الفوائد في الحكمة (١٢ فائدة)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - الفوائد في الحكمة (١٢ فائدة)

الفوائد

وهي تشتمل على اثنتي ‌عشرة فائدة في الحكمة

من مصنفات
الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين اني لما رايت كثيرا من الطلبة يتعمقون في المعارف الالهية ويتوهمون انهم تعمقوا في المعنى المقصود وهو تعمق في الالفاظ لا غير رايت انه يجب علي ان اروعهم بعجائب من المطالب لم ‌يذكر اكثرها في كتاب ولم‌ يجر ذكرها في خطاب ويكون ذلك بدليل الحكمة لان الذي كانوا طلبوا به الغاية دليل المجادلة بالتي هي احسن وذلك لا يوصل الا الى عالم الصور او المعاني ولا يوصل الى معرفة الاشياء كما هي كما قال (ص) اللهم ارني الاشياء كما هي ولا يوصل الى ذلك الا دليل الحكمة وارجو الله في ذلك ان يهدي به من التمس الهدى بهذا الدليل سواء السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل

الفائدة الاولى: في ذكر تفصيل الادلة الثلاثة وذكر مستندها وشرطها

اعلم هداك الله ان الادلة ثلاثة كما قال سبحانه لنبيه (ص) ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فالاول دليل الحكمة وهو آلة للمعارف الحقية وبه يعرف الله سبحانه ويعرف ما سواه ومستنده الفؤاد والنقل اما النقل فهو الكتاب والسنة واما الفؤاد فهو اعلى مشاعر الانسان وهو نور الله الذي ذكره (ع) في قوله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهو الوجود لان الوجود هو الجهة العليا من الانسان يعني وجهه من جهة ربه لان الوجود لا ينظر الى نفسه ابدا بل الى ربه كما ان الماهية لا تنظر الى ربها ابدا بل الى نفسها واما شرطه فان تنصف ربك لانك حين تنظر بدليل الحكمة انت تحاكم ربك وهو يحاكمك الى فؤادك كما قال سيد الوصيين (ع) لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها فربك يخاصمك عندك فزن بالقسطاس المستقيم ذلك خير واحسن تاويلا وتقف عند بيانك وتبينك وتبيينك على قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا وتنظر في تلك الاحوال كلها بعينه تعالى لا بعينك لقوله تعالى ولا تمش في الارض مرحا انك لن ‌تخرق الارض ولن ‌تبلغ الجبال طولا فهذا نمط دليل الحكمة واما دليل الموعظة الحسنة فهو آلةٌ لعلم الطريقة وتهذيب الاخلاق وعلم اليقين والتقوى وان كانت تلك العلوم تستفاد من غيره ولكن بدون ملاحظة هذا الدليل لا تقف على اليقين لانه اقل ما قسم الله بين العباد ومستنده القلب والنقل وشرطه انصاف عقلك بمعنى الا تظلمه ما يستحقه وما يريد منك من الحق ومثاله قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد وقوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني ‌اسرائيل على مثله فامن واستكبرتم ان الله لا يهدي القوم الظالمين وكقول الصادق (ع) لعبد الكريم بن ابي ‌العوجاء حين انكر على الطائفين بالبيت الحرام قال (ع) ما معناه ان كان الامر كما تقولون وليس كما تقولون فانتم وهم سواء وان كان الامر كما يقولون وهو كما يقولون فقد نجوا وهلكتم فهذا نمط دليل الموعظة الحسنة واما دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو آلةٌ لعلم الشريعة ومستنده العلم والنقل وشرطه انصاف الخصم والا لم‌ تكن المجادلة بالتي هي احسن وهو مثل ما قرره اهل المنطق من المقدمات وكيفية الدليل وما ذكره اهل الاصول وغيرهم من الادلة وكيفية الاستدلال على نحو لا يكون فيه انكار حق وان كان من خصمك المبطل في مطلبه ولا استدلالٌ بباطل على حق ولا على ابطال باطل ولا يحتاج هذا الى تمثيل لان الكتب مشحونة به بل لا تكاد تجد غيره الا نادرا وذلك لضعف المستدلين والمستدل لهم وعليهم ولكن ل اتغفل عن اخذ حظ من دليل الموعظة الحسنة فانه بشرطه طريق السلامة والراحة في الدنيا والنجاة في الآخرة وهذا اذا لم ‌تنل دليل الحكمة والا فخذه وكن من الشاكرين فليس وراء عبادان قرية والله سبحانه يحفظ لك وعليك

الفائدة الثانية: في بيان معرفة الوجود

اعلم ان الذي يعبر عنه عند طلب معرفته بالوجود ثلاثة اقسام : القسم الاول الوجود الحق وهذا الوجود لا يدرك بعموم ولا خصوص ولا اطلاق ولا تقييد ولا كل وجزء ولا كلي ولا جزئي ولا بمعنى ولا لفظ ولا كم ولا كيف ولا برتبة ولا جهة ولا وضع ولا اضافة ولا نسبة ولا ارتباط ولا في وقت ولا مكان ولا على شيء ولا في شيء ولا فيه شيء ولا من شيء ولا لشيء ولا كشيء ولا عن شيء ولا بلطف ولا بغلظ ولا باستدارة ولا امتداد ولا حركة ولا سكون ولا استضاءة ولا ظلمة ولا بانتقال ولا بمكث ولا تغير ولا زوال ولا يشبهه شيء ولا يخالفه شيء ولا يوافقه شيء ولا يعادله شيء ولا يبرز من شيء ولا يبرز منه شيء وكل صفة او جهة او صورة او مثال او غير ذلك مما يمكن فرضه او وجوده او تمييزه او ابهامه فهو غيره ولا يدرك بشيء مما ذكر او غيره ولا بضده ولا يعرف ما هو في سر ولا علانية ولا طريق الى معرفته بوجه لا بنفي ولا اثبات الا بما وصف نفسه ولا يدرك احد كنه صفته وانما يعرفه بما تعرف له به ولم ‌يتعرف لاحد بنحو ما عرفه من غيره والا لشابهه سبحانه فهو المعلوم والمجهول والموجود والمفقود فجهة معلوميته نفس مجهوليته ونفس مشهوديته عين مفقوديته فهو لا يعرف بغيره وغيره يعرف به اما انه لا يدرك بعموم ولا خصوص الخ فلانها جهات الخلق وصفاتهم وهي لا تحد الا انفسها ولا يدرك بها الا مثلها واما انه لا يدرك بضده فلان ضد الممكن ممكن اذ القديم لا ضد له والا لم ‌يكن عنه شيء ولشابهها في تضادها ولانه ان كان قديما لزم تعدد القدماء ولا يمكن فرض ذلك لان الازل هو الذات البسيط البحت ولا مدخل فيه لان الازل صمد والا فهو امكان وان كان الضد ممكنا لم ‌يصح فرض كون الممكن ضدا للواجب لحدوثه به وانما قلنا ان ضد الممكن ممكن لان القديم والممتنع لا يصلحان لمطلق الضدية والا لكانا ممكنين اما في الواجب فلان الضد جهة المقابلة وطرفها وهو ممكن واما في الممتنع فلان الضد ان لم‌ يكن شيئا لم‌ يكن ضدا وان كان شيئا كان ممكنا ولهذا لا يصلح العدم لضدية الوجود الا مجازا لان العدم الممكن وجود في الامكان لا في الاعيان والى هذا اشار الصادق (ع) لمن سأله عن اختلاف زرارة وهشام بن الحكم في النفي هل هو شيء ام لا فقال زرارة ليس بشيء وقال هشام النفي شيء فقال (ع) قل بقول هشام في هذه المسئلة واما الممتنع فليس شيء ولا عبارة له وانما استعملت العبارة لجهة امكانه مثل لا شريك له لان النفي فرع الثبوت وذلك لان الاوهام تصور شيئا وتسميه شريكا من جهة تجويزها ذلك او توهم وجوده واليه الاشارة بقوله تعالى وتخلقون افكا فاتى بهذه العبارة مكنسة لغبار الاوهام وهي عبارة حادثة واردة على حادث واما الممتنع فليس شيئا ولا عبارة عنه وتعبيري بالعبارة لهذا العنوان المتوهم وهو حادث خلقه الله بمقتضى اوهامهم من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول لانه سبحانه اعطى كل شيء خلقه وليس هذه العبارة عن هذا العنوان كالعبارة عن عنوان حكم الوجوب وان كان لا يدرك لذاته الا ان العنوان لمظاهره ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان وليس للممتنع مظاهر لان المظاهر فرع الثبوت وانما سميتم ممكنا بممتنع كما لو سميت رجلا بمعدوم وليس شيء الا الله وصفته واسماؤه واما انه لا يعرف الا بما وصف به نفسه فلان الازل ليس شيئا غيره وما سواه فهو في الامكان والازل لا يخرج منه شيء ولا يدخله شيء ولا يصل اليه شيء فيخبر عما هناك ويصف ما فيه واذا كان كذلك لا يعرفه احد الا بما وصف به نفسه وهو كما يقول لا يدركه غيره فلا يعرف كنهه الا هو لان علمه بنفسه عين نفسه فاذا وصف نفسه كان وصف الحق للحق حقا ويقع علينا وصفه خلقا ونحن ذلك الوصف الواقع علينا بنا فقد تعرف لنا بنا فكان وصفه الحق للخلق خلقا لان الخلق لا يدرك الا خلقا انما تحد الادوات انفسها وتشير الى نظائرها فلا يدرك شيء الا ما كان من جنسه ومعنى انه لا يتعرف لاحد بنحو ما عرفه من غيره انه سبحانه عرف الخلق للخلق بما هم عليه انهم خلق وهو عرف نفسه انه ليس بخلق ولا يشبه شيئا من الخلق فلا يدرك ما تعرف لهم به بشيء من بصائرهم ولا ابصارهم وانما يعرف ببصر منه قال عليه السلام اعرفوا الله بالله وقال الشاعر

اذا رام عاشقها نظرة ولم		‌يستطعها فمن لطفها  
اعارته طرفا رءاها بهف 		كان البصير بها طرفها  

ومعنى فهو المعلوم والمجهول الخ انه المعلوم بصنعه المجهول بكنهه الموجود باياته المفقود بذاته فظهر فلا شيء اظهر منه وانما ظهر كل شيء باثر ظهوره وبطن فلا شيء ابطن منه لانه لا شيء اظهر منه وانما خفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره ومعنى جهة معلوميته نفس مجهوليته ان الشيء لا يعرف ولا يعلم الا بما هو عليه فالطويل يعرف بطوله والعريض يعلم بعرضه والقصير يعرف بقصره والابيض ببياضه والاسود بسواده وذو الهيئة بهيئته وما لا مقدار له ولا لون ولا هيئة يعرف بذلك فالواجب سبحانه يعرف بانه لا كيف له ولا شبه له ولا مثل له وانه لا يدرك كنهه ولا تعلم صفته ولا يحاط به علما وان كل مدرك فهو غيره فيعرف بانه لا سبيل الى اكتناهه ولا ادراك صفته فهو يعرف بالجهل به وذلك ما تعرف لنا به فانا لانعرف الا مثلنا فهو الواجب الحق والمجهول المطلق وهذا القسم يعبر عنه بالذات البحت ومجهول النعت وعين الكافور وشمس الازل ومنقطع الاشارات والمجهول المطلق والواجب الحق واللاتعين والكنز المخفي والمنقطع الوجداني وذات ساذج وذات بلا اعتبار وما اشبه ذلك وكلها عبارات مخلوقة تقع على مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي موضوع علم البيان والذي يبحث فيه عنه هو المعاني وهي اركان التوحيد

