
من مصنفات
الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء لا من شيء اي لا من مادة كانت معه غير مكونة والا لكانت مخلوقة من حصص قديمة لم تزل تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا بل خلق لها مادة اخترعها لا من شيء سبق وانما هي تأكيد فعله واثره مثل ايجاد ضربا الذي هو الحدث من ضرب وذلك هو هيولي الاشياء ووجودها وهو الذات الذي ذوت منه ومن اشعته الذوات لان الجوهر ان كان جسما فهو متقوم بصفاته واعراض افعاله التي هي منشأ قابليته للتكوين والظهور في اعيان رتبته وان كان مجردا فهو متقوم بما تلبس وامكن فيه من صفات افعاله واعراض رتبته من الكون والى هذا المعنى الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلم والذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه ه والمراد ان المجرد لا يوجد الا اذا قبل الايجاد وقبوله لا بد ان يكون متأخرا عن مقبوله بالذات والرتبة لان القبول فعل موجود والفعل صفة فاعله والصفة متأخرة عن الموصوف في الذات والرتبة لانها مخلوقة منه ولما لم يكن موجودا قبل قبوله للايجاد لتوقفه على قبوله ولم يعقل وجود الصفة قبل الموصوف وجب ان يكون ظهورهما معا لتوقف ظهور المقبول على وجود القابل وتوقف تحقق القابل على وجود المقبول لانه صفة المقبول وذلك كالكسر والانكسار فان الانكسار فعل من الكسر وصفة له الا ان ظهوره متوقف على الانكسار فلما خلق الله المقبول اعني الهيولي انخلق فانخلق هو القبول وهو فعل من المخلوق اي المقبول خلقه الله بامكانه واستعداده من نفس المقبول من حيث نفسه اي من حيث هو هو وهذا القبول هو صورته وماهيته وظاهره اللازم له وظاهر المجرد اللازم ( له خم ) هو ( وخل ) باطن جسمه فاذا تنزل الى رتبة الجسمية بظاهره ظهر جسمه وهو مادة جسمه ايضا هي المقبول وظاهرها هو القبول اعني معيناتها من الكم والكيف والوقت والمكان والرتبة والجهة وما يلزم ذلك وهكذا كلما نزل الى رتبة تلبس باعراضها التي هي حدود قابليته للتنزل ( المتنزل خل التنزل خم ) الى تلك الرتبة فالقبول في كل رتبة من مراتب النزول ظاهر وصفة ومركب حامل للمقبول والمقبول في كل تنزلاته باق في كل تنزله في رتبته قبل التنزل وانما ينزل بحدود صفاته الفعلية فالفؤاد تعين بامدادات فعلية فؤادية عقلية تنزل بها الى رتبه العقل بالعقل والعقل تميز بتاييدات فعلية تنزل بها الى رتبة الروح ثم النفس والنفس تشخصت بمشخصات فعلية نفسانية تنزلت بها الى رتبة الطبيعة والطبيعة انعمت وذابت باحوال فعلية طبيعية انعقدت بها وتنزلت ( بها خل ) الى رتبة جواهر الهباء والحصص المادية والجواهر الهبائية والحصص المادية تنقلت ( انتقلت خل ) في مراتب تنزلاتها بما به تعينها من آثار الصور الجوهرية النفسانية وتلك الآثار هي الصور المثالية فنزلت تلك الجواهر الهبائية مصاحبة لما لبست من تلك الآثار التي اتصفت افعالها بها بالقوة فتلقتها الملئكة المدبرة من العرش الذي تلقتها من الماء الحامل له حتى القتها على الريح والقتها الريح على السحاب والقتها السحاب على الأرض ماء فاختلط به نبات الأرض فانحل منه جزءان بجزء من التراب مشاكل فجرى غذاء في الشجر والنبات فخرج متاعا للانسان والأنعام فكان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسى العظام لحما ثم ينشئ خلقا آخر عند الولادة الجسمانية حين ظهرت النفس الحيوانية الفلكية الحسية ثم تظهر النفس الناطقة القدسية عند الولادة الدنيوية وهي التي موادها من التاييدات العقلية فتتولد نفوس عمرو وبكر وخالد من نفس ابيهم زيد بما صحبها من مقتضيات تشخصاتها من افعال طبايعها واوصافها الكامنة فيها بسبب اختلافها وتغايرها كما تتكثر ( لتكثر خل ) الصور المنعكسة عن صورة زيد المنطبعة في المرءاة اذا قابلت مرايا متعددة ومثال ما اشرنا اليه ايضا مثل حبة الحنطة اذا زرعت فان طبيعتها مثل الجوهر المجرد وصفاتها وصفات صفاتها مثل الامدادات والتاييدات والتنزلات على نحو ما ذكر في تنزل الفؤاد اعني الوجود فان الحبة تنشق بما فيها من الطبيعة والأفعال التي هي القابلية في كل رتبة بحسبها حتى يظهر ما في صفاتها بالقوة منها الى الفعل عودا اخضر والحبة في غيب العود الأخضر كامنة كنطفة زيد في صلبه التي يتكون منها ابنه عمرو الى ان تتكون من تلك الاوصاف سنبلة تكون للحب ( للحبة خل ) بمنزلة المشيمة وبطن الأم للجنين ولما تعددت تلك الأوصاف الفعلية الطبيعية تعددت آثارها واختلفت فكانت تلك السنبلة متعددة البيوت فانبسطت تلك الطبيعة على تلك البيوت فتعددت كما تتعدد الصور من الوجه الواحد في المرايا المتعددة وكما تتعدد عمرو وبكر و خالد من نطفة ابيهم زيد وهذه الأوصاف الفعلية التي منها يكون الأطوار الجسمية والجسمانية والتعينات العقلية والنفسية والطبيعية كانت منها مقبولات عرضية في كل رتبة بنسبتها جعلت لها قابليات من نفسها كالمقبولات الذاتية وتحقق الأتصاف بها بتحقق قوابلها الى انتهاء قوس النزول بانتهاء ادبار مؤثرها فلما قيل له اقبل اقبل فاقبل بآثاره اقبلت الآثار باغراضها بالغين المعجمة والقت اعراضها بالعين المهملة فاتصف باطنها بظاهرها وتحلى ( تجلى خل ) ظاهرها بباطنها فحصل لباطنها الاغراض الظاهرة كالباطنة وحصل لظاهرها الاغراض الباطنة كالظاهرة فادركت بباطنها الباطن والظاهر وادركت بظاهرها الظاهر والباطن والاصل فيما اشرنا اليه ان الهيولي الأولى اعني الوجود بالمعنى الأول لا تتقوم الا بصورتها اعني الماهية بالمعنى الأول لانها جزء ماهية الشيء اذ كل ممكن مركب من مادة وصورة ولكنها في كل رتبة بنسبتها فتعين الأجناس بالمعينات الجنسية والأنواع بالمعينات النوعية والأفراد بالمعينات ( بالتعينات خل ) الشخصية والمعينات التي هي حدود الصورة والقابلية مخلوقة من نفس المقبول اعني المادة من حيث هي هي فاذا ( فلذا خم ) كانت جزء ماهية الشيء وان كانت ظاهره الحامل لباطنه كما خلقت حواء من آدم عليهما السلام قال تعالى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها لان المادة هي الأب كما تقدم والصورة هي الأم كما دل عليه العقل ونص عليه النقل فالحبة التي مثلنا بها هي المادة بصورتها والعود الأخضر الذي هو ظاهرها غيب فيها طوته الحبة في وصفها وفي صورتها طيا فاذا زرعتها ظهر العود الأخضر وكمنت الحبة في باطنه كما كمن قبل زرعها في ظاهرها حتى تظهر الحبة في السنبلة متعددة متكثرة في اكمامها المتكثرة ومحالها المتعددة كما تتحد النطف في صلب الرجل وتتعدد في القوابل وتتكثر في الأرحام وقد اشرنا الى ذلك قبل هذا وادلة ما اشرنا اليه في قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وفي مثل قول الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث وفي قول الامام الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الأستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هيهنا ه وامثال ذلك مما يفيده دليل الحكمة
