عندنا لان الماهية اذا فرضت موجودة قبله انما يتوجه السؤال على فرض انها لا توجد بنفسها ولا بالوجود المتنازع فيه اذ لو فرض انها موجودة بنفسها كقول اهل الانتساب لم تحتج الى فرض وجود غيرها لامتناع تحصيل الحاصل ولو فرض انها موجودة بوجود آخر فكذلك اي لم تحتج الى فرض وجود غيره فاذا انما يتوجه السؤال على فرض انها لا توجد الا بهذا الوجود وعلى هذا يبطل الفرض لانه يكون بمعنى انها لو فرضت انها موجودة بهذا الوجود قبل ان توجد به وذلك لعلة وجودها بنفسها او بغير هذا الوجود او به فيبطل الفرض على الاحوال الثلاثة وعلى فرضهم وسكوتنا فالوجود المفروض سابقا عليها ان كان هو المسبوق فوجوده عند المصنف بنفسه فلا يلزم الدور وكذا ان كان وجودا غيره به يتحقق غيره لاشتراكهما في العلة وكذا ان فرض كونه ماهية سمي به فلا يتحقق فرض التسلسل ولو بني على ان الوجود وجد بوجود آخر لانه المفهوم من كونه موجودا ليتوجه التسلسل او الدور قلنا ان هذا وارد على وجودكم الاعتباري فانه يعتبر باعتبار ويعتبر الاعتبار بالاعتبار فيلزم الدور او التسلسل وجوابكم لنا جوابنا لكم وعلى المعية بان تكون الماهية موجودة معه فلها وجود اخر لا يلزم ان يكون لها وجود آخر غيره بل توجد به على اختلاف القولين فيكون متوقفا عليها لسبقه ذاتا وهي متوقفة عليه في التحقق لانها خلقت منه فيكونان متساوقين في الظهور وان اختلفا في الذات والتبعية وذلك كالكسر والانكسار وهذا هو الواقع لان المادة المطلقة التي هي مادة كل شيء وهي عندنا هو الوجود لم تكن شيئا فلما كونها تكونت فاثر كون وجود واثر تكون ماهية وهما متلازمان متساوقان في الظهور
قال : { جواب - قد مر ان اتصاف الماهية بالوجود امر عقلي ليس كاتصاف الشيء بالعوارض الخارجية كالجسم بالبياض حتى يكون لكل منهما ثبوت اخر ليتصور هذه الشقوق الثلاثة من التقدم والتأخر والمعية فلا تقدم ولا تأخر لاحدهما على الاخر ولا معية ايضا اذ الشيء لا يتقدم على نفسه ولا يتأخر ولا يكون ايضا معه }
اقول : ان المصنف ذكر وجها اخر ما ذكر في السؤال من الوجوه الثلاثة وهو ما كان يذهب اليه من اتحاد الوجود بالماهية في الخارج وعروضه لها في الذهن واختياره لهذا لا يحسن ان يكون جوابا عن تلك الوجوه الثلاثة الا ان يقال انه انما اتى بهذا جوابا لهذه الوجوه حيث انه قدم ما اختاره ويأتي مستدلا عليه حيث اقام عليه بما يصح عنده فاكتفي بتصحيحه هناك عن اقامة البرهان عليه هذا فيما عنده واما ما عندنا فانا لم نسلم له ما هنا لنرضي به هنا جوابا ثم اذا سلمنا له هناك فنقول جوابه لما يرد عليه في خصوص دعواه لا على مطلق القول بكون الوجود متحققا في الخارج فان كثيرا من المشائين قائلون بثبوت الوجود للماهية في الخارج عارضا عليها فان هذا السؤال يرد عليهم ولا يصلح جوابه ان يكون جوابا عنهم ولا يقال لا داعي له الى الجواب عنهم لانا نقول انه يريد رد سؤالهم وابطاله من جهة انهم ينكرون مطلق وجوده خارجا ولم يكن اعتراضهم عليه بالخصوص وانما اعتراضهم على القائلين بوجوده خارجا وهو منهم فالمناسب رد قولهم بما يصلح للجميع وقد تقدم بعض الاشارة الى ما يذهب اليه من عروضه لها في الذهن بما يوهن جوابه هذا في نفسه بل يتوجه هذا السؤال على كلامه هناك فانا قلنا هناك هذا العارض لها في الذهن هو المتحد بها في الخارج ام هذا ظله المنتزع به وهذه الماهية المغايرة المعروضة في الذهن هل هي موجودة ام لا وهل وجودها بنفسها ام بالعارض لها ام بالخارج ام بالذهن وهل وجود العارض بوجود الذهن ام هو بالخارج ام بغيرهما وقد تقدم ما عندنا في مثل هذه المسائل في الجملة على نحو الاشارة من ان كل ما في الذهن مطلقا شبح لما في الخارج وظل له من وجود وماهية وان وجود الظل من ذي الظل كالنور من السراج نسبة واحد من سبعين وان ما في الذهن ان خالف الخارج لم يكن شبحا له فالوجود الذهني ان كان عارضا لها في الذهن فهو من العارض في الخارج فان قلنا بقول المصنف باتحادهما خارجا محمولة عليه لا بد وان نريد بالماهية ظل الموجود في الخارج من حيث نفسه اي من حيث هو هو وان نريد بهذا العارض لها هو ظل المعنى المصدري فان المعنى المصدري هو العارض لها في الخارج وهو حصوله في الاعيان وهو غير ما به التحقق للشيء في نفسه وان نريد بالمعنى الخارجي هو الموجود من حيث صانعه تعالى اي كونه نورا واثرا فكونه اثرا لفعل الله وجوده وماهيته هويته من جهة نفسه اي انيته وان قلنا بقول المشائين فهما غير متحدين في الخارج وما في الذهن مطابق لما في الخارج العارض ذهنا من العارض خارجا وكذلك المعروضان بقي الكلام محصورا فيما ذهب اليه المصنف ان الوجود هو حقيقة كل شيء والحقيقة يجب ان تكون معروضة فاذا سلم له اتحادهما في الخارج وحللهما العقل في ظرف التحليل يتحللان على خلاف ما هما عليه في الخارج الذي هو نفس الامر في حقهما فتكون الحقيقة عارضة لما هو كالمجاز وكالفرع وكالظل فلا بد ان يكون المحللان غير المتحدين وشرح الحال يطول فيه المقال وانما اشير الى بعض التبيين تنبيها للغافلين وعلى كل حال اذا سلمنا له اشياء لا يقبلها الا العقل المقلد لكل ما سمع اذا كان اتصاف الماهية بالوجود امرا عقليا فلا يخلو اما ان يكون للامر العقلي تحقق ما ولو في الذهن فانه قسيم الخارجي وقد اثبت له الوجود بنسبته كما نقلنا عنه في الكتاب الكبير سواء فرض ذلك التحقق ظلا وفرعا على الخارجي ام كونه اصلا برأسه قد استحق من الوجود ما له من قسمة العناية الالهية او من قوة النفس ام لا تحقق له اصلا فان كان له تحقق ما فاما ان يطابق الخارجي او لا يبني عليه ولا يجعل في مقابلته لا في تقسيم ولا تتميم ولا تفريع ولا تقويم وان لم يكن له تحقق اصلا ولا تعلق بالخارجي فلم فرغت فيه المحابر في الدفاتر وعلى الاعتبار ولو بوجه ما تلزمه العوارض الذهنية وتترتب عليها الاحكام الذهنية ويتناولها في انتقاشها وتصورها هذا السؤال بنسبة تحققها اذ لا شك في ان حصولها من جهة الاعتبار والتعقل على ترتيب كالامور الخارجية من التقدم والتأخر والمعية فافهم
قال : { وعارضية الوجود للماهية ان للعقل ان يلحظ الماهية من حيث هي هي مجردة عن الوجود فحينئذ يجد الوجود خارجا عنه فلو اعيد السؤال في النسبة بينهما عند التجرد بحسب الذهن يقال هما بحسب التحليل معان في الوجود بمعنى ان الوجود بنفسه او بجاعله موجود والماهية بحسب نفسها واعتبار تجريد العقل اياها عن كافة الوجودات لها نحو من الثبوت كما سيجيء بيانه }
اقول : هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره انك قلت فيما سبق ان عروض الوجود امر عقلي لا يترتب عليه ما يترتب على اتصاف الشيء بالعوارض الخارجية سلمنا لكن الوجود يكون صفة للماهية عارضا لها فيلزم الدور او التسلسل لوجوب تقدم الموصوف على الصفة والمعروض على العارض في الوجود فيجري السؤال المتقدم بشقوقه الثلاثة فاجاب ببيان المعنى المراد من العروض فانه ليس على نمط العروض الخارجي الذي تلزمه النسب المذكورة باحدها وانما المراد ان العقل كما ان في قوته ان يلحظ الاشياء مع ما يلحقها من النسب كذلك له ان يلحظ ما شاء معري عن جميعها فاذا لحظ الماهية من حيث هي هي مجردة من الوجود وجد الوجود الخارجي والذهني خارجا عنها اما لذاتها او لمفهومها فاذا التفت اليه في حال تجردها في ذاتها عنه وجده عارضا لها فلا يجري عليهما ( عليها خل ) ح شيء من النسب المذكورة لان جريان ذلك بلحاظ آخر لخروجها عن ذات الماهية والوجود فكان هذا جواب عن السؤال الابتدائي ثم استشعر عود السؤال عليهما حال التجرد اي تجردها في لحاظ العقل عن الوجود الخارجي والذهني في وجدانه منها لا في نفس الامر من وجودها لانها لا يمكن تعقلها مجردة عن احد الوجودين في نحو من انحاء واحد منهما اذ لا شيئية لشيء بدون جهة من احدهما وانما لحاظه لها مجردة عنهما في وجدانه فح تخطأ السؤال السابق اليهما بشقوقه الثلاثة عند لحاظ عروضه لها اذ حال العروض تكون بينهما نسبة فهي احد الشقوق الثلاثة فاجاب عن تقدير عوده على فرض العروض حال التجرد فقال فلو اعيد السؤال في النسبة بينهما عند التجريد ( التجرد خل ) بحسب الذهن يقال هما بحسب التحليل معان في الوجود بمعنى ان الوجود بنفسه او بجاعله موجود الخ والظاهر من اخر عبارته الجواب باختيار الثاني لقوله { لها نحو من الثبوت } ويمنع ما يلزمه من التسلسل لما سيأتي من كونها امورا اعتبارية تنقطع بانقطاع الاعتبار بخلاف الامور الخارجية والحاصل ان المفهوم من اول كلامه انه اجاب بمعنى رابع غير ما يطلب لاحد الثلاثة ثم اجاب باختيار الاول من غير لزوم تقدم الصفة على الموصوف ثم اجاب باختيار الثاني من غير لزوم دور ولا تسلسل وبعد هذا يجيب باختيار الشق الثالث في قوله والحاصل ان كونهما معا في الخارج الخ من غير لزوم كون الماهية موجودة لا به كما يأتي ويمكن ان يكون جوابا باختيار الاول لافادة الفاعل الوجود بنفسه والماهية به وبالجملة هو يجيب بما عنده فيه باربعة تعبيرات يمكن ان يصرف كل تعبير الى اختيار واحد من الشقوق هو الجواب عن الثلاثة الشقوق من غير لزوم ما يخصه مما هو مذكور ويكون صالحا للجواب عندهم الا ان اكثر مسائل ما ذكر وما بناها عليه لا تصح عندنا على طريقتنا يعرف ذلك من تتبع ما ذكرنا سابقا ونذكر فيما بعد
وقوله { يقال هما } اي الوجود والماهية { بحسب التحليل معان } يعني ان الوجود معنى والماهية معنى اخر في ظرف التحليل وذلك هو منشأ التغاير الذهني بينهما بخلاف الخارجي فان الموجود واحد وهذا منشأ الاتحاد ثم فسر كون كل منهما معنى غير الاخر في نظر العقل التحليلي باخذها من حيث هي هي مجردة بان معنى كون الوجود معنى انه بنفسه او بجاعله موجود وان كونها معنى اخر انها به لا بنفسها الا ان لها نحوا من الثبوت لصدق عروضه لها ذهنا وصدقها عليه خارجا فيستخرج من هذا التفسير المبني على ما اختاره في اصل المسئلة امكان الاجوبة الاربعة بمعونة باقي كلمات جوابه من غير لزوم شيء من الموانع على طريقته
وقوله { ان الوجود بنفسه او بجاعله } يحتمل انه اراد بالاول الواجب تعالى لتحققه في الخارج وفيه ما تقدم من بطلان ارادة المطلق والاشتراك المعنوي في الحقيقة وبالثاني الحادث ويحتمل انه اراد بالاول الوجود انه موجود بنفسه لا بوجود اخر وبالثاني الماهية ويكون المعنى ان الجاعل سبحانه جعلها بالوجود ويحتمل انه اراد بالاول اسناد الايجاد الى العلة المادية وبالثاني اسناد الايجاد الى العلة الفاعلية
قال : { والحاصل ان كونهما معا في الخارج عبارة عن كون الوجود بذاته موجودا والماهية متحدة به وموجودة بنفسه لا بغيره فالفاعل اذا افاد الماهية افاد وجودها واذا افاد الوجود افاد نفسه فوجود كل شيء هو في ذاته مصداق تحمل ماهية ذلك الشيء عليه فلا تقدم ولا تأخر لاحدهما على الاخر }
اقول : يجوز ان يكون قوله { ان كونهما معا } تأكيدا لما قرر من الجواب المخالف للشقوق الثلاثة من السؤال او جوابا باختيار الشق الثالث وهو المعية
وقوله { عبارة عن كون الوجود } الخ تفسير للمعية عنده او ان معية السؤال تؤل الى هذا المعنى وهو الجواب او ان مطلق المعية لا يصح الا بهذا المعنى فعلى الاحتمال الاول ظاهر وعلى الثاني فمتوقف على تسليم السائلين وظاهر قولهم عدم الرضا وعلى الثالث لا يصح المعنى لانا قررنا سابقا في مواضع بان المعية الحقة في الاشياء معنى المساوقة في المتغايرين ولو بالمفهوم فمعنى كونهما معا ان الوجود يتوقف على الماهية في الظهور لانها مقتضى قابليته وحقيقة انيته فلا يتحقق له ظهور في الخارج الا بها وان تقدم عليها بالذات كما هو شأن المواد المطلقة بالنسبة الى صورها وان الماهية تتوقف عليه في التحقق لانها انما خلقت من نفسه من حيث هو هو فلذا قلنا هي مقتضى قابليته واما المعية التي ذكرها فهي في الحقيقة اتحاد شيء بنفسه فان المتحد بالوجود من الماهية هو وجودها لا نفسها لان قوله وموجودة بنفسه يعني في الخارج يشهد بالمغايرة بينهما في الخارج والامر كذلك فان صدور الاثار الوجودية المتضادة في الخير والشر في الخارج دال على ذلك دلالة قطعية فان الشر لا يصدر من الوجود الذي هو خير كله ولا يعنون بالخارج الا ما ترتبت عليه الاحكام والاثار الخارجية وايضا قد ذكرنا سابقا بانه هو المادة للشيء وانها هي الصورة له ولا شك في تغايرهما خارجا وتحققهما وليس هذا من باب المفاهيم الذهنية لكونه مدركا بالبصر وبالشم واللمس وغيرها وما ميز به ذلك بقوله فالفاعل اذا افاد الماهية الخ هو ما نريد لانا نقول ان الفاعل يفيد المادة نفسها ( بنفسها خل ) ويفيد الصورة بالمادة
وقوله { فوجود كل شيء هو في ذاته مصداق } الخ نريد ان نتكلم في الخاتم مثلا اي شيء هو مصداقه واي شيء هذه الماهية المحمولة على ذلك المصداق في الخارج لانجد في الخارج الا الفضة والصورة المعلومة فان قلت ان المحمول غير الصورة على الفضة او غير المجموع منهما من حيث هو هو عليه من حيث انه اثر وصنع على الاعتبارين في تسمية الماهية لم يكن الحمل في الخارج بل والمحمول ايضا بل والموضوع ايضا فاين المصداق والمحمول عليه الخارجيين ( الخارجين خل ) في الخارج وكذلك السرير في الخشب والصورة ويلزمكم ان الوجود والصورة والموجود امور اعتبارية وهمية لا تحقق لها في الخارج كما يقول اكثر المتصوفة اما نحن فاعتقادنا بان الوجود الموصوفي هو الفضة المرئية والصورة المسماة بالماهية الاولى وبالانفعال والقابلية هي الوجود الصفتي وهي المحمولة على الفضة لان الصفة تحمل على موصوفها وعلى الاعتبار الثاني الحقيقي الخاتم من حيث انه اثر القدرة وجود ومن حيث هو هو ماهية والجهة السفلى تحمل على الجهة العليا كل ذلك في الخارج واما انتم فقولوا ما شئتم ولكنكم لا تقولون ما تشاؤن وانما تقولون بما تسمعون وينقل لكم
وقوله { فلا تقدم ولا تأخر } لعله يريد به الجواب عن السؤال باختيار الشق الثالث مع منع المانع ونحن قدمنا اختيارنا بانه لا تقدم ولا تأخر لما قررنا فيما تقدم من وجوب المساوقة في الظهور الكوني الملكي واما في الظهور الملكوتي فلا بد لها من مقومات في مراتب كلياتها تجب فيها المساوقة كالكوني الملكي واما بالنسبة الى افرادها فهي متقومة بمقوماتها الكلية حية بحياتها الذاتية قبل الافراد فكل مظهر منها يعني فردا من اي افرادها اقترنت به مشخصاته ظهر متشخصا بما له من التشخص الذي به هو هو وبما له من العموم اعني الصلوح للتكثر مثلا جوهر الهباء هو اخر المجردات وهو متقوم بمقوماته الملكوتية الكلية وهو حي بحياته الذاتية يسبح الله سبحانه باسمه الاخر كالخشب مثلا في الملك وذلك قبل تنزله بافراده التي هي مظاهره كالخشب قبل تنزله بما يعمل منه كالسرير والباب بمشخصاتهما فايما فرد من افراده اقترنت به مشخصاته ظهر مشخصا كالسماء والارض وزيد وعمرو وبالجملة فكل ما له اعتبار في التشخص فباعتبار حصول مشخصاته تقوم لا قبلها وكل ما له اعتبار عموم فباعتبار مميزاته الكلية تقوم بحصولها له لا قبل ذلك فلا يكون شيء في الكون بسيطا ما خلا الله سبحانه فانه البسيط الحقي في كينونته وعز صمديته
قال : { وما قاله بعض المحققين من ان الوجود متقدم على الماهية اراد به ان الاصل في الصدور والتحقق هو الوجود وهو بذاته مصداق لصدق بعض المعاني الكلية المسماة بالماهية والذاتيات عليه كما انه بواسطة وجود اخر عارض عليه مصداق لمعان تسمى بالعرضيات }
اقول : هذا جواب عن سؤال مقدر وهو ان قولك لا تقدم للوجود على الماهية ولا تأخر مناف لما قاله بعض المحققين الخ فاجاب بان ما قالوه يريدون به ان تقدم الوجود على الماهية ليس في الظهور الكوني اي الكون في الاعيان لانه في هذا لا يخرج الا متحدا بالماهية وانما تقدمه بالذات وهذا معنى صحيح وهو غير ظاهر جوابه لان ظاهر جوابه ان مرادهم بتقدمه عليها تقدمه في الصدور من المبدء الفياض وفي التحقق في ذاته بذاته وهو قول بتقدم الوجود على الماهية بنحو ما مر في فرض تقدمه في السؤال وانا لا ادري كيف عبارات هذا الشيخ هل اضطرابها لاضطراب فهمه في ذلك او اعتقاده ام عدم قدرة ( قدرته خل ) على التعبير المؤدي عن مراده فانه اذا اثبت ان مراد المحققين المقرر له هو ان الوجود مقدم على الماهية في الصدور عن المبدأ الفياض والتحقق فاي تقدم له عليها غير هذا المعنى بل معنى هذا انه صدر وتحقق قبلها ويلزمه امتناع الاتحاد بها وليس له سبيل الى القول بعروضها عليه كما يقوله الصوفيون ولا يصح اعتبار الاتحاد بين العارض ومعروضه والا لوجب عليه القول باتحادهما ذهنا ايضا والحق ان تقدمه عليها تقدما ذاتيا كتقدم الكسر على الانكسار ولعل هذا مراده وان كانت عبارته لا تؤدي ذلك لانه يرى ان المجعول بالذات هو الوجود خاصة والماهية ليست مجعولة بل بالعرض اي ليس لها جعل الا جعل الوجود بنفسه فهي على هذا ما شمت رائحة الوجود لا بذاتها ولا به ولا تصح اتحاده بما هو لا شيء كما يظهر من عباراته فيما يأتي وفي سائر كتبه بانها امر اعتباري والاعتباري عنده ليس بموجود وعلى هذا فلا اتحاد اصلا والا لبطلت قضية دليله فيما يأتي في مسئلة بسيط الحقيقة كل الاشياء فانه على هذا تكون مفهوم حقيقته مركبة مما هو به كذا ومما هو ليس به كذا كما يأتي
وقوله { وهو بذاته مصداق لصدق بعض المعاني } الخ لا يصح لان المصداق متحد في نفس الامر بما صدق عليه بمعنى ان حقيقتهما شيء واحد في كل بحسبه فان كان الصدق في الذاتين فهما ذات واحدة وان كان في الوصفين فهما شيء واحد اي وصف واحد وهنا مختلفان فان الوجود ثابت وبالذات وبالحقيقة وبنفسه وجد لا بغيره والماهية غير ثابتة لانها اعتباري وبالعرض وبالمجاز ووجدت بغيرها فلا يصح اتحاد الذاتين لا خارجا ولا ذهنا الا بالاعتبار وهو ليس وجوديا متحققا لان صدقها عليه خارجا ان كان اتحاديا كان عين صدقه عليها وليس امر الاتحاد خارجا والصدق راجعا الى المفاهيم والامور الاعتبارية بل هو راجع الى التحقق الكوني الثابت خارجا ولا شيء من ذلك بينهما على ما يدعيه نعم لو قال فيهما بما نقول صح له ان يقول بكثير من اموره لا بكلها لانهما على قولنا ليس اتحادهما اتحاد استهلاك حتى يضمحلا ويكون شيء ( شيئا خل ) آخر وانما هو اتحاد تقوم فكل منهما كرة تامة الا ان الوجود يدور على التوالي وهي على خلاف التوالي وبينهما تمازج في تمايز كتمازج اشعة السراج بالظلمة وكتمازج نور القمر بنور السراج فانهما حال اجتماعهما غير متمايزين مع انهما متمايزان بالذات فان نور القمر متوجه الى جرم القمر مقبل عليه ونور السراج متوجه الى السراج مقبل عليه وبالفعل فان نور القمر بارد وابيض ونور السراج حار واحمر فهما في الحقيقة كرتان متداخلتان متمازجتان متمايزتان متقابلتان في السطوح كما مثلنا الا ان دور الوجود على نقطة مبدئه من فعل الله تعالى الذاتي على التوالي ودور الماهية على نقطة مبدئها من فعل الله تعالى العرضي الذي هو شعاع فعل الله الذاتي وعلى نفس الوجود من حيث هو هو على خلاف التوالي
وقوله { كما انه بواسطة وجود اخر عارض عليه مصداق لمعان تسمى بالعرضيات } غير منتظم على طبيعة الصنع فحق العبارة ان يقول كما ان وجودا اخر عارضا عليه اي على الوجود الذاتي بواسطته مصداق لمعان تسمى بالعرضيات فان الوجود العارض على الحقيقي المتقوم به اي بالمعروض في قبوله للايجاد هو مصداق المعاني العرضية كالابيض العارض على الجسم المتقوم به هو اي الابيض مصداق لمعناه لا الجسم لان المعنى العرضي مصداقه الصفة العارضة لا معروضها ثم في قوله { وجود اخر } نوع تجوز لان العرض ليس هو وجودا غير وجود المعروض بمعنى انه ليس اجنبيا من المعروض لانه صفته نعم هو خارج لا داخل هذا على ظاهر القول واما على حقيقته فعلى مذهب القوم خصوصا على مذهبه ان حقيقة الوجود العارض والوجود المعروض حقيقة واحدة بسيطة مقولة عليهما بالاشتراك المعنوي على نحو التشكيك واما عندنا فالمعروض حقيقته غير حقيقة العارض بمعنى ان المعروض ذات والعارض صفة وهو شبحه ومثاله خلق من شعاعه كما ذكرنا سابقا
وقوله { وليس تقدم الوجود على الماهية } الخ اما عنده معهم فان الوجود شيء لا يتصورونه واذا رتبوا احكام العلة على المعلول على حسب ما يتوهمون من حقيقة الوجود لم تنطبق وكذلك القابل والمقبول وغاية ما فهموا منه انه اصل بقول مجمل ويلزم لذلك الاتيان بعبارة تلائم ما توهموا فقال ما بالذات على ما بالعرض وما بالحقيقة على ما بالمجاز فهو في الحقيقة ازدراد لشيء مأكول بغير لوك بالاسنان واما عندنا فالوجود المشار اليه هو المادة المطلقة احدثها صانعها سبحانه بنفسها لا بشيء غيرها اي لا من مادة غيرها وهو المقبول لا القابل كما توهموه من ان المادة هي القابلة للصورة وهي الام وهي الماهية وان الصورة هي المقبول وهي الاب وهي الوجود لان هذا بعكس ما عندنا وبعكس ما عند اهل البيت عليهم السلام من ان المادة هي الوجود وهي المقبول وهي الاب وان الصورة هي القابلة وهي الام وهي الماهية وخلق من نفس المقبول اعني الوجود من حيث هو وهو المادة ذات القابل لانها انفعال المادة وهي الماهية وهي الام اي الصورة فالقابل متأخر في الذات عن المقبول وان تساوقا في الظهور فتقدم المقبول الذي هو الوجود على القابل الذي هو الماهية تقدم علي ( على ما خل ) في الذات لانه المادة وهي متأخرة عنه بالذات لانها خلقت منه فهو كالكسر وهي كالانكسار فان الكسر خلق بفعل الفاعل بنفسه اي لا بكسر اخر والانكسار خلق بفعل من الفاعل هو صفة فعله الاولى من نفس الكسر من حيث هو هو ولما كان هذه الكلمات في التقدم والتأخر وفي المراد من القابل والمقبول وفي تعيين الاب والام وفي ان الوجود هو المادة والماهية هي الصورة وما يترتب عليها مخالف لكلام القوم ومصطلحاتهم وجب بيان هذه وان طال بها الكلام بما يحصل به اليقين ومعرفة مذهب اهل الحق عليهم السلم وبيان مخالفة كلام الحكماء لكلامهم عليهم السلم ولو ادعيت هذه بغير ذكر ما يدل عليها لكان كل من سمع هذا انكر حقيته وانكر ان يكون له ذكر عند اهل البيت عليهم السلام فاقول وبالله المستعان اعلم ان كلام اهل البيت عليهم السلم متضمن لهذه الامور بخصوصها وان لم يكن عند من لم يسمع بها خصوصا من انس بقول الحكماء واصطلاحاتهم ولا سيما ما يعرض لكثير من افهام الناس من استبعاد ان كل الحكماء والعلماء ماقالوا بهذا وماسمع منهم ولم ينقل عن احد مع اطلاعهم على سائر اقوال الحكماء والعلماء خصوصا لكثرة خوضهم وقراءتهم ودرسهم ورواياتهم لروايات الائمة المعصومين عليهم السلام ولم يطلع عليه غير واحد من سائر الناس فلاجل ما في نفوس الاكثر من الاطمئنان خصوصا من الاستبعاد المذكور لا اقدر ان اقول به بدون ذكر بعض البيان ومع ما اذكر فما اكثر من لم يقبل مني خصوصا من كان مشتهرا بالعلوم وهو قائل بين العلماء والمتعلمين والملوك وملأ الدفاتر من ذلك ثم اقول كل ذلك باطل وهذا هو الحق فلا يقبله بعد انسه بخلافه الا من اخذت العناية الالهية بيده واراد الله تعالى نجاته ولكن قال صلى الله عليه واله لسراقة بن مالك اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله ه هذه وصية مني للناظر في كلامي قدمتها ليتنبه والله ولي التوفيق
اعلم ان الوجود شيء خلقه الله لا من شيء فليس كامنا في ذاته ثم ابرزه كالنار من الحجر او كالابصار من البصر او كالبدوات والخطرات فان كل هذه وامثالها ولادة وهو سبحانه لم يلد ولم يولد بل لم يسبق لهذا الوجود قبل احداثه ذكر مطلقا فاول ما ذكره به مشيته له وهي فعل الله سبحانه كما قال الرضا عليه السلام لعمران الصابي المشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد وقوله عليه السلام ليونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة على ما يشاء الحديث والاخبار بان المراد من المشية والارادة والابداع فعل الله وان ذلك هو الذكر الاول كثيرة فهذا المخلوق الاول هو الوجود الذي خلق منه ما شاء وليس المعنى انه خلق به ما شاء ليكون مغايرا للمادة بل خلق منه ما شاء وهو العنصر الاول الذي خلق منه الاشياء وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي لا انه جعل به فافهم ومعلوم ان الله سبحانه اقام الاشياء باظلتها كما في كلامهم عليهم السلم يعني اقامها بها اي بموادها وصورها لا بشيء اخر هو مفعول وهو الوجود ولان الوجود حقيقة الشيء فلو كان حقيقة الانسان غير المادة التي هي الحصة الحيوانية والصورة التي هي الناطق لكان قولهم في حد الانسان الحقيقي المركب من الذاتيات هو الحيوان الناطق ليس حدا حقيقيا بل رسمي او مجازي مع اتفاق العقلاء على انه حد حقيقي لتركبه من الذاتيات وهو عندهم بالاتفاق جامع مانع فاين الوجود المدعي انه حقيقة الانسان غير الحيوان الناطق ويؤيد هذا ان العقلاء اتفقوا على ان مادة الشيء المطلقة التي هي مادة ذلك الشيء حصة منها هي ما تدخل عليها لفظة من كما تقول خلق من تراب وصنع السرير من الخشب وصيغ الخاتم من الفضة وهذا ظاهر لا اشكال فيه فاذا عرفت هذا فتأمل قول جعفر بن محمد الصادق عليه السلام امامك الذي تأتم به وتدين الله بالاخذ عنه وبولايته وبالبراءة ممن خالفه ومما خالف قوله قال عليه السلام ان الله سبحانه خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ثم استشهد بقول جده امير المؤمنين عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام يعني من نوره الذي خلق منه او قال بنوره الذي خلق منه ه والشك مني لاني حال نقل الحديث كنت حافظا له بلفظه فشككت حال الكتابة بين من نوره او بنوره ولم يكن عندي الكتاب الذي فيه الحديث حاضرا حال كتابته ولكن المعنى لا يختلف فانظر بعين بصيرتك وتدبر في قوله يعني من نوره الذي خلق منه الذي هو نور الله هل هو الوجود ام غيره فان قلت هو الوجود فهو المادة لانه هو الذي خلق منه بدليل دخول لفظة من عليه وان قلت هو غير الوجود فما هو واي شيء مصرف الوجود الذي ليس هو خالق زيد لان الوجود حقيقة زيد ولا فعل الخالق لان المفعول لا يتركب من الفعل كما ان الكتابة لا تتركب من وجود الكاتب ولا من حركة يده وانما تتركب من المداد وهو الذي صنع الكاتب الكتابة منه فقد تبين لمن يعقل ويطلب الحق ان الوجود هو المادة وتفهم ايضا قول الصادق عليه السلام قال ان الله خلق المؤمنين من نوره وهو الوجود وهو المادة لدخول من عليه وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وهو الوجود الذي خلق منه ما شاء وهو المادة وامه الرحمة وهو الماهية وهو الصورة فسمي الوجود الذي هو المادة ابا وسمي الماهية التي هي الصورة اما وهذا بخلاف ما ذكروا والدليل ان المادة هي الاب قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة وهو ادم عليه السلم وهو الاب وخلق منها زوجها فاول ما خلق تعالى الاب وهو ادم عليه السلم وخلق منها زوجها وهي حوى ( حواء خل ) وهي الصورة فالمادة هي الاب ومنه خلق الام بدليل دخول من عليه في قوله خلقكم من نفس واحدة لانه يخلق منه المادة اي النطفة كذلك يصنع السرير من الخشب ومادة السرير المطلقة قبل الصورة والحصة الخاصة به مع الصورة والدليل عليه ايضا ان الصورة هي الام قوله عليه السلام الشقي من شقي في بطن امه وهي الصورة فان المادة لا يشقى فيها الشقي فان الخشب ليس فيه شقاوة ولا سعادة لانه المادة فاذا عمل من الخشبة الواحدة من نصفها سريرا ومن النصف الاخر صنما يعبد من دون الله كان شقاوته في بطن الصورة التي هي الام ولو كان في بطن المادة لكان كلما يعمل من الخشب فهو شقي يدخل النار والحاصل ان الاحكام منوطة بالصورة ولهذا قال الفقهاء لو نزي كلب على شاة فاولدها فحكم الولد حكم صورته لانه ان كان المولود بصورة شاة فهو حلال وطاهر وان كان بصورة الكلب فهو حرام ونجس والمادة واحدة وانما الحلية والطهارة والحرمة والنجاسة في الصورة وعلى ما ذكر يكون المقبول هو المادة والماهية هي القابل وعندنا لا يكون القابل سابقا بل اما ان يكون المقبول سابقا او يكونا متساوقان يعني ان كون المقبول سابقا عبارة عن تقدمه الذاتي وانه اصل القابل وكون القابل مسبوقا انه خلق من نفس المقبول من حيث هو هو وكونه مساوقا انه يظهر في الكون مع المقبول مثاله الكسر والانكسار فالكسر كالوجود والمادة والانكسار كالماهية والصورة لانها انفعال المقبول عند ايجاده الا ان المقبول اثر فعل الفاعل والقابل صفة ذلك الاثر واذا اردت ان تعرف حقيقة كون الوجود وانه المقبول وانه السابق ذاتا المساوق ظهورا وتكون الماهية منه وانها القابل وانها المسبوقة ذاتا المساوقة ظهورا فتأمل في الكسر والانكسار فانه المثال المطابق من كل وجه ولهذا ترى الكسر منسوبا الى الفاعل والانكسار منسوبا الى المفعول كما قدمنا مرارا ان الشيء الموجود في الخارج اذا لحظته بانه اثر فعل الصانع فهو الوجود واذا لحظته انه هو هو فهو الماهية فافهم فهمك الله الصراط المستقيم
قال : { وليس تقدم الوجود على الماهية كتقدم العلة على المعلول وتقدم القابل على المقبول بل تقدم ما بالذات على ما بالعرض وما بالحقيقة على ما بالمجاز }
اقول : لعله اراد بالعلة هنا العلة الفاعلية او الغائية لانه ان اراد هذين فكما قال في نفس الامر اذ العلة الفاعلية متحققة في الكون قبل المعلول والمعلول بعد كونه لم يكن مركبا منها ومن شيء آخر وهذا عندنا ظاهر وان كان فيما مضى من بعض كلماته ما يشعر باستغنائه عن الماهية في كل حال وعلى هذه الكلمات يكون تقدمه عليها كتقدم العلة الفاعلية على معلولها وهذا التقدم انما يصح بالنسبة الى العلة الكلية او الامكانية واما العلة الخاصة بالمعلول فهي مساوقة له في الظهور سواء كانت فاعلية ام مادية ام صورية واما الغائية فلها حالان فبعضها متقدم وبعضها متأخر وان اراد بالعلة العلل المنسوبة الى الماهية كالمادة والصورة فعندنا ان تقدمه عليها تقدم الماهية على الشيء بل والصورة لما قدمنا ان الشيء مركب من الوجود الموصوفي الذي هو المادة والوجود الصفتي الذي هو الصورة فح تقدمه عليها على ظاهر قولنا هو تقدم المادة على الصورة لان الصورة عندنا هي الانفعال وهي الماهية الاولى فينطبق كلامه بظاهره على كلامنا وان اختلفت الارادتان الا انه وان انطبق في تقدم العلة الكلية على المعلول لم ينطبق في تقدم القابل على المقبول اذ الامر على العكس لان القابل والمقبول عندنا متساوقان في الظهور والمقبول متقدم بالذات وقد تقدم الكلام فيه
واما قوله { بل تقدم ما بالذات على ما بالعرض } الخ يشير الى مذهبه بان الماهية ليست مجعولة الا بالعرض فالجعل انما هو للوجود خاصة وفيه شيء اما اولا فلان ما بالعرض خارج عن ماهية ما بالذات فلا يتحد به وهو قائل بالاتحاد واما ثانيا فلان مفهوم الوجود نقيض مفهوم الماهية او مخالف له والمتغايران يجب ان يتغاير جعلاهما لان المجعول مشابه لصفة الجعل ودور الوجود على جعله على التوالي فهو مغرب ودور الماهية على جعلها على خلاف التوالي فهي مشرقة فكيف يوجدان بايجاد واحد كما ان ا يوجده الكاتب بحركة مغايرة للحركة التي يوجد بها ب لان ا صورته الف قائم وب صورته الف مبسوط وصورة القيام غير صورة القعود فلا يوجدان بحركة واحدة هذا على مذهبه واما على مذهبنا فتقدم الوجود على الماهية تقدم ما بالذات على ما بالعرض ايضا ولكنه مجهول الاسم والبيان وبيانه ان الوجود وجد بالذات لان السر والفائدة ومنشأ المطلوب وهو الطاعة وامتثال الامر انما هو من الوجود لانه خير محض وهو المطلوب ولاجله صدر الايجاد كما قال تعالى لولاك لما خلقت الافلاك وقوله تعالى بك اثيب وبك اعاقب فهو المقصود بالذات واما الماهية فليست مقصودة بالذات اذ لا خير فيها لذاتها الا انه لما اجرى سبحانه حكمته بانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته ( دون غيره خل ) للذي اراد من الدلالة عليه لم يكن للوجود الحادث استقلال بذاته فلا بد من ايجاد ضد له يستند اليه ويتقوم به لانه دعامة له ولان باجتماعهما يحصل الاختيار للمخلوق الذي به تقوم الحجة عليه وهي على طرف النقيض من الوجود ان تحرك سكنت وان قام قعدت وان فعل تركت وان اقبل ادبرت وهكذا وبالعكس في العكس فهي ضد له عام وذلك في ذاتيهما وفي افعالهما ولا تحقق له بدونها وبالعكس فوجب في الحكمة ايجادها لاتمام امر الوجود كما ان الطاعة التي هي ميل الوجود وفعله لا يمكن ان تحقق الا بالتمكن من المعصية التي هي ميل الماهية وفعلها فاذا امر بالطاعة طلب الوجود من الشخص فعل ما امر به بواسطة وجهه ووزيره الذي هو العقل وطلبت الماهية من الشخص ترك ما امر به بواسطة وجهها ووزيرها الذي هو النفس الامارة فاذا فعل الشخص الطاعة المأمور بها بميل الوجود ووزيره العقل وهو قادر على الترك بميل الماهية ووزيرها النفس الامارة صحت الطاعة ولو عكس صحت المعصية ولو انه فعل الطاعة ولم يقدر على تركها لم تتحقق الطاعة او عكس ولم يقدر على تركها لم تتحقق المعصية وتم النظام وصلح التكليف والثواب والعقاب على ثبوت التمكين ( التمكن خل ) من الطاعة والمعصية اللذان هما في الظاهر الفرع ولا يتم هذا ولا يصلح الا بايجاد الشخص المكلف على هذا النمط فلهذا كان ايجاد الماهية ثانيا وبالعرض اي لانها بها يتقوم المقصود والمطلوب ولكن قوله غير قولنا في الارادة لانه يقول وجد الوجود اولا وبالذات والماهية ثانيا وبالعرض اي بجعل واحد ونحن نقول وجد الوجود اولا وبالذات والماهية ثانيا وبالعرض وليسا بجعل واحد لان اختلاف الاثار يدل على اختلاف المؤثرات بل كانا باربعة جعلات اولا جعل الوجود ثم خلق من شعاع هذا الجعل جعل الماهية ثم خلق من شعاع جعل الماهية جعل التلازم ثم خلق من شعاع جعل التلازم جعل الزام الماهية للوجود وبين ايجاد كل جعل منها بنفسه وبين الجعل الاخر الذي خلق من شعاعه سبعين عاما يا رب عز جارك وجل ثناؤك وتقدست اسماؤك ولا اله غيرك يا كريم فقد اتفق اللفظان واختلفت الارادتان
واما قوله { وما بالحقيقة على ما بالمجاز } فيمكن تصحيحه على مرادنا فان كون الوجود حقيقة للماهية لتكون تقدمه عليها من هذا القبيل مما لا اشكال فيه عندنا على الاحتمالات الثلاثة احتمال المصنف وموافقوه من ان حقيقة الشيء هو الوجود كما قال فيما سبق ان حقيقة كل شيء هو وجوده الذي تترتب عليه آثاره وقال وبالحقيقة ان الموجود هو الوجود كما ان المضاف بالحقيقة هو الاضافة انتهى ومحصل عباراته في هذا الكتاب مختلف في المعنى منها ان الوجود المحمول على الوجود والماهية بسيط او بالمعنى العام ونحن نعرف من هذا المحمول على قوله انه مجاز لذلك الموضوع الحقيقي ومنها العارض عليها في الذهن الذي هو ظرف التحليل ومنها ما اخذه من مفهوم اللفظ الى غير ذلك والاحتمال الثاني عندنا هو ما اذا اردنا به الانفعالي الصفتي فانه مجاز للموصوفي كما تقدم والاحتمال الثالث هو ما اذا اردنا به ما منه الذي نسميه بالماهية بلحاظ انه هو فانه مجاز وحقيقته ما بلحاظ انه نور الله وانه اثر الله وقد تقدم وباعتبار هذه الاحتمالات الثلاثة يكون تقدمه عليها تقدم ما بالحقيقة على ما بالمجاز
قال : { سؤال - نحن قد نتصور الوجود ونشك في كونه موجودا ام لا فيكون له وجود زائد وكذا الكلام في وجود الوجود ويتسلسل فلا محيص الا بان يكون الوجود اعتباريا محضا }
اقول : اورد هذا السؤال الشيخ الالهي في حكمة الاشراق وفي التلويحات بناء على اصله من الاعتباري فان محله الذهن وهو وارد عنده واما على قولنا فلا يتوجه السؤال اصلا اذ تصوره يوجب ثبوته وتحققه عندنا خارجا لان ما في الذهن لا يكون الا منتزعا من الخارجي وقد قدمنا بيان هذا وبرهانه القطعي الوجداني على جهة الاشارة من انك لا تقدر ان تتصور شيئا رأيته قبل يوم التصور الا في مكان رؤيته ووقتها بان تلتفت بمرءاة خيالك الى مكان الرؤية ووقتها فترى شبح الشيء المتصور بهيئته وصفته التي رأيته عليها في كل زمان ومكان لا تذكره بان تتصوره الا ان ترى شبحه هناك في تلك الهيئة فتنتقش صورته في خيالك ولا تقدر على تصوره بدون ذلك وهذا هو الدليل على ان جميع ذلك المتصور في الذهن كله انتزاعي فمن ادعى انه اصلي فنطلب منه ان يتصور شيئا رءاه في الزمان السابق من غير ان يلتفت الى مكان رؤيته ووقته فان قدر فله ان يدعي بانه غير منتزع وان لم يقدر فليعلم انه منتزع وهذا جار في جميع الاذهان الا ما كان في ذهن علة الاشياء صاحب القيومية بها المسمى بامر الله واما على قول غيرنا فالسؤال متوجه لانه اذا تصور الوجود لا يعلم هل هذا انتزاعي ام لا والاصل انه اصلي فاذا تصور الوجود فان كان موجودا في الخارج فللوجود وجود وننقل الكلام الى وجوده ويتسلسل او يدور وان لم يكن موجودا ثبت المطلوب وهو الاعتباري وبطل المدعى الخارجي نعم هذا السؤال لا يرد على خصوص قول المصنف لانه في اكثر عباراته المتقدمة يمنع ان يكون للوجود وجود ذهني يتبدل عليه وانما هو الخارجي فقط وما يحصله الذهن منه فانه عارض وهو حكاية عن الخارج فلا يرد عليه السؤال الا ان يكون اراد برده مطلق وروده او وروده على صورة الكلام ولهذا نفي حصول الوجود في الذهن
قال : { جواب ـ حقيقة الوجود لا يحصل في ذهن من الاذهان اذ ليس الوجود امرا كليا ووجود كل موجود هو عينه الخارجي والخارجي لا يمكن ان يكون ذهنيا والذي يتصور من الوجود هو مفهوم عام ذهني يقال له الوجود الانتسابي الذي يكون في القضايا والعلم بحقيقته لا يكون الا حضورا اشراقيا وشهودا عينيا وبه حينئذ لا يبقى الشك في هويته }
اقول : يقول في جوابه انا قد قررنا بالدليل المتقدم ان الوجود فرد خارجي متحقق والذي ينقل ( ينتقل خل ) الى الذهن مفهومه العام الانتسابي العارض للمفاهيم الارتباطية للمحمولات وهو انتزاعي بخلاف المدعى فيه فانه متحقق في الخارج اذا طلبت حقيقته بالعلم كان اشراقيا حضوريا يعني ان العلم به عين حصوله للعالم ووجوده له بعين وجوده لذاته فالعلم به نفس تحققه في نفسه فهو شهودي عيني يعني العلم به شهود عيني على نحو ما قررناه في رسالة العلم التي وضعناها شرحا لمقدمة الملا محسن التي وضعها في كيفية علم الله لابنه علم الهدى ولو اريد من السؤال القياس الاقتراني لم يلزم تخصيص التصور بالساذج ليتعدد الوسط بل يؤخذ الاعم منه ومن التصديق فلا يدخل الشك في الوسط وانما الشك في الاكبر من اللازم اي انا نتصور الوجود بذلك المعنى ونشك في كونه موجودا فلو كان موجودا لزم ان يكون له وجود زائد عليه وهكذا ويتسلسل لكان قول المصنف ان للوجود فردا خارجيا هو حقيقته وهو موجود بنفسه لا بوجود زائد عليه مع ان حقيقته لا يدرك كنهها ليتصور ويكون مكتنها بذهن غير تام في الجواب اذ لا يستلزم التصديق تصور الموضوع بالكنه بل يكفي ادنى تمييز يعينه ليكون الحكم على موضوع معين والباقي دعاوي يلزم منها المصادرة وقيل لعل المصنف حمله على الاستثنائي فيفرض حاصل السؤال ان الوجود لو كان موجودا في نفسه لما شك في وجوده حين تصوره لكن بعد تصوره نشك في وجوده فعلى فرض وجوديته يجب ان يكون وجوده زائدا عليه فيتسلسل فاورد الجواب بابطال التالي في قوله حقيقة الوجود لا تحصل بكنهها في ذهن من الاذهان الخ يعني انه لا يمكن ان يتصور ليرتب الشك في وجوده على التصور وانت خبير بان هذا الجواب كغيره يلزم منه المصادرة فلا يكون تاما لا على تقدير الاقتراني ولا الاستثنائي بل الاولى في الجواب ان يقال ان المراد من الوجود حاصل من الاشياء الخارجة قبل تصوره اي قبل توجه الذهن الى تصور ما به حصولها وذلك بنفس حصولها والشك بلحاظ ثان بعد التصور مترتب عليه فالشك الناشي من التصور المترتب عليه في حصول السبب الباعث على التصور لا يتصور
وقوله { والذي يتصور من الوجود } الخ جواب عن سؤال مقدر حاصله ان تصور الوجود معلوم لنا فاجاب بان ما تتصورونه ليس هو الوجود المقصود الحقيقي بل هو الانتزاعي الانتسابي الذي يكون في القضايا كما قال واعلم ان الوجود قد يراد به النسبي مثل الانسان موجود وقد يراد به الرابطي مثل الانسان يوجد كاتبا فان المنسوب هو الكتابة والوجود رابطة النسبة وقد يراد به البسيط المعبر عنه بهست في الفارسية وقد يراد به العام الذي اشار اليه سابقا الشامل ثبوته للوجود والماهية وقد يراد به المطلق المتناول للنسبي والرابطي وغيرهما وهذا الانتسابي العام الذي ذكره بانه يكون في القضايا كما يكون النسبي الرابطي فيها هو النسبي الرابطي او اذا كان في القضايا والفارق بينها الاعتبار والمحمول من هذه دائر مدار الاصطلاح ومنها تنشأ الشبه ( الشبهة خل ) في كثير من الاعتقادات لانها قد يبني عليها اصل يؤخذ قاعدة في اشياء تكون منشأ الخطأ ولولا اني لست بصدد هذا لذكرت كثيرا من ذلك وان كنت قد ذكرت شيئا فيما مضى واذكر فيما يأتي الا انه متفرق منها ان قوله في جواب السؤال الوارد عليه هنا هذا الكلام بان حقيقة الوجود لا تحصل في الذهن بكنهها الخ وانما الموجود فيه هو الانتسابي يعني ان هذا غير ما نريد وفيما تقدم في جواب قول السائل اذا اخذ كون الوجود موجودا انه عبارة عن نفس الوجود الخ في قوله ليس يوجب الاختلاف في اطلاق مفهوم الوجود المشتق بين الجميع يظهر لك منه ومن غيره ان محصل قوله ان الوجود الذي هو حقيقة كل موجود انه هو الله سبحانه وهو المطلق الشامل له ولغيره بصدقه وهو الفرد الخاص الخارجي الذي هو به لا بغيره وغيره به وهو البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست وهو النسبي وهو الانتسابي وهو الرابطي والحاصل يتصرف فيه بحسب المعنى في ما يقرر بما يصدق عليه لفظ هذه الاحرف الاربعة وج ود فان عدد زبرها تسعة عشر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر
وقوله { والعلم بحقيقته لا يكون الا حضورا } الخ جواب عن سؤال مقدر وهو اذا كان الوجود لا يمكن حصوله في الذهن باي شيء يكون به معلوما فاجاب بان العلم بحقيقة الوجود لا يكون الا حضورا اشراقيا وشهودا عينيا اقول جوابه هذا في كون العلم اشراقيا الخ صحيح الا انه ليس خاصا بالوجود بل كل شيء حادث فالعلم به اشراقي يحصل مع حصول المعلوم وليس مغايرا له ويعدم بعدمه وهذا الاشراق يوجد فيما وجد فيه المعلوم وله مطلقا ان كان المعلوم صورة فالعلم بها حضورها وحصولها الذي هو ذاتها والاشراق نفس ذلك الحضور والحصول في الذهن وان كان غير صورة ففي مكان حضوره وحصوله عند العالم اذ حضوره عنده وجوده لنفسه لا وجوده للعالم خاصة بمعنى ان وجوده للعالم مغاير لوجوده في نفسه بل هو شيء واحد وانما نفيت كونه للعالم لئلا يتوهم المغايرة وان حصوله للعالم نفس وجوده في نفسه بمعنى الا وجود له في نفسه وانما الموجود وجوده للعالم بناء على المغايرة كما ذكر المصنف فيما سبق من ان وجود العرض نفس حلوله في الجوهر لا غير وراجع ما قلنا هناك والحاصل العلم بكل شيء حضوره وحصوله في نفسه بهو هو لا حصوله في كذا ولا لكذا لان هذا غير ما هو به هو فالعلم بالصورة وجودها في نفسها وحضورها في الذهن والعلم بذي الصورة وجوده وحضوره بين يدي العالم بما هو به هو وكل هذه علوم اشراقية لها عند العالم بها تثبت بثبوتها وتنتفي بنفيها لان الشيء يثبت بنفسه وينتفي بنفيه وثبوت زيد بما هو هو له علم اشراقي حضوري للعالم به وشهود عيني له به فالاشراق الحاصل للعالم والحضور هو وجود زيد وحقيقته اذ لم يحصل للعالم شيء غيره لا ظاهرا ولا باطنا انما هو هو حصل للعالم فحين حصل للعالم وحضر عنده فقد حصل للعالم وحضر عنده فهذا العلم الاشراقي الحصولي الحضوري فتفهمه فانه عظيم الشأن رفيع المكان ثابت الاركان قد انحطت عن ادراكه اكثر الاذهان واسألوا الله من فضله ان الله كان بكم رحيما فانه لا ينال الا بتوفيق الله لمن اطاعه واتقاه
وقوله { وبه ح لا يبقى الشك في هويته } يعني انه بسبب امتناع حصوله في الاذهان وعدم معرفته الا بالعلم الحضوري الاشراقي الذي هو عبارة عن وجود المعلوم في الاعيان لا يبقى الشك في تحققه وثبوته خارجا وكل هذه الادلة غير ملزمة لان منها اقناعي ومنها مصادرة ومنها مغالطة وليس قولي هذا تصحيحا لقول اهل الاعتباري فانه ليس قولا معتبرا وانما قولي من جهة النظر في هذه الادلة
قال : { والاولى بهذا السؤال ان يورد الزاما على من قال بزيادة الوجود على الماهية مستدلا بما ذكر من انا نعقل الماهية ونشك في وجودها او نغفل عنه والمعقول غير المشكوك فيه او المغفول عنه فالوجود زائد على الماهية لكن على ما حققناه في الاصل من ان الوجود غير زائد على الماهية وليس عروضه لها عروضا خارجيا ولا ذهنيا الا بحسب التحليل كما اشرنا اليه فانهدم الاساسان }
اقول : ينبغي ان يكون هذا السؤال الزاما لمن قال بزيادة الوجود على الماهية كبعض المشائين القائلين بزيادته على الماهية وتحققه خارجا مغايرا لها عارضا عليها وبما اجبنا ( اجبناه خل ) وحققناه من كون الوجود غير زائد على الوجود ولا على الماهية انهدم الاساسان اساس الايراد بهذا السؤال واساس المورود عليهم القائلين بالزيادة او اساس القول بزيادته على الوجود وبزيادته على الماهية او اساس نفس السؤال واساس زيادة الوجود مطلقا بقي شيء على المصنف وهو ان صحة عروضه لها بعد التحليل وصحة التحليل متفرع على انهما شيئان في الخارج ولو سلم دعوى الاتحاد فانما هو امتزاج ظاهري لا يستلزم الاتحاد الحقيقي اذ الاتحاد الحقيقي لا يعقل الا في البسيط الذي لا يحلله العقل او في الثالث الحاصل من الشيئين وهو غيرهما فلا يسمى باسمهما ولا يحلله العقل الا بلحاظ ما قبل الاتحاد وهو حينئذ اثنان على ان المحللين في الذهن ليسا هما المتحد في الخارج لان المحللين عرضيان والا لكان الحقيقي ذهنيا وقد تقدم هذا وامثاله فراجع
قال : { سؤال - لو كان الوجود في الاعيان وليس بجوهر فيكون كيفا لصدق تعريف الكيف عليه فيلزم مع ما مر من تقدم الموضوع المستلزم للدور او التسلسل كون الكيف اعم الاشياء مطلقا وكون الجوهر كيفا بالذات وكذا الكم وغيرها}
اقول : يريد ان الوجود اذا كان في الاعيان انه صفة للماهية والجوهر لا يكون صفة لانها كيف الموصوف فلو كان في الاعيان لصح ان يقع صفة ولا شيء من الجواهر يصح ان يقع صفة وقيل عليه ان اراد الحقيقي منعنا الصغرى وان اراد الاشتقاقي منعنا الكبرى ويحتمل ارادة الحقيقي ويكون بحكم الفصل فلا ( فلا يرد خل ) منع للصغرى ويرد على هذا ما ورد سابقا على فرض تقدم الموضوع الذي هو الماهية من عدم تحقق فرض التقدم فانها ان كانت موجودة بنفسها كما هو على القول به فلا تقدم والا فان وجدت بغير السابق بطل الفرض وبالسابق يمتنع وقد تقدم فلا دور ولا تسلسل وقوله : يلزم على وجوده خارجا كونه كيفا لصدق تعريفه عليه لكونه الحال في المتحيز وكون الكيف اعم الاشياء لصدقه على جميع الاشياء اذ هو الوجود وكون الجوهر كيفا بالذات وكذا سائر المقولات وهو خلاف المعروف عندهم وقوله { وكون الجوهر كيفا بالذات } احتراز عن كونه كيفا بالعرض كما هو عند المصنف في ظرف التحليل وعندهم وقيل اورده صاحب الاشراق على المشائين نظرا الى ما يلزم من كلامهم من ان المجعول بالذات انما هو الوجود والماهية من حيث هي غير مجعولة ومن المعلوم انه بهذا النظر وارد على المصنف فان هذا رأيه كما يأتي فيما بعد بل وروده عليه اولى لبعد قوله عن صاحب الاشراق بالنسبة الى المشائين
قال : { جواب - الجوهر والكيف وغيرهما من المقولات من اقسام الماهية وهي معان كلية تكون جنسا ونوعا ذاتية وعرضية والحقائق الوجودية هويات عينية وذوات شخصية غير مندرجة تحت كلي ذاتي او عرضي فالجوهر مثلا ماهية كلية حقها في الوجود الخارجي ان لا تكون في موضوع والكيف ماهية كلية حقها في الوجود الخارجي ان لا تقبل القسمة ولا النسبة وهكذا سائر المقولات فسقط كون الوجود جوهرا او كيفا او عرضا اخر من الاعراض }
اقول : هذا جواب لقول السائل { لو كان الوجود في الاعيان } الخ يعني ان الوجود غير هذه الاشياء فان الجوهر والكيف وسائر المقولات من اقسام الماهية والماهية غير الوجود لانها بجميع اقسامها كليات لا تمتنع من قبول الكثرة فان هذه المقولات كسائر اقسامها معان ذهنية كلية تكون اجناسا وانواعا ذاتية وعرضية وهي ذهنية لا خارجية فلا توجد الا في افرادها على قول بخلاف الحقائق الوجودية فانها متحققة في الخارج بانفسها ولا تدخل في شيء من الاذهان الا بعوارض انتزاعية ليست من حقيقة الوجود وانما هي حكايات عن تلك الحقائق الخارجية واظلة لها وهذه الحقائق الخارجية مصاديق لتلك المفاهيم الذهنية وهذه المصاديق هويات عينية اي حقايـٔق ثابتة بذواتها في الاعيان شخصية لا تندرج تحت كلي لا ذاتي ولا عرضي بان تكون جزئية له ثم رد كلام السائل بقوله { وليس بجوهر فيكون كيفا } بان الجوهر لا يحل بالموضوع ليكون كيفا لان حق الجوهر عدم الحلول في موضوع ولا يريد به كون الوجود جوهرا لان الجوهر ماهية كلية لكنه في الخارج يكون محلا لا حالا بخلاف العرض وحق العرض في الخارج عدم قبوله القسمة ولا يريد ان الوجود عرض لعدم قبوله القسمة لان العرض ماهية كلية فهما متخالفان والوجود مخالف لهما فلا يراد من احدها ( احدهما خل ) الاخر فبهذا الاعتبار سقط حكم الملازمة في السؤال فانه وارد على غير مورده
قال : { وقد مر ايضا ان الوجود لا جنس له ولا فصل له ولا هو جنس وفصل ونوع لشيء ولا عرض عام ولا خاص لان هذه الامور من اقسام الكليات وما هو من الاعراض العامة والمفهومات الشاملة هو معنى الموجودية المصدرية لا حقيقة الوجود ومن قال ان الوجود عرض اراد به المفهوم العام العقلي وكونه عرضا انه الخارج المحمول على الماهيات }
اقول : قد مر ان الوجود لا جنس له ولا فصل الخ في كلامه وقد مر هناك ايضا ما يرد عليه وكذلك مر انه لا يكون جنسا لشيء ولا فصل الخ ومر هناك الكلام عليه وقوله { وما هو من الاعراض العامة } الى قوله { لا حقيقة الوجود } الامر كما قال هنا في هذا الا انه يخلط بعضها ببعض فيما مر وقد نبهنا عليه هناك
وقوله { ومن قال ان الوجود عرض } الخ في قوله هو واما المشاؤن فمنهم انه عرض في الخارج للماهيات الخارجية وقد صرح به لان من قال بان الوجود متحقق في الخارج منهم من قال بانه متحد بالماهية كالمصنف ومنهم من قال انه عارض عليها كجماعة من المشائين ومن المتكلمين ومنهم من قال بانه معروض للماهية كالصوفية فليس كل من قال انه عرض اراد به المفهوم العقلي العام
قال : { وايضا الوجود يخالف للاعراض لان وجودها في نفسها وجودها لموضوعها واما الوجود فهو بعينه وجود الموضوع لا وجود عرض في الموضوع والاعراض مفتقرة في تحققها الى الموضوع والوجود لا يفتقر في تحققه الى موضوع بل الموضوع يفتقر في تحققه الى وجوده والحق ان وجود الجوهر جوهر بعين جوهرية ذلك الجوهر لا بجوهرية اخرى ووجود العرض عرض بعين عرضية ذلك العرض لا بعرضية اخرى كما علمت الحال بين الماهية والوجود }
اقول هذا الكلام ليس جوابا اخر وانما هو من تمام الكلام الاول واما قوله { لان وجودها } اي الاعراض { في نفسها وجودها لموضوعها } فقد تقدم الكلام فيه في الاستشهادات
وقوله { والوجود لا يفتقر في تحققه الى موضوع } هو على ظاهره في الجملة ليس فيه بأس لانه ليس حكمه حكم العرض واما في نفس الامر وهو الذي يطلب مني فقد قدمنا بعض بيان هذا مفرقا منه ان الجوهر وجود موصوفي والعرض وجود صفتي وفي كلام المصنف ما يفيد بعض ظاهر كلامنا وهو قوله { والحق ان وجود الجوهر جوهر بعين جوهرية ذلك الجوهر } الخ وان كانت الارادتان مختلفتين وان كل شيء مكون فهو مركب من وجودين موصوفي نسميه بالوجود وبالمادة وصفتي نسميه بالماهية والانفعال وبالصورة وانه لم يخلق الله في سائر الاكوان شيئا بسيطا حقيقيا فردا للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده كما قال الرضا عليه السلم لعمران الصابي وان هذا الانفعال والصورة جزء المركب فالجوهر مركب منهما اي من هذين الوجودين ونعني بالصورة الهندسة المشتملة على جميع المشخصات من الاعمال والاقوال والاحوال والاعتقادات والانفعالات والحدود الباطنة من الاجابات لدعوة الله عز وجل ومن الاستعدادات والملكات والمعارف والعلوم والاذن والاجل والكتاب والرزق والنسب الغيبية ( العينية خل ) ومن الحدود الظاهرة كالطول والعرض وغيرهما والمقدار والكم والكيف والجهة والمكان والوقت والرتبة واقسام الوضع فكل هذه وما اشبهها اجزاء المركب منها مقبول وهو الوجود وهو المادة ومنها قابل وهي هذه المذكورات وما اشبهها وكل هذه يتوقف ظهور الشيء على جميعها في عالم الاعيان وان تقدم المقبول في الذات على القابل واما في الظهور فكلها شرط لكلها هذا في الجوهر واما في العرض فحكمه حكم الجوهر في كل ما ذكر ويزيد على الجوهر سبق وجود الجوهر ولو في الاعتبار في بعض الموجودات الا انها في العرض بنسبة عرضيته كما انها في الجوهر بنسبة جوهريته فقد تساويا في باطن الصنع على حد واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر ( خاسئا ) وهو حسير
وقوله { والحق ان وجود الجوهر بعين جوهرية ذلك الجوهر لا بجوهرية اخرى } الخ صحيح الا ان المراد الواقع غير ما اراد به فان الواقع ان وجود الجوهر هو ما به الجوهر وهو مركب من وجود هو وجود موصوفي وهو المادة اعني الحصة الخاصة به اي من جنسه ومن وجود صفتي وهو الصورة اعني الحصة الخاصة به اي فصله او حصة منه اذا كان المركب شخصيا مفردا وبنحوه بنسبة المركب اذا كان عرضا كما ذكرنا لانه موجود مثل الجوهر الا ان نسبته من الجوهر نسبة الواحد من السبعين لوقوعه منه في الرتبة الثانية من الجوهر لانه صفته فالوجود في كل شيء ما به تحققه وهو لا شك انه المادة والصورة اذ ليس شيء غيرهما يتوقف تحققه عليه غيرهما وراجع ما ذكر سابقا والمادة والصورة في الجوهر ظاهران وربما خفيا في العرض ومن اجل ذلك قيل فيه ان حقيقة وجود العرض حلوله في الجوهر وقد بينا بطلانه فيما سبق لان الذي قام عليه الدليل ان كل نوع من انواع الخلائق من المعاني والاعيان والجواهر والاعراض وكل شيء صح ان يعلم ويعلم مما يمكن ان يعبر عن معناه فانه مخلوق خلقه الله لا من شيء ليس بمحدث وكل محدث خلقه الله فله مادة بنسبة تحققه من مقام الصنع فمادة كل شيء من نوعه فمادة الجوهر جوهرية موصوفية استقلالية ومادة العرض عرضية صفتية غير مستقلة في القيام بنفسها لانه صفة ومادته من نوع الصفات
وقوله { كما علمت الحال بين الماهية والوجود } يريد ان قولنا ان وجود العرض عرض الخ اي ان وجوده عارض لوجود الجوهر كما انه عارض للجوهر وذلك مثل نسبة وجود الماهية بالنسبة الى وجود الوجود يعني ان وجودها عارض على وجوده وهذا كلام بقولنا صحيح واما بقوله فهو غلط لانه يريد ان الماهية لا وجود لها اصلا وليست مجعولة الا بتبعية جعل الوجود انه جعل واحد كان به الوجود وكانت به الماهية لا بجعل عارض لجعل الوجود فهي لذاتها لم تشم رائحة الوجود وهذا غلط فاحش لان المصنف مركب من وجود وماهية فوجوده متحقق واما ماهيته عنده فليست بشيء الا في ظرف التحليل عند الاعتبار فعلى هذا هو وجود وليس له انية لان الماهية هي الانية وما في الذهن انما هو اعتباري ولو فرض ان ما فيه حقيقة الشيء فانها مجردة عن العوارض الخارجية اذ الفارق عنده بين الذهني والخارجي هو ان الذهني لا تترتب عليه الاحكام والاثار الخارجية وقد قرروا ان الوجود خير محض فلا تصدر عنه المعاصي ولا شيء من المكاره وان تلك الشرور والمعاصي من اثار الماهية وميولاتها فاذن المصنف لا يصدر عنه شيء من المعاصي والهفوات لانه في الخارج وجود بحت والوجود كله خير محض ولو كان هذا حقا لما قال بامثال هذه الاوهام واما عندنا فلها جعل خاص بها غير جعل الوجود الا ان ما به جعلت عرض لما به جعل مثل قولنا في وجود العرض فانه وجود عارض على وجود الجوهر كما ان الجوهر معروض عليه وهذا معنى قولهم ان الوجود اولا وبالذات اي جعل ابتداء والماهية ثانيا وبالعرض اي جعلت لاجل تقوم الوجود لان الوجود لا يتقوم بدون الماهية ومثال الثاني وبالعرض اني اشتريت الفرس بمائة دينار بايجاب من مالكها الاول وقبول مني فاشترائي لها اولا وبالذات لحاجتي الى الركوب ثم انها تحتاج الى الجل فاشتريته بدينار بايجاب من مالكه الاول وقبول مني مثل عقد بيع الفرس الا اني لا حاجة لي به لولا الفرس فاشترائي للجل ثانيا وبالعرض ولا فرق بين الاشترائين وكذلك ايجاد الوجود هو محبوب لذاته الا انه لا يقدر على الاستقلال في الظهور بدون الماهية فجعلت ليتقوم بها في الظهور وهي متحققة في الخارج معادلة للوجود فمنه تصدر الطاعات وبه يفعلها المكلف ويترك المعاصي ومنها تصدر المعاصي وبها يفعلها المكلف ويترك الطاعات والشيء مركب منهما وهما متمايزتان ( متمايزان خل ) في تمازجهما كالظلمة الممازجة لنور السراج الا انه كلما قرب من السراج ضعفت ورقت وكلما بعدت منه قويت وكثفت بعكس نور السراج فكذلك الوجود في الشخص كلما قرب من فعل الله قوي واشتد وكلما بعد ضعف ورق والماهية بالعكس وهذا معنى قولنا ان كلامه على معنى ما نريد صحيح لا على ما يريده واصل كلامه هذا رفع لما يتوهم من قوله ان الوجود لا جنس له ولا فصل وهو ليس بجنس لغيره ولا فصل انه عرض ليس بجوهر فابان بانا لا نريد بذلك نفي جوهريته وانما نريد اصالته وبساطته وعمومه مع تشخصه
قال : { سؤال - اذا كان الوجود موجودا للماهية فله نسبة اليها وللنسبة ايضا وجود وحينئذ فلوجود النسبة نسبة الى نسبته وهكذا الكلام في وجود نسبة النسبة فيتسلسل }
اقول : هذا السؤال اورده الشيخ الالهي في حكمة الاشراق على المشائين وفيه الزام لهم على رأيهم بالتسلسل الا ان يلتجئوا الى ان ما سوى النسبة من الاشياء تلزمه حصول النسبة خارجا والا لم يكن بين الاشياء الخارجية نسبة لو اريد منها ذهنيها لعدم ترتب الاثار على الامور الذهنية في الخارج لكن النسبة نفسها لا يلزم لنسبتها نسبة لانها بذاتها كافية عن اعتبار نسبة زائدة على نفسها وهذا الالتجاء في الحقيقة قوي فبهذا الاعتبار لا يرد عليهم السؤال والمصنف فرض وروده على قوله من جهة انه يرى ان النسبة لا توجد بنفسها فاذا تسلسلت لزم التسلسل في الوجود
فاجاب عنه بقوله :
اقول : ما مر من الكلام يكفي لاندفاع قول المصنف لان رده انما هو بما لم يسلمه الخصم فهو يأول الى المصادرة اعلم ان الحكيم المسدد الملا احمد في تعليقاته على هذا الكتاب نقل ما اورده المحقق اللاهجي هنا ورده وانا احببت نقل كلامهما لغرض وربما اذكر بعد ذلك بعض ما يتعلق بكلامهما :
قال نقل مقال ودفع اشكال - اعلم ان الفاضل المحقق اللاهجي قد اورد ههنا اشكالا وزعم انه من اعظم الاشكالات فقال في كتابه المسمى بشوارق الالهام : قد صرح كافتهم بان الوجود ليس الا نفس تحقق الماهية لا ما به تحقق الماهية ومذهب قاطبتهم ان التحقق مفهوم واحد بديهي التصور فلو كان للوجود فرد يجب ان يكون هو ايضا نفس تحقق الماهية المخصوصة لا ما به تتحقق الماهية المخصوصة وكلما نفرض محققا لا يمكن ان يكون له خصوصية في نفس التحقق فان معنى التحقق واحد في جميع التحققات ولا يمكن ان يتحصص الا بان يكون تحقق هذا وتحقق ذاك وهذا تحصيص حاصل بمجرد الاضافة الى ما هو يتحقق بذلك التحقق وهذا هو معنى الحصة فليس للوجود الا حصص متكثرة بالاضافة الى الماهيات المتكثرة وهذه الحصص ليست الا نفس مفهوم التحقق مع قيد الاضافة الى الماهية انتهى كلامه رفع مقامه وحاصل الاشكال ان هذه الطائفة يقولون بان الوجودات حقائق متخالفة متكثرة بانفسها لا بمجرد عارض الاضافة ويقولون ان المطلق والحصة خارجان عن تلك الوجودات فهناك امور ثلاثة مفهوم الوجود وحصصه المتعينة باضافته الى الماهيات والوجودات الخاصة المتخالفة ونسبة الاول الى الثاني نسبة الذاتي الى ذي الذاتي فان الوجود المطلق داخل في حصصه والحصص هي ذلك المفهوم مع قيد الاضافة ولكن هما خارجان عن الوجودات الخاصة عرضيان بالنسبة اليهما كما مر سابقا والحال انه يلزم عليهم بناء على ما اعترفوا به من تلك المقدمات ان لا يكون الوجودات الخاصة الا الحصص فيلزم مخالفة جميع ما نقل عنهم وبالجملة على ما قال يلزم عليهم ان يكونوا قائلين بالمتناقضين هذا هو الاشكال ونقول في دفعه ان الوجود الذي ليس الا نفس التحقق لا ما به تتحقق الماهية هو مفهوم الوجود العام البديهي الذي هو من ثواني المعقولات بالمعنى الاعم والفرد الذي قالوا به هو ما تتحقق به الماهية لا بانه امر ينضم الى الماهية فتصير موجودة بان يكون صفة موجودة في الخارج منضمة الى الماهية فيه كالحال في السواد بالقياس الى الجسم فانه باطل ضرورة بل بان الوجود بذاته موجود والماهية متحدة به وموجودة بنفسه لا بغيره كما مر وهو كما انه فرد لما تتحقق به الماهية فرد للتحقق ايضا بمعنى انه ينتزع من حاق ذاته ولهذا يحمل عليه فلا اشكال اصلا هذا انتهى كلامه في تعليقاته
واقول اما قول المحقق اللاهجي في تصريح كافتهم بان الوجود ليس الا نفس تحقق الماهية فليس بصحيح لتصريح اكثرهم بغير ذلك على وجوه متعددة نعم بعض اطلاقاتهم يراد منه ذلك واما ان مذهب قاطبتهم بان التحقق مفهوم واحد بديهي التصور فصحيح وتوجيه الاشكال مبني على تسليم انهم لا يعنون بالوجود الا التحقق وهو غير ثابت بل المعروف من اطلاقهم انهم يطلقون الوجود ويريدون به مرة التحقق وتارة المعنى العام وتارة البسيط وتارة المطلق وتارة الفرد وتارة الحصة الى غير ذلك واما توجيه صاحب التعليقات للاشكال بان هذه الطائفة يقولون بان الوجودات حقائق متخالفة متكثرة بانفسها لا بمجرد عارض الاضافة فالنقل عنهم صحيح ومعناهم باطل فان الادلة النقلية والعقلية تفيد على جهة القطع بان تلك الوجودات انما تعددت وتمايزت بما لحقها من الاضافات بل لم تتحقق الا بذلك وان الحصة داخلة فيها واما المطلق فاذا اريد به المفهوم كان عارضا وان اريد به المصداق على قول بعضهم فهو داخل وستعرف تفصيل ذلك من خلال كلامنا في هذا الشرح انشاء الله تعالى وفيما مضى اشارة الى بعض ذلك واما ان الوجود المطلق داخل في حصصه والحصص هي ذلك المفهوم مع قيد الاضافة فالحق فيه ما ذكرنا وقوله يلزمهم بناء على ما اعترفوا به من تلك المقدمات الا تكون الوجودات الخاصة الا الحصص فالحق فيه ان الحصص موجودات في الخارج بقوابلها ومشخصاتها وهي حصص اجزاء لا حصص جزئيات لانها من كل لا ( من خل ) كلي وقد قدمنا الاشارة الى بعض بيان هذه وقوله ونقول في دفعه الى قوله بالمعنى الاعم صحيح وكذا قوله والفرد الذي قالوا به هو ما تتحقق به الماهية على ظاهره واما ما في نفس الامر فقد قدمنا ان الوجود والماهية هو الموجود الخارجي باعتبارين وقوله لا بانه امر ينضم الخ المعروف من كثير ( من خل ) عباراتهم انه امر ينضم الى الماهية كقول المشائين الا من يقول باتحاده معها في الخارج وقوله بان يكون صفة موجودة في الخارج كما يقوله بعض المشائين رد بغير دليل وقوله بل بان الوجود بذاته موجود والماهية متحدة به وموجودة بنفسه لا بغيره قد تقدم الكلام عليه فانها دعاوي من غير دليل وان الوجود هو المادة المطلقة واما انه شيء غير المادة والصورة وهو اصل الشيء وكل الشيء فان قيل بانه صفة عارضة لماهية الشيء وحقيقته فهذا كلام معقول الا انه لا يكون اصلا للشيء ولا كل الشيء بل كما قال بعض المشائين وان قيل بل هو الاصل وكل الشيء وهو غير المادة والصورة فشيء ليس بمعقول لا للمدعين ولا لغيرهم بل لو سئلوا عنه اجابوا بانه لا تدركه العقول والحاصل ان الخصم لا يسلم لهم ولهذا قال بعض بانه صفة وجودية واخرون انه صفة اعتبارية ذهنية وغير ذلك والسبب في ذلك انهم كلما طلبوا لم يجدوا غير امر اعتبار ( اعتباري خل ) او مصدري والدليل على هذه الحيرات مثل قول صاحب التعليقات ولهذا يحمل عليه لان ادلتهم صناعية مرجعها الى مدلولات الالفاظ بدلالاتها اللفظية والمفاهيم وصناعة ترتيب الكلام وكلها لا تغني من الحق شيئا مثل ما اورد بعض المتأخرين على قول الحكماء ان ماهية الواجب لذاته هي الوجود المجرد اسؤلة الاول ان الوجود من حيث هو وجود اما ان يكون مقتضيا لمقارنة ماهية او لا يكون فان كان الاول لزم ان يكون وجود الواجب لذاته مقارنا لماهية وقد مر بطلانه وان كان الثاني لزم ان يكون وجود الممكن غير مقارن لماهية وهو محال وان لم يكن الوجود مقتضيا لاحدهما فيكون كل واحد منهما محتاجا الى سبب فيحتاج تجرد الوجود الواجب الى سبب وكل محتاج الى سبب ممكن فالوجود الواجب لذاته ممكن لذاته هف والثاني والثالث بهذا النمط فتأمل قولهم ان كان الوجود مقتضيا لمقارنة لزم ان يكون الواجب كذا وان لم يكن مقتضيا لزم ان يكون الممكن كذا فهل هذا الا ان الوجود حقيقة واحدة للواجب والممكن والحاصل ادلتهم اوهن من بيت العنكبوت
قال : { المشعر الخامس - في كيفية اتصاف الماهية بالوجود ولعلك تعود وتقول لو كانت للوجود افراد في الماهيات سوى الحصص لكان ثبوت فرد منه للماهية فرعا على ثبوتها بناء على القاعدة المشهورة فيكون لها ثبوت قبل ثبوتها كما مر فاعلم انه لا خصوصية لورود هذا الكلام على عينية الوجود بل وروده على انتزاعية الوجود اشكل لان الوجود عين الماهية على تقدير العينية فلم يكن بينهما اتصاف بالحقيقة وغيرها على هذا التقدير فيكون وصفا لها }
اقول : يريد بكيفية اتصاف الماهية بالوجود بيان ما اتصفت به من الوجود او بيان ما يريد من قولنا بذلك ولعل الاول اوفق بمراد المصنف فصور سائلا عن بيان ذلك على سبيل المعارضة والمنع يقول لم جوزتم اتصافها بالوجود وذلك يستلزم تحققها قبله ( قبل خل ) الوجود او قبل الاتصاف والاول هو المراد و{ لو كانت للوجود افراد في الماهيات سوى الحصص } الخ يعني ان الثابت من مفهوم الوجود والمحصل منه انما هو الحصص التي تتعين كل حصة بما اضيفت اليه واما ان له افرادا متعينة بذاتها من دون قيد الاضافة فلا ولو ثبت فرد منها لماهية لكان ثبوته فرعا على ثبوتها كما هو مقرر في القاعدة المشهورة من ان ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوت ذلك الشيء الذي ثبت له الشيء فتكون ثابتة قبله ولا ثبوت لها بدونه فيكون ( فلا يكون خل ) لها ثبوت قبل ثبوتها كما مر ويلزم التسلسل او ثبوت الشيء قبل نفسه ثم ان المصنف اتى بالجواب مضمنا وصريحا فالمضمن في الزامهم بان هذا السؤال ليس واردا على خصوص قولنا من كون الوجود عين الماهية خارجا بل يرد عليكم على قولكم بالانتزاعي لانه على قولنا بالعيني يكون اتصافها بالانتزاعي العقلي بعد وجودها وتحققها بالحقيقي قبل الاتصاف واذا اتصفت به ح فهي موجودة بالحقيقي ولا يلزم تقدم الشيء على نفسه بخلاف قولكم بالاعتباري فانه غيرها وبه تتحقق عندكم فاتصافها به يلزم منه تقدم وجودها على وجودها فالامر عليكم هنا اشكل فما تجيبونا به فهو جوابنا لكم وهو قوله لان الوجود عين الماهية يعني عندنا فلم يكن بينهما اتصاف بالحقيقة وهو غيرها في التحليل العقلي فتتصف به بعد تحققها بالحقيقي وانما يشكل كيفية الاتصاف على فرض المغايرة لان ( اتصاف خل ) الماهية بالوجود يعني به تتحقق على تقدير ان يراد به الكون المصدري فان تقدمها عليه بحسب مطلق الكون والحصول على مطلق الكون والحصول اذ يلزم منه تقدم كونها على كونها
فلذا قال : { فيشكل كيفية الاتصاف بها لان اتصاف الماهية بالوجود على تقدير ان يراد به الكون المصدري مصداقها نفس حصول الماهية والماهية باي اعتبار اخذت كان لها كون مصدري فلا يتصور تقدمها بحسب مطلق الكون على مطلق الكون بخلاف ما اذا كان الوجود امرا حقيقيا وللماهية تحصلا عقليا غير وجودها }
اقول : يعني انه يشكل عليهم كيفية الاتصاف لان اتصافها بالوجود على تقدير ان يراد به الكون المصدري مصداقها اي مصداق ذلك الاتصاف نفس حصولها لانكم اذا لم تريدوا به الكون المصدري لا مناص لكم عن الحقيقي اذ المراد اما ما به الاتصاف او ما به التحقق فاذا اردتم المعنى المصدري باي اعتبار اخذت الماهية ذهنية او خارجية كان لها كون مصدري وح لا يتصور تقدمها بحسب مطلق الكون على مطلق الكون بخلاف ما اذا كان الوجود امرا حقيقيا وللماهية تحصل عقلي غير وجودها فلا يلزم تقدم الشيء على نفسه لان ما به التحقق غير ما به الاتصاف وهذا هو الجواب المضمن للالزام اي قوله ضمنا فجوابكم لنا بما الزمناكم بسؤالكم جوابنا لكم عما اوردتم علينا
قال : { لكن الحقيق بالتحقيق ان الوجود سواء كان عينيا او عقليا نفس ثبوت الماهية ووجودها لا ثبوت شيء او وجوده لها وبين المعنيين فرق واضح والذي تجري فيه القاعدة المذكورة هو ثبوت شيء لشيء لا ثبوت شيء في نفسه فقولنا زيد موجود كقولنا زيد زيد فلا تجري فيه قاعدة الفرعية }
اقول : هذا هو الجواب الصريح وهو ان القاعدة المشهورة لا يدخل حكم الوجود فيها لانها انما تتناول ما كان فيه تغاير والوجود مع الماهية في الخارج شيء واحد فلا يدخل تحت القاعدة المشهورة واعلم ان المصنف قد اثبت في عنوان كلامه هذا كون الوجود صفة فقال : المشعر الخامس في كيفية اتصاف الماهية بالوجود وكذا في توجيه الاشكال على الخصم وليس على وجه الحكاية بل ظاهر كلامه ذلك على تقدير ارادة الكون المصدري وكذا في حكم التحليل الذهني فانه قد اثبت لها وجودا ما قبل الحمل الذهني كما اشار اليه فيما سبق وكذلك قوله في هذا المشعر وللماهية تحصل عقلي غير وجودها على ما عندنا وهنا في هذا الجواب الذي عناه بقوله { الحقيق بالتحقيق } نفي ذلك بعبارة لا تدل عندنا دلالة قطعية وان كان لا يريد الا القطع بقوله { ان الوجود سواء كان عينيا او عقليا نفس ثبوت الماهية ووجودها } وهذا لا اشكال فيه عند الخصم فان الخصم ايضا يقول ان الوجود نفس ثبوت الماهية والمصنف يريد الاتحاد لانه يريد انه هو كونها وتحققها اي هو هي لانه اذا اعتبر لها مفهوما مغايرا لمفهوم ثبوتها كان عارضا لها في الخارج كما هو عارض لها في الذهن والخصم لا يفيد قوله ثبوتها نصا (ظ) في الاتحاد وهذا في الحقيقة لا يفيده لفظا والذي يفيده ان يقول ان الوجود هو الماهية لا ان يقول هو نفس ثبوتها فانهم يقولون ان ثبوتها غيرها وهو محمول عليها وصفة لها فرجع جوابه اعترافا لانه اذا ثبت كونه صفة كان ثبوتها فرعا على ثبوت الموصوف وهذا ظاهر وان كان لا يريد الا الاتحاد ليتم له المراد
وقوله { لا ثبوت شيء لشيء } على ظاهره ان الوجود اذا كان هو ثبوتها كان ثابتا مغايرا لها نعم مثل هذا التدقيق في العبارة يتسامحون فيه واكثر ما يقع مثل ذلك غفلة لا تسامحا والدليل على ان هذا وقع منه غفلة قوله { والذي تجري فيه القاعدة المذكورة هو ثبوت شيء لشيء لا ثبوت شيء في نفسه } فان المطابق لثبوت شيء في نفسه ان يقول ان الوجود نفس الماهية ولا شك ان الوجود ليس هو الماهية قطعا وانما ادعي الاتحاد لعدم الوقوف على الفارق في الخارج ولما يلزمه من الالزامات التي لا يتخلص منها على زعمه الا بالاتحاد وقد ذكرنا مرارا ونذكر انه مغاير لها في الخارج باختلاف اثار الشيء الواحد الطبيعية اختلافا بالتضاد ولا يحصل ذلك بالاتحاد والحاصل مراده ان ما يدخل تحت تلك القاعدة هو ثبوت شيء لشيء لا ثبوت شيء في نفسه واعترض على المصنف بان قولك الماهية موجودة قضية ولا بد لكل قضية من نسبة فيدخل تحت القاعدة واجاب في رسالته الموضوعة لبيان كيفية اتصاف الماهية بالوجود بان ذلك بحسب تفصيل اجزاء القضية واعتبارات الاطراف بحسب المفهوم لا بحسب مفاد الحكم ومصداق القضية فانه اذا قيل زيد زيد فهو من حيث مفهوم القضية وانه حكم بين امرين لا بد له من اعتبار اجزاء ثلاثة هي الطرفان والرابطة وليس الكلام فيه انما الكلام فيما يدخل في مصداق الحكم فبعض الاحكام مما ليس يتحقق فيه الا ذات الموضوع فقط كقولنا زيد زيد وزيد حيوان لان الطرفين فيهما شيء واحد بالذات ماهية ووجودا او وجودا فقط ومن هذا القبيل زيد موجود فان مصداقه ماهية الموضوع ووجوده لا غير والمحمول اذا كان نفس الوجود فلا حاجة الى رابطة اخرى لان جهة الاتحاد والربط هو الوجود ليس الا واذا حمل غير الوجود على موضوع احتيج الى وجود يقع به الرابط ما بينهما واما اذا حمل الوجود فلا حاجة الى وجود اخر يصير رابطة بينهما انتهى واقول ان هذا الجواب وبيان وجه الاتحاد بين الوجود ونفسه فهي صحيح لا اشكال فيه الا ان تعليله ينقض تقريره في قوله : كقولنا زيد زيد وزيد حيوان لان الطرفين فيهما شيء فان كلامه في هذا المثال صحيح ولكنه في الوجود والماهية ليس بصحيح لان الوجود ليس هو الماهية لان الوجود وجه الشيء من ربه واعتباره من جهة صانعيته والماهية وجه الشيء من جهة نفسه وهويته اذ لو كان هو الماهية لكان موجودا بغيره كالماهية والا كانت بنفسها لا بالوجود على ان الماهية لو صدقت على الوجود فان كان صدقا صناعيا كما هي عادتهم لم تتحد به في نفس الامر وان كان حقيقيا لم يكن عارضا في الذهن كما انه لا يمكن في قولك زيد زيد ان يعرض المحمول للموضوع في الذهن الا باعتبار عوارض خارجة كما تتصور مثلا ان زيدا المسئول عنه او المخبر به هو زيد المعلوم او بالعكس يعني باعتبار امر خارج تلحقه بالموضوع او المحمول لاجل صحة الحمل في الصورة وهو في الحقيقة عروض اعتبار وصف لموصوف لا نفس الذات فتفهم الكلام ولا تكتفي بمجرد العبارة
واعلم ان هذه القاعدة المشهورة انما قررت فيما يعتبر فيه التغاير بالحقيقة ولو عرض عليها ما تغايره بالاعتبار لم يدخل تحتها الا بجهة التغاير الاعتباري الذي هو منشأ للتغاير وليس لك مع الانصاف اذا ادعى الخصم دخول ما تغاير بالاعتبار تحتها ان تعارضه بالاتحاد يعني مع قطع النظر عن ذلك الاعتبار مثل كون الوجود موجودا بنفسه فانه في الحقيقة ليس شيئا غير نفسه فاذا ادعى الخصم الدخول باعتبار مفهوم الحمل فان الوجود موجود تعارضه بجهة عدم المغايرة فانه وجد بنفسه ولا نريد بالحمل الا هذا المعنى ولو انه ادعى الاتحاد ليخرج عن القاعدة عارضته باعتبار المغايرة لان هذه الطريقة لا يحقق بها العلم وانما يحقق بها الجهل فان هذه طريقة المغالبة وليس كل قاعدة صحيحة ولا كل من اعتبر بها العلم مقتصد فان العلماء اي المسمين بالعلم على اربعة اصناف صنف اذا اوردت عليه المسئلة انكرها لغرض نفساني وهذا لا يكاد يصيب الحق وصنف ليس هكذا ولكنه انس من تلك المسئلة بخلاف ما اوردت عليه ولا تقدر نفسه على مفارقة ما انست به فيتكلف الرد وهذا كالاول وصنف ليس كالاولىن ولكنه يزنها بما عنده من القاعدة فما وافق قاعدته قبله وما لم يوافق لم يقبله وهذا كالاولىن اذ لعل الغلط في قاعدته او في تفريعه عليها وصنف اذا اوردت عليه الكلام تفهمه مع قطع النظر عما تمسك به الاولون وانما يريد معرفة الامر في نفسه وهذا لا يكاد يخطئ الصواب لانه قد احسن النظر وجاهد نفسه لله وفي الله والله سبحانه مؤيده والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ومن وصيتي لك انك اذا سمعت من الاخر الكلام بما هو خلاف ما عندك او الاعتراض عليك فتفهم ما يقول واياك ان تكون حين كلامه مشتغلا في نفسك باعداد الجواب او النقض فتكون قد اشتغلت عن فهم كلامه لان استعدادك لمعارضته حجاب لك يمنعك من فهم كلامه ومن التوفيق لاصابة الحق فان العلم ليس بكثرة التعلم وانما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء كما روي عنه صلى الله عليه واله قيل وهل لذلك من علامة قال (ص) التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ه وهذه القاعدة المشار اليها ليست جارية على حقيقة نفس الامر وانما هي مبنية على ما يفهم من صناعة المحمولات والموضوعات وعلى ان الامور الاعتبارية ليست شيئا متحققا وعلى اصلاحات ( اصطلاحات خل ) وترتيبات لا يفيد من تعلمها شيئا من النور وانما تفيده قوة الجدل والمطارحات الكلام وسهولة التعبير وامثال ذلك مما ليس لها في شيء من الحق تعلق ولا ارتباط ولكن رسول الله صلى الله عليه واله قال لسراقة بن مالك اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله فقول المصنف { فلا تجري فيه قاعدة الفرعية } لا تجري فيه قاعدة الاصلية ايضا فان ثبوت زيد لزيد هو ثبوت زيد وثبوت الوجود لزيد هو ثبوت زيد وثبوت الوجود للماهية ليس هو ثبوت الماهية يعني ليس هو الماهية لان غير الماهية لا يكون عينها بوجه واحد بوجه من الوجوه الا باعتبار اخر بان تقول هذا الشيء هو الوجود باعتبار كونه اثر فعل الله سبحانه وهو الماهية باعتبار هويته في نفسه وانيته فقول امير المؤمنين صلوات الله عليه من عرف نفسه فقد عرف ربه للنفس المذكور لحاظان فان لحظت انها هي هي فمن عرفها لم يعرف ربه فان زيدا اذا عرف انه هو لو عرف بهذا ربه كان المعنى انه عرف ربه بنفسه وهذا كفر صريح وان لحظت انها اثر فعل الله ونور الله عرف ربه فان معرفة الاثر دالة على وجود المؤثر والنور دال على المنير ومثال اخر لهذا اوضح اذا نظر الى الرمح مثلا ان لحظت كونه طويلا لم تعرف به الله لان الله سبحانه لا يعرف بالطول وان لحظت انه اثر فعل الله سبحانه عرفت الله به لانه اثر والاثر يدل على المؤثر واما كون الوجود هو الماهية بلحاظ واحد فهو ظاهر الفساد صاد عن طريق الرشاد فافهم هذا الكلام المكرر المردد
قال : { والجمهور حيث غفلوا عن هذه الدقيقة وقعوا فيما وقعوا من الاضطراب وتشعبوا في الابواب فتارة خصوا القاعدة الكلية القائلة بالفرعية بما سوى صفة الوجود وتارة هربوا عنها وانتقلوا الى الاستلزام بدل الفرعية وتارة انكروا ثبوت الوجود اصلا لا وصفا ولا عينا قائلين انه اعتبار مجرد الوهم الكاذب واختراعه لان مناط صدق المشتق اتحاده مع الشيء لا قيام مبدء الاشتقاق لان مفهوم المشتق كالكاتب والابيض امر بسيط يعبر عنه بالفارسية بدبير وسفيد فكون الشيء موجودا عبارة عن اتحاده مع مفهوم الوجود لا قيام الوجود به قياما حقيقيا او انتزاعيا ولا يحتاج الى وجود اصلا }
اقول : قوله { وتشعبوا } يعني قالوا اقوالا مختلفة لاجل غفلتهم عن الفرق بين ما هو متحد الذات ( بالذات خل ) والمتغاير كما تقدم فتارة خصوا القاعدة اعني ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوت ما له الثبوت فلما وجدوا ان الوجود متحد بالماهية خصوها بما سوى الوجود فانه لا تكون هذه صفته وتارة هربوا عن ذلك والتجئوا الى الاستلزام اي بان ثبوت شيء لشيء يستلزم ثبوت ما له الثبوت يعني يكون اتصاف الماهية بالوجود مستلزم ( مستلزما خل ) لحصولها والا لم يحسن الثبوت لغير ثابت زعما منهم انهم التجئوا الى ركن وثيق وعندنا لو ارادوا المساوقة لصح قولهم كما في معنى الكسر والانكسار وتارة انكروا ثبوت الوجود اصلا لا وصفا ولا عينا تمسكا بالقاعدة بانه لو كان موجودا لوجب دخوله تحتها ولو كان كذلك لزم ما تقدم من التسلسل او توقف الشيء على نفسه قائلين انه مجرد اعتبار الوهم الكاذب واختراعه واعتبار الذهن اذا لم يطابق نفس الامر كان كاذبا واختراعه لانه لو كان انتزاعيا كان اصله الخارجي ثابتا ولو كان عينيا كان له مصداق غير عارض ولا معروض او عارض فيلزم المحذور المتقدم في اسؤلة او معروض فيخالف ذهنيه وعللوا العدم بان صدق المشتق كالابيض والكاتب على الشيء اتحاده به فليس الا الشيء لا قيام البياض والكتابة بالشيء فان مفهوم الكاتب والابيض المعبر عنه بدبير وسفيد امر بسيط فليس مناط صدقه قيامه بالشيء بل اتحاده فكون الشيء موجودا عبارة عن اتحاده مع مفهوم الوجود لا قيام الوجود بذلك الشيء ليكون الوجود شيئا مغايرا لذاك الشيء بل ليس قائما لا قياما حقيقيا ولا انتزاعيا فان الشيء بنفسه قائم في الاعيان ولا يحتاج الى وجود اصلا نعم هو اعتباري ذهني اي نعتبر وجود الشيء خارجا في الذهن هذا ظاهر ما حكاه المصنف عن هذا من قوله او لازم قوله واعلم ان ما اشار اليه هذا القائل كله خطأ على مراده ومراد خصمه واما على مرادنا ففيه صواب وفيه خطأ فاما قوله ان صدق المشتق هو اتحاده فليس بصحيح فاين الصفة الخارجة من الذات بل صدقه قيام مبدئه بالشيء واما ان كونه موجودا عبارة عن اتحاده به فصحيح على معنى ما ذكرنا سابقا من ان الوجود الحقيقي عبارة عن المادة المطلقة وهي باعتبار حقيقة مصداقه على قسمين موصوف وصفة فالمواد وجود موصوفي والاعراض والصور والنسب ومبادي المشتقات والمفاهيم والكليات والمعقولات الثانية والانفعالات والاوضاع والاجال والامكانات والامور الاعتباريات والانتزاعيات وما اشبه ذلك كلها وجودات صفاتية والكل موجود بالوجود الخارجي وماهيات كل الاشياء موجودات في الخارج وهي الاشياء انفسها باعتبار هويتها وانيتها وكنهها من حيث هي هي ويدخل في لحاظ مسمى الوجود كل ما سوى الله من حيث كونه اثر فعله ويدخل في مسمى الماهية كل ما سوى الله من حيث هو هو وقول امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه اراد بها النفس التي هي اثر لفعل الله تعالى وهي الوجود لا نفسه التي هي هي من حيث نفسه فان الله لا يعرف بها ولا نريد ان من عرف وجوده عرف ربه لان الوجود ليس مقولا على الله وعلى العبد بالاشتراك المعنوي ولا اللفظي ولا نسبة بين الرب وبين العبد بوجه من الوجوه وانما نريد انه اثر يدل على المؤثر فمن لم يعرف نفسه بانه اثر لم يعرف نفسه ولم يعرف ربه والحاصل ان كل ما سوى الله فهو مخلوق وموجود في الخارج ووجود والله سبحانه خالق كل شيء وضع سبحانه كل شيء في المحل اللائق به فوضع الجواهر والاجسام في امكنتها ووضع الاعراض في معروضاتها ووضع الذهنيات في محالها وهي الاذهان وتفصيل هذه حتى يزول الاشكال عما هو خلاف المعروف عند الاكثر مما يطول به الكلام ولكن نشير الى نبذ في مواضع متفرقة يوفق الله سبحانه من يشاء لفهمها ويمنع منها من لم تسبق له العناية منه وانا اسئل الله عز وجل ان يوفق من نظر في كتبي ممن يريد الحق لما يريد به الخير وسعادة الدارين
قال : { فالواجب عند هذا القائل عين مفهوم الموجود لا عين الوجود وكذا الممكن الموجود وكذا في جميع الاتصافات بالمفهومات والفرق بين الذاتي والعرضي من المشتق عنده بكون الاتحاد في الوجود الذي هو مناط الحمل عندنا في الذاتيات بالذات وفي العرضيات بالعرض اذ لا وجود عنده بل بان مفهوم الذاتي هو الذي يقع في جواب ما هو والعرضي هو الذي لم يقع فيه وهذا كله من التعسفات }
اقول : يريد ان هذا القائل عنده ان الواجب عز وجل عين مفهوم الموجود لا عين الوجود واقول اي منع ومحذور في ان الواجب هو نفس الموجود الحق لا انه مفهوم بل هو المعلوم وهو الوجود وعين الوجود ومن اراد بالواجب عز وجل غير الموجود المعبود بالحق فقد الحد وكفر واشرك فهو هو لا غيره وكذا من جعله تعالى هو الوجود المغاير للموجود الحق
وقوله { وكذا الممكن الموجود } فانه هو عين وجوده الا انه يحلله العقل الى ماهية والى مفهوم الوجود بخلاف الواجب فانه مع ذلك لا يمكن ان يحلله ( العقل خل ) الى ماهية والى مفهوم الوجود وكل هذا لا بأس به فانه حق على ما قررنا
ثم قال المصنف ان هذا القائل عنده الفرق بين الذاتي والعرضي في الاتحاد ليس انه في الذاتيات بالذات وفي العرضيات بالعرض كما هو عندنا لاثباتنا للوجود الذي هو مناط الحمل بل بان مفهوم الذاتي في الاتحاد هو الذي يقع في جواب ما هو ومفهوم العرضي هو الذي لم يقع فيه اذ لا وجود عنده فلا فرق بين الاتحادين عنده الا بالدخول في جواب ما هو وعدمه اقول والاولى في شأن الحمل اعتبار المصنف في نفس الحمل بالاتحاد في الذاتي بالذات وفي العرضي بالعرض واعتبار القائل ايضا في الدخول وعدمه لعدم المنافاة بينهما فان الاول بيان نفس الاتحاد والثاني بيان تعريفه والعبارة عنه فالحيوان هو الضاحك لا فرق بينهما الا ان الحيوان يدخل في جواب ما هو بخلاف الضاحك هذا قول القائل والظاهر انه غير مناف لكلام المصنف الا بالتعبير لان الدخول للاتحاد الذاتي والخروج للعرضي
وقوله { وهذا كله من التعسفات } يحتمل الاشارة الى ما وقعوا فيه والى خصوص هذا القائل والثاني اظهر
قال : { اشراق حكمي - وجود كل ممكن عين ماهيته خارجا ومتحدا بها نحوا من الاتحاد وذلك لانه لما ثبت وتحقق بما بينا ان الوجود الحقيقي الذي هو مبدء الاثار ومنشأ الاحكام وبه تكون الماهية موجودة وبه يطرد العدم عنها امر عيني فلو لم يكن وجود كل ماهية عينها ومتحدا بها فلا يخلو اما ان يكون جزءا منها او زائدا عليها عارضا لها وكلاهما باطلان لان وجود الجزء قبل وجود الكل ووجود الصفة بعد وجود الموصوف فتكون الماهية حاصلة الوجود قبل نفسها ويكون الوجود متقدما على نفسه وكلاهما ممتنعان ويلزم ايضا تكرير نحو وجود شيء واحد من جهة واحدة او التسلسل في المترتبات المجتمعة من افراد الوجود وهذا التسلسل مع استحالته بالبراهين واستلزامه لانحصار ما لا يتناهى بين حاصرين اي الوجود والماهية يستدعي المدعى بالخلف هو كون الوجود عين الماهية في الخارج لان قيام جميع الوجودات بحيث لا يشذ عنها وجود عارض يستلزم وجودا لها غير عارض والا لم يكن المفروض جميعا جميعا بل بعضا من الجميع }
اقول : قوله { وجود كل ممكن عين ماهيته } هذه دعواه المتكررة يريد ان يبرهن عليها ليخرج من اسم الدعوى الى حكم الحقيقة ومعنى هذا ان وجود زيد ماهيته وقوله ومتحدا بها نحوا من الاتحاد ينافي الاول لان مفاد الثاني ان الاتحاد طار على التغاير سواء كان بالذات او بالاعتبار وان معنى نحوا من الاتحاد انه لا مطلقا بل في حالة او بجهة وكل هذا مناف للعبارة الاولى ولعل هذا النحو هو المبين في التعليل من انه به تكون موجودة وبه يطرد عنها العدم وكل هذه منافية لكون الوجود عين الماهية لان المعروف من كون شيء عين اخر انهما اسمان على معنى واحد وما كان هكذا لا يخالف الاعتبار الذهني الا عند ضم شيء يكون منشأ للمغايرة الذهنية
واما كون الوجود الحقيقي منشأ للاثار والاحكام فيحتمل احد امرين اما انه اذا حصل للماهية نشأت عنها ومنها الاثار والاحكام او انه اذا حصل نشأت عنه ومنه الاثار والاحكام فان اراد الاول كان الشيء حقيقة هو الماهية واما الوجود فانه علة كونها وعلة الكون قد تكون فاعلية او غائية وهما خارجان عن حقيقة الشيء فلا يكونان عينا لها ولا جزءا منها فان حركة يد الكاتب والانتفاع بالكتابة ليسا جزئين لها مع انها بهما كانت ولا يكون عين حقيقة الشيء الا ما كان من علل الماهية كالمادة والصورة وان اراد الثاني فقد ذكرنا سابقا ان الاثار والاحكام انما تترتب على الصورة لا على المادة فان جعله كالمادة لم تترتب عليه الاثار وان كان سببا لنشوئها وان جعله كالصورة فقد بينا سابقا انها عارضة للمادة ولاحقة بها كما مثلنا وقلنا انها الام وان المادة هي الاب بعكس المعروف عندهم وذكرنا هناك الدليل عقلا ونقلا عن ائمة الهدى عليهم السلام وعلى هذا لا تكون الماهية سابقة الثبوت على الوجود كما ان المادة كذلك وعلى كل تقدير فكونها به لا بغيره لا يفيد العينية المدعي ثبوتها فتدبر
وقوله { فلو لم يكن وجود كل ماهية عينها ومتحدا بها فلا يخلو اما ان يكون جزءا منها } الخ يقال هو ليس جزءا منها ولا زايـٔدا عليها عارضا لها لانه لو كان جزءا لكانت مركبة منه ومن شيء اخر لا انه يلزم منه تقدمه على نفسه لان كونها نفسه محل النزاع سلمنا لكن اذا لم يكن متقدما عليها لم تكن به كما يقولون وانما يلزم من كونه جزءا لها انها مركبة منه ومن شيء اخر وعلى قوله بان الوجود عين الماهية اي الشيء يظهر مما قررنا سابقا لزوم كونه جزءا منها لانا قد قررنا ان الشيء الذي هو الماهية منضمة او منفردة او هو الوجود منضما او منفردا مركب من وجود وماهية هي انفعاله لفعل الفاعل سبحانه كالكسر والانكسار وهو معنى قول الحكماء المتقدمين الذي ( الذين خل ) اخذوا حكمتهم من الوحي بواسطة الانبياء عليهم السلام ان كل شيء محدث لا بد له من اعتبار من جهة ربه واعتبار من جهة نفسه ومرادهم بما من ربه هو الوجود المنفعل بفعله تعالى وبما من نفسه هو انفعاله المسمى بالقابلية الاولى والماهية الاولى في الخلق الاول ومجموعهما هو الشيء وهذا ظاهر ثم الماهية الثانية هي هذا المجموع من حيث هو هو وهو الوجود من حيث كونه اثرا فلا مفسدة في كونه جزءا منها واما ارادة الاتحاد في الخارج فهو شيء لا معنى له لوجوه ذكرنا منها سابقا مثل انه يلزم ان لا يحلله العقل الا على معنى ما قلنا مثل ان المتحد المدعي مثل السرير فانه شيء واحد متحد ويحلله العقل الى مادة من الخشب وصورة معينة وهي متحللان في الخارج وكذلك مادة السرير هي شيء واحد في الخارج ولا يحلله الذهن الا بلحاظ كون الخشب الخارج مركبا من مادة وصورة نوعية وهي ايضا متحللة في الخارج فكونها واحدة وكونها مركبة انما هو باعتبارين في الذهن وفي الخارج فلو قلت في الخارج شيء واحد قلنا من حيث شخصيته فلو لحظته في الذهن من هذه الحيثية لم تجد الا بسيطا فالتحليل وامكانه فرع وقوعه فما امكن تحليله ذهنا فهو مركب خارج وما لم يمكن تركيبه كالواجب عز وجل لم يمكن تحليله في الذهن فافهم واسئل الله انك تفهم
واما كونه عارضا لها فيراد من العارض الوجود العارض اللازم للذات الخارج عنها وهو الكون والحصول في الاعيان لا ما به الكون فانه هو الشيء باعتبار والماهية باعتبار اي والماهية هي الشيء باعتبار كما تقدم
فقوله فتكون الماهية حاصلة قبل الوجود اي على فرض انه عارض فانه صفة وهذا ايضا كالاول يعني ان اردت به الكون في الاعيان فلا عيب في عروضه وسبقها عليه لانه صفتها وان اردت به ما به الكون فهو نفس الشيء لا على معنى ما ذكر المصنف بل على معنى ان الشيء انما هو شيء به لا بغيره وهذا هو الذي لا يجري عليه التحليل الذهني لان التحليل الذهني انما يجري على المتعدد في نفس الامر والاتحاد الذي اشار اليه المصنف هو لمتعدد في نفس الامر لانه يريد به شيئين كانا بالاتحاد واحدا احدهما شيء وجد بنفسه لا بغيره سماه الوجود والثاني شيء وجد بغيره لا بنفسه سماه ماهية وجعل علة الاتحاد كونها به لا بنفسها كما ذكر في قوله وبه تكون الماهية موجودة وبه يطرد عنها العدم فلا تتوهم انه يريد ما اردنا لانا نقول ان الشيء انما شيء به لا بغيره فاذا اردنا ان نسميه على الخلق الاول منفعل وانفعال اي وجود وماهية اي مادة وصورة اي مقبول وقابل كلها على ما فصلنا واذا اردنا ان نسميه على الخلق الثاني قلنا شيء له جهتان جهة من ربه وجهة من نفسه اي كونه اثرا هو وجود وكونه هو هو ماهية فاين قولنا من قوله فلا تتوهم ان الارادتين متفقتان وان اختلف اللفظ بل الاختلاف بيننا ( وبينه خل ) في اللفظ وفي المعنى وفي الارادة
وقوله { ويلزم ايضا تكرير نحو وجود واحد من جهة واحدة } اي يلزم على فرض انه جزء مع لزوم التقدم تكرير وجود الشيء فان هذا الجزء وجود وما به الماهية وجود فيتكرر نحو اي نوع او طريق وجود واحد للماهية الواحدة حاصل من الجزء المفروض ومما به تحصلت فان كلا منهما محصل وكذا يلزم التكرير من فرض كونه عارضا فان معروضه موجود والعارض عليه وجود فيتكرر الوجود من جهة واحدة اي جهات تعلقه مختلفة بل انما هو الماهية فقط وهذا لازم على فرض تسليم فرضه واما على نحو ما بينا فقد اشرنا سابقا الى ما يلزم منه نفي التكرير من انه ان اراد بالجزء على تصوير ما يتعلق بالخلق الاول فقد قلنا سابقا ان الشيء مركب من وجود وماهية اولى اي انفعاله فالوجود احدث بفعل الله سبحانه فهو في حقيقته اثر فعل الله واما هذه الماهية التي هي الانفعال فانها خلقت من نفس الوجود من حيث هو كما مثلنا في نور الشمس والظل الظاهر من الجدار بها وقلنا هناك انه اثر لفعل الله الخاص به والماهية اثر لفعل الله سبحانه انشأه من الفعل الذي احدث به الوجود من صفته فهو واحد من سبعين كما تقدم فلا يكون تكريرا وعلى تصوير ما يتعلق بالخلق الثاني فعلى نحو الخلق الاول ما ترى في خلق الرحمن ( من خل ) تفاوت وان اراد بالعارض الصفة فالصفة من الموصوف والتابع من المتبوع والنور من المنير والمندوب من الواجب وهكذا كلها على نمط واحد كالاول فاين التكرير
وقوله { او التسلسل في المترتبات المجتمعة } الخ يعني به انك اذا فرضته جزءا او عارضا فانقل الكلام الى كل منهما على نحو ما فرضت في الوجود مع الماهية فتلزم افراد مترتبة لان كلا منها به الكون لما هو بعده لانها وجودات مؤثرة ومجتمعة لان ما هو وجود لا يكون معدوما فتحصل الاجزاء والعوارض الوجودية المؤثرة على جهة الترتيب المجتمعة الحصول لانها وجودات الى غير النهاية محصورة الدوران بين الوجود والماهية وهذا باطل بالاتفاق وهذا انما يتم له مع موافقته في الاحتجاج واما مع موافقته في مذهبه فلا يتم له لانه على مذهبه لا يحتاج الوجود الى وجود وان احتاج غيره اليه فلا تسلسل فكلامه اما ان يكون ردا على الخصم بما هو مسلم عنده او مصانعة في الكلام فعلى مذهبه لا يلزم التسلسل وعلى مذهبنا بالطريق الاولى
وقوله { وهذا التسلسل مع استحالته بالبراهين } اذا ثبت لزومه فهو مستحيل ودعوى لزومه هنا غير مسلم كما سمعت قال { يستدعي المدعي } اي ( ان خل ) يثبت المدعي بالخلف اي بقياس الخلف وهو انه اذا لم تصدق نتيجة الاول في القياس اعني كون الوجود جزءا او عارضا للزوم المفسدة من كون الماهية حاصلة الوجود قبل نفسها وكون الوجود متقدما على نفسه ولزوم تكرير نحو وجود واحد من جهة واحدة او التسلسل المستحيل صدق نقيضها وهو ان الوجود ليس بجزء للماهية ولا عارض لها زائد عليها بل هو عين الماهية في الخارج وهذا كله على فرض صحة الحصر العقلي فيما ذكر ولكن الاحتمالات غير محصورة فيما ذكر بل يجوز ان تكون الماهية عارضة على الوجود كما نقله المصنف عن الصوفية وان تكون امرا اعتباريا وهو متأصل كما يظهر من كلامه في بيان جعل الوجود وان تكون جزءا من الوجود فعلى الاول لا يثبت الاتحاد الا على قول القائل الذي لم يثبت الوجود اصلا بعدم الفرق بين الذاتي والعرضي الا في دخوله في جواب ما هو وعدمه واما اتحاد العرض عنده فانه عرضي وهو مناف لما يريد من الاتحاد وعلى الثاني كذلك ايضا لان الاتحاد انما هو بين الوجوديين ( الوجودين خل ) واما بين وجود وعدم فلا وعلى الثالث فعندنا لا بأس به على اعتبار وهو ما اذا اردنا بها الماهية الاولى التي قلنا هي الانفعال والصفة والصورة فقد قدمنا انها وجود صفتي والمادة وجود موصوفي هذا في الخلق الاول واما في الخلق الثاني فغير جائز على قولنا لانا نريد بها كل الشيء من حيث نفسه والوجود كل الشيء من حيث كونه اثرا نعم لو اعتبرنا الشيء بانه هو مجموع الاعتبارين كانت جزءا لكنها جزؤ للشيء لا للوجود ولو صورنا جوازه امكن اذا اردنا الا انه بمغالطة لا نطلبها بحول الله وقوته لا بحولنا وقوتنا لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم واذا احتملت هذه الاحتمالات بطل ما استدل به من قياس الخلف مع انا كثيرا ما نقول ان الاحكام المنطقية وقواعدها انما تصلح للعلوم الشرعية وما اشبهها واما العلوم الالهية والاسرار الربوبية فلا يصلح علم المنطق كله ان تكون آلة لها وبرهان كلامي ان كنت تعقل ان علم المنطق بنيت قواعده على مدارك العقول والافهام وهي قاصرة عن ادراك معرفة الملك العلام وانما يعرف بنحو ما وصف به نفسه لعباده وماوصف به نفسه لعباده الا على السنة اوليائه محمد واهل بيته الطاهرين ومحال وحيه من انبيائه صلى الله على محمد واله الطاهرين وعليهم اجمعين ولله در القائل :
اذا شئت ان تختر ( تهوى خ ) لنفسك مذهبا ينجيك يوم البعث من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي ومالك وحنبل والمروي عن كعب احبار
ووال اناسا نقلهم وحديثه مروي جدنا عن جبريل عن الباري
وقوله { لان قيام جميع الوجودات } الخ بيان لما ابطل من كون الوجود عارضا المستلزم للتسلسل ولما استدل به من حكم قياس الخلف على كون الوجود عين الماهية يعني ان جميع ما يفرض من الوجودات العارضة لا بد لها من اصيل تنتهي اليه اي لا بد ان يكون فيها ما ترجع اليه والا لم يكن ما فرض انه جميع الموجودات جميعها بل هو بعضها والبعض الاخر هو الذي ليس بعارض
قال : { فاذا ثبت كون وجود كل ممكن عين ماهيته في العين فلا يخلو اما ان يكون بينهما مغايرة في المعنى والمفهوم او لا يكون والثاني باطل والا لكان الانسان مثلا والوجود لفظين مترادفين ولم يكن لقولنا الانسان موجود فائدة ولكان مفاد قولنا الانسان موجود وقولنا والانسان انسان واحدا ولما امكن تصور احدهما مع الغفلة عن الاخر الى غير ذلك من اللوازم المذكورة في المتداولات من التوالي الباطلة وبطلان كل من هذه التوالي مستلزم لبطلان المقدم فتعين الشق الاول وهو كون كل منهما غير الاخر بحسب المعنى عند التحليل الذهني مع اتحادهما ذاتا وهوية في نفس الامر }
اقول : قوله { فاذا ثبت كون وجود كل ممكن عين ماهيته } هذا لم يثبت فلا يترتب على حكم لم يثبت حكم وليس المراد بالترتب توقفه عليه بل ليكونا ( يكونا خل ) مذهبا خاصا مركبا من مسئلتين فكأنه قال قد ثبت شق فاذا ثبت توجهنا الى الاخر فقيل له ان الاول لم يثبت فارجع اليه او فارجع عنه
وقوله { فلا يخلو اما ان يكون بينهما مغايرة في المعنى والمفهوم او لا يكون والثاني باطل } واقول من اين جاء البطلان لانه ان كان وجود كل ممكن عين ماهيته من جميع الجهات لم يكن بينهما مغايرة فلا يكون الثاني باطلا وان كان وجود كل ممكن عين ماهيته باعتبار او في حال لم يكن بينهما اتحاد من كل جهة فلا يكون الثاني باطلا مطلقا بل في حال دون حال ولا يلزم منه كون اللفظين مترادفين ويكون لقولنا الانسان موجود فائدة وبيان هذا ان الانسان هو الذات المعلومة الذي هو الحيوان الناطق فانت ما تريد بالوجود الذي حملته عليه اهو الناطق ام هو الحيوان ام هما المجموع ام شيء اخر فان اردت به الثالث وانه هو مصداقه لم يكن بينهما مغايرة و ( ان خل ) كان اللفظان مترادفين وان اردت به ما سوى الثالث لم يكن عينه ومثله قولك الانسان موجود وقولك الانسان انسان فان موجود المحمول ان كان هو الانسان اي الحيوان الناطق كان المفاد واحدا والا فليس هو عين الانسان والوجود المحمول هو المعبر عنه بهست بالفارسية او المعنى المصدري وهو في الحقيقة محمول على الماهية المتصفة بذلك وهي وجه الماهية الحقيقية لا ذاتها فالحقيقية هي المتحصلة بالايجاد والمحمول هو المعنى المصدري الذي هو اثر الايجاد والموضوع هو ذلك الوجه والمتحصلة هي الكل هذا مجمله ومفصله ان الوجود الحقيقي ليس هو المحمول بل هو الموضوع والمحمول هو الماهية الاولى اي الانفعال كما ذكرنا ومعنى ذلك انه تعالى لما خلقه انخلق فخلقه هو النسبة من فعل الله وانخلق هو نسبة الممكن من نفسه وكلاهما من صنع الله فوجب الاعتباران في كل منهما فجهة الصنع لهما هو الوجود الحقيقي وهو المعبر عنه بقوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وهو الفؤاد الذي هو محل المعرفة التي ضدها الانكار وجهة الممكن من نفسه من حيث هو هو هي الماهية هذا بلغة اهل الحق عليهم السلام واما بلغة القوم فاذا قلت زيد موجود فالمحمول هو الوجود والوجود الحقيقي هو الموضوع واما المحمول فهو المفهوم المصدري او المعنى البسيط الذي هو هست وليس شيء منهما حقيقة زيد لا وجوده ولا ماهيته بخلاف قولك الانسان انسان فان المحمول هو عين الموضوع فهذا هو عينه في الخارج ولا يكون غيره في الذهن واما موجود في قولك الانسان موجود مثلا فهو غير الانسان ولو كان هو عينه لما حمل عليه ضده فلا يصح اذا كان عينه ان تقول الانسان معدوم فلما جاز ضده علم بان هذا الموضوع يعتوران عليه
وقوله { فتعين الشق الاول وهو كون كل منهما غير الاخر } وهو صحيح كما ان التوالي المذكورة باطلة وكذا تقييده بقوله { بحسب المعنى عند التحليل الذهني مع اتحادهما ذاتا وهوية في نفس الامر } فانه باطل اذ لو اتحدا ذاتا وهوية في نفس الامر لما امكن تحليلهما في الذهن كما لا يمكن تحليل الانسان انسان الا عند تعدد اللفظين بان تتصور لفظ الانسان وتتصور ان لفظ انسان ( الانسان خل ) حمل على الاول مع اتحاد المعنى ذهنا وخارجا
قال : { بقي الكلام في كيفية اتصاف الماهية بالوجود بحسب المغايرة الاتصافية في ظرف التحليل العقلي الذي هو نحو من انحاء وجود شيء في نفس الامر بلا تعمل واختراع وذلك لان كل موصوف بصفة او معروض لعارض فلا بد له من مرتبة من الوجود ويكون متقدما بحسبه على تلك الصفة اذ ذلك العارض غير موصوف به ولا معروض له فعروض الوجود اما للماهية الموجودة او غير الموجودة او لا الموجودة ولا المعدومة جميعا فالاول يستلزم الدور او التسلسل والثاني يوجب التناقض والثالث يقتضي ارتفاع النقيضين }
اقول : لما كان يذهب الى اتحاد الوجود بالماهية خارجا والى تغايرهما ذهنا والى ان الوجود عارض على الماهية في الذهن فذكر الوجهين الاولىن وذكر هنا الثالث فقال { في كيفية اتصاف الماهية بالوجود بحسب المغايرة الاتصافية في ظرف التحليل العقلي الذي هو نحو من انحاء شيء } يعني انه في الذهن يكون عارضا عليها وقد ذكر قبل ان الموصوف قبل الصفة فيكون عروضه على ماهية موجودة قبل عروضه اذ لو كانت موجودة به لم يكن عارضا لها وقوله { نحو من انحاء وجود شيء } اي نوع من انواع وجود شيء يعني ان ظرف التحليل العقلي وما يحل فيه نوع من الوجود في نفس الامر بلا تعمل واختراع اي بغير صنع وهذا من جملة الاوهام الباطلة وهو ان الشيء الذي اذا لوحظ لنفسه يعني لا مع وجود او عدم كان له نوع وجود غير معتمل ولا مخترع اي لم يصنع نفسه ولم يصنعه غيره وقد قام الدليل القطعي من العقل والنقل على ان كل ما سوى الله سبحانه مما يصدق عليه السوي فهو محدث والله سبحانه خالقه فقوله بقي الكلام في الشق الثالث الذي هو كيفية اتصافها بالوجود وقوله وذلك لان كل موصوف توطية يستدل به والاشارة الى النحو من انحاء وجود شيء قال { لان كل موصوف بصفة او معروض لعارض فلا بد له } اي الموصوف والمعروض من مرتبة اي من كون ومقام من الوجود يتقدم فيه او يفرض تقدمه فيه على الصفة او العارض بحسبه اي بحسب ذلك المقام او الرتبة من احد ظرفي الوجود الخارجي او الذهني اذ ذلك العارض غير موصوف له ولا معروض عليه ليتأخر المعروض عنه فعلى هذا الفرض من ان الوجود عارض لها في الذهن يكون عروضه اما للماهية الموجودة التي اتصفت بالوجود قبل عروضه او غير الموجودة اي التي لم تتصف به بل اتصفت بالعدم او التي لم تتصف بالوجود واللاوجود او لم يلحظ فيها شيء جميعا اي سلب عنها الوجود والعدم في نفس الامر او في الوجدان والاعتبار فالاول اي عروضه للماهية الموجودة يستلزم الدور لان عروضه متوقف على وجودها ووجودها متوقف على عروضه اذ لا وجود لها بدونه او يستلزم التسلسل لترتب الوجودات العارضة لها بعضها على بعض لا الى نهاية والثاني يوجب التناقض لاستلزام المعروضية للوجود حال اتصافها بالعدم والثالث يقتضي ارتفاع النقيضين اذ لا يخلو المحل من احدهما فاذا تعذرت الثلاثة الوجوه بعد ثبوت التغاير بينهما في الذهن ولزوم حمل احدهما على الاخر لثبوت عدم جواز الانفكاك فلا بد ان يكون للمعروض تقدم معنوي خارج عن الاقسام الخمسة للتقدم لا يلزم منه شيء من هذه الفروض الثلاثة على نحو ما يذكره بعد هذا وانت اذا نظرت بعين البصيرة طلبا للحق خاصة رأيت لهذا المحقق في استنباطاته خصوصا في هذه المسئلة تكلفات وتعسفات ليس لها من الحق اسم ولا رسم وانما هي مجرد احترازات وتوقيات مما يرد عليه لا تخفي على احد الا على من نظر الى هذا الرجل بنفسه مع ما ملأ قلبه وسمعه من شهرة تحقيقه وتدقيقه بحيث لو القى اليه مثل هذا الكلام غير عالم بانه لذلك العالم الكبير المحقق لضرب به عرض الحائط فاذا تأملت في توجيهاته هذه وجدته قد انقطع نفسه من التمحلات الباطلة ليتستر بها الا ترى تطويله للكلام وتنقلاته من مقام الى مقام ليحصل له المرام فو الله ما دعاني الى مثل هذا الكلام شيء اجده في نفسي عليه وما بيني وبينه شيء الا ما اعتقده وادين الله به وحسبي الله وكفى به حسيبا فان قلت فما جوابك انت في هذا قلت جوابي ان الوجود مغاير للماهية في الخارج على ما سمعت مني مرارا وما في الذهن كله انتزاعي من الخارج فما كان متحدا خارجا اتحادا حقيقيا كزيد مثلا فانه واحد في الخارج والذهن وما كان متعددا كزيد وحركته حقيقة او بالاعتبار كزيد من حيث انه جسم وروح وعقل فهو متعدد في الخارج وفي الذهن ولا يكون شيء متغايرا في الذهن الا اذا كان كذلك خارجا او في نفس الامر فالوجود الذي هو حقيقة الموجود اي الذي به تحققه فهو معروض للماهية في الخارج وفي الذهن على ما ذكرنا مرارا اما في الخارج فمن حيث الواقع ان زيدا كله من حيث كونه اثرا لفعل الله سبحانه فهو وجود ومن حيث انه هو ماهية والثاني عارض للاول ومغاير له واما من حيث الاثار فما كان من اعماله طاعة فهو من وجوده لانه خير كله لا يعصي الله سبحانه ويجد زيد في نفسه ان فعله لما هو طاعة ليس من داعي نفسه بل من امتثال امر الله وما كان منها معصية فهو من ماهيته لانها ظلمة لا تطيع الله سبحانه ويجد زيد في نفسه ان فعله لما هو معصية ليس من الله تعالى ولا من امتثال امره تعالى بل من شهوة نفسه وميلها وصدور الطاعة من زيد والمعصية وهما ضدان متغايران يدل على ان مبدء كل منهما غير مبدء الاخر وانهما متغايران في الخارج واما تغايرهما في الذهن فكما في الخارج فلا تجد ما من فعل الله محمولا على ما من نفسه بل بالعكس واما الوجود المحمول في الذهن على ماهية زيد فليس هو جهته التي من فعل الله اذ لا تجد الجهة التي من فعل الله عارضة على الجهة التي من نفسه بل المحمول هو مفهوم الوجود العام المطلق او ( اذ خل ) البسيط اي الحصول والكون في الاعيان فانه صفة عارضة لزيد في الخارج وفي الذهن بخلاف الحصول الذاتي الذي به التحقق فانه هو الشيء سواء اعتبرته وجودا لانه من ربه او ماهية لانه هو فالعارض صفة عارضة ذهنا وخارجا والمعروض موصوف ذهنا وخارجا الا في القضايا الكواذب كما اذا قلت زيد فرس صاهل وتصورت اشياء في هذا او في غيره باعتبار مفاد اللفظ الكاذب او ما تتخيله فان ذلك على انحاء لا فائدة في ذكرها وان كان اكثرها على خلاف ما هو المعروف بين الناس والحاصل في التصورات الصحيحة والقضايا الصادقة لا يخالف الذهن الا في صرف شيء منه الى ما يشاركه في اللفظ او الصفة او غيرهما مثل قول المصنف في ان الوجود هو حقيقة الموجود وهو الذي به التحقق وعليه تحمل الماهية خارجا وتصدق عليه وفي الذهن هو غيرها ومحمول عليها وعارض لها وهو كلام صحيح ظاهرا كل على حدته يعني ان الوجود الذي به التحقق وهو ما به الكون في الاعيان اي الشيء لا الكون في الاعيان فهو كما وصفه في الخارج في الجملة وهو الوجود الموصوفي واما العارض في الذهن للماهية وهي معروض له فهو صحيح ولكنه غير ذلك الوجود لان العارض هو الصفتي الفعلي او اللازم للذاتي ( الذاتي خل ) وهذا غير ذلك لان العارض في الذهن للماهية هو صفتها وهو عارض لها في الخارج فلما اخذ للذهن غير ما اخذ للخارج من جهة توافق الاسمين كتوافق اسم الشمس للقرص وللشعاع الواقع على الجدار صرفه بالاسم الى غيره فان كنت الأن ترى ان الشعاع عارضا على قرص الشمس والقرص معروضا في الخارج وفي الذهن ترى القرص عارضا للشعاع لان الشعاع اسمه الشمس فيكون معروضا في الذهن لان المسمى به اي القرص معروضا في الخارج والمصنف هكذا فعل
قال : { والاعتذار بان ارتفاع النقيضين عن المرتبة جايز بل واقع غير نافع ههنا لان المرتبة التي يجوز خلو النقيضين عنها هي ما يكون من مراتب نفس الامر ولا بد من ان يكون لها تحقق ما في الجملة سابقا على النقيضين كمرتبة الماهية بالقياس الى العوارض فان للماهية وجودا مع قطع النظر عن العارض ومقابله كالجسم بالقياس الى البياض ونقيضه وليس لها مرتبة وجود مع قطع النظر عن وجودها فقياس عروض الوجود للماهية كقياس عروض البياض للجسم وقياس خلوها عن الوجود والعدم بخلو الجسم في مرتبة وجوده عن البياض واللابياض قياس بلا جامع اذ قيام البياض ومقابله بالجسم فرع على وجوده وليس قيام الوجود بالماهية فرعا على وجودها اذ لا وجود لها الا بالوجود }
اقول : الاعتذار للاحتمال الثالث اعني قوله : او لا الموجودة ولا المعدومة جميعا حيث قال انه يقتضي ارتفاع النقيضين وهو اي الاعتذار انهم قالوا بجواز ارتفاع النقيضين فقال ان هذا غير نافع ههنا لان المرتبة التي يجوز فيها خلو النقيضين عنها هي ما تكون من مراتب نفس الامر يعني اذا نظر الى الشيء من حيث هو فانه لا متحرك ولا ساكن مثلا لانك (ظ) نظرت الى نفس الذات في نفس الامر مع قطع النظر عن الافعال وصفاتها الخارجة فان الجسم هو مادة وصورة وليس في هذا النظر كونه متحركا او ساكنا كما هو حال مراتب نفس الامر بخلاف ما نظرنا بصدده فان نظرنا في وجود الشيء وعدمه فلا يجوز فيه ارتفاع النقيضين كما اذا نظرت الى الجسم من حيث كونه متحركا او ساكنا فانه لا يجوز ارتفاع النقيضين الا انه لا بد ان يكون له تحقق ما سابق على النقيضين وذلك كالماهية فان لها في مرتبتها بالنسبة الى عوارضها وجودا ما مع قطع النظر عن العارض ومقابله مثل الجسم بالنسبة الى البياض ونقيضه واما الماهية بالنسبة الى وجودها ليس لها وجود مع قطع النظر عنه اي مع فسخه منها فلا تقاس الماهية بالنسبة الى وجودها بما سواها وهو قوله فقياس عروض الوجود للماهية كقياس عروض البياض للجسم وقياس خلوها الى قوله واللابياض قياس بلا جامع لان القياس عند من اجازه لا بد له من جامع يجمع بين المقيس والمقيس عليه واما مع الفارق فلا يجوز اتفاقا ثم علل حصول الفارق بقوله { اذ قيام البياض } الخ
قال : { والتحقيق في هذا المقام ان يقال بعد ما اشرنا اليه من ان عارض الماهية عبارة عن شيء يكون عين الماهية في الوجود وغيره في التحليل العقلي ان للعقل ان يحلل الموجود الى ماهية ووجود وفي هذا التحليل يجرد كلا منهما عن صاحبه ويحكم بتقديم احدهما على الاخر واتصافه به اما بحسب الخارج فالاصل والموجود هو الوجود لانه الصادر عن الجاعل بالذات والماهية متحدة به محمولة عليه لا كحمل العرضيات اللاحقة بل حملها عليه واتحادها به بحسب نفس هويته وذاته واما بحسب الذهن فالمتقدم هي الماهية لانها مفهوم كلي ذهني تحصل بكنهها في الذهن ولا يحصل من الوجود الا مفهومه العام الاعتباري فالماهية هي الاصل في القضايا الذهنية لا الخارجية والتقدم هنا تقدم بالمعنى والماهية لا بالوجود فهذا التقدم خارج عن الاقسام الخمسة المعروفة }
اقول : قوله { ان عارض الماهية عبارة عن شيء يكون عين الماهية في الوجود وغيره في التحليل العقلي } لا شك ان المتحد بها في الخارج غير المغاير لها في الذهن وهذا كما تقدم كلام دائر مدار اللفظ لان المتحد في الخارج اسمه الوجود والمغاير في الذهن شيء اخر اسمه الوجود وهذا من عجيب المغالطات كما لو قلت الشمس لا يمكن ان تنالها بيدك في السماء وتنالها بيدك اذا وقعت في الارض يعني تنال شعاعها ويقول التحقيق في هذا المقام ويريد شيئا واحدا في الذهن يعرض للماهية وفي الخارج هو يتحد بالماهية وهو شيء واحد ويفسر الذي في الخارج بالاصل ويقول فالاصل والموجود هو الوجود لانه الصادر عن الجاعل بالذات والماهية متحدة به محمولة عليه وهو مغاير لها في الذهن ولا يحصل يعني في الذهن من الوجود الا مفهومه العام الاعتباري فهي تحصل في الذهن بكنهها وهو لا يحصل فيه الا مفهومه العام الاعتباري فمعنى كلامه ان الوجود في الخارج اتحدت بالماهية وهي ذات والماهية محمولة عليه وفي الذهن هي بكنهها تنتقل الى الذهن وتكون معروضة لصفة الوجود وصفة الوجود الخارجي الاعتبارية محمولة على كنه الماهية في الذهن فالوجود في الخارج متقدم عليها وهي متقدمة عليه في الذهن بالمعنى والمفهوم يعني بقوله بالمعنى الاحتراز عن الالزام بكونها متقدمة على الوجود مع انها به كانت فينبغي له ان يقول هو متقدم عليها في الخارج لانه الاصل وهي محمولة عليه وفي الذهن متقدمة عليه بالوجود ولا محذور لانه يريد بالوجود الذي تقدمت عليه هو المفهوم الاعتباري العام وهو صفة له عارضة عليه في الخارج وعلى ما اتحد به فالوجود وما اتحد به متقدم في الوجود والتحقق على الصفة التي هي العام الاعتباري فلا يحتاج الى ان يتكلف ويتصدع بان يجعلها متقدمة على ذلك العام الاعتباري العارض لها بحسب المعنى
وقوله { فالماهية هي الاصل في القضايا الذهنية } صحيح لان المحمول عليها هو العارض الخارج ولو اريد الحقيقي لماخالف الذهن الخارج لانه مرءاة له تنطبع فيه صور ما كان في الخارج وان خالفت ما هو محقق في الخارج فهي كاذبة فاذا كان المحقق عنده انها محمولة في الخارج فان حمل عليها شيء اخر فلا ضرر وان حمل عليها في الذهن ما هي محمولة عليه في الخارج بعد تحقق ذلك فهي كاذبة
وقوله { وهذا التقدم خارج عن الاقسام الخمسة } يعني التقدم بالمعنى من جهة انه مخالف لها في اللفظ والا فهو منها في الحقيقة فهذا التقدم الذاتي والوقتي والمكاني والشرفي لان المعنى مقدم على الرقيقة والرقيقة مقدم على الصورة والصورة مقدم على الطبيعة وعلى كل تقدير فالمعني هو الحقيقة وهي للشيء عندنا على قسمين حقيقته من ربه وهو الوجود والفؤاد اعني ما عناه عليه السلم في قوله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وحقيقته من نفسه وهي الماهية وهذه الحقيقتان ظهرتا في الكون دفعة وبالذات فحقيقته من ربه متقدمة على حقيقته من نفسه فليس للماهية تقدم بل اما ان يكون الوجود متقدما او مساوقا لها واما العارض الذي يعرض لها في الذهن هو المفهوم العام الاعتباري وهو كون وصفي فاذا كانت الماهية متحدة بموصوف ذلك العارض كانت متقدمة على الصفة لما قررنا سابقا من ان الوجود لم يتحقق قبل لزوم الماهية له لانها انفعاله عند تعلق فعل الله بتكوينه فتقدمها على ذلك الوجود العارض تقدم الموصوف على صفته
قال : { فان قلت تجريد الماهية عن الوجود عند التحليل ايضا ضرب من الوجود لها في نفس الوجود فكيف تنحفظ قاعدة الفرعية في اتصافها بمطلق الوجود مع ان هذا التجريد من انحاء مطلق الوجود قلنا هذا التجريد وان كان نحوا من مطلق الوجود فللعقل ان لا يلاحظ عند التجريد هذا التجريد وانه نحو من الوجود فتتصف الماهية بالوجود المطلق الذي جردناها عنه }
اقول : السؤال المفروض بانه قد ثبت ان الماهية في نفس الامر صفة للوجود كما حكمتم عليها في حال الاتحاد خارجا بكونها محمولة عليه والمحمول صفة فاذا جردت عن الوجود عند التحليل العقلي من الاتحاد الخارجي كان ذلك التجريد نوعا من الوجود المطلق لها كان حينئذ عارضا لها فهي قبل التجريد في رتبة الصفة وتجريدها لا يخرجها عن مطلق الوجود ليجوز ان تكون في مرتبة الموصوف فهي حال التجريد في رتبتها لعدم خروجها عن مطلق الوجود اصلا فاذا كان عارضا لها كانت في ظاهر الحال في رتبة الموصوف فكيف تنحفظ قاعدة الفرعية من ان الصفة لا تكون في رتبة الموصوف وان سلبت عن الاتصاف فاجاب بان هذا التجريد وان كان يلزمه نحو من الوجود المطلق والا لما كان المجرد شيئا يصح ان يكون معروضا لعدم شيئيته لان التجريد نحو من الوجود لانه وجود تجريد فلم تخرج الماهية عن رتبتها في كونها صفة الا انه لما كان للعقل ان يجرد كان له الا يلاحظ التجريد وانه نحو من الوجود والا لاتصفت بما جردت عنه
قال : { فهذه الملاحظة التي هي عبارة عن تخلية الماهية عن جميع الوجودات حتى عن هذه الملاحظة وعن هذه التخلية التي هي ايضا من الوجود في الواقع من غير تعمل لها اعتباران اعتبار كونها تجريدا وتعرية واعتبار كونها نحوا من الوجود فالماهية باعتبار الاول موصوفة بالوجود وباعتبار الاخر مخلوطة غير موصوفة فالتعرية باعتبار والخلط باعتبار وليست حيثية احد الاعتبارين غير حيثية الاعتبار الاخر ليعود الاشكال جذعا من ان الاعتبار الذي به تتصف الماهية بالوجود لا بد فيه ايضا من مغايرته للوجود فتنفسخ ضابطة الفرعية وذلك لان هذا التجريد عن كافة الوجود هو بعينه نحو من الوجود لا انه شيء اخر غيره فهو وجود وتجريد عن الوجود كما ان الهيولي الاولى قوة الجوهر الصورية وغيرها ونفس هذه القوة حاصلة لها بالفعل ولا حاجة لها الى قوة اخرى لفعلية هذه القوة ففعليتها قوتها للاشياء وكما ان اثبات الحركة عين تجددها ووحدة العدد عين كثرته فانظر الى سريان نور الوجود ونفوذ حكمه في جميع المعاني بجميع الاعتبارات والحيثيات حتى ان تجريد الماهية عن الوجود ايضا متفرع على وجودها }
اقول : قوله { فهذه الملاحظة } تفريع على جوابه قبل تمامه لاتمامه فهو للتتميم اي ان تخلية الماهية وتعريتها عن جميع الوجودات حتى عن هذه الملاحظة فانها من الوجود في نفس الامر من غير تعمل يعني ان الوجود يحصل بالتعرية والتجريد من غير تحصيل لها اي للملاحظة اعتباران الاول اعتبار كونها تجريدا للماهية عن الوجود وتعرية والثاني اعتبار كون الملاحظة للماهية عند التجريد نحوا من الوجود فالماهية باعتبار كون الملاحظة تجريدا لها موصوفة بالوجود الذي هو وجود التجريد عن الوجود وباعتبار الاخر وهو عدم ملاحظة التجريد عند التجريد تكون الماهية مخلوطة من الاتصاف بالتجريد لوقوعه ومن عدم الاتصاف لعدم الملاحظة فتكون غير موصوفة لان جهة الاتصاف التي هي ملاحظة التجريد غير ملحوظة فلا تكون بها موصوفة بعدمها ولا بعدم التجريد لوقوعه فمن حيث الاعتبار الاول كانت معروضة لانها ح في رتبة الموصوف بخلاف الثاني لبقائها على رتبتها من الصفة فلم تنفسخ ضابطة الفرعية فلا يعود الاشكال جذعا شابا اي جديدا لعدم اختلاف الحيثين (ظ) اذ لو فرض ان ما اتصفت به في هذا الاعتبار مغاير لما كانت له صفة لكانت حينئذ اي في حالة عروض الوجود لها في رتبة الصفة فتنفسخ قاعدة الفرعية بل لما خلعت عن رتبة التابعية بالتحليل والبست حلة المتبوعية جعلت متبوعة بهذا الاعتبار لما كانت تابعة له قبله فقد كان تجريدها عن الوجود اثبات نحو من الوجود التي جردت عنه لها كما كانت الهيولي اي المادة المطلقة قوة صورية وغير صورية للجوهر اي قواما له بمادته وصورته ونفس تلك القوة والقوام حاصلة للهيولي بغير شيء غيرها واثبات الحركة لمثل الافلاك وغيرها عين تحققها ونفس تجددها ووحدة العدد كالعشرة عين تكثرها من الافراد وامثال ذلك كما اشار ( اليه خل ) عليه السلام في الدعاء يمسك الاشياء باظلتها وكما اقامك بك لا بغيرك
ثم قال تأكيدا لهذه الاتحادات { فانظر الى سريان نور الوجود ونفوذ حكمه في جميع المعاني بجميع الاعتبارات والحيثيات حتى ان تجريد الماهية عن الوجود كان وجودا لها متفرعا على وجودها } يعني انه وجود تجريد عن الوجود وهو وجود والحاصل ان تدقيقاته هنا وان كانت في ظاهر الامر مقبولة لكنها في نفس الامر فيها منعان احدهما ان هذا الاتحاد مبني على قواعدهم المعلومة المحصلة من مدلولات القضايا الصناعية التي مردها الى مجرد التسمية اللفظية كما ذكرنا مرارا وثانيهما على فرض تسليم هذه الظواهر يلزمه قبول اشياء كثيرة نفاها ولا تصح هذه الا بقبول ما نفاه ولولا خوف التطويل بلا طائل لذكرتها الا ان هنا حرفا واحدا اشير اليه وهو ان الماهية عنده وتحليلها وعروض الوجود لها امور ذهنية اعتبارية ليست موجودة كما ذكر فيما مضى ويذكر فيما بقي وقد انكرنا عليه في جعلها عدمية اذ عندنا كل ما يدل عليه لفظ فهو محدث ما خلا الله روى الصدوق في كتاب التوحيد بسنده عن ابي عبد الله عليه السلام قال : اسم الله غير الله وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله واما ما عبرت الالسن عنه او عملت الايدي فيه فهو مخلوق والله غاية من غاياته والمغيي غير الغاية والغاية موصوفة وكل موصوف مصنوع وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمى ( ما خل ) لم يكون فتعرف كينونته بصنع غيره ولم يتناه الى غاية الا كانت غيره لا يذل من فهم هذا الحكم ابدا وهو الدين الخالص فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه باذن الله عز وجل الى ان قال عليه السلم : لا يدرك مخلوق شيئا الا بالله ولا تدرك المعرفة الا بالله والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه الحديث والحاصل من جعل الوجود حقيقة في نفس الامر فلا يجده عارضا لا خارجا ولا ذهنا واذا وجده عارضا فانما وجد شيئا غيره سماه وجودا ومن جعله صفة فالامر على العكس ومخالفة الذهن للخارج مخالفة للواقع في احد الظرفين والله سبحانه ولي التوفيق