الفائدة الثالثة

في الاشارة الى القسم الثاني وهو الوجود المطلق والتعين الاول والرحمة الكلية والشجرة الكلية والنفس الرحماني الاولى والمشية والكاف المستديرة على نفسها والارادة والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والابداع والحقيقة المحمدية والولاية المطلقة والازلية الثانية وعالم فاحببت ان اعرف والمحبة الحقيقية وحركةٌ بنفسها والاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهو المكنون المخزون عنده وصبح الازل وفعل بنفسه وعالم الامر وما اشبه ذلك وصفة بدئه بنفسه ان الله سبحانه قبض من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة نفسها بها اربعة اجزاء بها ومن هبائها به جزءا به فقدرهما بهما في تعفين هاضمتها فانحلا بهما وانعقدا بهما وتراكما بهما وهذا هو المشية وهو المسمى بتلك الاسماء المتقدمة ولهذا المقام في تزييل الفؤاد اربع مراتب فالاولى الرحمة والنقطة والسر المستسر والسر المجلل بالسر والثانية الرياح والنفس الرحماني الاولي بفتح الفاء المشار اليه بالانحلال والثالثة الحروف المشار اليها بالانعقاد الاول وهو السحاب المزجي المثار من شجر البحر والرابعة السحاب المتراكم والكلمة التامة والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والكاف المستديرة على نفسها وهذه المراتب انما تعددت باعتبار التفصيل الفؤادي في كشفه والا فهي شيء واحد بسيط ليس في الامكان ابسط منه خلقه الله بنفسه فاقامه بنفسه وامسكه بظله وذلك في العمق الاكبر على حده الاعلى فهو المحدد للعمق الاكبر والعمق الاكبر محددٌ له لا يفضل احدهما عن الآخر وهذا هو فعل الله وحيث علم بالضرورة ان هيئة المفعول من حيث هو مفعول هيئة الفعل كالكتابة فان هيئتها هيئة حركة اليد فعلى حسب هيئة حركة يد الكاتب تكون كتابته وجب ان تكون تلك الجهات المعتبرة في الفعل على جهة البساطة والاتحاد تكون بنحوها في المفعول على جهة التركيب والتعدد وان اختلفت المفعولات بحسب مراتبها في قوة التركيب وضعفه وظهوره وخفائه وكثرته وقلته وفي كثرة التعدد وقلتها وظهوره وخفائه لانها في الفعل على نحو اشرف ليس في الامكان نحوٌ اشرف منه ولهذا كان في اكمل مراتب البساطة الامكانية بحيث لا يكاد تعتبر فيه جهة تعدد الا من جهة التعلق وهذا هو الجواز الراجح الوجود وهو الوجود المطلق اي الوجود لا بشرط وهو المشية والعزم على ذلك هو الارادة ومعنى انها خلقت بنفسها انها خلقت لا بمشية غيرها ونظيرها ابونا آدم عليه السلام فانه لم يكن من اب وام غيره وانما كان بنفسه وكان البشر منه بالتناكح والتناسل فكذلك المشية كانت بنفسها من غير اب وام غيرها وكانت الاشياء منها بالتناكح والتناسل ومعنى قولنا من غير اب وام غيره في آدم (ع) انه كان من مادته وهو الاب ومن صورته وهي الام وكذا في المشية الا انهما في المشية وجدا بانفسهما اي وجد كل واحد بنفسه وبالآخر ومعنى ذلك انه وجد مقبوله بنفسه وقابله بالآخر ولا ايجاد لهما الا بانفسهما وما سواها اوجد مقبوله بالفعل وقابله بالتبعية على ما نبينه ومعنى ان الاشياء كانت منها بالتناكح والتناسل ان المادة هي الاب والصورة هي الام على ما نبين لك فنكحت المادة الصورة على كتاب الله وسنة نبيه (ص) فولدت الصورة الشيء والمشية هي آدم الاول (ع) وحواؤه هي الجواز وهي كفؤه لا تزيد عليه ولا تنقص عنه كما اشرنا اليه سابقا فافهم وهذا هو النار المشار اليها في قوله تعالى ولو لم‌ تمسسه نار فمكانه الامكان ووقته السرمد فهو للسرمد كالاطلس للزمان فكما انه ليس محدبه في مكان ولا زمان وانما المكان والزمان انتهيا به لم يتخلف احدٌ من هذه الثلاثة عن الآخر وكلما قرب من محدبه من الجسم والزمان والمكان لطف ورق وكلما بعد منه كثف وغلظ كذلك هذا الوجود اي الجواز الراجح كلما قرب من نفسه من الفعل والامكان والسرمد لطف ورق حتى يكاد يخفي عن نفسه وحتى يكاد يظهر في كل شيء وكلما بعد عن نفسه منها غلظ اي ظهر حتى يكاد يظهر في المفعولات وحتى يكاد يفقد منها فالامكان والسرمد انتهيا به وكما ان المحدد والمكان في الزمان وهو والمحدد في المكان والزمان والمكان في المحدد اي كل واحد من الثلاثة حاو للاثنين كذلك الفعل والامكان والسرمد كل واحد منها حاو للاثنين الآخرين وكل واحد منته بالآخر من الثلاثة الا ان الوجودات الثلاثة على اوضاع ثلاثة فالواجب ازله ذاته ومكانه ذاته والممكن الذي هو الوجود المقيد وهو جميع المفعولات مكانه غير زمانه وهما غير ذاته واما الجواز الراجح فمكانه وزمانه بالنسبة اليه باعتبار الاتحاد والمغايرة بين بين ليس على حد الوجوب في الاتحاد ولا على حد الممكن في التعدد هذا بالنسبة الى نفسه وبالنسبة الى ارتباطه بالممكن فمتغايرة مغايرة ابسط من مغايرة الممكن فافهم

الفائدة الرابعة: في الاشارة الى تقسيم الفعل في الجملة

اعلم ان الفعل باعتبار مراتبه عند تعلقه بالمفعولات ينقسم الى اقسام : فالاول مرتبة المشية وهي الذكر الاول كما قاله الرضا (ع) ليونس والمراد ان الشيء قبل المشية لم يكن له ذكر في جميع مراتب الامكان فاول ذكره معلوميته في كونه ومثاله فيما يبدو لك ان تفعله فانه لم‌ يكن شيئا قبل ان تذكره فاذا ذكرته كان ذكرك له اول مراتب وجوداته وهي كونه والثاني الارادة وهي العزيمة على ما شاء وهي ثاني ذكره ومعلوميته في عينه ولم ‌يكن له وجود قبله الا الذكر الاول الذي هو كونه وهو صدور الوجود قبل لزوم الماهية له وبها تلزمه الماهية وبالمشية كانت الارادة لترتبها عليها والثالث القدر وهو الهندسة الايجادية وفيه ايجاد الحدود من الارزاق والآجال والبقاء والفناء وضبط المقادير والهيئات الدهرية والزمانية من الوقت والمحل والكم والكيف والرتبة والجهة والوضع والكتاب والاذن والاعراض ومقادير الاشعة وجميع النهايات الى انقطاع وجوداته وفي هذا اول الخلق الثاني وبدء السعادة والشقاوة وبالارادة كان القدر لترتبه عليها وهذه الاشياء المذكورة تجري في الخلق الاول على نحو اشرف وانما ذكرت هنا لانه محل الهندسة وهناك محل بساطة والرابع القضاء وهو اتمام ما قدر وتركيبه على النظم الطبيعي فالقدر كتقدير الات السرير للطول والعرض والهيئة والقضاء تركيبها سريرا والخامس الامضاء وهو لازم للقضاء وهو اظهاره مبين العلل مشروح الاسباب لاجتماع مراتب التعريف لاثار الصفات الفعلية الالهية فيه فالاربع المراتب الاول هي الاركان للفعل والخامس بيانها وبالقدر كان القضاء وبالقضاء كان الامضاء فهذه الاربعة هي صبح الازل والنور الذي اشرق من صبح الازل اربعة انوار هي العرش الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته التي هي هذه الاربع المراتب من الفعل فالنور المشرق عن المرتبة الاولى هو ركن العرش الايمن الاعلى وهو النور الابيض والنور المشرق عن المرتبة الثانية هو ركن العرش الايمن الاسفل وهو النور الاصفر والنور المشرق عن المرتبة الثالثة هو ركن العرش الايسر الاعلى وهو النور الاخضر والنور المشرق عن المرتبة الرابعة هو ركن العرش الايسر الاسفل وهو النور الاحمر فالبياض من المشية لكمال البساطة والصفرة من الارادة لزيادة الحرارة في البياض والخضرة من القدر لاختلاط سواد الكثرة من اثر القدر بصفرة اثر الارادة والحمرة من القضاء لاجتماع بياض المشية بصفرة الارادة في حرارة حكم القضاء بالامضاء ثم اعلم انه اذا اطلق خلق قد يراد به جميع المراتب لصدقه عليها لغة واذا قيل خلق وبرأ وصور فخلق بمعنى شاء اي اوجد الكون اي الوجود وبرأ بمعنى اراد اي اوجد العين اي الماهية بالوجود وصور بمعنى قدر اي اوجد الحدود وقال الله تعالى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى اي خلق كونه اي وجوده فسوى عينه بمعنى سوى ماهيته بوجوده اي جعل فيه ما اذا سئل اجاب وانما جيئ بالفاء في عطف التسوية دون الواو لما بينهما من الملازمة كما مر ذكره وهذا في الخلق الاول والذي قدر فهدى اي وضع حدوده المتقدم ذكرها وهو الخلق الثاني فهدى اي دل على سبيل الهدى وعطف بالفاء لان القدر به السعادة والشقاوة ففيه دل على الهدى فهما متساوقان في الوجود وان كانت الهداية مغايرة ومتأخرة في الذات فعطف بالفاء ثم ان مراتب الفعل بجميعها اختراع وابتداع وقد يطلق احدهما على الآخر كالمشية والارادة وكالفقير والمسكين في باب الصدقات وكالجار والمجرور عند النحاة فان افترقا اجتمعا فاذا قيل لك اعط الفقير خمسة دنانير لم ‌تجب عليك التفرقة وكذا اعط المسكين ففي الحالين ايهما اعطيت كفاك واذا قلت زيد في الدار فان قلت زيد مبتدأ والجار خبر صح او المجرور خبر صح وتقول اخترع اي ابتدع وبالعكس وشاء اي اراد وبالعكس واذا اجتمعا افترقا تقول اخترع وابتدع اي اخترع لا من شيء وابتدع لا لشيء واخترع الكون وابتدع العين وتقول شاء الكون واراد العين فاخترع بمعنى شاء لا من شيء وابتدع بمعنى اراد لا لشيء واذا قيل اعط الفقير خمسة دنانير والمسكين اربعة دنانير وجب التفرقة وبيان ذلك في الفقه والاصح عندي ان المسكين اسوء حالا واذا قيل الجار والمجرور فرق بينهما وهو ظاهر واعلم انه قيل ان الاختراع اختراعان والابداع ابداعان فالاختراع الاول المشية وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون والاختراع الثاني الالف من الحروف والابداع الاول الاراداة وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون والابداع الثاني الباء من الحروف وذلك لان الابداع والاختراع اول ما خلق الله خلقه بنفسه ثم خلق الحروف بالابداع وجعلها فعلا منه يقول للشئ كن فيكون فيشار بالكاف الى الاختراع اي المشية وهي الكاف المستديرة على نفسها لانها منشأ الكون وبالنون الى الابداع اي الارادة لانها هي منشأ العين وبين هذين الحرفين حرف حذف للاعلان فهو ثابت باطنا وان حذف ظاهرا للاشارة الى بيان المراد منه وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي وهو الوجود وهو الدلالة من اللفظ وهو الماء من السحاب وهو الاجزاء الدخانية المستضيئة عن النار بحفظ الكثافة الدهنية المقاربة للدخانية وذلك الحرف هو الواو والاصل قبل حذف الاعلال كون وهو الستة الايام التي خلق فيها الشيء ومعنى ان الالف هي الاختراع الثاني انها نزلت بتكررها فكانت عنها الباء فالباء تاكيدها لان نزولها انبساطها هكذا وقد كانت قائمة هكذا وانعطفت على الباء ومالت فحدثت الجيم هكذا ومعنى ان الباء الابداع الثاني انها تنزلت بتكررها فكانت عنها الدال هكذا ومالت على الجيم فكانت الهاء هكذا وانما كان ميل الباء مخالفا لميل الالف لان الالف قائم وميل القائم الى الانبساط والباء مبسوط وميل المبسوط الى الركود ثم اعلم ان هذه الحروف التي هذه الحروف اللفظية مظاهرها قسمان احدهما المرتبة الثالثة من مراتب الفعل وهو السحاب المزجي والثاني افراد الفعل في فعل الشيء وذلك لان فعل الله سبحانه لجميع الاشياء فعل واحد يجمعها على كثرتها في وحدته قال تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وله باعتبار تعلقه بكل فرد من افراد الموجودات ذات او صفة راس يختص به هو مشية الله الخاصة به ( اي بالفرد ) فهذه الرؤس حروف باضافة كل رأس الى فرد من الخلق اذا نسبت الى الفعل المطلق والخلق من جهة الافراد حروف بالنسبة الى المجموع وكل فرد منها باعتبار اسبابه وشروطه ومقوماته المذكورة من الوجود والماهية والستة المذكورة والوضع والاجل والكتاب والاذن وغير ذلك ونهايات هذه الاشياء المذكورة واعراضها واشعتها الى انقطاع وجوداته كل واحد بوجه مختص به من ذلك الرأس المختص بذلك الفرد من الفعل الكلي نسبة كل وجه الى ذلك الراس كنسبة ذلك الراس الى الفعل الكلي فهذه حروف لهذه الكلمة والكلمات الجزئية حروف للكلمة الكلية فهذا الحكم جار لكل مرتبة من مراتب الفعل في كل مفعول متبوع او تابع او مساوق او مساو فالفعل بالنسبة الى من دونه ذات واحدة استفادت الذوات من ذاتها تذوتاتها والصفات من هيئاتها تذوتاتها ومن صفاتها توصيفاتها ورؤس تلك الذات الشريفة المقدسة كثيرة وكل راس فله وجوه كثيرة ثم اعلم ان الجعل قد يستعمل في المراتب الاربعة فيطلق على كل مرتبة استعمل فيها لغة ويجري حكمه في كل مرتبة بما لها وكثيرا ما يستعمل في ايجاد اللوازم لملزوماتها قال الله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور لايجاده النور من المنير والظلمة من نفس النور من حيث هو ويتميز عن تلك المراتب اذا استعمل مع احدها كما في الآية الشريفة ويستعمل للتصيير والقلب لشيء الى شيء آخر وحكمه في استعمالاته الثلاثة حكم ما تقدم من الافعال في مراتبها حرفا بحرف فقولهم الجعل البسيط والجعل المركب ليس بتام في المركب لان التركيب انما يتحقق في شيء ضم اليه مساو له او مخالف او مباين ويكون ذلك المركب شيئا واحدا اي يصدر عنه فعل واحد في موضوع واحد وليس ثم مماثل غير ذاته او صفته والشيء لا يتركب من ذاته وصفته في شيء واحد وتمثيلهم بقولهم جعلت الطين خزفا فان اريد تغيير الطين وتصيير المتغير خزفا فهو جعلان كل واحد في مادة وهما رأسان من الجعل الكلي وان اريد قلب الطين خزفا من غير اعتبار تغييره وانما هو حركة واحدة في جهة واحدة فهو جعل واحدٌ وان اريد به ما يستعمل في تكوين المتبوع وتكون التابع به كجعل الوجود وانجعال الماهية بجعل الوجود فهذا في الظاهر جعل واحد لشيئين مختلفين لكن ما انجعلت به الماهية ليس بجعل كجعل الوجود ولا مخالف له ولا معاند له وان كان في جهتين فلا يكون الجعل منهما مركبا لان ما جعلت به الماهية صفة لما جعل به الوجود واثر له ولا يكون الشيء مركبا من ذاته واثره فان ما جعل به الوجود كالشمس للنور وما جعل به الماهية كنفس النور للظل فان جعل الشمس للنور جعل وحده وجعل نفس النور من حيث نفسه للظل جعل وحده مغاير للجعل الاول وكونه مترتبا عليه ومتقوما به لا يلزم منه التركيب لان الشمس لم‌ تجعل لنفسها الظل وقوله تعالى ثم جعلنا الشمس عليه دليلا لا يدل على انها جاعلة له اذ لو جعلته بجعل النور لكان نورا اذ ليس فيها ظل وان جعلته بجعل نفس النور التي هي اصل الظل واقعا دل على انها حافظة للنور الجاعل للظل لا جاعلة فلا يحصل التركيب حقيقة والى ذلك الاشارة بقوله تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وان اريد ان الجعل الذي يحدث عنه شيئان فصاعدا فهو مركب سواء كانا في مادتين ام في حالين كجعل الطين خزفا ام في الملزوم واللازم كالوجود والماهية قلنا اذا اصطلحتم على ذلك فلا باس ولكن لا تجدون الجعل البسيط قط لان الله سبحانه لم‌ يخلق شيئا فردا قائما بذاته للدلالة عليه قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين وبالجملة لا فرق في هذه المسئلة بين الجعل وغيره من مراتب الفعل وعلى كل حال فالجعل واحد لا تعدد فيه لذاته قال الله تعالى جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيه اي في الجعل فافرده وجمع المجعولات فافهم نعم له رؤس بعدد المجعولات ولكل رأس وجوه بعدد احواله كما تقدم في الفعل فراجع