اعلم ان الوجود الممكن ذهب فيه اكثر الحكماء والعلماء من اهل الملل واهل النحل الى ان هذه الموجودات المتكثرة المتعددة المختلفة كلها من طينة واحدة وانما اختلف ( اختلفت خم ) باختلاف معيناته وتغايرها وتكثر ( تكثرها خل ) بتكثر مراتبه ( وتكثر مراتبه خم ) من جهة القرب الى المبدء والبعد كما تكثرت مراتب نور السراج الواحد من جهة قربه من السراج وبعده فاقواها نورا وحرارة ما كان اقرب الى السراج واضعفها نورا وحرارة ما كان ابعد منه وما بينهما بالنسبة فانه تعالى خلق الوجود لا غير وهو اول ما خلق الله عز وجل وهو الماء المذكور في القرءان والاحاديث فخلق من صفوته نور محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام ثم خلق من صفوة الباقي انوار الأنبياء عليهم السلام ثم خلق من صفوة الباقي انوار المؤمنين من الأنس ثم المؤمنين من الجن ثم الملئكة ثم الحيوانات ثم النباتات ثم المعادن ثم الجمادات واما ( الانس خ ) الكفار والجن الكفار والشياطين والمسوخ والنبات المر والأرض السبخة فمن عكوسات اولئك الأنوار واظلتهم ولهم ( ودلهم خم ) على وحدة طينة هؤلاء المتكثرين ظواهر الأخبار فان الفاظ تلك الأدلة وردت بالوحدة مثل ( قوله عليه السلام خم ) ان اول ما خلق الله الماء وخلق منه كذا وكذا ومثل قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون حتى انه لا يكاد يوجد قائل بخلاف هذا ويجعلون جميع الممكنات من طينة واحدة ورتبة واحدة وانما اختلفت الأشياء بسبب اختلاف مشخصاتها وبتغاير مراتبها في الشدة والضعف كما هو شان مراتب المشكك بحيث كانت عندهم طينة الحجر والتراب من طينة نور محمد صلى الله عليه وآله وهذا غلط وباطل وزبد مجتث زائل اذ لو كان كذلك لأمكن في الناقص ان يلحق بالكامل مع بقاء نقصانه الذاتي فيجوز للمؤمن الصالح العامل بما امر به ان يسئل الله تعالى ان يجعله نبيا لأنه على هذا القول انما لم يكن نبيا لأنه ناقص في بعض ما يتعلق به التكليف والا فطينة الأنبياء عليهم السلام وطينة المؤمنين واحدة وليس كذلك فان قلت انه قد ورد ان الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين مشتركون في طينة واحدة كما هو معنى حديث بصائرالدرجات قلت نعم وسنذكره ان شاء الله تعالى ولكن المراد منه اما كون المراد من الشيعة الأنبياء عليهم السلام فيكون المراد من الشيعة مطلق الأنبياء ومن الأنبياء المرسلين او المراد بالطينة المشترك فيها طينة الصفة اعني الشيعة لا طينة الذات او الصورة الذاتية اعني الصبغ في الرحمة فان الله تعالى خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته والمراد بالمشاركة في نقل العلم منهم عليهم السلام كما قال الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري في قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة قال عليه السلام بل فينا ضرب الله الأمثال في القرءان فنحن القرى التي بارك الله فيها وذلك قول الله عز وجل فيمن اقر بفضلنا حيث امرهم ان يأتونا فقال وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها اي وجعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة او القرى الظاهرة الرسل والنقلة عنا الى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله سبحانه وقدرنا فيها السير السير مثل العلم سير به سيروا فيها ليالي واياما مثل لما يسير من العلم والليالي والأيام عنا اليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمنين فيها اذا اخذوا عن معدنها الذي امروا ان يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال والنقلة من الحلال والحرام رواه الطبرسي في الاحتجاج والحق ان الوجود الممكن ليس متحدا في الرتبة الذاتية ولا في الرتبة التنزلية كما ذكره الأكثرون من ان تعدده في الرتبة التنزلية كتعدد نور السراج الواحد في مراتبه التنزلية مع ان رتبته الذاتية واحدة فقولنا ان وجودات الممكنات ليست متحدة في الرتبة الذاتية نريد به ان الرتبة الأولى مختصة بالخلق الأول وليس لمن بعدهم فيها نصيب بوجه من الوجوه ( ولا ربط بينهما خم ) الا ربط العلية والمعلولية فالوجود الذي خلقت منه العقول لم تخلق منه النفوس لا من صفوته ولا من باقيه وانما خلقت النفوس من اثر ما خلقت منه العقول بمعنى انها خلقت من شعاع ما خلقت منه العقول وآيته ومثاله ودليله ان شعاع الشمس الواقع على الجدار خلق من ظهور جرم الشمس به واستنارة المقابل للجدار المستنير خلقت من شعاع استنارة الجدار واستنارة المقابل للمقابل المستنير خلقت من شعاع استنارة المقابل للمقابل وهكذا مراتب الوجود في تراميها من النور المحمدي صلى الله عليه وآله الى التراب كل سابق منير وما بعده شعاعه ونوره وكل نور جزء من سبعين جزء من نور منيره السابق عليه وهو معنى ما رواه في بصائر الدرجات بسنده عن ابي عبد الله عليه السلام قال يعني محمد بن مروان سمعته عليه السلام يقول خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا وخلق ارواح شيعتنا من ابداننا وابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيبا الا الأنبياء والمرسلين فلذلك صرنا نحن وهم الناس وصار الناس همجا في النار والى النار ه والمراد من هذا الحديث الشريف على ما اعرف على سبيل البت والقطع عندي انه تعالى اول ما خلق نور محمد صلى الله عليه وآله وخلق من نوره نور علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأطهار من ذرية الحسين عليهم السلام كخلق السراج من السراج وهو قول علي عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء والضوء من المنير لا النور وبقوا كما روي ( والضوء هو المنير لا النور لقوله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وبقوله كما روي خم ) عنهم عليهم السلام الف دهر ( كل دهر خم ) على ما يظهر لي مائة الف سنة يسبحون الله ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه ليس في الوجود الممكن سواهم ثم خلق عز وجل من اشعة انوارهم انوار مائة الف واربعة وعشرين الف نبي عليهم السلام وبقوا الف دهر يسبحون الله ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه ليس في الامكان غير محمد وآله وغيرهم صلى الله عليه وآله وعليهم اجمعين لم يخلق تعالى من تلك الأشعة غير الأنبياء عليهم السلام ثم خلق تعالى من اشعة انوار الأنبياء عليهم السلام انوار المؤمنين ( الانس خم ) ثم ( من انوار المؤمنين الانس خم ) انوار المؤمنين من الجن وهكذا على نحو ما ذكرنا قبل هذا وهذا هو الحق وهو الذي دلت عليه آيات الله التي اراها عباده في الآفاق وفي انفسهم ( منها السراج ونوره خم ) فان نور السراج مع تفاوت اجزائه كله من رتبة واحدة ( والوجود في تفاوت اجزائه ليس من رتبة واحدة خم ) فلا تكون العقول المجردة والأرواح القادسة والجمادات الكثيفة الغاسقة من رتبة واحدة كجزئين من نور السراج بل من رتبتين رتبة المنير ورتبة النور فاذا طرق سمعك شيء من كلامهم عليهم السلام مثل قولهم عليهم السلام خلق من فاضل طينة كذا فاعلم انهم عليهم السلام يريدون بالفاضل شعاع الشيء واشراقه ووصفه لا تتوهم انهم عليهم السلام يريدون بالفاضل بقية الشيء ابدا فافهم
اعلم ان الله عز وجل كان في عز جلاله وقدس كماله وحده لا شريك له وليس معه غيره وهو الآن على ما كان اعني وحده لا شريك له وليس معه غيره ثم احدث المشية الامكانية بنفسها ثم احدث الامكان بها فكانت امكانات الأشياء باحداثه بمشيته اعني فعله ومعنى انه احدث المشية بنفسها ان المشية معناها بالعبارة الظاهرة التبيينية ( التنبيهية خم ) انها الحركة الايجادية والحركة الايجادية محدثة يتوقف احداثها على حركة ايجادية وهي حركة ايجادية فلايحتاج في ايجادها الى غير نفسها واذا سمعت انا نقول خلق الله المشية بنفسها فاعلم انا نريد بذلك انها شيء واحد غير متعدد لا في ذاته بان تكون نفسها شيئا وهي شيئا آخر ولا في حيثية ( حيثيته خل ) بان تكون نفسها من حيث هي علة غيرها من حيث هي معلولة وان اردنا هذا في حال التعريف والتبيين وهي بسيطة في اعلى مراتب البساطة الامكانية اذ كل ما يميز ويدرك مما سواها فبها كان وعنها صدر ولا اول لها في الامكان غيرها ومكانها الامكانات التي بها صدرت ووقتها السرمد واحدث سبحانه بها امكانات الأشياء على وجه كلي لا يتناهى في الامكان بمعنى ان امكان زيد يمكن ان يكون عمرا وان يكون منه عمرو وان يكون نبيا او شيطانا وان يكون منه نبي او شيطان وان يكون سماء وارضا او بحرا او جبلا او حيوانا وان يكون منه سماء او ارض او بحر او جبل او حيوان وهكذا الى غير النهاية والحاصل ان الممكن ممكن لغيره لا لذاته كما ذكره من قسم الأشياء الى خمسة اقسام فقال واجب لذاته وهو الله عز وجل وواجب لغيره وهو وجود المعلول عند وجود علته التامة وممتنع الوجود لذاته وهو شريك الباري وممتنع الوجود لغيره وهو وجود المعلول عند عدم وجود علته التامة وممكن الوجود لذاته قالوا ولا يجوز ان يكون ممكن الوجود لغيره اذ لو فرض ذلك لكان قبل الغير اما ان يكون واجبا او ممتنعا اذ الأشياء لا تخلو من احدها ( احدهما خل ) فكان بالغير ممكنا فيلزم انقلاب الحقايق وهو ممتنع والجواب بالمعارضة انه ( عنه بشيئين بالمعارضة وبدليل الحكمة واما بالاول فبأنه خم ) اذا كان لذاته كان قديما لأنه ان كان شيئا قبل ما من الغير كان قديما وان لم يكن شيئا الا بالغير فهو ممكن بالغير وبدليل الحكمة انه تعالى كان ولا شيء معه في الأزل والأزل ذاته المقدسة بمعنى ان كل ما يصدق عليه اسم الشيء حقيقة او مجازا فهو ممتنع في رتبة ذاته تعالى غير ذاته المقدسة وما سواه فهو مصنوع له تعالى فلا يكون لذاته بل لغيره والممكن ان كان شيئا فهو ممكن لغيره والا فلا عبارة عنه والممتنع ليس شيئا فلا عبارة عنه وقد تقدم بيان هذا في الفائدة الثانية ثم اذا فهمت ما اشرنا اليه فاعلم ان الامكان هو منشأ الأكوان وحيث تقرر في الحكمة ان وجود الصفة فرع وجود الموصوف وجب ان يكون الامكان ذاتا لا صفة اذ ليس مسبوقا بموصوف وانما ظهر في الأشياء بصورة الصفة لأنه اصل الأشياء المكونة خلقت اكوانها منه وخلقت اعيانها من اكوانها واكوان الأشياء موادها واعيانها صور موادها وتظهر الأكوان في الأشياء بصورة الصفات فتقول هذا شيء مكون كما تقول ممكن والامكان للأكوان كالنطفة للانسان لأن الأكوان عقد لمايع الامكان فالأعيان خلقت من الأكوان كما خلقت الأكوان من الامكان والشيء المركب من مادة وصورة يكون اقوى ركني ذاته مادته ولما كان الامكان انما تقوم تقوما ركنيا بهيئة الفعل الامكاني لأنها مادته وصورته نفسه كما ان مادة الصورة التي في المرءاة هيئته المقابل وصورتها هيئة الزجاج من الكبر والصفاء والاستقامة والبياض واضدادها كان ظاهرا فيما هو اصله بصورة الاتصاف به ولذا قلنا انه ذات اذ ليس قبله موصوف ويظهر بصورة الصفة في الشيء الذي كان هو اصله وان مادته صفة للفعل اذ الذوات اعراض لعللها التامة ومعروضات لصفاتها ولظواهرها وليس معنى قولنا ان هذا الجسم مثلا او النفس او العقل ممكن انه شيء وصف بالامكان ليكون له رتبة قبل الامكان اي وجد فيها قبل ان يكون موصوفا بالامكان كما هو شان الصفات فانها انما تكون من فعل الموصوف اتصف بها او من فعل الفاعل للموصوف لحقته بعد تكوين الموصوف فيكون على كل حال موجودا قبل وجود الصفة فيلزم كونه في حال ليس بممكن وهو خلاف الواقع وانما المراد من معنى قولنا انه ممكن انه كون من الامكان اي من الوجود الممكن الذي كنهه من الامكان فلذلك قلنا هو ذات بالنسبة