قال : { وليعلم ان ما ذكرنا تتميم لكلام القوم على ما يوافق مذاقهم ويلايم مسلكهم في اعتبارية الوجود واما نحن فلانحتاج الى هذا التعمق لما قررنا ان الوجود نفس الماهية عينا وايضا الوجود نفس ثبوت الشيء لا ثبوت شيء له فلا مجال للتفريع ههنا فكان اطلاق الاتصاف على الارتباط الذي بين الماهية ووجودها من باب التوسع والتجوز لان الارتباط بينهما اتحادي لا كالارتباط بين المعروض وعارضه والموصوف وصفته بل من قبيل اتصاف الجنس بفصله في النوع البسيط عند تحليل العقل اياه اليهما من حيث هما جنس وفصل لا من حيث هما مادة وصورة عقليان }
اقول : ما ذكره على مذاق القوم هو مأخذ قوله بما سمعت كما يظهر لمن تتبع كلامه وفهم مرامه والقوم لم يسلكوا مسلكه وان كان يسقي بماء واحد كما قال امير المؤمنين عليه السلم ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه
قوله { ان الوجود نفس الماهية عينا } قد مر فيه الكلام ونقول ايضا اذا كانا متحدين في زيد في الخارج هل لزيد حقيقة يعرف بها وحد حقيقي يعرف به غيرهما ام لا فان كان له حقيقة وحد حقيقيين غيرهما فهما صفتان خارجتان ولا يقول به والا فهما المادة والصورة او الحيوان والناطق لان زيدا لا يعرف ولا يحد الا بهذين ثم هذان المتحدان هما الأن هما ام غيرهما فان كانا الان اياهما فالاتحاد المدعى مجازي فزيد مركب منهما ووقوع الطاعة والمعصية من زيد يشهدان بذلك كما تقدم وان كانا غيرهما فظاهر البطلان ولا يقع عليهما ح التحليل الا باعتبار ما قبل الاتحاد ان كان واجب الوقوع للموجب والا لم يصح لان الاتحاد ح اضافي لا مزجي كما هو شأن كل متغايري المفهوم وان كان الاتحاد من قبيل اتحاد الجنس والفصل في النوع البسيط كما هو مراده وصرح به هنا وفيما قبل وبعد فلزيد حقيقتان احدهما وجود وماهية والاخرى حصة من الجنس والفصل وعندنا ثالثة لاندري كيف نصنع بها وهي المادة والصورة فهل هي الاولى ام الثانية ام غيرهما وهل الجميع ثلاث ام واحدة تكثرت باعتبار التعبيرات او جهات التعبير عنها وعلى تقدير التعدد فايها التي يعرف بها زيد ويحد قل لي بما يظهر لك
واما قوله { الوجود نفس ثبوت الشيء لا ثبوت شيء له } فقد تقدم ان هذه العبارة لا تؤدي مطلوبه لان مطلوبه ان الوجود هو الشيء من حيث ثبوته كما يقتضيه هذا المقام او ثبوته بنفسه لا بغيره كما فيما تقدم من ان الوجود وجد بنفسه والماهية موجودة به وعبارته هذه بذلك المقام وهو انه وجد بنفسه والماهية وجدت به اليق
وقوله { هما مادة وصورة عقليان } يعني ان النوع في الاصل مركب من حصة من الجنس ومن الفصل وهما في الخارج متحدتان في الوجود ويريد بالنوع الحقيقي الذي اتفقت افراده وانما خص البسيط كالعقول مبالغة في الاتحاد وان كان يحصل مراده من المركب كالانسان لان مراده ان حصة جنسه وفصله متحدان في الوجود اي الخارج مع كونهما موجودتين ( موجودين خل ) فاتصاف الوجود بالماهية في الخارج مع كونهما موجودين فيه اتصاف اتحادي من قبيل اتصاف الجنس بالفصل في الخارج في النوع البسيط فان اتصاف جزئيه مع تحققهما في الخارج اتحادي وهذا من حيث هما خارجيان لا من حيث هما مادة وصورة عقليان فانهما من هذه الحيثية لا تحقق لهما في الخارج وعلى الظاهر من كلامه في التمثيل هنا لا في ما تقدم ان الوجود كالجنس والماهية كالفصل بعكس ما يفهم من تمثيله فيما تقدم فعلى هذا ان كانا هما المادة والصورة كما نقول او كالمادة والصورة كما يقول اذا حللهما العقل هل يكون العارض في ظرف التحليل هو المعروض في ظرف الاتحاد ام يكون العارض فيهما واحدا والمعروض واحدا وتسميته لحصة الجنس والفصل بالمادة والصورة في قوله من حيث هما جنس وفصل لا من حيث هما مادة وصورة عقليان دالة ان حصة الجنس عنده هي المادة والفصل هو الصورة كما هو عندنا لانا نريد بالمادة هو ما يتركب منها الشيء مع الصورة وليس الوجود والماهية غيرهما وصريح كلامه انهما غيرهما وعلى كل تقدير فان اراد بالاتحاد التركيب فهو حق على احد معنيي ما نريد وهو ان الشيء مركب من المادة والصورة اي من حصة من الوجود والماهية يعني الاولى التي هي الانفعال لانها ماهية الوجود لا ماهية الموجود التي هي الثانية والحاصل انا نسلم اتحادهما بمعنى التركيب وان جزئي المركب وجود وماهيته لا ماهية الموجود كما يريده المصنف والقوم وان العارض في ظرف التحليل هو العارض في ظرف الاتحاد ثم الموجود في ظرف التحليل شيئان باعتبارين احدهما الوجود وماهيته في ظرف التحليل وهي عارضة له لانها انفعاله وثانيهما الوجود الذي هو حقيقة الشيء من ربه وهو المعروض وماهية الشيء وهي حقيقته من نفسه وهي عارضة لان الله سبحانه كان في الازل الذي هو ذاته وحده وهو الذاكر ولا مذكور فكان اول ما ذكر زيدا مثلا ذكره في مشيته بكونه اعني وجوده ثم ذكره في ارادته بعينه اعني ماهيته فما بالمشية في زيد هو ذكر الله سبحانه له الاول وهو قول ابي الحسن الرضا عليه السلم ليونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول الحديث هذا هو الترتيب الحقيقي الذي جرى عليه التكوين من عالم السرمد فيما لا يزال
قال : { المشعر السادس - في ان تخصيص افراد الوجود وهوياتها بماذا على سبيل الاجمال اعلم انك قد علمت ان الوجود حقيقة نوعية بسيطة لا انه كلي طبيعي يعرض لها في الذهن احد الكليات الخمسة المنطقية الا من جهة الماهية المتحدة بها اذا اخذت من حيث هي هي فاذن نقول تخصيص كل فرد من الوجود اما بنفس حقيقته كالوجود التام الواجبي جل مجده واما بمرتبة من التقدم والتأخر والكمال والنقص كالمبدعات واما بامور لاحقة كافراد الكايـٔنات }
اقول : ذكر في هذا المشعر جوابا عن سؤال مقدر وهو انك حاكم بان الوجود حقيقة بسيطة متشخصة ليست كلية بل متحققة بذاتها في الخارج فما هذه الافراد المتكثرة المتمايزة فقال { قد علمت } يعني مما برهنا عليه سابقا { ان الوجود } من حيث هو { حقيقة نوعية بسيطة } ليست ذات افراد مختلفة من نحو ذاتها وليس قولنا نوعية نريد به انه كلي طبيعي اي مطلق غير مقيد بعموم وخصوص بحيث يعرض لتلك الحقيقة الطبيعية في الذهن احد الكليات الخمس اعني الجنس والفصل والنوع والخاصة والعرض العام المستعملة على اصطلاح اهل المنطق الا من جهة الماهية المتحدة بها اذا اخذت من حيث هي هي فان الماهية من هذه الحيثية تعرض لها تلك الامور الكلية وذلك التعدد والكثرة لامتيازها ح عن الوجود فهذه الامور انما هي لاحقة لها في الحقيقة واذا اتصف بها حينئذ الوجود كان بالعرض لان تلك الامور غير لاحقة به في الحقيقة فعند اعتبار الامتياز تعرض هذه الامور له كما يعرض هو للماهية ح واقول هذا وامثاله قد تقدم منه وقد تقدم فيه ما عندنا من انه في الظرفين معروض وان ما يعرض لها منه فانما هو صفة من صفاته واثر من آثاره وان الطبيعة النوعية فيه لذاته حقيقة وان له مراتب كل سفلي شعاع من العليا لا ينزل عال منها الى رتبة دان بشيء من ذاته ولا من صفاتها ولا يصعد سافل منها الى رتبة عال بشيء منه وان منه الغيب المجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية ومنه عنهما وعن الصورة ومنه الشهادة بما فيها من المواد العنصرية والمدد الزمانية وان الافراد المتميزة في رتبة من رتبه فهي حصص منها تميزت بمشخصاتها وقوابلها ومن قوابلها الاعمال ومدار اعراضها ومتممات قوابلها الوقت والمكان والرتبة والجهة والكم والكيف والوضع والاذن والاجل والكتاب والاعمال والاقوال والافعال والاحوال فمقبولاتها موادها وقوابلها صورها كل شيء بحسبه من اول الوجودات والموجودات كالعقول والارواح والنفوس والطبائع والمواد والاشكال والاجسام والاجساد والنبات والمعادن والعناصر كل ذلك موادها وجوداتها وصورها ماهيات وجوداتها وكلها من حيث هي اثر فعل الله ونور الله تعالى حقائق وجودية ومن حيث نفوسها وانياتها ماهيات عينية وقد كررت هذا المعنى مرارا خوفا من الغفلة عنه وطلبا لتوجه الباحثين فيه وكل ميسر لما خلق له ومن ذلك تقريري ان العقول والمجردات التي هي عندهم بسائط يشاركون بصفاتها صفات الواجب تعالى فيها كل ما في الاجسام من جميع المواد والصور والتركيبات وما بالفعل وما بالقوة والتجدد والتدريج وغير ذلك الا انها فيها بحسبها من النورانية والقرب والبقاء الى غير ذلك وانما خفي عن ادراك البصائر تجددها وتدريجها لسعتها وكبرها وبطؤ نفادها ولما كان ما بالفعل منها نشؤه وتقضيه اوسع من المدارك والمشاعر تناهت دونها وتأخرت عنها لعليتها وما بالقوة منها آثار مقارناتها لمتعلقاتها وآثارها كان لا يحس بها وبتجددها ما كان معلولا لما بالفعل فعلها فلاجل ذلك كان من طلب بيان ذلك قاصرا عنه لعظم شأنها بالنسبة الى ذلك الطالب وانما يدرك ذلك منها من طلبه من اثارها فان الاثر يشابه صفة مؤثره التي هي منشأ ذلك التأثير
وقوله { فاذن نقول تخصيص كل فرد من الوجود اما بنفس حقيقته كالوجود التام الواجبي جل مجده } صريح بان الوجود الواجب تعالى ربي فرد من افراد تلك الحقيقة وتلك الافراد تميز بعض افرادها عن بعض تعيناتها وهو عز وجل لشدة تماميته وغناه المطلق عن كل ما سواه كان تعينه بنفسه لاستغنائه عما سواه وقد تتعين بعض افرادها بخصوص مرتبة ( مرتبته خل ) من التقدم والتأخر والكمال والنقص اي بتأخرها عن رتبة من لا يتناهى سبقه وتقدمها على من يتناهى وكمالها بالنسبة الى من دونها ونقصها عن الكمال المطلق الذي لا يحتمل النقصان بوجه لا من ذاته ولا بالنسبة الى غيره فبهذه الاعتبارات خاصة تعينت لبساطتها وعدم حاجتها الى تكميل وتتميم من غير مفيضها كالمبدعات الكلية الاولىة التي لا ينتظر بكمالها شيئا لتجردها عن الاستعداد ( الاستعدادات خل ) والاضافات ولهذا قد تشارك الواجب في بعض ما تفرد به كما ذكره المصنف في اول هذا الكتاب في قوله : ومسئلة ان البسيط كالعقل وما فوقه كل الموجودات يشير الى ما يأتي بعد في هذا الكتاب ومراده انه والواجب في غاية البساطة وبسيط الحقيقة كل الاشياء وقد تكون بعض افرادها كسائر افراد الكائنات يعني غير المجردات كالعقول يعني تتعين تلك الافراد بامور غير هوياتها تلحقها وترتبط بها وبها يتميز بعضها عن بعض وتلك الامور هي الامور المشخصات لسائر الاشخاص والمنوعات لسائر الانواع والمجنسات للاجناس فحقيقة الوجود بسيطة واحدة تتمايز افرادها بثلاثة مشخصات الفرد الاكمل هو الواجب يتعين بذاته خاصة لشدة كمال غنائه والمبدعات كالعقول تتعين بنفس مراتبها بالنسبة الى بعضها من التقدم والتأخر والكمال والنقص وسائر افراد الكائنات بما يلحقها من الحدود والنسب والاوضاع وما اشبه ذلك واقول وانت اذا طلبت الحق وتفهمت هذا الكلام تبرأت من هذا المذهب والاعتقاد المبني على الاشتراك المعنوي في الوجود لان هذا هو القول بوحدة الوجود التي اجمع العلماء على الحكم بتكفير معتقدها والحق الحقيق بالاتباع هو ان وجود الله سبحانه وحده لا شريك له ولا يدخل في عموم ولا يدرك له مفهوم ولا يعرف احد من خلقه شيئا مما هو عليه الا بما دل على نفسه على السن انبيائه وحججه عليهم السلم فان قالوا بقول صريح لا يتأوله الجاهل فضلا عن العالم فقل به واما ما يحتمل فلا يجوز ان تصير اليه بحال من الاشياء سوى ان ترده الى المحكم من قوله ليس كمثله شيء واعلم ان الرجل العالم له قدرة على التصرف في الكلام بحيث يعجز الجاهل عن رده وان كان باطلا فمدار الميزان على ما يعرفه العامة من ظواهر اقوالهم عليهم السلام ولا تأول الكتاب والسنة على عبارات اهل الضلال فان القرءان ذلول ذو وجوه فاحملوه على احسن الوجوه واذا رجعنا في هذا الكلام الذي اشار اليه هو واصحابه ووزناه بميزان المنطبق عليه ظاهر الاسلام رأيته باطلا وكيف يكون شيء واحد له افراد متعددة يصدق اسم تلك الحقيقة في حقيقة الوضع والاستعمال من باب التواطي على الله تعالى وعلى العقل وعلى الحجر اشتراكا معنويا يعني ان تلك الحقيقة البسيطة الواحدة موجودة في كل واحد من الثلاثة بالتواطي لا فارق بينهم الا الشدة والضعف
واما ما اشار اليه من احوال المبدعات فقد دلت الادلة القاطعة انها مخلوقة وان فعل الله عز وجل بالنسبة الى المصنوعات بوضع واحد وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ماتري في خلق الرحمن من تفاوت وان ما هناك لا يعلم الا بما ههنا وقد قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالتجدد والتقضي والتركيب والتأليف والتقدم والتأخر والتمام والنقصان وغير ذلك اشياء كانت عند الله في خزائنها من الممكنات وهي الأن موجودة في الاجرام السفلية فلا بد وان تكون هناك وانما ينزله سبحانه الى قوابلها بقدر معلوم فكل ما في الجمادات والنباتات والحيوانات ففي العقول من جميع انحاء ذرات الاركان الاربعة الخلق والرزق والممات والحيوة في كل شيء بحسبه حتى العناصر الاربعة كما اشرنا اليه في الفوائد والحاصل اجمل لك الامر المعبود الحق عز وجل سبحانه ليس كمثله شيء وما سواه فهو مخترع الوجود كان ولم يكن شيئا قبل تكوينه وكل ما يدخل تحت هذا السواء فهو مؤلف مركب الا انه كل شيء بحسبه قلة وكثرة وتقدما وتأخرا ولطافة وكثافة
قال : { وقيل تخصيص كل وجود باضافته الى موضوعه والى سببه لا ان الاضافة لحقته من خارج فان الوجود عرض وكل عرض متقوم بوجوده في موضوعه وكذا حال وجود كل ماهية باضافته الى تلك الماهية لا كما يكون الشيء في المكان فان كونه في نفسه غير كونه في المكان او في الزمان }
اقول : بناء هذا القول على عرضية الوجود وقد تقدم ان وجود العرض اضافته الى موضوعه وكونه فيه والماهية هي الموضوع فتخصيص الوجود الممكن المخلوط بالماهية هو كونه فيها وهو عين كونه في نفسه واليه الاشارة بقوله { لا ان الاضافة لحقته من خارج } بل من كونه فيها وهو كون رابطي وقوله { وكذا حال وجود كل ماهية باضافته الى تلك الماهية } من تفريع القيل على ان تخصيص كل وجود باضافته الى ماهيته ولو كان على ما اختاره من ان تخصيص الوجودات المخلوطة بالامور اللاحقة لقال وكذلك وقوله { لا كما يكون الشيء في المكان او في الزمان } وهذا على اختيار المصنف من كون التخصيص بالامور اللاحقة لان الوجود عنده ليس بعرض ليكون متخصصا بكونه المتقوم به فيتخصص باضافته الى معروضه بل لما كان متحدا بالماهية عنده وجب ان يكون المخصص امرا لاحقا فان اهل القيل لو قاسوا الوجود في الماهية بكون الشيء في المكان او الزمان للزمهم ما قال المصنف فانه ح في نفسه غير كونه في موضوعه مثل كون الشيء في المكان او الزمان فيتحقق بكونه في نفسه ويتخصص بكونه في المكان او الزمان كما يقوله هو ولو قال بعرضيته كاصحاب القيل للزمه ما قالوا من تخصصه باضافته الى ماهيته ( ماهية خل ) خاصة والحاصل انا قد اشرنا سابقا من ان المميزات والمشخصات كثيرة وهي في ظاهر الحال غير المشخص واما في الحقيقة فهي جزء ماهيته لانها هي فصله اذ الفصل في نفس الامر مركب من اشياء كثيرة لانه هو الصورة كذلك فانها معنوية وصورية فالمعنوية تتركب من اوضاع هندستها كالاستعداد للعقل المدرك للكليات مثلا وللعلم والفهم وهيكل التوحيد المركب من حدود كثيرة كالايمان والاسلام والعمل الصالح والقول الطيب والافعال الجميلة والزهد والعفة والرضا بالقضاء والتوكل والتسليم وهكذا مما تكفل به علم التوحيد وعلم الاخلاق وعلم الشريعة فهذه وامثالها حدود ذلك الفصل المعنوي ومثل النطق والاستقامة في الصورة وما عليه تركيب الصورة البشرية ظاهرا وباطنا وعلما وعملا وقولا وفعلا فالوجود هو المادة وماهيته قابليته للايجاد وتلك القابلية انفعاله وله اسباب ودواعي ومتممات ومكملات ومتممات ذلك الانفعال واسبابه الكم والكيف والمكان والوقت والجهة والرتبة والوضع والاذن والاجل والكتاب والاعمال والاقوال والاحوال والاعتقادات فاذا توفرت تمت القابلية فكان المصنوع بمقتضي القابلية فاختلفت الاشياء باختلاف هذه الامور في الاشخاص شدة وضعفا وكثرة وقلة وصفاء وكدورة واستقامة واعوجاجا وما اشبه ذلك وحصة الوجود هي المقبول المعروض وهذه هي القوابل وهي شرط تعلق الفعل بالمفعول وكلها حدود الانية واجزاء الماهية والكل هو الوجود بلحاظ انها اثر لفعل الله سبحانه قائمة به قيام صدور وهي الماهية بلحاظ الانية والهوية فالشيء له اسمان بلحاظين لحاظ الاول نور ولحاظ الثاني ظلمة وله جزءان مركب منهما مادة هو وجود وصورته هي ماهيته وهي تلك الامور المذكورة مجموع هذين الجزئين هو ذو الاسمين باللحاظين واعلم اني قد ذكرت مثل هذا في مواضع فيما مضى واذكره فيما يأتي انشاء الله تعالى تنبيها للغافلين وبيان هذه حتى تكون مشاهدة عيانا يضيق به الوقت لكثرة ما يتوقف عليه بيان هذه الامور وطولها مع صعوبة المأخذ وخفاء الادلة لدقتها لانها انما تعلم بدليل الحكمة لا بالمجادلة بالتي هي احسن ولو حصلت المشافهة كان هذا الطويل هو القصير وجمع لك القليل كل الكثير لان المشافهة تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير والى الله المصير
قال : { وهذا الكلام لا يخلو عن مساهلة اذ قياس نسبة الوجود الى الماهية بنسبة العرض الى الموضوع فاسد كما مر من ان لا قوام للماهية مجردة عن الوجود وان الوجود ليس الا كون الشيء لا كون شيء لشيء كالعرض لموضوعه او كالصورة لمادتها ووجود العرض في نفسه وان كان عين وجوده في موضوعه لكن ليس بعينه وجود موضوعه بخلاف الوجود فانه نفس وجود الماهية فيما له ماهية فكما ان الفرق حاصل بين كون الشيء في المكان وفي الزمان وبين كون العرض في الموضوع كما ظهر من كلامه بان كون الشيء في احدهما غير كونه في نفسه وكون العرض في الموضوع عين كونه في نفسه فكذا الفرق حاصل بين وجود العرض وبين وجود الموضوع فان الوجود في الاول غير الوجود في الموضوع وفي الثاني عينه}
اقول : فيه تسامح الظاهر منه ان كلامه ليس جاريا على التحقيق لانه قاس نسبة الوجود الى الماهية بنسبة العرض الى الموضوع وهو قياس فاسد لان الماهية مجردة عن الوجود اصلا لا قوام لها في نفسها اذ الوجود ليس اثبات شيء لشيء ليكون ثابتا لما هو شيء قبل النسبة وانما هو اثبات الشيء وكونه واما وجود العرض فهو اثباته للجوهر وكذا اثبات الصورة لمادتها والمراد من كون نسبة الوجود الى الماهية نسبة اتحاد هو ان وجود الوجود نفس الوجود ووجود الماهية نفس الوجود فالوجود نفس الماهية والعبارة عنه ان نقول وجود الماهية هو وجود الوجود الذي هو الوجود ولا كذلك العرض فان العرض وان كان وجوده نفس وجوده في الموضوع وحصوله فيه لكن وجوده ليس هو وجود الموضوع ويحتمل ان المصنف يشير بالتسامح والتساهل ان القيل ليس سديدا في ظاهره كما سمعت الا انه يمكن تصحيحه بان يقال انه يريد ان الوجود لما كان عرضا للماهية في الحقيقة كان تخصصه تابعا لتخصص ما نسب اليه من الماهيات لا غير ولو فرض ان توابع ولواحق لحقته كانت سببا للتخصص فانما هي لواحق للماهية وتوابع لها لم تنسب اليه الا بالعرض فصح انه بها تخصص الا ان الاول اظهر من عبارة القيل وانت اذا تأملت كلام المصنف مثل قوله { مجردة عن الوجود } ظهر لك ان الوجود فيما اراد او في لازمه عارض في الواقع للماهية وانما لم يلحظ العروض في الخارج لعدم تحققها بدونه اصلا كما قال لا قوام لها مجردة عن الوجود ويدل على هذا انه اذا تحللا في الذهن كان عارضا لان التحليل لا يقلب الحقائق وانما يفرق المجتمع منها وهذا ظاهر من كلام المصنف في خلال عباراته واما تصريحه بالاتحاد ولو كان قاصدا به انه حقيقة الشيء لا ينافي هذا كما مثل به فيما سبق بالفصل فان الفصل وان كان متحدا بالجنس في الحصة وجزءا ذاتيا من الشيء الا انه عارض للجنس وهذا لا بأس به لو اراده لكنه يحتاج الى تحقيق كونه اصلا وان الماهية كما يذكر فيما بعد تابع له ليس لها جعل غير جعله وفيما ذكرنا قبل ما ينفعه في هذه الدعوى لو اراده ونحن رأينا ان الوجود معروض ذهنا وخارجا وان الماهية عارضة كذلك وانها متحققة في الخارج معه ممتزجة به مزج اضافة لا مزج اتحاد وانها نفس الفصل ونفس الصورة في الماهية الاولى وان لها جعلا على حدة غير جعل الوجود لكنه مترتب عليه ومخلوق منه
وقوله { فيما له ماهية } يشير به الى ان ما ذكرنا في الوجود انما هو في الوجود الذي له ماهية مغايرة له وهو احتراز عن الوجود الحق تعالى ولو انه احترز عن ادخاله تحت المفهوم الذي ادركه من الوجود بحيث زاحمه فيه عنده وجود الانسان والحيوان لكان اولى وباقي كلامه معناه ظاهر مما ذكر وغير ظاهر بالنسبة الى كون الوجود اصلا فانه فرق بين كون الشيء في نفسه كالوجود في الماهية وبين كون الشيء للشيء كالعرض في الجوهر ولم يفرق بان الوجود معروض
وقوله { فان الوجود في الاول غير الوجود في الموضوع } لا يريد به ظاهره لانه ينافي تصريحه بان وجود العرض عينه وجوده في الجوهر بل يريد ان وجود العرض في الجوهر غير وجود الجوهر في نفسه
قال : { ( قال خل ) الشيخ في التعليقات وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها سوى ان العرض الذي هو الوجود لما كان مخالفا لها لحاجتها الى الموضوع حتى يصير موجودا واستغناء الوجود عن الوجود حتى يكون موجودا لم يصح ان يقال ان وجوده في موضوعه هو وجوده في نفسه بمعنى ان للوجود وجودا كما يكون للبياض وجود بل بمعنى ان وجوده في موضوعه نفس وجود موضوعه وغيره من الاعراض وجوده في موضوعه وجود ذلك الفرد }
اقول : قول الشيخ في بيان وجود الاعراض بمعنى اي رتبة تستحقه من الوجود فبين ان حظها منه حصولها في موضوعها وقد تقدم كلامنا في هذا ولا يخفى على البصير ان مرادهم من الوجود غير حقيقة الشيء وان قالوا بالسنتهم فان حقيقة الحمرة ليس هو حصولها في الثوب وانما حصولها فيه ثبوتها له وان اريد به ما به يتحقق الشيء فكما قال الحكماء ان وجود الجوهر من تمام قابلية العرض للوجود فيكون من متممات قابليته ومع هذا كله يكون الوجود مقبولا على ما يلزمهم وهم يجعلونه قابلا فعلى ارادة ما به التحقق تكون مادة العرض مثلا لونا يتوقف ثبوته خارجا على وجود المحل فوجود المحل من حدود الصورة لانه هو ذات المادة وهو معلوم البطلان وكون العرض لا مادة له غلط فاحش اذ كل محدث فله مادة وصورة لان المادة والصورة علل الماهية وما قيل ان الشيخ لا يريد بكلامه اثبات كون الوجود عرضا لانه نفاه لكنه قد تسامح في الكلام لان العرض هو ما يكون وجوده في نفسه عين وجوده لغيره ولما اثبت ان الوجود اثبات الشيء لا اثبات الشيء للشيء فقد نفاه حيث قال فالوجود الذي في الجسم هو موجودية الجسم وانما اطلق عليه العرض باعتبار عروضه للماهية في ظرف التحليل ليس بشيء لان عبارته صريحة في ان الوجود من سائر الاعراض وانما فارق الاعراض بهذه الصفة لخصوصية حاجة الاشياء اليه وعدم استغنائها عنه واستثناء هذه الخصوصية علمت من دليل آخر والا لماحصل فرق بين الاعراض في انفسها اذ الكل في نفسه محتاج الى المحل وهذا العرض الخاص الذي هو الوجود يحتاج المحل اليه في تقومه ولا يلزم الدور لاختلاف الجهة كما قلنا في توقف الكسر على الانكسار والانكسار على الكسر ولا دور فان الكسر يتوقف على الانكسار في الظهور فهو من علل وجوده والانكسار يتوقف على الكسر في التحقق فهو من علل ماهيته ولذلك قال { لما كان مخالفا لها لحاجتها الى الموضوع حتى تصير موجودا واستغناء الوجود عن الوجود حتى يكون موجودا لم يصح ان يقال ان وجوده في موضوعه هو وجوده في نفسه } يعني انه لو كان كذلك لكان للوجود وجود غير ما به هو هو كما يكون للبياض فلذا قال بمعنى ان للوجود وجودا كما يكون للبياض وجود بل بمعنى ان وجوده في موضوعه نفس وجود موضوعه فلذا كان مخالفا للاعراض وان كان عرضا في نفسه ثم نص على كونه عرضا بقوله وغيره من الاعراض وجوده في موضوعه وجود ذلك الفرد اي من العرض يعني وجود الحمرة في الثوب هو وجود هذه الحمرة التي في هذا الثوب وحمل كلامه على عروضه حين التحليل خلاف صريح كلامه واستشهاد المصنف بقول الشيخ في كون العرض وجوده عين حصوله في الموضوع فلا يكون وجود الموضوع عين حصول العرض فيه بخلاف الوجود فان وجوده في الماهية نفس وجود الماهية لا تحقق لها بدونه وفي انه متحد بها كما يدل عليه قوله وجوده في الماهية نفس وجود الماهية وبيان المأخذ انه ان حكم بالاتحاد فذلك المراد والا لزم ان يكون لها وجود غير نفس الوجود كما في المعروض فيكون لها وجود قبل الوجود فلا تكون متحصلة به هذا خلف ولقائل ان يقول ان الشيخ لا يلزم من كلامه انه يريد الاتحاد لجواز ان يكون اراد انها لا تتحقق الا بعروضه عليها عروضا اشراقيا كعروض نور السراج على الاشياء الموضوعة في المكان المظلم فانها لا تظهر قبل اشراقه فيجوز ان تكون ثابتة قبله كما قاله من يفرق بين الثبوت والوجود او يكون من قبيل الشرط فانه لا يتحقق المشروط بدونه وان كان خارجا عن ماهية المشروط فلا يكون في كلامه ما يدل على الاتحاد فانه من المشائين والظاهر من كلامهم عرضية الوجود وانه عرض قائم بالماهية كالسواد القائم بالجسم وكونه انما قال على مذاقهم خلاف الظاهر
قال : { وقال ايضا في التعليقات فالوجود الذي في الجسم هو موجودية الجسم لا كحال البياض والجسم في كونه ابيض اذ لا يكفي فيه البياض والجسم اقول ان اكثر المتأخرين لم يقدروا على تحصيل المراد من هذه العبارة وامثالها حيث حملوها على اعتبارية الوجود وانه ليس امرا عينيا وحرفوا الكلم عن مواضعها واني كنت في سالف الزمان شديد الذب عن تأصل الماهيات واعتبارية الوجود حتى هداني ربي واراني برهانا فانكشف لي غاية الكشف ان الامر فيها على عكس ما تصوروه وقرروه فالحمد لله الذي اخرجني من ظلمات الوهم بنور الفهم وازاح عن قلبي سحب تلك الشكوك بطلوع شمس الحقيقة وثبتني بالقول الثابت في الحيوة الدنيا والاخرة فالوجودات حقائق متأصلة والماهيات هي الاعيان الثابتة التي ما شمت رائحة الوجود اصلا وليست الوجودات الا اشعة واضواء للنور الحقيقي والوجود القيومي جلت كبرياؤه الا ان لكل منها نعوتا ذاتية ومعاني عقلية هي المسماة بالماهيات }
اقول : قوله { فالوجود الذي في الجسم } الخ يدل بظاهره انه ليس كالاعراض لان قوله { لا كحال البياض والجسم في كونه ابيض اذ لا يكفي فيه البياض والجسم } يعني يحتاج في تحقق الابيضية الى امر ثالث غيرهما وهو حصول البياض للجسم الذي هو وجود البياض بخلاف الوجود فانه يكفي في انه لا يحتاج في وجود الماهية الى شيء ثالث غيرهما بل هو كاف في ذلك فليس كالعرض الا انه في تلك الخاصية التي ثبتت له بالدليل وهذا هو المعروف من رأي المشائين وان اختلفوا في اعتبارية الوجود او تحققه في الاعيان عارضا للماهيات ولا شك انه اذا اريد به ما به الكون في الاعيان باطل وراجع ( الى خل ) ما قلنا سابقا والمصنف حمل كلام الشيخ على ان مراده ان الوجود متأصل وليس عارضا اصلا وانما يطلق عليه العروض باعتبار التحليل العقلي وانا اقول ظاهر كلامه انه عارض وان كونه عنده ليس كسائر الاعراض لاستغنائه عنها وحاجتها اليه انما هو لما قلنا من ثبوت هذا الحكم له بالدليل ولا منافاة بين كونه كذلك وبين كونه عرضا غير متأصل كما ذكرنا ولما قلنا ان التحليل اذا كان صحيحا لا يكون بخلاف الثابت خارجا لانه تفريق بين المتلازمات لا تغيير لحقائقها فيجب بينهما التطابق
واما قوله { ان اكثر المتأخرين لم يقدروا على تحصيل المراد } الى اخره ففيه ان كان المراد يتحصل من اللفظ بمنطوقه او بمفهومه فهم قد فهموا ذلك وهو كما قالوا وان كان في نفسه لم يضع لفظا يدل عليه في كلامه فذلك شيء اخر
واما قوله { الحمد لله الذي اخرجني من ظلمات الوهم } فلعله يشير به الى انه كان في سالف الزمان يفهم من كلام الشيخ ما فهمه اكثر المتأخرين ولعله كان فهم من قول الشيخ استغناء الوجود عن الوجود ومن قوله { فالوجود الذي في الجسم هو موجودية الجسم } انه امر اعتباري كما هو رأي القائلين بالاعتباري بان وجود زيد هو اعتبار موجوديته وكان قد فهم هذا فلما فهم عينية الوجود نسب فهمه الاول الى الوهم ونسب فهم المتأخرين في عدم القول بالعينية الى عجزهم عن ادراكها من كلام الشيخ والظاهر ان العينية لا يدل عليها كلام الشيخ بظاهره الا على سبيل التأويل وانما يدل كلامه على ان الوجود عرض قائم بالماهيات في الخارج واما التأويل والتوجيه باب واسع
وقوله { فالموجودات حقائق متأصلة } بيان لما هداه الله سبحانه له ودله عليه وهذا صحيح في كون الوجود حقيقة متأصلة لا اشكال فيه وانما الاشكال في المصداق فالمصداق عنده ليس له ضابطة فمرة يريد منه المعنى البسيط المعبر عنه بهست في اللغة الفارسية وتارة يريد به المطلق اي المعنى المصدري يعني الكون في الاعيان وتارة يريد المفهوم العام وهو المطلق الاصطلاحي الصادق على الواجب والحادث والحاصل قد تقدم سابقا الاشارة الى ما يريد به ونحن اذا اردنا به ما به التحقق من انا لا نتكلم الا في الوجود الحادث لانه مبلغ علم جميع الخلائق ومن تجاوز هذا الحد فقد هلك واهلك واذا اردنا به الحادث فمرة نريد به المادة المطلقة والماهية ح هي الاولى اعني ماهيته وهي انفعاله وهي الصورة ومرة نريد به المجموع منهما فباعتبار كونه اثرا وجود وباعتبار كونه انه هو هو ماهية هذا مجمل القول
وقوله { والماهيات هي الاعيان الثابتة التي ما شمت رائحة الوجود اصلا } قيل معناه انها هي الاعيان اي الموجودات الخارجة بواسطة الوجود الثابتة في الذهن بالذات ما شمت رائحة الوجود بالحقيقة ومن حيث ذاتها فان ما به الحقيقة موجود هو الوجود ويحتمل ان يكون قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه اشارة الى هذا انتهى وقيل انها عنده موجودة في الاعيان حقيقة بمعنى انها ليست من الانتزاعيات الصرفة كالفوقية ونحوها ومعنى عدم تأصلها على زعمه عدم مجعوليتها بالذات بل اثر الجاعل بالذات وما يترتب عليه حقيقة هو الوجود لكن يوجد بكل مرتبة منه بحيث يكون ذلك وجودها فان الماهية متحدة بالوجود في الوجود بحيث يتحلل ذلك الموجود الى شيئين في العقل واذا قال ان الماهية امر اعتباري فمراده ذلك وهذا باعتبار ان الامر الاعتباري كما هو تابع بوجود ما ينتزع منه فكذلك الماهيات بالنسبة الى الوجودات وان كان بينهما فرق من جهة اخرى هذا ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله انتهى وقال المصنف في كتابه الكبير في اخر فصل عقده لتحقيق اقتران الصورة بالمادة بهذه العبارة : فما يحصل في العقل من نفس ذاته يسمى بالذاتيات وما يحصل فيه لا من ذاته بل لاجل جهة اخرى يسمى بالعرضيات فالذاتي موجود بالذات اي متحد مع ما هو الموجود اتحادا ذاتيا والعرضي موجود بالعرض اي متحد معه اتحادا عرضيا وليس هذا نفيا للكلي الطبيعي كما يظن بل الوجود منسوب اليه بالذات اذا كان ذاتيا بمعنى ان ما هو الموجود الحقيقي متحد معه في الخارج لا ان ذلك شيء وهو شيء اخر متميز في الواقع انتهى وفي مواضع من ذلك الكتاب ما يدل على انها امر اعتباري كالفوقية وكلامه فيها مختلف وظاهر قوله في هذا الكتاب هنا هي الاعيان الثابتة التي ما شمت رايـٔحة الوجود يحتمل انه يريد انها متحققة في الخارج من قوله الاعيان الثابتة ولو احتمل ارادته بالثابتة ما ثبتت في العلم الازلي وقوله { ما شمت رائحة الوجود } يعني في الاعيان لم يكن بعيدا ويحتمل انه يريد انها امور انتزاعيات اعتباريات كالفوقية من قوله ما شمت رائحة الوجود وقوله { ما شمت رائحة الوجود } يحتمل كونها عدمية اعتبارية ويحتمل ارادة انها ما شمت رائحة الوجود بالاصالة اذ لا وجود لها وانما هو الوجود وقال بعض الصوفية في تحقيق له يقول اني وفقت له بعد طول الكد من عند الملك الودود قال : والماهية هي المسماة عندنا بالعين الثابتة ان اعتبر ثبوتها في العلم الازلي وبالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها وظهور صورته فيها وقد تطلق الحقيقة على الماهية مطلقا مجازا وقول العامة ماهية الشيء ما به هو هو لا يصح عندنا على ارادة ما يحققه في نفسه بل هي نوعية والشيء ما له التحقق فافهم انتهى والحاصل ان الظاهر من كلام المصنف ان الوجود متحد بالماهية هو كونها موجودة خارجا فيكون قوله ما شمت رائحة الوجود انها موجودة بالتبع بمعنى انها انجعلت بجعل الوجود وقد ذكرنا في الفوائد منع تحقق الجعل المركب على دعويهم وانما الموجود الجعل البسيط لان المجعول ان كان وضع له اسمان مختلفا الدلالة والمفهوم بحيث يفهم ان المجعول شيئان فلا بد من جعلين اذ يمتنع ايجاد شيئين مختلفين بفعل بسيط غير مختلف كما يمتنع ايجاد ا بحركة كتابة ب لان الحركة التي تصدر عنها ا يمتنع ان يصدر عنها ب او ج بل في الحقيقة ان ج لا يمكن كتابتها بوجه واحد من راس حركة بسيط بل لا بد من ثلاثة ومثل ايجاد يد زيد فالحركة الايجادية التي صدر عنها انملة الابهام غير الحركة التي صدر عنها العقدة التي تلي الانملة وهما غير ما وجد به الظفر فما به الوجود غير ما به الماهية ولذا كما تقول الوجود اولا وبالذات والماهية ثانيا وبالعرض تقول ما به الوجود اي الجعل الذي به الوجود اولا وبالذات والجعل الذي به الماهية ثانيا وبالعرض وما بالذات غير ما بالعرض وقد قلنا ان الوجود يدور على جعله على التوالي والماهية تدور على جعلها بخلاف التوالي وما بالتوالي غير ما بخلاف التوالي وفي الحديث قال له اقبل فاقبل وقال للجهل اقبل فادبر وهو اشارة الى هذا فافهم
وقوله { وليست الوجودات الا اشعة واضواء النور الحقيقي والوجود القيومي جلت كبرياؤه } المعروف منه ومن غيره من كلماته مما رأيت من كتبه وما سمعت من النقل عنه انه يريد بكون الوجودات الحادثة اشعة واضواء من النور الحقيقي انها بارزة من ذاته كبروز الاشعة من جرم الشمس بغير فعل ولم تكن مسبوقة بشيء الا بذاته ولو كانت بفعل لكانت مسبوقة به والفعل كله حادث وهذه الوجودات لم تسبق بحادث فهي اظلة القديم او من سنخه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا واصل هذه المذاقات الفاسدة تلقوها من الصوفية فوقعوا في هذه المقالات الشنيعة
ومن هذا ما قال الشيخ محمد بن ابي جمهور الاحسائي في كتابه المجلي قال : واعلم ان من جملة ما استدل به اهل هذه الطريقة على ان الوجود المطلق هو الواجب لذاته ان يقال كل ممكن قابل للعدم ولا شيء من الوجود المطلق بقابل للعدم ينتج لا شيء من الممكن بوجود مطلق وينعكس الى لا شيء من الوجود المطلق بممكن فيكون واجبا لذاته وليس الوجود الممكن هو القابل للعدم لان القابل يبقى مع المقبول والوجود لا يبقى مع العدم فالقابل له هو الماهية لا وجودها وزوال الوجود في نفسه وارتفاعه ليس بممكن لان العدم ليس بشيء حتى يعرض للوجود والا لزم انقلاب الوجود الى العدم وهو محال فالقابل له هو الماهية ويكون قبولها له زوال الوجود عنها والمطلق لا يحتاج الى ماهية يقوم بها ليمكن زواله عنها واقول قولهم ولا شيء من الوجود المطلق بقابل للعدم غير مسلم بل ممنوع لانه ان اراد به ما يتناوله الاسم فهو ممنوع وهو عين الدعوى وان اراد بالمطلق معنى البحت الخالص فهو مسلم الا انه يبطل القياس فان لا شيء من كذا يستعمل في المتعدد ولو بالاعتبار بل ولو بلحاظ معنى الكلي فرضا واعتبارا ذهنا وخارجا مطلقا ثم قال وفي التحقيق الممكن لا ينعدم وانما يختفي فيدخل في الباطن الذي ظهر منه والمحجوب يتوهم انه ينعدم وهذا الوهم انما نشأ من فرض الافراد الخارجية للوجود وليس فان حقيقته واحدة لا تكثر فيها وافرادها موجودة باعتبار اضافتها الى الماهيات والاضافة امر اعتباري فلا افراد لها موجودة لتنعدم وتزول بل الزائل اضافتها اليها ولا يلزم من زوالها انعدام الوجود وزواله والا لزم انقلاب حقيقة الوجود بحقيقة العدم هف اقول قوله وانما يختفي فيدخل في الباطن الذي ظهر منه صريح في القول بوحدة الوجود وان ظهوره من الباطن الذي يختفي فيه ولادة فلا تصح سورة الاخلاص بما فيها من قوله تعالى لم يلد ولم يولد ( ولم يكن له كفوا احد خل ) وفي الكافي بسنده الى علي بن الحسين عليهما السلم ان اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علي عليهما السلم يسألونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فلا تخوضوا في القرءان ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من قال في القرءان بغير علم فليتبوأ مقعده من النار وان الله سبحانه قد فسر الصمد فقال الله احد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا تتشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والوهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولد منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الارض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما تخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب وكالنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفؤا احد ه فتدبر كلامه عليه السلم لتعلم ان كلام ابن ابي جمهور لم يستند فيه الى اقوال ائمتنا عليهم السلم بل استند الى اقوال الجهال وائمة الضلال فلذا قال ما قال يعني ان وجودات الحوادث خرجت منه تعالى عن قولهم وترجع وتختفي فيه وقوله : وهذا الوهم انما نشأ من فرض الافراد الخارجية للوجود صريح في دعواه ان حقيقته هي الله فينبغي انه ( ان خل ) يعبد نفسه افرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة وقوله : بل الزائل اضافتها الخ اخذه من قولهم السابق وليس الوجود الممكن هو القابل للعدم لان القابل يبقى مع المقبول والوجود لا يبقى مع العدم ومعنى هذا هو ما ذكرته لك سابقا من دورانهم على صدق الالفاظ في الجملة لان الوجود ضد العدم ولا يجتمع ولا يحل به بل يتعاقبان على الماهيات وهذا اذا اريد بالوجود مصدر وجد فان وجد ضد عدم بلا شك ولكن الكلام في الوجودات التي هي الذوات وتلك يحلها اذا كانت ممكنة العدم وان ارادوا به المعنى المصدري فقياسهم في الوجود المطلق باطل ولكن منشأ خطائهم ان الوجود الحق تعالى يصدق عليه لفظ وجود والمعنى البسيط المعبر عنه في الفارسية بهست يصدق عليه وجود والمعنى المصدري والمفهوم وغير ذلك يصدق عليها وجود فاذن الوجود حقيقة واحدة بسيطة غير متفاوتة ولا متعددة وانما التكثر باعتبار الاضافة الى الماهيات كنور الشمس هو واحد وانما اختلف باعتبار اضافته على الزجاجات المختلفة والاضافة اعتبارية والاعتباري موهوم لا حقيقة له الا في الفرض العقلي فافعل ما شئت بعد ما ثبت عندك صدق لفظ الوجود على ما يتعارف وثبت عندك ان الاعتباري لا تحقق له فقل زيد حي باعتبار وزيد ميت باعتبار وزيد رب باعتبار وزيد عبد باعتبار ومع هذا كله ويقولون ( كله يقولون خل ) هي براهين عقلية قطعية ثم قال واذا لم يكن للوجود افراد حقيقية لا يكون عرضا عاما وما يقال انه يقع على افراده لا على التساوي فيكون مشككا باطل لان ذلك انما هو باعتبار الكلية والعموم وهو من حيث هو لا عام ولا خاص ولا كلي ولا جزئي بل التحقيق في اختلافه انه باعتبار تنزله في مراتب الاكوان وحضوره في حظائر الامكان وكثرة الوسائط يشتد ويضعف ظهوره وكمالاته وباعتبار قلتها تشتد نوريته ويقوى ظهوره فتظهر كمالاته وصفاؤه فيصير اطلاقه على القوي اولى من اطلاقه على الضعيف لان له مظاهر في العقل كما ان له مظاهر في الخارج كالامور العامة والكليات التي لا وجود لها الا في الذهن فتفاوته انما هو باعتبار ذلك الظهور العقلي فالتفاوت لا في نفس الوجود بل في ظهور خواصه من العلية والمعلولية وكونه قائما بنفسه وبغيره وشدة الظهور وعدمه واقول تدبر كلامهم الدال على ان حقيقة الواجب تعالى وحقيقة الحوادث شيء واحد ولكن لخوف التطويل تركت بيان ما فيه من الفساد والتضليل الا ان من تتبع كلامي وعرفته ( عرفه خل ) ظهر له فساد كلامهم كله في هذا النوع ليس فيه شيء من الحق ومخالف لكلام ائمة الهدى عليهم السلم ثم قال اذا عرفت ذلك فالماهيات كلها وجودات خاصة علمية ليست ثابتة خارجا ( خارجة خل ) منفكة عن الوجود كما توهمه المعتزلي بل ثبوتها منفكا عن الوجود الخارجي في العقل وكلما في العقل من الصور فائضة من الحق وفيض الشيء من غيره مسبوق بعلمه فهي ثابتة في علمه تعالى وعلمه وجوده لانه عين ذاته واقول تفهم قوله فان الاشياء كلها في ذاته ثم قال فلا تكون الماهيات شيئا غير الموجودات المتعينة في العلم والا كانت ذاته محلا للامور المتكثرة المغايرة لذاته تعالى الله عنه واقول هو يقول : وفيض الشيء عن غيره مسبوق بعلمه فجعلها مغايرة وهي في علمه وعلمه ذاته ثم يقول : والا كانت ذاته محلا للامور المتكثرة فان قال انها حاصلة في ذاته حصولا جمعيا وحدانيا لا يلزم منه التكثر كما يقوله اخوانه الملا محسن والمصنف وابو نصر الفارابي ومميت الدين ابن عربي وغيرهم فاقول لهم هو سبحانه يعلم ان فيه شيئا غيره ام لا فان قلت يعلم كانت ذاته محلا لها وان كان لا يعلم ان فيه شيئا غيره ولا معه بطل كلما قلتم فلا يكون في علمه الذي هو ذاته شيء غيره كما قال الصادق عليه السلام كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم الحديث ثم قال بل الحق ان الوجود تجلى بصفة من الصفات فيتعين ويمتاز عن الوجود المتجلى بصفة اخرى فتصير حقيقة ما من الحقائق وصورة تلك الحقيقة في علم الحق هي المسماة بالماهية والعين الثابتة بل هي الماهية واقول فيه انه قد اختلفت حالاته والمختلف حادث فان قلت لم يختلف لذاته بل المختلف التجليات قلت هي تجليات افعال ام تجليات ذات فان كانت تجليات افعال فهل تلك الحقائق المسماة بالماهيات اختلف ( اختلفت خل ) حالاتها قبل التجلي وبعده ام لا فان لم يحصل اختلاف في شيء من هذه الفروض لم يتجدد شيء ولم يحصل تجل اصلا وان حصل الاختلاف اما في الذات او في الحال فيها ومن كل يلزم التغير والحدوث ثم قال ولها وجود في عالم الارواح وهو حصولها فيه ووجود في عالم المثال وهو ظهورها في صورة جسدانية ووجود في الحق وهو تحققها فيه ووجود علمي في اذهاننا وهو ثبوتها فيه وبقدر ظهور نور الوجود بكمالاته تظهر تلك الماهيات ولوازمها تارة في الذهن واخرى في الخارج فيقوي الظهور ويضعف بسبب القرب من الحق والبعد عنه وقلة الوسائط وكثرتها وصفاء الاستعداد وكدره فيظهر للبعض جميع الكمالات اللازمة لها وللبعض دون ذلك وصورها في اذهاننا ظلالات تلك الصور العلمية حاصلة فينا بطريق الانعكاس من المبادي العالية او لظهور نور الوجود فينا بقدر نصيبنا من تلك الحضرة الالهية ولهذا صعب ادراك الحقائق على ما هي عليه الا على من تنور بنور الحق وارتفع الحجاب بينه وبين الوجود المحض فانه يدرك بالحق الصور العلمية على ما هي عليه في انفسها وينحجب عنها بقدر انيته فيحصل التمييز بين علم الحق بها وبين علم هذا الكامل بها فغاية عرفانه اقراره بالعجز والقصور وعلمه برجوع الكل اليه
انتهى ما اردت نقله من كلامه فقد بين لك انها كلها في ذاته كما قال : ووجود في الحق وهو تحققها فيه ولا شك ان هذا التحقق فيه دليل مغايرتها له تعالى وبين ان الكامل منا يعني يكون تابعا لابن عربي وعبد الكريم الجيلاني وامثالهما يرتفع الحجاب بينه وبين الوجود المحض فانه يدرك بالحق الصور العلمية الخ وهذا ظاهر لانه انما اثبت كونها في ذاته لانه كشف عنه الحجاب فرءاها مرسومة في ذاته ولو لم يرها منتقشة فيه لماحكم بذلك اما ترى لما كنا لم ندرك ذلك انكرنا ثبوتها في ذاته لعجزنا عن ادراك ذاته فحكمنا بعدم كونه محلا لغيره من جهة الدليل العقلي والذي يشاهد بالمعاينة يحكم بمقتضاها ولقد قال تعالى يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون اللهم اني اشهدك اني ابرأ اليك والى نبيك واهل بيته الطاهرين وانبيائك المرسلين صلى الله على محمد واله الطاهرين وعليهم اجمعين والى عبادك الصالحين وملائكتك المقربين من هذه الاقوال الباطلة ومن التدين بها في الدنيا والاخرة فاثبتها لي فيما القاك به يا ارحم الراحمين واعلم اني انما تركت البحث في هذه مفصلا لطول الكلام عليه والقليل قد اشرت اليه فيما مضى ولا تتوهم ان مثل هذا الذي سمعت مني هو دليلي فتظن اني ارد كلامهم بالشتم والتبطيل لا بالدليل اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين فاما الشتم فلست ارضى به ولا يؤذن لي فيه واما تبطيل ما هو باطل فذلك واجب بالدليل فمن انس بعباراتهم لا يكفيه القليل ولست بصدد التطويل فمن شاء ذكره وما يذكرون الا ان يشاء الله
فقول المصنف { فالوجودات حقائق متأصلة } هو مثل ما سمعت من كلام ابن ابي جمهور فان طريقتهم واحدة ولو انهم قالوا انها حقائق الاشياء المتأصلة في الحدوث اقامها سبحانه باظلتها في اماكنها واوقاتها فهي في الحقيقة اثار فعله لم تكن مذكورة قبل فعله بحال كونها ولم تكن شيئا قبل تكوينه كان كلامهم مستقيما وله معنى وذلك انه تعالى انما ذكرها حين خلقها وهو سبحانه الذاكر قبل الذكرين ( الذاكرين خل ) ولا مذكور فذكرها بايجادها بفعله وحقيقتها (ظ) من فعله انها اثره لا انها مركبة منه بل الفعل مبرأ عنها كان الله سبحانه ولا شيء معه وهو الأن كما كان ثم اخترع بفعله عنصرا نسبته من فعله كنسبة المصدر الذي هو الحدث من الفعل اي كنسبة ضربا الى ضرب وهذا الحدث هو الذي نسميه تارة بالماء الاول وتارة بالالف اللينة وتارة بالنفس الرحماني الثانوي وتارة بالحقيقة المحمدية وفلك الولاية وتارة بالوجود المطلق او محل الوجود المطلق والوجود الراجح او محله وركن الوجود والتجلي الاعظم وهذا الوجود قسمه عز وجل الى اربعةعشر قسما لم يحتمل اكثر منها وهو ذات الذوات وبه تذوتت وبقيت هذه الاربعةعشر الطيبة تسبح الله وتعبده وتثني عليه بكل ما يمكن من الثناء الف دهر كل دهر مائة الف سنة ثم اذن لها فاشرق نورها وشعاعها ثم خلق من ذلك الشعاع المتعلق بتلك الحقيقة تعلق النور بالمنير القائم بها قيام صدور مائة الف نور واربعة وعشرين الف نور كل نور هو روح نبي من انبيائه فعلم المنير ذلك النور كيفية تسبيح الله وعبادته والثناء عليه باسمائه الناطقة عليهم بوحي الله صلى الله على محمد واله الطاهرين فبقوا يعبدون الله سبحانه بالتوجه الى وجهه الباقي الذي هو ذلك المنير الاول المقسوم باربعة عشر قسما صلى الله عليهم والسلم واليه الاشارة بقولي في مدح الحجة عليه السلم عجل الله فرجه وفرجنا به في ذكر توجه الانبياء عليهم السلم الى الله تعالى به قلت :
فنوره وحيهم ووجهه قبلتهم فحيث صلوا وصلوا
وذلك في الف دهر ثم خلق الله سبحانه من انوار الانبياء عليهم السلم ارواح المؤمنين وهكذا حكم مراتب الوجود متسافلا كل سافل خلق من شعاع ما فوقه لا من نفس طينته الى طينة الحقيقة المحمدية وهي خلقت لا من شيء ولا اصل لها ترجع اليه قبل خلقها بفعله تعالى فكل شيء راجع الى الله تعالى برجوعه الى ما خلق منه وهو قول سيد الوصيين امير المؤمنين حجة الله على الخلق اجمعين بعد ابن عمه واخيه خاتم النبيين صلى الله عليهما والهما الطاهرين انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الحديث والمراد بمثله مبدؤه فافهم فليس للوجود المخلوق حقيقة في الخالق بوجه من الوجوه ولله در من قال :
اذا كنت ما تدري ولا انت بالذي تطيع الذي يدري هلكت ولا تدري
واعجب من هذا بانك ما تدري وانك ما تدري بانك ما تدري
وقوله { الا ان لكل منها نعوتا ذاتية ومعاني عقلية هي المسماة بالماهيات } يشير به الى تعيناته لان الاعيان الثابتة عندهم من حيث امتيازها عن المطلق لها تعينات عدمية وتعينات وجودية وتلك التعينات الوجودية الحاصلة لها هي عين الوجود فهي اي الماهيات كلها وجودات خاصة علمية كما تقدم في كلام صاحب المجلي فلا تكون الماهيات شيئا غير الوجودات المتعينة في العلم الذاتي والتعينات العدمية هي الانتزاعية العقلية والحق ان للوجودات التي هي المواد نعوتات هي قوابلها المسماة بالماهيات الاولى التي هي الصور والانفعالات وبها قوام الوجودات ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وهي التعينات النوعية وللوجودات التي هي الاشياء نعوتات شخصية فالاولى في الخلق الاول كعمل المداد للكتابة والثانية في الخلق الثاني كالصور التي بها تشخصت الحروف والكلمات وبهذه النعوتات طابت الاشياء وخبثت فقوله ان لكل منها اي وجود من الوجودات المقيدة قيودا ونعوتا هي المسماة بالماهيات والمراد بها في الخلق الثاني لان المعاني العقلية مفاهيم للاشياء لا لاجزائها وهذه النعوت هي اسماء تلك الوجودات فيقال وجود زيد ووجود الفرس فظاهر كلامهم من قولهم وجود زيد ان الاضافة بمعنى اللام وعليه يكون النعت هو الوجود لا الماهية وعلى قولنا تكون الاضافة بيانية فالمنعوت هو الوجود وزيد بدل بيان المسمى باصطلاح النحاة بعطف البيان والنعت ما نسب اليه من اسم وفعل وقول وعمل وصورة خارجية او ذهنية ولهذا الشيء نعت نوري معنوي سماه الله به ووسمه به فقال في الاشارة الى ذلك بقوله الحق لا يستطيعون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حيوة ولا نشورا وهذا هو النعت الوجودي وقال لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا وله نعت ظلماني وسم به فقال تعالى تعرفهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول وقال واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم انا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { توضيح فيه تنقيح - اما تخصيص الوجود بالواجبية فلنفس حقيقته المقدسة عن نقص وقصور واما تخصيصه بمراتبه ومنازله في التقدم والتأخر والغنى والحاجة والشدة والضعف فبما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته العينية بحسب حقيقته البسيطة التي لا جنس لها ولا فصل ولا تعرض لها الكلية كما علم واما تخصيصه بموضوعاته اعني الماهيات والاعيان المتصفة به في العقل على الوجه الذي مر ذكره فهو باعتبار ما يصدق عليه في كل مقام من ذاتياته التي يبحث عنه في حد العلم والتعقل ويصدق عليه صدقا ذاتيا من الطبائع الكلية والمعاني الذاتية التي يقال لها في عرف اهل هذا الفن الماهيات وعند الصوفية الاعيان وان كان الوجود والماهية فيما له ماهية ووجود شيئا واحدا والمعلوم عين الموجود وهذا سر غريب فتح الله على قلبك باب فهمه انشاء الله تعالى }
اقول : يريد به تفصيل ما ذكره سابقا قال في التعليقات : الفرق بين ما ذكره في هذا الفصل وبين ما ذكره في الفصل السابق انه يعلم في هذا الفصل وجه كون التخصيص بنفس الحقيقة مفصلا مصرحا بخلاف ما مر وايضا يعلم في هذا الفصل ان ما كان متقدما وما كان متأخرا لماذا صار كذلك ولم يحصلا بعكس ما كانا هذا على احتمال او معنى التخصيص بالتقدم والتأخر مثلا على احتمال اخر كما سننبه عليه انشاء الله تعالى بخلاف ما مر وايضا يعلم مفصلا في هذا الفصل ما اراده بقوله فيما مر بامور لاحقة من انها ليست منحصرة في العوارض الخارجية بل الماهيات داخلة فيها بخلاف ما مر وبالجملة قد بين وفصل في هذا الفصل الامور السابقة على الوجه اللائق بلا قصور فلهذا عنونه بهذا العنوان انتهى يعني بالعنوان قوله { توضيح فيه تنقيح } واقول ان المصنف ذكر سابقا هذه الاشياء فعرض له احتمالات ترد عليه باعتبار اطلاقات ما مر فاستطرد التوضيح لدفع ما قد يتوهم او ما فهمه من وروده عليه وعلى كل حال لا بأس به اذا كان دافعا لا يراده كافيا لمراده فقال { اما تخصيص الوجود بالواجبية } يعني انه لما ذكر بعض تخصيص افراد الوجود استطرد ذكر تخصص الواجب وان كان مستغنيا عن التعريف او انه وجد احتياج المقام الى التعريف او انه ادخله في جملتها كما يفهم من بعض كلامه سابقا فقال تخصيص الواجب ( تخصيص الوجود ظ ) بالواجبية والاولى ان يقال تخصصه او اختصاصه بالواجبية لان التخصيص لا يكون من ذات المختص الا ان يريد به اثباته في ذهن العارف فلنفس حقيقته يعني انه بذاته تخصص لا باعتبار شيء غير ذاته ومعنى الكلام صحيح على ارادة معنى اثباته في الافهام ومحو الاوهام المقدسة عن نقص وقصور نفي بهذا القيد مطلق الاحتياج ومطلق المغايرة فانها من النقص والقصور واما تخصيصه بمراتبه ومنازله في التقدم والتأخر كالرتبة والغنى للبسيط منه والحاجة للمركب من الوقت والمكان والكم والكيف والوضع الى غير ذلك من المعينات والمشخصات كما ذكرنا سابقا والشدة والضعف اللازمين للرتبة والجهة والكم والكيف والمكان والتقدم والتأخر فبما فيه من شؤنه الذاتية الخ واعلم ان المصنف اراد من المخصص بالذات الواجب عز وجل كما قال اما تخصيص الوجود بالواجبية وهو ظاهر
واما قوله { تخصيصه بمراتبه ومنازله } فيريد بها الوجودات الممكنة والضمير في منازله ومراتبه يعود الى الواجب الحق تعالى عن ذلك علوا كبيرا يعني انه يتنزل في مراتبه ومنازله في ظهوراته وهو يعني تنزل الذات بذاتها الى المقامات السفلية فيتكثر ذلك الواحد البسيط لذاته بهذه المراتب والمنازل التي هي شؤنه وحوائجه ليقضي منها وطرا فيعرض له بواسطة تلك المراتب والمنازل امور معينة ومشخصة للوجه الواقع منه في تلك الرتبة والمنزلة لان تلك الامور من لوازم تلك المراتب والمنازل فبذاته نزل في تلك المرتبة لاجل ذلك الشأن فلزمته لذاته لا من حيث نفسه لبساطتها وتقدسها بل من حيث تنزله في تلك المرتبة لان تلك الامور التي شأنها التشخيص والتعيين لازمة لتلك المرتبة ولمن تنزل فيها فمن حيث نفسه هو بسيط لا كثرة فيه ولا تعدد ولا تشخص وما لحقه من تلك الامور المشخصة لافراد مظاهره فقد عرضت له بواسطة مراتب نزوله وما تقدم من ظهوره في بعض مراتبه على بعض فلخواص بعضها المقتضية لذاتها في الترتيب الطبيعي ان تتقدم فيتقدم الظهور لامتناع الترجيح من غير مرجح فما هو متقدم من مراتب الوجود لا يمكن ان يعكس وبالعكس ويحتمل ان يكون المراد ان ما ينتزع منه المفهومان من مراتب الوجود عند ملاحظة العقل لهما يجد بعضا متقدما وبعضا متأخرا صار كل من المفهومين او مما انتزع منه المفهومان سببا للامتياز ولتقدم بعض على بعض على اختلاف آرائهم فقوله { واما تخصيصه بمراتبه ومنازله } الى قوله { فبما فيه من شؤنه } اي ان تخصيصه بالمراتب والمنازل واختلافها في الامور المذكورة من التقدم والغنى والشدة واضدادها فبسبب ما في ذاته من شؤنه ودواعيه الذاتية لكونها صورا في علمه وعلمه عين ذاته وكذا تلك الحيثيات العينية اي الاعتبارات والجهات المتعددة بحسب ما هي عليه في علمه من صورها الذي هو اي علمه عين ذاته عرض لها الاختصاصات والنسب المذكورة على حسب الشؤن المذكورة التي هي مباد لهذه الامور المذكورة وفي الحقيقة كلها من لوازم المراتب بسبب شؤنه اي دواعيه او اسباب دواعيه وبواعثه التي هي اسباب تلك الامور المذكورة لان هذه الشؤن كما ذكرنا مكررا صور وجودية في علمه الذي هو ذاته فبها صدرت وبها تحققت وبها عدمت وبها بقيت ومنها برزت واليها تعود وكل ذلك بحسب ذاته وحقيقته البسيطة التي لا جنس لها ولا فصل ( لها خل ) ولا تعرض لها الكلية لذاتها لكمال حقيقته
ثم قال { واما تخصيصه بموضوعاته } التي عرض لها في الذهن اعني الماهيات والاعيان المتصفة به في العقل لانهما في الخارج متحدان وانما يعرض لها في ظرف التحليل على الوجه الذي مر ذكره فباعتبار ما يصدق على الوجود من الماهيات في كل مقام ورتبة من ذاتياته مما هو كالجنس والفصل والنوع والخاصة والعرض العام التي يبحث عنه اي ذلك الصادق في حد العلم وفي التعقل كما جرى عليه اصطلاح الحكمة النظرية ويصدق عليه صدقا ذاتيا لاتحاده بها في الخارج وذلك الصادق من الطبائع الكلية والمعاني الذاتية لعل العطف تفسيري لان المراد من الطبائع هي الحقائق التي هي المعاني التي هي الماهيات وهي المسماة في عرف العرفاء بالماهيات لانها هي حقائق الاشياء من حيث هي وعند الصوفية هي الاعيان لانهم كما تقدم يسمونها اي الماهيات بالاعيان الثابتة ان اعتبر ثبوتها في العلم الازلي وبالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها وظهور صورته فيها فمدار تخصيص كل وجود بموضوعه الخاص به على اعتبار ما يصدق عليه فما صدق عليه منها فهو معروضه الخاص به
ثم قال ان الوجود والماهية في الوجود الذي له ماهية اي الفرد الحادث منه شيء واحد لا تعدد فيه الا في الذهن عند ارادة التحليل لنظر العقل الى نفس المفهوم
ثم قال { والمعلوم } اي الماهية { عين الموجود } الذي هو الوجود ولما كان هذا الفصل انما وضعه للتوضيح ولتتميم ما نقص او خفي من المراد او من البيان ذكر هذا وقد كان ذكره قبل هذا للاشارة على ان الاتحاد بينهما كما هو في الخارج كذلك هو في الذهن وانما يتغايران في الذهن بالنظر الى مفهوميهما كما قال سابقا في نظر العقل عند ارادة التحليل
ثم قال { وهذا سر غريب } يعني ان كون الماهية منشأ للتمييز مع انها عين ما تميز بها وعين ما اتحدت به ولاجل هذا كانت الوجودات المتعددة غير مختلفة نوعا لما ذكر من كون علة التمييز علة الاتحاد فيه سر غريب لبعده عن افهام القاصرين
واقول واما بيان المصنف في مراداته مما هو مخالف للحق على سبيل الاختصار والاقتصار : فان قوله ان تخصيص الوجود بالواجبية فالاولى ان يقال تخصص او اختصاص لا تخصيص لانه فعل الغير ولا يكون اختصاصه تعالى محصلا من غيره الا ان يراد به اثباته في الافهام وازالة التعدد والحاجة عن الاوهام على ان ذلك كله تحديد لخلقه كما قال الرضا عليه السلم كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فكل هذه الاعتبارات تحديد لما سواه
واما تخصيصه بمراتبه فان اعاد ضمير الوجود الى الحق تعالى كما حملنا عليه كلامه كما هو صريحه واراد الحقيقة فهو باطل لانه تعالى لا يتغير عن حاله قبل الايجاد والا لكان حادثا وانما ظهوره لما شاء بايجاده اياه كما قال امير المؤمنين عليه السلم لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه فظهوره للخلق ايجادهم لا انه يتنزل انظر الى اياته في الافاق فهذا السراج ظهر لجميع اشعته بها واحتجب عنها بها ولم يخل منها شيء بمعنى قيومية فعله وامره لا بذاته فانه لا يتغير عما هو عليه وهذا اية الله تعالى ولو كان كما قال لظهر في مظاهره ولا يمكن الا بان يتصف بصفاتها
واما ما ذكر من شؤنه فانما هي شؤن احدثها بفعله من خلقه لخلقه لم تكن مذكورة في ذاته الا بفعلها واما انه عالم بها فالمراد انه عالم في الازل بها في الحدوث فهو في الازل بذاته الذي هو الازل يعلمها في اماكنها واوقاتها وليست في الازل والا لكان معه غيره واما حصول صورها في علمه فهو علمه الحادث الذي هو اللوح المحفوظ وامثاله كما قال تعالى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ
واما الامور المذكورة التي هي علة التعدد فهي قوابل الاشياء وانفعالاتها وشرائط ايجاداتها وهي محدثة معها على جهة المساوقة كالكسر والانكسار لم تكن تلك المشخصات الخاصة قبل المشخص ولا بعده ولا حقيقة للوجودات الحادثة الا الحقيقة المحمدية (ص) ولا حقيقة لها قبل ذلك قال امير المؤمنين عليه السلم : انتهى المخلوق الى مثله وقال عليه السلام علة الاشياء صنعه وهو لا علة له ه وتفصيله كما اشرنا اليه سابقا
واما تخصيص الوجود فيما له موضوع فموضوعه هو الموصوف منه والعارض هو الصفة وقد ذكرناه مرارا وان ما اتحد خارجا في الحقيقة اتحد ذهنا الا باعتبار شيء تصفه به او تنسبه اليه خارجا وح هو في الخارج بتلك الجهة غير متحد
واما تحقيق الماهيات فقد اشرنا اليه سابقا للماهية الاولى الركنية والثانية الهوية اي الموجود من حيث هو فراجع
واما ان المعلوم اي الماهية عين الموجود فقد ذكرناه وليس على هذا المعنى بل كما قلنا فان الوجود الموصوفي هو المادة والصفتي هو الصورة والمجموع منهما باعتبار كونه اثرا وجود وباعتبار كونه هو هو ماهية
واما ما ذكره من كون ما به التمييز هو ما به الاتحاد فهو على ما اشرنا اليه هو الماهية الاولى التي هي الانفعال هي التي بها التمييز لانها مجموع المشخصات التي بها التمييز
واما التي بها الاتحاد فليست هي التي بها التمييز فان ما به الاتحاد على دعواه هي هوية الشيء وحقيقته من نفسه وهذه لا يكون بها التمييز بل يمكن ان يقال ان هذه ايضا لا يكون بها الاتحاد اذ لا تتحقق الا باعتبار مغاير للاعتبار الذي به يتحقق الوجود فهي على المذاقين لا يكون بها الاتحاد وقد يكون بها التمييز على المذاقين اما على المذاق الاول فلانها هي الانفعال الذي هو محل الحدود المشخصة وبه يحصل التعين لانه القابل والمقبول يظهر بها ويجري الايجاد على مقتضاه كما يشير اليه قوله تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم واما على المذاق الثاني فكما قلنا من انها لا تتحقق الا باعتبار مغاير لما به يتحقق الوجود من الاعتبار واما مأخذ اتحادهما عندهم في الخارج من جهة الفهم الذي هو منشأ دليلهم الصناعي هو انهم فهموا ان هوية الشيء هو الماهية ووجودها حصولها ولا مغايرة بينهما وهو الاتحاد المراد واذا فتشت فيه وجدت موصوفا وصفة مع ان تعليله عليل فان قوله ولاجل هذا كانت الوجودات المتعددة غير مختلفة نوعا يعني انها متحدة في النوع كالانسان اي الحيوان الناطق وهو متعدد في الشخص كزيد وعمرو وكالخشب المتحد في النوع المتعدد في الشخص اي في الباب والسرير وغيرهما وهذا ظاهر في كل الانواع ومع هذا يلزم ان هذه الوجودات تدخل تحت نوعها كما تدخل الانواع منها تحت جنسها فلا فرق بين الوجودات وغيرها بخلاف ما قرره المصنف وفي كلامي هذا بان ما به التمييز هنا لا يكون به الاتحاد كما سمعت سر غريب لبعده عن افهام المدعين لعدم القصور
قال : { قال الشيخ الرئيس في المباحثات ان الوجود في ذوات الماهيات لا يختلف بالنوع بل اذا كان اختلاف فبالتأكيد والتضعف ( التضعيف خل ) وانما يختلف ماهيات الاشياء التي تناول الوجود بالنوع وما فيها من الوجود فغير مختلف النوع فان الانسان يخالف الفرس بالنوع لاجل ماهيته لا لاجل وجوده انتهى كلامه فالتخصيص في الوجود على الوجه الاول بحسب ذاته وهويته واما على الوجه الثاني فباعتبار ما معه في كل مرتبة من النعوت الذاتية الكلية }
اقول : يريد بنقل كلام الشيخ الاستشهاد على اتحاد الوجود في نفسه وان تعدده انما هو باعتبار تعدد موضوعاته فقول الشيخ : ان الوجود في ذوات الماهيات اي في الوجودات التي لها ماهيات يعني بها ما سوى الوجود الحق يعني ان الوجود فيما له ماهية لا يختلف بالنوع اي في نفسه بل هو شيء واحد بل اذا وجد اختلاف فيه وتكثر فبسبب تأكيده في نفسه وتضعيفه كذلك كما في ظهور مراتبه على نوع التشكيك فيعرض له الشدة والضعف مع بقاء الوحدة وصدقها عليه وانما تختلف ماهيات الاشياء التي تناول الوجود بالنوع يعني انها يختلف ( تختلف خل ) بالنوع فاذا اختلفت تلك الماهيات بانواعها تعددت تعلقات الوجود بها وما فيها من الوجود المتعلق غير مختلف بالنوع فان الانسان يخالف الفرس بالنوع لاختلاف فصليهما اللذين عندنا هما ماهيتاهما الاولىين وعند المصنف وعند القوم هما كالماهيتين وما في زيد والفرس من الوجود غير مختلف وهذا الوجود عندنا هو الحصتان من الحيوان وعندهم هما كالحصتين وبالجملة كما ان اختلاف الانسان والفرس انما هو لاختلاف فصليهما والا فحيوانيتهما غير مختلفة بالنوع كذلك اختلافهما انما هو باعتبار ماهيتيهما فان ماهية الانسان غير ماهية الفرس مع اتحاد وجودهما ولذا علل الشيخ اختلاف الانسان والفرس فقال لاجل ماهيته لا لاجل وجوده ففرع المصنف على ما قرره الشيخ بيان ما قرره هو فقال { فالتخصيص في الوجود على الوجه الاول } والظاهر ان مراده بالاول تخصيصه بمراتبه ومنازله في التقدم والتأخر والغنى والحاجة والشدة { بحسب ذاته وهويته } يعني به ما قال قبل في قوله : فبما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته العينية فانه بحسب ذاته وهويته لانه حين كونه في رتبته من الثبوت الازلي قائم في القدم بما له من الشؤن الذاتية والحيثيات العينية اي في العلم الذي هو ذاته تعالى عما يقولون علوا كبيرا فتخصيصه في هذه الرتبة وهي اول ما له من مراتب التعين بهذه الشؤن والحيثيات { واما على الوجه الثاني } وهو تخصيصه بموضوعاته { فباعتبار ما معه في كل مرتبة من النعوت الذاتية الكلية } والا فهو واحد بلا تعدد لذاته ويحتمل ان يريد بقوله { على الوجه الاول } واما تخصيصه بالواجبية فلنفس حقيقته المقدسة عن نقص وقصور وبقوله { على الوجه الثاني } تخصيصه بمراتبه ومنازله الخ بما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته العينية ومن الوجه الثاني تخصيصه بموضوعاته ويؤيد ارادة الاحتمال الاول حسن ظني بالمصنف تخفيفا لشناعة القول وان كان لا يجدي نفعا وجعلي له انه الظاهر من جهة تخفيف الشناعة ويؤيد المعنى الثاني قوله في الوجه الاول { بحسب ذاته وهويته } كما قال فيه اولا : فلنفس حقيقته المقدسة وفي الوجه الثاني { فباعتبار ما معه في كل مرتبة من النعوت الذاتية } كما قال فيه اولا : بمراتبه ومنازله في التقدم والتأخر والغنى والحاجة والشدة والضعف فبما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته العينية وانما لوحنا بترجيح الثاني لما يلوح به ويصرح من وحدة الوجود بل والموجود هذا كله على رأيه في حكم الوجود من التوحد او التعدد
واما على رأينا فلا نتكلم في ذات الله تعالى لان من تكلم في ذات الله تعالى لا يزداد عن الحق الا بعدا وانما نتكلم في الوجود الحادث الذي هو من نظائرنا فاقول كان الله عز وجل وحده ولا شيء معه يعني انه ما يعلم ان معه شيئا غيره وهو الان على ما كان ثم انه احدث الفعل بنفسه اعني مشيته وارادته وابداعه وقدره وقضائه وما اشبه ذلك من انواع افعاله ثم احدث به امكانات الاشياء الكلية والجزئية على نحو العموم والكلية التي لا يتناهى منها شيء في الامكان وهذا هو العلم الذي لا يحيطون بشيء منه مثلا امكان زيد احدثه بمشيته الامكانية فكان على نحو الكلية في جزئيته فيمكن ان يخلق مما يمكن ان يكون زيد منه قبل ان يكون كليا وجزئيا وانسانا وحيوانا وجنة ونارا وملكا ونبيا وشيطانا وارضا وسماء وبرا وبحرا وهكذا الى غير النهاية هذا امكان زيد فاذا خلق منه زيدا جاز ان يغير زيدا الى ما شاء مما ذكر ومما لم يذكر الى غير النهاية وهكذا كل شيء يمكن فيه كل شيء قبله وبعده فكان كل شيء ممكنا بمشيته الامكانية ولا يعلم احد من الخلق من ذلك العلم شيئا فاذا قلت زيد يمكن ان يكون كذا وان يكون كذا بلا نهاية يعلم العارفون بالله ذلك ولكن لا يعلم احد من الخلق اي شيء منها يكون الا اذا اخبر تعالى به او كونه وهو قوله ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء تكوينه او الاخبار به فافهم فلذا قلنا كان كل شيء ممكنا بمشيته الامكانية ثم انه تعالى خلق نورا وطينة طيبة ولم يكن قبلها شيء وهذا هو الماء وهو الوجود وهو الحقيقة المحمدية (ص) وهو الامر الذي اقام به كل شيء فكان باعتبار جهاته الست الظاهرة والباطنة ومقبوله وقابله اربعةعشر ركنا لا غير فتكثر هذا الوجود وقابله وجهات نوره وجهات طينته الى هذا العدد خاصة فخلق من شعاعه نورا ومن شعاع هذا النور نورا فتكثرت تنزلاته باشعته في مراتبها ففي كل مرتبة تكثرت افراده من جهة المشخصات فالمتشخص وجود واحد موصوفي ومشخصاته صفاته من الجهة والرتبة والكم والكيف والوقت والمكان والوضع والاذن والاجل والكتاب والاعمال الكونية والشرعية وما اشبه ذلك اصلها انفعاله وقابليته وهذه حدودها ومتمماتها ومكملاتها فتخصيص الوجود الحق بالواجبية هو ولا يعرف حقيقة ذلك الا هو تعالى ولا كلام لنا الا في عنوانات معرفته واما الوجود المخلوق فلم يكن مذكورا قبل كونه الا في امكانه ولم يكن مذكورا قبل امكانه بشيء ولا يعلم الله سبحانه ان في الازل غيره والازل ذاته وليس في ذاته شيء غير ذاته لا صورة ولا مثال ولا تعين ولا ما يصدق عليه اسم الشيء ثم امكنه في امكانه لا من شيء ولا لشيء بمشيته الامكانية فكان عنده بذلك مذكورا ثم كونه بمشيته التكونية ( التكوينية خد ) وهو العلم الذي يحيطون به اي المستثنى في قوله تعالى الا بما شاء يعني ما شاء تكوينه او الاخبار بتكوينه ثم تكثرت الاشياء على نحو ما ذكرنا اولا بقوابلها وحدودها ومتمماتها ومكملاتها في كل رتبة من مراتب ظهوراته فالواجب عز وجل ظهر بافعاله ومفعولاته وهو جل وعلا لا يظهر بذاته ولا يتنزل بها ولا يتغير عن حاله ابدا وما سواه من الوجودات المحدثة تظهر بذاتها وبافعالها وباشعتها والوجود الاول منها الحقيقة المحمدية وهو اول فايـٔض عن المشية الكونية وامكانه اول ما امكن بمشيته الامكانية وهو امر الله الذي قامت به السموات والارض وفيه قال الصادق عليه السلم في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك ثم خلق به ارض ( الارض خل ) الجرز والارض الميتة وهي قابليته التي ذكرها في كتابه وهو الزيت في قوله يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فتخصيص هذا الوجود بذلك الزيت المسمى بالارض الجرز وبالارض الميتة لان هذا الوجود هو الماء المساق الى الارض الميتة والارض الجرز وتخصيص كل وجود حادث بتلك المشخصات لانها صفاته وهو الموصوف وكل شيء انما يتخصص بصفاته ويتعدد بتفاوتها كالجهة مثلا والرتبة فبعض يخالف الاخر في الجهة وان وافقه فيها خالفه في الرتبة وبالعكس وان وافقه فيهما خالفه في الكم او في الكيف وهكذا فالتكثر من المشخصات وهي صفات وجودية والمتشخصات وجودات موصوفية فهو وجود واحد كالمداد في الكتابة للحروف المتكثرة المختلفة بمشخصاتها لان الوجود هو المادة المطلقة وتعدده كتعدد الباب والسرير والسفينة من الخشب وانما اكرر التعريف حرصا على التفهيم ومع هذا التكرير والترديد فان فهمت المراد فانت انت والله سبحانه ولي التوفيق
واما قول المصنف { فباعتبار ما معه } فليس كما قال وان كان اللفظ صحيحا الا انه لم يرد المصحح اذ الوجود ليس معه شيء غيره نعم يمكن فيه بالفعل التكويني اظهار ما بالقوة الى الفعل كالكسر فانه ليس فيه شيء غيره ولكن بالفعل يظهر ما يمكن منه وهو الانكسار الذي به يتمكن من الظهور ويتشخص
قال : { ولا يبعد ان يكون المراد بتخالف الموجودات نوعا كما اشتهر من المشائين هذا المعنى اذ هو بعينه كتخالف مراتب الاعداد انواعا بوجه وتوافقها نوعا بوجه فانها يصح القول بكونها متحدة الحقيقة اذ ليس في كل مرتبة من العدد سوى المجتمع من الوحدات التي هي امور متشابهة ويصح القول بكونها متخالفة المعاني الذاتية اذ ينتزع العقل من كل مرتبة نعوتا واوصافا ذاتية ليست ثابتة لغيرها ولها آثار وخواص متخالفة يترتب عليها بحسب احكام نفسه ينتزع من كل مرتبة لذاتها خلاف ما ينتزع من مرتبة اخرى لذاتها فهي بعينها كالوجودات الخاصة في ان مصداق تلك الاحكام والنعوت الكلية ذواتها بذواتها فاتقن ذلك فانه من العلوم الشريفة }
اقول : يريد ان ما ذكره لا يبعد ان يكون مراد المشائين في تخالف مراتب الاعداد انواعا مطابقا لمراده في التمثيل بناء منه على ان الاعداد ومراتبها غير الوجودات ومراتبها او على المغايرة بين الوجود والموجود والا فعلى ما ذكره في كتابه الكبير كما تقدم النقل عنه ان الاعداد منها لان لها وجودات بنسبتها فالكلام فيهما واحد فان مراتب الاعداد تختلف انواعا بوجه كالاحاد والعشرات والمئات وتتوافق نوعا بوجه فتخالفها من جهة اختلاف كم افرادها ومراتبها كثرة وقلة والكثرة والقلة احد المشخصات الموجبة باختلافها للتعدد وقد اشار المصنف الى اختلاف كمها في الافراد والمراتب في تعليله تخالفها بقوله اذ ينتزع العقل من كل مرتبة نعوتا واوصافا ذاتية ليست ثابتة لغيرها اي ليس نعت واحد منها ثابتا لغيره وتوافقها لاتحاد حقيقتها لتألف كل منها من هيئات الواحد كما قال المصنف اذ ليس في كل مرتبة من العدد سوى المجتمع من الوحدات التي هي امور متشابهة والمراد بالوحدات جمع وحدة وهي صفة الواحد لان الاعداد كالخمسة مركب من خمس صفات وامثال من الواحد اذ الواحد متعدد بامثاله في كل عدد بقدر تعدد قوابله كتعدد امثال الوجه الواحد عند مقابلة المرايا المتعددة واستدل على صحة القول بتعدد انواعها باعتبار واتحادها باعتبار بحمل التخالف عليها بوجه والاتحاد بوجه بناء على طريقتهم من الاعتماد على صحة الحمل سواء كان اوليا ذاتيا او صناعيا متعارفا وجعل اختلافها من امور ذاتية لها لما يدرك العقل منها من كونها اوصافا ذاتية لها واتحادها من اجتماعها من صفات متماثلة لكونها امثال الواحد وبالجملة فقد جعل اختلاف مراتب الاعداد من مغايرة اوصاف ذاتية بعضها لبعض واتحادها من تألفها من وحدات متشابهة كما جعل اختلاف الوجودات في مراتبها ومنازلها باحوال ذاتية لها واتحادها لكونها من نوع واحد ونحن نقول ان الغلط نشأ عليه من ترتيب مقدمات ادلته المعنوية لا من مادتها والاشارة الى بيان الغلط فيها ان الاعداد كلها مركبة من هيئات الواحد وامثاله فنفس الامثال على طريقته هي مثال الوجود لان الوجودات عنده كالمواد والاشياء تتركب من المواد والصور والقوام للمواد والاحكام للصور كما ذكرنا سابقا من ان السعادة والشقاوة انما هو في بطن الام اي الصورة لا في المادة كما ترى في الصنم فان القبح في صورته لا في المادة التي عمل منها الصنم وعنده كذلك ان الشقاوة والسعادة انما هي في الماهية لا في الوجود ومادة الاعداد نفس الوحدات واما ما لحقها من الكثرة والقلة والزوجية والفردية والوقوع في الاولى مرتبة الاحاد او العشرات او المـٔات وما لحق ذلك من التمامية والكمالية والكمال الظهوري والكمال الشعوري والنقص والزيادة وما اشبه ذلك فهي لواحق لمتممات او متممات وكل ذلك هو الصورة والصورة خارجة من الوجود داخلة في الشيء واما عندنا فهي خارجة من الموصوف داخلة في مطلق العدد كما ان تلك الشؤن التي جعلها ذاتية للوجودات وهي المخصصة لها ليست ذاتية لها لان الوجودات هي الموصوفات وهذه المخصصات صفات خارجة عنها نعم هي داخلة في مطلق الوجودات اعني الموجودات لانها الركن الاسفل منها وهي الفصول والفصول ليست ذاتية للاجناس وانما هي ذاتية للانواع لانها الركن الاسفل فالمشخصات والمخصصات ليست ذاتية من الحصص وان كانت اجزاء من الانواع والاشخاص والحصص هي الوجودات فتشخصها وتخصصها بامور خارجة هذا على اعتبار الوجود بالمعنى الذي نتوافق معهم فيه واما على المعنى الذي نختص به وهو ان الموجود كزيد والفرس والشجرة والجدار بلحاظ كونه اثرا لفعل الله ونورا لله سبحانه نسميه وجودا وبلحاظ كونه هو هو نسميه ماهية ومشخص هذا الوجود عندنا هو الماهية اي ماهيته لتوقف ظهوره او تعينه في الوجود والحصول عليها لا في الوجدان عند نفسه لانه اذا وجد نفسه انما يجد ماهية اذ الوجود لا يجد نفسه الا الوجود الذي ليس له ماهية غيره عز وجل فانه من حيث هو وجود عين ماهيته وذات نفسه بلا مغايرة لا بالاعتبار ولا بالفرض فلا تعدد فيه بكل اعتبار مطلقا
وقول المصنف { اذ ينتزع العقل من كل مرتبة نعوتا واوصافا ذاتية ليست ثابتة لغيرها } الخ هو ما قلت لك ان الغلط نشأ عليه من ترتيب مقدمات ادلته المعنوية لا من مادتها كما اشرت لك في بيانه لانه يرى ان هذه المنتزعات ذاتيات للمراتب اي اطوار الوجود في تنزلاته وهي لا تتمشى على قوله ان الوجود والماهية جزءان للموجود سواء فرض اتحادهما ام تعددهما لان المراتب لا تثبت له من حيث هو هو وانما تثبت له بضميمة اسباب المرتبة الخارجة بالنسبة الى الحصة لا بالنسبة الى الموجود فانها في الحقيقة ركن ماهيته واما على لحاظنا الثاني من كون الوجود كون الموجود اثرا ومن كون الماهية كونه هو هو فتدخل المرتبة وما يلحق لها في الوجود من ( حيث خل ) هي نور الله واثر فعل الله لا من حيث هي هي والحاصل مجمل القول ان المخصص والمشخص لو كان ذاتيا للمشخص والمخصص لمافارق التخصيص والتشخيص كما قلنا في الواجب وانما مشخص الحادث ليس ذاتيا له فيبقى في مقام الفناء ينتظر حصول مخصصه فاذا وجد تخصص والا فلا فليس ان مصداق تلك الاحكام والنعوت الكلية ذواتها بذواتها كما توهمه المصنف فاتقن ذلك فانه من العلوم الشريفة
قال : { المشعر السابع - في ان الامر المجعول بالذات من الجاعل والفائض من العلة هو الوجود دون الماهية وعليه شواهد : الاول - انا نقول ليس المجعول بالذات هو المسمى بالماهية كما ذهب اليه اتباع الرواقيين كالشيخ المقتول ومن تبعه ومنهم العلامة الدواني ومن يحذو حذوه ولا صيرورة الماهية موجودة كما اشتهر من المشائين ولا مفهوم الموجود من حيث هو موجود كما يراه السيد المدقق بل القادر بالذات والمجعول بنفسه في كل ما له جاعل هو نحو وجوده العيني جعلا بسيطا مقدسا عن كثرة تستدعي مجعولا ومجعولا اليه }
اقول : قوله في العنوان { في ان الامر المجعول } اي المصنوع بالذات احترازا عن المجعول بالعرض والتبع من الجاعل يعني المعبود بالحق عز وجل والفايـٔض اي البارز وعبر عن هذا الظهور بالفيض لان المفاض يكون ظهوره متصلا سيالا كظهور الماء من الينبوع من العلة والمراد بالعلة هنا هو المعبود بالحق تعالى هو الوجود دون الماهية وفيه اشارة الى ان الماهية غير مجعولة فاول ما يحتاج التنبيه عليه قوله { المجعول بالذات من الجاعل } ظاهر هذا الكلام ان الوجود مجعول بغير واسطة ولا تبعا لمجعول وفيه ان الجعل مستلزم لتوسط الفعل بين الفاعل ومفعوله لانه غير معقول احداث مفعول بغير متوسط ولعل هذا عند التنبه اليه مما لا اشكال فيه وان كان كثير منهم يعبر بعبارة ظاهرها انه ليس الا ذات الفاعل وذات المفعول لا غير الا انك اذا نبهته على ذلك اعترف بوجود الفعل الا اذا كان المفعول هو البارز بنفسه من غير صنع من الفاعل نعم ظاهر كلام كثير منهم ان الفعل امر اعتباري نسبي وليس شيء في الحقيقة الا الفاعل والمفعول والحق ان فعل الله سبحانه ذات تذوتت الذوات منه بل تحقق اعظم المفاعيل بالنسبة الى تحققه كنسبة الشعاع في التحقق الى تحقق المنير وهو آدم الاول وعلى هذا فالجاعل هو الله سبحانه والجعل هو فعله والمجعول هو الوجود وهو الفائض الذي افاضه الله سبحانه بفعله لا من شيء بل بالاختراع لا من شيء ولا لشيء واطلاق العلة على ما قلنا على الله سبحانه مجاز للبيان والا فليس هو علة بل العلة فعله وهو قول امير المؤمنين عليه السلام علة ما صنع صنعه وهو لا علة له ه فقوله { فالفائض من العلة هو الوجود } معناه عنده ان الفائض من ذات الله هو الوجود بناء على مذهبه من ان الوجود حقيقة واحدة فالوجود الصرف البحت هو الله سبحانه والوجود المخلوط بالماهية هو تنزل الصرف البحت الى مراتبه ومنازله فيتكثر بتكثر شؤنه الذاتية لان كل ما كان في الامكان من الذوات والصفات فهو في ذاته بنحو اشرف واما عندنا فالفائض من العلة التي هي فعله تعالى هو الوجودات الجوهرية والعرضية ومعنى كونه فايـٔضا هو كونه مخترعا به لا من شيء ولا لشيء اذ لم يكن له ذكر قبل هذا الفيض
واما الماهية فقد وقع فيها اختلاف كثير وقد ذكر الشيخ لطف الله البحراني لطف الله به في رسالة له طويلة وضعها في حكم الذهب والفضة والابريسم في لبسه والصلوة فيه كثيرا من الاقوال في الماهية قال : اعلم ان العلماء والحكماء اختلفوا في الماهية هل هي مجعولة ام لا فقال بعضهم بجعل الماهيات مطلقا وبعضهم لم يقل بل قال بعدمه مطلقا وبعضهم فرق بين مرتبتها في الاعيان ومرتبتها في العين فقال به في الثانية دون الاولى وبعضهم جعله متعلقا اولا وبالذات بها وبالوجود ثانيا وبالعرض فجعل الوجود تابعا لجعل الماهية على معنى انه لا يحتاج الى جعل جديد وبعضهم على العكس من ذلك وبعضهم عكس فجعله في الاولى بمعنى انها فائضة منه سبحانه دون الثانية وبعضهم جعله متعلقا بها واطلق وبعضهم قال بمعنى انها فائضة منه سبحانه بتجلياته الذاتية بصور شؤنه المستجنة في غيب هوية ذاته بلا تخلل ارادة ولا اختيار بل بالايجاب المحض وبعضهم قال انها ليست مجعولة بل هي صور علمية للاسماء الالهية التي لا تأخر لها عن الحق تعالى الا بالذات لا بالزمان فهي ازلية ابدية غير متغيرة ولا متبدلة وبعضهم قال والمراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا غير وبعضهم قال بجعل استعداداتها ايضا واطلق وبعضهم قال بمعنى انها فائضة من الحق سبحانه الخ من غير طلب منها اليه وبعضهم قال بطلب منها بلسان حالها اليها وبعضهم لم يقل بافاضتها بل قال بعدمه وبعضهم قال انها من مقتضياتها ومقتضى الذات لا يتخلف عنها الى غير ذلك مما تضمنته تلك العبارات عنهم انتهى والمصنف يذهب الى انها غير مجعولة اولا وبالذات ولم تشم رائحة الوجود وانما هي مجعولة ثانيا وبالعرض وتحققها تبع لتحقق الوجود ولذا قال ان المجعول اولا وبالذات هو الوجود دون الماهية
ثم قال في الشاهد الاول ليس المجعول بالذات هو المسمى بالماهية كما ذهب اليه الرواقيون القائلون باعتبارية الوجود وانما المجعول هو الماهية اي الموجود الخارجي ومنهم الشيخ المقتول ومن تبعه كالعلامة الدواني التفاتا الى ان الموجود في الخارج هو الماهية ولا شيء غيره الا ما نعتبره ونفرضه في الذهن من موجودية هذا الخارج ولا الموجود بالذات صيرورة الماهية موجودة كما اشتهر من المشائين وقيل ان مرادهم ان اتصاف الماهية بالوجود فيكون من باب اضافة الصفة الى موصوفها فيكون المعنى على هذا ان المجعول بالذات هو الماهية المتصفة بالوجود يعني انها هي الموجودة فالوجود المحمول عليها هو النسبي او كونها موجودة اي مجعولة بنفسها ويكون الوجود قد ضم اليها للتعبير عن كونها مجعولة بجعل الجاعل وربما وجه كلامهم بمعنى ما قال الشيخ في جواب من سأله عن هذه المسئلة وهو حين السؤال يأكل مشمشا قال لم يجعل الجاعل المشمش مشمشا بل جعل المشمش موجودا يعني انه احدث وجود المشمش وهذا يلائم مراد المصنف من ان الجاعل جعل وجود الماهية فلما لم تكن لذاتها شيئا وانما هي لازمة لوجودها اتحدت به يعني لم يكن لها في الجعل نوع اعتبار غير جعل الوجود ولا الموجود بالذات مفهوم الوجود من حيث هو كما يراه السيد شريف ويكون مصداقه الموجود الخارجي الذي هو لازم له من حيث هو موجود وانت خبير بان الفائض الاول انما اطلق عليه الوجود الذي هو صورة المصدر لانه الصادر من جهة ان ذلك الحصول في مقابلة عدمه فاطلق على الموجود مبالغة في مناسبة التسمية به لان الموجود انما هو شيء بالايجاد والايجاد معنى فعلي والموجود معنى مفعولي والمصدر يصدق عليه لان المفعول ثمرة الفعل واثره فكل صادر اولا وبالذات يكون احق باسم الوجود الذي هو في الاصل حدث حصل من الايجاد واذا قطعنا عن الاقوال والاصطلاحات ظهرت لنا الاشياء بما البسها الله سبحانه من الاسم واذا نظرنا اليها بنظر ما قيل فيها وما اصطلحوا عليه من العبارات تسهيلا لمطالبهم واختصارا في التعبير ظهرت الاشياء لنا بما البسوها من حلل مراداتهم ولم نر عليها الحلل التي البسها جاعلها جل وعلا فلاجل هذا غطت العبارات اغلب الحقائق عن ابصار الناظرين فبهذا النظر لم نعرف الا ما قالوا وهم بعضهم من بعض كما قال امير المؤمنين عليه السلم : ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه فانت اذا اردت ان تعرف الاشياء كما هي فانظرها في الحلل التي البسها جاعلها لان تلك الحلل علامات على المراد منها فافهم فاذا نظرنا الى الاشياء من غير التفات الى كلام القوم اصلا وجدنا ان الجاعل عز وجل اولا جعل الذوات والموصوفات ثم جعل منها صفاتها ولم نجد موصوفات للاشياء غير انفسها فقد جعلها بذاتها لا بشيء والا لكان موصوفا لها وهو اظهر منها ولما كان الشيء قبل الجعل عدما ونفيا كان بعد الجعل وجودا وهو الموجود على نحو ما ذكرنا سابقا فمن قال باعتبارية الوجود لم يجعله مجعولا واذا لم يكن مجعولا لم يكن به جعل المجعول وهذا ظاهر لا يحتاج الى الطلب ومن قال بالمفهوم الذي هو انتزاعي في الحقيقة يكون مجعولا من غيره فلا يكون ذلك الغير مجعولا به والا لزم الدور ولو قيل في تصحيحه انه ليس بانتزاعي لم يقبل منه ولو فرض لكان ضعيف التحقق لا يبني عليه ما هو اقوى منه ومن قال انه عارض مقوم لمعروضه فاسوء حالا ومن قال بانه ماجعل المشمش مشمشا بل جعل المشمش اي جعله موجودا بمعنى انه خلق وجوده ولم يجعله اي الوجود موجودا فكما قبله في البطلان فان الجاعل جعل المشمش وجعل المشمش مشمشا شيء اخر غير الاول والا لما قال لم يجعل المشمش مشمشا فمن جعل الثاني هل هو الجاعل للاول ام المشمش هو جاعل نفسه مشمشا ام غيرهما فان قلت ان كون المشمش مشمشا شيء فهو مخلوق فمن خلقه وان قلت ليس بشيء فلم نفيته وقلت لم يجعل المشمش مشمشا ثم هل كان اللفظ الدال عليه مهملا ام لا فان قلت لو قيل به لزم الجبر في التكليف قلنا انت قل به لانه حق ولا تنكر الحق خوفا من ان يلزمك القول بالباطل اذ لكل مسئلة من حق او باطل جواب حق فاطلبه من اهله وقد دلت اخبار الائمة عليهم السلام على كثير من نظائره وانما اراد بقوله بل جعل المشمش موجودا ان المشمش لما لم يكن شيئا لذاته وانما هو شيء لازم لوجوده اتحد به وهذا توجيه لكلامه من اتباع المصنف وهو غير ظاهر كلامه وانما ظاهر كلامه القول بالاعيان الثابتة في العلم الغير المجعولة وانما المجعول وجوداتها
والتحقيق في بيان الوجود والماهية ان الذات الحق هو الواجب عز وجل وان الخلق كلهم ذوات باعتبار واعراض باعتبار فالعلة ذات لمعلولها وهو بالنسبة اليها عرض وبالنسبة الى معلوله وصفته ذات وهذا حكم كل الاشياء كلها فالوجود اثر وصفة للايجاد الذي هو الفعل مثل ضربا فانه اثر وصفة لضرب فلما احدث بفعله الوجود لزمته هويته وهي الماهية ولا تحقق له بدونها لانه هو جهة الشيء من ربه وهي جهته من نفسه هذا في الوجود الذي هو مادة الشيء والماهية التي هي صورته اعني انفعال المادة وبهذا النظر حكم الوجود الذي هو الشيء المركب الخارجي وحكم ماهيته لان الوجود الركني الاول ( الاولى خل ) خلق بالفعل اولا وبالذات وانفعاله ثانيا وبالعرض وهما مخلوقان فهما اثر فعله تعالى وهو الوجود اعني الشيء المركب الخارجي وجهته من نفسه هي الماهية وهي اثر الوجود وصفته وهو اثر الفعل وصفته فتفهم هذا المعنى المكرر المردد فالفاعل بفعله يفعل والقادر بفعله يصنع والجاعل بفعله يعمل فليس القادر بالذات انه يعمل بذاته بل القادر بالذات يعمل بالفعل والمجعول بنفسه في كل ما له جاعل هو نحو وجوده والمراد على الوجه الحق بالمجعول الاول الذي هو ركن زيد مثلا وهو مادته التي لم تذكر الا في عالم الامكان وذلك بجعل بسيط وهو رأس من رؤس مشية الله وفعله خاص بمادة زيد لم يبرز تشخصه الخاص بمادة زيد الا بها خاصة وصورة زيد التي لم تذكر الا في مادته بجعل خاص بها تابع لجعل مادته مترتب عليه احدثه الله سبحانه فكان ايجاد مادة زيد بجعل وصورته بجعل من جعل مادته وهما معا جعلان ضم احدهما اي الثاني الى الاخر اي الاول فهذان الجعلان فيما من الله سبحانه تكوين ومجعولهما وجود بالمعنى الثاني وفيما من العبد تكون ومجعولهما ماهية بالمعنى الثاني فكان للوجود والماهية معنيان المعنى الاول هو المادة والصورة والمعنى الثاني هو كونه اثر فعل الله تعالى وكونه هو هو وقول المصنف { جعلا بسيطا مقدسا عن كثرة تستدعي مجعولا ومجعولا اليه } يريد انه جعل يفيد الشيء لا غير وعلى هذا فالماهية لم تكن مجعولة بهذا الجعل لانها ان كانت مجعولة به بان يكون لها حظ في الجعل كان الجعل على رأيهم مركبا فيكون حينئذ يفيد الهيئة التركيبية الحملية وان لم يكن لها حظ فيه كان الجعل بسيطا ولكنه يمتنع وقوعه لان المجعول لا بد وان يقبل الجعل وجهة قبوله الجعل التي هي انجعاله غير جهة جعله ويستحيل تعلق بسيط من جهة بساطة تعلقه بشيئين متغايرين ولو تعدد تعلقه لم تكن ( لم يكن خل ) بسيط التعلق ولهذا كان قولك جعلت الطين خزفا اذا كان الجعل متعلقا بجعل الطين وجعل الخزف من الجعل المركب لانه جعلان ولو لم يكن الطين متعلق الجعل كان الجعل انما افاد الخزف خاصة وهو البسيط فهو كقولك جعلت الخزف
قال : { اذ لو كانت الماهية بحسب جوهرها مفتقرة الى الجاعل لزم كونها متقومة به في حد نفسها ومعناها بان يكون الجاعل معتبرا في قوام ذاتها بحيث لا يمكن تصورها بدونه وليس كذلك فانا قد نتصور كثيرا من الماهيات بحدودها ولم نعلم انها هل هي حاصلة بعد ام لا فضلا عن حصول فاعلها اذ لا دلالة لها على غيرها ومن الماهيات الموجودة ما نتصورها ونأخذها من حيث هي هي مع قطع النظر عما سواها اذ هي بهذا الاعتبار ليست الا نفسها فلو كانت هي في حد نفسها مجعولة متقومة بالعلة مفتقرة اليها افتقارا قواميا لم تكن بحيث يمكن اخذها مجردة عما سواه ولا كونها مأخوذة من حيث هي هي كما لا يمكن ملاحظة معنى الشيء الا مع اجزائه ومقوماته }
اقول : لما ذكر الاشارة الى دليل ان المجعول بالذات هو الوجود لانه بجعل بسيط منزه عن كثرة يستدعي مجعولا ومجعولا اليه بان اسم الوجود يصدق اطلاقه على الوجود القديم والوجود الحادث بالاشتراك المعنوي وبان الحادث انما هو تنزل القديم في مراتبه ومنازله بشؤنه الذاتية وبان تخصيصه بنفسه ان كان صرف الوجود وخالصه وان كان المشوب فتخصيصه بالشؤن الذاتية الى اخر ما تقدم ومراده هو واتباعه بان الوجود الحق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا كالبحر والوجودات المشوبة كالامواج وان الوجود الحادث لا يقبل العدم وانما يختفي برجوعه الى ما منه بدئ الى غير ذلك لانه عندهم حقيقة واحدة بسيطة والتكثر عارض حتى ان الملا محسن في الكلمات المكنونة قال : الذات واحدة والنقوش كثيرة فصح انه ما اوجد شيئا الا ذاته وليس الا ظهوره انتهى فلما كان الامر عندهم هكذا وبناء اعتقادهم على هذا كانت الماهية يعني بها ماهيات الاشياء ليست شيئا في نفس الامر الا في الاعتبار والفرض فلهذا اخذ في بيانها بما هو خلاف الوجود فكل ما اثبت لماهية زيد مثلا نفاه عن وجوده وبالعكس حتى لو شئت ان تعرف احدهما عرفته بنقيض صفات الاخر فقال { اذ لو كانت الماهية بحسب جوهرها مفتقرة الى الجاعل لزم كونها متقومة به } وكلامه هذا يفيد ان الوجود الحادث بحسب جوهره مفتقر الى الجاعل ومتقوم به وهكذا في سائر العبارات يعني لو ان الماهية صادرة عن الجاعل لكانت مفتقرة اليه بحسب ذاتها ولو كانت مفتقرة اليه لكانت متقومة به في حد نفسها ومعناها بان يكون الجاعل معتبرا في قوام ذاتها مأخوذا في حدها بحيث لا يمكن تصورها بدونه وذلك كما لوح اليه في امر الوجود الحادث ولا شك ان الجاعل للاشياء لم يكن مأخوذا في حقيقة ماهية زيد وتصورها فلا تكون مفتقرة اليه فلا تكون مجعولة له ونقول عليه هذا الوجود الذي ميزته عن الماهية هل هو موصوف ام صفة فان جعلته موصوفا امكن اخذه مجردا عن جاعله كما في الماهية وعلى قولك يلزمك الا تعلم هل هو حاصل ام لا الا ان تلتجئ في حصوله الى لفظه ( لفظ خل ) اسمه وان جعلته صفة لزمك تقدم موصوفه عليه وان جعلت موصوفه الواجب تعالى كان معروضا للحادث والتزامه بذلك كما يأتي يبطله ما سمعت وتسمع وانت هداك الله ايها الناظر في كتبهم اذا نظرت بعين عقلك رأيت ان هذه امور لا تجري على مذهب المسلمين فان قواعد مذهبهم ان كل ما سوى الله سبحانه فهو مخلوق لله والسبب الذي اوقعهم فيه انهم سمعوا كلام الحكماء الاوائل واساتيذهم الانبياء عليهم السلم يقولون ان الله سبحانه هو الذي خلق الاشياء وربما لم يقولوا بفعله ففهم هؤلاء ان الايجاد والافاضة بذاته تعالى لا بفعله ولذا يقولون ذاته البحت البسيط هو مبدء الفيض وهو علة الاشياء ولو انهم تنبهوا الى شيئين احدهما ان الفاعل والجاعل لا يفعل شيئا بغير فعل وثانيهما ان المفعولات لا تتركب من الفعل ولا من الفاعل بل المفعول يتركب من المادة والصورة كالكتابة فانها لا تتركب من فعل الكاتب الذي هو حركة يده ولا من ذاته وانما تتركب من المداد والصورة فاذا تنبهوا الى هذين الشيئين تنبهوا الى شيئين آخرين احدهما ان كل ما يتصور في الاذهان وتدركه العقول مما وضع له لفظ يدل عليه ومما تدركه الحواس وكل شيء سوى الله فهو مخلوق لله تعالى وثانيهما ان الواجب تعالى لا يكون من شيء ولا يكون منه شيء ولا يحل في شيء وليس فيه شيء ولا يقترن به شيء فلو انهم تنبهوا لهذه الامور لماوقعوا في هذه الامور الشنيعة والاعتقادات الفظيعة (ظ) فاذا عرف ان الحادث انما يحتاج الى فعل الفاعل وانما يتقوم به من المادة والصورة اللتين من نوعه والماهيات تحتاج الى الجاعل من جهة فعله والجاعل ليس من نوعها لتتركب ذاتها منه واذا كان كذلك جاز تصورها بحدودها ولم يدخل فيها لانه لا يدخل في شيء ولا يدخله شيء
وقوله { فانا قد نتصور كثيرا من الماهيات بحدودها } الى قوله { اذ هي بهذا الاعتبار ليست الا انفسها } صحيح وهو الدليل على انها مجعولة لانها متصورة محدودة كما قال الصادق عليه السلام : كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم فقوله عليه السلم مثلكم له معنيان احدهما ان كل ما ميزتموه فهو حادث مخلوق كما انكم حادثون مخلوقون وثانيهما انه مثلكم اي انه صفتكم مخلوق منكم او بكم او عنكم ولقوله (ع) مردود عليكم معنيان احدهما انه غير مقبول منكم اذا توهمتم انه الله تعالى وثانيهما ان كل شيء يرجع الى ما منه خلق والى مبدئه وانتم مبدء ذلك المتوهم ومنكم خلق
وقوله { فلو كانت هي في حد نفسها مجعولة متقومة بالعلة مفتقرة اليها افتقارا قواميا } غير مقبول منه بل المقبول انها في حد نفسها مجعولة وكيف لا تكون ماهيتك مجعولة وانت تخاطبني واخاطبك واقول لك انت وتقول انا فمن المخاطب ومن المتكلم ومن المعنى بانت وانا الا ماهيتك لان وجودك لا انية له وانما الانية للماهية وهذه الانية هي التي بها تعصى وبها تتبع الشهوات ولا شيء من الوجود كذلك فافهم ان كنت تفهم فهي بلا شك مجعولة متقومة بمادتها وصورتها لا بالعلة فان العلة لا يتقوم بها المعلول الا تقوم صدور والذي يتقوم به المعلول تقوم صدور هو الفعل لا الفاعل انظر الى الكلام فهو يتقوم بحركة المتكلم بلسانه واسنانه ولهاته لا بذات المتكلم نعم المعلول يتقوم تقوما ركنيا بمادته وصورته ومتمماتها لا بالعلة كما مثلنا في الكتابة مفتقرة اليها في الصدور خاصة افتقارا قواميا اي ركنيا وهذا انما يكون بالمادة والصورة خاصة فاذا اردت اخذها في الذهن فان اخذتها من حيث كونها اثرا ونورا كما تقدم بيانه لم يمكن اخذها مجردة اذ العرض والاثر من حيث كونه عارضا واثرا لم يؤخذ الا منضما الى معروضه ومؤثره وهي حينئذ وجود بالمعنى الثاني كما ذكرنا اولا فراجع وان اخذتها من حيث هي هي لم يمكن اخذها الا مجردة وهي حينئذ ماهية مثلا انت اخذتك من حيث انت انت لا نحتاج ( لا تحتاج خل ) في تصورك الى شيء غيرك فانت الأن ماهية وان اخذت انك اثر ونور فذلك وجود لا يؤخذ مجردا واما بناء استدلاله هذا على قواعد لا يصح منها شيء فكذا ما بني عليها لانه بني على ان الجاعل مأخوذ في ذات المجعول وذلك باطل فان الكاتب لا يؤخذ في ذات الكتابة وعلى ان الفاعل فاعل بذاته وهذا باطل فان الكاتب كاتب بحركة يده وعلى ان كثيرا من الاشياء ليست مخلوقة لله تعالى اما لكونها امورا اعتبارية وهي عدمية او لانها من مخترعات النفس او انها حملية صناعية لا وجود لها الا في الاذهان استبعادا منهم ان يكون خلق بحرا من زيبق او رجلا له الف رأس فقلت لهم نعم خلقه الله قالوا ارنا اياه ولقد اريتهم اياه مرة بعد اخرى ولكنهم لا يبصرون ولقد روى الصدوق في اول كتابه العلل بسنده الى ابيالحسن الرضا عليه السلم قال يعني السائل قلت له لم خلق الله عز وجل الخلق على انواع شتي ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه وغير ذلك مما هو صريح في ان كل ما سوى الله تعالى فهو خلق الله عز وجل وصنعه وعباده ومما قالوا به ان الموت معنى عدمي اعتباري والله سبحانه يقول الذي خلق الموت والحيوة وروى الفريقان من الخاصة والعامة ما معناه انه اذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار اتى بالموت في صورة كبش املح فيذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا اهل الجنة خلود ولا موت يا اهل النار خلود ولا موت ه
قال : { فاذن اثر الجاعل وما يترتب عليه ليس هو هي بل غيرها فاذن المجعول ليس الا وجود الشيء جعلا بسيطا دون الماهية الا بالعرض فان قلت فعلى هذا يلزم ان يكون وجود الجاعل مقوما للوجود المجعول غير خارج عنه مثل ما لزم من جعل الماهية ومجعوليتها قلت نعم لا محذور فيه فان الوجود المجعول متقوم بوجود علته تقوم النقص بالتمام والضعف بالقوة والامكان بالوجوب وليس لك ان تقول نحن نتصور وجود المعلول مع الغفلة عن وجود علته الموجبة له فلا يكون متقوما به لانا نقول لا يمكن حصول العلم بخصوصية نحو من الوجود الا بمشاهدة عينيته وهي لا تتحقق الا بمشاهدة علته الفياضة ولذا قالوا العلم بذي السبب لا يحصل الا بالعلم بسببه ( بالسبب خ ) تأمل فيه }
اقول : فرع على عدم العلم بجاعلها حال العلم بها على انها ليست متقومة في حد نفسها بجاعلها وهذا صحيح وهذا عنده متفرع على انها ليست مجعولة له وهذا باطل فما المناسبة بينهما وما الرابطة وقد ضربنا لكم الامثال فان الاثر لا يكون متقوما في حد ذاته بمؤثره وكل من نظر بادني نظر لا يشك في هذا الا من كان لا ينظر الا بعين عباراتهم العمياء فانه لا يبصر هذا لانه حصر الاثر فيما اذا تقوم في حد نفسه بالمؤثر وهذا عجيب
وقوله { فاذن المجعول ليس الا وجود الشيء } لان وجود زيد مثلا متقوم في حد نفسه بوجود الحق سبحانه عما يقولون لانه اثره وفائض منه ومجعوله { جعلا بسيطا } لانه من البسيط { دون الماهية } فاذن ماهية زيد ليست مجعولة وعلى هذا فمن زيد اذا كان وجوده متقوما بوجود الله تعالى وماهيته ليست مجعولة فمن هذا الذي يأكل ويشرب
وقوله { الا بالعرض } يريد انه لا حظ لها في الوجود ولم تشم رائحته كما ذكر قبل هذا فهي عدم والا فانها قد شمت رائحة الوجود لان المعروف عندهم اذا قيل انها وجدت بالعرض ان المراد به ان المقصود بالايجاد هو الوجود وان الماهية وجدت للوجود لا لنفسها فان اراد هذا المعنى فقد شمت رائحة الوجود حتى ازكمها وانها مجعولة للحق تعالى عن اقوالهم وان الحق سبحانه غير مأخوذ في حد نفسها وكل هذا حق وان اراد انها معدومة فلم قال باتحاد الوجود بها فان الوجود لا يتحد بالعدم فما ادري ما يقول هذا المحقق وان اراد به انها موجودة بالعرض يعني بواسطة الوجود فكثير من الوجودات وجدت بتوسط بعضها وان اراد انها موجودة بالعرض اي بوجود ضعيف بالنسبة الى الوجود كوجود العرض بالنسبة الى وجود معروضه فاي مانع لها بهذا الاعتبار من الوجود حتى كانت ما شمته مع انه فيما تقدم ذكر بان الوجود هو وجودها في قوله بخلاف الوجود فانه نفس وجود الماهية فيما له ماهية
ثم انه اورد اعتراضا لا مناص له عنه الا بالالتزام به فقال { فان قلت فعلى هذا يلزم ان يكون وجود الجاعل مقوما للوجود المجعول غير خارج عنه مثل ما لزم من جعل الماهية ومجعوليتها قلت نعم لا محذور فيه } فالتزم به لانه اذا جعل وجود الجاعل تعالى مقوما للوجود المجعول غير خارج عنه مثل ما لزم من جعل الماهية ومجعولها التي قال فيها لو افتقرت اليه افتقارا قواميا يعني كما اثبته للوجود لم يمكن اخذها مجردة كما لا يمكن ملاحظة معنى الشيء الا مع اجزائه ومقوماته يريد به ثبوت هذا للوجود المجعول مع وجود جاعله ولذا قال نعم لا محذور فيه يعني لا محذور في جعلنا وجود المجعول جزءا لوجود جاعله وقد صرح بهذا المعنى ولوح فيما مضى وفيما يأتي غير معتذر ولا معترف بالجهل كيف وهو مصرح بان الوجودات منه تعالى بالسنخ وباتحادها به تعالى وانها شؤنه واطواره وتنزلات ذاته في مراتب تطوراتها وانما تميزت منه بما لحقها من لوازم المراتب من جهة العروض من العوارض الخارجية وكل تلك التطورات مع تلك الذات المتطورة حقيقة واحدة بسيطة لذاتها قد طوت تلك الوحدة جميع تلك الكثرات واتحدت اتحادا ذاتيا في تعدداتها العارضة من تلك المراتب ولا يعلم ما فيه فو الله اني لاراه قد خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق
ثم انه بين هذا الاتحاد بما لا يسمن ولا يغني من جوع فقال { فان الوجود المجعول متقوم بوجود علته تقوم النقص بالتمام والضعف بالقوة والامكان بالوجوب } ولا شك ان تقوم النقص بالتمام لا يحتمل الا احد وجهين : اما ان يكون كتقوم الشبح بالشاخص او كتقوم القليل بالكثير بان يتمم الناقص القليل بجزء وحصة من الكثير تتممه وتكثر قلته وكلاهما لا يفيده شيئا ولا يدفع عنه المحذور اما تقوم الشبح كالصورة في المرءاة والنور من المنير فلان حقيقة الشاخص خارجة عن حقيقة الشبح وانما يمده بظهور منفصل من تجليه وهو حادث بحدوث قابله فلا يدخل الشاخص بذاته في حد ذات الشبح واما دخوله فيه في القضايا الحملية فلا بتنائها على ظاهر مفاهيم الالفاظ على نحو ما قررنا قبل كما هو المتعارف لان الحمل حمل متعارف وفي هذا العلم لا يفيد مثل ذلك نعم لو بني بعض مسائله على شيء من ذلك ربما نفع الحمل الاولى الذاتي فيما يتعلق بالممكنات او ببعضها خاصة لان مبني مسائله على الحقائق النفس الامرية فلا يدخل الشاخص في حد نفس الشبح اذ المراد بالدخول في هذا العلم كون الداخل جزء الماهية لا كونه آلة لصحة الاعتبار كما في اخذ المعروض في حد العرض فانه آلة لصحة تصور العرض لا جزء من وجوده فلذا لا يدخل وجود المعروض في حد ذات العرض واما كتقوم القليل بالكثير بان يتمم الناقص القليل بجزء وحصة من الكثير تتممه وتكثر قلته ولا يجوز ذلك في حق الواجب ومثله الضعف بالقوة والامكان بالوجوب على نحو ما ذكرنا فان تقوم الامكان بالوجوب على الحقيقة هو اقامة الوجوب الامكان بنفسه على نحو ما قلنا في الشبح والشاخص واما فرض تقومه بالوجوب على نحو ما قلنا في النقص بالتمام على الوجه الثاني فباطل وكفر وزندقة وبالجملة هذه الطريقة لا يعرف بها المعبود الفرد الاحدي المعنى عز وجل
ومثلها قوله في جواب السؤال المقدر { لانا نقول لا يمكن حصول العلم بخصوصية نحو من الوجود الا بمشاهدة عينيته وهي لا تتحقق الا بمشاهدة علته الفياضة } فاما قوله { لا يمكن حصول العلم بخصوصية نحو من الوجود الا بمشاهدة عينيته } فليس بصحيح اذ لا يتوقف حصول العلم على المشاهدة للمعلوم لا فرق بين الوجود وغيره بل لو قيل بعدم التوقف في خصوص العلم بالوجود لم تبعد صحته لبعده عن الافهام التي هي اقوى واشد من المشاهدة كما هو رأيه سلمنا لكن توقف المشاهدة في التحقق على مشاهدة العلة ضعيف جدا بل هو غلط فاحش لانه مبني على ان علته ركن له حقيقة وهو باطل لا يلتفت الى القول به بل لا يحتاج بطلانه الى البيان
وقولهم { العلم بذي السبب لا يحصل الا بالعلم بسببه } الظاهر انهم ارادوا حيث كان ذو السبب عارضا لسببه لا يتصور من هو عارض الا بحصول تصور السبب لانه معروضه والعارض محتاج في وجوده الذهني والخارجي الى وجود معروضه اذا لوحظ من حيث كونه عارضا وليس اذ ذاك ان وجود المعروض جزء لوجود العرض ولكنه آلة لتصوره ولهذا بدون الحيثية لا يحتاج اليه
قال : { الثاني - ان الماهية لو كانت في حد نفسها مجعولة لكان مفهوم المجعول محمولا عليها بالحمل الاولى الذاتي لا بالحمل الشائع الصناعي فقط فيلزم ان يكون اثر الجاعل مفهوم المجعول دون غيره من المفهومات اذ كل مفهوم مغاير لمفهوم آخر اذ لا اتحاد بين المفهومات من حيث المعنى والماهية ولا يتصور الحمل الذاتي الا بين مفهوم ونفسه او بينه وبين حده كقولنا الانسان انسان او حيوان ناطق واما قولنا الناطق ضاحك فغير جائز بالحمل الذاتي بل بالحمل الصناعي الذي مناطه الاتحاد في الوجود لا الاتحاد في المفهوم }
اقول : هذا هو الشاهد الثاني على كون الماهية غير مجعولة وحاصله انه لو كانت مجعولة لكان معنى المجعول ومفهومه محمولا عليها بالحمل الاولى الذاتي يعني لكان مفهوم المجعول نفسها او نفس ما بمعناها لان معنى الحمل الاولى الذاتي ان يحمل المفهوم على نفسه نحو قولك الانسان انسان او على ما هو بمعناه كحده نحو الانسان حيوان ناطق لا ان يكون الحمل بالحمل الشايع الصناعي الذي يكون الموضوع فيه احد افراد المحمول سواء كان الحكم فيها على نفس مفهوم الموضوع كما في القضية الطبيعية ام على افراده كالكليات والجزئيات والمهملات وسواء كان المحكوم به ذاتيا للمحكوم عليه كالانسان حيوان ام عرضيا له كالانسان ضاحك فاذا جاز حمل مفهوم المجعول عليها بالحمل الاولى الذاتي اي الذي ليس بواسطة امر كما في الحمل الصناعي الذي هو بواسطة الوجود او لكونه اولى الصدق مثل الانسان انسان او اولى الكذب مثل الانسان فرس يعني فاذا ثبت كونها مجعولة جاز حمل مفهوم المجعول عليها بالحمل الاولى الذاتي الذي مفاده الاتحاد في المفهوم والمعنى لزم ان يكون اثر الجاعل اعني الماهية حيث تكون مجعولة مفهوم المجعول دون غيره يعني ان يكون اثر الجاعل هو ماهية مخصوصة واثره ايضا ماهية اخرى اذ لا اتحاد بين المفهومات ولا يتصور الحمل الذاتي الا بين المتحدين في الحقيقة كمفهوم ونفسه او بينه وبين حده كما قلنا ولا يكون بهذا الحمل حمل العرض على معروضه مثل الناطق ضاحك الا بالحمل الشايع الصناعي والمفروض انها مجعولة فيكون حمل مفهوم المجعول بغير واسطة امر كما في الحمل الصناعي فانه بواسطة الوجود وهذا الاستدلال الذي اشار اليه لم يذكر لازمه المانع من صحة كونها مجعولة الا في الاستدلال الثالث لاتحاد اللازم فيهما وقد بان اللازم الذي يزعم انه مانع من ذلك في هذا الاستدلال وهو لزوم تكثر الماهيات لان الوجود انما جاز الجعل فيه لعدم استلزامه التكثر فيبقى الجعل على بساطته لان الوجود كالمادة المطلقة فيقع فيها الاتحاد بخلاف الماهيات لانها هويات الاشياء المتغايرة فلا يكون بينها اتحاد فتتعدد الجعلات على ما يأتي واقول اذا نظرت الى ادلته واستشهاداته رأيتها محض تكلف ليس فيها شيء من النور ولا من العلم ولا من الهدى ولا من الكتاب المنير لان اكثر الزاماته غير لازمة واكثر ما يلزم منها غير مضر وانا اشير لك الى بيان ما هو الواقع مع الاعراض عن نقض الزاماته ليس لتعسرها ولكن لكثرة تردداته حتى كان تركها اولى من ذكرها وانا اذكر لك حقيقة الامر حتى يتبين لك منه الحق ونقض تلك الالزامات لكني اذكر لك كلمات قليلة تنقض تلك الالزامات كلها لمن عرفها:
فاقول انت تقول ان الوجود مجعول فيلزم ان يكون مفهوم المجعول محمولا عليه بالحمل الذاتي الاولى لا الصناعي وشرط الذاتي الاولى الاتحاد بين مفهوم المحمول اعني المجعول والوجود فان اردت مفهوم لفظ الوجود اتحد بمفهوم المجعول وح يكون المحمول عليه هو الوجود النسبي البسيط او المعنى المصدري وهذان وان كانا عندنا من اثر جعل الجاعل الا انهما غير مراد المصنف ومراده حقيقة الشيء وعنده كل افراد تلك الحقيقة شيء واحد بسيط خارجي ولا مجعول بالذات الا هو فيصح الحمل الذاتي الاولى والامر ليس كما قال بل كما ان الماهيات انما تكثرت بالمشخصات المتكثرة المختلفة الخارجة في نفس الامر عن حقيقة الماهية اذ هي الهو وانما تعدد في زيد وعمرو بالعوارض المختلفة كذلك الوجودات انما تكثرت بما تكثرت به الماهيات اذ هو اثر فعل الله تعالى فتكثر في زيد وعمرو بالعوارض المختلفة فالوجود الواحد البسيط في الخارج هو نفس الهيولي عندنا او كالهيولي عنده والماهية البسيطة في الخارج هي نفس الصورة النوعية عندنا وعنده كالصورة النوعية ووجود زيد عندنا حصة من تلك الهيولي هي مادته وماهيته عندنا حصة من تلك الصورة النوعية هي صورته وما في زيد من الوجود والماهية هو نفس ما في عمرو لان مادتيهما حصتان من الحيوان وصورتيهما حصتان من الناطق وموجب التمييز بينهما ليس هو الحصتين من الحيوان ومن الناطق بل هو المشخصات الخارجية فالاتحاد ثابت حقيقة فيما من الحيوان في جميع افراد النوع وفيما من الناطق كذلك فلا فرق بين الوجود والماهية في الاتحاد في افرادهما قبل المشخصات الخارجية وفي التغاير والتعدد بعدها بقي عند المصنف مما يتشبث به كون الوجود مجعولا اولا وبالذات والماهية ثانيا وبالعرض وقد ذكرنا كون الماهية مجعولة حقيقة في مواضع متعددة ونذكر الان وانما قيل ان جعلها ثانيا وبالعرض لانها غير مرادة لله تعالى لذاتها وانما جعلها لاجل قوام الوجود فجعلها مترتب على جعله كجعل الولد فانه مترتب على جعل ابويه لا انها غير مجعولة وكون جعلها متوقفا على جعل الوجود لا يلزم منه كونها غير مجعولة وهذا ظاهر وانا اشرت الى بيان هذا وامثاله ولا اشكال فيه وانما الاشكال في معرفة مرادي واصطلاحي وانا اكرره واردده كما فعلت وافعل لتفهم ذلك ويتحقق عندك
فاقول فاعلم ان الحق ان الماهية مجعولة ثانيا وبالعرض لا اولا وبالذات ومعنى كون جعلها ثانيا وبالعرض كما مثلنا لك سابقا بشراء الفرس وشراء الجل لها لان الوجود هو النور المقصود بالايجاد والماهية هي الظلمة وليست مقصودة لذاتها بالايجاد لكن لما كان المقصود الذي هو الوجود متوقف الظهور والحصول عليها جعلت لاجله لانها هي تمام قابليته للايجاد لان الوجود لما كان في نفسه هو اثر الجاعل اي اثر فعله يعني انه ليس له حقيقة الا ذلك كان لا بد له من حيث هو هو ان يكون له اعتبار من جهة نفسه وذلك هو ماهيته فكان الموجود وجد بجهتين جهة من ربه ولا ينفك عنها ابدا وهي الوجود اي وجود ذلك الموجود وجهة من نفسه لا ينفك عنها ابدا وهي ماهيته التي بها هو هو فكان الوجود اثر فعل الفاعل اولا وبالذات والماهية اثر فعل الفاعل ثانيا وبالعرض لانها غير مرادة لنفسها واعلم انه كان الله سبحانه ولا شيء معه في ازله الذي هو ذاته المقدسة وهو الأن على ما كان ثم بلطفه وبرحمته احدث الفعل بنفسه وامكن به الامكان في رتبته يعني خارج الذات وذلك الذي شقه بفعله الذي هو مشيته هو العمق الاكبر كما في دعاء السمات وذرأ فيه اي امكن بمشيته الامكانية فيه كل شيء ممكن على وجه كلي كما تقدم ثم اخرج من عدم الامكان ما شاء من الاكوان فاول ما احدث بمشيته التكوينية الحقيقة المحمدية (ص) وهي الوجود وهو ( هي خل ) الماء الذي جعل منه كل شيء حي وكانت المشية الامكانية والكونية شخصا واحدا غير محدود بحد لان الحد محدث به فلا يجري عليه وذلك الشخص الشريف العزيز الجبار المطهر القدوس هو آدم الاول وحواه الامكان الاول وهو مكانه ووقته السرمد ولذلك الشخص الشريف رؤس كلية وجزئية بعدد الكل من ما سوى الله فالرأس الكلي يحدث به الاصل الكلي ولذلك الرأس رؤس بعدد اشخاص ذلك الكلي وهكذا الى ما لا نهاية له مثلا يحدث بالرأس المختص بالعقل الكلي الاضافي زحل وفلكه وجميع ما يتعلق عليه ويرتبط به كل شيء منها بوجه منه وهو المربي للعقول الجزئية ولذلك الرأس رؤس ووجوه فيحدث عقل زيد بالرأس المختص به ويحدث عقل عمرو بالرأس المختص به ويحدث برأس كلي اضافي المشتري وفلكه وجميع ما يتعلق عليه ويرتبط به فيحدث علم زيد بالرأس المختص به ويحدث علم عمرو بالرأس المختص به وهكذا في كل كلي وجزئي وفي كل كل وجزء وفي كل ذات وصفة وفي كل ذرة من ذرات الوجود له رأس من فعل الله ومشيته مختص به لا يصلح لغيره الا بنوع من مشخصات الموجود ( الوجود خل ) زائد او ناقص او متغير الهيئة او الجهة او المكان او الوقت او الوضع فكل شيء له جعل خاص به ان كليا فكلي وان جزئيا فجزئي
وادلة هذه كلها وامثالها قد اشرت اليها فيما سبق من قولي بان الادلة ثلاثة كما قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه واله ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فالمجادلة بالتي هي احسن بالعلم الذي هو صور المعلومات ومقره الصدر يعني صدر العقل اي النفس او صدر النفس اي الخيال وهذا يصلح دليلا للاحكام الشرعية والثاني دليل الموعظة الحسنة وهذا يصلح دليلا لتهذيب النفس وعلم الاخلاق واليقين والتقوى وهو بالقلب الذي في الصدر وهو اليقين ويقابله الشك والريب كما ان العلم يقابله الجهل اعني عدم الصورة والثالث دليل الحكمة وهو بالفؤاد الذي هو النور في قوله عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهو الوجود وهو محل المعرفة ويقابلها الانكار كما قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون وقال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وهذا دليل المعارف الالهية والاعتقادات الحقة ولا يصلح المعرفة الا به وكل معرفة نشأت عن دليل غيره فهي مشوبة بالشبه والشكوك ولا يذوق احد طعم العلم العياني الا به خاصة ودليل ما ذكرت لك من هذا اعني دليل الحكمة ومستنده الكتاب والسنة فمن الكتاب قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وقال تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وقال تعالى وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون فقد نطق الكتاب المجيد ان الانفس والعالم فيهما ادلة كل شيء بالمثل كما قيل الحق بالمثل والباطل بالجدل وقد قال الشاعر ونسب الى امير المؤمنين عليه السلم :
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وقال الرضا عليه السلام : قد علم اولو الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما ههنا وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وانت اذا عرفت مراد الله سبحانه بتلك الامثال ومراد اوليائه عليهم السلام بهذا الاستدلال ظهر لك فيما قلت وغيره حقيقة الحال بلا شبهة ولا اشكال ولو اني اردت البرهان على مثل ما سمعت بنحو ما يستدلون به العلماء والحكماء من القياسات والقضايا الحمليات لذهب العمر ولم تقف منه على نور ولا امر من الامور الا كما يقولون من هذه الاشياء المتناقضة والاقوال المضطربة التي لا توصل الى يقين ولا تفيد شيئا من الدين فمن اصغي الى ما قلت وتوجه الى الله سبحانه باخلاص العمل والطاعة فتح له الباب وسبب له الاسباب لانه سبحانه لمن قصده قريب المسافة ومن تحير او عارض بما ليس له به علم فاني ماقلت ما سمعت من نفسي بل اقول له ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون لان كل ما كتبته فعن المعاينة واليقين لا بالظن والتخمين
فاذا اردت اية من الايات التي في نفسك كما قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم تستدل بها على ما ذكرت لك فاية الجعل وجميع مراتب الفعل حركة يدك عند الكتابة فانها متكثرة التعلق والرؤس والوجوه وان كانت في نفسها وفي الحقيقة واحدة لكنها متعددة الوجوه والرؤس بعدد الحروف والكلمات فالحركة التي تحدث بها الالف غير التي تحدث بها الباء وغير التي تحدث بها الجيم وغير التي تحدث بها الحركات والنقط وما به الحرف المتصل كالجيم غير ما به هو في الانفصال وهكذا فالجعل تتعدد وجوهه وتعلقاته وتختلف بتعدد المتعلقات وتعددها باختلاف القوابل كما تتعدد الحركة من يد الكاتب بتعدد الحروف وتعدد المشخصات والمميزات فان الباء كالتاء والثاء في الانفصال والاتصال تميز بينها النقط وهي كالنون في الاتصال والمميز بينها النقط وفي الانفصال تتميز بالهيئة فلا محذور في تعدد الجعل وتكثره لانه فعل والمفعولات منها ما يوجد اولا وبالذات ومنها ما يوجد ثانيا وبالعرض ومنها ما هو ذات ومنها ما هو عرض فالاول هو المقصود بالفعل لفائدته والثاني ليس بمقصود اذ لا فائدة فيه لذاته وانما فائدته لغيره فيوجد لاجل افادة غيره او كالماهية فانها لا فائدة فيها لذاتها وانما فائدتها للوجود لتوقفه في الظهور عليها ولفوائد تظهر به منها لا تكاد تحصى ومعنى توقفه عليها انه لولاها لكان في نفسه فردا بسيطا ولا يقوم بنفسه الا الوجود الحق عز وجل ولذا قال الرضا عليه السلم ان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه او لاجل افادة معنى في غيره كما روي عنهم عليهم السلم ما معناه ان الله سبحانه ما ابقي الخضر عليه السلام بهذا العمر الطويل لتبليغ وحي ولا لانزال امر وانما ابقاه ليكون دليلا على وجود القائم عليه السلم عجل الله فرجه فابقاء الخضر عليه السلام في هذا العمر الطويل ثانيا وبالعرض والثالث هو مقصود بالذات اولا ثم يكون متبوعا بقصد ثان وبالعرض وهذا المعروض فانه مقصود اولا وبالذات ثم يلحقه قصد بالعرض لان وجوده شرط في قابلية العرض للايجاد والرابع هو مقصود بالذات قصدا مترتبا على ( وجود خل ) غيره فيكون ذا جهتين وهو العرض فانه مقصود لفائدة في نفسه الا انها مترتبة على وجود غيره وهو العرض والحاصل ان الماهية مجعولة لكنها ثانيا وبالعرض جعلا مترتبا على جعل الوجود
وقول المصنف { لو كانت في حد نفسها مجعولة لكان مفهوم المجعول محمولا عليها بالحمل الاول ( الاولى خل ) الذاتي } نقول بموجبه بانها مجعولة ثانيا وبالعرض ومفهوم المجعول ثانيا وبالعرض محمول عليها بالحمل الاول ( الاولى خل ) الذاتي في كل شيء بحسبه ولا محذور فيه
وقوله فيلزم ان يكون اثر الجاعل مفهومه مغاير لمفهوم آخر كذلك ان اثر الجاعل في الماهية الذي هو ذاتها ويحمل عليها بالحمل الاولى الذاتي خاص بها كتخصيص وجه حركة يد الكاتب بحرف مخصوص وهو مغاير اي ذلك الاثر الخاص والتأثير الخاص مغايـٔر لتأثير اخر خاص واثر اخر خاص ولا ضرر فيه فانه لا يزيد على تعدد افراد الوجود في مراتبه ومنازله كما تقدم ولا عيب بوجه بل هنا اولى بالتعدد في التأثير والاثر
وقوله { اذ لا اتحاد بين المفهومات من حيث الماهية والمعنى } كذلك الامر وانما لم تتحد الماهيات لما يلحقها من العوارض الذهنية التي بها يتمايز بعضها عن بعض كما في الخارج لان ما في الذهن ان قلنا بانه كله انتزاعي كما هو الحق فظاهر وان قلنا بان بعضه غير انتزاعي بل منه حقيقي فلا منافاة لانا اذا قلنا بقولهم بان حقيقة الشيء تكون في الذهن معراة عن العوارض الخارجية نقول بانها غير معراة عن العوارض الذهنية فلها مشخصات ذهنية وامور اعتبارية بها تتمايز واذا تمايز المفعول تمايز جعله بتمايزه ولهذا كان فعل الله جاريا على الحكمة في فعل الخير وفي فعل الشر كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم وهذا الطبع بفعل الله سبحانه بمقتضى اسباب كفرهم وبه كتب في قلوب المؤمنين الايمان بايمانهم وايدهم بروح منه بحقيقة ما هم اهله والى هذا ونحوه اشار تعالى في قوله وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فكما تعدد الجعل في جزئيات الوجود وافراده بسبب تمايزها بماهياتها ومشخصاتها ولذا تقول تتعدد الوجودات ولا ضرر كذلك تعدد الجعل في الماهيات بمشخصاتها في احد الظرفين كل واحد تتعدد فيه بمشخصاته