الفائدة الخامسة: في تتمة الملحقات

اعلم انه قد ورد في الاحاديث عنهم تعدد العوالم والادميين واكثر ما ذكر انها الف ‌الف عالم والف ‌الف آدم نحن في آخر العوالم وآخر الادميين ومراتب اعداد العوالم انما اختلفت في الروايات لاختلاف المقامات كعالم الغيب والشهادة او العوالم ثلاثة عالم الوجوب وهو الازلي تعالى وعالم الرجحان وهو عالم المشية والارادة والابداع وعالم الجواز وهو الوجود المقيد المعبر عنه بانه وجود بشرط لا وبشرط شيء اوله الدرة وآخره الذرة واربعة عوالم هي عالم الخلق وعالم الرزق وعالم الموت وعالم الحيوة وخمسة عوالم عالم الازل تعالى وعالم السرمد وهو عالم الرجحان وعالم الجبروت وهو عالم المعاني المجردة عن المادة والصورة والمدة وعالم الملكوت وهو عالم الصور المجردة عن المادة والمدة وعالم الملك اوله محدد الجهات وآخره الارض وستة عوالم عالم العقول وعالم النفوس وعالم الطبائع وعالم الهباء وعالم المثال وعالم الاجسام وسبعة عوالم عالم النار وعالم الهواء وعالم الماء وعالم التراب وعالم الجسم وعالم النفس وعالم الروح وهذا معنى قولهم كل شيء من الحوادث مثلث الكيان مربع الكيفية وثمانية عوالم واذا اطلقت يراد بها احد وجوه كثيرة نذكر منها واحدا على سبيل التمثيل عالم الخلق في الدنيا عالم الخلق في الآخرة عالم الرزق في الدنيا عالم الرزق في الآخرة عالم الموت في الدنيا عالم الموت في الآخرة وهو الهلاك الاكبر نعوذ بالله من سخط الله عالم الحيوة في الدنيا عالم الحيوة في الآخرة واليه الاشارة بقوله تعالى في التاويل ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وتسعة عوالم وهي عالم محدد الجهات وعالم فلك الثوابت وعوالم الافلاك السبعة وهي عالم القلوب وعالم النفوس وعالم العقول وعالم العلوم وعالم الاوهام وعالم الوجودات الثانية وعالم الخيالات وعالم الافكار وعالم الحيوة وعشرة عوالم وهي هذه التسعة وعالم الاجساد واحدعشر عالما وهي ميادين التوحيد ستة منها كثيرة الحيات والعقارب مظلمة ذات اهوال منكرة هلك فيها خلق كثير واليه الاشارة بتاويل قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون فادنى المراتب الستة واخسها الاجسام فمن الناس يعبد جسما والثاني المثال ومنهم من يعبد شبحا ومنهم من يعتقد انه مادة ومنهم من يعتقد ان معبوده طبيعةٌ ومنهم من يعتقد انه نفس وصورة مجردة وهذه الخمسة دركات الهالكين واما السادس وهو من يعتقد ان معبوده معنى كما هو معتقد كثير من اهل العقول فان عني ما يشير اليه عقله فقد ابطل لان الاشارة العقلية لا تقع الا على محصور دهري وذلك حادث وان اعتقده بدون تخصيص اشارة عقلية فذلك موحد الا ان توحيده اسفل مراتب التوحيد والخمسة الاخر فهي مراتب الفعل الاربع الاول والدواة الاولى خامسة التي هي معرفة النفس التي هي معرفة الرب فاعلاها في التوحيد ان يظهر لعبده في الرحمة ثم في الرياح ثم السحاب المزجي ثم في السحاب المتراكم ثم في المداد الاول المسمى بالدواة الاولى فالاولى معرفة الباطن بالنقطة والثانية معرفة الباطن من حيث هو باطن بالنفس الرحماني والثالثة معرفة الظاهر بالسحاب المزجي والرابعة معرفة الظاهر من حيث هو ظاهر بالسحاب المتراكم والخامسة معرفة الظهور بالماء وهي المقامات المشار اليها سابقا فهذه احدعشر عالما خمسة نور ونجاة وخمسة ظلمة وهلاك وواحد فيه ظلمات ورعد وبرق يكاد يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا يا نور النور اهدنا من عندك وافض علينا من فضلك وانشر علينا من رحمتك وانزل علينا من بركاتك واثنا عشر عالما من نار وتراب وهواء وماء في الجبروت ونار وتراب وهواء وماء في الملكوت ونار وتراب وهواء وماء في الملك وهكذا كل عبارة في الروايات وكلام العلماء من ذكر العوالم فتصرف الى اعتبار ثم اعلم ان آدم (ع) ابو العالم في كل عالم الى الف ‌الف عالم واول آدم وجد هو المشية وهو ادم الاكبر وفلك الولاية المطلقة والحقيقة المحمدية ومقام او ادنى وعالم فاحببت ان اعرف وكل آدم فهو لم ‌يخلق من اب وام الا الاب والام المعنوين اللذين ذاته تركبت منهما على نحو ما سبق وهما الوجود والماهية اي المادة والصورة فالاب هو المادة والام هي الصورة وهذا هو المستفاد من كلام اهل العصمة عليهم السلام واما ما اصطلح عليه المتقدمون والحكماء من ان الاب هو الصورة والام هي المادة وان الصورة اذا نكحت المادة تولد عنهما الشيء توهما منهم ان النشو والتخلق في بطن المادة فهي الام فبعيد من جهة المناسبة واما من جهة مجرد الاصطلاح والتسمية مع قطع النظر عن المناسبة فلا محذور ولكنه لا ينفتح به كل باب الا اذا اريد به هذا الاصطلاح الصواب بل ربما يقال ان ليس ذلك باصطلاح وانما الواضع للغة العربية وهو الله سبحانه وتعالى وضع ذلك كذلك فاذا ظهر لك ما قررنا سابقا ونقرر لاحقا ظهر الحال من غير حاجة الى استدلال ولو سلمنا ان ذلك ليس من اصل وضع اللغة قلنا ان الاصطلاح المناسب للامر الواقع اولى بالمصير اليه وبيان الاشارة الى المناسبة ان الاصل في المولود هو الاب والتخلق والتقدير ظاهرا وباطنا انما هو في بطن الام وان كان المولود مركبا منهما كما روي عن الحسن بن علي بن ابي‌طالب (ع) ما معناه ان الانسان خلق من اربعة ‌عشر شيئا اربعة من ابيه واربعة من امه وستة من الله فالتي من الاب العظم والمخ والعصب والعروق والتي من الام اللحم والدم والجلد والشعر والتي من الله الحواس الخمس والنفس فاذا نظرت ما من الاب رايته هو اصل الانسان لانه هو القسم الاقوى ولهذا كان جانب الاب اقوى وادخل في امر الميراث وفي الولاية وغير ذلك كالمادة لانها هي الجانب الاقوي في الشيء والصورة هي الجانب الاضعف فيه كالام فان ما منها ظاهر المولود وقشره كاللحم والدم والجلد والشعر يتعلق بما من الاب كالصورة تتعلق بما من المادة بحلولها فيها لكن لما كان التخلق الذي هو التصور انما يكون في بطن الام والاحكام لا تعلق لها بنفس المادة والا لتساوت جميع اشخاص النوع في الاحكام وانما تتعلق بالصور لتختص كل صورة بما يناسب لها من الحكم كانت الاحكام منوطة بالصورة كما ان حكم المولود منوط بصورته ولا تكون الا في بطن امه ومن هنا قال (ع) السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه لان بطن الام هو محل التخلق والتصور وذلك هو مناط الاحكام فاذا ثبت ان الصورة مناط الاحكام ثبت انها هي الام لا المادة والا لتساوت افراد النوع في الحكم لتساويها في المادة كما مر ونظير ذلك الخشب فانه مادة للسرير وللصنم فان عمل صنما كان فعله حراما ويجب كسره وان عمل سريرا كان جائزا فالحكم عليه بالحرمة والجواز انما هو في الصورة فصارت السعادة مثلا كالسرير والشقاوة كالصنم انما هو في بطن الصورة لا في بطن المادة وذكر الاصحاب في الكلب اذا نزى على شاة فاتت بولد فان كان كلبا فهو حرام ونجس العين وان كان شاة كان حلالا وطاهر العين والمادة واحدة وانما الحل والحرمة في بطن الصورة وهي الام وهذا ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد والى ما ذكرنا ورد التصريح عن الصادق (ع) في قوله (ع) ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فانظر الى صراحة هذا الحديث في المدعي لان النور هو المادة والمراد به الوجود لقول الصادق (ع) في تفسير قوله (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال (ع) يعني بنوره الذي خلق منه والرحمة هي الصورة لان الصورة هي صبغ للمادة فالرحمة صبغ الوجود وهي الماهية الثانية لان الماهية الاولى شرط لتحقق الوجود في الخلق الاول قبل التكليف واما في الخلق الثاني حين قال لهم الست بربكم فمن اجاب بلسانه وقلبه خلقه من صورة الاجابة وهي الصورة الانسانية حقيقة وهي الصبغ في الرحمة فافهم ومن عصي بقلبه خلقه من الصورة الشيطانية وهي الصبغ في الغضب فالسعيد من سعد في صبغ الرحمة قال (ع) وهي الام والشقي من شقى في صبغ الغضب ونظيره من المعروف عند الناس في الانسان انه حيوان ناطق فالحيوان مادة تصلح للانسان والكلب والصورة لمادة الانسان الناطقة فالنطق هو الصورة وهي التي يتميز فيها الانسان من الكلب فهي الام التي يشقى في بطنها الشقي ويسعد في بطنها السعيد ثم اعلم ان الحصة التي في الانسان من الحيوان التي هي المادة والحصة التي في الكلب من الحيوان التي هي مادته تجمعهما حقيقة واحدة في الظاهر بلحاظ ان الحيوان هو المتحرك بالارادة المعروفة عند العوام وعليه جري اصطلاحات العلماء في اكثر كتبهم ومحاوراتهم واما في الحقيقة فهل هما كذلك وانما اختلفا باضافة الصورة من جهة قابلية كل منهما واستعدادها ام لا بل كل حصة من حقيقة لان مراتب الوجود متفاوتة ولا ينحصر تفاوتها في مراتب المشكك بالقوة والضعف ليقال ان ما اختلف من المشكك تجمعه حقيقة واحدة بل منه المشكك ومنه الاعراض كالاضواء والانوار والصفات والافعال والنسب وذلك لا تجمعه مع معروضه حقيقة واحدة وان قلنا ان كل اثر يشابه صفة مؤثره لان جهة المشابهة هي الهيئة في الصفة والاثر ام هما من شيء واحد وتتفاوت الحصص بما تكتسب من الصور لا بقابليتها واستعدادها والحق في المسئلة ان ما كان من شيء واحد منها كالحصص المتخذة من الذات الواحدة او من العرض فهي في الحقيقة واحدة واختلاف الحصص اذا كانت من شيء واحد انما هو باختلاف اكتسابها من الصور من الاعمال الظاهرة والباطنة الناشية عن اختلاف مراتب الاجابة في عالم الذر واختلاف الصور في القابلية والاستعداد بسبب اختلاف انفعالها من الحصص بسبب تفاوت مراتبها ومشخصاتها فتتفاضل اذا اجتمعت في الدرجات لكنها لا تتجاوز الحقيقة الجامعة لتلك الحصص وما كان من شيئين مع ما كان من شيء واحد اجتمعا في الرتبة الجامعة كالانسان والفرس يجتمعان في الحصة الحيوانية الفلكية الحساسة ويتفارقان فيما فوقها فالانسان فيه من الحيوانية حصتان ذاتية وعرضية وفي الفرس حصة واحدة ذاتية لها هي عرضية الانسان والحصة الذاتية للانسان هي حصة من الناطقة القدسية فالحيوانية الفلكية الحساسة لا تقبل الصورة الانسانية وتقبل صور جميع الحيوانات ويلزم حكم الصورة تلك الحصة سواء قرت كما في سائر الحيوانات الا نادرا ام تغيرت كما في الانسان فانها اذا لم ‌تكن نفسه مطمئنة تكون تلك الحصة الحيوانية الفلكية الحساسة ابدا تلبس صور الحيوانات فتلبس في الغضب صورة سبع وفي الشهوة صورة خنزير وفي النميمة صورة عقرب وهكذا والحصة الناطقة القدسية لا تقبل شيئا من صور الحيوانات وانما تقبل الصورة الانسانية فقط ولا تقبل الصورة الجامعية الكلية والمعصوم عليه السلام فيه ثلاث حصص عرضيتان وهما ما في الانسان ولكنهما فيه قرتا واطمأنتا فلا يخرجان عن حكم الثالثة ابدا وهي الحصة الملكوتية الالهية تقبل صورة التوحيد وهي العصمة ومرتبة القطبية للوجود والصورة الجامعية الكلية فالحصة الحيوانية الفلكية مركب للناطقة القدسية واثر لها خلقت من فاضلها والناطقة القدسية اثر للملكوتية الالهية خلقت من فاضلها فلا تجمع هذه الثلاث حقيقة واحدة نعم اذا نظرنا بنظر آخر بان الكل من مراتب الوجود وانه حيوة وشعور وانما يختلف بحسب مظاهره جاز على هذا اطلاق الاتحاد في الجملة الا انك اذا عرفت ما ذكرنا لك من اختلاف الحقايق ظهر لك التغاير