الى ما خلق منه وهو صفته لعلته التامة فظهر وصفا للشيء كما تقول هو موجود والقول بان الامكان اعتباري لا تحقق له في الخارج غلط ظاهر لأنهم ان ارادوا بان زيدا ممكن انه اتصف به ذهنا لا خارجا فهو باطل لأنه ان لم يتصف به خارجا كان زيد الخارجي قديما لانه ان لم يكن ممكنا كان قديما ووصفه به ذهنا لا يجعله ممكنا ( ان لم يكن في الخارج ممكنا خم ) كما لو وصفه بالقديم ذهنا لم يكن بذلك الوصف الاعتباري قديما وان ارادوا انه لم يكن قديما ( قائما خم ) بنفسه في الخارج فلا ينافي كونه متحققا في الخارج كالبياض والسواد وكالعلم و القدرة فانها لم تقم الا في محالها ( لا بانفسها خم ) مع انها موجود ( موجودة خم ) في الخارج بلا خلاف اذ ليس شرط الوجود الخارجي بمعنى المقابل للذهني او الخارجي بمعنى الذي تترتب الآثار على صفاته ان يكون ذاتا او عرضا قائما بمعروضه قيام عروض بل كل ما يقع في الأوهام او وضع بازائه لفظ فهو موجود في الخارج نعم قد تقع صورته المنتزعة من الخارجي بالذهن ( بالذهني خل ) تكون في الذهن لأن كل شيء لا يتقوم الا بمحله اللائق به وذلك ما اشار اليه الصادق عليه السلام بقوله كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم انتهى وبقول الرضا عليه السلام على ما رواه الصدوق (ره) في علل الشرايع بسنده الى الحسن بن علي بن فضال عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت ( له خم ) لم خلق الله عز وجل الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الأوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها الخلق لئلا يقول احد هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لأنه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير انتهى و( لا ريب ان خم ) الامكان مما وضع بازائه لفظ وليس بلفظ مهمل ولو كان الامكان اعتباريا لكان لفظه على الأصح مهملا لأن من قال ان الوضع بازاء المعاني الخارجة ( الخارجية خل ) كما هو الأصح يكون عنده مهملا بلا اشكال ومن قال انه بازاء المعاني الذهنية فان مراده بتلك المعاني المعاني المنتزعة من الأمور الخارجية ولو كان مراده ( المعاني خم ) الذهنية خاصة لكان اذا وضع ( لكان المعنى اذا وضعت الالفاظ خم ) بازائها فاتفق وجود خارجي لها او مساو لها لم يصدق اللفظ عليه ولم يميزه ( من غيره خم ) ووجب وضع لفظ آخر للخارجي بل يجب وضع آخر مطلقا اي سواء طابق ام لا وكان مطلقا من باب الوضع اللفظي حتى لو وضع لفظ زيد على صورته الذهنية لم يكن استعماله في زيد الخارجي الا مجازا بل مقتضى الدليل انه لو لم يستعمل اللفظ في الذهني واستعمل بعد ان وضع للذهني في المعنى الخارجي انه يكون مجازا ( متحققا في الخارج صح الوضع خم ) الا ان يجعل الوضع للذهني آلة للوضع على الخارجي فان كان الامكان متحققا في الخارج صح الوضع والأستعمال والا كان اللفظ مهملا لما قررنا ان فهمته ونظرت اليه بعين الانصاف
اعلم انهم قالوا ان الفعل اذا كان من المختار الحكيم لا يتعلق بمفعول الا اذا اقتضى التعلق به بان يكون راجحا في قبول الايجاد وذلك انهم انما قالوا ان الترجيح ( الترجح خ ) بلا مرجح محال لأنهم يريدون ان المحدث لا يمكن ان يوجد بلا موجد ونحن نقول هنا ان الترجيح ( الترجح خل ) بلا مرجح واجب ونريد ان ترجيح الفعل بلا مرجح لا يجوز من الحكمة ولايجوز ايضا ان يكون المرجح من الفاعل لانه يكون ترجيحا بلا مرجح فلا بد ان يكون المرجح للفعل من المفعول ليكون ايجاده ترجيحا بمرجح وقد اشار سبحانه الى ان الترجيح ( الترجح خ ) يكون من ذات المفعول بقوله يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار بمعنى يكاد يوجد قبل الايجاد فان قيل كيف يكون للشيء رجحان قبل ان يكون شيئا قلنا لهذا جوابان احدهما ظاهر وثانيهما باطن فالاول ان ترجيح ( ترجح خ ) الشيء صفة ذاتية له والصفة لا يعقل وجودها ولا يتصور وجودها حال كونها صفة قبل وجود الموصوف لكنها شرط لوجود الموصوف قد خلقها الله من موصوفها كما ان الانكسار صفة للكسر وشرط لوجوده خلقه الله من الكسر فالترجيح ( فالترجح خ ) خلق من الشيء الراجح مع خلق الشيء فهما متساوقان في الوجود والظهور كما ان الانكسار خلق من الكسر متساوقين فكما ان امكان الشيء والكسر متصف بامكان الترجيح ( الترجح خ ) والانكسار فكذا خلقا ( خلق خم ) منهما لأن الصفة انما تخلق من موصوفها من جهة الاتصاف والثاني يراد بكون المفعول راجحا في نفسه عند موجده وهو سبحانه لا يفقد شيئا ولا ينتظر شيئا ولا يستقبل شيئا فلم يوجد له شيء قبل شيء فلا يوجد في ملك الله الشيء قبل رجحانه ولا رجحانه قبله فاذا كان عز وجل لا يفقد شيئا ولا ينتظر شيئا ولا يستقبل شيئا بل كل شيء من ذات او صفة حاضرة ( حاضر خم ) عنده في مكان حدوده ووقت وجوده بجميع شرايطه ومرجحاته واسبابه تم له الصنع على اكمل وجه يحتمله الامكان وجرى له الفعل على امر يقتضي كمال التعريف والبيان فجرى ايجاده لعباده على مقتضى العدل بان اعطاهم ما سألوه باختيارهم وعلى مقتضى الفضل بان تأناهم بلطفه ولم يكلفهم ما لا يطيقون باجبارهم اذ لو كان ايجاده اياهم بدون مرجح من انفسهم يقتضي من فعله تعالى ما اختاره لما جرى لهم ثواب بطاعة ( بطاعته خل ) ولا عليهم عقاب بمعصية ( بمعصيته خل ) لأن قدرته وفعله يتساويان الى جميع الأشياء ولا يميز بينها ( لا تميز بينهما خم ) الا مرجحاتها واسبابها ومشخصاتها والحاصل الترجيح بلا مرجح من المفعول اذا كان من الفاعل ( المختار الحكيم خ ) سواء كان المرجح من الفاعل ام بدون مرجح ممتنع في الحكمة اذ يلزم منه العبث والجبر في الأفعال الأختيارية وليس بممتنع في الامكان بل له تعالى ان شاء ان يفعل ذلك ولا يلزم العبث والجبر ولكن يلزم عدم التعرف والتعريف اذ الشيء لا يدرك الا ما كان من نظائره وذلك لانه مؤلف على مقتضى الحكمة ولو الف على خلاف مقتضى الحكمة ليدرك ما يخالف الحكمة لكان على خلاف مقتضى الحكمة فلا يكون مدركا اذ الادراك اثر الاستقامة والاعتدال وذلك انما يكون فيما الف على مقتضى الحكمة اذ لو كان شيء على خلاف الحكمة لكان على الاهمال واذا كان على الاهمال لم يدخل تحت قاعدة