وقوله { واما قولنا الناطق ضاحك فغير جائز بالحمل الذاتي } يريد به الذي مناطه الاتحاد في المفهوم والمعنى بخلاف الحمل الصناعي الذي مناطه الاتحاد في الوجود لا الاتحاد في المفهوم ويريد بالوجود حصول الموضوع في الاعيان واعلم ان هذا الاصطلاح وان كان لا مشاحة في الاصطلاح الا انه غير مناسب لمقتضي ضابطة الايجاد لان ما يلزم الشيء لوجوده لا لذاته المناسب ان يقال فيه انه يجتمع مع ما يعرض لوجوده لا انه متحد به لانه لو اتحد به لكان من المشخصات الخارجية وهو ذاتي للموجود يعني انه لا يتحقق الموجود الا به وهذا الموجود ان اتحد بالوجود كما قالوا فهو متحد به في المعنى فيصدق فيه الحمل الذاتي والا فلا يقال انه متحد به بل مجتمع معه فاذا جعل الموجود هو الماهية وجعلت متحدة بالوجود كان المتحد بها متحدا به ضرورة ان المتحد بالشيء متحد بما لحقه من كل لازم به يكون الشيء شيئا في الوجود يعني الخارج فاذا كان قد اجاز اتحاد الضاحك بالناطق في الوجود جاز اتحاد الضاحك بما يتحد به الناطق فيكون الحمل فيه بالاولى الذاتي فيحمل الضاحك على الناطق حملا اوليا ذاتيا وحينئذ يكون الخارج داخلا هف فاذن المناسب ان يكون الضاحك مجتمعا مع الناطق في الوجود لا متحدا وسبب ذلك ان الاتحاد انما يكون بين الشيء ونفسه وبين الشيء ومساويه وما لم يكن كذلك لم يكن كذلك والصفة الخارجة لا تتحد بذات الموصوف والا لكانت داخلا لانها انما تتحد بما هو مصدر لها كالقائم فانه لا يحمل على زيد لا بالحمل الاولى الذاتي لمغايرته له في المفهوم والمعنى ولا بالحمل الصناعي ايضا لان مقتضى الحمل الاتحاد فلو اتحد به في الوجود لكان من مقومات ذاته في الوجود فهو اذن صفة ذات وقائم صفة فعل لانه اسم فاعل القيام فاذن هو انما يتحد بمبدئه ومصدره وليس ذات زيد مصدرا للقيام والا لكان لازم القيام ابدا بل مصدره حركته الفعلية التي نشأ عنها القيام فالقائم مركب من صفة ومن اثرها الذي هو صفتها الذاتية لها بالمبدئية ولذا نقول ان قائم ليس محمولا على ذات زيد لان ذاته ليست قائما اذ قائم صورة فعلها فتفهم هذا لتعرف ان الضاحك لا يحمل على الناطق لا بالحمل الاولى الذاتي ولا بالحمل الشائع المتعارف وانما استعملوه على ظاهر الحال من افهامهم لا على ما هو نفس الامر فان قلت فعلى هذا يلزم ان يكون علم المنطق الذي حصل عليه الاتفاق باطلا لا يفيد في شيء من العلوم قلت اما علم المنطق وما هو مبني عليه فينفع في الاستدلال على الاحكام الشرعية لان مداركها في كلام اهل العصمة عليهم السلام مبنية على قدر افهامهم من الخطابات الشرعية ولهذا قال عليه السلام انا لا نخاطب الناس الا بما يعرفون ه لان حقائق اسرار الاحكام الشرعية لا تدركها عقول المكلفين فسهلوا عليهم السلام مداركها للمكلفين باجرائها على الظاهر ولذا نفع فيه علم المنطق والقول بالظن اذا فقد العلم بخلاف حقائق الاشياء فانها في علم التوحيد بنيت مداركها على نفس الامر وما كان كذلك فكيف يكون منشأ استنباطها ومعرفته مع خفاء اسباب الخليقة تقريبات العقول الضعيفة وتخمينها فتأمل وتدبر
قال : { وثالثها - ان كل ماهية فهي لا تأبى عن كثرة التشخصات والوجودات والتشخص لما كان عين الوجود كما قرره المحققون او مساوقا له كما يظنه الاخرون فلا يمكن ان يكون من لوازم الماهية كالوجود على ما برهن عليه فلو كانت الماهية المجعولة متعددة الحصول في الاعيان كالنوع الواحد المتكثر افراده فلا محالة يكون جعلها متعددا فتعدد الجعل اما ان يقتضي ان يكون بحسب نفس الماهية او تعدد حصولاتها وانحاء وجوداتها فيكون الوجود متعددا بالذات والماهية متعددة بالتبع والشق الاول مستحيل لان صرف الشيء لا يتميز ولا يتعدد فكيف تتكرر نفس الماهية ويتعدد جعلها من حيث هي هي وهذا شيء لا مجال لذي عقل ان يتصوره فضلا عن ان يجوزه فيبقى الشق الثاني وهو ان الصادر بالذات والمجعول اولا على نعت الكثرة هي انحاء الحصولات اعني الوجودات المتشخصة بذواتها وتتكثر بتكثرها الماهية الواحدة }
اقول : هذا هو الشاهد الثالث من التكلفات التي يشهد العقل السليم ببطلانها من غير احتياج الى ابطال وبيان قوله اولا ان الماهية من حيث هي لا تأبى كثرة التشخصات اي لا تمنع من وقوع الشركة فيلزم الا يكون لها تشخص خاص من لوازمها والا لابت وقوع الكثرة لكن التالي باطل فالمقدم مثله وقولهم بان تشخص العقول المفارقة من لوازم ماهياتها يريدون به عدم انفكاكه عنها اي عن العقول المفارقة بمعنى اقتضاءها انحصار انواعها في تشخصه لا بمعنى ان ماهياتها اقتضت ما به التعين والتشخص هو عين الوجود كما يراه المحققون او انه غيره المساوق له كما يظنه الاخرون فلا يكون من لوازم الماهية كما هو للوجود على ما برهن عليه فلو كانت الماهية المجعولة متعددة الحصول في الاعيان مثل النوع الذي تكثرت افراده لانها لا تأبى وقوع الكثرة فلا محالة يكون الجعل الذي جعلت به متعددا كتعدد متعلقاته منها فتعدد الجعل اما بحسب تعدد ذاتها او تعدد حصولاتها فعلى فرض كونها مجعولة يكون التشخص من لوازمها فتكون علة له وقد ثبت انه عين الوجود او مساوق له فعلى الاحتمالين يلزم الدور لتقدمها على ما يتوقف حصولها عليه او على ما يساوقه او التسلسل لتوقف حصولها على حصوله وهكذا وعلى فرض كون جعلها متعددا بحسب تعدد نفس الماهية يلزم ان يكون صرف الشيء من حيث هو هو متعددا وهذا محال فان الشيء من حيث هو هو واحد ولا يتعدد الشيء من حيث كونه واحدا وعلى فرض كون جعلها متعددا بحسب تعدد حصولاتها في الاعيان وانحاء وجوداتها يكون الصادر بالذات والمجعول اولا على نعت الكثرة هي انحاء الحصولات اعني الوجودات المتشخصة بذواتها كما تقدم ان تخصيصه في منازله ومراتبه بشؤنه الذاتية فيكون تعدده من ذاته والماهية لا تكثر فيها لان الشيء من حيث هو هو واحد وانما تتكثر الماهية الواحدة بتكثره بذاته فتدبر هذه المعاني المعقدة الغير المرتبطة بل تدخلها المغالطة والهفوة وتخفي مع انها مبنية على اشياء غير مسلمة بل ظاهرة البطلان فانه قد ذكر بيان قبول الماهية لوقوع الكثرة من حيث هي ثم انكره وقال لان صرف الشيء لا يتميز ولا يتعدد فكيف تتكرر نفس الماهية ويتعدد جعلها من حيث هي هي وذكر ان التشخص هو الوجود او انه مساوق له وعنده انه هو هو
ثم قال { الصادر بالذات والمجعول اولا على نعت الكثرة هي انحاء الحصولات اعني الوجودات المتشخصة بذواتها } وذلك ان قوله ان الماهية من حيث هي لا تأبى كثرة التشخصات فيه ان الوجود ايضا من حيث هو لا يأبى ذلك لانك اذا نظرت الى نفس الحقيقة المعراة عن النسب تساويا في امكان كثرة التشخصات واذا نظرت الى خصوص المرتبة من كل منهما لزم التشخص لكل فرد منهما بلوازم المرتبة وكذا الى خصوص كل منهما والتشخص لا يكون عين الوجود ولا مساوقا لها على القول الاخر دون الماهية لان التشخص يكون على حسب الاتصاف بالوحدة ولا تكون في الحادث الا باعتبار خاص كما ذكرنا سابقا وكل الحوادث مشتركة في حكم التشخص باعتبار والكثرة باعتبار لا فرق في ذلك بين الوجود المخلوق وبين الماهية كك لما ذكرنا من اعتبار الجهتين في كل ما سوى الله والجعل واحد في جهة الوحدة وكثير في جهة الكثرة فيتحد في الجنس ويتعدد في الانواع ويتحد في النوع ويتعدد في الافراد ويتحد في الفرد ويتعدد في الاجزاء والجهات والامكانات والاعتبارات وفيما وضع له اسم او علامة او اشارة او غير ذلك قال تعالى ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار والوجود الذي به تحققت الماهية غير الحصول المتعارف في الذهن او الخارج بل هو ركن الشيء في المعنى الاول الذي ذكرنا سابقا او الشيء من حيث كونه اثرا لفعل الله في المعنى الثاني الذي ذكرنا سابقا فلا يلزم دور ولا تسلسل وكون الشيء صرفا في الملاحظة يكون مانعا من التعدد يصدق على الوجود والماهية والصادر بالذات والمجعول اولا على نعت الكثرة هي انحاء الحصولات اعني الوجودات المشخصة ( المتشخصة خل ) لا بذواتها كما زعمه المصنف لان التشخص بالذات لا يحصل لغير الذات المقدسة عز وجل واما المخلوق كما ذكرنا مرارا متعددة لا يظهر في عالم الاكوان الا بشرائط قبول الايجاد وهي انفعاله بحدود الشرائط المذكورة سابقا اعني الكم والكيف والمتى والاين والجهة والرتبة والوضع والاذن والاجل والكتاب وما اشبه ذلك وكل هذه من علل الماهية وللموجود منها حصص من كل شيء حصة وهي هندسة الماهية وحدودها ومتمماتها ومكملاتها وكلها في الحقيقة خارجة عن اصله اعني مادته التي هي الوجود بالمعنى الاولى نعم هي اعني هذه الحصص داخلة في جملته اعني حقيقة هذا الموجود ظاهره وباطنه اللذين مجموعهما هو ولا تظن من كلامي حيث قررت ان هذه المشخصات ترجع الى حقيقة الموجود ان تخصيصه وتشخصه ذاتي له لان الوجود الذي يشيرون اليه هو مادة الموجود خاصة والصورة وجميع ما لها من المذكورات ليست هي المادة لتكون المشخصات ذاتية له فيكون تشخصه من ذاته وانما هي مغايرة للمادة وان كانت في الحقيقة صفة لها والمصنف يريد بشؤنه التي تشخص بها ميولات ذاتية لذاته غير مغايرة له وان كان بروزها عنه منوط بمراتبه ومنازله ويلزمه التكثر لذاته وعدم الوحدة الا في الاعتبار وقد صرح به هنا في مثل قوله ان يكون الصادر بالذات والمجعول اولا على نعت الكثرة هي انحاء الوجودات اعني الوجودات المتشخصة بذواتها ومع هذا فقد صرح فيما تقدم بوحدته وبساطته المنزهة على ( عن خل ) شائبة الكثرة والحق ان الوجود الممكن ليس له تشخص لذاته والا لزم محذورات ذكرنا بعضا منها سابقا احدها لزوم الجبر في افعال العباد الاختيارية الذي يلزم منه بطلان الثواب والعقاب وفايـٔدة ارسال الرسل بل وبطلان فائدة الايجاد اصلا ورأسا مع انه هو ومتابعوه يقولون بوجوب متابعة ائمة الهدى عليهم السلام في كل ما هم عليه ومع هذا القول يحتاجون الى متابعة اعدائهم والاخذ عنهم انا لله وانا اليه راجعون وحاصل هذا كله ان الوجود الممكن اذا اردت كمال معرفته وصحة الحكم عليه فسمه باسمه الحق فانه صريح الدلالة على ما هو عليه عند الله واسمه الحق هو المادة المطلقة فاذا وفقت لقبول هذا بما يفتح الله سبحانه عليك ولك من البراهين القاطعة والعلم العياني عرفت انه لا تشخص له جزئي من ذاته وانما تتشخص افراده بمشخصاتها الخارجة على نحو ما قلنا فهو كالمداد ليس له تشخص جزئي لذاته نعم تشخص نوعي وافراده كالحروف والكلمات المكتوبة كل واحد منها له تشخص جزئي اعني هذه الهيئات والاوضاع وعرفت ان تلك المشخصات هي الماهيات الاولية اي على المعنى الاول كما مر وانها مجعولة ثانيا وبالعرض على النحو الذي ذكرنا في معنى ثانيا وبالعرض من انها مجعولة بجعل مغايـٔر لجعل الوجود الا انه مترتب عليه يعني ان الوجود هو المقصود بالايجاد وفائدة الايجاد انما هي عنه لكنه لما لم يتمكن من قبول الايجاد واستمرار الثبات الا بالماهية وجب في الحكمة ايجادها دعامة للوجود فهي مجعولة ثانيا وبالعرض فاشرب صافيا من حوض علي عليه السلام فان من شرب شربة لم يظمأ بعدها ابدا
قال : { ورابعها - ان الماهية الموجودة ان كانت نوعا منحصرا في شخص كالشمس مثلا فكونها هذا الموجود الشخصي مع احتمالها بحسب نفسها التعدد والاشتراك بين كثيرين ان كان من قبل الجاعل فيكون المجعول بالحقيقة هو الوجود دون الماهية وهو المطلوب وان كان من قبل الماهية فمع لزوم الترجيح من غير مرجح لتساوي نسبة الماهية الى اشخاصها المفروضة يلزم ان يكون قبل الوجود والتشخص موجودة متشخصة فيلزم تقدم الشيء على نفسه وهو ممتنع ومع ذلك ننقل الكلام الى كيفية وجوده وتشخصه فيلزم الدور او التسلسل }
اقول : يريد ان الماهية الموجودة ان كانت نوعا اعني مفهوما كليا مشتملا بحسب نفسه على افراد متعددة الا ان الحكمة اقتضت عدم تعدد موجودات منها في الخارج في عالم واحد لمصلحة النظام واقتضاء الصنع المتقن اذ لا يتحمل امكانها بدون تغيير الاسباب اكثر من واحد كالشمس فان مفهومها انها كوكب نهاري ينسخ وجوده وجود الليل كما قيل ولم يوجد في العالم الواحد الا واحد وانما قلنا في العالم الواحد لما روي ان الله عز وجل خلق الف الف عالم والف الف آدم نحن في اخر العوالم واخر الادميين وفي بعض الاخبار لم يخلق من التراب الا هذا العالم ولا ريب ان كل عالم فانه مثال لما فوقه فكل ما فيه يوجد فيما تحته مما فوقه ففي كل عالم منها شمس بحسبه فالشموس الف الف شمس الا انه لم يوجد في عالم واحد اكثر من شمس واحدة فكونها اي تلك الماهية الكلية هذا الموجود الشخصي مع ما تقتضيه بحسب نفسها ان كان هذا الانحصار في واحد من الجاعل فالمجعول هو الوجود اذ لو كان هو الماهية فان كان قد جعلها على ما هي عليه اقتضي ذلك وجود ما تقتضيه مما لا تتناهى من افرادها في عالم واحد فلما كان الايجاد من قبل الصنع كان مقتضى الجعل هو الوجود فخرج متحدا وذلك هو المطلوب وان كان الصنع المقتضي لخصوص واحد من نحو الماهية فمع لزوم الترجيح من غير مرجح اذ ليس من افرادها شيء اولى من الاخر فترجيح فرد منها ترجيح بلا مرجح وهو غير جائز يلزم ان تكون الماهية قبل الوجود والجعل من الجاعل وقبل التشخص الذي هو عند المتحققين عين الوجود موجودة متشخصة لانها هي الحاصرة للجعل في واحد على خلاف مقتضى الماهية ولا يكون المؤثر في الموجود معدوما ولا توجد الا بالوجود الذي هو نفسها كما تقدم فيلزم تقدم الشيء على نفسه وهو ممنوع لانه ممتنع ومع هذا اذا نقلنا الكلام الى كيفية ذلك الوجود والتشخص وتوقفه على الوجود لزم الدور والتسلسل واقول هذا الشاهد على عدم جعل الماهية هو مفاد ما تقدم لان كل كلامه يدور على معنى واحد وانما انبه على الاعتراض والمناقشة في اغلب كلامي ولم اذكره لان ذكره يطول به الكلام وربما لا فائدة فيه اذ بمجرد الاشارة الى وجه الاعتراض والخطأ يعرف العاقل الذكي ذلك لان اغلب هذه الامور ضرورية وجدانية ومحسوسة لا يتوقف من عرف كلامي فيه الا من سبقت له شبهة او انس بقولهم او من شأنه انه ينظر الى من قال لا الى ما قال ويعرف المقال بالرجال ولا يعرف الرجال بالمقال والاشارة هنا كما في غيره ان افراد الماهية الكلية والمفهومات الكلية على الظاهر من العلم هي في الامكان وتعددها في ذلك الغيب باعتبار لبسها حلل التمييز والتشخص في عالم الاكوان وعلى الباطن من العلم هي موجودة في خزائن الاكوان الغيبية ولا يظهر شيء منها في الشهادة الا بلباس عالم الشهادة والكلام على الظاهر والباطن فيما نحن فيه شيء واحد وهما داخلان تحت قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والقدرة العامة تقتضي دخولها الذي لا يتناهى في قبضته في خزائن امكاناتها واكوانها والجاعل سبحانه يجري فيها بفعله على مقتضى مصلحة النظام بقابلياتها لا بدون القابليات وقابلياتها في ازمنة وجودها وامكنة حدودها لا في رتبتها من الامكان وخزائن الاكوان الغيبية فاذا اقتضت الحكمة ابراز شيء منها وانزاله في عالم الشهادة البسه ملابس مكان حدوده ووقت وجوده وتلك الملابس هي المشخصات وهي حدود القابليات واركانها فظهر في عالم الكون بتلك المشخصات بما هو مذكور في تلك الخزائن به في هذه الشهادة فافهم التعبير فتعيين الفرد الواحد من قبل الجاعل لان ايجاده وجعله على حكم الاقتضاء والمجعول هو الفرد الخاص من الافراد الممكنة الغير المتناهية والترجيح انما يكون لمرجح وذلك المرجح لا يجوز ان يكون من محض فعل الفاعل والا لزم الترجيح من غير مرجح بل المرجح من المجعول حين الجعل على جهة المساوقة كالانكسار للكسر وهو ترجح ذلك الفرد بقرب قابليته وسبق امكان استعداده عند الفعل لا قبله وحدوث الشرائط بايجاد المشروط كالانكسار عند الكسر لتوفر اسباب قبول الايجاب بقربها اي بقرب التمكن من التمكين وقد اشار سبحانه الى كون الترجح ممكنا قريبا من الترجيح لان الترجيح انما يكون به فقال تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فلا يلزم الترجيح من غير مرجح بل المرجح حاصل وهو ترجح ذلك الفرد على سائر الافراد بقرب قابليته وسبقها الى الايجاد عند صدوره لا قبله ولا يلزم كونه موجودا قبل الوجود فكيف يكون موجودا قبل ان يكون موجودا بل هو موجود حين هو موجود يعني وجد هو واسباب الايجاد مع ظهور الايجاد كالكسر والانكسار فلا تذهب بك العبارات المذاهب المتفرقة فتكون قائلا بما قالوا من غير شعور ظنا منك بانك مشعر فان جميع الاشياء من جميع ذرات الوجود لم يوجد منها شيء بعد اسبابه الخاصة به ولا قبلها بل معها اذ لو كانت قبله لوجد شيء ذو تعلق لذاته قبل متعلقه ولو كان كذلك لم يكن ذا تعلق لذاته ولو كانت بعده لم تكن اسبابا اذ السبب لا يتأخر عن مسببه في الوجود وآية ذلك في العالم في قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الكسر والانكسار فان الله سبحانه قد ضربه مثلا لهذا المعنى المشار اليه وبهذا المعنى يبطل لزوم الدور والتسلسل فافهم
فائدة - اعلم ان الترجح بلا مرجح واجب الوقوع والا لزم الترجيح بلا مرجح ممتنع الوجود والا لاستغنى المعلول عن علته فمعنى ان الترجح ( بلا مرجح خل ) واجب الوقوع ما اشرنا اليه قبل هذا الكلام من ان فعل الله سبحانه لا يتعلق بشيء من المفعولات الا على حسب قابليته ومعنى هذا انه لو تعلق به على حسب مقتضى الفعل من حيث هو لتساوت المفعولات اذ افتقارها اليه على السواء في كل شيء ونسبته اليها على السواء فتكون الاشياء على نمط واحد في القوة والبقاء والعلم والغنى والقرب والخير والسعادة واضدادها بل لا تتعدد الاشياء وانما يوجد شيء واحد اذ مقتضى التعدد والتغاير من المشخصات المذكورة سابقا لا تقاوم مقتضى فعل الله سبحانه بل المفروض الا اعتبار لها فلا يقع تعدد اصلا ولا اختلاف بحال من الاحوال اذ الاختلاف والتعدد انما جاء من قبل اختلاف المشخصات وتعددها كأن يكون شيئان من تفاوت كمهما او كيفهما او مكانهما او زمانهما او رتبتهما او جهتهما او اختلاف الوضع ومراتبه فيهما الى غير ذلك ومن ذلك ان الشيء الممكن في ذاته نسبة الوجود والعدم الى امكانه على السواء فلا بد من ترجح احدهما ليكون فعل الفاعل وقع ترجيحه لمرجح ولا جائز ان يكون المرجح من الجاعل او فعله اذ لو كان كذلك لرجع فعله الى الترجيح ( الترجح خل ) من غير مرجح فافهم واما ان الترجح ( الترجيح خل ) من غير مرجح ممتنع الوجود فبمعني ان الشيء الممكن لا يكون موجودا بغير موجد والا لزم الترجح ( الترجيح خل ) من غير مرجح وهو مستحيل لان الشيء لا يوجد نفسه فللترجح ( فللترجيح خل ) من غير مرجح وجهان احدهما انه واجب كما قلنا بمعنى انه لو لم يكن لزم الجبر في الافعال الاختيارية وبطل النظام على نحو ما ذكرنا من اتحاد المفعول وثانيهما انه ممتنع فباعتبار امتناع ايجاد الشيء نفسه ويتفرع على الاول جواز الترجيح بلا مرجح كما قال بعضهم في تناول احد الرغيفين المتساويين من كل جهة للجائع بلا مرجح وسلوك احد الطريقين للخايـٔف الهارب من السبع اذا تساويا من كل وجه وعلى الثاني امتناع الترجيح بلا مرجح ومعناه فيما هو متفرع عليه ان المراد منه ان الترجيح بالترجح بنفسه من غير مرجح خارج فاعل بالترجيح بالترجح محال وهو كذلك يعني ان الترجح لا يتكون به المترجح بنفسه بل لا بد له من مرجح يكونه بذلك الترجح واما في الوجه الاول المتفرع على الاول اعني جواز الترجيح بلا مرجح كما مثل بالرغيفين والطريقين للشيئين المتساويين من كل جهة على ما قيل فهو من الممتنع الترجيح من غير مرجح لان الفاعل يرجح الفعل للراجح برجحانه لا بدونه فاذا تعلق بمتساوي الطرفين كان فعله لاحدهما ترجيحا بالمرجح وهذا المرجح اما نفس الفعل اذ لا محذور هنا لعدم لزوم الجبر في الافعال الاختيارية واما لان الفعل وجود والترك عدم فالفعل ارجح واما لان نفس التساوي مرجح لما يقع من الفاعل من فعل او ترك لوجود الرجحان في الاعتبار لان المتساوي لو لم يكن راجحا لكان مرجوحا وانما حصل التساوي بين الراجحين لتعادلهما ولا يكون بين المرجوحين لان المرجوح غير مقتض للانفعال فافهم واما لان المرجح من خارج غير المفعول وغير ما منه او به بل لداع آخر باعث للفاعل على الفعل كما في الرغيفين والطريقين
قال : { وخامسها - لو كانت الجاعلية والمجعولية بين الماهيات وكان الوجود امرا اعتباريا عقليا يلزم ان يكون المجعول من لوازم مهية الجاعل ولوازم الماهيات امور اعتبارية فيلزم ان يكون جواهر العالم واعراضه كلها امورا اعتبارية الا المجعول الاول عند من اعترف بان الواجب جل اسمه عين الموجودية على ان القائلين بان الواجب عين الوجود لو علموا حقيقة الوجود وانها عين ذاته تعالى المنزه عن الماهية لعلموا ان كل موجود يجب ان يكون فعله مثل طبيعته وان كان ناقصا عنه قاصرا درجته عن درجته فما كانت طبيعته بسيطة ففعله بسيط وكذا فعل فعله ففعل الله في كل شيء افاضة الخير ونفخ روح الوجود والحيوة }
اقول : يريد انه لو فرض كون الجاعلية التي هي صفة الجاعل والمجعولية التي هي صفة المجعول بينهما فان فرض حصول الوجود كانت التضايف بينه وبين جاعله وثبث المطلوب وان فرض التضايف بين الماهية وبين جاعلها كان ذلك على تقدير كون الوجود اعتباريا والا لكان احق منها كما تقدم لزم ان تكون الماهية من لوازم ماهية الجاعل اذ نسبتها اليه حينئذ كنسبة الزوجية الى الاربعة فيلزم ان يكون معها لا ينفك عنها ولوازم الماهية كما برهن عليه كلها امور اعتبارية فيلزم ان تكون جواهر العالم كلها واعراضه كلها امورا اعتبارية لانها بالنسبة الى ماهية الجاعل من المعقولات الثانية والمفروض انها ليست وجودات اذ الوجودات اذا لم تكن مجعولة اولا وبالذات كانت اعتبارية واذا فرض ان المجعول اولا وبالذات هو الماهية والمجعول من لوازم ماهية الجاعل ولم تكن وجودات ولوازم الماهية كلها من المعقولات الثانية كانت جميع جواهر العالم واعراضه اعتبارية لانها من لوازم الماهية اعني ماهية الجاعل ولوازم الماهية كذلك لتساوي جميع اللوازم في هذه النسبة ما لم تكن وجودات اذ الوجود من الجاعل الا المجعول الاول الذي هو العقل الكلي البسيط الحقيقة عند من اعترف بوحدة الوجود وقال بان الواجب جل اسمه عين الموجودية حيث وافقوا الحكماء المتقدمين من الفلاسفة كاغاثاديمون وانبادقلس وفيثاغورس وسقراط وافلاطون على ان الواجب والعقول والنفوس ذوات نورية ليست نوريتها ووجودها زائدة على ذاتها فان الشيخ صاحب الاشراق قد وافقهم على ذلك وقال في التلويحات ان النفوس وما فوقها من المفارقات انيات صرفة ووجودات محضة فان هذا الايراد من لزوم كون جميع جواهر العالم واعراضه امور اعتبارية لا يرد بخصوصه عليهم لهذا الاعتراف اي اعترافهم بوحدة الوجود بان الواجب عز وجل عين الموجودية فان المجعول الاول والمفارقات ذوات نورية ووجودات محضة ليست وجوداتها زائدة على ذواتها وان كان يلزمهم في قولهم ان الوجود اعتباري في غير المجعول الاول ويرد عليهم في لوازمها ولوازم لوازمها وهكذا الى الثرى فان لازم اللازم لازم وهكذا على انهم اعني القائلين بان الواجب عين الوجود لو علموا حقيقة الوجود علما بالمعاينة والشهود وانها اي حقيقة الوجود عين ذاته تعالى المنزه عن الماهية لماذهبوا الى اعتبارية الوجود ونفي كون الوجود امرا واقعيا عينيا واقامة البراهين على ذلك ولعلموا ان كل موجود يجب ان يكون فعله مثل طبيعته في البساطة والشدة والتمام والرتبة وغير ذلك واضدادها فما كانت طبيعته بسيطة مطلقا ففعله بسيط بحسب نسبة الصفة الى الذات وكذلك فعل فعله بالنسبة الى فعله وما كان مفيضا للجود والخير ومفيدا للوجود والفضل الكثير ففعله كذلك وكذلك فعل فعله وفعل فعل فعله وهكذا الا انها متناسبة في كل رتبة كنسبة الصفة الى الذات ففعل الله سبحانه في كل شيء افاضة الخير ونفخ روح الوجود والحيوة فيلزم ان يكون جواهر العالم واعراضه كلها امورا حقيقية وعينية واقعية ليست امورا اعتبارية لانه اذا عرف ذلك شاهد ان افاضة الحق تعالى كذلك وكذا فعله لمجعوله الاول وفعل مجعوله وفعل مجعول مجعوله وهكذا فلا يكون الماهيات مجعولة اولا وبالذات والا لكانت من لوازم ماهية الجاعل ولوازم الماهية اعتبارية فيلزم من فرض كونها مجعولة اولا وبالذات انها ليست مجعولة كذلك بل تكون اعتبارية وفي كلامه في هذا الشاهد ابحاث كثيرة واردة عليه وعلى خصمه لا يكاد من اطلع عليها يقدر على ايرادها لكثرتها وشناعة ذكرها وايرادها ولكن لا بد من ذكر شيء ينبه على بعض من ذلك ليتوجه الغافل والانس بها عليها
فمنها قوله { لو كانت الجاعلية والمجعولية } الخ اعلم ان التضايف المشار اليه لا يتحقق بين المجعول وبين ماهية جاعله اذ لا ارتباط بين المفعول وذات الفاعل كما ذكرنا مرارا وانما الارتباط بين المجعول وبين شيئين احدهما فعل الجاعل ( الفاعل خل ) وجعله كما مثلنا من ان الكتابة ليس بينها وبين ذات الكاتب ربط وانما الربط بينها وبين حركة يده فان الكتابة تشابه هيئة حركة اليد وتدل عليه ويستدل بها عليها في الحسن والاعتدال وعدمهما ولا تدل الكتابة على شيء من ذات الكاتب لما ثبت ان كل اثر يشابه صفة مؤثره من تلك الجهة ولو كانت الذات مؤثرة في الكتابة لدلت عليها بجهة من جهاتها والارتباط والتضايف بين هذين حقيقي واقعي وثانيهما ظاهر الفاعل من حيث هو فاعل لذلك الفعل فان الجاعل من حيث هو جاعل لذلك المجعول ظاهر بذلك المجعول للمجعول وغيره فظهوره بنفس المجعول وجعله كما قال امير المؤمنين عليه السلم لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه وليس المراد ان الجاعل ظهر بنفسه في الجعل بل المراد انه ظهر بجعل مجعوله ثم ليس المراد من الجاعل نفس الذات البحت وانما هو مثال الذات وهو منشأ الجعل المتصف باثره وهو الجعل فهو كالقائم اي كمعنى القائم فان القائم اسم فاعل القيام وهو مثال الذات وهذا المثال هو مبدأ القيام ومنشاؤه الحركة التي هي منشأ القيام المتصفة باثرها وهو القيام والقائم صورة الحركة الايجادية النائبة مناب الذات متصفة بصفة اثرها وذلك المثال النائب مناب زيد في احداث القيام اقامه زيد بنفسه اي بنفس المثال في مكانه اي في مقام النيابة فالقائم في الحقيقة مركب من الحال وهو الحركة والمحل وهو الاثر فهو وجه زيد وعنوانه في ظهوره بتلك الصفة اي القيام فالارتباط بين المجعول وبين الجعل ارتباط حقيقي صدوري وتضايف واقعي لا بمعنى انه جزء المجعول اذ المجعول جزءاه مادته وصورته اي وجوده وماهيته بل بمعنى انه قائم به قيام صدور والارتباط بينه وبين الجاعل الذي هو الوجه والمثال والعنوان ارتباط اشراقي حضوري والمصنف يعني بالجاعل هو الواجب المعبود بالحق تعالى فلو كان كذلك حصل بينهما اقتران وهو دليل الحدوث فذرهم وما يفترون
وقوله { وكان الوجود امرا اعتباريا } فيه رد عليهما معا اذ ليس الوجود اعتباريا كما يقول الخصم ولا يلزم من كون الماهية مجعولة اولا وبالذات ان يكون الوجود اعتبارا لانه على تقدير كونها مجعولة اولا وبالذات يكون عارضا لها من جملة الاعراض العينية المتحققة
وقوله { يلزم ان يكون المجعول من لوازم ماهية الجاعل } قد بينا انه لا يلزم ولا يجوز لانه يكون لازما للجعل لا للجاعل ولوجوده لا لماهيته وان كان لا تغاير بين ماهيته ووجوده ولكن لم قال لماهية الجاعل ولم يقل لوجوده ليرتب عليه صورة القياس فاذا ذكر الماهية ولا ماهية الا في اللفظ رتب عليه الكبرى وما هو الا كما قال علماء البديع ان هذا النمط يقال له القول بالموجب كما قال الشاعر :
قده لا طعن في اوصافه عجبا لا طعن فيه وهو رمح
شح بالوصل وللريم حكى اح من شخص كريم فيه شح
وما اسرع نقله من الوجود الحق البحت الى الاعتباري فما اشبهه بما قيل ان رجلا دخل السوق وعنده عنز يبيعها فاتاه شخص فقال له بكم من درهم تبيعها فقال هي بخمسة رخيصة بستة مليحة بسبعة تسوي ثمانية ان كان عندك تسعة هات عشرة وخذها وهذا مثال هذا الشيخ جعل الماهية لازمة لماهية الواجب تعالى ثم جعلها هي وجميع المخلوقات بقضية واحدة اعتبارية بطفرة واحدة
وقوله { الا المجعول الاول } وذلك قول بعض الرواقيين كشيخ الاشراق فانه حكم بكون الوجود امرا اعتباريا اذ لا يعقل شيء في الخارج هو وجود وقد نص على ان وجود الله سبحانه حقيقي في الخارج وليس كسائر الاشياء لانها به وجدت وبه قامت ولا بد ان يكون موجودا في الخارج واورد حججا كثيرة يطول الكلام بذكرها ثم ذكر تبعا للحكماء المتقدمين في زعمه وما فهم من ظاهر كلامهم استثناء المفارقات البسيطة فقال : ان النفوس وما فوقها من المفارقات انيات صرفة ووجودات محضة ونقل المصنف عنه في الكتاب الكبير : وكون النفوس والعقول وجودات محضة وانيات صرفة باعتبار ان وجوداتها غالبة على اعدامها واعدامها مضمحلة في جنب وجوداتها بخلاف هذا العالم الكدر الظلماني الذي هو مملوء من الظلمات والاعدام والنقائص والافات فكأنهما وجودات محضة فاذا اطلق عليهما الوجودات المحضة والانيات الصرفة فلا اشكال انتهى وقد تقدم ما يدل على ما يلزمهم بعدم الفرق والاستثناء بل اما القول بالعيني في الكل والا بالاعتباري في الكل
وقوله يريد رد قولهم بان الواجب عين الموجودية وعين الوجود اشارة منهم الى وحدة الوجود فرد عليهم بما هو كقولهم واشنع منه فقال { لو علموا حقيقة الوجود } اي عرفوها { وانها عين ذاته تعالى المنزه عن الماهية } يشير به الى ما ذكروا من كون الاشياء من لوازم ماهية الواجب فرد عليهم بانهم لو عرفوا حقيقة الوجود وان تلك الحقيقة هي عين الحق تعالى وانه ليس له ماهية لانه وجود صرف فاصلح شيئا لافساد فيه لو قيل به فان ماهية الواجب هي وجوده بافساد شيء فيه صلاح وهو ما يلزم على قوله من نفي ماهيات كل الاشياء وانما هي وجودات صرفة وذلك بقوله { لعلموا ان كل موجود يجب ان يكون فعله } اي مفعوله { مثل طبيعته وان كان } اي مفعوله { ناقصا عنه } في الشدة والصرافة { قاصرا عن درجته } في البحتية والمحضية فقد نفي جميع الماهيات عن جميع الاشياء لان المعلول كعلته من سنخه فحيث كانت العلة وجودا بحتا لا ماهية له ومفعولها كطبيعتها كان ذلك المفعول وجودا بحتا صرفا لا ماهية له وكذا مفعول مفعوله وهكذا في جميع الاشياء لا فرق بينها الا بالشدة والضعف خاصة
فقال بيانا لهذا { فما كانت طبيعته بسيطة ففعله بسيط وكذا فعل فعله } ثم كشف القناع في التصريح فقال { ففعل الله تعالى في كل شيء افاضة الخير ونفخ روح الوجود والحيوة } واراد بقول { مثل طبيعته } اي في الحقيقة الذاتية بان يكون العلة والمعلول بالذات من سنخ واحد ومن حقيقة واحدة واراد بالفعل في الفعل وفعل الفعل ما هو الفعل بالذات فيلزم ان يكون الوجود صادرا عنه تعالى بالذات وكذا كل معلول صادر عن علته بالذات فيكون الوجود في الممكنات كلها من سنخ الوجود الواجب تعالى عن ذلك وهو تعالى بسيط لا تركيب فيه فكذا ما صدر عنه بالذات لانه مثل طبيعته في المشاركة الحقيقية فعلى زعمه هي كموجدها وليست الماهية جزءا لها ولا عينها كموجدها فاذن يوجه قول الحكماء ان كل ممكن زوج تركيبي يعني من ماهية ووجود ان معناه كل ماهية موجودة فهي بحيث يحللها العقل الى شيئين وجود وماهية فاقول تأمل رحمك الله تعالى وهداك في هذه الاعتقادات الباطلة والمذاهب الفاسدة ومن مال الى اقوالهم وانس بمذاهبهم فلا يجوز له ان ينكر علي ولا يرد شيئا مما طعنت به عليهم لاني عنده انا واقوالي كلها وجودات صرفة وانوار حقة من سنخ حقيقة الوجود الحق تعالى ربي عما يقولون علوا كبيرا فكل ما اقول في الطعن عليهم فهو حق لا يجوز الشك فيه لان الشك فيه شك في الحق انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا
قال : { قول عرشي - اعلم ان للوجود مراتب ثلاث : الاول الوجود الذي لا يتعلق بغيره ولا يتقيد بقيد مخصوص وهو الحري بان يكون مبدأ الكل }
اقول : قوله { قول عرشي } على ما في كثير من نسخ هذا الكتاب ومعناه مقول اي مطلب رفيع لان الرفيع قد يعبر عنه بالعرش لكونه اعلى الموجودات او مطلب شريف كما ان العرش اشرف المظاهر وهو خزائن كل شيء وهو العند الذي ذكرهما في كتابه فقال وان من شيء الا عندنا خزائنه فهو العند وهو الخزائن وانما يعبر عنه بالخزائن لان الجمع بالنسبة الى كل فرد من الموجودات فكل شيء له كون في الركن الايمن الاعلى من العرش وله عين في الركن الايمن الاسفل من العرش وله قدر وهندسة في الركن الايسر الاعلى منه وله طبيعة في الركن الايسر الاسفل منه وله صورة جوهرية في نفس العرش وله هيولي في تعين الايسر الاسفل منه وله صورة ظلية في مثاله وله مادة في جسمه وله اركان اربعة في وجوده الثاني وله طبائع اربع في عناصره وهكذا فكل شيء فله في العرش خزائن في نزوله وفي صعوده لا تكاد تحصى فلذا قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه فافرد الشيء وجمع خزائنه وكلها في العرش او مطلب دقيق وسر عميق لان العرش مظهر البدع وعلل الاشياء والعلم الباطن ومنه يظهر حكم يمحو ما يشاء ويثبت او لانه متلقي بالالهام من افاضة الواسطة بين الله سبحانه وبين خلقه صلى الله عليه واله وهو قلبه الشريف كما قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن صلى الله عليه واله والمصنف يشير بهذا الى ان هذا التقسيم على النمط المذكور من الواردات التي وردت عليه وهذا التقسيم يراد فيما اذا اريد التعبير عنه بالوجود صدق هذا اللفظ بقيد على واحد وبقيد آخر على اخر كالجنس مع فصوله لانواعه ونريد بالاول الوجود الحق يعني المعبود عز وجل وبالثاني فعله وهو الوجود الراجح على اصطلاحنا وهو المشية والارادة والابداع وبالثالث الوجود المقيد بالمشخصات وهو وجود الكائنات من الوجودات الجواهر والاعراض في الغيب والشهادة وهذا اصطلاحنا الذي نجري عليه عند الاطلاق
واما المصنف فكان بصدد الماهية فخصص التقييد وعدمه هنا بها فقال { الاول الوجود الذي لا يتعلق بغيره ولا يتقيد بقيد مخصوص وهو الحري اي الحقيق بان يكون مبدأ الكل } اقول قوله { الاول الوجود الذي لا يتعلق بغيره } حق لان الوجود الواجب لا يتعلق بغيره ولكن يجب ان تعلم ان هذا القول على جهة الحقيقة التي لا يحتمل غير هذا المعنى لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الامر فعلى كون هذا على جهة الحقيقة يكون القول بان صور الاشياء في ذاته قولا بتعلق الواجب بغيره وكذا قول من قال انه كل الاشياء لكونه بسيط الحقيقة وكذا قول معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وان كان على نحو اشرف كما يتوهم صحته بهذا التقييد وكذا من جعل علمه مقترنا بالمعلومات الا اذا اراد بالعلم هنا العلم الحادث كالكتب السماوية والواح النفوس الملكية وكذا من قال بانه تعالى فاعل بذاته وكذا من قال بان مجعوله لازم لماهيته وكذا قول ان فعله كطبيعته وكذا قول ان تعدد مراتب الوجود بشؤنه الذاتية هي باحكامها افراده وكذا سائر اقوالهم الفاسدة التي ليس في تعدادها فائدة الا انك تقف عليها انشاء الله كل في مكانه فان كل من نسب اليه شيئا من هذه وامثالها فانه قد جعل وجوده تعالى متعلقا بغيره ولقد عنى غيره من وصف متعلقا بغيره بصفته تعالى كما قال الصادق عليه السلم في دعاء الوتيرة بعد العشاء كما رواه الشيخ في المصباح قال عليه السلام بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض اياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك الدعاء وقد كشف عن ذلك ابو الحسن الثاني علي بن موسى الرضا عليهما السلم في خطبته وكمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة ان كل صفة غير موصوف وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ه
وقوله { بقيد مخصوص } ان اراد به تقييد القيد فهو باطل وان اراد به بيان الواقع فهو صحيح وهذا اصطلاحنا الذي نجري عليه ونريده عند الاطلاق واما المصنف فانه استعمل هذا التقسيم باعتبار ما هو بصدده من تقييد الوجود بقيد مخصوص وهو الماهية وعدمه فقال الوجود اما ان الا يتعلق ( ان لا يتعلق خل ) بغيره اي ليس معلولا لشيء ولا يتقيد بقيد مخصوص اي لا يتقيد بماهية اصلا وهو الوجود الواجب تعالى او لا يتعلق بغيره بالا يكون مرتبطا ومقترنا بغيره الا انه يتقيد بقيد مخصوص اي بماهية وهو العقول والنفوس المفارقة او يتعلق بغيره ولا يتقيد بقيد مخصوص وهو الوجود المنبسط فانه يتعلق وينبسط على اعيان الموجودات ولا يتقيد بقيد مخصوص اي بماهية لانها عنده ليست مجعولة بالذات ولا يتقيد الوجود بها لانه لو تقيد او اتصفت به لكانت مجعولة وهذا تقسيم مبني على مذهبه من عدم كونها مجعولة الا بالتبع على النحو الذي يذكره لانا نريد بالجعل ثانيا وبالعرض هو ان يكون المجعول غير مقصود في اصل مقتضى العناية لذاته وانما هو مقصود لغيره لا انه غير موجود كما ذكرنا مرارا بخلاف مراد المصنف
وقوله { وهو الحري } اي الحقيق { بان يكون مبدأ الكل } هذا مما قلنا فانه اذا كان مبدأ الكل كان متعلقا بغيره بالذات تعلق الجاعل بالمجعولات كما اشار سابقا الى لزوم الوجودات لوجوده او الماهيات لماهيته كما تقدم من مذهب القائلين به ويكون ايضا غيره متعلقا به ولا يراد بالاقتران الموجب للحدوث الا هذا ومثله وايضا قوله { مبدأ الكل } ان اراد به ان يكون الكل كامنا فيه بالقوة متأهلا مستعدا لقبول كن عند توجه الخطاب اليه كما صرح به الملا محسن في الكلمات المكنونة وكلام المصنف يومي الى هذا في قوله بسيط الحقيقة كل الاشياء ومعطي الشيء ليس فاقدا له ( في ذاته خل ) وان الاشياء وجميع كمالاتها فيه بنحو اشرف وغير ذلك فقد جعله متعلقا بغيره وغيره متعلقا به بل هذا ابلغ لانه ولادة صريحة كما تقدم ذكره في حديث الحسين عليه السلام والله سبحانه يقول الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد فهذا مخالف لكلام الله سبحانه وكلام سيد الشهداء عليه السلام في تفسير الصمد وكذا ان اراد بالمبدءية ايجادها من الحقائق المتأصلة والصور المجردة التي هي في علمه وعلمه عين ذاته كما تقدم النقل عن ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي عنهم وبالجملة فاكثرهم يقول بانه وجود لا تعلق له بغيره ولا تعلق لغيره به الا انه قول باللسان ويريدون ما سمعت اللهم مالك الملك عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون
قال : { الثاني الوجود المتعلق بغيره كالعقول والنفوس والطبائع والاجرام والمواد }
اقول : هذا القسم الثاني من اقسام الوجود وهو تقسيم مبني على ما يترتب مذهبه عليه اذ ليس يريد تقسيم الوجود الى واجب وغيره والوجود الغير الواجب الى وجود امر ووجود خلق بل باعتبار صحة تقييده بالقيد المخصوص الذي هو الماهية وعدمها على رأيه اذ لو قسمناه باعتبار تقييده بخصوص الماهية وعدمه على مذهبنا لقلنا هكذا المعبر عنه عند التعريف بالوجود ينقسم الى ثلاثة اقسام الاول هو الذي لا يتعلق بغيره ولا يتعلق به غيره ولا يتقيد بقيد مطلقا حتى قيد الاطلاق وهو الواجب عز وجل الثاني هو الذي يتعلق بغيره تعلق الفاعلية والعلية ويتعلق به غيره تعلق المفعولية والمعلولية وهو الوجود الراجح وهو المشية والفعل ( و خل ) الاختراع والابداع والارادة وسائر مراتبه كالقدر والقضاء والامضاء والاذن والتأجيل والكتاب ولا يتقيد بماهية لاضمحلاله في نور ربه عز وجل وقد يطلق على هذا الوجود عالم الامر كما قال تعالى الا له الخلق والامر الثالث هو الذي يتعلق بغيره ويتعلق به غيره ويتقيد بقيد مخصوص اي بالماهية وهو الوجود المقيد بسائر مراتبه اوله العقل الكلي واخره ما تحت الثرى فالوجود الحق هو المعبود عز وجل وفعله يسمى بالوجود الراجح ومفعوله يسمى بالوجود المتساوي وبالجواز فليس الا الله عز وجل ثم احدث الوجود الراجح بالممكن الراجح في المكان الراجح والوقت الراجح لان وجودها اي هذه الثلاثة ارجح من عدمها رجحانا ذاتيا وهي المشية ومكانها الامكان الراجح والعمق الاكبر ووقتها السرمد وكلها راجحة الوجود يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ثم احدث بذلك الوجود الراجح الوجود المتساوي اي المفعولات المقيدة اولها العقل واخرها ما تحت الثرى واما ما قبل العقل من المفعولات كالماء الاول اي الحقيقة المحمدية وقد يسمى هذا بالدواة الاولى وكالامكان التكويني الذي هو ظرف هذا الماء وهو الحقيقة المحمدية وعالم الامر والوجود الحقيقي والنفس الرحماني الثانوي وقد يطلق عليه بالحق المخلوق به لانه المادة المطلقة والامر الذي قامت به الاشياء قياما ركنيا وقد يراد بالحق المخلوق به المشية والارادة وسائر مراتب الفعل وكالارض الميتة وارض الجرز اعني ارض القابليات وقد تطلق الدواة الاولى على هذا لان الدواة هي التي يستمد منها القلم ويكتب فقد يراد به الاستمداد المادي اي يستمد من الهيولي الاولى والمادة المطلقة حصصا مادية لسائر المخلوقات لكل واحد حصة منها اي من شعاعها كما مر كما يأخذ النجار حصة من الخشب لعمل السرير وحصة منه لعمل السفينة وحصة منه لعمل الباب لان شعاع هذه الحقيقة المحمدية هيولي كل الاشياء لا ذاتها كما تقدم وقد يراد به الاستمداد الصوري اي يستمد من شعاع ارض القابليات حصة لصورة زيد وحصة لصورة السماء وحصة لصورة التراب وهكذا فبهذين الاعتبارين يسمى كل من الماء الاول وارض الجرز والارض الميتة اعني ارض الاستعدادات بالدواة الاولى على احد الاعتبارين ويتفرع على هذا ان ما قبل العقل الكلي وهو الماء وارض الجرز قد يطلق عليه الوجود المقيد لانه من المفعولات لا من الفعل وقد يطلق عليه الوجود المطلق لانه قبل التقييد اذ اول المقيدات العقل الكلي وهو مركب منهما فالوجود المطلق هو الفعل والوجود المقيد هو المفعول وهذان بينهما برزخ قد يلحقان باسم الاول وقد يلحقان باسم الثاني وهذان الوجودان هما المراد في التأويل بقوله الا له الخلق اي المقيد والامر اي المطلق والوجود الحق هو الله سبحانه هذا ملخص اصطلاحنا في التقسيم والوجود الحق عز وجل عندنا لا يدخل في التقسيم وانما نذكر ذلك من جهة عبارات التعريف والبيان ومع هذا كله فيراد منه العنوان يعني الدليل والوجه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
وقوله { والطبائع والاجرام والمواد } يراد منه سائر الموجودات فانها كلها تتعلق بغيرها من عللها ومعلولاتها واسبابها ومسبباتها وكلها تتقيد بماهياتها بما لها من الحدود والمشخصات لانا نريد بالتقييد بالماهية بالحدود اذ الماهية وحدها انما تعين الهو وهو كلي لا يتشخص ولا يشخص الا بالحدود والمشخصات يعني اتحاد وجوداتها بماهياتها ونحن نعني ارتباط ماهياتها بوجوداتها وربط وجوداتها بماهياتها على نحو ما لوحنا فيما مضى ويأتي انشاء الله تعالى
قال : { الثالث الوجود المنبسط الذي شموله وانبساطه على هياكل الانسان والماهيات ليس كشمول الطبائع الكلية والماهيات العقلية بل على وجه يعرفه العارفون ويسمونه بالنفس الرحماني اقتباسا من قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء وهو الصادر الاول في الممكنات عن العلة الاولى بالحقيقة ويسمونه بالحق المخلوق به وهو اصل وجود العالم وحياته ونوره الساري في جميع ما في السموات والارضين }
اقول : كلام المصنف هنا اول كشف القناع ما فهمه العالم الارشد الملا احمد بن محمد بن ابراهيم في تعليقاته على هذا الكتاب وانا انقل لك كلامه هنا لتعرف منه مراد المصنف رفعا للتوهم علي اني احمل كلامه على خلاف مراده ليكون كلام هذا العارف شاهدا لي وان كان طويلا يطول بذكره مع ما اذكره الكلام فيما هو ظاهر
قال قوله { وهو الصادر الاول في الممكنات عن العلة الاولى بالحقيقة } وقول الحكماء ان اول الصوادر هو العقل الاول بناء على ان الواحد لا يصدر عنه الا الواحد كلام حملي بالقياس الى الموجودات المتعينة المتباينة المتخالفة الاثار فالاولىة ههنا بالقياس الى اول الصوادر المتباينة الذوات والوجودات والا فعند تحليل الذهن العقل الاول الى وجود مطلق وماهية خاصة وجهة نقص وامكان حكمنا بان اول ما ينشأ هو الوجود المطلق المنبسط وتلزمه بحسب كل مرتبة ماهية خاصة وتنزل خاص يلحقه امكان خاص كذا افاده في الكتاب الكبير ولا يذهب عليك ان اطلاق الوجود المطلق على الوجود المنبسط على هذا اضافي هذا ثم لا يخفى على العارف بمذهبه انه لا يصح منه القول بصادرية الوجود المنبسط حقيقة فلعل المراد منه ان الوجود المنبسط هو الطور الاول للوجود الاول والبواقي اطوار له فالمتطور في هذه الاطوار هو الوجود المنبسط وهو غير الوجود الحق اذ طور الشيء غير ذلك الشيء بوجه وعلى هذا يحمل ايضا ما قاله في الكتاب الكبير من ان الوجود المطلق اذا اطلق في عرفهم على الواجب يكون مرادهم به الحقيقة بشرط لا شيء لا الحقيقة السارية ولا يلزم عليهم المفاسد الشنيعة كما لا يخفى فتثبت وبالجملة لعل مراده من صادرية الوجود المنبسط بهذا المعنى لا ان الوجود المنبسط هوية منفصلة عن هوية الواجب في الواقع ناشية عن وجوده نشو المعلول من العلة كما يظهر لمن تتبع كلامه وفهم مراده وبالجملة مذهب المصنف هو هذا ومن فهم غيره من مذهبه فقد خبط خبط عشواء وحرف الكلم عن مواضعه فعلى هذا قوله بالجاعلية والمجعولية بين الموجودات وان في الوجود علة ومعلولا وجاعلا ومجعولا مبني على ظاهر النظر ولئلا يتوحش الناظر في اول الامر باستماع امثال هذا الكلام فلذا بني الامر اولا على ما هو الظاهر من القول بالجاعلية والمجعولية والعلية والمعلولية واشار اشارات خفية الى ما هو مذهبه في بعض الاوقات في اثناء تلك الكلمات حتى تنكسر سورة وحشة الناظر وترتفع شدة نفرته تدريجا ويستأنس به قليلا قليلا حتى يرتفع قبح ذلك بالمرة عن نظره ثم بعد ذلك يصرح بما هو مذهبه في الواقع كما فعل في هذه الرسالة وسائر كتبه ورسائله والعجب من جمع من المعاصرين الناظرين في كلامه المدعين لفهم مراده انهم يدعون ان مذهب المصنف ان وجود المعلول ظل لوجود علته وليس في سنخه وبالجملة يقولون ان مذهبه ان الوجود المنبسط ظل لوجود البارئ وليس من سنخه بل بحسب اصل الذات وسنخ الهوية مباين لوجوده تعالى ولعل الباعث على هذا الحمل انهم لما رأوا ان ذلك مخالف لما ورد في هذه الشريعة الحقة بل لجميع الشرائع وايضا الانسان بفطرته وجبلته التي فطر الناس عليها يحكم بمباينة وجود الحق المتعال عن وجود سائر الموجودات على ان المصنف ايضا ادعى في كتبه ورسائله مرة بعد اخرى وكرة بعد اولى ان في الوجود جاعلا ومجعولا وان الجاعلية والمجعولية بين الوجودات دون الماهيات واقام عليه الحجج والبراهين وايضا قد اطلق الظل والعكس على وجود المعلول وقد مثل بنسبة وجود الواجب الى وجود الممكن بما يوجب مثل هذا التوهم مثل الشمس بالقياس الى ضوئها وغير ذلك من الامثلة الموهمة والكلمات المشنعة فدعاهم جميع هذه الامور الى ذلك الحمل والتوجيه الذي لا يرضى به صاحبه اصلا وليت شعري انه على هذا على م يحمل كلامه في التوحيد الذي قال به وسيجيء عن قريب وقوله في اخر بحث التوحيد في هذه الرسالة حيث قال : اياك ان تزل قدمك من استماع هذه العبارات الى اخر ما قال هناك وعلى م يحمل هذا قوله بان الوجود امر واحد شخصي مع قوله بان الوجود حاصل في كل موجود من الموجودات مطلقا كما يقوله اذواق المتألهين كما ظهر وعليم ( يحمل خل ) كلامه في ان الواجب كل الاشياء ويحيط بجميع الامور احاطة وجودية لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها وغير ذلك ولا يقبل هذه المسائل بعض التأويلات والتوجيهات حتى يرتفع التخالف بينها وبين ما استندوا اليه كما لا يخفى على من هو من اهل الكياسة والفطانة وبالجملة بعد غور تام وتأمل كامل في كلماته واقواله مع فطرة سليمة من الافات غير سقيمة بذمائم الصفات يظهر ان مذهبه هو ما قلنا وان كل ما وقع في كلامه مما هو مخالف للشريعة فهو امر آخر ليس له دخل فيما نحن بصدده ههنا من بيان مذهب المصنف وكن من الشاكرين انتهى كلام الملا احمد المذكور في التعليقات على هذا الكتاب هنا
اقول الذي يظهر لي من مذهب المصنف هو ما ذكره هذا العارف وان من وجهه بغير هذا فهو حماية عن المصنف ودفاعا عنه من شناعة القول والاعتقاد واقول ظاهر قوله { الوجود المنبسط } الخ ان هذا الوجود الذي يشير اليه منبسط على سائر الموجودات كانبساط نور الشمس على الاشياء الا ان الاشياء موجودة بغير النور المنبسط عليها من الشمس وهنا لا وجود لها ولا تحقق الا بهذا المنبسط فهي كاجزاء الشعاع من نور الشمس وهو ذلك النور فيكون المعنى انه منبسط بها فلا حقيقة لها غيره وهذا هو الذي يظهر من مراده من قوله واما ظاهر نفس قوله فالاشياء غيره وهو غيرها لانه منبسط عليها كما قال { وانبساطه على هياكل الانسان } ولم يقل وانبساطه بهياكل الانسان ليدل صريح قوله على مراده
وقوله { بل على وجه يعرفه العارفون } يعني انه هو ايضا يعرفه وقد اشار اليه قبل في تمثيله بالجنس والفصل كما ذكر سابقا وذكرنا هناك انه كما نقول وان هذا الوجود المنبسط هو كالحيوان المنبسط على هيكل الانسان والفرس وهو عندنا هو المادة المطلقة فانه يؤخذ منها حصة للانسان وحصة للفرس كقولك يؤخذ من الحيوان حصة للانسان وللفرس ويتمايزان بالفصول كقولك يتمايزان بالصور وقد بينا مرارا فيما سبق ان العقلاء اتفقوا على تحديد الانسان بالحيوان الناطق تحديدا حقيقيا بجميع ذاتياته لم يخرج منها شيء فلو جعل الوجود حقيقيا للانسان فلا بد ان يكون هو احد الحصتين الحيوانية او الفصلية او ان الحد ليس حقيقيا اما بخروج بعض ذاتياته عن الحد او ان الوجود ليس حقيقيا في الانسان بل هو عرض خارج فيلزم المصنف اما جعله المادة اي الحصة الحيوانية او الصورة اي الفصل او كونه غير حد حقيقي لخروج بعض ذاتياته او لكون الوجود عرضا خارجا فيلزمه من عدم كونه حدا تاما مخالفة جميع العقلاء ومن كونه عرضا مخالفة جميع اقواله في سائر كتبه فيلزم ان شمول الوجود للاشياء وانبساطه عليها يعرفه كل احد حتى الجاهلون ولولا كثرة اقوال الباحثين عنه وتعارضها وتصريحها بانه شيء لا يعرف ولا يمكن تعقله لماجهله السوقة والعوام والأن كذلك الا انه قد اخذتهم الاوهام من كثرة الكلام والاختلاف بين من هم عندهم اعلام فجهلوا اسم ما عرفوه واقتصروا في معرفته على مفهوم الاسم الاخر الذي هو المادة
وقوله { ويسمونه بالنفس الرحماني } بفتح الفاء وقيل بسكونها كما تقدم وهو عندنا اي النفس الرحماني له مراتب متعددة كما تقدم اعلاها في اعتبار تزييل الفؤاد المشية في نفسها باعتبار انها الكلمة التامة وان الكلمة اذا اعتبرناها وجدناها تكونت باربعة مراتب احدها النقطة التي هي مبدء النفس من جوف المتكلم ويقال لها الرحمة ثم تمتد الى الهواء وهو الالف اللينة التي هي هيولي سائر الحروف وان الحروف منها شعب كالشعب من النهر الواحد وهو النفس الرحماني الاولى الذي ليس قبله نفس بالنسبة الى الكلمة ثم يقطع المتكلم من هذا النفس اجزاء وحصصا بواسطة آلات التمييز من الحلق واللسان واللهاة والاسنان بالقلع والقرع والضغط هي حروف تتألف منها الكلمة ثم يؤلف منها الكلمة فالنقطة اول منشأ الكلمة والنقطة تسمى الرحمة اقتباسا من قوله وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته والالف هي الرتبة الثانية من الكلمة والحصص المجزأة المميزة هي الحروف التي تتركب منها الكلمة والمؤلف منها هو الكلمة ولما كانت المشية هي الكلمة التامة اعتبر فيها ما يعتبر في الكلمة في التزييل الفؤادي وان كانت المشية بسيطة ليس في الامكان ابسط منها او يساويها لكنها باعتبار متعلقها المتجزئ يلاحظ فيها جهات التجزي فتفصل في الاعتبار كما تفصل الكلمة فهذه الكلمة التامة ان اريد بالنفس الرحماني اياها كان تقوم الاشياء به تقوم صدور لان الاشياء لا تتألف منها وصح اطلاق النفس الرحماني عليها اما باعتبار المرتبة الثانية في تفصيلها او انها بعد تمامها هي النفس الرحماني الثانوي لقيام الاشياء بها وهو اول صادر خلقه الله تعالى بنفسه اي بنفس ذلك الصادر لانه بمعنى الحركة الايجادية والحركة الايجادية محدثة بنفسها لانها انما تحتاج في ايجادها الى حركة ايجادية ويستغني بها عن تكررها وهو الحق المخلوق به اي خلق الله به اكوان الاشياء ان لوحظ الذكر الاول وبه خلق سبحانه اعيان الاشياء ان لوحظ العزيمة عليه وان اريد بالنفس الرحماني اول صادر من هذا وهو الحقيقة المحمدية التي هي محل ذلك الفعل وهي اثره الاول فهي بالنسبة اليه كالانكسار بالنسبة الى الكسر كان قيام الاشياء به قياما ركنيا كقيام الباب والسفينة والسرير بالخشب لان مواد الاشياء كلها من شعاع هذا الصادر عن فعل الله الذي هو المشية
وقوله { وهو الصادر الاول في الممكنات عن العلة الاولى } ان اريد منه ( من خد ) العلة الاولى ذات الباري عز وجل فهو غلط لان ذات الباري عز وجل لا تكون علة قريبة لشيء كما هو مقتضى الاطلاق فانه يراد بالعلة هي القريبة والواجب لا يكون علة لشيء وانما علة الاشياء صنعه فلا يصح كون شيء صادرا عن ذاته تعالى كما بينا سابقا واذا اريد بها فعله صح فيكون ح اول صادر عنه هو الوجود وهو الماء وهو الحقيقة المحمدية
وقوله { وهو اصل العالم } ان اريد به اي الصادر نفس الفعل الذي هو مشية الله تعالى كان معنى كونه اصل العالم انه علة تكوينه ومنشأ ايجاده وان اريد به اول صادر عن المشية اي اول مفعول كان معنى كونه اصل العالم انه علة ماهيته اي ان مادة العالم وصورته من شعاعه كما مر
وكذا قوله { وحياته ونوره الساري في جميع السموات والارضين } اي مثل ما قلنا في معنى كونه اصل العالم وظاهر كلامه بعد هذا انما يتمشى على المذهب الحق اذا اريد بالصادر اول صادر عن مشية الله تعالى وهي فعله لان الحق ان الفعل لا يتركب منه المفعول وقوله : حتى انه يكون في العقل عقلا الخ يريد انه يصير عقلا في انبساطه على العقول فيكون معلولا وهو علة ثم اعلم ان الظاهر من كلامهم انه يراد به الفعل لا الصادر عن الفعل فيلزمهم ان يكون المفعول متركبا من الفعل وهو باطل فان الكتابة لا تتركب من حركة يد الكاتب ولاجل انهم يريدون بالصادر هو الفعل وبالعلة الاولى هو الذات المقدسة تعالى قال الملا احمد المذكور في تعليقاته على قوله { وقد يسمونه بالحق المخلوق به } قال قد نقل عن بعض الاعاظم انه قال : وقد يسمونه بالمشية كما ورد في الحديث ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية ولعل وجه التعبير عنه بها ان المشية مع وحدتها لكون انها عين ذاته المقدسة لما كانت متعلقة بالامور المتكثرة المختلفة وكذلك الوجود المنبسط مع وحدته متعلق بالماهيات المختلفة الكثيرة وان كان بين التعلقين فرق فلذا عبر عنه بها انتهى اقول وكلامه هذا هو معنى كلام المصنف وكلام القوم سواء يفرغ بعضها في بعض فالعلة الاولى عندهم هو الله سبحانه والصادر الاول هو ابداعه وهو الساري في الاشياء ومنه تركبت كما قال في العقول عقلا كما يأتي وان المشية هي ذات الله تعالى عن قولهم وكل هذه امور باطلة واعتقادات عاطلة
ومذهبنا هو مذهب ائمتنا عليهم السلام هو ان العلة الاولى هي القريبة وهي فعل الله والصادر الاول عنها هو الوجود والحقيقة المحمدية والاشياء كلها تركبت من شعاع تلك الحقيقة وان فعل الله سبحانه هو مشيته وارادته كما قال الرضا عليه السلام فالمشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد وروى الصدوق في التوحيد بسنده عن الرضا عليه السلام انه قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله سبحانه لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد ه والاحاديث كلها متفقة على الحدوث وانه ليس لله ارادة قديمة ولا مشية قديمة وان المراد بهما الفعل لا غير ولم يوجد حديث يوهم كون شيء منهما قديما وقد اتفق العقل والنقل على حدوثهما ومن عجيب الامور انهم يروون الاحاديث المصرحة بالحدوث مثل هذا الملا يروي ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية ثم يقول لعل وجه التعبير عنه اي عن الصادر بها اي بالمشية ان المشية مع وحدتها لكون انها عين ذاته المقدسة وذلك لانه يحمل هذه المشية على مشية الخلق فيا سبحان الله ما الموجب لميلكم الى قدم المشية مع انكم لم تمضوا الى الازل فتشاهدوا انها قديمة وانها عين ذاته ولم يخبركم بذلك وانتم تقرون بانه لا يعرف الا بما عرف به نفسه ولم يعرف نفسه الا على السن اوليائه واولياؤه كلهم اتفقوا على كون مشية الله حادثة وانها ليست عين ذاته فما ادري ما الذي حداكم على هذا ان كان لكم حاصل وفائدة تحصلونها من القول بقدمها بخلاف ما قال نبيه واهل بيته صلى الله عليه واله فربما يحصل لكم عذر لئلا تفوت عليكم الفائدة والا فائمتكم عليهم السلام علماء لا يجهلون وحكماء لا يهملون وذاكرون لا ينسون وناصحون لا يغشون وتشهدون ان الحق معهم وفيهم وبهم وان كل من خالفهم فهو على باطل من امره فما بالكم تتركون كلامهم الحق وتأخذون بكلام اعدائهم ولا تسلمون لهم ولا تردون اليهم وانتم تعلمون فمن اراد الاحتجاج على ذلك من جهة العقل فلينظر الى احتجاج الرضا عليه السلم مع سليمن المروزي كما في الاحتجاج للطبرسي والتوحيد وعيون اخبار الرضا عليه السلم للصدوق فان العاقل لا يجد للعقل فيما قرر عليه السلم من حدوث المشية والارادة مجالا وذلك لاني انا اذا قلت بحدوثها حجتي الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلم والدليل العقلي على معنى للارادة معقول لي لان المعنى المحدث يمكن للعقل ادراكه وانتم اذا قلتم بقدمها كانت الاخبار عنهم عليهم السلام كلها مخالفة لكم ليس لقولكم فيها مستند ولا لعقولكم مدرك فيما تدعون لانكم تثبتون قديما والقديم لا يتعقل فاذا تعقلتم فانما فهمتم حادثا وادركتم مصنوعا وليس لكم مأوي ولا موئل الا انه تعالى يخبركم بذلك والواسطة بينكم وبينه اخبركم بخلاف ما قلتم فاين تذهبون
واما ادلة المجادلة بالتي هي احسن فهي في هذه المسئلة لنا لا لكم فانكم قلتم ان المشية صفة والصفة لا تقوم بنفسها ولا بغير موصوفها فاذا قامت بموصوفها وكانت حادثة كان محلا للحوادث ونحن نقول هي صفة والصفة تقوم بغير موصوفها كالكلام يقوم بالهواء ولا يقوم بالمتكلم وتقوم بنفسها كما قررتم ان الذوات الحادثة صفات للذات القديمة وهي قائمة بنفسها لانه اقامها بنفسها وكذلك المعلولات في الحقيقة صفات العلل وهي قائمة بنفسها وايضا اذا سلمنا انها تكون قائمة به تكون قائمة قيام صدور لا قيام عروض كالاشعة مع المنير ولو سلمنا استدلالكم كان ايضا حجة ناقضة لقولكم لان قولكم لو كانت حادثة كان محلا للحوادث فنقول وان كانت قديمة يكون محلا للقديم المغاير له فان قلتم هي ليست مغايرة قلنا هي مقترنة بالمراد وذاته غير مقترنة وهي خاصة اي علم خاص وذاته غير خاصة وهي تقترن بالنفي كما قال تعالى اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم وذاته لا تقترن بالنفي وهي على طبق المراد والمراد على طبقها وذاتها لا تطابق شيئا ولا يطابقها شيء وهي لها ضد فهو مريد وكاره وذاته لا ضد لها وهي لها وجه خاص بالمراد فان ارادة ايجاده لزيد غير ارادة ايجاده لعمرو وذاته ليست كذلك وامثال هذه مما نعقلها من صفات الخلق التي قد اتصفت به وانتم لا تعقلون صفات الحق تعالى لتصفوها بها وتجدوها فيها والوجه الثاني انكم قلتم لو كانت حادثة لكانت محدثة بارادة غيرها وننقل الكلام الى هذه وهكذا ويلزم الدور او التسلسل ونحن نقول ان الامام عليه السلام قد اجاب عن هذا الخطاب بما فيه كفاية لاولي الالباب فقال ان الله سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية فابطل عليه السلم الدور والتسلسل وقد تتبعنا جميع الافعال فوجدناها كلها محدثة بنفسها مثل حركة يد الكاتب احدثها بنفسها ثم احدث الكتابة بها وبيانه ان حركة يد الكاتب محدثة والمحدث يحتاج الى حركة يحدث بها حركة يده مثلا فان قلت ان حركة يده محدثة بحركة غيرها نقلنا الكلام اليها حتى يعود انها احدثها بنفسها لانها حركة والايجاد حركة ولا يحتاج الموجد الى غيرها فيحدثها بها ويرتفع الدور والتسلسل وتأمل فانك تجد قراح الحق الذي لا شوب فيه وليس قولي وقد تتبعنا ان معناه ان الدليل محض الاستقراء وانما هو لبيان ضرب المثال من الملك المتعال عز وجل فلا تكون المشية عين ذاته لان المفهوم من معنى المشية هو ميل الشائي وهذا الميل ليس هو ذو الميل ولو قلت انها عين ذاته بمعنى ان المراد كون ذاته بحيث يفعل ما هو الاصلح فكون ذاته بحيث يفعل او يختار ما هو الاصلح هو ذاته كيف يكون ذلك المعنى الرابطي عين ذاته ومع هذا فهو محيث بفعل ( بحيث يفعل خل ) ما يشاء ويختار وذلك معنى فعلي لا يكون هو الذات الحق المقدسة عن النسب والروابط فان هذا هو معنى الارادة القديمة عندهم التي هي ذاته فيكون ذاته هي كون ذاته بحيث يفعل ما يشاء ويخلق ما يشاء ويختار سبحانه وتعالى
قال : { وهو في كل شيء بحسبه حتى انه يكون في العقل عقلا وفي النفس نفسا وفي الطبع طبعا وفي الجسم جسما وفي الجوهر جوهرا وفي العرض عرضا ونسبته اليه تعالى كنسبة النور المحسوس والضوء المنبث على اجرام السموات والارض الى الشمس وهو غير الوجود الاثباتي الرابطي الذي كسائر المفهومات الكلية والمفهومات العقلية لا يتعلق بها جعل ولا تأثير لها ايضا كالمعقولات المتأصلة وجود لكن وجودها نفس حصولها في الذهن وكذلك الحكم في مفهوم العدم واللا شيء واللاممكن واللامجعول بل لا فرق عندنا بين هذه المفهومات وغيرها في كونها ليست الا حكايات وعنوانات لامور الا ان بعضها عنوان لحقيقة موجودة وبعضها عنوان لامور باطلة الذات }
اقول : يريد ان القسم الثالث اعني الذي يتعلق بغيره لانبساطه على اعيان الاشياء ولا يتقيد بقيد مخصوص يكون في كل شيء مما انبسط عليه بحسبه يعني يكون من نوع ما انبسط عليه ففي العقول عقل وفي النفوس نفس وفي الطبائع طبيعة وهكذا فهو كالغذاء المستحيل كيموسا وبعد تعفينه في الكبد تدفعه الدافعة الى عضو فيستحيل قدر منه بقدر احتماله واستعداده في العظم عظم وفي المخ مخ وفي اللحم لحم وفي العصب عصب وهكذا وتهضمه هاضمة ذلك العضو وتمسكه ماسكته وتدفع باقيه الى ما بعده وتجذبه القابضة وهكذا او يكون المعنى ان ظهوره في كل شيء بحسب قابلية ذلك الشيء
وقوله { ونسبته اليه تعالى } وفي نسخة { ونسبته الى الله تعالى كنسبة النور المحسوس } الخ اعلم ان هذه النسبة تشير الى ذكرها الاخبار عنهم عليهم السلم والايات القرءانية والانفسية والافاقية تشهد به وتشير اليه ولا اشكال في التعبير عنه بهذه العبارة وانما الاشكال في المراد منه وفي معناه وفي حقيقة هذه النسبة اما المراد منه عند المصنف فهو فعله الذي هو ذاته كما تقدمت الاشارة اليه واما المراد عند ائمتنا عليهم السلم وعندنا تبعا لهم فهو الماء الاول والحقيقة المحمدية والوجود الذي هو اول اثر صدر عن فعل الله تعالى وقد تقدمت الاشارة الى بيان نوع انبساطه واما معنى كلامه عنده فهو ما تقدم في قوله : واما تخصيصه بمراتبه ومنازله الى ان قال : فبما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته الغيبية ( العينية خل ) يعني انه يتعين ويتخصص بما فيه من الشؤن الذاتية كما هو مقتضى البساطة الحقيقية واما عند ائمتنا عليهم السلم وعندنا فهو ما يعرفون من معنى المادة المطلقة واما حقيقة هذه النسبة فهي عنده نسبة الشيء في شؤنه الذاتية الى ذاته البحت واما عند ائمتنا عليهم السلام وعندنا نسبة الاثر والمعلول والمفعول الى فعل المؤثر والفاعل وبيان هذه يظهر في بيان نسبة النور الى الشمس وهي بعينها نسبة النور الى السراج وانا اريد امثل بالسراج واشعته لا بالشمس لانه وان كان في الحقيقة واحد الا انه في الشمس اخفي وفي السراج ابين لما فيه من النار الظاهرة والدهن والاشعة وفي الشمس كذلك لكنها لخفائها لو مثلت بها سارعت النفوس الى الانكار فاقول قد ذكرنا هذا الذي نريد ان نمثل به مرارا فيما سبق ولكني اكرر الذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين اعلم ان السراج الظاهر بالاشعة هو الشعلة وهي دهن قد كلسه فعل النار حتى صار دخانا فانفعل بالاستضاءة عن فعل النار ومسها والاشعة المنبسطة منه انما انبسطت ونشأت وبدت من الشعلة التي هي الدخان المنفعل بالاستضاءة فالاشياء كالاشعة المنبسطة في اطراف البيت وفعل النار كالمشية والاستضاءة من الدخان الذي كلسه فعل النار من الدهن واما اية الفاعل سبحانه فهي النار الغيب التي لا تدرك وانما يدرك مفعولها اعني الدخان المنفعل بالاستضاءة عن مس النار وظهور الشعلة بذوات الاشعة كظهور الوجود الصادر عن فعل الله اعني الحقيقة المحمدية بذوات الاشياء على نحو لفظ المصنف لا على معنى مراده فاية الفاعل هي النار الغيب وفعله احراق النار وتكليسها للدهن حتى كان دخانا والصادر عن فعل الله سبحانه كالشعلة الصادرة عن فعل النار والاشعة القائمة بالشعلة اي بشعاعها يعني ظهورها بالاشعة هي الاشياء فافهم فهمك الله تعالى وبصرك في الدين
وقوله { وهو غير الوجود الاثباتي الرابطي } اي غير الحصول في كذا كالكون في الاعيان الرابطي الحملي فان هذا كسائر المفهومات لانه اسم معنى فهو عنده كالمفهومات الكلية التي لا يتعلق بها جعل في الخارج ولا تأثير لها كذلك اذ ليس لها وجود متعين وانما وجودها حصولها في الذهن وهو حظها من الوجود
ثم قال { وكذلك الحكم في مفهوم العدم ومفهوم اللا شيء واللاممكن واللامجعول } فانها لا يتعلق بها جعل ولا تأثير لها في الخارج لانها امور اعتبارية اعدام { بل لا فرق عندنا } يعني المصنف نفسه واتباعه وهم الاكثرون { بين هذه المفهومات وغيرها في كونها ليست الا حكايات } اي اذكار خيالية وعنوانات استدلالية يتوصل بتصورها الى امور صحيحة او باطلة فبعضها كالمعقولات المتأصلة لحصولها بحقيقتها في العقل مجردة عن العوارض الخارجية عنوان لحقيقة موجودة في الخارج او ( اي خل ) في الواقع وبعضها عنوان لامور لا اصل لها في الخارج ولا في نفس الامر ولا في الحقيقة الذهنية بل هي اي المقصود من ذلك البعض امور باطلة في ذلك كما اذا تصور المحال وتصور قدم الحادث وحدث القديم واعلم ان قوله الذي هذا بعض لفظه وبعض معناه لم يتفرد ( لم ينفرد خل ) به هو بل القائل به اكثر العلماء والحكماء وهم في هذه ليسوا بعلماء ولا حكماء بل هم على حد قوله واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون فكيف يدخل الشيء في علمهم ويتصورونه ويتخيلونه وهو ليس بشيء ولا مخلوق ما هذا الا شيء نشأ اصله من الركون من بعضهم الى بعضهم تقليدا واعتمادا على فهم الغير وقولا تبع بعضهم فيه بعضا من غير دليل ولو انهم حيث رضوا بمتابعة غيرهم جعلوا متبوعهم ائمتهم ائمة الهدى واعلام التقى والعروة الوثقى لنجوا من هذه الجهالات واهتدوا من هذه الضلالات وهم يسمعون سيد العلماء جعفر بن محمد عليهما السلم يقول كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم وقوله عليه السلم على ما رواه في البحار لمن سأله عن شيعته فقال الرجل انهم قد اختلفوا فقال عليه السلم فيما اختلفوا فقال قال زرارة النفي غير مخلوق وقال هشام بن الحكم النفي مخلوق فقال عليه السلم قل بقول هشام في هذه المسئلة ومثل ما تقدم عن الرضا عليه السلم انه ما يقع في وهم احد شيء الا وهو موجود في خلق الله وغير ذلك وفي القرءان المجيد وان من شيء الا عندنا خزايـٔنه وما ننزله الا بقدر معلوم والعقل حاكم بهذا وقد سبق فيه بعض البيان واشير هنا الى قليل منه تتميما للحجة :
اعلم ان الله سبحانه لما خلق الانسان على صورة كاملة كان جامعا مملكا فكان مدني الطبع كثير الشؤن يحتاج في نظم معاشه ومعاده الى جهات كثيرة ومعاملات واسعة ومثل هذا لا يسع شؤنه عالم الملك او ما يقدر على الاحاطة به من عالم الاجسام فجعل الله سبحانه له مرءاة يدرك بها ما غاب عنه وما لا يقدر على الاحاطة بملكه مما يترتب عليه معاملاته واعماله وعلومه وتعريفاته تسهيلا لمداركه فاذا اراد ذكر شيء غائب عنه او بيانه او الاشارة الى تحصيله تصوره وعبر عنه بلفظ يدل عليه فيلتفت الى جهة ذلك المطلوب ومثاله الذي هو ظله قائم في محله من الالواح العلوية وذلك المثال قائم باصله كقيام النور بالمنير والظل بذي الظل فيقابل هذا الشخص الطالب له ذلك المثال الذي هو مثال المطلوب فتنتقش صورته في مرءاة خياله فيدركه بواسطة مثاله كما ترى في المرءاة عند مقابلة الشخص لها فلو طلبت تصور رجل له الف رأس او الف نصف رأس كان مثاله منتقشا في بعض تلك الالواح لان ذلك الرجل كان قد خلقه الله تعالى في خزائنه بذات ذلك الرجل وحقيقته وامر الملائكة ان تنقش مثاله في الالواح الجزئية فاذا توجهت الى جهة ذلك الرجل انتقشت صورة مثاله في خيالك فكان ما في خيالك ظل مثاله وذلك المثال ظل ذلك الرجل والدليل على هذا الوجدان لمن كان له عينان وهو يعرف بالمثال فانك اذا رأيت زيدا يوم الخميس يصلي في المسجد الفلاني في السنة الفلانية في الشهر الفلاني انتقش مثاله بان امر الله الملكين الحافظين فنقشا مثاله في ذلك المكان من ذلك المسجد يوم الخميس من الشهر المعين والسنة المعينة يصلي دائما في تلك الصلوة ( الصورة خل ) التي رأيته فيها الى يوم القيمة فاذا كان يوم القيمة اتى بذلك المكان وذلك الوقت والمثال ( الذي خل ) يصلي فيه فيلبس ذلك الرجل مثاله كالثوب فيشهد له ذلك المكان وذلك الوقت وانت ما دمت حيا كلما اردت ان تذكره لا يمكنك ان تذكره حتى يلتفت خيالك الى ذلك المثال المصلي في ذلك المكان المخصوص في ذلك الوقت المعين فتجده هناك فتقابله بمرءاة خيالك فتنتقش فيه صورة ذلك المثال ولا تقدر ان تذكره ما لم تلتفت الى مكانه ووقته فلولا ان كنتم غير مدينين ترجعونها تذكرون ذلك المثال في غير ذلك المكان والوقت ان كنتم صادقين فلو امكن ان تتصور ما ليس بموجود لامكنك ان تتصور ذلك لا في مكانه ولا في زمانه فافهم دليل الحكمة الذوقية القطعية التي لم تكن مأخوذة بالاوهام وانما هي حكمة ائمتك عليهم السلام والمصنف انما ذكر ذلك بانها كلها امور اعتبارية الا انه فيما سبق صرح بما اومأ اليه هنا من الفرق في الجملة بين مفهوم الوجود والماهية فان مفهومه ليس له خارج ليتحقق الوجود في الظرفين بخلاف الماهية فانها قد تكون كذلك وقد يكون لمفهومها خارج متحقق متحد بالوجود في العينية لانها قد تحصل بحقيقتها في الذهن معراة عن العوارض الخارجية فتكون متحققة في الظرفين وجعله الوجود لا يحصل في ظرف التحليل مبني على ما يشير اليه من القول بالظلية فليس عنده الا الواجب تعالى بذاته في الازل وبظله في الامكان
وقد ذكر الامجد الملا احمد ( في سائر كتبه خل ) في بيان قوله : ونسبته اليه كنسبة النور المحسوس والضوء المنبعث ( المنبث خل ) على اجرام السموات والارض الى الشمس ما يحقق مراد المصنف وهو غير ما بينا من المثال في نور الشمس فان المثال حق لانه من ايات الله في الافاق وانما الاشكال في بيانه على مذاقهم وكلام هذا الرجل في بيان كلام المصنف يشير بل يصرح بموافقته على الظلية وانا انقله لك بتمامه لتسمع فانه قال هنا كما ورد في الحديث يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس وهذا الكلام منه يوهم المغايرة بينه وبين الوجود الحق المتعال ويشعر بالظلية كما زعمه جمع من المعاصرين لكنه مبني على ظاهر النظر فان بناءه في هذا المقام عليه كما لا يخفى وحمل الحديث لا ما زعموه من المغايرة والظلية لا غبار عليه اذ الظاهر ان الامر كذلك في الواقع لا ان مذهب المصنف ذلك وفرق بينهما فان قلت القول بالظلية فاسد اذ ح اما ان لا تكون بينهما مشاركة او تكون فعلي الاول هو المباينة وليس امرا ورائها كما زعمه الذاهبون الى هذا القول وعلى الثاني اما ان تكون المشاركة بحسب تمام الذات فهو القول بالسنخية او بحسب جزئها فيلزم التركيب المستحيل على الله تعالى وبالجملة ينحصر القول في السنخية والمباينة الصرفة لا كمخالفة الظل بالنسبة الى ذي الظل وبالسنخية المشاركة الحقيقية كمشاركة القطرة للبحر في اصل الحقيقة فاحتمال قسم ثالث مما لا يمكن انكاره ان اراد بهما غير ما ذكرنا مثلا اريد المباينة ( بالمباينة خل ) المخالفة بالمعنى الاعم فعدم احتمال قسم اخر ثالث لهما هو القول بالظلية ممنوع لكن كلامنا مع من يقول بالسنخية بالمعنى المذكور وبالمباينة بمعنى المخالفة الصرفة فتأمل تفهم انتهى كلامه وقوله والظلية لا غبار عليه اذ الظاهر ان الامر كذلك في الواقع وقوله فعدم احتمال قسم آخر ثالث لهما هو القول بالظلية ممنوع صريح في انه قائل بالسنخية واما قول المصنف فهو مختلف الظاهر والباطن لكنه يدور بين السنخية والظلية لا يخرج عنهما والقولان باطلان والحق فيما قاله ايـٔمة الزمان وامناء الرحمن عليهم السلام من القول بالمباينة كما قال الرضا عليه السلم كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه ه فقد بين عليه السلام الامر الواقعي واجاب عما يتوهم الذاهبون الى السنخية والظلية بقوله : وغيوره تحديد لما سواه وذلك لانهم يقولون يلزم التركيب اذا لم نقل باحد الوجهين فقال عليه السلم ان المغايرة التي يتوهم لزومها مع المباينة بتعين المتعينات وكثرة المتشخصات تحديد لها لا تحديد له تعالى لانها ليست معه في صقع لا بالذات ولا بالصفات ولا بالاعتبار ولا بالاحتمال ولا بالاسماء فتكون صفاتها اثباتا ونفيا لاحقة لها وهو متعال عن كل ما سواه
قال : { السادس - لو تحققت الجاعلية والمجعولية بين الماهيات لزم ان تكون ماهية كل ممكن من مقولة المضاف وواقعة تحت جنسه واللازم باطل بالضرورة فكذا الملزوم اما بيان الملازمة فلما سبقت الاشارة اليه من لزوم التعلق الذاتي والارتباط المعنوي بين ما هو مجعول بالذات وما هو جاعل بالذات }
اقول : يريد انه على فرض كون الماهية مجعولة بالذات يكون الجاعل لها بالذات ويلزم الارتباط المعنوي والتعلق الذاتي بينهما لما سبق من لزوم ذلك بين الجاعلية والمجعولية الذاتيين فيكون من مقولة المضاف لما بينهما من التلازم الذاتي فتكون ماهية كل ممكن داخلة تحت جنس ما هو من مقولة ذلك المضاف بما معها من الارتباط لعدم تحققه بدون الطرفين فيدخل الوجود تحت الجنس فيلحقه التحديد وقد ثبت فيما تقدم عدم دخوله تحت جنس او نوع اذ لا جنس له ولا نوع فلو كانت الماهية مجعولة بالذات لزم دخول ماهية كل ممكن تحت جنس ما هو من مقولة المضاف بما معها واللازم باطل فكذا الملزوم وبيان الملازمة لما بين سابقا من لزوم التعلق الذاتي والارتباط المعنوي بين المجعول بالذات وبين جاعله بالذات هذا حاصل كلام المصنف وفيه ما تقدم مما ذكرنا لك من ان الارتباط والتعلق الذاتيين لا يحصلان بين المجعول وبين ذات جاعله والا لزم كون الذات جعلا وكون الجعل والمجعول مساوقين لوجود الجاعل وهو باطل لما ثبت من ان الفاعل لا يكون فاعلا بذاته بل لا بد من توسط الفعل بينه وبين مفعوله والا كانت ذاته فعلا لا فاعلا واعتبار فعلية الذات على زعمهم ليس مساوقا لوجود الذات اذ لو كان مساوقا لوجود الذات لكان هو الذات او مع الذات واللازم من حقيقة المساوقة كون الذات فعلا لغيره وصفة له والتزام المساوقة مع اعتبار التأخر ليستند الفعل الى الذات مناف للمساوقة وموجب لحدوث الفعل واذا تحقق كون الجعل واسطة بين الجاعل والمجعول كما هو في الواقع لزم حدوث الجعل لكونه مسبوقا بذات الجاعل ولزم حصول الارتباط بين الجعل والمجعول لا بينه وبين الجاعل والداخل تحت مقولة المضاف مع المجعول مبدأ التضائف الذي يتحقق به الارتباط فان الارتباط انما هو بين المضروب والضرب لا الضارب على ان الضارب ليس هو الذات وانما هو اسم فاعل الضرب والتسمية انما تحققت بحصول التأثير بالضرب فالتضايف والاقتران يكون بينهما وهو اي الجعل معنى نسبي مغاير للذات ومسمى الجاعل هو الذات والذي لا يدخل تحت مقولة المضاف هو الذات وقد تقدم في مثالنا بالقائم ما يلزم منه ان الجاعل اسم فاعل واسم الفاعل مركب من مبدء التأثير الذي هو الحركة الايجادية والاثر وهو في الحقيقة صورة ومثال لهيئة ظهور الجاعل بالجعل والضارب بالضرب والقائم بالقيام ولا يتخلص من هذا الالزام الا جاهل به ليس له قوة ادراك هذا فيلتجأ الى جهله به واذا اردت فهم هذا فاعتمد على قول الله سبحانه سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فاذا نظرت الى الايات الافاقية مثل الكتابة التي هي مجعول الكاتب هل يكون بينها وبين ذات الكاتب ارتباط ذاتي بحيث يؤخذ في مفهومها حتى تدخل معه تحت جنس مقولة المضاف لا يكون ابدا وان الكتابة لا تدل على شيء من ذات الكاتب بوجه من الوجوه وانما غاية ما تتعلق به انها تشابه هيئة حركة يده في احداثها خاصة
واما معنى قولهم ان الشيء مجعول بالذات فهو انه مجعول بغير واسطة مجعول اخر يترتب جعله على جعله ومجعول بالعرض انه مجعول بتوسط مجعول اخر وهذا ظاهر لا غبار عليه وليس المراد انه مجعول بذات الجاعل لان هذا جهل لا جعل اذ الذات لا تكون جعلا انما الجعل هو الفعل فالتضايـٔف يكون بين المفعول وبين اثر فعل الفاعل من المادة والصورة وهما علل الماهية وقد يعتبر التضايف بين علل الوجود اعني العلة الفاعلية والغائية وهما غير الفاعل وهما والفاعل غير الذات التي لم تدخل تحت جنس مقولة التضايـٔف وقد قال امير المؤمنين عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقد قال ايضا عليه السلم انما تحد الادوات انفسها وتشير الالات الى نظائرها ه
قال : { لا يقال هذا مشترك الورود على المذهبين لان المجعول اذا كان نفس وجود المعلول لا صفة زائدة عليه فكان في ذاته مرتبطا بغيره فيلزم من تعقله تعقل غيره اعني فاعله وكل ما لا يمكن تعقله الا مع تعقل غيره فهو من مقولة المضاف لانا نقول مقولة المضاف وكذا غيره من المقولات التسع انما هي من اقسام الماهيات دون الوجودات فالاجناس العالية هي المسماة بالمقولات وكل ما له حد نوعي له جنس وفصل وهو لا محالة يجب ان تكون واقعة تحت احدى المقولات العشرة المشهورة }
اقول : هذا جواب عن سؤال ( مقدر خل ) هو انه { لا يقال هذا مشترك الورود } الخ اي مشترك الورود على قولهم وعلى قولك ايضا لانك اذا قلت ان المجعول بالذات هو الوجود يرد عليك هذا لان المجعول اذا كان كما نقول هو نفس وجود المعلول دون ماهيته لا ان المجعول امر زائد على وجود المعلول فكان ذلك الوجود مرتبطا بذات الجاعل فيكون تعقل ذات الوجود ملزوما لتعقل ذات الجاعل وكل ما لا يمكن تعقله الا مع تعقل غيره فهو من مقولة المضاف فاجاب المصنف بان مقولة المضاف وغيره من المقولات التسع التي هي مقولة الجوهر والكم والكيف والاضافة والاين والمتى والوضع والملك والفعل والانفعال كلها من اقسام الماهيات فتدخل تحت اجناسها بخلاف الوجود فانه لا جنس له كما تقدم واعلم انه انما ذكر هذا الاعتراض والجواب ليخلص ما ذهب اليه من شوائب الاعتراض وقد تقدم على معاني ما ذكر هنا اعتراضات لا مناص له عنها فان الوجود لا يمكن ان نتكلم عليه معه لانه لا يحرر موضع النزاع فمرة يذكر الوجود ويريد به الواجب وتارة يريد به الممكن وتارة يريد به الاعم وقد قلنا مرارا ان الواجب ليس لنا فيه كلام انما كلامنا فيما يمكننا ادراكه ولو بوجه ما والواجب لا يعلمه الا هو سبحانه واما الوجود الممكن فقد ذكرنا مرارا انه لا يعقل الا انه هو المادة المطلقة كما هو مذهب اهل الحق عليهم السلم او المعنى الرابطي وهو لا يريده او البسيط او النسبي او العرضي وهو لا يريد شيئا منها فيلزمه ان يقول بانه المادة المطلقة او ان قولهم ان الانسان حيوان ناطق ليس حدا حقيقيا لان الوجود عنده ذاتي له وهذا الحد الذي اتفقوا على انه حد حقيقي شامل لجميع ذاتيات المحدود وقد تقدم الكلام فيه فعلى ما قررنا وعلى ما ذكره في بعض المواضع من كتابه الكبير وقد نقلنا شيئا منه سابقا فراجع فعلى ذلك تكون الوجودات داخلة تحت اجناسها ولا سيما على قوله بانه متحد بالماهية وانها تدخل بمفهومها وبذاتها تحت الجنس فالمتحد بها اذا لم يتحلل داخل معها وان شرط التحليل بطل استدلاله هنا بالارتباط الذاتي الذي يلزم منه دخول ذات الجاعل تحت جنس مقولة المضاف ولا ريب ان الاتحاد اشد ربطا من الارتباط والتعلق فيقال له لا يلزم من كون الماهية مجعولة بالذات ارتباطها بذات الجاعل بل باثر فعله وان تنزلنا قلنا بفعله ولو سلمنا ( لزم خل ) الارتباط فان كان الدخول في الخارج بواسطة الماهية للارتباط دخل الوجود تحت الجنس لدخول الماهية تحته بالطريق الاولى للاتحاد الذي هو اشد من الارتباط والتعلق وان كان الدخول في الذهن واذا كانت في الذهن حللها العقل فلم يدخل الوجود فهنا ايضا كذلك اذا كانت داخلة في الذهن حللها العقل من ذات الجاعل فلم تدخل ذاته تحت جنس مقولة المضاف فيبطل استدلاله هنا كغيره
قال : { واما الوجود فقد ثبت انه لا جنس له ولا فصل له وهو ليس بكلي ولا جزئي متخصص بخصوصية زائدة على ذاته فاذا لا يقع الوجود تحت شيء من المقولات بالذات الا من جهة الماهية فيما له ماهية ومن هنا تحقق ان البارئ جل اسمه وان كان مبدأ كل شيء واليه نسبة كل امر ليس من مقولة المضاف تعالى عن ان يكون له مجانس او مماثل او مشابه علوا كبيرا }
اقول : قوله { فقد ثبت انه لا جنس له ولا فصل له } الخ لم يثبت ذلك وانما ثبت انه لم يفض من فعل الله تعالى الا الوجود خاصة وانه ليس شيء غير الوجود لا خارجا ولا ذهنا اذ لا يقابله الا النفي وانه قد علم ان الاجناس والفصول والانواع مخلوقة بفعله وانها موجودة في الخارج بذواتها وفي الاذهان باظلتها واشباحها وان بعض الاشياء داخلة تحت اجناسها وانواعها وان الاشياء الداخلة والمدخول فيها وجودات لانها بنفسها هي المفاضة من فعل الله ولم يفض من فعل الله الا وجودات فقد دخل بعض الوجودات تحت بعض فدخلت انواع الوجودات تحت اجناسها وافرادها تحت انواعها كل شيء بحسبه في الذهن والخارج والغيب والشهادة
وقوله { ولا جزئي متخصص بخصوصية زائدة على ذاته } يفهم منه ان الوجودات تتخصص بخصوصيات غير زائدة على ذاتها كما ذكر سابقا انه يتخصص في مراتبه ومنازله بشؤنه الذاتية وغيره انما يتخصص بخصوصية زائدة على ذاته وهذه عبارات مخلوطة لا يمكن اصلاحها لكثرة ما فيها من الاختلالات فان غير الوجود ليس بشيء فما هذا المتخصص بزائد على ذاته وهذا الزائد ان كان وجودا كان شيئا يخصص لا شيء وان كان ليس وجودا فليس بشيء والوجود ما يتخصص به من شؤنه الذاتية هي هو او هي غيره فان كانت هي فلم قيل بشؤنه ولم يقل بذاته ولم كانت الشؤن كثيرة وهو واحد وان كانت غيره فهي زائدة على ذاته فهو كغيره والحاصل لو اسرح بصري في امثال هذه ما وجدت لفظة واحدة مستقيمة والسبب في ذلك ان اعتقاداتهم لم يبنوها على ما هو الواقع وانما بنوها على الحمليات الصناعية والقضايا الملفقة المصوغة في ظاهرها كأنها شيء كسراب بقيعة يحسبه الظمـٔان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا والله ما تبين لي شيء مستقيم فانكرته ولا كتبت من هذه المناقضات الا ما ادين الله تعالى بها واسأل الله الكريم ان يجعلها عنوان صحائفي يوم القاه
وقوله { فاذن لا يقع الوجود تحت شيء من المقولات الا من جهة ماهيته فيما له ماهية } فيه اولا انه يدخل تحتها من جهة ماهيته فان كان حال اتحاده دخل معها وان اراد بقوله { من جهة ماهيته } ان الداخل هو الماهية خاصة فعبارته لا تؤدي عن مطلبه لانه اثبت دخوله من جهتها فهو الداخل وان اراد بذلك عند التحليل بطل دليله السابق كما قلنا ثم ان قوله { فيما له ماهية } صريح في ان الوجود مقول على حقيقة واحدة بعضها له ماهية هو الحادث وبعضها لا ماهية له وهو الواجب تعالى او يقول ان مفهومه كذلك فيلزمه المحذور الاكبر وايضا قد دلت الاخبار والادعية عنهم عليهم السلام ان له تعالى ماهية هي نفس وجوده فنفيها عنه تعالى لا معنى له فان قلت انه عنى بالماهية الزائدة على الوجود قلت ظاهر عباراته انه لا يريد هذا المعنى لانه يريد بالماهية معنى ينافي طبيعة الوجود او يغايره فلذا نفاها عنه تعالى لان هذا المعنى هو المتبادر عنده ونحن نقول ان وجوده تعالى هو ماهيته وانيته ولا جائز ان تنفي عنه وانما ينفي عنه التكثر والمغايرة فكما لا يجوز ان تنفي عنه القدرة وان اثبت له العلم وانه هي هو وهو معناها كذلك لا يجوز نفي الماهية عنه وانما ينفي عنه مغايرتها للوجود كما لا يجوز نفي الوجود عنه وان كان هو الماهية فلو قلت له ماهيته عين وجوده قال نعم وقلت له قل ليس له وجود لم يقبل وان قلت قل ليس له ماهية قبل لانه يريد بالوجود معنى لا يمكن تأويل سلبه عنه بوجه ونحن هكذا نريد فان الماهية هي الربوبية اذ لا مربوب وكذلك الكبرياء والعظمة والجلال وسائر صفات الكمال والعزة كلها من صفات الماهية ولا تكون من صفات الوجود الا على تأويل الماهية وايضا قد ذكر المصنف في قوله قبل هذا : ان كل موجود يجب ان يكون فعله مثل طبيعته وان كان ناقصا عنه قاصرا درجته عن درجته فما كانت طبيعته بسيطة ففعله بسيط وكذا فعل فعله الخ ويريد بالفعل المفعول فيلزم من هذا ان فعله الذي هو الوجودات لا تكون لها ماهيات لمشابهتها لفاعلها او تكون له ماهية وعلى الفرضين بحكم هذه القاعدة يلزم الوجود الواجب ما يلزم الوجود الحادث لانه عنده من سنخه ومنه الدخول تحت مقولة المضاف من جهة ماهيته او عدم ذلك في الحادث لان ذلك مقتضى المشابهة والتساوي وانما يختلفان في القوة والضعف وقد تقدم
وقوله { ومن ههنا } اي من جهة ان الوجود لا يدخل تحت جنس مقولة المضاف الا من جهة ماهيته وما لا ماهية له لا يدخل { تحقق وثبت ان البارئ جل اسمه وان كان مبدأ كل شيء واليه نسبة كل امر ليس من مقولة المضاف } فنقول للمصنف يلزمك اما ان تقول بان ذات البارئ تعالى لا تكون مبدأ لشيء ولا ينتسب اليها امر كما نقوله وانما مبدأ الاشياء فعله والى فعله وحكمه ترجع الامور او تقول بدخوله تحت جنس مقولة المضاف لانه اذا كان عنده فاعلا بالذات لزم التضايف بينه وبين مفعوله سواء كان وجودا ام ماهية الا ان تقول بانه الوجود فاذا نسبنا اليه الماهية لزم المحذور بخلاف ما اذا نسبنا اليه الوجود لانه هو فلا يلزم المحذور وذلك كما قاله صهره وتلميذه الذي يحذو حذوه الملا محسن قال في الكلمات المكنونة : والذات واحدة والنقوش كثيرة فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى وقوله تعالى ان يكون له مجانس او مماثل فيه انه على قوله يكون فعله اي مفعوله اعني الوجود الحادث مثل وجود المصنف مماثلا له ومجانسا له الا انه اقوى من عبده هذا على فرض المباينة كما هو مذهب الائمة عليهم السلام واما على مذهب السنخية والظلية فذلك لا يحتاج الى استدلال
قال : { وسابعها - انه يلزم على مذهبهم ان يكون معنى الذاتي مشككا متفاوتا بالاقدمية والتالي باطل عندنا وعندهم جميعا فكذا المقدم لان بعض افراد الجوهر علة لبعض آخر كما في علية الجواهر المفارقة بعضها لبعض وعلية الجواهر المفارقة للاجسام وعلية المادة والصورة للجسم المركب منهما والعلة في ذاتها اقدم من المعلول }
اقول : يريد به انهم اذا قالوا بان الماهية موجودة اولا وبالذات ان يكون معنى الذاتي مشككا متفاوتا بالاقدمية لانها اذا كانت علة لماهية اخرى اولا وبالذات لزم التفاوت فيما لا تفاوت فيه وهو باطل لان العلة من حيث هي علة سابقة والاخر المعلولة مسبوقة ومن حيث انهما ماهيتان لجوهرين يكونان متساويتين لعدم اولوية العلة بالعلية وبالسبق من المعلولة بهما قال وهذا باطل عندنا وعندهم اما عند المشائين فكذلك ويحتمل ان يريد بقوله عندهم اي عند محصلي الحكمة منهم لانه كان منهم الا انه مزج مذهبهم ببعض كلام اهل الاشراق واهل التصوف فيحتمل انه ارادهم لان الاشراقيين يجوزون الاولوية والتفاوت وهو المعروف من مذهب اهل الحق عليهم السلم بل من مذهب اغلب العقلاء فانا اذا قلنا بان العقل الكلي علة للروح الكلية او للنفس الكلية فلا ريب في اولويتها واقدميتها بل المشاؤن ايضا قائلون بذلك كما ذكروه في بيان اول صادر فانهم منعوا ان يكون نفسا وان يكون جسما وان يكون عرضا واوجبوا ان يكون عقلا وذلك لاولويته واقدميته وفي الحقيقة ان المعنى الذاتي حقائق ذاتيات متعددة ومعان متكثرة فليس ما في العقل منه هو ما في النفس بل كل واحد معنى على حدة وتتفاوت بالاولوية والاقدمية وان كانت معلولات لعلة واحدة لان جوهرها في الشدة والضعف والقرب والبعد والسبق والتأخر انما على حسب قوابلها وبهذا الاعتبار تتفاوت اما في العلل فظاهر واما في المعلولات فعلى حسب سبق القبول من العلة وشدته ومنع التشكيك في المعنى الذاتي مبني على كونه بسيطا وليس فيه ما بالقوة والامر على خلاف هذا بل الواقع ان الجواهر المجردة المفارقة يراد من تجردها عن المادة العنصرية لا عن مطلق المادة بل لها مواد وصور تألفت منها مثل الجوهر الماديات في التركيب والتأليف واحتياجها الى المواد والصور الا انها بنسبتها وانما قيل انها لا تجدد فيها ولا تقضي ولا استعداد لبطؤ تغيرها لان التغير انما هو بحسب المكان والوقت والمجردات اوقاتها واسعة فاللحظة فيها اوسع من الزمان فيتوهم الناظر عدم التجدد فيها والتقضي وليس كذلك وانما تجددها وتقضيها على معنى قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب والنقل دال مثل هذه الاية ومثل قول الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية الحديث وقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما ههنا ه فجميع الخلق مشتركون في هذه الصفات يعلم باطنها بظاهرها وغيبها بشهادتها ومن قال ان المعنى الذاتي لا يكون مشككا متفاوتا فانه لما تمسك في ذلك بمفهوم المعنى الذاتي الصادق عليها بالتواطئ على زعمه ولهذا كثيرا ما يشركون بين الواجب تعالى وبين خلقه في كثير من الصفات والمعاني حتى قالوا بوحدة الوجود بل ووحدة الموجود وسبب ذلك قصر نظرهم على مفهوم الشيء وصدقه في الحمليات الصناعية على الواجب والممكن انا لله وانا اليه راجعون ان القضية انما تكون صادقة لمطابقتها لما في نفس الامر لا ان حقية ( حقيقة خل ) ما في نفس الامر موقوف ومبني على صدقها الحملي الذي منشاؤه العقول الناقصة والانظار المتهافتة فان قلت من اين خصصتهم بنقص العقل وتهافت النظر دونك فلعل الامر بالعكس قلت لو كان ما قلته من هوي نفسي لصدق علي قوله تعالى ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ولكني اقول بقول من اتفقت انا وهم على صدقهم وعدم جواز جهلهم وخطائهم وغفلتهم فلذا افترقنا ولو كان التنظير بيني لنفسي وبين هؤلاء الاعلام لما ساويت تراب اقدامهم ولكني تمسكت بالعروة الوثقى وهم استقلوا فافترقنا فقولهم بان العلة اقدم من المعلول واولى لا ريب فيه هدى للمتقين
قال : { بل لا معنى لهذا النحو من التقدم والتأخر منها الا العلية والمعلولية فاذا كانت العلة ماهية والمعلول ماهية كانت ماهية العلة بما هي هي متقدمة على ماهية المعلول وهي في ذاتها متأخرة عن ماهية علتها وان كانتا جوهرين كانت جوهرية احدهما بما هي جوهرية اسبق من جوهرية الاخرى كذلك فيلزم التشكيك في المعنى الذاتي وهو باطل عند محصلي الحكماء فانهم قالوا لا اولية ولا اولوية لماهية جوهر على ماهية جوهر اخر في تجوهره ولا في كونه جوهرا اي محمولا عليه معنى الجوهر الجنسي بل يتقدم عليه اما في وجوده كتقدم العقل على النفس او في زمان كتقدم الاب على الابن }
اقول : قوله { بل لا معنى لهذا النحو من التقدم والتأخر الا العلية والمعلولية } الخ كما تقدم ومراده الزامهم بهذا النحو مع ان المحصلين من الحكماء نفوه وقد بينا تحقق السبق للعلية والمسبوقية للمعلولية لتوقفها عليها وهو ظاهر بالنظر الى ما هو الواقع وتحقق الاولوية للعلة ( للعلية خل ) لكونها مفيدة للمعلول فتكون اولى من المعلول لانه اثر مفاد منها وهذا ظاهر كذلك واما من ذهب الى نفي ذلك فانه ناظر الى نفس الشيء والشيء وهذا النظر انما هو الى ذواتهما لا من حيث العلية والمعلولية ولا من حيث كونه مفيدا او مفادا لانه حين احضرهما في الذهن مجردين عن عوارضهما ولوازمهما وعن مشخصاتهما وعن كل ما سوى نفس الذات وح لا ريب في عدم الاولىة والاولوية والكلام انما هو من تلك الحيثية وهذا يكون معنى كلامه انك اذا نظرت اليهما من حيث العلية والمعلولية كانا لا من تلك الحيثية بل من حيث نفي تلك الحيثية لا اولية ولا اولوية وهذا معلوم ولكنه من نحو القول بالموجب عند اهل البديع كما ذكرنا سابقا مثل قول الشاعر في وصف محبوبه :
قده لا طعن في اوصافه عجبا لا طعن فيه وهو رمح
اذ يريد بقوله لا طعن في اوصافه يعني لا عيب فيها وقوله عجبا لا طعن فيه وهو رمح فان لا طعن الثاني يريد به الشك بالرمح وهذا غير ذاك والالزام لو صح ان يقول انهما من حيث العلية والمعلولية لاولية ( لا اولية خل ) ولا اولوية فانه لا يصدق كلامه فلا يصح الزامه
وقول المحصلين { لا اولية ولا اولوية } الى قولهم { في تجوهره ولا في كونه جوهرا } يعنون به انك اذا لحظت جوهرين كل واحد منهما في تجوهره اي في قبوله الجوهرية ولا في كونه جوهرا اي في ان كان بالقبول جوهرا لتساويهما في حصول القبول للجوهرية وفي الكون جوهرا كل واحد بنسبته بل يتساوي الجوهر وعرضه في ذلك اذ كل واحد منهما موجود بالمعنى البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست بالنسبة الى نفسه مع قطع النظر عما سوى هذا من العارضية والمعروضية والعلية والمعلولية والاحتياج وعدمه وهذا جار في كل شيء حتى لو فرض بين الواجب والممكن امكن تصحيحه لانه عليه السلام حين قال من عرف نفسه فقد عرف ربه يريد من عرف نفسه ولحظها بانها نور واثر دله ذلك على وجود الموجد والمؤثر بخلاف ما لو لحظت انيتك وانك انت فانك ح لم تعرف نفسك فلم يمكن لك ان تعرف ربك بهذه الانية لعدم تحقق اولية ولا اولوية وانما نظرت الى شيئين مستقلين ولا يدل احد منهما على الاخر فلذا قال عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه
وتفسير المصنف كلامهم انما هو على ما يوافق استدلاله في قوله { اي محمولا عليه معنى الجوهر الجنسي } الى اخره مع ان تفسيره ان اريد منه على ما يريد صح له التفسير على ما يوافقه وان اريد منه مدلول اللفظ اذا بين على ما يطابق الواقع كان ناقضا لقوله فان قوله { اي محمولا عليه معنى الجوهر الجنسي } ظاهر في ارادته الحمل الصناعي وقد ذكرنا مرارا وبينا ان الحمل الصناعي لا يكشف عن الحقائق لانه مبني على ادراك الافهام القاصرة عن ادراك تلك الحقائق فيتوصل بذلك الحمل اليها وهو حمل سقط لان فايدته انما تحصل ممن عرف تلك الحقائق فيرتب على معرفة تلك الحقائق صورة الحمل ليبين للغير واما اذا ركبه من لم يدرك ليتوصل به الى الادراك فهو بعيد عن الادراك لانه بعد به عن حاله الاول درجة اخرى نازلا فيها مع ان كلامه هذا هو ما قلنا من النظر اليه مجردا عن النسبة فيحكم عليه بحالة التجرد في حال النسبة لان العلة يحمل عليها معناها الجنسي والمعلول كذلك لا من حيث كونه علة ومعلولا اذ ملاحظة الحيثية ملاحظته في رتبته ويظهر في الرتبة الاولىة والاولوية بخلاف ما لو نظر الى ذاته المجردة
واما قوله { بل يتقدم عليه اما في وجوده كتقدم العقل على النفس { يعني ان هذا التقدم انما هو بحسب الحصول لا من جهة الاولىة او الاولوية { او في زمان كتقدم الاب على الابن } يعني انه كذلك بحسب الحصول خاصة فنقول له تقدم العقل على النفس بمرجح او بغير مرجح فان قلت بلا مرجح اتيت بالمحال وان قلت بمرجح فنقول المرجح هو من الفاعل او من المفعول او من غيرهما فان قلت من الفاعل قلنا من نفس الفعل او من شيء فعله الفاعل بذلك الفعل خاصة او من ذات الفاعل فان كان من ذات الفاعل او من نفس الفعل او من شيء فعله الفاعل بذلك الفعل من غير مشاركة من ذلك المفعول لزم الترجيح بلا مرجح لتساوي ذاته وفعله وما هو من خصوص فعله الى جميع الاشياء فلا يكون شيء اولى من شيء فيمتنع التقديم والتأخير اذ لا مقتضى لهما وان كان المرجح من غير الفاعل وفعله وما يختص بالفعل ومن غير المفعول فذلك الغير ان اختص حصوله وترجيحه بالفاعل او فعله او ما اختص به فعله لزم الترجيح من غير مرجح وان كان ذلك المرجح من ذات المفعول او من الغير المختص به او المشارك فيه ثبت المطلوب وثبتت الاولىة والاولوية وكذلك تقدم الاب على الابن حرفا بحرف بقي شيء يحصل لك منه التوقف والتوهم وهو ان المرجح لا بد وان يكون سابقا على ما يكون مترجحا به فكيف يكون منه ولم يكن شيئا فالجواب انه كما تقول في القابلية فانها شرط للكون وللتكوين وللتكون ولا تكون قبلها وانما تكون معها بحكم المساوقة التي اشرنا اليها سابقا كالانكسار الذي هو شرط الكسر ولا يحصل قبله ولا بعده وانما هو معه وقد اشرنا سابقا ان هذا المعنى من المساوقة لا يكون شيء في العالم الا بها في كل شيء مثلا كالايجاد ان توجه الى موجود كان تحصيلا للحاصل او الى معدوم فالمعدوم ليس بشيء يتوجه اليه او تحصل منه قابلية الايجاد فلا بد من المساوقة فان اعتبارها في جميع ذرات الوجود مفتاح لخزائن اسرار الخليقة والغيب لا يمكن ان يفتح لاحد قط الا بمشاهدتها واعتبرها بالكسر والانكسار ليسهل عليك طريق الاعتبار
ثم اعلم انا قد اشرنا سابقا ان الايجاد لا يتعلق بموجود الا بالمشخصات الست وما يتبعها وقد ذكرنا في بعض رسائلنا ان كن صورة فعل الله سبحانه انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وانما خص الامر بهذا اللفظ للاشارة بالكاف الى الكون وبالنون الى العين واعلم انه حرفان وبينهما حرف مضمر ملحوظ الثبوت وانما حذف للاعلال وهو الواو اذ الاصل كون حذفت الواو لالتقاء الساكنين وهي منوية الثبوت لان عدد قواها ستة اشارة الى ان ظهور امره الذي قال عليه السلم فيه يا من امره بين الكاف والنون فان الواو بين الكاف والنون وهو قابلية امره وصورة ظهوره اعني الستة المشار اليها وهي الكم والكيف والجهة والرتبة والمكان والوقت وما يتبعها من متمماتها من الوضع والاذن والاجل والكتاب ولا يمكن ان يتحقق مخلوق في عالم الغيب والشهادة من المفارقات والاجسام والجسمانيات اي الجواهر والاعراض من كل ما سوى الله سبحانه الا بتحقق هذه الستة وبما يتممها من الاربعة المذكورة وهذه الامور الستة والاربعة هي مقومات القابلية ومشخصات الماهية المشخصة للوجود وقد اشار الصادق عليه السلام اليها والى اسبابها بقوله لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية اخرى كما رواه البرقي في المحاسن فقد اشرك بدل فقد كفر وفي رواية على نقض واحدة بالضاد المعجمة فالنقل دال عليها والعقل القاطع يشهد بها وتفصيلها يطول به الكلام
فاذا ثبت عندك انه لا يكون مخلوق الا بمادة وصورة وهي الوجود والماهية بالمعنى الاول كما قلنا سابقا وان كان كل بحسب فالنوري مادته وصورته نوريان والمعنوي مادته وصورته معنويان والجوهري الصوري مادته وصورته جوهريان والبرزخي كذلك من نوعه والجسمي من نوعه والعرضي من نوعه والذهني من نوعه وقول الحكماء الاولىن العقل مجرد والنفس مجرد يريدون ان العقل مجرد عن المادة العنصرية لا العقلية وعن المدة الزمانية لا الدهرية وعن الصورة والنفس مجرد عن المادة العنصرية لا عن الملكوتية وعن المدة الزمانية لا عن الدهرية وعن الصورة المثالية لا عن الجوهرية فلم يعنوا بالتجرد الا هذا وانما غير المراد من اتى بعدهم جهلا بمرادهم اذ يستحيل ايجاد مفعول بلا مادة وصورة والمجرد المطلق انما هو رب واحد ليس كمثله شيء سبحانه ومن يثبت مجردا مطلقا غيره فهو يثبت اربابا يعبدها من دون الله تعالى فاذا ثبت عندك ذلك فاعلم ان المشخصات الظاهرة هي هذه الستة خاصة ومتمماتها الاربعة للذي هو الوجود التكويني الذي هو ظاهر الوجود والمشخصات الباطنة للذي هو الوجود التشريعي الذي هو باطن الوجود وسر الوجود وهي الاستجابة الحسني بالاعمال الصالحة والطاعات المقبولة وامتثال اوامر الله سبحانه واجتناب نواهيه والتأدب بالاداب الشرعية والتخلق بالاخلاق الروحانية فانها مشخصات الوجودات التشريعية التي هي روح التشريعات الوجودية فاشار الواو بعدده الى تلك الستة الظاهرة في كل رتبة لما يوجد فيها بنسبة تلك الرتبة من نوع ذلك الموجود سواء كان ذلك من عالم السرمد لاعتبارها في متعلقات افعاله تعالى ام من الجبروت كالعقول ام من الملكوت كالنفوس ام من الملك كالاجسام ام من البرازخ مما بينها وبهذه الستة وما يتبعها تكثرت الموجودات وارتفع الجبر والتفويض عن افعال العباد الاختيارية وثبت للخلق الاختيار في التكونيات وشرعها وفي الشرعيات ووجودها فاذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك اولية العلل واولويتها واولية كل سابق واولويته سواء كان في الغيب ام في الشهادة في المكان ام في الزمان في كل شيء صدر عن فعل الله تعالى وعن فعل غيره اذا كان موافقا للشرع وان كان مخالفا فالاولىة والاولوية كانت للسابق على نمط الحكم الوضعي عند اهل الاصول من الفقهاء ولا يظلم ربك احدا
قال : { انه قد تقرر ان مطلب ما الشارحة غير مطلب ما الحقيقة وليست الغيرية في مفهوم الجواب عنهما لانه الحد عند المحققين لا غيره الا عند الاضطرار فهذه المغايرة بين المطلبين ليست الا من جهة اعتبار الوجود في الثاني دون الاول ولزم من ذلك الا يكون الوجود مجرد امر انتزاعي عقلي بل يكون امرا حقيقيا وهو المطلوب }
اقول : اعلم ان ما يطلب بالاستفهام اربعة بالتين ما وهل فالمطلوب بما ان لم يسبق بالعلم به كان السؤال بما عن مفهوم الاسم كقولك ما العنقاء فتسأل عن مفهوم اللقب يعني تصور المطلوب وان سبق العلم به فتسأل عن حقيقته فتقول ما حقيقة العنقاء فتسأل عن حقيقتها فما الاولى هي ما الشارحة سميت بذلك لان الجواب شرح الرسم وبيان مفهوم الاسم والثانية تسمى ما الحقيقة لان الجواب عنها بالحد او الرسم وهو التصديق والمطلوب بهل البسيطة متأخر عن ما الشارحة لان مطلوب هل مسبوق بالعلم بمدلول لقبه الذي هو جواب ما الشارحة فلذا تقول هل العنقاء موجودة ام لا وبعد هل البسيطة ما الحقيقة لان جوابها تصديق سواء ( كان خل ) حقيقيا كقولك حيوان طائر له وجه كوجه الانسان وثديان كثدي الامرأة كما يشعر به بعض النقول ام رسميا كذلك وبعد ما الحقيقة هل المركبة كقولنا هل العنقاء في المغرب ام في الهند ام في غيرهما فما الشارحة غير ما الحقيقة في قول المصنف يريد به ان الفرق بينهما مع ان كلا منهما سؤال عن مطلب ان مطلب الاولى لم يكن شيئا حاصلا للسائل فيسأل عن بعض احكامه كما في ما الحقيقة بل مطلبها ما هو قبل الوجود من معرفة رسمه ومفهوم اسمه ولهذا يكون جوابه من التصور فكان الفارق بينهما هو كون الوجود في جواب سؤال ما الحقيقة امرا حقيقيا اذ لو كفى الانتزاعي العقلي في تحقق مسماه لكان حاصلا في ما الشارحة اذ لا يتوجه السؤال عن الليس المحض بل الوجود العقلي الانتزاعي حاصل ولذا سأل عن مدلول لقبه ما هو من مطلق الوجود ولو كفى ذلك لم يحصل فرق بين الشارحة والحقيقة فلما نصوا على الفرق بينهما ثبت ان المراد به حيث يطلق انما هو العيني الحقيقي وهو المطلوب وقيل عليه انا لا نسلم الملازمة لجواز ان يكون انما لوحظ الوجود في مطلب ما الحقيقة لكونه محل الانتزاع بخلاف مطلب ما الشارحة او من حيث اعتباره في المصداق ولا يلحظ المصداق في مطلب ما الشارحة وايضا انه اراد بهذا الاستدلال اثبات ان الوجود مجعول بالذات والماهية بالتبع وهذا لا يفيد شيئا من ذلك وانما يفيد كونه متحققا في الخارج وهو غير المدعي فقوله وهو المطلوب غير المطلوب وفي الاعتراض الاول ان تحقق الوجود ليس شرطا في كونه محل الانتزاع بل قد يحصل الانتزاع من العقليات كما يحصل من غيرها ولان التصور لا يشترط فيه التمييز بالكنه بل قد يكفي فيه مطلق حصول التمييز فلا يستوحش من بناء الاقوى على الاضعف وقيل في الاعتراض الثاني انه لو فرض ان الوجود بجعل والماهية بجعل اخر او انها بالذات وهو بالتبع لما كان ذلك الوجود المفروض وجودا لها فيلزم ما تقدم سابقا من الدور او التسلسل ويلزم ان تكون الاشياء من لوازمها ولوازم الماهية كلها اعتبارية وفي هذه الاجوبة ما ذكرناه سابقا فلا يلزم على ذلك دور ولا تسلسل ولا كون الاشياء على ذلك من لوازم الماهية لانها من لوازم افعالها ولا يلزم كون لوازم الماهية امورا اعتبارية كما مر فلاحظه
وقوله { الا عند الاضطرار } قيل اي فيما اذا كان كنه الشيء مجهولا بحيث لا يبلغ الذهن الى دركه انتهى يعني فانه يكون الجواب حينئذ ليس بالحد فاذا سئل بما الحقيقة كان جوابه ليس بالحد بل بما تحصل به الفائدة كما في قوله تعالى حكاية عن سؤال فرعون موسى عن حقيقة رب العالمين فقال تعالى قال فرعون وما رب العالمين قال موسى في الجواب قال رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين وهذا صحيح ولكن في اصل هذه المسئلة احب ان اشير اليها لفائدتها وهو ان السؤال بما الحقيقة ان كان مطلبها ممكن الاكتناه والادراك كان الجواب بغير الكنه ليس جوابا حقيقيا بل اقناعي وتسكين لسورة الدعوى بل يجب بالحقيقة ( في الحقيقة خل ) والا فليس بجواب لها وان كان مطلبها مما لا يمكن اكتناهه ولا ادراك حقيقته لم تكن ما واقعة موقعها لانها استعملت في غير ما وضعت له ومثل هذه وضعت لمعنى نوعي وهو ما يمكن العبارة عنه في حق السائل خاصة او في حقهما كما هو المستفاد من احاديث ساداتنا عليهم السلام وعلى هذا المعنى يكون المراد من الاضطرار هذا لا انها وقعت موقعها وانما الاضطرار في جانب الجواب كما هو ظاهر المصنف فافهم
قال : { المشعر الثامن - في كيفية الجعل والافاضة واثبات البارئ الاول وان الجاعل الفياض واحد لا تعدد فيه ولا شريك له }
اقول قوله { في كيفية الجعل } يريد بالجعل المجعول واقامة المصدر مقام اسم المفعول كثير اما اولا فلان الجعل لم يكن بصدد بيانه واما ثانيا فلانه عندهم ليس شيئا متحققا في العين مستقلا وانما هو معنى ارتباطي فليس بملحوظ واما ثالثا فلان ظاهر كثير من عباراتهم مصرح بان الجاعل انما هو بذاته جاعل لانه لم يزل لذاته فعالا لما يريد وان هذه الصفة ليس لها مصداق غير ذاته وربما استدلوا على هذا بظواهر اخبار مثل ما في الدعاء عن امير المؤمنين عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته وبادلة عقلية على زعمهم مثل انه لو كان فاعلا بغير ذاته لكان محتاجا الى ذلك الغير وايضا ذلك الغير اما ان يكون حادثا او قديما فان كان الاول لزم الدور او التسلسل بيان الملازمة انه اذا كان حادثا كان محدثا بغير اخر غير الفاعل وهكذا فان عاد الى الاول دار والا تسلسل وان كان الثاني لزم تعدد القدماء ودليل التوحيد كما يأتي ينفيه واما رابعا فلانه عنونه بالكيفية فقال في كيفية الجعل ولا خلاف في ان الكيفية مجعولة فلو كانت مجعولة به لتوقف تحققه على اثره اعني الكيفية وهذه وامثالها لا تصلح ان تكون ادلة يستند اليها في اثبات الاعتقاد او يعول عليها في معرفة رب العباد لانها لم تكن على حقيقة الحال مبنية على اصل ثابت له قرار وانما اصلها مجتث في الاخرة وفي هذه الدار ومن بيان بطلانها ما اشرنا اليه سابقا ونشير الأن فنقول اما كون الجعل بمعنى المجعول فهو صحيح في الاستعمال ولا سيما اذا وصف بالكيفية لكن المناسب في بيان الايجاد انه الصنع المتعلق بالعباد بيان الاشارة الى استناد الخلق الى الفعل الصادر بقدرة الفاعل عز وجل وانه تعالى احدثه بنفسه اي بنفس الفعل كما هو شأن جميع الافعال الصادرة من فاعليها سواء كان الفاعل قديما او حادثا انما خلقت بنفسها لانها افعال لا يكون الاحداث الا بها فاذا كانت في رتبة المخلوق لم يحتج في مخلوقيتها الى غير نفسها وفعل الله سبحانه ايجاده واحداثه ويطلق عليه المشية باعتبار صدور الكون عنه والارادة باعتبار صدور العين عنه في الخلق الاول والقدر باعتبار صدور حدود الاشياء عنه ومقاديرها وارزاقها واجالها وهندستها وسعادتها وشقاوتها وامثال ذلك والقضاء باعتبار اتمام المحدث بما له من الرتب السابقة والامضاء اخراجه في مكان حدوده ووقت وجوده مبين الاسباب مشروح العلل والاذن الرخصة له في خروجه من غيب امكانه الى شهادة اكوانه والاجل محدود البقاء والكون والفناء والكتاب محفوظ الوجوه ( الوجود خل ) والاصول والاسباب وهو شيء واحد بسيط يسمى بهذه الاسماء المختلفة باعتبار اختلاف متعلقاته واما الجعل فيطلق على الفعل ويسمى ح في كل رتبة باسم فعلها وقد يراد منه عند الاطلاق ايجاد التغيير واحداث القلب والتصيير وقد يراد منه ايجاد اللوازم اذا لحق الافعال المتعلقة بمسبباتها كقوله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور فعلى ارادة المعنى الاول من الجعل الذي يكون مساويا للفعل تقول جعل سبحانه الوجود اي خلقه وشاءه وجعل اعيان الاشياء اي ارادها وبرأها وجعل حدودها اي قدرها وصورها وجعلها قائمة باظلتها اي قضاها وجعلها دالة عليه ومدلولا عليها اي امضاها فكان بمعنى الفعل في كل رتبة من مراتبه بحسبها وهذا هو المعنى الاول من معاني الجعل وهو مراد المصنف هنا في قوله في كيفية الجعل والافاضة فاذا اريد به المصدر بمعنى المفعول كما هو ظاهر كلام المصنف او المراد منه فظاهر واذا اريد به الفعل فلا كيفية له واذا عنون بها فيراد بها كيفية متعلقة اذ الفعل لا كيفية له لانها محدثة به فلا تجري عليه كما قال عليه السلام ولا كيف لصنعه كما انه لا كيف له
واما قوله { اثبات البارئ } عز وجل فاعلم انه تعالى ثابت كما قال تعالى اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد قال الصادق عليه السلام يعني في غيبتك وفي حضرتك فهو ثابت بلا اثبات بل الاثبات انما ثبت به الا انه لما انست الاوهام بامثالها من الاغيار جوزت العدم لنظرها الى نفسها والى نفس الاشياء فوجدت الانيات ووجدت الكثرة دعت الاحوال الى الاستدلال على اثباته في الاوهام ووحدته ولذا قال الباقر عليه السلام في تفسير قل هو الله احد في قوله هو قال فالهاء تثبيت الثابت يعني اثبات وجوده ووحدته في الاوهام ولذا قال امير المؤمنين عليه السلم وجوده اثباته ودليله اياته ه
وقوله { وان الجاعل الفياض لا تعدد فيه ولا شريك له } يعني انه بسيط الحقيقة احدى المعنى فلا تجوز عليه الكثرة بخلاف ما عليه القوم الصوفية واتباعهم والمصنف منهم وذلك كثير في عباراتهم ومنها ما نقله ابن ابي جمهور في كتابه المجلي في توجيه كلام الشيخ الهروي وهو طويل الى ان قال : فبعضهم اراد بالجمع احدية عين جمع الذات وبعضهم احدية عين جمع الوجود وهو شهود وحدة الذات في الحضرة الواحدية الاسماءية اعني شهود واحديتها المحيط بجميع الاسماء والصفات وكلاهما وجود الحق بلا خلق لان الاول هو شهود الذات وحدها اي مع انتفاء شهود الاسماء والصفات والثاني هو الذات مع اسمائها وصفاتها وهو شهود الكثرة في الوحدة واستهلاك الكل بالكلية في الله هو جمع الجمع عند الاولىن بشهود ما سوى الله قائم بالله وعند الباقين شهود الحق في الخلق وقيل شهود الوحدة في الكثرة والمعنى واحد وهو بعينه الفرق بعد الجمع وبعضهم يسمى شهود الوحدة في الكثرة هو الجمع والاستهلاك المذكور جمع الجمع واما احدية الفرق والجمع فهي شهود الذات الاحدية المتجلية في صورها المختلفة المسماة هياكل التوحيد فالشيخ اراد اندراج الفرق في الجمع حتى لا تزاحم كثرة الرسوم عين الاحدية الحقيقية ولا يكدر صفو الشهود والمشرب الكافوري اكدار التفرقة وزعاق الغيرية واورد التوحيد بعده بمعنى احدية الجمع والفرق حتى لا يرى الضعفاء مقام الفرق الباقي امرا ينافي الجمع وهو شهود الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة مع اضمحلال الكثرات في العين الواحدة في شهود الحقيقة في الاطلاق والتقييد شهودا مطلقا عن كلا القيدين فيري الحق عين المطلق والمقيد فلا ينافي تقييده الاطلاق بهذا المعنى ولا اطلاقه التقييد فلاخرج من احاطته شيء الخ وهذا وامثاله من مذاهبهم الفاسدة كلها تأول الى مثل قولك الشجرة فانها بسيطة بالنظر الى وحدتها ومتكثرة بالنظر الى اجزائها فتري الكثرة في وحدتها والوحدة في كثرتها وهم في هذه الامور لا يشاهدون الا وجها من حقيقة عباده المكرمين التي هي ركن توحيده سبحانه ومقاماته والحاصل ان تضييع الوقت في بيان فساد كلماتهم غير راجح لان الائمة عليهم السلام نهوا عن اتباعهم وعن التسمية باسمائهم الا للتقية وعن تأويل كلامهم الى ما يطابق الحق بل يجعلون نسيا منسيا وذلك لان من اراد الله سبحانه هدايته حفظه من الميل اليهم ومن وكل الى نفسه فهو يميل اليهم لو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله وبالجملة فقول المصنف من قولهم فانه يقول هو تعالى بسيط لا تعدد فيه وبسيط الحقيقة كل الاشياء فانظر رحمك الله الى هذا والى قولهم ان كل شيء في ذاته تعالى بنحو اشرف لان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته وان العالم كامن فيه بالقوة ككمون النار في الحجر انما يخرجها الحك بالزناد ويقول ان النقوش كثيرة والذات واحدة فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره وامثال هذه الكلمات الباطلة واقبح من هذا كله انهم يقولون هذا هو مذهب النبي محمد واهل بيته صلى الله عليه واله ومذهب الانبياء عليهم السلام فاعتبروا يا اولي الابصار ومن العجيب ان كثيرا ممن يرى مثل كلامي هذا يبادر الى ابطاله والطعن فيه وفي ولا يتدبر ولا يراجع مذهب ائمته عليهم السلم ومذهب الانبياء عليهم السلام والمسلمين فيردون كلامي حتى ما انقله عن ائمتهم عليهم السلام وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وانا اقول لهم كما قال الشاعر :
فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
اما انه قد غطي طلب المناصب والرياسات وحب الدنيا على البصائر فمن يقدر على قبول مثل هذا فيقولون فيه الناس انه كان قبل هذا ما يفهم شيئا بل يبقى على جهله وضلالته لئلا تقول الناس والعوام ذلك فيه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { وفيه مشاعر : المشعر الاول - ان نسبة المجعول المبدع الى الجاعل نسبة النقص الى التمام والضعف الى القوة لما علمت ان الواقع في العين والموجود بالحقيقة ليس الا الوجودات دون الماهيات وثبت ان الوجود حقيقة بسيطة لا جنس لها ولا فصل مقوم لها ولا نوع لها ولا فصل مقسم لها ولا تشخص لها بل تشخصها بنفس ذاتها البسيطة وان التفاوت بالذات بين احادها وهوياتها ليس الا بالاشد والاضعف والاختلاف بالامور العارضة انما يتحقق في الجسمانيات ولا شك ان الجاعل اكمل وجودا واتم تحصلا من مجعوله فالمجعول كأنه رشح وفيض من جاعله وان التأثير في الحقيقة ليس الا بتطور الجاعل في اطواره ومنازل افعاله }
اقول : قيل فيه اي ( ان خل ) نسبة المجعول المبدع اشارة الى توحيد الفعل وهو ههنا بمعنى ان الفعل واحد وهو الوجود المنبسط والبواقي اثاره ولوازمه اقول هذا القائل ظاهر كلامه انه يريد بتوحيد الفعل توحيد المفعول وان مراده بالفعل المصدر كما مر ويحتمل بعيدا انه اراد به الفعل الايجادي فان اراد به المعنى الاول فصحيح الا في العبارة كما يقوله غيره اما تجوز او تسامح وهو ان قولهم منبسط ما يراد بهذا الانبساط وعلى اي شيء يكون منبسطا فظواهر عباراتهم انه منبسط ان المنبسط عليه شيء آخر وهو ماهيات الاشياء وهذا انما يصح على ثبوت الحقائق في العلم الذاتي او الثابتة في اماكنها بشروطها اما لكونها صورا علمية متحققة الثبوت عند الحضرة الالهية او صورا علمية معلقة بالذات كتعلق الاظلة والاشعة بالمنير واما على المذهب الحق من امتناع وجود شيء غير ذاته الا ما صدر عن فعله ولم يكن شيئا قبل احداثه بفعله فلا معنى لانبساط الوجود على ما ليس بشيء فان اردنا به الفعل فالمراد بكيفيته كيفية تعلقه بالمفعول اذ لا كيفية له لذاته واما انبساطه فالفعل الامكاني في الانبساط والتعلق ابسط منه في التعلق التكويني لتوقفه على القيود في الثاني دون الاول والفعل لا يتعلق بالمكونات كله بكلها كما هو معنى الانبساط وانما يتعلق كل رأس منه بمفعوله المختص به فلا يصلح لغيره ولا يظهر ذلك المفعول بغير ذلك الرأس فالانبساط على المكونات باعتبار تعلقه بها اي كل رأس بمتعلقه المختص به تدريجي سواء كان ( ذلك خل ) المفعول من الجبروت ام من الملكوت ام من الملك الا انها مختلفة الظهور في السرعة والبطؤ حتى كانت المفعولات المجردات لسرعة قبولها وسرعة الظهور يصح ان يقال انها عارية عن القوة والاستعداد بخلاف الماديات فانها لبطؤ قبولها وظهورها يصح ان يقال فيها انها تدريجية لظهور التدريج فيها بخلاف المجردات وان كانت تدريجية وان اردنا به المفعول كما يقتضيه المقام وان لم يرده المصنف فالاولى والاحق ان يراد الفائض الاول المعبر عنه بالحقيقة المحمدية والوجود الاول وهو النور الذي به تنورت الانوار وهو الماء والدواة الاولى وهو المادة المطلقة لكل شيء فانبساطه على الاشياء انبساط تقوم ركني لانه امر الله الذي به قامت السموات والارضون فانبساطه على الاشياء كانبساط الحيوان على الانسان والفرس والطير فان انبساط الجنس على انواعه والنوع على افراده انما هو بحصص منه هي مواد تلك الانواع وبها تقومت وتلك الحصص هي وجوداتها الخاصة بها على المعنى الاول الذي اشرنا اليه من المعنيين اللذين يراد من الوجود احدهما فمعنى انبساطه عليها ليس انها اشياء غير الحصص التي منه وهو واقع عليها كما يفهم من عباراتهم التي لا تصح الا على كون حقائق الاشياء لها تحقق ما بغير وجوداتها الخاصة بها كما مر
ثم ان قوله { ان نسبة المجعول المبدع الى الجاعل نسبة النقص الى التمام والضعف الى القوة } ظاهر في السنخية كما هو المعروف من مذهبه فان قوله نسبة النقص وهو الوجود الحادث الى التمام وهو الوجود القديم لان النقص ضعيف التمام فيكون المراد به التشكيك لان الوجود اذا كان حقيقة واحدة قويها وتمامها الواجب تعالى وضعيفها ونقصانها الحادث ثبت على قوله هذا القول بالسنخ وان الاشياء من سنخه تعالى ولهذا لا يقع عليه العدم كما قالوا وانما يختلفان على الماهيات والدليل على قوله بالسنخية قوله { لما علمت ان الواقع في العين والموجود بالحقيقة ليس الا الوجودات دون الماهيات } وقوله { وثبت ان الوجود حقيقة بسيطة } وقوله { ولا تشخص لها } يعني لتلك الحقيقة { بل تشخصها بنفس ذاتها البسيطة } يعني ان تكثرها عين وحدتها وقوله { وان التفاوت بالذات بين آحادها وهوياتها ليس الا بالاشد والاضعف } وقوله { ان التأثير في الحقيقة ليس الا بتطور الجاعل في اطواره ومنازل افعاله } يعني ان هذه الكثرة ليست لاختلاف في الحقيقة وانما تلك الكثرة منشاؤها تطور الوحدة في افعاله مثل كون زيد قائما وقاعدا ونائما وذاهبا وجائيا فان هذه الكثرة من زيد الواحد فانما حصلت من تطوره في افعاله وافعاله عند المصنف ذاتيات له ولو كانت عوارض لكان التكثر انما حصل منها فيكون متعددا وهو ينافي البساطة ولهذا قال { والاختلاف بالامور العارضة انما يتحقق في الجسمانيات } وكل هذه صريحة في القول بالسنخ فمن قال بان هؤلاء لا يقولون الا بقول ائمتهم عليهم السلام فنقول له هذا قول الله تعالى حين قال وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون ام قول رسوله صلى الله عليه واله ام قول امير المؤمنين عليه السلم ام قول احد اولاده المعصومين عليهم السلام ام تقولون على الله ما لا تعلمون فما الداعي لتصحيح كلامهم ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيمة ام من يكون عليهم وكيلا ثم انا نقول للمصنف اذا كان بناؤك على تلك الوحدة من جهة توجيهك ما ينافي دعواك مما هو موجود وجداني بان التشخص والتكثر انما هو تطور ذاتي وفي الحقيقة ليس الا شيء واحد فالاختلاف المتحقق في الجسمانيات ان كان من التطورات كانت التطورات بالامور العارضة وكانت منافية للوحدة لكون منشائها الامور العارضة ولهذا اعتذر عن اختلافها والا فقد حصل في الكائنات ما ليس بالسنخ بل بالمباينة والاشياء لا تختلف في هذه النسبة فاما ان تكون كلها بالسنخ واما بالمباينة والتبعيض غير جائز وحصوله بالعوارض الغير الذاتية باطل لان الطارئ لا يغير الذاتي الا ان يكون الذاتي قابلا للتغير وانما علق على العوارض لكونها متممة اما للدواعي او التمكينات او التمكنات او القبول فهي لا تغير الذاتي نعم قد تكون علامات لتغيره الذاتي وهو مقتض للمباينة على ان هذه التطورات التي حصل عنها الكثرة هل هي عرضية ام ذاتية فان كانت عرضية تحقق الاختلاف في الجسمانيات وغيرها وان كانت ذاتية فاين محل الوحدة التي لا كثرة فيها فان كان محلها الاعتبار لم تتحقق الوحدة اصلا وان كان محلها نفس الامر او الواقع فاين محل مقتضى الكثرة فان قيل هي الاطوار والمنازل اختلف البسيط في ذاته وتكثرت حيثياته وكلما هو كذلك فهو حادث ومعنى فرض الاعتبار ان هذه الحقيقة هي واحدة بعين ما هي به كثرة في الواقع ام بغيره فان كان بعينه في الواقع جاء المحال وان كان بغيره فما به الوحدة غير ما به الكثرة وهذا هو التعدد الحقيقي فالبسيط الحقيقي هو الذي لا يجري عليه اختلاف الاعتبار والحيثية لا خارجا ولا ذهنا ولا يجري عليه الفرض في حال من احواله وما سوى هذا هو المركب فهو مربوب مصنوع