الفائدة السادسة

في الاشارة الى القسم الثالث وهو الوجود المقيد اوله الدرة وآخره الذرة وكيفية بدئه وهي انه قد اخذ الله تعالى بفعله باسمه القابض من رطوبة هواء الجواز اربعة اجزاء قد صعدت من ارض الامكان ارض الجرز ومن هباء ارض الجواز جزءا فقدرهما في تعفين هاضمة اسمه البديع فانحلت اليبوسة في الرطبة وانعقدت الرطوبة باليبوسة فاتحدا وذلك لما بينهما من المشاكلة فارتفع من ذلك البحر سحابا مزجي فتراكم تحت المشية فانحل من ذلك السحاب المتراكم بحرارة الارادة ماء فدفعه باسمه الباعث فوقع على البلد الميت والارض الجرز وهي ارض الجواز والعمق الاكبر فانحل منه جزءان بما يشاكله من ارض ذلك العمق الاكبر بجزء فاخرج منهما تلك الزروع والثمرات وما فضل من رطوبته بعد تقديره وسقيه في ظلمات ثلاث ياخذه بالاسم القابض مع قدر ربعه من لطيف هباء ارض الامكان ويعمل فيه كما مر ذلك تقدير العزيز العليم وهو قوله تعالى والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شيء موزون وهذا الماء النازل من السحاب المتراكم هو الذي ذكره الله عز وجل في قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وهو الوجود المقيد وهو من بعد المشية الى ما لا نهاية له من المشية وهذا الوجود المسمى بالماء على هذا النحو المذكور يكون في كل شيء بحسبه ومثاله اذا اردت ان تخبر من تخاطبه بقيام زيد اخذت من الهواء الذي هو امكان اللفظ هواء وهو مشتمل على اربعة اجزاء من الرطوبة الهوائية وعلى جزء من اليبوسة الهبائية بالقوة القابضة الى جوفك الذي هو نقطة قلبك اي وجهه في الهواء فتؤلف منهما بعد التقدير بالضغط والقلع والقرع حروفا مشتملة على الاجزاء الخمسة متصفة بصفات مادة مقصودك فتؤلف منها لفظا هيئته كهيئة مقصودك فتدفعه الى الهواء الذي هو مكان امكانه فيقع جزءان من رطوبة لفظك وهي مادته المناسبة لمادة مقصودك وجزء من يبوسته وهي هيئته المناسبة لهيئة مقصودك على ما يشاكله من ارض هذا العمق والجرز وهو الهواء لانه هو الذي يحفظ لفظك ويوصله الى اذن مخاطبك ليرتسم في الحس المشترك منه صورة مادة لفظك وصورة هيئته فانه للفظك كالام للجنين وكالارض للما ء الذي ينزل من السحاب فينبت به النبات فوقع من لفظك ماء على ارض ذلك المعنى وهذا الماء هو الوجود لذلك المعنى وهو دلالة لفظك بمادته وهيئته الواقعة في الحس المشترك الذي هو الام فينبت المعنى في بطن تلك الام وهو الخيال بذلك الماء الذي هو الدلالة ويحيى بها ولم‌ يك ذلك المعنى قبل تلك الدلالة شيئا لان الشيء انما سمي شيئا لانه مشاء والمشية هي اصل الارادة فافهم

الفائدة السابعة

اعلم انه لما نزل الماء الاول المسمى بالوجود المقيد على ارض الجرز تكون منه الشيء في ستة ايام الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة ليس شيء منها في الظهور قبل الآخر وانما هذه مع المادة التي هي حصة الوجود ومع الصورة التي هي حصة الماهية هي الشيء ظهر الجميع دفعة لان كل واحد من هذه الثمانية شرط لكلها في الظهور والشيء الموجود مركب من الوجود والماهية والستة قيود مقومات لها وانما ذكرنا الستة خاصة لان غيرها كالاوضاع والاذن في الظهور واجل الفناء والكتب الحافظة لهذه المذكورة من حيث هي حافظة ومن حيث هي محفوظة وكالامضاء الذي هو شرح العلل والاسباب وغير ذلك كلها راجعة الى الستة فلهذا اقتصرنا على ذكرها في ذكر البدء لان الاوضاع لازمة للمكان والجهة والرتبة والاذن والاجل لا زمان للوقت والكتب لازمة للستة والامضاء لازم لما سبق ومتفرع عليه لان حصول هذه الستة للماهية والوجود ولوازمها المشار اليها يلزم منه الامضاء في الحكمة ويتفرع عليها والباقي ان شاء الله تعالى نذكره فيما بعد ثم اعلم انه قد اختلف في الشيء اختلافا كثيرا ويرجع ذلك الى اربعة اقوال ولا عبرة بذكر غيرها الاول ان الشيء هو الوجود والماهية عرض حال بالوجود الثاني ان الشيء هو الماهية والوجود عرض على الماهية الثالث ان الشيء هو الوجود والماهية انما هي بتبعية الوجود الرابع ان الشيء هو الوجود والماهية فهو مركب منهما لان الوجود شرط كونه صدورا واستمرارا الماهية والماهية شرط تكونها انصدارا واستمرارا الوجود فما داما موجودين منضمين فالشيء موجود ولا شيئية للشيء مع فقد احدهما ولا للآخر والوجود مادة لنفسه وصورته لنفسه ارتباط الماهية به والماهية مادة لنفسها وصورتها ربط الوجود بها قال الله تعالى هن لباسٌ لكم وانتم لباسٌ لهن فهما الشيء فهو مركب منهما ابدا فالوجود جهة فقره الى الله تعالى وهو جهة استغنائه والماهية جهة استغنائه وهو جهة فقره فافتقاره استغناء ووجود واستغناؤه فقر وعدم فنظره بالفؤاد حق وبالقلب حقيقة ونظره بالتراب باطل وبالنفس سرابٌ وذلك لان الوجود متقوم بالوجود المتقوم بالحق والماهية متقومة بالوجود نفسه من دون الوجود المتقوم بالحق وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وهذا هو الهيولي للانسان وهو بمنزلة المداد المركب من صمغ وسواد وزاج وعفص وملح وصبر ونبات وآس فكما ان المداد من حيث هو صالح للاسم الشريف والاسم الوضيع وانما تميز بينهما الصورة الثانية اي الكتابة بهيئاتها وهي الماهية الثانية كذلك هذه الهيولي المركبة من الوجود والماهية صالحة للمؤمن والكافر ولا تتميز الا بالصورة الثانية التي هي الخلق الثاني وهي الماهية الثانية فسألهم لعلمه بهم حين سألوه ان يسألهم فقال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم فقالوا باجمعهم بلى منهم من قالها مصدقا بلسانه وقلبه عن علم كما قال تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون فخلقهم من صورة التصديق والمعرفة وهي الصورة الانسانية وهي هيكل التوحيد وهي من فلك البروج وهم المرسلون والانبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومنهم من قالها بلسانه وقلبه منكرٌ مكذب غير قابل فخلقهم من صورة التكذيب والانكار والجحود وهي الصورة الحيوانية والشيطانية وهم الكافرون والمنافقون واتباعهم ممن تبين له الهدى فاعرض عنه وهي من طينة خبال وهي سجين وانما كانت في الدنيا صورهم صور الانسان لاجابتهم باللسان الذي هو الادني وفي الآخرة تسلب منهم وتظهر صورهم الحقيقية التابعة للقلب ومنهم من قالها بلسانه وقلبه واقفٌ لم يقر ولم يجحد وهؤلاء خلقهم الله تعالى من الصورة الانسانية ظاهرا لاقرار السنتهم ولم يخلق بواطنهم حتى يقروا او يجحدوا فيخلقهم من حالهم وهم مختلفون فمنهم في الدنيا ومنهم في البرزخ ومنهم في الآخرة فمن خلق باطنه انسانا دخل الجنة ومن خلق غير ذلك دخل النار فهذه الصور التي خلقت من الاجابة او الانكار هي الطينة وهي الام التي يسعد في بطنها من سعد ويشقى في بطنها من شقى وذلك بعد ان اعلمهم بالطينة الطيبة التي هي الاجابة والطينة الخبيثة التي هي الانكار وانه سبحانه لا يخلقهم الا على ما هم عليه ولو خلقهم على غير ما هم عليه لم يكونوا اياهم بل كانوا غيرهم ولو لم يقبلوا وخلقهم من الانكار وجعل لهم ما جعل للمقرين لوقع التنافي في خلقهم وخلقه اياهم لان خلقهم كما هم مناف لجعلهم كالمطيعين وجعلهم كالمطيعين مناف لخلقه كما هم وخلقه كما هم مناف لخلقه لهم ليس كما هم ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون فهذا هو الخلق الثاني تحت النور الاخضر في عالم الاظلة في ورق الآس فكانوا في الذر كما قال سبحانه للجنة ولاابالي وللنار ولا ابالي ثم كسرهم في النور الاحمر وهو معنى قوله (ع) ثم رجعهم الى الطين اي طين الطبيعة