فيكون التعريف متعددا مختلفا بتعدد الأفراد المختلفة فيجب لكل شيء من ذات او صفة تعريف غير ما للآخر فتمتنع معرفة الأشياء لكل ممكن اذ الأشياء غير متناهية فلا يمكن ضبط تعريفات غير متناهية للممكن المتناهي الا بالضوابط الكلية لانها هي التي تحيط بالأفراد الغير المتناهية ولو كانت بالاهمال لم تحط بها الضوابط الكلية فيمتنع التعريف فتمتنع المعرفة فتنتفي فائدة الايجاد وانما قلنا ان فائدة الايجاد تتوقف على معرفة الأشياء لأنها متوقفة على معرفة الصانع عز وجل ومعرفة الصانع تتوقف على معرفة الأشياء لينزهه ( لتنزهه خ ) عن مشابهة الأشياء ومشاركتهم له في الذات والصفات والأفعال والعبادات ذات وعلى ( العبادات وعلى خل ) فرض الاهمال لا يتميز ( لا يميز خل ) الفرق عند المكلف بين الصانع والمصنوع الا بتحصيل جميع مميزات جميع افراد الأشياء وهي غير متناهية فيجب الصنع في الحكمة على مقتضى الحكمة واما الترجح ( الترجيح خل ) بلا مرجح بمعنى موجب الصنع فهو من ذات المفعول حين تكونه كما مر ولو كان من غيره او لم يكن اصلا لكان الفعل مخالفا للحكمة فيلزم ما ذكرنا في الترجيح بلا مرجح فافهم
اعلم ان التكليف في نفس الأمر هو قابلية الايجاد وهو قسمان طبيعي واختياري فالطبيعي يستلزم الشرع الايجادي وهو اي الشرع الايجادي نريد منه الايجاد على مقتضى الحكمة كما يفعل البناء في بناء الجدار بان يضع اللبنة في الموضع اللائق بها بحيث لو نقصت تممها او زادت كسر منها ما زاد على حجم الدار ( الجدار خم ) فهذا هو الشرع الايجادي اللازم للصنع وبدونه لايقع الصنع لأنه ان جري على مقتضى الحكمة لزمه الشرع الايجادي والا فلا والاختياري يستلزم الايجاد الشرعي وهو اي الايجاد الشرعي نريد منه ايجاد مقتضى العمل المأمور به والمنهي عنه بمعنى انه ان فعل ما امر به خلق الله ثوابه وان ترك ما امر به خلق الله عقابه والثواب مخلوقة ( مخلوق خم ) من مادة وصورة فمادته نور يحمله اليه الأمر التكليفي كما ان مادة المكلف نفسه يحملها الأمر الايجادي وهو كن فلما قبل الأمر وهو كن خلق الله سبحانه المكلف من الوجود الذي حمله كن وهو مادة المكلف ومن صورة قبوله لتلك المادة وهي ماهيته وهذا هو الكون الايجادي فكما ان مادته اي وجوده حمله اليه كن فكان منه ومن ماهيته وهي قبوله كذلك المدلول عليه بقوله فيكون كذلك خلق ثواب عمله الصالح من مادته التي حملها اليه صل وزك وما اشبههما اذا عمل ما امر به كما امر ومن صورة عمله بذلك الأمر وامتثاله له وهو قبوله للأمر بالامتثال به وخلق تعالى عقابه على مخالفته للأمر او ارتكابه للنهي من المادة الظلمانية التي حملها النهي اليه ومن صورة مخالفته للأمر وارتكابه للنهي فالثواب مادته النور الذي حمله اليه الأمر وصورته عمل المكلف ان احسنتم احسنتم لأنفسكم والعقاب مادته الظلمة التي حملها اليه النهي وصورته هي ارتكاب المكلف للنهي ومخالفة الأمر وان اساتم فلها فالشرع التكليفي ولازمه الايجاد الشرعي وهو روح الكون والايجاد الكوني ولازمه الشرع الكوني ( وهو خ ) ظاهر الكون هو سر التكليف وثمرته ايصال الأشياء الى ما خلقت له من رحمة الله او غضبه وذلك هو ما اراده لهم وفي الحديث عن جابر انه جاء سراقة بن مالك فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله بين لنا ديننا كاننا خلقنا الآن ففيم العمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ام فيما يستقبل قال صلى الله عليه وآله ( بل خم ) فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير قال فبم ( فيم خم ) العمل قال صلى الله عليه وآله اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله ه قيل انه صلى الله عليه وآله علقهم بين الأمرين رهبهم بسابق القدر ثم رغبهم في العمل ولم يترك احد الأمرين للآخر فقال صلى الله عليه وآله كل ميسر لما خلق له اي انه ميسر في ايام حيوته للعمل الذي سبق به القدر قبل وجوده فافهم ه اقول ذكر هذا الشيخ ياسين بن صلاح الدين البحراني على التفسير من فائدة المراد واما بيان التيسير الذي ذكره صلى الله عليه وآله فهو ما ذكره عز وجل في كتابه العزيز في مواضع كثير على اكمل بيان وان كان لا يذوقه الا اولوا الأفئدة بدليل الحكمة ومنه ما قال تعالى اذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اريكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم انه عليم بذات الصدور واذ يريكموهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا والى الله ترجع الأمور وذلك انه سبحانه يسبب اسباب ما علم وقوعه كما قلل المشركين في اعين المسلمين وقلل المسلمين في اعين المشركين وامالهم الى ما يريد وقوعه منهم امالة لا تبلغ به الالجاء والاضطرار وانما ذلك من التمكين في فعل الخير والشر والاقدار على الطاعة والمعصية لما قدمنا انه لو لم يتمكن من فعل المعصية ويكون قادرا عليها لما كان قادرا على الطاعة واذا لم يكن قادرا على الطاعة لم يحسن تكليفه واذا لم يحسن تكليفه لم يحسن ايجاده والحاصل انه هو مقتضى الحكمة بحيث لو كشف للمسلمين والكافرين الغطاء عن بصائرهم لما اختاروا الا هذا واليه الاشارة بقوله تعالى بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اي بل اتيناهم بشرفهم وفخرهم يعني بما فيه ما يحبون وما يشتهون مما فيه صلاحهم وبلوغ مئاربهم والسر في ذلك انهم واعمالهم واقوالهم واحوالهم موجودون حاضرون في ملكه كل في رتبته من مكانه ووقته مترتبا على اسبابه وعلله المشروحة المبينة التي يحصل بها التعريف والمعرفة على نحو الاختيار والاختبار لأن وصول الشيء الى غاياته التي خلق لأجلها متوقف على اعماله واقواله واحواله التي هي قوابله للايصالات الالهية والايصالات الالهية متوقفة على التمكين الالهي والتمكين الالهي يكون باحد شيئين الأول التمكين مما يحب تعالى ويكون بالامدادات الالهية والفواضل الربانية والتوفيقات والألطاف ومنها تقوية الميل الفؤادي بمثل ما اشير اليه في الآيتين المتقدم ذكرهما والثاني التمكين مما يكره تعالى ويكون بالتخليات الالهية والخذلان التي تقوى بها الميولات النفسانية ومنها مثل قوله تعالى زين لهم