وقوله { والمجعول كأنه رشح وفيض من جاعله } يشير الى قوله عليه السلام لكميل : انما يرشح عليك ما يطفح مني والرشح اذا اطلق يراد منه ما خرج عن الحقيقة كالعرق والفيض اعم منه ومن الداخل فان اريد به التعبير والتمثيل فقد مضى الكلام فيه وان اريد الداخل والفيض والرشح دليل التعدد والكثرة والاختلاف ولا يدلان على نوع شيء من الوحدة مع انه اذا ادعي احد معهما الوحدة عورض باختلاف الحالين الدال على التعدد والتركيب فانه ان كان في حال واحدا وفي حال متعددا ثبت الاختلاف وان كان لم يزل لذاته كذلك ففيه تركيبان تركيب التعدد وتركيب التعدد (ظ) والوحدة فالحكم لله العلي الكبير
قال : { المشعر الثاني - في مبدء الموجودات وصفاته واثاره وهو المشار اليه بالايمان بالله وكلماته واياته وكتبه ورسله وفيه مناهج : المنهج الاول - في وجوده تعالى ووحدته وفيه مشاعر : المشعر الاول - في اثبات الواجب جل ذكره وفي ان سلسلة الموجودات المجعولة يجب ان تنتهي الى واجب الوجود برهان مشرقي - وهو انا نقول الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها ونعني بحقيقة الوجود ما لا يشوبه شيء غير صرف الوجود من حد او نهاية او نقص او عموم او خصوص وهو الوجود فنقول لو لم تكن حقيقة الوجود موجودة لم يكن شيء من الاشياء موجودا واللازم بديهي البطلان فكذا الملزوم اما بيان الملازمة فلان ما عدا حقيقة الوجود اما ماهية من الماهيات او وجود مشوب بعدم او نقص وكل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها كيف ولو اخذت بنفسها مطلقة او مجردة عن الوجود لم تكن بنفسها نفسها فضلا عن ان تكون موجودة لان ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوته في نفسه فهي بالوجود موجودة }
اقول : قوله { في مبدء الموجودات } يريد به الواجب الحق عز وجل وظاهر هذا الكلام ان ذاته المقدسة هي مبدأ الموجودات اما على معنى انها كانت حقايـٔقها كامنة في ذاته بنحو اشرف او انها صور علمية في علمه الذي هو ذاته او صور معلقة بعلمه كتعلق الظل بالشاخص او انها من سنخ ذاته لان الوجود حقيقة واحدة صافيها ومحضها هو الواجب ومشوبها بالماهيات هو حقائق الممكنات اذ هي تنزلاته في مراتبه ومنازله فتخصيصها بشؤنه الذاتية لا بماهياتها وهذا الاخير على الظاهر هو مذهب المصنف وانما ذكرنا احتمالات اخر في عبارته لان القائلين بهذه الاحتمالات يعبرون بمثل هذه العبارة وامثال هذه الاقوال مثلها في البطلان كما يدل عليه الدليل العقلي والنقلي لاستلزامها الكثرة والتركيب ومنافاتها للوحدة الحقيقية واما عندنا فاذا قلنا بانه تعالى مبدأ الموجودات فهو على المجاز بمعنى ان فعله مبدأ انشاء الموجودات وتكويناتها وفعله مبدؤه نفسه فليس الحق تعالى في الحقيقة مبدءا لشيء اذ هو لا يبدؤ من شيء ولا يبدء منه شيء وانما احدث فعله بنفسه اي بنفس الفعل لا من شيء غير الفعل والفعل مبدأ لتكوين الاشياء لا للاشياء انفسها اذ الاشياء انفسها لم تكون من الفعل كما مثلنا سابقا بالكتابة فان حركة يد الكاتب ليس مبدأ لنفس الكتابة وانما هي مبدأ لتكوينها واحداثها فليست الكتابة مكونة من حركة يد الكاتب وانما هي مركبة من المداد وهيئاتها كذلك الاشياء الممكنات لم تكن مركبة من الفعل الذي معناه في المشاهد انه الحركة الايجادية والمعلوم ضرورة ان المفعول لم يتكون من الفعل وانما يتكون به نعم بالفعل يتكون من مادته وصورته اللتين احدثهما الفاعل بالفعل لا من شيء فان قلت ان الايات الافاقية تشهد بان المفعول مركب من الفعل اذ لا يعني بالمفعول هنا الا ما هو المفعول المطلق عند اهل النحو مثل قولك ضرب ضربا قلت هذا مسلم بان المراد من المفعول هنا هو ما يكون كالمفعول المطلق عند النحاة وهو الذي عندنا لا المفعول به الذي يقع عليه فعل الفاعل كما هو المفعول عندهم وانما نريد بالمفعول الصادر عن فعل الله هو ما لا يكون له ذكر قبل الفعل بوجه ما فبالفعل اخترعت مادته وصورته وايته كما ذكرت من الايات الافاقية في مثل قولك ضرب ضربا ولكن الله سبحانه يقول وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون فانت تتعقل الاية فانها تدلك على ما قلنا واجمل تفصيل البيان فان الكتابة انما يصدق عليها اسمها اذا كانت حروفا مؤلفة كما ترى لا حال كونها مدادا فان المداد لا يصدق عليه اسم الكتابة من وجه فاذن انما تتحقق بالصورة والصورة هيئة الفعل يعني حركة يد الكاتب وبدونها لا تتحقق بوجه ما وكذلك اللفظ لا يصدق عليه اسم الهواء بحال من الاحوال حتى تتميز حصصه بهيئات فعله باللهات والاسنان واللسان واصل الهواء فتأخذه كما تأخذ المداد بالقلم وتصوره بهيئات حركة آلات المتكلم كما تصور المداد بهيئات حركة يد الكاتب وكذلك مثال ضرب بفتح الراء فان حقيقة معناه الحركة المستندة الى فاعلها المتعلقة باثرها وهذا الاثر الصادر عنها هو معنى ضرب بسكون الراء واما لفظه اي لفظ ضرب مفتوح الراء فانه اصل لفظ ضرب بسكون الراء وهذا فرعه فالضاد في المصدر سلخت من ضاد الفعل سلخ انفصال كما سلخت الصورة التي في المرءاة من صورة المقابل سلخ انفصال والراء في المصدر سلخت من الراء في الفعل والباء في المصدر سلخت من باء الفعل وكلها سلخ انفصال ومعنى سلخ الصورة في المرءآة سلخ انفصال من المقابل انها انتزعت منه نزعا منفصلا عنه فهي قائمة بصورة المقابل قيام صدور ولو كانت سلخ اتصال لكانت قائمة به قيام عروض ولو كانت قائمة به قيام عروض لما اختلفت في المرءاة لكن اللازم باطل لانها تكون بلون المرءاة وتعوج باعوجاجها وتصغر بصغرها وتطول وتعرض كالمرءاة وكذا في اضداد هذه الصفات ولو كانت متصلة بالشاخص لما اختلفت باختلاف قابلها فكذا حروف المصدر فانها صفات منتزعة من صفات حروف الفعل المنفصلة فيختلف معنى المصدر في الشدة والضعف والقلة والكثرة والهيئة باختلاف قابليته بنوع المشكك بالنسبة الى تحققه في نفسه ويظهر اختلافه في وصفه ( وضعه خل ) لانه كاشف له لا لفعله مثل قولك ضربا شديدا وضعيفا وكثيرا وقليلا ولا يختلف في الحركة من حيث هي وبالجملة فمادة المصدر صفة مادة الفعل انتزعت منه انتزعتها قابليته كما ان هيئة الحروف في الكتابة صفة هيئة حركة اليد انتزعتها قابلية الحروف وهي بمشخصاته ( بمشخصاتها خل ) ومنها مثلا القرطاس كما ان منها في المصدر محل التأثر فافهم الاشارة وكذلك الحروف اللفظية فانها بالنسبة الى مادتها المطلقة هواء كلها فيه سواء فاذا تحصص بالحاء المهملة بالات التكلم تخصص بالخاء المعجمة بقوابله ومشخصاته فالفعل لم يكن له اصل في الفاعل ولا ذكر قبل تكونه بنفسه فخلقه تعالى بنفسه واقامه بنفسه وجعل مادته وصورته نفسه بلا تعدد وفي كل شيء من ذلك فالله سبحانه تقدس في عزه عن شيء من فعله لانه تعالى هو الازل والفعل في الامكان الراجح ولم ينزل شيء من الازل الى الامكان ولم يصعد شيء من الامكان الى الازل بوجه والمفعولات هي من فعله بالتكوين والانشاء ولم تكن مركبة من شيء من الفعل وانما بالفعل اخترع سبحانه مادة من هيئة فعله وابتدع من تلك المادة هيئتها واقام اول صادر من تلك المادة المخترعة من هيئة فعله ومن تلك الصورة المبتدعة من هذه المادة فاذا قلنا انه سبحانه مبدأ الموجودات فنريد به هذا المعنى ولا نريد تلك الاحتمالات الباطلة الممتنعة الوقوع التي لا تسمن ولا تغني من جوع
وقوله { صفاته واثاره وهو المشار اليه بالايمان بالله } الخ اي في بيان صفاته واثاره يعني المخلوقات من العلوم والمعلومات مما هو ممكن مما كان او يكون او لا يكون ومعرفة ذلك والاستقامة عليه والاعتقاد له عن الادلة القطعية مطلقا سواء كانت عيانية ام اخبارية تفصيلية ام اجمالية هو الايمان بالله الخ هذا بقول مطلق وان كان يعني الاخص لكنا نقول ان القول الحق مطلقا هو الايمان بالله الخ
وقوله { المنهج الاول - في وجوده تعالى ووحدته } الخ يعني بيان انه موجود وانه واحد وهو يريد في بيان وجوده بالوصف الذي يمكن للممكن ان يصفه به
وقوله { المشعر الاول - في اثبات الواجب جل ذكره } اي في بيان اثباته بالدليل في الاوهام وفي بيان ذلك الدليل وهو ان سلسلة الموجودات المجعولة يجب في العقل اذا كانت موجودة محدثة ان تنتهي الى محدث لا يصح ان يكون احدثه غيره
وقوله { برهان مشرقي } اي بدا من مطلع الوجود او ان انه سبحانه اشرقه على قلبه فيكون حقا لانه الهام عنه تعالى او اشارة الى قوله (ع) : نور اشرق من صبح الازل الخ او اشارة الى عليته ليكون لميا لا انيا او الى انه كاشف للحجاب من قوله تعالى لم نجعل لهم من دونها سترا او انه على طريقة اهل الاشراق والله اعلم
ثم انه اخذ في ذكر الاستدلال على ما ذكره من هذه المقدمات شيئا فشيئا ويريد بالبرهان المعنى الاصطلاحي لزعمه ان كل مقدمات ادلته ضروريات قطعيات وقد بينا مرارا ان الادلة المنطقية تفيد المدعى بشرط ان لا يخالف القضايا الحمليات مثلا في احكامها ما هو الواقع لا ما هو في نفس الامر لان تلك القواعد انما تعصم الفكر عن الخطأ اذا كانت حاكية عن الواقع لا اذا كانت حاكية عن نفس الامر وما يحكم به او تصححه العبارة او نظم المقدمات او حسن الترتيب او نقل الحكم الى المحكوم عليه بالوسائط كالقياسات المركبة فيكون في بعضها نقل بالمعنى وبعض بالمفهوم وبعض بالمدلول وبعض بالمصداق وبعض بالعموم وبعض بالاطلاق وبعض بالخصوص وبعض بالتقييد فيكون الوسط المتكرر فيها في بعضها تكرره من عموم وبعضها من اطلاق ويكون بعضها من مفهوم ومن معنى وهكذا فانه يلزم منها الفساد الاعظم في صورة الصلاح مثل ما ذكره المعلم الاول واتباعه في بيان علم الواجب تعالى بذاته وبغيره قالوا : ان كل مجرد قائم بذاته فيجب ان يكون عاقلا لذاته ولغيره والواجب لذاته مجرد عن المادة فيجب ان يكون عاقلا لذاته ولغيره اما كونه عاقلا لغيره فلانه يمكن ان يعقل سائر المعقولات وكل ما يمكن ان يعقل سائر المعقولات يمكن ان تقارنه صور المعقولات وكل ما كان كذلك فامكان مقارنته سائر المعقولات له لازم له والا لزم الانقلاب من الامكان الى الامتناع وهو محال فاذا كان كل مجرد يمكن ان يقارنه صور المعقولات وكل ما امكن للمجرد كان واجب الثبوت له والا لكان موقوفا على استعداد المادة فلا يكون المجرد عن المادة مجردا عن المادة هذا خلف انتهى فقالوا ان كل مجرد قائم بذاته مع انهم قالوا ان العقل مجرد وهو غير قائم بذاته وقالوا يمكن ان تقارنه صور المعقولات وكل ما كان كذلك فامكان مقارنته سائر المعقولات له لازم له مع انهم قالوا ان حقيقته لا يمكن ان تتصور لذاته وهي منفصلة عن كل شيء فلا لازم له ليتوصل بمعرفته الى ادراك حقيقته وقالوا هو بسيط الحقيقة فلا يتصور فيه تعدد ولا تكثر بوجه ما ومع هذا قالوا ان صور المعلومات في علمه الذي هو ذاته وقالوا انها في ذاته حاصلة حصولا جمعيا وحدانيا لا يلزم منه كثرة ولا تعدد لانه الكل لاستهلاك الكثرة في وحدته فهو تعالى كالالف اللينة في الحروف والصوت في الحروف او كالمداد في الحروف النقشية او كالبحر في الامواج او كالماء في الثلج او كالشجرة في الاغصان وقالوا في التوحيد مشاهدة الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة فالنمط الاول في مغالطات القياسات والثاني في مغالطات التعبيرات لانه يذكر الكثرة والتعدد ويقول على وجه لا يلزم منه تكثر في الذات ولا تعدد فيخالفون الواقع ويدعون نفس الامر
وقوله { الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها } اي شيء يعني بغير حقيقة الوجود هل هو وجود ام غير وجود ثم انه قد بين ما عدا حقيقة الوجود بانه { اما ماهية من الماهيات او وجود مشوب } فيكون غير حقيقة الوجود منه وجود مشوب فهذا الوجود المشوب هو ذلك الخالص او منه او من حقيقة واحدة بمعنى ان ما خلص منها واجب وما امتزج منها ممكن فهما حقيقة واحدة ووحدة هذه الحقيقة منشأها الواقع والحمل الذاتي الاولى او الحمل الصناعي الذي منشاؤه صدق الاسم اللفظي او المعنوي او مفهومه والمعروف من عبارات المصنف انها واحدة بالحمل الذاتي الاولى الواقعي لا خصوص النفس الامري ولهذا قالوا ان المصنف قائل بالسنخية فيتفرع على هذا ان الوجود الممكن في نفسه غير مجعول وانما المجعول تعينه وظهوره بعد البطون اذ الشيء لا يجعل نفسه وانما يجعل احواله ويفهم مما سبق من قوله في تخصيص الوجود بالواجبية وتخصيصه بموضوعاته ان جعله احواله ليس بواسطة امر خارجي وانما هو بامور وشؤن ذاتية له وهو كما قاله صهره في الكلمات المكنونة في قوله والنقوش كثيرة والذات واحدة فصح انه ما اوجد شيئا الا ذاته وليس الا ظهوره ه ولا يخفى عليك بطلان هذه المذاهب الفاسدة والاعتقادات الكاسدة
وقوله { وكل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها } قد تقدم فيه الكلام ومما فيه ان هذا الوجود الذي به كانت الماهية اذا اريد به انه ذات حقيقية للشيء غير مادته وصورته لا يعقل الا ان يراد بقوله انه حقيقة للشيء انه اصل تكوينه ومبدء تحققه ومفيد ايجاده لا انه جزؤ ماهيته اذ لو اريد به جزء ماهيته لم يكن الا مادته او صورته او هما فلا بد ان يكون اما هما او احدهما او الخارج عن الشيء والخارج عن الشيء اما مبدء تكوينه وعلة ايجاده او عرضه الخاص او العام هذا عليهم وفيما يلزمهم واما نحن فليس عندنا ان وجود زيد هو ربه ومعبوده ولا فعل جاعله ولا شيء من لوازم وجوده او ماهيته وانما وجوده هو مادته وصورته كما تقدم
وقوله { ولو اخذت بنفسها مطلقة او مجردة عن الوجود } الخ قد تقدم الكلام فيه من ان الشيء لا يؤخذ مجردا عن الوجود في حال من الاحوال وانما يؤخذ اذا وجد بوجود الرتبة التي اخذ فيها لا مناص عن هذا قط وكل ما ينافي هذا الكلام فهو زخرف القول غرورا ومفاد كلامهم هذا ومثله ان الماهية لا تحقق لها في حال من الاحوال الا بالوجود فيكون مغايرا لها ولا شك في كونه مغايرا لها وان الشيء موضوع لهما عندنا فهو باعتبار كونه اثرا لفعل البارئ عز وجل وجود وباعتبار كونه هو هو ماهية هذا على المعنى الثاني كما تقدم وعلى المعنى الاول مادة الشيء وجوده وماهيته صورته كما تقدم والحاصل من برهانه على وجود الواجب تعالى البرهاني الاني لانه استدل على وجوده بوجود مخلوقاته ودعوى انه برهان لمي صناعية فانه في الحقيقة استدلال بالمعلول على العلة فهو اني الا ان الاستدلال باللمي اشرف فعدلوا الترتيب والتركيب ليكون بزعمهم لميا اي الاستدلال بالعلة على المعلول فقالوا ان تحقق موجود في الخارج يدل على ان بعض افراد الموجود واجب فتحقق الموجود حالة اولى له وكون بعض افراده واجبا حالة ثانية معلولة للاولى لتوقف الثانية على الاولى فالمستدل بها هي الحالة الاولى التي هي العلة والمستدل عليها هي الحالة الثانية فحصل ( فجعل خل ) الاستدلال بالحالة الاولى للموجود المطلق على الحالة الثانية اعني كون بعض افراد ذلك المطلق واجب الوجود وهو البرهان اللمي اي الاستدلال بالعلة على المعلول والى معنى هذا اشار الشيخ في الاشارات وهذا لمي في الطريقة الصناعية كما اشرنا اليه من ان اكثر امورهم يثبتونها بالحمل الصناعي سواء طابق الواقع ام خالفه مثل هذا فانه في الحقيقة اني لانه استدلال بالمعلول على العلة الذي هو الواجب تعالى وهذا وامثاله استدلال بالاثار على المؤثر ولكن كما قال الشاعر :
في زخرف القول تزيين لباطل هو الحق قد يعتريه سوء تعبير
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وان ذممت فقل قيئ الزنابير
قدحا ومدحا وما جاوزت حدهم احسن البيان يرى الظلماء كالنور
ولو اردنا الاستدلال بالعلة على المعلول حقيقة امكن بشرط ركوب متون التأويلات والا فاين يخرجون عن الاني انظر الى ما قال سيد الشهداء ابوعبد الله الحسين عليه السلام في ملحقات دعاء عرفات على ما نقله بعض الروات في قوله عليه السلام : الهي امرت بالرجوع الى الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير والاشارة الى ما اشرنا اليه من البرهان اللمي على وجه التأويل الذي لا يهتدون في الوصول اليه الى سبيل فاعلم انه سبحانه لا يعلم من نحو ذاته لاحد غيره لان كل ما يدركه غيره فهو غيره انما تحد الادوات انفسها وتشير الالات الى نظائرها كما قال علي عليه السلام وانما يعرفه كل احد من جهة ما تعرف له به وماتعرف لمخلوق الا بما خلقه عليه من وصفه تعالى لعبده وماتعرف لاحد بشيء يشابه شيئا من خلقه والا لعرف بذلك الشيء سبحانه وتعالى فكان ما تعرف به لكل احد من خلقه هو آيته ودليله في نفس عبده وهي نفس عبده وهو عنوان لمعرفته خلقه ليعرفه عبده به وهو شيء ليس كمثله شيء من الخلق وهو ما تعبد به عبده المكلف ليعرفه به ويعبده سبحانه وتعالى بالتوجه الى جهته لانه وجه الله سبحانه الى عبده المشار اليه بقوله كل شيء هالك الا وجهه وانما قلنا ان الله سبحانه تعبد عبده بمعرفة تلك الاية التي هي نفسه في قول امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وهي وجه الله اليه كالكعبة بالنسبة الى المصلي لانه هو وصف الله سبحانه نفسه لعبده ودليله اليه والدليل على معرفة هذه الاية التي هي النفس والموصل الى معرفتها والمرشد اليها هو خالقها ومنشيـٔها وكاتبها بيد قدرته ومنزلها بعلمه فهذا هو الدليل اللمي الحقيقي فمن اراد الله سبحانه هدايته ورفع قدره وتشريفه بمعرفته عرفه نفسه واعلم ان لي رسالة في معرفة النفس لا يعرف احد نفسه بغير ذلك الا ان تكون معرفة قشرية او جهلا بنفسه فمن ارادها طلبها
من له في الكون حظ لم يمت حتى يناله
ثم ان { قوله الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها } يعني ان الموجود من حيث هو مع قطع النظر عن الخصوصيات التي بها يحصل التمايز في التعريف ويحصل بملاحظتها التقسيم ان كان ذلك الموجود حقيقة الوجود ثبت المطلوب لانا لا نعني بحقيقة الوجود الا صرف الوجود وهو الواجب الحق تعالى شأنه او غير تلك الحقيقة
قال ونعني بحقيقة الوجود الخالص الذي لا يشوبه شيء غير صرف الوجود اي غيره من حد فان المحدود مركب اما من جنس وفصل او من خاصة او عرض عام او نهاية لان المنتهى او المنتهى اليه محصور بالنهاية منقطع الدوام في جهة مما ينسب اليه او نقص لان النقص بداية ينتهي الى تمامه او عموم لتناوله للكثرة والتعدد وانبساطه على امثال تقتضي توزيع جهاته او بعضها عليها فلا يكون احديا مطلقا او خصوص يؤدي الى التحديد وحصر بعض جهاته في بعض المتعلقات دون بعض وهو الوجود المقابل للعدم وهو الوجود الذي يكون احق بهذا الاسم من سواه
فشرع في البرهان فقال { لو لم تكن حقيقة الوجود موجودة } وهو الوجود الصرف اعني الواجب عز وجل { لم يكن شيء من الاشياء موجودا } وهذا الدليل وان كان في الظاهر انه استدلال بالاثار على المؤثر لكنه من دليل الحكمة لان وجود ما لا يستغني عن الغير لا في كونه ولا في بقائه طرفة عين دليل على وجود ذلك الغير ولما كان ذلك الغير الذي هو العلة في الكون والبقاء مستحيل الادراك من غيره كان وجوده عند العارف عين وجود اثره فلا يخفى عن شيء باثاره ولا يجده شيء بذاته وهو قول امير المؤمنين عليه السلم وجوده اثباته ودليله آياته وهذا استدلال ثابت صحيح الا انه بغير نمط استدلال المصنف لانه صوره بصورة القياس الاقتراني اذ لا يعرفون غيره وهذا الاستدلال وامثاله اذا تعلق بمعرفة الحقائق الالهية ظهر فيه الخلل لانحطاط مداركه عن تلك الحقائق كما تقدم ولذا كان قوله في بيان الملازمة غير مرتبط فان قوله { فلان ما عدا حقيقة الوجود اما ماهية من الماهيات او وجود مشوب بعدم او بنقص } وهذا حصر على اصطلاحهم صحيح لان الاشياء اما وجود بحت او وجود مشوب او ماهية ويعني بالمشوب به هو الماهية اذ لا شيء غير الوجود والماهية فصارت الملازمة ثابتة بالنسبة الى الماهية واما بالنسبة الى الوجود المشوب فلا لانه لو لم يوجد الوجود الخالص لمالزم عدم الوجود المشوب اذ الوجود المشوب لم يكن بغيره وان كان ما شابه اعني الماهية لم يوجد بنفسه بخلاف الوجود فانه ليس مجعولا لغيره ولا بغيره لا سيما على قول المصنف وقوله فيما تقدم ويأتي انه مجعول لا يريد به انه كونه الجاعل بعد ان لم يكن في نفسه شيئا اصلا وانما يريد بجعله تنزله في مراتبه وشوبه بما يعرض له من عوارض مراتبه لاتحاده بجاعله بعد رفع تلك العوارض لانه حقيقة واحدة بسيطة كاتحاد اجزاء السرير بعد رفع صورته بالخشب المطلق وكذا حكم الوجود لانه حقيقة واحدة منه صاف ومنه مشوب فيعود الكلام على قوله لو لم تكن حقيقة الوجود موجودة لم يكن شيء من الماهيات موجودا فلا يلزم من عدمها عدم مطلق الموجود ( الوجود خل ) وانما يلزم عدم الماهية منفردة او مشوبة بوجود فعلى قوله باستقلال الوجود الحادث يبطل استدلاله وعلى قولنا بعدم استقلال الوجود الحادث بمعنى انه لا يتقوم الا بالماهية يمكن تصحيح استدلاله
وقوله { كيف ولو اخذت بنفسها مطلقة او مجردة عن الوجود لم تكن بنفسها نفسها } هذا موافق لاعتقادنا ومخالف لاعتقاده خصوصا في هذا الكتاب فانه يزعم انها في الذهن معروضة للوجود ولا تكون معروضة له الا حال كونها مجردة عنه وهي هي نعم عندنا كما يقول هنا لانها في الذهن غير مجردة عن الوجود الذهني لان ما في الذهن منها ظل منتزع من الخارج المتقوم بالوجود وفي الذهن كذلك بنسبة الوجود الظلي الى وجود ذي الظل لان ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوته في نفسه وجريان القاعدة الفرعية على ما نقول اولى من جريانها على ما يقول
وقوله { فهي بالوجود موجودة } متفرع على قوله واما على قولنا فقد تقدم الوجهان فيه الا ان مرادنا بالوجود وبالماهية غير ما يريد فراجع
قال : { وذلك الوجود ان كان غير حقيقة الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود ومن خصوصية اخرى وكل خصوصية غير الوجود فهي عدم او عدمي وكل مركب مؤخر عن بسيطه مفتقر اليه والعدم لا مدخل له في موجودية الشيء وتحصله وان دخل في حده ومعناه وثبوت اي مفهوم كان لشيء وحمله عليه سواء كان ماهية او صفة اخرى ثبوتية او سلبية فهو فرع على وجوده والكلام عائد الى ذلك الوجود ايضا فيتسلسل او يدور او ينتهي الى وجود بحت لا يشوبه شيء فظهر ان اصل كل موجودية كل شيء موجود هو محض حقيقة الوجود الذي لا يشوبه شيء غير الوجود }
اقول : قوله { وذلك الوجود ان كان غير حقيقة الوجود } يعني ان كان غير الله سبحانه فيه ان تسمية الله تعالى بحقيقة الوجود انما اطلقه عليه لزعمه ان الوجود في ذاته منه حقيقة ومنه مشوب اي مركب مما يذكره وهذا لا يصح الا على شيئين تجمعهما حقيقة واحدة اما من حيث الاسم الحقيقي كالمعني المصدري والنسبي والرابطي والبسيط المعبر عنه بهست في الفارسية او من حيث المعنى الحقيقي بان يكون ذاتا واحدة تتجزأ الى الحقيقي والمركب من الحقيقي وشيء آخر وكلا المعنيين باطل اما الاول فلكونه متقوما بغيره واما الثاني فلكونه منقسما الى غيره ولكن على تقدير قبول ذلك منه معنى قوله ان الوجود ان كان حقيقة الوجود فهو الوجود الحق تعالى وان كان غير حقيقة الوجود بل فرعه او تنزله او غير ذلك مما يكبر في صدورهم ففي ذلك الوجود الذي هو غير حقيقته تركيب منه اي من الحقيقي كما هو رأي مميت الدين في الحتوفات فانه يرى ان الحق الذي لا خلق فيه والخلق الذي لا حق فيه اجتمعا فعصر منهما الانسان فهو الحق وهو الخلق وكذلك اراء اتباعه كالمصنف وصهره او ان قوله { من الوجود } اي المطلق يعني فيه تركيب من الوجود المطلق { بما هو وجود } يعني ان جزءه حصة من الوجود المطلق الغير المقيد بتخصيص الوجود بنفسه وبتخصيصه بمراتبه ومنازله بشؤنه الذاتية بل من حيث هو هو وحصة من خصوصية اخرى غير الوجود كتخصيصه بالماهية او بامر اعتباري والاول هو العدم والثاني هو العدمي وقد تقدم انه في غير التخصيص الواجبي يتخصص في مراتبه ومنازله بشؤنه الذاتية وقد يكون بها وبالماهية ولا ريب انه اذا تخصص بشؤنه الذاتية سواء جعلت هي العدمي المذكور لانها في علمه الذي هو ذاته ليست عند انفسها شيئا وان وحدته طوت تلك الكثرات ام العدم اذ لا تحقق لها من ذاتها ام على التقسيم الاولى فانه هو التخصيص بذاته اي التخصيص الواجبي لان هذه الشؤن الذاتية ان كان لها اعتبار ما تكثر مع وحدته والا فقد قال العدم لا مدخل له في موجودية الشيء فلا تتحقق رتبة او منزل متخصص مغاير لغيره بسبب شؤن لا حظ لها من الوجود باعتبار اذ ليست شيئا فلا يترتب عليها شيء فقد دار تحقق الغير وعدمه على وجود الشؤن في نفسها وعدمها على ان هذه الشؤن الذاتية التي هي علة التكثر اذا تحققت في انفسها امتنعت الوحدة على الوجود الواجبي في كل حال اذ ليس فاقدا للشؤن في حال من الاحوال والا لم تكن ذاتية هف
وقوله { وان دخل في حده ومعناه } ليس بصحيح لان العدم لا يدخل في حد الشيء ومعناه الا اذا كان له معنى خارجي وان كان كذلك كان له مدخل في موجوديته او موجودية لازمه او منافيه والا اي وان لم يكن له معنى خارجي لم يكن له معنى ذهني لما قررنا من ان ما في الذهن فرع على ما في الخارج ولو جرينا على مذاقهم من امكان كون الوجود في الذهن منفردا عن الخارج كان له مدخل في موجوديته او موجودية لازمه او منافيه ومن هذا ما استدل به المصنف كما يأتي في ذكر الاستدلال على كون بسيط الحقيقة كل الاشياء من انه اذا اخذ معنى النفي والسلب في مفهوم الشيء كان مركبا في حقيقته من معنى الثبوت ومن معنى السلب فلا يكون بسيط الحقيقة ولو كان العدم لا مدخل له في موجودية الشيء لما تركبت حقيقة جيم من معنى جيم ومن معنى ليس ب على ما قرره هناك فيما يأتي
وقوله { وثبوت اي مفهوم كان لشيء وحمله عليه سواء كان ماهية او صفة اخرى ثبوتية او سلبية فهو فرع على وجوده } يرد عليه انه قد قرر سابقا ان الوجود متحد بالماهية في الخارج وعارض لها في الذهن فيلزم ان عروض الوجود لها فرع على وجودها فيتسلسل او يدور وايضا قد ثبت فيما اشرنا اليه مما دل عليه النقل وكلام الحكماء والعقل شاهد لهما من ان كل محدث لا يكون الا مركبا من جهتين جهة من ربه وهو المسمى في الاصطلاح بالوجود وجهة من نفسه وهو المسمى ايضا بالماهية فاول المحدثات جزءاه قد ثبتا له ولم يكن موجودا قبل ثبوتهما له وبالعكس وكذا القابلية والمقبولية ثابت كل منهما لما يحمل عليه من دون ان يكون المحمول عليه موجودا قبل المحمول بل كل موجودين احدهما شرط للاخر اما في جهة كالابوة والبنوة او في جهتين كالوجود والماهية وكالكسر والانكسار فان الوجود والكسر شرط للماهية والانكسار في التحقق وهما شرط للوجود والكسر في الظهور فان شيئا منها لا يسبق الاخر في الوجود الذي هو الكون في الاعيان والحصول ومثل هذا قوله وكل مركب مؤخر عن بسيطه مفتقر اليه مع ان في هذا زيادة على ذلك بتصريح ان الحادث مركب من وجود قديم ومن ماهية محدثة وهذا على القول بالسنخ كما هو مذهب المشهور من الصوفية نعم اذا فسر الوجود بالمعنى الحقيقي الذي يريد المصنف فعلى قول المصنف من تحققه بدون شرط او من بساطته المطلقة او ان حقيقته الوجوب ( حقيقة الوجود خل ) يتم له بعض كلامه مثل الوجود وعلى قولنا لا يتم له شيء من ذلك فيما هو من الحادثات الا في الاصول المطلقة بالنسبة الى المقيدة كالمادة المطلقة بالنسبة الى الخاصة فظهر لمن فهم ان استدلاله بهذا الترتيب وهذا المعنى ليس بشيء وانما الميزان في الاستدلال هو الاحتياج اللازم للمحدث المستلزم للاستناد الى الغني المطلق الذي لا يحتاج الى شيء والاستدلال بلزوم التسلسل او الدور كما فعله العلماء على غير هذا النمط اصح من هذا فافهم
وقوله { فظهر ان اصل كل موجودية كل شيء موجود هو محض حقيقة الوجود } هذا الكلام على قول المصنف القائل بالسنخ كما هو المشهور من قول الصوفية مطابق لمذهبه لان ظاهر معنى هذا الكلام وهو ان اصل كل موجودية كل موجود ان موجودية كل موجود فرع على موجوديته تعالى والفرع مشتق من اصله باحد الاشتقاقات اللغوية والاصطلاحية كاخذ مادة الفرع من الاصل اما بالاقتطاع كاخذ بعض من كل او التوليد كالثمرة من الشجرة او كالضرب المصدر من ضرب الفعل او الاستنباط كالحكم من الدليل او الطريقة كالشريعة من الشارع وامثال ذلك والمستفاد من مذهب المصنف واستدلالاته هو ان المراد بهذا الاصل هو الاول اي الاقتطاع وظاهر رأي صهره في الكلمات المكنونة هو الثاني اي التوليد وظاهر كلام بعض الحكماء هو الثالث وظاهر بعضهم الرابع وهنا اراء كثيرة كلها فاسدة ليس لها في الحق نصيب واعلم اني انما اتتبع ما في كلام المصنف طلبا لتنبيه المؤمنين بمذهب ائمتهم عليهم السلم لان كثيرا منهم مالوا مع هؤلاء ظنا منهم ان هذا الذي عليه هؤلاء هو مذهب اهل البيت عليهم السلم فقبلوا منهم وسلموا لهم واتبعوا ادلتهم من غير نظر قاطع وانما اتبعوهم لتخيل مثل هؤلاء على رتبة لا تنالها العقول ولا تحوم حولها الاوهام فاحسنوا الظن في معرفتهم وشدة اطلاعهم وعظيم شهرتهم فكبروا في اعينهم وظنوا ان اقوالهم في انفسها حجة لا يحتاج الى النظر فيها وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فذكرت اكثر ما في كلامهم على جهة التنبيه لتقوم الحجة بعد العيان والبيان على الفطن النبيه ولم اقصد تنقيصهم وعيبهم والله سبحانه على ما نقول وكيل فاني ولله الحمد والمنة علي اعلم ان الله سبحانه يسئل عباده عما يسرون وما يعلنون وهو عليم بذات الصدور
قال : { الثاني - في ان واجب الوجود غير متناهي الشدة والقوة وان ما سواه متناه محدود لما علمت ان الواجب تعالى محض حقيقة الوجود لا يشوبه شيء غير الوجود فهذه الحقيقة لا يعتريها حد ولا نهاية اذ لو كان له حد ونهاية كان له حد وتخصيص بغير طبيعة الوجود فيحتاج الى سبب يحدده ويخصصه فلم يكن محض حقيقة الوجود }
اقول : قوله { الثاني } اي { المشعر الثاني في ان واجب الوجود } الخ يريد به ان واجب الوجود هو حقيقة الوجود فيكون غير متناهي الشدة والقوة ثم علل هذه الدعوى بقوله { لما علمت ان الواجب تعالى محض حقيقة الوجود لا يشوبه شيء غير الوجود } وهذا يدل على فرض صحة استدلاله انه يريد بالوجود ما يقابل العدم ليتفرع على هذا ان كل شيء هو عدم كالجهل او يأول الى العدم كالانتهاء فانه اذا فرض له انتهاء كان فاقدا لما يفرض وراء ذلك فاذا لم يجر عليه فقدان شيء كان غير متناه في الشدة والقوة ولا يكون هذا الا في محض الوجود اذ غيره مشوب بعدم او عدمي كما تقدم وهذا هو معنى الوجود البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست فيلزمه ان تكون ذات الواجب تعالى هو معنى هست وهذا صفة لشيء كما هو ظاهر ولا يجوز ان تكون ذات الله تعالى بهذا المعنى لان ذاته المقدسة لو كانت بهذا المعنى لكانت محمولة على ذات فوقها فتكون معلولة لها محتاجة اليها وان اريد غير ذلك وغير ما في معناه كالرابطي والمصدري فما شرحه فان وقف على شرحه باي طور فرض فهو ممكن اذ لا سبيل الى شرح حقيقة الحق تعالى وان لم يقف على شرحه فكيف نص على عدم تناهيه في الشدة والقوة لكونه محض حقيقة الوجود لان تعليل عدم التناهي بشيء يجب ان يكون معلوما مميزا محدودا والا لكان مثل قولك زيد لا يتناهى لانه شيء والحال انك لا تعرف من الشيء معنى مشروحا عندك لان التعليل جهة المعرفة والادراك ولا يتم الاستدلال الموجب لصحة المدعي الا بمعرفة حقيقة التعليل وهذا نور ظاهر لمن له بصر باطن
وقوله { فهذه الحقيقة لا يعتريها حد ولا نهاية } الى قوله { كان له حد وتخصيص بغير طبيعة الوجود } الكلام فيه كالذي قبله اذ بدون معرفة الذات التي هي حقيقة الوجود عنده لا يمكن وصفها بما ذكر واما غيره من الحكماء والعلماء فانهم استدلوا على عدم تناهيه بلزوم الحصر والفناء والنقص والعجز وامثال ذلك مع التناهي وتلك توجب الحدوث المستلزم للدور والتسلسل او الانتهاء الى الواجب الغني المطلق الذي لا غاية لذاته ولا نهاية لصفاته واستدلالهم احسن واسلم من استدلاله
قال : { فاذن ثبت ان واجب الوجود لا نهاية له ولا نقص يعتريه ولا قوة امكانية فيه ولا ماهية له ولا يشوبه عموم ولا خصوص فلا فصل له ولا تشخص له بغير ذاته ولا صورة له كما لا فاعل له ولا غاية له كما لا نهاية له بل هو صورة ذاته ومصور كل شيء لانه كمال ذاته وكمال كل شيء لانه ذاته بالفعل من جميع الوجوه فلا معرف له ولا كاشف له الا هو ولا برهان عليه فيشهد ذاته على ذاته وعلى وحدانية ذاته كما قال شهد الله انه لا اله الا هو ونشرح لك هذا }
اقول : قوله { فاذن ثبت ان واجب الوجود لا نهاية له ولا نقص يعتريه } نعم قد ثبت هذا الا انه بغير ما ذكره من دعوى كونه حقيقة الوجود لما ذكرنا بل بما ذكره العلماء مما قرروه في كتبهم وان كان الاكثر منها مدخولا واذا اردت محض الحق فزك عقلك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله وانظر به في الايات التي جعلها دليلا على ذلك وهي اياته في الافاق وفي الانفس كما قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الاية ولولا خوف الاطالة لذكرت لك شيئا مما ذكروه في كتبهم ولكنه لا يعسر عليك وانا في الغالب انما اذكر ما لم يذكروه او ما يرد عليهم مما لم يشعروا به
وقوله { ولا قوة امكانية } لا يريد به بان فيه قوة وجوبية اذ الوجوب ليس فيه شيء غيره وانما ذكر هذا البيان ما هو الواقع وذلك لان الواجب لو فرض فيه قوة امكان ( امكانية خل ) لكان محتملا للاستكمال والكمال ومحتمل الكمال محتمل النقصان وهو الحادث لان كل ما يمكن له عز وجل فهو بالفعل على حد لا يحتمل الزيادة ولا النقصان اذ كل ما جاز عليه وجب له فليس في الازل حالة منتظرة ولا حالات مختلفة وهذا ظاهر الا انهم مع قولهم بهذا قد يذكرون اشياء يفرضونها فيه او له يبنون عليها احكاما والحق تقدس تلك الحضرة تعالى شأنه عن كل ما ليس هو ذاته لا خارجا ولا ذهنا ولا فرضا ولا احتمالا واعتبارا او حيثية لان كل ذلك صفات الممكنات فالازل تعالى لا يصح فيه فرض الامكان والاحتمال بكل اعتبار وفرض
وقوله { ولا ماهية له } صحيح على قصده لانه يريد انه عز وجل وجود بحت بدون ماهية وهذا صحيح الا انه لا يقال ذلك في صحيح التعبير اذ صحيح التعبير ان يقال ان وجوده عين ماهيته بكل فرض واعتبار لا ان يقال لا ماهية له لما تقرر ان المراد بالوجود باعتبار مفهومه الذاتي انه شيء لغيره والماهية شيء لنفسها والوجوب اذا اطلق عليه الوجود يراد منه ما يعتبر من الماهية باعتبار هويتها فهو الماهية ولذا قلنا سابقا ان الماهية لا يجوز سلبها عنه تعالى وانما يقال كما في اخبار ائمتنا عليهم السلم يا من لا يعلم ما هو الا هو وهو المراد من الماهية التي هي مناط الكبرياء والعظمة وذلك ثابت لمن له هوية لذاته ولهذا كان وجود الممكن لا يستحق لذاته الكبرياء والعظمة لانهما لله سبحانه اذ لا هوية للممكن لذاته والمصنف يقول بان الممكن لا يستحق لذاته الكبرياء والعظمة مع انه يثبت له وجودا من سنخ الوجود الحق تعالى فلولا انه لا ماهية له ذاتية لاستحق الكبرياء والعظمة مع ثبوت الوجود الذي هو عنده من سنخ الوجود الحق سبحانه وذلك لانه انما هو شيء بمشية الله سبحانه ومشية الله عز وجل انما هي شيء بالله سبحانه
وقوله { ولا يشوبه عموم ولا خصوص } الخ اي انه ليس له طبيعة جنسية ولا نوعية فيدخل تحت شيء او يدخل تحته شيء ولا فصل له مقوم او مقسم والا لكان مركبا او متجزئا وهذا على ما نذهب اليه صحيح لانه مطابق لاعتقادنا اما عند المصنف فيلزمه على اعتقاده ان الوجود المطلق الشامل للحق تعالى لانه عز وجل خالصه ومحضه وحقيقته والشامل للخلق ايضا لان وجودات الخلق احد افراد المطلق الا انها مشوبة بالعدم او العدمي فالاشياء مركبة من حصص من ذلك المطلق ومن ماهيات وقابليات متغايرة بها تكثرت الاشياء سواء قيل انها شؤن ذاتية لتلك الوجودات في رتبها ومنازلها ام مخصصات اجنبية منها اذ هي على الاول بشؤنها الذاتية تجنست وتنوعت بفصولها فانه بهذا يلزمه دخول مطلق الوجود المطلق او خصوصه تحت العمومات والخصوصات حتى ان هذه الطريقة صرح بعضهم بان الوجود الممكن لا يجري عليه العدم وانما الوجود الممكن والعدم يختلفان على الماهية فاذا ارتبط بها العدم لحق وجودها بمبدئه القديم فيبطن فيما ظهر منه فلا يجري عليه العدم لانه ضده فاذا بنيت المعرفة على مثل هذه الكلمات السوءي بحيث يبطن الحادث في القديم لانه منه بدئ واليه يعود كيف يقال على مثل هذه انه لا يشوبه عموم او خصوص
وقوله { ولا صورة له } هذا حق ولا يقال له صورة بهذه العبارة ليناولها الهندسة والحدود التي هي صفات الحوادث وقال بعضهم ان له صورة ليست كصور الاشياء وهي كينونته اي قيامه بذاته والمعنى صحيح واللفظ باطل وقال بعضهم صورته صورة العالم وقال اخرون خلق العالم على صورته واخرون خلق ادم على صورته وهي اكرم الصور وهي الصورة الانسانية حتى قال هؤلاء انه في صورة شاب امرد قطط الشعر كما في الحديث الذي رووه واللفظ كله باطل واما قول من قال ان صورته صورة العالم تعالى الله فقالوا لانه روح عقل الكل وعقل الكل روح العالم والظاهر صورة الباطن ومن قال خلق ادم على صورته فانه يقول انه تعالى مؤثر للعالم والعالم اثره والاثر يشبه صفة المؤثر وكذبوا جميعا فانه تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه كما قال عليه السلام والا لكان حالا او محلا وكذا قول الاخرين فانه سبحانه ليس فاعلا للعالم بذاته اذ ذاته ليست فعلا والا لكانت صفة لموصوف وانما فعل العالم بفعله فالعالم اثر فعله ومعلوم ان الاثر يشابه صفة المؤثر كما ان الكتابة تشابه حركة يد الكاتب لا ذاته لان الكتابة اثر لحركة اليد ومن قال خلق ادم على صورته كما هو في الحديث النبوي (ص) فان العلماء وجهوه بان الضمير في صورته يعود الى ادم يعني ان الله سبحانه خلقه على ما هو عليه وبعضهم وجهه بان معناه ان الله تعالى خلق ادم آية تدل عليه كما قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم وروي عن الصادق عليه السلام في هذا الحديث ما معناه انهم حذفوا اول الحديث وذلك ان رسول الله صلى الله عليه واله سمع رجلا يقول لاخر قبحك الله وقبح كل من يشبه صورتك فقال صلى الله عليه واله لا تقل هكذا فان الله خلق ادم على صورته اي على صورة هذا الرجل والحاصل ان الصورة لا يصح اطلاقها على الله تعالى وان اريد منها معنى صحيح ويجوز ان يكون المصنف اراد ان الله سبحانه لا صورة له لان الصورة تلزم المادة وهما علة التركيب ويدل على هذا قوله { كما لا فاعل له } يعني انه لو كان له صورة لكان معلولا معمولا
واشار المصنف بقوله { بل هو صورة ذاته } الى ان ذاته هي نفس صورته بلا تغاير بينهما بحال والى انه مصور كل شيء فلا يجري عليه ما هو اجراه لان ذاته كمال ذاته فليس ذاته شيئا غير ذاته لان ذاته بالفعل من جميع الوجوه فلا امكان فيها وما لا امكان فيه لا صورة له لان الصورة استكمال لذي الصورة فلا معرف له اذ التعريف متوقف على الفصل الذي هو الصورة كما ذكرنا سابقا ولا كاشف له الا هو لانه لو كان له حد لتوقف الكشف له على الجنس والفصل ويكون مركبا منهما والكل مسبوق باجزائه وامتناع ذلك عليه دليل على انه سبحانه انما تعرف لعباده بهم ويريد المصنف بقوله { ولا كاشف له الا هو } التلويح الى قول امير المؤمنين عليه السلام : يا من دل على ذاته بذاته وهذا المعنى هو المعروف عندهم كما هو ظاهره وعندنا هذا لا يصح وانما يراد من قولنا لا كاشف له الا هو انه تعالى انما يعرف به ولا يعرف به الا بما تعرف به لعباده وماتعرف لهم الا بهم بان نقشهم كما تعرف لهم به وذلك لانه لما اراد ان يعرفه عبده خلقه انموذجا فهوانيا بان صوره بصورة معرفته ومعنى الانموذج معرب نمونه اي مختصرا من صفة معالمه ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه ومعنى الفهواني خطاب الله سبحانه لعبده في سلوكه اليه بطريق المكافحة اي بطريق كشف الغطاء عنه وجذبه اليه ومشافهته به فيكون هذا النقش الانموذجي هو حقيقة عبده من ربه يعني ان وجوده الذي هو نور الله سبحانه واثره آية معرفته وصفة ظهوره به له وهي صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له كما قال امير المؤمنين عليه السلام فمعنى قوله عليه السلم : يا من دل على ذاته بذاته يراد منه وجوها ( وجوه خل ) احدها ان المراد بالذات الدالة هي النفس الملكوتية الالهية وهي نفوس محمد واله صلى الله عليه واله كما في حديث الاعرابي عن امير المؤمنين عليه السلام في قوله اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدئت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ومن جهلها ضل سعيه وغوى الحديث والذات المدلول عليها هي مقاماته كما في دعاء شهر رجب للحجة عليه السلام في قوله فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك وعلاماتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت الدعاء فهذه العلامات والمقامات هي الذات المدلول عليها والمراد بها الوجه المسمى في اصطلاحهم بالعنوان وهو بمنزلة قائم بالنسبة الى زيد لانه اسم فاعل القيام لا اسم زيد لذاته فافهم وسمى سبحانه ذاتهم عليهم السلام ذاته ونسبها اليه تشريفا لها كما سمى روحهم روحه في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي وسمى نفسهم نفسه في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلم تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك وثانيها ان المراد انه تعالى لم يحتج في تعليم خلقه معرفته وما يراد منهم الى شيء غيره تعالى وثالثها ان المراد انه تعالى دل على ذاته اي على معرفة ذاته بذاته اي بوصف ذاته فلا يعرف بوصف غيره وانما يعرف بوصفه مثل ما روي عنهم عليهم السلام اعرفوا الله بالله ومثل ان الله تعالى اجل من ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به والقوم لا يريدون من قوله عليه السلم : يا من دل على ذاته بذاته مثل هذه المعاني التي اردنا منه وانما يريدون انه تعالى دل بذاته البحت الخالص او المتصفة بالصفات القديمة على ذاته البحت القديمة كذلك وهو عند ائمتنا عليهم السلام باطل
وقوله { ولا برهان عليه } يعني غير ذاته لانه دل على ذاته بذاته ونحن نقول انه تعالى لا يدرك من نحو ذاته لغير ذاته وانما يعرف بما وصف به نفسه فلا برهان على ذاته الا بما دلت اثار فعله على وجوده قيل والمراد به البرهان اللمي وهو ظاهر اذ لا علة له حتى يستدل بها عليه انتهى وهذا يريد ان البرهان المنفي هو اللمي وهو الاستدلال بالعلة على المعلول فلما لم تكن له علة نفاه وفيه شيئان احدهما ان المصنف قد ذكر البرهان عليه فان لم يكن لميا كان انيا وهو الاستدلال بالمعلول على العلة فيلزم ثبوت البرهان الاني واللمي اشرف من الاني والمصنف ظاهر كلامه نفي مطلق البرهان لان البرهان يميز الشيء والمميز مدرك محاط به فلا برهان له الا ذاته وثانيهما انهم انما استدلوا عليه بالبرهان اللمي ولا يريدون به ما اراد صاحب هذا القيل لانهم يريدون به ان في الخارج موجودا قطعا وهذه القضية هي العلة وان بعض ذلك الموجود واجب الوجود وهذه هي المعلول لتوقفها على الاولى فيستدلون على ثبوت الواجب بثبوت الموجود المطلق فحالة الاطلاق علة لحالة التقييد والتخصيص وقد اشرنا سابقا الى هذا وهذا المعنى غير معنى ما اراد صاحب القيل من البرهان اللمي ولو ارادوا ما اراد لما استدلوا باللمي في اثبات واجب الوجود حتى انهم يجعلون ذلك طريق العارفين والمحققين والاني طريق العوام والجهال
وقوله { فشهد ذاته على ذاته وعلى وحدانية ذاته } قيل : لعل مراده بهذا الاشارة الى ظهوره بذاته بلا واسطة امر وشهادته على وحدانيته اشارة الى كون ذاته المقدسة بحيث اذا لاحظها العقل لو امكن يحكم بامتناع ان يكون لها شريك فذاته تدل على الوحدة اذ صرف الشيء لا يمكن التعدد فيه واليه اشار صاحب التلويحات بقوله صرف الوجود الذي لا اتم منه كلما فرضته ثانيا فاذا نظرت فهو هو اذ لا مميز في صرف الشيء فوجوب وجوده الذي هو ذاته يدل على وحدته انتهى فقول هذا القائل اشارة الى ظهوره بذاته مثل قول المصنف قبل هذا بان تخصيص الوجود الواجب بالواجبية نفس حقيقته المقدسة الى ان قال : واما تخصيصه بمراتبه ومنازله في التقدم والتأخر والغنى والحاجة والشدة والضعف فبما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته الغيبية ( العينية خل ) بحسب حقيقته البسيطة ه وقد تقدم الكلام على قول المصنف والقول على هذا كذلك لان ظاهره ان ظهوره بذاته وهذا باطل لانه اذا كان بذاته كان لذاته حالتان وما كان كذلك فهو حادث لانه اذا ظهر بذاته بلا واسطة فان كان الظهور قديما لزم عدم وجود البطون وكان محصورا في الظهور وان كان حادثا اختلفت حالتاه وقوله : فذاته تدل على الوحدة اذ صرف الشيء لا يمكن التعدد فيه نقول عليه ان صرف الشيء لا مدخل له في نوع هذا التوحيد لان المراد انه لا شيء غيره لا انه لبساطته يكون كل شيء حتى لا يوجد غيره لانا لا نثبت في الازل شيئا اخر ( غيره خل ) ليكون ببساطته مستهلكا فيه فقول صاحب التلويحات : كلما فرضته ثانيا الخ ليس بشيء اذ الفرض من احكام الممكنات لا يصح استعماله في الازل فتوهم التعدد بالفرض والاتحاد امور ممكنة نعم هذه الامور التي يشير اليها تصلح في بادي الرأي للعنوانات لا للذات البحت ويأتي في كلام المصنف بعد هذا
قال : { ( الثالث خل ) في توحيده لما كان الواجب منتهى سلسلة الحاجات والتعلقات وهو غاية كل شيء وتمام كل حقيقة فليس وجوده متوقفا على شيء ولا متعلقا بشيء كما مر فيكون بسيط الحقيقة من كل جهة فذاته واجب الوجود من جميع الجهات كما انه واجب الوجود بالذات وليست فيه جهة امكانية ولا امتناعية والا لزم التركيب المستدعي للامكان وهو ممتنع فيه تعالى }
اقول : يريد الاستدلال على توحيده من دليل الحكمة يعني ان صورة نظم مقدماته من نمط دليل الحكمة وانما قلت فيما سبق انهم لا يعرفون الا دليل المجادلة بالتي هي احسن ليس لانهم لا يهتدون الى نمط نوعه لانه لازم للطباع ( للطبايع خل ) بل لانهم يرجعون الى قواعدهم مع عدم تحصيل اصولها عن اهلها ومجرد قبولها لا يؤدي الى الصواب بل لعله يؤدي الى الخطأ فاذا وجدوا قاعدة عن احدهم جعلوها معيارا حتى انه يترك ما يعرفه عقله لاجل القاعدة ويتكلفون صرف ما فهمته عقولهم على القاعدة وهذا مما ذكرنا فقال { لما كان الواجب تعالى منتهى سلسلة الحاجات والتعلقات } بمعنى ان كل ما ليس هو الواجب محتاج الى الواجب والواجب لا يكون ازيد من واحد لانه لو كان اثنين او ازيد فنقول اما ان يكونا محتاجين او مستغنيين او يحتاج احدهما الى الاخر فان كانا محتاجين كان الواجب غيرهما وان كان احدهما محتاجا الى الاخر كان المحتاج محدثا ممكنا وان كانا مستغنيين لزم كونهما محتاجين بيان الملازمة انك اذا فرضت غناهما تساويا فكل واحد منهما ايما اكمل في حقه كون الاخر محتاجا اليه ام مستغنيا عنه ولا ريب ان كون احدهما محتاجا الى الاخر اكمل في حق الاخر من عدم الاحتياج اليه فاذا لم يحتج الاخر اليه كان فاقدا لكمال فيكون ناقصا فقد بطل تساويهما في الاحتياج والغنى وهو قول المصنف منتهى سلسلة الحاجات والتعلقات كلها
وقوله { وهو غاية كل شيء وتمام كل حقيقة } حمله على المجاز اصح ولو حمل على الحقيقة بطل المعنى لان ذاته تعالى لا تكون غاية لشيء سواها الا على معنى قوله عليه السلام : كلهم صائرون الى حكمك وامورهم ائلة الى امرك وكذلك كونه سبحانه تمام كل حقيقة ولذا قال تعالى انكارا على من ادعى المناسبة بينه وبين خلقه وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون وقال الرضا عليه السلم كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه لان الممكن لو انتهى الى شيء وجب ان يكون ذلك الشيء ممكنا لما بينهما من الاقتران الممتنع من الازل لانه يلزم منه اما الاجتماع او الافتراق والكل من صفات الخلق ومن هنا قال سيد الوصيين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله
وقوله { فليس وجوده متوقفا على شيء ومتعلقا بشيء } هذا حق لا مرية فيه
وقوله { فيكون بسيط الحقيقة من كل جهة } اذ لو كان مركبا لكان متوقفا على جزءيه ومتعلقا بشيء فيكون مفتقرا اليه هف
وقوله { فذاته واجب الوجود من كل الجهات } يعني ان كل ما لذاته من حيوة وعلم وقدرة وسمع وبصر وادراك وكمال وغني وغير ذلك من جميع ما ذاتي له باعتبار مفهوم العبارة عنه فهو واجب الحصول لذاته لانه عين ذاته المقدسة ولذا قال { كما انه واجب الوجود بالذات } يعني ان كل واحد من هذه الامور الذاتية واجب بذاته كما ان ذاته واجب الوجود بذاتها
ثم بين قوله { من كل الجهات } بقوله { وليست فيه جهة امكانية } اي لا تجب بذاتها وانما تجب بشيء آخر او انما وجودها على جهة الجواز بل كل شيء منها يجب بذاته اذ احدها عبارة عن كلها وبقوله { ولا امتناعية } بان تكون ممتنعة الوجود فلا تكون لها حقيقة الا في اللفظ بل لا صفة له عز وجل الا ما هي ذاته الواجبة الوجود بذاتها وكل هذه معان صحيحة في نفسها بما وضع الواضع من اللفظ الدال على معانيها لا ما يريد المتكلم بها فانه قد يريد منها معان باطلة كما اعتقد في علمه تعالى الذي هو ذاته ان صور الاشياء المعلومات فيه لانها لو ثبت ذلك لكانت واجبة الوجود بذاتها لانها لا يجوز ان تكون واجبة بغيرها او غير واجبة فانها لو كانت كذلك لماجاز ان يكون علمه تعالى الذي هو ذاته محلا لها لانها ح حادثة ولخلا علمه عنها في حال ما فلا بد ان تكون واجبة بذاتها فلو اعتقد هذا كما هو ظاهر كثير منهم كالمصنف من بعض اقواله واراداته وصهره الملا محسن وغيرهما فانه يدخل هذه الصور العلمية في المراد من قوله وليست فيه جهة امكانية ولا امتناعية وهذا باطل فاسد لانها غيره والا لما قالوا في علمه الذي هو ذاته وقولهم انها حاصلة له حصولا جمعيا لا يلزم منه تعدد ولا تكثر ولا تغاير وسوسة والحاد فقولي معان صحيحة في نفسها بما وضع الواضع من اللفظ الدال على معانيها احتراز عن دعوى ادخال مثل هذه في الحكم بالصحة فافهم
وقوله { والا لزم التركيب المستدعي للامكان وهو ممتنع فيه تعالى } يعني به انه لو كان في شيء من ذاتياته جهة امكانية لكان مركبا من الواجب والممكن وهو اي التركيب مقتض للامكان الممتنع فيه اي في حقه تعالى وهذا صحيح على نحو ما مر احترازا من ادعاء دخول الحوادث فيه بدعوي وجوبها وعدم امكانها كما قلنا في صور المعلومات وحقائق الاشياء ووجوداتها وكمالاتها التي يسمونها بالشؤن الذاتية فانها عندهم في ذاته بنحو اشرف بحيث لا يحصل عنها شيء من المفاسد من التعدد والتركيب وغيرهما فان مثل هذا باطل وقولهم في هذا ونحوه بحيث لا يحصل عنه مفسدة اماني باطلة فانه اذا اثبت المفسد وقال بحيث لا يحصل عنه فساد يكون من الاماني فيقال لهم ليس بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب فانك اذا ضممت شيئا الى شيء ونظمته منه على حقيقة التركيب وقلت على وجه لا يكون منه التركيب يكون منه التركيب وان لم ترده ولم ترض به
قال : { فاذا تقرر هذا فنقول لو فرضنا في الوجود واجبين فيكون ما فرض ثانيا منفصل الذات عن الواجب تعالى لاستحالة ان تكون بين الواجبين علاقة ذاتية والا لزم معلولية احدهما او كليهما وهو خلاف الفرض فلكل منهما مرتبة من الكمال الوجودي ليس للاخر ولا مترشحا منه فائضا من عنده فيكون كل منهما عادما لكمال وجودي وفاقدا لمرتبة وجودية فلم تكن ذات الواجب محض الحيثية الفعلية ووجوب الوجود بل مؤلفا من جهتين ومصداقا لوجود شيء وفقد شيء آخر كليهما من طبيعة الوجود بما هو وجود ومناطا لوجوب نحو من الوجود وامكان نحو اخر منه او امتناعه فلم يكن واجب الوجود من كل جهة وقد ثبت ان ما هو واجب الوجود بالذات يجب ان يكون واجب الوجود من جميع الجهات هف }
اقول : قوله { لو فرضنا في الوجود واجبين } قد قلنا قبل هذا انه لا يجوز مطلق الفرض في الواجب لان الفرض من صقع الممكنات فكيف قال لو فرضنا واجبين فنقول الامر كما قلنا سابقا وكلامه هنا ان كان اراد جوازه في رتبة الازل فهو باطل واما ما قال الله سبحانه في كتابه في مواضع كثيرة بنحو هذا الفرض مثل قوله لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا وقوله تعالى اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض قل ان كان للرحمن ولد وامثال ذلك في الكتاب والسنة كثير فليس المراد به الفرض في رتبة الازل بل في رتبة الخطاب بالنسبة الى الاوهام وما يتوارد عليها من الشكوك والتجويزات الباطلة الناشية من تشبيه الخالق تعالى بالخلق فجرى الخطاب على ما يعرفون فان لحظ المصنف هذا المعنى ففرضه صحيح والا فلا
وقوله { فيكون ما فرض ثانيا منفصل الذات عن الواجب } لانه ان كان متميزا حصل الانفصال والا لم تتحقق الاثنينية ولقوله { لاستحالة ان يكون بين الواجبين علاقة ذاتية } لانها لو فرضت لكانت غيرهما ولزم التسلسل بان يكون بين واجب وبين العلاقة علاقة غيرهما وكذا بين كل علاقتين ولزم اذا كانت ذاتية كما هو المفروض اي لزومية ان يكون احدهما معلولا للاخر او هما معلولين لثالث كما هو مذكور في محله واعلم ان المصنف ذكر الذاتية اما لان غيرها لا يفرض في الازل او لان فرضها يلزم منه المحذور بالطريق الاولى اما لكونها حادثة فوجود المحذور من التركب منه والحاجة اليه اشنع او لتركبه منه ومن كونه مسبوقا بضده من نوعه وهو التباين الذي هو عدم العلاقة
وقوله { وهو خلاف الفرض } يعني ان الفرض كونهما واجبين
وقوله { فلكل منهما مرتبة من الكمال الوجودي ليس للاخر ولا مترشحا منه فائضا من عنده } وفرع بالفاء على فرض الاثنينية ولا يرد عليه تحقق الفرق بكون واحد منهما جامعا لجميع مراتب الكمال كما يقتضيه الوجوب ( الواجب خل ) الحق فلا يصح التفريع لان فرض التعدد مناف لكون احدهما كذلك لان كون احدهما كذلك لا يعقل الا مع الوحدة اذ لو فرض كونه جامعا لجميع مراتب الكمال وفرض ان الاخر لم تكن عنده زيادة على الكامل اي شيء لم يكن عند الكامل كان هو الكامل او جزءا منه فان كان هو الكامل فهو واحد لا اثنان وان كان جزءا منه كان فرضك جامعية كماله غير صحيح فالتفريع صحيح فاذا فرض كل واحد له رتبة كمال لم تحصل للاخر ولا تنسب له كان كل منهما فاقدا لكمال موجود عند الاخر وح لم يكن ما لذات الواجب بالفعل بل اما ان تكون منتظرة لما فقدته فلم يكن لها الا بالقوة والاستعداد او مركبة مما وجدت ومما فقدت وهو قوله { فيكون كل منهما عادما لكمال وجودي وفاقدا لمرتبة وجودية فلم تكن ذات الواجب محض حيثية الفعلية } اي كل ما هو الوجوب بالفعل لا شيء منه بالفعل وشيء منه بالقوة { ووجوب الوجود } اي ما هو واجب في الواجب واجب { بل مؤلفا من جهتين } اي بل يكون مؤلفا من جهتين وجدان وفقدان او وجوب وامكان { ومصداقا لوجود شيء وفقد شيء آخر } اي يكون الواجب بنفسه مصداقا لموجود وهو ما عنده ومفقود وهو ما عند الاخر والموجود الذي عنده والمفقود الذي وجد عند الاخر { كلاهما من طبيعة الوجود } اي كلاهما هو الوجود الواجب { وامكان نحو آخر منه او امتناعه } ويجوز ان يكون { وامكان نحو اخر منه او امتناعه } عطفا على { لوجود شيء } اي يكون مصداقا لامكان شيء نحو منه بالامكان العام وهو الموجود او مصداقا للممتنع على نحو الترديد بان يصدق عليه بعض الوجود او بعض المفقود وهو ما عند الاخر وان يكون عطفا على { من طبيعة الوجود } اي كليهما من طبيعة ما امكن له منه وهو ما عنده او ما امتنع منه وهو ما عند الاخر وكل ذلك مناف للوجوب اذ مقتضاه الوحدة المطلقة وهذا الدليل الذي ذكره هو ما ذكره الحكماء الا انه غير العبارة وهو قولهم : لو كان اثنين واجبين لزم تركيب كل منهما مما به الاشتراك وهو الازلية ومما به الامتياز وهو ما به تحقق الاثنينية والمركب حادث وظاهر عبارات المصنف ان هذا الدليل غير ما ذكروه وليس كذلك ولو سلم انه مغير الترتيب والالفاظ فانه من هناك اخذ والى قولهم يؤل لانه قال في الكتاب الكبير : هذا الدليل يتكفل لدفع ما تشوشت به طباع الاكثرين وتبلدت اذهانهم مما ينسب الى ابن كمونة ولا يرد عليه اصلا وهو انه لم لا يجوز ان تكون هناك هويتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الحقيقة يكون كل منهما واجب الوجود لذاته ويكون مفهوم الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا فيكون الاشتراك بينهما في هذا المعنى العرضي المنتزع عن نفس ذات كل منهما والافتراق تعرف حقيقة كل منهما انتهى قيل هذا هو تقرير الشبهة فتفطن وهذه شبهة عويصة وعقدة عسرة منسوبة الى ابن كمونة ولكن ليست منه لما قال المصنف في كتابه الكبير من اني قد وجدت هذه الشبهة في كلام غيره ممن تقدمه ولكن الباعث على اشتهارها هو ابن كمونة ولذا نسبت اليه وسنشير الى دفعها بوجه آخر انشاء الله فانتظر انتهى
اقول هذه الشبهة ليست عويصة لانها باطلة والباطل لا يعسر رده وبيان بطلانه نعم اذا وردت على من لم يكن عارفا بالله سبحانه بالدليل العياني دليل الحكمة قد تشتبه عليه العبارات وترتيب القضايا واصل الاشتباه خلط المفهوم والمعنى والمدلول والمصداق بعضها ببعض في الحمل وكذا في الحمل الشائع المتعارف والحمل الاولى فلاجل ذلك يحصل الاشتباه وتعظم الشبه ( الشبهة خل ) وبيان شبهة ابن كمونة ان نقول قوله لم لا يجوز ان يكون هناك يعني في الازل هويتان بسيطتان لا يجوز ذلك لان الازل معناه ذات بحت والواحد من حيث هو واحد لا يكون اثنين لان المفروض ان يكون للازل كمال مطلق واذا فرض التعدد قلنا الكمال المطلق يحصل لمن يكون الاخر محتاجا اليه او يحصل لمن يكون الاخر مستغنيا عنه فلا مناص من ان يقال لمن يكون الاخر محتاجا اليه لان كون الاخر محتاجا اليه اكمل في حقه من كون الاخر مستغنيا عنه فلو فرض الاستغناء عنه من غيره لم يكن كاملا مطلقا فليس هو الازل بل هو حادث وايضا قد ثبت ان الازل ليس ظرفا يحل فيه الواجب ليجوز ان يكون محلا لغيره كما كان له والا لتعددت القدماء فتتوجه اليه ادلة التوحيد كغيره من المفروضات القديمة وانما هو نفس الذات البحت وليس الذات شيئا غيره وما كان خارجا عن الذات فهو في الامكان اذ ليس غير الازل او الامكان والازل هو الذات فاذا لم يكن هو الذات كان في الامكان وايضا الازل ليس متجزيـٔا بل هو بسيط مطلق فاذا فرض هويتان لا بد ان يلحظهما العقل في الاعتبار بلحاظين ويستحيل ان يكون بلحاظ واحد لمتغايرين فلو كانا في الازل كان كل واحد في جهة غير جهة الاخر فيكون الازل متجزيـٔا ويكونان محصورين وايضا لا يعقل من معرفة الواجب الا كونه غير محصور ولا مدخل لغيره فيه فاذا فرض اثنان كان كل منهما محصورا في غير محل الاخر او يكون احدهما داخلا في الاخر نافذا فيه او كل منهما نافذا في الاخر داخلا فيه والاول والثالث باطلان للزوم الحصر في الاول لكل منهما وحدوث كل منهما في الثالث واما الثاني فيثبت به الواجب الحق الداخل في كل ما سواه والا لكان محصورا والذي لا مدخل فيه والا لم يكن صمدا وقوله مجهولتا الكنه يريد به تعظيم الشبهة واغلاق باب المعرفة بهما لئلا يسهل الجواب الا انه لا يتم له ذلك لان قوله بسيطتان وقوله مختلفتان بتمام الحقيقة ينافي كونهما مجهولتي الكنه فان حكمه بالبساطة عليهما ينفي كونهما مجهولتين مطلقا بل هما معروفتان بالبساطة وكذا بالتضاد بان تكون كل واحدة منهما ضد الاخرى لان الاختلاف وان كان اعم من التضاد الا ان قوله بتمام الحقيقة مخصص له فيكون المراد بالاختلاف التضاد وعلى فرض التضاد يمتنع فرض الوجوب لان الوجوب لا يكون لذاته محصورا في ذاته ولا في فعله ولا في تسلطه ولا في علمه ولا في قدرته ولا في ملكه وفرض الاختلاف مناف لفرض الوجوب لان معناه الكمال ففرض المخالف هو مثل قولك هذا شيء كامل مطلقا ليس بكامل مطلقا فقوله يكون كل منهما واجب الوجود بذاته مناقض لما فرض من التعدد والاختلاف في اصل مفهومه ومدلوله فلا يجوز الفرض في نفسه فلا تثبت الشبهة اصلا وقوله ويكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا يمتنع انتزاع مفهوم واجب الوجود منهما لان مفهومه الوحدة البسيطة في جميع الجهات من الواقع والذهن والفرض والتجويز وكل مفهوم غير هذا فهو مفهوم ممكن الوجود وانما سميته بغير اسمه كتسمية الصنم المنحوت من الخشب بواجب الوجود المعبود بالحق الخالق لناحته وهو قوله مقولا عليهما قولا عرضيا لان هذا المفهوم لم يكن منتزعا من ذاتيهما بل مما عرض لهما وليس الا محض التسمية ولو كان المفهوم منتزعا من معنى ذاتي كان مقولا عليه قولا ذاتيا فاذا فرض ان يكون مفهوم الوجوب مقولا عليهما قولا عرضيا دل على انه منتزع من تلك الجهة فلا يكونان على هذا الفرض واجبي الوجود والا لصدق مفهومه عليهما صدقا ذاتيا وقوله فيكون الاشتراك بينهما في هذا المعنى العرضي المنتزع عن نفس ذات كل منهما صريح في عدم اشتراكهما في وجوب الوجود الذاتي وانما اشتركا في العرضي وعلى هذا بطلت الشبهة اصلا اذ لا تتحقق الا بفرض اشتراكهما في وجوب الوجود واذا كان اشتراكهما انما هو في العرضي الذي هو محض التسمية كان كل منهما ممكنا او احدهما والاخر واجب فتبطل صورة الشبهة على ان قوله المنتزع عن نفس ذات كل منهما يدل على ان ذلك المفهوم يقال عليهما قولا ذاتيا والا فكيف ينتزع من ذات كل منهما ويقال عليهما بالعرض فان قلت هو يريد ان الانتزاعي ظلي عرضي ليس هو نفس الذات واذا كان كذلك يقال بالعرض وهذا ظاهر قلت نعم ولكنه يقال على مبدأ الانتزاع فاذا كان المنتزع صفة الذات كان مقولا على تلك الجهة وان ( اذا خل ) كان صفة الهيئة او الفعل كان مقولا على ذلك ايضا مثلا اذا كان المنتزع من حقيقة زيد كان مقولا على جهة الحيوانية والناطقية منه وان كان من صفته من بياض وسواد كان مقولا على تلك الصفة الجسمانية وان كان من صفة فعله كقيامه وقعوده كان مقولا على تلك الصفة الفعلية وبالجملة يكون المنتزع يكون مقولا ( المنتزع مقولا خل ) على جهة الانتزاع قولا ذاتيا ولا نريد بالذاتي هنا كما ارادوا بان يكون هذا المنتزع عين المنتزع منه اذ لا يكون الا في نقل حقيقة الشيء معري عن العوارض الخارجية وان كان ظلا كان مقولا قولا عرضيا بل نريد انه اذا تصورت قيام زيد كان ذلك المنتزع الذهني الذي هو ظل قيام زيد مقولا على قيام زيد قولا ذاتيا بمعنى انه اسمه الصادق عليه حقيقة لا انه ذاته اذ من المعلوم ان هذه الصورة الذهنية ظل وصورة لقيام زيد انتزعها الذهن منه الا انه في الحقيقة اسمه الصادق عليه صدقا ذاتيا يعني انه اسمه المعين له المطابق اي الدال عليه بالمطابقة لانه موضوع له كما ان الاسم اللفظي كذلك بل هذا اولى فاذا انتزعت مفهوم واجب الوجود من نفس تلك الهويتين كان المعنى ان تلك الهويتين كل منهما في ذاته واجب الوجود كان ذلك المنتزع دالا عليهما بالمطابقة ولو اريد منه ما ارادوا كان المعنى انه في الواقع ليس كل منهما في الفرض واجب الوجود وانما نقول ذلك باللفظ وعلى هذا لا تكون الشبهة شبهة والمفروض كونها شبهة ولذا قال ابن كمونة في اول كلامه : لم لا يجوز ان تكون هناك الخ ولو اراد فرض اللفظ وامكانه لكان متحققا واقعا فان الله سبحانه يقول لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ففرض الالهة في اللفظ وهو لا يدل على امتناعه وانما الجواب يوجه الى الفرض باعتبار الوقوع لا محض اللفظ وهذا المعنى العرضي الذي اشتركا فيه كما في قوله لا يقول احد انه ذاتهما وانما يقال انه اسم لما هو ذاتهما في الفرض في الواقع لتتحقق الشبهة وقد سبق الجواب الكاشف لكل حجاب وقوله : والافتراق يعرف حقيقة كل منهما نعم الا انه يلزم منه التركيب مما به الافتراق ومما به الاجتماع وهذا ظاهر انشاء الله تعالى
قال : { فواجب الوجود بالذات يجب ان يكون من فرط الفعلية وكمال التحصل جامعا لجميع النشـٔات الوجودية والاطوار الكونية والشؤن الكمالية فلا مكافئ له في الوجود ولا مماثل ولا ند ولا ضد ولا شبه بل ذاته من كمال الفعلية يجب ان تكون مستند جميع الكمالات وينبوع كل الخيرات فيكون تاما وفوق التام }
اقول : قوله { من فرط الفعلية } اي كونه غير منتظر في ذاته لشيء بل لكمال فعليته التي فوق ما يعقل مما بالفعل بما لا يتناهى ولكمال تحصله وتحققه بما هو هو جامعا لجميع النشـٔات الوجودية لذاته بذاته يعني في ذاته فلا يخرج عن ذاته شيء ولا يفوته شيء ولا يعزب عن علمه الذي هو ذاته شيء فتكون ذاته جامعة لجميع وجودات ما سواه ولجميع اكوان الكائنات واطوارها وشؤنها الكمالية فهو مبدأ كل شيء الفائض عنه كل شيء واعلم ان هذه معاني كلمات المصنف واتباعه ويلزمهم ان يكون كل شيء يخرج من ذاته ويعود اليها فما خرج منه فهي ولادة ومن قواعدهم المقررة التي هي اس اعتقاداتهم وسر معارفهم قولهم ان معطي الشيء ليس فاقدا له وعندنا وعند ائمتنا عليهم السلم ان هذه كلها ( كلمات خل ) كفر وزندقة فانه سبحانه خلو من خلقه فلا يكون محلا لشيء من المخلوقات وخلقه خلو منه فلا يكون في شيء منها قال الرضا عليه السلام : كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه ه وذلك لان الوجودات الامكانية والنشـٔات الوجودية والاطوار الكونية ومن الاطوار النطفة والعلقة والمضغة والعظام وكذلك الشؤن الكمالية في جميع المراتب والتنزلات والظهورات كلها نقائص امكانية محل ذكرها وكونها وعينها اماكنها واوقاتها الامكانية ليس بينها وبين الازل عز وجل نسبة ما بوجه من الوجوه واين التراب ورب الارباب والحق في العبارة عن المعنى الصحيح ان يقال انه عز وجل لفرط فعليته وكمال تحصله ان يكون الها فردا صمدا قائما بذاته لا ينسب الى شيء ولا ينسب اليه شيء ولا يدخل في شيء ولا يدخله شيء كان في الازل الذي هو ذاته المقدسة واحدا متوحدا متفردا ليس معه شيء غيره وهو الأن على ما كان ثم شق بفعل قدرته فعل قدرته واحدث مشيته بمشيته لا من شيء غير نفسها حين كونها بها ولا اصل لها في غير نفسها تستند اليه غير ما اقامها به من نفسها وذكرها بنفسها فهي لسان ذكره لها ثم اخترع الاشياء موادها وصورها لا من شيء الا بفعله يعني انه تعالى اخترع موادها لا من شيء غيرها ولا لشيء غيرها فاقامها بها وبما خلقها من نفسها من صورها فاخترع النشـٔات الوجودية لا من شيء وليست مذكورة عنده قبل اختراعها الا باختراعها فلا تقل انه عالم بها في الازل فيلزمك ان تكون معلوماته في الازل اذ ليس الازل غيره تعالى والا لكانت حالة فيه ولكن قل انه سبحانه عالم في الازل بها في امكنة حدودها واوقات وجودها فالازل علم بحت لا جهل فيه وذكر بحت لا غفلة فيه والمعلوم والمذكور معلوم ومذكور بما هو موجود فاخترع النشـٔات الوجودية والاطوار الكونية والشؤن الكمالية كلها بفعله لا من شيء واقامها بذواتها وقوابلها وكل ذلك في الامكان كل في مكان وجوده ووقت حدوده فهذه هي القدرة التي لا نهاية لها ولا غاية حيث شيأ الاشياء بمشيته لا من شيء وعين الاعيان بارادته لا من عين حتى كانت الاشياء بمشيته اشياء والاعيان بارادته اعيانا قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار وقد قال الرضا عليه السلام : قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما ههنا وانت تفكر في هذه الاصوات التي احدثتها باسبابها التي هي الهواء والات الكلام من اللهات والاسنان واللسان وليس في شيء من هذه الاسباب صوت فمن اين جاء الصوت ولو كان خلقها من حقائقها التي في ذاته لما كان يوصف بالقدرة الكاملة بلا نهاية ولا غاية ولكانت تلك الحقائق اشياء مغايرة له في ذاته وغير مخلوقة له ولما صح قول المصنف على الحقيقة { فلا مكافئ له في الوجود } اي معادل ومساو مأخوذ من قوله تعالى ولم يكن له كفؤا احد وهذا توحيد الذات ولا مماثل ولا ند ولا ضد والند على اشهر التفسيرين المشارك في الصفات الذاتية وكذا المثل كما قال تعالى ليس كمثله شيء والضد هو المقابل في الصفات الذاتية وقد يستعمل في المقابل في الافعال وقيل بتعاكس معنى الضد والند وهذا توحيد الصفات ولا شبه له وهو المشارك في الصفات الفعلية او مطلقا ومن ذلك قوله تعالى هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه وقوله تعالى قل الله خالق كل شيء وهذا توحيد الافعال والرابع من مراتب التوحيد توحيد العبادة ولا يشرك بعبادة ربه احدا
وقوله { بل ذاته من كمال الفعلية يجب ان تكون مستند جميع الكمالات وينبوع كل الخيرات } فيه ما تقدم لانه هو مراد المصنف فذرهم وما يفترون
وقوله { فيكون تاما وفوق التام } قال فيه الملا احمد المذكور في تعليقاته على هذا الكتاب : اما كونه تاما فلانه جامع لجميع مراتب الوجود ولا تكون مرتبة من مراتب الوجود لا تكون له ولم يكن مشتملا عليها بل هو محض الوجود وصرف النورية واما انه فوق التمام فلان جميع الموجودات التي سواه حاصلة من وجوده فائضة عن ذاته فهو الكل فوق الكل انتهى وكلامه هذا مثل ما ذكره المصنف واتباعه القائلون بوحدة الوجود وقد تقدم بيان بطلانه مثل ان قوله : ولا تكون مرتبة من مراتب الوجود لا تكون له ولم تكن مشتملا عليها يلزم منه اشتماله على النقائص الخلقية والقبائح لانها من جملة مراتب الوجود لانها وجودات وان كانت اصولها ودواعيها اعداما فيكون محلا لغيره او مركبا منها وعلل ذلك تبعا لغيره بكونه محض الوجود وصرف النورية وتفسيره فوق التمام بكون جميع الوجودات التي سواه حاصلة من وجوده فايـٔضة عن ذاته يشعر بكونها حالة فيه عنده فيكون محلا لغيره من الاشياء القديمة والحادثة الحسنة والقبيحة وهو كما ترى في غاية من الشناعة وقوله فهو الكل فوق الكل يشعر بتركيبه منها وانه عبارة عن كلها مثل قولك الشجرة فانها مجموع الاصل والفرع والاغصان والورق والثمر واما فوق الكل فمعناه كالشجرة وان كانت هي مجموع تلك الامور المذكورة الا انها في رتبة الوحدة رتبتها فوق رتبة مجموع تلك الامور من حيث هي ذلك المجموع وهو فوق رتبة الافراد جميعها فالشجرة فوق الكل اي فوق المجموع من الافراد وفوق جميع الافراد وكل هذه اعتبارات باطلة لا يزداد السالك الى الله سبحانه من هذا الطريق الا بعدا منه عز وجل ومن معرفته اللهم اهدنا من عندك وافض علينا من فضلك وانشر علينا من رحمتك وانزل علينا من بركاتك يا كريم
قال : { المشعر الرابع - في انه المبدأ والغاية في جميع الاشياء الاصول الماضية دلت وقامت على ان واجب الوجود واحد بالذات لا تعدد له وانه تام فوق التام فالأن نقول انه فياض على كل من سواه بلا شركة في الافاضة لان ما سواه ممكنة الماهيات ناقصة الذوات ومتعلقة الوجودات بغيرها وكل ما يتعلق وجوده بغيره فهو مفتقر اليه مستتم به فذلك الغير مبدؤه وغايته }
اقول : قال الملا احمد المذكور في تعليقاته : المقصود من هذا المشعر هو اثبات الوحدة الفعلية بمعنى انه ليس للواجب شريك في الفعل والافاضة كما قالوا لا فاعل في الوجود الا الله تعالى اعلم ان الحق المتعال من حيث انه نشأ منه الاشياء يقال له المبدأ ومن جهة رجوعها اليه وكونه منتهى سلسلة الحاجات يقال له الغاية فان المراد بالغاية ههنا هذا المعنى فافهم انتهى اقول كونه المبدأ والغاية انما يصح القول به ممن هو من اتباع ائمة الهدى عليهم السلم بان يكون يسلك طريقهم ويقتدي بهم ويجعل قولهم دليل عقله في كل شيء واما من يأول كلامهم على ما يطابق رأيه فانه لا يهتدي الى الصراط المستقيم لانهم اذا قالوا بذلك يريدون بكونه المبدأ ان الاشياء كلها بفعله احدثها لا من شيء فهذا ونحوه معنى انه المبدأ واما كونه الغاية فلان جميع الاشياء تأول الى حكمه وقدره وقضائه كما قال تعالى والى الله ترجع الامور والى الله المصير وقال سيد الساجدين عليه السلم في دعائه من الصحيفة كلهم صائرون الى حكمك وامورهم ائلة الى امرك واما على رأي المصنف ومن تابعه او وافقه على رأيه فهذا الكلام لا يصح منهم ولا تجوز نسبته الى الله سبحانه لاستلزامه التشبيه والحدوث اما سمعت قول الملا احمد المتقدم ان الحق المتعال من حيث انه نشأ منه الاشياء يقال له المبدأ الى اخره بل ربما قالوا بان الاشياء ليست الا اطواره وهيئاته العارضة لذاته في مراتب تنزلاته بشؤنه الذاتية قال الملا محسن الكاشاني صهر المصنف وتلميذه في الكلمات المكنونة قال : او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى فالفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدي يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى فتدبر رحمك الله في كلامهم لتعرف مقامهم
واما قوله { الاصول الماضية } فقد قال الملا احمد المذكور في اخر كلامه : فنقول ان المعلول الاول محتاج في اصل ذاته اليه تعالى وذاته مع جميع صفاته منه تعالى وفائضة عنه فاذا صدر عنه شيء فحقيقة صدور ذلك الشيء عن الواجب لان اصل ذات المصدر المفروض منه تعالى وهو جعل ذلك المصدر مصدرا فحقيقة الصدور والفيض منه وكذلك البواقي فثبت ان الكل من عند الله وان ليس في الوجود فاعل ومؤثر حقيقة الا هو وما يظن انه فاعل مما هو غيره فليس بفاعل في الحقيقة بل هو آلة ولكن ليس انه بفاعليته من حيث هو فاعل بمعنى احتياجه الى تلك الالة في الفاعلية بل هو آلة لفعله بمعنى ان ذلك الفعل لا يمكن ان يتحقق بدون ذلك الشيء ولو امكن لتحقق قال المصنف في كتابه الكبير : لا يحتاج الفاعل الاول في ان يفيض عنه شيء الى شيء غير ذاته صفة كان او حركة او آلة كما تحتاج النار في احراقها لشيء الى صفة هي الحرارة والشمس في اضاءتها اطراف الارض الى الحركة والنجار في نحت الباب الى الفاس ولا يمكن ان يكون له في فعله عائق او شرط منتظر انتهى كلامهما وقوله فاذا صدر عنه شيء فحقيقة ذلك الصدور الخ يلزم منه القول بالاجبار كما هو مذهب الاشاعرة ولولا خوف الاطالة لبينت اللزوم وقوله وهو جعل ذلك المصدر مصدرا قد انكر هذا فيما تقدم من كلامه على قول صاحب الاشراق انه تعالى ماجعل المشمش مشمشا وهنا اجازه بقوله : وهو جعل المصدر مصدرا والمصنف في كلامه في كتابه الكبير يشعر بانه فاعل بذاته لا بشيء غيرها من فعل او صفة وقد تقدم ما فيه كفاية ورد لمن يـٔول كلامه الى انه بفعله يفعل وقوله ولا يمكن ان يكون له في فعله عائق لا يدل على انه يقول بذلك ولكن لا يقدر على العبارة بدونه لان الفعل عنده ليس شيئا وانما هو ارتباط نسبي يعني يفيض بذاته الفيض والخير لا ان الفعل شيء مستقل احدثه الله بنفسه والله امره بما شاء فالاشياء انما سميت شيئا لانها من مشيته كما قال امير المؤمنين عليه السلام : وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته الى اخر كلامه عليه السلم وانما تذوتت الذوات بفاضل تذوت فعله الذي هو مشيته وارادته وقوله او شرط منتظر اقول فلم لم يخلق المصنف في زمن ادم او قبل العقل الكلي اذا لم يكن شرط منتظر نعم الشرط المنتظر الذي لا يمكن الايجاد قبله هو متمم قابلية الموجود للايجاد فليس شرطا في نفس الفعل بل لانه عضد المفعول وهذا على طريقتنا فان القوم ليسوا بهذا الصدد وانما يريدون المعنى الاول وبعد كلام طويل للملا احمد تركناه قال : انك اذا قلت لغلامك خذ هذا الدرهم واعطه فاذا اعطاه فحقيقة المعطي ليس الغلام بل انت انت كما هو ظاهر فما ظنك بالمفيض الواحد الحق المتعال الذي ذوات الاشياء وحقائقها منه فهو المعطي والمفيض ليس الا ولعل قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وكذا قوله انك لا تهدي من احببت وقوله والله خالق كل شيء ونحوها اشارات الى هذا فتفطن انتهى فتأمل في قوله الذي ذوات الاشياء وحقائقها منه ثم قال : فان قلت على هذا التحقيق رجع الى ان الفعل مطلقا للحق الفياض المتعال والباقي ادوات معدات بعضها بالنسبة الى بعض فنقول اما ان يكون لذلك البعض المعد تأثير في الجملة بالنسبة الى البعض الاخر او لا يكون له تأثير اصلا فان كان الاول فيلزم ان يكون ذلك بالنسبة الى اثره الخاص به فاعلا فتحقق فاعل من غيره وان كان الثاني فيرجع الى مذهب الاشعرية الذي هو باطل عندهم وبالجملة لزمهم اما القول ببطلان هذه الدعوى او الاعتراف بصحة مذهب الاشاعرة وبان ما ادعوه هو بعينه ما ذهب اليه الاشعرية مع انهم ينكرونه فكيف يكون هذا قلت نختار الاول ونقول ان له اثرا بالنسبة اليه لكن اثره اثر المعد بالقياس الى المعد له والشرط بالاضافة الى مشروطه بمعنى انه لو لم يكن لم يصدر ذلك من الفاعل والحاصل ان صدوره من الفاعل موقوف على ذلك الشرط لا ان الصدور منه بل من الفاعل وفرق بينهما يفهم من له ادنى شعور الخ اقول قوله انك ( اذا خل ) قلت لغلامك الخ يريد ان المفاض من الفاعل وهذا صحيح لكن فيه شيئان احدهما ان المفاض هو ما نسميه الوجود والمادة ويسمونه القوم بالوجود ولكنه جزء الموجود لان الموجود مركب منه ومن القابلية التي هي الماهية الاولى والصورة ولا شك ان الصورة جزء الشيء وليس بقديم ولااوجد نفسه ولم يوجده مثله فلا بد وان يكون اوجده موجد الوجود ونقول هو مخلوق من الوجود الذي هو المادة والوجود لو كان مفاضا من ذات الواجب لكان المخلوق منه مفاضا منه تعالى اذ لا يكون في ذاته ما بالقوة فيرجع الامر على المنع السابق واذا كان الوجود مفاضا بفعله تعالى لا من شيء وخلقت الصورة منه لم يكن المحذور وانما يكون على قولهم مثل قوله الذي ذوات الاشياء وحقائقها منه يعني به من ذاته ولا يعني ما نريد نحن من ان حقائقها اخترعها بفعله لا من شيء وخلق صورها منها واليه الاشارة بتأويل قوله خلقكم من نفس واحدة اي المادة المطلقة وخلق منها زوجها يعني صورتها كما تقدم وثانيهما اذا لم يكن شيء من الايجادات الا من الفاعل لزم الجبر لان التخلص من الجبر انما يكون بنسبة افعال العباد اليهم وذلك ان ينسب فعل الطاعة من العبد الى ما من عطاء الله وفيضه اعني جهته من ربه وفعل المعصية من العبد الى ما بالله لا منه وهو جهته من نفسه اعني انيته من نفسه وماهيته فالطاعة من الله بالعبد لانها من الوجود والمعصية من العبد بالله لانها من الماهية ولو كان كل من الطاعة والمعصية من الله لكان العبد مجبورا وقوله في جواب الاعتراض المفروض قلت نختار الاول اعني كون السبب المتوسط بين الفاعل والمفعول له تأثير ونقول ان له اثرا بالنسبة اليه ويريد به اثر الشرطية بمعنى توقف الفعل عليه لا ان المفاض صادر عن ذلك الشرط وذلك المعد الخ وهذا الكلام يوهم الصحة وليس كذلك لان ذلك قابلية او متمم لها وذلك له تأثير بالفاعل لا ان الفعل فائض من الفاعل وان ذلك المعد شرط الافاضة لا غير بل جهة الماهية والانية صادرة عنه بالفاعل اي بان جعله الفاعل فاعلا كما اشار الى الاثر بقوله تعالى واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني والاخبار كثيرة في ان الله سبحانه خلق ملكا وفوض اليه خلق سموات وارضين وكذا في الملكين الخلاقين يقتحمان بطن الام من فمها فهما يخلقان الجنين ولما كان التفويض الذي هو رفع يد المالك عن ملكه عز وجل باطلا بقي الصنع والخلق والتأثير بالله سبحانه الا تفهم قوله كن فيكون فان يكون ضميره الفاعل يعود الى المفعول فلذا قلنا ان المفعول فاعل فعل الفاعل باذن الفاعل في مثل قولك لزيد اضرب فان الامر امرك وفاعله ضمير زيد والحاصل ان الفاعل انما يفيض المادة يحدثها لا من شيء بشرائطها من القابلية ومتمماتها واما الصورة فيفيضها الفاعل بالمفعول ولو قيل يحدثها المفعول بالفاعل اي بقابليته لفعل الفاعل صح على تأويل ما تقدم فان قوله كن فيكون من هذا النحو فكن هو الفعل وفاعله ضمير المفعول ففاعله الفاعل بالمفعول لانه عضد لفعل الفاعل لان ( الفعل خد ) لا يمكن بدون ان يتعلق بمفعول ويكون هو الانفعال وفاعله ضمير المفعول وفاعله هو المفعول بقابليته بالفاعل لانه واهب القدرة وبالجملة فله تأثير بالله سبحانه
وقول المصنف { انه فياض على كل من سواه } صحيح القول فيه ان يقال انه فياض بفعله من مبادي الاشياء الممكنة هي والاشياء امكن امكاناتها بمشيته الامكانية لانها محال مشيته الامكانية ومتعلقات وجوهها الامكانية فهي خزائن غيوب الكائنات واكوان الكائنات محال مشيته الكونية ومتعلقات وجوهها الكونية فهي خزائن الكائنات والمشيتان وقتهما السرمد دهره للامكانية وزمانه للكونية فالمشية الامكانية ووجوهها ومتعلقاتها في السرمد ومحلها العمق الاكبر وكل ذلك في الامكان الراجح والمشية الكونية ووجوهها في ظاهر السرمد ومحلهما ( محلها خل ) العمق الاكبر وكل ذلك في الامكان الراجح ومتعلقاتها في الدهر ومحلها الممكن وكل ذلك في الامكان المساوي فهو سبحانه بفعله فياض يعني فعله فياض على من سواه بذلك السوي بلا شركة في افاضة فعله
وقوله { لان من سواه ممكنة الماهيات ناقصة الذوات } صحيح وبمثله استدللنا وعلى نمطه سلكنا فلذا قلنا لا يجوز ان يكون شيء غيره فيه تعالى وهو مشتمل عليه او مركب منه او فائض عن ذاته او بادئ منه او عائد اليه لانها محتاجة الى غيرها وهو قول المصنف { ومتعلقات الوجودات بغيرها وكل ما يتعلق وجوده بغيره فهو مفتقر اليه مستتم به } فتكون حادثة فلا يكون تعالى محلا لها مشتملا عليها فلا تكون فائضة عن ذاته والا لكانت في ذاته قبل الفيضان فيلزم اختلاف حالتيه قبل الفيضان وبعده ومختلف الحالتين حادث فلا تكون ذاته المقدسة تعالى مبدأ للحادث ولا غاية له وانما يصح كون ذاته مبدءا لها اي للممكنات وغاية لها على نحو ما ذكرنا بخلاف قول المصنف { فذلك الغير مبدؤه وغايته } لانه لما رتب اساس حاجتها وفقرها اليه بني عليه كونه مبدأ لها وغاية وقد بينا قبل هذا ان مبدءها اي مبدء ايجادها فعله فيكون هو غايتها واما وجوداتها فليس فعله مبدأ لها بمعنى انها خلقت منه فيكون مادة لوجوداتها كما حكاه الرضا عليه السلم عن ضرار واصحابه القائلين به ردا على سليمن المروزي في قوله بقدم المشية فان ضرارا واصحابه قائلين بكونها مادة الاشياء كما هو رأي بعض الصوفية واكثرهم مثل قول المصنف بالسنخ فوجوداتها خلقها عز وجل بفعله لا من شيء بل اخترعها اختراعا لا من شيء خلقت منه واليه تعود وايجاداتها فعله فوجوداتها المخترعة موادها وخلق منها اي من قابليات وجودها صورها فاقامها بفعله قيام صدور وبوجوداتها التي هي موادها وبصورها التي هي ماهياتها قياما ركنيا وهو قيام امر في قوله تعالى ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره وقول الصادق عليه السلام في الدعاء : كل شيء سواك قام بامرك ه فهي قائمة بامره قياما ركنيا
قال : { فالممكنات على تفاوتها وترتبها في الكمال والنقص فاقرة الذوات اليه مستغنية به فهي في حدود انفسها ممكنة واجبة بالاول ( بالازل خل ) الواجب تعالى بل باطلة هالكة بانفسها حقة بالحق الواحد الاحد كل شيء هالك الا وجهه ونسبته الى ما سواه نسبة ضوء الشمس لو كان قائما بذاته الى الاجسام المستضيئة منه المظلمة بحسب ذواتها وانت اذا شاهدت اشراق الشمس وانارته بنورها ثم حصل نور آخر من ذلك النور حكمت بان النور الثاني من الشمس واسندته اليها وهكذا الثالث والرابع الى ان ينتهي الى اضعف الانوار الحسية فعلى هذا المنوال وجود الممكنات المتفاوتة المتفارقة في القرب والبعد من الواحد الحق فالكل من عند الله تعالى }
اقول : قوله { فالممكنات } الى قوله { مستغنية به } صحيح ليس فيه الا دعويهم الحقيقة ودعوينا التجوز لانهم يقولون مفتقرة الى ذاته ونحن نقول الى فعله وان كان فعله اقامه الله بنفسه اي بنفس الفعل قيام صدور وقياما ركنيا معا باعتبارين
وقوله { فهي في حدود انفسها ممكنة } هذا صحيح
وقوله { واجبة بالاول ( بالازل خل ) الواجب تعالى } فان اراد بالوجوب الوجوب المتعارف وهو الثبوت المانع من النقيض كوجوب وجود المعلول عند وجود العلة التامة على اصطلاحهم فصحيح وهو ح لا يخرج بهذا الوجوب عن الامكان وهو مانع من حصول التعلق بينهما وان اراد كما يقولونه بان للممكنات وجهين وجها تفصيليا اليها وهي بهذا الاعتبار ممكنة ووجها اجماليا اليه تعالى عنده وهو ما في علمه الذي هو ذاته من صورها العلمية وحقائقها الوجودية وهي حينئذ واجبة ازلية بالوجوب الذاتي ويستشهدون بقوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق وهو قوله { بل باطلة هالكة بانفسها حقة بالحق الواحد الاحد } ويريد باستشهاده بقوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه ان الضمير في وجهه يعود الى شيء وهو احد التفاسير في الاية اي كل شيء هالك وفان وباطل الا وجه ذلك الشيء الذي هو صورته العلمية التي في علم الله الذي هو ذاته ووجوده الذي هو من سنخ وجود الله او ظله وهو لا شك باق لا ينفد لانه في ذاته وكلامهم في مثل هذا ونحوه وانت اذا نظرت فيه على طريقة ائمة الهدى الذين جعل الله الحق فيهم ومعهم وبهم عليهم السلم رأيت كلامهم هذا ونحوه باطلا فاسدا لانه كفر صريح وشرك بين وزندقة ظاهرة قال المصنف في كتاب اسرار الايات : ان معنى الواحد هو الذي يمتنع من وقوع الشركة بينه وبين غيره ومعنى الاحد هو الذي لا تركيب فيه ولا جزء له بوجه من الوجوه فالواحد عبارة عن نفي الشريك والاحد عبارة عن نفي التكثر في ذاته انتهى وقال ابن ابي جمهور في المجلي الفرق بين الواحد والاحد ان الاحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها اي الحقيقة التي هي منبع العين الكافوري نفسه وهو الوجود من حيث هو وجود بلا قيد عموم ولا خصوص وشرط عروض ولا عروض والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهي الحضرة الاسمائية لكون الاسم هو الذات مع الصفات انتهى
وقوله { ونسبته الى ما سواه نسبة ضوء الشمس لو كان قائما بذاته الى الاجسام المستضيئة منه المظلمة بحسب ذواتها } انما قال اذا كان قائما بذاته لارادة كون الضمير في نسبته يعود الى الواجب تعالى فاذا كان كذلك لا يمثل له بضوء الشمس اذا كان يفرض انه قائم بذاته ليطابق التمثيل لانه تعالى غير مستند الى غيره وضوء الشمس مستند اليها فلا يصح التمثيل الا اذا فرض انه قائم بذاته ولو جعل الضمير في قوله نسبته يعود الى الوجود الممكن الذي هو حقائق الاشياء ووجوداتها لم يحسن قوله اذا كان قائما بذاته لانها قائمة بفعل الحق تعالى كما ان ضوء الشمس قائم بظهور الشمس به وسياق كلماته هنا وفي غير هذا المكان يفيد انه يريد به ضمير الواجب وذكر مراتب متفاوتة له ونسبتها الى وجودات الممكنات لا ينافي ذلك عنده لانه قد ذكر سابقا انها عبارة عن تنزلاته في مراتبه ومنازله بما فيه من شؤنه الذاتية فالتعدد انما هو لخصوص المراتب والمنازل بما يخصها من اثار تلك الشؤن والا فالوجود كله عنده حقيقة واحدة بسيطة واختلاف هذه المراتب في الشدة والضعف باعتبار قربها وبعدها بالنسبة الى قويها المطلق وهو الوجود الصرف الذي لا يشوبه شيء من عدم او عدمي ويكون جعل تعدد المراتب وتفاوتها انما هو باختلاف المراتب بما فيه من الشؤن الذاتية المتفاوتة لا لاجل اختلاف حقائقها المركبة وهذا اما ان يكون جهلا بحقيقة المخلوق او يكون المصنف لاحظا لكون وجود المخلوقات واجبة الوجود بوجوب الواجب الوجود فهي ثابتة التحقق لانها من سنخ واجب الوجود وعلى كل تقدير فكل هذه الامور باطلة لا يجوز اعتقادها ولا القول بها الا على سبيل الحكاية او للرد عليهم اذ على ارادة ان معود الضمير هو الواجب تعالى وان جاز التقييد بقوله اذا كان قائما بذاته اذ بدونه يبطل التمثيل لكن متضمن للتشبيه بان ضوء الشمس مثله في هذه النسبة وقوله تعالى ليس كمثله شيء شامل لهذه وغيرها لانه يريد به تمثيل الذات البحت ومتضمن لتكثر الحقيقة البسيطة الواجبة وتعددها مع فرض بساطتها المطلقة واتحادها المطلق وعلى ارادة ان معود الضمير هو الممكن يكون تشبيهه صحيحا وتقييده باطلا على ان قوله نسبته الى ما سواه سواء اريد منه الاحتمال الاول يعني الوجود الحق تعالى او المطلق ام الاحتمال الثاني يعني وجود الممكنات يلزم من تمثيله بضوء الشمس بالنسبة الى الاجسام ان هناك حقائق ليست مجعولة عرض لها الوجود المجعول كما ان الاجسام لم تكن مجعولة لضوء الشمس العارض عليها وتلك الحقائق هي الماهيات الغير المجعولة التي ما شمت رائحة الوجود وهذا هو المعروف من مذهبهم وقد اشرنا سابقا الى بطلان كل هذه الامور والاعتقادات لمخالفتها الحق ولدين الاسلام وقواعد الايمان
وقوله { وانت اذا شاهدت اشراق الشمس على موضع وانارته بنورها } يريد به بيان كيفية تنزلات الوجود في مراتبه واطواره ومفاد تمثيله ان الشمس اذا اشرقت على كثيف حتى استنار بنورها وذلك المستنير مقابل لكثيف آخر فانه يستنير بنور الشمس لا بنور المستنير وان كان الثاني اضعف من الاول وكذلك الثاني اذا قابل ثالثا واستنار الثالث فانه يستنير بنور الشمس لا بنور المستنير الثاني وان كان الثالث اضعف بالنسبة الا انها كلها من الشمس الا ترى ان الشمس اذا ذهب نورها عن الاول ذهب نورها عما بعده لانها لما غربت ذهبت انوارها وهذا بخلاف ما فهم المصنف لان الشمس لو غابت او حجبت عن الاول وان لم تغب عن الافق لم يوجد لها نور فيما بعده من الثاني والثالث وغيرهما وهذا يدل على ان النور من الاول وقد غلبت طبيعته تطبعه حيث قال ثم حصل نور اخر من ذلك النور والنور الثاني الحاصل في الموضع الثاني وان كان بافاضة الشمس الا انها لا تستقل بايصاله الى الموضع الثاني بدون النور الاول الذي في الموضع الاول لانه انما هو نور له واما كونه نور الشمس وانه لا يبقى بدونها فلانه نور نورها فلما لم يبق النور الاول اذا غربت او حجبت عنه لم يبق الثاني لانه فرعه وان كانا من الشمس الا ان الاول بلا واسطة فوجوده من الشمس بسيط واما الثاني فهو يكون نورا لها لانه نور نورها فهو بالواسطة نور فوجوده مركب من اشراق المنير الاول ومن اشراق المنير الثاني ولقد اشارت اخبار الائمة عليهم السلام الى ما قلنا من قول الصادق عليه السلام : ان السكينة جزؤ من سبعين جزءا من نور الزهرة والزهرة جزؤ من سبعين جزءا من نور القمر والقمر جزؤ من سبعين جزءا من نور الشمس وفي صحيحة عاصم بن حميد عنه عليه السلم : والشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر الحديث واشار عليه السلام بنور الستر الى انوار محمد واله صلى الله عليه واله وبنور الحجب الى انوار الكروبيين وهو انوار الانبياء عليهم السلام وبنور العرش ( الى خل ) انوار شيعتهم المؤمنين اي انوار قلوبهم وبنور الكرسي انوار نفوس شيعتهم المطمئنة فلو اراد المصنف ان النور الرابع من الثالث والثالث من الثاني والثاني من الاول وان كان اصله الشمس الا انها مركبة فالرابع مركب من قابلية الموضع الرابع ( و خل ) هي صورته ومن مادة هي شعاع النور الثالث والثالث كذلك من الثاني والثاني كذلك من الاول وكلما قرب من المنير كانت مادته ابسط وكل ما بعد كثر تركيب مادته كان تمثيله صحيحا ولكنه يلزمه ان يكون الوجود غير بسيط الحقيقة فلذا تكلف القول بان جميع الانوار كلها من الشمس وكلامه هذا انما يصح على مذهب الاشاعرة كما في مسئلة افعال العباد من كون تلك الوسائط والاسباب ظاهرا ليست اسبابا وانما الفاعل هو الله سبحانه يخلق افعالهم عند حصول الاسباب ولا اثر لها اصلا وهو ظاهر البطلان وكذلك المصنوعات وقوله فيها كقول الاشعري في الافعال والمصنف حيث يذهب الى ان الوجود شيء واحد وتكثره في بادي الرأي انما هو تطوراته في مراتب تنزلاته بما فيه من الشؤن الذاتية التزم القول بما سمعت واما ما نذهب اليه فهو نتلقاه من ائمتنا عليهم السلام مما هو مطابق للادلة العقلية ادلة الحكمة المستنبطة من ايات الله تعالى في الافاق وفي الانفس من ان كل مرتبة من ( مراتب خل ) الوجود الممكن ظل وشعاع للاولي ( و خل ) ليس من سنخها وانما الثانية من اشراق الاولى وهو تجليها بها واشراق نورها على ما تحتها وقولنا اشراق نورها على ما تحتها مثل قولنا اشراق نورها بما تحتها اي هو المرتبة التي دونها وليس المراد ان هناك شيئا يشرق عليه نور الرتبة العليا غير النور الذي اشرق بل هو نفس النور المشرق مثلا حقيقة المعادن شعاع النباتات وان شئت قلت من فاضل طينتها فان المراد واحد وحقيقة النباتات شعاع الحيوانات وحقيقة الحيوانات شعاع الانسان وحقيقة الانسان شعاع الانبياء عليهم السلام وحقيقة الانبياء عليهم السلم شعاع محمد واله صلى الله عليه واله قال تعالى وان من شيعته لابراهيم وحقيقة محمد واله صلى الله عليه واله اثر فعل الله ونفس فعل الله المتقوم به ذلك الفعل كما اشار عليه السلام الى هذا بقوله ان الله سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فهذه النفس لها معنيان احدهما معنى المادة والثاني معنى الصورة فاما الاول فلان المشية لما كان المراد منها حقيقة معنى الحركة الايجادية وكانت مخلوقة كانت محتاجة في ايجادها الى حركة ايجادية تحدث بها فكانت هي حركة ايجادية لانه تعالى انما يوجد الاشياء بالمشية والمشية فعل ومعناه الحركة الايجادية فلم يحتج في ايجادها الى شيء غير نفسها فخلقها بها لانها آلة ايجاد المصنوع وهي مصنوع وهي آلة الايجاد واما الثاني فلان حقيقتهم عليهم السلام صورة الفعل واثره الذي لا يتحقق الفعل بدونه فاقام الله سبحانه ايجاد حقيقتهم بحقيقتهم فحقيقتهم عليهم السلام كالانكسار من الكسر ثم انقطع السير قال امير المؤمنين عليه السلام : انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ه فمثال حقيقتهم عليهم السلام من فعل الله سبحانه كالضرب الذي هو المصدر من ضرب الذي هو الفعل في قولك ضرب ضربا فان الحدث هو الذي تقوم به الفعل تقوم ظهور لانه محل ظهوره وتحقق ظهوره وتقوم الحدث بالفعل تقوم تحقق فبالفعل تحقق المصدر والفعل انما تحقق في المصدر وان كان بالفعل تحقق فافهم
وقد ذكرنا مرارا انه لم توجد مرتبة من مراتب الوجود على جهة الحقيقة فيما فوقها من المراتب ولا فيما تحتها وانما هي اثر لما فوقها واما ما تحتها فاثر لها وجعل المصنف الوجود حقيقة واحدة بسيطة في نفسها وانما تكثرها في المراتب والمنازل والاطوار بما فيها من الشؤن الذاتية ولهذا قال { فعلى هذا المنوال وجود الممكنات المتفاوتة في القرب والبعد من الواحد الحق فالكل من عند الله } انتهى ويعني بالحق الذي هو الله حقيقة تلك الحقيقة البسيطة المتكثرة بتلك الشؤن الذاتية ولا شك ان هذا باطل وزندقة بل الحق ان الحقيقة البسيطة التي تكثرت في مراتبها بشؤنها العارضة هي حقيقة وجود الممكنات وهي حقيقة اوجدها الله سبحانه بفعله لا من شيء ولم تتكثر بشؤنها الذاتية بل لصلوحها للتكثر بالمشخصات المتفاوتة على نحو ما مر واما الواجب الحق تعالى فليس من هذا كله في شيء ولا يعلم ما هو الا هو وليس في خلقه ولا خلقه فيه كما قال عليه السلام هو خلو من خلقه وخلقه خلو منه وقال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه
قال : { المشعر الخامس - في ان واجب الوجود تمام كل شيء قد علمت ان الوجود حقيقة بسيطة لا تتفاوت اعدادها بامور ذاتية من جنس وفصل ونحوهما بل بكمال ونقص وغني وفقر وليس النقص والفقر مما تقتضيه نفس حقيقة الوجود والا لم يوجد واجب الوجود والتالي باطل كما ثبت فالمقدم مثله فظهر ان حقيقته في ذاتها تامة كاملة غير متناهية القوة والشدة وانما ينشأ النقص والقصور والامكان ونحوها من الثانوية والمعلولية ضرورة ان المعلول لا يساوي علته والفائض لا يكافئ المفيض فظهر ان الواجب الوجود تمام الاشياء ووجود الموجودات ونور الانوار }
اقول : قوله { قد علمت ان الوجود حقيقة بسيطة } الى قوله { فالمقدم مثله } فيه ان الوجود اذا كان حقيقة بسيطة لا يجوز ان يكون لها اعداد اصلا الا ان يكون القول ببساطته انما هو باعتبار خاص لا مطلقا فحصول الاعداد ان جاز لطبيعة تلك الحقيقة لزم التعدد في جميعها فلا يكون من تلك الحقيقة واجب وجود لذاته وان جاز لامور خارجة عن تلك الحقيقة جاز على كل فرد منها بتلك الامور فلا يكون من تلك الحقيقة واجب وجود ولو فرض جواز ذلك في شيء منها دون شيء لزم الترجيح بلا مرجح فيصح في الكل او يمتنع في الكل لان الحقيقة البسيطة الواحدة لا تختلف اعدادها لذاتها ولا لخارج عنها الا ان يكون لذاتها صلوح قبول ذلك ويلزم اختلافها فلا تكون واحدة بسيطة الا ان تكون تلك الحقيقة مستندة الى غيرها فتختلف اعدادها من اختلاف النسب الى ما استندت اليه في القرب والبعد والرتبة والجهة وما اشبه ذلك هف وهذا ايضا لازم اذا كان تفاوتها بالنقص والكمال والغنى والفقر لان ذلك انما يمكن في الحقيقة المركب ولو بالصلوح للتركيب بالا يكون منافيا لها كالتي تعرض لها الوحدة بعد التركيب لمفهوم اسم قد لحقها بعد ذلك كما لو كانت تلك الحقيقة مؤلفة من اشياء يجوز الغنى على بعض ويجب لاخر ويجوز الكمال لبعض ويجب لاخر ثم لحقها بعد اجتماعها اسم جامع لها كالشيء والموجود فان تلك الاشياء من مفهوم الاسم حقيقة واحدة ومن حيث اختلافها في وجوب الغنى والكمال وجوازهما تكثرت اعدادها وهذه ليست حقيقة بسيطة واحدة يقال انها انما تكثرت من جهة الغنى والكمال والفقر والنقص بل هي اشياء مختلفة اذ علة تكثرها وهو اختلافها في تلك الصفات هي علة شيئيتها فتكون حقائق مختلفة لا حقيقة بسيطة واما اذا كانت حقيقة بسيطة ولم تكن مستندة الى الغير في تحققها فانها لا تتفاوت اعدادها بغني وكمال وفقر ونقص مثلا حقيقة الماء المشروب المعروف لا يمكن تعقل تفاوت اعداده بغني وكمال وفقر ونقص الا اذا كانت علة التفاوت امورا خارجية وحينئذ تكون جنسا تتميز انواعه بالفصول ومادة مطلقة تتشخص افرادها بالصور والا اذا كانت مجتمعة من اشياء مختلفة جمعها اسم عام كما قلنا على ان النقص والفقر ان لم تقتضه حقيقة الوجود كان قوله سابقا : واما تخصيصه بمراتبه ومنازله في التقدم والتأخر والغنى والحاجة والشدة والضعف فبما فيه من شؤنه الذاتية وحيثياته الغيبية ( العينية خل ) بحسب حقيقته البسيطة الخ باطلا لانه هناك جعله من شؤنه الذاتية ولو لم تقتضه حقيقته لما قال من شؤنه الذاتية لقوله ( بقوله خل ) بحسب حقيقته البسيطة وهنا قال : ليس النقص والفقر مما تقتضيه نفس حقيقة الوجود وقد ذكر ان علة التفاوت والاختلاف في تعدد المراتب هي النقص والفقر فاذا ذكر هناك تخصيصه بمراتبه في تلك الامور التي من جملتها النقص والفقر بما فيه من شؤنه الذاتية فلا ريب كانت تلك الشؤن التي يتخصص بها بمراتبه في النقص والفقر مما تقتضيه حقيقته ولا سيما مثل ما سمعت من قوله هناك بحسب حقيقته البسيطة وقد سبق منه في التوضيح ان اعداد الوجود تمتاز بحسب الماهية فان لم تقتضه كان ما ذكر من تنافي كلاميه وتدافعهما كما سمعت وكان تفاوت اعداده ومراتبه بامور خارجة عن حقيقته
ثم نقول تلك الامور ان كانت شيئا فاما ان تكون مجعولة له او لا فان كانت مجعولة له لزمه ان تكون وجودات لان غير الوجودات لا تكون مجعولة عنده بالذات ولو جعلها مجعولة بالعرض لم تكن سببا للتفاوت لتقدم مسبباتها على اسبابها لان ما بالعرض لاحق لا سابق والوجودات المتفاوتة سابقة عليها وان لم تكن مجعولة كانت من تلك الحقيقة البسيطة اذ لا يكون شيء غير مجعول الا ما كان من تلك الحقيقة البسيطة وليس الا صرف الوجود اذ كل ما سواه مجعول وان لم تكن شيئا فلم يكن ما ليس بشيء سببا مفاوتا ( متفاوتا خل ) لما هو الشيء هف وان كان النقص والفقر مما تقتضيه حقيقة الوجود فنقول قد صرح المصنف في كتابه المسمى بالحكمة العرشية فقال : ونعني بحقيقة الوجود ما لا يشوبه شيء غير الوجود من عموم او خصوص او حد او نهاية او ماهية او نقص او عدم وهو المسمى بواجب الوجود انتهى فان عنى بقوله نفس حقيقة الوجود هنا هو الواجب كما هو مقتضى قوله فظاهر ولكن النقص والفقر لا مانع من ان يكون تقتضيهما حقيقة الوجود غير الوجود الواجب ولذا حصل التفاوت بهما في الوجودات الممكنة ويلزم من هذا الا يتحد الوجود بل يكون الواجب سبحانه لا تقتضي ذاته النقص والفقر والممكن تقتضيهما حقيقته فلا يكون الوجود حقيقة واحدة بسيطة وان عنى بقوله نفس حقيقة الوجود المطلق او خصوص الممكن جاء التفصيل السابق ولم يلزم عدم وجود الواجب لانه انما يلزم على فرض اقتضاء حقيقة الواجب خاصة وفي التعليقات للملا احمد المذكور ما يدل على ان تلك الحقيقة من ذاتها تقتضي الكمال ولاجل الثانوية والمعلولية تقتضي النقص فانه قال على قول المصنف ليس النقص والفقر الخ : يظهر منه جواب عن سؤال يرد في هذا المقام تقريره ان الوجود لو كان حقيقة واحدة مختلفة بالكمال والنقص فاما الا تقتضي شيئا منهما او يقتضي وح اما ان يقتضي الكمال والنقص والتوالي باسرها باطلة اما الاول فلاستلزامه الاحتياج الواجب الذي هو عين الوجود الى الغير في الكمال واما الثاني فلاستلزامه عدم الاختلاف فيهما واقتضائه عدم النقص في التمام ولا معنى لاقتضاء الجميع كما لا يخفى وتقرير الجواب ان الوجود حقيقته لا تقتضي النقص ولذا قيل ليس لا تقتضي شيئا منهما كما هو الظاهر بل تقتضي التمامية والنقص في بعض المراتب لاجل الثانوية والمعلولية والحاصل انا نختار في الجواب ان حقيقة الوجود تقتضي التمامية ولانسلم ان الجميع يجب ان يكون كذلك لان الثانوية مانعة من اقتضاء الوجود ذلك انتهى وهذا مذهب المصنف فيكون الوجود يقتضي الكمال والغنى بحقيقته وبعروض الثانوية والمعلولية يقتضي النقص والفقر ويأتي نقض هذا
وقوله { فظهر ان حقيقته في ذاتها تامة كاملة غير متناهية القوة والشدة } الخ ظاهره ان المراد بحقيقة الوجود هنا هو الوجود المطلق وعلى هذا كيف يكون مطلق الوجود غير متناهي القوة والشدة وفيه الوجودات التي في غاية الضعف في اصل حقيقتها لان حقيقتها ان كانت عين حقيقة الواجب لم يكن فيها نقص وفقر ويلزم الاتحاد الحقيقي اي عدم التعدد والوحدة المطلقة لان الكثرة انما نشأت منهما فاذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول وان كانت غيرها لم تكن حقيقة الوجود المطلق بسيطة
وقوله { وانما ينشأ النقص والقصور والامكان ونحوها من الثانوية والمعلولية } يعني ان النقص والقصور والامكان لا تكون مأخوذة في مفهوم الوجود لتكون ذاتية له وانما تعقل هذه الاشياء عارضة فتكون لاحقة للحصص الوجودية تبعا لتنزلاتها في مراتبها ومنازلها فتكون الحصص في ذاتها باقية على بساطتها ووحدتها لان منشأ التعدد هي المعقولات الثانوية وانت اذا نظرت الى هذا الكلام بعين البصيرة وجدته راجعا الى اختلاف الموضوع فان دعواه في الاعتبار مسلمة ولكنها غير المدعي لان الحصص اذا نظرت اليها مع قطع النظر عما لحقها فلا شك في وحدتها وعدم تعددها كالحصص الحيوانية التي في الانسان والفرس والغراب فانها متحدة مع قطع النظر عن الفصول لان هذه الفصول التي بها تمايزت الانواع بالنظر الى حقيقة الجنس من الثانوية بمعنى ما ندعيه بمقتضى الادلة القطعية من ان النقص والقصور والامكان وما اشبهها من حدود الماهيات ومن ان الوجودات لا تتقوم في الوجود بدون هذه الحدود لا كما زعمه المصنف على ما يدعيه من عكس ما قلنا يعني ان قولنا وارد على قوله من انها من الثانوية قلنا انما تكون من الثانوية اذا نظرت الى نفس الوجود كما لو نظرت الى نفس الجنس ولا ريب انك اذا نظرت الى الحصص التي في الباب والسرير والسفينة من الخشب مع قطع النظر عن المشخصات فانها شيء واحد بسيط فهي اي المشخصات بالنسبة الى نفس حقيقة الجنس من الثانوية اذا لحظتها عارضة على تلك الحصص ولكنا نقول انها ذاتيات في الباب والسرير والسفينة فلو صح وجود هذه الحصص منفردة باسمائها بدون هذه المشخصات توجه بعض ما يدعيه من ان تلك الحصص القائمة بنفسها لم تكن موجبات التعينات لها من مقتضى ذواتها ولكنها ليست كذلك لان تلك الحصص انما تتقوم بالفصول فلا يعقل السرير والباب والسفينة بدون تلك الفصول لان هذه المشخصات اعني الصور الخاصة هي فصولها اذ لا نعني بالفصول الا الصور النوعية التي هي الماهيات الاولى عندنا ولا نعني بالحصص الا المواد التي هي الوجودات كما تقدم وقولنا توجه بعض ما يدعيه نريد انا اذا سلمنا له كون تلك المميزات من الثانوية لا نسلم له كون تلك الوجودات مع قطع النظر عن النقص والقصور والامكان ونحوها ترجع الى حقيقة بسيطة واحدة احد افرادها صرف الوجود الخالص الذي لا يعتريه النقص والقصور والامكان وهو الواجب تعالى كما يشير اليه المصنف من ان تلك الحقيقة باعتبار الفرد او المطلق هو الواجب تعالى لانه صرف الوجود وتعدد الوجودات انما هو بتنزله بمراتبه ومنازله فيها بشؤنه الذاتية كما تقدم لان آية ما يدعيه هو ونحن هو الجنس وحصصه كما فصلنا مرارا فلا يصح كون حقيقة الحيوانية الصرف الخالص تتصف بصفات بعكس صفات حصصها في الانسان والفرس والغراب مع قطع النظر عن فصولها فانه ان ادعى ان حقيقة الوجود هو صرف الوجود الحق الواجب الوجود تعالى وان افراد الوجود التي هي وجودات الممكنات مخالفة لتلك الحقيقة ومتصفة بخلافها في الوجوب والامكان والنقص والكمال والغنى والفقر كان حقيقة الوجود عنده الجامعة لجميع مراتبه البسيطة المتحدة انما هي باعتبار مفهوم اللفظ او المعنى المصدري او المعنى البسيط اعني المعبر عنه بهست في الفارسية وهذه الامور لا يصح ان تطلق الا على طبيعة مجازية عارضة فيكون وجودا نسبيا بالحمل الشائع المتعارف كما اذا قلت زيد هست والجدار هست والحركة للحيوان هست وحمرة الثوب هست فتكون هذه الامور داخلة تحت حقيقة واحدة هي الحصول للواجد وارادة نحو هذا لا يجوز فيما نحن بصدده لان اتحادها اي هذه الحقيقة المعنوية التي هي متعلق الوجدان بجهة الحصول منها لا في حقائقها لانها مختلفة وان ادعى ان الوجود حقيقة واحدة متصفة بصفة واحدة لذاته وان تلك الوجودات متعددة باعتبار عوارض خارجية كالنقص والفقر وغيرهما ليست من مقتضى حقيقة الوجود وجب ان تكون تلك الافراد مع قطع النظر عما لحقها مساوية لتلك الحقيقة في جميع ما لها من الوجود والكمال والغنى والا لم تكن الحقيقة الجامعة للكل بسيطة متحدة بل تكون متعددة مختلفة في ذاتها بخلاف الفرض هف فحيث بطلت الدعويان لم يكن بد له ولغيره من القول بان الكلام منحصر في الوجود الممكن وانه هو المادة المطلقة اذ لا مناص عن هذا كما ذكرنا سابقا
بقي الكلام هل هو حقيقة واحدة من حيث الذات من باب المشكك فيه القوي باعتبار القرب من المفيض وفيه الضعيف باعتبار البعد من المفيض كما هو رأي الاكثر من القائلين بالمباينة او الظلية ام حقائق مختلفة وان كل رتبة منه لا تنزل الى ما تحتها بذاتها ولا تصعد الى ما فوقها كذلك وانما تنزل باثرها وان الاشياء كل منها خلق في رتبة وجودها فلا تخلق الاجسام مما تخلق منه العقول ولا العكس على نحو ما اشرنا اليه قبل هذا وهذا هو الحق وهو المستفاد من مذهب اهل البيت عليهم السلام فالاسم في الحقيقة صادق على تلك الافراد بالاشتراك اللفظي لانه لم يكن بوضع واحد في اصل اللغة لان الواضع عز وجل وضع الاسماء علامات المسميات فهي صفات لها كما قال الرضا عليه السلام حين سئل عن معنى الاسم فقال صفة لموصوف فلما خلق الله سبحانه الرتبة الاولى سماها باسمه ثم لما خلق الرتبة الثانية من شعاع الرتبة الاولى وكانت بمقتضي طبيعة الصفة انها بهيئة الموصوف وان الاسماء حين كانت المسميات كان بينها وبين المسميات مناسبة ذاتية لم تكن في الاسماء المؤلفة من الحروف اوفق للمناسبة من اسم الرتبة الاولى لما بين الثانية وبين اسم الاولى من اتحاد الجهة فسماها باسم الاولى كما سمى شعاع الشمس باسم الجرم ولما كان كل مرتبة منه بالنسبة الى التي قبلها كشعاع الشمس بالنسبة الى الشمس سمى كل رتبة باسم ما قبلها فلما اتحد اللفظ في جميع المراتب توهم بعض الناس ان ذلك من باب الاشتراك المعنوي وليس كذلك لان المعنوي يكون بوضع واحد واللفظي يكون باوضاع متعددة ولكن ذلك المتوهم لم يكن قبل المراتب فلما وجد بعدها وجد الاسم الواحد يطلق على كل منها فقال انها بوضع واحد وليس كذلك لان المراتب بينها مدد متطاولة ولم يوضع الاسم حين وجدت المرتبة الاولى لها ولغيرها مما لم يوجد ليكون من الاشتراك المعنوي بل يوضع لها خاصة فاذا وجدت مرتبة اخرى بعدها واعتبرها الواضع ووجد فيها مناسبة ذاتية بنسبتها بينها وبين الاسم الذي وضع للاولى وضع ذلك الاسم عليها بوضع جديد لان الاسماء صفات المسميات ولا توجد الصفات قبل الموصوفات واما من جعل الوضع بالاشتراك المعنوي فلزعمه ان الوجود شيء واحد وضع له الاسم على تلك الحقيقة والمراتب المتكثرة انما هي من تنزلاته وهذا القول يعلم صحته وفساده بمعرفة الوجود هل هو على ما قلنا ام على هذا القول ويعلم الحق من احاديث اهل البيت عليهم السلام الذين اشهدهم الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم واتخذهم اعضادا لخلقه وانا اشهد ان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم
وقوله { ضرورة ان المعلول لا يساوي علته { صحيح وهو يدل على ان المعلول لم يكن من سنخ العلة وان كان قد يكون في نوع رتبتها كما لو كانت العلة جسما والمعلول جسما فان العلة وان كانت من نوع المعلول لكنها لا تكون في رتبته الشخصية ولو كان من سنخ العلة لكان مساويا لها في الحقيقة ويجري عليه لذاته كل ما يجري عليها لذاتها وكذلك الفائض لا يكافئ الفيض كما لا يكافئ المفيض ولو اريد بالفيض هنا المصدر اي المفاض لكان مكافيـٔا له بل الفيض هو الفائض
وقوله { فظهر ان الواجب الوجود تمام الاشياء ووجود الوجود } وتمام الاشياء يعني انه ظهر من قوله انه تعالى تمام الاشياء بذاته وانه وجود الوجود الممكن فيلزمه ما قال سابقا ان وجود الشيء هو حقيقته وهو متحد بماهيته في الخارج فيكون الواجب حقيقة وجود زيد ومتحد بماهيته لانه مقتضى ادلته السابقة لانها لو صحت جرت هنا على دعوى انه تعالى وجود الوجود وظهر من قولنا بطلان جميع الوجوه التي اعتقد انها سر العلوم وانها لم تكن من انظار الحكماء البحثية ولا الخيالات الصوفية ولم يخالف حرف من قوله شيئا من تلك الانظار ولا تلك الخيالات لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { المشعر السادس - في ان واجب الوجود مرجع كل الامور اعلم ان الواجب بسيط الحقيقة وكل بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الامور لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها واحاط بها الا ما هو من باب الاعدام والنقائص }
اقول : اخذ يقرر ان الواجب عز وجل كل خلقه لانه لو لم يكن كل الاشياء لكان معه غيره وحيث كان بسيطا لم يتميز بحدود ومشخصات لان ذلك حال المركب وانما يتميز بنفي غيره فيكون نفي غيره مأخوذا في مفهوم ما يتميز به ويكون حينئذ مركبا مما به هو ومما به هو ليس غيره ويلزم من عكس نقيض ذلك انه كل الاشياء على ما يذكر من تقريره ولو قال سائل ما المانع من كونه مركبا مما به هو ومما به هو ليس غيره لقال المانع الدليلي ( الدليل خل ) القطعي على حدوث المركب ولو قال في جوابه ذلك للسائل لقيل له انه اذا كان كل الاشياء لزم ما هو اشنع من ذلك لانه لو كان مركبا كان مركبا من شيئين من اثباته ونفي ما سواه واذا كان هو كل ما سواه كان عبارة عن الاشياء لانه ليس هو والاشياء بل هو الاشياء فينقسم اليها فاذا كان قد تكلف المصنف تعديل كلام يكون كالدليل ليتخلص مما يلزمه فقد وقع فيما هو اعظم مما فر منه مع كثرة ما يلزمه حيث فر من التركيب من اثنين والتجأ الى التركيب من كل شيء بل ليس هو شيئا غيرها كما قال الشاعر :
والمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
والوحدة التي يشير اليها لا يلزم منها كونه كل الاشياء بل يلزم منها انه هو لا غيره والاية الشريفة لا تدل على مدعاه لا بظاهرها ولا بتأويلها اما ظاهرها فلانه انما يدل على ما تدل عليه الايات الاخر من كون المراد بالمحيط هو كتابه لا ذاته والقرءان يفسر بعضه بعضا فيكون معنى الجميع واحدا وهو انه سبحانه احصي كل الاشياء في كتابه وهو علمه الحادث اعني اللوح المحفوظ على الظاهر والامام سيد الوصيين صلوات الله عليه على الباطن والاية هو قوله تعالى وقالوا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها والمراد بهذا الكتاب اللوح المحفوظ او كتاب الاعمال او الاكبر فانه يأتي كل شخص بكتابه الذي كتبه الملكان الحافظان من اعماله فيجد كل ما عمل من خير وشر محضرا او يقرأ عليهم الكتاب الاكبر بلفظ واحد ويطابق جميع كتب الخلائق على اختلافها فيقع صوته على كل كتاب بما فيه لا يخالف حرف حرفا مع شدة اختلافها وكثرة تباينها وعلى الباطن ان الامام عليه السلام الذي هو كتاب الله الناطق يقرأ على الخلائق قراءة واحدة بلسان فيقع على الكتب كل بما فيه وعلى التفسيرين قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون واما تأويلها فلان شرط التأويل الذي يسوغه ويصرفه عن ظاهره هو ان لا يكون المعنى المستنبط مخالفا لما في نفس الامر واما اذا قام الدليل على بطلان معنى لم يجز تأويل آية من القرءان على تصحيح ما ابطله الدليل الحق لان التأويل على خلاف الظاهر فلا يصار اليه الا بدليل قطعي صارف عن الظاهر او مجوز للانتقال اليه والايات المفسرة للعلم الذي اشير اليه في تلك الاية كثيرة مثل قوله تعالى حكاية عن سؤال فرعون وجواب موسى عليه السلام قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى فقال تعالى علمها عند ربي في كتاب ولم يقل في ذاته كما يراه المصنف واتباعه وكذلك قال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ اي حافظ لعلمنا بها وهو اللوح المحفوظ او كتاب الاعمال او الامام عليه السلم والاخبار في هذا المعنى لا تكاد تحصى كثرة
وقول المصنف قيل فيه : ان قوله هو كل الاشياء احتمالات الاول انه تعالى كل واحد واحد من الاشياء بمعنى ان كل واحد واحد منها من حيث هو كذلك عينه وهو باطل قطعا والا لزم ان يكون كل منها واجب الوجود على ما اخذه في الدليل من انه تعالى بسيط الحقيقة ينافيه الثاني ان يكون المراد ان المجموع من حيث المجموع من الاشياء عينه تعالى وهو كالاول باطل كما لا يخفى فالحق ان يقال ان المراد انه جامع لجميع مراتب وجودات الاشياء بمعنى انه لا يكون سبب شيء ينهي ( ينتهي خل ) عنه ولكن بنحو اشرف اي مع سلب جميع نقائصها فالواجب كل الاشياء بهذا المعنى فالكل يحتمل المعنيين بالمعنى المذكور انتهى كلامه وهو الملا احمد المذكور في تعليقاته وقد ابطل الاحتمالين الاول وهو صحيح فانهما باطلان واما الاحتمال الثالث الذي يذهب المصنف اليه واتباعه واختاره هو من ان المراد بقولنا كل الاشياء انه تعالى عين وجودات الاشياء مع تخليصها عن جميع نقائص الحادثات من حدودها وصفاتها وهو معنى قولهم بنحو اشرف ولذا اجمله في قوله : والحاصل ان الواجب من حيث هو واجب واجب يعني بهذا اللحاظ مشتمل على تلك الوجودات حال كونها مسلوبا عنها تلك النقائص لانها ح هي هو ولذا قال : ولكن مسلوب عنه تعالى الخ يعني اذا قلنا هو مشتمل عليها وعينها يكون تعالى منزها عن تلك النقائص يريد ان المنزه هو تعالى لا هي فهي من حيث هي محل النقائص ومن حيث هو مقدس الذات فيكون ( فتكون خل ) تلك الحقيقة بلحاظ الوجوب مقدسة وبلحاظ الحدوث مشوبة ولذا قال مسلوب عنه تعالى ولم يقل مسلوب عنها وانت خبير بان هذا تمحلات لا تسمن ولا تغني من جوع لان سلب جميع النقائص عن تلك الوجودات انما يصح بحيث يبقى لهم منها بقية تكون واجبة اذا كانت تلك الوجودات ذاتها التي بها تحققت مشوبة من قديم وحادث فاذا طهرت من الحدوث وصفيت بقي ما فيها من الوجوب على نحو ما قرر في العلم الطبيعي المكتوم من علم الميزان وعلى ما ذهبوا اليه يلزمهم عدم خلو الواجب من الحدوث والحادث من الوجوب وهم يلتزمون به فيكون الازل محلا للحوادث والامكان محلا للازل وايضا حقيقة تلك الوجودات ان كانت قديمة فهو ما قلنا من اللزوم وان كانت حادثة فاذا اخذت تسلب عنها النقائص لم يبق منها شيء اذ كلها نقائص لا تنتهي الى كمال ذاتي قط وانما تنتهي الى كمال مستفاد من الغير اقامه الغير تعالى بنفسه الحادثة لان الاشياء منبعثة عن فعله لا عن ذاته والايات الافاقية والانفسية تشهد بهذا اي انه لم يبق بعد كمال التصفية شيء الا مما يكون مشوبا من ثابت ومتغير ليكون السلب نافيا ومزيلا للمتغير لا غير ثم قال ولكن مسلوب عنه تعالى من حيث هو واجب حدودها ونقائصها فهو كل الكل يعني به ما قلنا ومثاله مثل ( مثال خل ) الخط اذا سلبت عنه الكون في القرطاس واليبوسة التي عرضت له والهيئات الحرفية رجع مدادا وهذا اعتقادهم وهو عند الله باطل ومعنى كلامه كما قلنا في قوله مسلوب عنه تعالى يعني ان سلب الحدود انما هو بلحاظ الوجوب مع ثبوتها بلحاظ الامكان وقوله فهو كل الكل يعني كالمداد فانه كل الكتابة مع سلب العوارض وقوله اياك اياك وان تظن بفطانتك البتراء ان مرادنا باشتماله على الكل اشتمال الكل على الاجزاء او اشتمال الكلي على الجزئي وانا اقول اياك اياك وان تفهم بفطانتك المنكوسة غير انه يلزم من كلامهم ان ذلك اشتمال الكل على الاجزاء خاصة لا اشتمال الكلي على الجزئيات كيف لا وهم يصرحون بانه تعالى كالبحر وهي كالامواج وهو كالنفس وهي كالحروف وهو كالواحد وهي كالاعداد لان كلامهم منحصر في احد طريقين يوصلان الى ما علمت احدهما اشتمال الكل على الاجزاء وهم اصحاب البحر والنفس والمداد وثانيهما اشتمال الشيء على اعراضه بمعنى قيامها به بحلولها فيه وهم اصحاب الثوب المتلون بالالوان والماء الذي يكون ثلجا