الفائدة الثامنة

كل شيء لا يجاوز وقته لانه لا يوجد الا فيه ولا ذكر له قبل ذلك وكل ذي وقت فوقته مساوقٌ لمكانه وكونه لان الوقت والمكان والكون متساوقة اذ كل واحد شرط للآخر وكذا باقي المعينات والمشخصات فيلزمها التضايف كالمشية والسرمد وكل الامكان وكالعقل الاول والدهر وكل الممكن وكالجسم والزمان والمكان ومراتب المشية كما مر اربع والسرمد والامكان يكون كل واحد منهما في كل مرتبة من الاربع بنسبتها فللرحمة بالسرمد والامكان رتبة الذات من الشجرة وللالف بهما رتبة الاصل من الشجرة وللسحاب المزجي اي الحروف بهما رتبة الفرع من الشجرة وللسحاب المتراكم اي الكلمة بهما رتبة الكل من الشجرة فنسبة الامكان الى المشية بجميع مراتبها نسبة المكان الى محدب محدد الجهات يعني نهاية المساوقة بلا حواية غير المساوقة اذ المساوقة هي التحاوي لا عدم مطلق الحواية وللعقل الاول في اكواره الاربعة بالدهر والممكن ما للمشية بالسرمد والامكان وما لها من المساوقة والتحاوي وللجسم في ادواره الاربعة بالزمان والمكان ما ذكر سابقا حرفا بحرف وكذا في المساوقة اي التحاوي يعني ان الجسم حاو للزمان والمكان لا يخرج منهما عنه شيء والزمان حاو للجسم والمكان لا يخرج منهما عنه شيء والمكان حاو للجسم والزمان لا يخرج منهما عنه شيء وذلك كما اشرنا اليه في المشية وفي العقل حرفا بحرف واما الماء الاول الذي به حيوة العقل وما بعده فوجهه في السرمد والامكان وهو في الدهر والممكن واما النفوس فانها في وسط الدهر والممكن وهو الاظلة وبينها وبين العقل النور الاصفر وهو البرزخ بينهما وهو الارواح وهو من الطرف الاعلى وآخره النور الاحمر وجوهر الهباء فالكسر في النور الاحمر والامتزاج في جوهر الهباء والعقد في المثال والمثال بين الزمان والدهر فوجهه في الدهر واسفله في الزمان اي بالعرض لتبعية الجسم فله الجهتان الذاتية والعرضية وبهما معا تحققت برزخيته ثم اعلم ان كل شيء من ذي روح او غيره قد بدا عن فعل الله على الاستدارة الصحيحة ويعود الى الله كذلك ويقبل من الله كذلك وسرعة تدويره وبطؤه على حسب كونه ووقته وهي تنقلاتٌ تعد وقته ولا يسرع لذاته ازيد من نسبة كونه ووقته فاذا حصل له شيء اسرع به فليس قاسرا لذاته من حيث هي فلا يحدث لها تغير وانما يعين ذاته بما يمكن لها اذ ما يمكن للشيء على قسمين : قسم يمكن لذاته بذاته وقسم يمكن لها بخارج عنها وهو المعين ولو حصل بالخارج عكس مقتضى ذاته فهو معين ايضا لا قاسر ما دام لمقتضاها فعل والا فهو قاسرٌ وح لا يكون الشيء ذلك الشيء بل هو غيره وهذا يسمى قاسرا باعتبار قلب الذات الموجودة والا ففي الحقيقة ان الشيء لا ينقلب الى ما لا يمكن في ذاته في جميع الوجود بل ليس ذلك شيئا فلا تتعلق به قدرة لان القدرة لا يتعلق الا بالشيء والشيء الممكن له خمسة مقامات : الاول في الامكان ولا يكون ابدا وهو في المشية ممكن الكون والثاني في الامكان وسيكون وفي المشية يمكن الا يكون والثالث انه كان ولا يزال ابدا وفي المشية يمكن محوه فيما بعد واثباته ومحوه وهكذا والرابع انه كان وسوف يعدم اي يرجع الى ما قبل كونه وفي المشية يمكن الا يعدم وان يعدم ويعاد وهكذا والخامس انه قد كان كونه ولا تكون عينه وكانت عينه ولا يكون قدره وكان قدره ولا يكون قضاؤه وكان قضاؤه ويستر امضاؤه وظهر امضاؤه ويعدم منه ما كان الى غير ذلك وكل ذلك وما اشبهها مما يمكن في ذاته واما ما لا يمكن في ذاته بان يكون مستحيلا اي لا شيء بكل اعتبار او يكون واجبا لذاته اي هو الشيء لا سواه فيستحيل عليه فرض الامكان فلا يمكن فرض واحد منهما ولا تصوره لان التصور والفرض من الامكان بل لا يفرض ولا يتصور الا ما هو موجود في الامكان قبل ذلك وسيأتي بيان ذلك ففي الحقيقة لا يتحقق القاسر الا بقلب الشيء الى غير ما يقتضيه من ذات او صفة وهو مما يمكن له فهو مطاوع فلا قلب فلا امتناع في الامكان فلا قسر ولا امكان في الواجب ولا في المستحيل فالشيء الذي هو الشيء لا سواه لا امكان فيه ولا رجحان لا يمنع النقيض بل هو وجوب بحتٌ والمستحيل الذي هو لا شيء بكل اعتبار لا امكان فيه فافهم هذه العبارات المكررة المرددة للتفهيم

الفائدة التاسعة

كل شيء لا يدرك ما وراء مبدئه لان الادراك ان كان بالفؤاد فهو اعلى مراتب الذات واول جزئيها واعلاهما واشرفهما وليس له وراء ذلك ذكر في حال فلا يجد نفسه هناك ولا يجده غيره اذ اول وجدانه ذلك الادراك وان كان بالعقل والنفس والحس المشترك وبالحواس الظاهرة فهي بجميع ادراكاتها ومدركاتها دون ذلك فلا يدرك الشيء ما وراء كونه فاذا تصور شيئا بغير الفؤاد ادرك ما وراءه اي ان وراءه شيئا يدركه فاذا ادرك ذلك الاعلى ادرك وراءه شيئا وهكذا لا يقف على حد لا يجد وراءه شيئا وهذه حروف نفسه ومراتبها وتلك الحروف والمراتب لا تتناهاها نفسه اي لا تقف على حد لا تتوهم الا قبل له فهي لا تفقد نفسها في تلك المراتب فاذا رأت ذاتها بذاتها اي نظرت بفؤادها انقطع وجودها وتناهي كونها اذ ذاك لانها نظرت من مثل سم الابرة فاستدارت على نفسها قال الشاعر : قد ضلت ( طاشت خ‌ل ) النقطة في الدائرة ولم‌ تزل في ذاتها حائرة الخ قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال (ع) لكميل محو الموهوم وصحو المعلوم وكلما وصل العبد الى مقام ظهر له الجبار فيه حصل له المحو والصحو فهناك عرف ربه لانه عرف نفسه بالمحو والصحو فاذا استقام فيه كما قال سبحانه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا حتى ظهر له الاثر ظهر له الجبار في مقام اعلى من الاول فيعرف فيه ربه بحكم المحو والصحو بطور اعلى ويتبين له ان المقام الاول مقام خلق قد تعرف له فيه به ثم تعرف له في الاعلى قال (ع) تدلج بين يدي المدلج من خلقك فاذا عرف ربه في الاعلى بظهوره له فيه به ونظر الى الاسفل الذي ظهر له انه مقام خلق وجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وهكذا ابدا يسير بلا نهاية قال تعالى في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما وليس لمحبتي غاية ولا نهاية وهذه المشار اليها هي المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان قال الحجة (ع) في الاشارة الى ذلك في دعاء رجب ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء وقال الصادق (ع) لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن ه‍ وهذا طريق الى الله سبحانه لا نهاية له ولا غاية ثم اعلم ان كل مقام ظهر الله فيه لعبده فهو مظهره وصفته وهي حروف ذات العبد لا حقيقة له غير ذلك لانه سبحانه ظهر لك بك وبك احتجب عنك فلا سبيل لك الى معرفته الا بما تعرف لك به ولم ‌يتعرف لك الا فيك وبك قال علي (ع) في نهج‌البلاغة لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ثم اعلم ان المتجلي نقطة يدور عليها التجلي فهو كرة مجوفة لفعل التجلي وفي الانجيل ايها الانسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا فلجميع الخلق استدارةٌ على فعل الله سبحانه واحدة كرية فكل الخلق كرة واحدة مجوفة تدور على نقطة هي فعله تعالى واصول الخلق كرات مجوفة كذلك كل اصل كرة تامة تدور على نقطة هي وجه ذلك الاصل من المشية ولا تدور على محور لان الاستدارة على المحور تحدث من اجزاء الكرة دوائر لا كرات لتكون الاستدارة الى جهة فلا تكون العلة محيطة بالمعلول ولا تساوي الاجزاء المتساوية في الرتبة الى منتصف المحور الذي هو النقطة اليها لان ما كان من الاجزاء في جهتي القطبين للمحور لا تدور على النقطة ووجه الكرة من علتها ليس محورا مستطيلا بل نقطة والاصل الثاني يدور على الاول لانه للثاني نقطة ويدور على نقطة الاول فله استدارتان ذاتية تدور على نقطة الاصل الاول وعرضية تدور على الاول اذا كان مترتبا عليه والا فعلى جهة لوازمه من وضع واضافة وغيرهما وهما استدارة واحدة بلحاظ وحدة الدائر ولهذا كان ابطى من الاصل الاول كاستدارة الكوكب على قطب تدويره واستدارته على قطب الخارج المركز فان استدارته في التدوير على نفسه فهي عرضية بالنسبة الى تحققه واصالته واستدارته على قطب الخارج المركز ذاتية لانها وجهه الى اصل تحققه لان هذه اصل لاستدارته على تدويره فائضة عنها متفرعة عليها وانما كانت استدارة الثاني بطيئة ايضا لحصول الكثرة فيها وكلما كثرت الوسائط كثرت الاستدارات وكان ابطي وتترتب العرضيات في القوة والضعف فما قرب من الدائرة كان اضعف والذاتية ابدا واحدة وهكذا حكم كل اصل ولفروع ذلك الاصل هذا الحكم كل فرع كرة واحدة له دورات دورة على اصله وعلى كل ما سبقه دورة وعلى القطب الاول كذلك وقس عليه كل شيء بنسبة حال ذاته وعوارضها فكل عالم كرةٌ وكل نوع كرةٌ وكل صنف كرةٌ وكل شخص كرةٌ وكل جزء كرةٌ وهكذا احكامها في الاوضاع والتضايف والنسب في التساوي والتعارف والتناكر الا انها في التناكر تدور على التعاكس هكذا وفي التعارف على جهة التواجه هكذا وفي التساوي على جهة المماثلة هكذا واما في التغاير في الذات وحدها فهكذا وفي الصفات وحدها هكذا وفيهما معا هو التناكر كما مر قال (ع) الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ومعنى تعارف ينظر احدهما في وجه صاحبه ومعنى تناكر ظهره الى ظهر صاحبه والمساواة من التعارف في التبعية والمغايرة احوال وانظر الى تمثيل الاشكال

و لكل رايت منهم مقاما		شرحه في الكتاب مما يطول  

ثم اعلم ان الكرة ان كانت استدارتها عبارة عن استدارة قوس من محيطها فهي تدور على محور وتحدث من الاجزاء الدوائر لا الكرات وليس ذلك الاستدارة الصدورية عن العلة البسيطة التي هي فعل الله سبحانه ومشيته بل الاستدارة الصدورية ان يدور كل جزء من الكرة على قطبها فتكون استدارة الكرة على قطبها ليست الى خصوص جهة لان ذلك من خواص الاجسام في حركاتها الجسمانية واما الحركات الوجودية الصدورية فليست جسمانية وان كانت من الاجسام فهي دورات دهرية وسرمدية والا لم ‌تحط جهة العلة بجميع جهات المعلول ولهذا قلنا كل جزء كرة فافهم فهمك الله تعالى واعلم ان هذا الطور من الاستدارة لا تدركه النفس ولا العقل وانما يدركه الفؤاد لانه جهة الصدور وهي ربط الدهر بالسرمد والسلام