سوء اعمالهم ومثل قوله تعالى وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ومثل ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وامثال ذلك وليس ذلك موجبا للالجاء والاضطرار ولأجل ذلك حكى الله سبحانه عن جواب ابليس لعنه الله لمن ادعوا عليه انه هو الذي اغواهم انه قال لهم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي لأنه لو كان ذلك الاغواء والتزيين منه والغرور رافعا لاختيارهم لماقال لهم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم وهذا التمكين للطاعة والمعصية بجميع انواعه ما ذكرنا ومنها ما لم نذكره من المقويات لتصميم عزم المكلف على فعل ما مال اليه قلبه من الطاعة ميلا لا يعدل عنه الا اذا كان مجبورا وعلى فعل ما مالت نفسه اليه من المعصية ميلا لا يعدل عنه الا اذا كان مجبورا وهي في الطاعات امدادات والطاف وتقوية وفي المعاصي خذلان وتخلية اذ بدون ذلك لا يحصل التمكين الذي لا يتحقق الاختيار الا به الذي لا يستقيم التكليف الا به وقولي لا يعدل عنه الا اذا كان مجبورا اريد به ان المكلف لو اتته المعونة من الله عز وجل قبل ان يصمم عزمه على الفعل لكان ذلك منافيا للطف به لأن الفعل لو كان معصية لزم اعانته على المعصية ويلزم من ذلك الظلم لو عوقب عليها واما اذا صمم على الفعل بحيث لا يترك الفعل الا مجبورا على الترك فانه يجب في الحكمة ان يعينه عز وجل على فعل المعصية ولا يلزم من هذا الظلم اذا عاقبه عليها لانه لو لم يعنه لم يقدر على المعصية واذا لم يقدر على المعصية لم يقدر على الطاعة اذ الطاعة لا يتصور وقوعها منه الا اذا ترك المعصية وهو قادر عليها متمكن من فعلها بحصول جميع ما يتوقف فعلها وايجادها عليه وفائدة تكليفه بل وايجاده لا تتحقق الا بالتمكين من الطاعة والتمكين من الطاعة متوقف على التمكين من المعصية والتمكين من المعصية متوقف على المعونة عليها كما في الطاعة والمعونة على الشيء انما تكون بما يطابقه ويلايمه ويوافقه ولما كانت المعصية عدمية الأصل لا ترجع الا الى مجتث لا ثبات له من نفسه ولا يرجع الا الى نفسه كانت المعونة عليها مثلها فهي التخلية والخذلان بمعنى انه تعالى اذا نهى عبده المكلف عن شيء ورغبه في الترك ورهبه من الفعل وعلم تعالى منه انه لا يقبل من مولاه هداه الا اذا اجبره على الترك ورفع عنه الأختيار اعانه على تلك المعصية بان تركه ونفسه وخلى بينه وبين هوى نفسه وشهوته ولم يدحر عنه الشيطان المغوي اللهم لا تخلني من يدك ولا تتركني لقا لعدوك وعدوي ولا توحشني من لطائفك الخفية و كفايتك الجميلة ولو فرض انه يتمكن من فعل المعصية بغير تخلية الله وخذلانه لماصح هذا الفرض الا على فرض استغنائه عن الأله الحق عز وجل ولهذا صرحت اخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام ان القول بالتفويض شرك بالله العظيم سبحانه وتعالى وتزيين المعاصي والشهوات واغواء الغاوين من شياطين الأنس والجن وامثال ذلك من قوابل التخلية والخذلان لأن تلك تكون من الخلق بتقدير الخالق تعالى والتخلية والخذلان منه تعالى باعمالهم وشهواتهم وهوى انفسهم وما ربك بظلام للعبيد والمعونة على الطاعة كذلك بمعنى انه تعالى اذا امر عبده المكلف بشيء ورغبه في الفعل ونهاه عن تركه وتوعده على تركه ووجه اليه دواعي المنع والترك لأمره ( بامره خل ) بما مالت اليه نفسه وزين لهم الشيطان الغرور وصمم عزمه على الفعل بحقيقة ما هو اهله من فضل الله وعنايته وعلم تعالى منه انه لا يترك امر مولاه ولا يعدل عما فيه رضاه الا اذا اجبره على الترك ورفع عنه الأختيار واعانه عز وجل بان قوى جوارحه وشد على عزمه جوانحه ودحر عنه الشيطان وغرس في جنانه افنان الخشوع واليقين والايمان فامتثل امر الله عز وجل باعانته وتقويته فكان هو الفاعل لما امره الله سبحانه بالله واعانته وتقويته بان حفظ عليه جميع ما انعم به عليه مما يتوقف عليه الفعل بجميع اسبابه فهو الفاعل بالله لا مع الله اذ لا يتخذ لنفسه من خلقه عضدا ولا بدون الله اذ لا يشرك في ملكه احدا فقولي فهو الفاعل بالله بيان وتفريع لقولي بان حفظ عليه جميع ما انعم به عليه مما يتوقف عليه الفعل بجميع اسبابه فتفهمه راشدا ففيه الحق والهدى
اعلم انا قد قدمنا الاشارة فيما تقدم من الفوائد وفي كثير من رسائلنا واجوبتنا الى ان الله سبحانه خلق ما خلق من جميع خلقه على اكمل ما ينبغي مما تقتضيه الحكمة الامكانية بحيث ينطبق صنعه على دواعي العقول السليمة المرتاضة بالأخلاق الشرعية المؤدبة بآداب الروحانيين لما لوحنا اليه من العلة الغائية انه تعالى انما خلقهم ليعرفوه بما تعرف لهم به من وصفه الذي ذكرهم به في خلقه اياهم كما قال تعالى بل اتيناهم بذكرهم فانه عز وجل اتى كل شيء من خلقه بما ذكره به والعقول السليمة دلت على ان المفيض اقوى من فيضه وان ما قرب من المفيض اقوى مما بعد منه وان المصنوع من الأقوى اقوى من المصنوع من الأضعف وان هذه الأمور الثلثة ذاتيات لموضوعاتها بحكم ترجح الأشياء الذي يتوقف صنع صانعها عليه لذاتها فان قلت يلزم من هذا تقدم وجود ترجح الأشياء الذي يتوقف به هو ( تقدم وجود الصفة على وجود الموصوف الترجح الذي هو خم ) صفة المصنوع وشرط تعلق الفعل به على وجوده ولا يعقل تقدم وجود الصفة على وجود الموصوف قلت لما كان الصانع عز وجل في اعلى مقامات التجرد والغنى وفوق ذلك بما لا يتناهى فيما لا يتناهى وجب ان لا يفقد شيئا ولا ينتظر شيئا ولا يستقبل شيئا بل هو في رتبة ازل الآزال مالك لكل شيء مما هو غير ذاته المقدسة وحاصل له تعالى في رتبة كونه ووجوده وامكنة حدوده لم يتجدد له شيء في ملكه بمعنى انه لم يكن في ملكه ثم كان ولم يخرج شيء من ملكه الى ما سواه من وجود او عدم بل في رتبة ذاته وازله الذي هو ذاته حصل له كل شيء في اوقات وجوده وامكنة حدوده حين كان ذلك الشيء قبل ان يكون وقبل ان يكون شيء والشيء وترجحه من جملة افراد مملوكاته وقد اشرنا الى ان جميع افراد مملوكاته عنده تعالى على السواء لا يكون اقرب الى شيء منه الى آخر ولا يتقدم شيء عنده على كل شيء في حصولها له فاذا اراد فعل شيء اتاه بتمكينه وترجحه لذاته وجميع ما يتعين به ويتميز مما يقتضيه ذاته حين تكون مقتضية ( يكون مقتضيه خل ) في تكوينه اياه لأن ذلك كله من جملة قابليته للتكوين فانها حدود صورته وهو مما ذكره في قوله تعالى بل اتيناهم بذكرهم ثم الصادر عن الشيء سواء كان صادرا من فعله ام من مفعوله اذا كان صدوره على جهة الانبساط بحيث تكون له مراتب تختلف اجزاؤه باختلافها لا بد وان يكون كلما قرب من المبدء يكون اقوى وما بعد يكون اضعف ان كان الصدور و( كان صدوره على جهة خم ) الانبساط على ما تقتضيه الحكمة التي توافقها العقول وتجري على طبقها في التعرف والتعريف اذ ما هو مصنوع على مقتضل الحكمة لا يكون مصنوعا على غير مقتضى الحكمة الذي لا يكون فيه الشيء معقولا لأن المعقولية من لوازم الصنع على طبق مقتضى الحكمة فاذا كانت الهيولي مجعولة على مقتضى الحكمة كان اخذ الحصص منها على مقتضى الحكمة بان تكون الحصة منها مقدرة بما لا تختلف ذراتها ( ذواتها خم ) باختلاف مراتبها اختلافا ظاهرا بينا يوجب تفاوت تلك الذرات ( المذكورات خم ) قوة وضعفا في الكم والكيف والا كان الأخذ على الاهمال فيبطل هذا النظام الجاري على كمال الاستقامة فاذا كان اخذ حصص مواد الاشياء على النحو المذكور لزم ان يكون المصنوع من الأقوى اقوى من المصنوع من الأضعف والا لم يكن الأخذ على مقتضى الحكمة بل كان الأقوى للأضعف والأضعف للأقوى فيكون الأقوى اضعف والأضعف اقوى فلا يكون الصنع على كمال الاستقامة فاذا كان الأقوى للأقوى والأضعف للأضعف هو ما ينبغي وجب ان يخلق من المنير المنير ومن المظلم المظلم ومن الطيب الطيب ومن الخبيث الخبيث ومن القوي القوي ومن الضعيف الضعيف وخلاف هذا خلاف ما ينبغي وخلاف ما ينبغي موجب للاهمال مناف للغرض المطلوب المقصود من الايجاد للتعريف بل للمصنوع الحجة على صانعه اذا اتاه بما ( لا خم ) يحب وله ان يذم على ما ( يذم من خم ) انعم عليه بمطلوبه بان يقول اعطيتني ما لا اريد منك بلسان حالي ولا بلسان مقالي فلاتستحق مني شكرا لأنك انما اعطيتني غير ما طلبت لأنك عاجز عن مطلوبي او جاهل به وان كان المصنوع في كل ما قال كاذبا لأنه اذا كان صنعه على الاهمال كان الحق والباطل والصدق والكذب عنده واحدا وكذا عند غيره وكذلك المدح والذم لأن ذلك كله هو مقتضى الاهمال فان قلت هذا الذي اشرت اليه وان كان هو مقتضى الايجاد على ما ينبغي اعني الجريان فيه على مقتضى الحكمة الا انه تعالى هو جاعل القوي قويا والضعيف ضعيفا وهو مقرب القريب ومبعد البعيد ومعطي القابل المقبول وجاعل القابل للمقبول وبلحاظ هذه الأمور المسلمة يعود المحذور ويرجع الاشكال في ابتداء السؤال قلت اني اقول بهذا لكني لااقول انه تعالى جاعل القوي قويا بمقتضى فعله واحداثه اياه والا لزم الظلم لمنافاته العدل في كثير من الموارد وكذلك سائر الكلمات وانما اقول انه جاعل القوي قويا بمقتضى بدء شانه في علم الغيب بمعنى انه اذا عومل في ايجاد كونه بل وامكانه بما يميل اليه ويقتضيه لذاته مما لا يعدل عنه الا اذا كان مغلوبا عليه بما يصده عنه ويمنعه منه حين يكون هو اياه بحيث لو عومل بغيره كان حين يكون هو اياه كارها له لأنه ل ايقتضيه لذاته وذلك حين تكوينه لا قبله ولا بعده لأن ما اشرنا اليه هو قبوله للايجاد وقبله لم يكن شيئا وبعده هو مستغن فهو تعالى جاعل القوي قويا بما هو اهله من اقتضائه للقوة وجاعل الضعيف ضعيفا بما هو اهله من امتناعه من اطاقة قبول القوة منه وجاعل القريب قريبا بمبادرته وسبقه الى القبول للتقريب بحيث يكاد يكون قريبا قبل التقريب وجاعل البعيد بعيدا بعدم سبقه للتقريب بحيث لا يكون قريبا باختياره لأنه تعالى انما اعطي المقابل ( القابل خم ) مقبوله باقتضاء المقبول للقبول ولهذا خلق القبول من نفس المقبول من حيث هو هو لأنه انما اقتضاه لذاته من دون مشاركة من غيره وان كان انما يقتضي من ذاته اذا كان شيئا ولايكون هو شيئا ولا اقتضاؤه الا بالغير لأن الممكن ليس شيئا بذاته بدون الغير فلا يكون عنه شيء بدون الغير فيما ( فبما خل ) يستطيعه بجميع اسباب الاستطاعة مطلقا لكنه حين يكون بالغير شيئا تقتضي شيئيته بالغير ما ( وما خل ) تقتضيه من ترجح وغيره لذاتها بالغير لا مع الغير ولا من دون الغير وقولي بالغير لا مع الغير الخ ان شيئية الشيء من عطاء الكريم تعالى ونعمه عز وجل وكذلك جميع ما للشيء لذاته وصفاته وافعاله واحواله منه عز وجل وهذه النعم حيث اعطاها لم يخلها من يده بل هي في قبضته كما هي قبل الاعطاء اذ لو خلاها من يده لم تكن شيئا وآية ذلك ومثاله نور الشمس حين اعطته الجدار واستنار باشراقها عليه لم تخل اشراقها من قبضتها بل هو في قبضتها كما هو قبل الاشراق على الجدار فبنعمه تعالى كان شيئا وبنعمه اقتضى ما اقتضى لا معه لعدم المشاركة لأن الشيء هو المقتضي ولا من دونه تعالى لأن الشيء غير مستقل ولا مستغن لا هو ولا شيء مما توقف عليه وجود الفعل مما اشرنا الى اكثرها وانما يكون هو وهي شيئا بقيومية الله تعالى وحفظه له وحفظه لها عليه فافهم
في الاشارة الى بيان سر التنعم والثواب والتألم والعذاب حيث علم ان الثواب والتنعم انما هو عبارة عن الملايمة والموافقة بين المتنعم والنعيم لما بينهما من المشاكلة فان صورة الفطرة ظهرت مشابهة لفعل الله لكونها اثره وتاكيده كما ان صورة الكتابة ظهرت مشابهة لحركة يد الكاتب وتلك الفطرة بناها الله تعالى وابقاها بمدده والشيء يمد من نوع ما يبنى منه ففطرة الله خلقها من رحمته واقامها بثمرات طاعته التي هي من رحمته فما دامت مستمدة من ثمرات طاعاته ولم يرد عليها تغيير ولا تبديل مما اشار تعالى اليه في قوله فليغيرن خلق الله وقوله فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله فهي متنعمة متلذذة بالامدادات الملايمة الموافقة لكون تلك الامدادات التي هي الطاعات وثمراتها من جنس تلك الفطرة ونوعها و شخصها لما بين تلك الامدادات وبين تلك الفطرة من الاتحاد الذاتي لانحصار جميع ميولاتها واشواقها واوتارها في تلك الامدادات ولا تكون فطرة الله تامة حتى لا تفقد حرفا من حروفها من تلك الامدادات فان فقدت حرفا ولم يحصل لها بدله من شفاعة شافع او فضل او عفو عن ضده كانت ناقصة متألمة