ثم اتى بما يدل على ان مراده بالواجب مع كونه كل الاشياء بانه كالمداد في الحروف النقشية فقال : بل المراد انه بوحدته الصرفة وبساطته المحضة لا يسلب عنه شيء من تلك الوجودات بمعنى ان كلا منها مع سلب جميع نقائصها وحدودها عنها هو عينه تعالى هذا وقد قال في التعليقات المذكورة : الا ان القول بها يعني بكون بسيط الحقيقة كل الاشياء دونها اي دون القول بكون الوجودين في الاصل مع قطع النظر عن الاغيار شيئا واحدا بسيطا من سنخ واحد من قبيل القول بالمتناقضين يعني ان القول بالكلية مع القول بتغاير الوجودين قول بالمتناقضين ثم قال والعجب من المعلم الاول انه قال بها في اثولوجيا مع القول بتخالف وجود الممكن مع وجود الواجب من حيث الحقيقة وكذا يظهر من كلام المعلم الثاني القول بها مع قوله بذلك التخالف اللهم الا ان يقال المراد بالتخالف ما مر من المصنف سابقا من توجيه كلام المشائين فح لا اشكال فتذكر انتهى وهذا ظاهر في توافق اقوالهم على هذا المذهب المخالف لمذهب الائمة عليهم السلام الا ان الذي ليس له غور في مذهب محمد واله صلى الله عليه واله قد يميل الى اقوالهم لانهم يوجهون كلام الله وكلام اوليائه عليهم السلام على وفق مذهبهم ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ولهذا قال في التعليقات المذكورة تبعا لهم في التأويل قال : وليعلم ان الايات الدالة على هذا المطلب على طور فهمه كثيرة منها قوله تعالى والله واسع عليم ومنها قوله الا انه بكل شيء محيط ومنها قوله هو الاول والاخر والظاهر والباطن الى اخر ذلك من الايات وفي كلمات المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين اشارة الى هذا كما هو ظاهر عند من تتبع كلامهم كقول ابي عبد الله الحسين عليه السلم في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك فان فيه دلالة على هذا على طريقته انتهى فانظر رحمك الله الى ما في مأخذ هذا التأويل من عجيب العدول عن الصواب فانه اذا اول قوله تعالى والله واسع عليم بان ذاته لبساطتها واسعة حتى شملت كل الاشياء كان المراد من هذه السعة المعنى المدرك بان تكون منبسطة على الاشياء انبساط امتداد او محيطة بها احاطة الكرة او انبساط المادة المطلقة على حصصها المتميزة بالصور او الفصول كانبساط الجنس على حصص انواعه والخشب على خشب السرير والباب والسفينة فاما احاطة الكرة وانبساط الامتداد فانهم يمنعونه في القول وان كان لازما لهم في ما ارادوا واما انبساط المادة المطلقة والجنس فانهم يتعقلون دعواهم على هذا النحو وراجع كلام المصنف في ما سبق في ذكر ارتباط الوجود بالماهية قال : لان الارتباط بينهما اتحادي لا كالارتباط بين المعروض وعارضه والموصوف وصفته بل من قبيل اتصاف الجنس بفصله في النوع البسيط عند تحليل العقل اياه اليها من حيث هما جنس وفصل لا من حيث هما مادة وصورة عقليتان انتهى وهو يشير الى الوجود الذي هو من سنخ الواجب وقال قبل : ويظهر لك ايضا انه كيف يصدق القول بكون حقيقة الوجود مع كونها متشخصة بذاتها مختلفة الحقائق بحسب اختلاف الماهيات الامكانية المتحدة كل منها بدرجة من درجاته ومرتبة من مراتبه سوى الوجود الحق الاول الذي لا ماهية له الخ يشير الى ان تلك الحقيقة الواحدة البسيطة المتشخصة بذاتها لها مراتب اعلاها الوجود البحت الحق الذي لا يشوبه شيء يعني به الواجب تعالى وفي كل هذه العبارات يلزم منها القول بالكلية مع القول بالتخالف فيما هو من سنخ الواجب وفرد من تلك الحقيقة التي انما تطلق عليه تعالى عندهم وكل هذه التي يشيرون اليها فهي من صفات الحوادث المدركة المشاركة لها في معنى الاتحاد والاختلاف وتنزل المراتب وامثال ذلك مما هو من احوال الحوادث واما قوله تعالى هو الاول والاخر والظاهر والباطن فعلى ظاهرها ان اول الاشياء لا يصدق على اوسطها واخرها فلا يكون كلا واخرها كذلك وان لوحظ الاتحاد بين الصفتين كما هو الحق لم يشملا الاوسط واما الظاهر والباطن فليس في دلالة ظاهرهما ما يشمل المدعي وعلى تأويلها فلا يجوز لما قلنا سابقا ان دلالة التأويل لما هو خارج عن ظاهر الوضع اللغوي انما يجوز فيما لم يقم الدليل الصريح القطعي على خلافه ولم يلزم منه التباس ولا اضلال فلا يصار اليه في مقام المنع منه اذ لقائل ان يقول ليس في الاية ولا في التي قبلها اثر من دلالة على المدعى من الوجوه
واما ما نقل عن الحسين بن علي عليهما السلم في دعاء عرفة من قوله : ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاشارة هي التي توصل اليك فمن معانيه انه عليه السلم يقول ايكون لغيرك ظهور لم يكن مستفادا منك بان يكون ظهور الغير من نفسه او من غير الله او يكون المعنى ان ظهور الغير لك وفي قبضتك وملكك وعلى ظاهر الكلام الذي صاروا اليه يكون المعنى انك اظهر من كل شيء لان ظهور كل شيء انما ( هو خل ) اثر ظهور فعلك فظهور كل شيء اثر اثر ظهورك وانت اظهر من كل شيء لانك ظهرت بكل ظاهر فكل ظاهر هو وظهوره في الحقيقة ظهورك وانت اظهر من كل شيء لان من لا يظهر بذاته وانما يظهر بمن سواه اظهر ممن ظهر به وهو من سواه وكون نفس الغير ونفس ظهوره في كل مرتبة من مراتب الاكوان نفس ظهوره عز وجل لا يلزم منه كونه تعالى ظاهرا بذاته كما توهم من جعل المجعول من سنخ الجاعل او نفس الجاعل مع قطع النظر عن حدود الجعل والانجعال او من جعل ظهور الغير والغير هو ظهوره بذاته بمعنى ان ذلك الغير وظهوره هو ظاهره عز وجل لما في هذه الوجوه من المفاسد اما ما في الاول فظاهر كما سمعت مرارا واما الثاني فاشنع واما الثالث فان معناه ان الوجود حقيقة واحدة فيها لب هو الواجب وهو الروح وكل ما سواه جسده وقشره ومنهم من جعل النسب بينه وبين من سواه والنسب بين بعض السوي الى بعض شيئا واحدا
قال الشيخ محمد بن ابي جمهور الاحسائي في المجلي : ولبعض اهل هذه الطريقة في معنى العالم طريقة اخرى وهي قولهم العالم هو الظل الثاني ( الفاني خل ) وليس هو الا وجود الحق الظاهر بصور الممكنات فلظهوره بتعيناتها سمي باسم السوي والغير باعتبار اضافته الى الممكنات اذ لا وجود للممكن الا مجرد هذه النسبة والا فالوجود عين الحق والحق هوية العالم وروحه وهذه التعينات في الوجود الواحد احكام اسمه الظاهر الذي هو مجلي لاسمه الباطن ولهذا قالوا العالم غيب لم يظهر قط والحق تعالى هو الظاهر ماغاب قط واهل الظاهر على عكس ذلك فيقولون العالم ظاهر والحق تعالى غيب فيهم وكل هؤلاء عبيد السوء وقد عافي الله تعالى بعض عبيده من هذا الداء والحمد لله الى ان قال بعد ذلك : فالعوالم على اختلافها باللطافة والكثافة والجسمية الحسية المثالية والنفسية والعقلية واللاهوتية محيط بعضها ببعض الاعلى بالادنى والاشد نورا بالاضعف والالطف بالاكثف على الوجه المذكور والترتيب اللطيف لا تباين بينها فكان المجموع عالما واحدا مركبا من اعضاء وآلات وهيئات كثيرة مشتملا على قوى من الروحانيات لا تتناهى يبتدئ من العلة الاولى الذي هو ( التي هي خل ) اشدها لطفا وصفاء وهو النور المحض القاهر لجميع الموجودات وينتهي الى ما يقابله من الكثافة والظلمة والغلظة وهي الارض والعوالم الباقية تترتب فيما بينهما وكلما قرب الشيء الى البارئ تعالى لطف وصفا وطفا ونفذ في سائر العوالم وغاب عن الحس وكلما قرب من الارض كثف وغلظ ورسب وظهر للحس انتهى فتأمل مراد هؤلاء فان العالم عندهم شخص واحد روحه هو البارئ تعالى وجسده ما سواه فاي مفسدة اعظم من هذا واي تجسيم ( تجسم خل ) ابلغ من هذا ومثل هذا قول الملا محسن الكاشاني في الكلمات المكنونة حيث قال والذات واحدة والنقوش كثيرة فصح انه ما اوجد شيئا الا ذاته وليس الا ظهوره
وقوله {الا ما كان من باب الاعدام } اقول ان كان تعالى لم يكن كل شيء حتى الاعدام فلا يصح دليله الاتي الذي يلزم منه على دعواه التركيب من شيء ومن ليس شيء وان صح دليله بطل قوله هذا اعني الا ما هو من باب الاعدام لانا نقول الاعدام من الاشياء وانها مخلوقة كما قال الصادق عليه السلام حين سأل السائل عن الشيعة فقال اختلفوا فقال فيم اختلفوا قال اختلف زرارة وهشام في النفي فقال زرارة النفي ليس بمخلوق وقال هشام النفي مخلوق فقال عليه السلام قل بقول هشام في هذه المسئلة نقلته بالمعنى رواه المجلسي في البحار واما على قول المصنف بانها ليست شيئا فنقول له ان كانت اشياء مخلوقة لم يصح الاستثناء لعدم جواز الترجيح من غير مرجح وان كانت غير مخلوقة كان عدم الاستثناء اولى لانها بالدخول في الكلية اولى من الحادثة اذ كونه كل اشياء قديمة اولى من كونه كل اشياء حادثة الا ان اراد بان الاشياء ليست مجعولة وانما المجعول ظهوراتها كما قيل في باب البداء انما هي اشياء يبديها لا يبتديـٔها فتكون ح متساوية وان كانت ليست شيئا اصلا فلا يضر كونه مجموع هو كذا ليس كذا كما لا يضر انه كل شيء الا ما كان من قبيل الاعدام اذ ليست شيئا والا لكان كلها اذ الاعدام والنقائص لا تخلو من ان تكون شيئا تتغير النسب بضميمتها او لا تكون شيئا يتغير الحال بضمها وبعدمه
قال : { فانك اذا فرضت شيئا بسيطا هو ج مثلا وقلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتى تكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب والسلب شيئا واحدا ولزم ان يكون كل من عقل الانسان مثلا عقل ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك فظهر وتحقق ان موضوع الجيمية مغاير لموضوع انه ليس ب ولو بحسب الذهن فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا وجهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الاشياء فاحتفظ بهذا اذا كنت من اهله }
اقول : قال { فانك اذا فرضت شيئا بسيطا هو ج مثلا وقلت ج ليس ب } اقول بان يكون مفهوم هو ج ليس ب معا مصداقه معنى ج ولهذا قال { فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتى تكون ذاته } اي ذات ج { بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب والسلب معنى واحدا } فتكون ذات ج مصداقا للمجموع منهما ولذا قال { ولزم ان يكون كل من عقل الانسان عقل ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس } قال { لكن اللازم باطل } لانه اذا لزم من عقل الانسان عقل ليس بفرس كان مصداقه مركبا لوجوب المطابقة بين المصداق وما صدق عليه { فكذلك الملزوم } اي باطل بدليل بطلان لازمه لان الملزوم اعني الصادق هو الاسم المركب من الايجاب والنفي اقول وانت خبير بان هذا التقريب الذي ذكر المصنف انما يعقل في بسايـٔط الحوادث لانها هي ذوات الحيثيات والجهات المختلفات والاعتبارات المتعددات واما القديم عز وجل فما يفرض من شيء من الاعتبارات والحيثيات فهي حدود ما سواه ففي المثال الذي ذكره لو اريد به بيان حال الازل عز وجل وتعالى عن ضرب الامثال هو ج فاذا قلت هو ج ليس ب يكون النفي ونسبته الى ج قيدان لب لانه هو المقيد بالنفي والصفة له وهو المنسوب والنسبة له واما ج فهو مبرء عن قيد النفي وعن نسبة ب اليه والمصنف فرض الواجب في الامكان حتى قرنه بب الممكن وهو تعالى منزه عن الفرض وعن الامكان او فرض الممكن في الازل وكذلك اذا كان الازل مقرونا بالحوادث في محالها كان من جملتها ويجري عليه احكامها ففي الحقيقة كل كلام المصنف من اوله الى اخره في الحوادث وان تلفظ بعبارات ( بعبارة خل ) القدم والعبارة لا تغير المسمى عن مرتبته كما كان المشركون سموا هبلا الها وهو حجر منحوت ولم تكن تسميتهم له بذلك جعلته الها وقد قلنا سابقا ان الفرض والتمثيل والاحتمال والاعتبار وامثال ذلك كلها من احوال الحوادث فلا يصح فرضها في احوال القدم فكيف يكون هو كذا ليس كذا يجري في الازل ولذا قال الرضا عليه السلم كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فقوله عليه السلام غيوره تحديد لما سواه هو معنى ان قولك هو ج ليس ب لا يصح فرضه لان الفرض والقيد والنسبة من صفات الحادثات فلا تجري على القديم تعالى بل هي تحديد للحوادث كما قلنا ان ليس ب قيد لنفسه وهو ب وكذا النسبة والفرض ولقد سئلني الاخوند ملا محمد الدامغاني العمرواني ايده الله عن مسائل هذه المسئلة احديها فاجبته وانا احب ايراد جوابي له هنا :
قال سلمه الله في كلامه : عن كيفية معنى بسيط الحقيقة كل الاشياء وما هو الحق فيه عندكم فان اقاويل العلماء فيه مختلفة والاشكالات الواردة على كل قول منها متكثرة الخ
اقول اعلم ان هذه المسئلة اصلها باطل لان مبناه على الاوهام والتخيلات بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ولقد سألت بعض الفضلاء القائلين بها فقلت له من بسيط الحقيقة قال هو ذات الله تعالى واعلم ان الملا صدرا الشيرازي من القائلين بها وقد ذكر في المشاعر اصل دليل هذه المسئلة وانا اورده بلفظه بتمامه : قال في ان واجب الوجود مرجع كل الامور اعلم ان الواجب البسيط الحقيقة وكل بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الامور لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها واحاط بها الا ما هو من باب الاعدام والنقائص فانك اذا فرضت بسيطا هو ج وقلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتى يكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب والسلب شيئا واحدا ولزم ان يكون من عقل الانسان ليس بفرس ان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك فظهر وتحقق ان موضع الجيمية مغاير لموضع انه ليس ب ولو بحسب الذهن فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا وجهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الاشياء فاحتفظ بهذا اذا كنت من اهله انتهى وقال في اول الكتاب في ذكر ما يتوقف عليه اي على معرفة الوجود الى ان قال : ومسئلة ان البسيط كالعقل وما فوقه كل الموجودات الخ
والحاصل ان مذهبه ومذهب كثير منهم متفق على ان البسيط يكون هو كل من دونه ومن معه ونحن نتكلم على دليلهم على هذه الدعوى : قوله { اذا فرضت بسيطا هو ج مثلا وقلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب } فيه ان حيثية ج ليست حيثية انه ليست ب اما اولا فلان المفروض ان هذا البسيط بسيط مطلق من كل جهة واعتبار حيثية تنسب اليه باطل لان الحيثية جهة التمييز وهي غير الذات في نفس الامر وفي المفهوم ومطلق التغاير والاختلاف لا يجري على البسيط المطلق ولا على ما ينسب اليه ويوصف به واما ثانيا فلان حيثية انه ج اثبات وحيثية انه ليس ب نفي ولا يجتمعان في انفسهما ولا في غيرهما الا مع فرض تجزئته واختلاف جهته على ان مسمى الاثبات موجود ومسمى النفي مفقود فلا يسمي بهما واحد وما ورد في ذكر الصفات السلبية فليست في الحقيقة صفات له تعالى وانما هي صفات تنزيه يؤتى بها لنفي الغير لا لاثبات صفة له فان كل ما ليس ذاته فهو محدود بالنفي والتشبيه كما قال الرضا عليه السلام : كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فكلامه في الظاهر مطابق لما قلنا لانه ابطل ان يكون البسيط مركبا من الموافق والمنافي ولهذا قال { يكون الايجاب والسلب شيئا واحدا ولزم ان يكون من عقل الانسان ليس بفرس ان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل والملزوم كذلك فظهر وتحقق ان موضع الجيمية مغاير لموضع انه ليس ب ولو بحسب الذهن } وهذا الكلام موافق بحسب الظاهر لكن في الحقيقة هذا غير موافق لانه يفرض حصول البسيط مع الغير في صقع واحد والحاصل مع الغير لا يكون بسيطا مطلقا بل اضافيا والاضافي انما يسلب عنه المغاير الذي لم يتقوم به واما ما يتقوم به فلا يسلب عنه لانه سلب لكنهه ومرادنا ان البسيط الذي يفرض معه ما يصح سلبه عنه هو الاضافي بمعنى انه محصور في غير ما يسلب عنه فيتحدد بسلب الغير واما البسيط المطلق فلا يمكن فيه ذلك الفرض وليس امتناع ذلك الفرض لئلا تتركب ذاته بل ليس معه في صقعه غيره لا في الخارج ولا في الذهن ولا يصح الفرض والامكان والاحتمال والتجويز لانها كلها في الامكان ليس في الازل منها شيء ولو كان الغير والسوي حصصا من البسيط ميزت بالحدود لكانت اذا ازيلت الحدود اتحدت بكلها او كليها كما هو مبني اعتقاد القوم في هذه المسئلة على هذا ولهذا يقولون كل الاشياء يعني ان البسيط اذا ازيلت حدود الاشياء المنسوبة اليه اي ازيلت عنها حين النسبة حدودها كان هو كلها فالاشياء اشياء بحدودها والبسيط كل بلا حدود وذلك كالمداد الذي كتبت منه هذه الحروف اذا ازيلت عنها حدودها اجتمعت مدادا بسيطا كما هو شأن المواد الكلية وهذا مذهب الصوفية القائلين بان الوجود شيء واحد بسيط لا كثرة فيه والاشياء المتكثرة كلها مركبة من وجود هو الواجب تعالى ومن ماهية هي الحدود الموهومة وقول هؤلاء قول اولئك بلا اختلاف لا في اللفظ ولا في المعنى
فقوله { فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فليس هو بسيط الحقيقة } فيه ما قلنا فان قوله سلب عنه اذا فرض كونه بازائه في صقعه وناحيته بل اقول سلب عنه امر وجودي او عدمي لان السلب فرع الايجاب والثبوت ولو لم يفرض شيء مطلقا لماجاز فرض السلب ولا امكانه واحتماله وتجويزه وكل شيء فرض عنه السلب او جوز او احتمل ذهنا او خارجا فهو حادث مركب من جهة هي وجهه من فعل صانعه ومن جهة هي انيته وقابليته لا يمكن ان يكون حادث بدون هذين الجهتين فقوله { فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا وجهة هو بها ليس كذا } وانا اقول بل ذاته مركبة من اربع جهات جهة من ربه وجهة من نفسه وجهة هي انه وحده وهي جهة بها هو كذا كما قال وجهة هو انه ليس غيره وهي جهة هو بها ليس كذا فهو مركب من اربع : جهة انه اثر فعل الله وجهة انه هو وجهة انه وحده وجهة انه ليس غيره فهذه العبارة بيان الاولى فقوله { فبعكس النقيض } وهو عكس نقيض كل موجود سلب عنه امر وجودي فليس هو بسيط الحقيقة وهو على طريقة القدماء وهي ان تجعل نقيض التالي اولا ونقيض الاول ثانيا فنقيض التالي بسيط الحقيقة مصدرا بكلمة كل لانها سور الموجبة الكلية ونقيض الاول موجود لا يسلب عنه امر وجودي فعكس النقيض هكذا كل بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه امر وجودي فلما كان في عكس النقيض يكون عكس السالبة الجزئية مثل ليس بسيط الحقيقة موجبة كلية كان عكسها كل بسيط الحقيقة وعكس الموجبة الكلية مثل كل موجود سلب عنه امر وجودي سالبة جزئية كان عكسها موجود لا يسلب عنه امر وجودي والمعقودة منهما كل بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه امر وجودي فحكموا بان كل شيء هو بسيط الحقيقة كالعقل الكلي وما فوقه كالواجب تعالى موجود لا يسلب عنه امر وجودي فهذا وجه دليلهم وقد ذكرنا في كثير من رسائلنا وفي كثير من مباحثاتنا بان دليل المجادلة بالتي هي احسن مثل هذا الاستدلال لا يعرف به الله سبحانه لانه مبني على دلالات الالفاظ بما يفهمونه بافهامهم القاصرة وعلى المفاهيم الاصطلاحية بما ادركته عقولهم الحاسرة والاعتماد في معرفة المعارف الالهية والحقائق الربانية على امثال هذه تجارة خاسرة وانما الاعتماد في معرفة تلك الاسرار الخفية والحقايـٔق الغيبية على دليل الحكمة الذي بصره بنور الفؤاد الذي هو نور الله في العباد وهو التوسم الكاشف للحجب الشداد
وبيان فساد ما قالوا وحل ما عقدوا من هذه المقدمة بدليل الحكمة الذي يوصل الى نور العلم بالعيان لا بالخبر هو ان نقول ان حكمهم بهذه الكلية هل هو صناعي ام عياني فان كان صناعيا وهو ينطبق على الامر الواقعي القطعي العياني فهو حق والا فلا فان قولك فيه لو سألتك عنه انا اقطع بثبوت مدلوله الذي هو المدعى فانا اقول لك العقل الكلي بسيط مطلق ام اضافي فان قلت اضافي لم تصح فيه دعواك لانه مركب بالنسبة الى ما فوقه وان قلت انه بسيط حقيقي قلت لك فهو اذا ليس بمخلوق لان المخلوق قد قام على تركيبه الدليل نقلا وعقلا اما النقل فما في اية النور وقد ذكر كثير من المفسرين بان قوله تعالى مثل نوره هو العقل الكلي وظني ان ممن ذكر هذا الملا صدرا في رسالته في تفسير هذه الاية الشريفة وفيها يوقد من شجرة مباركة الى ان قال يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فاخبر بانه من دهن ونار وقول الرضا عليه السلم : ان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه والاخبار مشحونة بما يدل على ذلك واما العقل فقد اتفقت كلمة الحكماء على ان كل مخلوق لا بد وان يكون له اعتبار من ربه واعتبار من نفسه فاذا لم يكن بسيطا في حقيقته فما معنى كونه كل الاشياء مما دونه لاني انما قلت بان دليل المجادلة بالتي هي احسن لا يعلم منه المعرفة الحقيقية لمثل هذا بان بنوا على انه بسيط وهو مركب واخذوا الحكم ببساطته من الاوهام وظواهر الحمليات والمفاهيم الوهمية مثل هذا فلما نظروا بانه ليس له صورة كصورة النفس حكموا ببساطته من غير تدبر ومشوا حكم البساطة باعتبار مدلولها اللفظي بان ساووا به ذات الحق تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا كما ساووا في حقيقة الوجود بين الحق تعالى وبين الخلق لانه تعالى موجود بالمعنى البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست والموجودات كلها موجودة بهذا المعنى فصح في الكل الاشتراك المعنوي ومفاده التساوي في حقيقة الذات وفرعوا على هذا كلمات الكفر والجحود نعوذ بالله من سخط الله واما ذات الله عز وجل فهو بسيط الحقيقة بكل معنى اما نحن فنقول هكذا ونحن صادقون واما اولئك اذا قالوا بانه تعالى بسيط الحقيقة فالله يعلم انه عز وجل بسيط الحقيقة والله يشهد انهم لكاذبون كيف يكونون عند الله صادقين وهم يقولون بان حقائق الاشياء فيه وان العالم كامن في ذاته متأهل للكون ولقبوله عند ورود كن عليه من الله تعالى فهو كامن معدوم العين موجود بالقوة فاذا ورد عليه الامر من الله تعالى كان كائنا موجودا بالفعل وما بالقوة هو المكون لما بالفعل الا انه بالله تعالى وهم ايضا يقولون بانه كل الاشياء والكل للاشياء انما تنسب اليه بتحققها فلو لم تكن متحققة هناك لما كان كلها وهي لا شيء لانه لو كان كذلك للزمهم ما نفوه سابقا لانهم ان كانوا هناك وهو يعلم انه عنده غيره فما اكثر القدماء عند هؤلاء الجماعة وان لم يكونوا عنده بل كانوا لا شيء بمعنى انه تعالى يعلم انه لا شيء غيره وليس معه غيره كان قولهم بسيط الحقيقة كل الاشياء مفاده بسيط الحقيقة كل لا شيء فيكون قد اثبتوا ما نفوا فيكون مركبا من شيء ولا شيء وهم ايضا يقولون ان حقائق الاشياء صور علمية غير مجعولة فان كانت في الازل فليس بسيط الحقيقة وان كانت خارجة عن الازل فهي حادثة والخيار لهم ان شاؤا ان يقولوا هو خلقها او هي خلقت نفسها او لها رب غيره خلقها سبحانه سبحانه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وهذا معنى جوابنا بدليل الحكمة
وشرحه ان نقول اما انه بسيط الحقيقة فحق لا شك فيه انه احدى المعنى احدى الذات في نفس الامر وفي الخارج وفي الذهن لا يمكن ان يتصور خلاف ذلك ولا يحتمل ولا يمكن بفرض ولا وهم ولا توهم لا اله الا هو واما انه كل الاشياء فهذا باطل حيث لا شيء فاذا كان في الازل الذي هو ذاته الحق واحدا احدا صمدا لا شيء غيره ولا شيء معه والاشياء التي جعلتموها ابعاضه وقلتم هو كلها لا ذكر لها ولا وجود ولا تحقق الا في الامكان وهو خارج الذات فكيف يكون كلها وليست معه وليس هو معها في الامكان بذاته فهي في رتبة ذاته بكل اعتبار لا شيء فهو اذا كل لا شيء ذلك ما كنت منه تحيد وانما يجوز ان يقال انه كل الاشياء لو اجتمعت معه في صقع واحد وجاز ان لا تسلبها من حقيقته وانها غيره ليصح قول كل فمعنى قولنا ان كلامهم مبني على الاوهام انهم لما فهموا بان النفي عن الشيء لو اعتبر في مفهومه لزم التركيب واذا كان التركيب لازما للحدوث كان بسيط الحقيقة فاذا كان اعتبار نفيها عنه يستلزم تركيب مفهومه كان عدم اعتبار النفي مستلزما للبساطة ويلزمه الاتحاد به ولم يفهموا ان مقدمتهم تستلزم عدم البساطة هكذا بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه امر وجودي فبسيط الحقيقة موجود مقيد بعدم السلب فليس بسيطا بل مركب لانها مثل الاخرى المنفية فهذه موجود لا يسلب عنه غيره وتلك موجود سلب عنه غيره فنفي السلب ان لوحظ فيه نفس النفي كان سلبا بحكم السلب وان لوحظ فيه نفي النفي كان ايجابا وهذا الايجاب ضد ذلك النفي فهو خارج عن حقيقة الذات كخروج ضده الذي هو النفي عنها وان اردت بنفي السلب عدم التقييد كان المعنى بسيط الحقيقة موجود وهذا حكم صحيح وقضية صادقة ولكنهم يريدون بنفي السلب في قولهم موجود لا يسلب عنه انه مقيد بذلك ليثبت لهم دخول الاشياء فيه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا فيكون هكذا بسيط الحقيقة موجود موصوف بعدم نفي الاشياء الموجودة عنه لا مطلقا فلا يكون موجودا بسيطا بل هو موجود مركب من وجود ومن عدم سلب كل شيء عنه فالقضية التي نفوا في المثال هي كون حقيقة مفهوم ج مركبا من مفهوم ج وسلب ب عنه لاستلزامه التركيب والتي اثبتوا هي كون مفهوم ج مثلا مركبا من مفهوم ج وسلب ب وسلب د وسلب ه وسلب والى اخر الحروف ما ادري كيف حال هذا البسيط واظنه مشتق من البسط والتكسير والحاصل مختصر ما يقال عليهم ان كون الشيء كل الاشياء لا يكون الا مع حضور الاشياء في رتبة كل ان كان معناه كل الاشياء بذاته فالاشياء في ذاته وان كان بعلمه فالاشياء في علمه وان كان بتسلطه فالاشياء في تسلطه واما دليلهم بانه لو لم يكن كذلك لزم التركيب فتأمل فيما قلنا فانه اذا قالوا بهذا لزم تركيب متكرر متكثر لان قولهم موجود لا يسلب عنه ان ارادوا تقييد موجود بلا يسلب عنه لزم التركيب الكثير وان ارادوا عدم التقييد بطل عكس نقيضهم وبطلت دعواهم وان ارادوا به الاثبات فهو تقييد افحش من النفي على ان النفي والاثبات انما يصح ذلك اذا كان المنفي والمثبت موجودين في موضع النفي والاثبات خارجا او ذهنا فرضا او امكانا وتجوزا وتوهما بكل اعتبار وانما كررت العبارة للتفهيم والتقرير لكل ذي قلب سليم انتهى كلامي في جواب هذه المسئلة
وما ذكره الملا احمد المذكور في تعليقاته عن المصنف وعن استاذه منقوض بما ذكرنا فانه ذكر فيها قال : ان الواجب بسيط وكل بسيط الحقيقة كل الاشياء اما الصغرى فلما مر في المشعر الثالث اقول : كونه تعالى بسيط الحقيقة بكل معنى مما لا شك فيه قال : واما الكبرى فلان بسيط الحقيقة لو لم يكن كل الاشياء للزم ان لا يكون مصداقا لامر وجودي اصلا او يكون مصداقا لامر وجودي وسلب وجودي آخر لكن التالي بكلا شقيه باطل فكذا المقدم اما بيان الملازمة فظاهر كبطلان الشق الاول في التالي اقول : لا يلزم ذلك لانه انما يلزم لو لم يكن بسيط الحقيقة متحققا الا اذا لم يسلب عنه امر وجودي مع وجود ذلك الامر الوجودي ليكون الحال دائرا بين ان يسلب عنه موجود غيره او لا يسلب عنه موجود غيره وهذا في حيز المنع وخلاف مفهوم التوحيد الخالص لان الفروض ثلاثة والطرفان باطلان احدها ان يكون معه امر وجودي سلب عنه وثانيها ان يكون معه امر وجودي لا يسلب عنه وثالثها ان لا يكون معه شيء تكون به نسبة او اقتران يتعلق بهما الايجاب او السلب لان الايجاب والسلب انما يتحقق خارجا او ذهنا بموجود تحصل به الاضافة فيثبت او يسلب اذ الايجاب والسلب المذكوران هنا لا يتوجهان الى ذات بسيط الحقيقة انما يوجهان الى وجودي غيره تحصل بوجوده ( غير متحصل بوجود خل ) النسبة والاضافة واذا لم يوجد شيء لا ذهنا ولا خارجا ولا فرضا واعتبارا وامكانا لم يوجها النفي والاثبات لانهما طرفا الفرض والمنزلة التي فيها الحق لا ايجاب ولا سلب لعدم وجود امر فهو سلب مطلق باعتبار انتفاء الموضوع فالحق بينهما فافهم معنى التوسط وقد قدمنا ان منافي بساطة الحقيقة مطلق اعتبار شيء في ذات بسيط الحقيقة غير ذاته سواء كان ذلك الشيء سلب وجودي عنه او عدم سلب وجودي عنه اذ لم تريدوا بمن هو كل الاشياء مجرد موجود بسيط بل تريدون به بسيطا لم يسلب عنه امر وجودي وهذا قيد غير ذات البسيط اخذ في مفهومه كما اخذ في مفهومه موجود سلب عنه امر وجودي فالتركيب في الصورتين متحقق على حد واحد والبسيط الحقيقة على القول الحق هو ما ذكره ائمة الحق عليهم السلام كما قال الرضا عليه السلام لعمران الصابي حين قال يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا عليه السلام : انما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا ولم يكن هناك شيء يخالف فتدعوه الحاجة لنفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها الحديث فان قوله : لنفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها يريد به ان ليس معه غيره لا انه يريد ان معه الاشياء وهي لا تنافيه ولا تخالفه لانا قد ذكرنا سابقا في مواضع متعددة بعبارة الزامية وهي انا نقول ان قولكم هو تعالى كل الاشياء هل يعلم هو تعالى ان شيئا او اشياء يكون هو كلها او عينها ام لا يعلم شيئا غير ذاته فان كانت غير ذاته كان مركبا مؤلفا منها او ناشيا عنها وان كانت هي ذاته لا يعلم غير ذلك فلم قلتم كل الاشياء وانتم تريدون هو كل ذاته على ان المركب كل ذاته ايضا فقوله عليه السلام : بتحديد ما علم منها اي من ذاته صريح عند المؤمنين انه عليه السلام يريد به محض الذات البسيطة
فاذا فهمت ما ذكرنا من ان التوحيد الخالص تجريد الذات البسيطة عن نفي السوي واثباته لا عن نفيه خاصة ثبت عندك بطلان الملازمة المذكورة لانها انما تتحقق اذا انحصر تحقق الذات البسيطة في موجود سلب عنه موجود اخر او لم يسلب عنه موجود آخر وهذان باطلان وهما الطرفان وبينهما الحق وهو عدم الايجاب والسلب للغير الوجودي وانما هو هو بدون هو لا في اللفظ ولا في الاشارة الذهنية او العقلية كما قال امير المؤمنين عليه السلام في خطبته : وان قلت مم هو فقد باين الاشياء كلها فهو هو وان قلت فهو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وان قلت له حد فالحد لغيره وان قلت الهواء نسبه فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وهجم به الفحص الى العجز والبيان على الفقد والجهد على اليأس والبلاغ على القطع والسبيل مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته الخ نفسي لك الفداء يا هادي المتحيرين بمثل كلامه عليه السلم اتبعه وبهداه اقتده فقوله : كبطلان الشق الاول في التالي يعني الا يكون مصداقا لامر وجودي اصلا باطل في التالي صحيح في المقدم لما بينا من عدم الملازمة واما في الشق الثاني في التالي فباطل كالمقدم قال : واما بطلان الشق الثاني منه فلانه ح اما ان يكون من حيث انه مصداق لامر وجودي مصداقا لسلب وجودي آخر اي يكون كل من الايجاب والسلب منتزعا من شيء واحد بالذات من جهة واحدة او لا والثاني مستلزم للتركيب ولو بحسب الذهن وهو مناف للبساطة المحضة المطلقة اقول : يستلزم التركيب اذ بدون الحيثية المذكورة يكون الصدق بنوع التوزيع فيصدق بعضه على الايجاب والاخر على السلب قال : وعلى الاول الى قوله : وبطلانه ظاهر اقول : هذا باطل لكون الصدق بنوع البدلية فيلزم اتحاد الضدين لا فرض اتحاد الحيثية قال : فظهر ان التالي بكلا قسميه باطل فالمقدم مثله اقول : يعني بقسمي التالي الا يكون مصداقا لامر وجودي اصلا او يكون مصداقا لامر وجودي وسلب وجودي آخر وهما باطلان واما المقدم فهو صحيح لما بينا من عدم الملازمة فليس مقدما في الحقيقة وانما هو مقدم في قياسهم قال : فثبت ان كل بسيط الحقيقة كل الاشياء هكذا قرره المحقق الفاضل الاستاذ اقول : قد ثبت بما قررنا ان بسيط الحقيقة من لم يعبر عنه بلحاظين او اعتبارين ولم يقيد بسلب ولا ايجاب وان قولك بسيط الحقيقة يتوجه اليه القلب بتوجه غير توجهه الى كل الاشياء ومن اخذ في مفهوم ذاته ومعرفة هويته كونه كل الاشياء فهو مركب من حيثيتين وهويتين ويتوجه اليه القلب بتوجهين فافهم والله سبحانه ولي التوفيق ثم قال بعد كلام طويل من ذلك القبيل : ثم ان الفاضل المحقق الاستاذ زعم ان هذا الدليل كما يدل على انه جامع الوجودات كذلك يدل على انه جامع لجميع المفاهيم الثبوتية اقول : كلام الاستاذ المذكور اذا فرع على دليل كون بسيط الحقيقة كل الاشياء مما تقدم في كلامه وكلام المصنف من الاستدلال كونه تعالى كل المفاهيم والماهيات الذهنية والخارجية مما ينسب لها التحقق بنسبتها كما انه كل الوجودات لان الاشياء تشملها ولانها يصدق عليها الامر الوجودي فكلام الاستاذ متجه على فرض صحة دليلهم قال : حتى الجسمية والحيوانية بمعنى ان الحق المتعال ذاته بذاته مصداق لجميع المفاهيم من دون ان يكون شيء منها عين ذاته المقدسة او جزئها اقول : وذلك لان الجسمية والحيوانية امر وجودي وان كان وجوده بغيره اذ مقتضى الدليل كونه كل الاشياء الثابتة فما كان منها موجودا بنفسه لا بوجود غيره كالوجودات الممكنة كان تعالى هو كلها بذاته وما كان منها موجودا بالوجود كسائر المفاهيم والمعاني والماهيات مما هو ثابت كان هو تعالى كلها بواسطة وجوداتها وهذا المذهب معروف مشهور بين الصوفية فان احدهم يقول انا الله بلا انا ويقول شاعرهم :
وتركتني فوجدتني لا ام ثم ولا اب
انا ذلك القدوس في قدس العماء محجب
انا قطب دائرة الرحا وانا العلي المستوعب
انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب
وبكل لحن طائري في كل غصن يطرب
نفسي انزه عن مقالتي التي لا تكذب
ضاع الكلام فلا كلام ولا سكوت معجب
الى ان قال :
الله ربي خالق وبريق خلقي خلب
الى ان قال : انا غافر والمذنب وانا اقول لو قال : انا مذنب والمذنب لصدق وكذلك ما قاله ابن عربي في الفصوص في قوله:
فلولاه ولولانا لما كان الذي كانا
فانا اعبد حقا وانا الله مولينا
وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
الى ان قال :
وغذ خلقه منه تكن روحا وريحانا
فاعطيناه ما يبدو به فينا واعطانا
فصار الامر مقسوما باياه وايانا
الخ وقوله : من دون ان يكون شيء منها عين ذاته المقدسة يعني به انه هو الجدار لا بلحاظ الجدار من حيث هو جدار لان هذه اعراض مظاهره لا اعراض ذاته فلذا قال شاعرهم :
كل ما في عوالمي من جماد ونبات وذات روح معار
صور لي خلعتها فاذا ما زلتها لا ازول وهي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
والحاصل انهم لا يتسترون بهذا المذهب بل به يفتخرون والله سبحانه يقول ولكم الويل مما تصفون وهو سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم قال : بل يمكن ان يقال انها عينه تعالى بمعنى انها تنتزع من عين ذاته لا بالمعنى المتبادر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا اقول : قوله لا بالمعنى المتبادر يعني اخذ شيء من شيء لما فيه من شناعة القول ومخالفته لظاهر كلام الله سبحانه الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد والا فالمعنى عندهم واحد ولهذا يمثلونه بان الخلائق منه تعالى كالنار الخارجة من الحجر بحك الزناد لانها خارجة من النار الكامنة في الحجر ولا ريب ان هذا قوله بانه تعالى يلد كما دل عليه حديث الحسين عليه السلام المتقدم في معنى الصمد لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم قال : وقال انما سلبوا عنه تعالى من بعض المفاهيم كالجسمية مثلا فمرادهم سلب الاعدام والنقائص اي ليس له تعالى نقائص الجسم وليس له هذا المفهوم فقط اي هذا المفهوم فقط ليس له اقول : يشير الى معنى ما قال بعضهم انا الله بلا انا قال : وما قالوا من ان الحق ليس به ماهية فمرادهم انه ليس به ماهية خاصة او ليست له ماهية بحيث اتحدت مع وجوده تعالى خارجا حتى لو امكن تعقله انحلت ذاته المقدسة في العقل الى شيئين فلا منافاة اقول : يريدون ان له ماهية هي كل الماهيات كما ان وجوده هو كل الوجودات لا ان له وجودا خاصا محصورا او يريدون انه تعالى لو كانت له ماهية كالموجود الحادث لا تحدت بوجوده ليكون وجوده غير صرف الوجود بل هو مشوب كسائر الوجودات الحادثة ويكون تحليله ممكنا كغيره قال : ثم قال مستدلا عليه بخصوصه انه تعالى اما عالم بها في مرتبة ذاته بذاته او لا وعلى الثاني الا تكون ذاته المقدسة حقيقة العلم بل تكون علما بوجه جهلا بوجه وهو خلاف ما سيجيئ من ان ذاته تعالى حقيقة العلم كما انه حقيقة الوجود اقول : هو عالم بذاته لذاته فهو عالم ولا معلوم اذ لا يلزم من وجود العلم وجود المعلوم والعلم تلزمه المقارنة والوقوع على المعلوم والمطابقة له واذا كان علمه عين ذاته فيلزم ان تكون ذاته مقارنة لزيد لانه بلا شك معلوم له تعالى لانه مخلوق له وقد قال تعالى الا يعلم من خلق ويلزم ان تكون واقعة عليه ومطابقة له والا لم تكن علما وكل ذلك لا يصح ولا يلزم من قولنا هذا انه ليس عالما بزيد بل نقول انه عالم في مرتبة ذاته بزيد في مرتبة زيد لا في مرتبة ذاته تعالى والا لكان زيد في الازل موجودا وهو معنى قولنا عالم في الازل بها في الحدوث ومثال هذا انك سميع ولم يكن احد يتكلم لتسمع كلامه فاذا تكلم شخص وقع سمعك عليه والوقوع حادث بحدوث المسموع وهذا معنى قولهم بالعلم الاشراقي الحضوري الا ترى انك اذا لم يكن في يدك شيء لا تعلم ان في يدك شيء ولا يلزم من عدم علمك بشيء في يدك لعدم ذلك الشيء كونك جاهلا فاذا وجد شيء علمته وهو معنى قول الصادق عليه السلام : كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه واعلم ان هذا الواقع على المعلوم ليس هو ذات العلم اذ لا معلوم وانما هذا شعاعه ونظيره ولله المثل الاعلى ان العلم الذي هو الذات كجرم الشمس المنيرة في السماء الرابعة وقبل وجود الكثيف الذي يظهر فيه النور هي منيرة ولا مستنير فاذا وجد الكثيف وقع النور اي الاشراق الذي استنار به الجدار مثلا فان هذه الانارة والاستنارة من اثر الشمس المنير لا ذاتها ولا يوجدان خارجا الا مع وجود القابل للانارة والاستنارة فالعلم الذاتي هو الذات وهو في الازل ولم يكن شيء من الاشياء هناك فاذا وجدت ارتبط بها العلم الاشراقي ولا يلزم من هذا القول بانه تعالى ليس بعالم بل يلزم منه اثبات العلم المطلق المقدس عن صفات الحادثات من المقارنات للحادثات والمطابقة لها والوقوع عليها واذا وجدت وقع العلم الاشراقي عليها وهو اشراق العلم الذاتي وصدق العبارة عن هذه وصحتها ان يقال هو سبحانه عالم في الازل بها في اماكنها واوقاتها ولا يقال هو عالم بها في الازل لئلا يلزم وجودها في الازل او كون العلم جهلا لعدم المطابقة للمعلوم والاقتران به والوقوع عليه فنقول هو عالم بذاته في مرتبة ذاته بكل شيء في اماكن تلك الاشياء واوقاتها فيما لا يزال ولا يصح ان يقال ليس عالما بها لانها لا يقع لها ذكر الا وهي معلومة له واذا لم تكن شيئا مذكورا كما في مرتبة ذاته فما معنى العلم بها بل تقول هو عالم ولا معلوم وذاكر ولا مذكور فافهم ولا تحوجنا الى تكرار اكثر من هذا فتكون عند العلماء جاهلا وعند الله غافلا قال : فيلزم الاول اقول : وهو كونه عالما بها الا انه عالما بها فيما هي به مذكورة فهو يعلم ما هو شيء ولو قيل يعلم لاشيئا صدق عليه انه لا يعلم شيئا ويلزم التجهيل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال : وح لا يتصور ان يكون علمه بها بالارتسام لاستلزامه الخلق والعينية والجزئية لا يتصوران في حق الوجود المحض البسيط الصرف فيلزم ان يكون كل منها منتزعا من حاق ذاته المقدسة اقول : ليس علمه بها بالارتسام لاستلزامه الخلق ولا وجودها وحضورها في الازل لاستلزام وجود غير الحق تعالى في الازل ولا ذكرها في الازل لاستلزامه وجود الغير في ذاته لان ذكرها غير ذاته ولا ان تكون في الازل معلومة بغير وجود امر منها يتعلق به العلم من وجود او حضور او ذكر بلفظ او معنى او صورة او شيء غير الذات المقدسة لامتناع ذلك كله فلم يحصل الا كونه تعالى عالما في الازل بها في امكنة حدودها وازمنة وجودها كما قلنا ولا يجوز ان يكون شيء منها منتزعا من حاق ذاته بحال لاستلزام ذلك القول بانه يلد تعالى الله بل كما خلقها لا من شيء غيرها علمها بها وهو العليم الخبير قال : ويكون علمه بها بان يكون علمه بالذات عين علمه بها ويكفي في المعلولية هذا النحو من الوجود انتهى كلامه اقول انتهى كلام الاستاذ المشار اليه وقوله : ويكون علمه بها الخ بيان لقوله فيلزم ان يكون كل منهما اي من الوجودات والماهيات منتزعا من حاق ذاته المقدسة يعني ان الوجودات والماهيات وان كانت مختلفة وشأن المختلف ان يكون مبدؤه مختلفا الا ان ذاته وجودها هو ماهيتها بغير اعتبار اختلاف لا ذهنا ولا خارجا ولما كان شيئا واحدا بسيطا انتزعت الاشياء مع اختلافها من هوية ذاته الكاملة البسيطة لجامعية تلك الهوية لكل كمال واذ قد ثبت ان علمه بذاته عين علمه بها كفى هذا النوع من التحصل والتحقق في حصولها عنه وكونها معلولة اذ كون علمه بذاته علما بها مع ثبوت فيضانها عن ذاته بذاته شارحا لاشتقاقها منه واقول اذا تأملت هذه المعاني وامثالها وجدتها غير جارية على قواعد الاسلام كما هو المعروف بين المسلمين من ايجادها على نحو الاختراع لا من شيء سبق كونها الا ما هو من ايجاده ولا من شيء كان معه اذ لا شيء معه واما مجرد اتحاد العلم فلا يكفي في المعلولية بل مقتضى اتحاد العلم عدم المعلولية على ان العلم من حيث هو لا يكون مؤثرا فلا يكون علة والا لكانت المعقولات الثانية والامور الاعتبارية ومثل كون رجل له الف رأس او الف نصف رأس والامور العدمية عندهم بل الممتنعة على قول من يجعلها معلومة مجعولة لانها معلومة وهو لا يقول به ونحن وان كنا قائلين به لانسنده الى العلم قال : فان قلت لا ريب ان كثيرا من المفاهيم كالجسمية والحيوانية ونحوهما يقتضي ان يكون مصداقه محدودا متناهيا كما هو ظاهر فكيف يمكن ان يكون الواجب تعالى الذي هو غير محدود اصلا مصداقا لامر يجب ان يكون مصداقه محدودا متناهيا قلت تلزم محدوديته لو كان مصداقا لبعض المفاهيم واما لو كان مصداقا للجميع فلا كما في الوجود اقول : هذا الجواب يوهم الصواب لمعنى ربما لم يتنبه له الاستاذ وهو انه لما ثبت ان كل شيء من الحادثات فله ضد وثبت ان ما يكون مصداقا للطول ومصداقا للعرض مثلا بجهة واحدة لا يعرف بالطول ولا يعرف بالعرض ولا يعرف بهما وانما يعرف بعدمهما واذا عرف بهما معا فالمراد به عدمهما كما قررناه في كثير من مباحثاتنا ثبت ان ما كان للجميع الذي كل افراده متضادة لا يكون للبعض ولكن فيه شيء وهو ان ما يكون من الواجب تعالى مصداقا لما يصدق على البعض هل هو جهة الصدق ام نفس الذات فان كان جهة الصدق فلا اشكال في المحدودية لمساواته لذلك البعض في خصوص ذلك الصدق والا اختلف المتعلق والتعلق باختلاف مصداقه وان كان نفس الذات كان مصداقيته للاشياء المتعددة المختلفة اما على جهة البدلية ويلزم الحصر والمحدودية في اعتبار كل فرد او اختلاف الصدق او يرجع الى جهة الصدق كالقسم الاول وحينئذ يغاير ما هو مصداق للجميع واما على نحو التوزيع المستلزم للتركيب والتجزية والامر الشنيع واما بطلان المصداقية اصلا الا فيما هو من الافعال او الصفات الفعلية ولا ريب في صحة هذا اعني هذا الوجه الاخير لانطباقه على القواعد الاسلامية التي اقر عليها رسول الله صلى الله عليه واله من اجاب دعوته واستجاب له عليها واجرى عليهم بها احكام الشرع الشريف كله من الاموال والتناكح والتوارث والقصاص وغير ذلك وهم لا يعرفون شيئا مما يدعي هؤلاء القوم بل ينكرونه ويدينون الله سبحانه بجحوده فافهم قال : ولكن لاحد ان يقول لا ريب في ان يكون كثير من المفاهيم يقتضي صدقها حدا خاصا من الوجود اذا تجاوز ذلك الشيء عن ذلك الحد لم يكن مصداقا له فحينئذ نقول لو كان تعالى مصداقا لجميع المفاهيم لزم ان يكون محدودا بجميع الحدود والنقائص تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وما ادعاه الاستاذ من ان هذا الدليل دال عليه ايضا فهو ممنوع لكن ما ذكره الاستاذ يظهر من تضاعيف كلماته في الاسفار كما هو ظاهر للمتتبع هذا اقول : كلامه هذا قد تنبه له وهو صحيح خلافا لكلام استاذه قال : فان قلت ناقضا على هذا الدليل لو تم هذا للزم ان يكون كل من الماهيات البسيطة كل الاشياء بعين هذا قلت هذا الدليل لا يجري فيها لما يمكن ان يمنع الملازمة ح مستندا بانه لو لم يجوز بان تكون الماهية البسيطة مصداقا لامر وقد لا تكون مصداقا لسبب امر آخر ولا لايجابه فان ارتفاع النقيضين عن المرتبة جائز اقول : نعم يلزم بمقتضي دليله ذلك في الماهيات البسيطة واما جواز كونها مصداقا لامر في بعض الاحوال فانما هو في حال تقييدها ببعض العوارض الذهنية بنسبة تقييد ما صدق عليها والا لما جاز كونها غير مصداق لسلب امر آخر ولا لايجابه لان فرض الصدق في الثاني في حال فرض الصدق في الاول يلزم منه اجتماع النقيضين وهو غير جائز وفي غير حال فرض الصدق في الاول يلزم تركيبها في الاول بشيء من الضمائم وهذا انشاء الله تعالى ظاهر قال : ولا يمكن ان يقال مثل هذا في الوجود اقول : نفي امكان ذلك في الوجود منفي كما سنذكره قال : وتوضيحه ان الماهيات البسيطة من حيث انها بسيطة في ظرف العقل اي في ظرف ملاحظة العقل اياها من حيث نفسها بلا ملاحظة شيء اخر معها حتى ملاحظة هذه الملاحظة وانها نحو من وجودها وفي ذلك الظرف يمكن ان يقال ليست مصداقا لامر آخر ولا لسلبه لما قالوا من جواز ارتفاع النقيضين ح وانما قلنا انها من حيث البساطة في تلك الظرف لكونها في غير ذلك مركبة واما الوجود فلا يحصل في الذهن حتى يمكن اجراء ذلك فيه ايضا وفي الخارج ومع قطع النظر عن ملاحظة العقل يتم فيه اذ ارتفاع النقيضين في مرتبة الواقع جائز لا في الواقع وارتفاع النقيضين في مرتبة الواقع ليس ارتفاع النقيضين في الواقع اقول : يريد ان المانع من كون الماهيات البسيطة كل الاشياء اختلاف حالتيها بسبب اختلاف ملاحظة العقل فقد يلحظها العقل مع ضميمة امر آخر فتكون مركبة قد يلاحظها العقل معراة عن جميع ما سوى هويتها حتى عن ملاحظة كونها ملاحظة وعن ملاحظة الملاحظة لانها نحو من انحاء وجودها وفي هذه الحال لا يمكن ان تكون مصداقا لامر آخر او لسلبه فان كونها مصداقا غير هويتها فتجرد عنه ولا يضر ارتفاع النقيضين ح واما الوجود فلا يحصل في الذهن كما تحصل الماهية فيه لانها قد يحصل فيه ما يحصل منها في الخارج بعينه مجردا عن العوارض الخارجية والوجود لا يحصل في الذهن الا الانتزاعي العارضي وقد ذكر المصنف هذا فيما قبل ونحن اشرنا الى رده لانا لانسلم انه لا يحصل في الذهن واي فرق بينه وبينها على انه اذا خلا منه الذهن كان محصورا محدودا بل الاولى ان يقال بامتناع حصول حقيقة الشيء من حيث هو في الذهن وانما يحصل فيه مثاله وشبحه الانتزاعي كما هو الحق وح لا فرق بين الوجود والماهية واولى لو جاز وجود حقيقة الشيء وماهيته في الذهن ان توجد حقيقة الشيء ووجوده في الذهن لئلا يكون محصورا بخلاف الماهية اذ لا مانع من محصوريتها على ما يذهبون اليه على ان دليلهم على كون البسيط كل الاشياء لو اراد تمشيته في الماهيات البسيطة انما هو في حال بساطتها ولا يمنع ذلك وجود حالة لها لا تقتضي البساطة كما قلنا والحاصل لو صح دليلهم عندنا في الوجود صح عندنا في الماهية على نحو ما قررنا في بيان قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه من ان ( من خل ) عرف نفسه بعد القاء كل ما هو لذاته ليس هي لذاتها فانه حينئذ هو معنى قوله عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة فيكون الباقي بعد الكشف للسبحات وللاشارة انموذجا فهوانيا وشبحا وصفيا ليس كمثله شيء فمن عرفه فقد عرف ربه لان الشيء لا يعرف الا بوصفه وذلك هو وصفه تعالى الذي خاطب عبده مكافحة والى هذا الاشارة بقوله عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه فاذا كانت بعد كشف سبحاتها من غير اشارة هي وصف الله تعالى نفسه لعبده وجب ان يكون ذلك الوصف ليس كمثله شيء ولو كان شيء من الاشياء مثله لكان يعرف به الله سبحانه وهو سبحانه لم يعرف بشيء من خلقه مثلا لو كان ذلك الوصف مثله البياض والحال ان الله سبحانه قد وصف نفسه به لعبده لعرف الله بالبياض تعالى الله عن مشابهة شيء من خلقه علوا كبيرا وقد اطلت الكلام في هذا المقام مع هؤلاء لمسيس الحاجة اليه في هذا الزمان وان كان العاقل تكفيه الاشارة والجاهل لا ينتفع بالف عبارة
قال : { المشعر السابع - في انه تعالى يعقل ذاته ويعقل الاشياء كلها من ذاته اما انه يعقل ذاته فلانه بسيط الذات مجرد عن شوب كل نقص وامكان وعدم وكل ما هو كذلك فذاته لذاته بلا حجاب والعلم ليس الا حضور الموجود بلا غشاوة وكل ادراك فحصوله بضرب من التجريد عن المادة وغواشيها لان المادة تتبع العدم والغيبة اذ كل جزء من الجسم فانه يغيب عن غيره من الاجزاء ويغيب عنه الكل ويغيب الكل عن الكل فكل صورة هي اشد براءة من المادة فهي اصح حضورا لذاتها ادناها محسوسة على ذاتها ثم التخيلية على مراتبها ثم المعقولة واعلى المعقولات اقوى الموجودات وهو واجب الوجود فذاته عاقل ذاته ومعقول ذاته باجل عقل وذاته مبدء كل فيض وجود فبذاته يعقل جميع الاشياء عقلا لا كثرة فيه اصلا }
اقول : اخذ المصنف بعد اثبات الوجود في صفاته واعتبر اولا العلم والترتيب الطبيعي عند بعضهم تقديم تعريف الحيوة لترتب العلم عليها ولعله انما قدمه لكثرة الكلام فيه ولانه مستلزم للحيوة والحاصل الخطب في هذا سهل فقال { انه تعالى يعقل ذاته ويعقل الاشياء كلها من ذاته } اما المسئلة الاولى فظاهرة واما الثانية فكونه يعقل الاشياء فلا شك فيه واما كون ذلك بذاته فهو محل الكلام فنقول اولا ما معنى بذاته ان ذاته عاقلة للاشياء ثم هل هي فيها اي في ذاته بان تكون الاشياء في ذاته او صورها في ذاته ام معناه ان ذاته عاقلة للاشياء في امكنة حدودها وازمنة وجودها وربما يتوقف بعض ابحاث هذه المسئلة على معرفة مسئلة فينبغي تقديم ذكرها وبيان بعض ابحاثها ولو على نحو الاقتصار وهو ان العلم هل هو المعلوم ام غيره ام بعضه المعلوم وبعضه غيره اقوال ثلاثة فقيل العلم عين المعلوم للزوم المطابقة للمعلوم والاقتران والوقوع ولو غايره لزم مع تعدد المعلوم اتحاد العلم وهو مناف فيلزم الجهل في العلم وذلك كما اذا قلنا ان العلم بالبياض هو العلم بالسواد فان لزم المطابقة كان في احدهما جهلا لانه اذا طابق البياض لم يطابق السواد وبالعكس ان كانت جهة المطابقة من العلم واحدة سواء كانت ذاته ام لا والا فننقل الكلام الى كل من الجهتين ولا يمكن للشيء الواحد ان يطابق ضدين الا بجهتين وفي كل منهما يعتبر الاتحاد مثلا الهواء انما يطابق النار بجهة الحرارة التي هي حرارة النار ولا يطابق يبوستها ويطابق الماء بجهة الرطوبة التي هي رطوبة الماء ولا يطابق برودته على ان العلم بنمط واحد فاذا ثبت الاتحاد في الصورة العلمية كما اذا قلت ان صورة العلم بزيد هي ايضا معلومة للعالم ولا يجوز ان يكون معلومة بصورة اخرى والا لزم الدور او التسلسل فيجب ان تكون معلومة له بنفسها ومن قال باتحاد العلم والمعلوم في الصورة خاصة فرق من غير فارق لما اشرنا اليه من المطابقة والوقوع والاقتران اللاتي لا تتحقق الا مع الاتحاد واشتباه ذلك على من زعم امتناع مطابقة الشيء لنفسه ووقوعه على نفسه واقترانه بنفسه اشتباه ضعيف لان حقيقة هذه الامور الثلاثة انما تكون على اكمل وجوهها حقيقة اذا نسبت الى نفسها اذ حصولها في غير نفسها انما هو ببعض كل منها لبعض كل من الاخر مثلا لا يتحقق الاقتران في شيء لاخر بكل جهة في كل حال دفعة واحدة وكذا الوقوع والمطابقة الا مع الاتحاد والا ثبت فيها المجاز فقد تبين حكم الاقوال الثلاثة الاتحاد والمغايرة والاتحاد في بعض دون بعض والحق الاتحاد مطلقا على نحو ما بيناه في شرح رسالة العلم التي وضعها ملا محسن لابنه علم الهدى فراجع هناك ان لم يتبين لك الحق هنا فاذا ثبت ان العلم عين المعلوم امتنع ان تكون الاشياء في ذاته تعالى او صورها او معانيها والا لكانت الحادثات في ذاته وحيث كانت الاشياء لا تحقق لها ولا وجود لها ولا ذكر لها الا في الامكان وكان العلم بها هو عينها وجب ان يكون ذلك العلم اشراقيا نسبيا يوجد بوجودها لانه هو هي فان قلت يلزم ان يكون تعالى قبل وجودها على هذا التقرير غير عالم بها قلت ما تريد بوجودها المذكور في السؤال هل هو الوجود الكوني ام الوجود الامكاني فعلى الاول هو عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها كما في الحديث عنهم عليهم السلم ويكون قوله بعد كونها له معنيان احدهما بعد فناء كونها والثاني حال كونها وهذا العلم هو الامكاني الذي لا يحيطون بشيء منه الا بما شاء كونه منه وعلى الثاني هو عالم ولا معلوم فلما احدث امكاناتها وقع العلم اي الاشراقي على المعلوم الذي هو نفس ذلك الواقع وقولنا عالم هو ذاته وحينئذ لا معلوم فالعلم ذاته تعالى وذاته لا تقع على غير ذاته فالواقع غير ذلك العلم وانما الواقع الفعلي الاشراقي النسبي الذي لا يوجد قبل ما ينسب اليه ولا بعده وانما يوجد معه لانه هو هو ولا يلزم من عدم العلم بما ليس شيئا جهل لان الجهل انما يلزم اذا وجد شيء ولم يعلمه الا ترى انك اذا لم يكن في يدك شيء وقلت انك لا تعلم شيئا في يدك لا يلزم منه جهلك وانما يلزم منه علمك اذ لو ادعيت علم شيء في يدك ولم يكن فيها شيء لكنت جاهلا فافهم المثل فلا يلزم التجهيل الا مع نفي العلم اذا وجد المعلوم ولقد قال تعالى في كتابه قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض وقال تعالى ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول فاخبر تعالى بانه لا يعلم له شريكا في السموات ولا في الارض ولا يلزم من نفي علمه بالشريك تجهيله لعدم وجود الشريك وانما يلزم ثبوت علمه فافهم واعلم ان العلم المتعلق بالمعلومات الحادثة سواء قلنا انه نفس المعلوم على المعنى الذي ذكرناه سابقا في التعلق والمطابقة والوقوع ام هو غير المعلوم ام بعضه متحد وبعضه مغاير كما مر حادث سواء قيل انه نفس المعلوم ام صورة المعلوم لانه على تقدير انه صورة المعلوم فهو الكتب الالهية كاللوح المحفوظ والواح المحو والاثبات وسائر الخلق اذ كل شيء علم بنفسه وفيه امثال غيره بنسبته وعلى فرض ان العلم صورة المعلوم فعلى الاتحاد يكون معنى صورة المعلوم كينونته على ما هو عليه مطلقا وعلى المغايرة تكون الصورة هي العلم بحالة ادراك الشيء المنفصلة مثلا اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد ثم غبت عنه او غاب عنك كان علمك به هو صورة الرؤية حالة الصلوة فلو انه بعد ذلك مات او نام لم تعلم منه الا حالة انه يصلي لان شبحه ومثاله قائم في المسجد يصلي الى يوم القيمة فكلما اردت ان تذكره التفت بمرءاة خيالك الى مثاله الذي هو في غيب المسجد وغيب ذلك الوقت فتنتقش صورته المنفصلة في مرءاة خيالك فذلك علمك بخصوص تلك الحال لا تعلم من زيد غيرها حتى تشاهده في حال اخرى برؤية او سماع اخبار او غير ذلك فتنتقش صورة اخرى هي علم بحال زيد الاخرى وهكذا
والحاصل انه ليس عندك من العلم الصوري الا صورة ما انطبع في خيالك من صفة ذات المعلوم وتلك الصورة منفصلة لانها غير الصورة المتصلة به لانها تتغير في خيالات المتصورين بالكبر والصغر واللطافة والكثافة والاستقامة والاعوجاج وغير ذلك فالعلم المتعلق بالحوادث حادث ولو قلت هو في الازل عالم بها في الحدوث كان صحيحا وافاد ما قلنا ولو قلت هو عالم بها في الازل لم يصح لاستلزامه كونها في الازل وهو ممتنع لانه ذاته عز وجل فاذا اتيت بالعبارة الصحيحة اعني انه عالم في الازل بها في الحدوث كان العلم المتعلق بها المطابق لها الواقع عليها حادثا بحدوثها على القول بالمغايرة او حادثا بحدوثها لانه هو هي وهذه المعاني اشار اليها جعفر بن محمد عليه السلام كما تقدم في قوله عليه السلام : كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه فهذا الواقع ليس هو العلم الذي هو ذاته كما توهمه بعض من لم يعرف ربه تعالى لانه لو كان الواقع هو العلم الذاتي لكانت الذات واقعة على المعلوم او نفس المعلوم على الاتحاد وذلك لا يقول به عارف بالله ونقول للقائلين به الذين يأولون الوقوع بالظهور وامثاله لو كان الواقع على المعلوم حين وجد المعلوم هو العلم الذاتي لزم الحدوث لانه ان كان هو الذات اختلفت حالتاها لانها قبل حدوث المعلوم لم تقع وبعده وقعت ومختلف الاحوال حادث وان كان غير الذات لزم تعدد القدماء والدليل القطعي دال على حدوث المتعددين مع فرض التعدد كما هو مقتضى ادلة التوحيد فلا بد ان يراد بالوقوع المعنى الفعلي اي الفعل او المنسوب اليه من اثاره وهو المراد بقولنا العلم الاشراقي هو الحضوري والحصولي ومعناه ان العلم حاصل للعالم او حاضر يعني حصول المعلوم وحضوره الذي هو ذات المعلوم فالعلم هو الكتابة اي كتابة المعلوم سواء كان المعلوم ذاتا ام صفة ولا تعقل حيث لا معلوم فانه اذا لم يوجد المعلوم فاي شيء يكتب اذ لا تعقل الكتابة حيث لا توجد الكتابة فالعلم هو المكتوب والمكتوب نفس المعلوم والى هذا اشار تعالى لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد بقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وفيما ذكرنا من المثل تصريح لمن يقرأ معاني الامثال فان زيدا لما صلى في المسجد يوم الاثنين صلوة الظهر كتبت الحفظة عمله في تلك الورقة من اللوح المحفوظ فاذا التفت بخيالك قرأت تلك الكتابة وان كنت اميا وهو انك ترى بخيالك مثاله وشبحه وصورته في المسجد يوم الاثنين يصلي صلوة الظهر كلما ذكرته لا تقرء غير المكتوب مثل ما اذا كتبت لك في هذا الكتاب الله لا اله الا هو فانك كلما نظرته لم تقرأ الا خصوص هذه الكتابة وهي الله لا اله الا هو دائما فكذلك المثال والذي تراه هو عمله فعلمك بعمله يعني صلاته في ذلك المكان وذلك الوقت هو ما يتخيله خيالك مكتوبا في صحيفة اعماله باعماله فعلمك عين تلك الكتابة التي هي عين صلاته فافهم فقد كشفت لك من الاسرار ما لا يعرفه الا من يعرف مراد الائمة الاطهار (ع) من تلك الاخبار فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين لله رب العالمين مصليا على محمد واله الطاهرين
وقول المصنف { اما انه يعقل ذاته فلانه بسيط الذات مجرد عن شوب كل نقص وامكان وعدم وكل ما هو كذلك فذاته لذاته بلا حجاب والعلم ليس الا حضور الموجود بلا غشاوة } صحيح ليس فيه اشكال
وقوله { وكل ادراك فحصوله بضرب من التجريد عن المادة وغواشيها } الى قوله { ثم التخيلية على مراتبها ثم المعقولة } كذلك يعني انه صحيح في المعنى والعبارة وان كان قد تحصل فيه بعض المناقشة الا انها ترجع الى الاصطلاحية واللفظية
واما قوله { واعلى المعقولات } فالعبارة ليست بصحيحة لانه عز وجل لا يدخل في هذا اللفظ بوجه وان اريد بمتعلق العبارة العنوان اذ لو اريد به العنوان لم يحسن ايضا لانه وان كان محدثا ومخلوقا لم ينظر اليه من هذه الحيثية والا لم يعرف به الله سبحانه وكذا المعقولية اذ لا يعرف الله عز وجل بالمعقولية ليصح في العنوان الذي هو الاية والدليل والاثر فالتعبير بالمعقولية غير صحيح
وقوله { اقوى المعقولات اقوى الموجودات وهو الواجب الوجود } ايضا ليس بصحيح بنحو ما ذكر
وقوله { فذاته عاقل ذاته ومعقول ذاته باجل عقل } فيه ما قلنا من التعبير من عاقل ومعقول وعقل اذ عبارات اهل الحق عليهم السلام يتحاشي عن امثال هذه العبارات لانها وان كانت مجازات واستعمالا في التعريف ( التعبير خل ) والبيان الا انها قد توهم ما لا يجوز على الصانع سبحانه وتعالى ولهذا لا توجد في كلماتهم عليهم السلام
وقوله { وذاته مبدء كل فيض وجود } ليس بصحيح لان مبدأ الفيض والجود انما هو فعله وليس قولنا ان فعله مبدء الفيض معناه ان الفيض من فعله لان هذا باطل اذ المفعول لا يتقوم بالفعل تقوما ركنيا بان يكون المفعولات مركبة منه كما لا تكون الكتابة مركبة من حركة يد الكاتب وانما هي اثره يعني ان الفيض والجود احدثهما الله سبحانه بفعله لا من شيء اي لا من فعله ولا من غيره فالاشياء اثر فعله بمعنى انه تعالى احدث العنصر الاولى لا من شيء وهو الحقيقة المحمدية فكان ذلك مواد الحادثات
وقوله { فبذاته يعقل جميع الاشياء عقلا لا كثرة فيه اصلا } هذا باطل الا على معنى ما قلنا بانه سبحانه يعلم جميع الاشياء في امكنة حدودها وازمنة وجودها وكما عبرنا عنه بقولنا هو عالم في الازل بها في الحدوث لا بمعنى انه عالم بها في الازل لان هذا المعنى باطل لاستلزامه انها في الازل وانما العلم الازلي الذي هو ذاته عالم ولا معلوم يعني غيره في الازل فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والقوم انما قالوا ذلك لان الاشياء كلها عندهم في الازل بنحو اشرف وانا اول الجاحدين لهذا والحاصل علمه الذي هو ذاته في الازل الذي هو ذاته عالم بنفسه ولم يتعلق في الازل بشيء غير ذاته وما سوى ذاته من المعلومات فهي في الامكان وهو تعالى عالم بها في الامكان فالتعلق في الامكان وقولنا ان كلامه هذا باطل في قوله { فبذاته يعقل جميع الاشياء عقلا لا كثرة فيه اصلا } لانه هو واتباعه يريدون بذلك انها في ذاته اما بصورها العلمية التي في علمه الذي هو ذاته او بكونها كامنة فيه معدومة العين بالفعل موجودة بالقوة على نحو ما نقلنا عنهم سابقا كما في الكلمات المكنونة للملا محسن ومعلوم ان مرادهم بكون بسيط الحقيقة كل الاشياء هذا الكمون ويعبرون عنه ان كل شيء كمال في ذاته بنحو اشرف لان الوجودات اذا جردت عن كل ما سوى ذاتها حتى عن التجريد اتحدت بحقيقتها التي هي صرف الوجود الذي لا شوب فيه وقد ذكرنا ما يدل على فساد هذا الاعتقاد بما فيه الصواب والرشاد ولما بنوا امر اعتقادهم على انه يعلمها في الازل لزم ان تكون معه وذلك مستلزم لمفاسد كثيرة فاجابوا عن تلك المفاسد بانه لم يفقدها في حال من الاحوال لانه كما ورد عنهم عليهم السلم انه تعالى لم يكن خلوا من ملكه فيجب ان تكون في ذاته بنحو اشرف يعني حصولا جمعيا وحدانيا لا يلزم منه كثرة كما قال هنا عقلا لا كثرة فيه اصلا وقد قدمنا ان معنى لم يكن خلوا من ملكه ولم يفقده ابدا في مكان الملك لا في ذاته كما ان الشمس لم تكن خلوا من شيء من اشعتها في مكان ذلك الشيء لا في ذات الشمس ففي رتبة الذات لا شيء غير الذات فلم يكن فاقدا لذاته اذ لا شيء غيرها ولا ذكر لشيء في ذاته غير ذاته والاشياء مذكورة بما هي به شيء كل في تلك الرتبة اي الذكر الاول فكل مذكور فله وجود ما به ذكر وقبل ان يحصل له وجود ما فاي شيء يذكر به فهو تعالى لم يفقد شيئا مما هو له وخلقه كل في محل حدوده ووقت وجوده واما انها فيه بنحو اشرف فقد قلنا سابقا ان فرض انه كان تعالى يعلم فيه شيئا غيره جاء الفساد الاعظم وان لم يعلم فقولكم فيه بنحو اشرف فساد بعد فساد واما الحصول الجمعي ففيه انه ان كان حصول غير ما هو الذات المقدسة فهو الفساد الاعظم وان لم يكن حصول اصلا فهو الفساد الثاني على ان قولهم لا يلزم منه الكثرة مثبت للكثرة اذ لا يقال في احدى الذات والمعنى من حيث الاحدية المطلقة لا يلزم منه الكثرة يعني انه انما يقال ذلك في المتعدد المتغاير بما يقتضي الكثرة لولا الحكم الفرضي الحكمي ثم ان مجرد القول بنفي الكثرة في الكثير حال الكثرة تناقض لا ينطبق على متعلق القصد والارادة اذ لا ينفي الكثرة مع وجودها القول بنفيها كما لا يثبتها مع انتفائها القول بثبوتها فافهم
قال : { ثم ان كل صورة ادراكية سواء كانت معقولة او محسوسة فهي متحدة الوجود مع وجود مدركها ببرهان فائض من عند الله وهو ان كل صورة ادراكية ولكن عقلية فوجودها في نفسها ومعقوليتها ووجودها لعاقلها شيء واحد بلا تغاير بمعنى انه لا يمكن ان يفرض لصورة عقلية نحو آخر من الوجود لم تكن هي بحسبه معقولة لذلك والا لم تكن هي هي }
اقول : اما قوله { ان كل صورة ادراكية } الى قوله { فهي متحدة الوجود مع وجود مدركها ببرهان فائض من عند الله } فهو غلط ولم يفض منه شيء من عند الله وانما فاض من عند غير الله لانا قد بينا ان الصورة انتزاعية وان انكر كونها انتزاعية لم ينكر ان منها ما هو انتزاعي ووجودها مع الانتزاع مسبوق بالمنتزع منه فلو اتحد وجودها مع وجود عاقلها لزم ان يكون وجود عاقلها مسبوقا بوجود غيره وهو باطل او يكون وجودها سابقا على وجود ما انتزعت منه وهو باطل ويأتي بيان هذا ومطلق الاتحاد بجميع وجوهه سواء كان اتحاد موجود بموجود او وجود شيء بوجود اخر فيكون الموجودان موجودا واحدا او الوجودان وجودا واحدا كما سيذكره هو وغيره وان ذلك محال الا اذا انقلبت حقيقة احدهما الى حقيقة الاخر وهذا في الواجب مع الممكن محال وسواء كان اتحاد مفهوم بمفهوم اخر فان المغايرة تنافي الاتحاد وسواء كان الموجود مفهوما عقليا او ماهية كلية لان الموجود اذا صار بالتعقل مفهوما عقليا انما يعرض للعاقل حين التعقل والتعقل معنى فعلي مبدؤه حركة عقل العاقل والصورة المعقولة لا تتجاوز مبدء منشائها فلا تتحد بالعاقل بل لو قيل بالاتحاد فانما تتحد بالتعقل الذي هو فعل العاقل والفعل مغاير للفاعل حادث مع حدوث المفعول ثم ما انتزعت منه الصورة المعقولة هو الموجود الخارجي هل هو معقول بموجوديته الخارجية او ليس بمعقول فان فرض انه معقول بموجوديته الخارجية العنصرية الزمانية كان مع فرض اتحاده اما ان يكون في محل عاقله او عاقله في محله او لا يعقله اذ المفروض ان المعقول مفهوم عقلي فالموجود الزماني ليس معقولا والفارق بينهما متحكم فان كان في محل عاقله ما كان عنصريا زمانيا بل الموجود العنصري الزماني في هذه الحالة ازلي وان كان عاقله في محله كان الازلي عنصريا زمانيا وان لم يكن معقولا الا المفهوم منه لزم الجهل بالموجود واما اشتداد الوجود وقوته واستكماله فانما يعقل في الحادث واما القديم تعالى فلا يصح فيه ذلك ودعوى انه حاصل له في ازله فلا يصح على قول الحق لان المعقول ليس في الازل والتعلق به انما يكون حين يكون والا لزم ان يكون اما انه عالم بشيء معه في ازله وقد قال عليه السلم كان الله ولا شيء معه واما انه يعلم ما ليس شيئا وهذا جهل محض لا علم واما ان يكون عالما بها في اماكن حدودها وازمنة وجودها وهذا حق ولكنه لا يكون العاقل عين المعقول للاختلاف والمباينة بين الازل والامكان وبين المحدود ( و خل ) المشخص وغير المحدود والمشخص على ان المانع عندهم من اتحاد وجودين وموجودين متغايرين ومفهومين متغايرين بان يصير احدهما عين هو الاخر حملا ذاتيا اوليا يجري في المفهوم العقلي والماهية الكلية مع عاقلهما لان المفهوم مغاير للفاهم وقياسهم على اجتماع جميع المعاني المتفرقة في النبات والحيوان في الانسان بدليل ان النفس اذا تعقلت شيئا تتحد مع صورته المجردة في الوجود بمعنى ان وجودها يشتد بحيث يصدق عليها ذلك المفهوم وح يكون عقلها لذاتها عين عقلها له باطل هو ودليله اما بطلان القياس فمن وجهين الاول انه قياس الحق تعالى على الخلق وهو باطل باتفاق العقلاء من المسلمين وغيرهم لم يخالف فيه ذو عقل الا من لا يستعمل عقله او ليس له عقل والثاني ان الكلام جار في حق الانسان ايضا فان النفس اذا تعقلت شيئا فان تعقلها له من حيث كونه مغايرا فاذا تعقلت فانها ح تعقل انه غيرها ولو عقلت انه هي لم تكن عاقلة لشيء غير نفسها فكانت جاهلة به وكونه صادقا عليها ان كان بحيثية فقد ثبتت المغايرة من جهة الحيثية وان كان بغير حيثية فلا معنى للاتحاد اذ الاتحاد انما يفرض في شيئين فالصدق المدعي كذب واما بطلان الدليل فلان الاتحاد المراد اذا اردتم منه ان اشتداد وجودها بتعقلها لذلك بحيث يصدق عليها ففيه ان وجودها هل هو كتاب معان حقيقة وما عندها من الشيء كلمة او حرف من ذلك الكتاب ام انه قرطاس تطرح فيه الصور المعقولة فيشرق بها ذلك القرطاس كما يشرق الجدار بما يطرح من الاضواء فيه فيكون على الاحتمال الاول ان تلك الصورة جزؤ مادة الشيء لما بينا سابقا ان الوجود في نفس الامر ليس الا المادة في جميع المخلوقات واما في الواجب فلا سبيل لاحد الى معرفة كنهه اذ ليس وجوده كوجود خلقه وعلى الاحتمال الثاني ان استضاءته مؤلفة من المعقولات الخارجية عند تعقلها وعلى الاحتمالين فلا بد من اعتبار المميزات عند التمييز بين كل منها والوحدة البسيطة ان طوت كثرة المجردات على زعمهم فلا تطوى الماديات من حيث هي ماديات اذ تعقل المميزات من حيث هي مميزات انما يمكن من هذه الحيثية ويلزمه اعتبار المغايرة المستلزمة لنفي الاتحاد واتحاد المفهوم بالوجود من هذا القبيل فان المفهوم انما يكون مفهوما بفهم الفاهم له وفهم الفاهم له مغاير لفهم الفاهم لنفسه لاختلاف المفهومين والجهتين مع ما قلنا من لزوم جزئيته للفاهم او لصفته التي به يشتد وبعدمه تضعف
وما اصوب ما قاله الشيخ هنا في الاشارات من ان قول القائل ان شيئا يصير شيئا اخر لا على سبيل الاستحالة من حال الى حال ولا على سبيل التركيب ليحدث عنهما شيء بل على انه كان شيئا واحدا فصار واحدا اخر قول شعري غير معقول فانه ان كان كل واحد من الامرين موجودا فهما اثنان متمايزان وان كان احدهما غير موجود فقد بطل الذي كان موجودا وان كانا معدومين فلا يصير احدهما الاخر انتهى ملخص كلامه وقال في علم النفس من طبيعيات الشفاء : وما يقال ان ذات النفس تصير هي المعقولات فهو من جملة ما يستحيل عندي فاني لست افهم قولهم ان يصير شيء شيئا اخر ولااعقل ان ذلك كيف يكون فان كان بان ؾخلع صورة ثم تلبس صورة اخرى وانه يكون مع الصورة الاولى شيئا ومع الصورة الاخرى شيئا اخر فلم يصر بالحقيقة الشيء الاول الشيء الثاني بل الشيء الاول قد بطل وبقي ما هو موضوعه او جزء منه وان كان ليس كذلك فلننظر كيف يكون فنقول اذا صار الشيء شيئا اما ان يكون اذ هو قد صار ذلك الشيء موجودا ايضا او معدوما فان كان هو موجودا فهما موجودان لا موجود واحد وان كان معدوما فقد صار الموجود معدوما لا شيئا آخر موجودا وهذا غير معقول وان كان الاول قد عدم فماصار شيئا اخر بل عدم هو وحصل شيء آخر فالنفس كيف تصير صورة الاشياء انتهى ومعنى تصويب قوله في الاشارات انهم اذا قالوا بالاتحاد كان شيء وهو الصورة المعقولة بالتعقل شيئا آخر اي عاقلا وقد كانا متغايرين لان الصورة صورة زيد الحادث فهي حادثة فاذا تعقلها الواجب صارت واجبة قديمة فيلزم انقلاب الحقائق لان الحادث صار قديما وهو باطل اتفاقا فان قلت انه تعالى لم يفقد الصورة فلم تكن حادثة بل هي صورة علمه الذي هو ذاته قلت ان الصورة ان كانت صورة لزيد فهي غيره تعالى وان لم تكن صورة له فليست علما بزيد على ان الاتحاد كما مر لا يعقل ولا يعبر به الا في المتغايرين والتغاير مناف للاتحاد وهذا معنى ما ذكره في الشفاء من ان ما صار هو العاقل ان كان موجودا فهما موجودان وان كان معدوما فلم يكن هو العاقل بل هو قد كان معدوما
والحاصل اما قوله { فوجودها في نفسها ووجودها لعاقلها شيء واحد بلا تغاير } فهو عندي حق ولكنها موجودة لعاقلها في رتبة وجودها لا في رتبة وجوده لان وجودها لعاقلها هو وجودها في نفسها ووجودها في نفسها لا يكون في غير رتبته والا لم يكن هو اياه
وتفسيره لذلك في قوله { بمعنى انه لا يمكن ان يفرض لصورة عقلية نحو آخر من الوجود لم تكن هي بحسبه معقولة لذلك والا لم تكن هي هي } صريح في ان جميع انحاء وجوداتها انما تكون معقولة بها ولا شك ان جهة مادية المعقول وزمانيته وعوارضه العنصرية كلها من انحاء وجوده فاذا كان معقولا بجميع انحاء وجوده وجب ان يكون كل واحد معقولا بما هو به هو من جميع الحدود والمشخصات وكل ذلك موجود لعاقله بما هو موجود لنفسه وكل ذلك مناف للاتحاد بعاقله بنحو ما ذكرنا
قال : { فاذا تقرر هذا فنقول لا يمكن ان تكون تلك الصورة مباينة الوجود عن وجود عاقلها حتى يكون لها وجود وللعاقل وجود اخر عرضت لهما اضافة المعقولية والعاقلية كما للاب والابن والملك والمدينة وسائر الامور المضافة التي عرضتها الاضافة بعد وجود الذات والا يلزم امر محال لانا اذا نظرنا الى الصورة العقلية ولاحظناها وقطعنا النظر عن الجوهر العاقل فهل هي في تلك الملاحظة معقولة والا فلم يكن نحو وجودها بعينها معقوليتها بل كانت معقولة بالقوة لا بالفعل والمقدر خلاف هذا وهو ان وجودها بعينه معقوليتها وان كانت تلك الملاحظة اياها التي هي تكون مع قطع النظر الى ما سواه معقولة فهي لا محالة في تلك الملاحظة عاقلة ايضا اذ المعقولية لا يتصور حصولها بدون العاقلية كما هو شأن المتضائفين وحيث فرضنا وجودها مجردة عما عداها فتكون معقولة لذاتها ثم المفروض اولا ان هنا ذاتا تعقل الاشياء المعقولة لها ولزم من البرهان ان معقولاتها متحدة مع من يعقلها وليس الا الذي فرضناه }
اقول : قوله { لا يمكن ان تكون تلك الصورة مباينة الوجود عن وجود عاقلها } غلط بل لا يمكن ان يكون متحدا به لتحقق المغايرة بين جميع مراتب وجودي العاقل والمعقول ولا شك ان لها وجودا ولعاقلها وجودا اخر وان اضافة العاقلية والمعقولية قد عرضت لهما وهو المشار اليه بالعلم الاشراقي كما ذكرناه فانه يعرض عند وجود المعقول والمعلوم وينتفي بانتفائه كعروض اضافة الابوة والبنوة حرفا بحرف
وقوله لو لم يثبت الاتحاد لزم المحال ليس بصحيح اذ المحال انما يلزم على القول بالاتحاد كما قدمنا بيانه ويأتي
فان قوله { لانا اذا نظرنا الى الصورة العقلية ولاحظناها وقطعنا النظر عن الجوهر العاقل فهل هي في تلك الملاحظة معقولة } فيه نعم هي معقولة بتعقل الجوهر العاقل وان قطعتم النظر عن الجوهر العاقل لم تقطعوا النظر عن تعقله فهي بتعقله معقولة فان كان اتحاد فمع تعقله لا بجوهره ولو قطعتم النظر عن جوهره وتعقله كانت اما متعقلة لنفسها ولا شك ان صورتها ح متحدة بتعقلها في رتبته لا بذاتها اذ لا تتحد بذاتها الا نفس ذاتها المدركة بذاتها لا بالتعقل لانه معنى فعلي لا يتحد الا بما في رتبته وعلى فرض اتحاده فعلى ما ذكرنا فيما سبق من احد الاحتمالين بان تكون المراد بالتعقل العقل وانه كتاب معان واما غير معقلة لقطعكم النظر عن متعقل ما فجعلكم اياها معقولة بغير عاقل لا معنى له وبعاقل يصح كون نحو وجودها بعينها لعاقلها معقوليتها حين معقوليتها في رتبتها اي رتبة وجودها لا في رتبة ذات عاقلها اذ كل عاقل لا يعقل شيئا الا في رتبة معقوله لا في رتبته كما توهمه المصنف واتباعه فان الشيء لا يكون مدركا الا بنحو وجوده ولا يوجد الشيء قبل رتبة وجوده وقد ذكرنا هذا المعنى في عدة مواضع من هذا الشرح وخصوصا في مبحث ابطال بسيط الحقيقة كل الاشياء فراجع فان الله عز وجل لو علمها في رتبة ذاته لكانت مع ذاته ولكنه تعالى عالم في الازل بها في الحدوث ولا يصح ان يقال انه عالم بها في الازل لما قلنا من انه تعالى لم يكن معه غيره وصفاته هي هو
وقوله { وان كانت تلك الملاحظة اياها التي هي تكون مع قطع النظر الى ما سواه معقولة } فيه هذا غير مسلم بان تكون معقولة مع قطع النظر عن عاقل اذ الوجود بعينه لا تلزمه المعقولية الا مع وجود عاقل له فاما ان تكون عاقلة لنفسها بنفسها وهنا يتحقق الاتحاد او يعقلها غيرها وهنا يتحقق الانفراد والتعدد فلا تثبت معقولية بدون عاقل عند كل عاقل وحيث فرضتم وجودها مجردة عما عداها جاز ان تعقل ذاتها بذاتها ولا يجوز اذا فرضتم ذاتا تعقل الاشياء المعقولة لها ان تكون معقولاتها اذا كانت غير ذاتها متحدة مع من يعقلها ولم يقم برهان الا اذا كانت عاقلة لذاتها فجعل قيام البرهان على اتحاد عاقليتها ومعقوليتها اذا كانت عاقلة لذاتها بذاتها يلزم منه اتحاد معقوليتها بعاقلية غيرها لها مغالطة محضة وغباوة صرفة مع الفرق العظيم ومخالفة البرهان ومع شدة التكلف الظاهرة في تحصيل هذا البرهان ومع المغالطة قال : انه ببرهان فايـٔض من عند الله وهو مما يشهد به الوجدان انه ليس من عند الرحمن ولا يلائم ادلة الايمان
واما استدلال من قال بانه لو لم يكن وجودها في نفسها ووجودها لعاقلها شيئا واحدا لكان تلك الصورة وجودان احدهما وجودها لعاقلها وثانيهما وجود غير وجودها لعاقلها وهي بحسب هذا الوجود غير معقولة لكن التالي باطل فالمقدم مثله قلت وهذا مسلم ولا يجديه نفعا ثم قال واذا تقرر هذا فنقول لو لم يكن المعقول متحد الوجود مع العاقل بل كانا ذاتين متغايرين بان يكون لكل منهما هوية على حدة وكان الارتباط بينهما بمجرد الحالية والمحلية او غير ذلك لكان يمكن اعتبار وجود كل منهما مع قطع النظر عن الاخر لكن التالي باطل فالمقدم مثله على نحو ما ذكره المصنف في الاسفار اما بطلان التالي فلما تقدم ذكره عنه من انا اذا نظرنا الى الصورة العقلية ولاحظناها وقطعنا النظر عن العاقل فهي ح معقولة فتكون عاقلة الى اخر ما تقدم قلت وقد بينا صحة ما ادعي بطلانه من المقدم والتالي قال ثم المفروض اولا ان ههنا ذاتا تعقل الصورة فاذا لم تكن متحدة الوجود معها لزم ان يكون لشيء واحد وجودان اذ لهما معقوليتان احدهما بالقياس الى عاقلها وهذا مما يحكم بديهة العقل ببطلانه فظهر وتبين ان كل معقول متحد الوجود مع عاقله وذلك هو المطلوب وبمثل هذا البيان يعلم حال الخياليات والحسيات انتهى استدلال هذا المستدل تبعا للمصنف قلت واراد بقوله : ان لشيء واحد وجودان الخ ان ذلك المعقول معقول لنفسه بوجوده فاذا كان معقولا لذات اخرى كان ايضا معقولا بوجوده فان كان المعقولان واحدا تم المطلوب وان فرض اثنان فهو ما حكمت بديهة العقل ببطلانه واقول هذا باطل كما تقدم مع انا نقول ان وجود زيد غير وجود عمرو فاذا عقلا صورة معقولة من خالد كانت الوجودات الثلاثة وجود زيد وعمرو وخالد شيئا واحدا وكانت ثلاثة قبل التعقل فهو باطل كالاول ولا يصح هذا الكلام بحال الا على القول بوحدة الوجود فان المصنف اذا اراد ان يسلم له دليله في هذا وغيره فيستدل باصل مذهبه فيقول الوجود كله في الحادث والقديم شيء واحد بسيط وانما الكثرة نقوش تكثرت بتكثر التعينات فكل الاشياء شيء واحد كما هو مراده بقوله بسيط الحقيقة كل الاشياء ولا يحتاج في جعل العاقل والمعقول متحدا الى هذه التكلفات البعيدة والتعسفات الشديدة فانها لا تثبت مطلوبه وما ادعوه لا يصلح لشيء من مطلوبهم فانا انما حكمنا باتحاد الشيء بنفسه اذا عقل نفسه لانه لم يعقل غيره فلم يخرج بمعرفة نفسه عن نفسه بخلاف غيره فانه انما يعقل الغير والغير انما هو معقول بما هو عليه وما هو عليه انه غير فهو معقول من هذه الحيثية سواء لوحظت الحيثية ام لا فلا بد من عقله بانه عاقل غيره فجهة المعقولية منافية للاتحاد ولا سبيل له الى هذا الاتحاد الا بالقول بوحدة الوجود وهو عندهم سهل اذ لا محذور فيه الا انه كفر وهو لا يضر عندهم فان التوحيد والايمان معرفة النفس وانكار ما سواها اذ هي المعبود عندهم بدون الحدود ولهذا يقول شاعرهم :
قسما بقائم بانة احدية ماست على كثبان جمع صفاته
ما في الديار سواي لابس مغفر وانا الحمى والحي مع فلواته
افرأيت من اتخذ الهه هويه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون
قال :
اقول : فظهر وتبين مما ذكرنا خلاف ما ذكر المصنف وهو منع اتحاد وجود كل عاقل مع وجود معقوله وقوله { وهذا البرهان جار في سائر الادراكات الوهمية والخيالية والحسية } يريد به ان المتوهم يتحد وجوده بالصورة الموهومة والمتخيل مع الصورة الخيالية والحساس مع الصورة المحسوسة وهذا من جملة ما ذكر من تناول برهانه لها حتى انهم اجروا هذا البرهان في المتضايفين وغيرهما وقالوا ليس لاحد المتضائفين وجود وللاخر وجود بل ليس هناك الا علاقة وربط واحد قائم بمجموع المحلين اذا لوحظ مع احد المحلين سمي باسم ومع الاخر سمي باسم سواء تغاير المحلان والعلاقة كالابوة والبنوة ام اتحدا كالمجاورة والمماسة وقالوا ايضا بمقتضي هذا البرهان يكون الفاعل التام متحد الوجود مع وجود معلوله لان العلية عين وجود الفاعل التام والمعلولية عين وجود المعلول وكذلك يتحد الحال والمحل في الوجود فاذا عمل بما قال الرضا عليه السلم : قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هاهنا ه على مقتضى برهانهم كان وجود الماء في الكوز هو وجود الكوز ووجود العذرات فيهم هو وجودهم فان الوجود المتحد بماهية الماء متحد بالوجود المتحد بماهية الكوز والوجود المتحد بماهية العذرات متحد بالوجود المتحد بماهيتهم والوجود المتحد بماهية السواد متحد بالوجود المتحد بماهية الجسم ولا عيب على من يقول ان الوجود في جميع الموجودات قديمها وحديثها وجوهرها وعرضيها غيبها وشهادتها وجود واحد لا كثرة فيه الا في تعيناته الموهومة ان يقول بهذه وامثالها فانها داخلة في تلك الجملة واما من يكفر بقول وحدة الوجود ويؤمن بالله ويعتقد انه تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه وانه تعالى قديم وكل ما سواه مخلوق خلقه تعالى لا من شيء ولا لشيء غير الخلق فيعرف ان كل ما قرره المصنف هو واتباعه باطل مناف للتوحيد لان عمدة دليله ان الفاعل التام المفيد للصورة العقلية يجب ان يكون عاقلا لها بذاته فيتحد وجودها بوجوده وهذا كله باطل لا ينطبق منه شيء ولا مما يتفرع ويبتني عليه على قواعد التوحيد لان قواعد التوحيد مبنية على اصول منها ان الواجب القديم عالم ولا معلوم وسميع ولا مسموع وذاكر ولا مذكور وهكذا باقي الصفات الذاتية فاذا عبرت عنه بعاقل فهو معنى عالم اي عاقل ولا معقول فلا تعقل الاضافة في صفاته الذاتية ومعنى ما اعتبرت الاضافة فيها فالمراد بها الفعلية فافهم ان كنت تفهم فالصورة المعقولة يستلزم عاقلا لها الا ان عاقلها ليس هو الذات البحت اذ الذات البحت عاقلة ولا معقول وانما عاقلها هو الفاعل لها والخالق لها هو المثل الاعلى للذات وهو بمنزلة فاعل القيام من زيد والقائم اسمه وهو اي القائم مصاغ من الفعل والحدث اعني القيام والمسمى بالقائم هو محدث القيام بفعله وهو شبح زيد واول تعينه باول ظهوره فقولهم : يجب ان يكون عاقلا لها بذاته غلط فاحش لان ذاته عاقلة ولا معقول والا لكان في ذاته معقولا غيره معه ولو قلت ليست الصورة حال معقوليتها غيره قلنا فاذا هو عندكم لم يعقل غير ذاته فان كان لا يعقل غير ذاته فلم قلتم اتحد بمعقوله وان قلتم يعقل غير ذاته وهو عقله لذاته فاقبح بان يكون ممازجا للغير على ان الغير يكون معه واذا كان هذا العقل تريدون به العلم فلم قلتم الصورة العقلية خاصة وقلتم لان الصورة العقلية ليس لها تعلق بالمادة حتى يمكن فيها التغيير من حال الى حال فهل تريدون تخرجون المتغير من حال الى حال من حيث هو متغير عن العلم فلا يكون معلوما او معقولا والله يقول الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فهذا المتغير من حيث هو متغير معلوم للواجب فان كان بالعلم الفعلي فذاك وان كان بالعلم الذي هو الذات فان اتحدت معقوليته بما هي معقولة به من التغير بالعاقل وجعلته البحت كان متغيرا بما اتحد به لان جهة الاتحاد هي جهة ما ثبت به من التغير لعاقله حتى انه لو كان متحركا على الدوام كان معقولا بحركته الدائمة فاذا اتحد بعاقله كان وجود عاقله متحركا بحركة ما اتحد به من حيث هو متحرك والا لم يكن عاقلا له بما هو موجود له فيكون انما هو عاقل له بالعقل الفعلي وكما ان الكتابة الحادثة بحركة يد الكاتب لم تكن مركبة من تلك الحركة ولا متحدة بها كذلك الصورة المعقولة بل والمدركة مطلقا لم تكن مركبة من مدركها ولا متحدة به وهذا ظاهر لمن اطاع الله في الاهتداء باياته حيث قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون
وقول المصنف { دون ما خرج عن التصور كالسماء والارض وغيرهما من الماديات } فيه ما تقدم من انها وان كانت اجساما الا انها معقولة لانها معلومة ومعلوميتها بوجودها الذي هي عليه عند العالم بها وقد قدمنا ان العلم عين المعلوم فوجودها المادي معلوم بوجودها المادي لاتحاد العلم مع المعلوم وهذا حاصل للعالم عند وجود المعلوم وهو العلم الاشراقي وهو وقوع العلم الذاتي وتعلقه بالمعلوم الحادث عند حدوثه لان الذاتي لا تجوز عليه الاضافة ولا النسبة ولا الوقوع ولا المطابقة لانه ذات الله تعالى التي لا يجوز عليها ذلك فوجودها وجود ادراكي خلافا لما فهمه المصنف في قوله { ليس وجودها وجودا ادراكيا } قياسا على الصورة المعقولة بزعمه ان الوجود المدعي اتحاده بعاقله هو تعقله لها فنقول ان كان يريد باتحاد المعقول بعاقله اتحاد وجوده التعقلي خاصة فيلزمه انه نحو من انحاء الوجود لا انه جميع وجودات المعقول فان للمعقول وجودا به هو هو وله وجود به يكون معقولا ووجود هو به نور الله وصنعه ووجود هو كونه في الاعيان والتمايز بينها بالاعتبار فقوله المتقدم بمعنى انه لا يمكن ان يفرض لصورة عقلية نحو آخر من الوجود لم تكن هي بحسبه معقولة لذلك العاقل والا لم تكن هي هي ينافي ما قال قبله كل ادراك فحصوله بضرب من التجريد عن المادة ويلزم هذا ان المرتبط بالمادة والمادة ايضا ليست مدركة ويؤيد هذا ايضا قوله التي ليس وجودها وجودا ادراكيا فيحصل من اقواله ان المتحد بعاقله انما هو المجرد لان وجوده لمدركه وجود ادراكي واما المادة والمادي فلا يتحد وجوده الذاتي بوجود مدركه لان وجوده الذاتي هو المادي وخصوصا اذا لوحظ في ادراكه عدم التجريد فانه من جملة مدركاته فلا يتحد عنده بمدركه واما نحن فنقول لا يدركها في ازله لانها ليست في الازل وانما يدركها بما هي عليه في كل رتبة من مراتب وجوداتها بما لتلك الرتبة المدركة من الوجود في وقت وجودها ومكان حدودها وما حضر له تعالى في كل رتبة منها هو علمه بها فيتحد وجودها بوجود علمه بها ولم يفقد شيئا منها مما اقامه فيه اذ الحضور والغيبة والوجدان والفقدان اشياء بمشيته واما ذاته تعالى فعلم ولا معلوم وسمع ولا مسموع وقدرة ولا مقدور وبصر ولا مبصر وادراك ولا مدرك وذكر ولا مذكور فاذا وجد المعلوم وقع عليه العلم وكذا باقي الصفات اذ لم يتعلق شيء منها بغير شيء والسماء والارض وغيرهما من الماديات كل شيء منها مدرك معلوم سبحان العالم بكل شيء وعلمه بكل شيء من خلقه حضوري وحصولي ولا فرق بين الحصول والحضور عندنا اذ المراد بذلك العلم هو العلم الاشراقي والمراد به نسبة الموجود الى فعل المعبود سبحان ذي الكرم والجود
قال : { المشعر الثامن - في ان الموجود بالحقيقة هو الواحد الحق تعالى وكل ما سواه مما هو مأخوذ بنفسه هالك دون وجهه الكريم لما علمت ان الماهيات لا تأصل لها في الكون وان الجاعل التام بنفس وجوده جاعل وان المجعول ليس الا نحوا من الوجود وانه بنفسه مجعول لا بصفة زائدة والا لكان المجعول تلك الصفة فالمجعول مجعول بالذات بمعنى ان ذاته وكونه مجعولا شيء واحد من غير تغاير حيثية كما ان الجاعل جاعل بالذات بالمعنى المذكور }
اقول : ان الموجود الحق الذي لا نقص في شيء من ذاته وصفاته ولا امكان في شيء منه هو الواحد الحق عز وجل وكل شيء مما سواه فهو هالك بمعنى انه مفتقر الى امر الله الفعلي فانه متقوم به تقوم صدور ومفتقر الى امر الله المفعولي فانه متقوم به تقوم تحقق اعني تقوما ركنيا وهالك بمعنى انه لم يخلق من شيء والا لكان ذلك الشيء مع الله في ازله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
وقوله { دون وجهه الكريم } يريد ان كل ما سوى الله فان دون ذاته فعبر بالوجه عن الذات وفيه اشارة الى الاقتباس من قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه وما ذكره احد الوجوه فيها ومنها ان الضمير في وجهه يعود الى الشيء ويصير المعنى ان كل شيء فاصله الذي هو وجهه من ربه مثبت في ام الكتاب باق ببقاء ذاك الكتاب فيفني الشيء ووجهه باق حتى يخلق منه كما خلق اول مرة منه فقال تعالى كل شيء هالك فان الا وجه ذلك الشيء ومنها ان الضمير في وجهه يعود الى الله والمراد بالوجه محمد واهل بيته الثلاثة عشر معصوما صلى الله عليه واهل بيته الطاهرين فهم وجه الله ومعنى كونهم وجه الله له انحاء احدها انما سموا وجه الله لان اولياء الله يتوجهون الى الله تعالى بهم كما في الزيارة ومن قصده توجه بكم
وقوله { لما علمت ان الماهيات لا تأصل لها في الكون } يريد به ان ما سواه هو الماهيات وهي الهالكة وفيه اشارة الى ان وجودات الاشياء ليست مغايرة للحق تعالى فانها اذا ازيل عنها حدود التعينات الموهومة كالماهيات لم يبق الا وجود الحق تعالى لانها متأصلات بخلاف الماهيات لانها لم توجد بنفسها بخلاف الوجود فانه موجود بنفسه وهذا لا يصح منه شيء لما علمت من ان كل ما سوى الله حادث وهو كل ما وضع بازائه لفظ ما خلا الله عز وجل ومن جملة السواء الوجودات كلها وهي في الحقيقة المواد اذ ليس الوجود المحدث في الحقيقة شيء غير المادة لما قررنا سابقا من ان الوجود هو النور الذي خلق منه القلم واللوح والعرش والكرسي والانسان والمراد به مادتها وقد ذكرنا سابقا ان قولك الانسان حيوان ناطق حد تام جامع لجميع ذاتيات الانسان ولو كان للانسان شيء ذاتي غير الحيوان والناطق لذكروه في حده التام والا كان حدا ناقصا فحيث اجمعوا على انه حد تام مع انه لم يذكر فيه الا المادة وهي الحيوان والصورة وهي الناطق دل على ان الوجود هو المادة كما قاله بعضهم وهو الحق واما الماهية فهي الصورة وهي مخلوقة من نفس الوجود من نحو نفسه لا من نحو ربه فالوجود خلقه بنفسه يعني لم يخلقه من وجود غير نفسه التي هي من جهة ربه فالفرق بين الوجود والماهية ان الوجود خلق من النور والماهية خلقت من الظلمة فان اراد بالكون في قوله ان الماهيات لا تأصل لها في الكون التكوين بمعنى انها عدم لم يشم رائحة الوجود فهو غلط فان حظها من التكوين كحظ الوجود على حد سواء وان اراد به الوجود الذي هو النور اعني الجهة من فعل الله والحصة من امر الله فكلامه صحيح فانها ليست متأصلة في ذلك وانما هي من لوازمه
وقوله { وان الجاعل التام بنفس وجوده جاعل } ليس بصحيح لان وجوده ذات والجعل انما يكون بالفعل لا بالذات لان الجعل حركة ايجادية باي اعتبار فرض والذات لا تكون حركة والا لكانت فعلا لغيرها فافهم ولا فرق بين التام والناقص بل الجاعل التام اولى بالا يكون جاعلا الا بفعله والا لكان محتاجا في معاناة الايجاد الى المباشرة التي هي كمال النقص والافتقار
وقوله { وان المجعول ( ليس خل ) الا نحوا من الوجود } صحيح
وقوله { وانه بنفسه مجعول لا بصفة زائدة } الخ صحيح الا ان قوله { والا لكان المجعول تلك الصفة } يفهم منه انها هي المجعولة لا غيرها وهذا ليس على اطلاقه صحيحا بل تكون تلك الصفة مجعولة بلا واسطة ويكون المجعول بها مجعولا بواسطتها فافهم الا ان يدعي ان المراد بالصفة الزائدة صفة ذلك المجعول فانها اذا كانت زائدة اي ليست صفة ذات لا يكون موصوفها مجعولا بها الا على تأويل بعيد لا يكاد يتبادر الاطلاق اليه
وقوله { فالمجعول مجعول بالذات بمعنى ان ذاته وكونه مجعولا شيء واحد } فيه ان المجعول قسمان مجعول بالذات ومجعول بالعرض والمجعول بالعرض يراد منه ان جعله مترتب على غيره لا انه غير مجعول حقيقة وقوله { بمعنى ان ذاته وكونه مجعولا شيء واحد } فيه ان كونه مجعولا معنى مصدري ليس هو ذاته بل ذاته والمجعول نفسه شيء واحد اذ المجعول هو ذاته لا كونه مجعولا فافهم واما انه { من غير تغاير حيثية } فلان الشيء هو نفسه من غير تغاير حيثية وهذا هو الاتحاد الحقيقي واما مع تغاير الحيثية فلا اتحاد كما يدعيه المصنف في اتحاد المعقول بالعاقل فانه مع تسليم برهانه والقول بقوله يلزمه تغاير الحيثية فلهذا منعنا الاتحاد على فرض التسليم لبرهانه
وقوله { كما ان الجاعل جاعل بالذات } الخ يريد به ان المجعول مجعول بالذات كما ان الجاعل جاعل بالذات وهذا تشبيه باطل فان المجعول قسمان كما قلنا مجعول بالذات ومجعول بالعرض كجعل الماهية واما الجاعل فهو جاعل بالفعل لان الذات لا تصح ان تكون فعلا لنفسها فلو كانت فعلا كانت فعلا لذات فوقها تكون الذات الفاعلة بنفسها صفة لتلك الذات والحاصل ان المصنف يتكلم بغير لسان الفطرة بل بلسان التطبع المستفاد من تبديل الفطرة ولهذا قال بالامور المنكرة غير مستوحش منها لانسه بها من جهة التطبع لا حول ولا قوة الا بالله
قال : { فاذا ثبت وتقرر ما ذكرناه من كون العلة علة بذاتها والمعلول معلولا بذاته بالمعنى المذكور بعد ما تقرر ان الجاعلية والمجعولية انما يكونان بين الوجودات لا بين الماهيات لانها امور ذهنية تنتزع من انحاء الوجودات فثبت وتحقق ان المسمى بالمجعول ليس بالحقيقة هوية مباينة لهوية علته الموجدة اياه ولا يمكن للعقل ان يشير اشارة حضورية الى معلول منفصل الهوية عن هوية موجده حتى تكون عنده هويتان مستقلتان في الاشارة العقلية احدهما مفيضة والاخرى مستفيضة }
اقول : الذي ثبت وتقرر بالدليل القطعي والنظر الذوقي كون العلة علة بفعلها لا بذاتها والا لكانت فعلا لذات اخرى لان الايجاد والاحداث والافاضة وغيرها من كل ما هو من هذا النحو نوع من الحركة اي حركة حسية او معنوية وهي صفة فعل لذات اخرى والفعل محدث بنفسه فلو كان الفاعل فاعلا بنفسه لتغيرت حالتاه اذ هو قبل الفعل ساكن وبعد الفعل متحرك ومختلف الحالات حادث وقد ثبت ايضا كون المعلول على قسمين قسم معلول بذاته اي بلا واسطة كالوجود وقسم معلول بالواسطة كالماهية ودعوى انها غير متأصلة وان الوجود متأصل مبنية على اساس باطل وهو ان الوجود بالحقيقة بقول مطلق هو الواحد الحق المتعال ونحن قد بينا مرارا ان وجود زيد مثلا هل هو متميز من الوجود الحق في حال كونه وجود زيد بمشخصاته ام لا فان لم يكن متميزا كان زيد هو الحق تعالى الله وان كان متميزا من وجود الحق فهل تمييزه بنفسه ام بمشخصاته فان كان تمييزه بنفسه فهو حادث لا يكون وجودا حقا وان كان متميزا بمشخصاته كان قبلها غير متميز وبعدها متميزا فاختلفت حالتاه ومن اختلفت حالاته فهو حادث عند جميع العقلاء لا يختلف فيه اثنان وماهية زيد ايضا مجعولة وان كانت بواسطة الوجود لان زيدا انما يعرف انه هو بماهيته فان لم تكن موجودة لم يكن زيد معروفا وايضا قد دل الدليل المستفاد من العقل والنقل بان وجود زيد لا يتقوم في الكون الا بالماهية لاتفاق العقول على ان المجعول لا يمكن تحققه الا بجهتين جهة من ربه وجهة من نفسه فالتي من ربه هو الوجود والتي من نفسه هو الماهية وقال الرضا عليه السلام : ان الله تعالى لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه فاذا ثبت بالعقل والنقل ان الوجود بنفسه لا يمكن ايجاده الا بما يتقوم به وهو الماهية ثبت انها موجودة متحققة والا لكان الوجود الحادث قائما بذاته واذا ثبت انها موجودة كان الفرق بينها وبين الوجود عند من يدعي الاتحاد غير صحيح فاذا ادعى الاتحاد في الوجود لزمه دعوى الاتحاد في الماهية لاتحاد الدليل فيلزمه القول بالوحدة مع اختلاف الحيثيات وتباين الجهات والمصنف يلتزم ذلك ويقول طوت وحدته كل كثرة فهو الكل في وحدته فيلزمه ان الوحدة التي اثبتها اعتبارية فرضية كوحدة الشجرة مع تكثر اغصانها واوراقها وثمرها ولا شك في انهم قائلون بذلك والله يقول ولكم الويل مما تصفون وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم
وقوله { لانها امور ذهنية } غلط لما قررنا ان الجاعلية والمجعولية كما يكونان بين الوجودات يكونان بين الوجودات والماهيات وفي الحالين لا بد من توسط الافعال بين الوجودات وبينها وبين الماهيات وكون الماهيات تنتزع من انحاء الوجودات لا يخرجها عن حقيقة المجعولية سواء جعلت المنتزع ظلا كما في المرءاة فانه مجعول في الذهن كما تجعل الصورة في المرءاة وهذا هو الحق في غير ذهن علة الاكوان ام ذاتا معراة عن العوارض الخارجية كما يذهب اليه المصنف واتباعه فان هذا المنتزع مجعول اذ هو قبل الذهن لم يكن ذهنيا ولا شيئا غير الخارجي ولم يكن جاعلا لنفسه ثم اذا ثبت ان الشيئية الخارجية انما هي موجودة بذلك الشيء الذي يسمونه ذهنيا لانه شرط تحققها وشرط تكون كونها فلو كانت ذهنية محضة لم يكن الشيء الخارجي شيئا اذ تصورك للشيء لا يجعله شيئا في الخارج وجب ان تكون الماهيات امورا خارجية واما ما في الذهن منها كما في الذهن من الوجودات على حد واحد فحيث لم يمكن تحقق الوجودات المقيدة في الخارج بدون ماهياتها وثبت تحققها في الخارج دل على تحقق شرطها في الخارج وحصول الشرط في الذهن كحصول المشروط في الذهن ولا ينافي الوجود في الذهن الوجود في الخارج على ان الامور الذهنية وجودات ايضا على فرض كونها انتزاعية ظلية كما ذكره المصنف في الاسفار فاذا ثبت ان الماهيات هي الهويات حقيقة لانها هي الشيئية كما هو الظاهر وفي الواقع للشيء هويتان هوية من جهة ربه وهي وجوده الذي هو اثر فعله تعالى وهوية من جهة نفسه وهي ماهيته التي خلقها تعالى من نفس الوجود كما قال تعالى وخلق منها زوجها ثبت ان المجعول هوية مباينة لهوية علته الموجدة اياه كما دلت عليه الايات التي جعلها سبحانه بيانا لما خفي على الناظرين مما غاب عنهم فقال تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وفي الافاق ان الكتابة علتها الموجدة لها هي حركة يد الكاتب وهوية الكتابة مباينة لهوية حركة يد الكاتب وان كانت هيئة الكتابة مشابهة لهيئة حركة اليد التي صدرت عنها لان هوية الكتابة المداد المقدر بالهيئة المخصوصة فاذا كانت مباينة في الهوية لهوية علتها القريبة التي هيئتها مشابهة لهيئتها فكيف تكون هويتها اي الكتابة التي في القرطاس متحدة بهوية الكاتب الذي يجيء ويروح ويأكل ويشرب وينكح ما هذا الا وساوس الشيطان ليضل من اجاب دعوته عن طريق الايمان ولا يختص هذا بالمعقولات فان الاشياء الخارجية معلومة ايضا فيجب ان تتحد هوياتها بهوية العالم بها او يكون غير عالم بها الا حال تجريدها فحيث تساوت عنده تعالى في العلم بها كانت نسبتها اليه في العلم بها سواء لا فرق بين الوجودات وبين انحائها وبين الماهيات وبين المنتزعات ظلية او جوهرية مجردة او مادية فاذا اعترف بعدم اتحاد شيء منها بموجده لزمه بقية المعلومات لكونها متساوية النسبة اليه تعالى
وقوله { ولا يمكن للعقل ان يشير اشارة حضورية الى معلول منفصل الهوية عن هوية موجده } غلط فاحش ولكن اذا كان رأيه كما ذكره صهره في الكلمات المكنونة : انه تعالى فاعل باحدي يديه وقابل بالاخرى والنقوش كثيرة والذات واحدة فصح انه ما اوجد شيئا ( الا خل ) نفسه وليس الا ظهوره انتهى فما شاء ان يقول فليقل فان العقل لا يمكنه ان يشير اشارة حضورية او حصولية الى هوية معلول الا بلحاظ ان هويته منفصلة عن هوية موجده سواء نظر الى العلة القريبة ام الى العلة البعيدة ولا يمكنه ان يتعقل الا بكون العلة مفيضة والمعلول مستفيضا او بلحاظ ان العلة ليست علة والمعلول ليس معلولا او ( الا خل ) بتغاير الحيثية كما قلنا في معنى خلق المشية بنفسها فان كان بهذا الاعتبار كان المعلول هو العلة الا ان ذلك في المحدثين لتغاير الحيثية ومن ذلك ما قررنا سابقا ان المعلولات المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية كالعقول والنفوس والارواح والطبائع وجوهر الهباء فقد قلنا انها قائمة بفعل الله قيام صدور وكذلك غير المجردات والقائم بعلته قيام صدور منفصل عن علته كالكلام القائم بالمتكلم اي بفعله قيام صدور فانه قائم بالهواء قيام حلول وكالصورة في المرءاة فانها قائمة بالشاخص قيام صدور وهي منفصلة عنه لانها هي هيئة صورته القائمة به قيام عروض وذلك ان مادة الصورة التي في المرءاة من الصورة التي في الشاخص وصورتها من صقالة المرءاة وهيئتها ولونها ومقدارها وليست الصورة التي في المرءاة متصلة بالشاخص لانها تصغر بصغر المرءاة وتعوج باعوجاجها وتلبس لون زجاجة المرءاة فهي منفصلة عن الشاخص مختلفة باختلاف المرءاة ولو كانت متصلة لم تخالف ما في الشاخص نعم هي قائمة به قيام صدور وكذلك الصور المجردة مثلها بلا فرق ولا شك ان العقل يشير الى هويات المعلولات القائمة بعلتها قيام صدور منفصلة عن هويات عللها مبائنة لهوياتها وجميع ما سوى الله عز وجل قائم بفعله قيام صدور من المجردات والماديات في الغيب والشهادة فيجب ان تكون هوياتها مبائنة لهويات عللها نعم من جعلها قائمة بذات صانعها قيام عروض لانها صور علمه الذي هو ذاته وانه فاعل بذاته لا بفعله وامثال هذه الترهات كالمصنف وابناء نوعه جاز له في وهمه ومغالطات ادراكه ان يقول ان هوياتها متحدة بهويته وكثرتها وتغايرها وتباينها في كونها في ذاته لا تنافي بساطته وهو مبني على مقتضى حكم الطبع على القلوب اعوذ بالله من سخط الله ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ولهذا قال { حتى تكون عنده هويتان } الخ لانه يريد انها في ذاته ولو اراد انها قائمة بفعله قيام صدور قد وضع كل واحد منها في مكانه من ملكه تعالى لما قال حتى تكون عنده الخ لانه لا يريد بهذا ملكه وانما يريد به ذاته لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { نعم له ان يتصور ماهية المعلول شيئا غير العلة وقد علمت ان المعلول بالحقيقة ليس ماهية المعلول بل وجوده فظهر ان المعلول في حد نفسه ناقص الهوية مرتبط الذات بموجده متعلق الكون به فكل وجود سوى الواحد الحق لمعة من لمعات ذاته ووجه من وجوده وان لجميع الوجودات اصلا واحدا هو محقق الحقائق ومشيئ الاشياء ومذوت الذوات }
اقول : يريد به بيان ما ذكر قبل هذا ان الماهيات لا تأصل لها بخلاف الوجودات ليرتب عليه دعواه وقد قدمنا ان الماهيات مجعولة كما ( ان خل ) الوجودات مجعولة وان من قال باتحاد الوجودات بموجدها يلزمه ذلك في الماهيات لانها مثلها وقوله انها امور ذهنية يخالف قوله المتقدم في كتابه هذا قال : ولاني اقول ان تصور الشيء مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا لما في العين وهذا يجري فيما عدا الوجود من المعاني والماهيات الكلية التي توجد تارة بوجود عيني اصيل وتارة بوجود ظلي مع انحفاظ ذاتها في كلا الوجودين انتهى وقد ذكر بعده ان للوجود وجودا ذهنيا كما تقدم وكذا ذكر ذلك في الاسفار فاذا كانت الماهيات الوجودات لها وجود عيني اصيل لا يمنعها عن الاتحاد بعاقلها على دعواه ان لها وجودا ذهنيا كما ان الوجود لا يمنعه عن الاتحاد وجوده الذهني الظلي على انا قد ذكرنا لذوي العقول انها معقولة ومجعولة وان الامور الذهنية كلها معقولة له فما وجه التخصيص بالوجودات دون غيرها مع انه قدم ان بسيط الحقيقة كل الاشياء فاذا خصص الاتحاد بالوجودات كان بسيط الحقيقة بعض الاشياء لا كلها ويلزمه ان العقل اذا امكنه تصور ماهية المعلول شيئا غير العلة امكنه تصور وجود المعلول شيئا غير العلة ليس بينهما فرق الا بحكم العادة ومارسخت فيه الشبهة والا فكلا الاثنين مجعول وكلاهما معقول وكلاهما متحقق فسلمنا له في حكمه على الماهيات وعارضناه في حكمه على الوجودات
وقوله { وقد علمت ان المعلول بالحقيقة ليس ماهية المعلول } جوابه الذي علمت ان المعلول هو مجموع وجود المعلول وماهيته لا خصوص وجوده بل هو بالماهية اولى
وقوله { فظهر ان المعلول في حد نفسه ناقص الهوية مرتبط الذات بموجده } فيه ما تقدم فان المعلول على قوله هو وجود زيد في حد نفسه ناقص الهوية ايضا صحيح لكنه ليس بمرتبط الذات بذات موجده كما ان الضرب الذي هو معلول ليس مرتبط الذات بالذات التي احدثت الضرب بفعلها وانما هو مرتبط الذات بفعله الذي صدر عنه لان المعلول انما يرتبط بما يتقوم به من اسبابه وهي ثلاثة اشياء احدها الفعل الذي صدر عنه وثانيها المادة التي تقوم بها تقوما ركنيا وهي حصة من امر الله المفعولي اعني الوجود الاولى الذي هو الماء وهو المسمى بالحقيقة المحمدية فان وجود زيد حصة من شعاعها وثالثها اسباب ظهوره اعني الكم والكيف والجهة والرتبة والوقت والمكان والوضع والاجل والاذن والكتاب وهذه الاسباب هي حدود ماهيته التي هي علة ظهوره لانه يتوقف في ظهوره وتحقق كونه على الماهية كما يتوقف الكسر في ظهوره وتحققه على الانكسار بل هو آيته التي جعلها الله عز وجل بلطيف حكمته دليلا عليه وكما في الكتابة فانها لم ترتبط في وجودها وتحققها واستمرار بقائها الى الكاتب ولم يرتبط وجودها بوجود الكاتب بل بحركة يد الكاتب في الصدور وبالمداد والقرطاس في التحقق والاستمرار فكل وجود سوى الوجود الحق عز وجل لمعة من لمعات اثر فعله لا من لمعات ذاته تعالى ان تكون لذاته لمعات لان ذلك صفة المخلوق ووجه من وجوه اثر افعاله اذ لا وجوه لذاته بل ذاته شيء بسيط احدى المعنى لا تكثر فيه لا في نفس الامر ولا في الفرض والاعتبار لا بالحقيقة ولا بالمجاز الا ما اثبته تعالى من اسماء افعاله ومعانيها كما سمي محمدا واله صلى الله عليه واله اسماءه ومعانيه ووجهه وسبيله والمراد بانهم معانيه انهم عليهم السلم معاني افعاله كالقيام والقعود بالنسبة الى زيد فانهما من معانيه اي معاني افعاله
وقوله { وان لجميع الموجودات اصلا واحدا } الخ غلط والحاد على المعنى الذي يريد وانما هو تعالى اصل لايجادها بفعله لا من شيء بل اخترع وجوداتها بفعله لا من اصل هو ذاته والا لكان يلد تعالى عن ذلك ولا من اصل هو معه والا لكان معه في ازله غيره تعالى
وقوله { هو محقق الحقائق ومشيء الاشياء ومذوت الذوات } حق على ما نريده لا على ما يريده المصنف لانا نقول انه عز وجل محقق الحقائق اي جاعل الحقائق بقوابلها حقائق بفعله وجعله لا بذاته كما يزعمه المصنف لما قدمنا من انه لو كانت ذاته فعلا لكانت صفة لذات اخرى وهو جاعل الحقائق حقايـٔق لا كما توهموا من انه تعالى لم يجعل المشمش مشمشا لان كون المشمش مشمشا شيء غير المشمش وهو حادث فيكون مجعولا وجاعله اما نفسه او المشمش او الله سبحانه فليقولوا ما شاؤا وهو مشيئ الاشياء بمشيته التي خلقها بنفسها ثم خلق الاشياء بها لا بذاته وهو مذوت الذوات بفعله كذلك وهذا لمن هداه الله ظاهر
قال : { فهو الحقيقة والباقي شؤنه وهو النور والباقي سطوعه وهو الاصل وما عداه ظهوراته وتجلياته هو الاول والاخر والظاهر والباطن وفي الادعية يا هو يا من هو يا من لا هو ( هو خل ) الا هو يا من لا يعلم اين هو الا هو }
اقول : هو سبحانه الحقيقة بلا شك والباقي اي ما سواه شؤنه اي مفاعيله ومصنوعاته الصادرة عن افعاله لا عن ذاته كما توهموا من انها في ذاته بنحو اشرف كامنة فيه ككمون النار بالحجر مستعدة للظهور ( و خل ) ورود امر كن فتكون بالامر بالفعل بعد ان كانت بالقوة كما كانت النار من الحجر بحك الزناد بل هي اي شؤنه شؤن افعاله يعني مفاعيله الصادرة من افعاله كالاكل والشرب والقيام الصادرة من افعال زيد فانها هي شؤنه ولو كانت صادرة من ذات زيد نفسه من غير توسط فعل كما توهم او بتوسط فعل لكانت ولادة ولم تكن شؤنا وهو سبحانه النور بمعنى الهادي او بمعنى الذات التي لم يوضع بازائها الظاهر بنفسه المظهر لغيره لان هذا وضع بازاء ما خلقه الله آية لمعرفته فافهم ان كنت تفهم والباقي سطوع آثار فعله لان السطوع هو النور المشرق من المنير وليس مشرقا من نفس ذاته بل هو ظهوره به اي ظهور الفاعل بذلك الظهور فهو في الحقيقة من فعله لا من ذاته والا لصدق عليه انه منير لا نور لانه اثر والاثر صادر من التأثير فظهوره به كظهور من كان في بيت مظلم فدخلتها وانت لم تره ثم تكلم لك فقد ظهر لك بكلامه وهو على ما هو عليه من انك لا تراه وانما علمت وجوده بكلامه وعرفت صفته بما عرف نفسه ووصفها في كلامه ولا شك ان هذا الظهور انه ظهور فعلي لا ظهور ذاتي ولهذا نقول ان الاشياء تنتهي الى افعاله لا الى ذاته كما قال سيد الوصيين عليه السلم : انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله السبيل مسدود والطلب مردود الخطبة وهو سبحانه الاصل لها بفعله كما مر والباقي مما سواه ظهوراته على نحو ما بينا لا على نحو ما توهمه المصنف بانه سبحانه اصل للاشياء وهي متفرعة عن ذاته تعالى الله عن هذا الكلام علوا كبيرا لانه سبحانه انما ظهر وتجلى بمصنوعاته لمصنوعاته هو الاول بعين ما هو الاخر وهو الاخر بعين ما هو الاول وهو الظاهر بنفس ما هو الباطن وهو الباطن بنفس ما هو الظاهر قال امير المؤمنين عليه السلام : لم يسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون اخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا لانه تعالى احدى المعنى فلا تغاير بين صفاته ومراد المصنف انه كل الاشياء اي انه اول الاشياء وآخرها وظاهرها وباطنها كما مثلوا بالبحر وامواجه والنفس بفتح الفاء والحروف والمداد والكتابة والثوب والالوان والماء والثلج وما اشبه ذلك مما هو قول بوحدة الوجود
وقوله { وفي الادعية يا هو } الخ يريد به انه الحقيقة لكل شيء ليس شيء غيره بمعنى ما اشار اليه في قوله : هو الاول والاخر والظاهر والباطن فقصد بارادته من الدعاء يا من هو ان لفظة هو عنى بها الذات البحت وليس كما اراد لان القائل عليه السلم لم يرد ما ارادوا لانه فسر هو فقال الهاء اشارة الى تثبيت الثابت والواو الى انه المحتجب عن الحواس فاراد بتثبيت الثابت تثبيته في الاوهام حيث طلبته بالتمييز فاشار بالهاء الى تثبيته فيها من غير تمييز يعني تثبيت معرفة من هو ثابت بذاته في الاوهام من غير تمييز ولا تحديد ولا تكييف بل هو محتجب عن ادراك الحواس وهذا اعلى ما يدل على الاية الدالة عليه دلالة استدلال عليه لا دلالة كاشفة له تعالى عن ذلك كما قال علي عليه السلم في خطبته الدرة الموسومة بالدرة اليتيمة قال : وان قلت مم هو فقد باين الاشياء كلها فهو هو وان قلت فهو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له الخ فقد بين عليه السلام ان هو كلامه الذي وصف به نفسه لعباده وصف استدلال عليه لا وصف يكشف له ويبين حقيقته كما توهمه المصنف واتباعه الذين جعلوا هو الاسم الاعظم لانه اخص جميع الاسماء وابسطها فهو يدل على الذات البحت تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا لان الهاء في هو لتثبيت معرفة الثابت في الاوهام بغير تحديد ولا تكييف فلذا الحقت بالواو الدالة على الاحتجاب عن الادراك وباقي كلمات الدعاء بهذا النمط
واما قوله { يا من لا يعلم اين هو الا هو } فيراد منه انه لما لم يثبت صفته في جهة من جهات الاوهام ولم يصف نفسه لها بكيف ولا اين ولا متى وانما وصف نفسه لهم وصف استدلال عليه لا وصفا يكشف له واما الوصف الكاشف له فلا يعلم اين هو من ملك الله الا هو فانه يعلمه تعالى ويطلع عليه احب خلقه اليه صلى الله على محمد واله فانه به تنكشف حقيقة معرفته الامكانية وهو الاسم الاكبر وهو الوصف الكاشف له اي لمعرفته الامكانية واما كنه الذات البحت فلا كشف لها اصلا ولا تجري عليها العبارات بحال من الاحوال فلما لم يعرف اين ذلك من ملكه الا هو او من اطلعه عليه قال يا من لا يعلم اين هو الا هو وكل هذا وامثاله في الامكان لما قلنا من ان الازل لا يسع الامكان التعبير عنه ومن هنا قال الرضا عليه السلام وصفاته تفهيم واسماؤه تعبير او كما قال فاستعذ بالرحمن ودع عنك حيرة الحيران
قال : { واياك ان تزل قدمك من استماع هذه العبارات وتتوهم ان نسبة الممكنات اليه تعالى بالحلول والاتحاد ونحوهما هيهات ان هذا يقتضي الاثنينية في اصل الوجود وعند ما طلعت شمس الحقيقة وسطع نورها النافذ في اقطار الممكنات المنبسط على هياكل الماهيات ظهر وانكشف ان كل ما يقع عليه اسم الوجود ليس الا شأنا من شؤن الواحد القيوم ولمعة من لمعات نور الانوار }
اقول : يريد انا قلنا باتحاد المدرك بالمدرك ليس بان حل المعقول بالعاقل والمفعول بالفاعل ولا بان امتزج به او استهلك فيه وامثال ذلك لان هذا انما يكون بين الاثنين وهذا لا يكون وانما ذلك لانه في الحقيقة انما هو الفاعل وحده وما سواه فهو تطوره وهذا هو معنى ما قاله صهره الملا محسن في الكلمات المكنونة قال : ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى فالفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدي يديه والقابل بالاخري والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى فاعتبروا يا اولي الابصار في هذه الاعتقادات الباطلة وتفهموا قوله : فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه ( وليس الا ظهوره خل ) وكلام قدوته المصنف مثله لانه يغترف من العين الكدرة ونحن انما قلنا بان كلامكم يلزم منه التركيب والكثرة والتعدد لما ثبت ان الشيء لا يحدث نفسه وانه لو كان كما قالوا لاختلفت حالاته ومختلف الحالات حادث وذلك لان الحوادث كانت كامنة فيه فظهرت كما قال في الكلمات المكنونة : فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل الخ وهذا ظاهر بانه مختلف الاحوال اذ حال كون العالم فيه غير حال ظهوره والمختلف حادث ثم اذا ثبت الاختلاف كان دعوى الاتحاد لا بد ان يكون اما بالحلول او الامتزاج او الاستهلاك او الاستحالة او الانقلاب او التداخل وما اشبه هذا واذا طلبنا معرفة ذلك بنحو ما بين عز وجل لعباده في قوله الحق سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وجدنا ان ما في الافاق مثل الكتابة فان فاعلها غيرها وفعلها بحركة يده من مادة صنعها فاقامها بتلك المادة في القرطاس ولم تتحد بفاعلها ولا بفعله ومثل صورة الشخص في المرءاة فانها لم توجد قبل المرءاة وهي بحسبها في الكبر والصغر والطول والعرض والاستقامة والاعوجاج والبياض والسواد ولو اتحدت بالشاخص لم تكن مختلفة باختلاف المرءاة ومثل الاشعة من المنير فانها لا توجد الا في الكثيف والمنير موجود وجد كثيف ام لم يوجد ومثل الاصوات من المصوتات ووجدنا في انفسنا ان الفاعل لا يوجد بدون فعل وان الفعل مقترن بالمفعول وكل واحد من هذه الثلاثة غير الاخر فيجب تحقق المغايرة المنافية للاتحاد على نحو ما قررنا سابقا
قال المصنف في بعض رسائله على ما نقل بعض المحشين على هذا الكتاب : ان النظر الى هوية النفس ومقاماتها الذاتية الشخصية من حد العقل بالفعل الى حد الوهم والفكر والخيال وهلم جرا الى مراتب الحس حتى الادراك اللمسي كلها موجودة بوجود النفس حياته بحياتها على الوجه الجزئي الحضوري يؤيد ما قررنا وينور ما ذكرنا ان هويات المشاعر ليست تشخصاتها ووجوداتها مبائنة لهوية النفس ووجودها ولا انها اعراض قائمة بالنفس كما زعم او بالبدن كما توهم ولا ان استخدام النفس اياها كاستخدام احدنا للخادم والاجير ولا انها جواهر منفصلة الذات عن النفس ولا ان النفس بحسب مقامها العقلي مدركة لهذه الجزئيات ولا ان الحواس هي المدركة دون النفس كما توهم ولا انهما متشاركان في هذه الادراكات بل النفس بعينها العاقل المتصور المتخيل الحاس الشام الذائق اللامس المدبر المحرك النامي الغاذي المولد الاكل الشارب النائم القاعد وهذا باب من التوحيد ينفتح بمفتاح النفس على هذا الوجه فتدبر واهتد انتهى واقول ان اكثر كلماته في هذه الرسالة ليست مستقيمة وبيان اعوجاجها يطول به الكلام ولنشر الى شيء منها : منه انها اعراض قائمة بالنفس قيام صدور كما هو شأن الافعال بالالات ومنه انهما مدركان لا على سبيل المشاركة بل النفس مدركة بهذه الاشياء وهذه الاشياء مدركة بالنفس ومعنى هذا على سبيل الاشارة ان كل مدرك انما يدرك بنفسه ما هو من نوعه ولا يدرك ما دونه الا بما هو من نوعه وادراكه لما دونه بما هو من نوعه ان كان عن غني مطلق كان لعدم احتمال ما يدركه لادراكه اذ لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه كما في الحديث النبوي فجرت الحكمة على ان يدركها بها وبمن هو من نوعها في كل شيء بحسبه وان لم يكن عن غني مطلق فيدرك بعلته بمعنى كون علته حافظة لكونه ولمشاعره ولآلاته فالنفس تدرك الطعم مثلا بالقوة الذائقة بمعنى ان ادراك الذائقة للطعم ادراك اشراقي للنفس كما قلنا في كون زيد اذا حضر عندي علما لي به اشراقيا نسبيا له يوجد لي بوجوده ويعدم بعدم حضوره والقوة الذائقة تدرك الطعم بالنفس بمعنى ان النفس حافظة للذائقة ولادراكها واسبابه كحفظ الشاخص للصورة في المرءاة فانها تفعل ما دامت شيئا بحفظ الشاخص لها فافهم فان فهمت ما بينت وشرحت شربت شربة من حوض رسول الله صلى الله عليه واله بكف وصيه عليه السلم لا تظمأ بعدها ابدا وان لم تفهم فلا تكذب بما لم تحط بعلمه ولما يأتك تأويله ولا ترد ما لا تعرفه اسمع قول الشاعر :
اذا كنت ما تدري ولا انت بالذي تطيع الذي يدري هلكت ولا تدري
واعجب من هذا بانك ما تدري وانك ما تدري بانك ما تدري
فالذائقة حال كونها مدركة بالنفس مستقلة بالادراك ما دامت النفس حافظة لها ولادراكها وادراكها للطعم بالنفس اي بحفظ النفس ادراك اشراقي للنفس يوجد للنفس بوجود ادراك الذائقة للطعم حال كونها محفوظة ويعدم بعدمها فافهم هذا الترديد فاني لو اقتصرت على اجمالي بقولي ان النفس تدرك بها وهي تدرك بالنفس لما فهمت ما اريد
وقوله { وعند ما طلعت شمس الحقيقة } الخ يريد به عند ما طلعت شمس الحقيقة اي تجلت الذات بذاتها عنده وعندنا تجلت الذات باحداث مصنوعاتها { وسطع نورها النافذ في اقطار الممكنات } يعني ما كان كامنا في ذاته بالقوة اشرق وبرز بالفعل عند ورود امره كن ونحن نعني بمثل هذا الكلام ما احدث من فعله وما احدث به من مفعولاته والنور الساطع وجوداتها واضافة الاقطار الى الممكنات بيانية
وقوله { المنبسط على هياكل الماهيات } يريد به ان نور الوجود انبسط على الهياكل ومعناه يصرفه كل الى مذهبه فمن جعل الهياكل اي الماهيات صورا علمية غير مجعولة جعل نور الوجود مظهرا لها في الاعيان ومن جعلها مجعولة بالوجود جعل الوجود مقوما لها وقد تقدم ذكر اختلافهم في الماهية وورودها عليه او وروده عليها وجهة تقومه بها او تقومها به ولا فائدة لاعادته ولا سيما مع كثرة التكرير والترديد لمن رسخ في قلبه مذهب المصنف لعله يذكر او يخشى
وقوله { ظهر وانكشف ان كل ما يقع عليه اسم الوجود ليس الا شأنا } الخ يريد به انه شأن من شؤن الذات البحت ولمعة من لمعات نوره الازلي الذي هو ذاته الصرف وهذا مثل ما تقدم من جعله تعالى كل الاشياء الا المصنف اخذه الطمع على الماهيات والذي ينبغي له ان يدخلها مع الوجودات الممكنة لانها من الاشياء التي هي عنده انه تعالى كلها لانها شيء وهو عنده موجود لا يسلب عنه شيء تعالى ربي ومالك رقبتي عما يقول علوا كبيرا وانما الحق في هذه المسئلة ان كل ما يقع ( عليه خل ) اسم شيء من وجود او ماهية فانه شأن من شؤن فعله ولمعة من لمعات نور مفعوله اعني الحقيقة المحمدية على ما نطقت به اخبار العترة النبوية صلى الله على محمد واله واما انه تعالى نور الانوار فليس على ما يفهم اذ لا يصدر منه تعالى شيء كما توهمه من ان جميع الانوار صادرة منه ولقد اخطأ القياس لانه قاس ذلك على السراج واشعته ونحن قد قدمنا ان السراج المرئي ليس هو النار بل هي غيب لا يدرك وهي الحرارة واليبوسة الجوهريان وانما المرئي هو مفعوله المنفعل بالاستضاءة عن فعلها لان الشعلة المرئية من السراج هي الدخان المستحيل من الدهن بحرارة فعل النار المنفعل بالضوء عنها وهي اي الشعلة المرئية التي هي بمنزلة الحقيقة المحمدية التي هي محل فعل الله هي منور الاشعة الواقعة في الجدار فالشعلة هي المنورة لجميع اشعة السراج وجميع الاشعة منتهية اليها قائمة بها قيام صدور وقيام تحقق ركني فالدخان الذي هو بمنزلة الحقيقة المحمدية وبمنزلة الحديدة استضاء بمس النار وهو مس فعلها والنار في حد ذاتها غيب لا تظهر الا بتأثيرها في الدخان وفي الحديدة حتى تكون بمنزلة النار والاشعة من الدخان المستضيء بمس النار واليه يعود فلا تكون الاشعة من النار وانما هي من مفعولها والسراج واشعته خلقه الله عز وجل آية لفعل الله بمس النار وللحقيقة المحمدية التي خلق الله جميع الاشياء من شعاعها ونورها بالدخان المستضيء بمس النار كما استضاءت الحقيقة بفعل الله تعالى ولسائر خلق الله المحدث من الحقيقة المحمدية باشعة السراج فاذا قاس ما ادعاه على السراج واشعته كان مراده ان الاشعة كانت كامنة في النار التي هي مركبة من حرارة ويبوسة جوهريين فبرزت عند ورود كن عليها فكانت موجودة بالفعل خارج الازل بعد ما كانت موجودة في الذات بالقوة وهذا باطل لانه قاس ما لا يعرفه على ما لم يعرفه