الفائدة العاشرة

اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء بفعله وابداعه من غير سبق فكر او روية وكل شيء فالله خالقه سواء كان في الوجود الخارجي ام الذهني وما في الذهن لم ‌يوجد على احتذاء سبق ذهن فالوجود الذهني في الواقع وجود خارجي وانما قسم الوجود الى الذهني والخارجي للفرق بين الوجود الظلي الانتزاعي والاصلي اصطلاحا ولا مشاحة في الاصطلاح والا فهو في الحقيقة قسم من الوجود خلقه الله لحاجة الخلق اليه في التفاهم والتعارف ليحصل لهم ادراك ما غاب عن حواسهم الظاهرة وذلك مما يتوقف عليه تكليفهم ونظام امورهم ومعاشهم وانما قلنا انه مخلوق لله تعالى لما دل عليه الدليل القاطع بان الله خالق كل شيء قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فان قلت معنى ذلك ان الله تعالى جعل في النفس قدرة على اختراع ما شاءت من الصور فهي تخترع تلك الصور بما يمكن لها فلا يكون الوجود الذهني في الحقيقة خارجيا قلت ان ما جعله فيها وفي غيرها مما تجري فيه على اختيارها ليس حيث اعطاها رفع يده عنه بل هو في يده بعد الاعطاء كما هو قبل الاعطاء بل هو حال واحدة بلا تعدد الا في العبارة كناية عن ظهور العطية في نفسها وتلك القوة المشار اليها فعلها وانفعالها واضافتها وتعلقها بمخترعها انما كان شيئا في نفسه بكونه في يده فاذا قابلت المرءاة الشيء اوجد الله بهما فيها الصورة وانما لها اختيار المقابلة وانتزاع الصورة اللذان هما شيء بكونهما في يده فافهم والى هذا الاشارة بقوله (ع) كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فافهم قوله (ع) مخلوق مثلكم مردود اليكم فان قلت يلزمكم ان الله تعالى خلق المعاصي والكفر وسائر القبائح قلت نعم كذلك الله ربنا قال تعالى قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ولكن ليس على ما تفهم وذلك لانه سبحانه لا يخلق شيئا الا على ما هو عليه في ذاته وصفاته وافعاله والا لم‌ يكن ذلك المخلوق كذلك بل يكون قد خلق على غير ما هو عليه فحينئذ لا يكون هو اياه وانما يكون هو غيره هف واذا خلقه على ما هو عليه فانما خلقه على مقتضى سبب ايجاده وقبوله للوجود وذلك بالاسباب الخارجة عن حقيقة ما افاضه الله بذات فعله وان كانت بعوارضه وتلك الاسباب مقتضيات لتغيير الحقائق بحكم الوضع وتلك المقتضيات من افعال الخلق واوضاعهم فلو خلق على غير المقتضى لكان قد منع ما اعطى وابطل ما قدر مثلا خلق الحديد يقطع ولا يقطع الا بالله فاذا ذبح زيد عمرا ظلما بالسيف فان لم ‌يوجد الله الذبح لمقتضى فعل زيد والحديد لكان قد منع الحديد ما خلقه عليه فلم ‌يكن الحديد حديدا ومنع زيدا مقتضى فعله فلم‌ يمكن زيدا من فعل المعصية فلم ‌يقدر على الطاعة لانها لا تتحقق الا بالتمكين من المعصية واذا لم ‌يكن ذلك لم ‌يحسن تكليفه فلم ‌يكن مكلفا واذا كان كذلك لم ‌يحسن ايجاده ويبطل الايجاد من اصله والوجود الذهني حدث عن الله بهذا النحو ثم اعلم ان في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه حيث اتى للشيء من جهة افراده بجمع خزائن سرا نبه بذلك عليه وهو ان كل شيء له خزائن فاعلى خزائنه الرحمة ثم الرياح ثم السحاب المزجي ثم السحاب المتراكم ثم بحر الممكن وهباؤه ثم سحابه المزجي ثم المتراكم ثم الاكوان الستة التي اشار اليها الصادق (ع) : الكون النوراني وهو الماء الذي به حيوة كل شيء ثم الكون الجوهري وهو الحجاب الابيض وهو الركن الايمن الاعلى عن يمين العرش ثم الكون الهوائي وهو الحجاب الاصفر وهو الركن الايمن الاسفل عن يمين العرش ثم الكون المائي وهو الحجاب الاخضر وهو حجاب الزمرد وهو الركن الايسر الاعلى عن يسار العرش ثم الكون الناري وهو الحجاب الاحمر وقصبة الياقوت وهو الركن الايسر الاسفل عن يسار العرش ثم كون الاظلة وهو الهباء الاخر وكون الذر الثاني ثم العرش محدد الجهات ثم الكرسي ثم فلك البروج ثم فلك المنازل ثم من فلك الشمس في زحل وفي القمر ثم من الشمس في المشتري وفي عطارد ثم من الشمس في المريخ وفي الزهرة ثم ينزل الى الاذهان صورته بتسخير شمعون وسيمون وزيتون لجنودهم واعوانهم من الملائكة الموكلين بفلك عطارد وما حمل من متمماته وحامله ومديره وتدويره وكوكبه واشعته وانما ينزل الى الذهن بعد ان ينزل من الخزانة العليا الى ما دونها وهكذا الى ان يصل الى الذهن فقوله تعالى وما ننزله الا بقدر معلوم يشير الى ان ذلك النازل من كل مرتبة انما ينزل باذن واجل وكتاب وهذه المراتب كلها من الوجود الخارجي وما في الذهن كما في المرءاة فانه وجود خارجي ثم ما في هذه المراتب التي هي الخزائن قسمان اصل وظل والمنتقش في مرءاة الذهن ان كان من الاصل انتقشت صورته وان كان من الصورة انتقشت صورة الصورة مع مرءاتها الا ان الذهن انما ينتقش فيه على قدره من جهة الكم والهيئة والكيف فان كان صافيا مستقيما حكى ما في المقابل بلا تغيير والا اختلف المنتقش فيه في الكم بكم الذهن وفي الهيئة بهيئة الذهن من الطول والعرض والاعوجاج والانحراف وفي الكيف بكيفه من بياض او سواد وغير ذلك وذلك كاختلاف صورة الوجه الواحد في المرايا المتعددة المختلفة كذلك هذا اذا كان ما في الذهن من ظل الحق فان كان ما فيه من ظل الباطل انتكس الى اسفل فقابل الذي في خزائن الشمال وهي ثمانية‌ عشر خزانة منكوسة كل ما فيها دعاوي لا حقائق الا انها تشبه ما في الحق كل خزانة تشابه ضدها فينتقش فيه ما قابله مع ما في الذهن من الهيئة والكيف وما له من الكم وانما قلنا انه ظلي انتزاعي في غير ذهن علة الموجودات لانك لا تدرك ما غاب عن بصرك بخيالك الا في وقته ومكانه ولا يمكنك ان تدرك شيئا سمعته او نظرته اذا غاب عنك او غبت عنه الا اذا التفتت نفسك الى زمانه ومكانه الذي ادركته فيه اولا فتدركه فيه وان ذهبت شهادته فان غيبه لم‌ يذهب كلما طلبته وجدته فيه كما لو ذكر لك زيد انك كلمت عمرا امس بكذا فانك لم ‌تذكره حتى تلتفت نفسك بخيالك الى ذلك الوقت وذلك المكان فترى فيه عمرا بغيبه وكلامك بغيبه موجودين في الكتاب الحفيظ فيعطى الكتاب الحفيظ ذهنك صورة الشخص والكلام والوقت والمكان فتخبر عما انتقش في ذهنك من ذلك على نحو ما اشرنا اليه من كيفية الانتقاش واعلم ان الوقت الذي ذكرت فيه والمكان الذي رايت فيه الشخص والكلام هي نفس ما رايت اولا في الزمان لان الجسم المرئي بالبصر والكلام المسموع بهذه الاذن قبل هذا الذكر في الزمان وهو شهادتهما واما ادراكك لحاليتهما في ظرفيهما ففي وقت واحد ومكان واحد ونظيره في غير الوقت لو كان عندك كتابة في قرطاس فنظرت اليها في وقتين فان المرئي والمكان واحد وما نحن فيه كذلك الا ان الوقت واحد وهو وقت الاظلة من يوم الجمعة وقت العصر بعد الاذان والصلوة فان كان بصرك حديدا عرفت هناك ذلك الشخص هل صلى ام لا فافهم

الفائدة الحادية ‌عشرة: في بيان صدور الافعال من الانسان والاشارة اليه

اعلم ان الانسان مركب من الوجود والماهية والمخلوق ابدا محتاج في بقائه الى المدد من احد طرفين طرف الوجود وطرف الماهية فمدد الوجود بفعل الله الذاتي فهو ابدا قائم بامره قيام صدور ومن فعله للاعمال الصالحة فالحافظ امر الله والمدد من الاعمال من فعل الله ومن فعل العبد فما بفعل الله مقبول وما من فعل العبد قبول ومدد الماهية بفعل الله العرضي فهي ابدا قائمة بامره العرضي قيام صدور ومن فعلها من الاعمال الخبيثة فالحافظ امر الله التابع والمدد بالاعمال الخبيثة بفعل الله ومن فعل العبد فما بفعل الله مقررٌ ومقوم وما من فعل العبد متقومٌ ومتكون ثم لما كان الانسان في نفسه مركبا من ضدين متعاديين في الذات والصفة والانبعاث محدثين محتاجين في تقومهما الى المدد منهما او من احدهما فان كان منهما جرى على ذلك الانسان الوزن يوم القيمة والحساب وان كان من احدهما ضعف الآخر ولم ‌يبق منه الا قدر ما يحفظ الآخر ويكون حكمه حكم القوي فان كان القوي الوجود اطمانت النفس وكانت اخت العقل ورقت الماهية وشابهت الوجود كالحديدة المحماة بالنار فلا فرق في الفعل بينهما وان كان ما بها بالعرض كالحديد قال الشاعر :

رق الزجاج ورقت الخمر			فتشاكلا وتشابه الامر   
فكانما خمرٌ ولا قدحٌ 			وكانما قدحٌ ولاخمر  

وان كان القوي الماهية كان الامر على العكس وكل واحد منهما انما يستمد ويقوى بمدد من جنسه اذ لا يستمد الشيء من نحو ما هو من ضده فلا يستمد النور من الظلمة ولا العكس من حيث هو كذلك وميل الآخر معه انما هو لبقائهما فالوجود يستمد من انواع الخيرات لانها من نوعه والماهية يستمد من انواع الشرور لانها من نوعها والمركب الواحد لا يستمد من طرفيه معا اذا كانا متعاندين الا على التعاقب واذا كان وجود احد الجزئين شرطا لوجود الآخر لزم ان يكون فعل ذلك الشيء واحدا فلو فعل الوجود الخير والماهية الشر في حال واحد لزم الانفراد المستلزم للانفكاك المستلزم لفناء الشيء لانه عبارة عنهما منضمين ويفنيان هما ايضا لتوقف وجود كل منهما على انضمام الآخر اليه ولكن يتعارضان في الميل المنبعث عن شهوة كل الى الاستمداد من جنسه لان ميل احدهما الى الشيء يقتضي ميل الآخر ضده لانهما ضدان في كل شيء ولهذا يضعف احدهما بفعل الآخر لانجذابه مع الفاعل الى خلاف ما يتقوى به ومن ثم يتعارضان يطلب كل واحد من الآخر ان يكون معه في محبته لتوقف فعله لما يريد على تحققه في نفسه واذا فارقه الآخر لم‌ يتحقق واما مجرد الميل وهو الالتفات لشهوة المشاكل فليس كالفعل يحصل به نيل المدد المسكن للشهوة فلا يحصل به السكون ولا ترجيح احد الميلين ولا يمكن انبعاثهما معا مجتمعين الا ان يكون احدهما ذاتيا والآخر عرضيا ولا مختلفين لاستلزام ذلك المفارقة لاستحالة انبعاثين متضادين من المركب الواحد الذي لا يوجد الا بالانضمام دفعة لاستلزام ذلك عدمهما لتوقف تحققهما على الانضمام فوجب ان يكونا على التعاقب فاذا مال الوجود الى الخير مال بالماهية فمالت معه بالعرض على خلاف محبتها واذا مالت الى الشر مالت بالوجود فمال معها بالعرض على خلاف محبته ويتعاقبان على هذه الحال فمن رجح ميله بحيث لا يميل مع الآخر غلب وفعل مطلوبه الآخر بالعرض وفعل الغالب مطلوبه بالذات فيقوى الفاعل ويضعف التابع بنسبة ما يقوى به المتبوع ولا يحصل السكون للمركب الا بالفعل ولا يزال كذلك حتى ينمحق ميل الضعيف في ميل القوي الى ان لا يبقى من الضعيف الا ما يتقوم ويحقق به القوي لان وجود الضعيف شرط في تحقق وجود القوي ويكفي فيه نقطة راس المخروط وانما قلنا راس المخروط لان الضعف المتناسب يقتضي حصول هيئة المخروط لانه في كل مرة يضعف التابع ويقوى الفاعل وشرح حال ذلك الشان ان الوجود له وجه الى ميله ومطالبه الطيبة وهو العقل وهو وزيره وللماهية وجه الى ميلها ومطالبها الخبيثة وهو النفس الامارة بالسوء وهي وزيرها ولما كان الانسان هو ذلك المركب منهما ظهرت فيه الواحدية بصورتها فوجب ان يكون له جسم واحد وجسد واحد واسم واحد وآلة واحدة فوجب في ذلك ان تكون كلها صالحة لاستعمال الوجود لها على الانفراد بمقتضى فعله لما قلنا وصالحة لاستعمال الماهية لها على الانفراد بمقتضى فعلها وكذلك متعلقات افعالهما من المآكل والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك وكل منها صالح لاستعمالها على الانفراد وهي كافية للوجود اذا استعملها بواسطة العقل بحيث لا يحتاج الى شيء في جميع ميولاته لا يوجد في مقتضى العقل من الخيرات وكذلك الماهية بل تكون تلك الامور مغنية لكل منهما في كل شيء ثم اعلم ان العقل في الانسان والنفس الامارة مرءاتان مرءاة العقل عن يمين القلب وجهها الى السماء فتنطبع فيه صورة الراس المختص به من العقل الاول وعلى الاذن اليمنى من القلب التي هي باب وحيه ملك مؤيد وتحته جنود كثيرة من الملائكة بعدد افعال العقل وميولات الوجود تعينه على كل خير ومرءاة النفس عن يسار القلب وجهها الى الارض فتنطبع فيها صورة الراس المختص بها من الجهل الاول وعلى الاذن اليسرى من القلب التي هي باب وحيها شيطان مقيض وتحته جنود كثيرة من الشياطين بعدد افعال النفس الامارة وميولات الماهية تعينه على كل شر وكل ملك موكل بشيء واحد من الخير لا غير وضده شيطان موكل بضد ما وكل به الملك من الشر لا غير فاذا طلب الوجود من العقل شيئا من الخير وطلبه العقل بجنوده طلبت الماهية ضده من النفس الامارة بجنودها فوقع بينهما الحرب فان غلب العقل قتل ذلك الملك ذلك الشيطان الخاص بمضادته وذلك بعون من الله سبحانه وان غلبت النفس الامارة ذهب ذلك الملك عن ذلك الشيء ولحق بمركزه من الوجود يعبد الله واستولى ذلك الشيطان الخاص على ذلك الشيء وذلك بتخلية من الله سبحانه ولذلك مثال وبيان على سبيل الاشارة فالاول اعلم ان الشمس اذا اشرقت على الجدار استنار وجهه بشعاع الشمس وظهر الظل من خلفه ولولا الجدار لماظهر نور الشمس وان كان منها ولولا الشمس لما ظهر الظل من الجدار وان كان منه فالاستنارة من الشمس بالجدار والظل من الجدار بالشمس واعلم انا نريد بالجدار نفس النور من حيث نفسه لا من حيث الشمس فالاستنارة تقومت بنور الشمس تقوم صدور وبالجدار تقوم تحقق والظل تقوم بالجدار تقوم صدور وبنور الشمس تقوم تحقق ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالاستنارة آية الحسنة بفعل العبد من قدر الله والظل آية المعصية من فعل العبد بقدر الله والثاني قال الله تعالى في الحديث القدسي وذلك اني اولى بحسناتك منك وانت اولي بسيئاتك مني وهو معنى ما اصابك من حسنة فمن الله اي انا اولى بها وما اصابك من سيئة فمن نفسك اي انت اولى بها كما في المثال تقول الشمس يا جدار انا اولى بالاستضاءة منك لانها من نوري وان كانت لا تتحقق الا بك وانت اولى بالظل مني لانه منك وان كان لا يتحقق الا بي فالحسنة من الله اولا وبالذات بمعنى راجحية جهة الوجود فيها لرجوعها من جهة قدر الله الى فعله وبالعبد ثانيا وبالذات ايضا لانها من وجوده بالله فهي من جهة فعل العبد ترجع الى وجوده الراجع الى فعل الله تعالى والسيئة من العبد اولا وبالذات بمعنى راجحية ماهيته فيها وبالله ثانيا وبالعرض بمعنى المساوقة في الوجود وتحقق الماهية بالوجود المتقوم بامر الله تعالى فمشية العبد للحسنة بالذات من مشية الله لها بالذات ومشية العبد للسيئة بالذات من مشية الله بالعرض على نحو ما اشرنا لك اليه واسلك طريقا بين هذه الحدود جامعا لها على نحو ما ياتي وهذا الطريق الجامع هو سبيل الله قال تعالى فاسلكي سبل ربك ذللا واصل المسئلة هو ان تعلم ان الشيء انما يتحقق بوجوده وماهيته وذلك لانه ( الا انه خ‌ل ) لا قيام له بنفسه لا في افراده ولا في المجموع وانما يتقوم بامر الله قيام صدور فهو قائم به ابدا قيام صدور فهو طري ابدا واليه الاشارة بقوله تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وفي دعاء يوم السبت رواه في المصباح قال (ع) كل شيء سواك قام بامرك الا انه في كل حال نهر يجري مستديرا استدارة صحيحة وليس قولنا انه نهر يجري انه دائرة بل هو كرة مجوفة وافعاله ايضا قائمة بامر الله من جهة ما تقومت به ذاته تقوما تبعيا على نحو ما اشرنا اليه سابقا والمراد بالتبعي ان يكون نسبة ما تقومت به الافعال الى ما تقومت به الذات نسبة الشعاع الى المنير نسبة واحد من سبعين فالذات قامت بامر الله وافعالها قامت بنور ذلك الامر واختلافها على حسب اختلاف مراتبه من ذلك الامر فالامر هو الحفيظ لها كما ذكرنا والفعل المحفوظ مستند الى فاعله المحفوظ وحفظ الاستناد من ذلك الامر ايضا والى هذا المعنى الاشارة بقول الرضا (ع) هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه والاختيار الذي في العبد نشأ من اقتضاء الضدين الوجود والماهية لاقتضاء ما لهما كما مر ومن خلق الآلة الصالحة للمتضادين ومن الاستطاعة للفعل في الفعل ومن امكانها قبل اي الصحة وهي التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ولانه اثر المختار فتكون مختارا قال تعالى فجعلناه سميعا بصيرا فاذا فعل العبد المختار المتقوم بامر الله الفعل المتقوم بنور امر الله وهو قادر على تركه كان قد فعل فعله وحده بقدر الله لان الفعل المحفوظ مستند الى فاعله المحفوظ وحده فبقدر الله تقوم الفاعل والفعل وتقوم اسناده الى فاعله والى ذلك يشير تاويل قوله تعالى ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا فقدر الله روح فعل العبد وفعل العبد جسده وهكذا في كل حركة وسكون وهو سر الامر بين الامرين ومثال ذلك التقوم كما تقومت الاستضاءة في الجدار بنور الشمس فالامر وجه الشمس والنور الذي هو الماء نور الشمس المنبث والاستضاءة في الجدار وجود الانسان والجدار الذي اشرنا اليه وهو نفس الاستضاءة من حيث هي هي ماهيته وفعله المنسوب اليه هو مثل الانعكاس عن الاستضاءة وهو نوعان فما انعكس عنها من جهة نور الشمس فهو خير ونور وحسنة وطاعة وما انعكس عنها من جهة نفسها فهو شر وظلمة وسيئة ومعصية فالنوع الاول فعل العقل عن الوجود والثاني فعل النفس عن الماهية فتفهم واعلم ان الماهية موجودة بوجود الوجود ما دام موجودا واذا لم ‌توجد لم يوجد الوجود لانها شرط لايجاده وتمام لقابليته للايجاد كالعكس وانما قالوا انها عدم ما شمت رائحة الوجود لانهم يريدون انها لم ‌توجد اولا وبالذات قط لا انها لم ‌توجد اصلا بل هي موجودة بفاضل ايجاد الوجود كما قلنا آنفا وذلك الفاضل اذا نسب الى ايجاد الوجود كان نسبة الواحد من سبعين كما هو شان الآثار والصفات هذا في الظاهر واما في الحقيقة المطابقة للواقع فهي موجودة بوجود آخر مستقل في نفسه وان كان مترتبا على الاول فان نسبة وجوده الى الاول كنسبة وجود الانكسار الى وجود الكسر وذلك لان الاول من تمام قابلية وجودها للايجاد فالوجود في الاول موجود بالايجاد الذي هو الفعل اوجده بنفسه لا بوجود مغاير لنفسه الا ان ايجاده بنفسه ادارته على نفسه كرة تدور على كرة تدور على نقطة هي الحركة الكونية من الفعل والكرة الظاهرة تدور على خلاف التوالي والباطنة على التوالي وفي الثاني موجود بنور ايجاد الاول من الفعل وهو نقطة تدور نفس الماهية عليها على خلاف التوالي والماهية تدور على نفسها على خلاف هيئتها وخلاف التوالي وعلى الوجود في جهة غير جهته فحصل من الوجود والماهية كرتان متداخلتان في الاجزاء متمازجتان في الذرات متقابلتان في السطوح مختلفتان في الدوران وتمازجهما من غير استهلاك شيء من اجزائهما وذراتهما في آخر ولا استبانة شيء من شيء الا في الاعتبار والافعال والميول لاختلاف الشهوتين لتعاند الذاتين وكلما قرب من النقطة الكونية كان انور لغلبة الوجود وكلما بعد كان اشد ظلمة لغلبة الماهية حتى تنتهي الشدة والضعف الى نقطة الحركة الكونية والى محدب الكرة فتنتهي الظلمة في جهة الحركة الكونية الى نقطة عند وجه الحركة الكونية فتبعد منفرجة على هيئة مخروط قاعدته محدب الكرة الظاهرة وينتهي النور في جهة محدب الكرة الى نقطة على هيئة مخروط قاعدته عند وجه الحركة الكونية فتدور الكرتان الممتزجتان على وجه الحركة الكونية في الخلق تحت الحجاب الاحمر بثلاث حركات ابدا حركة الوجود الذاتية على التوالي وحركة الماهية الذاتية على خلاف التوالي والحركة الثالثة عرضية ففي حال الطاعة تدور الماهية بالحركة العرضية على التوالي وبحركتها الذاتية على خلاف التوالي وفي حال المعصية يدور الوجود بالحركة العرضية على خلاف التوالي وبحركته الذاتية على التوالي فاذا تتابعت الطاعات ضعفت حركة الماهية الذاتية وابطأت واسرعت عرضيتها واذا تتابعت المعاصي ضعفت حركة الوجود الذاتية وابطأت واسرعت عرضيته ولاجل ان الحركة الذاتية لا تتبع الذاتية الاخرى ابدا وانما تتبع بالعرضية ثقلت الطاعة والمعصية لحصول التعاكس حتى يفني اعتبار احدهما لميله فيخف مقتضى الموجود الميل وتدور الكرتان على وجه الحركة الكونية في الرزق تحت الحجاب الابيض بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية لمدد الرزق على التوالي وحركة الماهية الذاتية لمدد الحرمان على خلاف التوالي والحركة الثالثة عرضية ففي حال الرزق تدور الماهية بالحركة العرضية على التوالي وبالذاتية بالعكس وفي حال الحرمان يدور الوجود بالعرضية على خلاف التوالي وبالذاتية بالعكس وتدور الكرتان على وجه الحركة الكونية تحت الحجاب الاخضر بثلاث حركات في الموت حركة الوجود الذاتية على خلاف التوالي وحركة الماهية الذاتية على التوالي وعرضيتهما على العكس وتدور الكرتان على وجه الحركة الكونية في الحيوة تحت الحجاب الاصفر بثلاث حركات كل واحدة بعكسها في الموت في الذاتية والعرضية فكان للوجود والماهية في مراتب الوجود الاربعة التي بني عليها العرش وتجلي الرحمن بافعاله على العرش بها وهي الخلق والرزق والموت والحيوة كما قال الله تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم اثنتا عشرة حركة ثمان ذاتيات واربع عرضيات في عالم المعاني عالم الجبروت واثنتا عشرة حركة كذلك في عالم الصور عالم الملكوت واثنتا عشرة كذلك في عالم الاجسام عالم الملك وفي عالم الرقائق عالم الاظلة كذلك وفي عالم الاشكال عالم المثال كذلك الا ان عرضيتهما في عالم الجبروت بالقوة وفي عالم الاظلة بالتهيؤ وفي ما دون ذلك بالفعل فهذه ستون حركة للوجود وللماهية اربعون منها ذاتية وعشرون عرضية ثم اعلم ان للوجود وللماهية باعتبار ذراتهما حركة دهرية غير حركة الكل فكل ذرة من الوجود تدور على وجهها لا الى جهة وكل ذرة من الماهية تدور على وجهها لا الى جهة وكذلك نهايات كل منها ولكل ذرة من كل منهما بالنسبة الى المجموع حكم فلك التدوير في الحامل من الاسراع والابطاء والاقامة والرجوع وحكم المجموع في الحاجة والاستمداد والكروية فكل متوجه الى مبدئه واقف بمسئلته بباب ربه لائذ في فقره بجناب غناه ثم اعلم ان عرضية كل شيء مما ذكرنا هي جهة فقره الى ضده فعرضية الوجود جهة فقره الى الماهية في الظهور وعرضيتها جهة فقرها الى الوجود في التحقق فلهذا تتبع عرضية كل واحد ذاتية الآخر

الفائدة الثانية‌ عشرة: في بيان ثبوت الاختيار

اعلم ان الاختيار نشأ من ميل الوجود الى ما يناسبه وميل الماهية الى ما يناسبها كما ذكرنا مرارا وهو ذاتي وفعلي فالاول هو استدارة الشيء بوجه افتقاره على قطب استغنائه اي ما يطلب منه الاستغناء وقد اشرنا الى هذا فيما سبق من حركته على قطبه والثاني استدارته بالاته على جهة قطبه لحاجته من احدهما وحيث كان للشيء ميلان متعاكسان يكتفي بمتعلق احدهما جاء الاختيار فهو ان شاء فعل وان شاء ترك هذا في الميل الفعلي واما الميل الذاتي فهو مختار في كل واحد من شقيه اي مختار في ميل الوجود نفسه الى ما يقتضيه وفي ميل الماهية نفسها الى ما تقتضيه وبيان ذلك ان الوجود لا يشتهي الا النور ولا يشتهي لذاته الظلمة وان اشتهاها بالعرض والاعتياد الذي هو عرضي ولا يمكن في ذاته من حيث صدوره بفعل الله ان يشاء الظلمة لانها جهة الماهية منه فلا يمكن ان يشاء الا يشاء ما يشاؤه اذ المشية واحدة فلا تنبعث حيث لا تنبعث وكذا الكلام في الماهية نفسها من حيث هي ولا يظن ان هذا مناف لما نذكره من انه لا يكون شيء من شيء الا باختيار ولا جبر في جميع الاشياء لا لها ولا منها لان الوجود لا شيئية له الا في الماهية والماهية لا شيئية لها الا بالوجود وما ليس له في حقيقته بكل اعتبار الا جهة واحدة لا يمكن فيه تعدد ميل او اختلاف انبعاث وليس هذا جبرا لان الجبر ان يميل الشيء غيره على خلاف مقتضى ذاته او بغير ميل ذاته وهذا بميل ذاته فليس جبرا فهو اختيارٌ اذ لا واسطة بينهما الا انه يقال عليه انه جزء اختيار لان المعروف من الاختيار هو الميل الى جهتين مختلفتين لداعيين مختلفين عن الارادة المركبة من ذلك الشيء المركب فهذا الاختيار هو الاختيار الناقص ونظيره المعنى الذي في الحرف فانه اذا ضم الى غيره تم المعنى ولا يقال ان هذا هو اختيار الواجب لبساطة ذاته فليس له الا اختيار جهة كما قاله كثيرون من ان وحدة مشيته ينافي الاختيار واما امر ان شاء فعل وان شاء ترك فحكم راجع الى الممكن من حيث هو لان هذا باطل وذلك لان الاختيار المنسوب الى كل ممكن بحيث ان شاء فعل وان شاء ترك فانما ذلك لان كل اثر مشابهٌ لصفة مؤثره وهو ما في المشية في نفسها اذ جميع ما يمكن ان ينسب الى الممكن من فعل او انفعال او اضافة او غير ذلك صفة لذات ذلك الممكن فما لا يمكن في ذاته لا يمكن ان يكون منه او ينسب اليه بكل اعتبار ولا يمكن في ذاته الا ما يمكن في المشية ولا يمكن في المشية الا ما يمكن في العلم وهو الذات الحق سبحانه وتعالى فاختيار الممكن اثرٌ لاختيار المشية واختيار المشية اثرٌ لاختيار الواجب فان قيل هل يعلم في الازل زيدا في الحدوث انه حيوان ناطق ام لا فان كان يعلم ذلك لم ‌يجز الا يخلقه او يخلقه فرسا والا انقلب علمه جهلا وان لم ‌يعلم لزم الجهل بما سيكون وهو باطل بالضرورة فوجب انه يعلم انه حيوانٌ ناطق والمشية صفة تابعة للعلم فيجب ان يخلقه كذلك ولا يمكن في حقه غير ذلك وان كان زيد في نفسه من حيث هو ممكنا في حقه التغيير قلنا هو سبحانه يعلم ما يكون وما يشاء ان يغير الى ما شاء فكل طور يمكن ان يكون الممكن عليه فهو يعلمه وكل احتمال فيما يشاء فهو يعلمه ويعلم ما يكون مما يكون حين يشاء كيف يشاء فاذا علم زيدا انه سيكون حيوانا ناطقا فهو في علمه واذا شاء ان يغير الى ما يشاء فهو في علمه فاذا اراد غير ما يشاء كيف يشاء وفي كل تغيير وتقرير ومحو واثبات فهو مطابقٌ لما هو عليه في علمه فتغيير ما علم اذا تقريرٌ لما علم لانه شاء ما علم فاذا شاء تغييره كان شائيا لما علم سبحانه لا يقدر الواصفون وصفه وذلك لان جميع ما يمكن في حق الممكن فانما هو من مشيته وما في مشيته في علمه فاذا علم ان زيدا يكون في الوقت المخصوص في المكان المخصوص ثم انتقل زيد عن المكان كانت الحالة الاولى في علمه والحالة الثانية في علمه من غير تغيير بل هو الثبات الا انه في كونه في المكان الاول هو في علمه في المكانين فاذا كان في الاول وقع غيبه على شهادته فاذا انتقل الى الثاني فارقت شهادته غيبه ووقع غيب الثاني على شهادته بغير تغيير في العلم على الحالين وانما تغير زيد بتغيره وذلك لانك اذا علمت زيدا في مكان في وقت وعلمت انه ينتقل الى آخر لا يتغير علمك اذا انتقل كما علمت بل كان علمك ثابتا وعلمك به اولا لم ‌يتغير بتغير حال زيد بل لم‌ تزل تعلم انه كان في الاول والصورة العلمية من حالته الاولى باقية عندك والثانية التي طابقها زيد بانتقاله باقية لم ‌تتغير وانما انطبقت ووقعت على المعلوم حين انتقل فافهم ثم انك تقول بالبداء وان الله يمحو ما يشاء ويثبت وهذا شرح ما نحن فيه وتفصيل الاشياء يطول بها الكلام فلا فائدة فيه مع ظهور المرام فهو سبحانه مختار بمعنى ان شاء فعل وان شاء ترك وليس على حد اختيار ما ذكرنا في الوجود البسيط ولا يقال ان العلة في الوجود انما كانت لبساطته وذات الله سبحانه اشد بساطة من كل شيء فيجري ذلك فيه بالطريق الاولى فيكون معنى انه مختار انه يفعل ما شاء بقصد ورضي بما فعل لا انه ان شاء فعل وان شاء ترك لان هذا مقتضى المركب من الضدين كما قررتم سابقا لانا نقول قد قررنا انه سبحانه يتصف بجهتي النقيضين وبجهتي ارتفاعهما وبجهة المركب من حيث بساطته لان كلما يمكن في غيره يمتنع عليه وكلما يمنتع في غيره يجب له ولهذا قال الرضا (ع) كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فالبسيط من حيث بساطته لا تصدر عنه آثار المركب وبالعكس هذا في الخلق واما في ذاته سبحانه فذلك بخلاف ما يمكن في الخلق فهو العالي في دنوه الداني في علوه بجهة واحدة الظاهر ببطونه الباطن بظهوره بجهة واحدة القريب في بعده البعيد في قربه بجهة واحده الاول باخريته الآخر باوليته بجهة واحدة ولا يجري ذلك وما اشبهه في ما سواه ويجب في حقه سبحانه فهو في بساطته احدي المعنى فلا تكثر في ذاته ولا تعدد ولا حيث وحيث ولا جهة وجهة ولا اختلاف في ذاته بكل اعتبار لا بالامكان والفرض والتوهم ولا بالواقع فكلما ميزتموه في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم يعني منكم اليكم والله الغني وانتم الفقراء ومع هذا فهو المؤلف بين المتعاديات والجامع بين المتعاندات وتصدر عنه الافعال المتضادة فليس بين فعله وبين ما سواه موافقة ولا مخالفة لانه اثر ذاته التي لا يضادها شيء ولا ينادها شيء هو هو لا اله الا هو انما الشيء من مشيته ففعل الشيء وتركه بالنسبة الى مشيته سواء فهو ان شاء فعل وان شاء ترك بجهة واحدة ومشية واحدة كذلك الله ربي كذلك ربي والتنظير بالخلق تشبيه بكل اعتبار وفي الدعاء بدت قدرتك يا الهي ولم‌تبد هيئةٌ فشبهوك يا سيدي وجعلوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك يا الهي وهذا حال من عرف من نفسه هيئة فعرف بها ربه والله لا يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فان قلت انا عالم وهو عالم وانا حي وهو حي وانا موجود وهو موجود ولا يستدل على شيء من وصفه بتلك الصفات الا بما نجده قلت هذا معنى قوله (ع) بدت قدرتك يا الهي ولم ‌تبد هيئة الخ انا انما وصفناه بالعلم لانه خلق فينا العلم وبالحيوة لخلقه فينا الحيوة وبالوجود لايجادنا وليس هذا كمثل ما هو عليه وانما قبل منكم هذه التوصيفات وتعبدكم بها لانها مبلغ وسعكم وحقيقة ذواتكم التي تعرف لكم بها فتصفونه بما هو كمال عندكم وان الذرة لتزعم ان لله زبانين لان كمالها في وجودهما لها ولهذا قال الرضا (ع) واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون ثم اعلم انما تجد من الاختيار التام فهو اثر اختيار فعله واختيار فعله اثر اختيار ذاته والوجود باسره ليس في شيء منه اضطرار محض ولا جبر خالص بل كله مختار وكل ذرة من الوجود مختارة لان اثر المختار مختار وهذه الحقيقة اشترك جميع ما خلق فيها الانسان والجماد الا انه كلما قرب من الفعل كان اقوى اختيارا واظهر وكلما بعد كان اضعف اختيارا واخفى كالنور المتشعشع عن المنير كلما قرب منه كان اشد نورا واقوى اظهارا وظهورا وكلما بعد كان اضعف واخفى حتى ينتهي الوجود فيفنى الاختيار حيث يفنى الوجود سواء كان ذاتيا ام عرضيا كل بحسبه وما ترى من المجبول كنزول الحجر الذي لا يقوى ظاهرا على الصعود فاعلم ان الله سبحانه وكل به ملكا يضعه حيث امره الله وذلك مما يمكن في الحجر من النزول وما ترى من المجبور ظاهرا كالحجر الذي يدفعه الشخص الى جهة العلو فيصعد مع ان شانه النزول فاعلم ان الله سبحانه وكل به ملكا كان موكلا بعضو الشخص الدافع هو اقوى من الملك الموكل بالنزول وقد امر الله الملك الموكل بالنزول ان يمتثل امر الملك الموكل بالدفع الى انتهاء شعاع ذلك الملك وشهوة الحجر في شهوة الملك الموكل بالنزول فاذا انتهي شعاع الدافع اشتهى المنزل النزول واشتهى الحجر ما اشتهاه الملك وليست في الحقيقة قسرا وانما هي شهوة اختيار كشهوة الجائع للاكل فانه ياكل ولكنه مختار مع انك ترى ان الجائع الذي يحصل له الطعام وهو قادر على الاكل منه وليس له مانع لا من نفسه ولا من خارج بكل فرض لا بد ان ياكل مع انه مختار قطعا هذا كمثال الحجر حرفا بحرف لا فرق بينهما ولكن الطرف الآخر من اختيار الحجر وهو عدم النزول منه باختياره خفي جدا لان الاختيار من الجمادات والنباتات لا يعرفه الانسان الا بطور وراء العقل وذلك لانسه بابناء نوعه وجنسه فلا يعرف من الاختيار الا ما كان من نوعه كالانسان او من جنسه كالحيوان واذا كان ممن له طورٌ من المشاعر وراء العقل عرف اختيار النباتات والجمادات وانا اذكر لك شيئين مثالا وبيانا تستدل بهما على اثبات اختيار النباتات والجمادات وشعورهما فالاول اعلم ان الوجود الصادر عن المشية كالنور الصادر عن السراج ومعلوم ان اجزاء النور كلما قرب من السراج كان اقوى نورا وحرارة ويبوسة مما كان ابعد منه وهكذا حتى يكون آخر اجزاء النور اضعف الاجزاء نورا وحرارة ويبوسة فاذا فقد النور فقدت الحرارة واليبوسة ولا يمكن وجود احد الثلاثة الاوصاف بدون الاخرين بل اذا وجد واحد وجدت الثلاثة وان فقد فقدت الثلاثة فكذلك الوجود الصادر عن المشية كلما قرب منها كان اقوي وجودا وشعورا واختيارا كالعقل الاول وكلما بعد ضعفت الثلاثة على حد سواء الى الجمادات فتكون الجمادات اضعف وجودا وشعورا واختيارا كما قلنا في نور السراج لانه آية الله تعالى في الآفاق لهذا المطلب لمن ورد هذا المشرب قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فافهم والثاني اعلم ان الشيء الجماد مثلا كالحجر اذا اتاه شيء دفعه الى العلو لا يندفع الا اذا كان يمكنه الاندفاع ولا يمكنه ما ليس في حقيقته بل انما اندفع الى العلو لان ذاته قابلة لذلك كما ان ذاته قابلة للنزول بنسبة واحدة ولكن الله سبحانه جعل علة النزول وشهوته واختياره راجحة ملازمة للجماد بتسخير الله لاجل منفعة الخلق وابان علة الصعود وشهوته واختياره بوجود المقتضي له كما ان علة النزول وشهوته واختياره بوجود المقتضي له وهو الذي يسمونه العوام بالثقل واذا دفعه الى العلو دافع فليس في الحقيقة قاسرا بل هو معين لما تقتضيه ذاته لان القاسر هو ما يسلك بالشيء ما لا يمكن في ذاته وهذا محال لانه اذا دفعه وكان الاندفاع غير ممكن في ذاته فان لم‌ يندفع لم ‌يقع قسر وان اندفع فليس هو ذلك بل المندفع غيره لانه اذا امكن فيه ما لا يمكن فيه لا يكون حتى يغير حقيقته الى ما يمكن فيه فلا يكون هو اياه لان ما لا يمكن فيه لا يمكن ان يمكن فيه فاذا دفعه فاندفع كان الاندفاع ممكنا فيه ولكن لطيفته من الوجود قصرت عما يمكن فيه ان يكون بنفسه فكان هذا الدافع معينا لما يمكن ان يندفع ومتمما له فكان به الاندفاع ممكنا في ذاته لما في ذاته من قوة الانقياد وهو مطاوعة وهي اختيار لمن يفهم فالاختيار لازم لجميع ذرات الوجود ولكن الامر المحكم ان يكون الشيء على كمال ما ينبغي وكمال ما ينبغي ان يكون التابع تابعا باختياره لاحوال المتبوع من حيث المتبوعية والا لم‌ يكن التابع تابعا ولا المتبوع متبوعا اذ التابعية والمتبوعية نسبة ارتباط بينهما ومشابهة في الذوات تقتضي المجانسة المقتضية للميل الذاتي المقتضي للاختيار بسبب اختلاف جهة ذات كل منهما كما اشرنا اليه مرارا ولو كان تابعا بغير اختياره لم يكن تابعا لما قلنا والنبات والجماد في الوجود تابعان للحيوان لانهما من فاضل طينته فيجب ان يكون تابعا في تلك الاحوال فيجب في الحكمة لانتظام الوجود ان يكون تابع يحمله ويقله كالماء والتراب وتابع يظله كالنار والسماء وتابع يحيط به كالهواء لان جميع الاكوان تابع للانسان فعلة الصعود والنزول لتسخير ولي التدبير لانها اعانة منه لها فيما اراد منها فكمال التابع على ما ينبغي وكما ينبغي ان يختار المتبوع متبوعية التابع ويريدها ويختار التابع تبعية المتبوع ويريدها وهو المراد من الاختيار وسخر الله كلا منهما معونة منه لما احبا والا لم‌ يكونا اياهما اذ لا يكون الشيء اياه الا بما يمكن له فافهم ما كررنا لك وليس تسخيره تعالى قسرا وانما خلقها على ما هي عليه وما هي عليه الا بما سألته ولم‌ يجبرها على السؤال بل سألها باختيارها ولهذا قال الست بربكم استخبارا وتقريرا لما علموا فاتاهم بذكرهم وما انطووا عليه ورضوا به فلما اتاهم بالاختيار وخيرهم اقر من اقر وجحد من جحد ولو قسرهم لم‌ يمتنع منهم احد وهذا البيان والمثال انما هو باللسان الظاهري واما المعنى الباطني فهو ما ذكرنا لك من انه من ملائكة وكمال البيان يطول به الكلام لما في هذا المقام من الدقائق الخفية ولكن هذا تلويح وتمثيل واشارة واعلم ان هذا التكرير في العبارات والترديد انما هو للتفهيم ولو هذبت العبارة واقتصرت على الاشارة لكلت البصائر وانسدت المذاهب الى هذه المطالب ومع هذا فان عرفت فانت انت والله ولي التوفيق

المصادر
المحتوى