بفقدان ذلك الحرف وانما تتألم اذا فقدت ذلك الحرف لوجود ضده العام فيها وحلوله محله فيها لأنه منافر لها ومناف لمقتضاها فان حصل لصاحب تلك الفطرة شافع اشرق عليه من شعاع حسناته حرف كالحرف المفقود او اقوى او عفو نفي ذلك المنافي ثم يضع الفضل محله مثله او اقوى لان المحل لا يكون خاليا منهما معا بل اذا ذهب المنافي المنافر اتى الموافي الملايم واذا ذهب الموافي الملايم اتى المنافي المنافر سواء كان الذاهب بقصد المكلف وفعله ام بذهوله وغفلته الا ان الذاهب والآتي بالقصد يكون اقوى واسرع لما بينهما من التلازم اي بين القصد والمقصود بخلاف ما كان عن الغفلة والذهول فان ذهاب الذاهب واتيان الآتي تدريجي ولما كان الملايم متأصلا كان لا يفارق فطرة الله الا بقاسر تطبعي كما يأتي وكان واحده بعشرة لأن العمل الصالح اصلي يمر باصلي فيستقر في كل رتبة وهي العقل والنفس والتعقل والعلم والوهم والوجود والخيال والفكر والحيوة والجسد لأن هذه العشرة خلقت للطاعة اولا وبالذات فاذا فعل المكلف الطاعة كتبت عشرا لأنها اصلية تمر بها الحسنة والطاعة الأصلية فتستقر في كل واحدة فتكتب عشرا بخلاف المعصية فانها تكتب واحدة لأنها تمر بسبعة وهي النفس والعلم والوهم والخيال والفكر والحيوة والجسد ولكنها لم تخلق لها وانما خلقت للطاعة لكنها تصلح للمعصية اذ لو لم تصلح للمعصية لماقدر المكلف على المعصية واذا لم يقدر على المعصية كان مجبورا على الطاعة فلا يكون مطيعا فلما كانت انما خلقت للمعصية ثانيا وبالعرض كانت اذا مرت المعصية عليها لم تستقر فيها حتى يفعلها بجسده فاذا فعلها بجسده انتظر بها حتى تنعكس من الجسد على السبعة المذكورة فتكتب واحدة ولهذا ورد بان المكلف اذا نوى المعصية لم يكتب عليه شيء واذا عملها انتظر سبع ساعات فان تاب قبل سبع ساعات محيت والا كتبت واحدة لأن وقت كل واحد من السبعة اذا مرت عليه المعصية ساعة اذ لا تستقر عليه المعصية في واحد من السبعة عند انعكاسها في اقل من ساعة وقولي ان الملايم لكونه متاصلا لا يفارق الا بقاسر اريد به قبل ذهاب علة الموت لأنه بعد ذهاب علة الموت تمتنع مفارقته لأنهما بحكم الشيء الواحد اذ علة الموت التركيب والكثرة واذا اطمأنت النفس استقرت فيها ولها دواعي الملايمات واسبابها وقد اشار الصادق عليه السلام الى هذا المعنى بقوله في شأن اوليائه واعدائه : لا يكون هؤلاء من هؤلاء ولا هؤلاء من هؤلاء ه
واما بيان سر التألم والعقاب ودوامه فاعلم ان التألم والعقاب عبارة عن حصول المنافي والمنافر واصل ذلك ( ان المكلف خم ) لما كان مركبا من وجود وماهية وهما حادثان والحادث يحتاج في بقائه الى المدد ومدد كل واحد اذا كان مستمدا بذاته انما يكون من نوعه كان ملايما ( مائلا خم ) بوجوده الى الطاعات وبماهيته الى المعاصي ولا يمكن استمداده بهما دفعة لكونهما ضدين فلو مال كل منهما الى مدده بفعله واستمداده انفك التركيب واضمحل المركب وعدم اذ لا قوام للمركب الا بجزئيه منضمين نعم اذا غلب ميل احدهما بحيث كان الاستمداد به مال الآخر معه ميلا عرضيا فان كان المايل الغالب هو الوجود استمد به ما يلايم الفطرة اعني فطرة الله التي فطر الله الخلق عليها وتنعم المركب اعني المكلف بما اكتسبه من الخيرات والطاعات وان كان المايل الغالب هو الماهية استمد المكلف بها ما ينافي فطرة الله وينافرها ولا يزال كذلك حتى تتغير فطرة الله وتعوج وتتبدل صورتها الانسانية بالصورة الكلبية والسبعية والحيوانية من قرد او خنزير او حمار او غيرها فيكون ذلك المكلف ذا طبيعتين طبيعة فطرة الله التي هيئتها من فعله تعالى يعني من هيئة فعله لأنها لا تنعدم اصلا وان كان استمدادها ليس بذاتي لها وانما هو عرضي بتبعية ضدها ولو عدمت عدم الشخص وطبيعة اعماله وهي الصورة المغيرة المبدلة فلما غلب الشخص استمداده من ثمرات الطبيعة الثانية المغيرة المبدلة كان ذلك الاستمداد منافيا ومنافرا للطبيعة الأولى فاذا ورد جزء من ذلك المدد على تلك الطبيعة الأولى تنافرا وتباعدا وتجبرهما الطبيعة الثانية على الاجتماع على خلاف ما يقتضيان وليس للأولى ما يسد فقرها الا هذا المدد الذي تكرهه فتتألم الأولى بوجوده لها لما بينهما من التنافي وتتألم بعدمه اذ ليس لفقرها ساد غيره وذلك كما روي ان اهل النار اذا عطشوا استغاثوا من شدة العطش وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه وهو الحميم فاذا شربوا منه فيتألمون به وبعدمه اذ ليس لدفع عطشهم غيره ولما كانت الطبيعتان ممكنتين لا بقاء لهما الا بالمدد وكانت الأولى معدومة الاستمداد لذاتها وانما تقومت بمدد الثانية وهي ضدها والثانية ايضا وان كانت تستمد لذاتها الا انها محتاجة في تحققها الى الأولى لابتناء انيتها على الأولى لأنها اي الأولى معروضها فهي في كل حال دعامتها فلا يستقل بدونها والثانية استقلت بالاستمداد المنافي لأصل معروضها لأنه ينافي معروضها في وجوده وحصوله وفي عدمه وفقدانه كما مر مع انها دائمة الاستمداد لوجود المقتضي لذلك وهو تحقق الصورة الثانية التطبعية وغلبتها على الصورة الأولى الطبيعية كان التألم والعقاب دائما غير منقطع لأنه اذا اتى من الثانية مدد تألمت الأولى لأنه مناف لها فتتألم بوروده عليها وتألمت الثانية لأنها مبنية على الأولى متحققة بعروضها عليها فاذا اضطرب الأصل اعني الأولى اضطرب الفرع اعني الثانية بتبعية اضطراب الأولى ولهذا قال تعالى ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء اذ لو سكنت الثانية بمددها الذي هو ذاتي لها لماكان صدر الضال ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء بل يكون مطمئنا به ولكن الثانية تضطرب بمددها لعدم ملايمته لأصلها اعني الأولى وبعدمه لاحتياجها اليه فالثانية بالنسبة الى مددها كما قال تعالى في ( تمثيلها وخم ) تمثيل المكلف الذي تحققت فيه بالكلب فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فهي تتألم بوجود مددها لمنافاته لأصلها التي بنيت عليه وبعدمه لفقدانها ما تحتاج اليه هي واصلها في البقاء فالمكلف المركب منهما متألم ابدا ومن غلب فيه ( عليه خل ) فطرة الله حتى انحصر استمداده من جهتها متنعم ابدا