قال : { فما وصفناه اولا بحسب النظر الجليل من ان في الوجود علة ومعلولا ادي بنا اخيرا من جهة السلوك العلمي والنسك العقلي الى ان المسمى بالعلة هو الاصل والمعلول شأن من شؤنه وطور من اطواره ورجعت العلية والافاضة الى تطور المبدأ الاول باطواره وتجليه بانحاء ظهوراته فاستقم في هذا المقام الذي زلت فيه الاقدام وكم من سفينة عقل غرقت في لجج هذا القمقام والله ولي الفضل والانعام }
اقول : يريد ان ما ذكرناه لك مما ادي اليه الدليل بالنظر الكشفي اولا ادي بنا اخيرا اي وقع بنا اخيرا بقاء على الدليل بالنظر الجليل من جهة السلوك العلمي اي من جهة الترقي في مراتب العلوم الالهية والمعارف الاحدية ومن جهة النسك العقلي اي العبادة العقلية اي امتثال امر ربه فيما تعرف به لنا ادى بنا ذلك الى ان ما سميناه بالعلة هو الاصل الذي تنشق منه الفروع ويتنوع منه كل نوع وان المسمى بالمعلول انما هو شأن من شؤن ذاته وطور من اطواره بمعنى ان الشأن الذي نريده هنا ليس اثرا فعليا يعني صادرا من فعله بل المراد بالشأن طور من اطوار الحق سبحانه وتعالى عما يقول علوا كبيرا وهو رأي باطل اما اولا فلان دليله نشأ عن كشف نفساني لان الكشف يتحصل للكاشف من نوع ما جعله مطمح نظره فان جمع قلبه وسره وظاهره على جهة عقلانية قد شهد الدين والمذهب الحق بنوع تلك الجهة العقلية تحصل له الكشف عن اسرار تلك الحقيقة من حيث يحب الله سبحانه وان جمع قلبه وسره وظاهره على جهة نفسانية قد شهد الدين والمذهب اي الكتاب والسنة ببطلانها اعني ببطلان تلك الجهة النفسانية تحصل له كشف عن اسرار تلك الجهة التي هي بمنزلة السراب يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه والله سريع الحساب واما ثانيا فلان النظر الذي ذكر انه جليل صحيح ولكن جلالته ليست في جهة الحق لمخالفة متعلقه للحق لانه قد جمع قلبه على تصحيح ان الخلق من سنخ الخالق فاداه كشفه الى ذلك ونحن لما نظرنا في كلام ساداتنا عليهم السلام وجمعنا قلوبنا على ان الخلق ليسوا من سنخ الخالق ولا ظلا له وانما احدثهم صانعهم تعالى لا من شيء وانما احدثهم بفعله اختراعا وابداعا كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلم في خطبته يوم الغدير والجمعة قال (ع) في الثناء على الله تعالى : وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته ه فابان عليه السلم ان الشيء انما هو من مشيته ولذلك سمي شيئا لانه مشاء فان قلت يلزمك في قوله عليه السلم الله شيء بحقيقة الشيئية ان يكون مشاء صادرا عن مشيته قلت ان ما تعرفه الخلائق اجمعون من معنى قولهم عليهم السلام ان الله سبحانه شيء بحقيقة الشيئية انه معنى محدث صدر عن مشية الله تعرف به لعباده وهو شيء ليس كمثله شيء ونعني به آيته تعالى التي اراها عباده في الافاق وفي انفسهم وهو العلامات والمقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهو شيء بحقيقة الشيئية لانه انما يعرف الله تعالى به فلا بد ان تجرده في لحاظ الوجدان عن جميع الاكوان والتكونات والاحتياج الى شيء وان تجرده عن كونه محدثا وان تصفه بحقيقة الشيئية لانك اذا نفيت عنه كل ما ليس هو ذاته من المفهوم والمعلوم بحيث لا تثبت فيه شيئا من انواع الاستفادة من الغير كان كذلك والا لم يعرف به الله اذ لو بقي فيه شيء من انواع الاستفادة والحاجة الى الغير لم يعرف به الله لانه تعالى انما يعرف بذلك ولا سبيل لاحد من الخلق الا اليه فينسبون اليه ما ينسبون الى المعبود تعالى لانه وجهه ووصفه لنفسه لهم فافهم وانما جرى على المصنف ذلك حتى انطبعت نفسه على الكشف المخالف لانه انس بكلمات اهل الضلالة والبدع الذين غيروا فطرة الله وخلقه فمالت بهم طبيعة التغيير الى ما سمعت وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا والدليل على انهم لا يكشفون عن حقائق الاشياء على ما اعطاهم النظر بل على ما يريدونه قول عبدالكريم الجيلاني من اجلاء اهل التصوف وكبرائهم في كتابه المسمى بالانسان الكامل ان شرط التصوف ان يكون على ما يوافق مذهب السنة والجماعة وعلى هذا لو اداهم النظر والكشف الى ما يخالف مذهب السنة والجماعة تكلفوا صرفه وتوجيهه حتى يطابق مذهبهم وما هذا حاله لا يكون كشفا بل تكلفا فقوله { فاستقم في هذا المقام الذي زلت فيه الاقدام } صحيح ولكنه ما استقام فيه كما امر وانما اتبع هواه
قال : { في نبذ من احوال صفاته تعالى وفيه مشاعر : المشعر الاول - ان صفاته تعالى عين ذاته لا كما قاله الاشاعرة اصحاب ابي الحسن الاشعري من اثبات تعددها في الوجود ليلزم تعدد القدماء تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولا كما تقوله المعتزلة وتبعهم الاخرون من اهل البحث والتدقيق من نفي مفهوماتها رأسا واثبات آثارها وجعل الذات نائبة منابها كما في اصل الوجود عند بعضهم كصاحب حواشي التجريد }
اقول : ان العقلاء من المتكلمين والحكماء اختلفوا في صفات الله سبحانه بعد اتفاقهم على انه تعالى موصوف بصفات في الجملة فمنهم من قال انها مغايرة لذاته باعتبار وهي ذاته باعتبار ومثلوا بالقائم فانه زيد باعتبار ان زيدا هو القائم اذ ليس القائم شيئا غير زيد وهو غير زيد باعتبار انه لو كان هو زيدا لمافارق القيام وهو خلاف الوجدان وهؤلاء بعض الاشاعرة اصحاب علي بن اسمعيل بن ابي بشر الاشعري ومنهم من قال بمغايرتها لذاته تعالى وانه تعالى حي بحيوة غيره وقادر بقدرة غيره وسميع بسمع غيره وهكذا وهؤلاء من اتباع الاشعري وممن قال بهذا ابن تيمية واستدل بقول الله سبحانه واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تأمرنا قال : لما نزلت هذه الاية قالوا وما الرحمن كل وقت تأمرنا بالسجود لواحد امرتنا بالسجود لله ثم امرتنا بالسجود للرحمن وعنده ان الصفات مغايرة في المفهوم وفي الوجود الا انها على غير نحو مغايرة الاجسام ولهذا قال : الحنابلة يعبدون صنما والامامية يعبدون عدما يريد انهم ينفون الصفات وانما يثبتون الذات البحت وذات بحت بلا صفات لا توجد وقولهم على الوجهين باطل للزوم تعدد القدماء الثابت بطلانه وقالت المعتزلة اصحاب واصل بن عطاء باثبات احوال وهي العالمية والقادرية والسميعية والبصيرية وهكذا من احوال صفاته وقالوا انها ليست اياه وليست غيره وليست موجودة وليست معدومة وليست قديمة وليست حادثة وهذا القول كالاول في البطلان لانه غير معقول فقد اثبتوا ما لم يعقلوا
وقوله { وتبعهم اخرون من اهل البحث والتدقيق } الخ ومنهم الملا جلال الدواني يريد به ان هؤلاء نفوا الصفات اصلا ورأسا لان اثباتها يوجب تعدد القدماء ان فرضناها قديمة ويوجب الاحتياج الى الحوادث ان فرضناها حادثة فينفون مفهوماتها ليتخلصوا من هذين الاشكالين ويثبتون آثارها لان الذات لا تقع منها الاثار الا باعتبار صفاتها ولما كانت الاثار لا تقوم بدون مؤثر جعلوا الذات نائبة مناب الصفات في اظهار آثارها وهذا ايضا باطل لان الاثار ان كانت للصفات دلت على ان الصفات موجودة وان لم تكن موجودة لم توجد لها آثار اصلا لان وجود الاثار فرع وجود المؤثر ولا تتصور هذه الدعوى الا على فرض وجود الصفات ثم بعد ان وجدت عنها اثارها عدمت الصفات وقامت الذات مقامها وهو ظاهر البطلان وايضا اذا كانت الذات نائبة مناب تلك المعدومات لزم ان تكون الذات غير مؤثرة من نحو ذاتها بل بالنيابة عن غيرها ولا يقال ان تلك ليست غير الذات لانا نقول انها لو لم تفرض غير الذات لمافرض عدمها مع وجود الذات فهي غير الذات ومثل ذلك كله في البطلان قول سيد صدر بنفي الوجود من الواجب مطلقا وان الذات البحت قائمة مقام الوجود على جهة النيابة كما ذكره في حواشي التجريد من ان الذات نائبة مناب الوجود وكل هذه الاحتمالات خارجة عن حد الاستقامة وقد مر ما يؤيد ما ذكرنا ويأتي ايضا
قال : { بل على نحو يعلمه الراسخون من ان وجوده تعالى الذي هو عين ذاته هو بعينه مصداق صفاته الكمالية ومظهر نعوته الجمالية والجلالية فهي على كثرتها وتعددها موجودة بوجود واحد من غير لزوم كثرة وانفعال وقبول وفعل فكما ان وجود الممكن عندنا موجود بالذات والماهية موجودة بعين هذا الوجود بالعرض لكونه مصداقا لها فكذلك الحكم في موجودية صفاته تعالى بوجود ذاته المقدس الا ان الواجب لا ماهية له }
اقول : يوهم كلام المصنف من نظر فيه انه صحيح ولكنه كالاقوال الاولة في البطلان وان اختلفت جهات البطلان وساوقفك على وجه البطلان انشاء الله تعالى اعلم ان وجوده عين ذاته الا ان قوله { هو بعينه مصداق صفاته } لا يصح لانه ان فرض بين الوجود وبين الصفات نوع مغايرة ولو بالفرض والاعتبار لم يكن الوجود مصداقا لها اذ الوجود البحت لا يقبل التغاير ولو بالفرض والتقدير اذ الفرض والتقدير والاعتبار من احوال الامكان ولا يصح شيء منها في حق الواجب عز وجل بوجه ما وان لم يفرض شيء اصلا بكل اعتبار امتنع فرض الصدق لان هذا النمط اعني الصدق المذكور انما علم من مشية الله خلقه تعالى واجراه بين بعض خلقه ولا يجري عليه ما هو اجراه ولا تغتر بعبارات المصنف وامثاله فتقبلها من غير فهم فتكون كما قال الشاعر :
قد يطرب القمري اسماعنا ونحن لا نفهم الحانه
لان الصفات الكمالية في الحقيقة ليست شيئا غير الله والشيء لا يصدق على نفسه الا بلحاظ مغايرة وذلك لا يصح الا في الحوادث واما الواجب فليس فيه غيره ولا معه ولا يصدق عليه والفرق بين الصفة والنعت قيل ان الصفة لا تلزم والنعت يلزم وهذا في غير القديم تعالى والفرق بين الجمال والجلال ان الجمال نور الذات وقيل نور الجلال والجلال هو حجاب الجمال وقيل حجاب الذات وعلى كل حال فالجمال من صفات العظمة والجلال من صفات العزة والاختلاف في الاول فقيل جمال الجلال وقيل جلال الجمال ولاجل ذلك قيل لجماله جلال وقهر وسطوة ولجلاله جمال ونور وبهجة وكل ذلك في الامكان بعضه في الامكان الراجح وبعضه في الامكان الجائز
وقوله { فهي على كثرتها وتعددها } ليس بصحيح لانها انما تكون كثيرة ومتعددة في الامكان اعني الصفات الفعلية باعتبار تعلقها بالامور المتعددة المتغايرة وهي حينئذ لا يصح ان يكون مصداقا لها واما في الازل فليس الا هو عز وجل لانه هو الازل بلا مغايرة ولا كثرة بوجه من الوجوه
وقوله { من غير لزوم كثرة } لا معنى له لانه اذا فرض الكثرة لم ينفها قوله من غير لزوم كثرة كما لو قلنا هذا الشيء مركب من اربعة اجزاء من غير لزوم تركيب فانك بعد اثبات التركيب لا ينفيه قولك من غير لزوم تركيب
وقوله { فكما ان وجود الممكن } الخ يريد به ان وجود الممكن موجود بنفسه لا بوجود غيره وقد قدمنا مرارا متعددة بيان وجود الممكن وانه هو المادة لا غير في كل شيء بحسبه من الغيب والشهادة وهي لم توجد بمادة غير نفسها والماهية هي الصورة كذلك وهي موجودة من نفس المادة من حيث نفسها وذلك تأويل قوله خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها والماهية لا تصدق على الوجود بوجه ما لان الوجود كما قدمنا يطلق على المادة والماهية على الصورة او على الفعل والماهية على الانفعال ولا تصدق الصورة على المادة ولا الانفعال على الفعل ويطلق على معنى آخر وهو ان الشيء بلحاظ انه نور الله واثر فعل الله وجود وبلحاظ انه هو ماهية ولا يصدق الشيء من حيث انه هو عليه من حيث انه نور الله وصنع الله لانه هو استغناء بنفسه وهو جهة انيته وتشخصه وكونه نور الله وصنع الله واثر فعل الله عدم انيته ومحو تشخصه فلا تصدق الانية على عدم الانية هذا بالنسبة الى نفس الوجود والماهية واما بالنسبة الى ايجادهما فلان وجود زيد مثلا احدثه الله تعالى بفعله وهو احداث اولا وبالذات بمعنى انه خير مقصود بنفسه لانه منشأ الطاعات وماهيته احدثها الله عز وجل بفعله وهو فعل من الفعل الذي احدث به الوجود مترتب عليه وهو غيره مثل شراء الفرس للركوب اولا وبالذات وشراء الجل للفرس ثانيا وبالعرض وهو مترتب على شراء الفرس وهو غيره وان كان ناشيا عنه كذلك ايجاد الماهية فانه ايجاد ثانيا وبالعرض لانه غيره وان كان مترتبا عليه لان الماهية شر لا يحسن ان تقصد لنفسها ولكن الوجود لما لا يمكن تقومه بنفسه من دون ضده لانه ممكن وكل ممكن زوج تركيبي بمعنى ما تقدم من عدم صحة ايجاده الا باعتبار جهة من ربه وهو الوجود وجهة من نفسه وهو الماهية وبعبارة اخرى لا بد لكل مخلوق من جهتين خلقه فانخلق جهة خلقه هي وجوده وجهة انخلق هي ماهيته وقد قال الرضا عليه السلام : ان الله تعالى لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فلما كان الوجود هو المقصود ولكنه متوقف على الماهية اوجدها الله ليتقوم بها الوجود ولانها منشأ المعاصي التي يكون التمكين منها شرطا لتحقق الطاعات اذ لو لم يتمكن المكلف من المعاصي لم يكن فاعلا للطاعات اذ لا تكون الطاعة طاعة حتى يكون المكلف فاعلا لها وهو يقدر على ضدها فاذا ترك المعصية مع القدرة عليها وفعل الطاعة باختياره صحت الطاعة فكانت الماهية وما يترتب عليها احدثها الله ثانيا وبالعرض بهذا المعنى لا انهما احدثا بايجاد واحد كيف وهما ضدان وهيئة الموجود من هيئة الايجاد وما يصدر عنه الوجود من الهيئة لا تصدر عنه الماهية والا لكانت وجودا كما قلنا في نور الشمس والظل الحادث من نفسه خلف الجدار اذ لو كان الظل موجودا بنفس ما وجد به النور لكان نورا ولعاد الى الشمس وقولنا : ان الوجود وجد بنفسه والماهية وجدت بالوجود وهو يوهم دعوى المصنف واتباعه لم نرد به ما ارادوا وانما نريد ان الوجود لم يكن موجودا من وجود قبله بل هو وجود مخترع لا من شيء واما الماهية فهي موجودة من نفس الوجود من حيث نفسه لا من حيث خالقه ولا نريد ان الوجود شيء مغاير للمادة كما توهموه حتى ظنوه غير المادة والصورة وهو حقيقة الشيء ولا حقيقة للشيء غيرهما كما بيناه سابقا من اتفاق العقلاء على ان قولك الانسان حيوان ناطق ان حيوان ناطق حد تام حقيقي جامع لجميع ذاتيات الانسان وليس الا الحيوان فانه المادة والناطق فانه الصورة واين ذهب الوجود الذي توهموه وانه حقيقة للانسان فان الشيء لا يحتاج في تكونه الا الى اربع علل علتان يتقوم بهما تقوما ركنيا وهي المادة والصورة وعلة يتقوم بها تقوم صدور وهي العلة الفاعلية وهي لا تكون جزءا من المفعول كما لا تتركب الكتابة من حركة يد الكاتب فلا تكون جزءا للكتابة وعلة تكون باعثة للفاعلية وهي الغائية وهي خارجة عن حقيقة المفعول اتفاقا فلا يتركب منها ولا تكون جزءا له فاين الوجود الذي هو حقيقة الشيء اذا لم يكن مادته ولو اردنا ما ارادوا من الوجود لوجب علينا ان نقول ان الماهية موجودة بنفسها كالوجود ولكن لما اردنا انها مخلوقة من نفسه قلنا انها موجودة بالوجود لانه المادة والماهية هي انفعال المادة وقبولها فافهم
وقوله { فكذلك الحكم في موجودية صفاته تعالى } الخ مبني على ما سمعت فلا يكون صحيحا في الحقيقة وان كان يوهم الصحة في بادي الرأي عند من لم يقل بقول اهل البيت عليهم السلم ممن عرفوه معاني كلامهم عليهم السلام لانه يريد كما ان ماهية الممكن تصدق على وجوده مع ان الوجود موجود بالذات والماهية موجودة بعين هذا الوجود كذلك مفهومات صفاته تصدق على ذاته تعالى مع ان تلك المفاهيم موجودة بوجود الذات وهذا القول في الحقيقة مثل الاقوال الماضية في البطلان لانه اذا فرض مفاهيم غير الذات ماصدقت عليها ولو كانت المغايرة بالاعتبار وان لم تغاير اصلا امتنع الصدق لانه حمل ولا يتحقق مع الاتحاد المحض وبيان حقيقة ذلك ان المفهوم اما ان يكون محصلا من الذات البحت او من الاسم الدال عليها او من الفاهم فان كان من الذات البحت فلا يحصل منها غيرها والا لما كانت بسيطة وبحتا وهي لا تحمل على نفسها وان كان من الاسم الدال عليها فان كان التحصيل على نحو ما يقتضيه في اصل الوضع او العقل لم يحصل منه غير الذات وهي لا تحمل على نفسها وان كان على غير نحو ما يقتضيه من الدلالة الوضعية او العقلية فهو اجنبي لا يحمل على الذات وكذا ما يحصله الفاهم من نفسه على انا لا نسلم ان للصفات مفاهيم في الازل اذ ليست شيئا غير الذات واما ما نعرف من المفاهيم التي تنسب الى الصفات فانما ذلك فيما دون المشية وكلما تحت المشية فهو حادث وهي حينئذ معاني افعاله تعددت تلك المعاني واختلفت بتعدد متعلقاتها المختلفة فالمتعلق بالمعلوم علم والمتعلق بالمسموع سمع والمتعلق بالمبصر بصر والمتعلق بالمقدور قدرة وهكذا سائر الصفات الفعلية وليس وراء الفعل صفات ولا معاني ولا اسماء ولا شيء من الاشياء الا الذات البحت البسيط التي لا كثرة فيها ولا تعدد ولا اختلاف ولا تغاير لا في الواقع ولا في الخارج ولا في الاذهان ولا في الفرض ولا في الاعتبار ولا حيث ولا كيف ولا لم ولا شيء من الاشياء من تصادق او تضايف او تناسب او جهة وجهة او غير ذلك لان كل ما سوى الذات البحت من معنى او عين في غيب او شهادة او نفس الامر او الخارج او ذهن ( الذهن خل ) فهو محدث بفعل الله وفعل الله محدث بنفسه ومعاني الصفات ومفاهيمها محدثة بالفعل كما قلنا وقبل الفعل ليس الا الذات البحت فما الذي يصدق على الذات البحت هل هو ما بعد الفعل وهو حادث بالفعل ام ما قبل الفعل وليس ما قبل الفعل الا الذات البحت ولا يصدق الشيء على نفسه مع عدم المغايرة لا خارجا ولا ذهنا ولا في نفس الامر لا بالفرض ولا بالاحتمال فقد ظهر لك ان كلامه ليس بصحيح بل الصحيح ان المراد من عينية الصفات هو ما يبني على المجازفة مما لا تحسن العبارة عنه وانما نقول انه تعالى احدى المعنى وانما وصف نفسه بهذه الصفات تعريفا للعباد بما يفهمون كما قال الرضا عليه السلم : واسماؤه تفهيم وصفاته تعبير وليس شيء مما تدركه الخلائق من صقع الازل في شيء والتعريف انما هو بما اظهر من افعاله المفيدة لهذه المفاهيم المتكثرة المختلفة وليس لها مبادي في ذاته وانما مباديها في فعله وذلك انه وصف بالعلم لادراكه المعلوم والسمع لادراكه المسموع والبصر لادراكه المبصر وهكذا والادراك معنى فعلي واما ذاته فانما هي كمال مطلق خارج عن حد الادراك والتقدير والوصف فصدور آثار تلك المعاني الفعلية لا يدل على وجود مباديها او معانيها في الذات كما ان صدور الكتابة لا يدل على كون مباديها من الذات وانما تنتهي الى حركة يد الكاتب لا الى ذات الكاتب لم تكن في ذاته شيء مما للكتابة تعلق به الا العلم والقدرة المطلقان والعلم والقدرة الخاصان بالكتابة وجه من وجوه المطلقة العامة وهو عبارة عن التعلق الحادث عند الكتابة يحدث بحدوثها ويرتفع بارتفاعها فلا تصدق الكتابة ولا الصفة التي تنشأ عنها الكتابة ولا حركة اليد على الذات البحت بوجه من الوجوه
وبالجملة فمفاهيم الصفات تصدق على الوجه المسمى عندهم بالعنوان اي الدليل والاية وعند اهل البيت عليهم السلام يسمى بالوجه وبالمقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه وهي محدثة كما قال الحجة عليه السلم في دعاء شهر رجب قال واركانا لتوحيدك واياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء ففي هذه الرتبة تصدق المفاهيم المذكورة على الذات التي هي الوجه كصدق الماهية على الوجود على زعم المصنف والا ففي الحقيقة انما تصدق عليه من حيث انه هو الذات اي الشيء المركب من وجود وماهية صدق الجزء على الكل لانها اركان لتلك الذات او كصدق الثلج على الماء حال جموده لان الوجود كالماء قبل جموده والماهية هي كالثلج فلا يصدق الثلج على الماء الا حال جموده لا قبله وهذا كله في مقام المقامات والعلامات التي هي الوجه الذي اشار اليه سبحانه بقوله فاينما تولوا فثم وجه الله لان المفاهيم المذكورة قد تلحظ باعتبار وقد يكون لها ذكر بجهة من جهات التفهيم والتعبير وذلك في رتبة توحيد الجملة وهذا التوحيد وان كان مجزيـٔا بمعنى انه مخرج للمكلف عن حد الشرك الا انه ليس بتوحيد كامل لعدم نفي الصفات فيه اصلا كما اشار اليه امير المؤمنين والرضا عليهما السلام : اول الديانة معرفته ونظام معرفته توحيده وهذان الحرفان يشملان توحيد الجملة الذي لا يعتبر فيه نفي الصفات واما التوحيد الحقيقي الخالص الذي يعتبر فيه نفي الصفات اصلا بان تعرف انه تعالى ليس له وصف غير ذاته بكل اعتبار ولحاظ لا في الوجود ولا في الوجدان انما هو هو ولا يقع عليه هو هو لان الهاء والواو خلقه جعله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ولا يحتاج الخلق في تكوينهم وتكونهم واستمرارهم الى معرفة ذاته البحت لعدم انتهائهم اليها بحال والا لماوجد شيء من الخلق ففي رتبة هذا التوحيد الخالص قالا عليهما السلام : وكمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ه ففي توحيد هذه الرتبة لا يجوز اعتبار جهة وجهة او حيث وحيث او صدق ومصداق او صفة وموصوف لا لفظا ولا معنى لا خارجا ولا ذهنا ولا فرضا ولا اعتبارا بوجه ما وهذا كمال التوحيد الامكاني الذي تتسابق الخلائق فيه قوة وضعفا والله سبحانه منزه عن ذلك كله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فمعنى كون صفاته عين ذاته في توحيد الجملة اعني الرتبة الاولى ان تعتبر ان لفظ العلم والقدرة والسمع والبصر والحيوة من باب الالفاظ المترادفة لا ان لها مفاهيم غير ما افاده اللفظ كثيرة متعددة تصدق عليه كما ذهب اليه المصنف وانما استفيدت الكثرة والتعدد باعتبار تعدد المتعلقات والاثار المختلفة باختلاف القوابل فافهم والا فامسك ولا تهلك نفسك
وقول المصنف تبعا لغيره { الا ان الواجب لا ماهية له } غلط لانه شيء بحقيقة الشيئية والشيئية هي الماهية وفي الادعية : يا من لا يعلم ما هو الا هو فقد اثبت الماهية الا ان وجوده تعالى ليس على نمط وجود الحادث لان وجود الحادث لا يجد نفسه ولا يجده غيره لنفسه وانما يجده نورا لغيره وهو حقيقة الشيء من جهة فعل ربه والماهية حقيقته من جهة نفسه واما وجود الواجب فليس مستفادا من غيره بل وجوده هو ذاته فلما كان وجوده هو كان هو عين الماهية اذ لا نعني بالماهية الا جهة هو فماهيته وجوده بلا اعتبار تغاير بمعنى امتناع التغاير اصلا الا في اللفظ في مقام التعريف كما لو قلت وجوده نفس ماهيته فتأتي بلفظين معناهما واحد وانما فرق بينهما في الحادث لان وجوده مستفاد من الغير وماهيته من نفسه فاختلفا فامتنع الاتحاد الحقيقي والواجب تعالى وجوده ليس مستفادا من الغير بل هو هو وهذا هو الماهية فاتحدا اتحادا حقيا وامتنع التعدد لامتناع الاختلاف لا في الذات ولا في الصفة ولا في الجهة ولا في الحيث ولا في شيء ما فالواجب تعالى ماهيته وجوده ووجوده ماهيته لا انه لا ماهية له اذ كل من لا ماهية له لا شيئية له فافهم
قال : { المشعر الثاني - في كيفية علمه بكل شيء على قاعدة مشرقية هي ان للعلم حقيقة كما ان للوجود حقيقة وكما ان حقيقة الوجود واحدة ومع وحدتها تتعلق بكل شيء ويجب ان يكون وجودا يطرد العدم عن كل شيء وهو وجود كل شيء وتمامه وتمام الشيء اولى به من نفسه لان الشيء يكون مع نفسه بالامكان ومع تمامه وموجبه بالوجوب والوجوب آكد من الامكان }
اقول : قوله { في كيفية علمه بكل شيء } فيه احد محذورين اما البطلان او سوء الادب فالاول ان اراد اثبات الكيفية للعلم فان الكيفية لا تجري على علمه تعالى الا ان يراد به العلم الحادث الذي هو الالواح الكلية والجزئية من الانسان والملائكة والحيوانات والنباتات والجمادات الذوات والصفات مطلقا والثاني ان اراد بها التفهيم في التعبير فانه وان جاز الا انه سوء ادب ان يعبر عما لا كيفية له بالكيفية مع ما في ذلك من الاشتباه على اكثر الناس حتى انهم يستعملون ذلك غافلين عن محذورها لكثرة ما يسمعون من عبارات القوم بامثال ذلك من غير توحش ولو اشعروا لما نطقوا بهذه فانه ربما يدخل بذلك في قوله تعالى ولعنوا بما قالوا فان القول بالكيفية في علمه الذي هو ذاته كالقول بانه تعالى جسم او مركب ومراده في بيان الكلام في العلم بكل شيء ثم اعلم ايضا ان العلم المبحوث عن كيفيته كما يقول ان اراد به العلم الذي هو ذاته فهو بحث في اكتناه الذات وهو لا يزداد صاحبه بكثرة السير فيه الا بعدا من الحق والصواب ولا سبيل لاحد من الخلق الى ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فيجب سد الطريق الى ذلك مطلقا وان كان اراد به العلم الحادث فيمكن البحث عنه والكلام فيه ولكن المصنف لا يريده بل ربما ما يقول بثبوته الا على طريقته في السنخ ومع هذا لا يريد ما نريده ويريد بالقاعدة المشرقية ضابطة طريقته كما مر من ان بسيطة الحقيقة كل الاشياء وان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته بل هو في ذاته بنحو اشرف وان العقل وما فوقه كل الاشياء كما ذكره في اول هذا الكتاب بناء منه على ان العقل بسيط الحقيقة ولا يكون بسيطا الا اذا كان غير مخلوق والا فكل ممكن زوج تركيبي ومن اتحاد المعقول بالعاقل والمعلوم بالعالم والمفعول بالفاعل والمجعول بالجاعل وهكذا وان هذه الضابطة مشرقية اي وصلت اليه من اشراق واهب النور حتى انكشفت له هذه الحقائق التي سمعت بعضها نسئل الله العافية عافية الدنيا والاخرة ومن افراد تلك الضابطة المشرقية ان للعلم حقيقة كما ان للوجود حقيقة ويريد بالحقيقة هنا في الموضعين الازلية ولما تكلم كثيرا على الوجود كما مر حتى ثبت عنده ان ما قرره ارتفع عنه الاشكال على كل حال اخذ ينظر به العلم في نفسه وفيما يتفرع عليه من الاحكام
قال { وكما ان الوجود حقيقة واحدة } وهذا يصح في الوجود الحق تعالى لا في مطلق الوجود كما يريده هو ليجعل تلك الحقيقة الواحدة شاملة لوجودات الخلائق كلها فان هذا باطل ولهذا قال ومع وحدتها تتعلق بكل شيء وهذا باطل ايضا لان الشيء الواحد البسيط انما يتعلق بالاشياء المتعددة بجهات متعددة وتلك الاشياء المتعددة ان كانت مصنوعة لتلك الحقيقة البسيطة كانت تعلقاتها بتلك الاشياء المتعددة بافعالها لا بذاتها وان كانت غير مصنوعة لها كانت تعلقاتها بتلك الاشياء بجهات لها متعددة وتلك الجهات غير الذات البسيطة لان تلك مختلفة باختلاف المتعلقات والذات بسيطة لا اختلاف فيها ولو فرض ان الجهات هي عين تلك الذات كانت الذات مختلفة متعددة وهذا ظاهر
قال { ويجب ان يكون وجودا يطرد العدم عن كل شيء } يعني ان تلك الحقيقة التي هي واحدة وتتعلق بكل شيء يجب ان تكون وجودا كأنه يشير الى مخالفة السيد صدر على نحو النقض يعني ان الذي تصدر عنه الوجودات يجب ان يكون وجودا ولو فرض ان الذات نائبة مناب الوجود في التحقق لم تكن نائبة منابه في احداث الوجودات فلو احدثت ح احدثت ذوات لا وجودات ثم نقول هذا الطارد اذا سلمنا انه وجود فهل يطرد العدم بنفسه ام بوجود ليس من ذاته بل محدث لا من شيء ام بوجود من ذاته متصل بذاته ام منفصل ام بوجود من ذاته غير متصل ولا منفصل وليس بينه وبين الذات فعل فهذه خمسة احتمالات فالاول قد ابطلناه مرارا متعددة في هذا الشرح وفي غيره وعند المصنف صحيح لانه قائل بالسنخ وبالاشتراك المعنوي وبالوجود المطلق كما تقدم والثاني صحيح عند اهل البيت عليهم السلام وان المطرود به العدم وجود احدثه تعالى بفعله لا من شيء وهو الحق لان الحق ما حققوه والباطل ما ابطلوه والمصنف نص على بطلانه بل ربما هو الباعث له على تأليف هذا الكتاب والثالث يريد منه ان لكل محدث منه تعالى جهة من ذاته تطرد عنه العدم بان تكون وجودا له وقد تقدم بطلانه لاستلزامه التعدد والكثرة والرابع باطل لاستلزامه التبعيض والخامس باطل كما تقدم ويصح عند المصنف كما تقدم من القول بالوجود المطلق واعلم ايضا ان الوجود اذا فرض انه يطرد العدم بنوره عن الشيء الذي يشرق عليه نوره فكيف هذا النور يحرق العدم الامكاني ولا يحرق غيره من جميع الاشياء وقد قال صلى الله عليه واله : ان لله عز وجل سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ه وهذا الحديث الشريف صريح في ان كل شيء وقع عليه نور وجهه احترق لا انه انما يحرق العدم بل يحرق كل شيء من عدم ووجود لان السوا يمتنع تحققه مع الحق تعالى وانما يتحقق مع احتجابه عنه به وفي مستطرفات السرائر عن الصادق عليه السلم وقد سئل عن الكروبيين فقال : قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا ه وذلك ان ذلك الرجل لما تجلى للجبل بان ظهر له منه نوره اشرق عليه فاحترق الجبل وتقطع ثلاث قطع قطعة انبثت في الهواء وهو الذر الذي يرى من الكوة وقطعة ساخت في البحر فانبثت فيه كالهباء وقطعة ساخت في الارض فهي تهوي حتى قيام الساعة ونور هذا الرجل جزء من سبعين جزءا من نور الستر والستر اثر فعله تعالى فكيف يشرق عليه اي على الشيء شيء منه تعالى ويبقى له اسم او رسم فضلا عن كونه يتحقق بذلك الا ان يجعل شيئيته انما هي لنفس تلك الحصة الواجبة واما ان تلك الحصة من الواجب اذا وقعت على الشيء طردت عنه العدم وتحققت ذاته بتلك الحصة ولا يكون ذلك الا بين الحوادث بعضها مع بعض واما بين الوجوب والحدوث فلا الا اذا جعل ذلك الشيء من الاعيان الثابتة في العلم الذي هو ذاته كما يقوله هؤلاء فانها عندهم غير مجعولة وانما كساها حلة الوجود فلم يكن مناف ( منافيا خ ) بينهما الا التركيب وهو سهل عندهم فانهم يقولون لا يلزم منه التركيب لانها كثرة في وحدة وقد مثلوا لهذا بالبحر وهو واحد ويشتمل على امواج كثيرة كلها موجودة بوجود البحر وبالصوت والحروف وبالمداد والكتابة وبالماء والثلج وبالثوب المتلون بالاصباغ وامثال ذلك وما اعجب هذه الانظار الكليلة تفهم كلامه من غير لزوم كثرة واي شيء اكثر من امواج البحر واي شيء اكثر من تكثره وكيف لا يلزم انفعال وقبول والبحر انما تكثر بالريح وانفعل بها والوجود انما هو في الاشياء على زعمهم كالخشب فانه شيء واحد ووجود واحد فالباب والسرير والصنم فيها الخشب موجود من غير تغيير وهذه الكثرة لولا انفعال الخشب بالمشخصات المختلفة لماوجد باب ولا سرير ولا صنم وقد ذكرنا هذا مرارا متعددة بعبارات دليل الحكمة لم اذكر شيئا من دليل المجادلة بالتي هي احسن لاستلزامه وضع المقدمات والقضايا الموهمة لارادة المفهوم او المعنى او الرابطية وانما اذكر عبارات بديهية ظاهرة مكررة مرددة والله ولي التوفيق فمن وفقه الله فهم ان ما يطرد العدم عن الاشياء لا يكون الا وجودا محدثا لا من شيء واما اذا فرض انه تلك الحقيقة الحقة الازلية فانه يطرد كلما سواه الا اذا قيل بكمونها فيه كما في الكلمات المكنونة لملا محسن او انها صور علمية غير مجعولة كما في كتابه الوافي سواء قيل بكونها في علمه الذي هو ذاته وانها اعيان ثابتة ام بكونها معلقة كتعلق الظل بالشاخص فان هؤلاء كل شيء عندهم جائز
وقوله { وهو وجود كل شيء وتمامه } يعني به ان تلك الحقيقة الازلية هي مع وحدتها وجود كل شيء وتمامه لانه قبل ظهور هذا الوجود عليه انما هو مفهوم مطلق ناقص التحقق لانه مع نفسه اي في نفسه انما هو محض امكان وجواز ( اذ خل ) لا شيئية له اصلا الا بهذا الوجود وبه تم ناقصه ووجب جائزه فيكون هذا الوجود احق بالشيء بان يكون له ومنه ( و خل ) من نفس الشيء لانه بدونه انما هو مع نفسه وليس شيئا وانما يمكن ان يكون بهذا الوجود شيئا وكلامه هذا كسابقه مبني على قواعدهم المنهدمة عندنا كلها بما سمعت مرارا ونزيدك بان نقول ان الشيء انما سمي شيئا لانه مشاء لله عز وجل كما سمعت من كلام امير المؤمنين عليه السلم المتقدم وذلك ان الله عز وجل كان وحده ليس معه شيء ولا فيه شيء وذلك في الازل والازل ذاته وليس الازل وقتا او مكانا حل فيه تعالى عن ذلك وهو الأن على ما كان ثم خلق المشية بنفسها لا بمشية غيرها وهذا في السرمد وهو عالم الرجحان وامكن بها الامكان الذي هو محل الممكنات والعمق الاكبر وهذه تسمى المشية الامكانية وهي وما تعلقت به من الامكانات هو العلم الذي لا يحيطون بشيء منه وبها كانت الاشياء كلها ممكنة غير مكونة فاذا اقتضت العناية السرمدية تكوين شيء منها خلقه بمشيته التكوينية وهي وما تعلقت به من الاشياء المكونة هي المستثناة في قوله تعالى الا بما شاء وفيها وبها جميع المكونات وفي الاولى وبها جميع الممكنات قبل تكوينها وبعد تكوينها وفي الحقيقة الامكانية والتكوينية شيء واحد وانما اختلفتا باعتبار اختلاف متعلقاتهما فالاشياء حقيقة اشياء ممكنة في رتبة الاولى مكنونة في رتبة الثانية فالاعيان الثابتة انما هي في الاولى لا في ذاته تعالى ذاته عن السوي ولكن اكثر الناس لا يعلمون فاذا اراد اظهار شيء مما في الخزانة الاولى وانزاله الى الخزانة الثانية اخترع له مادة وصورة بالمشية الكونية وخلقه فيهما فالشيء قسمان شيء وجوده امكاني وشيء وجوده كوني وكل منهما مشاء لله عز وجل وليس الامكان امرا اعتباريا ولا ذاتيا من نفسه ولا منقلبا عن وجوب او امتناع بل امكنه عز وجل فجعله شيئا ممكنا ولم يك قبل ذلك ممكنا ولا مذكورا بشيء ولا في شيء والشيئية المدركة لا تكون الا بالامكان او بالكون ومحدث الكون هو محدث الامكان واما الحكم على الشيئية المدركة قبل التكوين بالمفهومية احترازا عن التكوينية فهو قشري عامي يصلح ان تتعاطاه السوقة لا العلماء الذين يصفون انفسهم بالرسوخ في الحقائق العلمية فالوجود الكوني والوجود الامكاني هما الطاردان للعدم وان كان الطارد في الحقيقة هو معطيهما الا انه تعالى يطرده عن الاشياء بهما لا بذاته لان الاشياء تتلاشى في رتبة ذاته بل كل شيء في رتبة ذاته المقدسة مستحيل الذكر والامكان والتكوين لا يجري عليه حكم الجواز والامكان لا في الخارج ولا في نفس الامر ولا في الذهن ولا في الفرض والاحتمال والاعتبار بوجه من الوجوه بل هو مستحيل عقلا ونقلا لا اله الا الله واما في الامكان الراجح فهو راجح الثبوت وفي الكون جائز الثبوت وتمام الشيء الحادث هو الوجود الحادث سواء كان امكانيا ام تكوينيا فان تمام الكتابة هو المداد لا الكاتب بان يكون جزء من جسمه تماما للكتابة او حركة يده اذ تمام الشيء هو السبب القريب له لا البعيد والقوم في مثل اقوالهم هذه ينادون من مكان بعيد وعلى ما بينا يكون ما به الامكان اولى بالشيء مما به التكوين لان ما به الامكان لا يفارقه ويستحيل ان يفارقه بخلاف ما به التكوين واما ان الوجوب اكد من الامكان فان اريد بالوجوب الوجوب الذاتي الازلي فلا يدخل تحت القياس والتنظير حتى يقال انه آكد من الامكان وان اريد به وجوب وجوده عند وجود علته التامة فالامكان آكد منه لان الوجوب بالغير يفارق بخلاف الامكان فانه لا يفارق الشيء الممكن حال كونه بل هو فيه قبل كونه ومع كونه وبعد كونه على حد واحد
قال : { فكذا علمه تعالى يجب ان يكون حقيقة العلم وحقيقة المعلوم حقيقة واحدة ومع وحدتها علم بكل شيء لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها اذ لو بقي شيء من الاشياء لم يكن ذلك العلم علما به لم يكن صرف حقيقة العلم بل علما بوجه جهلا بوجه اخر وصرف حقيقة الشيء لا يمتزج بغيره والا فلم يخرج جميعه من القوة الى الفعل وقد مر ان علمه سبحانه راجع الى وجوده }
اقول : يريد ان علمه تعالى يجب ان يكون حقيقة واحدة ومع وحدة تلك الحقيقة يعني من حيث وحدتها تكون علما بكل شيء كما ان حقيقة الوجود واحدة ومن هذه الحيثية تكون وجودا لكل شيء هكذا رأي المصنف وقد ابطلنا دعواه في الوجود كما سمعت قبل هذا وستعلم بطلان رأيه في العلم فنقول اعلم اعانك الله ان ائمة الهدى عليهم السلام دائما ينهون عن الكلام في ذات الله وان السائر في ذلك الطريق لا يزداد من الله الا بعدا وفي العلم الا جهلا وهم قد شغلوا اوقاتهم في ذلك خلافا لنهي اهل الحق عليهم السلام والكلام في علم الله الذي هو ذاته عين الكلام في ذات الله ومع هذا كله عنونوا كلامهم فيه بالكيفية كما قال المصنف في كيفية علمه تعالى بكل شيء ونحن نتكلم في ذلك بالتنزيه لا بالتمييز والتشبيه كما قال جعفر بن محمد عليه السلم فنقول اعلم ان المصنف لا يعني بالعلم الذي يتكلم فيه الا العلم الذاتي الذي هو الذات والبحث فيه ممنوع منه لا يفيد الباحث الا جهلا والقول الحق فيه ما قاله سيد العارفين والعلماء والحكماء المتقنين جعفر بن محمد عليهما السلم قال كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه واعلم ان بيان هذا بحيث يرتفع عنه الريب مما يطول فيه الكلام والعلة في ذلك مع دقته اعوجاج الافهام ولولا اعوجاج الافهام من كثرة الاصغاء الى قول كل ناعق لكان بيانه سهلا في قليل من الكلام وقد مثلت له فيما مضى بما لا مزيد عليه في البيان حتى مجه طبعي لكثرة الترديد والحاصل انه تعالى علم كل شيء في مكانه ووقته حين كونه وحين امكنه وليس شيء منها في ذاته ليعلمه في الازل وانما هي مذكورة في اوقات وجودها وامكنة حدودها ولا يصح ان يقال انه تعالى يعلمها في ازله لانه ليس معه شيء منها ولا يصح ان يقال انه تعالى في ازله جهل شيئا منها في اماكنها ولم يفقد في ازله العلم بها في اوقات وجودها وامكنة حدودها حين كونها وليس معه استقبال ولا ينتظر حالا من احواله ليقال انه كان لم يعلمها فلما اوجدها علمها لان هذه صفة المستكمل المستفيد من غيره وهو تعالى عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها بل نقول انه حين اوجدها في اوقاتها واماكنها علمها ولم تكن له حالة لم تكن حاضرة في ملكه عالما بها بل علمها حين اوجدها في انفسها وعند خلقه قبل ان توجد في انفسها وعند خلقه اذ ليس معه ماض ولا استقبال ولم يتجدد له شيء مما له ولم تتغير احواله فيكون فاقدا وواجدا بل لم يزل في ازله واجدا لها في اوقاتها واماكنها وهذا معنى قول الصادق عليه السلام لم يزل الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم اي هو عالم لم يتجدد له ما لم يكن حاصلا له ولا معلوم معه وانما هي مع انفسها وهو معها بعلمه الاشراقي ولم يكن معها بذاته وفي الحديث كان الله ولا شيء معه وهو الان على ما كان لان من اختلفت حالاته فهو حادث ومن احتمل الزيادة احتمل النقصان ولو كانت له حالة لم يعلمها ثم علمها حين اوجدها كان فاقدا قبل الايجاد وواجدا بعده بل لم يكن واجدا لها في ذاته ابدا وازلا ولم يكن فاقدا لها في ملكه ابدا وازلا والعلم الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة اشراقي والعلم الذي هو ذاته علم ولا معلوم لان هذا العلم هو الله سبحانه وليس مع الله غيره كما ان الوجود الذي هو ذاته وجود وليس معه غيره ولا فيه لا بتعلق ولا بانبساط والاعيان الثابتة التي يدعونها المصنف ومن هو قائل بهذه المقالة الشنيعة ليست في ذاته ولا في علمه الذي هو ذاته وانما هي في خزائنه الامكانية التي جعلها ممكنة بعد ان لم تكن مذكورة لا في العلم ولا في الاسم لان كل السوي في رتبة ذاته ممتنع عقلا وممنوع نقلا فامكنها بمشيته الامكانية وهو اول ما ذكرت به في العلم فانه العلم الاشراقي وهذا اول مراتبه ولا اول له في الامكان وثاني مراتبه ما ذكرت به في الاكوان وما امكن بمشيته الامكانية هي خزائنه التي لا تنفد ولا تنقص ابد الامد وامد الابد ينفق منها كيف يشاء والعلم الاشراقي يوجد بوجودها ويرتفع بارتفاعها بل هو نفسها وحيث وجد فهو موجود عند نفسه وهو عند الله وحيث يفقد فهو مفقود عند نفسه وهو عند الله لان ما دخل في ملك الله لا يخرج منه فالعلم الاشراقي لا يخرج عن ملك الله ولا يدخل في ذات الله واول مراتبه الامكان واخر مراتبه اخر مراتب الاكوان كل شيء بحسبه وكيف يخرج شيء عن ملكه وقبضته وانما هو هو بملكه الذي هو الامر المفعولي وبقبضته الذي هو الامر الفعلي فنحن نقول بقول المصنف الاتي بعد هذا بمعنى مرادنا لا بمعنى مراده وهو قوله : فما عند الله هي الحقائق المتأصلة التي نزلت هذه الاشياء منها منزلة الاشباح والاظلال انتهى واختلافنا معه في هذا العند فعنده ان هذا العند هو علمه الذي هو ذاته وعندنا ان هذا العند هو ملكه من الامكانات والاكوان ويأتي تمام هذا
وقوله { اذ لو بقي شيء من الاشياء لم يكن ذلك العلم علما به لم يكن صرف حقيقة العلم } على ظاهره صحيح لكنه قشري وعلى باطنه باطل اما صحته على ظاهره فظاهرة واما كونه قشريا فلانه انما يصح على ظاهر اللفظ ولو كان لبيا لكان ظاهره وباطنه صحيحا مع ان باطنه باطل كما تسمع الأن لانه انما يفرض هذا فيما يكون المعلوم غير صادر عن فعل العالم واما اذا فرض انه صادر عن فعله فكيف يفرض انه غير عالم به وهو صانع له الا يعلم من خلق ولانه انما يفرض اذا كان العلم مغايرا للمعلوم واما ما قيل بالاتحاد فما معنى الفرض حينئذ واذا فرض انه مغاير للمعلوم لزمه محذورات تنهدم بها اعظم قواعده واما انه على باطنه باطل فلانه يريد بالعلم الذي ذكره هو العلم الذاتي الذي هو الذات بدون مغايرة من جميع الوجوه وقد قررنا سابقا انه علم ولا معلوم لان العلم لا بد ان يكون مطابقا للمعلوم ومقترنا به وواقعا عليه فاذا اراد بالعلم المتعلق بالاشياء هو الذاتي الذي هو الله سبحانه فان فرضه مطابقا للمعلوم لزم ان يكون مطابقا للمعلوم كالجدار مثلا وان فرضه غير مطابق كان جهلا وكذا حكم المقارن له والواقع عليه فلا يكون مطابقا ولا مقترنا ولا واقعا والا لزم الحدوث وان لم يكن مطابقا ولا مقترنا ولا واقعا لزم الجهل فهذا معنى ان باطن كلامه باطل
ومثل قوله الذي تكلمنا عليه قوله { فلم يخرج جميعه من القوة الى الفعل } حرفا بحرف في صحة ظاهره في بادي الرأي وفيما يرد عليه وفي بطلان باطنه
وقوله { وقد مر ان علمه راجع الى وجوده } يريد به ان وجوده هو وجود كل شيء وعلمه اذا كان هو وجوده بناء على عينية الصفات كان علمه هو وجود معلومه او وجود علمه وجود معلومه فلم يبق شيء لم يكن معلوما له كما لم يبق موجود لم يكن موجودا به وهذا المعنى وان كان في نفسه صحيحا الا انه باطل بما قدمنا من عدم امكان تقوم الحادث بالقديم اذ لا يجتمعان في مكان لامتناع نزول القديم الى الامكان بذاته وامتناع صعود الحادث الى القديم بذاته
قال : { فكما ان وجوده لا يشوب بعدم ونقص فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لا يشوب بغيبة شيء من الاشياء كيف وهو محقق الحقائق ومشيئ الاشياء فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها فحضور ذاته تعالى حضور كل شيء فما عند الله هي الحقائق المتأصلة التي نزلت هذه الاشياء منها منزلة الاشباح والاظلال }
اقول : ربما يتوهم من كلامه في قوله في العلم { بغيبة شيء } انه فارق بين الوجود والعلم ولكن كلامه بعد هذا وهو قوله { فحضور ذاته تعالى حضور كل شيء } صريح في الاتحاد لانه يريد بالحضور هنا العلم وهو بعينه الوجود وكون العلم هو الحضور صحيح وكون الوجود هو الحضور صحيح الا ان الحضور الذاتي شيء واحد وهو العلم وهو الوجود وهو السمع وهو الذات وهكذا الا انه لا يكون حضور كل شيء ولا حضور شيء سواه تعالى سواء اعتبر كونه وجودا ام علما اذ لا يتحد القديم بالحادث لان الحادث عدم ونقص والقديم لا يخرج في حال من الاحوال عن ازله والحادث لا يخرج في حال من الاحوال عن امكانه ولا يجتمع الوجوب الذاتي مع الامكان في حال من الاحوال وقوله { فكما ان وجوده لا يشوب بعدم ونقص } ينافي قوله { فحضور ذاته تعالى حضور كل شيء } فان حضور ذاته وجودا كان ام علما اذا كان حضور كل شيء اتحد القديم بالممكن وذلك مستحيل كما سمعت ودعوى امكان هذا الاتحاد بل وقوعه بناء على ان حقيقة الممكن حدود موهومة كما قال شاعرهم :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
وقال اخر :
كل ما في الكون وهم وخيالا وعكوس في المرايا او ظلال
وامثال ذلك باطلة نشئت من وساوس الشيطان
وقوله { كيف وهو محقق الحقائق ومشيئ الاشياء } صحيح ولكنه محقق الحقائق بفعله بان اخترع لها حقائق ووجودات لا من شيء وهو جاعل الاشياء بمشيته كذلك بل لم يكن شيئا الا بمشيته بان جعل لها شيئيات وحقائق بها كانت اشياء ولم يكن تعالى محققا لها بحقيقته ولا مشيئا لها بشيئيته بل بمشيته جل ان يلابسه شيء او يدانيه شيء او ينسب شيء منه الى شيء غيره او ينسب شيء من غيره الى شيء منه او يكون بينه او بين شيء منه او بين ما ينسب اليه وبين شيء غيره ربط او نسبة او مقارنة او فصل او وصل وتعالى عن جميع ذلك علوا كبيرا
وقوله { فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها } حق ولكن ليس على نحو ما قال واراد بل على نحو ما نبه عليه هو سبحانه في اياته مثل السراج فان الشعلة المرئية احق بالاشعة المنبثة من الاشعة بانفسها مع ان الشعلة ليست آية للحق تعالى وانما هي اية للوجه الباقي الذي يتوجه اليه الاولياء لان الشعلة المرئية كما مر متعددا دخان قد كلسته النار الغائبة التي هي آية الرب الخالق بفعلها فانفعل الدخان عن فعل النار بالاستضاءة فهي بمنزلة القائم بالنسبة الى فاعل القيام يعني ان القائم اسم لفاعل القيام والقائم متقوم من حركة ايجاد القيام التي فعل الفاعل ومن القيام الذي هو اثر تلك الحركة فتركب منهما اسم الفاعل وجميع الاشعة المنبثة متقومة بالقائم من جهة ركنيه تقومت بركنه الايمن اعني الحركة تقوم صدور وبركنه الايسر اعني الاثر الذي هو القيام تقوما ركنيا وليس بين الاشعة وبين النار تعلق ولا ربط ولا شيء من انواع النسب وانما الارتباط والتعلق والسببية بينها وبين فعله فان كانت النار وجودها هو نفس وجود الاشعة صح ما يدعيه لكن النار ليس بينها وبين الاشعة تعلق بوجه الا ان التعلق لفعلها كذلك ليس بين ذات الله عز وجل وبين الاشياء تعلق بوجه وانما التعلق بين فعله وبينها على نحو ما قررنا فقد بطل قوله عند من صح اعتقاده وصفي حسه ولطف وهذا ظاهر وما اكثر ما اكرر هذه المطالب النفيسة لمن عسي ان يتذكر
قوله { فحضور ذاته تعالى حضور كل شيء } يريد لما كان علمه راجعا الى وجوده يعني انه صادق عليه كما تقدم في بحث عينية الصفات وكان وجوده حقيقة واحدة تتعلق بذاتها بكل شيء بحيث يكون حضور ذاته اي وجودها حضور كل شيء اي وجود كل شيء لان وجود ذاته تمام كل شيء كما تقدم كان علمه حقيقة واحدة تتعلق بذاتها بكل شيء بحيث يكون حضور ذاته اي علمها حضور كل شيء اي العلم بكل شيء ويلزم من هذا ان علمه تعالى بذاته هو علمه بمخلوقاته فيلزم من اتحاد العلم اتحاد المعلوم والعبارة عن هذا اللازم ان مخلوقاته هم ذاته فيلتزم بهذا من غير استنكار ولا استيحاش الا ان ذلك على جهة الاجمال
وكلامه بعد هذا ظاهر في ذلك حيث قال { فما عند الله هي الحقائق المتأصلة التي نزلت هذه الاشياء منها منزلة الاشباح والاظلال } فنقول عليه اولا اذا اثبت في ذاته الحقائق المتأصلة لان العلم بها عين العلم بذاته فالذي جعل بمنزلة الاشباح والاظلال هل هي معلومة له ام لا فان كانت معلومة له فكلها عنده لا حقائقها المتأصلة خاصة فيتوجه عليه ان كل ما دخل في علمه في ذاته متحد به سواء كان مثبتا ام منفيا فمما ينتقض عليه دليله على قوله بسيط الحقيقة كل الاشياء وغير ذلك وان كانت غير معلومة له بطل قوله : فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لا يشوب بغيبة شيء من الاشياء فانه ح يشوب بغيبة نصف الاشياء بل اكثر لان الفروع اكثر من الاصول وثانيا هل يجد تعالى في علمه الذي هو ذاته ان في علمه الذي هو ذاته حقائق متأصلة لخلقه ام لا فان علم ان في علمه وذاته حقائق غيره فقد علم انه مركب لان تلك الحقائق هل هي الذات ليس غيرها شيء ام هناك ذات فيها تلك الحقائق فان لم يكن شيء الا تلك الحقائق تناقض قوله في سائر كتبه بان ذاته تعالى غير مجعولة بالذات وان تلك الحقائق غير مجعولة بالتبع وما بالذات غير ما بالتبع فيلزم التركيب على فرض ان ليس شيء غير تلك الحقائق وان كان هناك ذات غير تلك الحقائق لزم التركيب او كونه محلا لغيره من الحقائق المتأصلة ومن الاشباح والاظلة والاعراض ومن الامور الثابتة ومن الامور المتجددة المتقضية اذ لا يجوز ان يكون ليس عنده الا الثابتة المتأصلة وما سواها ليس عنده فيكون غائبا عنه فلا يكون العلم صرف حقيقة العلم وما اعجب ما يقولون من ان علمه تعالى محيط بكل شيء لا يعزب عنه شيء ويحصرون ذلك كله في الاصول ويخرجون هيئاتها وجزئياتها واشباحها وتفاصيلاتها ( تفصيلاتها خل ) وظواهرها وحدودها ومقاديرها وما اشبه ذلك عن ذلك العلم المطلق فنحن نعلم ما لا يعلم تعالى عن ذلك والحاصل انما اذكر هذه الامور بدليل الحكمة والموعظة الحسنة لا بدليل المجادلة بالتي هي احسن لانبهك على هذه الهفوات التي كانت عند اكثر الناس هي حقائق العلم واسراره لم ينكرها من الناس احد الا محمد واهل بيته صلى الله عليه واله والله ما كان بيني وبين المصنف واتباعه نبوة ولا شيء يكره وانما حداني على ما كتبت احياء دين محمد واله صلى الله عليه واله وان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون
قال : { المشعر الثالث - في الاشارة الى صفاته الكمالية القاعدة المذكورة في عموم تعلق علمه تعالى بالاشياء مطردة في سائر صفاته فقدرته مع وحدتها يجب ان يكون قدرة على كل شيء لان قدرته حقيقة القدرة فلو لم تكن متعلقة بجميع الاشياء لكانت قدرة على ايجاد شيء دون شيء اخر فلم تكن قدرته صرف حقيقة القدرة }
اقول : هذا كالسابق والكلام عليه كالكلام على السابق الا انه يرد عليه شيء سبق منا جوابه والتنبيه عليه وهو ما يقولون بان العلم اعم من القدرة فان من جملة ما يتعلق به العلم ذاته والامور المستحيلة على زعمهم ولا تتعلق القدرة بذاته ولا بالمحالات ونحن اشرنا الى الجواب فيما تقدم فراجعه فانك لا تجده في كتاب غير ما كتبناه الا عادلا عن الصواب
قال : { وكذا الكلام في ارادته وحياته وسمعه وبصره وسائر صفاته الكمالية فجميع الاشياء من مراتب قدرته وارادته وحياته وغير ذلك ومن استصعب عليه ان علمه مثلا مع وحدته علم بكل شيء وكذا قدرته مع وحدتها متعلقة بكل شيء فذلك لظنه ان وحدته تعالى ووحدة صفاته الذاتية وحدة عددية وانه تعالى واحد بالعدد وليس الامر كذلك بل هذه ضرب اخر من الوحدة غير العددية والنوعية والجنسية والاتصالية وغيرها لا يعرفها الا الراسخون في العلم }
اقول : يريد ان الكلام في سائر الصفات الثبوتية كالكلام في الوجود وفي العلم كما تقدم من عموم تعلقه وان ذلك اعني تلك الحقيقة المتعلقة اولى بما تعلقت به من نفسه ومن غيره وان حضور تلك الحقيقة هي عين حضور ما تعلقت به كما مضى في الوجود وفي العلم وانت خبير بما اوردنا عليه فيما تقدم في هذه الدعوى وبينا بطلان دعواه بدليل الحكمة ليس فيه شيء من دليل المجادلة بالتي هي احسن لئلا يحصل الالتباس في المقدمات وفي الحمل والاشتباه في معاني المقدمات بين ما يراد منه المعنى بالمفهوم وبالعكس وبين المتأصل بالمنتزع وغير ذلك وبما قدمنا ينتقض ما ذكره هنا
وهنا اشياء يحتاج في نقضها على شيء اخر غير ما ذكرناه هناك وان كنا ذكرناه مفرقا في هذا الشرح : ومنها قوله { وكذلك الكلام في ارادته وحياته وسمعه وبصره } فان الارادة على رأيه هو واكثر القوم من المتكلمين والحكماء المتألهين والصوفية وغيرهم قديمة وهي ذات الله وهي العلم الخاص بالمصلحة وليست العلم المطلق ومذهب ائمتنا عليهم السلم انها حادثة وليس لله ارادة قديمة لان الارادة لا تكون الا والمراد معه ولانه تعالى لم يزل عالما قادرا ثم اراد ولان ارادته انما هي احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وقد روى الصدوق في توحيده عن الرضا عليه السلم انه قال : المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ه ومحاجته مع سليمن المروزي كما في التوحيد وعيون اخبار الرضا والاحتجاج وغيرها مما لا تنكر حتى انه عليه السلم لم يترك لسليمن حجة ولا نوع احتمال ولا شك ان كل من له ادنى عقل يحكم بحدوثها من جهتين : الاولى ان الله سبحانه قال في كتابه سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وقال الرضا عليه السلم : قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هاهنا ه وفي الابيات المنسوبة الى امير المؤمنين عليه السلم :
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وغير ذلك مما يدل على ان دليل هذه وامثالها يوجد في الانسان والذي تجد في نفسك ان ارادتك حادثة فانك قد تريد فتوجد ارادتك وقد لا تريد فتنفي ارادتك ولو كانت هي ذاتك لما امكن نفيها مع وجود ذاتك ولو اعتبارا لانك لو اعتبرت نفي شيء مما هو انت لم تقدر الا بملاحظة المغايرة ولو اعتبارا وتصورا او اعتبار حيثية وكل ذلك لا يتصور في حق القديم تعالى مع انك تقول لم يرد الله قال تعالى اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم وقال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر فكيف تكون هي ذاته وهي تنفي وتثبت ولا يصح ان يقال ان هذه ارادة الافعال وهي لا شك حادثة ونحن انما نريد ونعني بالقديمة التي هي ذاته الارادة القديمة لانا نقول انتم تتكلمون بما تفهمون وتعقلون ام بما لا تفهمون ولا تعقلون فان كان بما لا تفهمون ولا تعقلون فامسكوا فان العاقل لا يتكلم فيما لا يعقل على انكم كيف تصفون ما لا تفهمونه وتحكمون على ما لا تعقلونه وان كان بما تفهمون فالارادة انما هي طلب الفعل او نفس الفعل لانها ميل الذات الى جهة مطلوبها فاذا فرضتم ان الارادة قديمة فما معنى اراد الله ذاته فكما انك تقول علم ذاته وسمع ذاته فما معنى اراد ذاته اراد يعني احب نفسه او اراد ان يكون هو اياه او يكون سميعا وبصيرا وعليما فكان ما اراد بارادته ام اراد ما لم يدخل في قدرته ام اراد ما كان واذا فرضتم ان الارادة في الازل تتعلق بما في الحدوث كالعلم فان كان الميل هو التعلق الحادث بحدوث المتعلق فذلك حادث وان كان الميل في الازل والتعلق والمتعلق في الحدوث قلنا هل الميل حالة غير حالة عدم الميل ام هي هي فعلى الاول تختلف احواله والمختلف الاحوال حادث وعلى الثاني يلزم انكم تقولون بما لا تعقلون والجهة الثانية انكم لا تعرفون الازل ولم تدركوه ولم تروه ولاصعدتم اليه فترون ما ثم ولانزل اليكم فتشاهدون ما جاءكم به ولم يأتكم منه خطاب ولا كتاب ولا رسول يخبركم بما تدعون وانما جاءكم منه رسول صادق صلى الله عليه واله يخبركم عنه انه ليس هو ارادة ولا له ارادة قديمة هي ذاته ام غيرها بل ارادته هي عين فعله بلا مغايرة ولذا قال الصادق عليه السلم : اما الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم من الفعل بعد ذلك واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وقال الرضا عليه السلم : المشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد ولما قال سليمن المروزي انها هي العلم قال عليه السلم : المشية ليست كالعلم فانك تقول افعل ان شاء الله ولا تقول افعل ذلك ان علم الله ومن قال بخلاف هذا فهو قائل بما لا يعقل او مفتر على الله هذا بدليل الحكمة
واما بدليل المجاهدة ( المجادلة خل ) فقال مدعي قدم الارادة والمشية لوجهين الاول انها لو كانت حادثة لكانت محدثة بارادة غيرها وتلك الارادة ان كانت حادثة كانت حادثة بارادة ( اخرى خل ) ويلزم التسلسل فيجب ان تكون قديمة والثاني انها صفة والصفة لا تقوم بنفسها ولا بغير موصوفها فلو كانت حادثة كان تعالى محلا للحوادث وهو باطل فيجب ان تكون قديمة والجواب عن الاول ما ذكره عليه السلم قال : ان الله تعالى خلق المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية فاذا كانت محدثة بنفسها كما هو شأن كل فعل من عالم الغيب كالنية فانها محدثة بنفسها لا بنية اخرى او الشهادة كالحركات الظاهرة فانها محدثة بنفسها لا بحركة اخرى فلا يلزم التسلسل وهذا ظاهر والجواب عن الثاني اما عن كونها صفة والصفة لا تقوم بنفسها فغير مسلم فان كل شيء من الخلق فهو صفة فعله تعالى وجميع الجواهر قايـٔمة بانفسها اذ كل معلول جوهري فهو قائم بنفسه وهو صفة علته لانه من الفعل كالمصدر المؤكد من الفعل في قولك ضرب ضربا واما ان الصفة لا تقوم بغير موصوفها فغير مسلم فان كل صفة قائمة بموصوفها قيام صدور فهي قائمة بغير موصوفها فالاشعة صفة السراج ونور الشمس والقمر وهي قائمة بالجدار والكلام صفة المتكلم وهو قائم بالهواء والارادة من هذا النوع وهذا ظاهر فانه تعالى اقامها بنفسها واقام الاشياء قيام صدور بها وقياما ركنيا بنفسه اي بمادته واما انه لو كانت حادثة كان محلا للحوادث فهو حق ولكنه تعالى ايضا كما لا يجوز ان يكون محلا للحوادث لا يجوز ان يكون محلا للقدماء فان قلت يجوز في القديم لانها ذاته قلت لو كانت ذاته جاز لكنها غيره لكون مفهومها معلوما مدركا لانه ميل الذات والذات لا تكون ميلا لنفسها والا لزم التغاير والتعدد وان قلت انها غير مدركة قلنا لك فلم سميته بما لم تدركه ولم يسم نفسه به فان قلت قد سمي نفسه بكونه مريدا قلنا انما سمي نفسه بكونه فاعلا بها كما قال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وارادته هي امره المعبر عنه بكن ويأتي انشاء الله بيان هذه الاية ورفع ما يتوهم فيها من الاشكال واما حياته تعالى وسمعه وبصره فكما قلنا في العلم لانها هي الذات بلا مغايرة فاذا اردت بالحيوة ما تفهمه من معنى الحيوة فهو معنى محدث من معاني افعاله لانك لا تدرك الا الحادث وهو الموجود في الحيوانات اعني التحرك بالارادة وعلى قول المصنف تكون ذات الله سبحانه القديمة عين حياتها التي هي الله سبحانه عين حياة الفرس والكلب التي هي التحرك بالارادة وسمع الله الذي هو الله سبحانه هو عين سمع الحيوان الذي هو ادراك صوت قرع طبل الاذن والبصر الذي هو ذات الله القديمة هو عين بصر الحيوان الذي هو ادراك صورة المرئي المنطبعة في الجليدية تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وكيف لا تستصعب على من عرف الله هذه الدعاوي الباطلة لاستحالتها لا لظنه ان الوحدة التي يدعونها وحدة عددية حيث جعلوا وجوده تعالى عين وجود الاشياء وعلمه بذاته عين علمه بها وكذا حياته عين حياتها الخ ( الى اخر خل ) ما قالوا او وحدة نوعية او جنسية او غيرها وكيف يكون الاستصعاب من جهة توهمه في الوحدة وهم يصرحون بها في تمثيلاتهم فيقولون كالبحر والامواج فان وحدة البحر تطوي كثرة الامواج وكالصوت والحروف وكالمداد والحروف المكتوبة وكالشجرة والاغصان والورق وكالماء والثلج وكالثوب والالوان المختلفة عليه وغير ذلك من تمثيلاتهم المصرحة بدعويهم
وقوله { لا يعرفها الا الراسخون في العلم } يكون معناه عند من عرف الله لا يعرف كلمة الكفر في دعوى الاسلام الا الراسخون في الجهل بالله اعني علم التصوف فاعلم هداك الله ان هذه الوحدة التي يدعيها في قوله ان وجوده تعالى عين وجودات الاشياء وحضور ذاته في العلم عين حضور الاشياء وحياته عين حيوة الاشياء وانها لا يعرفها الا الراسخون في العلم اظهر من نار على علم وانما يبعدونها بالعبارات المختلفة فتارة يقولون الاشياء شؤن ذاته وتارة اطوار ذاته او ظهوراته او صور له يلبس منها ما شاء ويخلع ما شاء او الوانه واعراضه يقول شاعرهم
كل ما في عوالمي من جماد ونبات وذات روح معار
صور لي خلعتها فاذا مازلتها لا ازول وهي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
الخ وتقدم قوله :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
وامثال ذلك فكيف مثل هذا لا يعرفه الا الراسخون في العلم وهو يقول ان وجوده عين وجود الاشياء فان اراد ان وجودات الاشياء حصص من الذات تميزت من الذات بمشخصات لحقت الحصص لنفسها لا للذات فذلك كوحدة الشجرة وبساطتها فانها قد طوت كثرة الغصون والورق عند لحاظ وحدة الشجرة وان اراد ان وجودات الاشياء ظهورات الذات فهي تجلياتها والتجليات اشراقات منفصلة من الذات قائمة بها قيام صدور وهذه ليس وجود الذات وجودها لانها اثار فعلية صدرت بفعل الذات وليست هي الذات كما ذكرنا سابقا
وقد قال الملا احمد بن محمد بن ابراهيم اليزدي في حاشيته على هذا الكتاب في الاشارة الى بيان هذا المعنى الذي يشير اليه المصنف : بل المراد ان الواحد كما كان مبدء لجميع مراتب الاعداد بمعنى ان ليس شيء منها الا الواحد المكرر فلا يوجد في مرتبة منها شيء سوى الواحد نعم انه قد تكرر فيها ومع هذا لا يمكن ان يقال ان شيئا منها هو الواحد كذلك البارئ تعالى شأنه اصل جميع الاشياء وجميعها واحدة في هذا المعنى وهو تعالى مقوم لها بالمعنى المذكور آنفا مع انه لا يمكن ان يقال انها من حيث هي كذلك عينه تعالى ولا هو عينها انتهى يشير بعدم الصدق من هذه الحيثية الى ما اشرت اليه في قولي بمشخصات لحقت لنفسها لا للذات ثم قال : ولا ينافي كلا منهما ما قصد نفيه ههنا كما يظهر لك الأن من بيانه انتهى واعلم ان تنظيره يخالف مقصوده لان مقصوده ان العشرة تكرر فيها الواحد بذاته ليطابق اعتقاده واعتقاد المصنف من ان وجود الحق عين وجودات الاشياء ولذا قال ليس شيء منها الا الواحد المكرر فلا يوجد في مرتبة منها شيء سوى الواحد وحقيقة المنظر به ان العشرة اذا فرض انها مؤلفة من تكرر الواحد كان المتكرر امثال الواحد لا ذات الواحد اذ الواحد لا يتكرر فاذا قلت ان مراده في ذات الواجب مع الحادثات ما يراد من الواحد مع العشرة كان معناه ان وجودات الاشياء ظهورات الواجب وشؤنه لا نفس وجوده وقوله : ومع هذا الى قوله : مع انه لا يمكن ان يقال انها من حيث هي كذلك عينه تعالى ولا هو عينها ينافي ما اراد من قوله : وهو تعالى مقوم لها لانه اراد بل صرح كما في تمثيله بالواحد في العدد انها عبارة عن تكرره في مراتب ظهورها فان اراد هذا المعنى فمعنى كونه مقوما لها انه عينها وهي عينه كما ذكر مميت الدين بن عربي في شعره في كتابه الفصوص
فلولاه ولولانا لما كان الذي كانا
فانا اعبد حقا وانا الله مولانا
وانا عينه فاعل ماذا ما قيل انسانا
فلا تحجب بانسان فقد اعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
الخ فان اراد هذا المعنى فينبغي ان يقول انه باعتبار التكرر في المراتب فهو غيرها وهي غيره وباعتبار انها انما هي تكرره فهي عينه وهو عينها وظاهر عبارته انه اراد هذا المعنى بدليل قوله : من حيث هي وان اراد به المغايرة الحقيقية وجب ان يراد بالتكرر التكرر بالظهورات لا بالذات وهذا وان كان ايضا باطلا من جهة انهم يريدون ظهوراته بذاته لا بافعاله ومفاعيله ولو اراد هذا لكان حقا لكنهم ما يريدون الا اتباع الباطل ولهذا قلنا انه لا يريد الا المعنى الاول واما المعنى الثاني فلا يريده على الظاهر وان كان ايضا باطل ( باطلا خل ) ولهذا قال : ولا ينافي كلا منهما ما قصد نفيه اي لا ينافي كونه تعالى مقوما لها بمعنى انها ليست الا تكرره انه غيرها وانها غيره ولا ينافي كونها عبارة عن تكرره انها غيره وانه غيرها لكني اقول انه ينافيه لان الحيثية فرقوا بها ان كانت شيئا فهي منها وهي تكرره وان لم تكن شيئا فلا فارق فتثبت بالتمسك بمذهب من تعتقد ( يعتقد خل ) ان الحق معهم وفيهم وبهم
قال : { المشعر الرابع - في الاشارة الى كلامه وكتابه كلامه تعالى ليس كما قالته الاشاعرة من انه صفة نفسية هي معان قائمة بذاته لاستحالة كونه محلا لغيره وليس ايضا عبارة عن خلق اصوات وحروف دالة والا لكان كل كلام كلام الله وايضا امره وقوله سابق على كل كائن كما قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون }
اقول : اشار بقوله { الى كلامه وكتابه } الى الفرق بينهما بقرينة العطف الذي يقتضي المغايرة واراد التفسير على خلاف الاصل وسيذكر المصنف الفرق ثم قال الكلام في الحقيقة ليس كما قالته الاشاعرة ابو الحسن علي بن اسمعيل بن بشر الاشعري واصحابه تبعا لمحمد بن عبد الوهاب القطان فانهم ذهبوا الى ان كلام الله صفة لذات الله نفسانية وهو عبارة عن معان قائمة بذاته او صورها القائمة بذاته كما قال الشاعر :
ان الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
قال المصنف في رد كلامهم { لاستحالة كونه محلا لغيره } وهذا التعليل حق لنا بمعنى ان تلك المعاني او الصور معاني الخلق وصورهم ويستحيل في حقه تعالى ان يكون محلا لغيره ولكن هذا التعليل يرجع ردا عليه بعين ما هو رد على الاشاعرة لان اثباته للحقائق المتأصلة في ذاته التي يسمونها بالاعيان الثابتة يلزم منه ان يكون محلا لغيره او انها هي هو وعندي ايضا ان كونه هي اياه ليس بمخرج له عن كونه محلا لغيره وليس كما قالته المعتزلة وعناهم بقوله { وليس ايضا عبارة عن خلق اصوات وحروف دالة } ويريد انه عبارة عن اصوات وحروف مخلوقة لان الكلام ليس هو خلق الاصوات لان خلق الاصوات هو التكلم والكلام عبارة عن اصوات مخلوقة { والا لكان كل كلام كلام الله } اقول انه رد كلام المعتزلة بوجهين الاول هذا الالزامي وهو قوله { والا لكان كل كلام كلام الله } وهو غير لازم عند المعتزلة لان هذا مبني على انه لا مؤثر في الوجود الا الله والمعتزلة لا يسلمونه وانما تسلمه الاشاعرة والثاني قوله { وايضا امره وقوله سابق على كل كائن كما قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون } فاذا كان الامر والقول من الكائنات لزم ان يسبقه امر وقول كما هو ظاهر من قوله تعالى فننقل الكلام الى هذا السابق فيكون مسبوقا بامر وقول وهكذا فيدور او يتسلسل فاذا امتنع ان يكون الكلام كما قاله الاشاعرة ولا كما قاله المعتزلة وجب ان يكون له معنى اخر يحمل عليه هذا معنى كلام المصنف وقد بينا لك بطلان الوجه الاول وهذا الوجه اعني الثاني ابعد من الصواب لان هذا الوجه اعني الثاني ان اراد به الاستدلال عليهم بظاهر اللفظ فليس مما يناسب من مثله مع ما يشير به في جميع كلماته ان جميع ما يورد من المواهب والاسرار التي لا يقف عليها الا الاقلون الراسخون في العلم وان اراد به الحقيقة فهو غلط فاحش وذلك لان الامر والقول هو المعبر عنه بكن وهو الفعل ولا يريد الكلام وليس هذا مراد المعتزلة لان المراد عندهم هو الالفاظ واذا اطلق الكلام انما يراد منه الالفاظ لانه هو المتعارف عند عامة المكلفين وقد قالوا عليهم السلم انا لا نخاطب الناس الا بما يعرفون ه والاية الشريفة يراد فيها من الامر والقول خصوص الفعل ولذا قال الصادق عليه السلم : لا كاف ولا نون وانما اراد فكان او كما قال واعلم انك اذا جريت على ظاهر الاية من كون الارادة غير الامر وغير الفعل لظاهر الشرط قلنا لك ان ظاهر الشرط توقف الارادة عليه فانه اذا لم يرد لم يقل كن فاذا اراد قال كن وهذا ظاهر في توقف وجودها على العزم على الفعل والميل اليه كتوقف القول فهي مقارنة ومشروطة الوجود والمقارن لغيره ومشروط الوجود حادث وكل حادث متوقف على قوله كن فيلزم اما ان تكون الارادة عبارة عن الفعل المعبر عنه بكن او حادثة به والاول هو مذهب اهل الحق عليهم السلام كما مرت الاشارة اليه والثاني يلزمه منه ما فر عنه فارادته تعالى عين فعله ولو كانت هي علمه لماصح الشرط فلا يقال انما امره اذا علم الشيء ( علم شيئا خل ) ان يقول له كن فيكون لان العلم لا يكون مشروطا بخلاف الارادة ووقوعها بعد اذا دال على استقبال وجودها فافهم
وكلام المعتزلة والاشاعرة في معنى كلام الله لغة والمصنف اراد من الكلام غير ما اراد الفريقان وهو طور اخر وهو وان كان في الجملة صحيح في نفس معناه لكنه لا يصح على اطلاقه لان ظاهر كلامه ان كلام الله محصور فيما قال فيرد عليه ما يرد عليهم لانه اذا اراد بالكلام ما وضع هذا اللفظ بازائه في اصل اللغة الحقة التي هي كلام الله وكلام اوليائه عليهم السلم فكل شيء كلام الله يعني جميع افراد الانسان والحيوانات والنباتات والمعادن والعناصر والجواهر والاعراض والحركات والسكنات والحاصل جميع ما احاط به علم الله الامكاني والكوني مما تعلمون ومما لا تعلمون ومنه ما ذكره المعتزلة كلام الله وافراده كلمات الله وهذا معنى غير ما ذكره المعتزلة فهو يتكلم عليهم بما لا يريدون لانهم يريدون به ما خوطبوا به من لغة العرب ومعناه وجه من سبعين وجها من اللغة الحقة الاصلية والمصنف رد عليهم بمقتضي وجه آخر من السبعين غير ما هم بصدده واين هذا من هذا وان اراد به ما وضع اللفظ بازائه في لغة العرب المعروفة فكلام المعتزلة متجه واما كلام الاشاعرة على مقتضى اللغة الحقة فلا يسمى كلاما حقا وانما يسمى كلاما باطلا ومعنى قولي هذا انهم ذهبوا الى ان هناك شيئا في نفس الواجب تعالى مغايرا لذاته وهذا باطل فلا يقال له كلام في الحق وانما يقال له كلام في الباطل اي في كتاب الفجار فان كل ما يرد على الاوهام من الامور الباطلة فهي ظل من الثرى ومما تحت الثرى كما لو اعتقد او توهم تعدد الالهة او تركيب الواجب او كونه معلولا لما قبله او ان له ولدا او ان له صاحبة وامثال ذلك من الامور الباطلة فانها مثبتة في الالواح الباطلة المعبر عنها بسجين وكتاب الفجار وبالثري وما تحت الثرى وبالجهل الكلي وامثال ذلك واذا ذهب وهم شخص الى شيء منها بنجوى الشيطان انزل الله سبحانه صورة ذلك من ذلك الكتاب الى وهم ذلك الشخص بمقتضى عمله واستعداده وطلبه لذلك من الوهاب بقابليته السوءي وهو ظل ما في كتاب الفجار سجين وما اشبهه من الالواح الباطلة فهو في اللغة الحقة كلام في اللوح الباطل فلا يسمى كلاما في الحق وانما يسمى كلاما مع انه باطل لانه انزله الله بمقتضى قابليته السوءي وانما خلق تلك الالواح التي ليس فيها الا الباطل للذي اراد من الدلالة عليه ان كل ما سواه فله ضد وجميع ما في الحق فله ضد في الباطل لان المخلوق لا يقدر على ان يتقوم بسيطا محضا لما قلنا من انه لا بد له من اعتبار من ربه واعتبار من نفسه ولتعلم بذلك انه تعالى انما ضاد بين الاشياء ليعلم الا ضد له فقول الاشاعرة على مراد المصنف وعلى ما اشرنا اليه من اللغة الحقة التي هي كلام الله وكلام اوليائه ليس كلاما الا اذا اريد به ما في كتاب الفجار سجين بخلاف كلام المعتزلة فانه كلام على اللغة الحقة وعلى لغة العرب التي هي وجه واحد من سبعين وجها هي اللغة الحقة فرده مردود وان كان ما اراد من معنى الكلام صحيحا ولكنه نوع من انواع الكلام لا ينحصر فيه
قال : { بل هو عبارة عن انشاء كلمات تامات وانزال ايات محكمات واخر متشابهات في كسوة الفاظ وعبارات قال وكلمته القاها الى مريم وروح منه وفي الحديث اعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق والكلام النازل من عند الله هو كلام وكتاب من وجهين والكلام لكونه من عالم الامر غير الكتاب لكونه من عالم الخلق والمتكلم من قام به الكلام قيام الموجود بالموجد والكاتب من اوجد الكلام يعني الكتاب ولكل منها منازل ومراتب وكل متكلم كاتب بوجه وكل كاتب متكلم بوجه }
اقول : قوله { بل هو } اي الكلام { عبارة عن انشاء كلمات تامات } فيه اشعار بانحصار الكلام في هذه المعاني وقد بينا لك ان الحصر فيها ليس بصحيح وقول الله سبحانه وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم اي المسميات على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء صريح بان الله هو خالق الاسماء وواضعها على مسمياتها فاخبرني اي الكلمات المسميات ام الاسماء ام هما معا وهل الاسماء صفات المسميات المعنوية ام اللفظية فان كنت ممن يفهم اللحن كما في قول الصادق عليه السلم على ما رواه الكشي : انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن ه وممن يؤمن بالله وكلماته كما في قوله قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار تعرف ان الكلمات في اصل اللغة اعني اللغة الحقة هي المسميات مثلا كجرم الشمس اعني الكوكب النهاري الذي ينسخ وجوده وجود الليل فانها من المسميات وهي الاسماء المعنوية كنور الشمس فانه اسم معنوي وهي ايضا اللفظية كلفظ الشمس فانه اسم لفظي والثلاثة مما انشأ الله تعالى وكل منها كلمة تامة في مقامها بنسبة رتبتها من الوجود فيدخل في المسميات جرم الشمس بالاصالة ونور الشمس بالعرض ويدخل في الاسماء نور الشمس في المعنى ولفظ الشمس في اللفظ وكما يصدق الاسم على ما يدعي حصر الكلام فيه من الذوات والمعاني يصدق ايضا على الالفاظ فيكون رده على المعتزلة على غير ما ينبغي ولو رد عليهم بنقض حصرهم الكلام في الالفاظ لاتجه كلامه
وقوله { وانزال ايات محكمات } الخ عطف على قوله { انشاء كلمات تامات } والعطف يقتضي المغايرة فلا يكون تفسيرا للمعطوف عليه بل المراد انه تعالى انشأ كلمات تامات هي الذوات والموصوفات وانزل منها صفاتها واسماءها لان الاسماء معنوية كانت ام لفظية صفات لتلك الموصوفات واعراض لتلك الذوات وكانت الاسماء قبل انزالها لازمة لمباديها من المسميات حتى عرض لها القوابل ففصلها من مباديها واقامها بها قيام صدور مثل الصورة التي في المرءاة فانها قبل انزالها في المرءاة لازمة لصورة الشخص المقابل فلما عرضت القابلة لها اعني المرءاة فصلها منها واقامها بذلك المبدء اعني به صورة الشاخص اللازمة قيام صدور واراد بانشاء كلمات التكلم بها والكلمات التامات العقول فانها كلمات منشـٔات كما ذكر في كتاب اسرار الايات قال : واما الكلمات التامات فهي الهويات الفعلية النورية التي وجودها عين الشعور والاشعار والعلم والاعلام انتهى وكلامه له وجه ان لم يرد حصر الكلمات التامات في الذوات العقلية والا فلا لان من الكلمات التامات العاقلون بل هم الكلمات الكاملات اذ العاقل اتم من العقل وايضا في قوله الهويات الفعلية ما ينافي المذهب وما قام عليه الدليل من ان كل ممكن محتاج في بقائه وتحققه الى المدد وانه لا يستغني عن المدد طرفة عين والا لاستغنى ابدا ولا يمد لبقائه وتحققه الا بما لم يأته ولم يصل اليه او وصل اليه ثم خرج عنه واعيد اليه نازلا بعد ان صعد عنه وهو يريد بالفعلية الغير المنتظرة لشيء بل جف في حقها القلم فكان كل ما لها واليها بالفعل فهي كاملة لذاتها او مستكملة غير منتظرة لمدد ولقد لوح الى ما يفيد هذا المعنى فيما ذكره اول الكتاب في قوله ان العقل وما فوقه كل الاشياء فقد جعل العقل والذي فوقه هو البارئ تعالى كل الاشياء لكونهما بسيطي الحقيقة وانت خبير بان كلما سوى الله تعالى فهو محتاج الى مدده وكل ممكن فهو زوج تركيبي فليست العقول بسيطة ولا مستغنية وقوله : فوجودها عين الشعور والاشعار الخ اذا اريد بوجودها نور الله اي كونه غير ناظر الى ما سوى الله فانه ح يقظة واما اذا اعتبر كونه ناظرا الى نفسه او الى غير الله فانه ح لا شعور فيه والى ذلك الاشارة بتأويل قوله وتحسبهم ايقاظا وهم رقود نعم العقل تنام عينه ولا ينام قلبه وشعوره بنفسه بالله سبحانه بامره المفعولي اعني الحقيقة المحمدية واشعاره لما دونه بالله بواسطة امره وكذلك علمه واعلامه ومراده هنا مما ذكر او المراد لنا مما ذكر ان انشاءه تعالى تكلمه وكلامه مفعولاته في كل رتبة من مراتب الاكوان ومجعولاته كتابه بمعنى ان كلامه مفعولاته العقلية والنفسية باعتبار كونها منشأة وباعتبار تمايز افرادها بمشخصات هندسية هي كتابه لانه الالف المبسوط كما قال عز وجل وكتاب مسطور في رق منشور ومفعولاته اللفظية التي يعبر عنها ترجمانه اي يعبر عن صورها النفسانية حاكيا لترتيبها مع مدلولاتها بلسانه من غير تغيير ولا تبديل ولا تقديم ولا تأخير ومفعولاته الرقمية التي تنقش في الاوراق بصور ما نقشت في الالواح فكلامه تعالى صادق على المراتب الاربع باعتبار كونها منشأة وبمعنى ان ما انشأه منها اذا وضعه فيما يتقوم فيه من مكان ووقت وجهة ورتبة اقتضى تفاوتها بسط تلك المنشئات كل في وقته ومكانه وجهته ورتبته بمعونة كمه وكيفه فكان الجامع لما انتشر منها وانبث كتابه تعالى وهو في الصور الجوهرية وهي النفوس وفي جوهر الهباء وفي المثال وفي الاجسام بجميع مراتبها واما في العقول فهي وان كانت متمايزة تمايزا معنويا بحيث يتميز في العقل معنى الخاتم عن معنى البيت في التعقل بمميزات معنوية بحيث لا يشتبه احدهما بالاخر الا انها في الظاهر لم يكن تمايزها بالصورة فاطلق عليها البساطة فلا يقال لها كتاب لعدم الانتشار فيها والانبساط فهي كلامه بخلاف ما دونها من النفوس وما تحتها واما الارواح فلها اعتباران فلذا يطلق عليها النفوس تارة وتارة العقول وحيث اثبتنا لها صورا كهيئة ورق الاس فانها بمنزلة المضغ في تخلق الانسان وقد قال تعالى ثم من مضغة مخلقة دل على رجحان الحاقها بالنفوس فتكون كتابا ولما كان اكثر استعمال الجعل في اللوازم والتوابع حسن ان نقول كلامه مفعولاته وكتابه مجعولاته والمصنف عبر عن الجعل بالانزال لمناسبة الايات ولا بأس به وهذا وان كان اظهر من تعبيرنا في الظاهر لكن تعبيرنا اقرب للتعبير عن حقيقة الامر لان الانزال جعل في الحقيقة واليه الاشارة بقوله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء الاية وذلك لان النور الذي اوحى الله سبحانه الى نبيه صلى الله عليه واله كان روحا وهو ملك وهو خلق اعظم من الملائكة اعني روح القدس المسمى بعقل الكل وجعله تعالى نورا اي قرءانا وان شئت قلت انزله قرءانا والمعنى واحد اذا اردت بالانزال الجعل والا لم يصح على ظاهر الانزال بمعنى انه حطه من عال الى سافل بل كانزال الملك الامين على اقرارات المؤمنين بالولاية الى الارض حجرا اعني الحجر الاسود فافهم الاشارة
وقوله { وانزال آيات } يشير به الى ان افراد ذلك المجموع المبسوط المنتشر المسمى بالكتاب هي آياته ولعل المناسب ان يقال المجموع كله كتاب وانواعه سوره واصنافه اياته واشخاصه كلماته ولا مزية في الاطناب في هذه المعاني لاني لست بصدد شيء غير تصحيح الاعتقاد واذا ذكرت غير ما يتعلق بذلك فانما هو استطراد او تنبيه على مزية يتوقف عليها بعض تصحيح الاعتقاد وكثرة ردي على المصنف ليس لان بيني وبينه نبوة او حسد او عداوة وانما اريد بيان الحق وهداية من يطلب الرشاد وان الله سبحانه يعلم ما في ضميري ويطلع على قصدي وهو سائلي عن ذلك
وقوله { محكمات واخر متشابهات } فالذوات المحكمات ذوات المؤمنين الممتحنين واتباعهم وهو الذوات المطهرات كالمعصومين عليهم السلم وما يلحق بهم مما كثر خيره من اتباعهم وهذا المحكم في كل بحسبه من الروح الكلية والنفس الكلية الى التراب الصالح الطيب والمتشابه من النفس الامارة الكلية الى التراب المالح والارض السبخة
وقوله { في كسوة الفاظ } الخ قد تقدم ما يكفي لبيانه فانا قد ذكرنا ان الالفاظ والعبارات من الكلام ومن الكتاب كل في رتبته فلا ينحصر الكلام والكتاب فيما ذكره
واستشهاده بقوله { وكلمته القاها الى مريم وروح منه } على الحصر ينفيه قوله تعالى رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها وما في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات
{ وفي الحديث اعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق } قد ورد فيه بانها رجال وبانها الفاظ لما قدمنا من تساوي الكل في كونها صنعه فما لم يتمايز بالمشخصات الشخصية سواء في الانواع او الاصناف او الاشخاص فهو كلام على اصطلاحه وما كان كذلك فهو كتاب
وقوله { والكلام النازل من عند الله هو كلام وكتاب من وجهين } هو ما اشرنا لك اليه فانه بلحاظ البساطة او البساطة كلام وبلحاظ التعدد او الانبساط كتاب والكسوة كما قلنا يجري فيها هذا باعتبارين وهذا ظاهر
وقوله { والكلام لكونه من عالم الامر غير الكتاب لكونه من عالم الخلق } يريد به ان الكلام الذي هو الهويات العقلية من عالم الامر اي الفعل والتكوين وهذا كما هو مقرر عندهم ان عالم الامر عالم العقول وعالم الخلق عالم النفوس وعندنا ان عالم الامر هو عالم الاختراع والابداع اعني المشية والارادة واما العقول فهي من عالم الخلق نعم عالم الخلق هو المفعولات وهي قد تكون حاملة لافعاله تعالى كحمل الحديدة لحرارة النار ويكون عز وجل فاعلا بها واليه الاشارة بقول علي عليه السلم في شأن الجواهر المجردة من الملائكة والارواح والنفوس قال (ع) : والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ه ويمكن بهذا الاعتبار جعلها من عالم الامر لما يظهر بها او عنها من التكوينات فعلى هذا يجوز ان يقال عليها عالم الامر وعالم الخلق باعتبارين وعلى كل حال عالم الامر غير عالم الخلق لان الاول عالم التكوين والثاني عالم التكون
وقوله { والمتكلم من قام به الكلام قيام الموجود بالموجد } يريد به ان المتكلم هو منشئ الكلام بدليل ما ذكر قبل من قوله { عبارة عن انشاء كلمات } الخ وفسره هنا بقوله { من قام به الكلام } الخ ومعناه ان الكلام قائم بالمتكلم قيام صدور لا قيام عروض وحلول وهذا صحيح الا انه مناف لقوله السابق من اتحاد الموجود بالموجد ولكن هذا على مذهبنا صحيح الا انا نتفارق معه في المراد من المتكلم فانه على مفاد طريقته وعباراته انه الذات البحت وعندنا هو مثال الذات اعني فاعل الكلام وصانعه ويحتمل انه يريد ان الكلام قائم بالمتكلم اي متحقق به لا انه من حيث هو مصنوع له لان هذا عنده صفة الكتاب لا صفة الكلام
ويؤيد هذا الاحتمال قوله { والكاتب من اوجد الكلام يعني الكتاب } فجعل الفرق بينهما ان المتكلم من تقوم به الكلام والكاتب من اوجده فيفهم من هذا انه لا يريد ان المتكلم من اوجد الكلام ويؤيد هذا رده لكلام المعتزلة كما تقدم فيكون عنده من اوجد الكلام ليس بمتكلم بل هو كاتب واذا قلنا اراد بقيام الموجود بالموجد استناده اليه لانه من عالم الامر اذ هو فوق التجدد والحدوث انطبق مراده على اعتقاده ولكن الكفر ملة واحدة والحق ان المتكلم من اوجد الكلام وهو قائم بفعله قيام صدور والمتكلم اسم فاعل الكلام فهو صفة مركبة من الايجاد والموجود به اعني الكلام يعني مركبة من الفعل والحدث ومسماه مثال الذات البحت اعني فاعل الكلام وموجده وهو الظاهر بالكلام واما الكاتب فهو اسم لموجد الكتابة لكن لما كان الكلام اثر الحركة الموجدة له المتقضي بانقضائها لانه وان كانت هيولاه من الهواء في الاصل فان مادته من حركة موجده لانها اصوات صاغها من حركته وآلاتها الحاملة لها ومن الهواء بل في الحقيقة انما صاغها من حركته في الهواء فالهواء من مقومات مادته فلما كان كذلك كان قائما بمصدره اي بفعل موجده قيام صدور ومحل ظهوره الهواء والكتابة ليست مادتها من فعل الكاتب بل هي من المداد فكانت هيئاتها المشخصة لها وان كانت من هيئات حركة مؤثرها متقومة بمادتها الاجنبية فكانت الكتابة قائمة في القرطاس وهذا ما اشرنا اليه قبل هذا من كون المجعولات كتابه تعالى لانه عز وجل اقامها بموادها في اوقاتها واماكنها اذ هي من حدود قابلياتها
وقوله { ولكل منها منازل ومراتب } يريد ان لكل من الكلام والكتاب منازل اذا تنزل من مصدره اليها ظهر فيها لمن يخاطب به ولمن يرسل اليه فمنازلهما في عالم الاسرار غير منازلهما في عالم الانوار وهي غيرها في عالم الاشباح وهي غيرها في عالم الاجسام اذ هما في عالم الاسرار حيوة وفي عالم الانوار اشراق وفي عالم الاشباح تصور وخطاب وفي عالم الاجسام كلام وكتاب وهذا تمثيل لما يظهر والا ففي الحقيقة كلها حيوة واشراق وتصور وخطاب وكلام وكتاب وكذا في المراتب والفرق بين المنازل والمراتب ان المنازل ظهورهما في كل رتبة والمراتب نسب المنازل الى المبدء في القرب والبعد وانما جمع بينهما في مطلق المنازل والمراتب لصدق كل واحد منهما على ما يراد من الاخر باعتبار
وقد اشار الى هذا بقوله { وكل متكلم كاتب بوجه وكل كاتب متكلم بوجه } يعني ان المتكلم هو الموجد للكلام والكاتب هو الموجد للكتابة وانما يقال لهذا الموجد متكلم بلحاظ ان ما اوجده قائم بفعله قيام صدور باعتبار ان مادته المتقوم بها من حركته الايجادية على نحو ما مر ويقال له كاتب بلحاظ ان ما اوجده قائم بمحله المتشخص فيه به اي بذلك المحل واما الفرق بالتقضي والبقاء فانما هو بالنسبة الينا واما في الحقيقة فكل مخلوق مضبوط اجل خروجه الى الكون وتقضيه وبقائه وهي مختلفة على حسب قوابلها وفي حقيقة هذه الحقيقة ان كل شيء لا يخرج عما اقيم فيه من مراتب ملكه تعالى سواء الكلام وغيره وكيف يدخل شيء في ملكه وعلمه الامكاني والكوني ويخرج عنه وقد اشار الى هذا المعنى بقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وهو كتاب ملكه وسلطانه عز وجل
قال : { ومثاله في الشاهد ان الانسان اذا تكلم بكلام فقد صدر عن نفسه في لوح صدره ومخارج حروفه صور واشكال حرفية فنفسه ممن اوجد الكلام فيكون كاتبا بقلم قدرته في الواح صدره ومنازل صوته ومجاري نفسه بفتح الفاء وشخصه الجسماني ممن قام به الكلام فيكون متكلما فاجعل نفسك مقياسا لما فوقه }
اقول : قوله { ومثاله } جار على متعارفهم في التعبير لا على طريقة اهل الحق عليهم السلم لانهم اذا ارادوا بيان ذلك بهذا قالوا وآيته او دليله وان قالوا ومثاله لاجل تفهيم السائل فانهم عليهم السلم ما يريدون محض التمثيل وانما يريدون الاية والدليل ومعنى كلامي ان مجرد التمثيل لا يكون دليلا بخلاف ما لو قيل اية او دليل وقد ثبت بالنقل الصحيح والعقل الصريح ان ذلك وامثاله قد جعله دليلا بل على نحو المعاتبة كما اشار اليه تعالى بقوله وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ولا شك ان الكلام منا اية لاولي الالباب قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق
قوله { ان الانسان اذا تكلم بكلام فقد صدر عن نفسه } يعني بسكون الفاء { في لوح صدره } يعني خياله وتصوره لانه لوح النفس { ومخارج حروفه } التي هي محال وجودات الحروف الثانية { صور واشكال حرفية } يعني ان تلك الاصوات انما تمايز بعضها عن بعض بتلك الصور والاشكال والمراد بها الصور والاشكال الجوهرية لها اذ لا تتقوم بدونها وهي مثل الجهر والهمس والقلقلة والشدة والرخاوة والتفشي وامثال ذلك { فنفسه } بسكون الفاء { ممن اوجد الكلام فيكون كاتبا } باعتبار نفس صورها في خياله وهيئاتها وصفاتها في سمعه وذواتها في الهواء فهو كاتب { بقلم قدرته } اعني احداثه للحروف { في الواح صدره } اي خياله { ومنازل صوته } التي اولها النقطة الممتدة من جوفه الى الهواء الخارج عن فمه وهذا هو الالف اللينة وهي عند المحققين ليست من الحروف وانما هي الهيولي التي تقطع منها الحروف التي اولها الالف المتحركة ثم الهاء الى اخر الحروف بالنسبة الى مخارجها وهو الباء الموحدة فنفس المتكلم ممن اوجد الكلام بفعلها في منازل ظهوراته وتنزلاته فيكون كاتبا وهو الذي قام به الكلام قيام صدور فيكون متكلما
وقوله { فشخصه الجسماني } الخ يوهم انه قام به قيام عروض لكن اذا لاحظنا ما تقدم من كلامه في قوله : كقيام الموجود بالموجد وجهنا هذه العبارة لكل احد بنسبة اعتقاده في معنى قيام الموجود بالموجد فاما المصنف فهو قائل بوحدة الوجود وان الاشياء من سنخ صانعها بل وجودها وجوده تعالى وحيث شبه الكلام بالموجود وقيامه بالمتكلم كقيام الموجود بالموجد ظهر مراده هنا ان الكلام هو المتكلم وصادق عليه فحيثما قال خطأ فذاته خطأ وهكذا واما نحن فنقول الموجود قائم بامر الله الفعلي اي المشية والارادة والابداع قيام صدور وبالامر المفعولي الذي هو نور الانوار اعني اول صادر عن فعل الله وهو الحقيقة المحمدية قياما ركنيا وهو قيام التحقق والكلام قائم بحركة المتكلم قيام صدور والكتابة قائمة بالمداد قيام تحقق وعلى النظر الحق ان الانسان المتكلم هو من اوجد الاصوات فباعتبار انها قائمة به قيام صدور هي كلام وهو متكلم وباعتبار قيامها بالهواء وبمتعلقاتها من الاسماع والنفوس المؤثرة فيها حين توجه اليها قيام عروض هي كتاب وهذا هو المقياس الحق لانه هو آية الله تعالى لهذا المذكور في الافاق وفي الانفس
قال : { والكلام قرءان وفرقان باعتبارين والكلام لكونه من عالم الامر منزلة الصدور ولا يدركه الا اولوا الالباب بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وما يعقلها الا العالمون والكتاب لكونه من عالم الخلق منزلة الالواح القدرية يدركه كل احد بقوله تعالى وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة والكلام لا يمسه الا المطهرون بل هو قرءان كريم في لوح محفوظ لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين فتنزيله هو الكتاب }
اقول : قوله { والكلام قرءان وفرقان باعتبارين } قد يراد منه مطلق الكلام وقد يراد به اكمله فان اريد الاول كان المراد من قوله قرءان ما يقرأ اي يتلفظ به او ما يعلم فان ذلك قرائة معنوية والقرءان مصدر بمعنى القراءة كالغفران والفرقان ما يرتفع به الالتباس منه فيصدقان على الكلام باعتبارين وان اريد الثاني كان المراد الكلام المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه واله بخصوص لفظه ومعناه ونظمه وهو مجموع ما بين الدفتين والفرقان هو الفارق منه بين الحق والباطل او كله بهذا الاعتبار فانه فارق بين الحق والباطل اذ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفي الحديث الفرقان المحكم الواجب العمل به والقرءان جملة الكتاب ه وعلى ظاهر الحديث المتشابه ليس من الفرقان ما دام متشابها فاذا رد الى المحكم لحق به وهو من القرءان قبل الرد وبعده واما في الحقيقة فالمتشابه من الفرقان قبل الرد ايضا لانه حينئذ يميز المؤمن من غيره فان المؤمن يؤمن به كما اخبر تعالى عنه فقال تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب اي الفرقان الواجب العمل به واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ وهم غير المؤمنين فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فكان المتشابه من الفرقان لتمييزه لغير المؤمنين واستنطاقه لما في ضمائرهم الى ان قال تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وكان من الفرقان لتمييزه لاهل الايمان به والمنزل على نبينا صلى الله عليه واله كما في الحديث نزل القرءان ( على خل ) اربعة ارباع ربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وامثال وربع فرائض واحكام ه هو قرءان باعتبار انه يقرء وهو فرقان باعتبار انه يفرق بين الحق والباطل فالربع الاول مميز للحق بالثناء عليهم والدعاء اليهم والربع الثاني مميز للباطل بذم اهله والنهي عنهم والربع الثالث مميز للمتممات من الاعمال والمكملات لها ودال على طريق النجاة وواعظ للعصاة فهو فارق بين طريق الحيوة والنجاة والهلاك والربع الرابع ظاهر فكان الكلام قرءانا وفرقانا باعتبارين
وقوله { والكلام لكونه من عالم الامر منزلة الصدور } يريد به ان الكلام هو الفعل او مظهر الفعل لان عالم الامر هو عالم الفعل وهو كذلك لان الكلام ان اريد به المعنوي فهو ظاهر في كونه من عالم الامر مثل فعل الله الذي هو مشيته وارادته وابداعه واختراعه لانه اذا اراد شيئا كان ما اراد ان يكون وقوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون يراد من الامر نفس الارادة كما قال الصادق عليه السلم لا كاف ولا نون وانما اراد فكان ما اراد ان يكون ه او كما قال عليه السلم فالامر هنا هو الارادة وهو كلام معنوي لانه عبارة عن محض الايجاد وان اريد به الكلام اللفظي فهو آلة التأدية والتبليغ الى المكلفين وهو من عالم الامر الثاني الجعلي كما قال الرضا عليه السلم في كلامه لعمران الصابي : وكان اول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شيء ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل الى ان قال ثم جعل الحروف بعد احصائها واحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل كن فيكون وكن منه صنع وما يكون به المصنوع فالخلق الاول من الله الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور اليها الحديث فالفعل الاول الابداع والارادة والمشية وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون وبه احدث سبحانه الحروف وجعلها فعلا منه كما مر في الحديث والحاصل ان اطلاق عالم الامر على الكلام بهذا المعنى لا بأس به لكنه لا دائما بل بهذا الاعتبار لانه ايضا من عالم الخلق وكونه يستعمل فعلا وحاملا للفعل لا يختص به بل كل ما في عالم الخلق يستعمل فعلا اذا خلق الله به شيئا لانه حامل للفعل كما قال امير المؤمنين عليه السلم في وصف نفوس الملأ الاعلى قال : والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث وعلى كل تقدير فمنزل المعنوي الصدور وهذا ايضا كلام باعتبار وكتاب باعتبار فانه في الصدور وما في الصدور مكتوب فيها كما قال تعالى اولئك كتب في قلوبهم الايمان ومما كتب الشهادتين والمعاد والولاية نعم اذا لوحظ انبعاثه وتقومه بمصدره تقوم صدور لا حلول اختص ظاهرا بكونه كلاما وفي نفس الامر هو كتاب مكتوب في لوح ملكه تعالى فكما يكون الكلام من عالم الامر يكون من عالم الخلق وكما يكون في الصدور يكون في الاسماع وليس كل ما لا يدركه الا اولوا الالباب من عالم الامر بل قال تعالى ويخلق ما لا تعلمون فان ما لا يدركه اولوا الالباب الذين عناهم من عالم الخلق اكثر مما يدركونه بما لا يكاد يحصى
واستشهاده بقوله تعالى { بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم } لا يخص بل كما كان في صدورهم من عالم الامر كذلك يكون كتابا فان اطلاق الكتاب في القرءان على الامام عليه السلم ثابت في كل موضع من القرءان ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين حم والكتاب المبين هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وهو الذي قال انا كتاب الله الناطق
واستشهاده بقوله تعالى { وما يعقلها الا العالمون } عليه لا له فان المراد بها الامثال المكتوبة في لوح الافاق كما قال تعالى وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وهذه التي يمر عليها الجاهلون ولا يعقلونها هي التي يعقلها العالمون مع ان الجهال يدركونها فان قلت انما اراد ان الجاهلين لا يعقلونها قلت انما اراد ان الجاهلين لا يدركونها بحواسهم ولو اراد انهم لا يدركونها بعقولهم لم يكن بين ما هو من عالم الامر وبين ما هو من عالم الخلق فرق بل ربما تكون اسرار المحسوسات اخفى من اسرار المعقولات كما هو مشاهد
وقوله { والكتاب لكونه من عالم الخلق منزلة الالواح القدرية } ربما يفهم منه ومما قبله اختصاص ما هو من عالم الخلق بنزوله في الالواح القدرية وما هو من عالم الامر بالواح الصدور وقد اشرنا الى عدم الاختصاص بل يكون كل منهما في المنزلتين باعتبار وايضا قوله { الالواح القدرية } مبني على ما اصطلحوا عليه من ان القضاء سابق على القدر لانه من صقع الالوهية والقدر من لوازم الماديات وهذا بخلاف ما عليه اهل العصمة عليهم السلام فان القدر عندهم سابق على القضاء وان كليهما متعلقه الحوادث الا ان القدر فعل الله المتعلق بتقدير الحوادث من الغيب والشهادة في اجل بدئها وفنائها وبقائها وارزاقها وسعادتها وشقاوتها وغير ذلك والقضاء بعد القدر يتعلق بتتميم المقدرات وحيث كان يجري مجرى القوم لا على طريقة ائمتنا عليهم السلم قال ان ما في الالواح القدرية يدركه كل احد وقد بينا ما فيه
واستشهاده بقوله تعالى { وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة } فيه ما تقدم فان مما هو عنده من عالم الامر اللوح المحفوظ وقد كتب فيه القلم ما كان وما يكون وقال تعالى علمها عند ربي في كتاب وقال وعندنا كتاب حفيظ
وكذا قوله { والكلام لا يمسه الا المطهرون } الخ فان فيه قوله تعالى في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون فانه تعالى اخبر ان القرءان في كتاب مكنون ذلك الكتاب لا يمسه الا المطهرون وان جعل الضمير في { يمسه } للقرءان لا للكتاب صح ولكنه هو المنزل من رب العالمين وعنده ان المنزل هو الكتاب لقوله { فتنزيله هو الكتاب } فكلامه لا يستقيم منه شيء الا على معناه الاول في قوله باعتبارين
قال : { الموقف الثاني - في الاشارة الى الصنع والابداع وفيه مشاعر : المشعر الاول - فاعلية كل فاعل اما بالطبع او بالقسر او بالتسخير او بالقصد او بالرضا او بالعناية او بالتجلي وما سوى الثلاثة الاول ارادي البتة والثالث يحتمل الوجهين وصانع العالم فاعل بالطبع عند الدهرية والطباعية وبالقسر مع الداعي عند المعتزلة وبغير الداعي عند اكثر المتكلمين وبالرضا عند الاشراقيين وبالعناية عند جمهور الحكماء وبالتجلي عند الصوفية ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات }
اقول : اعلم ان هذا التقسيم جار على طريقة الظاهر التي يستعملها الحكماء الاولون والانبياء عليهم السلام لتعريف العوام وجرى عليها المتأخرون والمتكلمون وهي مبلغهم من العلم واما في الحقيقة التي خلق سبحانه عليها الخلق وعرفها انبياءه ورسله واولياءه عليهم السلم ففاعلية كل فاعل بالاختيار وان الجبر غير متحقق في العالم اصلا الا على نحو التتميم والاعانة وقد بينا وجه ذلك في رسالتنا المسماة بالفوائد وفي شرحنا عليها من اراد الاطلاع على ذلك طلبه هنالك وقول المصنف هنا بل في سائر كتبه من هذا النوع اذ لا يعرف الا ما قاله من قبله ممن هو من نوعه ولقد صدق فيه وفيهم قول امير المؤمنين عليه السلم : ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض الحديث
وقوله { اما بالطبع } وهو من يصدر عنه الفعل بمقتضى طبيعته بلا شعور منه بما فعل ولا ارادة فيكون فعله ملائما لطبعه وقد يكون مع الشعور الا انه لم يكن له داع غير ميل الطبيعة او بالقسر اي قد يكون الشيء فاعلا بالقسر وهو الذي يصدر عنه فعل بغير ارادته سواء كان عن شعور ام لا ويكون على خلاف محبته او بالتسخير وهو الذي يصدر عنه الفعل بمقتضى ارادة المسخر وداعيه ويكون ذلك منه اعم من شعوره وارادته ورضاه بل قد يشعر وقد لا يشعر وقد يريد بمقتضى طبيعته وقد لا يريد وقد يرضى بمعونة بعث المسخر وقد لا يرضى او بالجبر وهو ان يفعل المختار بغير اختياره بل بارادة مجبره او هو بمعنى القسر او القسر بمعناه او بالقصد وهو الذي يفعل بارادته لغرضه المقصود بفعله سواء كان بسبب معونة حصول الدواعي وانتفاء الموانع ام بنفس ارادته او بالرضا وهو الذي يكون علمه الذاتي علة لوجود مفاعيله وعين معلوميتها له عين وجودها عنه وعلمه بها عين فعله لها بلا اختلاف في شيء من ذلك او بالعناية وهو الذي يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير في ذلك الفعل في نفس الامر فيفعل عن ذلك العلم من غير قصد زائد على ذلك العلم او بالتجلي وهو ان يلقي مثاله في هويات الاشياء بحسب قوابلها وهذا تعريف ما ذكر من التقسيم في الجملة ويأتي تتمة الكلام
ثم قال { وما سوى الثلاثة الاول } يعني ما سوى الفاعل بالطبع والفاعل بالقسر والفاعل بالتسخير { ارادي } يعني ان فعل الفاعل بالقصد وبالرضا وبالعناية وبالتجلي ارادي صدر عنه بارادته وقد اشرنا الى ان ما كان بالطبع قد يكون اراديا ولا يلزم ان كلما صدر عن طبيعة الشيء لا يكون اراديا او بغير شعور بل قد يكون عن ارادة وشعور بل لو بنينا على حاق حقيقة الامر لم يوجد فاعل ينسب اليه الفعل حقيقة الا بارادة وشعور الا انه في كل شيء بحسبه وان ما كان بالقسر او الجبر لا يكاد ينفك عن الشعور والارادة الا ان ذلك بمعونة تتميم نقص طبيعته وذاته من قسر القاسر واجبار المجبر اذ اقتضاء طبيعة ذي الطبع وذات المقسور والمجبور كان ناقصا لكونهما ناقصتين في اقتضائهما لذلك الفعل فكان الاجبار متمما وميل الطبيعة معينا للشيء وخفاء ما اشرنا اليه في النباتات والجمادات والحيوانات انما عرض للاوهام لاقتصار نظرها على ما انتقش فيها من افعال المختارين من نحو بني ادم ولو تنزلت الى كل رتبة دونها بحليتها او ترقت الى كل رتبة فوقها باخلاقها لعرفت ما اشرنا اليه واما ما جعله اراديا وهو الاربعة الباقية فنقول اما الفاعل بالقصد ففعله ارادي وهو اكمل الفاعلين لكونه فاعلا مختارا بكل رتبة من مراتب الاختيار لصدق الفعل بالارادة وبالرضا وبالعناية وبالتجلي عليه وانتفاء صدق فعل الطبيعة والقسر والتسخير عنه واما الفاعل بالرضا فاذا اريد منه ما اريد منه فلا بأس واما اذا اريد منه ما يعني المصنف واهل ملته فلا يكون اراديا فانهم يجعلون الفاعل بالرضا هو الذي يكون سبب فعله للاشياء علمه بمعنى ان علمه بها نفس فعله لها وعين عالميته بها عين فاعليته لها ومع هذا كله فيريدون من هذا العلم العلم الذي هو ذاته فليزمهم ان تكون ذاته صنعا ومصنوعا فرضاه بفعله عين رضاه بذاته فهو فعله وهذا معلوم من طريقتهم المنكوسة المتعوسة ولو ارادوا بذلك العلم العلم الحادث بحدوث المعلوم سواء جعلوه فعله لها ام نفسها لم نعترض عليهم بمثل هذا الاعتراض لانه يكون الفاعل غير المفعول وغير الفعل واما الفاعل بالعناية فانه يلزم منه القول بالجبر في افعال العباد لانه عندهم هو الذي يتبع فعله علمه بوجه الخير لا نفس الامر وعلمه بوجه الخير كاف في الصدور عن الارادة الا ان يجعلوا ذلك العلم ارادة فيكون اراديا مع لزوم الجبر ثم اذا جعلوه ارادة فان قالوا بحدوثه صح لهم كل ما سوى لزوم الجبر واما اذا قالوا بقدمه امتنع الفعل في القدم او القدم في الحدوث او انفكاك احدهما عن الاخر لان العلم عندهم كاف في صدور الاشياء ولو كان سابقا في وجوده على صدورها لم يكن كافيا لانهم اذا جعلوه كافيا كان كافيا في القدم فتصدر حيث يكون كافيا فتكون صادرة في القدم ومع هذا كله فالجبر لازم على انا قد بينا ان الارادة حادثة لانها من صفات الافعال ولا تكون الا والمراد معها كما دلت عليه اخبار اهل الحق عليهم السلم وهم لا يريدون بالعلم الا الذات البحت سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا
وقال المصنف { والثالث يحتمل وجهين } يعني الارادة والشعور وعدمهما وليس كذلك بل كما قلنا من انه ( قد خل ) يشعر وقد لا يشعر وقد يريد وقد لا يريد لا انه يحتمل ان يكون ذا ارادة وشعور وان لا يكون كذلك فتكون حالاته واحدة في كل ما يصدر عنه بباعث مسخرة بل يكون في بعض الاحوال مشعرا بل ومريدا بسبب داعي طبيعته كالمجبور على النكاح مثلا فانه لو لم يشعر او لم يرد لم يحصل له الانعاظ (ظ) وان كان بداعي الطبيعة البشرية وقد يكون في بعض الاحوال غير مريد ولا مشعر ولو قال يحتمل ذلك في حالين لكان اصح لعبارته ومعناه
قوله { وصانع العالم فاعل بالطبع عند الدهرية والطباعية } الى اخره قال في الكتاب الكبير : واذا علمت اقسام الفاعل فاعلم انه ذهب جمع من الطباعية والدهرية خذلهم الله الى ان مبدأ الكل فاعل بالطبع وجمهور المتكلمين الى انه فاعل بالقصد والشيخ الرئيس وفاقا لجمهور المشائين الى ان فاعليته للاشياء الخارجية بالعناية والصور العلمية الحاصلة في ذاته على رائهم ( رأيهم خل ) بالرضا وصاحب الاشراق تبعا لحكماء الفرس والرواقيين الى انه فاعل الكل بالمعنى الاخير اي بالرضا وسنحقق لك في مستأنف الكلام في الاصول الاتية انشاء الله تعالى ان فاعل الكل لا يجوز اتصافه بالفاعلية باحد من الوجوه الثلاثة الاول وان ذاته ارفع من ان تكون فاعلا بالمعنى الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرار التكثر بل التجسم تعالى عن ذلك علوا كبيرا فهو اما فاعل بالعناية او بالرضا وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار بمعنى ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل لا بالايجاب كما توهمه جماعة من الناس فان صحة الشرطية غير متعلقة بصدق شيء من مقدمها وتاليها بل وجوبه وكذبه بل امتناعه الا ان الحق هو الاول منهما فان فاعل الكل كما سيجيء يعلم الكل قبل الوجود بعلم هو عين ذاته فيكون علمه بالاشياء الذي هو عين ذاته نشأ لوجودها فيكون فاعلا بالعناية انتهى كلامه اقول قد فسر الفاعل بالعناية قبل هذا الكلام بانه الذي يكون علمه بالشيء بنحو اصلحه بحسب نفس الامر منشأ لفعله من دون قصد زائد على العلم وداعية خارجة عن ذات الفاعل فاقول : ما المراد من قوله : من دون قصد زائد الخ هل يريد بالقصد الزائد داعيا غير نفس الفعل ام يجعله نفس الفعل فان اراد به غير الفعل فعندنا انه لا شك انه تعالى ليس له داع غير نفس فعله لان ارادته وقصده ومشيته نفس ايجاده تعالى لانه لا يهم ولا يفكر ولا يروي وان اراد به شيئا غير فعله فتعالى ربي عن ذلك وان اراد بان الفاعل لا يكون فاعلا بالعناية الا بلحاظ عدم مطلق القصد اي باي معنى يكون فلا يصح هذا الكلام لان من يفعل بغير قصد ليس بمختار وجعله العلم قصدا وارادة لانه ذاته تعالى وهي ارادة ليس بصحيح لان ذاته وعلمه الذي هو ذاته غير منتظر لشيء ولا محصل لشيء بل كل شيء حاصل له قبل الفعل وبعده على حد واحد فقصده وارادته لما يفعل فعله له لا غير ولا يصح ان يفعل بغير ارادة فيكون فاعلا بالطبيعة او بالجبر ولا ان يكون له ارادة غير فعله فيكون ذا ميل وداع وذا فكر وترو اذ من كان كذلك فهو مصنوع غير صمد بل يكون للاشياء مدخل فيه تعالى ربنا عن ذلك فلا يكون فاعلا بالعناية الا على معنى انه فاعل بالقصد ولا يكون فاعلا بالقصد الا على معنى ان قصده عين فعله لا غير الا اذا اريد بالفاعل الفاعل الممكن والمصنف صرح في الكتاب الكبير بانه تعالى فاعل بالعناية كما سمعت من كلامه
وذكر الملا احمد في حاشيته على المشاعر ان الحق عند المصنف هو القسم الاخير الذي ذكرنا اعني الفاعل بالتجلي ولكنه بحسب مقام آخر ومرتبة اخرى وهو ههنا في مقام اخر فلا منافاة بين ما حققه ههنا وبين ما هو الحق عنده فخذ هذا وكن من الشاكرين انتهى اقول ان القول بانه فاعل بالتجلي كالقول الاول فيما يرد عليه فان معناه ان الاشياء المحدثة هيئات صفات ذاته قياسا على ظهور المقابل للمرءاة بهيئة صورة ذاته ولو صح هذا لعرفت صفات ذاته بهيئاتها فتكون مدركة كما انك تعرف صفات المقابل للمرءاة وتدرك هيئاته بواسطة صورته في المرءاة فتكون نفسك هي صفة ذاته التي تجلى بها لك والحق ان المعروف بمعرفة النفس انما هو الصفة التي تعرف لك بها من توصيفه وهي حادثة بفعله فهي صفة استدلال عليه لانها صفة الوصف والتعريف لا صفة تكشف له لكونها صفة ذاته وربما كان قول المصنف في الكتاب الكبير الذي نقلناه في بيان الفاعل بالاختيار قال : بمعنى ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل ولم يقل وان شاء ترك او وان شاء لم يفعل يشير الى انه فاعل بالتجلي وقد قلنا انه كالقول بالعناية ويريد بتغيير العبارة في قوله : وان لم يشأ لم يفعل انه شاء لما يريد فعله في الازل قبل ان يفعله وان لم يشأه في الازل لم يشأ ان يفعله في الامكان وقد ذكرنا في شرحنا في مواضع متعددة انه قبل ان يفعل له ان يفعل وان لا يفعل وكل ذلك عن قصد خاص بالمفعول هو نفس فعله واما نحن فنقول اذا شئنا هو فاعل بالتجلي وهو حق واذا قال المصنف انه فاعل بالتجلي فليس بصحيح لانا نريد انه سبحانه تجلى للعباد بايجادهم لا بذاته فانه تعالى لا تتغير حاله فكان غير متجل في الازل ثم تجلى ومن كان كذلك فهو حادث لاختلاف احواله وان كان متجليا في الازل كان ما تجلى به قديما تعالى ربي بخلاف قول المصنف الذي يرى ان خلقه منه بالسنخ وان وجودهم وجوده فعنده اذا تجلى فانما تجلى بذاته وهذا باطل وقوله : وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار ليس على مراده بصحيح لانه لا يريد بالاختيار انه ان شاء فعل وان شاء ترك بل يريد انه راض بفعله وان كان لا بد ان يفعل او انه في علمه انه يفعل فليس له الا يفعل وعلى اي الوجهين فهو فعل بالاضطرار وقد بين في هذا الكتاب ان القول بانه فاعل بالتجلي للصوفية
وقوله { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات } يريد به من الاية مراد الصوفية بانه تعالى هو يسيرهم في هذه الجهات بالعناية السابقة والعلم الازلي لا غير كما قال هو الذي يسيركم في البر والبحر اي في الاقوال والمعاني او في الغيب والشهادة او في الاجسام والارواح او في الاحكام والاعتقادات وليس الامر كما زعم لانه تعالى لو اجرى الايجاد على ما ذهب اليه او التكاليف للزم الجبر في افعال العباد ولتساوت الخلائق في الايجاب بل يجب الاتحاد فلا يوجد الا شخص واحد لان فعله واحد بجهة واحدة بل يبطل الايجاد لعدم جواز التكليف الذي هو الغاية في الصنع بل الحق انه سبحانه اجرى صنعه على مقتضى القابليات التي هي الاعمال والاقوال والاعتقادات ولكل شخص او اهل مذهب وجهة من اعمالهم هو موليها باعمالهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يوليها بفعله وعلمه الا بقوابل اعمالهم وماظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم وفي هذا فاستبقوا الخيرات
قال : { المشعر الثاني - في فعله تعالى فعله تعالى امر وخلق امره مع الله وخلقه حادث زماني وفي الحديث انه قال رسول الله صلى الله عليه واله اول ما خلق الله العقل وفي رواية القلم وفي رواية نوري والمعنى في الكل واحد وفي كتاب بصائر الدرجات لبعض اصحابنا الامامية رضي الله عنهم قال حدثنا يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابي عمير عن هشام بن سالم قال سمعت اباعبد الله عليه السلم يقول ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال خلق اعظم من جبرئل وميكائيل لم يكن مع احد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه واله وهو مع الائمة عليهم السلم يسددهم انتهى }
اقول : هذا الكلام من المصنف في بيان فعل الله تعالى وذكره للعقل يظهر منه انه هو الفعل وهو غلط ظاهر فان العقل من المفعولات وليس اول مخلوق منها وانما هو اول مخلوق من المركبات والمقيدات ففي الكافي عن الصادق عليه السلم انه قال ان العقل اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الخ والعرش المذكور له اربعة اركان وهذا العقل الايمن منه وروي ان القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد فتكون شجرة الخلد خلقت قبله وفي تاريخ الحسن العسكري عليه السلام : وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فتكون جنان الصاقورة غرسوها عليهم السلام قبل ان يخلق روح القدس وهو العقل وهو القلم المأخوذ من شجرة الخلد ولما اثمرت كان اول من اكل من ثمرها روح القدس يعني انه اول من ذاق ثمرة الوجود من حدائق محمد واله صلى الله عليه واله وذلك لان اول ما صدر من فعل الله سبحانه وايجاده الحقيقة المحمدية كما قال صلى الله عليه واله حين سأله جابر بن عبد الله الانصاري عن اول ما خلق الله فقال : نور نبيك يا جابر الحديث وهو الماء الذي منه كل شيء حي ثم ساقه الى ارض الجرز والارض الميت اعني ارض القابليات فانزل بها الماء فاخرج به من كل الثمرات واول من خرج واكل فاكهة الوجود العقل وفعل الله تعالى هو مشيته وارادته قال الصادق عليه السلم : خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية ه فامر الله هو فعله وهو مشيته وارادته وابداعه قال الرضا عليه السلم : المشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد وقال الصادق عليه السلم : الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر ه
وقوله { امر وخلق } تفسير لفعل الله مجاز قد يتسامح فيه لكنا نقول فعل الله تعالى هو امره ويطلق الامر على الفعل وهو ما قامت به الاشياء كلها قيام صدور وعلى المفعول الاول وهو نور الانوار والحقيقة المحمدية (ص) وهو ما قامت به الاشياء قياما ركنيا ومثالهما اذا قابلت المرءاة انطبعت فيها صورتك فالصورة المنطبعة شعاع من صورتك التي قامت بك فهي قائمة بصورتك قيام صدور والصورة المنطبعة في المرءاة قائمة بهذا الشعاع قياما ركنيا لان هذا الشعاع القائم بصورتك قيام صدور هو مادة الصورة المنطبعة في المرءاة وصورتها هيئة المرءاة من بياض او سواد واستقامة او اعوجاج وصفاء او كدورة وكبر او صغر وهي قائمة بمادتها قياما ركنيا فافهم فالفعل هو الامر والمفعول من الخلق والحقيقة المحمدية اول مخلوق صدر عن فعل الله فاذا صدر المفعول عن فعل الله فالفعل هو الامر الفعلي واذا صدر عن المفعول فالمفعول حامل لفعل الله كالحديدة الحاملة لحرارة النار فكما ان الحديدة لا تحرق بنفسها وانما تحرق بحرارة النار الحاملة لها كذلك المفعول لا يكون امرا لله بمعنى فعله ولا ان يصدر عنه شيء الا لكونه محلا لفعل الله فافهم
وقوله { امره مع الله } قال الملا احمد صاحب الحاشية المذكور سابقا فان قلت كيف يكون امره معه وهو تعالى علة له وهي متقدمة على المعلول وهو لا يكون في مرتبة العلة قلت المراد بالمعية بقرينة المقابلة عدم تجدده واستمراره او المراد بقاؤه ببقائه كما سيجيء عن قريب انتهى وفيهما ان كون امر الله مع الله كما تدل عليه المقابلة باطل اما ان الله تعالى مع كل شيء فحق بمعنى انه معه به وبما له وعليه وماكنا عن الخلق غافلين واما ان الامر مع الله فحق بمعنى انه لا يخرج عن سلطانه وملكه ابدا لا كما توهماه من البقاء فانه فان مستحيل في ذات الله تعالى ممتنع الوجود والبقاء بل وجوده وبقاؤه في الامكان الراجح غير متناه فيه وان كان متناهيا عند الله فانيا في رتبة ذاته مستحيل الوجود واما ان الله تعالى علة فباطل لان الله سبحانه ليس علة لشيء بل كل شيء علته صنعه وهو فعله وصنعه علته نفسه بالله كما قال الصادق عليه السلم خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية فالمشية علتها نفسها بالله كما ان علة الاشياء هي فعل الله الذي هو المشية بالله فكما نقول علة الاشياء فعل الله كذلك نقول علة فعله نفس الفعل لان الاشياء خلقت بالفعل والفعل خلق بنفسه كما تقول علة الكتابة حركة يد الكاتب لا ذات الكاتب وليس لك ان تقول ان ذات الكاتب علة العلة لان المعلول يدل بهيئته على هيئة علته كما تدل الكتابة هي بهيئتها على هيئة حركة اليد ولا تكون شيء من ذلك دالا على الكاتب بوجه من الوجوه الا على وجود صانع لا تنتهي صنعته اليه وانما تنتهي الى فعله وحركته والفعل لا ينتهي الى الذات والا لساوقها في الوجود كما ساوقت الكتابة حركة يد الكاتب ومن هنا قال امير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى اله الطاهرين : انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقال (ع) : علة ما صنع صنعه وهو لا علة له الخ والحاصل ان اطلاق العلة عليه على نحو الحقيقة غير جائز الا على معنى انه فاعل بفعله لا كما يقولون انه فاعل بذاته بل على معنى ان الاشياء بجميع انحائها من موادها وصورها وجوداتها وماهياتها مقبولاتها وقابلياتها وكل شيء منها ولها مستندة الى فعله تعالى خاصة واما كون بقائه ببقائه فلا بل بقاؤه بما يمده من الامدادات الامكانية الغير المتناهية وهي قد احدثها الله سبحانه لا من شيء واقامها بنفسها كما قال عليه السلم : يمسك الاشياء باظلتها اي بذواتها وقوام كل شيء بفعله وبامداده مما احدث من الخزائن الامكانية التي لا تنفد ولا تتناهى لا اله الا هو
وقوله { وخلقه حادث زماني } يعني احدثه في الزمان فالزمان ظرف لاحداثه وهذا الحصر محصور اذ ليس كل مخلوقاته زمانية فان نور محمد واله صلى الله عليه واله مخلوق قبل ان يخلق الله شيئا والزمان انما هو ظرف الاجسام ولا يصح ان يكون ظرفا لغيرها فلا يصح ايجاده قبل الاجسام والامكنة ولا ايجادهما قبله بل هي اي الثلاثة متساوقة الوجود وايضا اذا كان الخلق حادثا زمانيا فالزمان يكون حادثا زمانيا او ليس بحادث او هو من الامر ما ادري ما اقول لهؤلاء
وقوله { وفي الحديث انه قال رسول الله صلى الله عليه واله } الخ قد تقدم ان العقل هو القلم وهو ملك والمراد به عقل محمد واله صلى الله عليه واله وهو وجه وجودهم الذي نسميه بالماء الذي جعل منه كل شيء حي وكان عرشه على الماء وبالحقيقة المحمدية وبامر الله المفعولي الذي به قامت الاشياء لان مواد جميع الاشياء منه وفي الدعاء : كل شيء سواك قام بامرك ومن الاشياء القائمة بامر الله المفعولي العقل المذكور وهو وجه تلك الحقيقة وهو القلم وهو الروح من امر الله وكذلك الحقيقة ملك وفي الحديث عن الصادق عليه السلام حين سأله سفين الثوري عن قوله ن والقلم وما يسطرون قال : نون ملك يؤدي الى القلم وهو ملك يؤدي الى اللوح وهو ملك يؤدي الى اسرافيل الحديث فنون الحقيقة المحمدية والقلم عقله واللوح نفسه صلى الله عليه واله ولا شك ان العقل ملك اعظم من جبرئل وميكائيل والملائكة اجمعين وعظمة هذا الملك فوق ما نصف ولكنه مركب من الوجود والماهية فوجوده مس النار اي نار المشية وهو اثرها اي الحقيقة المحمدية وماهيته ارض القابلية اي الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار وقد تقدم بيانه في بيان السراج لانه هو المذكور في قوله تعالى مثل نوره كمشكوة فيها مصباح فنوره المشبه بالمصباح هو العقل بقرينة ذكر زيته ومس النار له ولا يكون الا في المركب وما قبله ليس بمركب ظاهرا لانه مس النار في المصباح والزيت وفي النبات الماء والارض الميتة والارض الجرز وقوله عليه السلم : لم يكن مع احد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه واله يعني بكله والا فكل نبي يكون معه بوجه من وجوهه او رأس من رؤسه بل ويكون مع سائر الاولياء ومع المؤمنين بل ومع غيرهم حالة سلوكهم طريق الحق ولهذا قال صلى الله عليه واله لحسان بن ثابت لما قال شعره المشهور يوم الغدير الذي اوله :
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم واسمع بالنبي مناديا
قال (ص) : لا زلت مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك مع علمه انه يتغير عن الصلاح ولذا قيد الدعاء نعم لا يوجد روح القدس بكل جهاته الا عند محمد واهل بيته صلى الله عليه واله ولا يسعه غير قلوبهم لانه باب الله الى جميع من هو دونه من خلقه ويكون عند الائمة عليهم السلم واحدا بعد واحد ولم ينزل الى الارض الا على محمد صلى الله عليه واله ومنذ نزل ماصعد وهو الأن مع الحجة عليه السلم عجل الله فرجه
قال : { وقال محمد بن علي بن بابويه قدس الله روحه في كتاب الاعتقادات اعتقادنا في النفوس انها الارواح التي تقوم بها حيوة النفوس وانها الخلق الاول لقول النبي صلى الله عليه واله وسلم ان اول ما ابدع الله هي النفوس المقدسة المطهرة فانطقها بتوحيده ثم خلق بعد ذلك سايـٔر خلقه واعتقادنا فيها انها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء لقوله صلى الله عليه واله ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وتنقلون من دار الى دار وان الارواح في الدنيا غريبة وفي الابدان مسجونة واعتقادنا فيها انها اذا فارقت الابدان فهي باقية منها منعمة ومنها معذبة الى ان يردها عز وجل الى ابدانها وقال عيسى بن مريم عليه السلم للحواريين اقول لكم الحق انه لا يصعد الى السماء الا ما ينزل منها وقال جل ثناؤه ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه }
اقول : قال الملا احمد اليزدي صاحب الحاشية هنا المراد بالنفوس ههنا هو العقول فان النفس بمعنى الذات قد تطلق عليه والمراد بالنفوس ثانيا هو ما هو المصطلح عليه وقوله فانطقها بتوحيده لعل المراد بانطاقها هو جعل وجودها بحيث تدل على توحيده فتأمل انتهى ولعل مراده بالنفوس الاولى الذوات او العقول او الذوات هي العقول كما ذكر المحشي وهذه الاحتمالات مما تحتمله عبارته لا مما يريده لانه انما يريد ما قاله من قبله ان وقف عليه والذي يطابق ما في نفس الامر ما ذكرناه مرارا مكررا ان اول ما خلق بفعله نور محمد صلى الله عليه واله كما دلت عليه الاخبار الكثيرة منها ما رواه فضل الله بن محمود الفارسي في كتابه رياض الجنان بسنده الى جابر بن عبد الله قال قلت لرسول الله صلى الله عليه واله اول شيء خلقه الله تعالى ما هو فقال : نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم واقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم واقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء واقام الجزء الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء واقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله من انفاسها ارواح الاولياء والشهداء والصالحين ه وغير ذلك من الاخبار والحاصل انا اذا اردنا توفيق كلامه او بيان ما هو الواقع من عبارته بتوجيهها وصرفها الى النحو الحق قلنا المراد بالنفوس الاولى ذوات محمد واله صلوات الله عليه وعليهم فانها اول ما خلق الله تعالى وهي الارواح التي بها حيوة نفوس ما سواهم ونسميها ارواحا باعتبار حياتها في ذاتها واحيائها لما سواها باذن الله تعالى ولا شك ان نفوسهم عليهم السلم اول ما خلق الله تعالى وقوله صلى الله عليه واله ان اول ما ابدع الله اي اوجده بابداعه الذي هو مشيته النفوس المقدسة المطهرة اي النفوس التي هي محال مشية الله وهي حقائقهم عليهم السلم التي هي هياكل التوحيد لان حقيقة كل واحد منهم عليهم السلم هيكل التوحيد وحقيقة حدوده وذلك لان الهيكل هو الصورة والصورة هندسة وحدود مثل ايمان بالله لا يشوبه احتمال ريب وذكر لله لا غفلة فيه ومراقبة لا التفات فيه وحضور لا غيبة فيه وتوجه لا سهو فيه وامثال هذه الحدود الماحضة فالصورة المؤلفة من هذه الحدود وامثالها هيكل التوحيد واعلى هياكل التوحيد اربعة عشر هيكلا
ومعنى مقدسة مطهرة يعني منزهة مكرمة عن رذائل الانية والدعاوي
وقوله { فانطقها بتوحيده } وذلك لما اراد ان يعرفوه وصف نفسه لهم وجعل ذلك الوصف حقائقهم فذواتهم ذلك الوصف فنطقهم بما عرفهم من انفسهم قال عليه السلم : من عرف نفسه فقد عرف ربه واعلم انه تعالى اظهر على ذواتهم وظواهرهم آثار وحدته فلذا تقول انا لان صانعك واحد ولو كان صانعك اثنين لما قدرت ان تقول انا بل تقول لنفسك نحن كما انك ترى ظلك عن مصباح واحد واحدا وعن مصباحين اثنين فتكون انت اثنين ولو كان صانعك ثلاثة كنت ثلاثة لانك اثر ثلاثة مؤثرين بثلاث حركات كما ترى ظلك عن ثلاثة مصابيح ثلاثة اظلة لانها اثر ثلاثة مؤثرات والى هذه الدلالة اشار الصادق عليه السلام في قوله :
فيا عجبا كيف يعصى الالهام كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
وقوله { واعتقادنا انها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء } يرد عليه اعتراض لا يكاد يحله على الحقيقة الا المعصومون عليهم السلم او يكون بنورهم وتعليمهم واما توجيه كثير من العلماء لدفع الاعتراض فليس دافعا له وانما يأتون بمقدمات اقناعية اكثرهم ينقطع عندها وقلبه غير قابل لها الا انها مبلغهم من العلم والاشارة الى الاعتراض هي انه قد اتفق الكل من الحكماء والعقلاء على قاعدتين الاولى ان كل ما سبقه العدم لحقه العدم والثانية ان كل ما له اول فله اخر ومقتضى هاتين القاعدتين ان الاشياء اعني ما سوى الله اما ان تكون قديمة ليس لها اول او لم يسبقها العدم فتكون باقية واما ان يكون لها اول او سبقها العدم فتكون فانية وقولي او في الصورتين لتقسيم التعبير وجواب السيد الداماد بان لها اول وسبقها العدم ومع هذا لا يلحقها العدم لابقاء الله لها فهي باقية ببقاء الله ليس عن دليل وانما حكم بالبقاء بظاهر اجماع المسلمين وبحثنا ليس مبنيا على النقل وانما هو مبني على الادلة العقلية اما من دليل الفؤاد اعني دليل الحكمة وهو اعلاها وهو دليل الانبياء والاولياء عليهم السلم او من دليل العقل اعني دليل اليقين المسمى بدليل الموعظة الحسنة وهو دليل المتقين والصالحين او من دليل العلم اعني دليل المجادلة بالتي هي احسن وهو ادناها وهو دليل العلماء والحاصل ان الباحثين في هذه المسئلة تشتتت انظارهم واختلفت اقوالهم فمن الناس من قال بقدم العالم ومنهم من قال بقدم النفوس المجردة ومنهم من قال بحدوث الاشياء عن غير بصيرة وانما معوله على النقل وهو وان كان مصيبا في القول الا انه غير عارف بالدليل حتى ان من هؤلاء من يستدل على الحدوث ونفسه لا تسكن لدليله الا من جهة التسليم للنقل فكل ما لا يخالف النقل يقول به مع انه قد يعتقد ما ينافي اعتقاده فيقول مثلا ان العالم بجميع جزئياته وكلياته حادث مسبوق بالعدم وان الجنة واهلها والنار واهلها باقون بغير فناء يلحقهم ولا انقطاع ابدا ويعتقد مع هذا صحة القاعدتين المذكورتين وانت خبير بان مقتضاهما اما قدم ما سوى الله تعالى واما فناء ما سوى الله تعالى وانقطاعه واعلم اني افيدك بيانا لا تجد رافعا لذلك الاعتراض ولا كاشفا لهذه الشبهة على الحقيقة غيره ان وفقت لفهمه وهو ان كل ما سوى الله تعالى فهو حادث بمعنى انه مسبوق بالغير وكل مسبوق بالغير فهو حادث واذا قلت ان الحادث هو المسبوق بالعدم قلنا لك ان العدم ليس شيئا يسبق وانما معناه انه كان عدما في رتبة من فوقه وعلى كل تقدير فله ابتداء وعلى القاعدة السابقة يجب ان يكون له انتهاء لكن الانتهاء في العود لا يكون اعلى من الابتداء في النزول ولا انزل منه بل يجب ان يكون مساويا له في الرتبة ولما كان المحدث محتاجا في بقائه الى المدد كما هو مبرهن عليه وجب ان يمده صانعه عز وجل بما به بقاؤه وهذا المدد وان كان بحسب قابليته من اعماله الصالحة او الطالحة الا انه يكون مما لم يصل اليه لان المدد جديد فيكون اعلى رتبة مما وصل اليه قبل سواء كان من الخير ام من الشر وهذا المدد يجب ان يكون مما له من نوع مادته وصورته فاذا وصل اليه المدد الذي كانت رتبته اعلى من ابتداء ما خلق منه كانت رتبة هذا الواصل الجديد رتبة لابتداء الموصول فتكون اوليته به فوق اوليته بما قبله ويكون انتهاؤه به بعد انتهائه بما قبله فاذا امده بمدد آخر بحسب اعماله واستعداده كان هذا المدد الثاني من فوق الاول رتبة فيكون الممدود بالثاني اعلى اولية من اوليته بالاول وانتهاؤه بالثاني بعد انتهائه بالاول بان يصل الى وقت لولا المدد الثاني لفني قبله لان ابتداء المدد الثاني قبل ابتداء المدد الاول وهكذا بلا نهاية في رتبة الامكان ومثاله لو بنيت جدارا طوله عشرة اذرع كان ظله مثلا منتهيا الى عشرة اذرع لان انتهاء طول ظله بحسب علو رأس الجدار فاذا بنيت عليه عشرة اذرع مثلا حتى كان علو الجدار عشرين ذراعا كان رأسه الاول الذي هو اعلاه في وسطه وكان ظله عشرين ذراعا فكان انتهاء الظل بحسب ابتدائه من رأس الجدار وهكذا فالمدد لا ينقطع عن الحادث والحادث بالمدد المتجدد مختلف الابتداء ففي كل مدد متجدد يسبق ابتداؤه به ابتداءه بالمدد الاول ويتأخر انتهاؤه بالثاني عن انتهائه بالاول فالحادث لا ينتهي ابتداؤه بهذا المعنى اي يتجدد الامدادات فكل ما وصل اليه مدد من مقام عال خلق به الممدود من مقام ذلك المدد والانتهاء بنسبة علو الابتداء ولا انقطاع للمدد ولا الابتداء فلا انقطاع ولا نهاية للانتهاء فافهم فان قلت كيف يخلق من المدد الجديد وهو مخلوق قبله قلت انه يكسر ويصاغ بالمدد في رتبته ومثاله اذا كان عندك خاتم صغته من مثقال فضة ثم اردت ان يمدده ( تمدده خل ) وتقويه بمثقال اخر كسرته وصغته من المثقال الاول ومن المثقال الثاني فكان خاتمك ليس من مثقال وهي الرتبة الاقلية السفلى بل هو من مثقالين وهي الرتبة الاكثرية العليا وكذلك الدراهم فان العشرة الدراهم اذا انفقتها في شؤنك مثلا تنتهي في يومين ولو زدتها حتى كانت عشرين تنتهي في اربعة ايام لانها عشرون لا عشرة فتأخر ح وقت الانتهاء وهكذا اذا جعلتها مائة واذا كنت دائما تنفق منها وتزيدها لا تفنى ما دمت تزيدها لانها هي الكثيرة اللاحقة لا القليلة الاولى فافهم فان قلت ان الزيادة للحادث انما هي في طرف الرجوع والعود وهذا يلايم قول الداماد رحمه الله وانت لم ترض بقوله قلت انه يرى ان المدد للبقاء لم يكن ابتداؤه ابتداء للممدود بل الممدود منقطع الابتداء غير منقطع الانتهاء وهذا مما ينافي مقتضى القاعدتين الصحيحتين المتفق عليهما اللتين شهدت لهما الاخبار واتفقت عليهما العقول ونحن نقول ان ابتداء هذا المدد الجديد ابتداء للممدود فاذا اردت تصوره فانظر الى مثل الخاتم فان بقاءه بالمثقالين انما كان اطول من بقائه بالمثقال لان بقاءه بالمثقالين من علو رتبتهما واكثريتهما لا من دنو المثقال واقليته وكذلك مثل الجدار والدراهم
وقوله صلى الله عليه واله { وانما تنقلون من دار الى دار } هو كما قال صلى الله عليه واله الطاهرين لانهم انزلهم الله في اطوارهم بحكيم صنعه وتقديره في مراتب الادبار من المعاني العقلية الى جواهر الاظلة الروحية الى الصور الجوهرية الى الطين الطبيعية بفتح ياء الطين جمع طينة الى الجواهر الهبائية الى الاشباح المثالية الى المواد العنصرية ثم دعاهم بحكيم صنعه وتقديره اليه في مراتب الاقبال من لطائف الاغذية الى النطف الى العلق الى المضغ الى العظام الى الاكتساء لحما الى تمام الخلقة بنفخ الروح فالتقوا باشباحهم الى القبور فالتقوا بجواهر هبائهم الى ما بين النفختين وهو مدة اربعمائة سنة فالتقوا بالطين الطبيعية بفتح ياء الطين لانهم بقوا في البدء فيها اربعمائة سنة فمكثوا في العود كذلك وهو ما بين النفختين نفخة الصعق ونفخة البعث فاذا هم قيام ينظرون الى البعث والحشر والنشر فالتقوا بذرهم حين قال لهم الست بربكم قالوا بلى في مدة خمسين الف سنة الى الجنة ومقام الرفرف الاخضر فالتقوا بنفوسهم في اللوح المحفوظ الى ارض الزعفران فالتقوا بجواهرهم الاظلة الروحية الى مقام الاعراف فالتقوا بمعانيهم العقلية الى مقام الرضوان فالتقوا بافئدتهم النورية ولا يزالوا ( لا يزالون خل ) في هذا المقام يسيرون بلا غاية ولا نهاية يمدون في درجات هذا المقام الغير المتناهية بمحبة الله ورضوانه كما قال تعالى في حديث الاسرار : كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما وليس لمحبتي غاية ولا نهاية
وقوله { وان الارواح في الدنيا غريبة } يعني ان محلها في العالم الاعلى فانزلت في دار التكليف وسجنت في الابدان في هذه البلد الخراب تلفح عليها الرياح الاربع الجنوب من الكبد والصبا من الرية والشمال من الطحال والدبور من المرة الصفراء يعوي حوله الذئب اي الغضب والخنزير اي الشهوة ولقد اجاد ابن سيناء في ابياته في الروح التي اولها :
هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزز وتمنع
الى اخرها وهي مشهورة وقد اشتملت على مطالب جليلة وانما انزلها الله سبحانه في هذه الدنيا النكدة ووضعها في هذا القفص الضيق لاجل التكليف لانه اراد ان يرفعها الى منازل قربه وكانت بعيدة غير متناهية فامرها باخذ المتاع لسفرها اليه ولتكثر من الزاد فان السفر طويل والطريق بعيد الى الغاية البعيدة القصوى ولتعلم ما جهلته من العلوم والعقائد كما اشار اليه ابن سيناء في الابيات المشار اليها في قوله :
ان كان اهبطها الاله لحكمة طويت عن الفطن اللبيب الاروع
فهبوطها لا شك ضربة لازب لتكون سامعة بما لم يسمع
وتكون عالمة بكل خفية في العالمين فخرقها لم يرقع
ولانزالها في هذا السجن سر آخر اشاروا عليهم السلم اليه في اخبارهم بما معناه انها لما كانت في العالم الفسيح انبسطت في نفسها لما وجدت في ذاتها من القوة فالقيت في هذا السجن لئلا تدعي الربوبية وقد اشار الحكماء الاولون الالهيون الى هذا المعنى برموزهم فقالوا ما معناه انها عصت فسقط ريشها فوقعت الى الارض واصل ذلك ان ادم عليه السلم اكل من الشجرة فنزع منه لباس الجنة فاهبط الى الارض والمعنى في الكل واحد وان اختلفت العبارات
عباراتنا شتى وحسنك ظاهر وكل الى ذاك الجمال يشير
وقوله { فهي باقية فمنها منعمة ومنها معذبة الى ان يردها عز وجل الى ابدانها } اعلم انه اذا حضر ملك الموت الشخص فان كان مؤمنا حضره النبي وعلى والائمة صلى الله عليه وعليهم واوصوا به ملك الموت فاستوصي به فيظهر له في احسن صورة وهي ما يكسوه الولي عليه السلم للقائه محبه فيقبض روحه باختياره فتخر الروح ساجدة تحت العرش بين يدي الله سبحانه ثم يكسوها حلة صفراء من الركن الايمن الاسفل من عرشه ثم تهبط الى جنازته فتكون معه فاذا غسل وكفن وحمل الى قبره سارت معه ترفرف على جنازته او تمشي امامها على اختلاف الروايتين فاذا شرج عليه اللبن اتاه رومان فتان القبور وكتب الميت اعماله في قطعة من كفنه باملاء رومان ويجعلها على عنقه وهو قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره اي كتابه في عنقه ثم يأتيه منكر ونكير ويسألانه فاذا اجاب بشراه بالخير ثم يخد له خد من الجنة التي في المغرب المدهامتان الى قبره يأتيه منها الروح بفتح الراء وتروح روحه مع الملك الى الجنة وتجتمع بارواح اسلافه يأكلون ويشربون ويتنعمون فاذا كان يوم الجمعة او العيد اتاهم الملك عند طلوع الفجر بنجائب من نور عليها قباب الياقوت والزبرجد فيركبون وتطير بهم بين السماء والارض فيأتون النجف الاشرف فيبقون الى الزوال ثم يستأذنون الملك في زيارة اهاليهم في الدنيا وقبورهم فيأذن لهم فيأتون اهاليهم ومعهم ملائكة يحجبون عن ابصارهم كل ما يكرهون من اهاليهم ثم يزورون مواضع حفرهم فاذا كان ظل كل شيء مثله صاح بهم الملك فيركبون فتطير بهم الى غرف الجنان وان كان الشخص منافقا حضروه عليهم السلم واوصوا ملك الموت بان يشدد عليه فيستوصى بذلك فيقبض روحه وينزعها غرقا وينشطها نشطا فاذا كان في قبره اتاه رومان وكتب اعماله ثم اتاه منكر ونكير وسألاه فلم يجب فيضربانه بمرزبة من حديد محمية في النار اعوذ بالله من سخط الله ثم يخد له خد من النار التي في المشرق عند مطلع الشمس الى قبره يأتيه منها الدخان والشرر ويمضي الملك بروحه الى النار التي في المشرق يعرضون عليها غدوا وعشيا فاذا غربت الشمس اتى بها الى بئر برهوت بوادي حضرموت يعذب فيها الى طلوع الشمس فيؤتى به اليها والى النار وهكذا ويعجبني ان اورد حديثا يناسب المقام لما فيه من ذكر هذين الصنفين ارويه بطرقي عن مشائخي المتصلة الى ابن ابي عمير عن زيد النرسي عن ابي عبد الله عليه السلم قال سمعته يقول : اذا كان يوم الجمعة ويومي العيدين امر الله رضوان خازن الجنان ان ينادي في ارواح المؤمنين وهم في عرصات ( غرفات خل ) الجنان ان الله قد اذن لكم بالزيارة الى اهاليكم واحبابكم من اهل الدنيا ثم يأمر الله رضوان ان يأتي لكل روح بناقة من نوق الجنة عليها قبة من زبرجدة خضراء غشاؤها من ياقوتة رطبة صفراء وعلى النوق جلال وبراقع من سندس الجنان واستبرقها فيركبون تلك النوق عليهم حلل الجنان متوجون بتيجان اللؤلؤ الرطب يضيء كما تضيء الكواكب الدرية في جو السماء من قرب النار اليها لا من البعد فيجتمعون في العرصة ثم يأمر الله جبرئل في اهل السموات ان يستقبلوهم فتستقبلهم ملائكة كل سماء وتشيعهم ملائكة كل سماء الى السماء الاخرى فينزلون بوادي السلام وهو واد بظهر الكوفة ثم يتفرقون في البلدان والامصار حتى يزوروا اهاليهم الذين كانوا معهم في دار الدنيا ومعهم ملائكة يصرفون وجوههم عما يكرهون النظر اليه الى ما يحبون ويزورون حفر الابدان حتى اذا ما صلى الناس وراح اهل الدنيا الى منازلهم من مصلاهم نادى فيهم جبرئل بالرحيل الى غرفات الجنان فيرحلون قال فبكي رجل في المجلس وقال جعلت فداك هذا للمؤمن فما حال الكافر فقال ابوعبد الله عليه السلم : ابدان ملعونة تحت الثرى في بقاع النار وارواح خبيثة تجري بوادي برهوت في بئر الكبريت في مركبات خبيثات ملعونات تؤدي ذلك الفزع والاهوال الى الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثرى في بقاء النار فهي بمنزلة النائم اذا رأى الاهوال فلا تزال تلك الابدان فزعة ذعرة وتلك الارواح معذبة بانواع العذاب في انواع المركبات المسخوطات الملعونات المضعفات مسجونات فيها لا ترى روحا ولا راحة الى مبعث قائمنا فيحشرها الله من تلك المركبات فترد في الابدان وذلك عند النشرات فتضرب اعناقهم ثم تصير الى النار ابد الابدين ودهر الداهرين ه اقول قد ذكرت بعض احوال الفريقين على الاقتصار وفي هذا الحديث الشريف ذكر عليه السلام بعض الاسرار التي خفيت على اكثر البصائر والابصار ولولا اني لست بصدد بيانها لاطلقت عنان القلم في ميدان البيان حتى يقف الناظر على ما لم تسمعه الاذان واما من ليس بمؤمن ولا كافر وهم الذين لم يمحضوا الايمان ولا الكفر والنفاق فتبقى ارواحهم في قبورهم الى يوم القيامة ولا يسئلون في قبورهم يلهي عنهم فاذا كان يوم القيامة جدد لهم التكليف وحوسبوا على اعمالهم فاما الى الجنة واما الى النار
وقوله { وقال عيسى بن مريم عليه السلم } الخ يعني انه لا يصعد الى السماء بمقتضى طبيعته الا ما نزل منها اما صعود ما لم ينزل من السماء اليها بقاسر او معين متمم فانه ممكن فعلى ظاهر الحال الارواح والنفوس نزلت من السماء فتصعد الى السماء اذا فارقت الابدان لانها تأوي الى الجنة التي في المغرب المدهامتان وهي الان في الاقليم الثامن واسفله على محدب محدد الجهات في الرتبة اذ لا جهة وراءه واما الابدان فانها باقية في الارض لانها خلقت منها واليها تعود هذا ظاهر الحال واما في حقيقة الامر فكل شيء انزله الله سبحانه من سماء ذلك الشيء الى ارضه قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والتنزيل الاظهار فان الغيب اعلى والشهادة سواء في طرف الخيرات ام في طرف الشرور في كل شيء بحسبه فعلى هذا اذا طال مكثها في الارض صعد جسدها الثاني الى جابرسا او جابلقا وانفسها النباتية الى عناصرها والحيوانية الى هورقليا وجسدها الاول الى هذه العناصر المحسوسة فلا تدركها ابصار اهل الدنيا واهل العصمة عليهم السلم ابصارهم تدركها على ما ذكرناه في جواب مسئلة اجساد الائمة عليهم السلم ورد انها لا تبقى في حفرها اكثر من ثلاثة ايام وكذلك اجساد الانبياء عليهم السلم او اكثر من اربعين يوما على اختلاف الروايتين لاختلاف مراتبهم في الشرف ثم ترفع الى السماء من ان رفعها عبارة عن خلعها الصور البشرية وانها باقية في حفرها الى يوم يبعثون منها
وقوله { وقال جل ثناؤه ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه } يعني ولو شئنا ان نرفعه بالايات التي آتيناه بان نحفظها عليه فلا ينسلخ منها او نرفعه بالتفضل او العفو ولكنه لما قصد الى العلو نظرا الى انيته فانحط بذلك الميل الى اسفل واتبع هويه فاتخذ الهه هواه واضله الله على علم وذلك لانه خلق من سجين واصابه لطخ من عليين فتعلق به فاتاه الله بعض اياته بواسطة ذلك اللطخ فلما انتهت مدة تعلق اللطخ انسلخ منه فانسلخ هو من الايات بانسلاخه من اللطخ يشير بهذا الاستشهاد الى ارتفاع الارواح العلوية وانحطاط الارواح السفلية كل لاحق بمركزه قال الله تعالى كل الينا راجعون فالمؤمن راجع الى الله من حيث يحب والمنافق راجع الى الله من حيث يكره
{ قال : وقال ايضا قدس سره في كتاب التوحيد ناقلا بسنده المتصل عن ابي عبد الله عليه السلام ان روح المؤمن لاشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها }
اقول : المراد بروح الله الروح الكلية التي خلقت من شعاعها البراق والروح الكلية هي الركن الايمن الاسفل من العرش وهو النور الاصفر الذي اصفرت منه الصفرة وهو ملك يؤدي الى اسرافيل احكام الحيوة وهو روح محمد اهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله وهو الروح من امر الله والروح من امر الرب والروح يطلق على اربعة ملائكة الاول الروح من امر الله وهو النور الابيض وهو العقل الكلي وهو الركن الايمن الاعلى من العرش وهو القلم والثاني الروح من امر الرب المشار اليه اولا وهو الركن الايمن الاسفل من العرش وربما اطلق احدهما على الاخر والثالث والرابع الروحان اللذان على ملائكة الحجب اعني الكروبيين الثالث هو الركن الايسر الاعلى من العرش وهو النور الاخضر الذي اخضرت منه الخضرة وهو ملك يؤدي الى عزرائيل او انه يؤدي الى ميكائيل او هو اللوح المحفوظ والرابع الركن الاسفل الايسر من العرش وهو النور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة فهذان يطلق على كل منهما الروح وعلى كل منهما القائم على ملائكة الحجب اعني الكروبيين وباصطلاح الحكماء الابيض هو العقل الكلي والاصفر هو الروح الكلية والاخضر هو النفس الكلية والاحمر هو الطبيعة الكلية والاربعة المذكورة هم الملائكة العالون الذين لم يسجدوا لادم عليه السلم لانهم هم الانوار التي سجدت الملائكة لادم عليه السلم لكونها مشرقة على صلبه ولذا قال تعالى في عتاب ابليس حين استكبر عن السجود لادم عليه السلم قال له استكبرت ام كنت من العالين وهم هؤلاء الاربعة وروح المؤمن مركبة من اشعة الاربعة فهي في الحقيقة شعاع من تلك الانوار وانما قال اشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها وفي الروايات عن امير المؤمنين عليه السلم اشد اتصالا من شعاع الشمس لا من اتصال شعاع الشمس وهي اوجه من هذه الرواية لان المفضل عليه هو شعاع الشمس لا اتصال شعاع الشمس فان كان اللفظ من المعصوم فهو اعلم بما قال وما يقوله فهو واقع منه بقصد عن علم وان كان من غيره بان كان منقولا بالمعنى فالسهو من الناقل والحاصل انما قال اشد مع ان شعاع الشمس في اتصاله بها آية لذلك والله القادر العليم ضربه مثلا وجعله آية لذلك فلا يصح الاختلاف ولا التخلف لان عالم المجردات اشد من عالم الاجسام وعالم هو اصل لعالم الشهادة فيكون فيما يتساويان فيه اشد من عالم الشهادة فافهم وانما سمى الله تعالى هذه الروح المخلوقة روحا له ونسبها اليه تشريفا لها على سائر الارواح كما قال للكعبة بيتي والمراد بالمؤمن هنا هم الانبياء عليهم السلم لا سائر المؤمنين ان اريد الحقيقة لان ارواحهم عليهم السلام لم يكن شعاعها حقيقة الا حقائق ارواح الانبياء عليهم السلم وان اريد المجاز جاز ان يكون المراد سائر المؤمنين لان ارواح المؤمنين اشعة لارواح الانبياء وارواح الانبياء اشعة لارواح الائمة عليهم السلم كما صرحت به الاخبار
قال : { ونقل الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات من كتاب نوادر الحكمة لبعض علمائنا الامامية اصحاب التوحيد رضي الله عنهم مسندا الى ليث بن ابي سليم عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله لما اسرى به الى السماء السابعة ثم اهبط الى الارض يقول لعلي بن ابي طالب عليه السلم يا علي ان الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه فخلقني وخلق روحي من نور جلاله فكنا امام عرش رب العالمين نسبح الله ونحمده ونهلله وذلك قبل ان يخلق السموات والارض فلما اراد ان يخلق ادم عليه السلم خلقني واياك من طينة عليين وعجنت بذلك النور وغمسنا في جميع الانهار وانهار الجنة ثم خلق ادم عليه السلام واستودع صلبه تلك الطينة والنور فلما خلقه استخرج ذريته من ظهره فاستنطقهم وقررهم بربوبيته فاول ما خلق الله واقر له بالعدل والتوحيد انا وانت والنبيون على قدر منازلهم وقربهم من الله عز وجل في حديث طويل }
اقول : قوله { لبعض علمائنا الامامية } يعني ان كتاب نوادر الحكمة وهو المسمى بدبة شبيب الدهان لان شبيبا يبيع الادهان المختلفة وعنده دبة فيها بيوت يضع في كل بيت منها دهنا غير الاخر وهذا الكتاب جمعه محمد بن احمد بن يحيى الاشعري وسماه كتاب نوادر الحكمة لانه ليس في نوع من العلم بل ولا مرتبا بل جمعه في فنون شتى فلقب الكتاب بدبة شبيب الدهان
وقوله صلى الله عليه واله { يا علي ان الله كان ولا شيء معه } يعني به ان الازل ينافي الكثرة والتعدد وفيه رد على مثل المصنف وامثاله الذين يجعلون ذخيرة علمهم واسراره اعتقاد ان بسيطة الحقيقة كل الاشياء وبرهنوا عليه بانه شيء لا يسلب عنه شيء وقد تقدم احتجاجهم وابطاله فيكون معه كل شيء لانه كل شيء ومع اعتبار ان الواجب تعالى لا مجعول بالذات تكون الاشياء المفهومية لا مجعول بالتبع وسموا الاشياء اللاحقة في رتبة ذاته بالتبع من مفهومات الاشياء المتغايرة في انفسها المغايرة بالاعيان الثابتة واعتقاد ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته لانه مبدء كل شيء فلا يفوته شيء الا انها في ذاته بنحو اشرف وان وحدته لقوتها طوت كثراتها وامثال هذه الترهات الفاسدة وكلها منفية بقوله صلى الله عليه واله كان الله ولا شيء معه وان كل ما دل عليه لفظ ماخلا الله سبحانه فهو محدث لا من شيء ولا اصل له ولا ذكر قبل احداثه وانما اخترع اصله حين اخترعه بفعله فلا ذكر له بوجه من الوجوه قبل احداثه بالفعل
ثم قال صلى الله عليه واله { فخلقني وخلق روحي من نور جلاله } فاتى بالفاء المفيدة للترتيب بلا مهلة اشعارا بانه ليس بينه وبين خلقه شيء وان تفرده مساوق لوجودهم في انفسهم وعنده في اوقات وجودهم وامكنة حدودهم وليس معهم ولا بأين منهم بينونة عزلة فيكون محصورا وانما هو معهم بفعله وامره الذي قام به كل شيء ولاجل ذلك ورد فيما رووا : كان الله ولا شيء معه وهو الأن على ما كان ه يعني ان توحده وتفرده سابق لهم ومساوق معهم ولاحق ولم يجمع شيئا من جميع الاشياء معه تعالى حال من الاحوال بل هو الواحد الاحد الفرد الصمد خلو من خلقه وخلقه خلو منه لا بمفارقة ولا بملاصقة ولا بمقارنة ولا بمباينة ولا باتصال ولا بانفصال ولا يصدق على شيء غير ذاته ولا يصدق عليه شيء والمحتملة للتفريع ايضا اشعارا بالتفريق الذي اشار اليه ابو الحسن الرضا عليه السلم في قوله كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه ه يعني مثل قولي : خلو من خلقه وخلقه خلو منه لا بمفارقة ولا بملاصقة الى قولي : ولا يصدق عليه شيء وامثالها فانها غيور وهي حدود ما سواه يعرف بها غيره ويستدل بها عليه من حيث صفة التعريف كما قال امير المؤمنين عليه السلم صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وقوله صلى الله عليه واله { من نور جلاله } اي من اثر جلاله والجلال الحجاب وهو فعله اذ به ظهر بمفعولاته وبه احتجب بهم عنهم وهذا النور هو الحقيقة المحمدية (ص) وهو محل الفعل المتقوم به كالانكسار فانه محل الكسر المتقوم به وكالقيام في قولك قائم الذي هو اسم فاعل القيام فان القيام محل الحركة المتقومة به وهما القائم الذي هو اسم الفاعل وليس مسمى قائم ذات زيد بل مسماه مثاله الظاهر بالقيام الفاعل له وان كنت تجد ان مسمى قائم هو ذات زيد فاسئل الله ان يصلح وجدانك ويكشف لك الحجب المانعة من ادراك ذلك
وقوله صلى الله عليه واله { فكنا امام عرش رب العالمين } كنا قبل عرش الموجد للعالمين اي جميع الخلائق والعرش له اطلاقات : منها المشية ومنها نور محمد صلى الله عليه واله المشار اليه بقوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فانه احد معاني الرحمن على العرش استوى وباعتبار مراتب هذا القلب هو كل المعاني للاية ومنها المركب من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور اخضر منه اخضرت الخضرة ونور ابيض منه البياض ومنه ضوء النهار وفي رواية منه ابيض البياض ومنها العلم قال تعالى وكان عرشه على الماء انه حمل دينه العلم ومنها جميع الخلق ومنها الملك قال تعالى رب العرش العظيم اي رب الملك العظيم ومنها محدد الجهات ومنها عالم الغيب بالنسبة الى عالم الشهادة الى غير ذلك فاما الاطلاق الاول فسابق ذاتا مساوق ظهورا واما الثاني فمتحد لانه هم عليه ( عليهم خل ) السلم واما الملك والعلم والغيب فباعتبار يكون نوره صلى الله عليه واله مساوقا وباعتبار سابقا وما سوى ذلك فهو سابق ويجوز ان يكون الامام بفتح الهمزة الوجه
وقوله صلى الله عليه واله { نسبح الله } الخ في بعض رواياتهم انهم بعد ان خلقوا بقوا وحدهم ليس شيئا بعد الله غيرهم عليهم السلام يسبحون الله قبل ان يخلق شيئا من خلقه سواهم الف دهر كل دهر مائة الف سنة على ما يظهر لي من اشارات الاخبار واذا قلت كل دهر مائة الف سنة فاريد على ما يظهر لا ان هذا التقدير منصوص بخصوص لفظه بل بمعناه بل قد يستفاد اقل وقد يستفاد اكثر والظاهر لي هذا العدد والله سبحانه ورسوله واله صلى الله عليه واله اعلم ثم خلق الانبياء عليهم السلام وكانوا هداة للانبياء والانبياء عليهم السلم يدينون الله بولايتهم وحبهم ويستنون بسنتهم ويمتثلون امرهم ويعرفون الله سبحانه بسبيل معرفتهم الف دهر كل دهر مائة الف سنة ثم خلق المؤمنين من انوار الانبياء واشعة انوارهم
قال صلى الله عليه واله { فلما اراد ان يخلق ادم عليه السلم خلقني واياك } يعني عليا { من طينة عليين } كناية عن اجسامهما عليهما السلم { وعجنت بذلك النور } الذي هو اول صادر بفعل الله تعالى وهو الحقيقة المحمدية وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو وجودهم { وغمسها في جميع الانهار } من العلوم والعقل والحياء والحب والرضا والسخاء والصبر والشكر وغير ذاك من انهار صفات الطاعات والفضائل والفواضل { وانهار الجنة } الاربعة نهر الماء وهو يجري من ميم بسم من بسم الله الرحمن الرحيم ونهر اللبن من هاء الله ونهر العسل من ميم الرحمن ونهر الخمر من ميم الرحيم فالماء حياتهم لانهم اسماء الله واللبن علمهم والعسل حبهم والخمر سكر معرفتهم { ثم خلق ادم واستودع صلبه تلك الطينة والنور } قال العباس بن عبد المطلب في مدح النبي صلى الله عليه واله :
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حين يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر انت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد الجم نسرا واهله الغرق
تنقل من صالب الى رحم اذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق
وانت لما ولدت اشرقت الارض وضاءت بنورك الافق
فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق
وليس قوله بل نطفة ان نورهم صلى الله عليهم المتعلق بصلب ادم (ع) المنتقل في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة نطفة مدرة بل نطفة نور مقدرة تجري فيهم جرى الارواح في الاجسام لانهم عليهم السلم في تلك الحال على كمال الاستقامة وتمام الاعتدال مثل ما روي ان فاطمة عليها السلم كانت تعلم امها خديجة احكام دينها وهي في بطنها وكلهم مثل هذا النوع قبل وبعد { فلما خلقه } اي ادم { استخرج ذريته من ظهره } استخرج من ادم ابنه شيث ويافث واستخرج من ظهريهما اولادهما وهكذا اخرج كل نسمة من ظهر ابيه وهو سر قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم ولم يقل من ظهره وانما قال صلى الله عليه واله من ظهره اختصارا في التعبير مع ظهور الحال ولان الخارج من الاب الخارج من ابيه خارج من اب ابيه ولهذا كان اب الاب ابا بل اولى من ابنه ببنيه وذلك لان المكلفين في عالم الذر اخذهم سبحانه من ظهور ابائهم بالتوالد كما في هذه الدنيا وكلفهم ثم رجعهم الى اصلاب ابائهم { فاستنطقهم } بما جعل فيهم من العقول والفهم والاختيار ورفع عنهم الموانع فيما اراد منهم { وقررهم بربوبيته } فقال الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم فقالوا بلى فمنهم من اجاب بقلبه ولسانه وهم المؤمنون ومنهم من انكر بقلبه ولسانه وهم الكافرون ومنهم من اجاب عن غير علم وهؤلاء مرجون الى يوم القيمة ومنهم من يلحق في الدنيا باحد الاولىن بعد مدة وتفصيل هذه المقامات طويل { فاول ما خلق الله واقر بالعدل والتوحيد انا وانت } انما قال وانت بالنسبة الى من سواهما ولا يلزم منه التساوي فقد روى ان نور محمد صلى الله عليه واله خلق قبل خلق نور علي من نور محمد صلى الله عليهما والهما بثمانين الف سنة وهو مقر بالعدل والتوحيد ثم خلق منه نور علي عليه السلام كما تحدث سراجا من سراج قال علي عليه السلم انا من محمد كالضوء من الضوء { والنبيون على قدر منازلهم وقربهم من الله عز وجل } فمن اقر قبل كان افضل واول النبيين وجد بعد خلق محمد واله صلى الله عليه واله بالف دهر كل دهر مائة الف سنة واتفق المسلمون على ان افضل الانبياء خمسة محمد صلى الله عليه واله ونوح وابرهيم وموسى وعيسى واتفقوا على انه صلى الله عليه خير الخلق واختلفوا في الاربعة من اولى العزم فاكثر العامة ان ترتيبهم في الفضل ابراهيم ثم موسى ثم عيسى وقال بعضهم ثم عيسى ثم موسى واتفقوا على مفضولية نوح واما اصحابنا فاكثرهم على ان الترتيب في الفضل هكذا ابراهيم ثم نوح ثم موسى ثم عيسى وقيل نوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى وهذا هو المترجح عندي فان ابراهيم عليه السلام وان كانت ممادحه وذكره وفضائله في الاحاديث اكثر من نوح عليه السلام الا انه مع ذلك كله من شيعة نوح لقوله تعالى وان من شيعته لابرهيم ولقوله تعالى واذ اخذ الله من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابرهيم وموسى وعيسى بن مريم وهو في مقام التفضيل لا في مقام السبق في الوجود في الدنيا والا لأخر محمدا صلى الله عليه واله وايضا ليس في الانبياء عليهم السلم من نبوته عامة الا محمد ونوح عليهما السلم واما ابراهيم عليه السلم فانما ارسل الى اربعين بيتا وليس نسخ الشريعة دليلا على الافضلية والا لكان عيسى افضل الاربعة وايضا فان نوحا عليه السلام اوتي من الاسم الاعظم خمسة عشر حرفا وابرهيم عليه السلم ثمانية وموسى اربعة وعيسى اثنين والله سبحانه ورسوله وخلفاؤه اعلم وبالجملة من سبق الى الاجابة كان افضل
والذي يترجح عندي في تفضيل الاربعة عشر معصوما صلى الله على محمد واله ان افضلهم وسيدهم رسول الله صلى الله عليه واله وهذا معلوم ثم من بعده اميرهم علي بن ابي طالب عليه السلم ثم الحسن ثم الحسين عليهما السلم لحديث سيدا شباب اهل الجنة وتفضيل الحسن علي الحسين عليهما السلم بالنص الخاص عن الصادق عليه السلم روى الصدوق (ره) في اكمال الدين باسناده الى هشام بن سالم قال قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلم الحسن افضل ام الحسين فقال الحسن افضل من الحسين قلت فكيف صارت الامامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن فقال ان الله تبارك وتعالى لم يرد ذلك الا ان يجعل سنة موسى وهرون جارية في الحسن والحسين عليهما السلم الا ترى انهما كانا شريكين في النبوة كما كان الحسن والحسين شريكين في الامامة وان الله عز وجل جعل النبوة في ولد هرون ولم يجعلها في ولد موسى وان كان موسى افضل من هرون ه ثم القائم عليه السلم عجل الله فرجه لحديث : وتسعة من ذرية الحسين تاسعهم قائمهم اعلمهم رواه المقداد في شرح الباب الحاديعشر وفي اخرى تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم وحديث الوصية في قول النبي صلى الله عليه واله لعلي عليه السلم في امر الوصية : وانا ادفعها اليك يا علي وانت تدفعها الى وصيك ويدفعها وصيك الى اوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد حتى تدفع الى خير اهل الارض بعدك الحديث خرج تفضيل الحسن والحسين عليهما السلم بحديث سيدا شباب اهل الجنة وبقي الباقي وفي معانيه روايات كثيرة ثم الائمة الثمانية عليهم السلم كلهم في الفضل ( سواء خل ) ومما تحمل احاديث المساواة على ذلك ثم فاطمة عليها السلم كما يشير اليه ما رواه في الفقيه فيما اوصى محمد عليا عليهما السلم وعلى الهما يا علي ان الله عز وجل اشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم اطلع ثانية فاختارك على رجال العالمين ثم اطلع ثالثة فاختار الائمة من ولدك على رجال العالمين ثم اطلع رابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين ه وهو يشعر بتفضيلهم عليها عليهم وعليها السلم ومثل حديث الانوار التي تزهر بها لعلي عليهم السلم فانها بقيت كذلك الى ان ولدت الحسين عليهم اجمعين السلام
قال : { فقد ظهر من هذه النقول بعد شهادة البرهان للعقول ان للارواح كينونة سابقة على عالم الاجسام والعقول القادسة والارواح الكلية عندنا باقية ببقاء الله فضلا عن ابقائه لانها مستهلكة الذوات مطوية الانوار عند سطوع نور الجلال لا يرومون النظر الى ذواتهم خاشعين لله تعالى }
اقول : اما كون الارواح لها كينونية سابقة على عالم الاجسام سبقا دهريا فهو ظاهر واما السبق الزماني فهو محل الخلاف واكثر المحققين على ان الارواح سابقة على الاجسام في الدهر واما في الزمان فالاجسام سابقة عليها لانها انما تتكون من الاجسام كالثمرة من الشجرة والمستفاد من كلام ائمة الهدى عليهم السلم ان الروح موجودة في غيب النطفة كوجود الشجرة في النواة والحبة في العود الاخضر قبل ان تظهر السنبلة وهو معنى ما ذكره اكثر المحققين فيكون القول به متحققا نعم لو قلت انها موجودة في الزمانيات غير ظاهرة الكينونة اصبت وهو معنى قول المحققين والأن زيد الذي يخاطبك انما تخاطبك روحه في هذا القفص وهي الأن ليست بذاتها في الزمان وانما تكون في الزمان بتعلقها بالجسم تعلق التدبير فاذا قلت لك قام زيد سمعت اللفظ حين الخطاب بجسمك وآلاته وادركت معناه بروحك في مرتبتها من عالم الغيب فقد ادركت المعنى قبل خلق السموات والارض باربعة الاف عام
وقوله { والعقول القادسة } اي المتقدسة المتنزهة بذاتها عن شوائب المواد العنصرية والمدد الزمانية والصور الهندسية لا انها متقدسة عن مطلق المادة ومطلق المدة ومطلق الصورة كما توهمه اكثر المتأخرين بل لها مواد نورانية ومدد دهرية وصور معنوية { والارواح الكلية } وهي الرقائق الغيبية فهي في عالم الغيب كالمضغ في عالم الشهادة بالنسبة الى اطوار الجنين والعقل كالنطفة وتمام الخلقة كالنفس { عندنا باقية ببقاء الله } يريد انها كالظل للشاخص بقرينة قوله { فضلا عن ابقائه } وهذا غلط ظاهر فان الاشياء كلها لا فرق بين الارواح والاجسام قائمة بامر الله الفعلي اي المشية قيام صدور وبامر الله المفعولي اي النور المحمدي (ص) قياما ركنيا اي قيام تحقق قال الصادق عليه السلم في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك فبقاء كل شيء بابقاء الله بدوام الامداد
قوله { لانها مستهلكة الذوات مطوية الانوار عند سطوع نور الجلال } لان مادتها من ذلك النور وهيئتها اي صورتها من اثر هيئته كما ترى من صورة الكتابة فان مادتها من المداد وصورها ( صورتها خل ) من هيئة حركة يد الكاتب ولا تتوهم ان نور الله عز وجل كما يذهب اليه هؤلاء من انه نور الذات الغير المصنوع فانهم لا يعرفون الله تعالى وانما نور الله هو فعله وهو مفعوله واسماؤه وصفاته اي صفات افعاله وكلها محدثة مخلوقة بفعل الله اما الفعل فخلقه الله بنفسه اي نفس الفعل لانه فعل وايجاد ولا يحتاج في ايجاده الا الى فعل وايجاد وهو فعل وايجاد فلا يحتاج في ايجاده الى غير نفسه واما ما سوى الفعل فخلقه الله بالفعل فهم مستهلكون بوجدانهم في انوار فعله وآيته الكبرى { لا يرومون النظر الى ذواتهم خاشعين لله } فانين ( قائمين خل ) في خدمته ومراقبتهم لحضرته
وقد ذكر الملا احمد اليزدي اعتراضات لبعض الناظرين في قوله { باقية ببقاء الله } لان ظاهره القول باتحادها به تعالى واحببت ان اذكره مختصرا واذكر جوابه ليظهر لك الحال قال في حاشيته : منها ان الاتحاد في الوجود لا يتصور الا بين الكلي وجزئي ذلك الكلي كالانسان الموجود بوجود جزئياته ولا يصح الاتحاد بين الامور الجزئية ولا بين الحقائق المتباينة كالانسان والفرس والواجب ليس كليا للعقول لتندرج تحته ومنها ان التباين بين الانسان والفرس دون التباين بين الواجب والممكن واذا امتنع في ضعيف التباين الاتحاد ففي شديد التباين بالطريق الاولى ومنها ان للواجب بالذات خواص منها الا يكون مجعولا وللممكن خواص منها ان يكون مجعولا فلو جاز الاتحاد بينهما كان الشيء الواحد مجعولا وغير مجعول هف ومنها ما ثبت انها متأصلة في نفس الامر وان لها علة جاعلة متقدمة عليها بخلاف الواجب فلو جاز الاتحاد فاما ان تكون قديمة فيلزم انقلاب الحقائق وان بقيت على امكانها مع اتحادها بجاعلها كان جاعلا لنفسه ومتقدما على نفسه لان الجاعل متقدم على المجعول ومنها ان وجود الواجب ضروري ووجودها جائز فالوجود والعدم فيه سواء فلو جاز الاتحاد كان الشيء ضروريا جائزا هف قال سلمه الله : ويمكن الجواب عن هذه الوجوه جميعا بان المراد ان الارواح الكلية باقية ببقائه ليس ما هو ظاهره كما فهمه المعترض بل المراد انهم لا يلتفتون الى ذواتهم اصلا بل يقصرون النظر في ذاته فما بقي في الوجود في نظرهم هو وجود الله تعالى لا غير فلا التفات لهم الى وجودهم فكانت الاثنينية مرتفعة في نظرهم واذا كان الامر كذلك فكأنه صار وجوده وجودها اذ لا غير عندها الخ انتهى ملخصا وانت خبير بان هذا الجواب غير رافع للاعتراضات اصلا لان الجواب انما هو بالاتحاد في الوجدان والاعتراض على دعوى الاتحاد في الوجود لانه هو المستلزم للبقاء بخلاف الاتحاد في الوجدان فانه لا يستلزم البقاء والاعتراض متجه ولا مرد له لان الايرادات نشأت عن حسن الفهم لا عن سوء الفهم
قال : { قال سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا اعظم من الروح ولو شاء ان يبتلع السموات والارضين في لقمة لفعل وقال بعضهم الروح لم تخرج من كن لانه لو خرج من كن كان عليه الذل قيل فمن اي شيء خرج قال من بين جماله وجلاله انتهى اقول معنى كلامه ان الروح هو امره تعالى وقوله كن فهو نفس امره تعالى الذي به تتكون الاشياء فسائر الموجودات خلقت وكانت من امره وامره لا يكون من امره والا لزم الدور او التسلسل بل عالم امره تعالى نشأ من ذاته نشو الضوء من الشمس والنداوة من البحر }
اقول : قول سعيد بن جبير { لم يخلق الله خلقا اعظم من الروح } يريد به عقل الكل فانه عندهم قبل جميع المخلوقات ولم يخلق الله شيئا قبله وهو غلط لانهم انما تمسكوا بما ذكره بعض الحكماء بزعمهم انه تعالى بسيط من كل جهة والبسيط كذلك لا يصدر عنه الا واحد وبظواهر بعض الاخبار مثل اول ما خلق الله العقل واول ما خلق الله روحي وقد غفلوا عما في نفس الامر وذلك اما في زعمهم ان الواحد لا يصدر عنه الا واحد فهو ليس كما زعموا اما اولا فلان الصادر عن صانعه لا يصدر الا بواسطة الفعل لا من الذات لان هذا ولادة واذا ثبت بالعقل والنقل ان العقل مفعول وان المفعول لا يصدر من ذات الفاعل وانما يصدر من فعله والفعل يتعدد بتعدد اوقات الايجاد به وامكنة محدثاته فيجب تعدد مفعولاته لكن الفاعل اذا كان مختارا فهو في ارادته ان شاء فعل وان شاء لم يفعل لانه انما يفعل اذا كان المختار غنيا بمقتضى المصلحة فلما اقتضت المصلحة وحدة اول مفعول لم يحدث الا عقلا واحدا وليس لانه لا يمكن الا واحد وكيف لا يمكن الا واحد وهو صادر عن فعل المختار وفعل المختار انما يكون في وقت دون وقت وجهة دون جهة وهيئة ( دون هيئة خل ) وذلك موجب لتعدد الصادر منه ولان كون البسيط الذي ليس له الا جهة واحدة يجب اتحاد مفعوله انما ذلك من معاني الخلق واما ثانيا فلان الخالق الذي يجب فيه اجتماع النقيضين وارتفاعهما بحيث يكون اجتماعهما عين ارتفاعهما مثل اوليته نفس اخريته وظاهريته عين باطنيته وقربه عين بعده وعلوه نفس ( عين خل ) دنوه وهكذا من الامور المتناقضة مثل هو عال عين ليس بعال وظاهر عين ليس بظاهر وهكذا لا يصح ان تقدر قدرته على قدر ادراك العقول فان من قدر قدرة الله سبحانه على قدر عقله هلك فحيث بعد صدور اكثر من واحد عن البسيط فيما تدركه عقولهم لا يبعد فيما لا تدركه عقولهم ولا تقدر قدرته على قدر عقولهم قال الله تعالى ويخلق ما لا يعلمون
وقوله { ولو شاء ان يبتلع السموات والارضين في لقمة لفعل } مأخوذ من ظاهر بعض الاخبار وهو كناية عن كبره او عظمه
وقوله { وقال بعضهم ان الروح لم تخرج ( من كن خد ) لانه لو خرج من كن كان عليه الذل } قول له لانه انما استشهد به لانه ارتضاه ويريد هذا القائل غير ما يريده علماء الدين عليهم السلام لانهم انما يريدون بالروح المخلوقة الصادرة من نور الانوار اعني الحقيقة المحمدية (ص) ومن ارض القابليات وهي تطلق كما تقدم على العقل الكلي عقل الكل وعلى الروح الكلية وهؤلاء يريدون به عالم الامر اعني الفعل وعلى رأيهم انه قديم متحد بالذات معللين بانه تعالى صنع الاشياء بذاته والا لاحتاج في صنعه الى غيره فبين ان الروح لو كانت مخلوقة للزمها ذل المصنوعية والانفعال بل هي امر الله وكل كلامهم باطل لان هذه الروح مخلوقة صادرة من كن كصدور الصوت من القرع وان اصطلحوا على تسمية الفعل بالروح ففيه ان الروح عند اهل الشرع واهل المعارف الالهية اذا اطلقت تبادرت الافهام الى الروح المخلوقة اعني العقل او الروح واما الذل فلازم لذاتها وان لحقها العز بالله كغيرها من الامور الطيبة قال تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين يعني بالله ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا واما هؤلاء فحيث حكموا باتحاده بالله لزمهم تنزيهه عن الذل ونحن لما نزهنا المعبود عز وجل عن الاتحاد بالسوي حكمنا على الروح بالذل لذاتها وقد قال الله تعالى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وهؤلاء لا يقولون بان الروح من السوي قال الملا احمد اليزدي المذكور صاحب الحاشية في ان العالم حادث زماني قال : وهذا مبني على ما قال يعني المصنف من ان العقول القادسة والارواح الكلية باقية ببقاء الله دون ابقائه فليست بعالم بمعنى ما سوى الله فافهم انتهى فتأمل في هذا الكلام وما ارادوا منه فانهم جعلوا الارواح والعقول ليست مما سوى الله تعالى ربي كيف خلقها ثم لم تكن سواه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وقيل للبعض القائل { فمن اي شيء خرج قال من بين جماله وجلاله } اقول من عظيم وساوسهم ان الروح تولد لا بالايجاد الذي يعبر عنه بكن بل من جماله الذي هو نور الذات وجلاله الذي هو قدس الذات وطهرها وقهرها لكل شيء فلذا نزه الروح عن الذل والجمال قيل هو نور الذات والجلال هو الحجاب وقيل الجلال هو حجاب الذات اي نورها الذي تحتجب به والجمال نور الجلال والحاصل هذا الاعتقاد ظاهر الفساد ولو وجهنا قوله من بين جماله وجلاله قلنا ان جلاله وجماله القديمين هما عين الذات البحت والذات البحت لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد والجمال والجلال الحادثين ليس الا فعله وصفات فعله باي اعتبار او مفعوله وصفات مفعوله وكل له داخرون لا يستكبرون عن عبادته
وقول المصنف { اقول معنى كلامه ان الروح هو امره تعالى وقوله كن فهو نفس امره تعالى الذي به تتكون الاشياء } وانا اقول كأنهم لا يعرفون الذي يراد من الروح حيث يريدون به امره الذي هو فعله وقوله وكن فهو نفس امره ايضا ظاهره ليس بصحيح بمعنى انه ان اراد ان كن بلفظه حقيقة هو امره الذي هو فعله فنعم كن صورة الامر وقد جعلها الله سبحانه منه بهذا المعنى لان ( لانه خل ) في الحقيقة انما خصت صورة الامر بكن للاشارة الى ان الفعل تكوين يشار اليه بالكاف التي هي الاشارة الى الكون والنون اشارة الى العين المكونة فقوله وكن نفس امره غلط يقول الصادق عليه السلام : لا كاف ولا نون وانما اراد فكان ثم انا قد ذكرنا في الشرح مرارا متعددة ان الامر قسمان امر هو الفعل اي المشية والارادة والابداع وامر هو المفعول الاول يعني النور المحمدي فبالامر الاول قامت الاشياء قيام صدور وبالثاني قامت الاشياء قيام تحقق يعني قياما ركنيا
وقال المصنف { فسائر الاشياء خلقت وكانت من امره } يعني فعله وهذا صحيح عندنا وان كان هو يعتقد ان كثيرا من الاشياء امور اعتبارية ليست مخلوقة كالامكان والحدوث وامثالهما
وقال { وامره لا يكون من امره والا لزم الدور او التسلسل } واقول يريد ان كن امره فلا يكون صادرا من كن الذي هو امره وهذا تصحيح لكلام ذلك البعض القائل وهذا ليس بصحيح لما قدمنا ان الامر الذي هو الفعل خلقه الله بنفسه كما قال الصادق عليه السلام : خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية وهي الفعل المخلوق به فاذا كان مخلوقا بنفسه فاين الدور او التسلسل لانا لا نريد ان نفسه شيء غيره لانه ايجاد والايجاد محدث لا يحتاج في ايجاده الا الى ايجاد وهو ايجاد فلا يحتاج في ايجاده الى غير نفسه
وقال المصنف { بل عالم امره نشأ من ذاته نشو الضوء من الشمس والنداوة من البحر } واقول يريد ان الفعل نشأ من ذات الله مثل نشو الضوء من الشمس والضوء ليس بفعل من الشمس وانا ما ادري ما يريد المصنف هل يريد انه ولادة من ذاته تعالى او انه ظل لازم له تعالى او انه امر فرضي وانما يريد انه تعالى فاعل بذاته فذاته فعله وعبارته وما يظهر من كلماته صادقة على الثلاثة وكلها باطلة وقوله { والنداوة من البحر } وهي اجزاء صغار من ماء البحر نفسه فان اراد بالمثلين معنى واحدا لم يكن مريدا للثلاثة وانما يريد واحدا وهي الولادة لان النداوة ظاهرا ليست عرضا للماء وان اراد كونها عرضا فهو يريد اوسط الثلاثة وعلى كل تقدير فمراده باطل ليس من الحق في شيء وانما ذاته الازل وفعله في الامكان والحدوث الراجح واين الرب واين العبد
قال : { وقال ابن بابويه ايضا في كتاب الاعتقادات اعتقادنا في الانبياء والرسل والائمة عليهم السلم ان فيهم خمسة ارواح روح القدس وروح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح المدرج وفي المؤمنين اربعة ارواح وفي الكافرين ثلاثة ارواح واما قوله تعالى ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي فانه خلق اعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه واله ومع الملائكة وهو من الملكوت انتهى كلامه }
اقول : ان الخمسة الارواح هنا جواهر نفسانية بسائط يعني انها حصص جزئية متشخصة تشخصا نوعيا وهو مرادنا بكونها بسائط وذلك كاجزاء الشيء الواحد فان الشيء متعين بتعينات شخصية واجزاؤه كل منها متعين بتشخصات نوعية لانها حصص من النوع لا تتمايز التميز الشخصي الا بانضمام بعضها الى بعض ومرادنا بالتشخص الشخصي ما يفيد معنى غير معنى المادة وكل جزء قبل الانضمام اذا تشخص التشخص الشخصي افاد معنى في نفسه غير ما يفيده بالانضمام ولذا قلنا ان كلا منها تشخصه نوعي بهذا المعنى والا فانه اذا فصلت الحصة الجزئية للشيء قبل الانضمام لزمها التشخص الشخصي بالنسبة اليها اما بالنسبة الى المركب فتشخصها نوعي مثلا اذا قلت ق فان لها في نفسها تشخصا شخصيا بمعنى انها غير قولك م لكن تشخصها في نفسها بالنسبة الى ما يتركب منها نوعي فتقول قم فتكون القاف بانضمامها الى باقي الحروف مفيدة معنى شخصيا غير ما تفيده في قولك قلب وغيرهما في قدر وهذا معلوم لمن له معلوم فهذه الارواح ارواح جزئية للشخص الانساني فروح القدس هي روح العصمة ولا توجد الا في الانبياء والرسل والائمة عليهم السلم وبها يمتنعون من المعاصي الصغائر والكبائر مع القدرة عليها والتمكن منها اختيارا وروح الايمان وهي روح اليقين القار في الجنان بمطابقة عمل الاركان مما يرضي الرحمن وتوجد في الانبياء والرسل والائمة عليهم السلام وفي المؤمنين المستقري الايمان وروح القوة وهي القوة التي يقدر بها على حمل الثقيل ومعاناة الاشياء الشاقة وروح الشهوة وهي التي بها يشتهي الاكل والشرب والنكاح وما اشبه ذلك وروح المدرج وهي القوة التي بها يدب في الارض ويدرج وهذه الارواح الثلاث توجد في الانبياء والرسل والائمة عليهم السلم وفي المؤمنين وفي الكافرين وفي سائر الحيوانات فاذا اجتمعت مع روح القدس استولت على الثلاث ومالت بها الى مقتضاها من الطاعات بحيث لا تخرج عن سلطانها ابدا الا ان يشاء الله تعالى فهي مستهلكة الالتفات الى مقتضى نفسها لغلبة روح القدس عليها واذا اجتمعت مع روح الايمان ولم تكن معها روح القدس وكانت روح الايمان مطمئنة او مطميـٔنة راضية بل او راضية مرضية ما لم تكن كاملة كالاولى فان روح الايمان تستولي على الثلاث من غير استهلاك فتكون الثلاث في اغلب احوالها تابعة لروح الايمان وقد تحيص حيصة فتميل بطبعها الى مقتضى ذاتها لعدم فناء طبيعتها بالكلية فتقارف المعاصي وتلم لمما وتردها بالمجاهدات روح الايمان الى الطاعة والتوبة وتستدرك ما قصرت عنه او فرطت فيه من مجاهدتها بالتوبة او بالندم والاستغفار وهو كما روي قائم مقام التوبة لمن لا يريد بنيته الا مراد الله ومحبته ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون اللهم اغفر لنا ما مضي من ذنوبنا واعصمنا فيما بقي من اعمارنا انك اكرم المسئولين ففي اهل العصمة عليهم السلام خمسة ارواح وفي المؤمنين اربعة ارواح وفي الكافرين والمنافقين والمشركين وسائر الحيوانات ثلاثة ارواح وذلك قول الله عز وجل ان هم الا كالانعام بل هم اضل
واما قوله { ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي } ففيه وجه انه ( ان خل ) الروح الحيواني اي المتحرك بالارادة وذلك لان بعض اليهود اتوا الى النبي صلى الله عليه واله وقالوا نسأله عن الروح فان اجاب فليس بنبي لان الانبياء حكماء لا يتكلمون لاحد بما لا يفهمه وان لم يجب فهو نبي ولما كان صلى الله عليه واله حجة الله على جميع خلقه ولا يجوز ان يكون لله تعالى حجة يسئل فيقول لا ادري لم يجز الا يجيب اذا سئل وكان حكيما لا يضع الاشياء في غير مواضعها ولا يكلم احدا بما لا يفهمه اجاب بحقيقة الجواب على نوع الايهام لعدم الجواب فقال من امر ربي وذلك بامر الله وتسديده لنبيه وامر الله هو الحقيقة المحمدية كما ذكرنا مرارا ويطلق على الفعل ايضا كما تقدم الا انه في هذه الاية على هذا التوجيه تتعين ارادة الحقيقة المحمدية منه بقرينة قوله من الدالة على الابتداء فانها لا تدخل الا على المادة فتقول صغت الخاتم من فضة وخلق الانسان من تراب والفعل لا يصح ان يكون مادة للمفعول كما ترى في الكتابة فانها ليست مركبة من حركة اليد بان تكون مادة للكتابة نعم تكون صورته من هيئة الفعل كما ترى صورة الكتابة من هيئة الفعل واما المفعول الحقيقي فكذلك وان خفي على اكثر الافهام توهم ان مادته من الفعل قياسا على ما فهم من ضرب ضربا فان ضربا هو المفعول الحقيقي وهو الذي يقع غاية وتأكيدا لانه ناش منه وليس كما فهم من ضربا وان كان ضربا آية للمفعولات بفعل الله الا ان احرفه ليست هي احرف ضرب بعينها ولا منها وانما هي مصاغة في قالب احرف ضرب بمعنى ان المتكلم جذب هواء الى جوفه وصاغه احرفا بالة مخارج الحروف من لسانه واسنانه ولهاته وحلقه فلما قال ضرب واتى بلفظ دال على الفعل واراد ان يؤكده باثره والاتيان بغايته واثره لا يكون الا بما يشابهه فجذب هواء كالاول وصاغ حروفه في قالب حروفه ليعلم انه اثره وتأكيدا له ناش عنه وليس ناشيا منه والفعل احدثه الله بنفسه في الامكان الراجح واخذ به هواء امكانيا من الراجح فصاغه به فيه وهو النور المحمدي صلى الله عليه واله ثم بعد ما شاء الله من الدهور صاغ من هذا النور ومن قابليته التي هي الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار اي ولو لم يتعلق به الفعل المكني عنه بالنار اي المشية بالفعل المذكور عقلا وهو عقل الكل المسمى بالعقل الكلي وبالروح من امر الله وهو النور الابيض وروحا وهو روح القدس وهو روح الكل المسمى بالروح الكلي وبالروح من امر ربي وقد يطلق على النفس ايضا فيقال قبض ملك الموت روحه او نفسه وتطلق على العقل قال صلى الله عليه واله : اول ما خلق الله العقل واول ما خلق الله روحي وقال الصادق عليه السلم : ان الله خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وفيه وجه اخر وهو انه ملك اعظم من جبريل وميكائيل وروي عنه عليه السلم وهو الذي اشرنا اليه بانه من امر الله او من امر ربي وهو من الملكوت واعلم انه قد وقع خلاف في الملكوت وقد اشرنا اليه قبل هذا فيما تقدم الى بعضه والاكثر على انه تحت الجبروت والجبروت فوقه بناء على ان الملكوت عالم النفوس والجبروت عالم الارواح وقال بعض بالعكس وهو مروي ايضا وهنا في هذا الحديث فيه احتمالان ناشيان من ان الروح المذكورة في الحديث المفسر للاية هل المراد به العقل الذي هو من امر الله ام الروح التي هي من امر الرب والفرق في التعبير بين امر الله وامر الرب انا نريد بامر الرب اي المربي وهو اسم الرحمن الذي استوي برحمانيته على العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وامر الله هو اسم الله وهو العقل والالف القائم وصورته في بساطته هكذا والالف المبسوط هو النفس اي اللوح المحفوظ وصورته هكذا والروح بينهما وصورتها هكذا فافهم
قال : { وقد اخذ هذا الكلام من احاديث ائمتنا المعصومين صلوات الله عليهم والمراد من روح القدس الروح الذي كان مع الله من غير مراجعة الى ذاته وهو المسمى عند الحكماء بالعقل الفعال ومن روح الايمان العقل المستفاد الذي صار عقلا بالفعل بعد ما كان عقلا بالقوة ومن روح القوة النفس الناطقة الانسانية وهي عقل هيولاني بالقوة ومن روح الشهوة النفس الحيوانية التي شأنها الشهوة والغضب ومن روح المدرج الروح الطبيعي الذي هو مبدأ التنمية والتغذية وهذه الارواح الخمسة متعاقبة الحصول في الانسان على التدريج }
اقول : قوله { اخذ هذا الكلام } الخ يريد به الصدوق (ره)
وقوله { والمراد من روح القدس } الى قوله { الى ذاته } يريد منه غير ما تدل عليه عبارته فان الذي تدل عليه عبارته انه الروح المخلوقة وهو الملك الذي يكون مع الانبياء والرسل والائمة عليهم السلم وانها مع الله بالاقبال عليه وعدم الغفلة عن ذكره ولذا قال وهو المسمى عند الحكماء بالعقل الفعال واما مراده فانه يعني به الروح الذي هو امره تعالى وهو كن وليس صادرا من كن الذي هو امره وهو ناش من ذات الله نشو الضوء من الشمس والنداوة من البحر كما تقدم الاشارة اليه والى فساده
واما قوله { بالعقل الفعال } فاعلم ان العقل الفعال يطلقه الحكماء الالهيون الاولون على عقل الكل الذي فوض الله تعالى اليه الايجاد فهو بالله يصنع ما دونه وبعضهم وهم اصحاب العقول العشرة يطلقونه على العقل العاشر الذي هو عقل العناصر وقد قررنا بطلان قول هؤلاء ولو فرض صحته فالعقل الكلي احق بهذه الصفة وفي العلل للصدوق بسنده الى عمر بن علي عن ابيه علي بن ابي طالب عليه السلام ان النبي صلى الله عليه واله سئل مم خلق الله عز وجل ( العقل خل ) فقال خلقه ملكا له رؤس بعدد الخلائق من خلق ومن لم يخلق الى يوم القيمة ولكل رأس وجه ولكل ادمي رأس من رؤس العقل واسم ذلك الانسان على وجه ذلك الرأس مكتوب وعلى كل وجه ستر ملقي لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتى يولد هذا المولود ويبلغ حد الرجال او حد النساء فاذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة والسنة والجيد والردي الا ومثل العقل في القلب كمثل السراج وسط البيت ه اقول فهذا بعض ما ذكر من فعله في عالم الغيب وما ذكر في فعله في عالم الشهادة والشهادة قول الله عز وجل له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال تعالى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك بك اثيب وبك اعاقب ولا اكملتك الا فيمن احب ه اقول وقد تقدم انه يكون مع الانبياء والمرسلين بوجه من وجوهه وهو روح عصمتهم ولم ينزل بكله قبل ولادة محمد صلى الله عليه واله ومنذ نزل عليه لم يصعد قط فهو بكله مع خلفائه عليهم السلم وهو الأن بكله مع الحجة عليه السلم وهو باب اجابة المعصومين فمن كان عنده بوجه فكلما طلب من بابية ذلك الوجه اتاه به ذلك الوجه وليس غير ذلك الوجه ومحمد وآله صلى الله عليه واله هو عندهم بكله فكل ما يسألون منه يأتيهم به وهو نور ليلة القدر روى الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصائر سعد بن عبد الله الاشعري وفيه عن الحسن بن عباس بن جريش عن ابي جعفر الجواد عليه السلام قال سأل ابا عبد الله عليه السلام رجل من اهل بيته عن سورة انا انزلناه في ليلة القدر فقال ويلك سألت عن عظيم اياك والسؤال عن مثل هذا فقام الرجل قال فاتيته يوما فاقبلت عليه فسألته فقال انا انزلناه نور عند الانبياء وعند الاوصياء لا يريدون حاجة من السماء ولا من الارض الا ذكروها لذلك النور فاتاهم بها وفيه بهذا السند قال الصادق عليه السلام انا انزلناه نور كهيئة العين على رأس النبي والاوصياء عليه وعليهم السلم لا يريد احد منا علم امر من امر الارض او من امر السماء الى الحجب التي بين الله وبين العرش الا رفع طرفه الى ذلك النور فرأى تفسير الذي اراد مكتوبا ه اقول قوله كهيئة العين قيل لعل المراد بالعين هنا عين الشمس ويحتمل ان يكون المراد بها الدوربين انتهى والذي افهم ان المراد بها عين تعقله من دماغه عليه السلم
قوله { ومن روح الايمان } يعني به المراد من روح الايمان { العقل المستفاد الذي صار عقلا بالفعل بعد ما كان عقلا بالقوة } اقول العقل لغة الحبس وعند اهل الشرائع والملل يطلق على معان على حسب مراداتهم ومذاقاتهم الاول العقل الذي هو مناط التكليف الشرعي من حيث انه يدعو الى التأدب بالاداب الشرعية بقدر الوسع او دون الوسع علما وعملا فلا يتوجه الى فاقده التكليف وقيل في تحديده بوجوه متقاربة منها انه قوة غريزية يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الالات فالنائم على هذا التعريف لا يسمى عاقلا لعدم العلم ومثله ما يعرف به حسن الحسن وقبح القبيح ومنها انه قوة ادراك الخير والشر والتمييز بينهما والتمكن من معرفة اسباب الامور وما يؤدي اليها وما يمنع منها ومنها انه العلم ببعض الضروريات وهو العقل بالملكة وقريب منه ما قيل انه العلم بوجوب الواجب واستحالة المستحيل في مجاري العادات ومنها انه عدم الجنون عما من شأنه ذلك فهو صفة اولى للانسان تدعو الى الافعال الحسنة وضده الجهل والهوى او صفة يستعد بها لاستنتاج المجهولات من المعلومات وضده الجنون المعنى الثاني العقل هو العلم التام بالشيء الحاصل من التأمل التام فيه المعنى الثالث هو التأدب بالاداب الحسنة في طلب العلم بالاشياء من حيث حسنها وقبحها وكمالها ونقصها ونفعها وضرها والعمل بذلك المعنى الرابع العقل هو التأدب بالاداب المستفادة من التجارب بمجاري الاحوال المعنى الخامس العقل هو جودة الذهن وسرعة انتقاله الى الدقائق مع حبس النفس على الحق وهو الذي اشير اليه في الحديث العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان وقد يطلق عليه الذكاء والفطنة والفهم والبصيرة وكذا الكياسة وان كان مع حبس النفس على ضد الحق مع رعاية منافع الدنيا فقط فليس بعقل بل تسمى النكراء والشيطنة والجربزة والفطانة البتراء ويقابل هذا العقل الجهل والحمق والغباوة والبلاهة والبلادة المعنى السادس العقل ميل النفس الى الافعال الحسنة والعقل بهذا المعنى فطري وكسبي وكذا بالمعنى الذي قبله والفطري منه ما خلقه الله مع خلق النطفة وهو الاعلى من مراتب الفطري ومنه ما يخلق عند الولادة وهو المتوسط ومنه ما يخلق عند البلوغ وهو الادنى والكسبي ما يحصل بعد ذلك بتكرر مراجعة العقل في المعاني ومعالجة الصنائع ووقته كل العمر وهو قول الحكماء في اشاراتهم ان زمن الربيع لا يعدم من العالم اي ان وقت تحصيل الكمالات لا يفقد في اول العمر وفي وسطه وفي آخره وهذا الكسبي اختياري فمن طلب وجد واما الفطري فقيل انه اختياري عند التكليف الاول في عالم الذر وقيل انه ايجابي لان تنزلات العقل الاول في المراتب الكونية عند ظهوره بها باذن الله عز وجل ايجابي تكويني اقول والحق انه اختياري بل الحق انه ليس في الوجود اضطرار بل كل الموجودات مختارة لانها اثر المختار فهم من فهم وقد حققناه في مباحثاتنا وفي الفوائد بما لا مزيد عليه ولا مناص عنه المعنى السابع العقل هو النفس الناطقة الانسانية باعتبار مراتبها في استكمالها علما وعملا ويطلق هذا المعنى على نفس تلك المراتب وعلى قواها في تلك المراتب وذلك ان للنفس قوة باعتبار تأثرها عما فوقها وتلقيها ما يكمل جوهرها من التعقلات ويسمى ذلك عقلا نظريا وباعتبار تأثيرها في البدن بتكميل جوهره اختياريا لانه الة لها في تحصيل العلم والعمل وللنفس ايضا قوة اخرى تسمى عقلا عمليا وللاول اعني العقل النظري اربع مراتب الاولى استعداد بعيد للكمال وهو محض قابليتها للادراك ويسمى عقلا هيولانيا تشبيها بالهيولي المجردة عن الصور احترازا عن الهيولي الثانية التي اخذت الصور فيها اعني المادة وهي الجسم الثانية استعداد متوسط لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات بالاولى ويسمى عقلا بالملكة يعني بالقوة لا بالفعل الثالثة استعداد قريب لاستحضار النظريات متى شاء ويسمى عقلا بالفعل وقيل يسمى هذا عقلا مستفادا الرابعة الكمال وهو تحصيل النظريات مشاهدة ويسمى عقلا مستفادا وقيل يسمى هذا عقلا بالفعل وقد يعتبر هذا بالقياس الى جميع مدركاته بحيث لا يغيب عنه شيء وهو بهذا المعنى انما يكون في الاخرة كذا قيل ومنهم من جوزه في الدنيا لنفوس قوية لا تشتغل بشيء ولا شك في وجوده في الدنيا مع اهل العصمة عليهم السلم وهو قوله تعالى : ولا اكملتك الا فيمن احب واهل محبته على الحقيقة محمد واهل بيته الطاهرين عليه وعليهم السلم ومن دونهم شيعتهم من الانبياء والمرسلين والخصيصين من اتباعهم وللثاني وهو العقل العملي ايضا اربع مراتب الاولى تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع المعنوية الثانية تهذيب الباطن من المهلكات الردية وترك الشواغل عن عالم الغيب الثالثة تجلي النفس بالصور القدسية بعد القرب والاتصال بعالم الغيب بمباشرة روح اليقين الرابعة انجلاء ضياء المعرفة بالفؤاد واستغراقه بانوار الجلال والجمال وهو مقام الصدق في المحبة مع الله في جميع المواطن بحيث لا يفقده حيث يحب ولا يجده حيث يكره
واعلم ان ما يطلق عليه اسم العقل اثنان احدهما الجوهر الدراك للاشياء وهو متعلق بباطن الجسم الصنوبري الذي في الصدر وهو القلب الذي عناه الله سبحانه بقوله تعالى ولكن تعمي القلوب التي في الصدور تعلق التدبير ومرادنا بقولنا بباطن الجسم انه لا يتعلق بالاجسام الا بالواسطة والواسطة هنا هي النفس المسماة بالصدر فان المراد بالصدر هنا هو النفس والخيال فانه صدر القلب الذي هو العقل الجوهري وهو رأس من العقل الكلي او وجه منه فالنفس مستنيرة باشراقه عليها كاستنارة الجدار باشراق الشمس عليه وثانيهما فعله وادراكه وبصره وسمعه وهو متعلق بباطن الدماغ ومرادنا بباطن الدماغ الذي في الرأس فعل النفس والخيال وادراكهما وبصرهما وسمعهما وذلك في دماغ الرأس فهما اي فعل النفس والخيال وادراكهما وبصرهما وسمعهما مشرقان باشراق وجه العقل عليهما كاشراق النفس والخيال باشراق القلب عليهما والاول رأس من عقل الكل وذلك الرأس هو امر الله الخاص بعقل ذلك الشخص وعقل ذلك الشخص الخاص به الذي يقبل الزيادة والنقصان هو اشراق وجهه اعني الرأس الخاص به من العقل الكلي عليه فالاشراق عقل الشخص يزيد باصلاح قلبه بحسن الغذاء وبالاعمال الصالحة والنيات الخالصة وينقص بعكس ذلك واما وجهه الخاص به من عقل الكل فلا يزيد ولا ينقص والمستفاد وبالفعل هو القابل للزيادة والنقصان وحيث كان اختيار المصنف ان المستفاد هو النهاية جعله روح الايمان وكان الذي يجول في خاطري ان المرتبة الثالثة هي المستفاد وبالفعل هي الرابعة ثم اعلم ان روح الايمان ليست هي العقل لان العقل هو وجه الوجود اعني الفؤاد الذي هو حقيقة الشيء من ربه وهو نور الله الذي ينظر به المؤمن وله هيكل معنوي مركب من حدود جبروتية معنوية احدها روح الايمان فروح الايمان ركن من اركان العقل الشرعي لانه نور صور على هيئات هياكل التوحيد وقوله في وصف المستفاد الذي صار عقلا بالفعل بعد ما كان عقلا بالفعل ( بالقوة خط ) يريد بالفعل ما يقابل القوة لا قسيم المستفاد
وقوله { ومن روح القوة } اي المراد من روح القوة في الحديث { النفس الناطقة الانسانية وهي عقل هيولاني بالقوة } ليس بصحيح لان العقل بجميع انواعه قوي للنفس الناطقة الانسانية لانه ان اراد بها الفلكية اي الحيوانية الحسية فهذه مركب للنفس الكلية التي هي مركب العقل وان اراد بها الناطقة القدسية فالعقل من قواها بل هو مركبها وهي روحه لانها هي الفؤاد من عرف نفسه فقد عرف ربه على ان الامام عليه السلام في نفس حديث الارواح الخمس فسرها بالقوة التي يحمل بها الاثقال ولهذا تكون في كل حيوان ناطق او صامت واين هذه من العقل الهيولاني الذي النور الاولى اعني اول اشراق وجهه من عقل الكل على باطن قلبه الصنوبري
وكذلك قوله { المراد من روح الشهوة النفس الحيوانية } فان هذه هي الحساسة الفلكية التي اصلها الافلاك ومقرها القلب لها قوي ثلاث روح المدرج وروح الشهوة وروح القوة والامام عليه السلام حين ذكر الارواح فسر روح القوة بالقوة التي يحمل بها الثقيل وروح الشهوة التي بها يأكل ويشرب وينكح وروح المدرج التي بها يدب ويدرج ويمشي وكل الثلاث من قوي الحيوانية الحساسة الفلكية وانما فسرها بهذا حيث لم يأخذ الحديث من اصله وانما اخذه من اعتقاد ابنبابويه فاقتصر على ما فيه ووجه الارواح الثلاث على هذه المعاني الغيبية
والمراد من الطبيعي الذي هو مبدؤ النمو هو النفس النباتية وهي غذاء تركب من جزء من التراب وجزء من الهواء وجزء من النار وجزئين من الماء بعد تعديلها وتميزها عن الغرائب على ما قرر في العلم الطبيعي
قوله { وهذه الخمسة متعاقبة الحصول على التدريج } يريد ان كل واحدة شرط لما بعدها والشرط سابق على المشروط فتكون متعاقبة في حصولها للشيء شيئا فشيئا وهذا الكلام ربما يجري في البعض لكن ليس على ترتيب ما ذكره لان الثلاثة الاواخر اعني روح القوة وروح الشهوة وروح المدرج في الحقيقة متساوقة لكون كل واحدة من متممات الاخرى لكن اذا غفلنا عن هذا النظر في الحقيقة واعتبرنا الظاهر فالحصول قسمان حصول دهري وحصول زماني اما الحصول الدهري فالسابقة روح القدس بما لا يكاد يتناهى وفي الحصول الزماني هي آخرها حصولا ومن دون روح القدس في الحصول الدهري روح الايمان وهي قبل روح القدس في الزماني ومن دونها روح القوة في الحصول الدهري لكونها من اثار الطبيعة الكلية كما اشار سبحانه اليه قال تعالى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو جبرئل عليه السلم حامل النور الاحمر وهو الطبيعة ومن دون روح القوة روح المدرج في الدهري وهي بعد روح الشهوة في الحصول الزماني لان روح الشهوة هي ميله الى التكون والغذاء وهو حاصل في النطفة
قال :
اقول : قوله { فالانسان ما دام في الرحم ليس له الا النفس النباتية } يدل على انه يريد بتلك الارواح المذكورة ما فوق الماديات لحصره الانسان من النطفة الى الولادة في النفس النباتية وقد اشرنا الى ان روح الشهوة مساوقة للنباتية لان النمو انما يكون بالاغتذاء بالملائم ولا نعني بروح الشهوة الا الميل الى الملائم وهذا موجود في النطفة والا لم تكن علقة نعم هي في الحيوان اظهر وهي تلك بعينها ولكنها قبل ضعيفة لضعف احساس النطفة بالنسبة الى احساس الحيوان وان كانت فيما وراء هذا العالم ظاهرة قال امير المؤمنين عليه السلم : ان لله في كل يوم ثلاثة عساكر عسكر ينزلون من الاصلاب الى الارحام وعسكر ينزلون من الارحام الى فضاء الدنيا وعسكر يرتحلون من الدنيا الى الاخرة ه والمصنف تكلف هذا التأويل بصرف تلك القوى الى النفوس لاجل ذكرها بلفظ الارواح والامام عليه السلم بين ان روح القوة مثلا بها يحمل الثقيل وروح المدرج بها يسعى ويدب ويدرج وروح الشهوة بها يأكل ويشرب وينكح وكل هذه ارواح مزاجية وهي قوى للنفس الحيوانية الحسية لا ان روح القوة التي يحمل بها الثقيل هو العقل الهيولاني كما توهمه ولا ان روح الشهوة التي بها يأكل ويشرب هو القوة الخيالية ولا ان روح المدرج هو الذي يحدث عند البلوغ الحيواني فعلى قوله لا يقدر على المشي قبل البلوغ حتى يحصل له العقل العلمي اي الكسبي واين كلامه من كلام الامام عليه السلم وانما تكلف هذا التأويل البعيد حيث ان الامام عليه السلم عبر عنها بالارواح والمصنف لا يعرف من الارواح الا المجردات
وقوله { واما العقل بالفعل فلا يحدث الا في افراد البشر } ويريد به المرتبة الثالثة من العقل وهو المستفاد ويريد به ما اراد الامام عليه السلم من روح الايمان وليس كما اراد لانه عليه السلم يعني بروح الايمان نور اليقين الناشئ عن الاعمال الصالحة والنيات الخالصة لا التلوين الناشئ من مداومة قراءة المثنوي واوهام الملا روم كما قال { وهم العرفاء } وعطفه المؤمنين على العرفاء يدل على انهم غيرهم وعلى كل تقدير فانما يعني ما يزنه بميزانه فالمؤمنون حقا بالله عنده هم الذين يقولون ان بسيط الحقيقة كل الاشياء وامثال هذا في الملائكة والكتب والرسل واليوم الاخر فان اللفظ وان صح في اصل الوضع لم يصح في نفس ارادته { واما روح القدس } فكما قال مخصوص باولياء الله الا ان المراد منها في هذا المكان غير الملك الذي يسددهم عليهم السلم بل المراد به نفوسهم الملكوتية الالهية التي اصلها العقل منه بدت وعنه وعت كما يأتي انشاء الله
قال { وهذه الارواح الخمسة انوار متفاوتة في شدة النورية وضعفها كلها موجودة بوجود واحد اي مراتب متدرجة الحصول فيمن وجدت له والذي يعضد ما ذكره صاحب الاعتقادات من طريق الرواية ما نقل عن كميل بن زياد انه قال سألت مولانا امير المؤمنين عليه السلام فقلت يا امير المؤمنين اريد ان تعرفني نفسي قال يا كميل اي نفس تريد ان اعرفك قلت يا مولاي وهل هي الا نفس واحدة قال يا كميل انها هي اربعة النامية النباتية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الالهية ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوى جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة والكلية الالهية لها خمس قوى بقاء في فناء وسقم في شفاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدؤها من الله واليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل }
اقول : قوله { وهذه الارواح الخمسة انوار متفاوتة في شدة النورية وضعفها } ليس بصحيح لان شأن المتفاوتة في الشدة والضعف ان تكون من نوع واحد كما ذكره بقوله { وكلها موجودة بوجود واحد } وهذه شهادة منه ان روح القدس التي ربما رفع رتبتها عن الايجاد بل قال انها لم تخرج من كن كما يظهر من كلامه السابق لمن تدبر فيه وروح الشهوة الحيوانية كما قال من نوع واحد ليس بينهما فارق ولا مميز الا شدة روح القدس وضعف روح الشهوة لان الخمس كلها موجودة بوجود واحد من طينة واحدة لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وقد اشرنا ان روح القدس لم يخرج منها شيء ولم يخلق منها شيء الا الاربعة عشر معصوما عليهم السلام ان اريد بها صفة النفس الكلية كما يأتي وان اريد بها العقل او الملك لم ينزل في غيرهم نعم خلق الله من شعاعها ارواح انبيائه ورسله مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي وذلك بعد ما مضى منذ خلقوا عليهم السلام الف دهر كل دهر مائة الف سنة وبقي الانبياء يدينون الله سبحانه بدين الاربعةعشر عليهم السلم الف دهر كذلك ثم خلق من شعاع ارواح الانبياء عليهم السلم ارواح المؤمنين اعني الارواح الناطقة القدسية للمؤمنين التي عناها امير المؤمنين عليه السلم بقوله السابق التي ليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ومن اشعتها خلق نفوس الملائكة ومن اشعة نفوسهم خلق النفس الحيوانية واين هذا من ذلك وكيف تكون الخمس ( موجودة خل ) بوجود واحد بل ليست بوجود واحد ولا بايجاد واحد الا على رأي المصنف بان كل الاشياء بوجود واحد وهو وجود صانعها فان اراد هنا ما يعتقده كما ذكر سابقا فقد ابطل مدلولات الالفاظ ومعانيها كما ابطل الاعتقاد
وقوله { فانها متدرجة الحصول فيمن وجدت له } يعني به ان حصولها لمن هي فيه على التدريج كحصولها في نفسها في مراتب وجودها وعلى قوله فما اكبر روح الشهوة وما اصغر روح القدس لان الذي بينهما درجتين روح القوة وروح الايمان والحاصل لا فائدة في البيان هنا ولا في العتاب
وقوله { ويعضد ما ذكره صاحب الاعتقادات } الخ هذا لا يعضده وليس بينهما مناسبة لان حديث الارواح يذكر فيه قوى النفس الناطقة وملكاتها وقوي جسدها وطبيعته وحديث كميل في تعداد الانفس ذواتها لا صفاتها ولهذا كانت الانفس باعتبار ذواتها اربعا والارواح خمس لان روح القدس في الحديث الاول صفة النفس الكلية الالهية في حديث كميل وروح الايمان صفة الناطقة القدسية وروح القوة وروح الشهوة وروح المدرج صفات وقوى للحيوانية الحسية بمعونة القوى الجسمانية التي هي قوى النفس النباتية
والنفس النامية النباتية هي مركبة من العناصر الاربعة جزء من الغذاء الناري وجزء من الترابي وجزء من الهوائي وجزءان من المائي اجتمعت الخمسة واتحدت بالانحلال حتى صارت كيموسا فنضجت بنظر الكواكب فصارت نفسا نباتية نامية ولها خمس قوى تستمد منها ما تلطفه لها من الاغذية جاذبة من المرة الصفراء وما تقوم مقامهما كما في الشجر من الحرارة واليبوسة وهي ركن العنصر الناري وشأنها جذب مادة الغذاء وجذب الغذاء بعد تخليصه من المادة وماسكة من المرة السوداء وما يقوم مقامها من اليبوسة والبرودة وهي الركن الترابي وشأنها امساك الغذاء على ما يناسبه وهاضمة من الدم وما يقوم مقامه ومنبعها الكبد من الحرارة والرطوبة وهي الركن الهوائي وشأنها ضم المادة والكيلوس والكيموس واحالته من نوع العضو ودافعة من البلغم وما يقوم مقامه ومنبعها الرية من الرطوبة والبرودة وهي الركن المائي وشأنها دفع الغذاء الى العضو ودفع فاضله الى ما بعده ومربية وهي قوة من النفس تفعل النفس بها تنمية الاعضاء بما هو من نوعها من الغذاء فهي فعل النفس النامية لانها تألفت من طبائع الاربع السابقة فكانت طبيعة خامسة فللنفس النباتية خمس قوي اربع مركبة كل واحدة من طبيعتين والخامسة من الجميع لاحتياج التربية الى الكل لان النمو يحتاج الى الاربع السابقة على جهة الشيوع لا التمايز وللنفس النباتية (ظ) خاصيتان الزيادة عند اتصال الغذاء على الوجه الملايم المقارب للاعتدال وهي النمو والنقصان عند اختلال الشرايـٔط وهو الذبول وانبعاث النفس النامية من الكبد لانها محل الرطوبة والحرارة اللذين هما علة الهضم الذي هو علة الاتحاد الذي هو منشأ النفس النامية
والثانية النفس الحسية الحيوانية وهي من النفوس الفلكية لان النفس النامية مقرها الدم الاصفر المتعلق بالعلق الدم الذي في تجاويف القلب من الجانب الايسر اكثر فتلك الاجزاء اللطيفة التي هي النفس النامية اذا اعتدل نضجها حتى كانت بخارا لطيفا بتأثير اشعة الكواكب كالشمس والقمر والنجوم وبمر الليل والنهار تلطف ذلك البخار المعتدل في ميزانه ونضجه حتى ساوي جرم الافلاك فاشرقت عليه النفس الفلكية فتحرك بحركتها مثاله اذا قربت خشبة يابسة من الجمر الملتهب فانها تصفر ثم تسود بحرارة الجمر ثم تشتعل فيها النار وان لم تتصل بها لانها بحرارتها تكلست حتى صارت فحما فتعلقت النار بها بواسطة الهواء المتصل بالجمر وبالخشبة فهذه هي النفس الحيوانية الحسية وتكون في كل حيوان بري او بحري من انسان او غيره مؤمن او كافر نبي او غيره كما ان النباتية تكون في كل من ذكر وتكون في سائر النباتات بل قد تكون في ما دون النباتات من البرازخ كالمرجان فانه وان كان من الاحجار فهو من الاشجار لانه ينمو ولهذا قيل انه برزخ بين النبات والمعدن ولها خمس قوي تدرك بها المحسوسات سمع تدرك به الاصوات اذا دق الصوت بواسطة الهواء باب سمعها ادركته بصوته في حجابها وهو الطبل المصنوع على باب الدماغ من خرق الاذنين وبصر تدرك به الالوان والاضواء بانطباع صورها في جليدية العينين بالقوة التي في تقاطع قصبتي العينين وشم تدرك به روائح الاشياء بواسطة حلمتي المنخرين بانبساطهما في الرائحة الطيبة وانقباضهما في الخبيثة وذوق تدرك به الطعوم بواسطة اللسان بنفوذ لطيف من ذي الطعم ملائم او منافر في تجاويف مسامه ولمس تدرك به لين الاشياء وخشنها برقة قوة احساس سارية منها في سائر الجسد الا انها في انملة السبابة اقوى لشدة رقة الاحساس فيها ولها خاصيتان الرضا والغضب والرضا اختيار الشيء وطمأنينة القلب عنده لانبساط برودة الروح والغضب بالعكس وهو غليان دم القلب لطلب الانتقام لالتهاب حرارة النفس وانبعاثها من القلب لان سبب تعلقها من الافلاك بالحيوان هو الابخرة المعتدلة في الوزن والنضج المتعلقة بالدم الاصفر المتعلق بالعلق الدم الكائنة في تجاويف القلب من الجانب الايسر منه اكثر كما مر
والنفس الناطقة القدسية وهي جوهر نوراني ووصف قدسي الهي وانموذج تصويري فهواني وكتاب صوري رباني فهي هيكل التوحيد والمثل المنزه عن التحديد اصلها النور ووكرها قمة الطور ولها خمس قوى : فكر من عطارد وذكر من زحل وعلم من المشتري وحلم من القمر ونباهة من الشمس وليس لها انبعاث لتجردها من المواد العنصرية والمدد الزمانية وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية التي هي عالية عن المواد عارية عن القوة والاستعداد ولها خاصيتان النزاهة لتقدسها عن اوساخ الطبيعة وانطباعها بموافقة احكام الشريعة والحكمة لتلاشي انيتها في الانوار العقلية وروي عن الصادق عليه السلم انه قال ان الصورة الانسانية اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط ( الطريق خ ) المستقيم الى كل خير وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار ه وهذه النفس شعاع من النفس الرابعة اعني النفس الكلية الالهية فهي بالنسبة الى الكلية نور وعرض قائم بها اي بنورها قيام تحقق وهو القيام الركني وهيكل الانسان الظاهر ظل هيكلها فهو مثلها وهي اصله تتعلق بهذا البدن تعلق اشراق لانها لا تنزل من روحها وانما هي كما قال الشاعر :
هي الشمس مسكنها في السماء فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع اليها صعودا ولنتستطيع اليك النزولا
والرابعة النفس الكلية الالهية هي الكتاب المبين والكتاب الحفيظ واللوح المحفوظ والنور الاخضر والكون المائي والباء من بسم الله الرحمن الرحيم وهي اسم الرحمن وشريك الفرقان وهي نفس الله التي لا يعلم ما فيها عيسى بن مريم في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولااعلم ما في نفسك ويأتي بعض اوصافها في حديث الاعرابي ولها قوى خمس : بقاء بالله في الفناء في سبحات وجهه وسقم من خشيته في شفاء نعمته ورحمته وعز بخدمته وعبادته وتفويض الامور اليه في ذل عبوديتها لعز ربوبيته وفقر مفن ( مغن خل ) اليه في غني التوكل عليه وصبر على المكروه في بلائه ولها خاصيتان الرضا بما يفعله وهو العبودية الخالصة والتسليم له في كل ما يجريه وهذه النفس التي مبدؤها من الله اي من فعله ومحبته لا من ذاته لانه لا يخرج منه شيء ولا يعود اليه شيء ولكن كل شيء مبدؤه من الله اي من اصله الصادر عن فعل الله تعالى فانه يقال له من الله واليه تعود اي الى مبدئها من اثر فعله تعود كما قال والى الله ترجع الامور اي الى حكمه وتقديره قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وهي روح خلقها وكرمها وشرفها بالانتساب اليه والاختصاص به كما قال بيتي وعبدي كما شرفها بانتساب مبدئها منه وعودها اليه وقال تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية اي ارجعي راضية بمأواك من فضله ورحمته ورضوانه مرضية اي راضيا لك وعنك شاكرا لاعمالك والعقل وسط الكل ه اي باطن هذه النفوس الاربع لانها تنزلاته في ادباره حين قال تعالى له ادبر فادبر او في اقباله عنه اليها حين قال تعالى اقبل فاقبل ففي النزول نزل بها وفي الصعود صعد بها
وروي ان اعرابيا سئل امير المؤمنين عليه السلم عن النفس فقال عن اي الانفس تسئل فقال يا مولاي هل النفس عديدة فقال عليه السلم نعم نفس نامية نباتية ونفس حسية حيوانية ونفس ناطقة قدسية ونفس الهية ملكوتية فقال يا مولاي ما النباتية قال قوة اصلها الطبائع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو والزيادة وسبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فقال يا مولاي وما النفس الحيوانية قال قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها فقال يا مولاي وما النفس الناطقة القدسية قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية فراقها عند تحلل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال يا مولاي وما النفس اللاهوتية الملكوتية فقال قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودتها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدئت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ومن جهلها ضل سعيه وغوى فقال السائل يا مولاي وما العقل قال العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علة الموجودات ونهاية المطالب انتهى
اقول قوله عليه السلم بدؤها عند مسقط النطفة يعني في الرحم اذ قبل سقوطها هي من المعادن فلما سقطت في الرحم وكانت نطفة الرجل حارة يابسة التقت بنطفة المرأة وهي باردة رطبة حصلت النفرة بين ما هو كالنار وبين ما هو كالماء فصرف الله تعالى بحكمته دم الحيض اليهما فتوسط بينهما وفيه مزاج بارد يابس وهو التراب الذي اخذ مادته الملك من الارض من الموضع الذي اذا مات لا يدفن الا فيه فماثه ومزجه باذن الله عز وجل في النطفتين فببرودته يكسر حرارة نطفة الرجل لئلا تحرق نطفة المرأة وبيبوسته يكسر رطوبة نطفة المرأة لئلا تطفئ نطفة الرجل وتكون نطفة الرجل بقدر نصف نطفة المرأة ليعتدلا في الطبائع والتراب قد يكون بقدر نطفة الرجل او نصفها او ربعها او سدسها او اقل وكل هذه يكفي في مطلق التوفيق بينهما الا انه اذا كان بقدر نطفة الرجل او اكثر ربما فسد المزاج فغلبت السوداء فربما تكون محترقة واذا قل كثيرا ربما فسد المزاج فتغلب الصفراء او البلغم واذا كان بقدر النصف الى ما يقرب من مساواة نطفة الرجل صلح المزاج وكانت السوداء معتدلة في رجحانها فيعتدل المزاج فيكون عاقلا عالما حافظا ذكيا فان خلص التراب من الشوايـٔب كانت صافية فيكون ح نبيا او وصي نبي قال الرضا عليه السلم مابعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية ه فاذا اجتمعت الاسباب تألفت القوة اي النفس النامية النباتية التي بها يحصل العقد والنمو وح بتقدير الله تعالى تحصل للمرأة حمي ضعيفة لتعين بحرارتها حرارة الرحم ليحصل التعفين الذي ( هو خل ) علة الانحلال ليحصل الغذاء الذي به النمو وليحصل العقد الذي هو علة الامتزاج ولذلك قال عليه السلم بدؤها عند مسقط النطفة قال عليه السلم وسبب فراقها اختلاف المتولدات اي المتولدات من الغذاء الطعام والشراب بزيادة احد الطبايع الاربع بعضها على بعض حتى تبطل الطاغية الزائدة الاخرى الناقصة فيبطل تركيب القوة المتألفة من الكل بالاعتدال فتفارق الاخلاط فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتلحق حرارتها بالنار فتمتزج بها وتلحق رطوبتها بالهواء فتمتزج به وتلحق برودتها بالماء فتمتزج به وتلحق يبوستها بالتراب فتمتزج به في كل ذلك امتزاج استهلاك للتمييز لا استهلاك فناء
وقوله عليه السلم في النفس الحيوانية قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك يريد ان النفس الحيوانية من نفوس الافلاك على نحو ما اشرنا اليه قبل وهي حرارة لانها من علة الكون وركن الحيوة وغريزية اي طبيعية اصلها الافلاك كما مر سابقا وهي في غيب النامية النباتية لان متعلقها الذي هو الابخرة المعتدلة وزنا ونضجا كامنة في النطفة الامشاج وفي غذائهما اي النطفتين وفي التراب الذي يقال انه ليس منهما ولا من غيرهما وهذه كلها مختلطة بالغرائب والاعراض الفاسدة فهي حينئذ متعلقة في غيبها فاذا تخلصت من الاعراض الغريبة واتحدت بالتعديل والنضج ظهر المتعلق المتخلص المعتدل بالنضج وظهرت النفس الكامنة فيه عند تمام الاربعة الاشهر التي هي الولادة الجسمانية لان الجسم ولد النفس وهو اول ايجادها اي ظهورها في متعلقها والولادة الثانية التي هي الولادة الدنياوية وهي خروج الجنين من بطن امه صورة للاولى فقوله عليه السلام ايجادها ان اريد به ظهورها من الغيب والشهادة فهي الاولى والثانية صورة لها وان اريد به ظهورها الى فضاء الدنيا فهو على الظاهر ظاهر ولا يصح ان يراد بايجادها من الغيب عند الولادة الظاهرة كيف وهو الحاكم بوجودها وتحققها عند تمام الاربعة الاشهر وقوله وفعلها الخ اي فعلها الطبيعي الحيوة اي التحرك بالارادة والحركة اي الكون الاول في المكان الثاني والظلم اي وضع الاشياء في غير مواضعها والغشم اي الاخذ بعنف والغلبة اي الاستيلاء واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية لشدة الحرص مقرها القلب لانها متعلقة بالابخرة الصافية المعتدلة الناضجة المتعلقة بالدم الاصفر المتعلق بالعلق الدم الكايـٔنة في تجاويف القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات لانها اذا اختلفت الطبائع وما تولد منها افسد القوي منها ضده فلم يبق لها قرار لفساد مكانها وخرابه فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت اي الى نفوس الافلاك عود ممازجة لانها من قوى متعددة من الافلاك المتعددة فاذا تفكك تركيبها بطلت فامتزج كل جزء منها باصله كقطرة الماء في البحر فيبطل فعلها ووجودها ويبطل تركيبها
وقال عليه السلام النفس الناطقة القدسية قوة لاهوتية اي روحانية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية معناه كما تقدم في الحيوانية الحسية بل سابقة على النطفة لانها كانت في غيب النطفة المعنوية ففي الكافي بسنده الى ابي اسمعيل الصيقلي الرازي عن ابي عبد الله عليه السلم قال ان في الجنة لشجرة تسمى المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا تمرة اكل منها مؤمن او كافر الا اخرج الله تعالى من صلبه مؤمنا ه فهي كامنة في النطفة القاطرة من شجرة المزن على البقلة والتمرة فاذا اكلها انتقلت الى الكيلوس ثم اذا صفى انتقلت الى الكيموس ثم الى النطفة المني في الصلب ثم الى الرحم في النطفة ومنها الى العلقة ثم الى المضغة ثم الى العظام ثم اذا تمت الخلقة ظهرت ثم اذا ولد طلعت كما مر مقرها العلوم الحقيقية الدينية اي العلوم المقرونة بالاعمال الصالحة فانها مسكن طمأنينتها موادها التأييدات العقلية اي استمدادها من الانوار العقلية المشرقة على كنهها فعلها المعارف الربانية اي انها تنزع الى معرفة خالقها فراقها عند تحلل الالات الجسمانية التي هي محل اشراقها وتعلقها فاذا تحللت وتفككت بسبب اختلاف الاخلاط فارقت صاعدة الى ربها راضية بما قضي عليها فتعود الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة لان بدءها دائما يتجدد في اوليته فاذا عادت اليه لم تمتزج به لانه كان تحت بدئها حال رجوعها فاذا صعدت الى مبدئها المتجدد الاعلى لم تصل اليه الا وقد تجدد لها بدء قبله وفوقه وهكذا من فضل رفيع الدرجات الذي لا تفني خزائنه فلا تزال مجاورة لبدئها غير ممازجة له لتجددها لتجدد بدئها ففي كل آن لها بدء جديد
وقال عليه السلام النفس اللاهوتية الملكوتية قوة لاهوتية اي روحانية قدسية وجوهرة بسيطة انما قال جوهرة بسيطة مع ان الناطقة القدسية كذلك لان تلك وان كانت في نفسها جوهرة بسيطة لكنها بالنسبة الى هذه عرض مركب من شعاع هذه وظل هيئتها فكانت هذه احق بالجوهرة البسيطة حية بالذات اي لا تموت بل باقية بابقاء الله لانها وجهه الذي لا يهلك الى سائر خلقه وبالذات لا ان حياتها من فاضل نفس فوقها كالنفوس الثلاث المتقدمة اذ ليس فوق هذه الا العقل وهي مركبه ومأويه اصلها العقل لانه لها كالنطفة للجنين لانها تطوره الثاني والروح تطوره الاول فبه علمت وبه نطقت واليه دلت واشارت بانه نورها وحياتها وبه عملت واطاعت كما قال تعالى تعلمونهن مما علمكم الله فعلمه الله تحقق العبودية بحق الربوبية فلما علمها تابت عن انيتها واقامت الصلوة التي امرها بها وآتت الزكوة فكانت اخته بعد ان كانت بنته كما قال تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة واتوا الزكوة فاخوانكم قال عليه السلم وعودتها اليه اذا كملت وشابهته اي كانت اخته في الدين ومنها بدئت الموجودات كالناطقة القدسية فانها اول من بدئ منها واليها تعود قال صلى الله عليه واله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم رواه ابن ابي جمهور في المجلي واليها تعود اي الموجودات بالكمال فهي ذات الله العليا قال عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته اي بذاته التي خلقها وكرمها وشرفها بنسبتها اليه فقال ذاتي كما قال بيتي وعبدي وشجرة طوبى وسدرة المنتهى طوبى اسم الجنة وقيل بلغة اهل الهند وفي الحديث شجرة طوبى هي شجرة في الجنة اصلها في دار النبي صلى الله عليه واله وليس مؤمن الا وفي داره غصن منها لا تخطر على قلبه شهوة الا اتاه بها ذلك الغصن ولو ان راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ماخرج ولو طار من اسفلها غراب ما بلغ اعلاها حتى يسقط هرما وعن النبي صلى الله عليه واله طوبى شجرة في الجنة اصلها في داري وفرعها في دار علي فقيل له في ذلك فقال داري ودار علي في الجنة بمكان واحد ه اقول وظاهر الحديث الثاني ان شجرة طوبى من باب اضافة الموصوف الى صفته لان طوبى من الطيب وابدلت الياء واوا لمناسبة الضمة او ان الاضافة بيانية والمراد من تسمية هذه النفس القدسية بهذا الاسم اما على نحو من المجاز او لانها اي الشجرة المذكورة صفتها ومثلها او خلقت منها على هيئتها وسدرة المنتهى في النهاية شجرة في اقصى الجنة اليها ينتهي علم الاولين والاخرين ولا يتعداها ه وعلى ما ذكره في النهاية هي هذه النفس الكلية لانها هي اللوح المحفوظ وليس وراءه للعلم ذكر وانما ذلك للعقل والروح ومداركه هي المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصور الجوهرية والمثالية والعلم حقيقته الصور الجوهرية المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والموجود منه في اذهان البشر غير ذهن علة الوجود هو اظلة تلك الجواهر واشباحها فالعلم هو الصور سواء كانت جوهرية ام شبحية فيكون كل علم للخلق منتهيا اليها اذ ليس وراءها شيء من الصور نعم وراءها معان في العقل ورقائق في الروح وجنة المأوى عن ابن عباس هي جنة تأوي اليها ارواح الشهداء وقيل هي عن يمين العرش اقول ان اريد انها تأوي اليها الارواح فهي عن يمين العرش لانها هي الركن الايمن الاسفل منه وان اريد به انها تأوي اليها النفوس فهي عن يسار العرش لانها هي الركن الايسر الاعلى منه والنفس الكلية على فرض انها مغايرة للروح الكلية كما هو اكثر الاستعمالات والاطلاقات هي الركن الايسر الاعلى منه لان الركن الايمن الاسفل هو الروح الكلية محل الرقائق ومبدؤها والعقل الكلي ركنه الايمن الاعلى والطبيعة الكلية ركنه الايسر الاسفل منه وهذه النفس هي الشجرة الطيبة وروى ابو حمزة الثمالي انه سئل الباقر عليه السلم عن قوله تعالى كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء فقال (ع) قال رسول الله صلى الله عليه واله انا اصلها وعلى فرعها والائمة اغصانها وعلمنا ثمرها وشيعتنا ورقها يا ابا حمزة ان الولد ليولد من شيعتنا فتورق ورقة فيها ويموت فتسقط منها ورقة وقال رجل جعلت فداءك تؤتي اكلها كل حين باذن ربها قال ما يفتي الائمة شيعتهم من الحلال والحرام ه وبالجملة فالمراد بها نفسهم الطيبة عليهم السلم التي هي اللوح المحفوظ وباطن اللوح المحفوظ وعلته فهي نفس الكرسي والباب الظاهر من العلم
وقال عليه السلام والعقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها يعني ان العقل جوهر مركب من نور الانوار اعني الحقيقة المحمدية لان مادته منها وصورته من هيئتها فهو وجهها الى الاشياء فهو علة الاشياء كما ان الشعلة المرئية من السراج هي علة جميع الاشعة كذلك العقل فانه من نور الانوار كالشعلة من السراج فهو جوهر للاشياء دراك محيط بالاشياء لكونها متقومة به تقوم تحقق لانه من امر الله الذي به قام كل شيء لا لانه بسيط كما اشار اليه المصنف بل هو مركب من مادة وصورة وانما احاط بها لانها انما قامت به وصدرت من النفس الكلية عنه ومعنى قيام الاشياء به ان جميع موادها في الغيب والشهادة من اشعته وصورها من هيئات افعاله صاغها في النفس الكلية وبثها منها فهو علة الاشياء والنفس محلها ومنها ظهرت الموجودات
قال : { المشعر الثالث - في حدوث العالم العالم بجميع ما فيه حادث زماني اذ كل ما فيه مسبوق الوجود بعدم زماني بمعنى الا هوية من الهويات الشخصية الا وقد سبق عدمها وجودها سبقا زمانيا وبالجملة لا شيء من الاجسام والجسمانيات المادية فلكيا كان او عنصريا نفسا كان او بدنا الا وهو متجدد الهوية غير ثابت الوجود والشخصية مع برهان لاح لنا من عند الله لاجل التدبر في ايات الله وكتابه العزيز مثل قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد وقوله تعالى على ان نبدل امثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون وقوله وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وقوله وان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وقوله والسموات مطويات بيمينه وقوله انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون وقوله كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقوله تعالى ان كل من في السموات والارض الا اتى الرحمن عبدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا }
اقول : العالم حادث بمعنى انه لم يكن فكونه سبحانه يعني انه تعالى كان ولم يكن معه غيره كائنا ولا مذكورا اصلا ثم جعله بعد ان كونه مذكورا بما هو هو ومراد المصنف بالحادث من العالم هو ما وقع في الزمان لا ما سوى الله فان مما سوى الله الروح وهو ليس خارجا من كن وما ليس خارجا من كن لم يكن حادثا وعنده هي باقية ببقاء الله دون ابقائه وعندنا المراد بالعالم الحادث هو كل ما سوى الله وكل ما سوى الله فهو خارج من كن يعني مخلوقا بها حتى كن نفسها فانها مخلوقة بنفسها ولا دور لان الدور انما منع منه لاستلزامه المحال وهو ان الشيء يكون سابقا على نفسه بمرتبتين او اكثر ولا تسلسل لعدم ترامي الحوادث وان العقل والروح وغيرهما باقية بابقاء الله تعالى لها بما يمدها به كلما فني شيء جدد شيئا وهو على كل شيء قدير
وقوله { العالم بجميع ما فيه حادث زماني } غلط لان العقول والنفوس من العالم وليست حادثة في الزمان بل هي حادثة مخلوقة مركبة من المواد النورانية والصور النورانية قبل الزمان وايضا الزمان هل هو شيء ام لا فان كان شيئا فهل هو مخلوق ام قديم فان كان شيئا مخلوقا ففي اي ظرف خلق فيه وان كان كما توهمه بعضهم من انه خلق في زمان موهوم فننقل هذا الكلام الى الموهوم لينطبق على المعلوم وان كانوا كارهين وان كان قديما فمع لزوم تعدد القدماء لا يكون القديم ظرفا للحوادث وان لم يكن شيئا فالعالم لم يخلق في شيء
وقوله { اذ كل ما فيه مسبوق بعدم زماني } صحيح على الظاهر وعلى الحقيقة ليس بصحيح اما صحته على الظاهر فظاهرة لانا نقول بحدوث العقول والنفوس ولم يكن في الزمان واحاديث ائمتنا صلوات الله عليهم كثيرة جدا في ان الله خلقهم عليهم السلم انوارا او اشباحا قبل ان يخلق عز وجل ارضا ولا سماء ولا ليلا ولا نهارا ولا فلكا ولا شمسا ولا قمرا ولا سيما على قول من يقول ان الزمان عبارة عن حركة الفلك بل قال تعالى لولاك ما خلقت الافلاك فدل هذا ونظائره مما هو اصرح في الدعوى بان نور محمد واهل بيته صلى الله عليه واهل بيته الطاهرين خلقه الله قبل خلق كل شيء ولم يخلق قبله او معه شيء وح اين كان الزمان وتقسيم الحادث الى ذاتي وزماني وان كان لا مشاحة في الاصطلاح وان الامر قد كان بان الله سبحانه خلق خلقا قبل الزمان وخلقا مع الزمان وخلقا بعد الزمان الا انه ليس بشيء لاثارته شبهة القدم عند من ليس ثابت القدم لان العبارة الحق ان كل ما سوى الله سبحانه مخلوق فقولهم ذاتي وزماني لا صلاح فيه الا كما قال علي عليه السلم العلم نقطة كثرها الجاهلون او الجهال واما انه على الحقيقة ليس بصحيح فلانه اراد حصر الحوادث في الكائنات في الزمان وليس بصحيح ولانه قال كل ما فيه فجعل جميع الافلاك فيه وهو سابق لها وليس بصحيح لانه الان هو ظرف للاجسام خاصة ولا يكون ظرفا لغيرها ولا غير ظرف فاذا كان قبلها فقد وجد فارغا من الحال فيه او ظرفا للمجردات وكل هذا لا يجوز حتى عند المصنف ومن قال بان الزمان عبارة عن حركة الفلك فقوله ليس بصحيح ايضا اذ يلزم منه وقوع الافلاك وهي اجسام خارجة عن الزمان فلا يكون الزمان غير ظرف ولا ظرفا للمجردات ولا ظرفا فارغا في حال ولا الاجسام قبل الزمان لئلا تقع في ظرف المجردات اعني الدهر ولا تقع بغير وقت وكذلك حكم المكان فكان الجسم وجد في الزمان والمكان والزمان وجد في الجسم وللجسم وفي المكان والمكان وجد فيهما ولهما فوجود الثلاثة دفعة في الظهور بمعنى انها متساوقة الوجود واما في الذات فالجسم سابق كسبق الكسر على الانكسار لانه هو المادة وهما من حدود الصورة فافهم
وقوله { بمعنى الا هوية من الهويات الشخصية الا وقد سبق عدمها وجودها سبقا زمانيا } غلط فان العقل الكلي هوية شخصية ولم يسبق عدمه وجوده في الزمان بل ولا في الدهر الا بمعنى انه لم يكن موجودا في رتبة ما فوقه واما انه يقال عليه انه كلي فليس المراد انه كلي طبيعي لا يوجد في الخارج الا في افراده ولا منطقي لا يوجد في الخارج وانما يوجد في الذهن ولا كلي عقلي لانه لا يوجد حينئذ في الخارج ولا الكلي العقلي كذلك بل المراد يكون العقل كليا لكونه محيطا بما تحته من العقول بمعنى قيوميته لها لا بمعنى انها افراد له كالانسان الطبيعي الكلي فان زيدا وعمروا ( عمرا خل ) وبكرا افراده لانه في الحقيقة انتزعه الذهن من شيء يتحقق في كل واحد منهم فهو ظلهم وشبحهم في الذهن ولذا قيل يوجد في الخارج في افراده وليس المراد من العقل الكلي هذا المعنى بل مرادنا ان العقل ذات شخصية متميزة بحدودها ومميزاتها الشخصية فانه ملك يؤدي الى اللوح وهو ملك يؤدي الى اسرافيل كما مر الا انه نور خلقه الله وكمله بحسن قابليته عن ربه فخلق الله من فاضل كماله اشعة هي حقائق جميع العقول وهي قائمة بفاضل وجوده ومتذوتة بفاضل تذوته كقيام شعاع الشمس بفاضل وجود الشمس وتذوته بفاضل تذوت الشمس فكون العقل كليا انما هو بهذا المعنى لا بمعنى الكلي الطبيعي او المنطقي او العقلي ليخرج بقوله الهويات الشخصية بل هو هوية شخصية متعينة بذاتها في الخارج ولم يسبق عدمه وجوده في الزمان
وقوله { وبالجملة لا شيء من الاجسام والجسمانيات المادية } الخ لا يقال عليه انه ما اراد بالهويات الشخصية الا الاجسام بقرينة قوله هذا فلا اعتراض عليه لانا نقول ليس اعتراضنا عليه من هذه الحيثية بل من حيث ان قوله { بمعنى الا هوية من الهويات الشخصية } يريد منه ان العقل وسائر المجردات انما خرج لعدم كونه متشخصا لانها كليات فلا تدخل في الزمان فلا تكون من العالم الحادث كما اشار سابقا الى هذا المعنى في عدة مواضع من كتابه
ثم ان قوله { فلكيا كان او عنصريا نفسا كان او بدنا الا وهو متجدد الهوية غير ثابت الوجود والشخصية } هذا في الظاهر حق ويأتي الكلام في الباطن فان قلت قوله { نفسا كان او بدنا } يدل على انه اراد بان النفوس من الاجسام وانت تقول به فلم انكرت ان يكون الاجسام في ظرف المجردات وانت لا تنكر كون النفوس مجردة قلت اما كون النفوس اجساما فهو حق وهي اخر مراتب ما يصدق عليه اسم الاجسام من جهة العلو ولكن اذا كانت اجساما فهي هويات متشخصة فيجب ان تكون في الزمان كما يقوله المصنف فهي حادث زماني مع انه لا يقول به اما نحن فنريد بالنفوس الجسمية والجسمانية لان النفوس الحيوانية الحسية من الافلاك وهي اجسام فتكون الحسية جسمية وهي في الزمان ولهذا قلنا فيما تقدم تبعا لقول امير المؤمنين عليه السلام انها اذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة واما النفوس العلوية فنسميها اجساما باعتبار كونها مركبة من مادة هي نور ومن صورة شخصية شبحية مقدارية هندسية وباعتبار ان فعلها منوط بالاجسام والزمان ولهذا تسمعهم يقولون ان النفوس مفارقة في ذاتها للماديات مقارنة لها بافعالها ومن هنا عبرنا عنها بالجسمانية لا الجسمية لانتسابها الى الاجسام بافعالها لا بذاتها الا ترى انك تدرك صور ما مضى وما لم يأت وامثاله وليست مدركاتك في الزمان لان النفس بذاتها ادركتها ولو اردت ان تفعل شيئا لم يكن فعلك الا في زماني فلا يكون الزمان ظرفا لشيء من المجردات وان تعلقت افعالها به وقولي على قول المصنف { متجدد الهوية } انه حق في الظاهر اريد انه انما قال ذلك على جهة الحصر بان غير الاجسام غير متجدد الهوية وهذا المعنى باطل وقولي ويأتي الكلام في الباطن اشارة الى عدم صحة كلامه في نفس الامر على ارادة الحصر لان العقول والنفوس وكلما سوى الله عز وجل مشترك في التجدد اذ الحادث لا يستغني عن المدد لا فرق بين العقول وغيرها ولا يمد الا بما لم يصل اليه قبل ذلك واذا وصل المدد اليه فلا بد من كسره وصوغه بالمدد صوغا جديدا فهو ابدا يصاغ ويكسر ويصاغ وهذا حكم كل ما سوى الله وآية هذا ما برهن عليه في العلم الطبيعي المكتوم وهذا لا شبهة فيه الا في جهة واحدة عظمت فيها الشبهة على الاكثر حتى عثر فيها المحققون في طرفها الاعلى والاسفل اما الاعلى فقال من اشرف على هذه الدقيقة ان الاشياء لا تبقى في آنين بل هي دائما متجددة متبدلة فهي في كل آن غيرها في الان الاخر وذلك كالنهر فانه وان كان في الظاهر ان ماءه اليوم هو ماءه امس حتى صح ان يقال شربنا من هذا الماء بالامس مع انه في كل آن غيره في الان الذي بعده فزيد غيره في الان الاخر وفي هذا فساد الثواب والعقاب فلا تجد محسنا ولا مسيئا لانه اذا احسن ذهب مع احسانه فالموجود في كل آن ليس بمحسن ولا مسيء واما الاسفل فقد انكر آخرون التغيير والتبديل وفي هذا استغناؤه عن المدد فيكون قائما بنفسه باقيا بذاته وكلا القولين باطل والحق انه غير مستغن عن المدد وانه يكسر ويصاغ في كل آن فهو هو وهو غيره كما قال الصادق عليه السلم في قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب حين اعترض عبدالكريم بن ابيالعوجاء لعنه الله فقال ما ذنب هذا الغير قال عليه السلام هي هي وهي غيرها ثم مثل له باللبنة تكسرها وتصوغها فهي هي وهي غيرها واما ما نحن فيه فما يذهب منه يخرج عن كونه او عن مكانه ويمد به فهو باعتبار هو هو لا يتبدل وهو غيره لانه كل آن في لبس من خلق جديد لانه ابدا لا يمد الا بما له وبما منه فما له هو مما يترقي اليه ويصاغ فيه به وما منه فهو ما ذهب منه بالذبول الظاهري والمعنوي يذهب عنه من كونه الى امكانه ثم يكون له وهو مما له وقد يذهب عن مكانه الى مكان اخر من الغيب الكوني ويعود اليه وهو ما منه فهو كالنهر المستدير الذي يمد اوله باخره واخره باوله وظاهره بباطنه وباطنه بظاهره وهو تأويل قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فكل مخلوق متجدد الوجود متبدل الكون والشخصية
وقوله { ببرهان لاح من عند الله لاجل التدبر في آيات الله وكتابه العزيز } يريد به ان دليلنا من ذلك واقول اعلم ان الله سبحانه يقول سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وامثال ذلك وذلك لانه تعرف لكل شيء في كل شيء وعرف من شاء بما شاء فجعل كل شيء خلقه دليلا ومدلولا عليه وعلة ومعلولا وشاهدا ومشهودا وكتابا ومكتوبا وحافظا ومحفوظا والحاصل ما من شيء الا وهو آية لشيء ودليل عليه ومبين لما خفي قال الصادق عليه السلم : العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وقال الرضا عليه السلام : قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هاهنا ه وهذا مما لا شك فيه ولا اشكال يعتريه وانما الاشكال في تحصيل الحق من تلك الامثال لانه لما كان الباطل يشابه الحق كما قال تعالى ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة وقال ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة فشبه الحق بالشجرة والباطل بالشجرة وقال انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فشبه الحق بالزبد والباطل بالزبد وكان الناظر انما ينكشف له من الشيء المتشابه ما هو بصدده خفى الامر على الناظرين اذ كل ينظر ليستدل على مذهبه ورأيه فيؤتى من حيث طلب ولو ان الناظر لم يلتفت الى مذهبه ولا الى ما اعتادته نفسه وانست به ولا الى قواعد عنده بان يطلب ما يطابق قواعده بل نظر الى نفس الاية والمثل مع قطع النظر عن كل ما ذكرنا لاصحاب المطالب واستهدى الله سبحانه وجعل نفسه مسترشدا بالله عز وجل وبكتابه التدويني وبكتابيه الاكبر اعني الافاق والاصغر اعني الانفس لوقع على الحق واصاب الصواب فما اشار اليه المصنف هو ما اراد الله سبحانه ولكن بما ذكرنا من الشرائط الا ترى ما اكثر الناظرين واقل المصيبين
وقوله { مثل قوله بل هم في لبس من خلق جديد } يريد به ما في الزمان من الاجسام وصفاتها وفيه انه ان كانت العلة واحدة في الجميع وهي الافتقار الى الصانع جل وعز والى صنعه والى التقوم بامره فلا فرق بين المجردات والماديات وان فرض ان الامر مختلف فالله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون وتأويل الاية انهم انما وجدوا بفعله وانما قاموا بامره وما قاموا به في قبضته لا يخرج عن سلطانه فبه قوامهم كما ان منه بدءهم فهو في كل آن يلبسهم خلعة من الوجود كالاولى ان شاء والا كغيرها على ما يشاء وكذا { قوله على ان نبدل امثالكم } اي بمثلها ان شيـٔنا او بما نشاء من الهيئات { وننشئكم } بما نبدل { فيما لا تعلمون } من الهيئات في اي صورة ما شاء ركبك وكذا { قوله وترى الجبال تحسبها جامدة } لعدم نموها في الظاهر { وهي تمر مر السحاب } في سرعة سيره وخفاء ذلك لكبره فانها دائما في التحلل والتبدل شديدة السير الى امر الله وحكمه في السلسلة العرضية حتى لا يكاد الجاهل يشعر بذلك السير وكذلك { قوله ان نشأ نذهبكم } وقد شاء ذلك من المخاطبين بذلك الخطاب { ونأت } لكم { بخلق جديد } فالاذهاب هو كسر البنية الاولى والخلق الجديد هو الصوغ الثاني وبالكسر تتبدل الامثال وبالصوغ الانشاء فيما لا يعلمون ان كانوا لا يعلمون وان كانوا يعلمون اشهدهم خلق انفسهم وكذا { قوله والسموات مطويات بيمينه } وهو كشطها وكسرها وكذا { قوله انا نحن نرث الارض ومن عليها } بارجاع ما تحلل منهم او ما نحلله منهم { والينا يرجعون } اي الى ما حكمنا عليهم به يرجعون وهذا حكم الان بعد الان اذ كل ذرة من الارض وممن عليها من امرنا بدأت واليه تعود فالطريق بين الفيض والمفاض عليه مملوء من النازلات والصاعدات كل في فلك يسبحون وكذا { قوله كل من عليها فان } اي في بقائه لدوام المدد والكسر والصوغ { ويبقى وجه ربك ذي ( ذو خل ) الجلال والاكرام } اي وجه الشيء الفاني من ربه فانه كل ما فني من الشيء شيء ابدله ربه من وجه ذلك الشيء من ربه بدل ما فني اما باعادته عليه بعد احيائه او بتكوينه بعد انعدامه او يبقى وجهه تعالى اي بابه الى الشيء وهو محمد واله صلى الله عليه واله لان الشيء الفاني مادته من اشعة انوارهم فما فني منه شيء عوضوه بدله وفي زيارة شهر رجب : انا سائلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض فبكم يجبر المهيض ويشفي المريض وعندكم ما تزداد الارحام وما تغيض ه وعلى هذا التأويل يكون الضمير في عليها في كل من عليها فان يعود الى الارض الجرز ارض الامكان او ارض الاكوان وكذا { قوله ان كل من في السموات والارض الا اتى الرحمن عبدا } اي كل من هو محتاج الى فعله وامره في امكانه وكونه يحتاج الى فعله وامره في بقائه فمن فعله تكوينه في كسره وصوغه ومن امره مدده في مادته من شعاع امره وفي صورته من شعاع هيئته وكذا { قوله وكلهم آتيه يوم القيمة فردا } ويوم القيمة انهم يرونه بعيدا اي لم يكن ونريه قريبا قد كان فيرجع الى امره الفعلي وامره المفعولي كل شيء بانفراده وكل ذرة بانفرادها وكما بدءكم تعودون واعلم ان الكلام في شرح احوال التجدد والتبدل طويل الذيل ولا يسع الا الاقتصار على مثل ما اشرنا اليه فان في ذلك كفاية وتبصرة لاولي الابصار
قال : { ومبدء هذا البرهان المشار اليه تارة من جهة تجدد الطبيعة وهي صورة جوهرية سارية في الجسم هي المبدء القريب لحركته الذاتية وسكونه ومنشأ آثاره وما من جسم الا وتتقوم ذاته من هذا الجوهر الصوري الساري في جميع اجزائه وهو ابدا في التحول والسيلان والتجدد والانصرام والزوال والانهدام فلا بقاء لها ولا سبب لحدوثها وتجددها لان الذاتي غير معلل بعلة سوى علة الذات والجاعل اذا جعلها جعل ذاتها المتجددة }
اقول : يريد ان مأخذ البرهان على حدوث الاجسام هو تجدد طبيعتها فان التجدد انما يكون للمتغير الفاني المتبدل وهذا دليل ظاهر لا اشكال فيه انما الاشكال فيما يبنونه عليه وفيما يفرعون عليه كما ستسمع فقوله { وهي } اي الطبيعة { صورة جوهرية } اي منسوبة الى الجوهر لانها بنفسها جوهر لان ذلك انما يكون في الصورة المقومة للشيء التي هي جزء ماهيته ولو اراد العرضية لتوجه اليه المنع فاذا اراد بها الصورة التي هي جزء ماهية الشيء وكنهه من نفسه كانت عبارة عن الماهية التي هي الانفعال والقابلية وتجدد القابلية لتجدد المقبول اعني المدد الدائم فقوله { سارية في الجسم } ينافي في الظاهر كونها صورة جوهرية لان الجسم انما هو جسم بمادته وصورته فهذه السارية مغايرة لماهيته والمغاير للماهية مغاير لطبيعته فيمكن ان نقول لعله اراد بالجسم المادة ليتم له مراده
وقوله { هي المبدء القريب لحركته الذاتية } التي بها يترقي وينحط وسكونه اي الذاتي بقرينة ذكر الحركة الذاتية وهو ما اقامه تعالى وامسكه بظله الذي يعبرون عنه بالقيام بنفسه يعني ما به حصول جوهريته ومعروضيته وهي ايضا منشأ آثاره ينبغي ان يقيد الاثار باضافة بعض اثاره لان من اثاره واعظمها ما نشأ من جهة وجوده ومادته الذي هو نور الله اي اثر فعله فافهم
وقوله { وما من جسم الا وتتقوم ذاته من هذا الجوهر الصوري الساري في جميع اجزائه } كانه يريد به لازم الماهية كالحرارة للزنجبيل الظاهرة على الملاقي لا الحرارة التي هي جزؤ الماهية فانه لا يقال ان الصورة في السرير سارية في جميع اجزائه وما السرير قبل الصورة وان ما هو قبلها هو الخشب وما الساري في السرير بعد كونه سريرا وما الساري في المادة حتى كانت به سريرا وانما الماهية والطبيعة اذا اوجدت المادة انوجدت بوجودها المادة كالكسر والانكسار وفي الحقيقة اوجد الله المادة التي هي الاب ثم اوجد من المادة التي هي الاب الصورة التي هي الام وهي الماهية والانفعال والقابلية كما قال تعالى خلقكم من نفس واحدة وهي ادم وهي المادة وخلق منها زوجها وهي حواء وهي الصورة وهي الام كما قررنا سابقا فراجع لا كما ظنه الخراصون من ان الاب هو الصورة والام هي المادة ولو كان كذلك لكان من قوله عليه السلم السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه ان يكون شقاوة الصنم من الخشب لا من صورته والحق خلافه واذا سامحنا قلنا ان المصنف تساهل في التعبير او غفل في التقدير والحاصل ان الطبيعة هي هوية الشيء من نفسه وهي في الخلق الثاني ما لبسها من صورة اجابته حين ورد عليه الست بربكم
{ وهو } اي الجسم { ابدا في القبول والسيلان } بقابليته وطبيعته { والتجدد } عند كل مدد ورد عليه ليكسر به ويصاغ خلقا جديدا هو الاول في مادته وهو غيره في صورته { والانصرام } للبنية الاولى لانتهاء اجلها الذي اجل لها { والزوال } والفناء للهيئة الاولى { والانهدام } للبناء الاول لانقضاء اجله وتجديد الاجل الثاني وهو الصوغ الثاني كما تكسر الخمسة اذا وضع عليها خمسة فيصاغ الجميع عشرة فهو بعد زيادة المدد عشرة لا انه خمسة وخمسة فيكون اثنين { فلا بقاء لها } اي للاجسام لتجدد المدد دائما لان بقاءها انما هو به كما مر { ولا سبب لحدوثها وتجددها } قوله هذا مبني على قواعدهم المنهدمة من ان الحدوث امر اعتباري ليس بشيء وليس بموجود وهذا هو قوله المتناقض « لان الذاتي غير معلل بعلة سوى علة الذات » وهذا لا معنى له فان الحدوث اذا لم يكن شيئا لم يكن المتصف به حادثا واذا لم يكن حادثا كان قديما اذ لا واسطة بين الحادث والقديم فاذا لم يكن حادثا كان قديما واذا لم يكن قديما كان حادثا وليس قديما الا باتصاف ذاته بالقدم الوجودي الذي هو عين ذاته والحادث ليس حادثا الا باتصاف ذاته بالحدوث الذي هو ذاته فلو قلت في زيد الحادث هو قديم لم يكن بقولك قديما ما لم تتصف ذاته بقدم وجودي هو ذاته لا بقولك وفرضك فاين تذهبون ما لكم كيف تحكمون افلا تذكرون ام لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم ان كنتم صادقين
وقوله { ولا سبب لحدوثها } جوابه ان سبب حدوثها جعل جاعلها ممكنة وجعله لها مكونة بجعل غير جعل الذات التي هي المادة وان كان مترتبا على جعلها لانا قد قررنا انها هي صورة الاجابة اعني القابلية التي تسمى بالماهية وهي من المادة كالانكسار من الكسر فان الكسر مجعول بجعل فاعله والانكسار مجعول بجعل من ذلك الجعل مترتب عليه مغاير له فان ما به يصدر النور على هيئته غير ما تصدر عنه الظلمة على هيئته وان كان مترتبا عليه كما ترتب الانكسار على الكسر بل اقول بان الكسر والانكسار كان باربعة جعلات احدها جعل الكسر والثاني جعل الانكسار والثالث جعل التلازم بينهما والرابع جعل الالزام به بينهما اي الزام احدهما الاخر وبين الاول والثاني سبعون سنة وبين الثاني والثالث كذلك وبين الثالث والرابع كذلك وكيف لا يكون الحدوث والتجدد مخلوقا وهو صفة وجودية لموصوف موجود فلفظ الحدوث مهمل او مستعمل فاذا كان مستعملا فقد وضع بازاء معنى موجود والا فهو مهمل فاذا كان معنى موجودا اما ان يكون مخلوقا او قديما وانما جروا على كلام قاله من لم يعلم قال ما خلق الله المشمش مشمشا وانما خلق المشمش فقلنا له كون المشمش مشمشا شيء او ليس بشيء فان كان شيئا فالله سبحانه خالقه وان كان ليس بشيء فما الذي تنفيه فايها المتسمي بالشيعي اماقرأت دعاء السمات دعاء حجة الله في ارضه وسمائه عجل الله فرجه : وخلقت بها الشمس وجعلت الشمس ضياء الى اخر كلماته عليه السلام والضياء هو الشمس كما قال تعالى والشمس ضياء والقمر نورا وانما مالوا الى ذلك الكلام الباطل فرارا من لزوم الجبر في افعال العباد الاختيارية ومن كان هذا ملجاؤه فلا ملجأ له فالذاتي اذا كان مغايرا للذات كانت علته غير علة الذات ولو بالمفهوم والاعتبار والا وقع تغاير المفهوم والاعتبار باطلا فيا سبحن الله كيف كبت جياد الفحول حتى بقوا يحومون في تحقيقاتهم حول الالفاظ والمفاهيم اللفظية مع انهم لو فهموا مدلولات الالفاظ وحقائق المفاهيم ما تجاوزوا الحق الى امور صناعية وتقريبات اصطلاحية ما انزل الله بها من سلطان
ومنها قوله { هي المبدء القريب لحركته الذاتية } يعني ان الطبيعة لما كانت مبدء للحركة المتجددة السيالة وجب ان تكون هي كذلك لاستحالة صدور المتجدد عن الثابت مع انهم لا يعرفون الا صدور المتجدد عن الثابت كصدور المتجددات عن الله سبحانه او عن فعله او عن العقل الكلي وامثال هذه الكلمات فيقول في تقرير كون الحدوث والتجدد غير مجعولين { والجاعل اذا جعلها جعل ذاتها المتجددة واما تجددها فليس بجعل جاعل } فاذا صدرت المجعولة المتجددة عن جاعلها وجب ان يكون متجددا ولزمه ايضا ان يكون التجدد قديما او يكون قوله بثبوت التجدد لها كذبا او انها هي التجدد اي هي تجددها فهي صفتها ثم يلزمه مجعولية التجدد لانه هو المتجدد المجعول هذا قولي ولا ادري ماذا يعتذر به الا انه يقول في رسالته الموضوعة في حدوث العالم : التجدد للشيء اذا لم يكن صفة ذاتية له ففي تجدده يحتاج الى مجدد متجدد وان كان صفة ذاتية له كما نحن فيه فلا يحتاج الا الى جاعل يجعل ذات الشيء اي الى جاعل يجعلها متجددة اذ الذاتيات لا تعلل انتهى فاذا ذات الشيء من الذاتيات للشيء فلا يحتاج الى جاعل اذ الذاتيات لا تعلل
قال : { واما تجددها فليس بجعل جاعل وصنع فاعل وبها يرتبط الحادث بالقديم لان وجودها بعينه هذا الوجود التدريجي وبقاؤها عين حدوثها وثباتها عين تغييرها والصانع بوصف ثباته وبقائه ابدع هذا الكائن المتجدد الذات والهوية والذي جعله الحكماء واسطة لارتباط الحادث بالقديم وهي الحركة غير صالحة لذلك فان الحركة امر عقلي اضافي عبارة عن خروج الشيء من القوة الى الفعل لا ما به يخرج منها اليه وهو نحو من الوجود والحدوث التدريجي والزمان كمية ذلك الخروج والتجدد فالحركة خروج هذا الجوهر من القوة الى الفعل تدريجا والزمان مقداره وشيء منها لا يصلح ان يكون واسطة في ارتباط الحادث بالقديم وكذا الاعراض لانها تابعة في الثبات والتجدد لمحالها فلم يبق الا ما ذكرناه وقد بسطنا القول المشبع لاثبات هذا المرام في سائر صحفنا بما لا مزيد عليه }
اقول : قد بينا بطلان قوله
وقوله { وبها يرتبط الحادث بالقديم } اي وبالطبيعة يرتبط الحادث بالقديم ليس بصحيح لان القديم اذا وقع بينه وبين غيره ارتباط حادثا كان او قديما كان حادثا لحصول الاقتران الممتنع من القدم الممتنع من الحدوث وانما الارتباط بين الحادث والحادث اعني فعله وارادته كما قال امير المؤمنين عليه السلم : انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله والارتباط بين الفعل وبين الظاهر به نفس الفعل لانه تعالى خلقه بنفسه كما قال جعفر بن محمد عليهما السلم : خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية ه والمشية هي الفعل والظاهر بها هو الفاعل لها والفاعل صفة الذات البحت كما قررنا فيما تقدم ان القائم هو اسم فاعل القيام وفاعل القيام هو الظاهر به والظاهر به صفة زيد ومثاله وليس ذات زيد بنفسها ظاهرة بالفعل بل معنى كونها ظاهرة به انها فاعلة له بواسطة الفعل نفسه فكان الايجاد منسوبا الى مثال زيد الذي هو الظاهر بالفعل ولو كان الظاهر بالايجاد هو نفس زيد من غير توسط الفعل لكانت ذاته فعلا ولكانت ابدا فاعلة بل هي ان شاءت فعلت بواسطة مشيتها وان شاءت لم تفعل وما هذا شأنه لا يكون ذاتيا لانه تعالى ليس فاعلا في ازله وانما هو فعال لما يريد اي في الامكان الذي تتعلق به الارادة فاذا تأخرت فاعليته عن ذاته كانت مغايرة لذاته اذ الشيء لا يتأخر عن نفسه وليس شيء غير ذاته الا فعله وفاعليته التي نسميها صفته ومثاله
وقوله { لان وجودها } اي الطبيعة { هذا الوجود التدريجي } اي هو هذا الوجود التدريجي وهذا لا اشكال فيه انما الاشكال في ان هذا التدريجي هو الارتباط بين الحادث والقديم اما من جهة فيناسب له المتجدد التدريجي واما القديم فلا يصح ان يرتبط به التدريجي لان التدريجي مختلف فاذا ارتبط به القديم وجب ان تختلف جهاته لاختلاف المرتبط بها ويلزم ايضا انها لم تكن صادرة عن فعله والا لكان الربط منسوبا اليه ويلزم ايضا ما قلنا اولا من الاقتران المستلزم للحدوث بالاتفاق بين الحكماء والعقلاء
وقوله { وبقاؤها عين حدوثها } ليس بصحيح لان بقاءها ليس الا بالمدد والحدوث انما كان بالايجاد الابتدائي وليس ما بالمدد عين ما بالايجاد بل هو مغاير له على ان الحدوث مناف للبقاء وانما يجتمعان من جهتين فجهة ما به البقاء هو الابقاء بالمدد وجهة ما به الفناء هو الحدوث وكذا حكم الثبات والتغير
وقوله { والصانع بوصف ثباته وبقائه ابدع هذا الكايـٔن المتجدد الذات والهوية } متنافي المعنى لان مقتضى الابداع بوصف الثبات والبقاء ايجاد الكائن الثابت الباقي فايجاد الكائن المتجدد الذات والهوية دليل على صدوره عن متجدد متغير وليس الا الفعل فالعبارة الصحيحة ان يقال ان الصانع الفياض ابدع المتجدد لان الفيض متجدد والفعل متجدد وهما علتا المصنوع القريبتان والاثر يشابه هيئة المؤثر اي المؤثر القريب فان حلاوة العسل مشابهة للعسل لا للنحل والكتابة تشابه هيئة حركة يد الكاتب لا الكاتب ولا يده
وقوله { والذي جعله الحكماء واسطة لارتباط الحادث بالقديم وهي الحركة غير صالح لذلك } غلط في قولهم فان قول الحكماء بتوسط الحركة هو الصحيح الواجب الحصول وان كنا نمنع الارتباط لما سمعت لكنا نقول ان المفعول لا يمكن حصوله وصدوره بدون الفعل لان الصادر لو فرض امكانه بدون فعل من المصدر لم يمكن بدون فعل من الصادر او بمعونته كالولادة فلا بد من توسط الفعل من المصدر او الصادر او من كل منهما او من خارجي سواء كان على نحو الاختيار ام لا
وقوله { ان الحركة امر عقلي اضافي } ففيه ان الحركة ليست امرا عقليا بمعنى ارادته من ان الذي هو الظاهر انما هو الفاعل والمفعول بل الفعل اشد تحققا ووجودا من المفعول الذي حقيقته اثر الفعل وتأكيده كما نحن بصدده فان المتحقق بعد تحقق الفاعل انما هو الفعل واما المفعول اذا لم يكن ثابتا متحققا بمادته فليس شيئا الا بالفعل مثل ضربا فانه اثر ضرب وتأكيده ليس شيئا الا بضرب فهو بضرب شيء لا بنفسه ولا بالضارب من دون فعله واما قياسه على ضرب زيد عمرا من ان المرئي الظاهر انما هو زيد الضارب وعمرو المضروب واما حركة زيد في ضربه عمرا فامر عقلي قياس مع الفارق لان عمرا ليس في الحقيقة مفعولا لزيد وانما وقع فعله عليه بعد تحققه ومراد الحكماء بالحركة التي تكون علة لكون المعلول وتلك بالنسبة الى معلولها امر متحقق اشد تحققا من معلولها والمعلول منسوب اليها صادر منها لصدور هيئته من هيئتها فليس امرا عقليا اعتباريا كما توهموه على الحكماء كيف والطبيعة انما هي اثره فما فيها من التحقق والظهور والشيئية فانما هو من اثره فان جعل اضافيا نسبيا فهي اثره والمؤثر اولى من الاثر بالثبوت
وقوله { عبارة عن خروج الشيء من القوة الى الفعل } ليس بصحيح لأن الحركة التي هي خروج الشيء من القوة الى الفعل ليست هي فعل فاعل الشيء وانما هي فعل الشيء الخارج ولا يعنون بالحركة التي هي الارتباط بين الحادث والقديم حركة الحادث وانما يعنون بها فعل القديم وليس فعل الفاعل هو اخراج معلوله من كتم غيب امكانه الى شهادة اكوانه لا خروجه الذي علته فعله بل الخروج فعل المعلول والخروج يقال للمتحقق قبل الخروج بخلاف ما نحن بصدده
وقوله { لا ما به يخرج منها اليه } ان اراد به ما نفاه من كونه واسطة للارتباط فليس هو الخروج من القوة الى الفعل وانما هو ما به الخروج اي الحركة المخرجة لا مطلق ما به الخروج لصدقه على كل علة من العلل الاربع وانما الصالح لواسطة الارتباط العلة الفاعلية ونريد بالعلة الفاعلية نفس الفعل مع الحامل له ولو جوزنا الارتباط لقلنا ان الارتباط هو نفس الفعل ومحله ولكنا نمنع الارتباط بين الحادث والقديم كما نثبته بين الحادث والحادث اعني العلة الفاعلية التي هي الفعل مع محله وهو كالقائم من زيد فافهم
وقوله { وهو نحو من الوجود } ما ندري ما يعني بالوجود مع كثرة ما يقلبه في معانيه ولا معنى لشيء منها الا ما اريد به ما يعبر عنه بالفارسية بهستي وما سوى هذا المعنى من المعاني المرادة من لفظ الوجود ان اريد به الحقيقة ففي الحقيقة كلها وساوس اذ ليس الا ضد العدم او المادة او الجهة العليا للشيء اعني حقيقته من ربه وهذا الاخير من الاصطلاحي الصحيح وقوله { وهو نحو من الوجود الحدوثي التدريجي } يعني ان الخروج من القوة الى الفعل نحو من الوجود الخ وهو كما قال من كونه شيئا حادثا تدريجيا كما هو شأن الحوادث فان كل شيء منها تدريجي سواء كان من المجردات ام من الماديات لا كما توهموه في المجردات فانهم توهموا فيها اشياء باطلة منها ان معنى كونها مجردة الا مادة لها وهذا باطل بل المعنى ان كونها مجردة انها مجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية لا انها لا مادة لها ومنها انها دفعية الكون ليس فيها ما بالقوة بل كل ما لها بالفعل غير منتظرة لشيء منها وهو غلط لانها في نفس الامر لا فرق بينها وبين الجمادات وان كان في بادي الرأي اطول بقاء واوسع وقتا الا ان المحتاج في كونه وفي بقائه الى المدد لا يستغني عنه كيف لا يكون تدريجا ومنها عدم فنائها لكونها باقية ببقاء الله تعالى لا بابقائه وهو غلط كما تقدم وغير ذلك
وقوله { والزمان كمية ذلك الخروج } التجديدي يعني ان الحركة عبارة عن خروج الشيء ذي الطبيعة او الطبيعة من القوة الى الفعل وهو نحو من الوجود التدريجي والزمان كمية ذلك الخروج التجديدي فيكون كل متجدد متدرج من الاجسام وطبايـٔعها وحركاتها محدثة في الزمان وهذا الكلام منه نوع مناقضة لما قال في الرد على الحكماء حيث جعلوا الحركة واسطة للارتباط بين الحادث والقديم بانها امر عقلي اضافي فانها اذا كانت نحوا من الوجود لم تكن امرا اعتباريا بل هي شيء محدث بنفسه وبه حدثت الطبيعة اذ الحكماء لا يعنون حركة الطبيعة بل يعنون الحركة الايجادية التي بها كانت الطبيعة ولو عنى بعضهم حركة الطبيعة كان خطأ كما اخطأ جاعل الطبيعة واسطة للارتباط لانها ان اريد نفسها لا غير كانت اما غير محدثة او محدثة بحركتها او بحركة فعل فاعلها ولا سبيل الى الاولىن والثالث يرد قول المصنف
وقوله { وشيء منهما لا يصلح ان يكون واسطة في ارتباط الحادث بالقديم } الخ صحيح الى قوله { فلم يبق الا ما ذكرناه } وانا اقول وما ذكره فانه ايضا لم يبق لان الطبيعة ليست فاعلة لما دونها ولاخرجت الى الكون بدون فعل فاعلها وليس لها اصل غير مخلوق لتكون كامنة فيه فيكون هو المخرج لها من القوة الى الفعل وان كان بالحق كما توهمه اخرون فلا يصلح شيء من ذلك مما ذكر ومما ذكروا ان ارادوا غير فعل الفاعل وان ارادوه فهو صالح للواسطة في الارتباط بينه وبين الحادث لان التمكين من القبول للايجاد منه وهو الرابطة وبه القابلية التي هي ماهية المحدث ومن الفعل المدد المقبول لانه اثره فالرابطة التمكين والارتباط بين الفعل اي الايجاد للمدد المقبول لا من شيء وهو مادة المحدث المسماة بالوجود وبين المحدث اي المقبول والقابل اعني الوجود والماهية اي المادة والصورة
قال : { وتارة من جهة اثبات الغايات للطبايـٔع وانها تستدعي من جهة استكمالاتها الذاتية وحركاتها الجوهرية ان يتبدل عليها هذا الوجود ويزول عنها هذا الكون وينقطع الحرث والنسل وينهدم هذا البناء ويضيق من في الارض والسماء ويخرب هذا الدار ويرجع الامر الى الواحد القهار قال امير المؤمنين وامام الموحدين عليه الصلوة والسلام في خطب نهج البلاغة مشيرا الى دثور العالم وزواله من جهة اثبات الغاية والرجوع الى البداية : كل شيء خاضع له وكل شيء قائم به غني كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فاليه منقلبه ثم ساق الكلام الى قوله في احوال الانسان وولوج الموت فيه على التدريج فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط سمعه فصار بين اهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه يردد طرفه في وجوههم يرى حركات السنتهم ولا يسمع رجع كلامهم ثم ازداد الموت انبساطا به فقبض سمعه وخرجت الروح من جسده فصار جيفة بين اهله قد اوحشوا من جانبه وتباعدوا من قربه لا يسعد باكيا ولا يجيب داعيا ثم حملوه الى مخط في الارض واسلموه فيه الى عمله وانقطعوا عن زورته حتى اذا بلغ الكتاب اجله والامر مقاديره والحق آخر الخلق باوله وجاء من الله ما يريده من تجديد خلقه امار السماء وفطرها وارج الارض وارجفها وقلع الجبال ونسفها ودك بعضها بعضا من هيبة جلاله وخوف سطوته واخرج من فيها فجددهم بعد اخلاقهم وجمعهم بعد تفريقهم ثم ميزهم لما يريد من مسائلتهم عن الاعمال وخبايا الافعال وجعلهم فريقين انعم على هؤلاء وانتقم من هؤلاء فاما اهل الطاعة فاثابهم بجواره وخلدهم في داره حيث لا يظعن النزال ولا تتغير بهم الحال ولا تهولهم الافزاع ولا تنالهم الاسقام ولا تعرض لهم الاخطار ولا تشخصهم الابصار واما اهل المعصية فانزلهم شر دار وغل الايدي الى الاعناق وقرن النواصي بالاقدام والبسهم سرابيل القطران ومقطعات النيران }
اقول : حيث طال هذا المتن اسلك فيه طريق المزج للاختصار قوله { وتارة } يكون استدلالنا على حدوث الاجسام الزمانيات على ما يذهب اليه ونحن نقول ان الاستدلال من جهة المبادي بالتجدد والتغير فهو جار في كل ما سوى الله سبحانه وان كان اكثرهم لا يجد للمجردات تجددا وتغيرا فانه لضعف بصيرته ولئن استشهد على حاله وحالها بتأويل قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب فما اخطأت الصواب عند اولى الالباب { من جهة اثبات الغايات للطبايع } يكون استدلالنا قائما على حدوث الكل اما الاجسام فحيث كانت ظاهرة الطبائع قال بها المصنف وامثاله واما المجردات فتدبر قول جعفر بن محمد الصادق عليهما السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث فانك تجد ان كل ما يوجد في الماديات يوجد في المجردات اذ لا نعني بتجردها انها لا مادة لها كما توهموه بل كل ما في الماديات فانما هو اثر ما في المجردات اذ هي خزائن الماديات وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ولا يقال ان هذا ما استدلوا به من ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته لانا قد بينا فساد هذا القول وانما هو ليس فاقدا له في ملكه واما في ذاته فيلزم التركيب والتكثر في ذاته تعالى واذا اخرجه لزمت الولادة تعالى الله عن ذلك وان كان بنحو اشرف كما توهمته العقول البادرة ( الباردة خل ) والاراء الكاسدة بخلاف الخلق بنسبة بعضه الى بعض فانه تعالى جعل الاعلى خزانة للاسفل ولا ينزل الى الاسفل الذي هو العبودية المذكورة في حديث الصادق عليه السلم الا ما خرج من الاعلى الذي هو الربوبية فالعبودية المسببات والمعلولات والاظلة والاعراض والاشعة والاثار وما اشبه ذلك والربوبية كالاسباب والعلل وذوي الاظلة والمعروضات والمنيرات والمؤثرات وما اشبه ذلك والحاصل المراد من دليله انها تعود الى ما منه بدئت كما بدأت اول مرة اي بالتدريج والتغير الذي هو دليل الحدوث { وانها تستدعي من جهة استكمالاتها الذاتية } لانها انما اهبطت من اوج افلاكها الى حضيض مراكزها الا لتستكمل بمعاناتها ومعالجاتها واعمالها مما لم تصل اليه قبل الهبوط كما قال ابن سينا في الروح :
ان كان اهبطها الاله لحكمة طويت عن الفطن اللبيب الاروع
فهبوطها لا شك ضربة لازب لتكون سامعة بما لم يسمع
وتكون عالمة بكل خفية في العالمين فخرقها لم يرقع
المستلزمة للتنقل والتغير والتبدل في الكسر والصوغ المبين لحدوثها { وحركاتها الجوهرية } وهي ترقي ذواتها باطوار قابلياتها في درجات كمالاتها او تنزلها باطوار قابلياتها في دركات نقائصها وبعدها { ان يتبدل } باقتضاء ميولاتها الذاتية { عليها هذا الوجود } في اطوارها الى وجود اخر فهي ابدا تلبس وتخلع وتلبس { ويزول عنها هذا الكون } وتلبس كونا اخر فتخرج من كون الى كون لا من كون الى امكان هذا في الذوات واما في الهيئات بل والذرات فقد تخرج من كون الى امكان { وينقطع الحرث والنسل } الدنياويين لا مطلقا وذلك في المنتقلين عنها الى دار اخرى { وينهدم هذا البناء } ليصاغ صيغة لا تحتمل الفساد وانما هدم البناء ليصاغ الصيغة الكاملة { ويضيق من في الارض ومن في السماء } عند التخلص والانتقال { ويخرب هذه الدار } عند المنتقلين عنها بالانتقال { ويرجع الامر } عند المنتقلين وفي الظاهر فلا امر ولا نهي ولا ولاية ولا عز ولا انتصار ولا شيء من احوال اهل الدنيا لاحد منهم بل يرجع امر كل شيء بحسب الظاهر { الى الواحد القهار } مالك يوم الدين ويكون في الظاهر كما هو في نفس الامر لان الامر كله لله في الظاهر والباطن وفي الدنيا والاخرة على حد سواء ولكن اكثر الناس لا يعلمون ويوم تقوم الساعة تظهر الحقائق فلا يخفى شيء على احد { قال امير المؤمنين وامام الموحدين عليه الصلوة والسلام في خطب نهج البلاغة مشيرا الى دثور العالم } وبطلان هذه البنيان { وزواله } عن تركيبه الذي يناسب دار التكليف من عدم الثبات ومن شوبه بالمحن والافات { من جهة اثبات الغاية } وان الحادث غايته التغير والتبدل الذي هو لازم الحدوث والانتقال { والرجوع الى البداية } اي الى محاذي البداية ومقابلها في سائر رتبها فيكون الخروج من البداية قوسا نزوليا والرجوع اليها اي الى محاذيها قوسا صعوديا يحدث منها شبه دائرة حدثت من سير الحادث في بدئه وعوده وليس معنى الرجوع الى البداية السير والرجوع القهقري والا لعدمت اكوان الاشياء فلو رجعت المضغة الى العلقة والعلقة الى النطفة والنطفة الى الكيموس والكيموس الى الكيلوس والكيلوس الى الطعام والطعام الى الشجر والشجر الى التراب والتراب الى الماء والماء الى الفعل عدمت الاشياء ولكنها تعود في قوس الصعود ولا تصعد درجة في العود الا بما ظهر من مددها في البدء هذا كلام المصنف واول ما نقله من خطبة امير المؤمنين عليه السلم قوله عليه السلم { كل شيء خاضع له } اي ذليل حقير يجد ذلك في نفسه اذا نظر الى عز خالقه وكبريائه و{ شيء } هنا اعم العام فان كان المصنف صادقا في قوله ان عليا عليه السلم امام الموحدين فليحكم بكون العقل متغيرا حادثا كسائر الاجسام لانه استدل بهذه الفقرة على تغيرها وانفعالها الدال على حدوثها والعقل شيء من جملة الاشياء اليس هو خاضعا لله { وكل شيء قائم به } اي كل شيء قائم بامر الله الفعلي قيام صدور وبامر الله المفعولي قيام تحقق فقوله عليه السلم { قائم به } على المجاز اذا اريد بالقيام بالله وعلى الحقيقة اذا اريد بالقيام بامر الله { غني كل فقير } وهو ما سوى الله فكل ما سواه مفتقر اليه سواء كان من المفاهيم الغير المجعولة بزعمهم المسماة بالاعيان الثابتة عندهم ام الصور العلمية الغير المجعولة بزعم اخرين المتعلقة بذاته تعلق الظل بالشاخص على الاتحاد او التغاير في علمه الذي هو ذاته او لا فان كل ما يعلم تعالى انه غيره فهو مخلوقه محتاج اليه في تكونه وفي بقائه { وعز كل ذليل } ان العزة لله جميعا وقد يلبس من يشاء من شعاع عزته الحادثة ما يشاء من خلع العز فهم بعزته يعتزون { وقوة كل ضعيف } ان القوة لله جميعا وقد يهب من يشاء من شعاع قوة امره ما يشاء { ومفزع كل ملهوف } اي يفزع اليه كل مظلوم مستغيث { من تكلم سمع نطقه } يعني باذنه الواعية { ومن سكت علم سره } الا يعلم من خلق { ومن عاش فعليه رزقه } وهو ما كتب من الامداد بكسر الهمزة من المحتوم واما المشروط فموقوف على شرطه او ما يقوم مقامه من شفاعة او تفضل او عمل صالح منه او من غيره { ومن مات فاليه منقلبه } اي يرجع الى امره وحكمه عز وجل وبهذه الفقرة استشهد المصنف ويجوز بما قبلها ايضا
قال المصنف { ثم ساق امير المؤمنين عليه السلم الكلام الى قوله في احوال الانسان } وتقلبه في درجات عروجه من كسر وصوغ والاشارة الى كسره { وولوج الموت فيه على التدريج } ليبين للجاهلين وينبه الغافلين قال عليه السلم { فلم يزل الموت يبالغ } في الولوج { في جسده حتى خالط سمعه } لان السمع اول ما يتحقق ظهور الموت فيه كما كان السمع علامة النوم عند تغطيته لانه اقوى الحواس { فصار بين اهله لا ينطق بلسانه } لانقباض الروح منه بعد السمع { ولا يسمع بسمعه } لخروج الروح من سمعه { يردد طرفه في وجوههم } اي يقلبه بتكرار ليدرك كلامهم والموت قد خالط سمعه اي خرجت من سمعه الروح السامعة { يرى حركات السنتهم ولا يسمع كلامهم ثم ازداد الموت انبساطا به } وهو عدم الحيوة ظاهرا وهو امر وجودي خلقه الله في الطرف الاخر المقابل لطرف الحيوة كما قال عز من قائل الذي خلق الموت والحيوة ومن قال بانه عدمي اعتباري فقد كذبه الله في كتابه واجمع المسلمون انه اذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار يؤتي بالموت ويصور في صورة كبش املح فيذبح بين الجنة والنار وكونه بصورة كبش كناية عن ذلته وحقارته وكونه املح لتعلقه بالمؤمنين الذين يكون لهم نورا وتخليصا من الظلمة يخرجهم من الظلمات الى النور ولتعلقه بالمنافقين الذين يكون لهم ظلمة واخراجا من النور يخرجونهم من النور الى الظلمات واللون الاملح هو ما تركب من بياض وسواد ممتزجين { فقبض بصره كما قبض سمعه } فصار لا يبصر لقبضه روح الابصار بكسر الهمزة { وخرجت الروح من جسده } لان نور البصر اخر ما تتعلق به الروح كما انه اول ما يعرض له كما في النوم وبصره الباقي الى اخر الروح بصر الحس المشترك فانه يدرك به اهله ويدرك به الملائكة { فصار جيفة بين اهله } بعد خروج روحه من جسده { قد اوحشوا من جانبه وتباعدوا من قربه } لان الانس الذي يتقربون منه بواسطته هو الروح { لا يسعد باكيا ولا يجيب داعيا } اذ لا احساس فيه { ثم حملوه الى مخط في الارض } وهو ما خط له فيها من قبره ولحده بالخاء المعجمة ويجوز بالمهملة { واسلموه فيه الى عمله } بان خلوا بينه وبين عمله كناية عن تركه وحده وانصرافهم عنه { وانقطعوا عن زورته } واشتغلوا عنه باعمالهم الدنياوية { حتى اذا بلغ الكتاب اجله } بان انتهت المدة المكتوبة للدنيا { والامر مقاديره } اي بلغ امر الله وحكمه في خلقه ما قدر سبحانه من مدة دار التكليف وما يترتب على ذلك { والحق آخر الخلق باوله } بالموت ونفخة الصعق حتى صعق من في الارض ومن في السموات { وجاء من الله ما يريده من تجديد خلقه } اي جاء من امر الله ما اراد من بعث العباد واقامة الحساب { امار السماء وفطرها } اي موجها وكفأها باهلها وحركها بسرعة وفطرها اي شقها كناية عن كشطها ونسفها { وارج الارض وارجفها } ارجها بتخفيف الراء وتشديد الجيم اي دق بعضها ببعض وزلزلها { وقلع الجبال ونسفها } اي دحاها { ودك بعضها بعضا من هيبة جلاله } اي دق بعضها بعضا { وخوف سطوته واخرج من فيها فجددهم بعد اخلاقهم } اي اخرج من في الارض من الحيوانات من الناطق والصامت وذلك بان يأمر بحرا تحت العرش اسمه صاد رائحته كرائحة المني فيمطر على الارض حتى يكون وجه الارض كله بحرا فيأمر الرياح فتضرب الامواج وتجتمع لحوم كل شخص في قبره مستديرة على هيئة صورته في الدنيا وتنبت اللحوم كما تنبت الكماة فاذا تمت البنية امر اسرافيل فنفخ في الصور فتتطاير الارواح كل روح تتألف في اماكنها الستة في ثقبتها لان اسرافيل اذا نفخ النفخة الاولى نفخة الصعق انجذبت كل روح الى ثقبتها من الصور وفيها ستة اماكن فتلقي مثالها في الاول وهباءها في الثاني وطبيعتها في الثالث ونفسها في الرابع وروحها في الخامس وعقلها في السادس فاذا نفخ النفخة الثانية انجذب العقل الى الروح وهما الى النفس وهي الى الطبيعة وهي الى الهباء والجميع الى المثال وطارت الى قبرها وولجت في جسمه فانشق القبر فاذا هم قيام ينظرون وهو معنى قوله عليه السلم { فجددهم بعد اخلاقهم } بكسرة الهمزة { وجمعهم بعد تفريقهم } بان تخرج جهنم فتحيط بالخلائق فتتضايق عليهم حتى يجتمعوا ويركب بعضهم على بعض { ثم ميزهم لما يريد من مسئلتهم عن الاعمال وخبايا الافعال } على الصراط { وجعلهم فريقين انعم على هؤلاء } وان كان باعمالهم فان نجاتهم في الحقيقة بفضله ورحمته ونعمته اذ كل مننه ابتداء ولكن من عظيم نعمه عند انعامه ان نسب فضله عليهم باعمالهم وهو فضل على فضل ونعمة على نعمة كما قال عليه السلام وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه وهؤلاء اصحاب فضله ورحمته { وانتقم من هؤلاء } بقدر اعمالهم ولا يظلم ربك احدا وهؤلاء اصحاب عدله ونقمته { فاما اهل الطاعة فاثابهم بجواره } قريبين من ابواب رحمته ورضوانه محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين وليس ثواب فوق هذا { وخلدهم في داره } وهي دار رضاه الجنة { حيث لا يظعن النزال } بل هم خالدون فيها ابدا بلا انقطاع ان هذا لرزقنا ما له من نفاد عطاء غير مجذوذ { ولا تتغير بهم الحال } الى ما هو ادنى واقل بل هم دائما في زيادة القرب والرضوان والعطايا والنعم والشباب والقوة والسرور وهم في هذه وما اشبهها في ترق لا ينتهي الى غاية { ولا تهولهم الافزاع } فلا ترد عليهم شيء يفزعون منه وانما يرد عليهم ما به يفرحون ويستبشرون { ولا تنالهم الاسقام } لانهم في غاية اعتدال الامزجة من غير ان يشوبها شيء من الاعراض والغرائب وكذلك ارضهم وهوائها وماؤهم وطعامهم ووقتهم لا تتغير منهم حال الا الى اكمل اعتدال فمن اين تنالهم الاسقام { ولا تعرض لهم الاخطار } لانهم تركوها بجميع اسبابها في هذه الدار { ولا تشخصهم الابصار } لعدم خوف يرد عليهم او حزن يصل اليهم { واما اهل المعصية فانزلهم شر دار } وهي دار سخطه وغضبه وهي صور اعمالهم فحين لبسوها كانوا فيها وهو تعالى سيجزيهم وصفهم { وغل الايدي الى الاعناق } حيث عزلوا الحق عز وجل عن كثير من ملكه { وقرن النواصي بالاقدام } عند قذفهم في دركات الجحيم { والبسهم سرابيل القطران } اي ثياب ( ثيابا خل ) من القطران وهو ما يتخذ من حمل العرعر يطلى به الابل الجربى وخص به المستكبرون عن عبادة الله اهانة لهم لسواده ونتن رائحته وحرارته وسرعة اشتعال النار فيه { ومقطعات النيران } وهي ثياب من نار استجير بالله من سخط الله والنار
واعلم ان المصنف يريد بقوله السابق { وتارة من جهة اثبات الغايات } ان الاشياء بجميع انواعها ترجع بمقتضى طبائعها الى غاية الغايات يعني به الواجب تعالى وبين مراده كما نقل عنه في رسالة الحشر قال : ان الله لم يخلق شيئا الا لغاية والا لكان فعله عبثا وقد ثبت بالبرهان ان الغاية في فعله تعالى هي ذاته وذاته غاية الغايات كما انه مبدء المبادي ولا شك ان غاية الشيء ما له بالذات ان يتصل ( يصل خل ) اليه وينتهي به الا ان يعوقه عائق وكل ما يمكن الوصول اليه لم يكن اطلاق اسم الغاية اليه الا بالمجاز فلا يكون غاية بالحقيقة وقد فرض انه غاية هف فثبت بما ذكرنا ان جميع الممكنات بحسب الجبلة الغريزية طالبة له متحركة اليه حركة معنوية مشتاقة الى لقائه بالوصول وهذه الحركة والرغبة لكونها مرتكزة من الله في ذاتها يجب الا تكون عبثا ولا معطلا فلا محالة كائنة متحققة في غالب الامر بلا عائق وكاسر والقسر على الطبع كما ثبت في مقامه لا يكون دائميا ولا اكثريا فيزول لا محالة ولو وجد زمانا طويلا فيعود حكم الطبيعة ومن هنا يعلم ان كل طبيعة نوعية تؤدي يوما الى غايتها الاصلية وغاية الشيء اشرف من الشيء ذي الغاية وغاية الجوهر اكمل جوهرية منه واقوى وجودا في ذاتها وننقل الكلام في ذلك الى نفس تلك الغاية وتوجهها الذاتي الى غاية الغاية وهكذا الى ان تنتهي الى غاية لا غاية وراءها وهي غاية الغايات ومنتهى الحركات والرغبات ومأوي العشاق الالهيين المشتاقين من ذوي الحاجات انتهى كلامه المنقول
اقول قوله : وقد ثبت بالبرهان ان الغاية في فعله هي ذاته تعالى فيه ان الغاية التي لاجلها الفعل قد تكون متأخرة عن الفعل ويكون الفعل علة لوجودها وذلك كاكثر الغايات التي تميل الطباع لطلب استكمالها بها او منها لان ميلها الذاتي انما يكون لافتقارها الى الاستكمال بالاستمداد من الغاية وقد تكون سابقة على الفعل الذي هو الحركة الذاتية الا ان شرط ميل الطبيعة اليها ان تكون الغاية مشتملة على المدد الذي به استكمالها ولا يجوز ان يكون الواجب الحق عز وجل واحدا منهما اما الاول فلانه تعالى الاول قبل كل شيء واما الثاني فلان المدد الذي يستكمل به الممكن يجب ان يكون ممكنا لانه بالوصول اليه يكون جزء ماهيته بعد كسره عنده وصوغه منه كما اشرنا الى ذلك مرارا ولا يجوز ان يكون الواجب الحق سبحانه محلا للممكن ولا ان يستمد الممكن من القديم ولا ان يترقى الممكن عن الامكان او يبقى بدون مدد يصل اليه ويتقوم به وهذا مما لا اشكال فيه عند الجهال فضلا عن العلماء ولا عند العلماء اما عند العوام فلا تتبادر افهامهم وعقولهم الفطرية الطبعانية الا على هذا واما عند العلماء فمما لا خلاف فيه من ان ما هنالك لا يعلم الا بما ههنا كما قال سيدنا الرضا عليه السلم وكما قال جده الصادق عليه السلم كما ذكرناه مرارا من قوله العبودية جوهرة كنهها الربوبية الحديث والمصنف ممن يقول بان آيات الحق في الافاق وفي انفس الخلق كما قال تعالى ونحن لما نظرنا في الافاق رأينا اشعة السراج التي هي مثل المخلوقات وطبائعها وانها فانية في طلبها الاستمداد من السراج وليست غايتها التي تنتهي اليه وتقف في سيرها الحثيث اليه ذات النار وانما تنتهي الى غايتها التي ليست لها غاية تأوي اليها الا الشعلة المرئية من السراج فانها انما تستمد وجودها وقوامها منها والشعلة نفسها تستمد لمادتها من فعل النار ومسها ولصورتها من الدهن الذي احاله مس فعل النار دخانا فانفعل ذلك الدخان بالاستضاءة عن فعل النار فكانت غاية الاشعة التي ليس وراءها لها غاية هي الشعلة المرئية والشعلة ليس لها غاية الا الدهن وفعل النار ولا يرجع شيء من الاشعة ولا من الشعلة الى ذات النار ابدا مع شدة سير كل منهما الى غايته فكما لا تتجاوز الاشعة الشعلة ابدا ولا تستغني عنها ووجهها اليها خاصة كذلك الشعلة لا تتجاوز الدهن وفعل النار وهو قول سيد الموحدين امير المؤمنين عليه السلم : انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الحديث وقد ذكر ابو علي بن سيناء معنى ما ذكرنا في الاشارات قال : اعلم ان استضاءة النار السائرة لما وراءها انما تكون اذا علفت شيئا ارضيا ينفعل بالضوء عنها الى ان قال فاذا طفئت انفصلت النار هواء والكثافة دخانا انتهى واصرح من هذا واصح قوله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة الى اخر الاية فانها صريحة مثل قوله يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فما اصرحها فيما قلنا لاولي الابصار ولكنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولله در القائل :
فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
وقوله : كما انه مبدء المبادي اقول عليه هل ذاته بدأت الحوادث منها ام بفعله صدرت لا من شيء فان قلت من ذاته ظهرت فهو اذا يلد تعالى عن ذلك ثم انه قبل ظهورها له حال غير بعد ظهورها ومختلف الاحوال حادث وان قلت صدرت بفعله لا من شيء بل اخترعها لا من شيء قلت هذا هو الحق تعالى الحق المبين لكنها ان برزت من فعله بمعنى انها كانت كامنة فيه يجب ان تعود الى كمونها وهذا باطل وان قلت بفعله كونها لا من شيء فهو حق وكل شيء يعود الى مبدئه والامكان لا يتناهى لانه محل مشيته وفعله الذي لا يتناهى فالحوادث ابدا يتجدد بدؤها صاعدة او سافلة بتجدد المدد الذي به قوامها فالمفعول لا يعود الى الفعل وانما يعود الى اثر الفعل الذي هو اصله
وقوله : وكل ما يمكن الوصول اليه لم يكن اطلاق اسم الغاية عليه الا بالمجاز فلا يكون غاية بالحقيقة ليس بصحيح بل يكون غاية على الحقيقة بل لا يكون غاية الممكن الا بالممكن فان العطشان تكون غايته الماء ولهذا يسكن بعد الري ولو لم يكن غاية على الحقيقة لماسكن في حال والطبيعة انما تطلب استكمالها وسد فاقتها ولا يكون الا بمثلها وان كان المدد لا يكون الا بفعل الفاعل الا ان الفاعل ليس مطلوبا الا بالعرض وهو سر رفع ايدي السائلين الى جهة العلو لانها جهة مطالبهم وفي السماء رزقكم وما توعدون اماسمعت قول على عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله بل ولا فعله ليس مطلوبا الا بالعرض فاذا كان ميل الطبيعة ليس الا للاستكمال والاستكمال ليس الا بالمدد والمدد لا يكون الا من الممكن والممكن لا يكون الا في مثله او في نفسه كالفعل وجب ان تكون غاية الممكن ممكنة ولو قال قائل ان اكمل الاستكمال الفناء في بقاء الباقي عز وجل قيل له على اي فرض واي احتمال واي اعتبار لا يمكن فناء الممكن الا في الممكن سواء كان في الوجود ام في الوجدان بالذات ام بالاعمال بالجنان ام بالاركان ام باللسان ولله در الشاعر حيث يقول :
اذا كنت ما تدري ولا انت بالذي تطيع الذي يدري هلكت ولا تدري
واعجب من هذا بانك ما تدري وانك ما تدري بانك ما تدري
وقوله : فثبت بما ذكرنا ان جميع الممكنات بحسب الجبلة الغريزية طالبة له الى قوله : مشتاقة الى لقائه ان اراد به اللقاء الحقيقي بان تلتقي الذاتان او تريد الطبيعة ذلك فهو باطل لان الطبيعة ماتغلط ولو ارادت ما ليس لها فيه مطلب بوجه ما غلطت وانما تطلب ما تستغني به عند ميلها لان ميل الطبيعة انما هو الى الملائم وان اراد اللقاء المجازي الذي هو الثواب والقرب اي الترقي في معارج مراتب الامكان العالية فهو ما قلنا
وقوله : مرتكزة من الله في ذاتها ان اراد به من ذات الله اي هذا الميل والرغبة شيء خرج من ذات الله وركزه في ذاتها فاسوء حالا وان اراد انه شيء ممكن اخرجه من الامكان فانه يجذبها الى مبدئه من الامكان
وقوله : وغاية الشيء اشرف من الشيء ليس على عمومه بل قد تكون الطبيعة طالبة لتكميل صفة من صفات افعالها او لدافع الم كطلب الطعام والشراب لدفع الم الجوع والعطش وتكون الطبيعة طالبة لذلك وليس باشرف من ذاتها وان كان باعثا لميلها الذاتي كما اشار اليه الصادق عليه السلام بقوله ان الله خلق ابن آدم اجوف فالطعام والشراب ضروريان له ه والضروريان له ذاتيان له فالميل من الطبيعة لهما ذاتي وقد تكون الغاية اشرف وبالجملة فالغاية على المجاز لا بأس باطلاقها عليه تعالى واما على مراده من الغاية سواء اراد معنى ما تنتهي اليه الاشواق على الاطلاق ام لا بل لادراك المطالب فلا يصلح في حق الحق عز وجل الا بارادة المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي على ما حققناه مرارا في شرحنا هذا وفي غيره اسم للفاعل كالقائم اسم لفاعل القيام فافهم يا طالب ( حق خل ) اليقين والنور المبين
قال : { اعلم ان الطرق الى الله كثيرة لانه ذو فضائل وجهات غير عديدة وهو لكل وجهة هو موليها لكن بعضها انور واشرف واحكم واشد البراهين واوثقها واشرفها اليه والى صفاته وافعاله هو الذي لا يكون الوسط في البرهان غيره فيكون الطريق الى البغية من البغية لانه البرهان على كل شيء وهذه سبيل جميع الانبياء والصديقين سلام الله عليهم اجمعين قل هذه سبيلي ادعو الى الله انا ومن اتبعني ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى }
اقول : ان السالكين لهذه الاودية كثيرا ما يقولون ان الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق وهذه العبارة من حيث ظاهرها ومدلول لفظها في الجملة صحيحة واما من جهة ما ارادوا منها فاكثرهم يريد منها معنى ليس بصحيح لانه يريد ان اهل كل ملة ونحلة ورأي من مسلم او مشرك او دهري او غير ذلك موحدون مقبول منهم ذلك عند الله وربما قاس بعضهم ذلك على قول الصادق عليه السلم وان الذرة لتزعم ان لله زبانين لانهما كمالها وتصور ان عدمهما نقصان لمن لا يكون له وربما استشهد لهذا المعنى بقوله تعالى ولكل وجهة هو موليها كما ذكر المصنف ويريد ان الله تعالى هو الذي ساقهم اليه رضي بها منهم والحاصل ان الاراء كثيرة حتى ان منهم من يزعم انه تعالى هو الذي ساقهم اليها رضي بها منهم فاذا وحدوه فعلوا ما اراده منهم ويثيبهم عليه واذا اشركوا به فعلوا ما اراده منهم ويعذبهم عليه وان عكس الثواب والعقاب فعاقب الموحدين واثاب المشركين حسن منه ذلك وجاز له وبالجملة الاراء كثيرة والحق واحد لا يتكثر ولا يوجد الا عند اهل النبوة عليهم السلم وهم صلى الله عليهم يحكمون بكفر اهل الاراء غير ما كان عنهم مع انهم عليهم السلام قائلون بمدلول هذه الاية وبمدلول ذلك الكلام على معنى خاص وهو ان الله سبحانه حق وهو يقول الحق ويهدي الى صراط مستقيم فمن اطاعه بحصر بصيرته وقصر نظره على ما دل عليه ولاة امره عليهم السلم فان الله يهديه الى قصد السبيل وقد الزم على نفسه ذلك لمن اطاعه قال عز من قائل وعلى الله قصد السبيل ومن اخذ عن غيرهم او عن نفسه من دون سبيل معرفتهم فان الله سبحانه يوليه طريقه الذي تولاه فمن عرف الله بسبيل معرفتهم صلى الله عليهم ولاه الله وجهته من اتباعهم الموصل الى معرفة الله كما تعرف به لعباده المؤمنين ومن طلب معرفة الله من غير سبيل معرفتهم باي نحو كان ولاه الله سبحانه ما تولى فالطرق الى الله سبحانه بعدد انفاس الخلائق وكل منها له وجهة والله الفاعل بمقتضى القوابل المختلفة هو موليها فوجهة توصل الى معرفة الله التي بها امر ورضيها وهي وجهة سبيل معرفتهم عليهم السلم خاصة ووجهة توصل الى الشرك بالله والكفر بالله وهي كل وجهة غير وجهة سبيل معرفتهم عليهم السلم فافهم هذا الكلام المكرر المردد
وقوله { لكن بعضها انور واشرف واحكم } بعد قوله { لانه تعالى ذو فضائل وجهات غير عديدة } يريد به انه ذو فضائل من تجلياته على القوابل وجهات من عموم قدرته وعلمه وسعة رحمته وكرمه لا تدخل تحت العد فظهر بتجلياته على كل مظهر وتعرف لكل شيء بما ظهر فيه له وكلها طرق موصلة اليه من حيث طلب واحب لانه تجلى على الحقائق بجهات فضائله الا انها متفاوتة بتفاوت المظاهر فبعضها انور واشرف واحكم اي اضبط طريقا واستدلالا كما يأتي وهي طريقة الانبياء عليهم السلم وكان من تلك الطرق التي هو موليها طرق العوام وطرق اهل الضلال وكلها يصدق عليها انها طرق معرفة الله وانه تعالى ولاهم اياها واهل هذه الطريقة كالمصنف واشباهه يقبلون من اولئك ما اخطأوا فيه للاية الشريفة والله ورسوله واهل بيته يلعنونهم كما قال تعالى غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا وانما نسبت هذا المعنى الاخير الى المصنف واشباهه وان كانوا لم يقولوا به لانهم يرتضون القائلين به ويثنون عليهم ويستدلون بادلتهم ويصوبون آراءهم ويأولون ما اعوج من آرائهم فهم منهم ومعهم ولا تعجب من كلامي فان المصنف لما قال مميت الدين في الفصوص في فص حكمة علوية في كلمة موسوية في ذكر امرأة فرعون : فقالت لفرعون في حق موسى انه قرة عين لي ولك فيه قرة عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا وكان قرة عين لفرعون بالايمان الذي اعطاه الله عند الغرق فقبضه اليه طاهرا ومطهرا ليس فيه شيء من الخبث لانه قبضه عند ايمانه لم يكتسب شيئا من الاثام والاسلام يجب ما قبله وجعله آية على عنايته سبحانه بما شاء حتى لا ييئس احد من رحمة الله فانه لا ييئس من رحمة الله الا القوم الكافرون فلو كان فرعون ممن يئس مابادر الى الايمان فكان موسى عليه السلم كما قالت امرأة فرعون فيه انه قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا وكذلك وقع فان الله نفعهما به (ع) وان كانا ما شعرا به انتهى كلامه الى الدرك الاسفل فقال فيه المصنف وهذا كلام يشم منه رائحة التحقيق ه هذا وهم يقرؤن قوله تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الأن ولا الذين يموتون وهم كفار ويقرأون في حق فرعون قوله تعالى فاخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم ائمة يدعون الى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين وقال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا الاية واجمع المسلمون على ان فرعون مات كافرا والقرءان المبين والاجماع المحقق العام من المسلمين ما قاوما عنده كلام مميت الدين
وقوله { واشد البراهين } الى قوله { هو الذي لا يكون الوسط في البرهان غيره } يريد ان البرهان يكون فيه الوسط هو المعلوم وانما يؤتي به ليتوصل به الى حمل ما صح حمله عليه على الاصغر بعد صحة حمله اي الوسط على الاصغر وهم بعد ان قالوا ان اهل الشهود برهانهم على اثبات الصانع من قوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد قالوا وهو استدلال لمي يريدون به الاستدلال بالعلة على المعلول لانه اشرف من الاستدلال الاني وهو الاستدلال بالمعلول على العلة فحيث كان الاستدلال باللمي اشرف وهو مخالف لمرادهم لانهم يريدون الاستدلال على الحق تعالى وهو علة العلل وما سواه معلول فكيف يكون استدلالهم عليه لميا بل يكون انيا فقالوا : مرادنا ان شيئا موجودا متحققا في الخارج يدل على ان بعض افراد الموجود المطلق واجب فتحقق الموجود المطلق حالة اولى للمطلق وكون بعض افراده واجبا حالة ثانية للمطلق معلولة للحالة الاولى لتوقف ثبوتها عليها فالمستدل بها هي الحالة الاولى والمستدل عليها هي الحالة الثانية كما نقل عن ابي علي بن سيناء في الاشارات اقول وهذا معنى صناعي لا حقيقي لان الحقيقي ان استدلالهم اني لا لمي وان الاستدلال بالاية عند اهل الشهود ليس بهذا النمط لان استدلالهم بدليل الحكمة وهذه الطريقة يذكرونها وانها ببرهان اصطلاحي مترتب على مقدمتين صغري الاصغر فيها هو الموضوع وهو المستدل عليه وكبرى والاكبر فيها وهو المحمول هو المحكوم به على المستدل عليه وهو لازم الدليل ونتيجته وهذا البرهان الاصطلاحي هو من دليل المجادلة بالتي هي احسن وليس في الحقيقة آلة لمعرفة الله عز وجل الحقيقية وانما يفيد معرفة العوام واصحاب الكلام لانه محط الشبه والاشكالات لابتنائه على القضايا التي كلها او جلها مبنية على المفاهيم المستنبطة من الالفاظ بالدلالة التي تعرفها عقول العوام واللغة لها سبعون معنى ومطلوبهم بالاستدلال وراء السبعين فكيف يعرف بها الحق الواحد تعالى ولهذا تراهم مختلفين ولا يزالون مختلفين منغمسين في الشبه الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وانما الاستدلال بالاية للعارفين بالله من كبار شيعة امير المؤمنين عليه السلام وهم الخصيصون من الشيعة وهم وان عرفوا نمط الاستدلال بالاية الا ان مقصودهم غير مقصود ائمة الحق عليهم السلم بخلاف شيعتهم وهو سر قوله عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ولهذا ترى غيرهم يعرفون كيفية الاستدلال بالاية الشريفة ويقول احدهم هو انا بلا انا فاذا كان يعرف الاستدلال ويقول فيمن حصل له من الاستدلال انا الله بلا انا لم يعرف المستدل عليه لانه تعالى لا يعرف الا بسبيل معرفتهم عليهم السلام واما الخصيصون من الشيعة فاستدلالهم على طريق استدلال ائمتهم عليهم السلم والاشارة الى نوع ذلك يعرف من قول امامهم الصادق عليه السلام في قوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد قال يعني في غيبتك وفي حضرتك ه والمعنى ان العارف ينظر الى المؤثر في الاثر والى السبب في المسبب والى المحرك في الحركة فاذا غبت فانما تغيب بسبب اشتغالك ونظرك الى الدنيا واهلها او بشغل نظر عقلك وفكرك بشيء من المعاني او الصور وكل شيء يقع عليه نظر بصرك او بصيرتك من عقل او علم او وهم او خيال او فكر فانه اثر فعله ودليل وجوده فهو في غيبتك حاضر عند كل مشعر من مشاعرك بافعاله وآثار افعاله واذا حضرت بنظرك في آثار صنعه فانك ترى من الاثار ما كنت تراه في غيبتك بلا فرق في نفس الامر الا انك في الغيبة اشتغل نظرك الى الطعام لا تعرف منه الا المصنوع وفي الحضور اشتغل نظرك الى الطعام لا تعرف منه الا المصنوع وقلبك ذاكر صانعه تعالى وفي الغيبة لم يكن قلبك ذاكرا صانعه تعالى وهو عز وجل موجود في الحالين لانك في حال الغيبة تجد اشياء وفي حال الحضور تجد اشياء ووجودات الحالين قائمة بامره تعالى قيام صدور وتحقق فماغاب عنك من حضرتك آثار افعاله وما احتجب عنك من اوجدك نفسك وغيرك وهذا نوع برهان العارفين من الانبياء والمرسلين والخصيصين من اتباعهم لا ان برهانهم بترتيب صغري وكبري حتى اذا ارادوا معرفته سبحانه رتبوا مقدمتين فقالوا مثل ما يتوهم المصنف عليهم الوجود هو الله والله هو الحق سبحانه او بالعكس مثل الله هو الوجود والوجود هو الحق والمعنى واحد او كما يتوهمه كما تشعر عبارته في قوله لانه البرهان على كل شيء فيقول حقيقة كل شيء هو الوجود والوجود هو الله فيكون الطريق الى البغية اي المطلوب من البغية يعني ان الطريق اليه منه وهذه عبارات الصوفية اصحاب الدعاوي واما الانبياء عليهم السلم اصحاب الحقائق فهم ينظرون الى اثار صنعه بنحو ما علمهم من النظر فيترقون من الاثار الى اياته التي تعرف لهم بها في اثار صنعه في الافاق وفي الانفس كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ثم قال تعالى انه اظهر في الافاق من الافاق وفي الانفس من الانفس فقال تعالى اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد فاذا نظروا الى شيء لم ينظروا اليه الا كنظرك الى زجاجة المرءاة حين انت تنظر وجهك فيها فانك غير ناظر الى الزجاجة ح وانما انت ناظر صورتك وان كنت تراها بالعرض فحين امرهم تعالى بالنظر فقال قل انظروا ماذا في السموات والارض وقال ويتفكرون في خلق السموات والارض وقال اولم يتفكروا في انفسهم الى غير ذلك نظروا اليه فيها والمنظور اليه فيها ما تعرف به لهم مما وصف به نفسه وهو ما القى في هوياتهم من هوياتهم الذي هو الوصف الفهواني وهو ظل اثر فعله اعني شبح هياكل التوحيد فينظرون الى آياته في الاثار كما روي عن سيد الشهداء عليه السلم في ملحقات دعاء عرفة قال الهي امرت بالرجوع الى الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير ه وهذا الكلام ان صح انه قاله فذلك والا فمعناه منهم عليهم السلم لانه صحيح وقد روى ابن عباس وغيره عن النبي صلى الله عليه واله ما معناه انه قال ما يوجد شيء من الحق عند احد من الخلق الا بتعليمي وتعليم علي بن ابي طالب (ع) الحديث وهو طويل فنظر الانبياء والمرسلين والاوصياء والصديقين عليهم سلام الله اجمعين واستدلالهم بالعيان والوجدان لا بالمقدمات والبرهان المبني على المقدمات الحمليات والمفاهيم التخيليات والقياسات الوهميات التي قدروها بعقولهم وقدروا بها عظمة الله وقدرته كما قال الصادق عليه السلم في دعاء الوتيرة بعد العشاء رواه الشيخ في المصباح قال روحي فداءه صلوات الله عليه بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك الدعاء والحاصل ان كان المصنف في قوله { هو الذي لا يكون الوسط في البرهان غيره } هذا هو اعتقاده ومعرفته بان طريق الانبياء والاوصياء عليهم السلم الى معرفة الله عز وجل انما هو بالبرهان الصناعي المعروف فهو اجهل الجاهلين وان كان مراده ان معرفتهم عليهم السلم لله انما هي بالله من الله الى الله على جهة العيان والوجدان وانما قال لا يكون الوسط غيره لانه يريد انه القطب الذي تدور عليه الافكار والانظار والاشواق والاذواق وان كل ما سواه فهو كالاشعة في دورانها على شعلة السراج كما قال السجاد عليه السلم الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك ه كالاشعة الواقفة في سؤال الاستمداد بباب النار الذي هو الشعلة ولاذت الاشعة بفقرها في طلب الاستغناء بجناب النار الذي هو الشعلة فان كان مراده هذا المعنى من قوله الوسط فهو معنى صحيح وان كان لا يستعمل الوسط بهذا المعنى في ذكر البرهان لان البرهان استدلال والاستدلال انما يستعمله الفاقد وهذا المعنى ليس ببرهان بل هو العيان والوجدان الذي يعبر به الواجد لا الفاقد على ان جميع استدلالاته في سائر كتبه انما هي بالبرهان الصناعي الذي لا ينتفع به القلب الواعي فافهم
واستشهاده بقوله تعالى { قل هذه سبيلي ادعو الى الله انا ومن اتبعني } مخالف للمراد من الاية لانه صلى الله عليه واله لم يستعمل البرهان الصناعي الا في مقام الاحتجاج على من يحتج عليه صلى الله عليه واله بذلك فانه ربما يأتي بما يكون من معاني كلامه ما اذا رتب وعدل على قاعدة اهل المنطق يكون منه شكل قياسي كما كان كلام العرب كله هكذا والقرءان كذلك وكتابي هذا الذي كتبته شرحا لكتاب المصنف ربما ما يوجد فيه شكل قياسي الا ان يكون حكاية او مقابلة لاخر والا فكله من دليل الحكمة او الموعظة الحسنة والاشكال القياسية كلها من دليل المجادلة بالتي هي احسن وهو مع استكمال شرائطه ومستنداته لا يوصل الى معرفة الله وانما يفيد اسكات الخصم في بعض المواضع اذا لم يكن الخصم من اهل العيان اما اذا كان منهم فانه يفتح له باب ابطاله ووجه رد التمسك به ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى لان قوله صلى الله عليه واله الذي امره الله به هنا هو الذي امره به في قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ثم انه تعالى امره صلى الله عليه واله بانهم اذا جادلوك فجادلهم بالتي هي احسن فافهم
قال : { فهؤلاء هم الذين يستشهدون به تعالى عليه شهد الله انه لا اله الا هو ثم يستشهدون بذاته على صفاته وبصفاته على افعاله وآثاره واحدا بعد واحد وغير هؤلاء يتوسلون في السلوك الى معرفته تعالى وصفاته بواسطة امر اخر غيره كجمهور الفلاسفة بالامكان والطبيعيين بالحركة للجسم والمتكلمين بالحدوث للخلق او غير ذلك وهي ايضا دلائل وشواهد لكن هذا المنهاج احكم واشرف وقد اشير في الكتاب الالهي الى تلك الطريق سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق والى هذه الطريقة بقوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد }
اقول : قوله { فهؤلاء } اي الانبياء والصديقون عليهم السلم { يستشهدون به عليه تعالى } فيه انهم اذا استشهدوا به عليه وجب ( عليهم خل ) اعتبار المغايرة بين الدليل والمدلول عليه ولو فرضا وهو مناف للتوحيد وانما استدلالهم به انه هو كما قال تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فان اراد انهم يشهدونه في ظهوره بكل شيء على نحو ما في دعاء الصادق عليه السلم لا يرى فيها نور الا نورك ولا يسمع فيها صوت الا صوتك ه وهو الظاهر من مراداته كما يقولون هو الشاهد والشهادة والمشهود وامثال هذه العبارة فاعلم ان هذا المعنى يكون كفرا وايمانا على مراد العارف واعتقاده فان اعتقد انه الوجود المطلق والنقائص لاحقة ببعض افراد الحقيقة لان صرف الوجود البحت تام وفوق التمام وهو الواجب وهو اكمل افراد الحقيقة وبعض افرادها متفاوتة في الشدة والضعف مشتركة في مطلق النقص والفقر والاقوى يستهلك الاضعف فلا اثر ولا مؤثر الا هو ولا وجود على الحقيقة الا هو فاذا استدلوا عليه انما استدلوا به فان شاهدوا شاهدوا ذاته الحق فهذا كفر وان اعتقد ان كل شيء دليله وان دليله صفته صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له بمعنى انهم اذا فنوا فنوا في آثار مقاماته وعلاماته لا في ذاته والمشاهدة واللقاء والفناء والظهور الذي استهلك كل ظهور كلها للوجه الباقي الذي لا يفنى ولا يحول ولا يزول وهو مقاماته وعلاماته فهذا هو الايمان وذلك قوله تعالى سنريهم اياتنا ولم يقل ذاتنا في الافاق وفي انفسهم وقال صلى الله عليه واله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال امير المؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه فقوله صلى الله عليه واله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه يدل على انه لو كان شخص اعرف بنفسه من زيد وزيد يعرف ربه بنحو معرفة المصنف من مسئلة الوجود كان الشخص اعرف من زيد لكونه اعرف من زيد بنفسه من ان الشخص اذا عرف نفسه فانما يعرف آية ربه وهي ما وصف به نفسه تعالى لعبده فاذا عرف الشخص وصف الله لنفسه تعالى عرفه لان الشيء انما يعرف بوصفه فاذا عرفته بما وصف نفسه به لك اصبت مراده ولا كذلك لو عرفته بما قالوا فربما عرفت غيره بل هذا يكون قطعا لما ذكرنا مرارا ان الصورة الانسانية نسخة العالم ونسخة العالم نقش الاسم الاكبر واعلم ان اكثر قولي في اغلب المواضع ان اراد كذا وان اراد كذا لفتح باب التأويل لمن يطلب سواء السبيل اذ اكثر الناس لا يقدر على التنزل الا بالتدريج والحاصل معنى استشهادهم به عليه عند هؤلاء انه الدليل بذاته على ذاته كما قال عليه السلم يا من دل على ذاته بذاته وهم يحومون حول هذه العبارة منه عليه السلم ونحن نغلطهم في التصديق لا في التصور لانهم يزعمون ان هذه الذات الدالة والمدلول عليها الذات البحت وتعالى وعز المعبود عن هذا المعنى الذي ارادوه وانما المراد منها احد امور كل منها مراد لقوم احدها انه دل على معرفة ذاته بوصف ذاته والمدلول عليه موصوف هذا الوصف لا الذات البحت الواجب تعالى وثانيها انه دل على معرفة ذاته الموصوفة بما وصفها من غير حاجة الى دلالة آثار صنعه وثالثها انه دل على معرفة ذاته بمعرفة ذاته اذ الشيء لا يعرف بغيره وانما يعرف بذاته ورابعها انه دل على معرفة ذاته بوصف ذاته لا بوصف غيرها وخامسها انه دل على معرفة ذاته الحق بذاته الخلق وسادسها انه دل على معرفة ذاته الحق بتعريف ذاته الخلق وسابعها انه دل على معرفة ذاته الحق بمعرفة ذاته الخلق وثامنها انه دل على معرفة ذاته الخلق بذاته الخلق وتاسعها انه دل على معرفة ذاته الخلق بتعريف ذاته الخلق وعاشرها انه دل على معرفة ذاته الخلق بوصف ذاته الحق فهذه عشرة وجوه ليس فيها تكرير ولا تداخل وكلها مرادة وفيها وجوه اخر وليس من الجميع ما اشاروا اليه لانه كما قال عبد الحميد بن ابي الحديد :
كذبوا ان الذي طلبوا خارج عن قوة البشر
ومعنى استشهادهم به عليه عندنا ان الشيء لا يعرف بغيره وانما يعرف به فانك تعرف الطويل بالطول لا بالعرض ولا بالحمرة وتعرف العريض بالعرض لا بالطول ولا بالحمرة وهكذا ومن هنا قالوا عليهم السلم اعرفوا الله بالله وقالوا عليهم السلام ان الله اجل من ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به ه اي بتعريفه وتعليمه وقوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو قالوا هذه شهادة الحق للحق بالحق وليس بصحيح ما قالوا لان هذه شهادته تعالى في الخلق للخلق لان لا اله الا هو نفي واثبات حيث قال المشركون اللات اله والعزى ( اله خل ) وهبل اله والله سبحانه اله فقال كذبتم في ثلاثة وصدقتم في واحد فعبر عن تكذيبهم بنفي الهية ثلاثة فقال لا اله مما قلتم وعبر عن تصديقهم بالاثبات فقال الا الله اي لا اله مما قلتم الا اله واحد سبحانه وهذه احكام الامكان وليس في الوجوب شيء غيره لا في الوجود ولا في الوجدان ولا في الذكر ولا في العلم ليتميز بنفيه عنه تعالى عن ذلك ولهذا قال الرضا عليه السلم في جوابه لعمران الصابئ حين قال له يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا عليه السلام انما تكون المعلمة لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة الى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها ه
ومعنى قوله { ثم يستشهدون بذاته على صفاته } انهم يستدلون بالذات الحق تعالى فدل على ان مراده قبل هذا الكلام في قوله يستشهدون به تعالى عليه الذات الواجب البحت كما قلنا عليه ثم يريد هنا بالذات ايضا الذات البحت وقد اشرنا لك الى الحق في هذه المسئلة وامثالها انهم ما عرفوا معبودهم وزعموا انه تعالى اقرب اليهم من حبل الوريد بذاته الحق وتعالى عن ذلك على المعنى الذي ارادوا فيستشهدون به عليه انه هو وانه دليل صفاته لانه اقرب واظهر ثم بصفاته على افعاله واثاره وقد قلنا لك انهم يعرفون من تعرف لهم بما تعرف به لهم فعندهم من معرفته ما اعطاهم وهو ما وصف به نفسه لكل واحد من خلقه وذلك الوصف فهواني هو حقيقة عبده الذي تعرف له بذلك الوصف الذي هو حقيقة عبده منه تعالى وليس عنده غير ما اعطى فحقيقة عبده منه صفته تعالى صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وح يعرف خالقه بنحو ما قال الرضا عليه السلم واعلم انه لا تكون صفة بغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد بغير محدود والصفات والاسماء كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الاحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لان الله تعالى تدرك معرفته بالصفات والاسماء ولا تدرك بالتحديد الى ان قال عليه السلام ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك باسمائه ويستدل عليه بخلقه الحديث فحقيقة عبده وصفه المذكور واسمه اذ كل شيء من خلقه اسم له وهو خلقه وهو تعالى لم يتعرف الى احد من خلقه بذاته وانما تعرف لهم باوصافه لهم التي هي حقائقهم منه اي من فعله ولا يوجد وصف بغير موصوف تأمل قول الرضا عليه السلم حين قال له عمران الصابي يا سيدي الا تخبرني عن الله تعالى هل يوجد بحقيقته او يوجد بوصف قال الرضا عليه السلام ان الله المبدئ الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه فردا لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا ولا شيء ( لا شيئا خل ) يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره ولا من وقت كان ولا الى وقت يكون ولا بشيء قام ولا الى شيء يقوم ولا الى شيء استند ولا في شيء استكن وذلك كله قبل الخلق اذ لا شيء غيره وما اوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم الحديث ومعنى انه تعالى يعرف به انك اذا كشفت عن نفسك في وجدانك سبحات الجلال من غير اشارة بقي وصف فهواني ليس كمثله شيء وبه تعرف الله بالله لان هذا الباقي هو وصفه تعالى الذي خاطبك به مشافهة وبه تعرف الله بالله كما تعرف الابيض بالبياض لا بغيره من الالوان لان البياض ليس كمثله شيء من الالوان وتعرف خلقه به كما تعرف الصفة اي الوصف بالموصوف بهذا النحو وبانه عرفك نفسه وبذلك عرفك خلقه لا باللمي او الاني ( ولا بالاني خل ) من البرهان بل بالمشاهدة به والعيان اشهدك انه الله لا اله الا هو واشهدك نفسك واشهدك ما شاء من خلقه
وقوله { وغير هؤلاء } اي غير الانبياء والصديقين والخصيصين من اتباعهم بالصدق حيث لا يجدون حالة انفراد ولا استبداد { يتوسلون في السلوك } اي يتخذون لسلوكهم { الى معرفته تعالى } وسائل وبراهين ودلائل { بواسطة امر آخر غيره } اقول ان اراد بقوله بواسطة امر آخر غيره ان اولئك الاولين اتخذوا ما نسبه اليه والقى عليه ما اشتق له من اسمائه اسما نسبهم به اليه فذلك ما قلنا وان اراد غير ذلك اراد غير مراد الله من خلقه { كجمهور الفلاسفة بالامكان } يعني ان علة حاجة الحادث الى الصانع تعالى هي الامكان وذلك ان الممكن اذا اعتبر في ذاته وما له كان متساوي الطرفين في الوجود والعدم ولا ينفك عن احدهما فهو محتاج في ترجيح احدهما على الاخر الى مرجح وطالب له وهو الصانع فعلة احتياجه الى الصانع هو الامكان وقيل بشرط الحدوث لانه اذا لم يلاحظ الحدوث لم يتحقق الاحتياج وقيل علة الاحتياج هي الحدوث خاصة اذ ملاحظة استواء الطرفين لا تستلزم الاحتياج وقيل هي الامكان والحدوث معا اذ كل منهما جزء علة لعدم تحقق الاحتياج بدونهما والحق في نظري انه ان اريد مطلق الاحتياج فالاول اقوى لانا نقول ليس ذاتيا بنفسه بل بصنع صانعه وهو شيء مخلوق بمشية الله الامكانية لانه محلها حين خلقها سبحانه بنفسها فامكان كل ممكن بفعله لانه تعالى امكن الامكانات لا ان الامكان امر اعتباري عدمي والا لكان زيد اذا لم يكن متصفا بالامكان المتحقق خارجا قديما او ممتنعا اذ كل ما ليس ممكنا فهو قديم عندنا وعندهم فهو قديم او ممتنع لان الممتنع عندهم شيء وعندنا ليس بشيء لانحصار الشيء في الواجب والممكن وزيد شيء فاذا لم يكن ممكنا اي متصفا بامكان هو شيء فهو قديم وان اريد كمال الاحتياج وتمامه فالاخير اقوى لاحتياج زيد في امكانه الى الامكان المتحقق ليتصف بما هو متحقق به ولاحتياجه في كونه الى الحدوث لانه لا يحتاج الى الحدوث في امكانه ولا يستغني عنه في كونه اقول ودليلهم هذا هو المناسب للاستدلال لان المستدل انما يعرف المستدل عليه بالدليل بخلاف طريق الانبياء والصديقين عليهم السلام فان الله سبحانه اشهدهم وصفه فبه عرفوه لا بالاستدلال وان سمي استدلالا مجازا
وقوله { والطبيعيين } اي المستدلون بالطبيعة { بالحركة للجسم } كما ذكر هو قبل هذا من تجدد الطبائع وحركاتها الجوهرية نازلة وصاعدة في اطوار التجدد والتبدل المحتاجة الى صانع لا يتجدد ولا يتغير ولا يتبدل عز وجل اقول وهذا استدلال صحيح ورد به الشرع الصريح الا انه كالذي قبله وهما طريقان لتثبيت الثابت في الاوهام ثبوته عز وجل يعني ثبوت معرفته بطريق الاستدلال بالاثار
وقوله { والمتكلمين بالحدوث } اي يستدلون بالحدوث الظاهر في الاشياء بتطوراتها في مراتب اكوانها المتجددة المتغيرة المتبدلة المحتاجة الى صانع لا يتصف بصفاتها سبحانه وتعالى وهذا ايضا دليل صحيح ورد به الشرع الشريف وقد قال سبحانه قد علم كل اناس مشربهم وكل من صدق مع الله سبحانه واقام حدوده وطلب الحق هداه الى ما خلق له
وقوله { وهي ايضا دلائل وشواهد } يشير الى استدلال الحكماء والطبيعيين والمتكلمين وهو كما قال في كل شيء بحسبه الا ان الثلاثة من نوع واحد
وقوله { لكن هذا المنهاج احكم واشرف } يشير الى طريق الانبياء والصديقين عليهم السلم اجمعين وهي على ما يدعيه هي طريقته واقول ان كان من جهة النوع فلا يبعد انها من نوع طريقتهم عليهم السلام من جهة التصور لا من جهة التصديق فان من عرفوه غير من عرفه وهم عليهم السلام كافرون بمن يشير اليه وان كان من جهة الشخص فليس طريقته من طريقتهم في شيء ولا تعجب من قوله فان الله سبحانه يقول ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا
وقوله { وقد اشير في الكتاب الالهي } يعني القرءان { الى تلك الطريق } يعني طريق الحكماء والطبيعيين والمتكلمين وهي قوله تعالى { سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } وهو يريد ان الايات التي اراهم اياها في الافاق وفي انفسهم هي الاثار اي المخلوقات من السموات والارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وما اشبه ذلك وفي انفسهم من خلق الشعر والبشر والسمع والبصر وسائر نعمه الدالة على صانعها وهذا ظاهر الاية واما تأويلها فمنه ما اشار اليه سيد الموحدين علي امير المؤمنين عليه السلم بقوله من عرف نفسه فقد عرف ربه وحين سأله كميل عن حقيقة المعرفة قال له عليه السلم : ما لك والحقيقة يا كميل قال اولست صاحب سرك قال : بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني قال : اومثلك يخيب سائلا قال عليه السلم : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة يعني انك اذا اردت معرفة الحقيقة من معرفة الله فاكشف في وجدانك سبحات نفسك حتى الاشارة الى الكشف فانه يبقى انموذج فهواني ليس كمثله شيء وهو آية الله ووصفه نفسه الذي خاطبك به فيه مشافهة ليس بينك وبينه حجاب غيره قال : زدني بيانا قال عليه السلم : محو الموهوم وصحو المعلوم اي امح السبحات الموهمة والانيات الموهومة المبهمة تبقى آية بينة معلمة فالمعلوم حقيقتك من ربك التي كثيرا ما نعبر عنها بالفؤاد وبالنور وبالوجود وهو ما وصف به نفسه لك وهي هيئة هيكل التوحيد قال : زدني بيانا قال عليه السلم : هتك الستر وغلبة السر اي اهتك الحجاب الذي بينك وبينه تعالى يغلب على وجدانك ظهور السر والكنز المخفي تحت جدار انيتك وتجد شبحا ناطقا بكله يقول الله الله صاعدا لا اله الا هو نازلا فقال : زدني بيانا قال عليه السلم : جذب الاحدية لصفة التوحيد قال عبد الكريم الجيلاني في الانسان الكامل : والاحدية عبارة عن مجلي ذاتي ليس للاسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية وليس لتجلي الاحدية في الاكوان مظهر اتم منك اذا استغرقت في ذاتك ونسيت اعتباراتك واخذت بك فيك عن خواطرك فكيف انت في انت من غير ان تنسب اليك شيئا مما تستحقه من الاوصاف الحقية او هو لك من النعوت الخلقية فهذه الحالة للانسان اعم مظهر للاحدية في الاكوان فافهم انتهى وقال قبل هذا : والواحدية اول تنزلات الحق من الاحدية انتهى وقوله هذا صحيح ليس فيه عيب الا في قوله فهي اسم لصرافة الذات وقوله اول تنزلات الحق من الاحدية فان ذلك لا يصح الا على تأويل فقوله عليه السلم جذب الاحدية اي جذب حقيقتك من ربك لسبحات حقيقتك من نفسك بمعنى استهلاكك اياها في وجدانك من ربك لتعرفه بشبح معرفته قال : زدني بيانا قال عليه السلام : نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فصبح الازل فعل الله ومشيته وابداعه واختراعه والنور المشرق منه نور الحقيقة اي حقيقة العارف من ربه اعني فؤاده ووجوده وهو في كل عارف بنسبة رتبته من الكون فيلوح اي فيظهر اثاره مشابهة لهياكل التوحيد لان هيئتها وهندسة ايجادها على هياكل التوحيد اي منقوشة على صورة الهياكل صلى الله على محمد واهل بيته الطاهرين قال عليه السلام بنا عرف الله ولولانا لم يعرف الله ونحن الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا قال : زدني بيانا قال عليه السلام : اطفأ السراج فقد طلع الصبح ه اي اعدم وجودك ووجدانك فان الحق ليس بمستتر وانما احتجب عنك بك كما قال امير المؤمنين عليه السلم لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه فما اراهم الله في الافاق وفي انفسهم فهو آياته والدليل عليه باي طريق كان على حسب مراتب السالكين ومن ادعي ان ما اراهم الله في الافاق وفي الانفس هو ذاته فقد الحد وجحد واما باطن الاية فالايات التي اراها الله في الافاق وفي الانفس هم محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله روى جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة باسناده عن عبد الله بن بكر الارجاني في حديث طويل عن ابيعبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلم الى ان قال عليه السلم وهو يقول سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم فاي آية في الافاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال وما نريهم من اية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث فهم عليهم السلم آية معرفة الله حيث يقول عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا اي بنحو ما بينا من الدليل عليه ووصفناه بما وصف نفسه لنا او بنحو ما عرفناه كما وصف نفسه لنا او بمعرفتنا لانها معرفته او اية معرفته فما ذكره المصنف في الاية من انها استشهاد الحكماء والطبيعيين والمتكلمين فانما هو من ظاهرها واما تأويلها وباطنها فهو طبق ما يراد من آخرها كما اشرنا اليه
وقوله { والى هذه الطريقة } اي طريقة الانبياء والصديقين عليهم السلم { بقوله اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد } يشير به الى ما ذكره بعد هذا الكلام اعني النظر الى حقيقة الوجود وقد ذكرنا قبل ذلك ان هذه الطريقة التي يشير اليها ليس طريقة الربانيين على الحقيقة وانما هي طريقة المتلونين فانك اذا وزنتها بميزان الشرع الشريف وجدتها في مقابلة التوحيد والايمان وقد ملأنا كتابنا هذا من بيان بطلانها وسنذكر شيئا من نحو ما مضى على جهة الاقتصار تذكرة للذاكرين من اولي الابصار
قال : { فالربانيون ينظرون الى حقيقة الوجود اولا ويحققونها ويعلمون انها اصل كل شيء وانها واجب الوجود بحسب الحقيقة واما الامكان والحاجة والمعلولية فانما تلحق الوجود لا لاجل حقيقته بل لاجل نقائص واعدام خارجة عن اصل حقيقته }
اقول : اراد ( ان خل ) يبين طريقة الربانيين وهم عنده النبيون والاوصياء عليهم السلام والصوفية الذين قال بعضهم انا جزنا بحرا وقفت الانبياء على ساحله يعنون انا عبرنا بحرا من الحقائق وتجاوزناه والانبياء وقفوا على ساحله قصورا منهم وعجزا وهم اهل الشطح والدعوى والمصنف بشطحه ادعى ان هذه الطريقة التي اراد تبيينها هي طريقة النبيين عليهم السلم وهي طريقة القول بوحدة الوجود التي اجمع النبيون والاوصياء عليهم السلم على بطلانها وكفر معتقدها فتدبر كلامه يظهر لك ما فيه مما ذكرت لك
قال { فالربانيون ينظرون الى حقيقة الوجود اولا ويحققونها } اقول له ما الوجود وما يعني به هل هنا شيء يسمى حقيقة ( حقيقته خل ) بالوجود غير المعنى المصدري المعبر عنه بالفارسية بهست وهو يقع صفة لكل ما ليس بمعدوم وتدخل الماهية فيه ومن عبر به عن المادة فهو صحيح اذ ليس غيرها الا ان لفظ الوجود لم يوضع لها وان كنا نستعمله كثيرا فيها مجاراة لهم ولم يوضع لذات غيرها وذلك لان الوجود يفسره كثير بالكون في الاعيان والمصنف وامثاله يقولون هو عندنا ما به الكون لان الكون في الاعيان من المعقولات الثانية وهي امور اعتبارية عقلية لا وجود لها في الخارج ونحن نقول اذا لم تكن متحققة في الخارج كانت الاشياء الخارجية ليست موجودة ولا كائنة في الاعيان خارجا بل في الاذهان وهذا من الوساوس ومخالفة الوجدان وقول اصحاب المصنف انه ما به الكون في الاعيان انما يصدق على الهيولي ومقوماتها كالصور بل لا مناص لهم عن ذلك ان كان يتكلمون بما يعقلون على انها نفس حصولها وكونها واما ما تعرفه العوام من الكون في الاعيان فهو اثر ذلك وهو اثر اشراقي اذا كشفت عن حقيقته لم تجد شيئا غير الشيء واثاره واذا كشفت عن الشيء لم تجد غير مادته ومقوماتها اذ لم يخلق الله للشيء غير ذلك ولهذا قلنا ان الوجود هو الهيولي والمادة في كل شيء بحسبه الوجود النوري مادة نورية ومقوماتها من لواحق رتبتها والوجود الجوهري مادة جوهرية كذلك والعنصري مادة عنصرية كذلك واما وجود الحق سبحانه فلا يعرف بشيء من خلقه الا بما عرف نفسه به ووصفها به من وجود آياته واثار افعاله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وهذا التعريف ايجاد اثر اشراقي دليله وآيته ما تعقله العوام من اثر وجودك الذي هو مجموع عوالمك الثلاثة عقلك ونفسك وجسدك ومقوماتها والذي تعقله من معنى كونها وجودا لك هو كونك في الاعيان لانه هو اثر اشراقي لوجودك الذاتي ولا معنى لاصل هذه التسمية الا المعنى المصدري الذي هو معنى هست فالوجود هو الموجود ان كنت من اهل الشهود وحينئذ فالربانيون ينظرون الى حقيقة الموجود وهو ما سوى الحق عز وجل لعلمهم انه تعالى لا سبيل الى معرفة ذاته الا بما عرفهم من آياته وآثار صنعه كما ذكرنا هذا مرارا فالربانيون محمد واله وشيعتهم التابعين لهم صلى الله على محمد واله وعليهم لكن اذا رضينا وقلنا انه موضوع لشيء لا يعرفه الا الصوفية فهو كيف يحقق هل يحقق بثبوته ام بثبوت المتصف به فيكون التحقيق للموجود سلمنا ذلك لكنه متحقق في القديم والحادث على دعويهم واما عندنا فما يثبت للحادث باي نوع من الثبوت لا يصح اثباته للقديم وما وصف به القديم منه فلم يقع عليه وانما يقع على العنوان ولكن دع هذا كله اذا ثبتت حقيقة الوجود كما ذكره المصنف
قال { يعلمون انها اصل كل شيء وانها واجب الوجود بحسب الحقيقة } يعني المصنف ان هذا الشيء حقيقة مشتملة على افراد متفاوتة بالتشكيك في الشدة والضعف وحقيقته الصرف الخالص من كل ما ينافي ذلك الاصل كالضعف فانه عدم قوة والفقر عدم غني والجهل فانه عدم علم والعجز فانه عدم قدرة وهكذا فصرف الوجود لم يلحقه شيء من النقائص لانها اعدام وهي بخلاف الوجود والامكان الذي هو الخاص يعني سلب الضرورة عن الطرفين والحاجة والمعلولية وامثالها اذا لحقت شيئا من افراد الوجود لم تلحقه لذاته وانما لحقته لفقدان كمال فالخالص من الشوائب المنافية واجب والمشوب حادث هذا ملخص كلامهم وقد مثل بعضهم بامثلة كثيرة ضربها لهذا منها ان الواجب كالماء والوجود الحادث كالثلج فانه اذا كسر فقبوله للكسر ليس لذات الماء وانما لحق الثلجية فاذا ذاب الثلج ارتفع حكم الثلج ووقع حكم الماء على حقيقته ولا كسر فيه اصلا ومنها البحر وامواجه والمداد والحروف النقشية والنفس والحروف اللفظية والواحد وسائر الاعداد المتألفة منه وما اشبه ذلك ومعنى هذه الامثال ان الوجودات الحادثة اعراض حالة في الوجود الحق كالثلج في الماء والواحد وسائر الاعداد على وجه او حصص واجزاء منه كالبحر وامواجه والمداد والحروف النقشية والنفس والحروف اللفظية والواحد في الاعداد على وجه اخر وعلى اي حال كان فهذه الطريقة في معرفة المعبود الحق تعالى عند الانبياء والاوصياء عليهم السلم كفر وزندقة حاشي رتبة العصمة والتأييد والتسديد الالهي من اعتقاد ان الخلق من سنخ الحق تعالى او اعراض حالة به لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال : { ثم بالنظر فيما يلزم الوجوب والامكان والغنى والحاجة يصلون الى توحيد صفاته ومن صفاته الى كيفية افعاله وآثاره وقد مر فيما اسلفنا من البرهان ما بزغ به نور الحق من افق البيان وطلعت شمس الحقيقة من مطلع العرفان من ان الوجود كما مر حقيقة بسيطة لا جنس لها ولا فصل ولا حد ولا معرف لها ولا برهان عليه وليس الاختلاف بين آحادها واعدادها الا بالكمال والنقص والتقدم والتأخر والغنى والفقر او بامور عارضة كما في افراد ماهية واحدة }
اقول : يريد اذا عرفت حقيقة الوجود اعني صرفه الذي لا اتم منه على نحو ما ذكرنا وعرفت انه تعالى هو الواجب الحق عز وجل كما تفعل الانبياء عليهم السلم في معرفة الله سبحانه على زعم المصنف انتقلت الى توحيد صفاته فانهم عليهم السلم على دعويه اذا عرفوا الوجود الصرف وانه هو الله سبحانه نظروا فيما يلزم الوجوب من الكمالات والتمامية في الغنى والعلم والقدرة وما اشبه ذلك من الصفات التي هي كمال مطلق لا نقص فيها وفيما يلزم الامكان من النقائص والحاجة في الافتقار والجهل والعجز وما اشبه ذلك من صفات النقص والفقدان ووحدوا صفاته وابانوا ما يليق به تعالى من الصفات من صفات الحوادث لما يلحقها من النقايـٔص فتوصلوا من توحيد الذات الى توحيد الصفات بواسطة اعتبار الكمالات المطلقة فان مقتضى اتصاف الذات بالكمالات المطلقة كون صفاتها بائنة من صفات غيرها بالكمال الذي لا يشوبه نقص ويصلون من معرفة صفاته الى معرفة كيفية افعاله لانها ناشية من صفاته ويستدلون بافعاله التي هي ناشية من الصفات الكاملة التي لا نقص فيها على كمال اثاره ومصنوعاته كما يدل اعتدال حركة يد الكاتب على حسن كتابته بحيث لو رأيت كتابة غير حسنة لم تنسبها الى الكاتب المعتدل حركة اليد كذلك لو رأيت صنعا ناقصا نسبته الى غير صنعه تعالى وطريق الاستدلال الذي ذكره هنا على توحيد الصفات صحيح قال تعالى ليس كمثله شيء وعلى توحيد الافعال صحيح قال تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وعلى توحيد الاثار صحيح قال تعالى هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه
وقوله { وقد مر فيما اسلفنا من البرهان ما بزغ به } اي طلع واشرق { نور الحق } يعني به ان الدليل البرهاني الذي ذكرناه سابقا في اول كتابه في تعريف الوجود ظهر به نور الحق سبحانه وهو معرفته في قلوب العارفين بذلك البرهان { من افق البيان } اي الذي برهنا عليه { وطلعت شمس الحقيقة } اي المعرفة الحقيقية عليه لانها معرفة الحق بالحق تعالى { من مطلع العرفان } يعني البيان البرهاني القطعي على زعمه يقول الشاعر :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكا
و اريد بالاستشهاد انه يدعي ان استدلاله الذي ذكره هو استدلال الانبياء والاوصياء عليهم السلام ونحن نقول ان استدلالهم قد ذكروه في احاديثهم وذكره الله تعالى في كتابه فاي موضع من كتابه او من احاديثهم ذكر فيه نمط ما ذكر المصنف من الاستدلال من ان الوجود حقيقة واحدة بسيطة مشتملة على افراد تمايزت افرادها لا من ذات تلك الحقيقة بل من مميزات لحقتها من اختلاف مراتب ظهوراتها ومن نقايص لحقت بعض افرادها واصل تلك الحقيقة كمال لا نقص فيه وتمام فوق التمام وهو الوجود الحق تعالى وهذا الاستدلال عندهم عليهم السلام كفر وزندقة فان الوجودات الحادثة وجودات معقولة ووجود الحق عز وجل ليس بمعقول وانما نسمي ذلك المشار اليه بالوجود لاجل التفهم والتفهيم وليس في ذاته معنى ما نعقل حتى نطلق عليه الوجود من باب الاشتراك المعنوي كما ذهب اليه المصنف فان ذلك مستلزم لما يذهب اليه من القول بالسنخ وعند الانبياء والاوصياء عليهم السلم ان القول بالسنخ اسوء حالا من دعوى فرعون الربوبية لانه لعنه الله يدعي المشاركة في الفعل والسلطان والمصنف يدعي المشاركة في الذات الله اكبر الله اكبر جل ربي ومعبودي وتعالى عما يقولون علوا كبيرا
وقوله { ان الوجود حقيقة بسيطة لا جنس لها ولا فصل ولا حد ولا معرف لها ولا برهان عليه } يريد به ان حقيقة الوجود ليست داخلة تحت جنس لتكون نوعا منه ليمكن البرهان عليه والتعريف له بجنسه وفصله كما ان الانسان حقيقة لها جنس وفصل فيمكن البرهان عليه والحد له فنقول الانسان حيوان ناطق والوجود ليس كذلك لانه ليس شيء لا يكون من الوجود فاقول هذا صحيح بعد تسليم ما اشرنا اليه من ان الوجود ليس ذاتا ولم يوضع هذا اللفظ لذات وانما هو اسم صفة فعلى تقدير التسليم لهذا ولانه لا يدخل تحت جنس ولا فصل ولا حد له ولا برهان عليه لكن لاي شيء يكون له افراد لانه اذا كان له افراد كان جنسا او نوعا او كالجنس والنوع فيكون متعددا فلا معنى لتخصيصه بالبساطة دون الحيوان والانسان فان الحيوان حقيقة بسيطة لها افراد تمايزت بالمنوعات اي الفصول وهي المشخصات النوعية والانسان له افراد تمايزت بالمميزات الشخصية فاي فرع ( نوع خل ) حقيقة الوجود وحقيقة الانسان وحقيقة الحيوان فان حقيقة الانسان والحيوان بسيطة لاتحاد حصصها من حيث الحيوانية او الانسانية في رتبة كل منهما وانما تكثرت بما لحقتها من المميزات والمميزات ليست لاحقة لحقيقة الحيوان او الانسان وانما لحقت الافراد اذ لو لحقت الحقيقة لم تتميز بها الافراد بعضها عن بعض كذلك حقيقة الوجود فانه يقول انها حقيقة بسيطة وليس الاختلاف بين آحادها واعدادها الا بالكمال والنقص والتقدم والتأخر والغنى والفقر كذلك اقول ان حقيقة الحيوان بسيطة اذ هو الجسم المتحرك بالارادة وليس الاختلاف بين احادها واعدادها الا بالكمال كالانسان والنقص كالحيوانات والتقدم كالانسان والتأخر كالحيوانات والغني كالانسان بالنسبة الى غيره من الحيوان والفقر كالحيوانات بالنسبة الى الانسان فالوجود على مقتضى قوله جنس تحته افراد متساوية في جهة الكنه والمادة وانما اختلفت بالمميزات والمميزات لا فرق فيها بين الاعدام والوجودات فان الاعدام اللاحقة لافراد الوجود اعدام ملكات فتأمل في عباراته هنا وفي اول الكتاب هل تجد منها فرقا بين تعريف حقيقة الوجود مع ما هو عليه فيها من التكلف والتعسف وبين حقيقة الحيوان او الانسان او الخشب بالنسبة الى الباب والسرير او غيرهما لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قوله { او بامور عارضة كما في افراد ماهية واحدة } كالمميزات لاصناف النوع وحكمها حكم الاول بلا فرق
قال : { وغاية كمالها هي صرف الوجود الذي لا اتم منه وهي حقيقة الواجبية البسيطة المقتضية للكمال الاتم والجلال الارفع وعدم التناهي في الشدة اذ كل مرتبة دون تلك المرتبة في الشدة ليست هي صرف الوجود بل مع قصور ونقص وقصور الوجود ليس من حقيقة الوجود ولا من لوازمه لانه عدم والعدم سلب اصل الوجود او سلب كماله والاول لا يجامعه وهو ظاهر فالقصور لاحق لا لاصل الوجود بل لوقوعه في مرتبة ثانية وما بعدها فالقصورات والاعدام انما طرئت للثواني من حيث ثانويتها وتأخرها }
اقول : غاية كمال تلك الحقيقة هي صرف الوجود اي خالصه من الشوائب خلوصا لا اتم منه وهذا الفرد الكامل من تلك الحقيقة هو الواجب على زعمه وسائر افرادها غير خالصة من الشوب وهي سائر المفعولات فيا سبحن الله اذا كانت مفعولات له فلم صارت جزئيا او جزءا من حقيقته وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين
وقوله { اذ كل مرتبة دون تلك المرتبة في الشدة ليست هي صرف الوجود } فيه انا نقول اذا كانت المراتب كلها من حقيقة واحدة والمراتب الناقصة ليس نقصها من حيث هي وجودات بل لمراتبها ومحالها فهي بدون ما لحقها صرف وجود فلا نقص في ذاتها بحال فلا فرق بينها وبين صرف الوجود الذي ذكر الا ان يقول ان ما يخصه لذاته من الكمال المطلق الذي لا يتناهى لما لحقه النقص للمرتبة ( في المرتبة خل ) لحق الكمال ايضا ويلزم على هذا ان يكون النقص لاحقا لذاته وايضا اذا قال كما يأتي ان العدم والافتقار ينشئان من الافاضة والجعل لزمه ان يكون المفاض والمجعول ليسا من حقيقة الفياض والجاعل والا كانت ولادة فلا يقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد بل هو يلد ويكون الوالد مولودا وكل احد كفؤه لانه من حقيقته والثانوية والتنزل والافاضة لا تخرجه عن الكمال الذاتي نعم اذا كان كماله لرتبته كما كانت نقصانها لرتبتها نقصت لنزولها عن رتبتها ولو اخرجه التنزل عن الكمال الذاتي لزم انقلاب الحقائق ويكون الامر الممتنع لذاته ممكنا بحصول ما يمكن له وهو محال والشيء لا يكون جاعلا لنفسه ولا لجزء حقيقته فاذا كانت مجعولة له لم تكن من حقيقته هف
وقوله { وقصور الوجود ليس من حقيقة الوجود ولا من لوازمه لانه } اي القصور { عدم } اي عدم كمال { والعدم سلب اصل الوجود او سلب كماله فلا يجامعه } يلزم منه ان جميع وجوداتها من حيث هي صرف وجود لان ما لحقها صور لتلك الحصص والحصص في نفسها باقية على كمالها اذ الصور لا تغير حقيقة المواد مثلا لو صغت انسانا من الذهب وكلبا من الذهب فان تغيرت المواد بالصور صح ان القصور يلحق اصل وجود الاشياء وان لم تتغير فالذهب في الانسان والكلب على حد سواء في الرتبة ولم يتغير بتغير نقص صورة الكلب عن رتبته كما في الانسان وكذلك قوله { فالقصور لاحق لا لاصل الوجود بل لوقوعه في مرتبة ثانية وما بعدها } وكذا قوله { فالقصورات والاعدام انما طرئت للثواني من حيث ثانويتها وتأخرها } فيلزم من كلامه ما قلنا لان كل حصة من حصص تلك تامة لذاتها تماما لا اتم منه والنقص اللاحق للرتبة ليس لاحقا لها لذاتها فكل حصة تامة لذاتها تماما لا اتم منه فهي واجبة وحيث يتعذر وجود شيء بدون حصة منه وجب ان يكون كل شيء واجبا لذاته وممكنا من حيث رتبته ولحوق النقائص بها وهذا من عجائب الامور
قال : { فالاول على كماله الاتم الذي لا نهاية له والعدم والافتقار انما ينشئان من الافاضة والجعل ضرورة ان المجعول لا يساوي الجاعل والفيض لا يساوي الفياض في رتبة الوجود فهويات الثواني متعلقة على ترتبها بالاول فتنجبر قصوراتها بتمامه وافتقاراتها بغناه وكل ما هو اكثر تأخرا عنه فهو اكثر قصورا وعدما }
اقول : يعني بالاول اول مراتب الوجود اي صرف الوجود فانه لما كان في اوليته بقي على كماله الذاتي لم يلحق رتبته نقص لان النقايـٔص اعدام والاعدام لا تسبق الوجود ولا تساوقه في اوليته لانها انما نشأت من الافاضة والجعل لانهما احداث كون والكون المحدث يلزم حقيقته النقص والافتقار اما ان النقص والافتقار لا يلزمان حقيقة المحدث بفتح الدال فشيء لا تعرفه العقول والمصنف جعل الاشياء في نفس وجوداتها تامة كاملة وانما تلحقها النقائص لرتبها وجعلها لا لاصل حقيقتها فلا يلزم على قوله حقائقها نقص بل هي باقية على صرف حكم الاصل فلا يكون وجوداتها حادثة وما تقدم من كلامه من اتحاد العاقل بالمعقول والجاعل بالمجعول ظاهر بعدم حدوثها اذ لو كانت المعقولات حادثة ماصح اتحادها بعاقلها اذ لا يتحد الحادث بالقديم الا اذا جعل الحدوث المنسوب اليها لاحقا بعوارضها واما هي فقديمة سلمنا ذلك لكن كيف يعرض النقص والتغيير لشيء يتحد بالقديم وقد قدمنا على قوله ان هذا الاتحاد انما يكون في المعقولات واما ما سواها من الحوادث فلا بان العلة في الاتحاد العاقلية والمعقولية وما سوى المعقول ليس بمعقول فان كان كل شيء معقولا فتخصيصه غير صحيح وان لم يكن كل شيء معقولا لزم الجهل
وقوله { ضرورة ان المجعول لا يساوي الجاعل والفيض لا يساوي الفياض } فيه انه اذا حكم باتحادهما ابدا لا في حال دون حال لوجود علة الاتحاد وهي العاقلية والمعقولية وجب التساوي بينهما حال الاتحاد الذي لا ينفك عنه ابدا والا كان الشيء الواحد المتحد ضعيفا قويا كاملا ناقصا قديما حادثا صانعا مصنوعا هف
وقوله { فهويات الثواني متعلقة على ترتبها بالاول فتنجبر قصوراتها بتمامه } الى اخره فيه انه قال انه ليس فيها قصور لذواتها وانما النقائص لاحقة للرتب فهذا المنجبر بتمام الحق الذي لا اتم منه ما هو هل هو حقائق تلك الوجودات ام رتبها فان كانت حقائق الوجودات كان النقص في ذواتها قبل الانجبار وقد قال : فالقصور لا لاصل الوجود بل لوقوعه في رتبة ثانية وهذا يدل على الا نقص في ذاتها فلا تحتاج الى الانجبار على انها بعد الانجبار لا نقص ثم نقول هذا الانجبار هو طار عليها بعد نزولها ناقصة في رتبتها ام مساوق فتنزل في رتبتها تامة الا ان هذا التتميم مشعر بالنقص الذاتي وان كانت المنجبرة رتبها كانت الثانوية بحكم صرف الوجود لانها في انفسها مثل الاول ونقص رتبها منجبر بالاول كما احتمل في اتحاد العاقل بالمعقول لدفع ما قلنا من لزوم كون الشيء قديما حادثا الخ انه بالاتحاد انجبر بكمال العاقل حتى ساواه فلهذا جاز الاتحاد بل وجب وفيه مع كونه خرافات لزوم انقلاب الحقائق
وقوله { كلما هو اكثر تأخرا فهو اكثر قصورا وعدما } هذا كلام صحيح في نفس الترتيب الا انه مع ملاحظة الانجبار تكون كلها منجبرة اذ ليس عند الاول قرب او بعد وان اختلفت في انفسها لكن مع فرض الاتحاد بين العاقل والمعقول تتساوي في ذواتها مع ذاته او يكون اعني الاول مختلفا فافهم
قال : { فاول الصوادر عنه تعالى يجب ان يكون اجل الموجودات بعده وهو الوجود الابداعي الذي لا امكان له الا ما صار محتجبا بالوجوب الاول وهو عالم الامر الالهي ولا يسع فيه الا الارواح القادسة على تفاوتها في القرب من الذات الاحدية لانها بمنزلة الاضواء الالهية والعبارة عن جملتها روح القدس لانها كشخص واحد وهي ليست من العالم ولا داخلة تحت قول كن لانها نفس الامر والقول وبعدها مرتبة النفوس على درجاتها ثم الطبائع والصور على مراتبها ثم بسائط الاجسام واحدا بعد واحد الى المادة الاخيرة التي شأنها القبول والاستعداد وهي النهاية في الخسة والظلمة }
اقول : قوله { اول الصوادر عنه تعالى } هذا الكلام من حيث ان اول صادر اشرف صحيح الا ان قوله { عنه تعالى } يظهر من كلامه بعد ان هذا الصدور ليس بخلق ولا بعنوان الخلق بل هذا الصادر من ذاته بغير صنع وهذا هو الولادة تعالى ربي ان يخرج منه شيء او يدخله شيء او يصدر عنه شيء ليس بصنع او يصدر عنه صنع ليس بفعل منه اذ كل هذه امور باطلة اذ لو خرج منه شيء كان والدا ولو دخله شيء لم يكن صمدا ولو صدر عنه شيء لا بصنع لم يكن صانعا له ولا كان مختارا ولكان معه شريك في ملكه وفي خلقه ولو صنع بغير فعل لكانت ذاته فعلا وكان مربوبا لرب فاعل تعالى ربي
قوله { وهو الوجود الابداعي } هذا الوجود هو الوجود المطلق لان الوجود في العبارة عندنا وجود حق وهو الله عز وجل وهو الواجب الوجود ووجود مطلق وهو مشيته وارادته واختراعه وابداعه وقال الرضا عليه السلم المشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد والمراد من الكل فعل الله تعالى فان تعلق بايجاد الكون سمي مشية وبمعناها خلق وان تعلق بالعين المسماة في عالم الاجسام بالصورة النوعية قيل اراد وبرأ وان تعلق بالحدود والهندسة وضبط الاجال والارزاق قيل قدر وصور وان تعلق بالاتمام قيل قضي وان تعلق باخراجه مشروحا مبين العلل والاسباب قيل امضى وان لوحظ انه متعلقه لا من شيء قيل اخترع وان لوحظ انه لا لشيء قيل ابتدع والفعل في الكل واحد وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وانما تكثرت اسماؤه بسبب اختلاف متعلقه والفعل بجميع انواعه مخلوق بنفسه لانه مخلوق وكل مخلوق فانما يخلق بحركة ايجادية ولما كان هو حركة ايجادية خلقه الله تعالى بنفسه وكانت المشية التي خلقها الله بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية وهي الفعل على قسمين امكانية وكونية فالامكانية خلقها بنفسها وخلق الامكان لكل شيء بها فهي المشية ومحلها اي مكانها الامكان وكل الممكن وهو العمق الاكبر ووقتها السرمد وهذا المكان مكان لجميع انواع الفعل وان كان مفعوله من الاجسام ووقته السرمد وان كان مفعوله في الدهر او الزمان والمشية الكونية هي ما تتعلق بالاكوان وهي المعبر عنها بكن يشار بالكاف الى الكون لانه ينشأ عنها وبالنون الى العين التي هي الماهية ونريد بالكون الحصة المادية النوعية ونريد بالعين الحصة الصورية النوعية وهذه المشية الرتبة الثانية من المشية وهي عين الاولى الا ان الاولى حدث بها الامكان بجميع مراتبه الكلية والجزئية والاضافية لان الجزئي هناك يصلح لكل شيء وبالثانية حدثت الاكوان من نور الانوار اعني امر الله المفعولي وهو الحقيقة المحمدية الى اسفل السافلين فاول صادر هو المشية خلقها سبحانه بنفسها وامكن الامكان بها فسميت بالمشية الامكانية وهي العلم الذي لا يحيطون بشيء منه ثم كون بها ما شاء فسميت بالمشية الكونية وهي العلم المشاء الذي يحيطون به واول ما شاء بالمشية الكونية الحقيقة المحمدية ثم خلق بها قابليتها اعني الزيت ( الذي خل ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ثم خلق من ذلك النور وتلك القابلية العقل الكلي ثم الروح الكلية ثم النفس الكلية ثم الطبيعة الكلية ثم جوهر الهباء ثم المثال ثم الاجسام وقوله ولا امكان له غلط بل لا وجوب له نعم هو الوجود المطلق وهو الامكان الراجح الوجود فهذا الرجحان له ولمكانه ولوقته ووجود مقيد وهو الجائز الوجود وهو المفعولات المقيدة اولها الدرة اي العقل واخرها الذرة اعني الثرى وما تحت الثرى فكلها جائزة الوجود وان اختلفت في الشدة والضعف والتقدم والتأخر اختلافا لا يكاد يتناهىي
وقوله { الا ما كان صار محتجبا بالوجوب الاول } ليس بشيء فانه اذا عنى روح القدس فمراتبه العقل الكلي وهو مسبوق بالدواة فانه هو القلم وهو اخذ من شجرة الخلد وهي لا شك في وجودها قبل كونه لانه هو المصباح المشار اليه في اية النور وقال تعالى في حق المصباح انه يوقد من شجرة مباركة فالدهن ومس النار قبل المصباح فحرارة النار هي اية فعل الله والدهن هو الارض الجرز وارض القابليات والاستضاءة المشرقة على الدخان المتعلقة به هو نور الانوار والحقيقة المحمدية فاستنارة المصباح بانارة تلك الحقيقة والدخان هو المستعد من الدهن بعد تكليس حرارة النار له هو المستضيء والمستنير وقد ذكر الامام ابو محمد العسكري عليهما السلم في تاريخه من الدرة الباهرة في شأن روح القدس اي العقل الكلي من انه اول من وجد من زرعنا قال عليه السلام : وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والصاقورة هنا العرش الذي هو سقف الجنان والباكورة اول الثمرة يعني ان روح القدس اول من اكل من اول ثمرة الوجود من حدائقنا لان حقيقتهم صلى الله عليهم هي اول ما كون الله سبحانه بفعله التكويني وهي الحقيقة المحمدية وهي نور الانوار ومادة المواد وهي امر الله المفعولي الذي كل شيء قام به قيام تحقق وركن بمعنى ان كل شيء خلقه الله سبحانه فقد قبض مادته من شعاع انوارهم ان كان من اتباعهم من نبي مرسل وملك مقرب ومؤمن صالح واتباعهم الى التراب الطيب والماء العذب وان كان من اعدائهم فمن عكس انوارهم من ابليس الى التراب السبخة والماء الاجاج والمادة هي التي يقوم بها الشيء قيام تحقق وقياما ركنيا وقبض صورته من هيئة اعمالهم للطيب ومن عكسها للخبيث ثم خلق منها العقل كما ذكرنا ثم خلق من العقل الروح كما خلق المضغة من النطفة والعقل على مقره باق ثم خلق منها النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ وبالروح الذي على ملائكة الحجب اعني الكروبيين ثم خلق من النفس الطبيعة الكلية ثم خلق جوهر الهباء وهو حصص مواد الموجودات مميزة غير مقدرة ثم خلق عالم المثال وهو البدن المقداري الظلي الذي لا مادة فيه فهو كالصورة في المرءاة بل هي منه وفي عالمه على نحو ما ذكرنا قبل وهو يريد ان روح القدس ليس لها اول فلا يكون لها امكان لانها قبل الامكان الا انها مسبوقة بالواجب تعالى فنقول عليه اذا كان مسبوقا بالواجب لم يكن واجبا لان الواجب هو الذي لم يسبق بالغير فاذا سبقه غيره كان ممكنا وكل ممكن فهو داخل تحت كن صادر عنها وانما دعاه الى هذا الكلام جعله روح القدس هي الارادة والارادة عنده قديمة كما هو مذهب ائمته واما ائمتنا عليهم السلم فعندهم انها حادثة وليس لله تعالى ارادة قديمة وهذا باجماعهم عليهم السلم لا يختلفون فيه ولكن على كل تقدير اذا جعلها قديمة كيف تكون محجوبة بالوجوب اذ كل محجوب بالوجوب فهو حادث ممكن
وقوله { وهو عالم الامر الالهي } فيه ايضا انه اراد حصر الامر الالهي في روح القدس وعالم الامر يطلق على شيئين احدهما عالم الفعل بجميع انواعه وبه قامت السموات والارض وما فيهن قيام صدور لانها آثاره وثانيهما الحقيقة المحمدية وهي اول صادر من الفعل وهي مادة المواد اذ كل مخلوق سواها فمادته من شعاعها وصورته من هيئة فعلها ان كان طيبا او تابعا للطيب وان كان خبيثا او تابعا له فمن عكس ما للطيب قال الصادق عليه السلام كل شيء سواك قام بامرك ه والمراد بالقيام هنا قيام تحقق قياما ركنيا واما روح القدس فكما ذكرنا يطلق على ملكين هما ركنان للعرش من جهة اليمين احدهما اعلى وهو النور الابيض وثانيهما اسفل وهو النور الاصفر وقد يطلق من دونهما على جبريل كما قال تعالى قل نزله روح القدس من ربك بالحق وجبرئل ليس مرادا هنا بقي الاولان وقد يطلق عليهما انهما من عالم الامر يعني به من الامر المفعولي الذي قامت به الاشياء قياما ركنيا اعني الحقيقة المحمدية لان هذين منهما كاليدين ولا يطلق روح القدس على عالم الامر الفعلي في الشرع نعم يحتمل ان يكون اصطلاحا فان سمي فعل الله تعالى روح القدس اصطلاحا فهو وان كان مخالفا لما ورد في الشرع الا انه لا مشاحة في الاصطلاح لكن العقلاء اجمعوا على ان الفعل بجميع انواعه حادث لا يختلفون فيه فاذا جعله هو المشية والارادة وهما قديمتان عنده وعند الاكثر فهنا بحثان : الاول ان الذي ينبغي لمثله مع ما يدعيه من المعرفة ومن التشيع انه لا يركن الى قول كل ناعق لا سيما في مخالفة اجماع اهل البيت عليهم السلم على ان المشية والارادة حادثان وانه ليس لله سبحانه مشية او ارادة قديمة وان من قال بذلك ليس بموحد ومن ذلك ما رواه الصدوق في التوحيد عن الرضا عليه السلم انه قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد ه فان كان لا بد له من التقليد والمتابعة فليقلد من لا يسهو ولا يغفل ولا يجهل وهو مسدد من الله سبحانه مأمور باتباعه لا يسع جميع الخلق مخالفته وان لم يقلد وانما اداه عقله الى ذلك فلا يصح هذا لان العقل اذا لم يلاحظ المتابعة للغير ولا الرجوع الى قاعدة ولا الى ما انست به النفس لا يؤدي الى مثل هذا وهو ان يكون شيء غير الله ليس بمخلوق لله او يكون محجوبا بالوجوب وليس بمصنوع او متأخرا عن الذات وليس بحادث او يكون مع الذات او في الذات مغاير للذات ولو بالاعتبار فهذه وامثالها لا يؤدي العقل اليها الا بسبب من نحو ما قلنا الثاني ان المعروف عند علماء اهل البيت عليهم السلم ورواتهم وعلماء شيعتهم بل عند جميع المسلمين ان روح القدس ملك وان اختلفوا في تعيينه فاذا جعله غير مخلوق كان الها وشريكا فلا يحسن منه ان يقول لا اله الا الله وحده لا شريك له لانه يكون كذبا في حق من يثبت ملكا قديما غير الله تعالى
وقوله { ولا يسع فيه الا الارواح القادسة } فان روح القدس عنده اسم نوع وافرادها متفاوتة في القرب والبعد من الذات الاحدية لانها عنده بمنزلة الاضواء الالهية اي بمنزلة الاشعة من السراج والاضواء تطلق على المنيرات والانوار على الاشعة كما قال تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا فاطلاقه الاضواء على الارواح القادسة ان تجوز فيه فحسن والا فهو تنصيص على قيامها بذواتها واستغنائها وهو ما يقتضيه كونها غير مخلوقة على زعمه وقوله { بمنزلة الانوار الالهية } يشعر بمغايرتها للانوار الالهية لكن قوله { على تفاوتها في القرب من الذات } يحتمل ان يريد بالضمير المتصل في تفاوتها ضمير الارواح القادسة فيشعر باستمداد الارواح القادسة من الذات الاحدية فيقع التنافي في بعض كلامه لبعض يظهر لمن تتبع كلامه والظاهر بل الصريح من عبارته ذلك وهو لا يستنكف عن ذلك اذ لو جعلها من جملة الانوار الالهية لم يقل بمنزلة الاضواء الالهية ثم ما يريد بالاضواء الالهية هل اشياء مخلوقة ام لا بل هي اظلة الذات كما يذهب اليه المشبهون ظاهر كلماته الثاني وقوله { والعبارة عن جملتها روح القدس } يريد به كما قلنا من اسم النوع وقد ذكرنا ان هذا الاسم يستعمل في اثنين وفي جبرئل (ع)
وقوله { وهي ليست من العالم ولا داخلة تحت قول كن } يريد به انها ليست من العالم الذي هو ما سوى الله تعالى وهو كما ترى ولو اريد به انها اي عالم الامر على ارادته ان روح القدس هي عالم الامر الذي يعبر عنه بكن ليست من العالم الذي هو المكونات لم يكن في نفيه بأس واما انها ( من خل ) عالم الامر وانها لا تدخل تحت كن فغلط فاحش فان عالم الامر غير الارواح القادسة لان هذه مخلوقة بكن داخلة تحتها والا كانت قديمة واما انها هي عالم كن فغير مسلم ولو سلم فالذي دل الدليل العقلي القاطع والنقلي الصريح الساطع انها خلقت بنفسها ومثاله ما قاله الفقهاء ان الباعث على الصلوة هي النية والباعث على النية نفسها لا يختلفون في ذلك قالوا والا لزم الدور او التسلسل
وقوله { لانها نفس الامر والقول } يعني كن وقع من غير علم بالامر وبكن ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون
وقوله { وبعدها مرتبة النفوس على درجاتها ثم الطبائع والصور على مراتبها ثم بسائط الاجسام واحدا بعد واحد } يدل على ان ما ذكر كلها متناسقة من الارواح القادسة الى بسائط الاجسام ولا يكون التناسق بين اشياء الا اذا كانت في صقع واحد كما هو مقرر في الحكمة ويلزم من التناسق ان الارواح القادسة داخلة تحت كن كالتي بعدها او ما بعدها مما ذكر غير داخل تحت كن
وقوله { الى المادة الاخيرة } يعني به المادة العنصرية التي شأنها القبول المادي والاستعداد النباتي الذي هو منشأ النمو والزيادة والذبول والنقصان وهي النهاية في الخسة والبعد عن النور وفي نهاية الظلمة الحسية وهذا ظاهر
قال : { ثم يترقى الوجود منها بالتلطيف والتكميل راجعا الى ما نزل منه عائدا الى ما بدئ منه بتهييج المواد وتحريك الاجساد واحداث الحرارة المهيجة السماوية في الاسطقصات من تداوير النيرات الموجبة لنشو النبات بعد الجماد وسياقة المركبات الى درجة قبول الحيوة وتشويق النفوس الى ان تبلغ درجة العقل المستفاد الراجعة الى الله الجواد }
اقول : اشار بقوله { ثم يترقى } الى عود الاشياء في القوس الصعودي { منها } اي من المادة الاخيرة العنصرية التي هي النهاية في الخسة والظلمة { بالتلطيف } كما اشرنا سابقا من انحلال جزئين من الماء في جزء من التراب لما بينهما من المشاكلة بواسطة اشعة الكواكب فجرى في النبات والاشجار غذاء حتى صار ثمرة ثم اغتذى به حتى صار كيلوسا ثم كيموسا ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسي لحما ثم انشي خلقا اخر واثبت فيه الجوارح وهو قوله { والتكميل راجعا الى ما نزل منه } هذا الكلام من المصنف اما انه على جهة المجاز واما انه غلط لانه لا يرجع الى ما نزل منه والا لرجع الى كونه عظاما ثم مضغة ثم علقة ثم نطفة ثم كيموسا ثم كيلوسا ثم طعاما ثم مادة ثم عناصر فيفنى لرجوعه الى ما نزل منه وهو الامكان اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا اي شيئا مكونا وان كان شيئا ممكنا بل المراد من رجوعه الى ما بدئ منه كما قال امير المؤمنين عليه السلم للاعرابي في الخبر المذكور سابقا فاذا فارقت اي النفس الناطقة القدسية عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة ه ولهذا قلنا رجعت اليه في القوس الصعودي وانما يعبر عن ذلك العود بالرجوع الى ما نزل منه لكون كل مقام صعد اليه مقابلا لما هو بمعناه
قوله { بتهييج المواد } بالقوى النباتية المعبر عنها بالنفوس النباتية فانها تهيج المادة بالنمو والزيادة { وتحريك الاجساد } اي تحركها النفوس النباتية حركة جوهرية { واحداث الحرارة المهيجة السماوية } اي النفوس الحيوانية الحسية الفلكية التي اصلها الافلاك كما تقدم فانها حرارة غريزية سماوية مهيجة للنفوس النباتية على الحركة الجوهرية المقتضية عن اسبابها للصعود القوسي { في الاستقصات } جمع استقص وهو الاصل باعتبار الرجوع اليه كما انه باعتبار النزول منه يسمى هيولي وفيه ما قلنا من المجاز او الغلط فان الاستقص هو الاصل المرجوع اليه رجوع ممازجة لا مجاورة وقد منعناه الا ان يحمل على خصوص المواد العنصرية والنفوس النباتية بل والحيوانية الحسية او المجاز او الغلط { من تداوير النيرات } اي الكواكب يعني ان الحرارة المهيجة للنفوس النباتية بالحركة الجوهرية من تداوير النيرات يعني من دورانها من المشرق الى المغرب ومن المغرب الى المشرق فان الحرارة المهيجة من قبسات اشعة النيرات وليس المراد بالتداوير جمع تدوير وهو الفلك الجزئي للكوكب بالمعنى الاصطلاحي الا ان يقال انه علة من علل ذلك الدوران { الموجبة } اي تلك الحرارة والتسخين الحادث من قبسات تلك الاشعة فانها مع الرطوبة يحصل بهما التعفين والانحلال انحلال اليبوسة الترابية المشاكلة في الرطوبة المائية المشاكلة كما اشرنا اليه في الفوائد وفي شرحنا على الفوائد ويحصل بهما { نشو النبات بعد الجماد } بعد كونه جمادا لا حركة فيه ولا له { وسياقة المركبات } بتعديل طبايـٔعها في النفوس النباتية ونضج الابخرة المتخلصة من صفوها باختلاف اشعة الكواكب نضجا معتدلا حتى وصلت بذلك الى تلطف مساو للطف اجرام الافلاك وهو المعنى بقوله { الى درجة قبول الحيوة } لان الحيوة التي في الحيوان من نفوس الافلاك فما ساوى اجرامها تعلقت به الحيوة من تلك النفوس الفلكية فاذا قبلت الحيوة حصل لها الاحساس والشعور فتشعر بكمال ما فوقها وحسنه وبحاجتها اليه اعني الارواح القادسة والعقول النورانية { فتشتاق } الى الاتصال بها والاستمداد منها { الى ان تبلغ } باستعدادها بالاعمال الصالحة والاداب الشرعية الى ان تصل { درجة العقل المستفاد } كما ذكرنا الاشارة الى معناه من انه الدرجة الثالثة من مراتب العقل العلمي والرابعة العقل بالفعل وقيل الثالثة العقل بالفعل والرابعة العقل المستفاد ولعل هذا هو المراد من كلام المصنف { الراجعة الى الله الجواد } يعني تلك الدرجة او اهلها من العقول المستفادة راجعة الى الله الجواد دائم العطاء والامداد لاهل الاستمداد والمراد بالرجوع عندنا هو الرجوع الى رضوانه الذي هو اكبر في درجة الامكان ودار كرامته وجنانه وعند المصنف الرجوع هو الخروج عن درجة الامكان الى درجة الوجوب كما اشار اليه فيما سبق من كلامه في قوله في العقول انها باقية ببقائه فضلا عن ابقائه
قال : { فانظر الى حكمة المبدع البديع كيف ابدع الاشياء وانشأ الاكوان من الاشرف فالاشرف فابدع اولا انوارا قدسية وعقولا فعالة تجلى لها والقي فيها مثاله فاظهر عنها افعاله واخترع بتوسطها اجساما كريمة صافية نيرة ذوات نفوس حيوانية دائمة الحركات تقربا الى الله وعبودية له وحملها في سفينة ذات الواح ودسر جارية في بحر القضاء والقدر بسم الله مجريها ومرسيها والى ربك منتهيها }
اقول : ان الله سبحانه خلق الخلق وكل شيء خلقه واوقفه على باب القضاء ولا يمضيه الا مبين العلل مشروح الاسباب ليستدل به على علم صانعه وقدرته فيعرفه العباد بما عرفهم فعلل فقال تعالى في تقدير القمر لتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا وقال عز وجل يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم
فقوله { فانظر الى حكمة المبدع } لانه تعالى جعل كل شيء دليلا ومدلولا عليه ومعنى ابدع الاشياء اي خلقها لا لشيء يكون عائدا اليه وانما خلقها لينقل حوايـٔجهم اليهم من بعض الى بعض او خلقها لا من شيء بل اخترع موادها وصورها لا على مثال سبق ولا من شيء تقدم وانشأ اكوانها اي وجوداتها يعني موادها وابتدأها على النظم الطبيعي الذاتي الاشرف اولا لمناسبته لاقوي الفيض فالاشرف اي فاشرف ما بعده اي ما بعد الاشرف الاول
وقوله { فابدع } تفصيل لما اجمله بقوله { الاشرف فالاشرف } { اولا عقولا قدسية } اي منزهة عن رذائل الطبايـٔع والمواد الجسمانية وقد تقدم في كلامه ما يدل على خروجها من العالم الذي هو ما سوى الله حتى انه قال في اول كتابه هذا فالعقل وما فوقه كل الاشياء يعني انه بسيط الحقيقة وهنا حكم بانها مبدعات وقد اتفق الحكماء على ان كل ممكن زوج تركيبي اي من مادة وهي ما من الله تعالى اي من فعله ومن صورة وهي ما منه وهي قابليته وكل زوج تركيبي داخل تحت كن
وقوله { فعالة } اي كثيرة الصنع يشير به الى انها من عالم الامر اي الذي هو فعل الله تعالى وليس كما يقول لان هذا شيء لا يوجد الا عند اهله عليهم السلم وهو استغني بالعيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض لان فعل الله هو مشيته وارادته كما قال الصادق عليه السلم واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يفكر ولا يهم ه الا ان الله عز وجل يفعل بفعله ويفعل بمفعوله ففعله بفعله لا تدخل فيه العقول وفعله بمفعوله تدخل فيه العقول والنفوس والطبائع والمواد والصور والاجسام وكل شيء يلقي مثاله في هويته على حسب قابليته وامكانه ويفعل به ما يترتب عليه وهو الفاعل عز وجل في كل شيء على كل حال افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون ومارميت اذ رميت ولكن الله رمى فالحديدة المحمية اذا حرقت فانما حرقت النار بما القت في الحديدة من مثالها وهو فعلها وتأثيرها ففعل العقل معناه ان الله فعل به ما شاء بمعنى ان فعله تعالى اشرق عليه ففعل بذلك الاشراق كما انار الجدار باشراق نور الشمس عليه فافهم فقوله { تجلى لها والقي فيها مثاله } يشير الى كونها فاعلة بالله تعالى اخذه من قول امير المؤمنين عليه السلم في شأن النفوس المقدسة كالملائكة قال (ع) فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله اي بواسطة تحمل افعاله لانها محال مشيته
قوله { واخترع بتوسطها اجساما كريمة صافية نيرة } يريد به انه خلق بتوسطها والا فان اخترع يستعمل في اول ابداع لا من شيء وابتدع لا لشيء وانما قدم الابداع لانه ورد انه بمعنى الاختراع وجرى على لسانه اولا ولا عيب فيه وذكر بعده الاختراع تغييرا للتعبير لا ترتيبا والمراد بالاجسام الكريمة النيرة اجرام الكواكب وافلاكها { ذات نفوس حيوانية } وهي التي تستمد منها اهل الارض الحيوة { دائمة الحركات } اذ من شأن النفوس الحيوانية التحرك والتحريك { تقربا الى الله تعالى وعبودية له } لانها تخدمه فيما امرها به من التقدير والتسخير اللذين هما آلة التدبير وتتقرب اليه بامتثال اوامره فتعبده بالتحرك والتحريك وباشراق اشعتها وبقبضها فاضل رطوبات البحار والعيون والانهار وببسطها ارخاء عزالي الامطار وتبريدها وتسخينها بالليل والنهار { وحملها } اي تلك النفوس وتلك الاجرام النيرة وتلك الحركات { في سفينة } محدد الجهات وفلك البروج والسموات { ذات الواح } من البروج الاثني عشر والمنازل الثمانية والعشرين والسيارة { ودسر } من اقطابها { جارية } بحكم التسخير والتقدير { في بحر القضاء } من المحتوم { والقدر } من المرسوم يرجع عودها على بدئها وغروبها على طلوعها مستمرة على مقتضى التعديل في التغيير والتبديل تنعطف الاعجاز على الصدور وتدبير الامر بينها يدور في الروحانيات والجسمانيات مدى الازمنة والدهور الى انتهاء الامور فنهار يكر على ليل وليل يكر على نهار افلاك تدور وخلق يدور والفاظ تدور وحروف تدور واسماء تدور ودهور تدور وازمنة تدور واعوام تدور وفصول تدور واشهر تدور وايام تدور واعداد تدور وحركات تدور يدبر بينها مقتضيات الامور كما بدأكم تعودون ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون قال في هذا المعنى بعضهم :
انظر الى العرش على مائه سفينة تجري باسمائه
واعجب له من مركب دائر قد اودع الخلق باحشائه
يسبح في لج بلا ساحل في جندل الغيب وظلمائه
وموجه احوال عشاقه وريحه انفاس ابنائه
فلو تراه بالورى سائرا من الف الخط الى يائه
ويرجع العود على بدئه ولا نهايات لابدائه
يكور الصبح على ليله وصبحه يفنى بامسائه
لا يدري احد من اين الى اين الا مدبرها ومحصيها بعلمه وقدرته فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون
وقوله { بسم الله مجريها ومرسيها } يعني به ان سفينة التكوين تجري بالاكوان والمكونات بسم الله اعني نور الانوار والحقيقة المحمدية وهو الاسم الاكبر الاعز الاجل الاعظم الاكرم الذي يحبه الله ويهويه ويرضى به عمن دعاه وهو امر الله المفعولي وهو صفة الله الفعلية اعني الالوهية ويحتمل ان يكون المراد به الالف القائم الذي يلفظ باسمه في لفظ الجلالة بعد اللام الثانية وهو الاسم الذي اشرقت به السموات والارضون ويحتمل ان يراد به الالف المبسوط الواقع اسمه بعد ميم الرحمن وهو الاسم الذي يصلح به الاولون والاخرون والمناسب لحكم النزول في سفينة نوح عليه السلم الموافق لباطن التأويل هو الالف المبسوط الذي اسمه بعد ميم الرحمن ويؤيد هذا ما رواه ابن ابي جمهور عن النبي صلى الله عليه واله انه قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم والباء هي الالف المبسوط فمجريها بدؤها ومرسيها عودها الى ما منه بدئت اي الى مقابله كما ذكرنا قبل هذا { والى ربك منتهاها } اي تنتهي امور جميع الخلائق من الجواهر والاعراض في الغيب والشهادة الى حكم قدره وقضائه فيهم كما كان بدؤهم وما بينهما كذلك وهذا ظاهر
قال : { وجعلها مختلفة في الحركات ونشـٔات اضواء النيرات المعدة لنشو الكائنات ثم خلق هيولي العناصر من التي هي اخس الممكنات وهي نهاية تدبير الامر فانه يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه بتكوين الجماد من تعديل العناصر والاركان ثم النبات من صفوها ثم الانسان واذا استكمل بالعلم والكمال بلغ الى درجة العقل الفعال فبه وقف ترتيب الخير والجود واتصل باوله اخر دائرة الوجود }
اقول : انتهى كلام المصنف في هذا الكتاب الى هنا قوله { وجعلها مختلفة في الحركات } يعني به انه تعالى جعل الكائنات في رجوعها اليه مختلفة في الحركات الجوهرية في الشدة والضعف والنورية والظلمة وفي الصعود اليه والقرب منه وفي النزول عن جواره والبعد منه وذلك بمقتضي قوابلهم لفيضه المتألفة من الكم والكيف والجهة والرتبة والوقت والمكان وما يتممها ويكملها من احكام الوضع والاذن والاجل والكتاب والمراد من { اضواء النيرات } اشعتها على حسب مقاديرها والنيرات هي الكواكب { المعدة لنشو الكائنات } كما اشرنا اليه سابقا من ان اركان المواد من العناصر اذا تعدلت في طبايعها كانت مطارح لقبسات الاشعة فتقوي ضعيفها وتزيل الاعراض المنافية عنها وتلطفها وتعفنها وتهضمها وتحلها غذاء معتدلا موافقا بنحو ما ذكرنا سابقا حتى تنشؤ عنها النفوس النباتية في ثلاثة ادوار في الاول ادار طبايعها بعضها على بعض فتناكحت فتولدت عناصرها ثم ادار العناصر بعضها على بعض فتناكحت فتولدت معادنها ثم ادار العناصر والمعادن بعضها على بعض فتناكحت فتولدت النفوس النباتية ذوات الحركات الجوهرية ثم ادار العناصر والمعادن والنباتات بعضها على بعض فتناكحت فتولدت الحيوانات فسارت العناصر والمعادن الى الله سبحانه في السلسلة العرضية وسارت الحيوانات الى الله سبحانه في السلسلة الطولية والنباتات برزخ بينهما فلها سير عرضي بسكون الراء اضافي وطولي اضافي وهو قوله { ثم خلق هيولي العناصر } الهيولي هي اصل اشياء ( الاشياء خل ) من حيث قبولها لاشكال غير متناهية وذلك انه تعالى خلق طبيعة الحرارة من الحركة التكوينية التي هي علة العلل في الاشياء المتحركة ثم خلق الله سبحانه طبيعة البرودة واصلها من السكون الكوني الذي هو علة العلل في الاشياء الساكنة فهذان اول زوجين خلقهما الله سبحانه وذلك قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ثم تحرك الحار على البارد بسر ما اودع الله فيه من الحركة المذكورة فامتزجا يعني تناكحا فتولد من الحرارة اليبوسة وتولد من البرودة الرطوبة فكانت اربع طبايع مفردات في جسم واحد جوهري روحاني وهو اول مزاج بسيط اي معتدل متماثل الاجزاء ثم صعدت الحرارة بالرطوبة فخلق الله تعالى منهما طبيعة الحيوة واجرامها الافلاك العلويات وهبطت البرودة مع اليبوسة الى اسفل فخلق الله منهما طبيعة الموت واجرامها الافلاك السفليات ثم افتقرت الاجسام الموات الى ارواحها التي صعدت عنها فسألت ذا الجود والكرم رد ارواحها اليها فادار الله سبحانه وتعالى الفلك الاعلى على الفلك الاسفل دورة فامتزجت الحرارة بالبرودة والرطوبة باليبوسة فخلق تعالى من الحرارة واليبوسة عنصر النار ومن مزاج الحرارة مع الرطوبة عنصر الهواء ومن مزاج البرودة مع الرطوبة عنصر الماء ومن مزاج البرودة مع اليبوسة عنصر الارض ثم ادار الفلك الاعلى على الاسفل دورة ثانية فخلق منها المعادن ثم ادار الفلك الاعلى على الاسفل دورة ثالثة فخلق منها النباتات ثم ادار الاعلى على الاسفل دورة رابعة فخلق منها الحيوانات وقيل في الادارة الاولى كانت الطبايع وفي الثانية كانت العناصر والمعادن وفي الثالثة كانت النباتات والحيوانات البهيمة وفي الرابعة كان الانسان فقوله { ثم خلق هيولي العناصر من التي هي اخس الممكنات } يعني الاجسام فانها بالنسبة الى الذوات النورية كالعقول والارواح والقدسية ( الارواح القدسية خد ) خسيسة
وقوله { وهي نهاية تدبير الامر } يعني في جهة ادبر فادبر فانها اسفل الاكوان وهو على حسب الظاهر والا ففي الحقيقة النفوس السفلية والارضون المعنوية اخس من هيولي العناصر وانزل كما قال تعالى ثم رددناه اسفل سافلين واذا اعتبرت دائرة العقل ودائرة الجهل رأيت هيولي العناصر اسفل دائرة العقل وفوق دائرة الجهل لان الله سبحانه خلق الانسان وهو اشرف ما خلق وجعله بين الدائرتين والواقف بين الططنجين ( الطتنجين خل ) فهو في الهواء وفوقه تسعة عشر بعدد حروف البسملة وتحته تسعة عشر بعدد الزبانية كل واحد من الذي هو فوقه مقابل لضده مما تحته فوقه النار وتحته الماء وفوقه السموات السبع وتحته الارضون السبع وفوقه فلك المنازل وتحته الملك الحامل للارض وفوقه فلك البروج كتاب الابرار في عليين وتحته كتاب الفجار في سجين وهو الصخرة وفوقه الكرسي وتحته الثور وفوقه محدد الجهات وتحته الحوت وفوقه جسم الكل وتحته البحر وفوقه عالم المثال وتحته الريح العقيم وفوقه جوهر الهباء وتحته جهنم وفوقه الطبيعة وتحته الطمطام المسمى بالظلمة وفوقه النفس الكلية وتحته الثرى وفوقه الروح الكلية وتحته ما تحت الثرى وفوقه العقل الكلي وتحته الجهل الكلي ففوقه تسعة عشر وتحته تسعة عشر وهو القائم بينهما فالاجسام اخس الممكنات العلوية النورانية واشرف من السفلية الظلمانية وقوله { وهي نهاية تدبير الامر } يعني في قوس النزول من دائرة العقل حين قال تعالى ادبر فادبر الى هنا انتهى ثم قال له اقبل فاقبل مبتدئا باقباله من المعدن صاعدا الى النبات الى الحيوانات على تفصيل يطول ذكره
وقوله { فانه تعالى يدبر الامر من السماء } الظاهرة والباطنة { الى الارض } الظاهرة والباطنة { ثم يعرج اليه } يبتدئ في عروجه من المعادن { بتكوين الجماد } على نحو ما ذكرنا معدنا { من تعديل العناصر والاركان } كما ذكرنا سابقا من ان تعديل الماء الاول الصاعد من رطوبات البحار والعيون والانهار باشعة الكواكب وحرارتها اربعة اجزاء من الرطوبة مع جزء من اليبوسة فاذا انحلت اليبوسة لقلتها في الرطوبة كان الماء النازل من هذه الاجزاء المائية التي انحل فيها جزء اليبوسة اذا وقع على الارض كان مشاكلا لها لما فيه من جزء اليبوسة فلا تنفر منه فينحل منه جزءان بجزء من تراب الارض لما بينهما من المشاكلة والمعادلة فتنحل اليبوسة في الرطوبة وتنعقد الرطوبة في اليبوسة فيكون منه صفو غذاء هو مادة للنفس النامية النباتية لاعتدال الطبايع الاربع فيه بنسبة رتبة النبات وهو قوله { ثم النبات من صفوها } اي العناصر { ثم الانسان } كما اشرنا اليه في ذكر النامية النباتية والنفس الحيوانية الحسية والنفس الناطقة القدسية على ما ذكره عليه السلام في حديث الاعرابي { واذا استعمل ( استكمل ظ ) الانسان بالعلم والكمال } كما قال امير المؤمنين عليه السلام وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه يعني اذا زكيها بالعلم والعمل ( فقد خل ) شابهت العقل الفعال لانه هو اول عللها فتشابه جوهره في ملازمة طاعة الله والتقوى وعدم الغفلة عن ذكره وربما شابهته في انفعال كثير من الاشياء لها بنسبة رتبتها كما جرى لنفوس الانبياء عليهم السلام فاذا اعتدل مزاجها ظاهرا وباطنا وفارقت الاضداد بحيث ما ترى الا الله ولم تخف الا الله ولم ترج الا الله وهكذا يعني لم يجد سواه تعالى في كل حال فقد كانت علة وجود جميع الاشياء وصح هذا في محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه واله خاصة
وقوله { فقد بلغ الى درجة العقل الفعال } وهو مقام قاب قوسين لانه نزل من العقل واجتمع معه في عروجه بالاسم البديع الذي هو مربي العقل الفعال واما من اعتدل مزاجه على الحقيقة وفارق الاضداد على الحقيقة فقد وصل الى مقام او ادنى يعني كان محلا لمشية الله ولسانا لارادته ومترجما عنه تعالى
وقوله { فبه وقف ترتيب الخير والجود } اي بالعقل الفعال انتهى ترتيب السير الى حضرة ذي الجلال وليس الامر كما قال فان العقل الفعال سيره الى ذي الجلال تعالى سير حثيث وينتهي سيره الى نور الانوار ونور الانوار يسير الى الله تعالى في حجاب الرضوان من عالم الرجحان من الامكان بلا نهاية ولا غاية فهو ابدا يسير سيرا حثيثا لا ينقطع السير ولا تقصر المسافة مع كثرة ما يترقى في درجات القرب كما قال تعالى رفيع الدرجات وقال تعالى في حديث الاسرار كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما وليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه وقال صلى الله عليه واله اللهم زدني فيك تحيرا فقال تعالى له صلى الله عليه واله وقل رب زدني علما وهذا طلب لا ينقطع ابدا
وقوله {و اتصل باوله اخر دائرة الوجود } يريد انه اتصل باول العقل الفعال اخر دائرة الوجود يعني اوله ادبر فادبر واخره اقبل فاقبل فحصل من ادباره للايجاد واقباله بالموجودات دائرة هي قاب قوسين وهي مجموع ما في الامكان اذ ليس قبله عند المصنف امكان كما مرت الاشارة ولكن الامر على خلاف ما قال
الى هنا انتهى الكلام منا ومنه واعلم انه ليس بيني وبينه نبوة حتى اني اتتبع كلماته بالرد لها ولكن هو يتكلم على مذاق اهل التصوف والحكماء وانا اتكلم على مذاق ساداتي ائمة الهدى عليهم صلوات رب الارض والسماء وقد قال امير المؤمنين عليه السلم ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه واقول ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد واله الطاهرين
وقع الفراغ من تسويد هذه الكلمات لاربع ساعات وثلثي ساعة من الليلة السابعة والعشرين من صفر سنة اربع وثلاثين بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها واله افضل الصلوة وازكى السلام بقلم منشئها العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر الاحسائي بن رمضان بن راشد بن دهيم بن شمروخ ( آل صقر الهجري الاحسائي المطيرفي خل ) عفى الله عنا وعن والدينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات انه غفور رحيم حامدا مصليا مستغفرا
بسم الله الرحمن الرحيم - وقع الفراغ من تصحيحه لساعتين ونصف من ليلة الثلاثا السادسة والعشرين من جمدي ( جمادي خل ) الاولى سنة ١٢٣٤ اربع وثلاثين بعد المائتين والالف على يد منشيه العبد المسكين احمد بن زين الدين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين