
من مصنفات
الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي
حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
أما بعد فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين الإحسائي إن جناب الموفق المسدد والأكرم الممجد جناب الاخوند الأوحد الملا مشهد ابن المقدس العلي المبرور حسين علي سلك الله به رضاه وبلغه ما يتمناه من أمر آخرته ودنياه قد التمس مني إثبات بعض الكلمات في بيان معنى ما ذكرته وأشرت إليه في الرسالة التي سميتها بالفوائد وهى مشتملة على اثنتي عشرة فائدة لأنها لما كانت مشتملة على معان لم يذكرها احد من العلماء ولم يعثر عليها شخص من الحكماء حتى كانت مع تأصلها في اليقين وابتناء الحق عليها في الدين غريبة مجهولة اذ لم تجر على الخواطر ولم تكتب في الدفاتر وانما نبهوا عليها ائمة الهدا في الاخبار المروية عنهم عليهم السلام وفيما فسروه من كتاب الله تعالى فاشار الى سلمه الله وبلغه كل ما يتمناه من امور دنياه وعقباه ان ابين ذلك بيانا يفهم منه عبارة تلك الرسالة ويحصل منه صريح الدلالة وان لم يذكر الدليل لان الغاية معرفة عباراتها والوقوف علا اشاراتها وكان ذلك الالتماس منه في طريق سفرنا مع جنابه المحترم الى مكة المشرفة ومعلوم ان في مثل تلك الحال لا يتمكن الانسان من اثبات الاستدلال لكثرة الاشتغال ( الاشغال خل ) والملال وغاية التشويش والاستعجال بالحل والارتحال وذكر لي ايده الله تعالى ان هذا امر واجب لتوقف الانتفاع بها وفهم عباراتها عليه فحيث كان ذلك عندي معلوما لعدم الأنس بها ولم تكن تلك المعاني مذكورة في كتاب ولا جارية ( طارية خل ) في سؤال ولا جواب ليراجع الطالب ذلك الكلام ليفهم منه المراد وانما هي اشياء بالنسبة الى ما ذكره العلماء والحكماء غريبة مبتكرة وان كانت بين ائمة الهدى (ع) وبين خواص شيعتهم مذكورة مشهورة ( مشتهرة خل ) وكان ( ولما كان خم ) سلمه الله على ما التزمت ( الزمت على خم ) نفسي من حقه ملتمسا لذلك اوجبت ذلك الالتماس علي الا اني آت بما يسهل الاتيان به لأن هذا مني في ( مثل خل ) هذه الحال غاية المقدور ولا يسقط الميسور بالمعسور مستعينا بالله على الأداء وسائلا منه عز وجل الرضا انه على كل شيء قدير وصدرت المتن بقولي - قلت والبيان بقولي اقول ليتبين من ذلك الفروع والاصول
قلت اني لما رأيت كثيرا من الطلبة يتعمقون في المعارف الالهية
اقول وذلك لشدة تحقيقاتهم وكثرة تدقيقاتهم وايراداتهم للاشكالات واثباتهم للاعتراضات حتى لا تكاد تجد شخصين متوافقين وذلك لاختلاف افهامهم وانظارهم وتغاير مذاقاتهم واعتباراتهم والسبب في ذلك انهم يقولون ان الاعتقادات امور عقلية ولا يجوز التقليد فيها ويلزم من هذا ان كل واحد يثبت ما يفهمه وحيث كان الظاهر تابعا للباطن ودليلا عليه كما قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك ( هنالك خل ) لا يعلم الا بما هيهنا ه وانت اذا نظرت الى صور اجسامهم وكلامهم وافعالهم الطبيعية رأيتها كلها مختلفة وهي صفة بواطنهم واذا ( فاذا خل ) لا يجوز كل واحد منهم على مقتضى طبيعته خاصة كما هو معنى قولهم ان الاعتقادات امور عقلية لا يجوز فيها التقليد وجب ان يختلفوا ولا يتفقوا بخلاف الذين يعتقدون بعقولهم بما يفهمونه من شيء واحد بان يكون كل واحد منهم طالبا للمراد ( طالب المراد خل ) من ذلك الشيء الواحد فانهم لا يختلفون لاجتماعهم عليه مثاله اذا نظر جماعة الى شخص حاضر عندهم فانهم لا يختلفون في وصفه اختلافا كثيرا لأن افهامهم في ادراك صفاته تابعة لأبصارهم فيفهمون مما رأوا وهؤلاء مثال العلماء الذين يعتقدون بعقولهم بما علمهم الله تعالى واخبرهم ( اخبرهم به خم ) نبيه صلى الله عليه وآله واوصياءه عليهم السلام فانهم لا يكادون يختلفون لأن كلام الله وكلام نبيه واهل بيته عليهم السلام يجمعهم واما الذين يعتقدون ما يخطر على خواطرهم من غير امر جامع ترجع تلك الخواطر اليه بل كل واحد منفرد عن غيره فانهم كما كانوا مختلفين في الصور لا تجد اثنين على صورة واحدة كذلك هم في اعتقاداتهم
قلت ويتوهمون انهم تعمقوا في المعنى المقصود
اقول المراد انهم يتوهمون ان تدقيقاتهم انما هي في تحقيق الحق الذي هو المقصود وليس كذلك لان المعنى المقصود هو معرفة الله كما وصف نفسه على السنة اوليائه لا على السنة المتكلمين والحكماء فاذا كان تعالى اكمل الدين لنبيه صلى الله عليه وآله ونبيه قد استحفظه كله عند اوصيائه ( اوليائه خل ) عليهم السلام قال الله اليوم اكملت لكم دينكم فمن اراد ان يعرف الله بعقله فليعرفه بما وصف به نفسه ولا وصف نفسه الا على السنة اوليائه ( صلى الله على محمد وآله خم ) فالواجب ان ينظر فيما قالوا ويفهم ما ارادوا واما من لم ينظر في ذلك ويريد ان يعرف الله سبحانه فانه لا يقع فهمه الا على الباطل لانه ما وصل الى الأزل ولم يره ليصف ما راى والعقول لا تدرك تلك الأمور المقدسة عن الادراك فكيف يعرف الله من لم يأخذ عن الله سبحانه
قلت وهو تعمق في الالفاظ لا غير
اقول لأنهم ( وذلك لأنهم خم ) اذا لم يصلوا الى القديم تعالى ولم ينزل اليهم كان ما يعرفون ما يدلهم اللفظ عليه ولهذا قالوا ان الوجود يطلق على الله تعالى ( سبحانه خل ) وعلى المخلوق بالاشتراك المعنوي لأنهم يقولون ان المفهوم منه هو المعنى المصدري الرابطي او النسبي او البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست وهذا عندهم هو حقيقة الشيء سواءا كان واجبا ام ممكنا فيلزمهم ان يكون الخالق عز وجل والمخلوق من سنخ واحد فيلتزمون به ولا شك ان من كان كذلك فهو مشابه لغيره ويلزم منه القول بالحدوث في الواجب تعالى ولو انهم رجعوا في تعقلهم وفهمهم الى ما وصف به نفسه لاستقام اعتقادهم مثل قوله تعالى ليس كمثله شيء فان من صدق بما انزل في كتابه بانه تعالى ليس كمثله شيء لم يقل بان الوجود يصدق على الرب والعبد حقيقة بطريق الاشتراك المعنوي لاستلزام ذلك المساواة التي هي اشد من المماثلة ومن قال بالاشتراك المعنوي فانه انما عول على مدلولات الألفاظ فان وجود الله تعالى ( تعالى عنده خم ) وجود في الحقيقة ووجود العبد المخلوق الفاني وجود في الحقيقة وهذا ( وهذا وامثال ذلك خم ) هو معنى قولي وهو تعمق في الألفاظ لا غير
قلت رأيت انه يجب علي ان اروعهم بعجائب من المطالب
اقول اني لما اردت هداية من سبقت له العناية ( العناية الالهية خم ) بالنجاة لا يمكن ذلك مني في حق من عنده علم بشيء خصوصا من تسمى نفسه بالعلم فانه قد انس باشياء لا تقدر نفسه على مفارقتها ولا يقدر ان يقال فيه انه كان لا يعلم حتى تعلم فاذا سمع خلاف ما عنده رده بمثله من كلامهم فترضى نفسه بالبقاء على الحالة الأولى واما اذا ذكرت اشياء لم يسمع بها ولم تذكر قط فلا يكون له سبيل الى فهمها فضلا عن ردها لأن نفسه ترتاع اذا سمع شيئا غريبا فتطلب الاطلاع عليه مع الغفلة عن معارضته فيكون حينئذ قلبه فارغا ( فارغا عن الرد والمعارضة خم ) فيتمكن من هذا الأمر الجديد الذي فيه نجاته وهذا معنى قولي ان اروعهم بعجائب من المطالب
قلت لم يذكر اكثرها في كتاب ولم يجر ذكرها في خطاب
اقول ( اقول انما - قلت خم ) لم يذكر اكثرها في كتاب يعني انه قد يذكر بعض منها الا انه ليس على هذا النحو من البيان او يذكر مجملا مثل ما يأتى في ذكر الحصص ( حصص خل ) الحيوانية في الانسان والفرس والطير فانهم يذكرون انها من حقيقة واحدة هي الحيوان وانها متساوية وانما يميزها الفصول وانا قد ذكرتها على نحو ما عثر عليه الحكماء ولا وقف عليه العلماء لأنهم يأخذون تحقيقات علومهم بعض ( بعضهم خم ) عن بعض وانا لما لم اسلك طريقهم واخذت ( آخذ خل ) تحقيقات ما علمت عن ائمة الهدى عليهم السلام لم يتطرق على كلماتي الخطأ لأني ما اثبت في كتبي فهو عنهم وهم عليهم السلام معصومون عن الخطاء والغفلة والزلل ومن اخذ عنهم لا يخطىء من حيث هو تابع وهو تأويل قوله تعالى سيروا فيها ليالي واياما آمنين وقولي ولم يجر ذكرها في خطاب يعني انه لم يذكر في الأحاديث الا ( انه انما يذكر في الأحاديث خل ) بالاشارة والتلويح لأهله وعلى الله قصد السبيل
قلت ويكون ذلك بدليل الحكمة
اقول الحكمة قد تطلق ويراد بها الحكمة العلمية وقد يراد بها الحكمة العملية ونحن نريد بها الحكمة العلمية والعملية معا لأن دليل الحكمة هو الدليل الكشفي العياني الذي يخبر به المستدل بعد معاينة ما اراد من معاني الفاظه لا مجرد الألفاظ والكل يدعي ذلك ولكن الدعوى بغير شروط المدعي باطلة فنقول دليل الحكمة هو العلمية والعملية بشروطهما معا لأن احدهما لا يكفي عن الآخر وان كان بشروطه وشروط العلمية ان يجمع ( يجتمع خم ) قلبه على استماع المقصود والتوجه اليه من غير ان يريد العناد والرد لأنه لو استمع وهو يريد الرد والعناد كان مشتغلا بغير ما هو بصدده فيتفرق قلبه ولا يفهم المراد وان لا تركن نفسه الى ما انست به ( به نفسه خم ) فان حب الشيء يعمى ويصم حتى انه يصعب عليه مفارقة ما عنده وان ظهر له كونه مرجوحا فيتكلف في الجواب عما يخالفه وان لا يعتمد على مجرد ما عنده من القواعد والضوابط فان من اعتمد على ذلك غالبا لا يكاد يصيب الحق بل يرى كل ما يوافق قواعده صحيحا وان كان عند نفسه مرجوحا فاذا التفت الى مرجوحيته اغمض عنه اعتمادا على قواعده ويرى كل ما يخالفها باطلا وان كان وجد في نفسه راجحيته او حقيته اتكالا على قواعده ولعل الغلط انما هو في قواعده ( القواعد خل ) اما في اصل صحتها او في عمومها فاذا ترك العناد والركون والأنس بالمسئلة وعدم الالتفات الى القواعد وانما ( فانما خم ) ينظر فيما يرد عليه من الكتاب والسنة وفيما اراه الله تعالى ( سبحانه خل ) من آياته في الافاق وفي نفسه يمحض فهمه وذكاؤه ( بمحض فهمه وذكائه خم ) بحيث يكون متعلما من الكتاب والسنة وآيات الله سبحانه قابلا منها مصدقا لها فيكون تابعا ولا يكون مأولا للكتاب والسنة وآيات الله سبحانه على ما يلايم مراده وشهوته فيكون متبوعا وهي تابعة له وشروط العملية ان يكون مخلصا لله عز وجل في توحيده وعبادته بحيث لا يكون له غرض الا رضي الله سبحانه في كل شيء فاذا تمت له شروط العلم وشروط العمل جميعا على الوجه المطابق للكتاب والسنة حصل له دليل الحكمة الذي لا يعرف الله الا به
قلت لان الذي كانوا طلبوا به الغاية دليل المجادلة بالتي هي احسن
اقول واعني بدليل المجادلة ( بالتي هي احسن خل ) ما ذكره العلماء في كتبهم من البراهين والأقيسة بكل انواعها كما هو مقرر في المنطق وفي علم الأصول وهذه الأدلة انما هي مستنبطة من ادراكات عقولهم وافهامهم ولو عرف بها الله تعالى لكان مدركا بعقولهم ( لعقولهم خل ) وافهامهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا هذا اذا كانت المجادلة بالتي هي احسن بان يكون ( يحكم خل ) الدليل على نحو ما قرر في محله واما لو كان بخلاف ذلك لم ينتفع به وان كان في غير معرفة الله سبحانه
قلت وذلك لا يوصل الا الى عالم الصور او المعاني
اقول يعني ان دليل المجادلة بالتي هي احسن على كمال ما ينبغي فيه لا يوصل ( لا يوصل الطالب به خم ) الا الى عالم الصور التي هي المحدودة بالأبعاد سواء كانت جوهرية كالنفوس او عرضية كالأشباح المثالية او الى المعاني التي هي الذوات المادية سواء كانت مادتها عنصرية ام نورية ام غيرهما كمعاني المصادر لأن المراد بها ما هو اعم من الذوات الاصطلاحية اعني ما وضعت الالفاظ بازائها او ما ليس بجثة وسواء ( بجثة سواء خم ) كانت كلية ام جزئية لأن المراد منها حقايق الأشياء المطلقة سواء كانت المواد خاصة ام الأشياء المركبة منها ومن الصور مع قطع النظر عن التركيب والحاصل ان جميع ذلك اعني ما يكون مدركا ومتحصلا بدليل المجادلة ( المجادلة التي هي احسن خم ) لا ينفك عن الاشارة العقلية او الحسية وكل ذلك مستلزم للحصر والاحاطة وكل شيء من ذلك غير جايز في معرفة الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار فلذا قلنا بان هذا الدليل لا يوصل ( لا يوصل الطالب خم ) الا الى عالم الصور او المعاني وما كان كذلك امتنع استعماله فيما ليس كذلك
قلت ولا يوصل الى معرفة الاشياء كما هي كما قال (ص) اللهم ارني الاشياء كما هي
اقول ان دليل الحكمة يوصل من استعمله الى معرفة حقايق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر وهي التي سألها ( سألها النبي خم ) صلى الله عليه وآله من ربه ان يريه اياها لأن الأشياء اذا نظرت اليها من حيث هي مع قطع النظر من مشخصاتها ومميزاتها كانت مجردة عن كل ما سوى ذواتها والشيء اذا نظرت اليه مع قطع النظر عن جميع مشخصاته و( او خم ) مميزاته خلص من جميع الجهات والكيفيات والنسب واذا خلص من ذلك كله تجرد عن الاشارات والهيئات والأوضاع فلا يكون معنى ولا صورة لاستلزامهما الاشارة
قلت ولا يوصل الى ذلك الا دليل الحكمة
اقول ( اقول وذلك خم ) لأنه يوصل الى معرفة الشيء معري عن كل شيء حتى عن جهة التعري والتجرد عن الكيف والاشارة بخلاف غيره من دليل الموعظة الحسنة ودليل المجادلة بالتي هي احسن
قلت وارجو الله في ذلك ان يهدي به من التمس الهدى بهذا الدليل سواء السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل
اقول وانما قلت من التمس الهدى بهذا الدليل لأن من كان كذلك لا بد ان يكون همه رضي الله لا غير ومن كان كذلك لا يقصد العناد ولا الركون الى ما آنست به نفسه وان تبين له انه مرجوح ولا يرجع الى قواعده لا غير مع ان ما خالفه ايضا جار على قواعد تعارض قواعده وربما تكون اصح منها وانما يطلب الحق وهو حينئذ محسن لعدم تقصيره وقد ضمن الله لمثل هذا ان يهديه الى الحق الذي يرضى به كما قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ولا يكون في الحقيقة مجاهدا في الله الا اذا وفق لاستعمال هذا الدليل وذلك لأن الله سبحانه لا يخلف وعده ولو ( فلو خل ) كان ما يدعونه يصدق باستعماله ( باستعماله على طالبه خم ) انه مجاهد في الله لكان كل من فعل ذلك وصل الى العلم الذوقي لضمان الله تعالى للمجاهد فيه فلما لم يصل اولئك الى العلم العياني بمثل استعمال المجادلة بالتي هي احسن علم بان ذلك لا تتحقق به المجاهدة في الله وانما تتحقق باستعمال دليل الحكمة بشروطه التي يتحقق بها دليل الحكمة من مثل الشروط ( من الشروط خم ) التي ذكرناها ( ذكرنا خل ) التي هي الصدق في العلم والعمل كما اشرنا اليه سابقا
قلت الفائدة الاولى في ذكر تفصيل الادلة الثلاثة
اقول يعني في ذكر بيان اقسامها وانها تنقسم باعتبار انواعها الى ثلاثة ادلة
قلت وذكر مستندها وشرطها
اقول يعني في ذكر منشأها الذي تتحصل هي منه وشرطها الذي يتحقق ( تتحقق خل ) به على كمال ما ينبغي
قلت اعلم هداك الله ان الادلة ثلاثة كما قال سبحانه لنبيه (ص) ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فالاول دليل الحكمة
اقول يعني ان قوله تعالى ادع الى سبيل ربك اي الى ما يريد الله سبحانه من عباده المكلفين باحد ادلة ثلاثة ( الادلة الثلثة خم ) لأن المدعوىن من المكلفين ثلاثة انواع فان كانوا من الحكماء العقلاء والعلماء النبلاء ادعهم الى الحق الذي يريد الله منهم من معرفته بدليل الحكمة يعني بالدليل الذوقي العياني الذي تلزم منه الضرورة والبداهة بالمستدل عليه لأنه نوع من المعاينة مثل ما قلنا في كثير من كتبنا ومباحثاتنا لمن ( على من خم ) يقول ان حقايق الأشياء كامنة في ذاته تعالى بنحو اشرف ثم افاضها الخ قلنا لا بد ( وخل ) ان يكون لذاته تعالى قبل الافاضة حال مغاير لما بعد الافاضة سواء كان التغير في نفس الذات ام فيما هو في الذات لأنه ان حصل التغير ( التغيير خل ) في الذات لزم حدوث الذات وان حصل التغير ( التغيير خل ) فيما هو في الذات اعني حقايق الأشياء ( الأشياء الكامنة فيه خم ) فقد كانت الذات محلا للمتغير المختلف ويلزم ( ويلزم من ذلك خم ) حدوث الذات وهذا شيء قطعي ضروري من نوع دليل الحكمة وهو اشرف الأدلة ولهذا قدمه الله سبحانه وقلنا فالأول دليل الحكمة
قلت وهو آلة للمعارف الحقية
اقول يعني ان دليل الحكمة آلة لتحصيل المعارف الالهية الحقية ( الحقة خم ) وبه يعرف الله لا بغيره من الأدلة والذين يطلبون معرفة الله بغيره مثل دليل الموعظة الحسنة ( الحسنة لا يحصل لهم به المعرفة الحقة وذلك خم ) كما اذا قلت ان اعتقدت ان لك صانعا فلا شك في كونك ناجيا من عقوبته وان لم تعتقد لم تقطع بنجاتك من عقوبته بل يجوز ان يعذبك فلا يحصل لك القطع بالنجاة الا مع اعتقاد وجوده تعالى فهذا مثل نحو دليل ( وهذا مثل دليل خم ) الموعظة الحسنة ومثل ذلك لا تحصل به المعرفة الحقة وانما هو بيان طريق السلامة وكذلك مثل دليل المجادلة بالتي هي احسن كما اذا قلت ان كان في الموجودات قديم خالق وليس بمخلوق ثبت الواجب تعالى والا فلا بد لها من صانع اذ يستحيل ان توجد نفسها او توجد بغير موجد لها وكلا الوجهين محال وهذا مثل دليل المجادلة بالتي هي احسن ومثل هذا لا تحصل به المعرفة الحقة وانما يقطع حجة المخالف بخلاف مثل دليل الحكمة كما اذا قلت ان كل اثر يشابه صفة مؤثره وانه قائم به اي بفعله قيام صدور كالكلام فانه قائم بالمتكلم قيام صدور وكالأشعة بالمنيرات والصور في المرايا فالأشياء هي ظهور الواجب بها لها لأنه تعالى لا يظهر بذاته والا لاختلفت حالتاه ولا يكون شيء اشد ظهورا وحضورا و( او حضورا او خم ) بيانا من الظاهر في ظهوره لأن الظاهر اظهر من ظهوره وان كان لا يمكن التوصل الى معرفته الا بظهوره مثل القيام والقعود فان القائم اظهر في القيام من القيام وان كان لا يمكن التوصل اليه الا بالقيام فتقول يا قائم ويا قاعد فانت انما تعني القائم لا القيام لأنه بظهوره لك بالقيام غيب عنك مشاهدة القيام اصلا الا ان تلتفت الى نفس القيام فيحتجب عنك القائم بالقيام فبهذا الاستدلال الذي هو من دليل الحكمة يكون سبحانه عند العارف اظهر من كل شيء كما قال سيدالشهداء عليه السلام أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك وتحصل به المعرفة الحقة ولا تحصل بغيره اصلا
قلت وبه يعرف الله سبحانه ويعرف ما سواه
اقول يعني ان دليل الحكمة به يعرف الله ويعرف ما سواه اي ما سوى الله سبحانه مثل آياته الدالة عليه تعالى كمعرفة النفس فانك اذا عرفتها مجردة عن كل نسبة واضافة وعن جميع العوارض والمشخصات بان تعتبرها مجردة عن جميع سبحاتها من غير اشارة عرفت الله تعالى لانها حينئذ هي وصفه لنفسه تعالى لعبده فمن عرف وصفه لنفسه عرفه وهي حينئذ حقيقة ذلك الوصف
قلت ومستنده الفؤاد والنقل
اقول يعني انه ينشأ عن الفؤاد لأنه انما يدرك بنظره والمراد بالفؤاد في كلام الأئمة عليهم السلام هو الوجود بالمعنى الثاني الذي ذكرته في شرح مشاعر الملا صدر الدين الشيرازي اعني الشيء من حيث كونه اثرا لفعل الله تعالى فان الشيء له اعتباران اعتبار من ربه وهو انه آية الله واثر فعله واعتبار من نفسه وهو هويته من حيث نفسه وهو الماهية الثانية ويحتمل ان يراد بالفؤاد ما ذكرناه بالمعنى الأول وهو اول فائض من فعل الله وهو عندنا هو المادة المطلقة وانفعاله عند فعل الله هو الماهية الأولى التي هي قابليته والحاصل ان الفؤاد هو الوجود وهو الذي يعرف الله وبه يعرف الله وهو في الانسان بمنزلة الملك في المدينة والقلب بمنزلة الوزير وانما انحصر دليل الحكمة الاصطلاحي في ادراك الفؤاد لأنه هو الذي يدرك الشيء مجردا عن جميع ما سوى محض وجود الشيء مع قطع النظر عن جميع عوارض الشيء الذاتية كاركان القابلية ومتمماتها والعارضية بلا اشارة ولا كيف ولا يحصل من غير الفؤاد فلذا كان محل المعرفة ولذا قلنا مستنده الفؤاد واما النقل والمراد به الكتاب والسنة ومعنى كونهما مستندا ( مسندا خل ) لذلك الدليل انهما محل استنباطه لاشتمالهما على الاحتجاج به على وجه لا يحتمل الخطاء والغفلة وسيأتي الاشارة الى بيان ذلك
قلت أما النقل فهو الكتاب والسنة
اقول انما قدمنا ذكر النقل على ذكر الفؤاد لكونه اصلا لاستنباط ذلك الدليل ومتبوعا للفؤاد ولأن الكلام في النقل قليل اذ لا يراد بيان ذلك وانما المراد مجرد ذكره واخرنا الفؤاد في البيان لطول الكلام عليه بالنسبة الى النقل والمراد بمستنده منهما هو المحكم منهما لا المتشابه
قلت وأما الفؤاد فهو أعلى مشاعر الإنسان
اقول لأن مشاعر الإنسان الصدر والمراد به الخيال والنفس الكلية التي هي محل الصور العلمية كلية (كلية كانت خم) أو جزئية فهو محل العلم ويقابله الجهل والقلب وهو محل المعاني واليقين بالنسب الحكمية ويقابله الشك والريب والفؤاد وهو محل المعارف الإلهية المجردة عن جميع الصور والنسب والأوضاع والإشارات والجهات والأوقات ويقابله الإنكار فهو إذن أعلى مشاعر الأنسان
قلت وهو نور الله الذي ذكره (ع) في قوله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله
اقول لأنه عليه السلام يريد بهذا النور هو الفؤاد لأن الصادق عليه السلام ذكر ان ضياء المعرفة ينجلي في الفؤاد وذكر عليه السلام في حديث آخر انه هو نور الله الذي خلق الله منه المؤمن وانه هو نور الله الذي هو الفراسة كما في الحديث
قلت وهو الوجود لان الوجود هو الجهة العليا من الانسان يعني وجهه من جهة ربه
اقول يعني وجهه من ربه كما ذكرنا قبل من ان كل شيء له اعتباران اعتبار من ربه وهو الوجود وهو الفؤاد وله وزير يعينه على ما يقتضيه من الطاعات وهو العقل واعتبار من نفسه وهو الماهية ولها وزير يعينها على ما تقتضيه من المعاصي وهو النفس الأمارة بالسوء
قلت لان الوجود لا ينظر الى نفسه ابدا بل الى ربه كما ان الماهية لا تنظر الى ربها ابدا بل الى نفسها
اقول يعني ان الوجود اثر وصفة والأثر والصفة لا تتحقق ولو في التعقل الا تابعا متقوما بغيره بخلاف الماهية فانها هي هوية الشيء من حيث هو فهي لا تعقل الا مستقلة ولهذا قيل انها عدمية الأصل كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار وقد اشار الصادق عليه السلام الى هذا المعنى في تفسير قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله قال عليه السلام الظالم من يحوم حول نفسه والمقتصد يحوم حول قلبه والسابق يحوم حول ربه فالأول في هذا الحديث العامل ( هو العامل خم ) بمقتضى ماهيته فانها ناظرة الى نفسها لا غير والثاني فيه العامل بعقله ( هو العامل بمقتضى عقله خم ) فانه بمقتضاه ناظر الى قلبه لا غير والثالث فيه العامل بفؤاده ( هو العامل بمقتضى فؤاده خم ) ووجوده فانه بمقتضاه ناظر الى ربه لا غير
قلت واما شرطه فان تنصف ربك لانك حين تنظر بدليل الحكمة انت تحاكم ربك وهو يحاكمك الى فؤادك كما قال سيد الوصيين (ع) لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها
اقول والمراد من شرط دليل الحكمة ما يتوقف عليه فتح باب النور على فؤادك لأنك اذا لم تنصف ربك لم يفتح ( لم يفتح لك خم ) باب النور والبصيرة مثلا هو تعالى قال أفمن يهدي الى الحق احق ان يتبع أمن لا يهدي الا ان يهدي وقال: ألم اعهد اليكم يا بني ادم ان لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم يعني ان الشيطان يدعوكم الى النار والله يدعوكم الى الجنة والمغفرة باذنه فاذا بين لك في نفسك شيئا حقا فالله تعالى يحاكمك عند نفسك ويقول: أفمن يهدي الى الحق احق ان يتبع أمن لا يهدي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون فان قبلت منه فتح لك باب النور والهدى وان لم تقبل منه واتبعت شهوة نفسك او ما تعودت به نفسك او ما يطابق قواعدك وهي بخلاف ما ظهر لك لم تنصف ربك فاذا لم تنصفه ( لم تنصف خل ) بعد ما بين لك من الحق في نفسك حجب عنك نور الهدا والفهم فلم تنتفع بما ظهر لك في نفسك فشرطه ان تنصف ربك بان تتبع ما بين لك من الحق ومعنى قول امير المؤمنين عليه السلام : بل تجلى لها بها يعني انه سبحانه لا يظهر بذاته لخلقه والا لتغيرت احواله فانه لم يظهر ثم ظهر ومتغير الأحوال حادث وانما يظهر للشيء بصنعه له فاذا وجد المصنوع ونظر في نفسه انه مصنوع عرف ان له صانعا فقد ظهر له به ومعنى قوله وبها امتنع منها انه تعالى لما خلقها وجب ان تظهر متلبسة بصورة المصنوعية من التركيب والتأليف والحاجة والعجز فاذا كانت كذلك لا تعرف الا ما هي عليه فلا تعرف الا ما كان مثلها فكان وجودها حجابا لها عن ادراك كنه عزته
قلت فربك يخاصمك عندك
اقول يعني انه تعالى يقيم عليك الحجة في نفسك حتى تعرف في نفسك صحة ما يريد منك فان اجبته واقررت بما عرفك اقرارا لا بخصوص اللسان بل باللسان في الأقوال وبالجنان في الاعتقادات وبالاركان في الأعمال فقد انصفت ربك وحينئذ ينفعك استدلالك بدليل الحكمة حتى تصل به الى عالم الأنوار وتقف به على خفايا الأسرار والا فلا
قلت فزن بالقسطاس المستقيم ذلك خير واحسن تأويلا
اقول يعني انك تجتهد بدليل الحكمة في النظر في الافاق وفي النفس مع اجتهادك في اخلاص النية في العلم والعمل ولا تسامح في كثير ولا قليل
قلت وتقف عند بيانك وتبينك وتبيينك على قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا
اقول انك تقف عند بيانك اي عند ما اثبت لنفسك من البيان في معارفك واعتقاداتك وعند تبينك اي عند تحصيلك البيان وطلبك له وعند تبيينك اي عند تبيينك لغيرك ما خفي عليه تقف عند ذلك كله اي تكون حينئذ ذاكرا لقوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم الآية ليكون ذلك زاجرا لك عن القول على الله بغير علم فانك مسئول عما سمعته اذنك ورأته عينك ووعاه فؤادك
قلت وتنظر في تلك الاحوال كلها بعينه تعالى لا بعينك لقوله تعالى: ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا
اقول تنظر في تقدير معارفك على حسب احتمالك واحتمال من تعلمه وفي استماعك وابصارك وافهامك فيما لك ولغيرك تنظر في تلك الأمور كلها بعينه تعالى اي العين التي هي وصف نفسه لك اعني وجودك من حيث كونه اثرا ونورا وهو حالة معرفتك لنفسك اذا كشفت عنها جميع السبحات من غير اشارة فانها حينئذ عين من الله سبحانه اعارك اياها لتعرفه بها اذ لا يعرف ( لا يعرف الله خم ) الا بها لا بعينك التي هي انت من حيث انك انت انت فانك لا تعرف بهذه العين الا الحادثات المحتاجة الفانية فلا تمش في ارض قابليتك من حيث هي هي فانه هو المشي المرح لأنه مشي في ظلمة ( ظلمات خم ) الماهية فانك حينئذ عاجز ذليل ليس لك قدرة على حال ولا استقلال فلا تقدر على ان تثقب الأرض فتتصرف فيها بنوريتك التي من ذاتك اذ لا نورية لك الا من عطاء الله الذي لا يناله الا الخاشعون العابدون ولا على ان تبلغ طول الجبال من نفسك كذلك
قلت فهذا نمط دليل الحكمة
اقول يعني ان هذه الوصية بانك لا تتساهل في تحقيق الأشياء بل تزنها بالقسطاس المستقيم ولا تتبع فيه ( فيها خم ) ما ليس لك ( لك به خل ) علم فلا تقل سمعت ولم تسمع او رأيت ولم تر او فهمت ولم تفهم وذلك فانك مسئول عن ذلك كله واذا ادركت شيئا فلا تنسب شيئا من ذلك الى نفسك اذ لا حول لك ولا قوة الا بالله فان هذه وامثالها من نوع دليل الحكمة
قلت واما دليل الموعظة الحسنة فهو آلة لعلم الطريقة وتهذيب الاخلاق وعلم اليقين والتقوى
اقول وذلك لأنه طريق الاحتياط وما فيه السلامة والنجاة والظفر بالمطلوب وعلم الطريقة اي علم طريق ( طريقة خل ) السلوك العملي الذي هو روح السلوك العلمي وذلك بمعرفة تهذيب الأخلاق من تعديل احوال النفس بان تعرف التخلق باخلاق الله وتتخلق بها على نحو ما تخلق بها الروحانيون من الدوام عليها والملازمة لها بالأعمال والأداء بامتثال اخلاق الله من دوام الذكر وعدم الغفلة عنه تعالى وتجنب ما فيه الضرر كالأخلاق الذميمة من الطمع والحرص والبخل والشح والسرف والتبذير والجبن والتهور والبلادة والجربزة وامثال ذلك وعلم اليقين الاستقامة على الطاعات والأعمال الصالحات ( الصالحة خم ) والتقوى والزهد حتى تتخلق باخلاق الروحانيين وانفع الأشياء لتحصيل هذه وامثالها دليل الموعظة الحسنة
قلت وان كانت تلك العلوم تستفاد من غيره
اقول يعني ان علم اليقين والتقوى وتهذيب الأخلاق قد تستفاد من غير هذا الدليل الذي هو دليل الموعظة الحسنة
قلت ولكن بدون ملاحظة هذا الدليل لا تقف على اليقين لانه اقل ما قسم الله بين العباد
اقول يعني ان اليقين والاطمينان الذي هو اصل علم الأخلاق لا يكاد يتحقق الا بهذا الدليل لأنه باعث على العمل ومانع من الشك والريب فلا بد في حصول اليقين من ملاحظة هذا الدليل
قلت ومستنده القلب والنقل
اقول يعني ان منشأه المرتب له والمقوم لأركانه القلب لانه مقر اليقين ودليل الموعظة الحسنة ثمرته اليقين والنقل هو الكتاب والسنة لأنهما مستند كل شيء ومبدء كل خير
قلت وشرطه انصاف عقلك بمعنى الا تظلمه ما يستحقه وما يريد منك من الحق
اقول يعني ان شرط صحته وصحة الانتفاع به وتمام تأثيره انصاف عقلك بمعنى انه اذا ورد عليك هذا الدليل فان مفاده الحق والنجاة والاحتياط والعقل يحكم عليك بما يقتضي ( يقتضيه خم ) امثال ذلك فان انصفته اطعت عقلك بان تلتزم ما الزمك به من هذا الدليل لما بينهما من كمال المجانسة والاتحاد ولما كان العقل اشد الأشياء صداقة ونصحا كان مستحقا للقبول منه فاذا لم تقبل منه فقد ظلمت ما يستحقه
قلت ومثاله قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد وقوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله فامن واستكبرتم ان الله لا يهدي القوم الظالمين وكقول الصادق عليه السلام لعبدالكريم بن ابي العوجاء حين انكر على الطائفين بالبيت الحرام قال (ع) ما معناه ان كان الامر كما تقولون وليس كما تقولون فانتم وهم سواء وان كان الامر كما يقولون وهو كما يقولون فقد نجوا وهلكتم
اقول هذا وامثاله من نوع هذا الدليل المشار اليه ولهذا
قلت فهذا نمط دليل الموعظة الحسنة
اقول انما مثلت بهذه الآيات ليعرف هذا النمط وهو كثير الأصناف في الاحتجاجات
قلت واما دليل المجادلة بالتي هي احسن
اقول اما دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو مشهور معروف بين العلماء بل ربما يقال ان الدليل منحصر فيه لأنه محل المناقشات والمعارضات واما الدليلان الأولان فليس فيهما مناقشة ولا معارضة لأنه لو استدل شخص باحد الدليلين الأولين وعارض فيه شخص آخر كانت المعارضة فيه ليست منه وانما هي من دليل المجادلة بالتي هي احسن لانه لما كان مبناه على المقدمات وفيها حمل بالمتعارف الشايع وحمل اولى ومعانيها منها مفاهيم ومنها معاني ومنها مصاديق ومنها معان مصدرية ومنها لغوية ومنها اصطلاحية ومنها مدلولات فيحصل في كثير من القضايا الاشتباه لبعضها ببعض على ان تلك النسب انما ترتب على حسب افهامهم وافهامهم مختلفة فترد فيها الاشكالات والاشتباهات بخلاف الدليلين الأولين فانهما لم يبنيا على شيء من ذلك فاذا اعترض عليهما معترض فقد اعترض فيهما بغيرهما
قلت فهو آلة لعلم الشريعة
اقول يعني ان هذا في الغالب اعظم منفعة في الأحكام الشرعية الفرعية والأصل في ذلك ان العلوم النافعة ثلاثة كما في الحديث النبوي صلى الله عليه وآله آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة وما خلا ذلك فهو فضل والأدلة ثلاثة كما مر ومعلوم عند ( عندنا خم ) اهل العلم العياني ان دليل الحكمة للآية المحكمة اي علم التوحيد وما يلحق به ودليل الموعظة الحسنة للفريضة العادلة اي علم الأخلاق وتهذيب النفس ودليل المجادلة بالتي هي احسن للسنة القائمة اي علم الشريعة ولأجل هذا اشرت الى التوزيع بان يكون كل دليل لعلم من العلوم الثلاثة
قلت ومستنده العلم والنقل
اقول اي منشأ هذا الدليل العلم اعني حصول المعلوم به او بصورته وهو عبارة عن المكتوب في النفس كما ان اليقين عبارة عن المجموع في القلب من المعاني اليقينية وان المعرفة عبارة عن انجلاء نور المعرفة في الفؤاد على نحو ما اشرنا اليه ويأتي ان شاء الله كثير من بيان ذلك
قلت وشرطه انصاف الخصم
اقول بان يقيم ( تقيم خم ) الدليل على النحو المقرر في علم الميزان وقد ذكره العلماء في كتبهم الأصولية والفروعية بل لا يكاد يسمع منهم غير هذا الدليل ولو قرر على خصمه في اقامة الدليل على المدعي او على ابطال دعوى خصمه بنوع من المغالطات فقد ظلم الخصم وان كان مبطلا في دعواه ولا تكون المجادلة بالتي هي احسن بل تكون بالتي هي اسوء ولهذا
قلت والا لم تكن المجادلة بالتي هي احسن وهو مثل ما قرره اهل المنطق من المقدمات وكيفية الدليل وما ذكره اهل الاصول وغيرهم من الادلة وكيفية الاستدلال على نحو لا يكون فيه انكار حق وان كان من خصمك المبطل في مطلبه ولا استدلال بباطل على حق ولا على ابطال باطل ولا يحتاج هذا الى تمثيل لان الكتب مشحونة به بل لا تكاد تجد غيره الا نادرا وذلك لضعف المستدلين والمستدل لهم وعليهم ولكن لا تغفل عن اخذ حظ من دليل الموعظة الحسنة فانه بشرطه طريق السلامة والراحة في الدنيا والنجاة في الاخرة وهذا اذا لم تنل دليل الحكمة والا فخذه وكن من الشاكرين فليس وراء عبادان قرية والله سبحانه يحفظ لك وعليك
اقول وهذه الكلمات معناها ظاهرة ( ظاهر خم )
قلت الفائدة الثانية في بيان معرفة الوجود
اقول يعني في بيان تقسيم ما يسمى بهذا الاسم عند الطالبين لمطلق معرفته وبيان رسمه سواء كان لذاته او لعنوانه
قلت اعلم ان الذي يعبر عنه عند طلب معرفته بالوجود
اقول يعني اذا اريد رسمه بشيء يعرف به عند الطلب سواء كان بحده او برسمه او بتعريف عنوانه كما في الواجب لأنه ( لأنه تعالى خم ) المجهول المطلق والواجب الحق ولا يعرف الا بما وصف به نفسه واذا وصف نفسه كان ذلك الوصف من جملة مخلوقاته وهو تعالى لا يعرف بمخلوقاته ولا بشيء من صفاتهم
قلت ثلاثة اقسام
اقول وجه الحصر في الثلاثة ان الشيء اما صانع او صنع او مصنوع فالصانع هو الواجب تعالى والصنع فعله والمصنوع ما سوى الله سبحانه من مصنوعاته
قلت القسم الاول الوجود الحق
اقول نعني بالوجود الحق الوجود الواجب المقدس عن كل ما سواه ومن جملة ما هو مقدس عنه اطلاق العبارة عليه فاذا اطلقت العبارة تقع على العنوان اعني الدليل عليه وهو ما اوجده الله تعالى من وصفه لعباده وهو اي ذلك العنوان الذي هو الوصف ليس كمثله شيء ولهذا يعرف به انه ليس كمثله شيء ولو كان لذلك الوصف الذي يعرف به مثل لكان يعرف الله بان له مثلا فان - قلت قد قال علي عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وعلى قولكم يلزم ان يكون النفس ليس كمثلها شيء وهو خلاف المعروف من مذهب اهل الاسلام - قلت انما يعرف الله سبحانه بمعرفة النفس اذا جردت عن جميع السبحات حتى عن التجريد كما قال عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة ولا شك انها حينئذ ليس كمثلها شيء لأنك تجردها عن كل شيء حتى من ( عن خل ) المماثلة لشيء ( بشيء خم ) من الأشياء وحينئذ تكون ليس كمثلها شيء فانها حينئذ تكون آية معرفته فاذا عرفت الله بها عرفت انه ليس كمثله شيء فافهم هذا ولا تفهم من هذا الكلام ما فهمه الصوفية فانهم يقولون اذا جردتها هكذا فهي الله ولهذا يقول قائلهم : انا الله بلا انا وهذا كفر صريح ولكن اذا جردتها تكون آية الله وعلامة معرفته كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ولم يقل سنريهم ذاتنا فافهم واعتبر
قلت وهذا الوجود لا يدرك بعموم ولا خصوص ولا اطلاق ولا تقييد
اقول يعني هذا الوجود الحق تعالى لا يعرفه احد ممن سواه من نحو ذاته وانما يعرف بما وصف به نفسه وهو قد وصف نفسه بما يدل عليه وكل ما فيه جهة من صفات الخلق لا يعرف به فلا يصف به نفسه ومما فيه جهة من صفات الخلق ما ذكرناه هنا وهو العموم وهو اشتمال لفظ او معنى لأفراد غير متناهية يكون كل فرد منها مصداقا لذلك العام المنتشر على جهة البدلية من غير تعيين او بتعيين قيود ومشخصات والخصوص وهو بعكس العموم وهما من احوال الخلق والاطلاق وهو ان يكون للشيء اعتباران اعتبار لذاته بشرط لا شيء ( لا شيء وهو العموم نسخة خم ) واعتبار لما يلحقه بشرط شيء وهو التقييد فالعموم فرد له بالاعتبار الأول والخصوص فرد له بالاعتبار الثاني والأحوال الأربعة كلها جهات الخلق وصفاتهم وكلها مستلزم للتركيب بالقوة او بالفعل
قلت ولا كل ولا جزء ولا كلي ولا جزئي
اقول لأن الكل له بعض والجزء بعض منه والكلي له افراد متعددة يوجد فيها والجزئي فرد منها وكلها صفات الخلق لا يعرف بها الخالق تعالى لأنه هو اجراها وابداها ولا يجري عليه ما هو اجراه
قلت ولا بمعنى ولا لفظ ولا كم ولا كيف ولا برتبة ولا جهة
اقول يعني ولا يعرف تعالى بمعنى لأن المعنى ما وضع اللفظ بازائه او ما تولد من دلالته او حل في المدركة فالأول يلزمه الاقتران باللفظ والثاني يلزمه مع كونه كان ناشئا من اللفظ وهو المفهوم كما قال الرضا عليه السلام لأنه لا يؤلف شيئا من ثلاثة احرف او اربعة احرف او اكثر او اقل الا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك الحديث فالمعنى المفهوم متولد من دلالة اللفظ كما حقق في محله والثالث المجرد الذاتي الحال في الدهر والعرضي الحال في العقل فالأول مقترن باللفظ والثاني متولد منه والثالث الجوهري والعرضي الدهريان والاقتران والتولد والحلول صفات الحوادث ولا يعرف بها الا الحادث ولا يعرف بلفظ لأن اللفظ مؤلف من الحروف والأصوات المسموعة والكل حادث والكم مقدار متصل او منفصل او مقداري كالموزونة والمكيلة والمعدودة والممسوحة وكلها حادث ( حادثة خل ) والكيف كالهيئات والألوان وهي حادثة مفتقرة الى الحوادث والرتبة نسبة المسافة من المنتسبين والجهة مقصد الطالب من ناحية المطلوب سواء كانت من الجهات الست الشهودية التي هي متعلق الاشارة الحسية ام من الجهات الغيبية التي هي متعلق الاشارة الخيالية او العقلية وكل ذلك صفات الحادثات
قلت ولا وضع ولا اضافة ولا نسبة ولا ارتباط
اقول الوضع بمعانيه الثلاثة حادث لافتقاره الى الحوادث فالأول في البسيط كالمحل للجوهر البسيط المجرد والجوهر الفرد والثاني ترتب اجزاء الشيء بين بعضها الى بعض والثالث ترتب اجزاء الشيء بينها وبين الأجزاء الخارجة عنه والاضافة فيما يتوقف تحققه على ما يتوقف تحققه عليه على نحو المعية والتساوق الذي به التحاوي كالأبوة والبنوة وظهور الكسر والانكسار والنسبة هي اعتبار حال الشيء ( حال شيء خم ) في جهة شيء سواء كان على جهة اللزوم او الاتفاق وسواء تحقق اللزوم من الطرفين ام من احدهما وسواء كان ذلك الاعتبار لذاتي كل من المنتسبين ام لعرضيهما ام لذاتي احدهما وعرضي الآخر والارتباط مطلق التعلق من الطرفين او من احدهما وكل ذلك من صفات الخلق التي لا تعتبر الا في الحادث لاستلزامها التركيب والاحتياج
قلت ولا في وقت ولا مكان ولا على شيء ولا في شيء ولا فيه شيء ولا من شيء ولا لشيء ولا كشيء ولا عن شيء
اقول يعني هو تعالى لا يعرف بانه في وقت ولا في مكان والا لكان محصورا فيهما ولا على شيء والا لكان محمولا وحامله اقوى منه ولا في شيء والا لكان ذلك الشيء محيطا به ولا فيه شيء والا لكان محلا لغيره وغيره حادث ومحل الحادث حادث ولا من شيء والا لكان مولودا ولا لشيء والا لكان معللا ومسبوقا ولا كشيء والا لكان شبيها لغيره ( مشبها بغيره خم ) ولا عن شيء والا لكان متجاوزا عنه منتقلا زائلا وكل ذلك من صفات مخلوقاته
قلت ولا بلطف ولا بغلظ ولا باستدارة ولا امتداد ولا حركة ولا سكون ولا استضاءة ولا ظلمة ولا بانتقال ولا بمكث ولا تغير ولا زوال
اقول انه تعالى ايضا لا يعرف بلطف اي رقة ودقة ونعومة وما اشبه ذلك فانها صفات الأجسام ولا بغلظ وهو عكس اللطف ولا استدارة كالدائرة والكرة ولا امتداد وهو مط الشيء ويكون في الذوات ( الذات خل ) والاوقات والأمكنة والصفات والافعال والتأثيرات وما اشبه ذلك ولا حركة ولا سكون لأنهما من الأكوان الأربعة التي تلزم الحادث ولا استضائة ولا ظلمة لأنهما من نوع الحركة والسكون المعنويين ولا انتقال ( بانتقال خل ) كالحركة او ما يلزمها ولا بمكث كالسكون او ما يلزمه ولا تغير من حال الى حال ولا زوال كالانتقال وكل هذه احوال الخلق وصفاتهم فلا يعرف بشيء منها والا لعرف بخلقه فيكون مثلهم
قلت ولا يشبهه شيء ولا يخالفه شيء ولا يوافقه شيء ولا يعادله شيء ولا يبرز من شيء ولا يبرز منه شيء
اقول ولا يشابهه شيء والا لكان حادثا مثله ولا يخالفه شيء والا لما صدر عن ( من خل ) فعله ولا يوافقه شيء والا لأشبهه في جهة الموافقة ولا يعادله شيء والا لكان ندا له او ضدا له فيكون حادثا ولا يبرز من شيء والا لكان مولودا ولا يبرز منه شيء والا لكان والدا ومن كان مولودا كان مشاركا ومن كان والدا كان مورثا هالكا
قلت وكل صفة او جهة او صورة او مثال او غير ذلك مما يمكن فرضه او وجوده او تمييزه او ابهامه فهو غيره
اقول وكل صفة او جهة او صورة او مثال لا يعرف بها لأنها فروع وتوابع ولو عرف كان معروفا بمتبوعية غيره وتابعيته لغيره تعالى عن ذلك او غير ذلك مما ذكر مما يمكن فرضه لأنه حادث اذ ما يعرف بالممكن ممكن او وجوده اي ما يمكن وجوده لأن ممكن الوجود حادث او تميزه لأن ما يتميز فقد احاطت به حدود التميز واحصته مدارك التعيين فهو محدود معين وكل محدود معين فهو حادث تشخص بالمشخصات او ابهامه لأن الابهام طالب للتعيين والتميز فهو محتمل الزيادة ومحتمل الزيادة محتمل النقصان فهو ممكن فهو غيره اي كل ما يلحقه الامكان والفرض والتميز والابهام لا يعرف به لأنها صفات الحوادث
قلت ولا يدرك بشيء مما ذكر او غيره ولا بضده
اقول هو تعالى لا يعرف بشيء مما ذكرنا من هذه الأوصاف والا لكان مدركا بها والمدرك بغيره حادث ولا بغير المذكورات مما يصدق عليها ( عليه خم ) الغيرية لأنها حدود الحوادث ولا بضد ذلك والا لكان حادثا لأن الغيرية والضدية صفات الخلق كما يأتي
قلت ولا يعرف ما هو في سر ولا علانية ولا طريق الى معرفته بوجه لا بنفي ولا اثبات الا بما وصف نفسه
اقول يعني لا يعرف باشارة وتلويح ورمز وتصريح وبيان ولا طريق الى معرفته بوجه من الوجوه نعم يعرف بما وصف به نفسه وذلك لأن معرفة الشيء لا تمكن الا لمن احاط بالمعروف بالكنه بالعلم العياني او بدعوى الرؤية والسماع بالوصول الى الأزل ليشاهد ما هنالك وينزل ويخبر عما عاين وراى واذا لم يكن احد وصل الى الأزل لا بعروج جسد ولا روح ولا بادراك خيال ولا عقل فكيف يمكن له ان يصفه نعم لما تعذر ذلك على الخلق والحال انه تعالى يريد ذلك منهم وجب في الحكمة واللطف بالعباد الضعفاء ان يصف نفسه لهم ليعرفوه بما وصف به نفسه ولما لم يجز ان تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار خلق خلقا اقوياء يقدرون على تلقي التعريف والوحي منه ويبلغونه الى الضعفاء فارسل الرسل مبشرين ومنذرين فتمت كلمته وبلغت حجته وما ربك بظلام للعبيد ( للعبيد ولهذا خم )
قلت ولا يدرك احد كنه صفته وانما يعرفه بما تعرف له به
اقول وهذا ان شاء الله بالغ الحجة ظاهر الدلالة
قلت ولم يتعرف لاحد بنحو ما عرفه من غيره والا لشابهه سبحانه
اقول انه تعرف لك نفسه يعني ( انه تعرف لك يعني خم ) وصف لك سبحانه نفسه وعرفك نفسه وعرفك غيره من خلقه ولكنه عز وجل لم يصف نفسه لاحد بمثل ما وصف غيره له مثلا عرفه نفسه بانه ليس كمثله شيء وعرفه غيره بان الزنجفر احمر والقرطاس ابيض والمداد اسود والرمح طويل والنار حارة والماء بارد وامثال ذلك ولم يصف نفسه بشيء من تلك الأوصاف والا لشابهه فلو وصف نفسه بالحمرة لشابهه ( لشابهت خم ) الزنجفر ولو وصف نفسه بالبياض لشابهه القرطاس ( لشابه القرطاس في البياض خم ) فهو تعالى لم يصف نفسه بوصف يشابهه شيء ( يشابه شيئا خم ) من اوصاف الخلق فافهم ولهذا قلنا ان وصف نفسه ليس كمثله شيء
قلت فهو المعلوم والمجهول والموجود والمفقود
اقول فهو تعالى المعلوم بما وصف به نفسه والمجهول بحقيقة كنهه لأنه لم يبين حقيقة كنهه لأحد من خلقه فهو مجهول الكنه والموجود باياته وآثار صنعه فان الأثر يدل على وجود مؤثر صنعه والمفقود بذاته لمن طلب حقيقة ذاته فانه تعالى ذاته تعالى ( فانه تعالى خل ) فات كل شيء من خلقه
قلت فجهة معلوميته نفس مجهوليته ونفس مشهوديته عين مفقوديته
اقول يعني انه تعالى من حيث هو معلوم هو نفس من حيث هو مجهول لأنك انما تعرفه بانه لا يوصف ولا يحاط به علما وانه ليس كمثله شيء وان كل معلوم بنفسه مصنوع له وامثال هذا فلا يعرف سبحانه الا بمثل هذه الأوصاف وهذه الأوصاف هي الموجبة لكونه عز وجل مجهول الكنه وقولنا ونفس مشهوديته عين مفقوديته نريد به ان حقيقة مشاهدته ان كل ما يشاهد فهو صنعه واثره المتقوم بفعله قيام صدور مثل صوت الكلام فان كل شيء يدرك ويشاهد بالأبصار او البصائر وجميع المدارك والمشاعر فانه اثر فعله بمنزلة صوت الكلام اذا سمعته من متكلم خلف الجدار مثلا وهو دال على وجوده بذلك الصوت في حال غيبته فحال ادراكه انما هو اثره ( باثره خل ) مع غيبة ذاته فمشاهدته انما هي باثار صنعه حال غيبته فوجدانه عين فقدانه
قلت فهو لا يعرف بغيره وغيره يعرف به
اقول انه تعالى لا يعرف بغيره لأن كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيره يعرف به يعني ان غيره لما عرفته بنفسه دلك ( عرفته دلك بنفسه خم ) على انه مصنوع قد عرفك اياه صانعه بانه مصنوعه واثر فعله
قلت اما انه لا يدرك بعموم ولا خصوص الخ فلانها جهات الخلق وصفاتهم وهي لا تحد الا انفسها ولا يدرك بها الا مثلها
اقول يعني ان كونه تعالى لا يدرك بعموم الخ فلأن تلك الصفات من صفات الخلق وصفة الشيء لا يعرف بها غيره مثلا الأحمر صفة الحمرة ولا يعرف بالحمرة الأبيض لأنها غير صفته والصفات انما تصدق على موصوفاتها لا على غيرها ولا يدرك بها غيرها وانما يدرك بها مثلها وذاته تعالى وصفاته مخالفة لذوات خلقه وصفاتهم فلا يعرف بصفاتهم اذ لا يعرف بصفاتهم الا الحادث
قلت واما انه لا يدرك بضده فلان ضد الممكن ممكن اذ القديم لا ضد له والا لم يكن عنه شيء ولشابهها في تضادها
اقول يعني انه لا يدرك بضد لأن الضد انما يعقل للشيء اذا كان في رتبته وهو الأزل وليس في رتبته غيره وما ليس في رتبته كالممكن لا يكون ضدا للقديم وايضا يكون مشابها للمخلوقات التي لها ضد والضد على الأصح المشهور هو المعاكس في الصفات الذاتية مع الاتفاق في الرتبة مثلا يكونان ازليين هذا في الرتبة ويكون اذا حرك احدهما شيئا طلب الآخر تسكينه وذلك بمقتضى الطبع الذاتي ومقتضى الرتبة ان يكون كل منهما نسبته الى كل شيء على السواء فتساوي المقتضيان منهما الى كل شيء فلا يصدر شيء عنهما ولا عن احدهما للتضاد المذكور فان وقع مقتضى احدهما دون الآخر لم يكن الآخر ضدا لنقض ( لنقص خم ) ضديته في الرتبة او في الطبع الذاتي وقولي فلأن ضد الممكن ولم اقل فلأن ضد القديم اريد به ان القديم يستحيل فرض صدقه ( ضده خل ) في العقل ومن تصور ضده فانما تصور ضد الممكن لأنه اذا تصور معه غيره فليس ذلك بقديم فمهما فرض ( فهنا فرض قديم خم ) وقع في الممكن ولذا - قلت اذ القديم لا ضد له
قلت ولانه ان كان قديما لزم تعدد القدماء
اقول يعني ان الضد لو فرض وان لم يصح الفرض لزم تعدد القدماء المتفق على بطلانه على ما هو مقرر في ادلة التوحيد
قلت ولا يمكن فرض ذلك لان الازل هو الذات البسيط البحت ولا مدخل فيه لان الازل صمد
اقول لا يمكن فرض الضد والكثرة في الأزل مطلقا سواء كان ( كان المفروض فيه خم ) ضدا او ندا لمنافات ذلك الأزل ( للازل خل ) وذلك لأن الأزل هو الذات البحت البسيط الذي لا كثرة فيه بكل اعتبار وما خرج عن تلك الذات البحت فهو ممكن والذات البحت صمد لا مدخل فيه لأن من كان فيه مدخل لغيره فهو مؤلف محتاج ولهذا
قلت والا فهو امكان
اقول يعني اذا كان شيء بخلاف ما وصفنا بان يكون فيه مدخل لغيره او ليس ببسيط او انه كما يتوهمونه ظرف قد حل فيه الواجب الحق وفيه فضل يسع ان يفرض فيه غيره كما هو شأن كل ظرف فهو ظاهر البطلان
قلت وان كان الضد ممكنا لم يصح فرض كون الممكن ضدا للواجب لحدوثه به
اقول واذا فرض ( فرض كون خم ) الضد ممكنا لم يصح كونه ضدا للواجب لتغاير الرتبة كما ذكرنا سابقا لأنه اذا فرض الضد ممكنا كان انما وجد باحداث الواجب تعالى ( تعالى له خم ) فكيف يحدث ما هو ضده وما ذلك الا كمثل ان النار من جهة كونها حارة احدثت برودة بتأثيرها الحار
قلت وانما قلنا ان ضد الممكن ممكن لان القديم والممتنع لا يصلحان لمطلق الضدية والا لكانا ممكنين
اقول لأن القديم لا يعرف بالتعدد والضدية لأنهما من صفات الخلق فلا يفرض كون القديم ضدا الا على تحقق الامكان واما الممتنع فليس شيئا ليفرض كونه ضدا للشيء او كون شيء ضدا له ولهذا قلنا والا لكانا ممكنين
قلت اما في الواجب فلان الضد جهة المقابلة وطرفها وهو ممكن
اقول يعني انما امتنع الضد من الواجب لأن الضد مأخوذ في مفهومه جهة ضده فلأجل الالتفات لم يصح ان يكون بسيطا ولذا يقولون ان الضد يحضر في الذهن عند ذكر ضده والأصل فيه هذا اي انه مأخوذ في مفهومه جهة مقابلة ضده
قلت واما في الممتنع فلان الضد ان لم يكن شيئا لم يكن ضدا وان كان شيئا كان ممكنا
اقول ان الممتنع ليس شيئا لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الأمر فاذا لم يكن شيئا لم يكن ضدا فان وجد ضد فهو ممكن فلا يعقل كونه ضدا ومن فرض ذلك فانما فرض ممكنا سماه بهذا الاسم ومجرد التسمية لا يثبت الشيء ولا يحققه في الواقع ولذا قال تعالى لمن يدعي انه له ( ان له خل ) شريكا قل سموهم ام تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ام بظاهر من القول ولو كانت التسمية تثبت الشيء ( للشيء خم ) وتجعل ما ليس ثابتا ثابتا لما قال تعالى ام تنبئونه بما لا يعلم في الأرض حين سموا اصنامهم شركاء لأنهم لو ثبتوا بالتسمية لعلمهم وقد اخبر انه لا يعلم ذلك
قلت ولهذا لا يصلح العدم لضدية الوجود الا مجازا لان العدم الممكن وجود في الامكان لا في الاعيان والى هذا اشار الصادق (ع) لمن سأله عن اختلاف زرارة وهشام بن الحكم في النفي هل هو شيء ام لا فقال زرارة ليس بشيء وقال هشام النفي شيء فقال (ع) قل بقول هشام في هذه المسئلة
اقول ولأجل ان العدم ليس بشيء لا يصلح لضدية الوجود نعم الوجود الذي هو المعنى البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست يصلح العدم الذي هو عدم الكون لضديته لأن هذا العدم شيء ممكن ولو اريد به المفهوم المطلق صلح مجازا لأن العدم الممكن وجود في الامكان لا في الأعيان فيكون من حيث تحقق الشيئية صلح لمطلق الضدية ومن حيث ان الشيئية مختلفة من حيث الامكان والأعيان كان مجازا لصحة نفي الشيئية عن الممكن كما قال تعالى أولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا واثباتها كما في قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال الصادق عليه السلام كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا فباعتبار تحقق الشيئية صلح للضدية وباعتبار ان هذه الشيئية ليست في رتبة ضده في الواقع وانما هي في الاستعمال كانت مجازا والآية الدالة على اثبات الشيئية للممكن شاهدة للحديث المذكور
قلت واما الممتنع فليس بشيء ولا عبارة له وانما استعملت العبارة لجهة امكانه
اقول انما ذكرنا الممتنع مرتين لأن الأولى في بيان عدم صلوحه للضدية والثانية لبيان عدم شيئيته ومعنى هذا الكلام ان الممتنع المقصود ليس شيئا اصلا واذا عبر عنه فانه انما تقع العبارة على ما يتوهمه المخبر عنه والمتوهم والمتخيل والمعقول كل منها ممكن موجود لأن ما في الذهن ان كان هو الذات المشار اليها بالامتناع فهي موجودة فلا معنى لجعلها ممتنعة الوجود وان كان صفة والصفة لا يوجد الا مترتبة على الموصوف فيكون الممتنع عندهم على الفرضين ممكنا
قلت مثل لا شريك له لان النفي فرع الثبوت
اقول اذا - قلت لا شريك له فهذا نفي فان كان واقعا على ثابت لزم ثبوت الشريك وان لم يقع على شيء لم يكن للنفي معنى فلما ثبت صحة النفي دل على ثبوت الشريك وهو خلاف نفس الأمر مع انه تعالى قال أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون اذ لو كان شيء لعلمه تعالى فلما نفي علمه به دل على عدمه بكل اعتبار في جميع الأحوال وانت ايها المدعي ثبوت الشريك في الأذهان يلزمك انك علمت ما لم يعلمه الله وليس كذلك لأن الذي تتصوره صورة منتزعة من احكام الأوهام ( الأوهام وذلك فانهم خل ) حيث حكموا بكون هبل مثلا شريكا لله سبحانه وتوهمت الأوهام مطلق الشريك واخذ العلماء في نحو ما في الأوهام بما يناسب ما فيها من العبارات حيث تصورت الشريك المنفي الممحو ففي الحقيقة ان العبارة واقعة على ما خلقته الأوهام كما قال تعالى وتخلقون افكا وهو ممكن وتسميتهم له بالممتنع امر لفظي كما قال تعالى ام بظاهر من القول ومرادهم ان هذا المتوهم يمتنع كونه شريكا فالامتناع في كون هذا الممكن المحدث شريكا لا انه اي المشار اليه بنفي كونه شريكا شيء ممكن لأنه لو كان كذلك لم يكن ممتنعا
قلت وذلك لان الاوهام تصور شيئا وتسميه شريكا من جهة تجويزها ذلك او توهم وجوده واليه الاشارة بقوله تعالى وتخلقون افكا
اقول لما استعملوا اشياء اعتقدوا فيها بانها تنفع وتضر وسموها آلهة وهم يعرفون ان الخالق هو الله كما قال تعالى ولئن سئلتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله سموها شركاء لله تعالى وشفعاء عند الله والسبب في التسمية تجويزهم ذلك او توهم كونه موجودا
قلت فاتى بهذه العبارة مكنسة لغبار الاوهام
اقول يعني ( اتى خل ) بقوله لا اله الا الله ولا شريك له مكنسة لغبار الأوهام اعني تجويزها الشريك و( او خم ) توهم وجوده
قلت وهي عبارة حادثة واردة على حادث
اقول لأن اللفظ انما يوضع بازاء المعنى الموجود في الخارج او في الذهن ولا يصح ان يوضع لفظ على لا شيء لأنه لو وضع ولا شيء موضوع له ( لو وضع لفظ وليس هناك شيء هو موضوع له خم ) لم يكن موضوعا لشيء فلا يدل على شيء هف
قلت واما الممتنع فليس شيئا ولا عبارة عنه
اقول هذا هو الموضع ( الموضوع خم ) الثاني الذي ذكرناه قبل بان الأولى في بيان عدم صلوحه للضدية والمرة الثانية هي ما هنا وهو بيان عدم شيئيته في نفسه اصلا وذكرناه ايضا هنالك ووجه آخر انا ذكرنا اولا لبيان عدميته والثاني وهو ما هنا لعدميته ( لبيان عدميته خل ) وانه مع امتناعه فلم يعبر عنه والعبارة انما تكون للممكن ولهذا - قلت هنا ولا عبارة عنه فاذا وجدت العبارة فانما هي لغيره باعتبار التعبير ( التعبير به خم ) عنه
قلت وتعبيري بالعبارة لهذا العنوان المتوهم
اقول يعني ان التعبير عنه بهذه العبارة مع ان العبارة لا تستعمل فيما ليس شيئا والا لم تكن عبارة لشيء هف ولكن لما كان معنى من المعاني بمعنى انه لو كان شيئا لكان يقال فيه كذا وكذا فكانت العبارة للعنوان المتوهم لأن العنوان الذي هو الدليل للأفهام على ما ترد عليه ( عليه من خم ) العبارات لما لم يكن مدلوله هنا شيئا اصلا من غير جهة يقصد منه ( شيئا اصلا من حيث يعقل منه نسخة بدل خم ) المراد وانما يتوهمه بعض الأوهام الناقصة لفرض شيئيته وان كان على ما تفهمه الأفهام الضعيفة والا فانه في الأفهام القوية ممتنع الفرض والتجويز والاحتمال بكل وجه فلا عبارة له عندها الا مع مخاصمة الأوهام الضعيفة ( الضعيفة لها خم ) فيما تجري فيه فلما كان هذا العنوان انما هو بهذا النمط لعدم تحقق مدلوله بكل احتمال قلنا انه عنوان متوهم لانه لو كان حقيقيا لكان مدلوله ثابتا كما في عنوان الواجب
قلت وهو حادث خلقه الله بمقتضى اوهامهم من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول
اقول ان هذا العنوان المتوهم وان لم يكن له اصل يبتني ثبوته على ثبوته الا انه لما توهمت الأوهام ثبوت اصله في محل التعقل من الذهن خلقه الله بمقتضى اوهامهم كما خلق الكفر في الكافر بكفره حين كفر خلقه بمقتضاه وكما خلق ابن الزنا الذي نهي عنه بمقتضي النطفة الموضوعة في الرحم وان كانت وضعت بغير رضاه وخلق الزرع الذي كان بذره مغصوبا وماؤه وارضه كذلك وهو قد نهى عن ذلك لكنه حين خلق البذر وجعله صالحا لأن ينبت اذا وضع في الأرض وسقي بالماء وهو لم يكن ( ولم يكن هو خل ) سبحانه معينا للظالم على ظلمه ( حين خل ) خلق بمقتضي تلك الأسباب ما يترتب عليها من عطيته سبحانه ونظائر ذلك كثيرة
قلت لانه سبحانه اعطى كل شيء خلقه
اقول انه عز وجل قد اعطى بكرمه كل شيء خلقه ما يقتضيه باسبابه فلا يمنع عطيته بسبب مخالفة امره بل ينالهم نصيبهم من الكتاب وعليه سبحانه الحساب وليس ذلك جبرا ولا ظلما وسيأتي بيان ذلك
قلت وليس هذه العبارة عن هذا العنوان كالعبارة عن عنوان حكم الوجوب وان كان لا يدرك لذاته
اقول يعني ان التعبير عن عنوان الممتنع ليس كالتعبير عن عنوان الواجب تعالى لأن الواجب تعالى ثابت وان كان لا يدرك وانما يعرف عنوانه الذي جعله آية لمعرفته ليستدل به عليه وعنوان الممتنع وهمي لا حقيقة له كما هو المراد منه اذ الممتنع ليس شيئا فكيف تكون آيته شيئا نعم لما كانت الاوهام الضعيفة تتوهمه وضع له عنوان نفيه وهو ايضا وهمي اذ الممتنع في الحقيقة مفاده العبارة اللفظية فكان عنوانه صورة نفي ذلك فهو موهوم لفظي
قلت الا ان العنوان لمظاهره ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان
اقول وذلك كما قال الحجة عليه السلام في دعاء شهر رجب : فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك وعلاماتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء فهذه العلامات التي هي عنوان الواجب ودليله التي لا فرق بينه وبينها يعني فيما ينسبه الخلق اليه من الصفات والتأثيرات مثل من اطاعهم فقد اطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله وفعلهم فعل الله وقولهم قول الله وامرهم امر الله ونهيهم نهي الله الى غير ذلك في كل ما ينسبه الخلق اليه ومثال ذلك كالحديدة المحماة بالنار فان فعلها فعل النار من عرفها عرف النار وان كانت في الحقيقة انما تحرق النار بفعلها الذي حل في الحديدة وليس للحديدة شيء من التأثير كذلك المقامات لأنها محال فعله ومشيته فهي الدليل عليه بخلاف عنوان الممتنع فانه ليس شيئا فلا يكون عنوانه شيئا لأن ثبوته فرع ( فرع على خم ) ثبوت اصله فافهم
قلت وليس للممتنع مظاهر لان المظاهر فرع الثبوت
اقول يعني انه انما كان العنوان متحققا للواجب تعالى لأن الواجب ثابت والثابت تكون له مظاهر بخلاف الممتنع فانه لو كان ثابتا كان عنوانه ثابتا فلما كان لا شيء لم تكن له مظاهر والعنوانات مظاهر للمستدل عليه فاذا تصور له مظاهر كانت موهومة
قلت وانما سميتم ممكنا بممتنع كما لو سميت رجلا بمعدوم
اقول ان الممتنع الذي يبحثون عنه ممكن وان ارادوا به الممتنع فلأجل هذا كان له عنوان وانما سميناه موهوما لأنهم لا يريدون منه الممكن ليكون متحققا
قلت وليس شيء الا الله وصفته واسماؤه
اقول يعني ان الممتنع ليس شيئا اذ الشيء لا يكون الا ما هو المتحقق وليس متحققا الا الله بذاته وصفاته واسمائه تعالى
قلت واما انه لا يعرف الا بما وصف به نفسه فلان الازل ليس شيئا غيره وما سواه فهو في الامكان والازل لا يخرج منه شيء ولا يدخله شيء ولا يصل اليه شيء فيخبر عما هناك ويصف ما فيه
اقول يعني انه تعالى لما كان هو الأزل وجب ان يكون ما سواه غير الأزل وغير الأزل ممكن ولما ثبت ان غيره لا يساويه ولا يصل اليه وجب ان لا يعرفه غيره لذاته فاذا كان كذلك واراد ان يعرفه عباده وصف نفسه لهم لأنهم لم يصلوا اليه ولم يدركوه ولم يروه ليعرفوه بذلك الوصف الذي وصف نفسه به لأنه هو الذي تعرف ( يعرف خل ) نفسه
قلت واذا كان كذلك لا يعرفه احد الا بما وصف به نفسه
اقول وذلك لأنه لا يصل اليه غيره ولا يصفه احد لعدم اطلاعه عليه الا بتعريفه نفسه له
قلت وهو كما يقول لا يدركه غيره فلا يعرف كنهه الا هو لان علمه بنفسه عين نفسه
اقول هذا هو العلة والسبب في عدم ادراكه لأحد غيره وكون معرفته بذاته عين ذاته ولهذا امتنع معرفته بذاته لغيره
قلت فاذا وصف نفسه كان وصف الحق للحق حقا ويقع علينا وصفه خلقا
اقول يعني ان وصفه نفسه بنفسه هو نفسه لعدم المغايرة هناك لاستلزامها الكثرة المستلزمة للحدوث فيكون وصف الحق للحق تعالى حقا لأنه هو هو وما وصل الينا من ذلك التعريف فهو حادث بحدوثنا فهو في الحقيقة ذواتنا وذلك الوصف اثر من فعله لأنه فعله لنا لنعرفه به فهو آية فعله وفعله آية علمه الذي هو ذاته فلذا قلنا ويقع علينا وصفه خلقا لأنه هو حقائقنا لأن انفسنا انموزج هيكل توحيده فتدل انفسنا بهيئتها على ذلك الهيكل لأنه اثره والأثر يشابه صفة المؤثر من جهة التأثير ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه يعني ان كل احد فنفسه دليل ربه وآيته لأنه اثر فعله فمن عرفه اي عرف ذلك الوصف عرف الموصوف وهذا ظاهر
قلت ونحن ذلك الوصف الواقع علينا بنا فقد تعرف لنا بنا
اقول يعني ان نفوسنا اي ذواتنا وحقائقنا هي ذلك الوصف لأنه لما اراد ان نعرفه خلقنا على هيئة معرفته مثاله انك اذا اردت ان يعرف زيد ( تعرف زيدا خم ) شيئا طويلا بصفة طوله رسمت له خطا طويلا على هيئة طول ذلك الشيء المطلوب معرفته بطوله او معرفة طوله ولو كان المطلوب معرفته عريضا رسمت لزيد شيئا عريضا على هيئة عرض ذلك الشيء المطلوب معرفته بعرضه او معرفة عرضه وهذا معنى قولنا فقد تعرف لنا بنا ومعنى قولنا
قلت فكان وصفه الحق للخلق خلقا
اقول يعني ان وصفه الحق بذاته لذاته يصل الينا اثره خلقا لأن القديم لا يتغير عن حاله ولا ينزل فاذا نزل او ظهر فانما يكون ذلك من الحادث اذ القديم حاله واحدة لا يتغير ولا يتبدل
قلت لان الخلق لا يدرك الا خلقا انما تحد الادوات انفسها وتشير الى نظائرها
اقول هذا تعليل لما قلنا من انه تعالى لا يعرف من نحو ذاته وانما يعرف بما وصف به نفسه فلذا قلنا ان الخلق لا يدرك الا خلقا فلذا قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الأدوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها ه يريد عليه السلام ان الشيء لا يدرك الا ما هو من جنسه او نوعه او صنفه ( او صنفه ولذا خم )
قلت فلا يدرك شيء الا ما كان من جنسه
اقول يعني ان كل شيء لا يدرك ما ليس من جنسه ولا من نوعه ولا من صنفه لأن كل مدرك انما ادراكه بنحو طبيعته فادراك الجسم بنحو طبيعة الجسمية لا بنحو طبيعة المجردات وادراك المجرد بنحو طبيعة المجرد لا بنحو طبيعة الجسمية فمن ثم حكموا على العقول بكونها مفارقات يعني انها لم تكن مقترنة بشيء من الماديات فلا تدرك الا المعاني واما غير المعاني فلا تدركها الا بتوسط ما هو من جنسها والنفوس كذلك يعني انها في ادراكها مثل نسبة ادراك العقول فهي مفارقة في ذاتها ومقارنة في فعلها فادراكها الذاتي انما هو للصور الجوهرية والفعلي ما كان من نوع الجسمانيات
قلت ومعنى انه لا يتعرف لاحد بنحو ما عرفه من غيره انه سبحانه عرف الخلق للخلق بما هم عليه
اقول يعني هو سبحانه تعرف للخلق بما تعرفه عليه من التحقق في الوصفية يعني على حسب ما يقتضيه وصفه لنفسه من البيان وهذا بخلاف ما وصف خلقه به لخلقه فانه مثلا وصف نفسه لزيد بانه ليس كمثله شيء وان كل ما ميزه زيد في ادق معانيه فهو مثل زيد مخلوق مردود على زيد اي منعطف عليه لانه صفة نفسه ووصف عمروا لزيد ( عمرا لزيد خل ) بانه مخلوق مركب متغير مختلف فلا يمكن ان يوصف المخلوق الا بهذا النوع على هذا النحو ولا يمكن ان يصف الخالق نفسه الا بهذا النحو المشار اليه في وصفه تعالى لنفسه
قلت انهم خلق وهو عرف نفسه انه ليس بخلق ولا يشبه شيئا من الخلق
اقول يعني ان تعريف الشيء انما هو بوصفه على ما هو عليه وذلك في وصف الخلق انهم مركبون مؤلفون متشابهون محدودون محصورون محتاجون وامثال هذه الأوصاف وفي وصفه تعالى لنفسه انه لا يشابه شيئا من صفات خلقه
قلت فلا يدرك ما تعرف لهم به بشيء من بصائرهم ولا ابصارهم
اقول لأن بصائرهم وابصارهم انما تدرك ما هو من نوعها وبينهما مشابهة ومقارنة والا لما ادركه
قلت وانما يعرف ببصر منه قال عليه السلام اعرفوا الله بالله وقال الشاعر :
اذا رام عاشقها نظرة ولم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رءاها به فكان البصير بها طرفها
اقول انما يعرف ببصر منه لأن تلك البصيرة هي نور ما تجلى له به والأشياء انما تدرك نظائرها ولذا قال عليه السلام اعرفوا الله بالله يعني اعرفوا الله بما وصف نفسه به لكم وهو معرفته بما هو عليه بالنسبة الى ادراك العارفين فان الشيء انما يعرف بما هو عليه ولما كان تعالى ما هو عليه في ذاته ممتنعا على ما سواه وكان قد وصف نفسه لخلقه ليعرفوه بذلك الوصف كان ما تعرف به لهم هو ما وصف به نفسه لهم فهم يعرفونه بذلك الوصف الذي معرفته عليه مما وصف ( وصف نفسه به خم ) لهم وهذا هو معنى انه اعار العارف عينا منه اي من تعريفه وتوصيفه يعرفه بها
قلت ومعنى فهو المعلوم والمجهول الخ انه المعلوم بصنعه المجهول بكنهه الموجود باياته المفقود بذاته
اقول يعني يستدل على وجوده بصنعه لأن صنعه اثر فعله والأثر يدل على المؤثر ويستدل على وصفه الذي تعرف به لخلقه بما اظهره في صنعه من الآيات الدالة على ذلك كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فكما ان هيئة الكتابة تدل على صفة حركة يد الكاتب كذلك صفات خلقه وهيئاتهم تدل على صفة فعله تعالى لانها ( لان صنعه خم ) اثر فعله والأثر يشابه صفة مؤثره التي بها صدر فمعلوميته بآثار فعله كما ان الدخان المرئي يدل على وجود النار ومجهوليته من حيث كنهه لأن كل ما سواه مغاير له من كل جهة وتلك المغايرة رسم لما سواه فهو موجود بآياته لأن كل من نظر وجد آيات تدل على موجدها حيثما توجه ومفقود من حيث ذاته لكون كنهها تفريقا بينه وبين ما سواه فلا يوجد من حيث ذاته ولا يفقد من حيث آثار فعله
قلت فظهر فلا شيء اظهر منه وانما ظهر كل شيء باثر ظهوره
اقول يعني ان كونه اظهر من كل شيء لأن ظهور كل ما سواه انما هو اثر ظهوره بذلك السواء يعني انه تعالى ظهر للمخلوق بذلك المخلوق اي بايجاده وهو عز وجل لم يتحول ولم يتغير عن ازليته فمعنى ظهوره لزيد مثلا ظهوره بزيد اي احداثه فيكون لا ظهور لزيد الا ظهور الله سبحانه ( سبحانه به خم ) فالظهور لفعله تعالى فلا يكون شيء اظهر منه وهذا معنى قولي وانما ظهر كل شيء باثر ظهوره لأن ظهور الأشياء انما هو ظهور فعله بها فلا ظهور لها غير ظهور فعله بها لها
قلت وبطن فلا شيء ابطن منه لانه لا شيء اظهر منه وانما خفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره
اقول يعني ان الشيء اذا ظهر كمال الظهور لنفسه او لغيره وصل في ظهوره الى نهاية لا يحتاج ذلك الغير الى ازيد منها ويكون حينئذ ظهوره واقفا متناهيا فهو حينئذ ناقص الظهور يحتمل الزيادة بالنسبة الى آخر غير الأول الذي انتهى الظهور اليه فلا يكون نهاية الظهور للأول نهاية بالنسبة الى الثاني بل يحتاج الثاني الى زيادة الظهور والثاني لو وقف الظهور عنده عن الزيادة بالنسبة اليه جاز الا يقف عند ثالث عن الزيادة فمهما فرض للظهور نهاية فهو يحتمل الزيادة وما يحتمل الزيادة يحتمل النقصان وذلك حادث لأنه صفة الحادث المحتمل للزيادة والنقصان بخلاف صفة القديم سبحانه فانه لا يتناهى فلا تتناهى صفته فظهوره غير متناه فاذا ظهر لخلق كان تجلي ذلك الظهور وظهوره غير واقف على حد نسبة المتجلي له بل يكون متراميا في الظهور والتجلي بلا نهاية فيتجاوز كل شيء محدث وكل شيء تجاوز الظهور ادراكه خرج بالنسبة اليه عن حد الظهور الى حد البطون والخفاء فيبلغ الظهور في التجاوز الى حال خارج عن كل حد وما تجاوز عنه الادراك هو عين البطون والخفاء فبشدة ظهوره وعدم تناهيها ووقوفها الى حد بطن بطونا لا نهاية له وخفي خفاء لا حد له فجهة ظهوره عين جهة بطونه وخفائه وهو معنى قولي وبطن فلا شيء ابطن منه لأنه لا شيء اظهر منه ومعنى قولي وانما خفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره واعلم اني انما عبرت المطلب بهذه العبارة للبيان وهي وان كانت ناقصة عن تأدية المعنى الا ان العارف يفهم من مدلولها المعنى المراد وانما كانت ناقصة لعلتين احديهما من قصوري اذ لم يؤذن لي في ازيد من ذلك فلم اعط العبارة اذ لو اذن لي لاعطيت العبارة والثانية مني طلبا للاختصار وصونا للأسرار اذ ليس كل ما يعلم يقال لقصور اكثر الأذهان عن فهم ذلك البيان لو كان ذلك والسلام
قلت ومعنى جهة معلوميته نفس مجهوليته ان الشيء لا يعرف ولا يعلم الا بما هو عليه
اقول يعني انه لما كان الشيء لا يعلم الا بما هو عليه كان مقتضى الأزل ان يكون مجهولا لأن المعلومية للشيء تقتضي الاحاطة به وشأن الأزل الا يكون محاطا به وما هو عليه الا يكون محاطا به فاذا ثبت ان الشيء لا يعلم الا بما هو عليه ثبت انه لا يعلم الا بان لا يحاط به وهو معنى ان جهة معلوميته نفس ( عين خل ) ( نفس جهة خم ) مجهوليته ومعنى قولي ان الشيء لا يعرف ولا يعلم الا بما هو عليه
قلت فالطويل يعرف بطوله والعريض يعلم بعرضه والقصير يعرف بقصره والابيض ببياضه والاسود بسواده وذو الهيئة بهيئته وما لا مقدار له ولا لون ولا هيئة يعرف بذلك
اقول هذا معنى ما بينت لك من ان الشيء لا يعرف الا بما هو عليه من الجهة التي يتعلق بها التعرف والتعريف فلو كان شيء احمر وطويلا وكان المطلوب معرفته من جهة الحمرة عرف بالأحمر لا بالطويل وبالعكس فمعنى انه انما يعرف بما هو عليه من النحو الذي تتعلق به المعرفة منه واذا كان عز وجل لا يدرك من نحو ذاته اذ كلما ميزته الأوهام فهو مخلوق مثلها كان الذي هو عليه من النحو الذي يعرف به انه لا يدرك ولا يعلم لأحد فيعرف سبحانه بانه لا يدرك ولا يوصف وهذا المعنى هو الذي هو عليه من جهة معرفته ولو كان طويلا يعرف ( لعرف خم ) بطوله الخ فلما لم يوصف بشيء من جهات الخلق مما يجري الامكان بادراكه عرف بذلك اي بانه لا يعرف الا بانه لا يعرف الا بما وصف به نفسه وهو سبحانه وصف ( به خل ) نفسه بانه بخلاف ما تتوهمه الأوهام وادركته العقول
قلت فالواجب سبحانه يعرف بانه لا كيف له ولا شبه له ولا مثل له وانه لا يدرك كنهه ولا تعلم صفته ولا يحاط به علما وان كل مدرك فهو غيره فيعرف بانه لا سبيل الى اكتناهه ولا ادراك صفته فهو يعرف بالجهل به
اقول هذا كله هو معنى ما ذكرت لك ( لك من خم ) ان من طلب معرفته بكنهه لم يجده ومن طلب معرفته بآياته التي تعرف بها وجده ظاهرا له بها محتجبا عنه بها
قلت وذلك ما تعرف لنا به
اقول يعني انه لا يعرف الا باياته التي ليس لها مثل في خلقه يعني لا تصلح صفة لشيء من الخلق ولا تدل عليه وانما تدل على الله سبحانه دلالة التعريف والاستدلال عليه كدلالة الأثر على المؤثر لا انها تدل عليه دلالة تكشف عن كنهه فهي مع انها ليس لها مثل ولا شبه لا تدل عليه الا دلالة الأثر على المؤثر
قلت فانا لا نعرف الا مثلنا
اقول يعني لما كانت الأشياء لا تدرك الا نظائرها وجب ان يكون ما تعرف به لنا مخلوقا والا لما امكن لنا ان ندركه واذا كان مخلوقا لم يدل على كنه الذات دلالة تكشف عنه وانما يدل عليه تعالى دلالة الأثر على المؤثر والأثر يدل على صفة مؤثره الأقرب فهو يشابه صفة فعله تعالى لا صفة ذاته تعالى الذي هو المؤثر الأبعد عند فرض المباشرة كالكتابة فانها تشابه صفة حركة يد الكاتب التي هي المؤثر الأقرب من حيث المباشرة ولا تشابه صفة الكاتب لأنه المؤثر الأبعد عند المباشرة نعم يدل على وجوده اعني عنوان وجوده الذي هو ذاته ( هو عنوان ذاته خم ) ولا تدل على وجوده الذي هو ذاته ( هو عنوان ذاته خم ) والا لكان تعالى مشابها لها تعالى عن ذلك علوا كبيرا
قلت فهو الواجب الحق والمجهول المطلق
اقول هذا تفريع على ما تقدم من الاوصاف التي لا تجري للحوادث لأنه بمقتضى ما اشرنا اليه هو الواجب الحق الذي كل ما سواه ليس بشيء الا بفعله تعالى وهو المجهول المطلق الذي لا سبيل في الامكان مطلقا الى معرفة ذاته بوجه من الوجوه بل هو في الامكان مجهول من كل جهة فلا يصدق المجهول المطلق في الحقيقة على ما سواه
قلت وهذا القسم يعبر عنه بالذات البحت
اقول يعني انه ذات بسيط ليس له وجود غير ماهيته ولا ماهية غير وجوده ولا ذاته غير صفته ولا صفته غير ذاته لا في نفس الأمر اي الثابت بالدليل القطعي ولا في الخارج اي المقابل للذهني او الذي تترتب الآثار على صفاته ولا في الذهن الذي هو عكس الخارج في المعنيين ولا في الامكان لأن الوجوب ليس في شيء منه امكان ولا في الفرض والاعتبار لأنهما جهات الممكن فهو سبحانه ذات بحت احدى المعنى ليس فيه احتمال كثرة او تعدد بكل فرض واعتبار
قلت ومجهول النعت
اقول يعني انه ليس في الامكان سبيل الى نعته الا بما وصف به نفسه من آياته وآثار فعله فهو بالنسبة الى ما سواه مجهول النعت
قلت وعين الكافور
اقول يعني انه انما يوجد باثار فعله كالكافور الذي يوجد برايحته فيحتمل ان يراد بقولهم عين الكافور انه تعالى هو ذات الكافور وهذا على مذهب القائلين بوحدة الوجود اي ان الكافور المكنى به عن الروايح التي هي مثال الحوادث هو ذاته لأنه عندهم هو الفاعل والمفعول وهو المؤثر والأثر وهذا عندنا باطل والقول به كفر ويحتمل ان يراد بقولهم عين الكافور انه هو العين التي تفوح منها الروايح اي هو مبدء الاشياء وهذا صحته وفساده تابعة لمقصود القائل به فان اراد به ان ذاته تعالى مبدء الأشياء فهو كالأول في الفساد وان اراد ان فعله مبدء الأشياء فهو حق
قلت وشمس الازل
اقول مأخوذ من قول علي عليه السلام على نحو من الاستنباط في قوله لكميل نور اشرق من صبح الأزل حيث شبه المشية بصبح الأزل والصبح نور الشمس اي شمس الأزل والاضافة هنا بيانية
قلت ومنقطع الاشارات
اقول ان الاشارات الحسية والخيالية والروحانية والعقلية والسرمدية كلها تنقطع دون عز جلاله اما الأربع الأول فظاهر واما الخامسة فهي وان لم تكن هناك اشارة لينسب اليها انقطاع الا ان المشية توصف بجهات تعلقاتها فوقوعها على المشاء وتعلقها به تعتريه ( تعبر به خل ) الاشارة عليه باعتبار المتعلق والتعلق وان لم تكن الاشارة لاحقة لنفس المشية لأنها محدثة بها ولا يجري عليها ما اجرته فافهم
قلت والمجهول المطلق والواجب الحق واللاتعين
اقول تقدم بعض البيان للمجهول المطلق والواجب الحق واما اللاتعين فالمراد منه معنى المجهول المطلق وذلك لأنه تعالى لا يتعين عند ما سواه بجهة من جهات التعين على حال من الأحوال
قلت والكنز المخفي
اقول اشارة الى قوله تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف اي انه خلق الخلق ليعرف بخلقه وآثاره لا بذاته فهو كنز مخفي عما سواه مطلقا وجد ذلك السواء ام لم يوجد وبه ظهر جواب ما استشكله بعضهم هنا فقال ما معنى مخفي وليس هناك شيء يختفي عنه والجواب بهذا وهو انه مقتضى الأزل ذلك اما مع عدم الغير فهي سالبة بانتفاء الموضوع واما مع وجود الغير فلعدم ادراكه له تعالى ويرد هنا ايضا اشكال وهو ان الظاهر من الكلام انه قبل الخلق مخفي واما بعد ان خلق الخلق فلا وجوابه ان المراد بالخفاء الخفاء المطلق الصادق على عدم المعرفة بالاثار وهذا هو المراد من الكنز المخفي فلما خلق الخلق عرف بما عرف نفسه به
قلت والمنقطع الوجداني
اقول يعني ان كل مدرك سواه سبحانه ينقطع وجدانه لذاته تعالى فهو لا يجده غيره بذاته ولا يفقده بآياته فهو سبحانه المنقطع الوجداني لما سواه
قلت وذات ساذج وذات بلا اعتبار وما اشبه ذلك
اقول ذات ساذج اي بحت خالص من التعدد والتكثر والتركيب لا في نفس الامر ولا في الخارج ولا في الذهن لا فرضا ولا احتمالا وتجويزا واعتبارا وذات بلا اعتبار يعني مجردة عن كل قيد حتى عن التجريد ( التجرد خم ) وما اشبه ذلك من الأسماء التي يطلقونها على الوجود الحق عز وجل
قلت وكلها عبارات مخلوقة تقع على مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان
اقول يعني ان هذه الألفاظ المذكورة مثل الذات البحت والمجهول النعت الخ هي ومعانيها التي تدل عليها مخلوقة خلقها الله سبحانه لعباده ليعرفوه بها لأنها تدل بصفة الاستدلال عليه لا بصفة الكشف له فاذا اطلقت هذه الألفاظ دلت على تلك المعاني التي هي العنوانات للذات وهذه العنوانات مظاهر له خلقها وجعلها محال افعاله وارادته وهي ( فهي خل ) وجهه الى عباده يعرفه بها من عرفه كما تعرف النار اذا رأيت الحديدة المحماة بها لأنها اي الحديدة المحماة محل فعل النار وتأثيرها وتلك المقامات لا تفقد في حال كما قال تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله
قلت وهي موضوع علم البيان والذي يبحث فيه عنه هو المعاني وهي اركان التوحيد
اقول هذه المقامات هي موضوع علم البيان اي التوحيد كما قاله امير المؤمنين عليه السلام يعني ان علم التوحيد يبحث فيه عن عوارض هذه المقامات الذاتية وليس موضوع علم التوحيد كما قاله المتكلمون انه ذات الله تعالى لأن ذات الله لا تدرك فكيف يبحث عن عوارضها الذاتية مع انه تعالى لا عوارض له الا صفات هي عين ذاته بكل اعتبار او احكام المقامات التي هي عنوانه فاذا توجهت العبارات المطلقة والاعتقادات الصافية ( الصادقة خل ) وقعت على العنوان ان كانت من اهل المعرفة والايمان والذي يبحث العارف فيه من المقامات هي المعاني اي اركان التوحيد وهو المستفاد من كلام امير المؤمنين عليه السلام وعلي بن الحسين عليهما السلام لأن تلك المقامات عوارضها الذاتية هي المعاني اي اركان التوحيد والى هذا اشاروا عليهم السلام بقولهم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ولولانا لماعرف الله ومن عرفنا عرف الله ومن لم يعرفنا لم يعرف الله ويعرفك بها من عرفك ومن اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وامثال ذلك من كلماتهم عليهم السلام
قلت الفائدة الثالثة في الاشارة الى القسم الثاني وهو الوجود المطلق
اقول لما لا يجوز الاصطلاح في التقسيم على تسمية المقامات والعنوانات بالوجود الحق اذ لا يعرف منه الا هي ناسب ان يجري هنا على تسمية هذه الرتبة التي هي اول التعينات بالوجود المطلق يعني ان هذا الوجود ليس هو الوجود الحق ولكنه غير مقيد بشرط يتوقف عليه ولا ينتظر به وليس مرادنا بالاطلاق ما يقولونه من ان المراد به الصادق على الواجب والممكن بل المراد من الاطلاق هذا المعنى لأنه لما كان الأزل لا تعين فيه وكان الامكان اول التعين ولم يكن غيره هناك ليتوقف عليه كان تعينه في نفسه نفسه ومن جهة تعلقه متعلقه والتعلق معنى فعلى فتعيينه من ربه بنفسه وتعينه بنفسه كان بالنسبة الى ما سواه من المفعولات التي يكون حصولها متوقفا على شيء سواه مطلقا اي غير متوقف الحصول على شيء غير نفسه
قلت والتعين الاول
اقول يراد منه اول صادر بنفسه وهو المشية والارادة والابداع كما قال الرضا عليه السلام المشية والارادة والابداع ثلاثة اسماء ومعناها واحدة وانما يسمي هذه الرتبة بهذا الاسم لمقابلته ( لمقابلة خل ) مرتبة الأزل المسماة باللاتعين
قلت والرحمة الكلية
اقول اشارة الى مبدء الكون المشتمل على الفضل والعدل فانه صفة الرحمن العامة وهي التي استوى بها على عرشه وهي التي وسعت كل شيء والرحمة الخاصة صفة الرحيم المختصة بالمؤمنين فالرحمة الكلية لها اطلاقان احدهما يراد منه الفعل والمشية كما هو هنا وثانيهما يراد منه اول صادر عنه وهو الحقيقة المحمدية
قلت والشجرة الكلية
اقول يراد بهذه الشجرة الكلية اذا اطلقت احد المعنيين السابقين وسميت بالشجرة لكثرة تطورها في مظاهرها وآثارها كالشجرة في تطورها الى اصل ولقاح وغصون وورق وثمر
قلت والنفس الرحماني الاولى
اقول هذا ايضا يطلق على المعنيين السابقين فمعنى النفس الرحماني بفتح الفاء ان هذا الوجود تقومت به الوجودات الكونية تقوم صدور اذا اريد بالنفس الرحماني المعنى الأول اي المشية والارادة والابداع كما تقومت الحروف بحركة المتكلم بشفتيه ولسانه واسنانه ولهاته وتقوم ركني اذا اريد به المعنى الثاني اي اول صادر عن المشية اعني الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله كما تقومت الحروف بالصوت الممتد من جوف المتكلم الى الفضاء واذا قيد بالأولى كما هو هيهنا احتمل ان يراد به المعنى الأول خاصة وان يراد به الرتبة الثانية منه عند اعتبار تزييله كما يأتي الا انه هنا يكون الأنسب ان يراد به المعنى الأول
قلت والمشية والكاف المستديرة على نفسها والارادة
اقول المشية هي الذكر الأول يعني ان الفاعل اذا اراد صنع شيء اول ما يذكره وتتوجه اليه العناية هو المشية واذا تأكد ذلك العزم سمي ارادة وهي ما روى يونس عن الرضا عليه السلام وسميت بالكاف لأنها هي امر الله المعبر عنه بكن فالكاف اشارة الى الكون وهو المشية او اثر المشية والنون اشارة الى العين وهي الارادة او اثر الارادة فسميت المشية بالكاف لأنها منشأ الكون وهو الوجود وسميت الارادة بالكاف بمعنى المشية وبالنون لأنها منشأ العين وبالمستديرة على نفسها لأن المشية هي الكاف وخلقها الله بنفسها فهي في الاعتبار كاف خلقت بكاف واستدارتها في اعتبار كونها علة معاكسة لاستدارتها في اعتبار ( باعتبار خم ) كونها معلولة لأن العلة استدارتها استدارة فاعلية والمعلول استدارته استدارة مفعولية فلذا قيل لها الكاف المستديرة على نفسها لأنها باعتبار كونها معلولة تدور على نفسها باعتبار كونها علة
قلت والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر
اقول مأخوذ من دعاء السمات للحجة عليه السلام والكلمة هي المشية والمراد بها اما الامكانية او الكونية او مطلقا والعمق الأكبر على الأول هو الامكان الذي هو محل الوجود الراجح ومتعلقه الذي وقته السرمد وعلى الثاني هو الممكنات كلها التي وقتها الدهر والكلمة حينئذ كالأول وقتها السرمد وان كان متعلقها وقته الدهر وعلى الثالث هو العمق الأكبر مطلقا اي سواء كان العمق الأكبر حقيقيا كالامكان ام اضافيا كالممكنات وانزجر اي انفعل وانقاد اي العمق الأكبر بمعناها الثلاث
قلت والابداع
اقول الابداع هو الفعل وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون كما قال الرضا عليه السلام يعني انه ساكن اي غير متغير لا انه ساكن بالسكون الذي هو ضد الحركة لأن هذا السكون محدث به ولا يجري عليه ما هو اجراه
قلت والحقيقة المحمدية
اقول الحقيقة المحمدية لها عندنا اطلاقان قد نطلقها ونريد بها المقامات التي هي اسم الفاعل كالقائم الذي هو اسم فاعل القيام والقائم مركب في الحقيقة من فعل متقوم بفاعله تقوم صدور ومن اثر فعل وهو القيام الذي هو الحدث وهذا المقام اعلى ما يحصل في الامكان الراجح ومثالها الحديدة المحماة بالنار فانه لا فرق بين النار في تأثيرها وبين الحديدة المحماة بها لأنها اذا اثرت فتأثيرها انما هو تأثير النار بها اي جعلت النار فعلها في الحديدة والحديدة محل فعلها وهذا الفعل احدثته النار به لا بفعل غيره فمجموع الفعل واثره كالقائم كالحديدة المحماة بالنار فهذه الرتبة اول التعينات واعلاها وهو المثل الاعلى بفتح الثاء والمثل الذي ليس كمثله شيء بكسر الميم وسكون الثاء لأن الله سبحانه خلقه آية له لا يدل على غيره تعالى ولا يدل على نفسه ولو كان مثله شيء لدل عليه ولو دل على غير الله تعالى لزم التشبيه وارتفع التوحيد وهذا هو التوحيد الخالص وقد نطلقها ونريد بها اثر المشية الكونية وهو اول صادر من مشية الله وهو الوجود وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي وهو العنصر الأول لكل محدث وهو نور الأنوار والمادة الاولى التي خلق الله كل شيء من شعاعها وهي بمنزلة القيام فعلي المعنى الأول لا اشكال اذ لم يكن قبل ذلك شيء وعلى المعنى الثاني فعلى حصر الاصطلاح لأقسام الوجود في الثلاثة الأقسام فهل يكون هذا النور الذي هو اول صادر عن الفعل لاحقا بالمطلق لعدم تقييده بشيء كما لا يتقيد الفعل ام لا يكون لاحقا بل هو من المقيد لانه متوقف على قابليته وانفعاله وهو غيره فيه احتمالان وقد يستفاد من بعض الأخبار الحاقه بالأول والله سبحانه اعلم
قلت والولاية المطلقة
اقول المراد بالولاية المطلقة السلطنة العامة لكل شيء دخل في ملك الله سبحانه في كل ما تتعلق به ارادة الله سبحانه والمعنى فيها مثل ما قبلها لأن الحقيقة المحمدية والولاية المطلقة اسمان على معنى واحد عندنا وانما يختلف مفهومهما بالاعتبار
قلت والازلية الثانية
اقول نريد ان هذه المرتبة ( الرتبة خل ) هي الرتبة الثانية عند ملاحظة التقسيم وحيث كانت الأولى هي الأزلية الأولية كانت الثانية هي الأزلية الثانية واما قول علي عليه السلام انا صاحب الأزلية الأولية فيحتمل ان يراد منه الأولية الاضافية لأن الآزال كثيرة وكلها حادثة فاذا اطلق الأزل احتمل احدها بخلاف ما لو قيل ازل الآزال فانه لا يراد منه الا الواجب الحق عز وجل وان يراد منه الأولية الحقيقية ويكون ( فيكون خم ) المعنى انا الذي ولايتي ولاية الله
قلت وعالم فاحببت ان اعرف
اقول اشارة الى قوله تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فانه تعالى قبل التعريف كان كنزا مخفيا وقد تقدم الكلام فيه فكان اول ما صدر في الامكان محبته لأن يعرف فهذا مأخوذ من الحديث
قلت والمحبة الحقيقية
اقول المراد بالمحبة الحقيقية هو عالم فاحببت ان اعرف لأن المحبة تستعمل في الوجوب وهي ذاته ويعرف بالتقييد بالحقية وفي الامكان الراجح وهي فعله ويعرف بالتقييد بالحقيقية كما هنا فالمحبة الحقية ذاته المقدسة والمحبة الحقيقية فعله واول صادر عنه كما هنا
قلت وحركة بنفسها
اقول يراد به الفعل لأن معقوله انه حركة ايجادية وكونه حركة بنفسها على حد خلق الله المشية بنفسها
قلت والاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره
اقول مأخوذ من الدعاء عنهم عليهم السلام والمراد ان الفعل اسمه تعالى ومعنى استقر في ظله تعالى اي انه اقامه بنفسه فهو الاسم وهو الظل والضمير في ظله يجوز ان يعود الى الله اي استقر في ظل الله تعالى وظل الله هو ذلك الاسم ويجوز ان يعود الضمير الى ذلك الاسم والمراد من ظله ( والمراد بالظل خم ) نفسه كما في الحديث يمسك الأشياء باظلتها ويكون المعنى على الاحتمالين واحدا ومعنى عدم خروجه منه الى غيره انه لا تتكون منه الأشياء كما يذهب اليه ضرار واصحابه وكثير من الصوفية بان الأشياء مركبة من وجود وهو مشية الله ومن ماهية وهي الانية ولو كان كذلك لخرج منه الى غيره فافهم الاشارة
قلت وهو المكنون المخزون عنده
اقول مأخوذ من حديث حدوث الأسماء المروي في الكافي فانه هناك هو هذا والمعنى هنا مثل المعنى استقر في ظله
قلت وصبح الازل
اقول مأخوذ من قول علي عليه السلام لكميل في قوله نور اشرق من صبح الأزل اي من المشية
قلت وفعل بنفسه
اقول معناها ( معناه خم ) مثل خلق الله المشية بنفسها
قلت وعالم الامر
اقول عالم الأمر مقابل عالم الخلق من قوله تعالى الا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين والأمر هنا في الآية يحتمل معناه الظاهري اي مرد الأمور كلها في الغيب والشهادة والدنيا والآخرة الى حكمه ويحتمل ان يراد به المشية ويحتمل ان يراد به الحقيقة المحمدية وقوله تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقول الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك يحتمل الأمر فيهما الاحتمالين الأخيرين فان اريد به المشية كان قيام كل شيء به قياما صدوريا وان اريد به الحقيقة المحمدية كان قيام كل شيء به قياما ركنيا كما تقدم
قلت وما اشبه ذلك
اقول يعني من الأسماء التي يسمي بها هذا الوجود كما اصطلحوا عليه
قلت وصفة بدئه بنفسه
اقول اي كيفية بدئه على حسب ما تدركه الأفئدة المستنيرة بنور الله وهو في نفسه لا كيفية له ولا توصيف لأنهما انما وجدا به فاذا اطلقا تبادرا الى آيته ومثاله وعنوانه الذي في الأفئدة ومع هذا فلا يتوجه ذلك التوصيف اليه بذاته اذ لو صح ذلك في عنوانه صح فيه لانه انما يعرف به وانما يتوجه اليه من حيث متعلقه فانه تجري عليه الكيفية والتوصيف كما تعتبر الكثرة والتعدد في الحركة عند الكتابة باعتبار تعلقها بالحروف والا فهي في نفسها بسيطة وتسمي جهات التعلق بالمتعلقات رؤسا ووجوها فلذلك نعتبر لها باعتبار تعلق رؤسها ما يجري على متعلقاتها
قلت ان الله سبحانه قبض من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة نفسها بها
اقول يعني انه تعالى قبض وقبض فعل منه من رطوبة الرحمة وهذه الرطوبة هي نفس قبض ولهذا - قلت بتلك الرطوبة لأن قبض هذا هو الفعل المقبوض به ففسرته بقولي بتلك الرطوبة وقولي من رطوبة الرحمة اعني المقبوض منه وفسرته بقولي بتلك الرطوبة فقولي بتلك الرطوبة تفسير لقبض اعني المقبوض به والمقبوض منه فقبض فعل مقبوض به ومقبوض منه لأن قبض هو نفس تلك الرطوبة المقبوض بها والمقبوض منها ولما كانت العبارة ضيقة ربما يتوهم ان من في قولي من رطوبة الرحمة للتبعيض او للابتداء فيلزم على الحالين ثبوت رطوبة الرحمة قبل قبض وانا اريد ان رطوبة الرحمة هي نفس قبض رفعت ذلك التوهم بقولي بتلك الرطوبة نفسها وبينت ان المقبوض منها عين المقبوض بها بلا تغاير الا في التعبير لضيق الألفاظ عن ذلك المعنى فبينته بتاكيدي بقولي بها لئلا يتوهم انها في ذاتها باعتبار مأخوذ بها وباعتبار آخر مأخوذ منها او هي مأخوذة بل مرادي انها بلحاظ واحد واعتبار واحد مأخوذ بها ومأخوذ منها ومأخوذة يعني قبضت بها فلم يكن لها تحقق ولا ثبوت ولا ذكر في مرتبة من مراتب الوجود مطلقا قبل قبضها بها فافهم
قلت اربعة اجزاء بها
اقول مفعول لقبض وان المعنى في هذا هو عين المعنى الأول ( في الأول خم ) يعني ان الأربعة الأجزاء هي القبض والمقبوض والمقبوض به والمقبوض منه بلا تغاير حتى في الاعتبار وقولي بها اي بالأربعة الأجزاء التي هي حقيقة قبض اي رطوبة الرحمة فان قبض هو تلك الرطوبة وهو تلك الأربعة الأجزاء ولهذا - قلت بها فكل هذه الألفاظ المتعددة معناها شيء واحد لذاته لا تعدد فيه لا في نفس الأمر ولا في الخارج ولا في الذهن وانما توجه الفؤاد في هذه الألفاظ المتعددة الى المعنى البسيط باعتبار تعدد تعلقه فافهم
قلت ومن هبائها به جزءا به
اقول يعني انه قبض ذلك الفعل الذي به قبض الرطوبة المذكورة التي هي ذاته من هباء الرحمة اعني يبوستها وهي الرطوبة المذكورة بهذا المقبوض به ومنه جزءا بذلك الجزء الذي هو نفس الأربعة المذكورة سابقا فالرطوبة نفس اليبوسة والأربعة عين الواحد وانما اختلفت ( اختلف خل ) اسماؤها باعتبار الآثار المختلفة ولا يتوهم ( لا تتوهم خل ) ان هذا شيء ممتنع ولا تدركه العقول فانك تسمي زيدا عالما ونجارا وخياطا وكاتبا وليست هذه الأسماء المختلفة واقعة على متعدد في ذاته لأنه هو العالم هو النجار هو الخياط هو الكاتب وليس مرجع هو مختلفا متعددا ولكن بالآثار تكثرت اسماء صفاته وليس تكثر ذواتها ذواته ( وليس لتكثر ذواتها في ذاته خم ) وانما سمي بها باعتبار آثارها ( آثاره خم ) وكذلك انت سميع انت بصير انت قدير وليست القدرة فيك شيئا متميزا غير البصر او هو غير السمع بل يقال انت وانت لست بصفة من صفاتك وانما هي لك فانت انت لا غيرك وسميت بها باعتبار الآثار والى هذا المعنى اشار علي عليه السلام بقوله وكمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف الخ فمن فهم ما اشرت اليه فهم كلامه عليه السلام والا فلا وما اشرنا اليه من هذا النحو فان الوجود المطلق ليس شيء ( شيئا خل ) في الامكان ولا من ( في خم ) الممكنات ابسط منه اذ كل ما سواه منه ( فبه خل ) كان وعنه صدر فلا يتعدد ولا يتركب لأن التعدد والتركيب محدثان به
قلت فقدرهما بهما في تعفين هاضمتهما
اقول فقدر الجزئين اعني الأربعة الأجزاء الرطبة والجزء اليابس بهما اي بذينك الجزئين لأنهما هنا نفس قدر الذي هو فعل التقدير على نحو ما تقدم والمراد بهذا التقدير هو تقدير الحدود الفعلية والهندسة الايجادية وهي عين هذا المقدر وقولي في تعفين هاضمتهما اريد به انه لما اجتمعت الرطوبة واليبوسة التي هي منشأ الحرارة حصل بهما التعفين لأن كل مكون لا بد له من تعفين بنسبته والتعفين لا يكون الا بالحرارة والرطوبة فان كان المكون مركبا كالمفاعيل تعددت الجهات فيه وتكثرت وان كان بسيطا مطلقا كما في الفعل اتحدت جهاته واحكام الجهات انما تطلق عليه باعتبار متعلقاته عند تعلقه بها كما مر ولما كان كل مكون لا بد له من التعفين كما برهن عليه في الحكمة الطبيعية وكان هذا التقدير مكونا بنفسه وجب ان يكون له تعفين يفرض سبقه عليه بينت ذلك بقولي في تعفين هاضمتهما اعني ان هاضمة تعفين هذا التقدير حين تحققت في نفسها تحققت بهذا التقدير لأنها عينه بلا مغايرة وان فرض سبقها عليه كما هو في متعلق الفعل من ساير المفعولات ف- قلت في تعفين هاضمتهما اريد انه قدر فيها لأنها هو والمراد بهذه العبارة اذا كانت في المفعول ان اجزائه تنحل بعضها في بعض حتى تكون بطبخ الحرارة والرطوبة شيئا واحدا لا اختلاف فيه والفعل لما كان شديد البساطة الحق احكام متعلقاته به في الاعتبار الفؤادي لا في الواقع الخارجي لشدة بساطته فيه وانما ذكرت سابقا ان الرطوبة اربعة اجزاء واليبوسة جزء واحد لأن الاجزاء الرطبة لو كانت اقل كان الغالب على الماء الغلظة ولا يصلح لاستعماله عبيطا فان الماء كما تحتاج اليه الاشياء في الأغذية التي هي مواد وجودها كذلك تحتاج اليه في الشرب الذي هو مزاج تلك الأغذية فلو - قلت الأجزاء الرطبة لم يكن ماء ولو زادت لم تحصل المشاكلة يعني انا نريد ان يكون بين الماء والتراب مشاكلة ليحصل التأليف للغذاء منهما والمشاكلة انما تحصل في الماء للتراب اذا انحل فيه شيء من التراب فانه اذا انحل فيه وافق التراب في تركيب الغذاء كما يأتي والحالة المعتدلة في تركيب الماء ليشاكل التراب ولا ينفر منه ان ينحل في الأربعة الأجزاء الرطبة جزء من التراب فاذا زادت الرطوبة ضعفت المشاكلة وان نقصت ضعف جانب المائية وانما حصل الاعتدال في الأربعة لسر ظهر آثاره في الموجودات لا يسهل بيانه الا بذكر اشياء لم تتم الا بذلك مثل الزوج له اربعة ( اربع خل ) نساء في الحال التام الذي يغلب فيه حصول العدل ولو زادت غلب عدم العدل ولهذا انما حصل الزايد عليهن في النبي صلى الله عليه وآله لعدم حصول حيف في طبيعته ومع هذا فاعانه الله بقوله ترجي من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء الآية ومنع عنه الائمة عليهم السلام للمشاركة للرعية ومثل كون الأشياء اربعة للشيء الواحد فان الوجود يدور على خلق ورزق وحيوة وممات وهو واحد والانسان واحد وطبائعه اربع والعرش مربع والبيت المعمور مربع والكعبة مربعة كما في الحديث والكلمات التي بني عليها الاسلام اربع سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر واحرف الاسم الأعظم اربعة التوحيد والنبوة والامامة والشيعة والبسملة التي فيها سر القرآن وفاتحة الكتاب اربعة الله والرحمن والرحيم واسم وان شئت - قلت بسم الله الرحمن الرحيم وهي واحدة والحاصل ربما تتوهم ان هذه الأمور انما هي مناسبات لا يبتني عليها اسرار الخليقة واقول ليس كذلك ولكن لما لم يمكن بيان السر في نفسه الذي حصل عنه الأربعة قيل انها مناسبات وهي حكم سترها الله سبحانه بحجب من الغيوب واظهر آثارها في خلقه وجعل الآثار دالة على الأسرار قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا
قلت فانحلا بهما وانعقدا بهما وتراكما بهما
اقول يعني ان الأجزاء الرطبة والجزء اليابس انحلا اي ذاب كل منهما بالآخر الذي هو نفسه حتى كان الاثنان واحدا على فرض حكم المتعلق وانعقدا كذلك اي جمدا كناية عن قيامهما بانفسهما وتراكما كذلك اي اجتمع كل شيء منه بكل شيء منه مثاله كالهواء الذي جذبه من يريد الكلام الى جوفه فيجمعه في المخارج وهو كناية عن حله ثم يقطع الحروف وهو عبارة عن عقده ثم يركب الكلام وهو عبارة عن تراكمه والحاصل معنى جميع ما سمعت هو انه احدث الفعل بنفسه بغير اعتبار تعدد فاذا اردت تفصيله على فرض ما لو كان مركبا فهو كما سمعت وعلى لحاظ عدم تركيبه فكما عبرنا به من اتحاد المقبوض به والمقبوض منه والقبض وهكذا الى آخره
قلت وهذا هو المشية وهو المسمى بتلك الاسماء المتقدمة
اقول يعني هذا هو الوجود المطلق وهو الوجود الراجح والامكان الراجح الذي ذكرنا كيفية بدء متعلقه ونسبناها له لما بين المتعلق وبين التعلق من المناسبة ولما بينهما وبين الفعل من مشابهة الصفة الفعلية فان كل اثر يشابه صفة مؤثره التي عنها صدر
قلت ولهذا المقام في تزييل الفؤاد اربع مراتب
اقول لهذا المقام اي للوجود المطلق والامكان الراجح والسرمد في تزييل الفؤاد اي في تمييزه وتقسيمه وتفريقه فان غير الفؤاد من المشاعر والمدارك لا تدرك شيئا ولا حالا من نحو هذا المقام من السمع والبصر والخيال والعقل لأنها انما تدرك المكيفية المحدودة بحدود الحسية او الخيالية او العقلية بخلاف الفؤاد فانه يدرك الشيء مجردا عن كل سبحاته وعوارضه الذاتية والعرضية ولهذا جاز استعماله في هذا المقام البسيط العاري عن كل ما سوى محض ذاته وانما قسمه الى اربع مراتب باجزاء ( باجراء خل ) احكام متعلقاته عليه كما مر فانه لما اعتبر آثاره التي تشابه حدود ذواتها صفته وتعريفه ووجدها خرجت في هذه الأربعة المراتب وقد قال عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الخ الآية ( الحديث خم ) حكم على هذا المقام بتلك الأحكام وان كانت باعتبار متعلقاته لا باعتبار ذاته وذلك لأنه وجده كلمة من الفاعل والكلمة اذا اعتبرها في نشوها وبدئها وجدها كذلك اي في هذه الأربع المراتب فاجرى عليها حكمها لأنه آية تعريفها وهي ايضا كلمة الله فكما ان المتكلم يأخذ بحركة جوفه من الهواء اربعة اجزاء رطبة اي حبة لصلوحها لصوغ الحروف وكونها اربعة لأنها هي نسبة المادة الاولى الى الصورة التي هي جزء واحد بالنسبة الى المادة يعني ان صورة الحروف من ترتيبها وحركاتها بالنسبة الى مادتها واحد من اربعة كما اشرنا اليه سابقا مما يطول بيانه ويخفى برهانه ويصوغ ذلك الهواء المأخوذ حروفا بعد حله بتسهيله في المخارج واعطائه الأصوات منه اي من الهواء بها اي بتلك الآلات الفاعل بها من حركة اللسان والشفة والأسنان واللهاة ثم يركبه كلمة فالمرتبة الاولى الهواء المأخوذ الى الجوف والثانية حله ومده الفا من الجوف الى الفضاء وهو المسمى بالنفس الرحماني في كل شيء بنسبته والثالثة صوغه حروفا والرابعة تركيبه كلمة تامة مفهمة فكما ان الكلمة اللفظية التي هي فعل منك لا تتم الا بهذه المراتب الأربعة كذلك الكلمة الفعلية التي هي قول من الله لا تتم الا بهذه الأربع المراتب فالكلمة اللفظية آية بيان الكلمة الفعلية
قلت فالاولى الرحمة والنقطة والسر المستسر والسر المجلل بالسر
اقول يعني فالمرتبة الاولى بالنسبة الى توصيف المشية الرحمة مأخوذ ( الرحمة المأخوذة خم ) من قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته يعني ان الرحمة سابقة والرياح علامة حصولها وبشرى بين يديها فاول التعين والذكر الرحمة السابقة التي هي علة الامكان وعلة الأكوان ويسمي ايضا بالنقطة بملاحظة كون الكتاب التدويني مطابقا للكتاب التكويني وبالعكس والكتاب التدويني اول ما صدر منه بسم الله الرحمن الرحيم واولها الباء واول الباء النقطة لأن الكاتب اول ما يكتب ان يضع القلم على القرطاس فتحدث به النقطة ثم يجر القلم فتحدث الباء وهذه النقطة صورتها النقطة تحت الباء وكونها تحت الباء كناية عن كونها حاملة للباء اي متقومة بها واخذ لكل اصل اسم النقطة ومن هذا قال امير المؤمنين عليه السلام انا النقطة تحت الباء والسر المستسر والسر المجلل بالسر مأخوذ من قول الصادق عليه السلام ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر مستسر بالسر وسر مقنع بالسر وفي رواية وسر مجلل بالسر ومعنى المجلل والمقنع واحد ويراد بهما هذه الرتبة من الفعل فهذه الأسماء الأربعة لهذه الرتبة من الفعل
قلت والثانية الرياح والنفس الرحماني الاولى بفتح الفاء المشار اليه بالانحلال
اقول يعني الرتبة الثانية تسمى بالرياح من قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته ويسمى النفس الرحماني بفتح الفاء الاولى لأن اطلاق النفس الرحماني في اصطلاحهم يختلف باختلاف اماكنه فالأولى هنا كالألف في التلفظ بالكلمة فانه يمتد من الجوف الى الفضاء ومنه تقطع الحروف وهذا وان لم يكن كذلك لأن الألف تقطع منه الحروف من ذاته او من صفات ذاته وعلى الاحتمالين ولا يصلح مثالا للفعل لأن المفعولات لا تقطع من ذات الفعل ولا من صفة ذاته وانما يصلح الألف اللينية مثالا للنفس الرحماني الثانوي الذي هو الرتبة الثانية من اول صادر من الفعل اي الموجود المعبر عنه بالعنصر الذي منه خلق كل شيء وبالماء الذي منه كل شيء حي نعم اذا اراد بالحروف المصاغة من الألف الذي هو النفس الرحماني الاولى رؤس المشية ووجوهها المتعلقة بالمشئات ( بالمشاءات نسخة ) الجزئية صلح مثالا لذلك فالنفس الرحماني الساري في الأشياء بالقيومية الصدورية هو هذا وهو الاولى او الكلمة بعد اعتبار تمامها ( اتمامها خل ) او انه سار في وجوهها بالقيومية الركنية واما النفس الرحماني القائم في الأشياء بالقيومية الركنية فهو الألف الثانوي الذي هو اول صادر من الفعل وقولي المشار اليه بالانحلال الأول اذا لاحظ فيه ما ثبت في العلم الطبيعي من ان كل مكون لا بد فيه من حلين وعقدين فالهواء المأخوذ للكلمة اللفظية يحل من الجوف الفا ممتدا الى الفضاء ثم تقطع حروفا وهو العقد الأول ثم تبسط للتركيب وهو الحل الثاني لاعتبار مناسبة بعضها لبعض وملايمتها له وعدم منافرتها ثم يركب هذا المحلول الثاني كلمة وهو العقد الثاني كذلك في الكلمة الفعلية فاولها ( فاولهما خل ) الرحمة ثم يمتد الفا وهو الحل الأول وهو الرياح في الآية الشريفة وهو الذي يرسل الرياح كما مر ثم تقطع حروفا وهو السحاب المزجي وهو العقد الاولى ثم يحل لمناسبة التأليف كما اشرنا اليه في الكلمة اللفظية ( اللفظية وهو الحل الثاني خم ) ثم تركيب الكلمة التامة وهو العقد الثاني فاشار بامتداد الألف وارسال الرياح الى الحل الأول وهو قولي المشار اليه بالانحلال الأول اي الحل الأول
قلت والثالثة الحروف المشار اليها بالانعقاد الاول وهو السحاب المزجي المثار من شجر البحر
اقول المراد بالحروف هنا بمعنى الأجزاء المفروضة فيه باعتبار متعلقه كما في الكلمة اللفظية وما يعتبر فيها من الحروف المقطعة من الألف اما انه يشار اليها بالانعقاد الأول فذلك لازم لاعتبار كل من التأليف الاعتباري والحقيقي كل بحسبه لأنها صيغت حروفا متمايزة من الألف بعد ان كانت نفسا منبثا واما انها هو السحاب المزجي فلملاحظة كون تلك الكلمة سحابا متراكما كما ( متراكما خل ) في التشبيه عند سوقها وتوجهها الى موات ارض القابليات فاذا مثلت بالسحاب كما في تأويل الآية اعني وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى اذا ا- قلت سحابا ثقالا سقناه الى بلد ميت فانزلنا به الماء الخ وذلك حين تراكمها الذي هو عبارة عن تمامها كانت قبل التمام والتركيب تمثل بالسحاب المزجي الذي هو اول نشوه فانه ينشؤ بخارا من شجر في البحر والمراد ان الأبخرة التي تجذبها اشعة الشمس حال دورانها تحدث منها حين صعودها اوضاعا كالشجر والمراد من البحر بحر البخار الصاعد باشعة الشمس والحاصل السحاب المزجي هو ذلك البخار الصاعد قبل التأليف كما قال تعالى يزجي سحابا ثم يؤلف بينه فالبخار الصاعد في السحاب بمنزلة الحروف المقطعة في الكلمة والسحاب المتراكم بمنزلة الكلمة بعد التأليف ودلالة الكلمة على المعنى بمنزلة نزول الماء من السحاب ووقوع الدلالة من الكلمة على ما يشاكل صفته من المعنى الميت المدفون في النفس بمنزلة وقوع الماء من السحاب على ما يشاكل صفته من النبات الكامن في مادته من الأرض الميتة وللفعل ومتعلقه من المفعول الذي مادته من هيئة ذلك الفعل ما للكلمة ودلالتها على المعنى وللسحاب والماء النازل منه وارتباطه بما يشاكله من لطيف الأرض الميتة التي هي مادة النبات من الصفة والتمثيل اي للفعل ما للكلمة والسحاب من الصفة والتمثيل حرفا بحرف فلذا سمي بالكلمة ومثل بالسحاب كما في تأويل الآية المذكورة سابقا وغيرها
قلت والرابعة السحاب المتراكم والكلمة التامة والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والكاف المستديرة على نفسها
اقول المراد بالسحاب المتراكم المشية بلحاظها متعلقة بمفعولها لأنها حينئذ لا تعتبر فيها الاعتبارات الأول كما ان السحاب المتراكم لا يلحظ فيه جهة البخار وصعوده وانعقاده ولهذا قلنا الكلمة التامة هي التي لا يلحظ فيها تقطيع الصوت وتأليفه وهي ايضا الكلمة التي انزجر لها العمق الأكبر اي التي انفعل وانقاد وهو اذا اريد بها المشية الامكانية العمق الأكبر الحقيقي الامكان الراجح واذا اريد بها الكونية فهو الممكنات وجميع الأكوان وهو العمق الأكبر الاضافي والامكان المساوي المقيد والكاف المستديرة على نفسها تقدم بعض بيانها
قلت وهذه المراتب انما تعددت باعتبار التفصيل الفؤادي في كشفه
اقول انما تعددت هذه المراتب في مراتبها في نفسها بالقياس الى هيئة تعلقاتها بمتعلقاتها لما بينهما من المشابهة كما بين حركة يد الكاتب وبين الحروف من المشابهة في الهيئات وذلك باعتبار كشف الفؤاد لا في نفسها لأنها في نفسها في كمال البساطة الامكانية ولهذا
قلت والا فهي شيء واحد بسيط ليس في الامكان ابسط منه
اقول انه في نفسه بسيط لعدم وجود شيء قبله يصلح ان يكون جزء يتركب منه اذ كل شيء فرض فهو من آثاره فلا تتركب مما هو من آثاره وكل ما يتميز في الأوهام او يتصور في النفوس او يتعقل بالعقول فهو من اثره او اثر اثره وقولي ليس في الامكان ابسط منه لاخراج الواجب تعالى ولاخراج عنوانه لأنه وان كان من الممكنات لكنه لا يعتبر في الامكان اذ لو اعتبر في الامكان لم يعرف الواجب تعالى به لأنه تعالى ليس في الامكان فلا يعرف بما في الامكان فلما كان ما سوى الله سبحانه ممكنا وقد خلق هذا العنوان دليلا وجب ان يلحظ مجردا عن الامكان ليعرف به عز وجل
قلت خلقه الله بنفسه فاقامه بنفسه وامسكه بظله
اقول خلق الله ذلك الفعل الذي هو المشية بنفسه اذ لا يحتاج في ايجاد الايجاد الى ايجاد آخر لاستغنائه بنفسه عن غيره لا لئلا يلزم الدور او التسلسل لأن لزوم الدور او التسلسل ليس هو الدليل الذي نشأ عنه ذلك نعم هو دليل في المناقضة لابطال دعوى المخالفة وكما كان مخلوقا بنفسه لا بفعل آخر كذلك كان قائما بنفسه لا بشيء آخر اذ ليس شيء غيره الا الفاعل تعالى والفعل لا يقوم بالفاعل قياما ركنيا لأنه المراد هنا نعم هو قائم به قياما صدوريا لكن نريد بالقيام هنا القيام الركني وكذلك المعنى في امسكه بظله يعني انه تعالى امسك الفعل بظله والضمير في بظله يعود الى الله سبحانه ويكون المراد منه نفس ذلك الفعل كما في الدعاء وباسمك الذي استقر في ظلك فلا يخرج منك الى غيرك اذ المراد بالظل نفس ذلك الاسم وان قلت ان الضمير يعود الى الفعل جاز والمراد به نفسه ويعود المعنى كالأول كما في الدعاء يمسك الأشياء باظلتها اي بانفسها والمراد انه تعالى يمسك كل شيء بمادة ذلك الشيء اذ كل شيء انما يتقوم بمادته وهي في كل شيء بحسبه
قلت وذلك في العمق الاكبر على حده الاعلى فهو المحدد للعمق الاكبر والعمق الاكبر محدد له لا يفضل احدهما عن الاخر
اقول يعني ان المشية التي هي الفعل اذ لا مشية لله غير فعله لأنه تعالى لا يفكر ولا يهم ولا يتروى هي مطابقة للعمق الأكبر الذي هو الامكان وهو مطابق لها لا يزيد الامكان عليها فيكون شيء من الامكان لا تتعلق به المشية ولا يزيد ( ولا تزيد خم ) على الامكان فتكون قد وقعت على غير الامكان ليس غير الامكان الا الواجب تعالى ( وخل ) لا تتعلق به المشية بل هي مطابقة للامكان وهو مطابق لها لأنها كفوه فالمشية آدم الأول والامكان حواه
قلت وهذا هو فعل الله
اقول يعني ان الوجود المطلق هو فعل الله سبحانه وهو الابداع والاختراع والارادة والمشية وهذا ظاهر
قلت وحيث علم بالضرورة ان هيئة المفعول من حيث هو مفعول هيئة الفعل كالكتابة فان هيئتها هيئة حركة اليد فعلى حسب هيئة حركة يد الكاتب تكون كتابته وجب ان تكون تلك الجهات المعتبرة في الفعل على جهة البساطة والاتحاد تكون بنحوها في المفعول على جهة التركيب والتعدد
اقول يعني ان هيئة حركة يد الكاتب للألف كهيئة الألف ولا يكون بتلك الحركة حرف الباء لأن هيئتها غير هيئة حركة كتابة الألف وهكذا حسن الكتابة يدل على اعتدال حركة يد الكاتب وبالعكس لأن كل اثر يشابه صفة مؤثره القريب الذي عنه نشأ كما مثلنا بحركة يد الكاتب فان هيئة الحرف تشابه هيئة الحركة المحدثة له وهذا ظاهر بقي شيء وهو ان الحركة في نفسها بسيطة لأنها الانتقال والتوجه الى جهة ما وهذا صادق على جميع وجوه الحركة في احداث كل حرف فهي في الحقيقة بسيطة في كمال البساطة وانما تعتبر فيها المغايرة اذا نسبنا بعض الوجوه الى بعض لا في نفسه بل من جهة تعلقه بمفعوله الذي هو الحرف واما المغايرة في الحروف فهي حقيقية لأن هيئة كل حرف جزء ماهيته بخلاف مغايرة هيئات وجوه ( وجود خل ) الحركة فانها ليست لذاتها لتكون جزء ماهية ذلك الوجه وانما هي لمتعلقها والذي هو جزء ماهيتها هو الانتقال المبهم المتعين بالتعلق بالحرف الخاص فان - قلت هذا جزء ماهية الفعل الكلي والكلام انما هو في الجزئي - قلت نحن هكذا نريد لأن وجه المشية المختصة بزيد من حيث خصوص زيد وتعلقها به لا تصلح لعمرو فالمغايرة حينئذ حقيقية والتعدد حقيقي لأنه انما يتحقق مع التعلق الخاص والتعلقات الخاصة متعددة لكن الوجه المتعلق اذا نظرت اليه في نفسه لم تجد المغايرة الا اعتبارية اي باعتبار التعلق وهو الذي اردناه فهو في نفسه لا تكثر حقيقي فيه ولا تركيب ولا تعدد والذي نجده منها فهو باعتبار ارتباطه لمتعلقه ونحن لمنجرده عن التعدد والمغايرة باعتبار تعلقه لأن تعلقه من حيث الفعل واحد ومن حيث المفعول كثير كالوجه المقابل للمرايا فان التعدد والكثرة والمغايرة انما هي في التعلق من حيث المرايا لا من حيث الوجه ولا من حيث خصوص المقابلة لأن خصوص المقابلة وان كان فيها مغايرة اعتبارية نظرا الى المرايا وجهاتها لكنها بالنظر الى الوجه والى نفسها ليس كذلك
قلت وان اختلفت المفعولات بحسب مراتبها في قوة التركيب وضعفه وظهوره وخفائه وكثرته و- قلته وفي كثرة التعدد و- قلتها وظهوره وخفائه
اقول يعني ان الفعل على حال بساطته في حال واحد وان اختلفت متعلقاته في التركيب في قوته كما في العوالم السفلية الظاهرة وضعفه كبسائط المركبات كالافلاك بالنسبة الى الأجسام السفلية وفي ظهور التركيب كالأجسام وخفائه كالنفوس والعقول حتى ان اكثر الحكماء والمحققين انكروا تركيبها بل جعلوها بسيطة الحقيقة حقيقة والحق انها مركبة للأدلة العقلية والنقلية وهي كثيرة فمن العقلية ما برهن عليه وعلم بالضرورة ان كل مصنوع فله جهتان جهة من ربه وجهة من نفسه وهذا ظاهر اذ لا يعقل مصنوع بدون ذلك ومن النقلية مثل قول الرضا عليه السلام لعمران الصابي ان الله تعالى لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه وفي كثرة التركيب كالعوالم السفلية فانها مركبة من كل جهات ما فوقها وفي - قلته كالمفعول الأول فانه مركب من فعل وانفعال خاصة وفي كثرة التعدد وذلك كالمركبات من المركبات كما برهن عليه في العلم الطبيعي في تركيب الانسان الفلسفي الذي هو انموزج الانسان الآدمي وانه مركب في اطوار كثيرة وقد قال عز من قائل يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم وهذا ظاهر وفي - قلتها اي قلة الكثرة يعني ان الكثرة مختلفة المراتب فكثرة كثيرة اي مكررة من كثرات متعددة وكثرة قليلة اي غير مكررة من كثرات متعددة بل من كثرة اولية فان - قلت لم لم تقل و- قلته - قلت قد ذكرت قلة التعدد سابقا وهنا ذكرت قلة الكثرة فافهم وفي ظهور التعدد كالأمور الكلية وخفائه كالأمور الجزئية فانها في الظاهر لا تعدد فيها مثل زيد وفي الواقع وفي نفس الأمر هو متعدد ولهذا يسمى الشخص في الواقع بالقرية والبيت وذلك لتعدد امثاله واوصافه كما في تأويل قوله تعالى لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا وفي قوله تعالى وتلك القري اهلكناهم واسئل القرية التي كنا فيها وامثال ذلك مما يعرفه اهله واما تعدد اوصافه فكلام زيد وسمعه وبصره وحرارته وبرودته وحركته وسكونه وامثال ذلك من طبايعه وقواه وآثاره واحواله كلها مثله لو برزت لك معه لم تفرق بينه وبين وصفه الا انه يستمد عن نفسه ووصفه يستمد عنه فافهم
قلت لانها في الفعل على نحو اشرف ليس في الامكان نحو اشرف منه
اقول لأنها اي لأن الجهات المعتبرة في الفعل مما فرض من صفة النشو والتعدد والتركيب المشار اليها سابقا على نحو اشرف ليس في الامكان نحو اشرف منه وذلك لأن تزييل الفؤاد لها كما اشرنا له لم يلحقها لذاتها ولو كان باعتبار متعلقاتها وانما فرض لحوقها بها باعتبار متعلقاتها في آية معرفتها في النفوس المجردة فان النفس العليا اعني الفؤاد اذا توجه الى معرفتها كان آية لها ودليلا عليها فتظهر فيه امكانات تلك الجهات في لحاظ متعلقاتها وهذا معنى قولنا ليس في الامكان اشرف منه وذلك لتنزه ذات الفعل عن كل ما يفرض لأن تلك المفروضات آثاره كما تقدم
قلت ولهذا كان في اكمل مراتب البساطة الامكانية بحيث لا يكاد تعتبر فيه جهة تعدد الا من جهة التعلق
اقول وما كان من جهة التعلق لا يلحقه ولو بواسطة جهة التعلق الا في جانب المتعلق وفي محل الاعتبار اعني الفؤاد لأنه آية ذلك التعريف كما مر مكررا
قلت وهذا هو الجواز الراجح الوجود وهو الوجود المطلق اي الوجود لا بشرط وهو المشية والعزم على ذلك هو الارادة
اقول ان قولنا هو الجواز الراجح الوجود بالنظر الى قولهم في حق الواجب تعالى واجب الوجود وفي حق المحدث ممكن الوجود اي جائزة فمعنى العبارة الاولى امتناع العدم عليه ومعنى الثانية تساوي العدم والوجود بالنسبة اليه والمشية ليست في رتبة الأول ولا مساوية للثاني فلذا قلنا انها راجح الوجود وعلة مأخذ الراجحية ان المقتضي موجود وقد اقتضى شيئا غير مشروط بغير نفسه فكان مطلقا غير مقيد وان لم يجب على المعنى المصطلح عليه لكون المقتضي قائما بغيره قيام صدور فكان بوجود الاقتضاء على جهة التنجيز من الغير راجحا وهو مرادنا بقولنا لا بشرط اذ الوجود بشرط شيء وبشرط لا شيء وجود مقيد وهو من التساوي بكلا قسميه وقولي وهو المشية اشير الى ان المشية هي الذكر الأول بقرينة قولي والعزم على ذلك هو الارادة وذلك اشارة الى ما في رواية يونس
قلت ومعنى انها خلقت بنفسها انها خلقت لا بمشية غيرها
اقول وهذا ظاهر وقد تقدم بيانه فلا فائدة في اعادته
قلت ونظيرها ابونا آدم عليه السلام فانه لم يكن من اب وام غيره وانما كان بنفسه وكان البشر منه بالتناكح والتناسل فكذلك المشية كانت بنفسها من غير اب وام غيرها وكانت الاشياء منها بالتناكح والتناسل
اقول انما كان آدم عليه السلام نظيرها لأنها هي آدم الأول كانت مركبة من مادة وصورة والمادة ( فالمادة خم ) النور والصورة هيكل التوحيد وآدم عليه السلام ابوه مادته وامه صورته فليس له اب ولا ام غير مادته وصورته كذلك المشية التي هي آدم الأول ليس لها اب ولا ام الا المعنويين اي المادة والصورة وانما كانت بنفسها وكما كانت ذرية آدم ابينا عليه السلام منه بالتناكح والتناسل كما هو معلوم كذلك المشية التي هي آدم الأكبر فان ذريته التي هي وجوه المشية الخاصة بكل مصنوع انما نشأت في انفسها من المشية الكلية بتعلق المشية الكلية بالامكان تعلقا خاصا كل تعلق هو منشأ فعل خاص بخصوص ذلك المتعلق وهذا الفعل هو ذلك الوجه الخاص بذلك المتعلق الخاص وهو اي ذلك الفعل هو ابن تولد من الفعل الكلي اي المشية الكلية بنكاحه اي الكلي للامكان وهو اي نكاحه تعلقه بخصوص متعلق لأن وجود المتعلق الخاص شرط لظهور ذلك الوجه الذي هو الولد كما ان ذلك الوجه علة لوجود ذلك المتعلق ويظهر ان متساوقين كالمشية الكلية مع الامكان الكلي فتلك الوجوه الفعلية الخاصة بكل مصنوع تولدت من المشية الكلية بالتناكح والتناسل فالتعلقات الأولية آباء والتعلقات المترتبة على الأولية ابناء
قلت ومعنى قولنا من غير اب وام غيره في ادم (ع) انه كان من مادته وهو الاب ومن صورته وهي الام
اقول معنى قولنا من غير اب وام غيره ان له ابا واما لكنهما ليسا مغايرين له حقيقة لأنه عبارة عن مجموعهما وليس مرادنا انه لا اب له ولا ام اصلا حتى المعنويين اذ المتكون يمتنع ان يتكون من غير اصل سواء كان سابق الوجود عليه ام مساوق الوجود كما نحن فيه والمشية التي هي آدم الأكبر الأول كذلك وهو قولي وكذا في المشية وانما مثلت بآدم ابينا لأنه المثل لآدم الأكبر وقد قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما هيهنا
قلت وكذا في المشية الا انهما في المشية وجدا بانفسهما اي وجد كل واحد بنفسه وبالاخر
اقول يعني ان مادة آدم ابينا عليه السلام وجدت بفعل الله وكذا صورته اي بفعل الله وبالمادة تبعا لها واما مادة المشية يعني آدم الأكبر وجدت بنفسها وبصورتها وصورتها وجدت بنفسها وبمادتها لعدم المغايرة بينهما في انفسهما وعدم كون احدهما علة او معلولا
قلت ومعنى ذلك انه وجد مقبوله بنفسه وقابله بالاخر ولا ايجاد لهما الا بانفسهما وما سواها اوجد مقبوله بالفعل وقابله بالتبعية على ما نبينه
اقول معنى هذا الذي ذكرناه انه وجد مقبوله اي مادته بنفسه وقابله اي صورته بالآخر اي وجدت مادته بصورته لأنها شرط ظهور المادة فوجودها بها ( به خل ) وجود صوري ووجدت صورته بمادته لأنها شرط تحقق الصورة ووجودها بها وجودي مادي وهذان في المشية وجود كل بنفسه كما مر ولهذا قلنا ولا ايجاد لهما اي للمادة والصورة الا بانفسهما يعني الوجود الحقيقي فوجود المادة بالمادة والصورة بالصورة وان وجدا بالآخر ( وان وجد كل منهما بالآخر خم ) في غير المشية للمغايرة لكنهما فيها واحد يعني ان قولنا وجد احدهما بالآخر هو معنى وجد بنفسه لأن الآخر نفسه اي هو بلا مغايرة ولهذا قلنا وما سواها اي ما سوى المشية وجد مقبوله اي مادته بالفعل اي المشية وقابله يعني الصورة بالتبعية على ما سنبينه من ان المراد بكون الماهية اعني الصورة موجودة بالتبعية ليس كما قالوا من انها ليست مجعولة وانما المجعول هو الوجود لكنها لما توجه الجعل الى الوجود انجعلت تبعا لجعله من غير ان تشم رايحة الوجود والجعل الا تبعا للوجود على قول بعضهم ولكنا لا نريد هذا المعنى وانما نريد بالتبعية انها مجعولة بجعل غير جعل الوجود الا انه مترتب عليه بمعنى اخذه منه فنسبته الى جعل الوجود كنسبة الماهية الى الوجود اي نسبة الواحد الى السبعين لاشتقاقه منه كاشتقاقها من الوجود ويأتي توضيحه
قلت ومعنى ان الاشياء كانت منها بالتناكح والتناسل ان المادة هي الاب والصورة هي الام على ما نبين لك فنكحت المادة الصورة على كتاب الله وسنة نبيه (ص) فولدت الصورة الشيء
اقول معنى كون الأشياء بالتناكح من المشية ان المشية انكحت المادة الصورة فنكحت المادة الصورة بانكاح المشية على ما كتب الله في الكتاب الوجودي اي التكويني يعني على نحو انشاء الحكمي المتقن وعلى سنة نبيه ( سنة محمد نبيه ص خم ) لأنه سبحانه اقامه في سائر عالمه ( عوالمه خل ) مقامه في الأداء فهو يؤدي الى الخلق عن الله عز وجل في التكويني كما يؤدي عنه في التشريعي فكان التناكح والتأليف والنمو على مقتضى الحكمة التي هي شرع كتاب الله التكويني وسنة نبيه عليه السلام كذلك لأن الله عز وجل يوجد على سنة الحكمة ويكتب المفعولات على ما هي عليه في نفس الأمر والواقع وكون ذلك واصلا الى المفعولات بواسطة نبيه صلى الله عليه وآله هو معنى سنته وهو التلقي من الخالق والأداء الى الخلايق فلما نكحت المادة التي هي الأب الصورة التي هي الأم تميزت الاشياء بصورها اي في بطن امهاتها لأن الصورة هي الأم كما يأتي فولدت الأم التي هي الصورة الشيء المتكون من المادة والصورة
قلت والمشية هي ادم الاول (ع) وحواؤه هي الجواز وهي كفؤه لا تزيد عليه ولا تنقص عنه كما اشرنا اليه سابقا فافهم
اقول وذلك لما ورد ان الله سبحانه خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين وفي بعض الأخبار لم يخلق منها شيء من الطين غيركم واشارت الأخبار الى ان المراد منها الأطوار والعوالم ويعلم من ذلك ان اول تلك الآدميين المشية وحواء ذلك الآدم هو الجواز والامكان بقول مطلق يعني ان اريد به المشية الامكانية فالمراد بالجواز حينئذ الامكان المطلق الراجح وان اريد به المشية الكونية فالمراد بالجواز حينئذ المقيد للتساوي وان تفاوتت مراتبه في السبق الا انها يجمعها كلها الوجود بشرط شيء وقولي وهي كفوه معناه انها لا تزيد ولا تنقص عنه ومعنى هذا كما تقدم انه لا يكون شيء ممكن لا تتعلق به المشية ولا يكون شيء من المشية خارجة عن الامكان اذ خارج الامكان ليس الا الوجوب والوجوب لا تتعلق به مشية ( مشيته خل ) ( المشية خم )
قلت وهذا هو النار المشار اليها في قوله تعالى ولو لم تمسسه نار فمكانه الامكان ووقته السرمد
اقول هذا في التاويل هو النار المذكورة في القرءان المجيد يعني ان الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله التي هي الزيت في الآية تكاد ان تخرج في الكون قبل التكوين وذلك لشدة قابليتها وقربها من مقام المشية فمثل للمشية بالنار وللحقيقة المحمدية بالدهن وللعقل الكلي المتكون من تعلق المشية بالحقيقة المحمدية بالمصباح المتكون من تعلق النار بالدهن ووقت الفعل هو السرمد واما اول فائض من الفعل بل وارض الجرز اللذين هما قبل العقل فعلي احتمال انهما لاحقان بالسرمد لتقدمهما على العقل الذي هو مساوق لأول الدهر وعلى احتمال انهما من الدهريات لأن السرمد انما هو وقت للفعل وهما من المفعولات لا من الفعل وعلى احتمال انهما برزخ بين السرمد والدهر فيكون وجههما في السرمد وفعلهما في الدهر
قلت فهو للسرمد كالاطلس للزمان فكما انه ليس محدبه في مكان ولا زمان وانما المكان والزمان انتهيا به لم يتخلف احد من هذه الثلاثة عن الاخر وكلما قرب من محدبه من الجسم والزمان والمكان لطف ورق وكلما بعد منه كثف وغلظ
اقول فهو اي المشية بالنسبة الى السرمد كالفلك الاطلس بالنسبة الى الزمان فكما ان محدب الفلك الأطلس ليس في مكان لأنه محدد الأمكنة والجهات ولا في زمان لأن الزمان لا يكون الا ظرفا للجسم وليس وراء محدبه جسم ليكون ما خرج من الزمان عن محدبه ظرفا له وهذا هو الحق في هذه المسئلة التي تسافلت دونها عقول الحكماء وانحطت عنها افهام العلماء ولقد كثرت فيها الأقوال واختلفت وتنافرت فيها الآراء واضطربت والحق هذا وهو ان المكان والزمان ظرفان للجسم وهما من مشخصاته والمشخصات حدود الماهية واجزاء القابلية والحدود والأجزاء مقومات للشيء فهي جزء ماهيته ولا يمكن ان يوجد جسم بلا مكان ولا زمان ولا مكان بلا جسم ولا زمان ولا زمان بلا جسم ولا مكان فكل واحد شرط للآخرين مقوم لهما فيجب بحكم هذه القواعد الضرورية ان تكون الثلاثة متساوقة اذا وجد واحد وجد الاثنان واذا فقد فقدا وهذا معنى قولي وانما المكان والزمان انتهيا به لم يتخلف احد من هذه الثلاثة عن الآخر واعلم ان الأجسام على ثلاثة اقسام : قسم لطيف جدا تقرب لطافته من عالم المثال كمحدب الفلك الأطلس وقسم كثيف جدا كالمركبات السفلية مثل الحجارة والتراب الكثيف وقسم متوسط بينهما كالأفلاك السبعة وحيث كان مشخصات كل شيء من نوعه في اللطافة والكثافة وكان المكان والزمان من المشخصات كما تقدم وجب ان يكون مكان محدب محدد الجهات وزمانه المتساوقين له كما مر الطف ما يمكن فيهما بحيث لا يبقى لهما وجود فيما فوق ذلك وهما في الافلاك الباقية متوسطان وفي الأجرام السفلية كثيفان غليظان كل شيء منهما بحسب ما يشخصانه وفي دليل الحكمة دليل هذا فان سرعة حركة الفلك الأطلس وتوسط حركة الأفلاك وبطؤ المتحركات السفلية ذلك واما فلك الثوابت فبطؤ حركته لكثرة تصادم الحركات المتعددة فيه اذ لكل نجم ( نجم فيه خم ) حركة بخصوصه حركة تدوير او حركة حامل والذي يقوى في نفسي ثبوت افلاك التداوير لها وبهذه النسبة تعتبر المجردات فان الدهر وقتها وهو في العقول كما في المحدد الطف منه في النفوس كما في الأفلاك السبعة وشدة كثافته وغلظه في الطبايع وجواهر الهباء كاجرام السفلية فاذا عرفت هذا في الزمان وفي الدهر فاعلم ان السرمد ليس فيه تعدد ولا تغاير فاعتبار التفاوت بالنسبة الى وجوه المشية انما هو باعتبار تعلقها بمتعلقاتها على نحو ما ذكرنا وانما ذكرنا هذا التقسيم والتفاوت في الأجسام على جهة الحقيقة لتعرف هذه النسبة هناك على جهة الاعتبار وقد اشار تعالى الى شدة لطافته في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولم يكن هذا في ساير الحوادث
قلت كذلك هذا الوجود اي الجواز الراجح كلما قرب من نفسه من الفعل والامكان والسرمد لطف ورق حتى يكاد يخفي عن نفسه وحتى يكاد يظهر في كل شيء
اقول يعني ان هذا الوجود الراجح اعني المشية كلما قرب من نفسه اي من لحاظ العلية من الفعل والامكان والسرمد ومن هنا بيانية اي كل واحد من الفعل ومن الامكان الذي هو مكان الفعل ومن السرمد الذي هو وقت الفعل قرب من نفسه اي من جهة لحاظ عليته لنفسه لطف ورق اي لم يجد نفسه حتى يكاد يخفي عن نفسه اي لا يشعر بنفسه لكمال فنائه في وجه بقائه ولم يجد نفسه حتى يكاد لا يخفى عن شيء من آثاره لكمال ظهوره بها لها
قلت وكلما بعد عن نفسه منها غلظ اي ظهر حتى يكاد يظهر في المفعولات وحتى يكاد يفقد منها
اقول وكل واحد من الثلاثة بعد عن نفسه اي عن لحاظ عليته لنفسه منها اي من الثلاثة غلظ يعني ظهر حتى يكاد يظهر في المفعولات التي هي آثاره بالكلية او الجزئية اي الركنية اي حتى يقال ان هذه الأشياء هي ذاته ولأجل عدم ملاحظة بعض الصوفية كضرار واصحابه لعليته لنفسه قالوا هو جزء الأشياء وركنها الأعظم وان الأشياء مركبة من وجود هو الفعل ومن ماهية هي الحدود والمشخصات وظهر ايضا حتى يكاد يفقد منها اي لا يكون علة لها وذلك عند عدم ملاحظة عليته لنفسه التي هي عليته لغيره لأن عليته لنفسه عين عليته لغيره فاذا لم تلاحظ لم تعرف المعلولية في المفعولات اذ لا تعرف الا بملاحظة علية العلة
قلت فالامكان والسرمد انتهيا به
اقول يعني انهما انتهيا به وانتهى بهما وانتهى كل واحد منهما بالآخرين
قلت وكما ان المحدد والمكان في الزمان وهو والمحدد في المكان والزمان والمكان في المحدد اي كل واحد من الثلاثة حاو للاثنين كذلك الفعل والامكان والسرمد كل واحد منها حاو للاثنين الاخرين وكل واحد منته بالاخر من الثلاثة
اقول هذه الكلمات يعلم معناها مما سبق وهو ان كل واحد منها حيث وجد وجد الآخران وحيث فقد فقد الآخران في الذات والصفات والتأثيرات
قلت الا ان الوجودات الثلاثة على اوضاع ثلاثة فالواجب ازله ذاته ومكانه ذاته
اقول هذا القسم الأول مما يقال عليه الوجود وهو الواجب تعالى وهو واحد بكل اعتبار اي في نفس الأمر وفي الواقع وفي التعقل وفي الاحتمال والامكان والفرض لا كثرة فيه ولا تعدد لا في ذاته ولا في صفاته ولا شريك له في افعاله ولا في عبادته فله التوحيد الخالص الا لله الدين الخالص
قلت والممكن الذي هو الوجود المقيد وهو جميع المفعولات مكانه غير زمانه وهما غير ذاته
اقول ان الأشياء المخلوقة لا يمكن ان تنفك عن التأليف المقتضي للتعدد والتكثر والمغايرة فمشخصاته وان كان انما يتعين ويتشخص بها الا انها من حيث انفسها ومن حيث مفهومها وقبل التأليف ولو اعتبارا مغايرة له فوجب اعتبار التعدد فيها فخلص التوحيد الحق لله سبحانه
قلت واما الجواز الراجح فمكانه وزمانه بالنسبة اليه باعتبار الاتحاد والمغايرة بين بين ليس على حد الوجوب في الاتحاد ولا على حد الممكن في التعدد هذا بالنسبة الى نفسه وبالنسبة الى ارتباطه بالممكن فمتغايرة مغايرة ابسط من مغايرة الممكن فافهم
اقول ان الوجود الراجح اعني المشية اذا اعتبر مكانه الذي هو الامكان ووقته اعني السرمد بالنسبة اليه كانا متحدين معه في نفس الامر وفي الواقع مغايرين له في اعتبار الفؤاد فنسبته الى الوجود الحق باعتبار عنوانه اي دليله اعني مقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان من حيث هي عنوانه والى الوجود المقيد اعني المفعولات نسبته التوسط وذلك باعتبار مدرك الفؤاد فهو بين بين لأن الواجب لا يدرك من عنوانه التعدد والكثرة لا في الواقع ولا في التعقل والممكن يدرك منه التعدد في الطرفين وهذا الوجود الراجح لا يدرك منه التعدد في الواقع ويدرك منه في التعقل فهو بين بين وهذا مرادنا من قولنا ليس على حد الوجوب في الاتحاد ولا على حد الممكن في التعدد وقولي هذا بالنسبة الى نفسه اي هذا التوسط المذكور هو بالنسبة الى نفسه واما اذا اعتبرنا ذلك بالنسبة الى ارتباطه اي تعلقه بالممكن المتعدد المتكثر ففيه تغاير وتكثر باعتبار التعلق كما قلنا في التمثيل بحركة يد الكاتب في تعلقها بالحروف المتعددة المتغايرة المتكثرة ولكن ليس مثل تغاير متعلقه لأن تعدد متعلقه وتغايره ذاتي وتعدده ليس لذاته وانما نسب اليه باعتبار متعلقه وهذا معنى قولي فمتغايرة مغايرة ابسط من مغايرة الممكن
قلت الفائدة الرابعة في الاشارة الى تقسيم الفعل في الجملة
اقول هذه الفائدة معنونة بتقسيم الفعل لأنا لما ذكرنا بعض ما يتعلق ببيانه اقتضىي بيانه ذكر تقسيمه الى هذه الأقسام في التسمية باعتبار متعلقه
قلت اعلم ان الفعل باعتبار مراتبه عند تعلقه بالمفعولات ينقسم الى اقسام فالاول مرتبة المشية وهي الذكر الاول كما قاله الرضا (ع) ليونس
اقول الفعل اذا كان متعلقا بوجود الشيء اعني كونه يسمى مشية لأن الوجود هو اول ما يذكر به الشيء ولهذا قال الرضا عليه السلام ليونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الأول تعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة على ما يشاء تعلم ما القدر قال لا قال هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء الحديث ومعنى كون المشية هي الذكر الأول ان اول ذكر الله تعالى للشيء ان يذكره بكونه اي بان يوجد كونه وايجاد الكون الذي هو الوجود هو المشية والمراد بالذكر الأول المعنى المصدري ومعناه الوجود على تاويله بالمفعول وعلى تاويله بالفاعل هو المشية
قلت والمراد ان الشيء قبل المشية لم يكن له ذكر في جميع مراتب الامكان فاول ذكره معلوميته في كونه
اقول يعني ان الشيء اذا لم يكن شيئا لم يذكر لأنه انما يذكر بانه هو وانه شيء وشيئيته انما هو بوجوده اذ لا شيئية لما لم يوجد فاول ان يكون مذكورا كونه شيئا وهو كونه موجودا وهو اول ما يذكر به والفعل المتعلق بتكوينه هو المشية فلأجل ذلك قال عليه السلام هي الذكر الأول يعني اول ما يذكر به فان - قلت كيف يكون هذا اول الذكر والشيء مذكور في العلم قبل ايجاده - قلت قد قررنا ان الشيء اول كونه معلوما كونه ممكنا وكونه ممكنا بالمشية الامكانية فهو مذكور في المشية بما هو مشاء به ففي المشية الامكانية هو اول ما ذكر في امكانه وفي الكونية اول ما ذكر بها في كونه فاذا قيل المشية هي الذكر الأول للشيء صدق على المشيتين الا انه هنا المراد به الذكر الأول الخاص المتشخص المتميز وهو لا يتحقق الا في المشية الكونية واما المشية الامكانية فانه وان كان مذكورا فيها قبل الكونية الا انه على وجه كلي لا يتخصص به بل يصلح له ولغيره كما اذا اخذت مدادا بالقلم لتكتب به اسم زيد فقبل الكتابة لم يكن زيد مذكورا على جهة الخصوص والتعين بالمداد الذي على القلم لجواز ان يبدو لك فتكتب به اسم عمرو او لا تكتب شيئا فليس مذكورا بمشيتك الامكانية على الحقيقة قبل ان تكتب به الا على جهة الامكان الذي تساوي فيه هو وعمرو وخالد والجبل والبحر وما اشبه ذلك فقولي لم يكن له ذكر في جميع مراتب الامكان يعني على جهة الخصوص والتعين لا مطلقا وقولي فاول ذكره معلوميته في كونه يعني به الذكر الخاص به كما قلنا
قلت ومثاله فيما يبدو لك ان تفعله فانه لم يكن شيئا قبل ان تذكره فاذا ذكرته كان ذكرك له اول مراتب وجوداته وهي كونه
اقول يعني ان الشيء الذي تريد فعله لم يكن له ذكر منك قبل فعلك والا لم يكن مفعولا لك او ( وخل ) انك فعلته قبل هذا فاذا فقد من الأمرين كان عدما قبل فعلك ليس بمذكور فاذا خطر على قلبك فعله فانت ذكرته وهو معنى انك شئت فعله باول خطوره على قلبك واذا تأكد العزم كانت الارادة كما يأتي هذا مثال صحيح في حق من تكون منه ارادة وميل للفعل قبل ان يفعل ويتفكر ويتروى واما الواجب عز وجل لم يكن كذلك لانه لا يفكر ولا يهم ولا يروي وليس له ميل الى شيء ولا داع يبعثه على الفعل وانما ذلك منه سبحانه فعله للشيء من غير سبق شيء على فعله فاول ايجاده وجود زيد هو مشيته تعالى لايجاد زيد لأن وجوده اول ما ذكره الله وهو وجوده
قلت والثاني الارادة وهي العزيمة على ما شاء وهي ثاني ذكره ومعلوميته في عينه ولم يكن له وجود قبله الا الذكر الاول الذي هو كونه وهو صدور الوجود قبل لزوم الماهية له
اقول هذا هو القسم الثاني من اقسام الفعل باعتبار تسميته من حيث متعلقه وهو الارادة التي هي العزيمة على ما يشاء ويسمى الفعل بالارادة اذا كان متعلقا بالعين التي هي انيته وماهيته وهي اي الارادة ثاني ذكره لأن اول ذكره المشية وهذه الرتبة معلوميته في عينه اي انه معلوم بعينه كما انه في الرتبة الأولى معلوم بكونه وانما قلنا هنا انها ثاني ذكره لأن اول ذكره المشية وبعد المشية الارادة وهي ثاني ذكره وقولي الا الذكر الأول الذي هو كونه يعني ان ذكره الأول ذكره بكونه اي بوجوده قبل لزوم الماهية به اذ بعد لزومها له تكون العين اي الذات لانها لا تتحقق الا بالكون واعلم ان الكون لا ينفك عن العين لتلازمهما في الظهور الا انه في التقدم الذاتي يكون الكون سابقا في التحقق على العين بسبعين سنة وان كانا في الظهور متساوقين
قلت وبها تلزمه الماهية وبالمشية كانت الارادة لترتبها عليها
اقول وبها اي بالارادة تلزم الماهية للوجود لأنها هي المثبتة لها فيه وانما كانت الارادة متأخرة عن المشية لأن الارادة مترتبة على المشية وذلك لأن المشية هي الذكر الأول والارادة هي العزيمة على ما يشاء فتكون مترتبا عليها اي على المشية لأنها العزيمة على المشية والعزيمة على الشيء مترتبة على سبق ثبوته
قلت والثالث القدر وهو الهندسة الايجادية وفيه ايجاد الحدود من الارزاق والاجال والبقاء والفناء وضبط المقادير والهيئات الدهرية والزمانية من الوقت والمحل والكم والكيف والرتبة والجهة والوضع والكتاب والاذن والاعراض ومقادير الاشعة وجميع النهايات الى انقطاع وجوداته
اقول هذا هو القسم الثالث من اقسام الفعل باعتبار تسميته من حيث متعلقه وهو القدر والمراد به فعل الله المتعلق بالحدود وقولي وهو الهندسة الايجادية الخ كما هو في قول الرضا عليه السلام ليونس في تفسير القدر وربما فسرت بالحدود او عطفت عليها اريد به ما يشملها فان الهندسة هي الحدود المعنوية والظاهرية كالأرزاق من الغذاء والعلوم وتعليم الصناعات والتيسير للأعمال الصالحات والطالحات والأسباب المؤدية الى مسبباتها وكالآجال الابتدائية والانتهائية بمعنى ان كل شيء محدث فله ابتداء معين وانتهاء مقدر وكالبقاء اي ان كل شيء له بقاء في الأكوان مقدر لا يزيد ولا ينقص وكالفناء من الأكوان كذلك وضبط المقادير ايضا كذلك يعني انها من التقدير لأنها من المشخصات وكالهيئات الدهرية والزمانية كالحركات والسكنات والأوضاع والنسب وكالحدود الستة اعني الوقت والمحل والكم والكيف والرتبة والجهة الخ فان الهيئات الدهرية والزمانية تشمل جميع الحدود والمقادير والعطف عليها عطف تفسيري او عطف خاص على عام وكالوضع بمعانيه الثلاثة اعني افتقار الجوهر الفرد الى حيز وترتب اجزاء الشيء بعضها على بعض وترتب اجزاء الشيء على غيرها بل على الأمور الخارجية وكالكتاب والمراد به ان كل شيء فمن اسباب كونه وبقائه وتوصله الى ما خلق له ان تكون جميع احواله واعماله واقواله وحركاته وسكناته مكتوبة في الكتب الالهية والألواح السماوية والأجرام السفلية وغير ذلك لاقتضاء الأسباب منها لمسبباتها فمنها المبادي التي بها تكون الأشياء ومنها النهايات التي تكون عن الأشياء مثل الأول ان وجود زيد متوقف على اثباته في اللوح المحفوظ وفي الألواح الجزئية ومثل الثاني وجود امثاله وصفاته ووجوده مقتض لايجاد امثاله وصفاته في وجه اللوح ووجوه الالواح فلو لم يقتض وجوده ذلك لم تقتض كتابته في اللوح المحفوظ وجوده لأن المقتضي من نوع واحد وان اختلف في الشدة والضعف وكالاذن يعني ان كل شيء لا يخرج من الامكان الى الاكوان ومن الحركة الى السكون ومن السكون الى الحركة ومن حال الى حال ومن الأكوان الى الامكان بمعنى انه لا ينتقل من شيء الى شيء بل ولا يبقى على حال الا باذن الله سبحانه وكالأعراض يعني ان كل شيء فجميع ما تنسب اليه من الأعراض بجميع ما يراد منها من مشخصاته ومعيناته وكذلك ما تلحق تلك الأعراض من الأعراض واعراض الأعراض مثل الحركة وسرعة الحركة وشدة السرعة وهكذا وكذا مقادير الأشعة واشعة الأشعة وهكذا اي الى ان تنتهي وجوداتها وهو قولنا مقادير الأشعة وجميع النهايات الى انقطاع وجوداته اي وجودات الشيء الذاتية والعرضية اللاحقة له واللاحقة للاحقة له وكل ذلك من احكام التقدير ومتعلقاته وما يتعلق به من الفعل يسمى قدرا
قلت وفي هذا اول الخلق الثاني وبدء السعادة والشقاوة وبالارادة كان القدر لترتبه عليها
اقول وفي هذا القسم اعني القدر من اقسام الفعل اول الخلق الثاني يعني ان الصانع اذا اراد ان يصنع شيئا لا بد له من مادة يصنع منها الشيء فغير الله سبحانه يأخذ مادة مطلوبه مما صنع الله عز وجل واما الله سبحانه فلم يكن عنده في ملكه شيء الا ما صنعه فاذا اراد ان يخلق خلقا خلق مادة ذلك المخلوق وصنعه من تلك المادة كالكاتب فانه يصنع المداد اولا ثم يكتب منه ما شاء فالخلق الأول هو صنع المادة والخلق الثاني هو الصنع من تلك المادة كما مثلنا فالمداد هو الخلق الأول والكتابة هو الخلق الثاني وهو ان يأخذ حصة من المادة ويقدرها على حسب ما يريد فالتقدير هو الخلق الثاني وفيه السعادة والشقاوة مثل الخشب الذي هو الخلق الأول ليس فيه سعادة ولا شقاوة فاذا عمل منه بابا او سريرا او صنما ثبت السعادة والشقاوة في الخلق الثاني لأنه محل التصوير والصورة هي الأم التي يسعد من يسعد في بطنها ويشقي من يشقي في بطنها كما يأتي بيانه ان شاء الله وقولي بالارادة كان القدر مأخوذ من حديث الكاظم عليه السلام كما في الكافي وانما كان القدر بالارادة لأنها هي صنع المادة التي يتوقف التقدير عليها ولهذا قلنا لترتبه اي لترتب القدر على الارادة
قلت وهذه الاشياء المذكورة تجري في الخلق الاول على نحو اشرف وانما ذكرت هنا لانه محل الهندسة وهناك محل بساطة
اقول يعني ان هذه الأمور المذكورة اعني ايجاد الكون والعين الذي هو الخلق الأول وايجاد الحدود والهندسة الذي هو الخلق الثاني وما فيهما من المراتب والتفصيل يجري في الخلق الأول اي الايجاد الكون والعين فانا مثلا نقول في قول الصادق عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر او فقد اشرك على اختلاف الروايتين وكذا في قوله على نقض بالضاد المعجمة وبالمهملة على اختلاف الروايتين وظاهر الروايات ان المراد بالشيء هنا هو المفعولات من الغيب والشهادة فانا نقول انه ايضا جار في الأفعال لعموم الشيئية ولاشتراك الكل في مقتضيات الحكمة فلا فرق في ذلك بين الأفعال والمفعولات بل كل تلك الأمور السبعة تجري في كل شيء من الحوادث في كل شيء بحسبه فالأشرف والأبسط تكون فيه بنحو اشرف وابسط نعم هي في الخلق الثاني اظهر واما في الخلق الأول فخفية فلأجل ذلك ذكرتها في ذكر الخلق الثاني ولهذا قلت وانما ذكرت هنا اي في الخلق الثاني لأنه محل الهندسة اي الحدود والمقادير وهناك يعني الخلق الأول محل بساطة
قلت والرابع القضاء وهو اتمام ما قدر وتركيبه على النظم الطبيعي فالقدر كتقدير آلات السرير للطول والعرض والهيئة والقضاء تركيبها سريرا
اقول الرابع من الأقسام القضاء وهو اتمام ما قدر يعني ان الصانع اذا اخذ حصة من المادة وقدرها على ما يريد قضاها اي اتمها على الصورة المرادة له كالنجار اذا اخذ شيئا من الخشب وقدره على هيئة السرير من طول وعرض نظمه واتمه على نظمه الطبيعي وهو معنى انه قضاه كما قال عز من قائل فقضيهن سبع سموات الآية
قلت والخامس الامضاء وهو لازم للقضاء وهو اظهاره مبين العلل مشروح الاسباب لاجتماع مراتب التعريف لاثار الصفات الفعلية الالهية فيه
اقول الخامس من الأقسام المذكورة الامضاء وهو في الغالب لازم للقضاء بمعنى انه لا ينفك عن القضاء ولذا ورد اذا قضاه فقد امضاه لأن الشيء اذا تم كان في الغالب لا تعرض له موانع الامضاء من جهة ان القضاء والاتمام انما يكون من الفاعل لامضائه وقل ان تكون الحكمة مقتضية لمجرد اتمامه خاصة ثم يبدو له محوه نعم من جهة انه بالاتمام لا يخرج من امكان المحو والتغيير والتبديل بل جاز عليه ذلك فربما جرت عليه المشية بالتغيير فلذا قلنا في الغالب ومعنى الامضاء اظهار الشيء تاما ومعنى تمامه اشتماله على جميع ما له وما يترتب عليه ومن ذلك كونه مبين العلل مشروح الأسباب ليكون دليلا ومدلولا عليه ولو لم تظهر منه آثار المصنوعية لم يكن دليلا ولو لم تبد منه ظلمة الانية لم يستدل عليه واذا لم يعرف منه الجهتان لم يحسن ايجاده الذي يتوقف الامضاء عليه فلذا قلنا مبين العلل مشروح الأسباب لاجتماع مراتب التعريف ( التعريف في جميع مراتب وجوده خم ) يعني انه انما خلق ليعرف صانعه ويعرف به صانعه سبحانه فخلقه تعريف من الصانع سبحانه له ولغيره في جميع مراتب وجوده كالكون والعين والقضاء فانها اي مراتب التعريف والتعرف فيها اجتمعت في رتبة الامضاء لأنه انما يكون بعد التمام فيجب ان يكون مبين العلل مشروح الأسباب او لا تنتظر مرتبة للتعرف والتعريف بعده وقولي لآثار الصفات الفعلية فيه معناه ان الآثار هي آيات التعريف وهي آثار الصفات لا آثار الذات كما توهمه بعضهم فان الذات لا آثار لها وانما الآثار لافعالها وانما قلت الصفات الفعلية لأن الآثار التي هي الآيات انما هي ايات للصفات التي هي جهة المعرفة وليست آيات للأسماء ولا للذات لأن الأسماء لا تفيد المعرفة وانما تفيد التعين ( التعيين خم ) فتصدق مع التشبيه والتعدد والحدوث والتركيب وكذلك الذات اذ لا آيات لها الا باعتبار افعالها وقولي فيه اي في الامضاء لانتهاء كل الآثار والتعريف اليه
قلت فالاربع المراتب الاول هي الاركان للفعل والخامس بيانها
اقول يعني ان المشية والارادة والقدر والقضاء هي اركان للفعل الذي يتم به المفعول باعتبار متعلقاتها كما قلنا سابقا فبالمشية كونه وبالارادة عينه وبالقدر حدوده وبالقضاء اتمامه فهذه الأقسام وان كانت واحدة باعتبار ذات الفعل لكنها باعتبار متعلقها ( متعلقاتها خم ) اربعة وهي اركان للفعل اي لفعل المفعول الذي به يتم والامضاء الذي هو الخامس بيانها كما تقدم لاجتماع مراتب التعريف لآثار الصفات الفعلية الالهية فيه
قلت وبالقدر كان القضاء وبالقضاء كان الامضاء
اقول هذا مأخوذ من حديث الكاظم عليه السلام قوله فبالمشية كانت الارادة وبالارادة كانت القدر الخ بعضه صريح وبعضه في ضمنه
قلت فهذه الاربعة هي صبح الازل
اقول قولي فهذه الأربعة انما كان ( كانت خل ) الى الفعل اربعة مع انه واحد لأن تعدده في الأسماء انما هو باعتبار متعلقه
قلت والنور الذي اشرق من صبح الازل اربعة انوار هي العرش الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته التي هي هذه الاربع المراتب من الفعل
اقول النور الذي اشرق من صبح الأزل مأخوذ من قول امير المؤمنين عليه السلام لكميل (ره) ومعنى ذلك الذي اشرق من المشية وهو نور واحد وهو الوجود وهو الحقيقة المحمدية وهو الماء الا انه بعد ارتباط القابليات به كان اربعة انوار وهذا الانقسام من حكم الحكيم عز وجل بمقتضى القابليات وهذه الأنوار هي مجموع الصفات الرحمانية التي استوى بها الرحمن عز وجل على عرشه اي ظهر بها يعني اظهر آثار سلطانه وقدرته فيها وبها اعطى كل ذي حق حقه بمقتضى قابليته وانما كانت اربعة لأن مقتضى قابليات الوجودات الكونية اربعة الخلق والرزق والموت والحيوة كما قال عز من قائل الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم وهذه الأنوار الأربعة هي العرش فهي اركانه فهو مركب منها فهي العرش وبها ظهر على العرش اذ العرش له اطلاقات وهذه احدها وقولي التي هي هذه المراتب الأربع من الفعل اريد به ان المراتب الأربع من الفعل التي ذكرنا انها تعددت باعتبار متعلقاتها انها بلحاظ تعددها لتعدد متعلقاتها صدر عن كل واحد منها نور وتلك الأنوار الصادرة المتعددة باعتبار قابلياتها هي هذه الأربعة الأنوار التي هي مجموع العرش واركان العرش بمعنى ان العرش مركب منها وينقسم اليها
قلت فالنور المشرق عن المرتبة الاولى هو ركن العرش الايمن الاعلى وهو النور الابيض
اقول الأول من الأنوار الأربعة المشرقة من صبح الأزل النور الأبيض هو المشار اليه في آية النور مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الآية وهو العقل الكلي وعقل الكل كما في الأخبار وكلام الحكماء وهو القلم وهو اول الوجودات المقيدة وهو النور الأبيض ومنه ضوء النهار وعنه تصدر الأرزاق بواسطة ميكائيل لأن ميكائيل يستمد منه في ايصال الارزاق الى المستحقين وطبعه بارد رطب وهو الركن الأيمن الاعلى يعني الأول الباطن وهو اثر المشية من اقسام الفعل
قلت والنور المشرق عن المرتبة الثانية هو ركن العرش الايمن الاسفل وهو النور الاصفر
اقول هذا النور الثاني المشرق عن المرتبة الثانية اعني الارادة التي هي منشأ العين وتمام الخلق الأول وهو الروح المحمدي صلى الله عليه وآله ومن نوره خلقت البراق وهو النور الأصفر قال صلى الله عليه وآله الورد الأصفر من عرق البراق وهو الركن الأيمن اي الأول الاضافي الأسفل اي الباطن الاضافي لأنه تحت النور الأول وظاهره ومنه اصفرت كل صفرة فيما دونه وعنه تصدر الحيوة لكل حي بواسطة اسرافيل لأن اسرافيل يستمد منه الحيوة وبه يفيض الحيوة على ذوات النفوس والأرواح وطبعه حار رطب وهو اثر الارادة من اقسام الفعل
قلت والنور المشرق عن المرتبة الثالثة هو ركن العرش الايسر الاعلى وهو النور الاخضر
اقول هذا هو النور الثالث المشرق عن المرتبة الثالثة من الفعل اعني القدر وهو ركن العرش الأيسر اي الظاهر الاعلى اي الباطن الاضافي وهو النور الأخضر الذي اخضر منه كل خضرة فيما دونه وهو النفس الكلية واللوح المحفوظ وعنه يصدر الموت لكل ذي روح بواسطة عزرائيل لأنه يستمد منه وطبعه بارد يابس وهو اثر القدر من اقسام الفعل
قلت والنور المشرق عن المرتبة الرابعة هو ركن العرش الايسر الاسفل وهو النور الاحمر
اقول هذا هو الرابع وهو النور المشرق عن المرتبة الرابعة من الفعل اعني القضاء وهو النور الأحمر الذي احمرت منه كل حمرة مما دونه وهو الطبيعة الكلية وعنه يصدر الخلق بواسطة جبرئيل عليه السلام لأن جبرئيل يستمد منه في ايجاد الأشياء وطبعه حار يابس قال صلى الله عليه وآله الورد الأحمر من عرق جبرئيل عليه السلام وهو ركن العرش الأيسر الأسفل اي آخرها اعني الأركان وظاهرها وهو اثر القضاء من اقسام الفعل
قلت فالبياض من المشية لكمال البساطة
اقول انما كان النور المشرق عن المشية ابيض لكمال بساطتها وهذا النور اثر البسيط فيكون بسيطا والبساطة تقتضي البياض كما ان التركيب يقتضي السواد وانما قلنا لكمال البساطة لأن جميع الأقسام كلها بسيطة الا ان المشية هو اول الأقسام واول الايجاد فلا يكون وجوده ( وجودها خم ) مترتبا على غيره بخلاف باقي الأقسام فان كلا منها مترتب على ما قبله فلا يكون كاملا في البساطة لما لحقه من الترتب على الغير واعلم ان العلماء اختلفوا في البياض هل هو لون ام لا فقيل انه لون ويدل عليه ما روي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال نور ابيض منه ابيض البياض الحديث فلو لم يكن لونا لما قال عليه السلام منه ابيض البياض اذ قوله عليه السلام منه ابيض البياض دليل على ان البياض لون صبغه صانعه ( صابغه خم ) من مادة البساطة وقيل انه ليس لونا ويدل عليه الرواية الاخرى عنه عليه السلام قوله منه البياض ومنه ضوء النهار فقوله منه البياض يدل على انه صفة الوجود الذاتية اذ مقتضاه البياض لبساطته والحاصل انه على كل تقدير فمنشأه البساطة
قلت والصفرة من الارادة لزيادة الحرارة في البياض
اقول انما كان النور الصادر عن الارادة اصفر لأن المشية لما كان الصادر عنها ابيض وكانت الارادة التي هي تأكيد المشية زيادة طلب وميل وهو يقتضي الحرارة زيادة على المشية وكانت الارادة متعلقة بمتعلق المشية الذي هو قبل تعلقها به ابيض القت الارادة حرارتها على ذلك البياض الذي قلنا ان طبيعته بارد رطب فكان اصفر لانقلاب برودته الى الحرارة فكان حارا رطبا وانما كان الحار الرطب في الكلي اصفر لأنه طبع الحيوة وهو معنى قولي لزيادة الحرارة في البياض
قلت والخضرة من القدر لاختلاط سواد الكثرة من اثر القدر بصفرة اثر الارادة
اقول انما كان النور الصادر من القدر اخضر لأن القدر تصدر عنه الحدود والهيئات وهي كثيرة والكثرة سواد كما ان البساطة بياض فلما كانت الكثرة متعلقة بذلك الأصفر لأن التقدير فيه اجتمع السواد والصفرة والخضرة تتركب ( تركب خل ) منهما وهو معنى قولنا لاختلاط سواد الكثرة من اثر القدر بصفرة اثر الارادة كما ذكرنا قبل ذلك
قلت والحمرة من القضاء لاجتماع بياض المشية بصفرة الارادة في حرارة حكم القضاء بالامضاء
اقول انما كان النور الصادر عن القضاء احمر لأنه مركب من النور الأصفر الصادر عن الارادة ومن بياض النور الصادر عن المشية فهو مركب منهما بحرارة حكم القضاء بالامضاء وهو حتم التكوين واذا اجتمعت الصفرة بالبياض في حرارة معتدلة حصلت الحمرة من الجزئين اعني البياض والصفرة كالزنجفر فانه مركب من الزيبق الأبيض والكبريت الأصفر يوضعان بعد مزج بعضهما في بعض في نار معتدلة ليست بشديدة فيتكون منهما الزنجفر الأحمر وهو تكون طبيعي والعرش مركب من هذه الأربعة الأنوار التي دار عليها الوجود فليس شيء في الأكوان من ذات او صفة غيب او شهادة الا وهو متقوم بهذه الأربعة
قلت ثم اعلم انه اذا اطلق خلق قد يراد به جميع المراتب لصدقه عليها لغة
اقول لما ذكرت تقسيم الفعل باعتبار متعلقه ذكرت هنا جواز استعمال بعضها مكان بعض فقد يطلق خلق الذي هو معنى شاء الكون ويراد منه معنى برء الذي هو معنى اراد ومعنى صور الذي هو معنى قدر وهكذا وذلك جايز بحسب اللغة الظاهرة المعروفة بين الناس وكثيرا ما يخاطب اهل الشرع (ع) المكلفين بهذا لأنهم لا يعرفون الا ما هو لغتهم ومصطلحهم وقد قالوا عليهم السلام انا لانخاطب الناس الا بما يعرفون نعم لو اجتمعت الأفعال المختلفة باعتبار متعلقاتها لزم ان يراد من كل فعل ما يخصه باعتبار متعلقه كما
قلت واذا قيل خلق وبرأ وصور فخلق بمعنى شاء اي اوجد الكون اي الوجود وبرأ بمعنى اراد اي اوجد العين اي الماهية بالوجود وصور بمعنى قدر اي اوجد الحدود
اقول اذا اجتمعت الأفعال دل كل فعل منها على ارادة يخصه ( ارادة ما يخصه خم ) دون ما يصدق عليه لغة فاذا قيل خلق وبرء وصور كان خلق بمعنى شاء وبرء بمعنى اراد وصور بمعنى قدر قال الله سبحانه هو الله الخالق البارئ المصور فترتب الأسماء الثلاثة على معانيها المختصة بها مع الاجتماع والا لما دلت عليها لأنها اذا صلحت لها ولغيرها في الافتراق والاجتماع كانت الثلاثة مترادفة مع انها مختلفة المفاهيم فاذا دلت على معانيها المختصة بها كانت بمعاني ( بمعانيها خم ) افعال تلك المعاني فخلق مع الاجتماع في الآية بمعنى شاء الذي هو الذكر الأول وفيه يوجد الكون اي الوجود الذي هو المادة الاولى عندنا وبرء مع الاجتماع بمعنى اراد وفيه توجد العين اعني الماهية الاولى يعني بالمعنى الأول المتقدم فاذا قلنا الوجود ( فانا قلنا هناك ان الوجود خم ) بالمعنى الأول هو المادة الاولى المسماة في الأجسام مثل الخشب المركب من العناصر الأربعة والماهية الاولى بالمعنى الأول هي الصورة النوعية وهي انفعال المادة وهي اي الماهية الاولى في مثل الخشب الصورة الخشبية واذا قلنا الوجود والماهية بالمعنى الثاني نريد بالوجود الشيء الموجود من حيث هو اثر فعل الله تعالى ونريد بالماهية الشيء الموجود من حيث هو هو فهذا مرادنا من الوجود والماهية بالمعنى الأول وبالمعنى الثاني فتنتبه له فربما نذكر ذلك في موضع لانبينه فلا تغفل وصور مع الاجتماع بمعنى قدر وفيه توجد الحدود والهيئات الذاتية والعرضية العينية والمعنوية
قلت وقال الله تعالى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى اي خلق كونه اي وجوده فسوى عينه بمعنى سوى ماهيته بوجوده اي جعل فيه ما اذا سئل اجاب
اقول هذا معنى ما تقدم وهو مع ملاحظة ما تقدم لا يحتاج الى بيان
قلت وانما جيء بالفاء في عطف التسوية دون الواو لما بينهما من الملازمة كما مر ذكره وهذا في الخلق الاول
اقول هذا جواب عن سؤال مقدر بان قيل لم اتى بالفاء في عطف سوى على خلق وفي عطف هدى على قدر دون الواو ولم يأت بالفاء في عطف الذي قدر على الذي خلق والجواب انما جيء بالفاء في عطف التسوية في قوله فسوى لما بين خلق وسوى من الملازمة لأن خلق اثره الوجود وسوى اثره الماهية اي العين ولا يتحقق في الظهور احدهما بدون الآخر فلأجل عدم انفكاك احدهما عن الآخر وتلازمهما اتى بالفاء الدالة على الترتيب ( الترتب خم ) لأن سوى مترتب على خلق وعلى عدم المهلة لتلازمهما وخلق فسوى يقع في ايجاد المادة والصورة النوعية وهو قولنا وهذا في الخلق الأول
قلت والذي قدر فهدى اي وضع حدوده المتقدم ذكرها وهو الخلق الثاني
اقول قوله تعالى والذي قدر اي اوجد حدود ما اراد تعينه الشخصي وتميزه بمشخصاته التي هي تلك الحدود المتقدم ذكرها من الأمور الستة والوضع والأجل والكتاب والاذن وقوله فهدى في تقديره لأنه اجرى تقديره على ما يقتضي الهداية لأن تقديره على نوع التعريف فيقتضي الهداية ببيان طريق الخير والشر فاما من قبل طريق الخير فلامتثاله مقتضي التقدير فكان بالتقدير سالكا طريق الخير واما من ترك امتثال مقتضي التقدير بعد التعريف لا يجوز له التقدير بمشخصات انكاره بعد الهداية الى طريق الاجابة فكان بالتقدير الجاري على حسب قبوله سالكا طريق الشر فقد هدى للخير بتقديره وانما ضل من ضل بتركه مقتضى التقدير بعد البيان واليه الاشارة بقوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وقوله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون فأبان سبحانه بان الهداية في تقديره وهي تقتضي بيان طريق الخير والشر ليكون المكلف مختارا بتمكينه من فعل الطاعة وفعل المعصية وذلك البيان والتعريف في هذا التقدير فهما متساوقان في الظهور وان كان التقدير سابقا في الذات ولاجل هذا عطف بالفاء المفيدة للترتيب بلا مهلة والتقدير اول الخلق الثاني وتمامه في القضاء وكماله في الامضاء ( بالامضاء خم )
قلت فهدى اي دل على سبيل الهدى وعطف بالفاء لان القدر به السعادة والشقاوة
اقول فهدى اي دل على سبيل الهدى الى آخره كما ذكرنا معناه قبل هذا
قلت ففيه دل على الهدى فهما متساوقان في الوجود وان كانت الهداية مغايرة ومتأخرة في الذات فعطف بالفاء
اقول قد تقدم ايضا بيان هذا قبل هذا
قلت ثم ان مراتب الفعل بجميعها اختراع وابتداع
اقول معنى هذين اللفظين قيل واحد وهو ايجاد المفعول لا من شيء قبله ليس بمحدث وقيل اخترع الشيء لا من شيء وابتدعه لا لشيء وهما مرويان وقيل الاختراع للكون والابتداع للعين فمعنى الأول شاء ومعنى الثاني اراد ويأتي تمام ما نريد بيانه منهما ان شاء الله
قلت وقد يطلق احدهما على الاخر كالمشية والارادة وكالفقير والمسكين في باب الصدقات وكالجار والمجرور عند النحاة فان افترقا اجتمعا فاذا قيل لك اعط الفقير خمسة دنانير لم تجب عليك التفرقة وكذا اعط المسكين ففي الحالين ايهما اعطيت كفاك واذا - قلت زيد في الدار فان - قلت زيد مبتدء والجار خبر صح او المجرور خبر صح وتقول اخترع اي ابتدع وبالعكس وشاء اي اراد وبالعكس واذا اجتمعا افترقا تقول اخترع وابتدع اي اخترع لا من شيء وابتدع لا لشيء واخترع الكون وابتدع العين وتقول شاء الكون واراد العين فاخترع بمعنى شاء لا من شيء وابتدع بمعنى اراد لا لشيء واذا قيل اعط الفقير خمسة دنانير والمسكين اربعة دنانير وجب التفرقة وبيان ذلك في الفقه والاصح عندي ان المسكين اسوء حالا واذا قيل الجار والمجرور فرق بينهما وهو ظاهر
اقول ان هذا الكلام كله ظاهر لأن المطلوب من هذا الشرح هو بيان المشكل وفتح المغلق لا تفريع على ما ذكر ولا تأسيس ما لم يذكر وتكثير التمثيل وتكرير القيل مبالغة في البيان
قلت واعلم انه قيل ان الاختراع اختراعان والابداع ابداعان
اقول هذا قول علماء الجفر ولهم على هذا التقسيم تفاريع واحكام يذكرونها في كتبهم لأنه راجع الى فعلية الحروف والحروف عندنا ما كان معنويا فهو قسمان قسم هو وجوه المشية والارادة والقدر والقضاء وهي بلا شك افعال حقيقية جزئية وقسم هو مفعول وهو فعل كالعقول والنفوس والملئكة فانها من المفعولات وبها يفعل الله سبحانه ما يترتب عليها وما تكون عللا له واسبابا لايجاد مواده او صوره الجنسية او النوعية او الشخصية او لهما معا فهي من هذه الجهة افعاله تعالى او محال افعاله او وسائط افعاله كما قال امير المؤمنين عليه السلام والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث يعني عليه السلام النفوس ونفوس الملئكة وما كان لفظيا فهي افعال ظاهرية كما روي عن الرضا عليه السلام ان الله سبحانه خلق الحروف وجعلها فعلا منه والمراد انه يقول للشيء كن فيكون فكن فعله ولكنه متضمن للفعل لأن الايجاد صنع وهو في الحقيقة غير اللفظ الا انه لما كان الظاهر اذا تم اقتضى وجود الباطن وتعلقه به كالجسم للانسان اذا تمت خلقته من آلات الروح وما يتوقف عليها حتى ظاهر ظاهره كالشعر اقتضى وجود الروح وتعلقها به كانت الحروف اذا رتبت على نظمها الطبيعي من المناسبات الذاتية بين بعضها بعضا في الصور والعدد والطبايع والتواخي والتباغض والنظائر ونظائر النظائر والقوى وما اشبه ذلك كالترفع والتنزل والتبديل والتوليد من بعضها لبعض والقلب والطمس والفتح والحركات والتفخيم والترقيق والشدة واللين والتوسط والجهر والهمس والقلقلة وما اشبه ذلك مما يذكرونه في كتبهم اقتضت وجود افعالها الباطنة الصنعية وتعلقها بها وارتباطها بما عملت له حتى تظهر آثارها على اكمل وجه واسرع وقت فلأجل ذلك اجروا فيها احكام الاختراع والابداع وصفاتهما فقسموا الاختراع والابداع باعتبار التوليد والتأثير الى قسمين كما سمعت وتفصيل ذلك عندهم مذكور في كتبهم وانما ذكرت الاشارة الى ذلك لأجل بيان انها عند اهل العصمة عليهم السلام قد تنسب اليها افعال الله سبحانه
قلت فالاختراع الاول المشية وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون
اقول هذا البيان مركب من المستفاد من كلام الائمة عليهم السلام ومن اصطلاح علماء الجفر لأن المقصود بيان الفعل على سبيل الاشارة بما يصلح على القولين وانما فسرت المشية التي جعلتها ( جعلها خل ) عبارة عن الاختراع الأول بانه خلق ساكن لا يدرك بالسكون مع ان هذا وارد في وصف القسم الثاني الذي هو الابداع كما هو مروي عن الرضا عليه السلام لأن هذا الوصف جار لمطلق الفعل الشامل للقسمين لأن المراد بمعنى هذا الوصف ان الفعل مخلوق بنفسه قد اقامه الله سبحانه بنفسه فاستقلاله بنفسه وتمامه بنفسه عبارة عن كونه ساكنا اي ليس محتاجا في ايجاده الى فعل آخر يكون محدثا به بل هو محدث بنفسه فهو اذن ساكن وهذا المعنى لا يعرف بالسكون الذي هو ضد الحركة لأن هذا والحركة محدثان به فلا يجريان عليه ولا يتصف بهما
قلت والاختراع الثاني الالف من الحروف
اقول يحتمل انهم ارادوا بالألف الألف المطلقة الشاملة لللينية والمتحركة كما هو مختار الجوهري في الصحاح فيكون تعداد الحروف على هذا جاريا على ما ذكره اهل تهامة من عدهم الحروف تسعة وعشرين بجعل لامالف بعد الهاء وقبل الياء في ترتيبهم حرفا فيقولون ك ل م ن وه لا ي وهذه آخر التسعة والعشرين واولها ا ب ت ث ج ح خ الخ فيجعلون الألف اللينية من جملة الحروف وذكر بعض اهل الجفر ان عددهما واحد وكذا بعض علماء التجويد ويحتمل انهم ارادوا بها الألف المتحركة التي هي اول الحروف المسماة بالهمزة وهي اول الحروف مما يلي الجوف واما الألف اللينية فليست من ساير الحروف وانما هي ام الحروف وهيولي جميعها وهي تمتد من الجوف الى الهواء وليس لها مخرج كساير الحروف وجميع الحروف شعب منها ويشار بها الى النفس الرحماني الذي هو اول صادر عن الفعل او الى الفعل الذي برزت الأشياء على صفاته والمتحركة يشيرون بها الى العقل الكلي الذي هو اول الحروف الكونية بحكم ان التدويني مطابق للتكويني وهذا هو المشهور بين اهل العلم فعلى هذا تكون الألف المتحركة اعني الهمزة هي الاختراع الثاني لأنه مخترع بالاختراع الأول الذي هو المشية في الخلق التدويني كما ان العقل الكلي هو الاختراع الثاني في الخلق التكويني وهو مخترع بالمشية في الخلق التكويني وبالألف المتحركة اخترعت الباء لأنها تكريره بمعنى انها انبساط الألف اللينية بعد امتدادها فيه اخترعت الباء كما ان بالعقل اخترعت النفس الكلية لأنها تنزله فهو الاختراع الثاني المعنوي والألف المتحركة الاختراع الثاني اللفظي فالباء مركبة من انبساط الألف المتحركة بعد قيامها فلذا كان عدد الباء اثنين اشارة الى الرتبتين والنفس مركبة من انبساط العقل بتكثر الصور من معانيه بعد وحدته كذلك فالاختراع الأول هو المشية به اخترعت الألف المتحركة التي يشار بها الى العقل الكلي والاختراع الثاني هو الألف المتحركة المشار بها الى العقل الكلي بها اخترعت الباء المشار بها الى النفس الكلية لأنها اخترعت بالعقل الكلي وهذه النفس هي اللوح المحفوظ وروي عن النبي (ص) قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم واعلم ان الألف اللينة صورة بلا حركة والألف المتحركة حركة بلا صورة ولما كانت الحروف اللفظية الفاظا وارادوا تسميتها ليتميز بعضها عن بعضها والأسماء ايضا الفاظ وقد اقتضت الحكمة ان تكون بين الألفاظ ومعانيها مناسبة ذاتية كما هو الأصح في المسئلة لأن الاسم ظاهر المسمى وصفته ولأنه ابلغ في التميز بالعلامة التي هي الاسم مع قدرة الواضع سبحانه على ذلك ولأنه اكمل فعدمه مع امكانه نقص في الصنع ولا يجوز عليه سبحانه وجب ان يجعلوا المسمى في الاسم اذ لا يمكن المناسبة الذاتية بينهما اذا كانا من نوع واحد واحدهما بسيط لكن جعله في الاسم ابلغ من المناسبة الذاتية في الدلالة وانما جعل في اول الاسم لأنه المسمى وله رتبة الموصوفية وللاسم رتبة الصفة والموصوف مقدم في الرتبة والوجود على الصفة ولما ارادوا تسمية الألف اللينة على القاعدة المذكورة وهي صورة لا حركة لها استعاروا لها الألف المتحركة وهي حركة لئلا يلزم الابتداء بالساكن فجعلت على الألف اللينة فقيل الف ولما ارادوا تسمية الألف المتحركة لم يبق لها شيء لأنها انما هي حركة وقد اخذت اللينة فاستعاروا الهاء لها لأنها اقرب الحروف اليها في المخرج كما استعاروا للألف اللينة تلك الحركة تسمى بالألف المتحركة لأنها اول ناش من الحروف عنها وهذه الألف المتحركة قد قلنا انها حركة بحت ولا صورة لها واذا ارادوا كتابتها استعاروا الألف اللينة لها في مقابلة استعارتها لها في التسمية ولما كانت كل واحدة تحتاج الى الثانية في حالة اطلقت احديهما على الاخرى وسميا باسم واحد كما قاله الجوهري في الصحاح لاشتراكهما في الصورة النقشية وكما قال اهل الجفر لاشتراكهما في العدد
قلت والابداع الاول الارادة وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون
اقول هو فعل الله وهو الارادة على فرض ان بينه وبين الاختراع فرقا وان الاختراع هو المشية واما انه خلق ساكن لا يدرك بالسكون فمعناه ما ذكرناه في الاختراع وقد تقدم في ذكر الاحتمالات في انه هل هو الاختراع او ان الاختراع خلق الشيء لا من شيء والابداع خلقه لا لشيء او ان الاختراع خلق الكون والابداع خلق العين كما قلنا في المشية والارادة لأنهما هما
قلت والابداع الثاني الباء من الحروف
اقول هذا الاصطلاح الذي ذكره علماء الجفر جريه على الاحتمال الاخير وهو ان الاختراع خلق الكون والابداع خلق العين اولى واظهر ليتجه كون الباء التي هي اللوح المحفوظ المبدع بالابداع بواسطة الألف المتحركة التي هي العقل الكلي ابداعا لما دونها من الحروف اللفظية كما ان اللوح المحفوظ ابداع لما دونه من الحروف الكونية مع انه مبدع بالاختراع بواسطة العقل الكلي
قلت وذلك لان الابداع والاختراع اول ما خلق الله خلقه بنفسه ثم خلق الحروف بالابداع وجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون
اقول انما قلنا ان الألف مخترع بالاختراع وهو اي الألف اختراع ايضا وقلنا ان الباء مبدعة بالابداع وهي ايضا ابداع ثاني ( ثان خل ) لقول الرضا عليه السلام على ما ذكره لعمران الصابي كما ن- قلته بالمعنى وهو قولي لأن الابداع والاختراع اول ما خلق الله خلقه بنفسه ثم خلق الحروف بالابداع وجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون
قلت فيشار بالكاف الى الاختراع اي المشية وهي الكاف المستديرة على نفسها لانها منشأ الكون وبالنون الى الابداع اي الارادة لانها هي منشأ العين
اقول هذا تفريع على ان الحروف اللفظية مظاهر للحروف الكونية وانها مواد افعاله اللفظية المتضمنة لأفعاله المعنوية فيشار بالكاف الى الاختراع اي المشية الخ بناء على الاحتمال الأخير ومعناه ظاهر
قلت وبين هذين الحرفين حرف حذف للاعلال فهو ثابت باطنا وان حذف ظاهرا للاشارة الى بيان المراد منه وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي
اقول بين الكاف والنون من كن حرف حذف للاعلال وهو التقاء الساكنين لأن النون آخر الأمر فلما بنيت على السكون التقي ساكنان الواو والنون فحذف الواو لأنه حرف العلة وهذا المحذوف اعني الواو عددها ستة اشارة الى الستة الأيام وهي الأمور التي هي اصول الحدود وهي المذكورة سابقا الكم والكيف والمكان والوقت والرتبة والجهة وما يتبعها لاحق بها داخل في ضمنها كما تدخل احوال الانسان في تخلقه في الستة الأيام من اطواره ما بين كل يومين مثلا الستة الأيام في تخلق الانسان يوم الأحد وهو يوم النطفة ويوم الاثنين وهو يوم العلقة ويوم الثلثا وهو يوم المضغة ويوم الأربعاء وهو يوم العظام ويوم الخميس وهو يوم يكسى لحما ويوم الجمعة وهو يوم ينشأ خلقا آخر وما يتبعها من الاحوال المتخللة بين كل يومين ولما كان الشيء انما يظهر منه المادة والصورة اللتان هما الوجود والماهية وما سواهما غير ظاهر وان كان موجودا في خلقته وجب ان يكون ما يدل على المادة وهي الكاف وما يدل على الصورة وهي النون ظاهرين وما يدل على الستة الأيام وهو الواو غير ظاهرة لأن الستة الأيام غير ظاهرة في الشيء وذلك لاستقلاله في ظهوره بمادته وصورته كما استقل الأمر في ظهوره بالكاف والنون ولم يحتج في الظهور عند بناء كلمة الأمر الى ظهور الواو وقولي للاشارة الى بيان المراد منه اريد به ان الواو انما حذفت لبيان المراد من الواو ومن الحذف والمراد هو انه خاف في الظهور كما ان الستة الأيام في الشيء مع وجودها خافية لا تظهر كظهور المادة والصورة هذا بالنسبة الى المشاء واما بالنسبة الى المشية فالمراد من الواو الخافية في الأمر ( الأمر الذي خم ) هو صورة الوجود الخافي في المشية بعد ان قبض ذلك الفعل الذي هو المشية باذن الله تعالى من رطوبة هباء الامكان اربعة اجزاء ومن يبوسة ( يبوسته خم ) جزءا فانحلا في صنعه ماء ثم ساقه الى قوابله كالواو في الأمر اللفظي فان ذلك الماء حين قبضه الفعل للتقدير كان كامنا في الصنع ككمون الواو في لفظ كن فيكون مرادي من قولي للاشارة الى البيان ( بيان خم ) المراد منه الوجهين الكمون في المشية وانه هو الماء اعني الوجود والكمون في المشاء وانه الماء في المشاء وانه هو بلة الماء اي رطوبته التي هي صفته وبها تقومت مادته في الظهور وهي كامنة في المشاء وكذلك حكمه في المشية وان كان على نوع الاعتبار من ملاحظة متعلقها كما ذكرنا سابقا وكمونه اشارة الى كمونها في المشاء لأنها مشخصاته وفي المشية لأنها اثرها وهي الماء وهذا على اللحاظين
قلت وهو الوجود وهو الدلالة من اللفظ وهو الماء من السحاب
اقول بناء على لحاظ الكمون في المشية وهو الخفاء في صنعها وتقديرها تكون الواو اشارة الى الماء والخفاء اشارة الى خفاء الماء الذي هو الوجود في صنع المشية كخفاء الماء في السحاب وكخفاء الدلالة في اللفظ حتى يتم فاذا مثلت المشية بالسحاب مثل الوجود بالماء واذا مثلت بالكلمة مثل بالدلالة وهو معنى قولي وهو الوجود يعني من المشية والدلالة من اللفظ والماء من السحاب
قلت وهو الاجزاء الدخانية المستضيئة عن النار بحفظ الكثافة الدهنية المقاربة للدخانية
اقول اذا مثلنا المشية بالنار كما قال تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار كان الوجود هو الأجزاء الدخانية المستضيئة عن النار لأن نفس الأجزاء مثل الماهية والاستضائة القائمة بها مثل الوجود المشار اليه لكن الاستضائة لا تتقوم الا بالكثافة الدخانية فلذا قلنا وهو الأجزاء الدخانية المستضيئة يعني استضائة الأجزاء والا فالأجزاء نفسها مع قطع النظر عن استضائتها ليست مثلا للوجود وانما هي مثل للماهية لأنها هي الزيت المشار اليه في الكتاب وقولي بحفظ الكثافة الدهنية المقاربة للدخانية اريد ان الكثافة ( الكثافة الدخانية خم ) التي يعبر عنها بالماهية والقابلية وهي من الزيت وهي المنفعلة بالاستضائة عن النار لا بقاء لها الا بالكثافة المقاربة في التكليس بالنار للدخانية وهي التي تراها في السراج تنش لتلاشى رطوبتها فهي تمد الدخان كل ما جف منها جزء كان دخانا واستضاء فهي الحافظة للدخانية بمددها وفي هذا اشارة الى عدم استغناء الحادث عن المدد في البقاء فهو ابدا قائم في بقائه كاول صدوره وهو معنى قيام الصدور الذي نريده هنا
قلت وذلك الحرف هو الواو والاصل قبل حذف الاعلال كون وهو الستة الايام التي خلق فيها الشيء
اقول ذلك المحذوف من كون ( كن خل ) هو الواو وهو ظاهر وقولي وهو الستة الأيام التي خلق فيها الشيء اريد به بيان الاقتباس من قوله تعالى خلق السموات والأرض في ستة ايام يوم العقل ويوم النفس ويوم الطبيعة ويوم المادة ويوم الصورة ويوم الجسم وهي مراتب الوجود المصنوع واطواره كما قلنا في الانسان سابقا والواو بقواها تشير الى هذه الأيام التي صنع فيها يعني مراتبه واطواره
قلت ومعنى ان الالف هي الاختراع الثاني انها نزلت بتكررها فكانت عنها الباء فالباء تاكيدها لان نزولها انبساطها هكذا وقد كانت قائمة هكذا
اقول معنى كون الألف الاختراع الثاني لأنها فعل ثان والفعل الأول الاختراع الأول المعبر عنه بالمشية والألف وان كانت مفعولا من حيث حدوثها عن المشية الكونية الا انها حدثت عنها الباء المشار بها الى اللوح المحفوظ كما مر وحدثت عنها بواسطة الباء الجيم كما يأتي فلذا كانت اختراعا لأن الله سبحانه اخترع بها الباء وقد ذكرنا في هذا الكتاب وغيره ان الفعل قسمان فعل بنفسه وفعل بغيره والألف من الفعل القسم الثاني وكيفية ذلك الاختراع انها تنزلت اي تكررت فكانت الواحدة اثنين ( فكان الواحد اثنين خم ) لأن ذلك النزول انها كانت قبله قائمة وهي الحالة الاولى حالة الوحدة ثم انبسطت فكانت الحالة الثانية وهو معنى الباء وصورة القيام هكذا كناية عن بساطتها وصورة الانبساط هكذا كناية عن الكثرة والتعدد ومثال ذلك في مراتب الانسان واطواره النطفة فان صفتها القيام المكني به عن البساطة اذ هي شيء واحد ليس فيه مغايرة ولا اختلاف فهي مثال الألف الذي يشار به الى العقل فانه ايضا يقال الألف القائم ويراد به العقل الكلي كما قال شاعرهم :
يا رب بالألف التي لم تعطف وبنقطة هي سر تلك الأحرف
ويراد بالنقطة الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وفلك الولاية المطلقة والعظام اذا كسيت اللحم فان صفتها الانبساط المكني به عن الكثرة والتعدد والمغايرة لأن العظام اذا كسيت اللحم تمت الخلقة فكان رأسه غير يديه ورجليه وعينيه وكل شيء منه غير الآخر فكان متغايرا متكثرا متعددا فهي مثال النفس المعبر عنها باللوح المحفوظ المشار اليها بالباء المسماة بالألف المبسوطة كما قال تعالى وكتاب مسطور في رق منشور وهذا معنى المبسوط المراد هنا فانه كناية عن التعدد والكثرة والمغايرة فكانت هيئة صورة نفس الباء هكذا عبارة عن الكثرة والمغايرة بالنسبة الى الألف لأنه حالة واحدة ويعبر عنها بالبساطة وللباء حالتان كانت قائمة ثم انبسطت
قلت وانعطفت على الباء ومالت فحدثت الجيم هكذا
اقول يعني ثم انعطفت الألف على الباء بعد تحقق الباء بتنزل الألف فحدثت عن الألف الجيم بواسطة الباء لأن مرادنا بتنزل الألف ظهورها بطور من اطوارها ولا نريد انها انقلبت باء بحيث لم يبق الف بعد الباء فلا يقال ما هذا الذي مال على الباء لأن تنزلها في الباء او بالباء وبالجيم وغيرهما كل ذلك باطوارها فلما مالت على الباء اعني الألف المبسوطة ميلا لا يبلغ الانبساط حدثت بها بواسطة الباء الجيم هكذا ولو كان الميل هنا يبلغ الانبساط هكذا لكانت الألف باء على باء فحينئذ تحدث الدال لا الجيم والسر فيه ان الجيم احمر والألف ابيض فبمجرد الميل كان اصفر والصفرة اول مراتب الباء كما ان المضغة اول مراتب العظام المكسية لحما فحلت الصفرة فيه فاجتمع البياض مع الصفرة فحدثت الحمرة التي هي طبع الجيم وهذا جار على ترتيب البروج لا على العناصر كما هو مذكور في محله فلذلك قلنا ان الجيم حدثت بميل الألف على الباء اي من ميل صورة الألف الى صورة الباء في الظاهر وفي التأويل صورة الباء هي الصفرة لأن الميل حال ثان بعد البساطة
قلت ومعنى ان الباء الابداع الثاني انها تنزلت بتكررها فكانت عنها الدال هكذا ومالت على الجيم فكانت الهاء هكذا
اقول معنى ان الباء ابداع ثان لأن الفعل هو الابداع فحدثت عنه الباء وحدثت عنه الدال بواسطة الباء فكانت ابداعا ثانيا والفعل ابداعا اولا ودليل كونها ابداعا ثانيا انها تنزلت بتكررها على نحو ما ذكرنا فكانت عنها الدال اي فكانت الدال بالابداع الأول بواسطة الباء فمادة الدال طوران من اطوار الباء وقولي هكذا تمثيل لصورة تنزل الباء في تكررها وهو كناية عن تنزل الجواهر النفيسة في جواهر الهباء التي هي المواد وصورتا الباء اللتان حدثت الدال عنهما مبسوطتان على الاستقامة الا ان ابتدائيهما اعني طرفيهما الأولين مايل كل واحد منهما على جهة الآخر لما بينهما من التوافق لكونهما من شيء واحد وهو الباء ومن كونهما ابداعا ثانيا ايضا انها مالت على الجيم بنحو الميل المذكور في ميل الألف على الباء في تكون الجيم فكانت عنها الحال ( الحاء خل ) هكذا فالمايل الأول على الباء هو الألف بوحدته لأنه في اول الدور الثاني وذلك لأن الألف في الدور الأول مالت بوحدتها ( اولا خل ) على الباء فكانت الجيم ومالت ثانيا في الدال بتكرره الذي هو الباء على الباء فكانت الدال وفي الدور الثاني مالت بوحدتها اولا على الباء فكانت الجيم وبتكررها ثانيا على الجيم فكانت الهاء
قلت وانما كان ميل الباء مخالفا لميل الالف لان الالف قائم وميل القائم الى الانبساط والباء مبسوط وميل المبسوط الى الركود
اقول هذا جواب عن سؤال مقدر وتقديره اذا كانت الباء هي ميل الألف فلا ميل لها زائدا على انبساطها والجواب ان الميل اذا كان الى ما هو دون المائل يكون بحال انزل من حاله ( حالة خل ) الاولى فالألف لما كان قائما يميل بالانبساط والمنبسط يميل بالانحطاط فيكون لها ميل بانحطاط طرفها الأخير الى طرف الجيم الأخير فتحدث الهاء وهكذا تأثير الألف والباء في ساير الحروف بنوع ( بنحو خم ) ما سمعت وهو مفصل في محله من علم الجفر وعلم الخط
قلت ثم اعلم ان هذه الحروف التي هذه الحروف اللفظية مظاهرها قسمان احدهما المرتبة الثالثة من مراتب الفعل وهو السحاب المزجي والثاني افراد الفعل في فعل الشيء
اقول هذه الحروف اللفظية مظاهر الحروف المعنوية واذا اطلقت اريد بها احد اشياء لكن المقام يقتضي اثنين لأنا في باقي الكلام على الفعل وقد اصطلحنا على رتبتين منه بتسميتهما حروفا وذلك بلحاظ انه الكلمة التامة ولها حينئذ اعتباران احدهما في اعتبار بدء كونها بنفسها كما مر ذكره فانا قسمنا ذلك البسيط باعتبار متعلقه المتكثرة ( المتكثر خم ) عند تعلقه به على اربعة اقسام احدها النقطة والرحمة وثانيهما الألف والنفس الرحماني الاولى وثالثها الحروف والسحاب المزجي ورابعها الكلمة التامة فاطلقنا الحروف على الرتبة الثالثة كما تقدم وثانيهما ان هذه الكلمة هي الكلمة التي انزجر لها العمق الأكبر ولها وجوه وهي تعلقاتها بالأشياء فكل شيء كلي او جزئي كبير او صغير لها به تعلق خاص به لا يصلح لغيره وتلك الوجوه حروف من تلك الكلمة كما نسميها بانها وجوه منها ورؤس لها كما يأتي
قلت وذلك لان فعل الله سبحانه لجميع الاشياء فعل واحد يجمعها على كثرتها في وحدته قال تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة
اقول ان فعل الله واحد كما قال تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وقوله كلمح بالبصر يشير به الى دقيقة لأنه لما كانت الأشياء تنقاد له كلمح البصر دل على انه لا يحتاج الى التكرار ولا التأكيد ولا التشديد لأن هذه وامثالها تقتضي التعدد والمعالجة الموجبة لتكثر الفعل فاخبر تعالى بنفي ذلك بدلالة انقياد الأشياء لأمره كلمح البصر ( بالبصر خل ) المستلزم لكمال البساطة والوحدة وكذلك قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فان فيه تنبيها على شيئين احدهما هذا المعنى والثاني ان الأشياء نفس واحدة لأن العالم اعني ما سوى الله شيء واحد في صورة رجل بل خلق الله الانسان على صورته فهو انموزج منه والفعل تعلق به كتعلق وجه من وجوه الفعل يزيد في ايجاده فلذا قال تعالى ما خلقكم جميعا كل شيء في مكان حدوده ووقت وجوده ولا بعثكم الا كنفس واحدة يعني كخلق زيد وعمرو ولا ريب ان الوجه المختص بصنع شيء لا يصلح لغيره لاعتبار الوحدة فيه التي هي مناط التعيين فكذلك العالم كله فكما يكون في ايجاد زيد من الدفعة والتدريج في اجزائه واوصافه كذلك في العالم الكبير من الدفعة والتدريج والترتيب وغيرها
قلت وله باعتبار تعلقه بكل فرد من افراد الموجودات ذات او صفة رأس يختص به هو مشية الله الخاصة به
اقول للفعل الذي هو المشية في الكون الذي هو الوجود وهو الارادة في العين التي هي الماهية والانية وهو القدر في الحدود والتعيين وهو القضاء في الاتمام وهو الامضاء في الاعلام بكسر الهمزة باعتبار تعلقه بايجاد كل فرد من افراد الموجودات من ذات او صفة غيب او شهادة وجه ورأس يختص بايجاد متعلقه من جزئي او كلي ومن كل او جزء على وجه هو مراد الله من ذلك وذلك الفعل هو مشية الله الخاصة به فاذا لحظت ان المشية الكلية كلمة الله - قلت هذا الرأس المختص بهذا الشيء هو حرف من حروف تلك الكلمة وان سميته ابنا والكلية ( الكلمة خم ) آدم الأول وهو ابو ذلك الابن جاز وان سميته رأسا من حيث ان تلك الكلمة الكلية ملك او ذات هي برزخ البرازخ جاز وان سميته وجها لذلك الشخص لأنه توجه منه خاص بذلك الشيء المحدث به جاز وان سميته وجها لرأس كلي اضافي منها جاز وهكذا
قلت فهذه الرؤس حروف باضافة كل رأس الى فرد من الخلق اذا نسبت الى الفعل المطلق والخلق من جهة الافراد حروف بالنسبة الى المجموع
اقول هذا تفريع على ما تقدم من كون تلك الجهات الجزئية المختص كل واحد منها بمشاء تسمي حروفا ولهذا اذا نسبت تلك الأفعال الجزئية الى الفعل المطلق الكلي وكذلك متعلقات هذه الأفعال الجزئية بالنسبة الى المجموع من المخلوقات تسمي حروفا وهذا ظاهر يعرف مما تقدم
قلت وكل فرد منها باعتبار اسبابه وشروطه ومقوماته المذكورة من الوجود والماهية والستة المذكورة والوضع والاجل والكتاب والاذن وغير ذلك ونهايات هذه الاشياء المذكورة واعراضها واشعتها الى انقطاع وجوداته كل واحد بوجه مختص به من ذلك الرأس المختص بذلك الفرد من الفعل الكلي نسبة كل وجه الى ذلك الرأس كنسبة ذلك الرأس الى الفعل الكلي
اقول وكل فرد منها باعتبار اسبابه اي كل واحد من المفعولات باعتبار كونه فردا اذا لوحظت اسبابه اي اسباب تمكينه وتكوينه وتكونه من الامكانات وعلل الأكوان وشروطه التي يتوقف عليها كونه مما ليس من ذاتياته ومقوماته المذكورة سواء كانت من ذاتياته ام لا من الوجود ومن هنا بيانية يعني بيان المقومات ( يعني انها بيان للمقومات خم ) مطلقا والمراد بالوجود هنا ما هو بالمعنى الأول اعني المادة ولا يدخل على الظاهر الوجود بالمعنى الثاني اعني كونه اثرا اذ لا تتقوم بنيته بكونه اثرا وان كان في الحقيقة لا يتحقق له شيئية اصلا الا بذلك والماهية عطف على الوجود والمراد بها الماهية على المعنى الأول اعني الصورة وانفعال الوجود والكلام فيها على المعنى الثاني اعني هوية الشيء وانيته كالكلام في الوجود على ما حققناه في شرح مشاعر الملا صدرا في ابطال قول صاحب الاشراق انه تعالى لم يجعل المشمش مشمشا والستة المذكورة اعني الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة والوضع بمعانيه الثلاث وهي الحيز للجوهر الفرد وترتيب بعض اجزاء الشيء على بعض وترتيب اجزائه بالنسبة الى ما خرج عنه والأجل ابتداء الشيء ومدة بقائه ووقت انقضائه والكتاب اعني اثبات الشيء واعراضه واسبابه ومسبباته واوضاعه وما يترتب عليه وينسب اليه مطلقا في الواح الأكوان من الذوات والأعراض والعكوسات وما اشبه ذلك مما له مدخل في القضاء والامضاء والاذن فيما قضى له الانتقال اليه باسبابه وما يترتب عليه وغير ذلك مما يطول ببيانه الكلام ونهايات هذه الأشياء اعني الستة المذكورة وما بعدها مثل كم الكيف وكيف الكيف وكيف الكم وكم الكم وهكذا في ساير ما ذكرنا فان كل واحد منها يجري عليه كلها باعتبار ويكون ذلك بنوع التضايف والتساوق والاتحاد واعراضها واعراض اعراضها واشعتها واشعة اشعتها واشعة الأعراض واعراض الأشعة الى انقطاع وجوداته الى ان تنتهي نسب كل واحد منها واوضاعه ومضافاته الداخلة والخارجة كل واحد من هذه الحوادث المشار اليها متعلق بوجه مختص به لا يصلح لغيره الا مع تغييرها ( تغيير ما خم ) فانه حينئذ يصدق عليه الغيرية فيتعلق به اي بذلك مع تغيير يلحقه بنسبة ما يلحق متعلقه من ذلك الرأس المختص بذلك الفرد يعني ان ذلك الوجه الذي تعلق بخنصر زيد مثلا غير ما تعلق ببنصره الا انهما وجهان من الرأس المختص بزيد وهذا الرأس من الفعل الكلي اعني المشية الكونية الكلية المتعلقة بجميع ما سوى الله تعالى من الكائنات ونسبة ذلك الوجه الى الرأس الذي هو منه كنسبة الرأس الى الفعل الكلي ومثال الكلي كالشجرة والرؤس كالأغصان والوجوه كالورق وهذا مجمل والا فالرؤس لها وجوه وهي رؤس لوجوه دونها كالشجرة فان الأغصان الكبار رؤس لها ولكل رأس وجوه وهي اغصان صغار فان الغصن الكبير فيه اغصان صغار وتلك الأغصان الصغار فيها ايضا غصون اصغر منها في كل غصن حتى تنتهي الى غصن ليس فيها الا الورق
قلت فهذه حروف لهذه الكلمة والكلمات الجزئية حروف للكلمة الكلية
اقول هذا تفريع على ما ذكرناه وهو مبني على تسمية الفعل بالكلمة التامة لأن الكلمة مركبة من حروف وقد يكون الجزء حرفا باعتبار وكلمة باعتبار آخر فالوجه على تسميته بالشخص حرف من الكلمة التي هي الرأس وهو اي الرأس الذي هو الكلمة الجزئية حرف من الكلمة الكلية
قلت فهذا الحكم جار لكل مرتبة من مراتب الفعل في كل مفعول متبوع او تابع او مساوق او مساو
اقول يعني ان الحكم باختصاص بكل محدث بقدره من الفعل في الكل والجزء والكلية والجزئية والذاتية والعرضية فايجاد الكل بكل من الفعل والجزء بجزء منه والكلي بكلي والجزئي بجزئي والذاتي بذاتي والعرضي بعرضي كل بحسبه سواء كان المفعول متبوعا كالموصوف او تابعا كالصفة او مساوقا كالفعل والانفعال او مساويا كزيد وعمرو
قلت فالفعل بالنسبة الى من دونه ذات واحدة استفادت الذوات من ذاتها تذوتاتها والصفات من هيئاتها تذوتاتها ومن صفاتها توصيفاتها
اقول الفعل ذات واحدة لأنه اول الآدميين الذين هم الف الف آدم في الف الف عالم آخرهم ابونا آدم عليه السلام الذي هو مخلوق من التراب فهذا آدم الأكبر خلقه الله سبحانه بنفسه واقامه بنفسه وامسكه بنفسه فهو قائم بنفسه قياما ركنيا وجميع الذوات القائمة بموادها انما استفادت التذوت منه كما استفادت الكتابة التذوت اي التشخص والتعين من هيئة حركة يد الكاتب وفي هذا تلويح بل تصريح بفساد قول من قال ان الفعل معنى نسبي لا تحقق له وانما التحقق والتذوت للفاعل والمفعول والحق ما ذكرناه وان كان الفعل ايضا استفاد الذاتية والشيئية من الله سبحانه بمعنى ان الله سبحانه افاده الذاتية لا من ذاته تعالى اذ لا يخرج من الأزل شيء ولا يدخل شيء ولا من ذات غير ذات الفعل والا لكان معه تعالى غيره قديم بل اخترع سبحانه ذات الفعل لا من شيء بذات الفعل فاقامه بنفسه على نحو ما ذكرنا في هذا الشرح سابقا وفي كثير من رسائلنا فافهمه راشدا فانه دقيق جدا والحاصل ان الذوات انما كانت ذواتا بكونها اثرا لها والاثر يشابه صفة مؤثره فبمشابهتها في صفة التأثير بالتأثر ( بالتأثير خل ) كانت ذواتا فالأشياء ذوات بالمشية لتقومها بها تقوم صدور وصفات الأشياء تحققت ذواتها من هيئات المشية ومعنى ذوات الصفات ان ذاتها هو كونها صفة وهذا معنى قولنا والصفات من هيئاتها تذوتاتها اي استفادت الصفات من هيئات المشية تذوتاتها يعني ان تحقق كونها صفة انما ثبت لها من هيئات المشية واستفادت ايضا الصفات من صفات المشية توصيفاتها اي توصيفات الصفات اعني وصفها ووصف الموصوف بها والمراد بقولي اعني وصفها هو جعلها وجعلها صفة ووصف الموصوف بها كل ذلك من تأثير صفات المشية بالمشية
قلت ورؤس تلك الذات الشريفة المقدسة كثيرة وكل راس فله وجوه كثيرة
اقول هذا من تمام الكلام الأول وهو ان الفعل الكلي له رؤس بعدد افراد الموجودات ولكل رأس وجوه كثيرة بعدد جهات كل فرد من افراده واجزائه واحواله وصفاته منسوبة الى ذلك الرأس كما اشرنا اليه سابقا
قلت ثم اعلم ان الجعل قد يستعمل في المراتب الاربعة فيطلق على كل مرتبة استعمل فيها لغة ويجري حكمه في كل مرتبة بما لها
اقول ان الجعل قد يستعمل في المراتب الأربعة المشية والارادة والقدر والقضاء فيقال جعل الكون اي خلقه وشاءه وجعل العين اي ارادها وبرءها وجعل الحدود اي صورها وقدرها وجعل تمام الصنع اي قضاه واتمه ويجري حكم الجعل في كل مرتبة من مراتب الفعل بما لها كما مثلنا به هذا اذا ضمن معناها بان وقع بابتداء الصنع
قلت وكثيرا ما يستعمل في ايجاد اللوازم لملزوماتها قال الله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور لايجاده النور من المنير والظلمة من نفس النور من حيث هو
اقول ان الجعل في الاستعمال من حيث مفهوم مادته وهيئته التركيبية كثيرا ما يستعمل في احداث اللوازم لملزوماتها وذلك لأن اللوازم كثيرا ما تخلق من نفس الملزوم اما من حيث هو هو كالظلمة من نفس الكثيف من حيث هو هو واما من حيث علة وجوده كالنور من المنير لأنه مخلوق من المنير من جهة علة انارته وهو قبوله للايجاد على حسب مقتضي الصنع لمحبة الفاعل لا على حسب حكم الوضع لأن خلق الذي هو الفعل حدث به كون الذي به كان الذكر الأول الذي هو معنى المشية وحدثت به العين في مقام تأكده الذي هو معنى الارادة وصدرت عنه الملزومات كما في الآية الشريفة من السموات والأرض وصدر عن الجعل اللوازم التي هي النور والظلمة كما ذكرنا من صدور النور اللازم للقابل بمقتضي محبة الفاعل ومن صدور الظلمة اللازمة للقابل من نفسه بمقتضي حكم الوضع كما هو مذكور هنا
قلت ويتميز عن تلك المراتب اذا استعمل مع احدها كما في الاية الشريفة
اقول ان الجعل يكون بمعنى المشية والارادة والقدر والقضاء كما ذكرنا اذا اطلق منفردا عنها واما اذا ذكر مع واحد منها كان ذلك الواحد مستعملا فيما يختص به او يكون متضمنا له ويكون الجعل مستعملا في بعض لوازمه على نحو ما ذكرنا
قلت ويستعمل للتصيير والقلب لشيء الى شيء اخر
اقول و ( وقد خم ) يستعمل الجعل للتصيير بان يصير شيء شيئا آخر وينتقل من الحالة الاولى الى حالة ثانية وهو معنى القلب مثل قولك جعلت الطين خزفا فانك تريد انك ن- قلته من حال الطين الى حال الخزف بمعنى ان اصل المادة باق فقلبت تلك الماهية برفع صورتها الى ماهية اخرى بما البستها من الصورة الثانية وليس المراد ان اصل المادة اضمحل والثاني حادث جديد ليكون الجعل بمعنى الخلق وانما المراد ان اصل الشيء باق وانما غيرت الحالة ( حالته خم ) الاولى وهذا معنى القلب والتصيير
قلت وحكمه في استعمالاته الثلاثة حكم ما تقدم من الافعال في مراتبها حرفا بحرف
اقول ان حكم الجعل في استعمالاته الثلاثة اعني الأول استعماله في معنى المشية اعني خلق الكون اي الوجود وفي معنى الارادة اعني خلق العين اي الماهية وفي معنى التقدير اعني خلق الحدود اي المشخصات المعنوية والحسية والثاني استعماله في ايجاد اللوازم لملزوماتها فاستعماله في مواد اللوازم النوعية بمعنى شاء وفي صور اللوازم النوعية بمعنى اراد وفي حدود اللوازم ومقاديرها بمعنى قدر والثالث استعماله في التصيير والقلب من حال الى حال ومن شيء الى شيء آخر واستعماله في مواد المصير والمقلوب او في نفس القلب والتصيير بمعنى شاء وخلق وفي صور التصيير والقلب بمعنى اراد وبرء وفي حدود التصيير والقلب بمعنى قدر وصور لأن الكون والعين والحدود واتمام الشيء تجري في كل شيء من الذوات والصفات بحسبه لأن الأعراض كالجواهر فيصح فيها ما يصح في الجواهر كل بنسبته فحكم الجعل في استعمالاته الثلاثة حكم ما استعمل في معناه من الأفعال المذكورة في مراتبها اي المشية في خلق الكون والارادة في خلق العين والقدر في خلق الحدود المشخصة بلا زيادة ولا نقيصة وهو مرادي بقولي حرفا بحرف وانما قلت في مراتبها لأن الأفعال قد تستعمل في غير ما ذكر لها فنقول شاء ايجاد الحدود اي قدر فتكون حينئذ ليس في مراتبها بل ضمنت معنى ذي الرتبة فلو استعمل الجعل في معنى استعمال المشية في غير مرتبتها مثل شاء الحدود وكان الجعل حينئذ بمعنى قدر لا بمعنى شاء وانما قلت في الاستعمالات الثلاثة ولم اقل الأربعة لأن المعروف من اطلاق الجعل ظاهرا هو معنى الايجاد وفي الظاهر القضاء ليس فيه معنى الايجاد ظاهرا اذ معناه في الظاهر هو الاتمام وهو ليس ايجادا على حسب الظاهر وان كان في نفس الأمر بل وفي ( بل في خم ) الواقع انه ايجاد الا انه ليس بمتبادر الى الأفهام فلذا عدلت عن الأربعة الى قولي الثلاثة وللعدول علة ثانية وهي ان استعمال الجعل قبل اتمام الشيء وقضائه لأن بعد الاتمام لا يلحقه جعل فاذا تم الشيء ولحقه الجعل فانما لحقه باعتبار ما يحدث له من الحالة الثانية المنتظرة وليست هي كائنة حينئذ ليقال عليها الاتمام الذي هو القضاء
قلت فقولهم الجعل البسيط والجعل المركب ليس بتام في المركب
اقول هذا تفريع على ما ذكرنا من ذكر تقسيم الافعال ومن استعمال الجعل فيما هو مقتضى مفهومه وفي معنى بعض الأفعال في رتبته كما تقدم فانه يفيدك ان الفعل لا يزيد على مفعوله فان الحركة التي احدثت بها كتابة الباء مثلا لا تزيد عليها ولا تنقص والا لحدث شيء غيرها ويلزم من هذا ان المجعول اذا اعتبر فيه جهة تعدد كان ذلك معتبرا في جعله الذي به حدث فاذا فرضت في المفعول جهة تعدد ومغايرة حصل القطع بوجود مبدء التعدد من فعله الذي به حدث وعنه صدر وهذا التغاير انما حصل بوجود شيء آخر وهذان الشيئان الحاصلان في الفعل حدث عنهما التغاير في المفعول ويجب ان يختص كل جهة من الجعل بمتعلقها من المجعول بحيث يصدر عنها ولا يصدر ذلك المتعلق من شيء من الجهة الاخرى بل كل جهة يختص بمتعلقها ولا تصلح لغيره وعلى هذا كما لا يقال للرأس من الفعل المختص بايجاد زيد انه مركب منه ومن ايجاد عمرو ولأن كلا من زيد وعمرو غير الآخر وما يختص بزيد من الرأس من الفعل لا يختص بعمرو ولا يصلح له ولا يتركب منه فلا يقال للجعلين انه جعل مركب لأن كل واحد غير الآخر ومجعوله غير مجعول الآخر فهما جعلان بسيطان والتغاير بين زيد وعمرو الموجب للعلم القطعي بتغاير جعليهما وعدم التركيب بينهما هو بعينه التغاير بين الطين والخزف وبين الوجود والماهية وبين الكسر والانكسار وبين جميع الأمور الاعتبارية المتغايرة بمفهومها بعضها مع بعض سواء كان التغاير باعتبار نفس الأمر ام الخارجي ام الذهني اذ لا يعقل ان يكون شيئان متغايران بجهة من جهات التغاير على اي فرض كان صادرين بجعل واحد بل بجعلين مختلفين كل واحد يختص بجهة غير جهة الآخر لتحقق التغاير بين المجعولين وهذا دليل اني كما قرر في محله فتكون جعلات ( الجعلات خل ) بسيطات ابدا الا ان يعتبروا جعل الأجزاء في المجعولات المركبة وحينئذ لا يكون جعل بسيطا ابدا اذ لا يوجد مجعول بسيط كما ذكرنا سابقا ورويناه عن الرضا عليه السلام من قوله ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه فعلي كل تقدير لا يستقيم تقسيمهم الجعل الى بسيط ومركب بل يقال ان الجعل والفعل واحد كما قال تعالى وما امرنا الا واحدة والمجعول المركب صدر بجعلات متعددة لا بجعل مركب اذ لا يعقل التركيب في الجعل وما توهموه في حدوث شيئين في الاعتبار بجعل واحد كجعل الوجود والماهية فتوهم باطل ويأتي بيانه ان شاء الله تعالى
قلت لان التركيب انما يتحقق في شيء ضم اليه مساو له او مخالف او مباين ويكون ذلك المركب شيئا واحدا اي يصدر عنه فعل واحد في موضوع واحد وليس ثم مماثل غير ذاته او صفته والشيء لا يتركب من ذاته وصفته في شيء واحد
اقول هذا معلوم لأن الشيء اذا ضم اليه مساو له كتراب وتراب مثلا فان المجموع منهما مركب منهما او مخالف كالماء والتراب فان الطين مركب منهما او مباين كالوجود والماهية فان زيدا مركب منهما فاما التراب والتراب والماء والتراب المركب منهما الطين فهي عندهم ظاهرة فان لكل واحد من الجزئين جعلا على حدة وللمجموع جعل واحد على حدة ولا خلاف في هذا لأنه ظاهر واما الوجود والماهية ففيه الخلاف والاختلاف انما نشأ من خفائهما في انفسهما فلذا وقع الاختلاف فيه في انه هو المجعول خاصة واما الماهية فليست مجعولة بل هي صورة علمية او ليست شيئا اصلا او انها مجعولة بجعل الوجود يعني ان الجعل للوجود لا للماهية وانما انجعلت بتبعية جعله او انها ( انها تحققت خم ) بنفسها لا بجعل جاعل الى غير ذلك من خرافات الأقوال ولا شك في تعدد الجعل في المساوي والمخالف وتغايره وحينئذ يلزم وحدة الجعل وبساطته واما في المباين كما مثلنا به فنقول ان كانت الماهية شيئا فهي مجعولة بجعل خاص بها لا يصلح للوجود اما انه مجعولة فلأنها غير الله عز وجل وكل ما هو غير الله عز وجل فهو مخلوق لله سبحانه واما انها بجعل خاص لا يصلح للوجود فلأنها ضده والمجعول صفة جعله وتاكيد تاثيره فيجب ان يكون جعل الوجود مغايرا لجعل الماهية كما انه مغاير للماهية وحينئذ يتعدد الجعل وليس هذه صفة التركيب لأن كل جزء من المجتمع من الجعلات يتعلق بجزء مختص به من المجعولات لا يصلح لغيره اصلا وانما هذه صفة الجعلات البسايط اذ مقتضي الجعل المركب لو كان ان يكون كل جزء من اجزائه مؤثرا في كل جزء من اجزاء مجعوله المركب والأمر ليس كذلك وان اريد الأعم منه ومن كون كل جزء منه مختصا بجزء من مجعوله لا يصلح لغيره لم يوجد الجعل بسيطا ( الجعل البسيط خم ) كما ذكرنا سابقا وان لم تكن الماهية شيئا فليس جعل الوجود حينئذ مركبا بل هو جعل بسيط تعلق بمجعول بسيط وقولي وليس ثم مماثل غير ذاته او صفته الخ جواب عن سؤال مقدر تقديره اذا - قلتم ان الماهية مجعولة بجعل هو صفة جعل الوجود فيكون جعل الوجود مركبا اذ لا ينفك عنه والجواب ان الشيء لا يتركب من ذاته وصفته الفعلية لأن المراد بالصفة هنا الفعلية وذلك كالقيام فان زيدا لم يكن مركبا من ذاته وقيامه واذا تركب شيء من قيامه فانما تركب من صفة فعله واثر فعله وهما صفتان معا كالقائم فانه مركب من صفة الحركة الايجادية للقيام وهي اسمها ومن اثرها اعني القيام والمدعي هو ان جعل الوجود مركب من نفس الجعل ومن صفته اعني جعل الماهية وهو ممتنع لأن الصفة الفعلية اثر للحركة وصادر عنها وكيف يجري عليها ما اجرته فافهم
قلت وتمثيلهم بقولهم جعلت الطين خزفا فان اريد تغيير الطين وتصيير المتغير خزفا فهو جعلان كل واحد في مادة وهما رأسان من الجعل الكلي
اقول هذا بيان تمثيلهم للجعل المركب فان الجعل واحد مع ان اثره مجعولان ولكن اذا سلمنا لهم ذلك باعتبار تعدد اثره لمنسلم لهم تركيب الجعل اذ على تقدير التعدد يكون جعلان بسيطان كل واحد في مادة وبينهما مساوقة وقتية وان كان احدهما مترتبا على الآخر وبيان الرد قولنا فان اريد تغيير الطين وهو بفعل ( بجعل خل ) غير ( غير جعل خم ) المتغير خزفا وهو اول وجعله خزفا وهو ثان فلذا قلنا هما جعلان كل جعل في مادة فجعل التغيير في الطين هو الأول وجعل المتغير خزفا هو الثاني مادة الأول الطين ومادة الثاني المتغير منه وان كان الثاني مترتبا على الأول وقولي وهما رأسان من الجعل الكلي اريد به الحركة المغيرة للطين على الحالة الاولى والمصيرة له خزفا فانهما وجهان من الرأس المتعلق بهذا الشيء وان شئت قلت رأسان من الجعل الكلي والجعل يجوز ان يريد ( تريد خم ) به الاضافي اعني المختص بالطين في احواله كلها مثلا ويجوز ان يريد ( تريد خم ) به الحقيقي المتعلق بجميع الممكنات ويكون حينئذ كون هذين رأسين من الكلي انما هو مع قطع النظر عن الوسايط يعني انهما رأسان منه مع عدم اعتبار الوسايط الكثيرة في خصوص مسئلة الطين
قلت وان اريد قلب الطين خزفا من غير اعتبار تغييره وانما هو حركة واحدة في جهة واحدة فهو جعل واحد
اقول ان اريد بقولك جعلت الطين خزفا صنع الخزف مع قطع النظر عن نقله عن الحالة الاولى الى الثانية فهو جعل واحد بسيط وهذا ظاهر
قلت وان اريد به ما يستعمل في تكوين المتبوع وتكون التابع به كجعل الوجود وانجعال الماهية بجعل الوجود فهذا في الظاهر جعل واحد لشيئين مختلفين
اقول ان اريد بذلك مثل ما يستعملونه في جعل الوجود والماهية من جهة الملازمة بينهما فان الماهية لازمة للوجود فاذا جعل انجعلت معه بجعله ففي الظاهر اي على ما يظهر للناظر بلا تأمل او مع تأمل يرجع فيه الى المتابعة والتقليد والرجوع الى ما في الكتب والى القواعد لا الى مقتضي الفطرة هو جعل واحد اذ ليس الا جعل الوجود مثل كسرته فانكسر فانه لم يصدر من الفاعل الا فعل الكسر واما الانكسار فليس من الفاعل لأن ضمير انكسر راجع الى المفعول وليس من المفعول ايضا لأن المفعول انما يتحقق بعد الانكسار مثلا ولا من نفسه لأن الشيء لا يحدث نفسه فلم يبق الا انه كان بتبعيته فعل الكسر وليس الكسر الصادر من الفاعل متعددا فيكون جعلا واحدا وهذا على تقدير التسليم لقولهم فانه لا يحصل جعل مركب اذ لم يصدر الا فعل واحد عن الفاعل واردت بقولي في الظاهر الاشارة الى ان ذلك في الحقيقة متعدد ومع هذا فلا يكون التركيب المدعي لان التركيب لا يتحقق الا على نحو ما قلنا سابقا فراجع
قلت لكن ما انجعلت به الماهية ليس بجعل كجعل الوجود ولا مخالف له ولا معاند له وان كان في جهتين فلا يكون الجعل منهما مركبا لان ما جعلت به الماهية صفة لما جعل به الوجود واثر له ولا يكون الشيء مركبا من ذاته واثره
اقول ان ما انجعلت به الماهية ليس على ما يتوهم كما ذكرنا عنهم قبل من انه ليس بجعل لا من الفاعل ولا من المفعول ولا من نفس الانجعال الخ بل هو جعل حقيقي لأن الماهية بعد ثبوت كونها شيئا لا بد وان تكون مجعولة ولا يجوز ان يكون ذلك من نفسها ولا من غير جاعل بل تكون مجعولة بجعل جاعل ولا يصح ان يكون ذلك الجعل هو جعل الوجود لأنها غير الوجود واذا كان المجعول صفة الجعل وتأكيده امتنع ان يكون جعلها جعله وان يكون جعلها مخالفا لجعله ولا معاندا لترتب وجود جعلها على وجود جعله فلا يكون جعلها نفس جعله لأن الشيء لا يترتب على نفسه لاستلزام ( نفسه والا لاستلزم خم ) تأخر المترتب من المترتب عليه ولا مخالفا ولا معاندا له والا لما ترتب عليه لكن لما كانت في الحقيقة صفة لنفس الوجود ومخلوقة من نفسه وجب ان يكون جعلها كذلك فيكون جعلها من جعله واثرا له فهو كالشعاع من المنير ولا يجوز ان يتركب شيء من شيء واثره او صفته الفعلية فلا يكون الجعل مركبا من جعل الوجود وجعل الماهية واما الشيء كزيد مثلا منهما فهو جعل واحد كما تقدم ويأتي بيان نسبة جعلها الى جعله ان شاء الله تعالى
قلت فان ما جعل به الوجود كالشمس للنور وما جعل به الماهية كنفس النور للظل فان جعل الشمس للنور جعل وحده وجعل نفس النور من حيث نفسه للظل جعل وحده مغاير للجعل الاول
اقول يعني ان الجعل الذي جعل به الوجود الذي يقال له اولا وبالذات مثل الشمس اي ذات مستقلة بنفسها في ايجاد النور واحداثه كما ان جعل الوجود مستقل في ايجاد الوجود واحداثه والجعل الذي جعلت به الماهية صفة لا تتقوم بنفسها وانما تتقوم بموصوفها فهو كنفس النور للظل يعني نفس النور من حيث نفسه يحدث عنه الظل بواسطة حفظ الشمس لنفس النور والجعلان متغايران كل واحد جعل على حدة وان كان الثاني مترتبا على الأول وصفة له ونسبته اليه في القوة والضعف نسبة واحد من سبعين وليست الشمس جاعلة للظل والا لعاد اليها وكان نورا لكنه يعود الى الجدار المعبر به عن نفس النور من حيث نفسه
قلت وكونه مترتبا عليه ومتقوما به لا يلزم منه التركيب لان الشمس لم تجعل لنفسها الظل
اقول هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ان جعل الظل مترتب في الوجود على جعل النور ولم يتقوم وحده فدل على تركيبه منه والجواب ان كونه مترتبا عليه ومتقوما به لا يلزم منه التركيب كما هو شأن جميع المعلولات بالنسبة الى عللها مع انها ليست متركبة عنها وايضا الشمس لم تجعل الظل لنفسها بان يكون صفة لها ليكون جعلها للنور جعلا للظل فتكون جاعلة له بنفسها كما جعلت النور بنفسها وانما جعلته بنفس النور لنفس النور فلذا بدء منه واليه يعود وان كان مترتبا عليه يعني ان جعل الظل انما يكون بجعل النور لأنه صفته من حيث نفسه والصفة لا تتحقق الا بعد تحقق موصوفها
قلت وقوله تعالى ثم جعلنا الشمس عليه دليلا لا يدل على انها جاعلة له اذ لو جعلته بجعل النور لكان نورا اذ ليس فيها ظل وان جعلته بجعل نفس النور التي هي اصل الظل واقعا دل على انها حافظة للنور الجاعل للظل لا جاعلة فلا يحصل التركيب حقيقة والى ذلك الاشارة بقوله تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر
اقول هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ان الآية المذكورة دالة على ان الظل صادر عنها فيكون جعل النور هو جعل الظل ويلزم من ذلك التركيب على معنى ما ذكروا والجواب ان الآية لا تدل على ذلك لان كون الشمس دليلا ليس هو كونها جاعلة وانما دلالتها ( دلالته خل ) عليه بيان ارتباطه بها في المد والقبض لا بكونها جاعلة له وهذا ظاهر على انها لو جعلته لكان اثرا لجعلها فيكون نورا لأنه حينئذ صفتها وليس فيها ظل او ظلمة ليستند اليه وان جعلته بجعل نفس النور كما هو الواقع لأن نفس النور من حيث هو هو ظلمة فهي اصل الظل حقيقة دل قولنا جعلته مع ان الجعل الصادر عنه الظل ليس جعلا لها في الحقيقة والا لكان المجعول نورا على انها جاعلة لما يكون عنه الظل اذ قولنا جعلته لا يخلو من ان يكون هذا واقعا عليه او على غيره وقد بينا عدم امكان وقوعه على الظل والا لكان نورا واذا وقع على غيره فليس جايزا ان يكون ما وقع عليه هذا الجعل اجنبيا من الظل والا لما افاد شيئا في تحققه بحال من الأحوال فوجب ان يكون ملزومه وهو النور فان النور اذا وجد لزمه انيته وهي علة الظل وجعل الشمس لها انما هو بجعل لازم بجعل النور وجعل الظل لازم لهذا الجعل اللازم لجعل النور وافاد ذلك كله كون الشمس حافظة للنور لتقومه بجعلها تقوم صدور ولوازمه كلها تابعة له فكانت نسبة الجعلات بعضها الى بعض كنسبة المجعولات بعضها الى بعض فجعلها للظل انما هو بجعل لازم لجعلها للنور ومعنى قولي وان جعلته بجعل نفس النور الخ ان الشمس انما جعلت ماهية النور بجعل لازم لجعلها لوجود النور والظل صفة لماهيته لا لوجوده والنور متقوم بوجوده تقوما ركنيا ووجوده متقوم لجعل الشمس تقوما صدوريا والظل متقوم بماهية النور تقوما ركنيا من حيث ان مادته من صفتها وصدوريا ان جعله من جعلها فتكون الشمس حافظة للنور الذي كان جعل الظل تابعا لجعله بالذات لوجوده وبالعرض لماهيته والضمير في قولي لا جاعلة له يعود الى الظل فكونها دليلا عليه كما بينا لا يستلزم ان يكون مجعولا لها واذا كان كل شيء له جعل يختص به لا يصلح لغيره من دون تغيير امتنع التركيب في الجعل ولو كان جعل بعض الأشياء مركبا امتنع ان يكون مركبا من جعلات تامة مستقلة فلا بد ان يكون مركبا من اجزاء جعل لا من جعلات وعلى فرض امكانه فهو جعل بسيط اذ لا يصلح جزؤه لجزء من مجعوله غير مشارك فيه والا لكانت متعددة كما اشرنا سابقا فراجع
قلت وان اريد ان الجعل الذي يحدث عنه شيئان فصاعدا فهو مركب سواء كانا في مادتين ام في حالين كجعل الطين خزفا ام في الملزوم واللازم كالوجود والماهية قلنا اذا اصطلحتم على ذلك فلا بأس ولكن لا تجدون الجعل البسيط قط لان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للدلالة عليه قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين
اقول ان ارادوا بقولهم الجعل المركب الجعل الذي يحدث عنه شيئان متغايران فلا شك انه في نفسه يسمى مركبا سواء كان الشيئان في مادتين متمايزتين بالحس او في التعقل ( بالحس او التعقل خم ) بان يكون تمايزهما بالاستقلال لا بالمفهوم كزيد وعمرو وكرأس زيد ويده وكالعقل وجوهر الهباء وكروحي زيد وعمرو وما اشبه ذلك ام كانا في حالين كجعل الطين خزفا اذا اعتبر تغير الطين ( الطين اولا خم ) ثم جعله خزفا ام كانا في المتلازمين الذي يكون فيهما اللازم ناشيا عن الملزوم ومتحققا به كالوجود والماهية لأن الشيئين اذا اعتبر فيهما الاثنينية حقيقة في الواقع وجب ان يكون جعل كل واحد مغايرا لجعل الآخر والا لم يتحقق الاثنينية فيكون الجعل متعددا ولا شك في ان مثل ذلك يصدق عليه التركيب فاذا اصطلحتم على ذلك بان يكون الجعل البسيط هو ما صدر عنه شيء واحد والمركب هو ما صدر عنه شيئان لتلازمهما في الظهور او اعم من ذلك فلا بأس اذ لا مشاحة في الاصطلاح نفسه وانما المشاحة فيما يترتب عليه وهو هنا ان الجعل البسيط لا تجدونه ابدا اذ لا يوجد الا فيما يكون تكونه بجهة واحدة واعتبار واحد وهو ممتنع لما ذكرنا مرارا ان كل مكون ولا بد ان يكون له اعتبار من ربه وهو وجوده وكونه واعتبار من نفسه وهو ماهيته وعينه وبدون هذين الاعتبارين لا يمكن وجوده لأن الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه كما قال الرضا عليه السلام ثم انه عليه السلام استشهد بقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين وايضا يكون هذا عندنا ليس بمركب لأن كل جعل متعلق بمجعوله خاصة فجعل الوجود مثلا متعلق به خاصة ولا يجوز ان يتعلق بالماهية لأنها مخالفة لوصفه فالوجود اصل واول وبالذات فهو يدور على جعله على التوالي فلهذا اثنى الله تعالى على العقل فقال ماخلقت خلقا احب الى منك بك اثيب وبك اعاقب ولا اكملتك الا فيمن احب وانما اثنى على العقل لأنه لا يجوز على جهة وجوده الذي هو حقيقة من ربه فدار في قبوله التكوين على التوالي وجعل الماهية متعلقا بها خاصة ولا يجوز ان يتعلق بالوجود لانه مخالف لوصفه ولانها لم يتحقق في نفسها الا بعد تحقق الوجود فالماهية فرع وثان وبالعرض فهي تدور على جعلها على خلاف التوالي ولأجل هذا ذم الله سبحانه الجهل وطرده من نوره وابعده من رحمته وانما طرده لأنه لا يجوز في قبول تكونه على جهة ماهيته التي هي حقيقته ( حقيقة خل ) من نفسه فدار في قبوله للتكوين على خلاف التوالي واذا كان امر الوجود والماهية كما سمعت فكيف يصدران من جعل واحد ليصح فيه اعتبار التركيب المدعي
قلت وبالجملة لا فرق في هذه المسئلة بين الجعل وغيره من مراتب الفعل وعلى كل حال فالجعل واحد لا تعدد فيه لذاته قال الله تعالى جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيه اي في الجعل فافرده وجمع المجعولات فافهم نعم له رؤس بعدد المجعولات ولكل رأس وجوه بعدد احواله كما تقدم في الفعل فراجع
اقول وبالجملة اي بقصد اجمال الكلام دون التفصيل ان الجعل وغيره من اقسام الفعل كالمشية والارادة والقدر وما اشبه ذلك كلها تقال ( يقال خل ) عليها الوحدة لأنه حركة ايجادية فهي واحدة وانما تتكثر اسماؤها باعتبار متعلقاتها وتعدد وجوهها باعتبار تعدد متعلقاتها ومن الاستشهاد على الوحدة قوله تعالى جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيه فافرد ضمير الجعل وهو الذي في قوله فيه مع ذكر متعلقاته ( مع انه ذكر تعدد متعلقاته خم ) وذلك على نحو ما سبق مما ذكرنا وهذا احد التفاسير للآية وعليه تدل على وحدة الفعل بالنسبة الى الكل واختلاف الوجوه باعتبار اختلاف القابليات كاختلاف انعكاسات نور الشمس عن الزجاجات المختلفة
قلت الفائدة الخامسة في تتمة الملحقات اعلم انه قد ورد في الاحاديث عنهم تعدد العوالم والادميين واكثر ما ذكر انها الف الف عالم والف الف ادم نحن في اخر العوالم واخر الادميين
اقول رواه الصدوق (ره) في آخر الخصال عن الباقر عليه السلام والمستفاد من الأخبار ان المراد بها مراتب التنزلات والتطورات كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام في قوله لقد دورتم دورات ثم كورتم كورات وقوله عليه السلام ان لله في كل يوم ثلاثة عساكر عسكر ينزلون من الأصلاب الى الأرحام وعسكر يخرجون من الأرحام الى الدنيا وعسكر يرتحلون من الدنيا الى الآخرة وتصدق هذه العوالم على اجناس الموجودات وانواعها واصنافها من الذوات والصفات فعلي هذا يكون المراد بالعدد المذكور وغيره من الأعداد التي سنذكر بعضها على سبيل التنبيه ( التنبه خل ) مطلق الكثرة لا خصوص العدد مطلقا او خصوص العدد باعتبار خصوص مباديها كما اذا قلنا اثنيعشر عالما فان ذلك باعتبار اسباب تكونها وتكوينها اعني البروج الاثنيعشر ومع هذا وان جاز الحصر باعتبار حصر اسبابها ومباديها الا انه انما هو في الكليات واما الجزئيات فلا يمكن لنا حصرها لدوام الامداد والاستمداد ودوام الفيض فتمتنع الاحاطة بها الا للذي خلقها وهو بكل شيء عليم الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
قلت ومراتب اعداد العوالم انما اختلفت في الروايات لاختلاف المقامات كعالم الغيب والشهادة
اقول انما لمنذكر الواحد لأنه معروف باسمه كما اذا قلت العالم فانك تريد به ما سوى الله تعالى واذا اطلق الاثنان اريد به ما ينحصر في الاثنين كعالم الغيب وعالم الشهادة اذ لا ثالث هنا وكالوجوب والامكان والظاهر والباطن وما اشبه ذلك
قلت او العوالم ثلاثة عالم الوجوب وهو الازلي تعالى وعالم الرجحان وهو عالم المشية والارادة والابداع وعالم الجواز وهو الوجود المقيد المعبر عنه بانه وجود بشرط لا وبشرط شيء اوله الدرة واخره الذرة
اقول يعني اذا قيل ثلاثة عوالم من الأمور الصادقة عليها عالم الأزل وعالم الرجحان وعالم الجواز فالأزل هو الله تعالى عز وجل ولا يتوهم متوهم ان الأزل ظرف والواجب تعالى حال فيه فيلزم تعدد القدماء بل الأزل هو ذات الحق عز وجل وعالم الرجحان هو الفعل بجميع اصنافه لأنه راجح الوجود حتى قال تعالى في شان اثره اللازم له يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار اي يكاد ان يتحقق بنفسه قبل الايجاد وهذا العالم هو عالم الأمر لأن الموجودات كما تقدم بهذا اللحاظ ثلاثة : وجود حق ( الحق خم ) وهو الأزل عز وجل ووجود مطلق اي من غير شرط شيء يتوقف وجوده عليه غير نفسه فلذا سميناه بالمطلق في مقابلة المقيد ووجود مقيد وهو المفعول من الدرة الى الذرة وتمثيلي بالمشية والارادة والابداع لا غيرها من اسمائه ولا باقل منها ولا باكثر انما هو تبع لكلام الرضا عليه السلام وقد تقدم ذكر بعض اسمائه وبعض اوصافه واحواله وهذا هو الثاني في الذكر والتسمية وعالم الجواز وهو الوجود المقيد هو الثالث في الذكر والتسمية وهو جميع المفعولات التي احدثها الله سبحانه بفعله ويسمي هذا الوجود بالوجود المقيد لتوقف قبوله الايجاد على شيء آخر وجودي او عدمي او هما واول هذا الوجود العقل الكلي المعبر عنه بالدرة ولذا قيل اول ما خلق الله العقل كما روي وآخره الذرة اي الثرى ويعبر عن جميع المصنوعات بهذا بان يقال الوجود المقيد اوله العقل الكلي وآخره الثرى واما قولي بانه وجود بشرط لا وبشرط شيء فهو على ما اصطلحت عليه فان قولك بشرط شيء وبشرط لاشئ بمعنى واحد اذ مآل العبارتين افادة القيد المنافي للاطلاق فالعبارتان في مقابلة لا بشرط في ارادة الوجود الراجح
قلت واربعة عوالم هي عالم الخلق وعالم الرزق وعالم الموت وعالم الحيوة
اقول ايضا اذا قيل اربعة عوالم فمنها هذه الأربعة العوالم وذلك انا لما تتبعنا اصول الخلق وفروعه مما احاطت به عقولنا ووسعته اوهامنا فوجدناه ( وجدناه خم ) كله يدور على هذه الأربعة وقد ذكرها سبحانه في معرض الامتنان واظهار القدرة فقال تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ولو كان شيء من الأصول التي يرجع اليها امر من امور ما سوى الله سبحانه لذكره عز وجل وعلى خصوص هذا العدد تفرعت الاركان كتربيع الكلمات التي بني عليها الاسلام سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وكتربيع اركان العرش الذي هو مظهر فوارة القدر والقضاء وعلل الأسباب واسباب العلل وكتربيع الطبايع والعناصر التي منها جميع المواد العلوية والسفلية وما اشبه ذلك ولأجل مقتضي جميع التقومات الكونية من الاسباب والمسببات قامت الزوايا في المربع ولم تقم فيما زاد عليه ولا ما نقص عنه اشارة الى تمام نظام الكون بذلك العدد لا بما سواه ومن اجل ما اشرنا اليه كان العرش الذي هو محل جميع مبادي الأكوان في الغيب والشهادة من الأعيان والمعاني مما دخل في الامكان مربعا فركنه الأحمر يستمد منه جبرئيل عليه السلام بمقتضي الحرارة واليبوسة للخلق في الجبروت والملكوت والملك وركنه الأبيض يستمد منه ميكائيل عليه السلام بمقتضى الرطوبة والبرودة للرزق في الجبروت والملكوت والملك وركنه الأخضر يستمد منه عزرائيل عليه السلام بمقتضى البرودة واليبوسة للموت في الجبروت والملكوت والملك وركنه الأصفر يستمد منه اسرافيل عليه السلام بمقتضي الحرارة والرطوبة للحيوة في الجبروت والملكوت والملك وتتفرع الأشياء المربعة في الوجود على ذلك التربيع
قلت وخمسة عوالم عالم الازل تعالى وعالم السرمد وهو عالم الرجحان وعالم الجبروت وهو عالم المعاني المجردة عن المادة والصورة والمدة وعالم الملكوت وهو عالم الصور المجردة عن المادة والمدة وعالم الملك اوله محدد الجهات واخره الارض
اقول ان الأزل عز وجل لا يدخل في العدد لذاته بوجه من الوجوه واما ذكره هنا فالمراد به ما يشار به الى العنوان الذي يعرف به الأزل تعالى لا من حيث انه عنوان ودليل فانه من هذه الحيثية لا يجوز دخوله في مطلق العدد بوجه من الوجوه وانما تكون العبارة عنه معدودة من حيث هو هو فانه من هذه الحيثية خلق محدث كساير المخلوقات لا يعرف به الله الا انه يحصل به التميز في الجملة لأن المراد به هنا ما هو غير المذكورات فان الأزل تعالى غير ساير العوالم وان كانت المغايرة في الحقيقة حدا لغيره واما عالم السرمد فهو عالم الأمر والمشية وهو عالم الرجحان وسمي عالم الرجحان في مقابلة تسمية الازل بالواجب وتسمية الحادث بالجايز لأن الأمر ليس بواجب الوجود ( الوجوب خل ) ولا بممكن الوجود بالامكان الخاص الملحوظ فيه تساوي الطرفين بل طرف وجوده راجح على عدمه وان لم يكن واجبا والثالث عالم الجبروت وهو عالم العقول وهو عالم المعاني والمراد بالمعاني المعاني الاصطلاحية الخاصة وهي المجردة عن المادة العنصرية والصورة المثالية اعني المرتبطة بالمادة العنصرية والمدة الزمانية لا التجرد المطلق كما يتوهمه الاكثر من عبارات الحكماء المتقدمين فانهم انما ارادوا ما ذكرنا وما فهم المتأخرون من الحكماء والعلماء غلط فانهم يريدون بالمجردات العقول والنفوس والأرواح ويريدون بتجردها التجرد مطلقا يعني انه لا مادة لها اصلا ولا مدة اصلا وهذا هو التجرد الواجب حتى ان بعض العلماء مثل الملا محمدباقر المجلسي (ره) في اول البحار حكم بكفر من قال باثبات مجرد غير الله وكذلك غيره لفهمهم ان المراد بالتجرد التجرد المطلق وكذلك كثير من المتأخرين فهموا ذلك حتى ان الملا صدرا في المشاعر قال ان العقل وما فوقه كل الأشياء بناء على مذهبه ان بسيطة ( بسيط خل ) الحقيقة كل الأشياء والعقل عنده بسيطة ( بسيط خم ) الحقيقة وما فوقه هو الله تعالى ونحن قد بينا فساد ذلك كله في شرح المشاعر من وجهين : الأول انه لا بسيط الا الله سبحانه وكل ما سواه فهو مركب من مادة وصورة لا فرق في ذلك بين العقل والحجر الا ان مادة العقل من النور الذائب اعني المادة المعنوية والحجر مادته من النور الجامد اعني المادة العنصرية المحسوسة لأن العقل مخلوق كالحجر وكل مخلوق فله اعتباران اعتبار من ربه وهو حقيقته ( حقيقة خل ) من ربه والمراد به الوجود فانه اثر فعله تعالى اخترعه لا من شيء وهو مادته واعتبار من نفسه وهو ماهيته التي هي صورته وهي هويته وانيته ولا يمكن ان يوجد ممكن الا بهذين الاعتبارين نعم هما في كل شيء بنسبته والثاني ان قول الملا صدرا ان بسيط الحقيقة كل الأشياء غلط فاحش وشرك ظاهر فان قوله كل الأشياء لا يصح الا اذا كانت معه في رتبة ذاته ولا تكون معه في رتبة ذاته الا اذا كانت قديمة والقدم مناف للكل لاستلزامها التعدد والتركيب والأشياء جمع متعدد الأفراد وحجته باطلة منقوضة بصحة مقدماته كما قررنا هنا فان قوله هو موجود بسيط فلو صح هو موجود سلب عنه غيره لكان مركبا من ذات ومن نفي الغير فيلزم بحكم عكس النقيض انه موجود لا يسلب عنه شيء وهو قولنا بسيط الحقيقة كل الأشياء وقوله هذا اذا صح بطل لأنه اذا صح انه اذا قلت هو موجود سلب عنه شيء لزم منه التركيب فبحكم عكس النقيض هو موجود لا يسلب عنه شيء يلزم التركيب منه ايضا لانه لم يقل هو موجود بغير قيد بل قال موجود لا يسلب عنه شيء وهو مثل قوله موجود سلب عنه شيء فان قلت انما اراد انه موجود مطلق من غير ان يصفه بسلب فلا يلزمه التقييد قلت يلزمه بارادته من قوله كل الأشياء فانه اذا اعتبر لكل معنى يفيد الشمول لزمه اما التقييد بسلب ذلك الغير او التقييد بعدم سلبه ولا ينفك من التركيب الا اذا لم يثبت هناك شيئا غيره في رتبة ذاته اصلا وحينئذ يبطل قوله كل الأشياء ويصح التوحيد والا يلزمه التركيب والكثرة بحكم كل على اي اعتبار كان فاين يذهب عن الحق والحاصل ان المجرد اذا استعمل في الحادث فالمراد به انه مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية لا مطلقا وهذا هو مراد المتقدمين من المجردات في الحادث لا كما توهمه المتأخرون فكلام صاحب البحار وارد على هؤلاء لا غير ونحن اذا اطلقنا المجرد في الحادث نريد به هذا المعنى ولا يرد علينا كلام صاحب البحار على ان استدلاله ليس بصحيح وان كان حكمه صحيحا لأنه استدل على كفر من قال بذلك بعدم وروده في الأخبار وقد غفل عنه في الاخبار فانه وارد فيها مثل ما رواه في الغرر والدرر عن امير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن العالم العلوي فقال عليه السلام صور عالية عن المواد عارية عن القوة والاستعداد الحديث ومثل قوله عليه السلام في حديث كميل للأعرابي السائل عن النفس واعلم اني اطلت الكلام هنا لعموم الحاجة اليه وان كنت مستلزما على نفسي عدم البسط في هذا الشرح لأن المطلوب منه بيان العبارة خاصة والرابع عالم الملكوت والمراد به عالم النفوس اعني الصور الجوهرية وعالم الأرواح متردد بين العالمين وبرزخ بين الاثنين الجبروت والملكوت يستعمل مع كل منهما باعتبارين وهذا العالم اهله جواهر مقدارية اي ذوات مجردة الا عن الصورة وصورها نفوس الصور المثالية المحسوسة والخامس عالم الملك اعني عالم الأجسام واعلاه محدد الجهات ومحدبه مساوق في الوجود للزمان والمكان لا يسبق شيء من هذه الثلاثة الآخرين في كل مرتبة من مراتب الأكوان في الغيب والشهادة وهذا العدد اذا اطلق على شيء من العوالم يراد به هذه ونظايرها مثل المواليد الثلاثة في الجسم والروح او في المادة والصورة او في الغيب والشهادة
قلت وستة عوالم عالم العقول وعالم النفوس وعالم الطبائع وعالم الهباء وعالم المثال وعالم الاجسام
اقول اذا ذكر ستة عوالم في الأخبار او في كلام اهل الأسرار فيراد بها عالم العقول اعني عالم المعاني الجوهرية والذوات المجردة عن المادة العنصرية والصورة النفسية والمثالية والمدة الزمانية وهي الاكوان الجوهرية وقد اشرنا اليها قبل هذا والثاني عالم النفوس اعني الهياكل الجوهرية وهي كلمات اللوح المحفوظ والكتاب المسطور والثالث عالم الطبايع وهو مقام الحل والكسر بعد العقد والصوغ والاجمال بعد التفصيل الاولى وقبل التفصيل الثانوي ومعناه ان الأشياء بعد تمام تمايزها الأول كسرت واذيبت حتى تساوي عاليها بسافلها وظاهرها بباطنها وقويها بضعيفها ورطبها بيابسها وحارها بباردها الى ان كانت الأجزاء المتخالفة جزءا واحدا والقوى المتعددة قوة واحدة وهذا الواحد البسيط حقيقة للواحد المركب بحيث اذا فصل هذا الواحد الى الأجزاء المتعددة المختلفة عند التركيب وركب الشيء منها كان مع اجزائه المتخالفة المتباينة في قويها وطبايعها الجزئية وصفاتها وكذلك طبيعة واحدة كما هي قبل التفصيل وان اختلفت ظواهرها بحيث لو انفصل كل شيء من ذلك الشيء المركب وظهر بحيوته الخاصة به من فعل الله سبحانه لم تفرق بين ذلك الجزء وبين الكل الذي هو الشيء الا ان الكل يسند عن نفسه والجزء يسند عن الكل لأنها كلها بطبيعة واحدة لأنها طبيعة واحدة جمدت فتكثرت وذابت فاتحدت فلما جمدت ثانيا تكثرت فظهرت الكثرة وبطنت الوحدة فصح ان يقال زيد مثلا طبيعة واحدة مع اختلاف اجزائه ظاهرا ذاتا وصفة ومعنى كونه طبيعة واحدة لحاظ جملته في هيكل التوحيد بعين الوحدة وعالم الطبايع دوحة كبيرة تنبت ( نبتت خل ) باوراق كل ورقة طبيعة شيء والرابع عالم جواهر الهباء والمراد بالهباء هو الذر الذي في الهواء الذي كان من جبل طور سيناء كما روي عن علي عليه السلام حين جعله تعالى دكا وهي الحصص الوجودية الجزئية كل ذرة مادة مخلوق ( مخلوقة خل ) من خلق الله عز وجل فهي في جعل الله سبحانه وبالنسبة الى سعة ذلك الفضاء كالذر في الصغر ولذلك قيل لها هباء وذر والخامس عالم المثال وهو الصور القائمة في هواء البرزخ المختلفة من المواد وهي مثال وصفة للصور النفسية الجوهرية ابدان لا ارواح لها وهي برزخ بين الملكوت والملك ووجهها الى الدهر وخلفها الى الزمان تتقوم في الأجسام بالمواد وهي امهات المولدات وآبائها المواد والسادس عالم الأجسام المركب من المواد العنصرية والصور المثالية وهذه الستة هي الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض لانها في العالم الكبير كالنطفة والعلقة والمضغة والعظام ويكسى لحما ثم ينشئ خلقا آخر ونظايرها من العوالم المحصورة بهذا العدد كما رواه القمي (ره) في تفسيره للأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض ما معناه قال الفصول الأربعة والمادة والصورة ومنها ان الانسان مثلا ستة اشياء اربع طبايع حرارة ورطوبة وبرودة ويبوسة ونفس وجسد وهذه ستة ايام هنا ايضا وتحتها عوالم وكل عالم تحته افراد لا يحصي عددها الا الله
قلت وسبعة عوالم عالم النار وعالم الهواء وعالم الماء وعالم التراب وعالم الجسم وعالم النفس وعالم الروح وهذا معنى قولهم كل شيء من الحوادث مثلث الكيان مربع الكيفية
اقول وسبعة عوالم عالم النار وهو الاسطقس الاعلى اعني الكرة الأثيرة وعالم الهواء المعروف الذي هو وسط العالم كله ومسكن بني آدم الذي هو اشرف الخلق وعالم الماء الذي هو فوق الأرض محيطا بجميع اعلاها وانما كشف عز وجل محل الحيوانات البرية عناية منه تعالى وعالم التراب وهو الأرضون السبع على اختلاف طبقاتها وما انعقد منها من الحجر وبعض المعادن وعالم الجسم وهو المركب من الحصص من هذه العوالم التي قبله اعني عوالم العناصر الأربعة وعالم النفس وعالم الروح وهما العالمان المشار اليهما سابقا وقولي هذا معنى قولهم مثلث الكيان والكيان لغة في الكون اي مثلث الكون مربع الكيفية يعني ان كل شيء في الجملة انما يتم تركيبه اذا كان مشتملا على الاكوان الثلاثة اعني الجسم والنفس والروح وعلى الكيفيات الأربعة اعني الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة وكل شيء تام لم يخل من هذه الأصول الأربعة والأكوان الثلاثة وكل واحد من هذه السبعة تحته افراد كثيرة ولهذا قد يقال العوالم سبعة
قلت وثمانية عوالم واذا اطلقت يراد بها احد وجوه كثيرة نذكر منها واحدا على سبيل التمثيل عالم الخلق في الدنيا عالم الخلق في الاخرة عالم الرزق في الدنيا عالم الرزق في الاخرة عالم الموت في الدنيا عالم الموت في الاخرة وهو الهلاك الاكبر نعوذ بالله من سخط الله عالم الحيوة في الدنيا عالم الحيوة في الاخرة واليه الاشارة بقوله تعالى في التأويل ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية
اقول اذا اطلق لفظ ثمانية عوالم احتمل ارادة اشياء كثيرة ونحن نذكر منها شيئا على نحو التمثيل ليتميز ( ليميز خل ) به السبيل الى معرفة البيان والدليل وذلك مثل ما ذكرنا سابقا في بيان ( باب خم ) العوالم الأربعة فانا ذكرنا هناك الخلق والرزق والموت والحيوة وهذه الأربعة التي دار عليها الوجود اذا اعتبرت في الدنيا والآخرة كانت ثمانية كما اشار ( اشرنا خم ) اليه في تأويل قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يعني في الآخرة لاجتماع حكم الدنيا والآخرة يوم القيمة باجتماع حملة العرش الأربعة في الدنيا وحملة ( حملته خم ) في الآخرة واما حكم الخلق في الدنيا فظاهر واما حكمه في الآخرة فبما ( فيما خل ) يتجدد فيها لأهل الجنة من انواع النعيم الذي لا ينفد ولأهل النار من انواع التعذيب والتأليم السرمد واما حكم الرزق في الدنيا والآخرة فكما قيل في حكم الخلق واما الموت في الدنيا فهو ظاهر فلأجل كونه ظاهرا معروفا لم اذكره متبوعا ببيان بخلاف موت الآخرة فانه لما لم يكن معلوما بل المعلوم عدمه اذ الآخرة لا موت فيها لأهل الجنة ولأهل النار فلأجل ذلك عقبته ببيان فقلت وهو الهلاك الأكبر لأن الموت في الدنيا هو الانقطاع عن الاحباب والمفارقة للأصدقاء والأصحاب ومفارقة النعيم واهل النار اشد ما يعذبون به فيها بذلك نعوذ بالله من النار والمفارقة في النار لا يرجى بعدها تلاق بخلاف مفارقة الدنيا فلذا قيل ان الموت في الآخرة اعظم من الموت في الدنيا باربعة آلاف رتبة وتسعمأة رتبة نستجير بالله من النار ومن غضب الجبار والحيوة في الدنيا معروفة واما الحيوة في الآخرة فهي الحيوة الكبري العظمي التي لا نهاية لها في البقاء ولا في العظم ولا في العموم واما من جهة البقاء فلا انقطاع لها بل هي مستمرة ابدا لا آخر لها في الامكان واما في العظم فلأنها تستمر في البقاء متصاعدة في القوة والمضاعفة لا الى نهاية فهي في كل آن اقوى منها فيما قبله وهكذا حكمها ابدا واما في العموم فلأن جميع ما في الجنة من جميع الحيوانات والنباتات والجمادات حية بالحيوة الحيوانية المقرونة بالشعور والاحساس المقرونين بالتميز والعقل لا يوجد فيها شيء يصدق عليه اسم الشيئية الا على ما وصفنا قال الله سبحانه وان الدار الآخرة لهي الحيوان ولقد رأيت في المنام كأني اتيت الى بستان من بساتين الجنة وفيه اشجار وزرع ورأيت جميع اوراق تلك الأشجار والزرع تنظر كل واحدة الى بعينين نظر المتعقل وهي ورقة وهي حيوان وهذا مجمل الاشارة الى حيوة الآخرة والأمر اعظم واعظم والحاصل ان الثمانية العوالم بنحو هذا مما يتعلق بافراد كل واحد واصنافه وانواعه واجناسه
قلت وتسعة عوالم وهي عالم محدد الجهات وعالم فلك الثوابت وعوالم الافلاك السبعة وهي عالم القلوب وعالم النفوس وعالم العقول وعالم العلوم وعالم الاوهام وعالم الوجودات الثانية وعالم الخيالات وعالم الافكار وعالم الحيوة
اقول ايضا اذا قيل العوالم التسعة فقد يراد بها آثار الأفلاك التسعة مثل القلوب الجزئية فانها ذرية القلب الكلي الذي هو محدد الجهات فان جسمه اب للقلوب الجزئية التي هي الموجود في الصدور وهو اللحوم الصنوبرية وغيب المحدد اب لغيبها من القلوب المجردة النورانية وهي ذريته ظاهرها من ظاهره وباطنها من باطنه والثاني عالم النفوس الجزئية فانها من فلك الثوابت الذي هو ارض اهل الجنة فباطنها من باطنه وباطنه كتاب الأبرار كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وظاهرها من ظاهره على نحو ما قلنا في القلوب والثالث عالم العقول الجزئية وهي من فلك زحل ظاهرها من ظاهره وباطنها من باطنه والمعنى كما مر والمراد بها هنا التعلقات المدركة للمعاني الجزئية فان العقل في نفسه هو القلب وهو الذي في الصدر الا ان وجهه في دماغ الانسان وهو التعقل والمراد بظاهره الذي هو من ظاهر فلك زحل هو الدماغ الذي هو محله والرابع عالم العلوم وهي ( هو خم ) صور المعلومات على ما هي عليه يعني ان ما كان من المعلومات ذا صورة فالعلم به صورته المنتزعة من خارجه وما لم يكن ذا صورة فالعلم به صورة خارجة بما تشخص به عند العالم وهذا معنى قولنا ان العلم صورة المعلوم على ما هي عليه اي في كونه ومثاله الصورة التي تنتزعه المرآة فانها اذا قابلت الشيء انتزعت صورته على ما هي عليه من التخطيط مثلا وانتزعت بصورة الهواء والمسافة التي بينهما كما هو يعني بغير تخطيط بل بهيئته فصورة الشيء الذهنية على ما هو عليه في الخارج هو العلم به وهذا خزانة الخيال وهو من فلك المشتري ظاهره من ظاهره وباطنه من باطنه كما مر والخامس عالم الأوهام وهي مبادي الانشاءات النفسانية وهي من فلك المريخ ظاهرها من ظاهره وباطنها من ظاهره ومن باطنه وقولي من ظاهر ظاهره ان المريخ ظاهره المرئي مثلا حار يابس نحس وباطن ظاهره بارد رطب سعد فمرادي بالظاهر الذي مع الباطن هو صافي الجسم ومحض مادته وصورته الذاتيتين وظاهر هذا الظاهر هو ما لحق هذا الجسم من العوارض الخارجية الغير الذاتية كما قلنا انه حار يابس نحس وذلك ما اشار اليه سبحانه بقوله اعزة على الكافرين وبقوله وظاهره من قبله العذاب وذلك الظاهر الذي هو الأصلي هو ما قلنا انه بارد رطب سعد وذلك ما اشار اليه سبحانه بقوله باطنه فيه الرحمة وبقوله اذلة على المؤمنين فالظاهر وظاهر الظاهر هيهنا في الجسم المادي والباطن المجرد عن المادة والمدة واما قولي وباطنها من باطنه فكما مر وهنا تفصيل يطول به الكلام والسادس عالم الوجودات الثانية وهي من فلك الشمس ظاهرها من ظاهره وباطنها من باطنه كذلك والمراد من الوجودات الثانية الوجودات الجسمانية المركبة من المادة والصورة لأن الشمس هي منشأ مبادي الأجسام وذكر الثانية في مقابلة الوجودات الاولى اعني وجود العقول والأرواح والنفوس ونسبة الوجودات الثانية الى الشمس لانها المفيضة على الأسباب العلوية اذ هي تستمد من نفس العقل الكلي فتفيض على زحل ومن صفته فتفيض على القمر وتستمد من نفس الروح والنفس وتفيض على المشتري ومن صفته فتفيض على عطارد وتستمد من نفس الطبيعة وتفيض على المريخ ومن صفتها فتفيض على الزهرة ثم اذا عملت الأسباب في مسبباتها عمل كل واحد من السبعة الأفلاك في مسبباته بنفسه وبواسطة الشمس فلذا نسبت الوجودات الجسمانية الى الشمس والسابع عالم الخيالات وهي من فلك الزهرة ظاهرها من ظاهره وباطنها من باطنه كما اشرنا اليه سابقا والخيالات مبادي الصور العلمية واوايل ( اول خم ) المنتزعات ونقشها في الألواح النفسانية وحكم هذا كما مر في الذي قبله والثامن عالم الأفكار وهي من فلك عطارد الكاتب ظاهرها من ظاهره وباطنها من باطنه على نحو ما مر في عالم القلوب وتأثير فلكه منه وتأثيره بالملئكة الثلاثة سيمون وشمعون وزيتون والتاسع عالم الحيوة الحيوانية الحسية وهي من فلك القمر ولا بأس بالاشارة الى بيان الحيوة الحيوانية الحسية التي يشترك فيها ساير الحيوانات على نحو الاختصار والاقتصار فاعلم ان الجسم الحيواني متقوم بالدم والدم متقوم بالعلقة اعني ( اي خل ) الدم المنعقد في تجاويف الفؤاد الصنوبري في الجانب الأيسر اكثر من جانب الأيمن والعلقة متقومة بدم اصفر فيها هو محل الحرارة الغريزية والدم الأصفر محل الطبايع الأربع بما تقومت به من الأجزاء البخارية فانها اي الأجزاء البخارية الحاصلة ( الحاملة خل ) للطبايع الأربع على اربعة اقسام جزء ناري حار يابس وجزء هوائي حار رطب وجزءان مائيان باردان رطبان وجزء ترابي بارد يابس فبحركة فلك القمر بطبيعته وبما لحقه من طبايع الكواكب تلطفت تلك الأجزاء وتكلست تكليسا صالحا حتى تساوت في اللطافة سماء الدنيا فلما ساوته تعلقت بها الروح الحيوانية الحسية من مجاورتها له ومشاركتها له في نوع التركيب ومساواتها له في النضج الاعتدالي المقتضي لتعلق الحيوة الحسية والحاصل ان كل واحد من هذه الأفلاك التسعة فله ذرية لا تكاد تحصى وانما يطلقون عليها عدد الألف ليس لحصور من العدد ( لخصوص العدد خل ) بل انما هو كناية عن الكثرة كما اشرنا اليه سابقا
قلت وعشرة عوالم وهي هذه التسعة وعالم الاجساد
اقول والكلام فيه كغيره وظاهره ظاهر
قلت واحد عسر عالما وهي ميادين التوحيد ستة منها كثيرة الحيات والعقارب مظلمة ذات اهوال منكرة هلك فيها خلق كثير واليه الاشارة بتأويل قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون فادني المراتب الستة واخسها الاجسام فمن الناس يعبد جسما والثاني المثال ومنهم من يعبد شبحا ومنهم من يعتقد انه مادة ومنهم من يعتقد ان معبوده طبيعة ومنهم من يعتقد انه نفس وصورة مجردة وهذه الخمسة دركات الهالكين
اقول وقولي وهي ميادين التوحيد يعني ان ميادين التوحيد مما يراد من ذلك في بعض الأحوال وانما خصصتها بالذكر لما في التنبيه على ذلك من الفوايد فمنها خمسة كما يأتي هي مراتب التوحيد الحق اعلاها لأعلاه واسفلها لأسفله والستة الباقية خمسة منها هي مراتب التوحيد الباطل وهي طرق النيران ولكل منها اهل وسكان وواحد متردد بين الخمسة الاولى الحق وبين الخمسة الاخرى الباطل فاما هذه الخمسة الباطلة فالأول منها من يعتقد ان معبوده جسم كالأجسام وذلك كالكرامية وبعض الحنابلة ومنهم من يعتقد انه جسم لا كالأجسام والظاهر انه كالأول اذا اريد به التجسيم اللفظي والا فلا اشكال في كونه من الأول والثاني من يعتقد انه تعالى صورة ومثال وآية وحدته تشخص المتشخصات ( المشخصات خل ) الجنسية والنوعية والصنفية والشخصية وهو باطل كالأول والثالث من يعتقد انه تعالى مادة الأشياء كما ذهب اليه كثير من الصوفية ومثلوا له بالمداد بالنسبة الى الكتابة والرابع من يعتقد انه عز وجل طبيعة وحقايق الأشياء وطبايعها منه تعالى بالسنخ او بالظل ومن قال بانها في ذاته بنحو اشرف وكذا من قال ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته يلزمهم القول بهذا نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى والخامس من يعتقد انه تعالى نفس ومن قال بانه نفس الكل والعالم جسمه فهو منهم وهذه الخمسة المراتب عوالم الضلالة وسلاك طرق النار لكل باب منهم جزء مقسوم وقولي كثيرة الحيات والعقارب اشير به الى ان هذه الاعتقادات اسباب المسخ التي من صورها الحيات والعقارب وسائر الحشرات والحيوانات المنكوسة ناكسوا رؤسهم عند ربهم والأهوال المنكرة آثار اعتقاداتهم من الأقوال والأعمال والأحوال التي ينكرها كل من وقف عليها من المؤمنين العارفين بالله عز وجل فانهم قد هلكوا بها واهلكوا من اتبعهم واصغي اليهم وقولي واليه الاشارة بتاويل قوله تعالى اي والى كون اعتقاداتهم ذات اهوال منكرة قد هلك فيها خلق كثير منهم ومن اتباعهم الاشارة بقوله تعالى لقد ذرأنا لجهنم الآية ووجه الاشارة انه عز وجل ذرأهم وعين طبايعهم وقدرهم بمقتضي اجابتهم المقرونة بانكار دعوته فانه تعالى خلقهم في الخلق الثاني اعني التقدير بمقتضى اجابتهم المقرونة بانكار دعوته فحكم عليهم بما اتصفوا به من الانكار بعد البيان وهداية النجدين وذلك على نحو قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم واذا خلقهم بقابلياتهم من الاجابات العملية ( العلمية خل ) والقولية كان ذلك الصنع والتركيب مؤديا الى جهنم بسلوكهم في اعمالهم طريق ما خلقوا عليه والذي خلقوا عليه هو ما اجابوا اليه مختارين فحق عليهم حكم الله عز وجل في كتابه في هذه الآية وامثالها فافهم فكانت تلك الاجابة ( الاجابات خل ) القبيحة موجبة لخلقهم كذلك فكانت لهم قلوب لا يفقهون بها الاعتقادات الحقة لهم ولهم ( الحقة ولهم خم ) اعين لا يبصرون بها الآية ولهم آذان لا يسمعون بها الموعظة اولئك كالأنعام لما روي انهم مساوون لهم لاشتراكهم فيها في الأرواح الثلاثة روح المدرج وروح القوة وروح الشهوة فلا فرق بينها وبينهم الا روح الايمان وليست فيهم بل هم اضل لأنهم اعطوا الفهم والعقل والتميز ولم يعملوا بما اعطوا فسلبت عنهم التأييدات الالهية واولئك هم الغافلون عما يراد عنهم واما السادس وهو طريق من يعتقد ان الله سبحانه معنى فهم في ذلك على قسمين : احدهما من يعتقد انه عز وجل معنى كساير المعنى ( المعاني خل ) وهذا باطل لأن المعنى مميز عن غيره بمشخصات معنوية كما يتميز معنى البيت اعني ما يسكن فيه عن معنى الخاتم اعني ما يكون آلة الزينة فان العقل يفرق بين احدهما من الآخر بمميزات معنوية فهو محصور في العقل في جهة معنوية من جهات العقل يؤمي اليها ( اليه خم ) باشارة عقلية وهذا ( هذه خل ) وامثالها صفات الخلق المحدث فلو عرف سبحانه بشيء من ذلك ونحوه لكان ذلك المعروف حادثا وثانيهما من يعتقد انه عز وجل معنى اي شيء فاذا نزه ذلك الذي عناه عن الجهات المعنوية والاشارة العقلية ولو كان التنزيه حين يرجع اليه عقله كما هو حال سائر الغافلين دخل في زمرة الموحدين الا ان هذه المعرفة اسفل مراتب التوحيد اذ لا يدخل في اهل الشهود الذين عناهم سيدالشهداء عليه السلام في بيان حال طريقهم بقوله عليه السلام أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاشارة ( الآثار خل ) هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا وهذا ما ذكرته فيما يأتي وهو ما قلت : واما السادس وهو من يعتقد ان معبوده معنى كما هو معتقد كثير من اهل العقول فان عني ما يشير اليه عقله فقد ابطل لان الاشارة العقلية لا تقع الا على محصور دهري وذلك حادث اقول واما الشق الثاني الذي ذهب اليه بعض اصحاب العقول من هذا السادس اعني الاعتقاد بانه تعالى معنى فهو ما اشرت اليه
قلت وان اعتقده بدون تخصيص اشارة عقلية فذلك موحد الا ان توحيده اسفل مراتب التوحيد
اقول وهذا ما ذكرته قبل هذا فراجعه
قلت والخمسة الاخر فهي مراتب الفعل الاربع الاول والدواة الاولى خامسة التي هي معرفة النفس التي هي معرفة الرب فاعلاها في التوحيد ان يظهر لعبده في الرحمة ثم في الرياح ثم السحاب المزجي ثم في السحاب المتراكم ثم في المداد الاول المسمى بالدواة الاولى
اقول المراد بهذه الخمسة المراتب مراتب المعرفة بالنسبة الى العارفين لأن حقيقة معرفة العبد هي ما ظهر به الرب له من وجوده فحقيقة المعرفة حقيقة العارف من ربه يعني ظهوره تعالى لعبده به وذلك الظهور هو اثر الفعل الظاهر والأثر مشابه لصفة المؤثر ( مؤثره خم ) التي هي مبدؤه ومنشأه وقد قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان ( الاستدلال على خل ) ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فاذا اعتبرنا الأثر وجدناه في نفسه وظهوره له خمس مراتب اربع تنسب اليه وواحدة الى اثره لأنه قبل الظهور يعتبر فيه البطون وهي الاولى ومن حيث البطون هي الثانية والظاهر هي المرتبة الثالثة ومن حيث الظهور هي الرابعة وهذه الاربع مراتب للشيء قبل الظهور تنسب اليه بنفسه وان كان اعتبارها انما هو من جهة اتصافه بالظهور والخامسة هي الظهور الذي هو هيئة الفعل وهيئة الفعل منها ما هو متصل به وهو الذي تلبس الفعل به لا ينفك عنه ومنها ما هو منفصل عن الفعل وهو المعبر عنه بالأثر وبالمعلول ونظر المعلول الى علته اعني الوجه المتصل بالفعل الذي لا ينفك عنه اعلى من نظره الى نفسه من حيث كونه اثرا ومعلولا وهذه الأربعة اعني الباطن ومن حيث الباطن والظاهر ومن حيث الظاهر التي هي اسماء الفاعل مركبة ومتقومة من الأثر الذي به الظهور ومن المؤثر الذي هو فعل الظاهر فيكون هذا المركب اسما للظاهر يعرف به ويتميز به عند العارف به وقد تقدم ان هذا الفعل الذي قلنا انه المؤثر له اربع مراتب النقطة والألف والحروف والكلمة والمركب من الأثر والفعل الذي قلنا انه المؤثر له اربع مراتب فالنقطة مع البطون وهو الاولى ( الاول خل ) وهو اعلى الأسماء والألف مع حيثية البطون هو الثاني والحروف مع الظهور هو الثالث والكلمة مع حيثية الظهور هو الرابع وهذه الأسماء الأربعة هي المقامات والعلامات التي بها يعرف الله تعالى وهي ( وهو خم ) ما ذكره الحجة عليه السلام في دعاء كل يوم من شهر رجب في قوله ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت الدعاء فالعارف بالأول اعلى من العارف بالثاني وهذا الثاني اعلى من العارف بالثالث والعارف بالثالث اعلى من العارف بالرابع فاذا اعتبرت هذا في الصفات العليا الكلية الكبري العامة المطلقة تعين العارفون بها فلا يصل الى الأول الا محمد صلى الله عليه وآله ولا الى الثاني الا علي بن ابيطالب عليه السلام وهكذا وان اعتبرت فيما دون ذلك من الصفات كصفات الصفات سواء كانت كلية اضافية او جزئية تفاوتت فيها مراتب العارفين كالأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء وقيمة كل امرء ما يحسنه وقولي ونظر المعلول الى علته الخ اريد بالعلة الاسم المركب من الأثر والمؤثر لا خصوص المؤثر الذي هو الفعل اذ لا يوجد هناك عارف غير الفعل نفسه بنفسه فافهم واريد بالمداد الأول المسمى بالدواة الاولى الأثر نفسه المعبر عنه بالوجود الممكن الراجح الثبوت والعارف به ناظر اليه نفسه بمعنى انه اثر وصفية ( وصفة خل ) وظل الفعل وما اشبه ذلك وهذا طريق عال من طرق المعارف الا ان الأربعة الأول اعلى لأن العارف هنا ناظر الى نفسه من حيث انه اثر وصنع وهو المراد من قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وفي الأربعة الأول ناظر الى علته ونظره الى علته اعلى من نظره الى نفسه واريد بالنظر الى نفسه من حيث هو اثر هنا للاحتراز ( الاحتراز خم ) عن النظر الى نفسه من حيث هو هو فانه حينئذ جاهل لا يجد شيئا لأنه سراب حتى اذا جاءه لم يجده شيئا واعلم انك لو اردت بالمداد الأول والدواة الاولى ارض الجرز والقابليات جاز ذلك وصدق عليه الأسم الا ان ارادة كونه الوجود الراجح الممكن اولى واعلم ان هذا الوجود نور الأنوار وقد يذكر في الأخبار بالنور الذي تنورت منه الأنوار والحقيقة المحمدية وقولي فاعلاها في التوحيد ان يظهر لعبده في الرحمة الى آخره اريد به انه سبحانه يظهر لعبده بفعله او بمفعوله الذي هو عبده ونسبة مراتب المعرفة بعضها الى بعض في القرب والشرف نسبة الظهور الى مراتبه فالظهور في الرحمة اعلى من الظهور بالألف والظهور به اعلى من الظهور بالحروف والظهور بها اعلى من الظهور بالكلمة والظهور بها اعلى من الظهور بالوجود والظهور به اعلى من الظهور بارض الجرز فالأربعة الأول والخامس الذي هو الوجود اعلى المعارف وهي المشار اليها بالهاء قال عليه السلام في تفسير الهاء من هو في قل هو الله احد تثبيت الثابت
قلت فالاولى معرفة الباطن في النقطة والثانية معرفة الباطن من حيث هو باطن بالنفس الرحماني والثالثة معرفة الظاهر بالسحاب المزجي والرابعة معرفة الظاهر من حيث هو ظاهر بالسحاب المتراكم والخامسة معرفة الظهور بالماء وهي المقامات المشار اليها سابقا
اقول هذا هو ما اشرت اليه في الشرح قبله واريد بالماء ما ذكرته اعني الوجود وان اردت به ارض الجرز كان المراد بالماء الماء الأجاج
قلت فهذه احد عسر عالما خمسة نور ونجاة وخمسة ظلمة وهلاك وواحد فيه ظلمات ورعد وبرق يكاد يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا يا نور النور اهدنا من عندك وافض علينا من فضلك وانشر علينا من رحمتك وانزل علينا من بركاتك
اقول فهذه اعني جميع طرق ما يقال عليها اسم المعرفة من حق وباطل احد عسر عالما من خلق الله خلق سبحانه حقها بفضله على مقتضى عنايته وباطلها بمقتضى دواعي المبطلين في الواح الثرى وهي كتاب الفجار المكتوب في السجين واما الواحد اعني طريق من يرى انه عز وجل معنى ففيه ظلمات من العادات والدواعي الشهوانية ورعد من زواجر المواعظ والآيات في الأرض والسموات وبرق من داعي ( دواعي خل ) الفطرة التي فطر المخلوق عليها التي هي صورة الاجابة لدعوة الله ( لدعوة الله من الخلق الاول خم )
قلت واثنا عشر عالما من نار وتراب وهواء وماء في الجبروت ونار وتراب وهواء وماء في الملكوت ونار وتراب وهواء وماء في الملك
اقول اذا سمعت قول اثني عشر عالما او اثني عشر الف عالم فمن المراد به العوالم النارية والهوائية والمائية والترابية التي هي بسيط ( هي اما بسيطة خل ) او مركبة وغلبت ( غلب خل ) عليها واحد من واحد الطبايع ( عليها واحد من الطبايع خم ) فان لم تلحظ الأفراد قيل اثنيعشر عالما اذا اريد منها النوع او الجنس او الصنف وان لحظت الأفراد قيل اثني عشر الف عالم وتقديمي التراب على الهواء في الجبروت والملكوت وتأخيره في الملك اشارة الى ترتيب البروج في عالم الغيب وترتيب العناصر في عالم الشهادة كما هو راى بعض علماء الجفر حيث جعلوا ترتيب الحروف على ترتيب طبايع البروج فيما يتعلق بالنفوس وعلى ترتيب طبايع العناصر فيما يتعلق بالأجسام
قلت وهكذا كل عبارة في الروايات وكلام العلماء من ذكر العوالم فتصرف الى اعتبار
اقول يعني ان كل عبارة دلت في ذكر العوالم على عدد في الأحاديث وكذا في عبارات اهل المعرفة انما يراد بها شيء من نوع ما اشرنا اليه فافهم
قلت ثم اعلم ان ادم (ع) ابو العالم في كل عالم الى الف الف عالم واول ادم وجد هو المشية وهو ادم الاكبر وفلك الولاية المطلقة والحقيقة المحمدية ومقام او ادنى وعالم فاحببت ان اعرف
اقول هذا اشارة الى ما ذكره الصدوق (ره) في آخر الخصال في روايته عن الباقر عليه السلام فانه عليه السلام ذكر في قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد ان الله قد خلق الف الف عالم والف الف آدم ونحن في آخر العوالم وآخر الآدميين ويراد منها تنزلات مراتب الامكان والأكوان الوجودية واول موجود في الامكان هو الفعل اعني المشية خلقه الله بنفسه وهو آدم الأول الأكبر وقد تقدم بعض الكلام عليه واولاده المشيات التي بها كونت جزئيات الأشياء وكلياتها من المكونات المقيدة فان كل شيء كونه الله سبحانه بمشية خاصة به لا تكون لغيره الا ببعض المشخصات وكلها اولاد المشية الكلية الأولية التي هي آدم الأول واول مكون بآدم الأول الوجود اعني الماء الكون الذي هو اصل كل مكون محدث من الغيب والشهادة وقد ذكرنا انه لا يمكن فيه من ذاته اكثر من اربعة عشر شخصا الا ان يشاء الله ان يغير ما اجرى في حكمته فانه على كل شيء قدير وهذا آدم الثاني واولاده تنزلاته وظهوراته باشعته ومظاهره وهي مائة واربعة وعشرون الفا وثاني مكون من المكون الأول العقل الكلي واولاده العقول الجزئية وهي كلية اضافية وهي مائة واربعة وعشرون الفا وهذا آدم الثالث وهكذا الروح والأرواح والنفس والنفوس والطبيعة والطبايع وهلم جرا الى عالم الأجسام تترامي العوالم نازلة الى التراب ثم ترجع صاعدة وكلها على نحو ما قلنا واما قولنا وهو آدم الأكبر اعني المشية وفلك الولاية المطلقة والحقيقة المحمدية (ص) ففيه تسامح في العبارة لان العبارة جارية على نمط اصطلاح القوم وهم يجعلون الوجود الراجح الذي هو المشية وما تعلقت به وهو الوجود المطلق الذي هو امر الله اعني الماء الذي به حيوة كل شيء وهو اول صادر عن المشية لا من شيء ولازمه الذي هو ارض القابليات وارض الجرز في رتبة واحدة وهي رتبة الامكان الراجح والوجود المطلق وبعد هذه الرتبة ( وبعد هذا رتبة خم ) الامكان الجايز والوجود المقيد الذي اوله العقل الكلي ونحن نجعل اول صادر عن الفعل ولازمه برزخا بين المطلق والمقيد فان شئنا قلنا الوجود المطلق الراجح هو المشية والمقيد هو العقل وما بعده الى ما تحت الثرى وما بين المطلق والمقيد برزخ اعلاه مع المطلق واسفله مع المقيد وان شئنا قلنا ما بينهما مع المطلق وان شئنا قلنا ما بينهما مع المقيد فعلى قولنا يكون فلك الولاية محتمل ( فلك الولاية المطلقة يحتمل خم ) الوجهين فان اريد به المشية فلا اشكال وان اريد به نور الولي عليه السلام كان هو والحقيقة المحمدية الذي هو ( التي هي خم ) نور النبي صلى الله عليه وآله مادة للأشياء كلها ووجودها الذي هو امر الله الذي به قام كل شيء قياما ركنيا لأن الله سبحانه جعله عضدا لخلقه وليس المراد بذلك ان الأشياء اجزاء منه اذ ليس ينزل شيء عن مقامه وانما الأشياء كونت موادها من اشعته وتنزلاته وآثاره ( تنزلاته بآثاره خم ) ومقام او ادنى وعالم فاحببت ان اعرف مثل فلك الولاية في الاحتمالين واعلم ان تقوم المشية بالحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله كتقوم حرارة النار بالحديدة حال كونها محمية وكتقوم الفعل بالقيام في قولك قائم ففعل القيام كالمشية والقيام كالحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والقائم كالوجه الذي هو مقاماته تعالى التي لا فرق بينها وبينه الا انها عباده وخلقه كما انه لا فرق بين قائم وبين زيد الظاهر بالقيام في هذه الجهة الا ان قائما صفة زيد وصنعه لأنه سمي زيد في حال ظهوره بالقيام بقائم فنحن نطلق الوجود المطلق على المشية وعلى اول صادر عنها لا من شيء وهو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله
قلت وكل آدم فهو لم يخلق من اب وام الا الاب والام المعنويين اللذين ذاته تركبت منهما على نحو ما سبق وهما الوجود والماهية اي المادة والصورة فالاب هو المادة والام هي الصورة
اقول اعلم ان كل آدم من الآدميين الالف الف آدم لم يكن مخلوقا من اب وام كما هو في ساير اولاده وذلك كما ترى في ابينا آدم عليه السلام وقد اشار الرضا عليه السلام الى نوع مطلق الدليل بقوله عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا ه وهذا الدليل وامثاله مثل قول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية الخ وغيره يفيد استدلالا على نفي الأب والأم لكل آدم كما في ابينا عليه السلام واستدلالا على ثبوت التركيب لكل مخلوق من مادة وصورة وان المادة هي الأب والصورة هي الأم وهذا معنى قولي الا الأب والأم المعنويين الخ وقولي وهما الوجود والماهية اريد بهما المادة والصورة ولذا فسرتهما بهما فالوجود هو المادة والصورة هي الماهية سواء كان ذلك في عالم الأنوار كالعقول فان وجودها هو مادتها وماهيتها هي صورتها وهما في العقول مجردان عن العناصر والصور والزمان اذ كل شيء بحسبه فمادته وصورته من نوع رتبته في الكون الدهري الجبروتي ام في المثال كالصورة في المرآة مثلا فان مادتها ظهور المقابل لها وصورتها هيئة المرآة ولونها وصقالتها وهذا من نوع رتبتها في الكون البرزخي الظلي ام في الأجسام فانها مركبة من مادة عنصرية وصورة مثالية وذلك من نوع رتبتها في الكون الزماني الجسماني اما المادة فتشخص ( فتتشخص خم ) في الحس بالصورة المثالية ومقوماتها واما الصورة وان كانت من المثال فانها انما تظهر في الحس حال ارتباطها بالمواد العنصرية وسواء كان ذلك في الذوات كما مثلنا في الأجسام ام في الصفات كما مثلنا في الصورة في المرآة وسواء كان في الغيب كما مثلنا بالعقول ام في الشهادة كما ذكرنا في الأجسام وسواء كان في الخارج كما مثلنا ام في الأذهان كالأمور المنتزعة من المعاني والأعيان والهيئات وغير ذلك فالوجود على الحق الحقيق بان تطلب معرفته فيما سوى الله سبحانه هو المادة وهو قول بعضهم وهو الصحيح خلافا للأكثرين وهو الركن الأعظم من كل شيء محدث صدر كونه بمشية الله لأن الوجود هو الذي صدر عن فعل الله ومعلوم ان الشيء انما هو في الحقيقة عبارة عن المادة والصورة فان حد الانسان الحقيقي التام هو الحيوان والناطق مثلا والحصة الحيوانية هي المادة والحصة الناطقية هي الصورة ولم يكن له اصل غيرهما والا لما كان الحد بهما تاما حقيقيا ولو كان الوجود غير المادة لما كان الحد بدونه تاما ولما كان الوجود اظهر الأشياء لكنه هو المادة اذ هي اظهر الأشياء في كل شيء ولكنه لشدة ظهوره خفي على الأكثر حتى توهموه شيئا موهوما او مفهوما او ذهنيا او معنى مصدريا او هو الوجود الحق او فعله وما اشبه ذلك وكل هذه الاحتمالات باطلة والحق ان الوجود المحدث هو المادة في كل شيء بحسبه والوجود الحق لا يعلمه الا هو لأنه هو ذات الله عز وجل ودعوى السنخية والظلية باطلة ودعوى الاشتراك المعنوي واللفظي ايضا باطلة اذ لم تدخل الذات المقدسة مع غيره تحت حقيقة واحدة فلا يصح المعنوي ولا يكون بين ذاته عز وجل وبين غيره من كل شيء مناسبة من جميع النسب الأربع فلا يصح اللفظي فافهم
قلت وهذا هو المستفاد من كلام اهل العصمة عليهم السلام
اقول يعني ان كلامهم عليهم السلام صريح لمن يفهم فيما ذكرته واذكره بان المادة هي الأب والصورة هي الأم كما يأتي بعد هذا
قلت واما ما اصطلح عليه المتقدمون والحكماء من ان الاب هو الصورة والام هي المادة وان الصورة اذا نكحت المادة تولد عنهما الشيء توهما منهم ان النشو والتخلق في بطن المادة فهي الام فبعيد من جهة المناسبة
اقول المراد بما استفيد من كلام اهل العصمة عليهم السلام من كون المادة هي الأب والصورة هي الأم ما يأتي عن الصادق عليه السلام من قوله ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم من ( في خل ) رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لأبيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ه ويأتي بيان وجه الاستدلال به على المطلوب ومثله قوله عليه السلام السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه ه ويأتي بيانه ايضا واما ما اصطلح عليه المتقدمون فدليلهم اعتبار ضعيف لأنك اذا وزنت الأشياء بالميزان الحق وجدت ذلك كما قلنا وذلك نحو قولك ان المادة هي تدخل عليها لفظ من اذا اردت التعبير عنها فتقول صغت الخاتم من فضة فالفضة هي مادة الخاتم لا الصورة وتحقق الخاتم انما يكون في الصورة لا في المادة والا لكان كل فضة خاتما كما يكون في الصورة فان كل ما هو بهذه الصورة فهو خاتم سواء كان من فضة ام من ذهب ام حديد ام نحاس ام خشب فاذا عرفت هذا فاعلم ان الأم خلقت من الأب كما قال تعالى خلقكم من نفس واحدة يعني آدم عليه السلام وخلق منها زوجها يعني حواء وهذا معلوم ان حواء خلقت من آدم عليه السلام وكذلك الصورة خلقت من المادة لا العكس وهذا يطابق تأويل قوله عليه السلام السعيد من سعد في بطن امه الخ اي ان السعادة والشقاوة في بطن الصورة الا ترى ان الخشب الذي هو مادة السرير والباب والصنم ليس فيه حسن ولا قبح فاذا عمل بابا كان فيه حسن واذا عمل صنما كان فيه قبح فكان الحسن والقبح في الصورة لا في المادة فتفهم ما اشرنا اليه لتعرف الدليل والاستدلال ويظهر لك ان قولهم وان كان اصطلاحا بعيدا من جهة المناسبة خاليا من الفائدة
قلت واما من جهة مجرد الاصطلاح والتسمية مع قطع النظر عن المناسبة فلا محذور ولكنه لا ينفتح به كل باب الا اذا اريد به هذا الاصطلاح الصواب بل ربما يقال ان ليس ذلك باصطلاح وانما الواضع للغة العربية وهو الله سبحانه وتعالى وضع ذلك كذلك
اقول ان العادة جرت من اهل كل عرف على انه اذا ارادوا الاصطلاح على شيء نقلوه من اللغة لتكون المناسبة بينهما مقربة لفهم ذلك الاصطلاح وقولهم ان الصورة هي الأب والمادة هي الأم بعيد من المناسبة بدليل ما اشرنا اليه فيما ذكرنا من الروايتين والاعتبارين نعم لو قصدوا مجرد الاصطلاح غير ملاحظين للمناسبة جاز ولكن لا تتعدي فائدته فلا تستفاد منه فائدة ولا يستنبط منه دليل واما ما ذكرنا بعد قيام الدليل الخاص عليه فانه مشتمل على المناسبة التامة وعظيم الفائدة وافادته الدليل على كثير من المعارف لو قيل انه اصطلاح واما على احتمال انه حقيقة وضعه الواضع على هذا المعنى كما يستفاد من بواطن الأخبار فلا اشكال فيه
قلت فاذا ظهر لك ما قررنا سابقا ونقرر لاحقا ظهر الحال من غير حاجة الى استدلال ولو سلمنا ان ذلك ليس من اصل وضع اللغة قلنا ان الاصطلاح المناسب للامر الواقع اولى بالمصير اليه
اقول اريد بهذا الكلام ان ما اشرنا اليه غير خفي على كل من نظر في كلامنا اذا لم يلاحظ ما قالوا واما اذا لاحظه في فهمه لذلك بان يجعل قولهم مسلما عنده وانما الاشكال في كلامي هل يمكن التوفيق بينه وبين كلامهم فلا ريب انه يخفي عليه لأنه على عكس ما قالوا فكيف يوافقه وايضا قولي بينه وبين المعنى اللغوي على فرض ان كلامي ليس حقيقة مناسبة تامة وذو المناسبة اولى من غير ذي المناسبة بالمصير اليه لأن المناسبة اذا حصلت ظهر للمنقول كثير من احكام المنقول منه وتنفتح للعالم بتلك المناسبة ابواب من العلم كثيرة ومن تتبع رسائلنا وقف على كثير منها والله سبحانه هو الموفق
قلت وبيان الاشارة الى المناسبة ان الاصل في المولود هو الاب والتخلق والتقدير ظاهرا وباطنا انما هو في بطن الام وان كان المولود مركبا منهما كما روي عن الحسن بن علي بن ابيطالب (ع) ما معناه ان الانسان خلق من اربعة عشر شيئا اربعة من ابيه واربعة من امه وستة من الله فالتي من الاب العظم والمخ والعصب والعروق والتي من الام اللحم والدم والجلد والشعر والتي من الله الحواس الخمس والنفس فاذا نظرت ما من الاب رأيته هو اصل الانسان لأنه هو القسم الاقوى ولهذا كان جانب الاب اقوى وادخل في امر الميراث وفي الولاية وغير ذلك كالمادة لانها هي الجانب الاقوى في الشيء والصورة هي الجانب الاضعف فيه كالام فان ما منها ظاهر المولود وقشره كاللحم والدم والجلد والشعر يتعلق بما من الاب كالصورة تتعلق بما من المادة بحلولها فيها
اقول هذا الكلام كله ظاهر لأنه اتى به بيانا فلا يحتاج الى بيان مع ما يأتي من بعده فيه بيان ايضا
قلت لكن لما كان التخلق الذي هو التصور انما يكون في بطن الام والاحكام لا تعلق لها بنفس المادة والا لتساوت جميع اشخاص النوع في الاحكام وانما تتعلق بالصور لتختص كل صورة بما يناسب لها من الحكم كانت الاحكام منوطة بالصورة كما ان حكم المولود منوط بصورته ولا تكون الا في بطن امه ومن هنا قال (ع) السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه لان بطن الام هو محل التخلق والتصور وذلك هو مناط الاحكام
اقول الدليل على ان الصورة هي الأم ان المادة لا تلحقها الأحكام وانما تلحق الصورة فاذا جعلنا المادة هي الأب والصورة هي الأم صح لنا ما ذكرناه سابقا وذلك مثل الخشب الصالح للسرير وللصنم ( الصنم خل ) لا يلحقه من حيث هو حسن ولا قبح فلا تقول هذا الخشب حسن وهذا الخشب قبيح وان كان صالحا لعمل الحسن وعمل القبيح فاذا صور سريرا كان ذلك بتلك الصورة حسنا واذا صور صنما كان بهذه الصورة قبيحا فاذا اردت مطابقة الظاهر والباطن والتأويل ونظرت الى قوله عليه السلام السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه والى ما قاله بعض المفسرين تبعا للحكماء فيما قرروا في الطبيعي ان السامري حين اخذ الذهب لما صنعه عجلا خار ولو صنعه كلبا نبح ولو صنعه انسانا لكلم ( تكلم خل ) مع ان المادة واحدة وهي الذهب والى ما قاله الفقهاء من انه لو نزا كلب على شاة فاولدها ولدا فان كان بصورة الكلب فهو كلب نجس وحرام وان كان بصورة الشاة فهو شاة طاهر وحلال ومثله ما روي عن علي عليه السلام وجدت ذلك على ما قلنا مطابقا وعلى ما قالوا اولئك مخالفا وهو من جهة ان الصورة هي الأم التي يتشخص فيها المولود بالصورة التي تلحقها الأحكام وتبنى عليها وهذا ظاهر
قلت فاذا ثبت ان الصورة مناط الاحكام ثبت انها هي الام لا المادة والا لتساوت افراد النوع في الحكم لتساويها في المادة كما مر ونظير ذلك الخشب فانه مادة للسرير وللصنم فان عمل صنما كان فعله حراما ويجب كسره وان عمل سريرا كان جائزا فالحكم عليه بالحرمة والجواز انما هو في الصورة فصارت السعادة مثلا كالسرير والشقاوة كالصنم انما هو في بطن الصورة لا في بطن المادة وذكر الاصحاب في الكلب اذا نزا على شاة فاتت بولد فان كان كلبا فهو حرام ونجس العين وان كان شاة كان حلالا وطاهر العين والمادة واحدة وانما الحل والحرمة في بطن الصورة وهي الام وهذا ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد
اقول هذا الكلام ظاهر وقد ذكرته قبل هذا مكررا وهو في نفسه لا يحتاج الى البيان
قلت والى ما ذكرنا ورد التصريح عن الصادق (ع) في قوله (ع) ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فانظر الى صراحة هذا الحديث في المدعي
اقول قد ذكرنا قبل ان المادة في التعبير عنها لا بد وان تدخل عليها لفظ من فتقول صنعت الخاتم من فضة لأن دخولها في نحو هذا التركيب علامة ان مدخولها هو المادة اذ لا يقال صنعت الخاتم من الصورة فقوله (ع) ان الله خلق المؤمنين من نوره صريح في ان النور هو المادة اي الوجود وقد صرح عليه السلام بانها هي الأب فقال ابوه النور وامه الرحمة يعني الصورة الانسانية المستقيمة المنقوشة على هيئات الطاعات وصورها والدليل على ان هذا النور هو المادة ما ذكره عليه السلام في تفسير كلام جده عليه السلام حين قال اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال عليه السلام يعني بنوره الذي خلق منه والذي خلق منه هو المادة وهو النور اي الوجود وهذا ظاهر لا غبار عليه والمراد بالرحمة الحصة الناطقية وبالنور الحصة الحيوانية في قولهم الانسان حيوان ناطق فان حيوان ( الحيوان خم ) هو المادة وناطق ( الناطق خم ) هو الصورة والمراد بالمادة هو الوجود الذي هو اول صادر عن فعل الله تعالى اذ لم يصدر عن فعل الله سبحانه الا شيء والشيء لا يتقوم الا بمادة وصورة والمادة هي الصادر عن فعل الله والصورة هيئة ذلك الصادر وانفعاله بفعل الله فاشرب صافيا ودع عنك الأوهام
قلت لان النور هو المادة والمراد به الوجود لقول الصادق (ع) في تفسير قوله (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال (ع) يعني بنوره الذي خلق منه
اقول هذا هو ما ذكرنا قبل والمراد في هذا الحديث بنور الله هو الوجود ويعبر عنه تارة بالفؤاد وانما سماه نور الله لأنه غير ناظر الى نفسه ابدا وانما ينظر الى الله فمثاله في نظره الى الله متوجها اليه سبحانه من جهة فعله اي متوجها اليه بواسطة توجهه الى فعله الذي منه بدأه مثال نور السراج في عدم نظره الى نفسه ابدا وانما ينظر الى السراج اعني النار بواسطة نظره الى الشعلة المرئية من السراج منتهيا اليها لأنها هي التي منها بدؤه ( بدأته خم ) النار فافهم وانما لم يقل عليه السلام لأنه ينظر بحقيقته او بوجوده لأنه حينئذ بمدلول اللفظ ناظر الى نفسه فلا يكون حينئذ نورا بل هو ظلمة وعدم فلا تكون له فراسة اصلا
قلت والرحمة هي الصورة لان الصورة هي صبغ للمادة فالرحمة صبغ الوجود وهي الماهية الثانية لان الماهية الاولى شرط لتحقق الوجود في الخلق الاول قبل التكليف واما في الخلق الثاني حين قال لهم الست بربكم فمن اجاب بلسانه وقلبه خلقه من صورة الاجابة وهي الصورة الانسانية حقيقة وهي الصبغ في الرحمة فافهم ومن عصي بقلبه خلقه من الصورة الشيطانية وهي الصبغ في الغضب فالسعيد من سعد في صبغ الرحمة قال (ع) وهي الام والشقي من شقي في صبغ الغضب
اقول المراد من الرحمة في الحديث الشريف المتقدم الصورة بدليل قوله عليه السلام خلقهم من نوره فالنور هو المادة وقوله عليه السلام وصبغهم في رحمته فالرحمة هي الصورة لأنه تعالى ركبهم في خلقهم من مادة وصورة فالرحمة صبغ الوجود لأنها صورة له في خلق المؤمنين والغضب صبغة ( صبغه خل ) في خلق الكافرين وقولي وهي الماهية الثانية اشير به الى ان الخلق الأول هو خلق المادة النوعية فتكون مركبة من مادة بسيطة ومن ماهية اولى وهي انفعاله وقبوله الايجاد بفعل الله تعالى كالخشب فانه مركب من مادة بسيطة وهي الحصة من العناصر ومن صورة نوعية وهي الحصة الخشبية وهذا هو الخلق الأول للسرير وللصنم اللذين متساويان ( يتساويان خم ) فيه في الصلوح ولم يظهر فيه الحسن والقبح لأن هذه الماهية شرط للتحقق ( التحقق خل ) في الخلق الأول فلا تكون منشأ لظهور الأفعال الاختيارية لأن هذه متساوقة في الظهور للوجود الذي به تكون الشيئية فتكون الماهية الاولى قبل التكليف التفصيلي وان كانت في الحقيقة هي اجابة التكليف والقبول والتحمل الذي هو علة الكون واما الماهية الثانية فهي صبغ الرحمة في خلق المؤمنين كحصة صورة السرير في ايجاد السرير وهو صبغ الغضب في خلق الكافرين كحصة صورة الصنم في ايجاد الصنم وصبغ الرحمة هو الصورة الانسانية لاشتمالها على حدود الطاعات التي هي جنود العقل كما في حديث هشام في الكافي وصبغ الغضب من الصورة الشيطانية لاشتمالها على حدود المعاصي التي هي جنود الجهل ونريد بحدود الطاعات العلم والحلم والاخلاص والرجاء واليقين والزهد والورع وما اشبه ذلك فان كل واحد منها حد تتميز به الطاعات وحدود المعاصي الجهل والخرق والريا والقنوط والشك والطمع والخوف وما اشبه ذلك فان كل واحد منها حد تتميز به المعاصي عن الطاعات والهندسة والتخطيط الذي تميزت به الصورة انما هو هذه الحدود واشباهها لأن تلك الصور ( الصورة خل ) معنوية والتصوير الوارد عليها ايضا معنوي فافهم
قلت ونظيره من المعروف عند الناس في الانسان انه حيوان ناطق فالحيوان مادة تصلح للانسان والكلب والصورة لمادة الانسان الناطقية فالنطق هو الصورة وهي التي يتميز فيها الانسان من الكلب فهي الام التي يشقى في بطنها الشقي ويسعد في بطنها السعيد
اقول انما قلت من المعروف عند الناس لأنهم في علومهم ( قلوبهم خم ) ومحاوراتهم ينظرون في معرفة الشيء الى ما يفهمون منه ولا يفهمون من معنى الحيوان الا انه المتحرك بالارادة فيجعلون مفهوم هذا جنسا شاملا لجميع الحيوانات فيأخذون لكل نوع حصة ويميزون بينها بالصور النوعية اعني الفصول وينتقلون من ذلك المفهوم الى الموجود المعلوم الخارجي فينظرون في حصة كل نوع خارجي بذلك المعيار ثم حكموا بان تلك الحصص الخارجية متساوية في الرتبة لكونها من حقيقة واحدة واخطأوا لأنهم انما ادركوا الاتحاد من قبل المفهوم وتمشوا منه الى الخارجي المعلوم وفي الحقيقة انما اشتركت الحصص في جهة التسمية واوقاتها وامكنتها متفاوتة تفاوتا يلزم منه ان الوضع على السابق قد تحقق واستعمل في وقت ومكان لم يوجد المسمى المتأخر ليريده الواضع فيضع اللفظ بازائه ولم يدخل في حقيقة الأول ليكون فردا منها فاذا وضع اللفظ بازائها دخل في جملة افرادها وانما هو من حقيقة مغايرة لحقيقة الاولى نعم لما كان بين الحقيقتين تقارب وتناسب وهو تناسب السببية والمسببية وتقارب الملزومية واللازمية حصلت المناسبة الذاتية التي هي علة الوضع بين اللفظ الموضوع للاول وبين الثاني اللازم فحسن الوضع عليه بعد وجوده ولم يكن وقته ومكانه وقت المسمى الأول ومكانه ليكون مساويا له وليس الوضع عليهما وضعا واحدا لأن الوضع الواحد انما يكون بازاء موجود وحين الوضع على الأول لم يكن الثاني موجودا وحين وجد الثاني ووضع عليه ما وضع على الأول لم يكن مجتمعا معه في رتبة واحدة وانما جمعهما مفهوم اللفظ والمفهوم غير المعنى المسمى فاذا قلت ان الوضع على الثاني بالحقيقة قلت يجوز ذلك ولكن بمعنى انه حقيقة بعد حقيقة كما هو شأن المشتركات اللفظية في كونها باوضاع متعددة نعم قد تتعدد ( تعدد خل ) حصص الحيوانية فتكون اذا كان في اللازم والمسبب حصة واحدة تكون في السبب والملزوم حصتان لأنه يشارك الأسفل في الحصة السفلى وينفرد بالحصة العليا ويأتي بيان هذا عن قريب ان شاء الله عند ذكره فيأتي ان الحصة الحيوانية المجامعة للناطقية من نوع لا يكون جنسا لها وللمجامعة للنابحية والصاهلية ولما ثبت ان السعادة والشقاوة انما هي في بطن الأم وان الصورة الشخصية هي التي بها يتميز الشقي والسعيد كما مثلنا لك في الخشب والسرير والصنم ثبت ان الصورة هي الأم وقد تقدم ذلك ولما اردت الكلام بالاشارة الى بيان تلك الحصص
قلت ثم اعلم ان الحصة التي في الانسان من الحيوان التي هي المادة والحصة التي في الكلب من الحيوان التي هي مادته تجمعهما حقيقة واحدة في الظاهر بلحاظ ان الحيوان هو المتحرك بالارادة المعروفة عند العوام وعليه لا يجوز اصطلاحات العلماء في اكثر كتبهم ومحاوراتهم
اقول قد تقدم معنى هذا الكلام وبيانه فلا فائدة في اعادته
قلت واما في الحقيقة فهل هما كذلك وانما اختلفا باضافة الصورة من جهة قابلية كل منهما واستعدادها
اقول ان هذا الكلام وما بعده في ذكر اختلاف الاحتمالات في الحصة الحيوانية التي في الانسان والفرس على حسب ما تقتضيه ظواهر الأدلة الحكمة احدها انها يحتمل ان تكون الحصتان من حقيقة واحدة تدخلان تحت جنس واحد اذ هو مقتضي اتحاد مفهوم المتحرك بالارادة الصادق عليهما وعلى هذا فلم اختلفا في القوة والضعف حتى كانت في الحيوان اضعف منها في الانسان مع ان مقتضي الاتحاد المذكور ان يكون فيهما من باب التواطي فاجيب بان الاختلاف بين الحصتين مع تساويهما في اصل الهيولي انما حصل من جهة قابلية الحصة التي كانت اقوى واستعدادها ويرد عليه ان القابلية والاستعداد المشار اليهما شرط التحقق وقبل التحقق لاشئ وبعد التحقق تكونان من التواطي اذ هما من ذات واحدة ولا تصح ان تكونا من المشكك لأن الأفراد المشككة انما تتحقق من ذوات متعددة كالأبيض للانسان والقرطاس والقمر او من صفة منبسطة اختلفت رتب اماكنها كالبياض من الأبيض وكالنور من السراج بخلاف الحصة الذاتية من ذات واحدة فانها لا تصح الا من المتواطي والا لاختلفت رتب اماكنها فلم تكن من ذات واحدة
قلت ام لا بل كل حصة من حقيقة لان مراتب الوجود متفاوتة ولا ينحصر تفاوتها في مراتب المشكك بالقوة والضعف ليقال ان ما اختلف من المشكك تجمعه حقيقة واحدة بل منه المشكك ومنه الاعراض كالاضواء والانوار والصفات والافعال والنسب وذلك لا تجمعه مع معروضه حقيقة واحدة وان قلنا ان كل اثر يشابه صفة مؤثره لان جهة المشابهة هي الهيئة في الصفة والاثر
اقول هذا ثاني الاحتمالات وهو ان كل حصة من حقيقة غير الحقيقة التي منها الحصة الاخرى واختلافهما دليل على اختلاف اصلهما لأن التفاوت الذاتي لا يتحقق في الذات الواحدة المتحدة الرتبة والمكان ولا ينحصر التفاوت في مراتب المشكك بالقوة والضعف على فرض دعوى ان المشكك تجمع افراده حقيقة واحدة لانا نقول اولا ان التشكيك انما يكون من انواع المفاهيم المحصلة من الألفاظ او من الحقايق المختلفة المتعددة بسبب وصف اجتمعت فيه او من الأعراض المنبسطة لاختلاف اماكن تلك الحصص ورتبها وهو معنى قولي بل منه المشكك اي من الوجود اذا ( اذ خل ) اخذ بالمفهوم المعبر عنه في الفارسية بهستي فانه يشمل بهذا المعنى كل ما هو شيء فان المشكك وان اختلفت افراده دخل في الوجود بهذا المعنى وهو ( وهي خم ) حقيقة واحدة وان اختلفت في القوة والضعف وذلك كالأبيض والبياض مع اختلاف حقايق الأول وهو الأبيض والأضواء اذا اريد منها المنيرات واختلاف اماكن الثاني وهو البياض والأنوار المنبسطة اذا لم ترد منها المنيرات ومثل الثاني الصفات القارة الذاتية والغير القارة الفعلية والأفعال والنسب فان الأفعال تختلف باختلاف متعلقاتها والنسب كذلك والثاني وما يلحق به لا تجمعه حقيقة واحدة مع معروضاتها فان الصفة ليست في رتبة الموصوف والفعل ليس في رتبة الفاعل والنسبة ليست في رتبة المنسوب ومع ذلك تجمع الكل حقيقة الوجود بمعنى هستي بالفارسية وان كانت مختلفة الحقايق فيكون من الوجود المشكك ومنه غير المشكك وهو مختلف الأفراد كالمشكك وقولي وان قلنا ان كل اثر يشابه صفة مؤثره اريد به ان الأشياء مختلفة الحقايق وان قلنا ان كل واحد منها اثر لعلته والأثر يشابه صفة مؤثره ويلزم من هذا اتحادها لاتحاد المشابهة في جهة التشبيه فلا يكون مختلفة الحقايق بل نقول هي مختلفة الحقايق والمشابهة ( والمخالفة والمشابهة خم ) انما هي في الصفة والأثر وذلك لا يقتضي الاتحاد في الذات واجيب بان دليلكم يصح بين حصص الأنواع في انفسها اما على اطلاق كلامكم فلا فانه يتناول الحصص الشخصية فانا نجد بين افراد النوع الواحد تفاوتا عظيما مع الاتفاق في الحقيقة على ان افراد هذا النوع من المتواطي الذي مقتضاه التساوي فان خصص الدليل بالحصص النوعية صح والا فلا
قلت ام هما من شيء واحد وتتفاوت الحصص بما تكتسب من الصور لا بقابليتها واستعدادها
اقول هذا ثالث الاحتمالات وتقريره ان الحصص الحيوانية الموجودة في انواع الحيوانات واشخاصها كلها من شيء واحد اي ( او خل ) من حقيقة واحدة متحدة الرتبة والمكان والهيئة واختلافها في الحيوان الناطق والحيوان الصاهل والناهق وفي افراد كل نوع انما هو بما تكتسب تلك الحصص من الصور اللاحقة لها اعني الحصص الفصولية ( النوعية خل ) وفي الأفراد بما تكتسب كل حصة من الصورة الشخصية واختلافها لاختلاف ذلك الاكتساب والفرق بين هذا الاحتمال والاحتمال الأول ان هذا نسب فيه الاختلاف وتفاوتها في القوة والضعف الى ما يصل اليها من الصور وهي في انفسها متساوية تساوي تواط والأول نسب الاختلاف والتفاوت في القوة والضعف الى نفس الحصصة المادية وان كان ذلك انما ظهر بانضمام الصور لأن التفاوت من اصل استعداد ذات المادة فهو فيها بالقوة ويكون بالفعل عند ارتباط الصورة بها ويرد على هذا الاحتمال ان هذا التفاوت اذا كان في خصوص افراد نوع واحد امكن ان يسند التفاوت بينها الى الاكتساب من الصور اما اذا كان في الأنواع المختلفة فان كانت في رتبة واحدة من الوجود امكن ان يتم فيها هذا التوجيه كما لو فرض بين الفرس والحمار والبغل والابل والبقر والغنم والكلب وما اشبه ذلك ولكن اذا فرض بين احد هذه المذكورات وبين الانسان فانا وان سلمنا ان للصورة تأثيرا عظيما يحصل منه التفاوت العظيم الا ان الصورة التي يكون منها مثل هذا التفاوت العظيم لا يصلح الى الحكمة ان ترتبط بما لا يناسبها من المواد فان لون الياقوت مثلا وصفاؤه لا يصلح ان يوضع في مادة كثيفة وسخة كالتراب الغير الصافي فلو تعلق به ذلك اللون وذلك الصفا ضعف اللون والصفاء وكان لا يصلح واحد منهما ان ينسب الى الياقوت وانما يرتبطان بمادة صافية لطيفة نقية من الأوساخ والأعراض والكدورات فاذا فهمت التمثيل ظهر لك ان هذا التفاوت العظيم بين نوع الانسان ونوع الحمار لا يكون من خصوص ما يكتسب من الصور اذ لا يبلغ ذلك بالمادة هذا المبلغ من التفاوت العظيم
قلت والحق في المسئلة ان ما كان من شيء واحد منها كالحصص المتخذة من الذات الواحدة او من العرض فهي في الحقيقة واحدة واختلاف الحصص اذا كانت من شيء واحد انما هو باختلاف اكتسابها من الصور من الاعمال الظاهرة والباطنة الناشية عن اختلاف مراتب الاجابة في عالم الذر واختلاف الصور في القابلية والاستعداد بسبب اختلاف انفعالها من الحصص بسبب تفاوت مراتبها ومشخصاتها فتتفاضل اذا اجتمعت في الدرجات لكنها لا تتجاوز الحقيقة الجامعة لتلك الحصص
اقول هذا رابع الاحتمالات وهو التفصيل وهو الحق الذي تنصره الأدلة العقلية والنقلية وتقريره ما ذكرته في المتن وهو انه اذا كانت الحصص من شيء واحد كما لو اخذت من ذات واحدة او من العرض الواحد فمثال الأول كما اذا اخذت من جرم الشمس مثلا فهي من حقيقة واحدة بسيطة متساوية الأجزاء والحصص المأخوذة منها يجب ان تكون متساوية والا لتفاوتت اجزاء تلك الحقيقة فلا تكون في نفسها بسيطة متحدة بل تكون مركبة متعددة وهو خلاف المفروض ومثال الثاني كما اذا اخذت من شعاع الشمس او شعاع السراج فانها من حقيقة واحدة متساوية الأجزاء بالنسبة الى المنير في كونها ظهوره وانما اختلف في الشدة والضعف لاختلاف مواقعها ومواضعها وانما قوي ما كان اقرب الى المنير في المكان وضعف ما كان ابعد لقوة قابلية الموضع بالقرب ولو كان الموضع البعيد شديد القابلية بان يكون اشد من القريب في ذاته انعكس الأمر فكان مع بعده اشد استنارة وذلك كما لو كان البعيد صقيلا كالمرآة فانه يكون اشد استنارة من الأقرب الى المنير اذا كان كثيفا فدلت هذه الآيات على ان المنير متساوي النسبة الى القوابل عنه وانما اختلفت نسبتها اليه من نحو ذواتها فتكون متساوية في نفسها كالتي من الذات وانما اختلفت بما تكتسب من الصور والصورة تنشأ من الأعمال الظاهرة كالصلوة والزكوة والباطنة كالمعارف الحقة واختلاف الاكتساب ناش من اختلاف مراتب الاجابة في التكليف الأول في عالم الذر فاختلفت الصور باختلاف الاجابة في السبق والتقدم الذي هو لازم الصدق مع الله سبحانه في جميع المواطن في كل شيء بنسبته وهو الذي عبرنا عنه بالانفعال المنسوب الى الحصص التي هي المواد فانها تختلف في الاستعداد والقابلية لأنه عز وجل اعطى كل شيء خلقه فانبسطت العطية على مراتب اكوان الشيء فمنها ما يظهر بالوجود ومنها ما يظهر مع الوجود ومن ذلك ما هو بالفعل ومنه ما هو بالقوة وما بالقوة منه ما هو ناقص يتم بانضمام الصورة اليه او بما تكتسبه المادة من الصورة ومنها ما هو بالعين ومنها مع العين كما في الوجود ومنها ما هو بالقدر ومنها ما هو مع القدر كما في الوجود ومنها ما هو بالقضاء ومنها ما هو مع القضاء كما مر والحاصل ان التفاوت نشأ من اختلاف الاستمداد والاستمداد مستمر مع الخلق من اول ما ذكر به ( ما ذكرته خل ) في العلم الى آخر ما ذكر به ( ما ذكرته خل ) في العلم واعلم ان ما كان منها من شيء واحد وحصل بينها التفاضل بسبب ما ذكرنا لا يتجاوز تلك الحقيقة سواء كان من ذات او صفة فلا يكون للفاضل الذي من الشعاع مثلا ان يتجاوز رتبة الشعاع فيلحق بالمنير فيكون من نوع المنير ولا الذي من المنير ان يلحق بعلته نعم يمكن في حق الفاضل اذا بلغ في التكميل ان يشابه علته وهو نهاية سيره قال امير المؤمنين عليه السلام خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه هذا كله في اصناف الانسان والجان والملئكة واما فيما سوى ذلك من جميع الحيوانات فيما يتعلق بها من التكاليف الظاهرة والباطنة التي هي منشأ تكوينها وتفاضلها فبنسبة حال كل نوع وكل صنف وكل شخص منها يعرف ذلك بالقياس الى الانسان كل في رتبته وما منا الا له مقام معلوم ومرادي بقولي ان ما كان من شيء واحد ان الحصص المتعددة في الأنواع المتعددة والأشخاص المتعددة اذا قيس بعضها الى بعض وكانت هذه الحصص من رتبة واحدة كالفرس والكلب والطير وكالطير والطير والفرس والفرس وكالانسان والانسان وكالمعصوم والمعصوم فافهم
قلت وما كان من شيئين مع ما كان من شيء واحد اجتمعا في الرتبة الجامعة كالانسان والفرس يجتمعان في الحصة الحيوانية الفلكية الحساسة ويتفارقان فيما فوقها فالانسان فيه من الحيوانية حصتان ذاتية وعرضية وفي الفرس حصة واحدة ذاتية لها هي عرضية الانسان والحصة الذاتية للانسان هي حصة من الناطقة القدسية
اقول وما كان من شيئين يعني اذا قيس شيئان احدهما الى الآخر وكان احدهما من حصة والآخر من حصتين اجتمع الشيئان في حقيقة الحصة السفلى كالفرس مع الانسان فان الفرس فيه حصة واحدة حيوانية فلكية حساسة والانسان فيه حصتان حصة حيوانية فلكية حساسة فيجتمع مع الفرس في حقيقتها وحصة ناطقة قدسية يفارق الفرس فيها وانما يجتمع مع الفرس في السفلي ومرادي بالناطقة القدسية الحيوانية التي هي المادة لا الناطقة القدسية التي هي الصورة لأن التي هي الصورة لا اشكال في كونها متغايرة لصورة النوع الآخر لأنها هي الفصل وانما الاشكال في حصة الجنس التي هي المادة وكذلك اذا كان احد المتناسبين من شيء او من شيئين والآخر من ثلاث فانه يجتمع مع ذي الواحدة ويفارقه فيما سواه ويجتمع مع ذي الحصتين في الاولى وفي الثانية ويفارقه في الثالثة حيث كان متفردا بها ولم تكن عند ذي الحصتين ويأتي ذكره فما اجتمع فيه ان كان في المساوي كالفرس والطير والفرس والفرس فالحصتان ذاتيتان وان كان في التفاضل كالانسان والفرس والحساسة الفلكية ذاتية في الفرس وعرضية في الانسان بمعنى ان الانسان ذاتية ( ذاتيه خم ) الحقيقي هو الحصة الحيوانية القدسية ولكنه اذا تنزل الى الأجسام ليتحصل منها ما يتكمل به من العلم والعمل لا يمكنه الا بالحصة الحيوانية الحسية الفلكية فهي فيه لأجل تحصيل ما يتكمل به فهي عرضية بالنسبة الى الاولى بمعنى ان تركبه منها ليس لنفس ذاتها بل لهذه الغاية وبمعنى ثان انها شعاع الاولى والشعاع عرض فكونها عرضية بهذين المعنيين وليس المراد بالعرضية انها اجنبية غريبة لم تكن منه ولا له بل هي منه وله الا انها مركب الأولى وقشرها وظاهرها وكذا حكم الانسان بالنسبة الى المعصوم فانه بحكم الحيوان بالنسبة الى الانسان
قلت فالحيوانية الفلكية الحساسة لا تقبل الصورة الانسانية وتقبل صور جميع الحيوانات ويلزم حكم الصورة تلك الحصة سواء قرت كما في سائر الحيوانات الا نادرا ام تغيرت كما في الانسان فانها اذا لم تكن نفسه مطمئنة تكون تلك الحصة الحيوانية الفلكية الحساسة ابدا تلبس صور الحيوانات فتلبس في الغضب صورة سبع وفي الشهوة صورة خنزير وفي النميمة صورة عقرب وهكذا
اقول هذا تفريع على ما تقدم في بعض احكامه فان منها ان الحيوانية الفلكية الحساسة وهي الحصة الحيوانية التي هي المادة لا تقبل الصورة الانسانية كما ان الحجر الكثيف الكمد حال كثافته وكمودته لا يقبل الشفافية لأنها تناقض صفته هذه وهي الكثافة والكمودة وانما يقبل الشفافية الحجر الصافي الذي لا كثافة فيه ولا كمودة كالزجاج والبلور والياقوت ولكن تلك الحصة تقبل صور ( صورة خل ) جميع الحيوانات فحصة الحيوانية الحساسة الفلكية تقبل صور ( صورة خل ) السبع والشاة والطير والفرس وهكذا لأنها من رتبة واحدة ولا تنافيها كما يقبل الحجر الكثيف الكمد لون الحمرة والبياض والصفرة والخضرة ويلزم تلك الحصة الواحدة حكم كل صورة قبلتها فاذا قبلت صورة الكلب كانت نجسة وطبيعتها الحرارة واليبوسة وحالها الغضب واذا قبل صورة الشاة كانت طاهرة وطبيعتها الهون والاطمينان وهكذا صور ساير الحيوانات وقولي سواء قرت الخ اريد به ان الحصة الحيوانية تصلح لساير صور الحيوانات ولكن اي صورة لبستها قرت فيها ولا تتغير بان تنتقل عنها ولو في بعض الأحكام الا نادرا كما في كلب اهل الكهف وناقة صالح وعفير حمار النبي صلى الله عليه وآله وما اشبه ذلك من الحيوانات التي كان لها نوع من الانسانية حتى كان يدرك الاعتقادات الحقة التي عليها المهتدي من نوع الانسان لا مطلق الاعتقاد الحق ولو بالنسبة الى المعتقد فان ذلك لا ينفك عنه شيء من الحيوانات كما في النملة فانها تعتقد ان لله سبحانه زبانيين اي قرنين لأن كمال نوعها في وجودهما فهي عند الله موحدة وان كان حقا في حقها ولكنه في حقنا باطل وكفر ومعرفة بعض الحيوانات لذلك لا يكون بنحو عقول الانسان ولكنه نادر الوقوع والحصة الحيوانية يستقر فيها حكم ما لبسته من الصور الحيوانية وقولي ام تغيرت اريد ان الحصة الحيوانية الفلكية اذا جامعت الحصة الحيوانية القدسية تكون مقهورة تحتها ليس لها اختيار الا ان ذلك اذا كانت الحيوانية القدسية مؤيدة بالعلم والعمل واما اذا لم تكن كذلك لم تكن الحيوانية الفلكية مقهورة تحتها بل تكون مهملة الناصية فتلبس ما شاءت من الصور الحيوانية وتخلع وتلزمها احكام ما لبست واما ما خلعت فان كانت عن توبة محي الله سبحانه ذلك الحكم يوم القيمة والا بقي لازما لها لزوم الظل للشاخص سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ولكم الويل مما تصفون فقد تلبس الصور المتعددة على التعاقب الا انها لا تظهر في الدنيا لحكم قوله تعالى اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعي فتكون ما لبسته مستورا عن اعين الناس والمعصوم عليه السلام يشاهده وان لم يتب عنه يحشر يوم القيمة في تلك الصورة وهذه تكون في الحصة الحيوانية التي في الانسان لأنه لما كان جامعا كان ما لحقه بفاضل جامعيته جامعا فاذا غضب لبس صورة السبع او الكلب واذا سعى بين الناس بالنميمة لبس صورة العقرب او الحية وهكذا فان تاب محي الله سبحانه تلك الصورة والا حشر فيها يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه فمن يعمل مثقال ذرة شرا يره واما اذا كانت مقهورة تحت الحصة الناطقية بان تكون نفسه مطمئنة بالعلم والعمل على اليقين فانها اي الفلكية الحساسة لا تلبس شيئا من صورها اذ لا اختيار لها حينئذ وهو معنى قولي اذا لم تكن نفسه مطمئنة
قلت والحصة الناطقة القدسية لا تقبل شيئا من صور الحيوانات وانما تقبل الصورة الانسانية فقط ولا تقبل الصورة الجامعية الكلية والمعصوم عليه السلام فيه ثلاث حصص عرضيتان وهما ما في الانسان ولكنهما فيه قرتا واطمأنتا فلا يخرجان عن حكم الثالثة ابدا
اقول يعني ان الحصة الحيوانية القدسية لا تقبل صور الحيوانات لعلو رتبتها عن تلك الصور ولأن تلك الصور آثار صورتها والشيء لا يجري عليه لذاته ما هو اجراه وانما تقبل ما هو منها اعني صورتها وهي حصة من الناطقية لأن الأولى نور والنور يقبل الحدود التي من نوعه كالعلم والحلم والتقوى والايمان والأعمال الصالحة وما اشبه ذلك وهذه الحدود تكون الهندسة منها حصة ناطقية فتلائم الحيوانية القدسية وايضا هذه الحيوانية القدسية كما لا تقبل صور الحيوانات لتعاليها عنها كذلك لا تقبل الصورة الجامعية الكلية لتعالي الصورة الجامعة الكلية عنها ولأن الحيوانية القدسية آثار صورتها والشيء لا يجري عليه لذاته ما هو اجراه والمعصوم وهو صاحب الحيوانية الجامعة الكلية التي تقبل الصورة الجامعية الكلية فيه ثلاث حصص عرضيتان بالنسبة الى نوريته وهما اللتان في الانسان احدها الحيوانية الفلكية الحساسة وهي نفس نفوس الأفلاك وهذه تؤخذ من شعاعها قبضة للانسان والفرس فاذا فارقت نفس الانسان الحساسة ونفس الفرس عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة وهو ظاهر الحيوانية الحساسة التي في المعصوم عليه السلام وثانيها الحيوانية القدسية وهي التي اخذ حصته من شعاعها للمؤمن اعني الذاتية للمؤمن الا ان هذه وان كانت اصلا لذاتية المؤمن لكنها عرضية للمعصوم عليه السلام صحبته في طريقه في هبوطه الى عالم الأجسام وثالثها الكلية الجامعة وهي ذاتيته ( الذاتية خل ) والأوليان العرضيتان في المعصوم عليه السلام قرتا فلا تلبس احديهما صورة غير ما هي عليه من اكمل الصور بها واشرفها لأنهما مقهورتان تحت قوة الجامعة الكلية الالهية فاطمأنتا على ما راضيتهما عليه فلم تخرجا عن حكمها ابدا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قلت وهي الحصة الملكوتية الالهية تقبل صورة التوحيد وهي العصمة ومرتبة القطبية للوجود والصورة الجامعية الكلية
اقول اعلم ان الحصة الملكوتية الالهية التي هي مادة حقيقته عليه السلام اعني بها في محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام الحقيقة المحمدية وهي اول فائض من مشية الله الكونية وهي كل الفيض من المشية الكونية بلا واسطة اذ لم يفض من المشية بلا واسطة غيرها وكل ما سواها انما حدث بواسطتها وانما نطلق ( تطلق خل ) عليها الحصة مع انها الكل لأنها بالنسبة الى فعل الله وقدرته على احداث امثالها حصة مما فاض من المشية الامكانية ولأن هذا الاطلاق هو المتعارف ولأنا لما ذكرناها في بحث الحصص ناسب التعبير عنها بما نعبر به عن الحصص تقبل صورة التوحيد الأكمل وهذه الصورة هي الجامعة التي تفرعت عنها هياكل التوحيد يعني ان الحيوانية الملكوتية الالهية هي الذات اي المادة التي تقبل صورة التوحيد الاعلى التي تنزلت بهياكل التوحيد وهذه الهياكل ظهرت آثارها على القواعد بل بالتوحيد في قابلية القابل وبالشرك في قابلية المشرك وبالايمان في قابلية المؤمن وبالكفر في قابلية الكافر وتنظيره للتفهيم ان لفظ لا اله الا الله وردت على سلمان بان قل لا اله الا الله فقالها فكان مؤمنا وعلى ابي لهب فانكرها فكان كافرا وذلك تاويل قوله تعالى وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وصورة التوحيد العليا هي العصمة اعني المنافية لوقوع الذنب مع التمكن منه والقدرة عليه ولارادته ( الارادة خل ) مع التمكن منه لأن الصورة اذا كانت في تمام الاستقامة بحيث تكون في تخطيطها وهندستها على طبق مقتضي المشية والارادة فان ما هو هكذا لا يكون مخالفا للمشية والارادة والا لما كان مطابقا لهما هف ولا تكون هكذا الا اذا كانت في مرتبة القطبية للوجود بان يكون جميع شؤن الوجود الحق تعالى تدور عليها وان تكون جميع الوجودات الامكانية تدور عليها لأنها هي باب تكوينها وكونها وقيامها وبقائها وتكون حينئذ محل نظر الله من العالم
قلت فالحصة الحيوانية الفلكية مركب للناطقة القدسية واثر لها خلقت من فاضلها والناطقة القدسية اثر للملكوتية الالهية خلقت من فاضلها فلا تجمع هذه الثلاث حقيقة واحدة نعم اذا نظرنا بنظر اخر بان الكل من مراتب الوجود وانه حيوة وشعور وانما يختلف بحسب مظاهره جاز على هذا اطلاق الاتحاد في الجملة الا انك اذا عرفت ما ذكرنا لك من اختلاف الحقائق ظهر لك التغاير
اقول هذا حاصل ما تقدم ومتفرع عليه ونريد به ان الحيوانية الفلكية الحساسة لما كانت آلة ( آية خل ) للقدسية الناطقية عند نزولها الى عالم الزمان لاستخراج اسراره وعلومه بحيث لا تتمكن بدونها لأنها من نوع هذا العالم نزلت اليه فيها فكانت مركبا لها يحملها الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس فمنها ركوبهم ومنها ياكلون فتوصل بها الى ما فيه من العلوم وتركبها الى ما سواها لادراك ما استتر فيه والحساسة ايضا اثر للقدسية لأنها صفتها وظهورها بها خلقت من فاضلها اي من شعاعها فاذا نسبتها اليها كان نسبة النور الى المنير وكذلك الناطقة القدسية بالنسبة الى الملكوتية الالهية فلا تكون هذه الثلاث من حقيقة واحدة كما ان الأثر لا يكون من حقيقة المؤثر وقولي نعم اذا نظرنا بنظر آخر الخ اريد به انا اذا لمننظر الى حقايقها ونظرنا الى ما يصدق عليها من معنى الوجود المعبر عنه بالفارسية بهستي وهو المعنى اللغوي او الكون في الأعيان وان كل ذلك من مراتب الوجود لا فرق فيه بين الذات والصفة والمؤثر والأثر والعين والمعنى فان الوجود بالمعنى الذي ذكرنا صادق على الكل والوجود حتى بالمعنى المذكور كله شعور وحيوة كما برهنا عليه في بعض مسائلنا ومباحثاتنا الا ان ذلك في كل شيء بحسبه لأنه انما اختلف حال شعور مراتبه مراتبها وحيوتها ( شعور مراتبه وحيوتها خم ) لاختلاف مراتبها في القرب والبعد من المبدء صح اطلاق الاتحاد عليها وانها من حقيقة واحدة وهي الحقيقة المرادة من مطلق هستي او الكون في الاعيان الا ان القوم حين قالوا انها من حقيقة واحدة ما يريدون به الا انها كلها داخلة تحت جنس واحد وقد بينا لك بطلان قولهم كما سمعت فانظر الى ما قال ولا تنظر الى من قال
قلت الفائدة السادسة في الاشارة الى القسم الثالث وهو الوجود المقيد اوله الدرة وآخره الذرة
اقول هذا ( هذا هو خم ) القسم الثالث من اقسام ما يعبر عنه بلفظ الوجود كما اشرنا سابقا الى انها ثلاثة : الأول الوجود الحق ونريد به ما يعرف به الوجود الواجب الحق عز وجل وهو المسمى بالوجه وبالمقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وبالعنوان وبالوصف الذي ليس كمثله شيء والثاني الوجود المطلق ونريد به الوجود الممكن الراجح الوجود وهو فعل الله ومشيته وارادته وابداعه مع ما تقوم به من اثره ومتعلقه من الحقيقة المحمدية وفلك الولاية المطلقة والماء الذي به حيوة كل شيء والثالث الوجود المقيد اي المتوقف في وجوده على شيء واوله العقل الكلي اعني عقل الكل ومعنى هذا ان ما سوى الله عز وجل شخص واحد له عقل واحد وهو هذا العقل وهذا معنى قولهم عقل الكل وليس المراد ان معنى الكل ان كل ( الكل اعني كل خم ) واحد واحد مما سوى الله تعالى فرد من افراده وان هذا العقل عقل تلك الأفراد على سبيل الانبساط عليها بحيث يكون كل منها له منه حصة تساوت الحصص ام اختلفت او انه على جهة البدلية بل هي كلها شخص واحد له عقل واحد وهذا العقل اول مخلوق من المخلوقات المقيدة اي المتوقفة في وجودها على شيء وهو الدرة المذكورة في المتن بل في كثير من الأخبار ولهذا رووا اول ما خلق الله العقل ورووا عنه صلى الله عليه وآله انه قال اول ما خلق الله عقلي وروينا ان الله عز وجل خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الحديث وآخره اي آخر الوجود المقيد تقريبا الذرة وهي الواحدة من الهباء ويراد بها الثرى او ما تحت الثرى يعني ان الوجود المقيد اوله في البدء والعلو العقل وآخره في اسفل الثرى وهو عبارة عن اللوح المكتوب فيه صور الباطل اعني الذي صدره سجين كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وسجين تحت الملك الحامل للأرضين السبع وفوق الثرى والثرى تحت الطمطام اعلى الظلمة التي تحت جهنم التي تحت الريح العقيم التي تحت البحر الذي تحت الحوت الذي تحت الثرى والثرى في مقابلة اللوح المكتوب فيه صور الحق اعني الذي صدره عليون كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما تحت الثرى هو مبادي تلك الصور ( الصورة خل ) الباطلة وهي في مقابلة الركن الأصفر الأسفل عن يمين العرش تحت العقل والعقل هو الركن الاعلى عن يمينه وفي هذا الركن الأصفر مبادي الصور الحقة فهي في مقابلة ما تحت الثرى فقولنا وآخره الذرة جار على الجاري على الألسن في مكالماتهم والا ففي الحقيقة انه اذا كان اول الوجود المقيد العقل يكون آخره ما يقابل العقل وهو الجهل وهو تحت ما تحت الثرى لكن لما كان في كثير من المقامات لا يثبت للعقل مقابل بل ربما اطلق المقابل على ما تحت الثرى الذي هو مقابل للروح بلحاظ ان الروح كثيرا ما يطلق ويراد بها العقل كما في قوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله روحي على احد الاحتمالين احدهما ان المراد بالروح العقل وانه بمعنى قوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله عقلي وثانيهما ان المراد بها هو معنى نفسها البرزخي وان اولية الروح اضافية ويؤيد ان الآخر هو ما تحت الثرى مع القول بعدم المقابلة للعقل ان الذرة لم يرد بها النملة الصغيرة كما في اخبار التكليف الأول وهم كالذر يدبون وانما يراد بها واحدة الذر الذي هو الغبار الظاهر في شعاع الشمس المار من الرواشن في البيوت وذلك ليس مثالا للثرى فانه مقابل للنفس الكلية وفيه صور الباطلة ( الباطل خم ) المجتثة تامة الشكل كالصور ( كالصورة خل ) في المرآة كما في النفس الا ان ما في النفس اصلها ثابت لأنها صور الحق وما في الثرى اصلها مجتث فيكون مباديها التي فيما تحت الثرى المقابلة للروح مناسبا ( مناسبة خم ) للآخرية في مقابلة اولية العقل فافهم
قلت وكيفية بدئه وهي انه قد اخذ الله تعالى بفعله باسمه القابض من رطوبة هواء الجواز اربعة اجزاء قد صعدت من ارض الامكان ارض الجرز ومن هباء ارض الجواز جزءا فقدرهما في تعفين هاضمة اسمه البديع فانحلت اليبوسة في الرطوبة وانعقدت الرطوبة باليبوسة فاتحدا وذلك لما بينهما من المشاكلة
اقول هذا اشارة الى كيفية تكوينه في بدئه وهو دليل اني نبه الله سبحانه بعض عباده عليه في كتابه فقال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وبين هذا الصادق عليه السلام بقوله العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث ولا ريب ان هذا استدلال بالعبودية المعلولة على الربوبية العلة وبينه ايضا الرضا عليه السلام بقوله قد علم اولوا الألباب ان ( الاستدلال على خل ) ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا ه فتوصلنا بكيفية ما هيهنا على كيفية ما هنالك وهو ان الصانع اذا اراد صنع شيء عمل مادته التي يصنعه منها وهو الخلق الأول كصنع المداد للكتابة فانه الخلق الأول للكتابة ثم يأخذ منه فيصنع منه الكتابة وهو الخلق الثاني والاشارة الى ذلك فيما نحن فيه انه قد اخذ سبحانه بفعله يعني بمشيته واختراعه باسمه القابض وهو وجه المشية وركنها الاعلى لأن اركان مشيته واختراعه اربعة البديع والرحمن والباعث والقابض فالبديع له استعمالان قد يستعمل في معنى البارد الرطب وقد يستعمل في معنى الحار الرطب فاذا استعمل في الحار الرطب كان بمعنى الرحمن وهنا استعملته بمعنى الرحمن الحار الرطب فلذا قلت في تعفين هاضمة اسمه البديع لأن التعفين يعني ما به الانحلال لا يكون الا بالحرارة والرطوبة اذ بهما يحصل الهضم وقولي باسمه القابض الذي هو علة الطبيعة الكلية اعني ( اعني به خم ) الحار اليابس الذي بهما يحصل القبض قد اخذ سبحانه من رطوبة هواء الجواز اربعة اجزاء هي المادة البسيطة في الخلق الأول ونسبت تلك الأجزاء الى الهواء الذي هو الرطب الحار كناية عن الحيوة اذ الحيوة مادة كما سمعت من حصة الحيوان انها هي المادة وحصة الناطق هي الصورة وهي اليبوسة فان قلت ان الصورة عندك هي الأم وهي الباردة الرطبة فكيف قلت هنا هي اليبوسة قلت هذه لها اعتباران فباعتبار حيوة الكون في الخلق الأول تكون المادة هي الرطوبة لأنها هي الذكر وانما الصورة حدود وتخطيطات ليس لها تأصل في حيوة الكون وباعتبار حيوة العين في الخلق الثاني تكون الصورة هي الرطوبة وآية ذلك انما هي في عمل المكتوم فانه في التدبير الأول الذي هو عمل كونه وصنع مادته يكون الماء هو الذكر وهو النار التي تكلسه فاذا فرغ من تدبير المادة واخذ في التزويج انعكست التسمية وكان الماء هو الأنثى الباردة الرطبة بالنسبة الى الذكر وكان الثفل الذي كان يسمي بالأنثي وهو البارد اليابس هو الذكر الحار اليابس فكذلك هنا فان المادة هي الكون ولا حيوة بدونه فتنسب اليه الرطوبة والحرارة والصورة هيئة والهيئة انما تتقوم بالمادة فحياتها من المادة لا من نفسها فتنسب اليها اليبوسة والبرودة نعم هي في الخلق الثاني تكون منشأ لحيوة جنينها الذي في بطنها يعني ان احكام السرير مثلا انما تلحقه في الصورة لا في الخشب فحيوة السرير بها لا بالمادة يعني باعتبار خصوص لحوق الأحكام به والا ففي الحقيقة حيوة السرير وحيوة الصورة لا توجدان بدون المادة فافهم وكون الأجزاء من رطوبة هواء الجواز اربعة كما مر جار على مطابقة الوجود في كونه مربعا منقسما على طبق اركان العرش اذ لو زادت على ذلك بعدت عن نسبة المشاكلة لعدم مشاكلة التراب ولو نقص عنها غلظ فخرج عن الاطلاق المعتبر ( المعبر خل ) في جزئية الغذاء قد صعدت من ارض الامكان انما صعدت بحرارة الاسم القابض وارض الجرز اقتباس من قوله تعالى أولم يروا انا نسوق الماء الى الأرض الجرز يعني بها الأرض المتهيئة ( المهيئة خل ) للنبات يعني ارض القابليات ومن هباء ارض الجواز يعني به اليبوسة جزء لأنه كاف في الاستمساك وفي حصول المشاكلة اما الاستمساك فان ( فلان خل ) المادة لا تتقوم الا بصورة ولو نوعية او جنسية وهذا الجزء الذي هو اليبوسة كاف في الاستمساك لأنه صورة للمادة التي هي الأجزاء الرطبة وكاف في حصول مشاكلة الماء للتراب لذوبانه في ذلك الماء فقدرهما في تعفين هاضمة اسمه البديع اي قدر الأربعة الأجزاء من الرطوبة اعني مادة النوع والجزء الواحد الذي من اليبوسة اعني صورة النوع والأربعة اثر المشية والجزء الواحد اثر الارادة والتقدير اول الخلق الثاني وهو مراعات نسبة الرطوبة واليبوسة كما ذكرنا ومراعات مدة مكثها في الهاضمة وقدر حرارتها في اي درجة من درجات الحرارة فانحلت اليبوسة اي الجزء اليابس في الرطوبة اي الأجزاء الأربعة لغلبة الرطوبة على اليبوسة في الابتداء وانعقدت الرطوبة يعني الأجزاء الأربعة باليبوسة اي الجزء اليابس بمعونة حرارة الهاضمة لأنه قد تألف منهما حرارة ويبوسة في الجملة فحصل بهما الانعقاد في الجملة الذي هو هنا عبارة عن حصول غلظ ما فيه بسبب ما انحل فيه من الجزء اليابس فاتحدا بسبب انحلال اليبوسة بالرطوبة وانعقاد الرطوبة باليبوسة حتى كانا شيئا واحدا يعني ماء مشاكلا اي له ملايمة مع الأجزاء الارضية بسبب الجزء الأرضي المنحل فيه وذلك بينهما من المشاكلة يعني ان الرطوبة اتحدت باليبوسة المنحلة فيها لما بينهما من المشاكلة تعليل للاتحاد والمشاكلة الجامعة لهما هي كون الماء باردا وكون التراب باردا
قلت فارتفع من ذلك البحر سحابا مزجي فتراكم تحت المشية فانحل من ذلك السحاب المتراكم بحرارة الارادة ماء فدفعه باسمه الباعث فوقع على البلد الميت والارض الجرز وهي ارض الجواز والعمق الاكبر فانحل منه جزءان بما يشاكله من ارض ذلك العمق الاكبر بجزء فاخرج منهما تلك الزروع والثمرات
اقول فارتفع من ذلك البحر اي بحر البخار الذي صعد بحرارة الارادة وجذبته المشية بالاسم القابض الذي هو روح الطبيعة الكلية سحابا مزجي اي مرفوعا الى العلو بالاسم القابض فتراكم يعني صار بعضه فوق بعض حتى كان سحابا ثقالا تحت المشية يعني في الأول الجبروت او في البرزخ بين الجبروت وبين الامكان الراجح اعني في عالم الأمر الذي هو اول فائض من الفعل الالهي فلما تراكم تحت المشية انعقدت ببرودة المشية سحابا فانحل من ذلك السحاب المتراكم بحرارة الارادة اي توجه الطلب بارادة الصنع والايجاد ماء وهو المادة النوعية فدفعه باسمه الباعث اي بالاسم الذي طبعه البرودة والرطوبة اعني طبع الحيوة لأن القوة الدافعة هي المركبة من البرودة والرطوبة فوقع ذلك الماء المدفوع المساق على البلد الميت وهي الأرض التي لا نبات فيها والأرض الجرز المتهيئة للنبات وتلك الأرض هي ارض القابليات التي اشار اليها تعالى في تأويل آية بالبلد الميت وفي تأويل الاخرى بارض الجرز والمراد بهما ارض القابليات وهي ارض الجواز تحت الامكان الراجح والعمق الأكبر الفضاء الذي لا نهاية له مقدرة وهذا العمق وصف بالأكبر بالنسبة الى الأعماق التي دونه لا مطلقا فان العمق الأكبر حقيقة مطلق هو الفضاء للامكان الراجح وانما اكبرية هذا العمق اضافية وقد تقدم انا نريد بالامكان الراجح الفعل اعني المشية والاختراع والارادة والابداع وما تحتها من افعاله عز وجل مكانها الامكان الراجح المطلق والعمق الأكبر المطلق ووقتها السرمد ويعبر عنها بالوجود المطلق اي غير المقيد بمعنى انه لم يتوقف في وجوده وايجاده على شيء غير نفسه لا كما يفهمه العوام من معنى وجوب الوجود الذي ( الذين خل ) يصفون به المعبود تعالى الله عما يشركون وسبحانه وتقدس عما يصفون فان الذي يشيرون اليه انما يصدق في اعلى مراتب ما يشيرون اليه على عنوان فعله واما الوجود المقيد الذي نحن بصدد بيانه فهو الذي يتوقف في وجوده وايجاده على شيء غير نفسه يعني يتوقف في وجوده على مادة هي اثر للسابق عليها وهو المشية والأثر هنا هو اول صادر عن المشية المسمى بالماء الأول والنفس الرحماني والحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ويتوقف في ايجاده على المادة والقابلية التي هي الصورة وعلى الفعل والوقت والكم والكيف والرتبة والجهة والمكان فانحل منه جزءان بما يشاكله يعني ان الماء الذي وقع على الأرض الميتة والأرض الجرز كان مركبا من اربعة اجزاء رطوبة ومن جزء يبوسة فاتحدا فكان ماء واحدا فلما وقع ذلك الماء الذي كان مركبا من جزئين على الأرض انحل منه اي من الماء الواقع الذي كان مركبا من الجزئين جزءان اه ولهذا اتى بالتثنية في بعض العباير يعني انحل من المجموع جزءان بما يشاكله من التراب ومعنى المشاكلة اولا ان ذلك التراب بينه وبين ذلك الماء مقاربة من جهة البرودة الجامعة لهما ومن جهة ان في الماء جزء ترابيا وثانيا انه حين كان الماء جزئين يجب ان يكون التراب الذي ينحل فيه ليصير منهما المادة الغذائية جزء اذ لو تساويا لما كان المجموع منهما مايعا رقيقا يجري في العروق ولو كان الماء ثلاثة اجزاء مثلا لرق الغذاء لقلة الترابية فيضعف المغتذي به ويذوب لكثرة الماء وقلة الخليط فيضعف تماسكه فمعنى المشاكلة في هذين الأمرين التقارب في الطبيعة والتقارب في الصفة فاخرج منهما تلك الزروع والثمرات يعني انه تعالى اخرج من الجزئين اعني جزئي الماء وجزء التراب تلك الزروع والثمرات والزرع ( الزروع خم ) اشارة الى قوله تعالى أولم يروا انا نسوق الماء الى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وانفسهم افلا يبصرون والثمرات اشارة الى قوله تعالى سقناه الى بلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات
قلت وما فضل من رطوبته بعد تقديره وسقيه في ظلمات ثلاث يأخذه بالاسم القابض مع قدر ربعه من لطيف هباء ارض الامكان ويعمل فيه كما مر ذلك تقدير العزيز العليم وهو قوله تعالى والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شيء موزون
اقول يعني وما فضل من رطوبة غذاء الزروع والثمرات المشار اليها بعد ما يؤخذ منه لتقدير الغذاء وهو جزءان من الماء ينحلان مع جزء من التراب وبعد ما يؤخذ منه لسقيه حتى يبلغ اوان تمامه في ظلمات ثلاث متعلق لسقيه والظلمات الثلاث ظلمة البطن وهي في النبات بطن الأرض وظلمة الرحم وهي في النبات بطن ساق الشجرة والنخلة وعود السنبلة وما اشبه ذلك وظلمة المشيمة وهي في النبات اكمام الطلع وعصف السنبل وما اشبه ذلك وما فضل من تلك الرطوبة بعد هذه الأمور اخذه باسمه القابض الذي هو روح اشعة الشمس التي تصعد الأبخرة من الأرض من الأنهار والبحار والأرض ( الاراضي خم ) الرطبة مع قدر ربعها من اليبوسة الى طبقة ( الطبقة خم ) الزمهريرية فتعقدها سحابا كما كان اولا هذا في الشهادة وفي الغيب بهذا النحو الا انها هناك كلها معادن مجردة عن المواد الجسمانية والمدد الزمانية سواء كانت ذواتا ام صفاتا ذاتية ام افعالية لأن الأشياء كلها مشتركة في نوع الايجاد والتكوين على وتيرة واحدة ولكنها في كل شيء بحسبه فيأخذ ذلك الفاضل عن التقدير والسقي في الظلمات الثلاث بالاسم القابض مع قدر ربعه من لطيف هباء ارض الامكان لأن غير اللطيف لا ينحل في الرطوبة الا بعد تلطيفه ولكنه وان امكن تلطيفه لكنه لا يمكن اصعاده باشعة الاسم القابض مع بقاء مقتضي القوابل كما لا يمكن اصعاد الصخرة الكبار والجبال بالأشعة الشمسية وان امكن في القدرة لكن مع تغيير مقتضي القوابل بان يجعل الجبل في مقدار خفة الذرة وسهولة ذوبانها وانحلالها وهو سهل في القدرة ولكنه لم يكن الثقيل حينئذ ثقيلا والصليب صليبا ( والصلب صلبا خم ) وقبض الشعاع قبض يسير بل لا بد من تغيير الأشياء عما هي عليه وذلك مناف لمقتضي الحكمة الاجراء ( لأجزاء خل ) ( لاجراء خم ) الايجاد على مقتضي الأسباب ليصح الاستدلال لأولي الألباب والمراد بهذا الامكان الامكان الجايز الذي هو محل الكائنات لا الامكان الراجح الذي هو محل لمشية الامكانات فان الامكان الراجح وان كان محلا لمشية الأكوان ولكنه ليس محلا لمتعلقاتها من الكائنات لأن محل متعلقاتها من الكائنات هو الامكان الجايز واما الامكان الراجح فهو محل لمشية الامكانات ولمتعلقاتها من الامكانات فانها لا تخرج عن الامكان الراجح فاذا البستها ( البسها خم ) ثوب الكون نزل اللابس الى الامكان الجايز وبقي وجهه واصله على ما هو عليه في المحل الاعلى فاذا اجتمع الرطب مع اليابس انحل اليابس في الرطب وانعقد الرطب باليابس وذلك في حالة الصعود ثم يتراكم وينعقد سحابا على نحو ما ذكرنا سابقا الى آخر التقدير والسقي في الظلمات الثلاث وهلم جرا ذلك تقدير العزيز العليم وذكر الآية الشريفة تنبيه على دليل ما ذكر من القرآن مثل قوله تعالى وانبتنا فيها اي في الارض من كل شيء موزون اي مقدر والتقدير كما سمعت مما اشرنا اليه فيما سبق وبراهين هذا من دليل المجادلة بالتي هي احسن مذكورة في علم الطبيعي المكتوم من اراده طلبه من اهله والله سبحانه ولي التوفيق
قلت وهذا الماء النازل من السحاب المتراكم هو الذي ذكره الله عز وجل في قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وهو الوجود المقيد وهو من بعد المشية الى ما لا نهاية له من المشية وهذا الوجود المسمى بالماء على هذا النحو المذكور يكون في كل شيء بحسبه
اقول هذا بيان للوجود المحدث الذي منه خلق الأشياء والمراد به هو المادة الاولى لكل مخلوق لأن الذي فاض من فعل الله سبحانه هو النور الذي خلق منه الأشياء كما دلت عليه النقول عن آل الرسول الفحول صلى الله عليه وآله واشارت اليه طامحات العقول وقد قدمنا سابقا ان علامة المادة في صنع الشيء ان تدخل عليها لفظة من عند التعبير عنها فتقول صغت الخاتم من فضة وصنعت الباب من الخشب وخلق الله ابن آدم من التراب ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون فالذي تدخل عليه من هو المادة وهذا بديهي لا يحتاج الى تأمل فظهر لمن نظر ان اول فائض عن فعل الله هو المادة وهو الوجود والماهية هي الصورة لأن الصورة هي المعينة والمشخصة وبها تكون الانية الا ترى ان الخشب الذي هو مادة للباب لا يكون بابا ولا تلزمه احكامه لأنه كما يصلح للباب يصلح للسرير وللصنم وما لا يختص بشيء لا يخصص وما لا يخصص لا تكون عنه الانية كذلك الوجود فانه مادة تصلح لزيد ولعمرو ولا يتعين لأحدهما ( بأحدهما خم ) الا بالصورة المعينة وهذا الوجود هو الوجود الذي ذكره الله في كتابه على نحو الاشارة فقال تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وذلك حين اطلق تعالى الميت على القابلية التي هي الصورة فقال تعالى سقناه لبلد ميت يعني به الماء وقال ايضا فاحيي به الأرض بعد موتها كان المساق الذي هو الماء الذي هو المادة التي هي الوجود اذ الشيء لا يتكون ولا يحيى الا بمادة وهو اي الوجود المقيد اوله العقل الكلي الذي هو اول مخلوق وهو الدرة من بعد المشية يعني ابتداء كونه وتحققه مع اختلاف مراتبه و( وهو خم ) كون بعضها اثرا لبعض من بعد المشية وظاهر هذا دخول الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وارض القابليات في الوجود المقيد وهو احد الاحتمالين والاحتمال الآخر ان الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وارض القابليات برزخ بين الفعل الذي هو الوجود المطلق وبين المفعول الذي هو الوجود المقيد ووقته مركب من السرمد والدهر اعلاه من السرمد فعلى الاحتمال الثاني كما هو اولى ان الحقيقة المحمدية وارض القوابل لاحقتان بالفعل لتوقف ظهور الفعل عليهما وان الوجود المقيد اوله العقل الكلي وان البعدية المذكورة اول ثبوتها وجود العقل وهو ما بعد المشية كما قلنا منبسطا في مراتب تطوراته الى ما لا نهاية له في رتبة من المشية لأنه تنزل الى ان وصل الى التراب حين قال له ادبر فادبر فلما قال له اقبل فاقبل اخذ يصعد في مراتب الاقبال فكان معدنا ثم كان نباتا ثم كان حيوانا ثم كان ملكا ثم كان جنا ثم كان انسانا ثم كان جامعا وهكذا الى المشية اي الى ما كان له من المشية لأن العقل لا يصل الى المشية بغير واسطة وهذا الوجود اعني المقيد المسمى بالماء كما تقدم في كل شيء بحسبه ففي العقول نور مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصور الجوهرية والمثالية وفي الأرواح نور مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصور النفسية وفي النفوس كذلك لكنه ليس مجردا عن الصورة الجوهرية وفي الطبيعة نور احمر بسيط ذائب مجرد عن متممات قوابل الاجسام وعن المواد العنصرية وفي جوهر الهباء اي المواد المجردة عن الصورة المثالية نور منعقد لم تلزمه الصور المثالية وفي المثال ابدان نورانية لا ارواح لها اي ليس لها مواد جوهرية ولا جسمانية وفي الأجسام والزمان والمكان انوار منعقدة لزمتها صورها ومدد مقدرة وفراغات محدودة وفي العناصر طبايع متزاوجة وفي المعادن اصول من لطائف العناصر متألفة وفي النباتات لطائف اغذية نامية وفي الحيوانات شعلات فلكية حساسة وفي الصفات هيئات ذاتية وحركات فعلية وصور ظلية وامثال ذلك وكل هذه وما بينها من الوسائط والبرازخ والأسباب والأوضاع والنسب من الوجود المقيد لأنها مقيدة في ايجادها وتحققها باشياء من بعضها لبعض اقامها عز وجل بامره في سبعة امور مشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب لو تخلف عنها شيء لم توجد فلذا كانت من الوجود المقيد
قلت ومثاله اذا اردت ان تخبر من تخاطبه بقيام زيد اخذت من الهواء الذي هو امكان اللفظ هواء وهو مشتمل على اربعة اجزاء من الرطوبة الهوائية وعلى جزء من اليبوسة الهبائية بالقوة القابضة الى جوفك الذي هو نقطة قلبك اي وجهه في الهواء فتؤلف منهما بعد التقدير بالضغط والقلع والقرع حروفا مشتملة على الاجزاء الخمسة متصفة بصفات مادة مقصودك فتؤلف منها لفظا هيئته كهيئة مقصودك فتدفعه الى الهواء الذي هو مكان امكانه فيقع جزءان من رطوبة لفظك وهي مادته المناسبة لمادة مقصودك وجزء من يبوسته وهي هيئته المناسبة لهيئة مقصودك على ما يشاكله من ارض هذا العمق والجرز وهو الهواء لانه هو الذي يحفظ لفظك ويوصله الى اذن مخاطبك
اقول قولي اخذت من الهواء الذي هو امكان اللفظ يعني به ان الهواء المعروف بالنسبة الى اللفظ المعروف كالامكان بالنسبة الى المواد فان اصول المواد الكونية منبثة في فضاء الامكان كالهواء الذي هو اصل مواد الألفاظ الصوتية فانه اي الهواء المنبثة في فضاء الامكان وهو يشتمل على اربعة اجزاء من الرطوبة الهوائية كما مر ذكره وهذه هي مادة وجود المادة النوعية للفظ وصورتها النوعية التي بها تقوم المادة النوعية هي هذا الجزء اليابس فكانت المادة النوعية للأشخاص التي تحتها من هذين الجزئين اللذين احدهما الأربعة الأجزاء الرطبية ( الرطبة خم ) وثانيهما الجزء اليابس كما تكون المادة النوعية للكتابة من الزاج والعفص واخذ ذلك بالقوة القابضة اعني به الجذب الى جوفك وانما اوصلته الى جوفك بالجذب لتتمكن من اخراجه ودفعه الى فضاء الهواء بالتدريج ممتدا وتتمكن من تفصيله الى ما تريد من الحروف فتقطع منه الحروف التي تريد تأليفها للدلالة على مقصودك لما بينهما من المناسبة الذاتية والمطابقة الوصفية وبهذه الحروف التي هي مادة لفظك حيوته اي قوامه وحصول الدلالة به لما بينهما اي بين المادتين اعني مادة لفظك ومادة مقصودك من المناسبة الذاتية والمطابقة الوصفية وبصورة لفظك حيوته بالمعنى المذكور لما بين صورة لفظك وصورة مقصودك من المناسبة الذاتية والمشابهة الصورية فتؤلف منهما بعد التقدير يعني بعد ( عند خم ) تقدير الحروف بان تشتق من الهواء ما يناسب المقصود من الشدة واللين والجهر والهمس والاخفاء والظهور والقلقلة والتفشي وما اشبه ذلك وتؤلفها على هيئة المقصود في حركاتها وسكونها ( سكناتها خم ) وتقديم بعض وتأخير بعض كما قال اهل العربية ان مادة لفظ ضرب الفعل الماضي تدل على الحدث وهيئته تدل على الزمان وتقديرها في اشتقاقها بالضغط يعني تضييق المخرج كالشين والصاد والقلع كالطاء والقاف والقرع كالميم والنون فاذا الفت حروفا مشتملة على الأجزاء الخمسة اربعة المادة وواحدة الصورة متصفة بصفات مقصودك كما ذكرنا فتؤلف منها لفظا هيئته كهيئة مقصودك فتدفعه الى الهواء الذي هو مكان امكانه ومحل تكوينه فيقع يعني من ذلك المؤلف جزءان من رطوبة لفظك رطوبة الأجزاء ( الاجزاء الاربعة خم ) الرطبة وجزء من يبوسة يبوسة الجزء اليابس على ما يشاكله الخ وفي بعض العباير من الرسائل اقتصرنا على ذكر الجزئين من الرطوبة قلنا ( وقلنا خم ) فيقع جزءان من رطوبة لفظك بدون قولنا وجزء من يبوسة يعني فيقع من ذلك المؤلف ( المؤلف جزءان خم ) اي من مجموعه المركب من الخمسة المذكورة من رطوبة لفظك وانما قلنا من رطوبة لفظك مع ان فيه جزء يابسا لأنه انحل في الرطوبة فكان ماء مشاكلا كما مر وهي ان المادة الرطبة التي هي الجزءان مادته المناسبة لمادة مقصودك اعني الاخبار بقيام زيد على ما يشاكله يعني يشاكل هذا الواقع من ارض هذا العمق والجرز وهو الهواء كما مر مكررا لأنه يعني الهواء هو الذي يحفظ لفظك ويوصله بدفعك وحماية العقل له عن التهافت والفناء عند البعد او شدة الهواء او الحجاب فيما لا يبلغ الافراط الشديد ويوصله اي يوصله ذلك الهواء لأنه محله الذي يقوم به وينتقش فيه صورته ويتموج به الى ان يوصله بمعونة الدافع والحامي والحافظ الى اذن مخاطبك الذي تريد افهامه قيام زيد كما يأتي
قلت ليرتسم في الحس المشترك منه صورة مادة لفظك وصورة هيئته فانه للفظك كالام للجنين وكالارض للماء الذي ينزل من السحاب فينبت به النبات فوقع من لفظك ماء على ارض ذلك المعنى وهذا الماء هو الوجود لذلك المعنى وهو دلالة لفظك بمادته وهيئته الواقعة في الحس المشترك الذي هو الام فينبت المعنى في بطن تلك الام وهو الخيال بذلك الماء الذي هو الدلالة ويحيى بها ولم يك ذلك المعنى قبل تلك الدلالة شيئا لان الشيء انما سمي شيئا لانه مشاء والمشية هي اصل الارادة فافهم
اقول نريد ان الهواء يحفظ اللفظ ويوصله بواسطة العقل الى اذنك ليرتسم من تلك الاصوات المصورة بالهيئات المحصوصة ( بالهيئة المخصوصة خل ) القارعة لطبل اذنك باصوات حروف ذلك اللفظ في الحس المشترك الذي هو برزخ بين الشهادة والغيب صورة مادة لفظك وصورة هيئته وهي صورة برزخية مكانها من ارض الاقليم الثامن واسفلها على محدب محدد الجهات واعلاها في اسفل الدهر متصلا بالجسم الذائب اعني جوهر الهباء والمواد الجسمانية قبل تعلق الصور بها فان الحس المشترك بالنسبة الى ما يقع فيه من صورة مادة اللفظ وهيئته بمنزلة الأم للجنين وبمنزلة الأرض بالنسبة الى الماء النازل من السحاب لانبات النبات فوقع من لفظك ماء وهو دلالته على المعنى على ارض ذلك المعنى وهي النفس التي هي لوح الصور صور المعلوم والمراد بالمعنى هنا ليس هو المعنى الاصطلاحي الذي يكون في العقل وهو ذات نورانية مجردة عن المادة العنصرية والصورة النفسية والمثالية والمدة الزمانية وانما المراد بهذا المعنى ما ينتقش في النفس من دلالة اللفظ وقابلية النفس وهو يحدث فيها بعد وقوع دلالة اللفظ عليه في النفس وليس هذا المعنى قبل ذلك شيئا اصلا كما قال الرضا عليه السلام للمأمون في بيان ان الحروف ليس لها معان الا انفسها قال عليه السلام لأنها لا يؤلف منها ثلاثة حروف او اربعة او اقل من ذلك او اكثر الا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك ه وذلك لأن النفس متهيئة لا نتقاش الصور عند ادراك اسباب ايجادها فاذا ادركت اللفظ وهيئته بان وقع عليها دلالته انتقش فيها صورة ما دلت عليه دلالة اللفظ المسموع من صورة مادته وصورته كما مر فاللفظ كالسحاب ودلالة مادته وصورته كالمطر النازل من السحاب والنفس هي الأرض الميتة فاذا نزل عليها الماء الذي هو الدلالة تنبت ارض النفس وقابليتها بثمرات الماء وهذا الماء هو الوجود الذي منه تكون ذلك المعنى لأنه هو دلالة اللفظ بمادته وهيئته على ذلك المعنى وهذه الدلالة هي الواقعة في الحس المشترك ثم منه الى الخيال ثم منه الى النفس فالحس المشترك هو الأم اي ام ذلك المعنى المتولد في النفس من تلك الأم والخيال هو بطن تلك الأم الذي ينبت فيه المعنى بذلك الماء الذي هو تلك الدلالة ويحيى بها لأنه هو شأن الماء ولم يكن ذلك المعنى قبل تلك الدلالة شيئا كما سمعت عن الرضا عليه السلام وكيف يكون شيئا قبل ان يكون مشاء لأن الشيء انما سمي شيئا لأنه مشاء وقد اشار الى هذا المعنى امير المؤمنين عليه السلام في خطبة يوم الغدير والجمعة في الثناء على الله قال عليه السلام وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته فاشار عليه السلام الى جهة اشتقاقه من المشية وانما قال من مشيته ولم يقل من ارادته لأن المشية هي اصل الارادة
قلت الفائدة السابعة اعلم انه لما نزل الماء الاول المسمى بالوجود المقيد على ارض الجرز تكون منه الشيء في ستة ايام الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة ليس شيء منها في الظهور قبل الاخر وانما هذه مع المادة التي هي حصة الوجود ومع الصورة التي هي حصة الماهية هي الشيء ظهر الجميع دفعة لان كل واحد من هذه الثمانية شرط لكلها في الظهور والشيء الموجود مركب من الوجود والماهية والستة قيود مقومات لها
اقول لما اشرنا الى تكوين الخلق الأول المعبر عنه بالهيولي وبالمادة النوعية اشرنا في هذه الفائدة السابعة الى تكوين الخلق الثاني الذي تلبس فيه الأفراد والحصص الصور الشخصية وهي رتبة القدر من الأفعال الالهية وفيه التكليف الأول وعالم الذر والسعادة والشقاوة والاجابة وعدمها ف- قلت ان كل شيء انما يتكون في ستة ايام وذلك من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية ه وقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان ما هنالك ( ان الاستدلال على ما هناك خم ) لا يعلم الا بما هيهنا ه فلما نظرنا الى الآفاق والى انفسنا والى العبودية التي هي كناية عن الآثار والأعراض والأظلة والى الربوبية التي هي كناية عن المؤثرات والمعروضات وذوي الأظلة والى ما هيهنا وجدنا قول الله سبحانه خلق السموات والأرض في ستة ايام يعني في ست رتب العقل والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم وقيل ( قيل هي خم ) الفصول الأربعة والمادة والصورة ووجدنا الانسان كذلك خلق في ستة ايام اي في ست رتب النطفة والعلقة والمضغة والعظام ويكسى لحما وينشئ خلقا آخر بان تنفخ فيه روح الحيوة فعلمنا حيث كان الصانع عز وجل واحدا والصنع واحدا ( واحدا قال تعالى خم ) ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقال ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والحكمة في الكل واحدة علمنا ان ما هنالك كما هيهنا كما ذكر الرضا عليه السلام فلذا قلنا فلما وقع الماء الذي نحن بصدد ذكره على ارض الجرز اي ارض القابليات تكون منه الشيء اي من الماء ومن الأرض اذ الصورة منها في ستة ايام يعني في ست رتب اليوم الأول يوم الكم واريد به القدر الجوهري اي قدر المادة قلة وكثرة لا الكم الاصطلاحي فانه من الأعراض وان كان هو جسم نوراني ( جسما نورانيا خم ) لكن اهل البيت عليهم السلام يسمونه ظل النور وانه عندهم بدن نوراني لا روح له اي لا مادة فيه واليوم الثاني الكيف بجميع انواعه واليوم الثالث الوقت في كل شيء بحسبه فالأجسام وقتها الزمان ولطيفه للطيف الأجسام كمحدد الجهات ومتوسطه لمتوسطها كالأفلاك السبعة وكثيفه لكثيفها كالأرض والعقل والروح والنفس والطبيعة وجوهر الهباء اعني المادة قبل تعلق الصورة بها وقتها الدهر لطيفه للعقول اعني الجبروت ومتوسطه للنفس وكثيفه لجوهر الهباء والمشية والارادة والقدر والقضاء وباقي الأفعال وقتها السرمد لطيفه للطيفه كالمشية ومتوسطه لمتوسطه كالقدر وكثيفه لكثيفه كالقضاء والامضاء واليوم الرابع المكان وهو ظرف للحال فيه ويكون من نوعه فكان ( فمكان خم ) السرمديات سرمدي والدهريات دهري والزمانيات زماني واليوم الخامس الجهة وهي وجه الشيء الى اصله والى توجهه اليه وهي جهة الاستمداد من مبدئه واليوم السادس الرتبة وهي مكان الأثر من مؤثره في القرب والبعد وهذه الستة المسماة ( المسمىات خم ) بالأيام هي اطوار المحدث كما قال تعالى وقد خلقكم اطوارا وذلك جار في كل مخلوق وهي متممات للقابلية والصورة ولهذه الستة لواحق وتوابع ومتممات لها ومكملات وهي كثيرة واصل اللواحق الوضع بانواعه الثلاثة الا ان النوع الأول وهو الكون في محل يدخل في المكان واما الآخران وهما نظم اجزاء الشيء المصنوع وترتيبها بالنسبة الى بعضها من بعض والثاني نظمها وترتيبها كذلك بالنسبة الى الأمور الخارجة عنه والاذن اذ لا يخرج المصنوع من كتم العدم الامكاني الى الوجود الكوني الا باذن من الله وان تمت له جميع اسبابه بقي محبوسا على باب فوارة القضاء الالهي حتى يؤذن له بالخروج والأجل بمعنى انه يبقى محبوسا على الوقت المؤجل له وهو وقت الخروج من الامكان الى الكون ومدة بقائه في الوجود الكوني ووقت خروجه عن ( من خم ) الكوني الى الوجود الامكاني والكتاب بمعنى انه منذ نزل من الخزانة الأولى ( الخزانة العليا خم ) الى ان وصل الى عالم الكون والظهور كل مقام مر عليه انتقشت فيه صورته من نوع ذلك المقام ورتبته وهذه الكتب هي خزائنه التي اشار تعالى اليها بقوله وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ومنها النسب الخارجية والاضافات ووجودات ( وجود خم ) المقارنات وغير ذلك وهذه الأمور المتممات واللواحق مع المادة والصورة كل واحد منها وجوده شرط لوجود كلها فتلزمها المساوقة في الظهور بحيث لا يتقدم شيء منها على الباقين ولا يتأخر والشيء بقول مطلق مركب من الوجود والماهية الا ان الماهية التي هي القابلية صورة ذلك الشيء وهذه الصورة مركبة من حدود هندسية وتلك الحدود هي هذه الستة المذكورة ولواحقها المشار اليها وهذا ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد
قلت وانما ذكرنا الستة خاصة لان غيرها كالاوضاع والاذن في الظهور واجل الفناء والكتب الحافظة لهذه المذكورة من حيث هي حافظة ومن حيث هي محفوظة وكالامضاء الذي هو شرح العلل والاسباب وغير ذلك كلها راجعة الى الستة
اقول وانما ذكرنا الستة خاصة لأن غيرها يرجع اليها ولو باعتبار ولأجل ان بعضها لما كان قد لا يدخل ظاهرا فيها اي في المقومات نبهنا على بعض الذكر ليتوجه الأفهام الى دخولها من غير ان نطيل الكلام بذكر الدخول اذ ربما استلزم ( يستلزم خل ) التطويل او ذكر ما يتوقف في بيانه على التطويل ونريد من الأوضاع ما هو اعم من الوضع الاصطلاحي المعروف من النسب والاضافات والاذن لها في الظهور كما اشرنا اليه سابقا لأن الشيء اذا شاء الله كونه واراد عينه وقدر حدوده وقضي تركيبه بقي على باب الوجود المقيد واقفا حتى يؤذن له في الخروج من الامكان الى الكون وكذا كل جزء من اطواره فلا يخرج من كونه الى عينه الا باذن ومن عينه الى قدره ومن قدره الى قضائه ومن قضائه الى امضائه الا باذن واما الأجل فكما مر يعني ان الشيء له في كل طور من اطواره مدة من وقته من سرمد او دهر او زمان اذا قطعها خرج منها الى ما دونها في ادباره والى ما فوقها في اقباله اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وقولي واجل الفناء شامل لكل مرتبة بمعنى انه اذا فنى اجل بقائه في طور اذن له في الخروج منه الى ما بعده صعودا ونزولا والكتب الحافظة للشيء في جميع اطواره عبارة عن نقش ذلك الطور في اظهار لوح رتبته وذلك النقش كتاب حافظ لما بعده محفوظ لما قبله ولذا قلنا من حيث هي حافظة ومن حيث هي محفوظة والامضاء اظهار ما قضاه ( ما قضى خل ) مبينا مشروح العلل والأسباب ليستدل به على رب الأرباب وغير ذلك كالكتب المشار اليها سابقا وكالأوضاع والنسب وكلها راجعة الى الستة المذكورة بنحو ما قلنا
قلت فلهذا اقتصرنا على ذكرها في ذكر البدء لان الاوضاع لازمة للمكان والجهة والرتبة والاذن والاجل لازمان للوقت والكتب لازمة للستة والامضاء لازم لما سبق ومتفرع عليه لان حصول هذه الستة للماهية والوجود ولوازمها المشار اليها يلزم منه الامضاء في الحكمة ويتفرع عليها والباقي ان شاء الله تعالى نذكره فيما بعد
اقول الوضع لازم للمكان كالوضع في الجوهر الفرد لأنه بسيط فلا يكون فيه ترتيب بين اجزائه فالوضع فيه انما هو المكان ويدخل قسمان الأخيران وهما الترتيب بين اجزاء الشيء بعضها الى بعض وبين اجزائه وغيرها من الخارجة عنه كالقيام انما يتحقق اذا استقامت فقرات ظهره وكان رأسه مما يلي السماء ورجلاه مما يلي الأرض ولهذا لو استقامت فقرات ظهره وهو نائم فانه ليس بقائم اذ رأسه ليس الى السماء ورجلاه ليس الى الأرض في المكان والجهة فكان الوضع مستلزما للمكان والجهة وكذلك الرتبة ويلزم الأذن والأجل للوقت اما الاذن فانه يقع في انتهاء الوقت الأول وابتداء الثاني واما الأجل فقد اشير الى لزومه له في الجملة سابقا والكتب لازمة للستة لأن كل شيء فهو كلمة مكتوبة في محله ووقته بما هو هو وفي غيب محله ووقته بمثاله بما هو مثال وكلها من حروف اللوح المحفوظ وكلماته فالستة كتب في نفسها اذ الكتاب حقيقة هو النقش لا القرطاس كما قال تعالى ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس وقال تعالى وكتاب مسطور في رق منشور واما الامضاء فلازم لما سبق من الكون والعين والقدر والقضاء اذ ما لم يمض لم يكن فلا يتحقق شيء الا بالامضاء ولأن كل شيء لا يخرج الى الوجود الكوني الا وهو علة لشيء ومعلول لشيء ودليل على شيء ومدلول عليه لشيء وظل لمؤثره وذو الظل لأثره فيكون في نفسه شارحا ومشروحا فيصدق عليه تعريف الامضاء في حديث الكاظم عليه السلام وهذا معنى قولي ويلزم منه الامضاء في الحكمة لأن ما لم يمض لم يكن فكونه دليل امضائه وقولي يلزم منه الامضاء في الحكمة اشارة الى ان ما وجب بفعله لم يكن واجبا عليه اذ كل ممكن لا يكون عنده تعالى واجبا في حال ولم يخرج عن امكانه ابدا نعم قد يجب في الحكمة كما اذا ترجح ايجاد الشيء في نفسه او لشيء من معيناته فانه تعالى اجرى حكمته ان يوجده لطفا لعبده ورحمة له لأنه اذا ترجح ايجاده بنفسه او بشيء من معيناته فقد سئل الكريم الوهاب بصدق قابليته فاتى الدعاء من بابه فوجب في الحكمة بجريان اللطف والرحمة ان لا يرد سائله لوعده في صادق كلامه ادعوني استجب لكم فهذا معنى لزوم الامضاء في الحكمة لأنه فيما نحن فيه اذا قضي شيئا فقد تمت قوابل اكوانه اعني الكون والعين والقدر والقضاء فحين تمت الأكوان وقوابلها بامضاء كل منها استحقت اظهارها مبينة مشروحة العلل في الحكمة فلزم فيها الامضاء لأنه في آخر مراتب الشيء متفرع عليها والباقي من المتممات والمعينات ان شاء الله نذكره فيما بعد لأني كنت عزمت على ذكر اشياء من الأسباب حين كتابة الفوائد ثم عدلت عن ذلك لأن في بعضها ما تنحط عن نيله الأفهام
قلت ثم اعلم انه قد اختلف في الشيء اختلافا كثيرا ويرجع ذلك الى اربعة اقوال ولا عبرة بذكر غيرها الاول ان الشيء هو الوجود والماهية عرض حال بالوجود الثاني ان الشيء هو الماهية والوجود عرض على الماهية الثالث ان الشيء هو الوجود والماهية انما هي بتبعية الوجود الرابع ان الشيء هو الوجود والماهية فهو مركب منهما
اقول اعلم ان الأقوال في ان الوجود والماهية ما هما وان الشيء هل هو احدهما واي شيء هو ام هما معا متكثرة جدا من اراد ان يعرف كلام امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثرها الجاهلون او الجهال على اختلاف الرواية فلينظر الى تلك الأقوال في كتبهم والنقطة التي في هذه المسئلة ما اخذ عن العلماء الذين لا يجهلون والذاكرين الذين لا ينسون والمعصومين الذين لا يخطؤن صلى الله عليهم اجمعين والاشارة الى ذلك على جهة الاختصار والاقتصار ان الوجود هو الفائض عن فعل الله سبحانه لا من شيء فيجب ان يكون جوهرا اذ لو لم يكن جوهرا لكان عرضا للانحصار فيهما ولو كان عرضا لاستلزم سبق معروضه والوجود منه خلق جميع المخلوقات وقد قدمنا ان مدخوله لفظة من في نحو هذه العبارات التي تبين بها المقاصد هو المادة كما تقول صنعت الخاتم من الفضة والباب من الخشب وقد صرح بذلك الصادق عليه السلام في الحديث الذي سبق ولأن السابق من اجزاء الشيء يجب ان يكون اقوى ذاتياته ولا يصح غير هذا فاذا تحقق ان كل ممكن زوج تركيبي وجب ان يكون الممكن المخلوق مؤلفا والتأليف لا يكون بلا مادة يؤلف منها فهي سابقة على التأليف والتأليف هيئة تحدث للمؤلف فثبت ان كل ممكن مركب من مادة وصورة يحدثها الصانع في المادة والمادة هي اول ما يوجد بنفسها فهي الوجود عند من له وجدان والماهية هيئة ذلك الوجود ثم الخلق قسمان خلق اول وهو خلق المادة كعمل المداد للكتابة وخلق ثان وهو عمل الكتابة وهذا هو العلم بالوجود ومعرفته وهو نقطة واما ان الممكن زوج تركيبي فهو حق ولكن المطلوب معرفة ذلك والعلماء والحكماء اختلفوا في الشيء الممكن ما هو هل هو الوجود والماهية عرض حال بالوجود وهذا قول اهل التصوف واكثرهم على ان الوجود هو الله وانه تعالى يتطور بالأطوار الخلقية ويلبس الصور ويخلعها من غير ان يتغير في نفسه قال شاعرهم :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والأمر واقع
وقال بعضهم ان وجود الأشياء هو المشية وقد اشار الرضا عليه السلام الى ذلك في الرد على سليمان المروزي قال عليه السلام هذا قول ضرار واصحابه فانهم يقولون ان المشية تأكل وتشرب وتنكح وتحيي وتموت ه ن قلت بعض معناه وهذا القول بوجهيه باطل وقيل الشيء هو الماهية والوجود عرض حال بالماهية وهذا قول المشائين والمتكلمين وهذا ايضا باطل لأن الماهية هي هوية الشيء ( هوية المحدث خم ) وانيته ولا يصح ان تكون سابقة على الوجود لأنها اذا جعلت اصلا والوجود عارضا عليها وجب ان تكون سابقة على الوجود ولا تكون سابقة ( سابقة عليه خم ) الا بوجود فيلزم التسلسل على انا اذا رجعنا الى الضرورة وجدنا الماهية في السرير لا تتحقق قبل مادته ولا توجد مع وجود المادة بل توجد المادة ولم يكن سريرا اذ لا يتحقق السرير الا بالصورة العارضة للماهية وهو على العكس مما قالوا والا لوجدت ماهيته التي بالصورة حدثت قبل وجود الخشب الذي هو المادة فيلزم ان توجد الصورة قبل الخشب وان تكون الصورة هي المعروض والمادة عارضا والضرورة قاضية بوجود الخشب قبل السرير وبان ماهية السرير انما توجد بالصورة العارضة وبان العارض مسبوق بالمعروض وبان اول صادر من فعل الله هو المعروض وبان الانية والماهية مسبوقة بالشيئية والشيئية مسبوقة بالمادة التي هي متعلق الصنع فبالصنع حدثت المادة وفي المادة حدثت الصورة التي بها الشيئية التي تلزمها الماهية والانية فظهر لمن نظر ان الوجود هو المادة وان الماهية هي الصورة وانها تابعة للمادة والمادة سابقة عليها ولا تكون الصورة معروضة للمادة وتوهمهم ان الوجود والماهية زايدان على المادة والصورة توهم باطل لا يكون جاريا عن حكمة ولا هدى ولا كتاب منير وكيف يقولون الانسان حيوان ناطق ويقولون هو حد حقيقي تام لأنه جامع لكل ذاتيات المحدود ويقولون حصة الحيوان هي المادة وحصة الناطق هي الصورة فاين الوجود واين الماهية فان كانا خارجين عن الذاتيات فالشيء ليس هو الوجود ولا الماهية وان كانا هما المادة والصورة فالماهية ليست هي الشيء والوجود عارض عليها كما ان الصورة ليست هي الشيء والمادة عارضة عليها والقول الثالث ان الشيء هو الوجود والماهية انما هي بتبعية الوجود اي انما حدثت بتبعية الوجود والا فليست من الشيء بل ليست مجعولة ولا شمت رائحة الوجود فالشيء انما هو الوجود وحده وهو قول لبعض الاشراقيين وهذا القول مثل الأولين في البطلان لأن الماهية اذا لم تكن شيئا لم يكن الممكن زوجا تركيبيا وان كانت شيئا ولكنها غير مجعولة فاسوء حالا لأنه يلزمهم ان يكون الممكن بسيطا وليس زوجا تركيبيا وان كانوا يقولون انه هو مركب ولكنه من حادث وقديم فهو القول الأول او مثله في الفساد لأن القديم ينافيه مطلق التركيب ومجامعة الحادث وان قالوا انها لم تكن بجعل مختص بها بل هي مجعولة بجعل الوجود فهذا باطل لأن الجعل في نفسه ان كان بسيطا ليس له الا جهة واحدة واعتبار واحد وحيثية واحدة فلا يصدر عنه شيئان متضادان فليست مجعولة اصلا فاما ان تكون قديمة واما ان لا يكون ( لا تكون خم ) شيئا وكلا الأمرين باطل اذ القديم ينافي التركيب وعدم كونها مجعولة بمعنى انها ليست شيئا ينافي كون الممكن زوجا تركيبيا وينافي كون الشيء شيئا اذ لا شيئية لمن لا ماهية له والواجب تعالى ماهيته نفس وجوده لا انه لا ماهية له واثباتها اعتبارا وذهنا لا يثبتها خارجا واذا لم يثبت خارجا لم يكن الشيء ذا ماهية وايضا الشيء يصدر عنه ميلان ( فعلان خم ) متضادان وذلك يدل على كونه مركبا من ضدين فان زيدا يفعل الطاعة ويفعل المعصية ويقولون ان الطاعة تنشأ من الوجود والمعصية من الماهية فاذا لم تكن الماهية شيئا كيف تصدر عنها المعصية والمعصية شيء فكيف يصدر الشيء ( شيء خل ) من لا شيء والقول الرابع ان الشيء هو مركب من الوجود والماهية لأنه ممكن وكل ممكن زوج تركيبي وقد نص القدماء من الحكماء الالهيين ان كل حادث فله اعتباران اعتبار من ربه هو حقيقة من ربه وهو الوجود واعتبار من نفسه وهو حقيقة من نفسه وهو الماهية وهذا مما لا ريب فيه لأنه لو لم يكن هو جهة من ربه لاستغني عنه سواء اريد بالجهة مادته وايجاده ام احدهما ولو لم يكن جهة من نفسه لم يكن هو اياه بل لم يكن شيئا اصلا اذ جهته من نفسه هي شيئيته وهويته وانيته وكل ما يرد على الأقوال الثلاثة المتقدمة فهو دليل لهذا القول وهو الحق والجامع لثبوت التركيب هو ان الشيء المخلوق لا يتحقق الا بفعل وانفعال والفعل من الفاعل والانفعال من نفس المخلوق وذلك مثل خلقه فانخلق فالوجود الذي هو المادة من خلق وهو الذي من ربه والماهية التي هي الصورة من انخلق وهو الذي من نفسه وحيث لا يتحقق الفعل الا بالانفعال كالكسر مع الانكسار لا يتحقق الوجود الا بالماهية فان فهمت الحق من هذه العبارات المكررة المرددة فانت من الواصلين اليه في المسئلة والا فلا تفهم من غيرها
قلت لان الوجود شرط كونه صدورا واستمرارا الماهية والماهية شرط تكونها انصدارا واستمرارا الوجود فما داما موجودين منضمين فالشيء موجود ولا شيئية للشيء مع فقد احدهما ولا للاخر والوجود مادة لنفسه وصورته لنفسه ارتباط الماهية به والماهية مادة لنفسها وصورتها ربط الوجود بها قال الله تعالى هن لباس لكم وانتم لباس لهن فهما الشيء فهو مركب منهما ابدا
اقول بعد ان ذكرت ان الشيء هو الوجود والماهية وانه مركب منهما ابدا اذ لا يمكن تحقق احدهما بدون الآخر لأن كل شيء ممكن زوج تركيبي ذكرت بعض ما يتفرع على ما ذكرنا وبعض اسباب ذلك وجواب اعتراض اورد على قولنا ان كل ممكن زوج تركيبي يعني انه مركب من مادة وصورة وهو انه اذا قيل كل ممكن مركب من المادة والصورة يعني الوجود والماهية فالوجود نفسه ممكن فهو اذا مركب من المادة والصورة والماهية نفسها ممكنة فهي اذا ايضا مركبة من المادة والصورة بل والصورة في المرآة ايضا مركبة من المادة والصورة ويلزم التسلسل والجواب اما عن الأول يعني ان احدهما لا يتحقق بدون الآخر لا في اصل صدوره ولا في استمراره فلأنا قد قررنا انه لا يمكن تحقق الممكن المخلوق بدون الاعتبارين اي اعتبار من ربه واعتبار من نفسه وهذا اللحاظ جار معتبر في صدور الشيء واستمراره لأنه متقوم بفعله قيام صدور في الصدور وفي البقاء كما ترى من تقوم النور بالمنير والصورة في المرآة بالمقابلة واما الجواب عن تقوم احدهما بالآخر وانه لا يمكن ان يكون المخلوق بسيطا مطلقا فلأن المخلوق لما لزم ايجاده الفعل والانفعال وهما متضادان لأن الفعل من الفاعل والانفعال من المفعول او الفعل بالتكوين نازل من العالي الى السافل والانفعال بالتكون صاعد من السفل الى العلو والفعل جهة الفناء الذي هو البقاء والانفعال جهة البقاء الذي هو الفناء والفعل منشأ الفقر الذي هو الاستغناء والانفعال منشأ الاستغناء الذي هو الفقر والفعل مبدأ الموافقة والطاعة والانفعال مبدأ المخالفة والمعصية تعذر قيام الشيء المحدث بدون ما لا يتحقق الا به من نحو ما ذكرنا اذ البساطة تنافي اختلاف الجهتين اللتين لا ينفك الحادث عنهما ولو شاء الله شيئا كان ما شاء ولكنه بطور فوق طور ما تدركه العقول والى عدم ايجاد بسيط والى امكانه في مشية الله اشار الرضا عليه السلام بقوله ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه واما ان كل واحد منهما مركب من المادة والصورة حتى الصورة في المرآة مركبة من المادة والصورة فلأنا قلنا ان واحدا منهما لا يقوم ( لا يكون خل ) بدون الآخر فاذا اعتبرنا الوجود نفسه ليتحقق في التعبير عنه وفي المفهوم وفي الذهن كانت مادته نفسه وصورته انضمام الماهية اليه اما في التعبير عنه فلأنك تقول وجود فتظهر بافراده انيته وهي الماهية فلأنها لازمة له لا ينفك عنه اذا اعتبر له اعتبار من نفسه لأنه هو الماهية كما مر واذا اعتبرنا الماهية نفسها كذلك كانت مادتها نفسها وصورتها ربط الوجود بها بمعنى اذا ذكرت في العبارة عنها وفي مفهومها وفي الذهن لزمها نوع وجود ما تلبسه وتظهر به في كل ما ذكرت به وما ذكرت به هيئة لها فهو صورتها واليه الاشارة في التأويل هن لباس لكم وانتم لباس لهن وهذا في تاويله والتمثيل به على حد ما ذكرنا في امر الوجود والماهية والأصل في الأسباب والمسببات اذا ترامت صعودا ونزولا انتهت الى التضايف والتساوق في الظهور فينقطع الترامي المذكور لأنه اذا فقد احدهما فقد الآخر واذا وجد احدهما وجد الآخر هذا في الشيء التام المركب منهما فانه انما يكون الوجود مادة والماهية صورة ما داما موجودين منضمين يلحظ احدهما مع الآخر في الشيء المركب منهما واذا اعتبر احدهما كان مادته نفسه ولزوم الآخر له صورته كما قلنا واذا جردا في الذهن عن الرابط بينهما كأن يتصور الوجود وحده والماهية وحدها كان كل واحد منهما مادة نفسه وصورته هيئة ( وهيئته خل ) ذهن المتصور ولونه وصقالته ( صفاته خم ) ومثل هذا وآيته الصورة في المرآة فان من عرف احدهما عرف الآخر ومن جهله جهل الآخر فمادة الصورة في المرآة صورة المقابل المنفصلة اعني ظل صورته اللازمة له وصورتها هيئة المرآة في الاستقامة والاعوجاج ولونها في البياض والسواد وصقالتها في الصفاء والكدورة فلم يكن شيء من الممكنات الا وهو مركب من المادة والصورة فالمادة هي الوجود والصورة هي الماهية فمن قال بغير هذا من المؤمنين فاسئل الله ان يصلح وجدانه ويعرفه مذهب ساداته عليهم السلام
قلت فالوجود جهة فقره الى الله تعالى وهو جهة استغنائه والماهية جهة استغنائه وهو جهة فقره فافتقاره استغناء ووجود واستغناؤه فقر وعدم فنظره بالفؤاد حق وبالقلب حقيقة ونظره بالتراب باطل وبالنفس سراب وذلك لان الوجود متقوم بالوجود المتقوم بالحق والماهية متقومة بالوجود نفسه من دون الوجود المتقوم بالحق وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله
اقول الوجود له معنيان : الوجود الجنسي وهو الذي تؤخذ منه حصة وتضاف اليه من الصورة النوعية اعني الماهية حصة فيتكون منه ومن حصة الصورة النوعية مادة نوعية كالمداد المركب من الزاج والعفص وتسمي هذا الوجود الوجود الأول وهذه الماهية الماهية الاولى والمتكون منهما الخلق الأول واذا اخذ من هذا المتكون حصة من هذا الخلق الأول الذي ربما نطلق عليه الوجود الثاني وحصة من الصورة الشخصية يكون منهما الشيء الشخصي او النوعي الاضافي او الجنسي الاضافي كل في مقامه ويسمى هذا الوجود الذي اخذ منه حصة هي مادة للشخص بالوجود الثاني والذي اخذ منه حصة الصورة بالماهية الثانية والمتكون منهما بالخلق الثاني وثانيهما ان الشيء سواء كان شخصيا ام نوعيا ام جنسيا ان لوحظ انه نور الله وانه اثر صنع الله فهو وجوده ولهذا يعرف به الله كما قال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وان لوحظ انه هو فهو ماهية وظلمة لا يجوز ان يعرف به الله سبحانه والا لوقع التشبيه فالوجود حقيقة انه نور الله واثر فعله لأنه حقيقة الشيء من ربه سواء كان في الخلق الأول ام الخلق الثاني وهو معنى قولنا فالوجود جهة فقره الى الله تعالى لأنه كالنور ليس له هوية الا ظهور المنير به واذا اعتبرت افتقاره الى الله سبحانه بحيث لا يجد نفسه كان هو جهة استغنائه يعني بالله لقوة قابليته لفعله تعالى حتى لم يشهد له انية كنور السراج فانه نور بالسراج وظلمة بنفسه والماهية جهة استغنائه يعني عن ربه بمعنى انه ( انه انما خم ) ينظر الى نفسه وهذا هو جهة فقره لعدم قبوله للمدد بنظره الى نفسه وهو الماهية فافتقاره الى الله سبحانه استغناء ووجود واستغناؤه عن الله لنظره الى نفسه فقر وعدم قال صلى الله عليه وآله الفقر سواد الوجه في الدارين فنظره اي نظر المرء مثلا بالفؤاد حق لأن الفؤاد هو النور الذي ينظر به صاحب الفراسة من المؤمنين واصحاب التوسم من الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين وهو الوجود الذي خلق منه وهو النفس اي الذات التي من عرفها عرف ربه اعني حقيقته من ربه وهو الوجود وهو الوصف الذي ليس كمثله شيء اي وصف الله سبحانه نفسه لخلقه ليعرفوه بها بمعنى انه ليس كمثله شيء ولا شك ان النظر بهذه العين حق عياني ووجوب عنواني لأن الحق نريد منه ما يعرف به الله سبحانه ويوصف به من العلم والقدرة والسمع والبصر التي هي ذاته ونظره بالقلب حقيقة لأنه انما يدرك ما كان من نوع المعاني المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة الجوهرية والمثالية ونريد من الحقيقة ما دخل في الامكان من الحقايق ونظره بالتراب اي بالأجسام والجسمانيات باطل بمعنى انه لا يوصل الى معرفة المعالم الالهية وانما يدرك نوعه كما لو ادرك بنظره وبسمعه وبلمسه وبذوقه وشمه او بمعنى ان نظره بالماهية باطل لأن الماهية التي هي الانفعال خلقت من اكثف الانيات واغلظها وهو التراب الذي هو اسفل الأجسام والعناصر واشدها ظلمة فيدرك بها الباطل لا غير ونظره بالنفس سراب يعني ان النفس لا تدرك الا الصورة التي لا تعرف بها البسايط الحقيقية انما تحد الأدوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها فان كانت النفس هي الصدر فتنظر الى صور المعلومات الحقة لأنها تستمد من العقل اذ هي مركبة وهذه النفس ليست مرادة واما النفس المرادة هنا فهي الأمارة بالسوء التي هي ضد العقل وهي وجه الماهية ووزيرها فلا تريد الا المعصية فاذا نظرت انما تنظر الى الباطل ولذا قلت ان نظر الانسان بالنفس سراب لأنها تموه الباطل في صورة الحق كما توهم السراب الماء على الظمآن وانما قلنا ان نظر الانسان بالوجود حق الخ لأن الوجود الذي هو الفؤاد متقوم بالوجود الذي هو المشية المتقوم بالحق سبحانه اي متقوم بفعله ومشيته على ظاهر الحال تقوم صدور بفعله وعلى الحقيقة فالمراد بالحق مجموع الفعل وما تقوم به اعني المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والماهية انما قلنا بان نظر الشخص لها باطل لشدة ظلمتها وبعدها عن النور الذي تدرك به الأشياء على ما هي عليه لأنها في تكونها متقومة بالوجود نفسه يعني حقيقته من نفسه وهي الانية السوداء المظلمة فهي تنتهي اليه من هذه الحيثية لا من حيث كونه نورا او اثرا للفعل فيكون اصلها مجتثا ومثالها في نفسها وفي تقومها بالوجود بانتهائها اليه كمثل الظل من الجدار فانه في نفسه من كونه ليس من الشمس ولا يعود اليها ومن كونه في اصله من الجدار المظلم المكني به عن نفس النور من حيث نفسه لا من حيث المنير فهو ينتهي الى الجدار وان كان بالشمس وهو تأويل قوله تعالى وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وقومها النفوس الأمارة بالسوء فافهم
قلت وهذا هو الهيولي للانسان وهو بمنزلة المداد المركب من صمغ وسواد وزاج وعفص وملح وصبر ونبات وآس فكما ان المداد من حيث هو صالح للاسم الشريف والاسم الوضيع وانما تميز بينهما الصورة الثانية اي الكتابة بهيئاتها وهي الماهية الثانية كذلك هذه الهيولي المركبة من الوجود والماهية صالحة للمؤمن والكافر ولا تتميز الا بالصورة الثانية التي هي الخلق الثاني وهي الماهية الثانية
اقول المراد بالمشار اليه بهذا هو المركب من الوجود والماهية التي هي انفعاله عند اول تكونه وذلك في الخلق الأول وهذا الوجود مادة الأشياء كما ان المداد المركب من الثمانية مادة للكلمات المكتوبة فهو بمنزلته في التأليف وفي الايجاد منه لأن الوجود المذكور مركب من ثمانية اشياء وجود وماهية وكم وكيف ووقت ومكان وجهة ورتبة كذلك المداد مركب من ثمانية اجزاء من صمغ ليربط بالقرطاس فلا ينمحي وسواد ليكون له جرم لطيف يسهل حكه لو احتيج اليه ويلطف المداد مع زيادة تسويد وزاج ليحصل بحرقه للعفص ( بحرقة العفص خل ) سواد يزيد المداد ثباتا وعفص لتحرق ( ليحترق خم ) منه فيحصل منه مع الزاج سواد قار وملح ليقطع لزوجته فيعينه على الجريان وصبر بكسر الباء ليمنع الذباب بمرارته من الأكل ونبات ليكون براقا وآس ليكون شديد الجريان والوجود تؤخذ منه حصة لخلق الأنواع من الكلي ولخلق الأفراد من النوعي فكما ان المداد من حيث هو صالح للاسم الشريف والاسم الوضيع ما دام لم يكتب به سواء كان في الدواة ام في القلم كذلك الوجود المذكور صالح لأن يكون مادة للانسان الشريف اذا ضم اليه طينة اجابته الحسنى وللمنافق الوضيع اذا ضم اليه طينة عدم اجابته وانكاره السوءي والمراد بالطينة التي اشرنا اليها الطينة المذكورة في الأخبار وهي صورة اجابته وانكاره ومنها داعي الخير اذا كانت مجيبة وداعي الشر اذا كانت منكرة ولهذا قلنا وانما تميز بينهما الصورة الثانية في الخلق الثاني مثل الكتابة التي بها تتميز الحصص المأخوذة من المداد بهيئتها ( بهيئاتها خل ) اللاحقة لها وكذلك الحصص المأخوذة من الوجود المشار اليه اعني الهيولي المركبة من الوجود والماهية فان الحصص المأخوذة منها تتمايز بما يلحقها من الهيئات كما يتميز الكافر من المؤمن بالمشخصات التي هي الماهية الثانية فان الله سبحانه يقول كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين الآية
قلت فسألهم لعلمه بهم حين سألوه ان يسألهم فقال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم فقالوا باجمعهم بلى منهم من قالها مصدقا بلسانه وقلبه عن علم كما قال تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون فخلقهم من صورة التصديق والمعرفة وهي الصورة الانسانية وهي هيكل التوحيد وهي من فلك البروج وهم المرسلون والانبياء والصديقون والشهداء والصالحون
اقول فسألهم بايجادهم لعلمه الامكاني قبل سؤالهم باحتياجهم بقوابلهم حين السؤال اي حين سئلوا ( سئلوه خم ) بقوابلهم ان يوجدهم وهو قولي ان يسئلهم فقال الست بربكم لايجاد جسده ومحمد (ص) نبيكم ( نبيكم لايجاد خم ) نفسه وعلي وليكم لايجاد عقله فقالوا باجمعهم يعني الخلق بلى منهم من قالها مصدقا بلسانه وقلبه فحين صدق بلسانه خلق جسده وحين صدق بخياله ونفسه خلقت نفسه وحين صدق بعقله وقلبه خلق قلبه اذ الشيء انما يخلق بقبوله حين يخلق لا قبله ولا بعده ثم دعاهم كما دعاهم اولا فقال الست بربكم فشهدوا ان لا اله الا هو ومحمد نبيكم فشهدوا ان محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله ونبيه وعلي وليكم فشهدوا ان عليا ولي الله وذلك باعمالهم في المراتب الثلاث فكانت الدعوة الاولى بحكم ما بالقوة والدعوة الثانية بحكم ما بالفعل ولا شك ان ما بالقوة مسبوق في اصل الكون بما بالفعل كالسنبلة فان الحبة في العود الأخضر تكون بالقوة ثم تكون في السنبلة بالفعل ولا شك ان الحبة الموجودة في العود الأخضر بالقوة مسبوقة بالحبة التي زرعت فنبت منها العود الأخضر والسنبلة فما بالفعل سابق على ما بالقوة لأن ما بالفعل اقوى واشد مما بالقوة ولا يجوز ان يكون الفائض عن المبدء الفياض اضعف مما يكون بعده ومن اثره فافهم فاذا فهمت هذا فاعلم ان الوجود التشريعي روح الوجود التكويني لتوقف الايجاد على القبول والقبول تشريعي يترتب عليه التكويني فخلق سبحانه المجيبين باجابتهم المساوقة لكونهم عن علم بما اجابوا به وبصيرة قال الله عز وجل ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون فخلقهم من صورة التصديق والمعرفة وهذه الصورة هي الصورة الانسانية التي هي هيكل التوحيد وذلك لأن هذه الصورة من حدود تخططت ( من خطوط تحددت خم ) وتصورت خط التوحيد وخط العقل وخط العلم وخط العمل وخط التقوى وخط الطاعة والرضاء بقضاء الله وقدره وامثال هذه من حدود الخير وصاحب هذه ( هذه الصورة خل ) انسان موحد مؤمن عامل بعلمه مطيع لربه وهو المرسلون والأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون وانما كان لهم الصنع الجميل لأن الله تعالى حين فرق الحصص المادية من الوجود جعلهم صالحين لقبول الخير والشر وهو قول الصادق عليه السلام حين سئل عليه السلام كيف اجابوا وهم ذر فقال جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا ه والمراد بهذا المجعول هو الصلوح للخير والشر والتمكين من فعل ذلك بما جعل لهم من الاستطاعة والقدرة والآلة وتخلية السرب ثم كشف لهم عن الكتاب الاعلى وهو الصور المنقوشة في عليين وعليون اعلى الجنة وهو باطن فلك البروج كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم وتلك الصور صور الطاعات وصورة ( الطاعات صورة خم ) العلم وصورة الصلوة الصحيحة وصورة الزكوة وصورة الصيام وصورة الحج وصورة الايمان وصورة التسليم وصورة الرضا بقضاء الله وقدره وما اشبه ذلك من صورة ( صور خم ) الاجابة بالطاعات ثم كشف لهم عن الكتاب الأسفل اعني الصور المنقوشة في سجين وهي الصخرة تحت الأرض التي ذكرها لقمان وهي ظاهر الثرى الذي تحت الظلمة التي تحت جهنم كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادريك ما سجين كتاب مرقوم وهذه الصور صور المعاصي صورة الجهل وصورة ترك الصلوة وصورة الصلوة الباطلة كصلوة المرائي وصورة منع الزكوة وافطار شهر رمضان عمدا للمقيم وصورة ترك الحج مع الاستطاعة وصورة الجحود والانكار والالحاد وصورة الأغراض وصورة عدم الرضا وما اشبه ذلك فاوحى اليهم يا عبادي اني ادعوكم الى النجاة فمن اطاعني البسه ( البسته خم ) صورة اجابته من الصور التي رضيتها وجعلتها صور محبتي ورضائي التي بها يصل الى رضواني ويسكن جناني ومن عصاني ولم يجب دعوتي البسه ( البسته خم ) صورة جحوده وانكاره واستهزائه واستكباره من صور معصيتي وسخطي التي بها يصل الى دار غضبي جهنم فلما دعاهم سبق السابقون الى الاجابة ظاهرا وباطنا فخلق كل واحد من المجيبين باجابته الى الدعوة وتفاضلوا بنسبة مراتبهم في السبق الى الاجابة ومن لم يجب خلقه من صورة عدم قبوله واعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مرزوق رزقه فتمت كلمته الحسنى عليهم اي على المجيبين بما اجابوا من العلم والعمل
قلت ومنهم من قالها بلسانه وقلبه منكر مكذب غير قابل فخلقهم من صورة التكذيب والانكار والجحود وهي الصورة الحيوانية والشيطانية وهم الكافرون والمنافقون واتباعهم ممن تبين له الهدى فاعرض عنه وهي من طينة خبال وهي سجين وانما كانت في الدنيا صورهم صور الانسان لاجابتهم باللسان الذي هو الادنى وفي الاخرة تسلب منهم وتظهر صورهم الحقيقية التابعة للقلب
اقول من قالها اي كلمة الاجابة بلسانه وقلبه منكر مكذب مستهزؤ خلق ظاهره في الدنيا على الصورة الانسانية لاجابته بلسانه الذي يدل على ظاهره واما قلبه فانه لما كان منكرا مكذبا لما اجاب به بلسانه فخلقهم في بواطنهم بصورة التكذيب والانكار والجحود وهي الصورة الحيوانية الشيطانية لأن ( لأن ذلك خم ) حدودها التي تقومت بها كما ذكرنا قبل هذا لتقومها بحد الجحود وحد الانكار وحد ترك الصلوة وحد ترك الزكوة وحد ترك الصوم وحد ترك الحج وما اشبه ذلك وهؤلاء هم الكافرون والمنافقون والمشركون وكل من انكر الحق من الأولين والآخرين واتباعهم ممن تبين لهم الهدى فاعرضوا عنه من الأتباع لأن المتبوعين لا يكون من لا يتبين له الهدى منهم فلا نريد بالتقييد الا الأتباع اذ منهم من لا يتبين له الهدى وهم من اهل القسم الثالث كما يأتي وهذه الصورة التي خلق منها هؤلاء اعني اهل القسم الثاني وهم الكافرون والمنافقون والمشركون واتباعهم الذين تبين لهم الهدى وهي طينة خبال وهي سجين التي تكتب فيها اعمال الفجار وهي امثالهم في اعمالهم ومعنى كون كتاب الفجار في سجين انهم اذا عمل احدهم شيئا من المعاصي في السوق مثلا فانك اذا شاهدته لا تزال صورته ومثاله في غيب ذلك المكان من السوق ووقته قائما كل ما التفت بخيالك الى ذلك المكان وذلك الوقت رأيت بخيالك صورة ذلك العامل للمعصية ومثاله عاملا بتلك المعصية ابدا ولو رأيت آخر في ذلك المكان ووقته او قبله او بعده عاملا لشيء من الطاعات فانك كلما التفت بخيالك الى ذلك المكان وذلك الوقت رأيت مثال ذلك الآخر يعمل تلك الطاعة في غيب ذلك الوقت وذلك المكان ومثال عامل المعصية في غيب ذلك الوقت وذلك المكان الذي هو السوق هو ( هو مكان خل ) من سجين يعني ان المكان الذي فيه مثال عامل المعصية من غيب السوق هو مكان من سجين الذي هو كتاب الفجار والمكان الذي فيه مثال عامل الطاعة من غيب السوق هو مكان من عليين الذي هو كتاب الأبرار فالأول هو تحت الظلمة التي هي تحت جهنم التي هي تحت ريح العقيم التي هي تحت البحر الذي هو تحت الحوت الذي هو تحت الثرى الذي هو تحت سجين اعني الصخرة التي قال لقمان فيها فتكن في صخرة او في السموات او في الأرض فهذا الكتاب اصله في الثرى ووجهه في سجين والثاني اعني الذي فيه مثال عامل الطاعة فوق الطبيعة التي هي فوق المادة التي هي فوق المثال الذي هو فوق الجسم الذي هو فوق محدد الجهات الذي هو فوق عليين اعني باطن فلك البروج فهذا الكتاب اصله في اللوح المحفوظ ووجهه في فلك البروج وانت قد رأيتهما في مكان واحد من السوق هذا عامل بالمعصية وهذا عامل بالطاعة واذا التفت بخيالك رأيت المثالين في مكان واحد وفي الحقيقة مثال عامل المعصية في سجين تحت الملك الحامل للأرض السابعة وبينك وبينه اربعة آلاف سنة وخمسمأة سنة ومثال عامل الطاعة في عليين فوق فلك البروج وبينك وبينه ثمانية آلاف سنة وانما كانت في الدنيا صور المنافقين والكفار صور الانسان لأنهم اجابوا بالسنتهم خاصة التي هي ادنى آلات المدارك والتبليغ فاذا كان يوم القيمة وانتقل الخلق عن الدنيا تخلف عنهم ما ينسب اليها فتسلب عنهم الصورة الانسانية وتظهر صورهم الحقيقية التي هم عليها في نفس الأمر وفي الواقع لأن كل شيء يرجع الى اصله وهؤلاء اعني الكفار والمنافقين الذين انكروا من بعد ما تبين لهم الهدى حين قال لهم الست بربكم قالوا بلى فخلق صورهم الظاهرة من صورة الاجابة وهي الصورة الانسانية الظاهرية وحين قال لهم ومحمد نبيكم سكتوا حيث ( حين خل ) ظنوا انه تعالى ما اراد بذلك خصوص طاعته بل انتقل منها الى طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله والرسول له ولاية ما الا انه مبلغ فيرجع امره وطاعته الى الخالق سبحانه لكن له تفضل كما حكى الله في كتابه بقوله يريد ان يتفضل عليكم فسكتوا ليعلموا ما يستقر طلبه عليه فان انتهى الى المبلغ ربما يهون الأمر عليهم فيتداركوا الاجابة وان تعدي طلبه الى اعظم من ذلك انكروا الكل لأنه يكون اسهل من ان يكون بعد الاقرار بالكل فلما قال لهم وعلي وليكم انكروا وقالوا قد رضينا بما طلب عنا ( منا خم ) اولا حتى توصل به الى ان يولي علينا من يعمل بنا ما يراه فينا من الرأي ونحن لا نرضى بذلك ابدا فحكم عليهم بانكارهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم
قلت ومنهم من قالها بلسانه وقلبه واقف لم يقر ولم يجحد وهؤلاء خلقهم الله تعالى من الصورة الانسانية ظاهرا لاقرار السنتهم ولم يخلق بواطنهم حتى يقروا او يجحدوا فيخلقهم من حالهم وهم مختلفون فمنهم في الدنيا ومنهم في البرزخ ومنهم في الاخرة فمن خلق باطنه انسانا دخل الجنة ومن خلق غير ذلك دخل النار
اقول هؤلاء هم القسم الثالث وهم الذين لم يقروا بقلوبهم ولم يجحدوا سواء اجابوا عن غير معرفة بالكل ام اجابوا بالبعض عن غير معرفة الا انهم مجتمعون على وقف قلوبهم وهؤلاء عرضت لهم موانع في طينتهم وهذه الموانع العارضة لها هي عوارضها الذاتية والفعلية والنسبية وهذه العوارض مختلفة في الشدة والضعف فمنهم من موانعه ضعيفة فتضمحل في الدنيا فيقر في الدنيا بقلبه ويلحق بالسابقين او ينكر في الدنيا به ويلحق باضدادهم ومنهم من موانعه متوسطة في القوة والضعف فيقر بقلبه في البرزخ او ينكر ويلحق كل بنوعه ومنهم من موانعه شديدة فيلهي عنه ( عنه وتركه خم ) الى يوم القيمة حتى تأخذ الأرض ما فيه من موانعه مع ما تعلقت به من الأجسام الظاهرية والتعليمية فيجدد له الخطاب التكليفي بمعنى انه يقع عليه لا بمعنى انه انقطع واضمحل ثم حدث بل لأنه بقي بعد انقطاع المكلفين على انبعاثه فلم يظهر لعدم وجود مظهر يتعلق به فلما قامت القيمة ووجد المكلفون وهم الذين لم يتعلق الخطاب الا بظواهرهم اذ لا بواطن لهم وحينئذ زالت عنهم الحجب المانعة وقع عليهم الخطاب الذي لم تظهر صورته في الدنيا لعدم وجوده القابل ولوجود المانع فلما زال المانع وجد القابل ولما وجد القابل وجد المقبول فاما مؤمن واما كافر وقولي فخلقهم من حالهم اي خلقهم من الحال التي وقع عليهم فيها السؤال وهي اجابتهم بالسنتهم لاضطرارهم الى الايجاد فاذا كان يوم القيمة واجاب منهم احد بقلبه خلق الله باطنه باجابته انسانا فكان مع المؤمنين فدخل الجنة ومن انكر منهم بقلبه خلق الله باطنه بانكاره شيطانا او حيوانا فكان مع الكافرين فدخل النار
قلت فهذه الصور التي خلقت من الاجابة او الانكار هي الطينة وهي الام التي يسعد في بطنها من سعد ويشقي في بطنها من شقي وذلك بعد ان اعلمهم بالطينة الطيبة التي هي الاجابة والطينة الخبيثة التي هي الانكار وانه سبحانه لا يخلقهم الا على ما هم عليه ولو خلقهم على غير ما هم عليه لم يكونوا اياهم بل كانوا غيرهم
اقول يعني ان الصورة التي خلقهم فيها ومنها وعليها هي الطينة التي خلق الله تعالى المسئولين منها فالاجابة لدعوة الله عز وجل هي الطينة الطيبة التي خلق الله المؤمنين منها واقامهم فيها واقرهم عليها لميلهم اليها والانكار لما دعي اليه هو الطينة الخبيثة التي خلق الكافرين منها واقامهم فيها لمحبتهم لها واقرهم عليها لميلهم اليها والصورة كما تقدم هي الأم كما قال صلى الله عليه وآله السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه اذ الأم هي الصورة لأنها هي صورة عمله لأنه عز وجل لا يخلق الخلق الا على ما هم عليه والذي هم عليه عملهم ووصفهم وهو سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ولأجل انه تعالى لا يخلقهم الا على عملهم الاختياري كما قال بل طبع الله عليها بكفرهم خلقهم على ما هم عليه ولو خلقهم على غير ما هم عليه اعني بغير اعمالهم لما كانوا اياهم بل يكونون غيرهم لأن صورهم غير صورهم بل هي صور غيرهم فهم غيرهم كما لو خلق السعيد بصورة الشقي والشقي بصورة السعيد لم يكن السعيد سعيدا والشقي شقيا حيث اثبت للسعيد الشقاوة وللشقي السعادة فيمتنع الايجاد لعدم جريانه على مقتضي الحكمة ولجريان عدمه حينئذ على مقتضي الحكمة والصنع على غير مقتضي الحكمة انما يكون للحاجة اليه او الظلم واذا انتفيا عن الغني المطلق عز وجل لم يحسن الايجاد الا على خلقهم على ما هم عليه لا على غير ما هم عليه
قلت ولو لم يقبلوا وخلقهم من الانكار وجعل لهم ما جعل للمقرين لوقع التنافي في خلقهم وخلقه اياهم لان خلقهم كما هم مناف لجعلهم كالمطيعين وجعلهم كالمطيعين مناف لخلقه كما هم وخلقه كما هم مناف لخلقه لهم ليس كما هم ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون
اقول هذا من نحو ما ذكرنا قبله من البيان وان كان فرضا آخر لأن الأول راجع الى الخلق الأول وهذا الى الخلق الثاني وهو انه تعالى ولو ( تعالى لو خم ) خلقهم من الانكار لانكارهم وعدم قبولهم وجعل لهم من الجزاء الوجودي والتشريعي ما جعل للمقرين ( للمقرنين خل ) من الجزائين لوقع التنافي في خلقهم المقتضي لعدم خلقهم اما لكونهم غيرهم واما لكونهم اياهم لا اياهم ووقع التنافي ايضا في خلقه اياهم الذي هو فعله فيكون فاعلا لهم غير فاعل لهم اما كونه فاعلا فلفرض كونه فاعلا لهم واما كونه غير فاعل لهم فلغناه عن الظلم والحاجة فلا يصدر عنه ما يخالف الحكمة وفي خلقه اياهم اي في الصنع المتعلق بايجادهم حين ايجادهم لأن خلقهم كما هم ان يخلقهم بما اجابوا به دعوته من الانكار والجحود وهذا مناف لجعلهم كالمطيعين وجعلهم كالمطيعين مناف لخلقه كما هم وخلقه كما هم مناف لخلقه ليس كما هم كما تقدم فيقع التنافي في الفعل والمفعول قال الله سبحانه ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن يعني لولا يجوز فعل الله على شهوة كل واحد لأراد شخص دوران الفلك سريعا ليذهب الليل والنهار على حسب شئونه واراد شخص ان يلبث ليبقي الليل والنهار على حسب شئونه واراد آخر ان يكون الأطول هو الليل والأقصر هو النهار او لا يكون نهار اصلا واراد آخر بالعكس واراد شخص ان يمطر على الأرض في الليل وينبت في النهار واراد عدوه العكس وهكذا فتفسد السموات والأرض ولو اراد شخص ان يضعف ضده وعدوه او يهلكان واراد ان يضعف هو او يهلك فيفسد من فيهن لأنه ان اتبع التكوين وما يتوقف عليه من الحق ارادة واحد دون آخر لزم الترجيح بلا مرجح وان اتبع ارادات جميع الخلق وهي مختلفة لزم ما ذكرنا وامثاله فرد سبحانه وتعالى عليهم بما فيه الحق الذي به قوامهم وقوام نظامهم فقال بل اتيناهم بذكرهم اي بما ذكرناهم او بما ذكرونا به من السؤال قوابلهم ( سؤالهم بقوابلهم خل ) من كونهم مذكورين بما هم عليه او ذاكرين لما هم عليه يعني اتيناهم بما هم عليه من التكوينات الوجودية وتشريعاتها ومن التشريعيات ( التشريعات خم ) الكونية ووجوداتها فهم عن ذكرهم اي عن ذكرنا اياهم بما هم عليه وما يقتضي من التكليفات وعن ذكرهم ايانا بسؤالهم بقوابلهم لما هم عليه وما يقتضي ( عليه خل ) ذلك من التكاليف وعن شرفهم وتشريفنا اياهم بما فيه نجاتهم مما يكرهون وفوزهم بما يريدون ويطلبون ولكنهم لا يعلمون معرضون يعني عن ذكرنا لهم بما هم عليه مما فيه فوزهم بما يحبون وعن ذكرهم انفسهم بما يشتهون وهم لا يعلمون لانهم يشتهون ما تشتهيه انفسهم والذي ما تشتهيه انفسهم على الحقيقة هو ما اتيناهم به وذكرناهم به واما ما يشتهون الآن ليس شهوة لأنفسهم في نفس الامر وانما زين لهم باغواء الشيطان حتى توهموا انه مطلوب حسن وهو قبيح انظر مثلا الى الزنا فانه في نفس الأمر ليس حسنا بل هو قبيح وكيف زينه ابليس عند الزاني واذا اردت ان تعرف قبحه فافرض وقوعه من الأجنبي باحد من محارمك لتعرف قبحه وفي الآية اسرار يطول في ذكرها الكلام
قلت فهذا هو الخلق الثاني تحت النور الاخضر في عالم الاظلة في ورق الآس فكانوا في الذر كما قال سبحانه للجنة ولا ابالي وللنار ولا ابالي ثم كسرهم في النور الاحمر وهو معنى قوله (ع) ثم رجعهم الى الطين اي طين الطبيعة
اقول يعني ان ما تقدم من ذكر الست بربكم الى آخره هو الخلق الثاني وهو الخلق الذي البسهم فيه الصور الشخصية التي تمايزوا بها وتميزوا لأن الخلق الأول الذي هو المادة والصورة النوعيتان اللتان هما بمنزلة المداد للكتابة فيه ايضا تكليف بشرع وجودي والخلق فيه مكلفون به ولكنه في المبادي مخفي على اذهان المكلفين ادراكه فوجب ان يخفي عليهم التكليف به والا لكان عندهم تكليفا بما لا يطاق ولكنه تعالى حيث اجرى حكمته باخفائه عليهم لأنه من المبادي الوجودية اخفى التكليف المترتب عليه واذا كشف للمكلفين عن ابصارهم الأغطية وجدوا الطينة اي الصورة ووجدوا الرسل عليهم تتري بتلك التكاليف ويجري عليهم ما لهم وعليهم وما ربك بظلام للعبيد ثم اخذ من الخلق الأول للخلق الثاني حصصا متساوية في الصلوح للاجابة والانكار فامرها ونهيها فخلقهم منها بذلك الأمر والنهي فيما شاء وهذا هو الخلق الثاني وقد كانت الخلايق المكلفون تحت النور الأخضر والنور الأخضر هو اللوح المحفوظ والنفس الكلية وهي سدرة المنتهى وشجرة طوبى والخلايق اوراقها والأوراق تحت الشجرة في الرتبة وهذا معنى كونهم تحت النور الأخضر لأنه هو الشجرة وهم الأوراق في عالم الأظلة كما ترى ظلك في الشمس في ورق الآس لأنهم قبل ان يشملهم التكليف اوراق في النور الأصفر وهو الروح الكلية على هيئة ورق الآس وذلك لأنهم باعتبار تساوي جهات وجوههم الى مبدء لا جهة له توجهوا اليه من كل جهة فكانوا على هيئة الدائرة لتساوي جهاتهم وتوجهاتهم الى كل جهة وهذا في النور الأبيض الذي هو في اول الدهر وهو العقل الكلي فلما نزلوا الى النور الأصفر كانت اعاليهم متوجهة الى العقل في الجهة العليا واسافلهم مرتبطة بالنور الأصفر والروح الكلية فكانت اعاليهم الطف وادق ( ارق خم ) من اسافلهم لقربها من العقل والنور الأبيض واسافلهم اغلظ واكثف لقربها من النور الأصفر الذي هو الروح فانجذبت اعاليها الى العالي واسافلها متعلقة بالأسفل فامتدت كالأوراق فكانت اعاليها ادق واقب ( ارق خل ) للطافتها ودقتها ( رقتها خل ) وكانت اسافلها اعرض واغلظ لكثافتها وغلظتها فكانت في هيئتها اشبه الأشياء بورق الآس المعروف فاطلقوا عليها ورق الآس فلما نزلت الى رتبة النفس تم تمايزها تحت النفس وقولي فكانوا في الذر يعني بعد ان قال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم بعد النور الأخضر اعني اللوح لأنه هو الشجرة وهم اوراقها فحقت عليهم الكلمة فقال للمجيبين للجنة ولا ابالي وقال للمنكرين للنار ولا ابالي اي خلقت اهل الجنة باجابتهم للجنة ولا ابالي بعد ان قبلوا مني ما دعوتهم اليه مختارين وخلقت اهل النار بانكارهم للنار ولا ابالي بعد ما ( بعد ان خل ) انكروا ما دعوتهم اليه مختارين ثم كسرهم في النور الأحمر في مدة اربعمأة سنة بعد ما ( ان خل ) جاءهم الخطاب بالست بربكم في خمسين الف سنة والنور الأحمر نور الطبيعة لأنهم بعد ان تم خلق صورهم في خمسين الف سنة تمايزت اجزاؤهم فكان ابيض الشخص منهم غير اسوده ورطبه غير يابسه وحاره غير بارده فلما كلفهم واجاب من اجاب وانكر من انكر كسرهم في النور الأحمر يعني اذابهم فكانوا طينا صلصالا وطبيعة ذائبة قد تساوت فيه الأجزاء كلها على طبيعة واحدة حارة وباردة ويابسة ورطبة ولذوبانها وامتزاجها بعضها في بعض في مدة اربعمأة سنة لأنه تعالى خلقهم من عشر قبضات وكل قبضة يتم كسرها في اربعين سنة في اربعة ادوارها كل دورة في عشر سنين لانتساب كل دور الى العشرة فصار لكل دور نسبة هي رتبته من الوجود اشتملت على الفصول الأربعة مثالها واحد من القبضات هو القلب من محدد الجهات وتمت تلك القبضة في اربعة ادوار : دور عناصرها ودور معادنها ودور نباتها ودور حيوانها كل دور من هذه الأربعة ينتسب الى كل قبضة من القبضات العشر برتبة من مراتب الوجود والرتبة تتم في الفصول الأربعة فتكون سنة فكل دور له سنة في نسبته الى كل قبضة فله عشر سنين فتتم قبضة القلب في اربعين سنة اذا اردت تحليل ادوارها الأربعة من القبضات العشر فيكون جميع تحليل الشخص الواحد الجوهري بعد تركيبه تحت النور الأخضر وتكليفه في عالم الذر اربعمأة سنة حتى تكون تلك الجواهر المتمايزة المشخصة ( المتشخصة خم ) طينا صلصالا او حمأ مسنونا تبارك الله احسن الخالقين وهذا الطين هو طين الطبيعة الذي يجمد ويكون مادة لا الطين الذي وردت الأخبار فيه انه منشأ السعادة والشقاوة لأن المراد به الصورة التي هي صورة الاجابة وصورة الانكار حين قال تعالى لهم الست بربكم فاخبار الطينة التي وردت وحصل ( وتحصل خل ) فيها لكثير من الناس الاشكال واردة في الطينة التي هي صورة الاجابة والانكار
قلت الفائدة الثامنة كل شيء لا يجاوز وقته لانه لا يوجد الا فيه ولا ذكر له قبل ذلك وكل ذي وقت فوقته مساوق لمكانه وكونه لان الوقت والمكان والكون متساوقة اذ كل واحد شرط للاخر وكذا باقي المعينات والمشخصات فيلزمها التضايف كالمشية والسرمد وكل الامكان وكالعقل الاول والدهر وكل الممكن وكالجسم والزمان والمكان
اقول في هذه الفائدة اشرنا الى اجزاء المحدث على جهة الاجمال فان منها ما هو اجزاء للمادة ومنها ما هو اجزاء للصورة واشرنا الى مجملات تفصيل كل شيء من هذا النوع لمن عرف ما ذكرنا فقولنا كل شيء لا يجاوز وقته فيه اشارة الى بيان اجزاء الصورة سواء كانت الاولى النوعية ام الثانية الشخصية يعني ان الشيء من مقومات وجوده الوقت لأنه حد من حدود الماهية التي هي قبوله للايجاد ولأنه لو وجد قبله او بعده لما كان وقتا له ولما كان موقتا لو لم يوجد في غيره وما لم يكن موقتا ليس مصنوعا اذ المصنوع لم يكن قبل الصنع شيئا واذا اخذ فاعله في صنعه كان في وقت لا محالة فالشيء لا يوجد الا في وقته واذا كان كذلك لم يجز ان يجري له ذكر قبل ذلك لاستلزام الذكر الوجود فاما ان يكون الذكر في وقت او لا في وقت ويأتي الكلام المتقدم وعلى كونه لا يوجد الا في وقته ( وقت خل ) يجب ان يكون مساوقا لكونه اي وجوده ومكانه والكلام في المكان كالكلام في الوقت وكل واحد من الثلاثة لازم للآخرين ومساوق لهما حيث كان كل واحد شرطا للآخرين وباقي المشخصات كالكم والكيف والجهة والرتبة والوضع والنسبة والاذن والأجل والكتاب وما اشبه ذلك مثل الوقت والمكان في كونها شرطا ومشروطا فيلزمها ما ذكرنا في الوقت والمكان ويلزم الكل التضايف والتساوق وهو معنى المعية وذلك كالمشية والسرمد الذي هو وقت المشية ومعناه الوقت الغير المتناهي لا الوقت الممتد بين الأزل والأبد كما هو مذهب اكثر المتكلمين فانه باطل اذ ليس بين الأزل والأبد امتداد لأن الأزل هو الأبد وليس بين الشيء ونفسه امتداد وكل الامكان فانه هو مكان المشية وانما قلنا كل الامكان لأن الامكان منه ما لبس حلة الكون وسينزعها ومنه ما لا ينزعها ومنه ما لم يلبس وكلها متعلق المشية ومحلها والمراد بالمشية ما هو اعم من الامكانية والكونية لأنها ليست اثنتين وانما هي واحدة تعلقت بالامكان وتقومت به وقد تتعلق بالأكوان واذا تعلقت بالأكوان لم تخرج عن تعلقها بالامكان فلذا قلنا كالمشية والسرمد وكل الامكان يعني ما نزع وما لبس وما لم يلبس فيكون المراد ان المشية يلزمها الوقت والمكان لأنهما المقومان لها وهي مقومة لهما واحدهما مقوم للآخر فيلزم الثلاثة التساوق والتضايف كما مر وكالعقل الأول اعني العقل الكلي لا انا نقول بالعقول العشرة بل المراد العقل الكل والدهر وكل الممكن فان هذه الثلاثة ايضا متساوقة كل واحد يتقوم بالآخر كما مر واردنا بكل الممكن ان الممكنات المكونات كلها محل العقل ومتقومة به والدهر وقته كذلك ومعنى كون الممكنات كلها متقومة به انه وجه الأمر الذي به قام كل شيء كما قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بامره وقال عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك وكالجسم والزمان والمكان فان كل واحد منها شرط لتقوم الآخرين وتلزمهما المساوقة والمعية ومن قال بان الأجسام لا يمكن ان توجد الا بعد وجود المكان والزمان قبلها فقد جهل حقايقها اذ لو وجد الزمان قبل الأجسام جاز ان يكون ظرف ( الأجسام لماجاز ان يكون ظرفا خم ) لا حال فيه وكذا المكان وقبل الأجسام ليس الا المجردات فان كانت حالة فيهما كانا ظرفين لها ولم يكونا ظرفين للأجسام وان لم يكونا ظرفين للمجردات وكانا موجودين قبل الأجسام كانا فارغين وذلك ممتنع اذ كونهما ظرفين للمجردات ممتنع اذ لا يشغلهما المجردات وكونهما فارغين ايضا ممتنع اذ الظرف لا يوجد فارغا فيلزم الخلأ في المكان وفي الزمان اما في المكان فظاهر واما في الزمان فلأن الزمان ظرف لامتداد الحال فيه واذا لم يحل فيه شيء لم يكن ظرفا لامتداد نفسه فافهم
قلت ومراتب المشية كما مر اربع والسرمد والامكان يكون كل واحد منهما في كل مرتبة من الاربع بنسبتها فللرحمة بالسرمد والامكان رتبة الذات من الشجرة وللالف بهما رتبة الاصل من الشجرة وللسحاب المزجي اي الحروف بهما رتبة الفرع من الشجرة وللسحاب المتراكم اي الكلمة بهما رتبة الكل من الشجرة
اقول ومراتب المشية كما مر اربع : النقطة والألف والحروف والكلمة التامة وظرفاها السرمد والامكان يكونان في كل مرتبة بنسبتها كالزمان والمكان يكونان في الأجسام في كل مرتبة بنسبتها فمكان محدب محدد الجهات وزمانه لطيفان جدا حتى يكادان يلحقان بعالم المثال لأن الحال فيهما هو ( وهو خم ) محدب محدد الجهات كذلك ومكان فلك البروج وزمانه دون كونهما ظرفين لمحدد الجهات في اللطافة والرقة والشفافية وهما في السموات السبع دون كونهما ظرفين لفلك البروج كذلك وهما في العناصر دون كونهما ظرفين للسموات السبع كذلك فكذلك في مراتب المشية الأربع بنحو هذه النسبة فالسرمد والامكان في النقطة في غاية الرجحان حتى يكاد ان يتحقق ( حتى تكاد ان يتحققا خم ) قبل التحقيق وفي اللطافة والرقة ما لا يكاد يوجد الى معرفته طريق وهما في الألف المسمى بالنفس الرحماني الاولى وبالألف الأول والرياح دون كونهما ظرفين للنقطة التي هي الرحمة في اللطافة والرقة والتحقق وهما في الحروف دون كونهما ظرفين للألف المسمى بالنفس الرحماني وبالرياح كذلك وهما في الكلمة الكلية دون كونهما ظرفين للحروف كذلك واعلم انك اذا اردت تصور المراتب الأربع التي تنسبها الى المشية مع ما هي عليه من الوحدة والبساطة فاعتبر الشجرة مع انها واحدة فان لها اربع مراتب رتبة الذات ورتبة الأصل ورتبة الفرع ورتبة الكل فاذا قابلت المشية بها عرفت معنى المراتب فللرحمة التي هي النقطة وهي اول مراتب المشية في اعتبار الفؤاد بالسرمد والامكان اي فللرحمة من النسبة التمثيلية بالسرمد والامكان مصحوبة لهما لكونهما ظرفين لها ومقومين لها لأنهما من حدود قابليتها لايجادها بنفسها نسبة رتبة ذات الشجرة من الشجرة وللألف بهما في نسبة رتبته الى المشية نسبة رتبة الأصل اي اصل الشجرة من الشجرة وللسحاب المزجي بهما اعني الحروف في نسبة رتبتها الى المشية نسبة رتبة فرع الشجرة من الشجرة وللسحاب المتراكم بهما اي الكلمة التامة بعد تكونها بنفسها من الحروف التي هي في نسبة رتبتها الى المشية نسبة رتبة كل الشجرة من الشجرة ونسبة كل مرتبة من السرمد والامكان نسبته الى كل رتبة منها نسبة كل منها الى كلها
قلت فنسبة الامكان الى المشية بجميع مراتبها نسبة المكان الى محدب محدد الجهات يعني نهاية المساوقة بلا حواية غير المساوقة اذ المساوقة هي التحاوي لا عدم مطلق الحواية
اقول ونسبة السرمد والامكان الى المشية تفريع على ما سبق وبيان له يعني ان نسبة السرمد والامكان الى المشية بجميع مراتبها الأربع نسبة الزمان والمكان الى محدب محدد الجهات وذلك لأن المشية وان اختلفت مراتبها وتعددت في الاعتبار بالنظر الى احوال آثارها لكنها في نفسها وفي نفس الأمر في كمال البساطة الامكانية التي ليس ورائها رتبة في الامكان مطلقا بخلاف محدد الجهات فانه وان كان بسيطا في كمال البساطة الجسمانية الا ان محدبه هو المجرد عن الرتبة والمكان فالمناسبة التامة انما تكون بين المشية وبين محدبه لا بينها وبين كله والمراد من نسبة السرمد والامكان الى المشية ونسبة الزمان والمكان الى محدب محدد الجهات هو نهاية المساوقة وكمالها بلا حواية غير المساوقة يعني ان الحواية قد تكون مع المساوقة كما قلنا فان السرمد مساوق للمشية وحاو لها وكذا المشية مساوقة للسرمد وحاوية له وكذا الامكان بالنسبة الى كل واحد منهما وبالنسبة من كل منهما اليه وقد تكون الحواية حواية الظرف للمظروف كحواية الكوز للماء وهذه حواية بلا مساوقة وهذه الحواية لم نردها فيما نحن بصدده وانما نريد الحواية التي هي المساوقة فان المساوق للشيء المتقوم به يكون حاويا له ومحويا له باعتبارين فلذا قلنا اذ المساوقة هي التحاوي يعني ان كلا من المساوقين حاو للآخر ولا نريد مطلق الحواية التي تكون بكون احدهما حاويا للآخر ولا عكس كالكوز فانه حاو للماء ولا عكس
قلت وللعقل الاول في اكواره الاربعة بالدهر والممكن ما للمشية بالسرمد والامكان وما لها من المساوقة والتحاوي وللجسم في ادواره الاربعة بالزمان والمكان ما ذكر سابقا حرفا بحرف وكذا في المساوقة اي التحاوي يعني ان الجسم حاو للزمان والمكان لا يخرج منهما عنه شيء والزمان حاو للجسم والمكان لا يخرج منهما عنه شيء والمكان حاو للجسم والزمان لا يخرج منهما عنه شيء وذلك كما اشرنا اليه في المشية وفي العقل حرفا بحرف
اقول للعقل الأول يعني عقل الكل في اكواره الأربعة مصحوبا بالدهر والممكن بالمشية مصحوبا بالسرمد والامكان الى آخر ما اشرنا اليه ويأتي بيانه والمراد بالأكوار جمع كور وهو ادارة الشيء على شيء واصل ذلك مما قرر في العلم الطبيعي قالوا انه اول ما خلق الله سبحانه طبيعة الحرارة واصلها من الحركة الكونية التي هي قدرة الله وعلة العلل في الأشياء المتحركات ثم خلق الله سبحانه طبيعة البرودة واصلها من السكون الكوني الذي هو قدرة الله وعلة العلل في الأشياء الساكنات فهذا اول زوجين خلقهما الله تعالى مما قال الله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ثم تحرك الحار على البارد بسر ما اودع الله فيه من الحركة المذكورة فامتزجا فتولد من الحرارة اليبوسة وتولد من البرودة الرطوبة فكانت اربع طبايع مفردات في جسم واحد روحاني وهو اول مزاج بسيط ثم صعدت الحرارة بالرطوبة فخلق الله منها طبيعة الحيوة والأفلاك العلويات وهبطت البرودة مع اليبوسة الى اسفل فخلق الله منها طبيعة الموت والأفلاك السفليات ثم افتقرت الأجسام الموات الى ارواحها التي صعدت عنها فادار الله تعالى الفلك الأعلى على الأسفل دورة ثانية فامتزجت الحرارة بالبرودة والرطوبة باليبوسة فتولدت العناصر الأربع وذلك انه حصل من مزاج الحرارة مع اليبوسة عنصر النار وحصل من مزاج الحرارة مع الرطوبة عنصر الهواء وحصل من مزاج البرودة مع الرطوبة عنصر الماء وحصل من مزاج البرودة مع اليبوسة عنصر الأرض فهذا مزاج العناصر وهو مركب لازدواج المركبات الثلاث ثم ادار الله الفلك الاعلى على الأسفل دورة ثالثة فتولد النبات والحيوان البهيمي ثم ادار الله الفلك الاعلى على الأسفل دورة رابعة فتولد الحيوان الناطق الانساني وهو آخر المركبات واحسنها واكملها تركيبا هذا ما قاله الحكيم محمد بن ابرهيم الصنبري في كتابه المسمى بكتاب الرحمة في الطب والحكمة واعلم ان ما ذكره فيه بعض التغييرات ( التعبيرات خل ) ونحن لسنا بصدد هذا وانما مرادنا بيان الأكوار والأدوار واعلم ان الانسان خلق من عشر قبضات تسع من الأفلاك التسعة من كل فلك قبضة وقبضة من العناصر الاربعة وكل قبضة تتم في اربعة ادوار دور عناصرها ودور معادنها ودور نباتها ودور حيوانها وهذا جار في الكل في كل واحد من اجزائه وجار في الغيب والشهادة لأن العبودية جوهرة كنهها الربوبية كما تقدم فبعضهم اصطلح على تسمية الأدوار الأربعة اذا كانت في المجردات بتسميتها اكوارا وفي الأجسام بتسميتها ادوارا وبعضهم في اصطلاحه عكس التسمية ونحن قد جرينا في اصطلاحنا على الاصطلاح الأول فلذا قلت وللعقل الأول في اكواره الأربعة وقلت بعد وللجسم في ادواره الأربعة واريد باكواره الأربعة ان الله سبحانه اول ما خلق منه ان خلق عناصره من تكرير طبايعه بعضها على بعض ثم كور العناصر فتولد منها معادنه ثم كور بعضها على بعض فتولد نباته ثم كور بعضها على بعض فتولد حيوانه فهو من ابتداء تكوينه في هذه الأطوار ( الأكوار خل ) الى ان تمت خلقته بالدهر والممكن اي مصحوبا بهما على نحو المساوقة لكون كل واحد شرطا للآخرين له ما للمشية بالسرمد والامكان من المساوقة التي هي التحاوي ومن الشرطية وكذلك للجسم ايضا اعني محدب المحدد في ادواره الأربعة دورة عناصره ودورة معادنه ودورة نباته ودورة حيوانه وبالزمان والمكان كما مر ما للمشية وللعقل كما تقدم ومعنى المساوقة في الثلاثة ان يكون كل واحد مع وقته ومكانه متساوقة في الظهور لكون كل شرطا للآخرين وكذا معنى التحاوي ان يكون كل واحد حاويا للآخر بمعنى ان لا يخرج شيء منه عن الآخر ولا ينقص عنه فلا يتصور ظهور جزء من واحد منهما خاليا عن جزء من الآخرين وهذا في المشية وفي العقل وفي الجسم الذي هو محدب محدد الجهات كل اسفل من الثلاثة في هذا الحكم آية وعنوان لما فوقه وما فوقه ظاهر به ويجري هذا التحاوي في المشيات الجزئية كالكلية لأنها وجه من الكلية فلها وجه من السرمد الكلي والامكان الكلي بقدرها وكذا في العقول الجزئية كالعقل الكلي لأنها وجوه منه فلها وجوه من الدهر والممكن بقدرها وكذا باقي الأجسام
قلت واما الماء الاول الذي به حيوة العقل وما بعده فوجهه في السرمد والامكان وهو في الدهر والممكن واما النفوس فانها في وسط الدهر والممكن وهو الاظلة وبينها وبين العقل النور الاصفر وهو البرزخ بينهما وهو الارواح وهو من الطرف الاعلى واخره النور الاحمر وجوهر الهباء
اقول ان الماء الأول الذي هو اول صادر من المشية الكونية وهو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهو الوجود والعنصر الذي منه خلق الله كل شيء اي من شعاعه وبه حيي كل شيء لأنه الماء وبه قوام كل شيء لأنه امر الله الذي قام به كل شيء قيام تحقق يعني قياما ركنيا فيه احتمالان وهما انه هل يكون من الوجود المطلق لأنه قبل العقل واول ما خلق الله العقل يعني من الوجود المقيد ام يكون من الوجود المقيد لأنه من المفعولات لا من الأفعال ودليل الأول ان الفعل متقوم به قيام ظهور فلا يكون له تأثير الا به لأنه كالحديدة المحماة بالنار وان كانت انما تحرق بحرارة النار القائمة بها الا انها لا تقوم بنفسها من دون الحديدة فبالحديدة تحرق الحرارة لا بنفسها فينتسب الى الحديدة كثيرة من اوصاف الحرارة فيكون الماء المذكور من الوجود المطلق وربما يشير اليه قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ودليل الثاني انه من الخلق بمعنى المخلوق فلا يكون من عالم الأمر كما قال تعالى الا له الخلق والأمر والعطف يقتضي المغايرة فيكون من الوجود المقيد لتقيده بمس النار اي لا يضيء الا بمس النار وعلى كل من الاحتمالين فهو برزخ بين الفعل والمفعول بالفعل بالذات والقصد فيكون وجهه واعلاه في السرمد والامكان وهو في الدهر والممكن من حيث الرتبة واعلى الدهر والممكن والطفهما وادقهما ما كان للعقل منهما واما النفوس فهي في وسط الدهر والممكن اي المتوسط منهما بين اللطافة والرقة وهو الأظلة يعني ان النفوس هي الأظلة لأنها جواهر لطيفة كالظل في لطافته مع انه جوهر البس قالبا كهيئة الانسان هو جزء ماهية ذلك الجوهر اللطيف وبينه وبين العقل النور الأصفر وهو البرزخ بينهما لأن العقل هو النور الأبيض والنفس هو النور الأخضر والبرزخ هو الأصفر لأن بياض العقل الذي هو بساطته لما تنزل بالروح اصفر لأن الروح اول التركيب اذ هو بمنزلة المضغة في خلق الانسان والعقل كالنطفة والنفس كالعظام اذا كسيت لحما وانشئت خلقا آخر بان ولجتها الحيوة وخضرة النفس من اجتماع صفرة الروح مع سواد الكثرة والمشخصات من حدود القوابل والروح وان كان برزخا الا انه اقرب من الطرف الاعلى وانما كان من الطرف الاعلى اي لاحقا بعقل الكل لكونه يطلق عليه غالبا لكنه قد يطلق على النفس ايضا فهو بحكم البرزخية اولى فيكون وجهه الاعلى الى الطرف الألطف وهو في الطرف الأوسط كما مر في الماء الأول وآخره اي آخر الحال في الدهر من المجردات عن المواد العنصرية والمدد الزمانية النور الأحمر الذي هو المسمى بالطبيعة الكلية وجوهر الهباء وهو الحصص المادية المجردة لأن المراد منها قبل ارتباط الصور المثالية بها وجوهر الهباء برزخ بين رتبة الكسر ورتبة الصوغ وهذه الرتبة اعني آخر الدهر اغلظ اوقات الدهر واكثفها واسفلها حتى ان اسفل هذه الرتبة يقارن بصفة الفعلية عالم المثال
قلت فالكسر في النور الاحمر والامتزاج في جوهر الهباء والعقد في المثال
اقول فالكسر بعد الصوغ الأول في النور الأحمر لأن الأشياء لا بد لها في صنعها من كسرين وصوغين فالكسر الأول في الماء الأول عند اذابته لقبول الماهية التي تسمي بالصورة النوعية والامتزاج اي انحلال الأجزاء وكونها شيئا واحدا وتحصيصه حصصا مبهمة في العقل واول التخلق والنمو في الروح وتمام العقد الأول والصوغ الأول في النفس والكسر الثاني في النور الأحمر يعني الطبيعة والامتزاج والتحصيص في جوهر الهباء والعقد في المثال وهو البرزخ وهو اول العقد والنمو وتمامه في هذه الدنيا واذا حل حلين وعقد عقدين تم اكسير الاجابة لدعوة الله عز وجل عند التكليف والحل الثالث عند القائه على المعدن الناقص وذوبانه معه والعقد الثالث الذي هو غاية الغايات ونهاية النهايات هو حصول النقدين على اكمل وجه وهذا في الانسان الفلسفي وفي الانسان الأوسط الناطق كسره موته ودفنه في الأرض حتى يضمحل ولا يبقى من تركيبه الا الطينة الأصلية التي خلق منها في قبره مستديرة ثم يتم عقده يوم القيمة ويبعث حيا بحيوة قارة لا يجري عليها ( عليه خل ) الموت ولا التغيير وهو غاية الغايات ونهاية النهايات وقولي والعقد في المثال اريد به اول العقد والنمو كما قلنا في الروح لأن تمام العقد في هذه الدنيا كما ذكرنا فافهم
قلت والمثال بين الزمان والدهر فوجهه في الدهر واسفله في الزمان اي بالعرض لتبعية الجسم فله الجهتان الذاتية والعرضية وبهما معا تحققت برزخيته
اقول ان المثال برزخ بين المجردات والماديات فله احكام البرزخ كغيره فوجهه اي الذي هو جهة تلقيه وهو اعلاه في الدهر الذي هو ظرف المجردات واسفله اي محل حلوله منه يعني الذي يحل منه في المحل الجسماني وهو تعلقه بالمواد في الزمان لأنه ظرف الماديات بالعرض يعني ان كونه في الزمان بالعرض حيث ارتبط بالمادة الزمانية فجذبته الى الزمان ولولا ذلك لم ينحط في الزمان فله اي المثال جهة ذاتية وهي جهة تلقيه من المجردات وبها تحقق فهي ذاتية له وجهة عرضية وهي جهة ارتباطه بالأجسام وانما كانت هذه عرضية لأنها ناشئة عن فعله او عن فعل الفاعل به في المادة على الاحتمالين من انه هو ام الشيء كما هو الصحيح عندنا والمروي عنهم عليهم السلام واب الشيء مادته او هو اب الشيء والأم مادته كما قيل وبهاتين الجهتين تحققت برزخيته وان كانت احديهما عرضية
قلت ثم اعلم ان كل شيء من ذي روح او غيره قد بدا عن فعل الله على الاستدارة الصحيحة ويعود الى الله كذلك ويقبل من الله كذلك وسرعة تدويره وبطؤه على حسب كونه ووقته وهي تنقلات تعد وقته ولا يسرع لذاته ازيد من نسبة كونه ووقته
اقول لما كان فعل الله سبحانه هو مبدء كل ما سوى الله وما كان كذلك فانه يجب له ان تكون في كل جهة وكل مكان وكل وقت فهو محيط بالأوقات والأمكنة والجهات والرتب وكل شيء وما كان كذلك يجب ان يكون اثره قابلا عنه من كل جهة ووقت في كل شيء ينسب اليه على حد واحد فيكون جهات افتقار اثره اليه على السواء ولا نعني بالاستدارة الا تساوي الخطوط والنسب والأوقات والجهات الى القطب الذي هو مبدؤها وكذلك يعود الى ما منه بدء ايضا يعني على الاستدارة اذ البدء كالعود ويكون في دورانه على علته في بدئه وعوده على حد واحد في سرعة حركة دورانه وبطئها وهذا ظاهر ان شاء الله وسرعة حركته في استدارة اقباله وادباره تكون على حسب كونه اي على حسب رتبة كونه اي وجوده ووقته من دهر او زمان ومن كونه في اول الدهر او الزمان او في وسطهما او في آخرهما فان كان كونه اي وجوده اول فائض عن فعل الله سبحانه مثل وجود نبينا صلى الله عليه وآله فان استدارته على قطب علته اسرع من جميع ما خلق الله بعد المشية ومن دونه ارض الجرز ومن دونهما العقل الكلي اي عقل الكل ومن دونه الروح ومن دونها النفس ومن دونها الطبيعة ومن دونها جوهر الهباء ومن دونه المثال ومن دونه الجسم المطلق ومن دونه الأطلس ومن دونه المكوكب ومن دونه فلك الشمس ومن دونه زحل ثم القمر ومن دونه المشتري ثم عطارد ومن دونه المريخ ثم الزهرة ثم النار والهواء والماء والتراب فكلما قرب من المبدء كان الطف واسرع وكلما بعد كان ابطأ فكل شيء محدث كرة مجوفة يدور على نقطة هي علته لا الى جهة فيستمد منها ما لم يصل اليه مما له ومما وصل اليه بعد ان تجاوزه الى مبدئه وهذه الحركات والتطورات تنقلات اذ بها يسير الشيء الى منتهاه وهي تعد وقته اي تحصي المدد والأوقات التي ينتهي فيها الى ما منه بدئ والى غايات المتحركات اذا تناهت حركاتها لأنها مدد واوقات يتطور فيها المتحرك كما يقال ان الانسان يتطور في بطن امه ستة اطوار كل طور مدته عشرون يوما فتطور النطفة في الرحم عشرين يوما فتكون علقة وتتطور العلقة عشرين يوما فتكون مضغة فتطور المضغة عشرين يوما فتكون عظاما فتطور العظام عشرين يوما فتكسى لحما فتطور العظام المكسوة لحما في تقديراتها عشرين يوما بتتميم آلات الروح ومجاري ( محاوي خل ) النفس وحواملها فتنفخ فيه الروح فصار مدة ذلك اربعة اشهر فتلك الحركات للنفس النباتية تنقلات تعد مدة تمامها وتحصيها بتنقلها من طور الى طور حتى ينتهي الأربعة الأشهر ثم ان الشيء لا يسرع في حركاته وتنقلاته لذاته ازيد من نسبة كونه اي وجوده من مقتضى رتبته من المبدء الفياض ومن وقته اي وقت المتحرك اذ هذه الحركة مقتضي ذاته فلا تزيد عليها نعم يمكن ان يسرع في حركاته بمعين خارجي كما قيل في تخليل الخمر اذا اراد صاحبها ان يقلبها خلا فانها يتخلل في مدة معينة لكن لو وضع فيها عصارة السلق اسرع انقلابها خلا حتى قيل انها تنقلب خلا في اربع ساعات وهذا الاسراع ليس لذاتها وانما هو من عصارة السلق وهو النبات المعروف فانه معين لمقتضاها الناقص اذ كل شيء يمكن ان يكون كذا فان كان ذلك الامكان له لذاته كان ما يمكن له لذاته مقتضيا لكون ذلك ذاته اذا كان تاما بالنسبة الى ذاته ما لم يحصل له مانع اقوى من مقتضى ذاته وان كان ما يمكن لذاته ناقصا عن اظهار مقتضاه لم يلبس ذلك الامكان حلة الكون فان حصل له معين يتمم ذلك الناقص لبس حلة الكون بسبب تتميم المعين ولذا
قلت فاذا حصل له شيء اسرع به فليس قاسرا لذاته من حيث هي فلا يحدث لها تغير وانما يعين ذاته بما يمكن لها اذ ما يمكن للشيء على قسمين قسم يمكن لذاته بذاته وقسم يمكن لها بخارج عنها وهو المعين
اقول اذا حصل للشيء شيء اسرع به اسراعا زايدا على مقتضي ذاته فليس ذلك الشيء المسرع به قاسرا له ومجبرا له رافعا لأصل اختياره الذي هو مقتضى ما تركبت منه ذاته فيرتفع التركيب المستلزم لارتفاع ذاته من الوجود اذ لو فرض انه قاسر لكان احدث اقتضاء لم يكن في ذات المجبور فان كان ذلك الاقتضاء قائما بالجابر لم يصح اسناد شيء من آثاره الى المجبور ولو فرض استنادها اليه لما صح الاستناد الا ان يكون مقتضيا لها ولا يكون مقتضيا لها حتى يكون هو غير ما هو عليه في ذاته وان كان غير ما هو عليه في ذاته مقتضيا لذلك كان هذا شيئا آخر يقتضي هذا الأثر لذاته فلا يكون القاسر قاسرا بل اما معينا واما مانعا للمانع او لمنعه فلا يحدث للشيء بسبب المعين او مانع المانع او منعه تغير وانقلاب لذاته فلا يمكن للشيء ان يكون منه ما لا يمكن في ذلك الا ان تقلب حقيقته عما هي عليه كما اشار اليه عز وجل لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم ولأجل ما اشرنا اليه
قلت ولو حصل بالخارج عكس مقتضي ذاته فهو معين ايضا لا قاسر ما دام لمقتضاها فعل والا فهو قاسر وح لا يكون الشيء ذلك الشيء بل هو غيره وهذا يسمى قاسرا باعتبار قلب الذات الموجودة والا ففي الحقيقة ان الشيء لا ينقلب الى ما لا يمكن في ذاته في جميع الوجود بل ليس ذلك شيئا فلا تتعلق به قدرة لان القدرة لا يتعلق الا بالشيء
اقول ولو حصل بالخارج عكس ذاته اي عكس مقتضي ذاته فهو اي المتمم لذلك الامكان الناقص معين يعين الشيء بتتميم مقتضاه الناقص عن التأثير بدون المعين فهذا المتمم معين للشيء لا قاسر ما دام لمقتضى تلك الذات فعل اي تأثير بدون المعين وبالمعين والمتمم يتم ما كان ممكنا في ذاته ويظهر اقتضاؤه وقد تقدم بيان هذا لأنه اذا انقلبت ذاته لم يكن هو اياه بل غيره وهذا جار على ظاهر اللفظ والا ففي الحقيقة ان الشيء لا ينقلب الى ما لا يمكن في ذاته فان الواجب عز وجل لا يمكن ان يكون ممكنا ولا ممتنعا والممكن لا يمكن ان يكون واجبا ولا ممتنعا والممتنع لا يمكن ان يكون واجبا ولا ممكنا وهذا كلام لا شك فيه وان كان في نفس الأمر وفي الخارج غير معقول اذ الممتنع على مرادهم ليس شيئا لا في الذهن ولا في نفس الأمر ولا في الخارج وانما هو لفظ وضع بازاء حادث وكذلك هذا الفرض في حق الواجب تعالى لأن فرض ان الشيء لا يكون كذا انما يصح بين شيئين يجدهما الفارض في محل وجدانه مجتمعين سواء كان المحل ذهنا ام خارجا ولا يحوي الممتنع والواجب شيء ولا الممكن مع الواجب اذ لا يجتمع الممكن الا مع الممكن ولا اجتماع ينسب الى الواجب عز وجل انما هو اله واحد لا اله الا هو سبحانه عما يشركون والممتنع ليس شيئا الا الممكن فالصحيح في التعبير ليرفع ( لرفع خل ) غبار الأذهان ان يقال لا يمكن ان يكون الممكن واجبا ولا يمكن ان يكون الواجب ممكنا وفي الصورتين يراد من الواجب علاماته ليمكن ان يعقل ما ينفى امكانه
قلت والشيء الممكن له خمسة مقامات الاول في الامكان ولا يكون ابدا وهو في المشية ممكن الكون والثاني في الامكان وسيكون وفي المشية يمكن الا يكون والثالث انه كان ولا يزال ابدا وفي المشية يمكن محوه فيما بعد واثباته ومحوه وهكذا والرابع انه كان وسوف يعدم اي يرجع الى ما قبل كونه وفي المشية يمكن الا يعدم وان يعدم ويعاد وهكذا والخامس انه قد كان كونه ولا تكون عينه وكانت عينه ولا يكون قدره وكان قدره ولا يكون قضاؤه وكان قضاؤه ويستر امضاؤه وظهر امضاؤه ويعدم منه ما كان الى غير ذلك وكل ذلك وما اشبهها مما يمكن في ذاته
اقول هذا الكلام لبيان ما يمكن للشيء فانه قد يكون تاما يقتضي في نفسه ما يترتب عليه من غير ان يضاف اليه شيء وقد يكون ناقصا يعجز بنفسه عن اقتضاء ما يترتب عليه الا اذا اضيف اليه ما يتمم نقصه وفاعل ذلك يسمى معينا ومتمما والممكن في مراتب الامكان على خمسة اقسام : الأول في الامكان اي هو في نفسه ممكن والحكمة لا يقتضي وجوده في جميع الأحوال وذلك كشقاوة الأنبياء وسعادة الشياطين وساير الأشقياء فانه ممكن في نفسه وفي مشية الله سبحانه ولكن حكمة الله يقتضي عدمه وهو لا يكون ابدا وفي مشية الله ممكن ان يكون كما قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك فهو عز وجل قادر على ذلك ولكنه لا يفعله ابدا الثاني في الامكان يعني في نفسه ممكن وسيكون فيما بعد اذا تمت شرايط وجوده وفي المشية يمكن ان لا يكون قبل ان يكون وبعد ان يكون يمكن ان يعدم وذلك كساير المعدومات الثالث انه كان ولا يزال ابدا كعقل الكل وفي المشية يمكن محوه بعد كونه اذا شاء الله ويمكن ان يثبته بعد محوه ومحوه بعد اثباته وهلم جرا الرابع انه كان وسوف يعدم بان يخلع حلة الكون ويرجع الى رتبته في الامكان الراجح اي الى ما قبل كونه وفي المشية يمكن ان لا يعدم ويمكن ان يعدم ويمكن ان يعاد وان لا يعاد والخامس ما تجري عليه احكام قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وهو ان الممكن ربما قد كان كونه اي وجوده يعني مادته النوعية ولا تكون عينه اي صورة مادته النوعية بان تتعلق به المشية فيحدث كونه ثم يمحي قبل ان تتعلق الارادة بعينه وربما تتعلق الارادة بعينه اي بصورة مادته النوعية اعني الصورة النوعية فكانت عينه يعني الصورة ثم تمحي قبل ان يجري عليه القدر وربما لا يجوز عليه القدر فتحدث به الهندسة والحدود الظاهرة كالطول والعرض والعمق والاستدارة والتثليث والتربيع او غيرها والباطنة كالبقاء والفناء والرتبة من المبدء الفياض والجهة والكم والكيف وما اشبه ذلك ثم تمحى قبل ان يقضي وربما تعلق به القضاء فتمت بنيته وكمل تركيبه ثم يمحى قبل امضائه واظهاره مشروحا مبين العلل معروف الأسباب واضح الدلالة والاستدلال به وعليه وربما لا يجوز عليه الامضاء كذلك ويظهر امضاؤه بعد ما كان مستورا وربما عدم ما كان ظاهرا عدم تفكك او عدم فناء الى غير ذلك من الفروض الممكنة للشيء وما اشبهها مما يمكن لذاته من تام او ناقص فان كل ذلك اذا ظهر منه شيء بسبب تتميم معين لا يقال انه مقسور مجبور وان الفاعل به ذلك اجبره على الحقيقة كما يأتي تمثيل ذلك
قلت واما ما لا يمكن في ذاته بان يكون مستحيلا اي لا شيء بكل اعتبار او يكون واجبا لذاته اي هو الشيء لا سواه فيستحيل عليه فرض الامكان فلا يمكن فرض واحد منهما ولا تصوره لان التصور والفرض من الامكان بل لا يفرض ولا يتصور الا ما هو موجود في الامكان قبل ذلك وسيأتي بيان ذلك
اقول ان ما لا يمكن في ذاته بان كان مستحيلا فهو في نفس الأمر وفي الخارج وفي الذهن لا شيء بكل اعتبار فلا تتحقق له شيئية اصلا لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الأمر ولا في الوهم ولا يدخل في مطلق مفهوم ولا مصداق بكل مشعر من المشاعر الوجود الحقة والباطلة كالسفسطة اذ كل ما ينطبق عليه شيء بكل فرض فهو ممكن اما الممتنع فلأنه لفظ ممكن قد يفهم من دلالة مادته وهيئته شيء محدث لا غير ذلك لأن المتولد من الممكن او بالممكن او في الممكن ممكن واما الواجب لذاته عز وجل وتقدس مما سواه فلأنه هو الشيء لا سواه وجميع ما يدخل في مطلق الاحتمال والفرض والامكان والتجويز والتصور وغير ذلك فانه سواه وكل ما سواه خلقه تعالى احدث بعضه لبعض ولا يجري عليه ما هو اجراه فلا يمكن تصور الممتنع ولا فرضه اذ ليس شيئا ولا يتصور الواجب ولا فرضه لما اشرنا اليه من ان التصور والفرض والاحتمال وما اشبهها انما يعقل في الممكن
قلت ففي الحقيقة لا يتحقق القاسر الا بقلب الشيء الى غير ما يقتضيه من ذات او صفة وهو مما يمكن له فهو مطاوع فلا قلب فلا امتناع في الامكان فلا قسر ولا امكان في الواجب ولا في المستحيل فالشيء الذي هو الشيء لا سواه لا امكان فيه ولا رجحان لا يمنع النقيض بل هو وجوب بحت والمستحيل الذي هو لا شيء بكل اعتبار لا امكان فيه فافهم هذه العبارات المكررة المرددة للتفهيم
اقول يعني ان القاسر بالمعنى المذكور في الحقيقة غير متحقق اذ لا يتحقق الا اذا كان بقلب الشيء الى غير ما يقتضيه مطلقا لا بالفعل ولا بالقوة من ذات او صفة فلو قلبه الى غير ما يقتضيه فان قبل القلب فهو مما يمكن له وفي قلبه الى ما يمكن له فهو مطاوع واذا كان مطاوعا فلا قلب ولا قسر وان لم يقبل القلب لم يكن قسر فلا قصر ولا امكان في الواجب ولا في المستحيل فالشيء الذي هو الشيء لا سواه هو الواجب عز وجل وهو خالق الامكان والرجحان فلا يجري عليه الامكان ولا الرجحان الذي لا يمنع النقيض واما الرجحان الذي يمنع النقيض فهو الواجب البحت والمستحيل الذي هو لا شيء بكل اعتبار اي سواء اعتبرت شيئية خارجية ام واقعية ام ذهنية ام امكانية ام وهمية ام غير ذلك مما يعتبره معتبر لا امكان فيه فلا يعتبر بحال
قلت الفائدة التاسعة كل شيء لا يدرك ما وراء مبدئه لان الادراك ان كان بالفؤاد فهو اعلى مراتب الذات واول جزئيها واعلاهما واشرفهما وليس له وراء ذلك ذكر في حال فلا يجد نفسه هناك ولا يجده غيره اذ اول وجدانه ذلك الادراك وان كان بالعقل والنفس والحس المشترك وبالحواس الظاهرة فهي بجميع ادراكاتها ومدركاتها دون ذلك فلا يدرك الشيء ما وراء كونه فاذا تصور شيئا بغير الفؤاد ادرك ما وراءه اي ان وراءه شيئا يدركه فاذا ادرك ذلك الاعلى ادرك وراءه شيئا وهكذا لا يقف على حد لا يجد وراءه شيئا
اقول في هذه الفائدة ابتدئناها بالاشارة الى ان الادراك بالفؤاد الذي هو اعلى مراتب الذات فعل ذاتي له فلا يدرك ما يكون اعلى منه اذ لا يميل الشيء الى اعلى مما هو له او منه وانما قلت اذ لا يميل الشيء الخ لأن قولي فعل ذاتي له اريد به ميل الذات الى وجهها من مبدئها وهذا الميل ليس ميلا فعليا لأن الأول من القابلية التي هي جزء الماهية والميل الفعلي تأثير الذات بفعلها فيما دونها والميل الفعلي لا يساوي الذات بل ينحط عنها والميل الذاتي يساويها ولهذا قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه ومعنى معرفة نفسه انه يدرك نفسه بها لا بشيء غيرها وذلك هو الفعل الذاتي ويكون الشيء بهذا الادراك مدركا لنفسه لكنه لا يدرك به ما هو فوقها والا لكان الشيء اعلى من نفسه ولكان موجودا في ادراكه قبل ان يكون موجودا هذا خلف فكل شيء لا يدرك ما وراء مبدئه لأن الادراك ان كان بالفؤاد الذي هو اعلى مراتب الشيء اي بالذات ادرك نفسه ولم يدرك ما فوق نفسه اذ ليس فوق نفسه شيء منه ليميل الى ما منه فلو نظر ما وراءه اي ما فوقه لم يجد نفسه فلا نظر هناك ولا يجد غيره ممن يكون اعلى منه وانما يجده من هو اعلى منه في الرتبة التي كان فيها شيئا لأن اول وجوده اول وجدانه وفوقها ليس واجدا ولا موجودا وذلك لأن الفؤاد عبارة عن الوجود الاولى ( الأول خل ) الذي هو مادته النوعية التي تؤخذ منها حصة للشيء وتضاف اليها صورته المشخصة له التي بها هو هو فالحصة هو فؤاده وهو نور الله في قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهو حقيقة من فعل الله وهو وجوده وهو مادته وهو كونه والصورة المشخصة له هي حقيقة من نفسه لأنها قابليته وان كان الادراك بما دون الفؤاد كالعقل والنفس والخيال والحس المشترك والحواس الظاهرة فهي بجميع ادراكاتها ومدركاتها دون الفؤاد ودون ادراكه فتدرك انفسها وما دونها ولا تدرك ما وراء ذلك اي ما فوقها لأن الشيء لا يدرك ما فوق كونه اي وجوده فاذا تصور شيئا باحدهما اي بغير الفؤاد ادرك بالفؤاد ما فوق ما ادركه بواحد منها بمعنى انه يدرك شيئا فوقه كما لو ادرك بعقله شيئا ادرك بفؤاده ان فوق العقل شيئا وادرك ايضا بفؤاده ان ما ادركه بعقله فوقه شيء وادرك ان وراء هذا الاعلى شيئا وهكذا حتى يدرك فؤاده وينقطع السير حتى انه لو كان الادراك بما هو دون الفؤاد وجد مدركات بعضها فوق بعض بلا نهاية ولا غاية حتى يكون الادراك بالفؤاد لاعلى مراتبه الذي هو نور الله تعالى فيستدير وينقطع السير
قلت وهذه حروف نفسه ومراتبها وتلك الحروف والمراتب لا تتناهاها نفسه اي لا تقف على حد لا تتوهم الا قبل له فهي لا تفقد نفسها في تلك المراتب
اقول وهذه المراتب التي تقع عليها وفيها ادراكات مشاعره حروف نفسه اذ كانت نفسه كلمة لكلمته تعالى يعني ان نفسه مجموع تلك الأطوار وكلما وصلت الى رتبة كانت اعلى نفسه وكانت الاولى التي كانت اعلاها متأخرة عن علوها مثل الجدار المبني فان اعلاه ارفع ما فيه فاذا بنيت عليه كان اعلا اولا وسطا للجدار وكان اللاحق اعلاه وهكذا فهذه الأطوار جزء ذاته وحروفاتها واعلم بان الانسان نزل من مكان عال في الامكان وهو الآن عائد اليه فهو يترقي بلا نهاية في سيره الى مبدئه الحادث الممكن الذي كان في رتبة ذات الحق عز وجل ممتنع الوجود عدما محضا لا ذكر له ولا رسم ولا اسم ولكنه مع هذا كله لا يقف في صعوده الى مبدئه على حد لا سير فيه لأنه محدث لا من شيء قد كونه الله عز وجل واخترعه بفعله ولم يكن له قبل ان يخلقه بفعله ذكر ولا وجود الا في رتبة امكانه الذي امكنه بمشيته الامكانية واما قبل الامكان فلا ذكر له في وجود ولا في علم ولا في حال من الأحوال فلما اخترعه لا من شيء كان مبدأ امكانه من مشيته الامكانية ومبدء كونه من مشيته الكونية بعد المبدء الامكاني والمبدء الكوني مع انه مسبوق بالمبدء الامكاني المسبوق بفعل الله تعالى لا نهاية له سبحان من احدث ما لا نهاية له وقولي لا نهاية له اعني به انه كذلك في الامكان والا فهو متناه الى فعل الله والفعل محدث احدثه الله بنفسه فهو متناه فان عند الله سبحانه قال عليه السلام يا من هو قبل كل شيء يا من هو بعد كل شيء والانسان يسير صاعدا الى مبدئه الكوني وهو لا ينتهي في الأكوان ولا يصل الى مبدئه ابدا والاشارة الى بيان ذلك للمؤمنين الممتحنين قلوبهم ان الانسان خلقه الله والمخلوق محتاج في كونه وبقائه الى المدد لا غني له في حال من الأحوال بل يحتاج في بقائه الى المدد وهو سبحانه يمده مما هو حادث ممكن ولا يمده مما ليس له ولا مما هو فوق مبدء كونه وهويته التي اليها معاده وليس لهذا الأمداد غاية ولا نهاية والا لفني واضمحل وقد دلت الأدلة القطعية الضرورية من العقلية والنقلية بانه باق ابد الآبدين ولا يعرض له فناء ابدا ولا بقاء له الا بذلك المدد والمدد حادث لا يجوز ان يكون مما هو فوق مبدء كونه وهويته التي لم يكن له ذكر قبلها ولا مما ليس له فقد ثبت عند من ثبت على الايمان الموصوف بالامتحان ان الانسان عائد الى مبدئه ولا يتجاوزه ولا يقف في سيره ولا يفنى ولا يستغني عن المدد في بقائه وانه مع ذلك كله حادث بفعل الله سبحانه وانه قبل ان يخلقه الله لم يكن لمبدئه الذي لم يصل اليه ولم يقف فيه ولا يتجاوزه ولا له قبل ان يجعله ممكنا في الامكان ذكر لا في امكان ولا في علم أولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ولا تتوهم من كلامي اني قائل بقدم شيء مما سوى الله او يلزم من كلامي شيء من ذلك حيث اني قلت ان سير الانسان لا ينتهي الى حد فان صاحب الشريعة اخبر تبعا لما انزل الله تعالى اليه صلى الله عليه وآله ان اهل الجنة خالدون فيها ابدا بلا نهاية وان اهل النار خالدون فيها ابدا بلا نهاية وان الموت يؤتي به في صورة كبش املح ويذبح بين الجنة والنار وينادي مناد بامر الله عز وجل يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت على اني بينت لك ان الله سبحانه خلق ما لا يتناهى بعد ان لم يكن وما ذلك على الله بعزيز واما قول من انكر الحدوث الذاتي وحصره في الزماني فهو ممن قال الله سبحانه ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون مع ان الحكماء من المتقدمين والمتأخرين اتفقوا على قاعدتين بل لا يختلف فيهما اثنان من العقلاء وهما ان كل ما له اول فله آخر وان ما سبقه العدم لحقه العدم وهذا مما لا اشكال فيه عند من عرف ما اشرت اليه والا فالاشكال لازم لأنك اذا - قلت ان الحادث له اول في الحدوث لزم ان يكون من في الجنة غير باقين لأنهم سبقهم العدم فيلحقهم العدم فان قلت ان الانسان ليس له اول في الحدوث لزم القول بالقدم والتفصي من الاشكال وكل اشكال قد ذكرته لك فتفهم كلامي واما قول من قال بان الانسان سبقه العدم في الحدوث والامكان ولا يلحقه العدم فانه جار على نمط عجيب يستعمله اكثر ممن ( مما خل ) يقال انه لبيب وهو انا لو لمنقل بهذا لزمنا اما قدم ما سوى الله او فناء الجنة والنار وكلاهما باطل وهذا ليس بدليل وليس له الى الحق سبيل بل ينبغي ان تقول بما هو الحق على نمط لا يلزمك شيء من ذلك ولا بطلان ما اتفق عليه العقلاء من القاعدتين وها انا ذا بينت لك السبيل واقمت لك عليه الدليل وحسبنا الله ونعم الوكيل وانما اطلت الكلام هنا ليقول من اراد الحق بالدليل ومن اراد الباطل او الجهل بالوهم والتخييل فافهم وهذا كله مما اشرت اليه هو معنى قولي لا تتناهى نفسه اي لا تستطيع ان تحصيها لأنها لا تقف في سيرها على حد لا تتوهم ان ليس وراء ذلك شيء بحيث ينقطع السير ولهذا تراها لا تفقد نفسها في تلك المراتب لأنها ما دامت تدرك غيرها فهي واجدة نفسها
قلت فاذا رأت ذاتها بذاتها اي نظرت بفؤادها انقطع وجودها وتناهي كونها اذ ذاك لانها نظرت من مثل سم الابرة فاستدارت على نفسها قال الشاعر :
قد ضلت ( طاشت خل ) النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
الخ قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال (ع) لكميل محو الموهوم وصحو المعلوم
اقول ان النفس لأجل ما قلنا لا تزال تطلب ادراك ما غاب عنها ولا تزال كل ما وصلت الى مطلوبها طلبت ما فوقه وهكذا حتى تنظر بفؤادها واذا نظرت بفؤادها وجدت شيئا بلا اشارة ولا كيف فهناك انقطع وجودها وتناهي كونها اي وجودها حينئذ لأنها نظرت الى ما فوقها فيكون نظرها من مثل سم الابرة لعظم ما فوقها وصغرها بالنسبة اليه ولاجتماع نظرها ولكنها لا تدرك ما فوقها وانما تدرك ما فيها منه لأنها اثر له فيجد ما تطلب مما فوقها فيها فتستدير على نفسها طلبا للدليل على ما فوقها فهي الدليل على ما فوقها فتغيب عن نفسها في نفسها فلا تجدها حيث تعرفها قال الشاعر وهو استشهاد على ما ذكر ومثال له :
قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت على الأسماء حتى لها فوضت الدنيا مع الآخرة
فالنقطة علتها وهي قطب وجودها ومعنى طاشت انبسطت في غيب الدائرة بلا كيف ولا اشارة والدائرة نفسها ونظرها بفؤادها المستدير على نفسه عند استدارته على علته والنقطة ايضا نظرها الى علتها فانها نقطة تدور على قطبها فتحدث منها دائرة محيطة على القطب الذي هو العلة فقد طاشت النقطة اعني نظر الفؤاد في الدائرة الحادثة من ذلك النظر لانبساط النظر وشيوعه في هذه الدائرة التي هي استدارته على نفسه ولم تزل النقطة اعني نظر الفؤاد حائرة في ذاتها كناية عن استدارتها محجوبة الادراك يعني النقطة اي النظر محجوبة الادراك عن نفسها بها يعني ان نظر الفؤاد وهو النفس حجبها وجودها عن ادراك ذاتها فاذا حجبت من الوجدان وجودها وجدت نفسها وادركتها واذا حجبت نفسها حصلت لها منها عين ناظرة تبصر بها ذاتها وفي الحديث ان نبيا من انبياء الله تعالى ناجى ربه فقال يا رب كيف الوصول اليك فاوحى الله ( تعالى خل ) اليه الق نفسك وتعال الى فالناظر اذا ترك نفسه وجدها وذلك تأويل قوله تعالى قال القها يا موسى فالقيها فاذا هي حية تسعى سمت على الأسماء يعني ان الفؤاد الذي هو النفس التي من عرفها فقد عرف ربه وهو حقيقة الانسان من ربه فاذا جردت في الوجدان عن جميع السبحات حتى عن الاشارة والكيف سمت اي ارتفعت عن رتبة جميع الأسماء لتفردها حين التجرد عن المثل حتى كانت آية للعز والقدس والألوهية والرحمانية والربوبية في الدنيا والآخرة وذلك لأنها اذا كشفت عنها جميع السبحات حتى الاشارة ظهرت بآية الأحدية فمن عرفها فقد عرف ربه والمراد من تجريدها في الوجدان عما سواها محو كل ما لم يكن اياها لأنه بالنسبة اليها موهوم فاذا محوت الموهوم صحا المعلوم لأن الموهوم حجاب المتوهمين عن المعلوم المحتجب بغير حجاب محجوب لأن الحجاب لم يضعه للذوات الا لتحقق به في انفسها وتحققها في انفسها مانع لحاظ كونها اثر فعل الله ونورا من فعل الله فكانت تلك الموهومات اعني السبحات المسماة بالحجاب مثبتة بالانية الموهومة وحاجبة للحقيقة المعلومة اعني كونها نور الله واثر فعله فافهم
قلت وكلما وصل العبد الى مقام ظهر له الجبار فيه حصل له المحو والصحو فهناك عرف ربه لانه عرف نفسه بالمحو والصحو فاذا استقام فيه كما قال سبحانه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا حتى ظهر له الاثر ظهر له الجبار في مقام اعلى من الاول فيعرف فيه ربه بحكم المحو والصحو بطور اعلى ويتبين له ان المقام الاول مقام خلق قد تعرف له فيه به ثم تعرف له في الاعلى قال (ع) تدلج بين يدي المدلج من خلقك
اقول فاذا كان نظره من الباب الذي امر الله ان يؤتى منه البيوت اي بيوت توحيده وعبادته كان دائم الترقي الى الله سبحانه فاذا وصل الى مقام قد ظهر له الجبار فيه بصفة تعرفه له وانما خص الجبار هنا اما للحاظ العظمة واما لكونه جابرا لما كسره الجهل بمعرفته فاذا وصل الى ذلك حصل له محو المقام الأول لانحطاطه عن بساطة وحدة ما فوقه وهو الذي وصل اليه وصحا له هذا المقام العالي بقدس اعلى ووحدة ( ووجده خل ) اشرف مما دونه فحصلت له معرفة بربه اعلى من معرفته الاولى لأن المقام الأول موهوم بالنسبة الى الثاني والثاني معلوم بالنسبة الى الأول فاذا استقام في المقام الثاني الاعلى بان تحقق في نفسه باثاره ( باثارة خل ) هذا المقام كما قال عز من قائل ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بالقيام بما يترتب على قولهم ربنا الله فانه يترتب عليه ان يمتثلوا امره ويجتنبوا نهيه ليثبت يقينهم المعبر عنه بالاستقامة فان يقين المؤمن والمنافق والكافر يرى في عمله فاذا استقام كذلك ظهر له الجبار في مقام اعلى مما قبله وهكذا فيعرف فيه ربه بحكم المحو لكل مقام يجاوزه والصحو في كل مقام وصل اليه اعلى عن الأول بحيث يتبين له ان المقام الاول مقام خلق قد تعرف له فيه به ثم تعرف له في الاعلى ويظهر له ايضا ان الاعلى ليس هو غاية السير الى الله بل الله سبحانه يسير معه ليوصله الى ما يريد كما قال عليه السلام تدلج بين يدي المدلج من خلقك والادلاج السير آخر الليل او مطلق السير في الليل لأنه مقام العابدين
قلت فاذا عرف ربه في الاعلى بظهوره له فيه به ونظر الى الاسفل الذي ظهر له انه مقام خلق وجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وهكذا ابدا يسير بلا نهاية قال تعالى في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما وليس لمحبتي غاية ولا نهاية
اقول اذا عرف ربه في المقام الاعلى وتجاوز من الأسفل بان صعد عنه وهو الذي تبين له بعد ان تجاوزه انه مقام خلق تجلى له فيه الجبار عز وجل فلما تجلى له في الاعلى ونظر الى الأسفل حال تجليه له في الاعلى وجد الله عنده اي عند الأسفل اذ لا يخلو منه مكان ولا وقت ولا يحويه مكان ولا وقت اذ كل شيء ظهوره فيه له لا اله الا هو فوفيه حسابه اي انه تعالى يوفي عبده العارف به حساب كل مقام وصل اليه وكل مقام تجاوز عنه صاعدا الى ما فوقه او نازلا عنه الى ما تحته والله سريع الحساب لا يخاف الفوت وكيف يخاف الفوت من كل شيء بفعله ومعنى سريع الحساب انه الزم المقتضيات على ما تقتضيه اذا كان الاقتضاء صدقا ( اقتضاء صدق خل ) وان كان غير صدق فبنسبة ما فيه من الصدق فقد يتخلف الجزاء لنقص المقتضي وقد يكون لمانع اقوى لا يسئل عما يفعل وهم يسألون
قلت وهذه المشار اليها هي المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان قال الحجة (ع) في الاشارة الى ذلك في دعاء رجب ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء وقال الصادق (ع) لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن ه وهذا طريق الى الله سبحانه لا نهاية له ولا غاية
اقول المقامات مظاهره التي تجلي بها لعباده وعباده في كل مكان فتجلى بهذه المقامات في كل مكان لكل شيء من خلقه على حسب ما يحتمله وسعهم وتلك المقامات اسماء الفاعل عز وجل لأن المقام تركب وتقوم من مادة فعل الفاعل وصورته فمادته حقيقته وصورته اثره ومجموعها اسم فاعل وذلك الأثر بفعله مثاله قائم بالنسبة الى زيد فانه مركب من حركة احداث القيام ونفس القيام الذي هو الحدث والأثر فتركب منهما اسم فاعل القيام اعني زيدا حال احداثه للقيام لا مطلقا فقائم وقاعد وآكل وشارب ونائم وما اشبه ذلك هي مقامات زيد وعلاماته على نحو ما ذكرنا والقيام والقعود والأكل والشرب والنوم معاني زيد اي معاني افعاله يعني آثارها لأنها محال الأفعال ومثال ذلك الحديدة المحماة بالنار فانها مقامات النار وعلاماتها التي لا فرق بينها وبينها في الاحراق الا ان الحديدة انما تحرق بفعل النار القائم فيها فالحديدة المحماة اذا احرقت لم تحرق وانما احرقت النار على حد قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى لأنه صلى الله عليه وآله بمنزلة الحديدة وفعل الله الظاهر به صلى الله عليه وآله كفعل النار الظاهر بالحديدة والحديدة حينئذ ركن المحرق كما ان القيام ركن القائم وكما ان محمدا صلى الله عليه وآله ركن المقامات والعلامات والتوحيد والآيات فلا تظهر المقامات والعلامات والتوحيد الا بهم وفيهم كما لا تظهر حرارة النار الا بالحديدة وكما يجوز ان تظهر النار حرارتها في غير الحديدة كالحجر والأرض واذا ظهرت في شيء كان محرقا كذلك يجوز ان يظهر فعل الله في غيرهم عليهم السلام لو شاء تعالى ويفعل ذلك الغير بفعل الله كفعلهم كما قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك وقال تعالى ولو شئنا لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وهو سبحانه لا يفعل ذلك ابدا فلا يذهب بما اوحى الى نبيه صلى الله عليه وآله ابدا وان كان بالنسبة الى المشية ممكنا وهو تعالى قادر عليه ولا يظهر فعله في شيء غيرهم الا بواسطتهم فانه تعالى اظهر جميع افعاله فيهم عليهم السلام ويظهر بعض وجوه بعض افعاله فيمن شاء من خلقه بواسطتهم هكذا جرت عادته في خلقه وهكذا بدت قدرته وهكذا مضت كلمته وهكذا سبقت عنايته وهو العليم الخبير ومعنى يعرفك بها من عرفك انها هي الدليل عليه وهي معنى ما وصف به نفسه لنا ومعنى لا فرق بينك وبينها ان من عرفها فقد عرفه وانه تعالى انما يفعل بها ففعله لكل شيء هو فعله بها وهو معنى قولهم عليهم السلام من عرفنا فقد عرف الله ومن جهلنا فقد جهل الله ومن اطاعنا فقد اطاع الله ومن عصانا فقد عصى الله قال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله ومعنى الا انهم عبادك وخلقك انهم عليهم السلام مع ظاهر التساوي والاتحاد ليس لهم في شيء من ذلك امر الا ما اظهر من فعله فيهم فهو بهم يفعل لأنهم محال فعله ومشيته وارادته وهم بفعله يفعلون كما قال تعالى لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون اذ لا فعل لهم لذواتهم ولا عمل الا بفعله وامره ومعنى فتقها ورتقها بيدك اي انه اذا شاء فتقهم فيعلمون بما اوحى اليهم ويعملون بما امرهم واذا شاء تعالى شأنه رتقهم فلا يعلمون شيئا ولا يعملون امرا وهو معنى قولهم عليهم السلام يبسط لنا فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم ومعنى قوله عليه السلام بدؤها منك وعودها اليك ان بدءها من فعله يعني اثرا لفعله كما يحب ويرضى مما يحب ويرضى لما يحب ويرضى وعودها الى ما بدئت منه اي يعودون بما بدؤا منه مما بدؤا منه الى ما بدؤا منه وهم عليهم السلام قد خلقهم بمحبته ورضاه من محبته ورضاه لمحبته ورضاه وقول الصادق عليه السلام لنا مع الله حالات الخ يعني به ان لهم حالة مع الخالق وحالة مع الخلق فحالتهم مع الخالق كونهم محالا لمشيته وفعله فاذا هم كما مر مثل الحديدة المحماة وهو في هذه الحالة هو وهم هم وحالتهم مع الخلق عباد مكرمون لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار ولا يفترون فالله سبحانه ذاكر بهم في الثانية وهم ذاكرون به في الاولى كما انه تعالى ذاكر بهم في الاولى وهم ذاكرون به في الثانية ومعنى ان هذا طريق الى الله سبحانه لا غاية له ولا نهاية انهم سائرون في عمق الامكان بما لهم ولغيرهم والله سبحانه يسير امامهم فهو قائدهم بعنايته وسائقهم بهدايته تدلج بين يدي المدلج من خلقك وهذا السير لا اول له في الامكان ولا آخر له
قلت ثم اعلم ان كل مقام ظهر الله فيه لعبده فهو مظهره وصفته وهي حروف ذات العبد لا حقيقة له غير ذلك لانه سبحانه ظهر لك بك وبك احتجب عنك ولا سبيل لك الى معرفته الا بما تعرف لك به ولم يتعرف لك الا فيك وبك قال علي (ع) في نهج البلاغة لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها
اقول كل مقام اعني كل رتبة من مراتب ظهوره ظهر الله تعالى فيه اي في ذلك المقام لعبده فهو اي ذلك المقام مظهره اي محل ظهور الله فيه وصفته اي صفة فعل الله وهي اعني تلك المقامات حروف ذات العبد اي اجزاء ذاته وسميت اجزاء الذات حروفا باعتبار اطلاق الكلمة على الذات فان الكلمة مؤلفة من الحروف فهذه المراتب من الوجود مجموعها حقيقة العبد لا حقيقة له غير ذلك لأنا قد قدمنا انه تعالى تعرف لعبده ولم يتعرف له الا بذاته وهو معنى قولي ولم يتعرف لك الا فيك وبك احتجب عنك لأنك اذا التفت الى انيتك وجدت نفسك مستقلا فلا تجد نفسك دليلا على وجوده الا اذا نفيت وجودك من وجدانك فرأيت نفسك اثرا لفعله ونورا من صنعه فانك حينئذ اي حين لم تجد نفسك تكون دليلا عليه اذ الأثر يدل على المؤثر والنور يدل على المنير وحيث كان تعالى لا تدركه الأبصار ولا تحيط به البصاير والخواطر والأفكار لأن الأدوات انما تحد انفسها وتشير الآلات الى نظايرها كان عز وجل لا يعرف الا بما تعرف به ووصف نفسه به ولا سبيل الى معرفته الا من هذا الطريق وهو ما وصف به نفسه والى ما ذكرنا اشار سيد الوصيين عليه السلام كما رواه في النهج لا تحيط به الأوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ومعنى تجلي لها بها ما قلنا سابقا انه لا يتجلى بذاته اذ لا تختلف عليه امور حالاته بل هو على حال لا يحول عنها في جميع الأحوال وانما يتجلى بافعاله وبآثارها لأفعاله ولآثارها وهو معنى تجلى لها بها فكنت انت نفس تجليه لك بك ومعنى وبها امتنع اي احتجب منها كما قلنا انها اذا التفتت نفسها لم تجد نفسها اثرا ولا نورا وانما تراها قائمة مستقلة فلا تدرك الا نفسها فاذا كشفت ظاهرها ونظرت الى حقيقتها وجدت حقيقتها نقشا فهوانيا وخطابا شفاهيا فاحتجب عنها بها حيث نظرت الى نفسها وتجلي لها بها حيث وجدت نفسها نقشا فهوانيا وخطابا شفاهيا فعرفته بصفته التي تعرف لها بها وهي حقيقتها منه اعني كونها اثرا ونورا وخطابا ومعنى واليها حاكمها انه عز وجل يستشهدها على نفسها هل هي الا اثره ونوره فتشهد له انه لا اله الا هو لا يرى فيها نور الا نوره ولا يسمع فيها صوت الا صوته ولا يعرف شيء الا اثره يعني لا يرى الا نور فعله وصنعه ولا يسمع الا صوت فعله وصرير قلم ايجاده ولا يعرف الا اثره لانحصار ما سوى الله في اثر فعله تعالى
قلت ثم اعلم ان المتجلي نقطة يدور عليها التجلي فهو كرة مجوفة لفعل التجلي وفي الانجيل ايها الانسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا
اقول اعلم ان المتجلي اعني العلة نقطة واقفة ساكنة اي قائمة بنفسها يدور عليها التجلي الذي هو كرة مجوفة لفعل التجلي يعني ان التجلي الذي هو الأثر وهو المفعول كرة مجوفة لأن علتها في باطنها فلذا كانت مجوفة لفعل التجلي وفعل مضاف الى التجلي وهو مفعوله والمعنى ان المتجلي الذي هو الفاعل الذي هو في الحقيقة باطن كل شيء وخارج عن كل شيء جعل التجلي الذي هو مفعوله يدور على فعله اي فعل المتجلي للتجلي فيكون الفعل هو باطن المفعول والمفعول يدور عليه فالفعل نقطة ساكنة والمفعول نقطة دائرة عليها الى كل جهة فلذا كانت كرة ولم تكن دائرة وهذا معنى ما في الانجيل باطنك انا اي فعلي وظاهرك للفناء يعني يعدم فاذا عدم واراد اعادته احدثه منه اي من الفعل كما احدثه من قبل قال تعالى كما بدءكم تعودون
قلت فلجميع الخلق استدارة على فعل الله سبحانه واحدة كرية فكل الخلق كرة واحدة مجوفة تدور على نقطة هي فعله تعالى واصول الخلق كرات مجوفة كذلك كل اصل كرة تامة تدور على نقطة هي وجه ذلك الاصل من المشية ولا تدور على محور لان الاستدارة على المحور تحدث من اجزاء الكرة دوائر لا كرات فتكون الاستدارة الى جهة فلا تكون العلة محيطة بالمعلول ولا تساوي الاجزاء المتساوية في الرتبة الى منتصف المحور الذي هو النقطة اليها لان ما كان من الاجزاء في جهتي القطبين للمحور لا تدور على النقطة ووجه الكرة من علتها ليس محورا مستطيلا بل نقطة
اقول لجميع الخلق استدارة واحدة كرية على فعل الله سبحانه لتساويها في الافتقار اليه ولتساوي نسبته اليها ولقوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقوله تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ولما ورد في كيفية الحساب يوم القيمة وانه تعالى يخاطبهم بلسان واحد يقع على كل شخص بلغته ومثله ما قال تعالى كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق فان كل واحد ينظر في كتابه ويقرء ولي الله كتابه اي كتاب الله الناطق فيكون بلسان واحد ولفظ واحد طبق كل كتاب من كتبهم لا يخالف حرف منه حرفا منها والأصل في ذلك ان الفعل اي الايجاد انبسط على اول الخلق وآخره وظاهره وباطنه وجوهره وعرضه وعينه ومعناه وموصوفه وصفته فتختلف الأشياء باختلاف قوابلها وتتقدم وتتأخر باختلاف اوقاتها وتكبر وتصغر باختلاف كمها فالفعل متساو بالنسبة الى كل فرد فرد وجزء جزء وان تعاقبت رؤس التعلقات فالفعل واحد والمصنوع باعتبار الجملة واحد فبهذا الاعتبار يعني مطلق افتقارها اليه للجميع دورة واحدة عليه ثم اصول الخلق كالعقل الكلي والنفس الكلية وغيرهما من الأفلاك الغيبية المجردة وكافلاك الشهادة كفلك زحل وفلك المشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر وكالعناصر كلها كرات كل واحد منها كرة مجوفة تدور على اصلها ووجهها من المشية فلكل واحد استدارة يختص بها واستدارة يشارك فيها غيره وكل جزئي من كل واحد او جزء فله استدارة على وجهه الخاص به واستدارة يشارك فيها غيره من مثله في كليه واستدارة يشارك بها كليه او كله واستدارة يشارك بها جزئيه او جزءه وهكذا كل كلي او كل وكل جزئي او جزء ولا يدور شيء من هذه المذكورات في دورانه على علته على محور لأنه يدور عليها لا الى جهة والاستدارة على محور استدارة الى جهة ولو استدار على محور حدثت من اجزائه دوائر لا كرات كما هو شأن الاستدارة على جهة ولا تكون العلة محيطة بالمعلول ولتعددت العلل بعدد اجزاء المعلول فيختص كل معلول من اجزاء الشيء بعلته من غير مشاركة الآخر له فيلزم استقلال كل جزء وانفراده عن الآخر وتكون الأجزاء المتساوية في الرتبة غير متساوية الى منتصف المحور الذي هو النقطة العلية لأن ما كان من الأجزاء في جهة القطبين للمحور لا تدور على النقطة التي في منتصف المحور ولهذا كانت دوائر صغارا ولو كانت تدور على النقطة التي هي منتصف المحور لكانت عظاما ولماتحقق محور قط وللزم ان تكون استدارتها على النقطة لا الى جهة كما هو مقتضى الحاجة المطلقة فيكون كرة ووجه الكرة لا يصح ان يكون محورا مستطيلا لأنه اذا كان مستطيلا اختلفت جهات اجزاء الشيء الواحد فيكون كل جزء له قطب غير قطب الآخر وتتعدد العلل وتتعدد المعلولات
قلت والاصل الثاني يدور على الاول لانه للثاني نقطة ويدور على نقطة الاول فله استدارتان ذاتية تدور على نقطة الاصل الاول وعرضية تدور على الاول اذا كان مترتبا عليه والا فعلى جهة لوازمه من وضع واضافة وغيرهما وهما استدارة واحدة بلحاظ وحدة الدائر ولهذا كان ابطي من الاصل الاول كاستدارة الكوكب على قطب تدويره واستدارته على قطب الخارج المركز فان استدارته في التدوير على نفسه فهي عرضية بالنسبة الى تحققه واصالته واستدارته على قطب الخارج المركز ذاتية لانها وجهه الى اصل تحققه لان هذه اصل لاستدارته على تدويره فائضة عنها متفرعة عليها
اقول ان الأصل الثاني كالعقل الكلي يدور على الأول اعني به الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله لأن الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله للعقل نقطة اي علة ويدور عليها بالعرض لأن استدارته على الفعل ذاتية لقيام العقل ( الفعل خل ) به قيام صدور واستدارته على الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله عرضية لأنها وان تقوم بها تقوما ركنيا وتحققيا الا انها عرضية لأنها اثر للفعل وتاكيد له فهو اشد منها فتكون نسبة افتقار العقل الى الفعل احق واسبق من افتقاره الى الحقيقة المحمدية (ص) فاذا نسبنا كان ما الى الفعل ذاتيا وما الى الحقيقة عرضيا لأن الحقيقة علة مادية للعقل الكلي والفعل علة فاعلية وعلة للعلة المادية
قلت وانما كانت استدارة الثاني بطيئة ايضا لحصول الكثرة فيها وكلما كثرت الوسائط كثرت الاستدارات وكان ابطى وتترتب العرضيات في القوة والضعف فما قرب من الدائرة كان اضعف والذاتية ابدا واحدة
اقول وكلما كان ابسط كان اسرع في حركته القابلية الانفعالية وكلما كان اكثر تركيبا او اجتماعا وتأليفا كان ابطأ وانما كانت استدارة الأصل الثاني بطيئة لأجل حصول الكثرة فيها التي تحصل بها الاستدارات الكثيرة وكثرة الاستدارات لكثرة الوسائط لأن المتأخر له على ما تقدم عليه دورات لكل واحد استدارة وكلها عرضيات اضافية الى ان ينتهي الى الاستدارة على علة العلل وقطب الأقطاب فتكون استدارته عليها ذاتية وكلما قرب منها كانت عرضيتها اقوى مما تحتها وكلما قرب من الدائرة كانت اضعف لما قلنا من انها في الاعلى استدارة على العلة وفي الأسفل استدارة على المعلول وان كان المعلول علة لما تحته فان ما فوقه علة له ولما تحته فالاستدارة عليها اقوى فهي عرضيات متفاوتة في الشدة والضعف بنسبة القرب من العلة والبعد عنها والذاتية التي ليست عرضية اصلا واحدة ولو اطلق على الدورات المتوسطة الذاتية باعتبار ما تحتها والعرضية باعتبار ما فوقها لم يكن به بأس الا انه على جهة المجاز فافهم
قلت وهكذا حكم كل اصل ولفروع ذلك الاصل هذا الحكم كل فرع كرة واحدة له دورات دورة على اصله وعلى كل ما سبقه دورة وعلى القطب الاول كذلك وقس عليه كل شيء بنسبة حال ذاته وعوارضها فكل عالم كرة وكل نوع كرة وكل صنف كرة وكل شخص كرة وكل جزء كرة
اقول يعني ان كل اصل من الأصول الكلية الاضافية والجزئية الاضافية نسبتها في الاستدارات على عللها واصولها كنسبة الكليات والجزئيات فيما مثلنا به وهو معنى قولنا وقس عليه كل شيء بنسبة حال ذاته وعوارضها والفرع يدور على اصله وفرعه يدور عليه كما ان الأصل يدور على اصله اذ النسبة واحدة فكل عالم كرة واحدة وكل نوع منه اي من ذلك العالم كرة واحدة وكل صنف من ذلك النوع كرة واحدة وكل شخص من ذلك النوع كرة واحدة وكل شخص من اشخاص تلك الأصناف كرة واحدة وكل جزء من اجزاء تلك الأشخاص كرة واحدة وهكذا وحكم دورة كل جزء منفردا ومنضما الى غيره في الدورة حكم ما تقدم من الاسراع والابطاء والذاتية والعرضية
قلت وهكذا احكامها في الاوضاع والتضايف والنسب كلها في التساوي والتعارف والتناكر الا انها في التناكر تدور على التعاكس هكذا وفي التعارف على جهة التواجه هكذا وفي التساوي على جهة المماثلة هكذا واما في التغاير في الذات وحدها فهكذا وفي الصفات وحدها هكذا وفيهما معا هو التناكر كما مر قال (ع) الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف
اقول واحكام الأصول والفروع الكليات والجزئيات في الاسراع والابطاء في الاستدارات العرضية والذاتية بالنسبة الى احكامها في الأوضاع والتضايف والنسب اما الأوضاع فجمع وضع اعني التحيز او ترتب بعض الأجزاء الى بعضها او الى البعض الخارجي واما التضايف كالأمور المتساوقة في الوجود او الظهور كالأبوة والبنوة وكزوجية الأربعة وكايلاج الليل في النهار والنهار في الليل وكوجود الرطوبة من نكاح الحرارة للبرودة ووجود اليبوسة من نكاح البرودة للحرارة وكحمرة الزنجفر من الكبريت والزيبق وكسواد المداد من الزاج والعفص وما اشبه ذلك فان لكل واحد من الاثنين استدارة على الآخر اما فعلية وانفعالية او فاعلية ومفعولية او ظهورية وركنية او فاعلية باعتبار ومفعولية باعتبار او استدارة تتميم وتكميل او استدارة توليد وما اشبه ذلك واما النسب فكالتقييد بالحيثيات والاعتبارات فان لكل منهما استدارة حيثية او اعتبارية والنسب كلها تنحصر في نسبة التساوي اي التماثل وهو لا يقتضي تساوي الاستدارتين في الاسراع والابطاء وان تساويا في العرضية والذاتية وفي نسبة التعارف وهو لا يقتضي التساوي في الاسراع والابطاء ولا في عدد العرضية وفي نسبة التناكر وهو ايضا كالتعارف في عدم اقتضاء التساوي في الاسراع والابطاء وعدد العرضية الا ان الاكثر في التعارف والتناكر التساوي بين المتعارفين والمتناكرين في جهة التعارف والتناكر واذا وقع بينهما التعارف او ( وخل ) التناكر في غير جهتيهما فذلك من جهة الماهية الطاغية الا انها اعني ذوات الاستدارات من الكليات والجزئيات الأصول والفروع في صورة التناكر تختلف استداراتها اختلافا كليا فتدور على التعاكس يعني احدهما يخالف باستدارته استدارة الآخر وصورة استدارتهما هكذا فاذا ابتدأ احدهما في الاستدارة من الطرف الاعلى مثلا الى جهة اليمين ابتدأ الآخر في الاستدارة من الطرف الأسفل الى جهة الشمال وهذا اذا كان احدهما من اصحاب اليمين والآخر من اصحاب الشمال واما ان كانا معا من اصحاب اليمين اذا ابتدأ احديهما في الاستدارة من الطرف الاعلى الى جهة اليمين ابتدأ الآخر من الطرف الاعلى الى جهة الشمال وان كانا من اصحاب الشمال معا اذا ابتدأ احدهما من الطرف الأسفل الى جهة اليمين ابتدأ الآخر من الطرف الأسفل الى جهة الشمال ولا يدور اصحاب اليمين من الطرف الأسفل الا حال معصيته بما فيه من اللطخ ولا يدور اصحاب الشمال من الطرف الاعلى الا حال طاعته بما فيه من اللطخ وفي صورة التعارف على عكس ما ذكرنا في التناكر لتوافقهما في ذاتيهما وصفاتيهما بعكس التناكر وصورة استدارتهما هكذا فاذا ابتدأ احدهما في الاستدارة من الطرف الاعلى الى جهة اليمين ابتدأ الآخر من الطرف الاعلى الى جهة اليمين ولا يلزم تناف اذا ابتدأ كل منهما من اليمين حيث انهما مع التعارف متقابلان فاذا كان في التقابل يمين كل منهما الى جهة يسار الآخر يكون ابتداء استدارة احدهما الى جهة انتهاء استدارة الآخر فيوهم ذلك انه تناكر مع انه من التوافق لجريان الاستدارتين معا على جهة اليمين فلا تنافي بينهما وكذلك لو كان المتعارفان من اصحاب الشمال فانه اذا ابتدأ احدهما في الاستدارة من الطرف الأسفل الى جهة الشمال ابتدأ الآخر من الطرف الأسفل الى جهة الشمال ولا تنافي بينهما كما قلنا في اصحاب اليمين وفي صورة التساوي في اصحاب اليمين واصحاب الشمال على جهة المماثلة وان اختلفت رتبتهما اذ قد يختلفان في الرتبة وفي الاسراع والابطاء وفي عدد العرضيات وصورة استدارتهما هكذا ويكونان من اصحاب اليمين ويبتدءان بالأعلي على اليمين وعن اصحاب الشمال ويبتدءان من الأسفل على الشمال وقد يختلفان ببعض دواعي اللطخ وحينئذ قد يختلفان في الابتداء وفي التوجه وفي الاسراع والابطاء واما التغاير في الذات وحدها وهو التناكر في الذوات والتعارف في الصفات الا انه بوجه من التناكر والتعارف ولذا عبرت عنه بالتغاير ورسمت صورة استدارتيهما الذاتيين على غير صفة استدارة التناكر او التعارف فقلت صورة استدارتيهما هكذا وما في الفوق ذاتي وهو وما في التحت صفتي لكن الذات اعلا منها وصورة استدارة الصفات على التعارف والذات على التغاير هكذا وبالعكس هكذا فكانت صورة استدارة الصفات كصورة استدارة التساوي واما في الذوات فليست كالتعارف ليتقابلان بالوجوه ولا كالتناكر فيتقابلان بظهورهما ولا كالتساوي فتقابل وجوههما جهة واحدة بل على حالة مغايرة للثلاثة وهذا النوع قد لا يتنافيان في جهة الذوات وان كان قليلا لأجل ملايمة الصفات وقد يتنافيان في الصفات قليلا لأجل تنافي الذوات وقد يتعارفان وقد يتناكران وهذا كله موجب للاختلاف في الاسراع والابطاء وفي عدد العرضيات ومثل هذا في جميع ما ينسب اليه حكم التغاير في الصفات وحدها وصورتها هكذا وان اختلف التغايران شدة وضعفا فان التغاير في الذات اقوى واشد من التغاير في الصفات والتغاير في الذات والصفات هو التناكر كما ان التساوي في الذات والصفات هو التعارف وقوله عليه السلام الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ايتلف وما تناكر منها اختلف يعني ان الأرواح عساكر جمعتها العناية الالهية بدواعي طبايعها فما تعارف منها بأن كان في عالم الأظلة وفي الورق الأخضر وعالم الذر ظل المتعارف وورقته مقابلا بوجهه لظل من تعارف معه وورقته ايتلف في هذه الدنيا لأن ورقة كل واحد منهما في غصن واحد متقابلان بوجوههما وكذلك المتناكران واما المتساويان فقد يكونان في غصن وقد يكونان في غصنين واما المتغايران في الذوات خاصة فكل واحد في غصن وظله قد يكون مع ظل مغايره في غصن وقد يكون في غصنين واما المتغايران في الصفات فهما في غصن واحد غالبا وقد يكونان في غصنين وصفاتهما في غصنين فافهم
قلت ومعنى تعارف ينظر احدهما في وجه صاحبه ومعنى تناكر ظهره الى ظهر صاحبه والمساواة من التعارف في التبعية والمغايرة احوال وانظر الى تمثيل الاشكال
ولكل رأيت منهم مقام اشرحه في الكتاب مما يطول
اقول معنى التعارف ينظر احدهما في وجه صاحبه سواء كانا في غصن واحد ام غصنين كما ذكرنا قبل ومعنى التناكر ظهره الى ظهر صاحبه كما مثلنا به قبل في الأشكال وفي البيان واما المساوات فمن التعارف في التبعية يعني انها نوع من التعارف الصفاتي واما المغايرة فهي احوال متعددة كما اشرنا الى نوع ذلك والا فافراد المتغايرين كثيرة جدا فالتناكر منها في بعض الأحوال والمساوات قد تكون بمحض الصفات فتكون المغايرة من جهة الذات وقد تكون المساوات بالعكس فتكون المغايرة في غير جهتها اذ لا تجتمع مع المساوات في جهة واحدة واذا تدبرت وضع هذه الأشكال التي هي تصوير لدورات الكرات ظهر لك الحال ولكل رأيت منهم مقاما هذا البيت من قصيدة عبد الله بن قاسم السهروردي في وصف احوال السائرين واحوال الواصلين وصفات مطلوبهم وهذا الذي ذكرته لك من الاستدارات هو باطن ما ذكره في قصيدته
قلت ثم اعلم ان الكرة ان كانت استدارتها عبارة عن استدارة قوس من محيطها فهي تدور على محور وتحدث من الاجزاء الدوائر لا الكرات وليس ذلك الاستدارة الصدورية عن العلة البسيطة التي هي فعل الله سبحانه ومشيته بل الاستدارة الصدورية ان يدور كل جزء من الكرة على قطبها فتكون استدارة الكرة على قطبها ليست الى خصوص جهة لان ذلك من خواص الاجسام في حركاتها الجسمانية
اقول اعلم ان الكرة التي ذكرناها ليست عبارة عما يحدث عن استدارة قوس من محيطها لأن الكرة التي تحدث من استدارة القوس لم تتساو اجزاء سطحها الى مركز قطبها بل كل جزء تحدث عنه دائرة قطبها نقطة من المحور تسامتها غير قطب الدائرة الاخرى فتختلف لذلك تلك فمنها عظام ومنها صغار ومنها بين ذلك واذا اعتبرنا استدارة تلك الكرة واستدارة كل واحد من اجزائها على فعل الله سبحانه كانت استدارة انفعال وتتساوي فيها جميع الممكنات مع اختلاف حقايقها وقوابلها ودواعيها واوقاتها وكمها وكيفها لأنها استدارة صدورية فتكون فيها على السواء من غير ان يكون بعض منها الى جهة بل كل شيء منها يدور على تلك العلة لا الى جهة لأنها ليست في جهة اذ الجهات كلها صادرة عنها فلا تحويها فتكون تلك العلة البسيطة التي هي فعل الله ومشيته ليست في جهة فالمستدير عليها يستدير لا الى جهة لأن الاستدارة الى جهة من خواص الأجسام في حركاتها الجسمانية فان قلت انك اطلقت القول في جميع الأشياء بانها تدور على فعل الله تعالى لا الى جهة ومنها الأجسام فلم قلت ان الاستدارة الى جهة من خواص الأجسام في حركاتها الجسمانية
قلت ان الأجسام تدور الى جهة اذا كانت تدور على ذي جهة واما اذا كانت تدور على ما ليس في جهة وجب ان تكون استدارتها لا الى جهة والا لكانت تدور على غيره الا ان الجسم لا يدور على ما ليس في جهة حال جموده فانه من هذه الحيثية يدور على ما في جهة واما دورانه على ما ليس في جهة كالعلة الصدورية فانما هو من حيث ذوبانه واتحاد اجزائه المتباينة وهذا معنى ما قلت : و اما الحركات الوجودية الصدورية فليست جسمانية وان كانت من الاجسام فهي دورات دهرية وسرمدية والا لم تحط جهة العلة بجميع جهات المعلول ولهذا قلنا كل جزء كرة فافهم فهمك الله تعالى واعلم ان هذا الطور من الاستدارة لا تدركه النفس ولا العقل وانما يدركه الفؤاد لانه جهة الصدور وهي ربط الدهر بالسرمد والسلام
اقول ان الحركات الوجودية كما اشرنا اليه ليست جسمانية من حيث هي جسمانية وان كانت من الأجسام لأنها حركات صدورية والحركات الصدورية من قبل فعل الله سبحانه سرمدية ومن قبل القابل تكون في المقيد دهرية وفي ما فوقه ( فوقها خل ) من الممكنات برزخية يعني ان وجهها في السرمد وقرارها في الدهر ولأجل كون حركة الفعل سرمدية احاطت العلة بجميع جهات المعلول ولو كانت جسمانية لم تحط بها وانما قلنا ان كل جزء كرة لأجل عموم الاحاطة ومن ثم لم تدرك النفس ولا العقل هذا النوع من الحركة وانما يعرفه الفؤاد لأنه اي الفؤاد جهة الصدور يعني وجهه الى المظاهر وبه ربط الدهر بالسرمد من جهة ان الفعل وان تعلق بالمفعول الذي هو المقيد ومحله لا يخرج عن السرمد وان كان محله ومتعلقه في الدهر بل وفي الزمان اذ لا يقارن المفعول الا بالتعلق الذي هو من نوع المفعول
قلت الفائدة العاشرة اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء بفعله وابداعه من غير سبق فكر او روية وكل شيء فالله خالقه سواء كان في الوجود الخارجي ام الذهني وما في الذهن لم يوجد على احتذاء سبق ذهن فالوجود الذهني في الواقع وجود خارجي وانما قسم الوجود الى الذهني والخارجي للفرق بين الوجود الظلي الانتزاعي والاصلي اصطلاحا ولا مشاحة في الاصطلاح والا فهو في الحقيقة قسم من الوجود خلقه الله لحاجة الخلق اليه في التفاهم والتعارف ليحصل لهم ادراك ما غاب عن حواسهم الظاهرة وذلك مما يتوقف عليه تكليفهم ونظام امورهم ومعاشهم
اقول هذا الكلام فيه تعريض بالرد على من زعم ان الوجود الذهني ليس وجودا وانما ( واما خل ) حقيقة ما يدركه الذهن انما هو الحقايق الثابتة قبل ايجادها وليس بموجود وعلى من زعم ان النفس هي التي تحدثه لا انه صنع الله وعلى من زعم ان الوجود الذهني وجود اصلي ليس بانتزاعي ظلي وانما يوجد الشيء بحقيقته في الذهن لا بظله ومثاله وعلى من زعم ان الوجود الذهني اصل للوجود الخارجي والوجود الخارجي ظل للوجود الذهني فقلت ان الله سبحانه خلق جميع الأشياء ذهنيها وخارجيها بفعله وابداعه من غير سبق فكر ولا روية ليقال ان ما في الذهن ليس الوجود الخارجي بل هو من ذهني قبله والدليل على انه مخلوق لله تعالى قوله عز وجل واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وانما قال تعالى الا يعلم من خلق لأن ما توسوس به النفوس هو الذي في معرض العلم به حيث اخفوه ولم يجهروا به فقال انه يعلمه لأنه خلقكم انتم وما في انفسكم فكيف لا يعلم من خلق ولو اريد به خصوص العلم بهم لا مع ما في نفوسهم كما يوهمه ظاهر من خلق لمادل على اطلاعه على ما اسروا به الذي اراد بيان الاطلاع عليه ولا يرد علينا انهم اسروا ما هو قبيح ممنوع منه فلا يكون الله خالقا له واعلم ان اهل القول الأول انكروا الوجود الذهني وزعموا ان ما تراه بخيالك ليس موجودا في الذهن وانما هو موجود في الخارج ويعنون الأعيان الثابتة وقالوا كما انك ترى زيدا بعينك وليس في عينك وانما هو خارج عنها فليس للذهن وجود ينسب اليه الا اذا اثبتناه فيه ولم يثبت فيه شيء وغلطوا بل نريد بالوجود الذهني ما كان الذهن علة لظهورها ووجودها الكوني وهي الأظلة المنتزعة من الأشياء الخارجية وذلك لأنه تعالى خلق الأشياء اقام كل شيء في مكانه المناسب له فالاشراقات النورية لا تظهر الا في الأجسام الكثيفة فوضعها فيها والصور لا تظهر الا في الأشياء الصيقلية كالمرآة والماء فوضعها فيها والصور المثالية المعنوية اي الخيالية لا تظهر الا في الأذهان فاقامها فيها والأجسام لا قرار لها الا على الأرض المتماسكة فاقامها عليها فمرادنا بالوجود الذهني ان الاظلة الخيالية المنتزعة تكون في الذهن وان ذا الظل موجود في الخارج وذو الظل والظل هما موجودان لكن ذا الظل موجود في الخارج وظله الخيالي الانتزاعي في الذهن فتنقسم الموجودات الى ما يكون في الخارج والى ما يكون في الذهن وكلاهما موجودان احدهما في الخارج وهو الموجود الخارجي والآخر في الذهن وهو الموجود الذهني ودليل هذا ما قلنا مرارا انك لا تقدر ان تتصور بذهنك شيئا رأيته قبل ذلك حتى تلتفت بذهنك فتقابل ذلك الشيء بمرآة خيالك في المحل الذي رأيته فيه وبالهيئة التي رأيته عليها وفي الوقت الذي رأيته فيه فتجد مثاله وهيئته في غيب ذلك المكان وغيب ذلك الوقت فتنتقش في ذهنك تلك الصورة ولا تقدر على التصور بدون هذا فافهم واهل القول الثاني يزعمون ان للنفس قوة على احداث ما شاءت من غير سبق مثال فتتصور شريك الباري تعالى وبحرا من زيبق ولا اصل لهما وليس الا لأنها تخترع بنفسها وغلطوا فانها لو كانت كذلك لكانت تحدث ذلك من غير ان تتوجه الى جهة مظنته ( مظنة خل ) وما تتوهمه فيه لكنها لا تقدر حتى تتوجه الى جهة ذلك فتنتزع من موهومها صورته سواء كان شيئا في الخارج ام لا بل في الحقيقة لا بد وان يكون شيئا في الخارج كما دلت عليه الأدلة مثل قول ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلت لم خلق الله عز وجل الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال عليه السلام لئلا يقع في الأوهام انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلقه الله تعالى عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله تعالى ان يخلق صورة كذا وكذا لأنه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه رواه في اول كتاب العلل في باب علة الخلق فتكون الصورة الذهنية منتزعة من الوجودية الخارجية وانما اختلفت الصورة للشيء الواحد بالنسبة الى المتصورين لاختلاف اذهانهم كما يختلف الصور لشيء واحد في المرايا المتعددة المختلفة وهؤلاء طائفتان منهم من يزعم انه وجود وهمي ليس بانتزاعي وانما يصدق عليه الوجود لأنه شيء ومنهم من يزعم انه انتزاعي من موهوم وكلا الزعمين باطل واهل القول الثالث يزعمون ان الوجود الذهني اصل للوجود الخارجي والخارجي ظله وتنزله وهم جل الصوفية ومن هنا يقول احدهم ماتتحرك نملة في المشرق او في المغرب الا بقدرتي ومنهم من يزعم انه متحد مع الخارجي لا يفرق بينهما الا بان الذهني مجرد عن اللوازم الخارجية كالنار مثلا فان الموجود منها في الخارج هو الموجود في الذهن بعينه الا انه مجرد عن لوازمه الخارجية كالاحراق فانه من لوازم الخارج وقد قال الشيخ جواد الكاظميني في شرح الزبدة في مبحث العلم وليعلم ان الحق بعد القول بالوجود الذهني وان العلم من مقولة الكيف ان الأشياء بانفسها موجودة في الذهن كما هو مذهب المحققين لا باشباحها وامثالها كما هو مذهب شرذمة قليلة لا يعبأ بهم انتهى وهذا كله غلط لأن قول الصوفية لو صح لكان اذا مات الصوفي بطل نظام العالم كما انه اذا انصرف المقابل للمرآة بطلت الصورة التي في المرآة وهذا ظاهر الفساد وقول الآخرين ايضا باطل لأنه لو كانتا صورتان نقشتا من قالب واحد وحضرت عندك واحدة منهما فانك اذا نظرت فيها لا تحضر الاخرى في ذهنك ولا عندك وان حضر اصل القالب فلو كانت النار التي في الذهن هي النار الخارجية لا ظلالها لكنت اذا تصورت ما في ذهنك لا يلتفت ذهنك الى النار الخارجية اصلا كما انك اذا تصورت احدي صورتين كلاهما من قالب واحد لا يلتفت قلبك الى الاخرى وان التفت الى قالبهما والواقع خلاف ذلك بل لا يمكنك ان تتصور ما في ذهنك الا اذا التفت الى الخارجي وليس الا لأن ما في ذهنك منتزع من الخارجي وليس في ذهنك شيء واذا التفت ذهنك بمرآته الى الخارجي انطبعت فيه صورته المنفصلة المنتزعة وهو الحق اعني كون الوجود الذهني ثابتا وانه ظلي منتزع من الخارجي نعم هنا تفصيل وهو ان ذا الذهن ان كان علة الوجود بان كان هو امر الله الذي به قام كل شيء وان وجودات الأشياء كلها اعني موادها من اشعة وجوده كان ما في ذهنه من صور الأشياء عللا واسبابا للأشياء الخارجية بحيث لو عدمت تلك الصورة التي هي وجوه تلك الأشياء اضمحلت الأشياء وهذا مثل النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته الطيبين عليهم السلام كما دلت عليه اخبارهم ونطقت به كلماتهم وآثارهم من انه لو لم يكن الحجة في الأرض لساخت واما من سواهم فكلما فيهم من الصور اي في اذهانهم فانها اظلة منتزعة من الأشياء الخارجية والكلام مبني ( مبتني خل ) على احوال العوام ( العوالم خل ) واما احوالهم عليهم السلام فعلي طور غير ما نحن بصدده وانما لا يجوز التنبيه عليه استطرادا فاهل القول الأول ينفون الصورة عن الذهن ويقولون الذي تراه بذهنك ليس في ذهنك وانما هو في الخارج ثابت لا موجود ولا معدوم واهل القول الثاني يثبتون صورا ليست ذواتا ولا اظلة منتزعة بل هي اظلة قائمة بالذهن ولا خارج لها واهل القول الثالث يجعلون ما في الذهن اصلا لما في الخارج او ان الشيء له مكانان مكان ذهني ومكان خارجي والحق ان ما في الذهن قسم من الوجود الظلي خلقه الله في الذهن لافتقار الخلق اليه في التفاهم والتعارف يتوصلون به الى مطالبهم ليحصل لهم ادراك ما غاب عن حواسهم الظاهرة اذ لولاه لم يدركوا الا ما تراه عيونهم وتناله اسماعهم وذلك مما يتوقف عليه تكليفهم بما فيه نجاتهم ونظام معاشهم وهذا ان شاء الله ظاهر
قلت وانما قلنا انه مخلوق لله تعالى لما دل عليه الدليل القاطع بان الله خالق كل شيء قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فان قلت معنى ذلك ان الله تعالى جعل في النفس قدرة على اختراع ما شاءت من الصور فهي تخترع تلك الصور بما يمكن لها فلا يكون الوجود الذهني في الحقيقة خارجيا قلت ان ما جعله فيها وفي غيرها مما تجري فيه على اختيارها ليس حيث اعطاها رفع يده عنه بل هو في يده بعد الاعطاء كما هو قبل الاعطاء بل هو حال واحدة بلا تعدد الا في العبارة كناية عن ظهور العطية في نفسها
اقول انما قلنا انما في الذهن مخلوق لله عز وجل لأن الدليل قد دل على جهة القطع والضرورة بأن الله سبحانه خالق كل شيء قال الله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقال تعالى قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار وقال تعالى واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وهذا معلوم لأنه اذا كان شيئا يصدق عليه اسم الشيء بكل اعتبار فقد دخل في عموم الآيتين الأوليتين وامثالهما وان لم يكن شيئا اصلا لم تكن النفس مخترعة له واما الآية الثالثة فهي صريحة في خصوص الدعوى لأن الاسرار بالقول هو التصور بدليل قوله تعالى انه عليم بذات الصدور اي عليم بما اسررتم وتصورتم وعزمتم عليه وهممتم به ولا ينافيه قوله تعالى الا يعلم من خلق بتوهم انه انما خلق المتصورين لا التصور بقرينة من خلق لأنه تعالى في بيان علمه بسرائرهم وتصوراتهم وما توهموا واضمروا وقد علل تعالى ذلك بانه خلقه فكيف لا يعلمه هذا على معنى ان من خلق مفعول يعلم يعني الا يعلم مخلوقه واما على معنى ان من خلق فاعل يعلم كما هو المشهور في التفسير فهو ادل واظهر ولا يرد علينا لزوم الاجبار من خلقه لذلك لأنه تعالى خلق اعمالهم القبيحة بافعالهم اي حكم عليهم بما فعلوا كما تجعل زيدا عاصيا اذا لم يطعك فقد حكمت عليه بفعله وكذا ( ولذا خل ) قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم لأنه تعالى لما كفروا طبع على قلوبهم بكفرهم ولا يلزم من ذلك الاجبار واما قولهم ان الله جعل في النفس قدرة على اختراع ما شاءت من الصور الخ فبعد ما ذكرنا من انها لو كانت مخترعة لها لما كانت تلتفت بمرآتها الى جهة امكانه لتنطبع صورته فيها انا نقول حين جعل لها قدرة تخترع بها هل رفع يده عما جعل لها ام هو في يده اذ لو رفع يده لم يكن شيئا فلا تفعل الا بالله فالله في الحقيقة هو الفاعل على حد قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقوله افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون فافهم ان كنت تفهم وقولي كناية عن ظهور العطية يعني انه انما قلنا اعطى خلقه قدرة وعلما او غير ذلك ليس لأن العطية انفصلت من يده تعالى ليكون العبد مستقلا بها وبما يترتب عليها بل انما قيل اعطى كناية عن ظهور العطية من كتم الوجود الامكاني الى علانية الوجود الكوني والا فهي في قبضته اذ لو خلاها من يده لم يكن شيئا
قلت وتلك القوة المشار اليها فعلها وانفعالها واضافتها وتعلقها بمخترعها انما كان شيئا في نفسه بكونه في يده فاذا قابلت المرءاة الشيء اوجد الله بهما فيها الصورة وانما لها اختيار المقابلة وانتزاع الصورة اللذان هما شيء بكونهما في يده فافهم والى هذا الاشارة بقوله (ع) كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فافهم قوله (ع) مخلوق مثلكم مردود اليكم
اقول قولنا وتلك القوة تقدم بيانه وهو ان جميع ما اعطى خلقه لم يخليه من يده لأنه ليس شيئا الا بكونه في يده فلو خلاه لم يكن شيئا اصلا فهو فلو خلاه من يده الاكوانية لم يكن مكونا ولكنه ممكن ولو خلاه من يده الامكانية لم يكن ممكنا وهذا الوجه الثاني خفي على العقول ولكنه كما اقول فاذا قابلت المرآة الشيء هذا تفريع على ما قبله تفريعا بيانيا لا تأسيسيا يعني اذا قابلت الشاخص اوجد الله من صورة الشاخص المنفصلة لأنها هي مادة الصورة التي هي في المرآة فيوجد الله منها بالمرآة لأنها هي القابلة للصورة فهي صورة الصورة وحدودها هي صقالة المرآة وبياضها وسوادها واستقامتها واعوجاجها فيها اي في المرآة لأن الشيء يوجد في صورته وكل شيء يتوقف عليه الايجاد فمن جعل الله ليس للمرآة فيه شيء وانما لها اختيار المقابلة بالله وانتزاع الصورة بالله اللذان هما شيء بكونهما في يده وهذا معنى قولي بالله والى هذا المعنى اشار عليه السلام بقوله كلما ميزتموه باوهامكم اي تصورتموه او تعقلتموه في ادق معانيه يعني في ادق معانيه بالنسبة الى عقولكم او الى المميز نفسه يعني في اول مراتب تعينه فهو مخلوق يعني خلقه ( خلق خل ) الله سبحانه مثلكم اي كما انتم مخلوقون او مثلكم اي صفة لكم ومثل لكم بفتح الميم والثاء المثلثة اي صفتكم وشبحكم وآيتكم وبكسر الميم وسكون الثاء اي نظيركم اما في الايجاد او فيما يترتب على الايجاد من احكام التكاليف في الدنيا والمعاد مردود اليكم اي غير مقبول منكم ان تجعلوا العبد ربا او مردود اليكم يعني انه من اشعة وجوداتكم او ذاتكم ( ذواتكم خل ) وهذا معنى قولي فافهم قوله عليه السلام مخلوق مثلكم مردود اليكم
قلت فان قلت يلزمكم ان الله تعالى خلق المعاصي والكفر وسائر القبايح قلت نعم كذلك الله ربنا قال تعالى قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ولكن ليس على ما تفهم وذلك لانه سبحانه لا يخلق شيئا الا على ما هو عليه في ذاته وصفاته وافعاله والا لم يكن ذلك المخلوق كذلك بل يكون قد خلق على غير ما هو عليه فحينئذ لا يكون هو اياه وانما يكون هو غيره هف
اقول لا يلزمنا من قولنا ان جميع ما وهب عباده من النعم من القوة والاستطاعة والفعل والانفعال وغيرها كلها في يده سبحانه ان يكون الله تعالى عز وجل فاعل المعاصي والكفر والشرور على ما هو معروف لأن الاعتقاد الحق ان العبد هو فاعل المعاصي والكفر والشرور باختياره والله سبحانه بريء منها كما قال تعالى فاذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون وقال تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون وغير ذلك من الآيات واما قولنا ان الله خالق كل شيء من جملته المعاصي والكفر فنريد به معنى آخر غير هذا لا يلزم منه هذا المعنى الباطل واخبار الائمة عليهم السلام متواترة بذلك ناطقة به مع تنزيههم جناب الحق عن الظلم وفعل القبايح وبيان المعنى الذي نشير اليه يحتاج الى تقديم كلمات نشير فيها الى بيان ما وردت به الأخبار بحيث لا يلزم التفويض ولا الاجبار فنقول اعلم ان الله سبحانه لا يخلق شيئا من خلقه من ذات او صفة الا على ما هو عليه في ذاته وصفاته وافعاله اذ لو خلق المخلوق على غير ما هو عليه كذلك لم يكن هو اياه بل كان غيره لأنه انما خلق غيره وتفصيل ذلك انه تعالى ان خلق على مقتضي استطاعة فعله تساوت المفعولات لأن نسبتها الى فعله على السواء بل لم تتعدد في انفسها بل تكون واحدا لأن فعله واحد وان خلق على مقتضي قابلية المفعول فان كان على نحو القسر والاجبار كانت كما لو خلقها بمقتضى استطاعة فعله تعالى وان كان على جهة الاختيار صح الصنع وارتفع الاجبار وذلك بعد ان كانوا شيئا واحدا وجودا هيولانيا حصصهم فلما جعلهم حصصا متمايزة المواد في الجملة جعل في كل حصة من تلك المادة النوعية الاختيار والتميز ومعرفة الخير والشر والجيد والردي وحيث كانت السعادة والشقاوة والطاعة والمعصية انما هي في الصور عرض عليهم صور طاعاته في عليين وصور معاصيه في سجين واخبرهم ان من اجاب دعوتي صورته بصورة اجابته والبسته لباس طاعتي ومن لم يجب دعوتي صورته بصورة انكاره والبسته لباس معصيتي فرضوا وقبلوا ثم دعاهم الى توحيده ونبوة نبيه صلى الله عليه وآله وولاية وليه عليه السلام فقال الست بربكم فقالوا بلى فالمؤمن اجاب بلسانه وقلبه مصدقا مسلما طائعا والكافر قال بلى واضمر انه ان اقتصر على هذا فلا تضرنا الاجابة لأنه خالقنا ودعانا الى طاعته وان تجاوز بنا الى طاعة غيره لمنجب لأنا اولى من غيرنا ثم قال لهم ومحمد (ص) نبيكم فاجاب المؤمن بقلبه ولسانه كما مر وازداد ايمانا بتسليمه وسكت الكافر وقال في نفسه تجاوز بنا الى غيره لكن هذا الغير لم يجعل له ولاية علينا وانما هو داع الى خالقنا فان اقتصر عليه اجبنا والا انكرنا ثم قال لهم وعلي وليكم فاجاب المؤمن وازداد ايمانا على ايمان وانكر الكافر وقال لانقبل ان يكون علينا وليا بشر مثلنا ولذا قال صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في حق جميع الأمم ما اختلفوا في الله ولا في وانما اختلفوا فيك يا علي وكان فيما انزل على نبيه ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم فاذا عرفت ان الله تعالى لم يخلق الخلق الا على ما هم عليه بحسب قوابلهم باختيارهم ولم يكونوا في دواعيهم ولا ما يميلون اليه مجبورين عرفت مقدمة معرفة ان الله خلق كل شيء حتى المعاصي ولم يكن فاعلا لها وبقي تمام المقدمة وهو ما قلت : واذا خلقه على ما هو عليه فانما خلقه على مقتضي سبب ايجاده وقبوله للوجود وذلك بالاسباب الخارجة عن حقيقة ما افاضه الله بذات فعله وان كانت بعوارضه وتلك الاسباب مقتضيات لتغيير الحقائق بحكم الوضع وتلك المقتضيات من افعال الخلق واوضاعهم فلو خلق على غير المقتضى لكان قد منع ما اعطى وابطل ما قدر اقول هذا من تمام ما ذكرنا من المقدمة وهو ان معنى قولنا انه خلقه على ما هو عليه انه خلقه على مقتضى سبب ايجاده وقبوله للوجود هو انفعاله بحسب كمه وكيفه ووقته ومكانه وجهته ورتبته واوضاعه وكلها منسوبة اليه لأنها اجزاء ماهيته وليست من فعل الله سبحانه اولا وبالذات بالنسبة الى تشخصه بها وان كان بفعل الله ثانيا وبالعرض ومعنى كونها بالعرض بالنسبة الى تشخصه بها ان منها ما هو مخلوق في ( من خل ) نفسه بالذات من حيث نوعيته بل كلها كذلك لكنها باعتبار اختصاص بعض الأفراد ببعض حصص منها لم يكن التخصيص الا باقتضاء المفعول فكان التخصيص بالعرض لأنه للاقتضاء لا لنفسه وهذا معنى قولنا وذلك بالأسباب الخارجة عن حقيقة ما افاضه الله بذات فعله وان كانت بعوارضه لأن الذي افاضه الله بذات فعله هو الوجود خاصة اعني المادة الكلية المسماة بالهيولي الاولى والمواد الجزئية رؤس منها كالورق من الشجرة وحصص منها كالذر من جوهر الهباء هذا هو المقبول واما اسباب قابليته للايجاد فاشياء يقتضيها المقبول من نفسه عند توجه الايجاد عليه فلما توقف قبوله عليها خلقت له فهي مخلوقة بالعرض وبها تغيرت الحقايق واختلفت فهي باقتضاء المقبول لها وتغاير حقايقها واختلافها بسبب تغايرها قد لا يجوز عليها ايجاد بحكم الوضع لكون تلك منها اسبابا ومنها موانع او شروطا وتلك المقتضيات كلها من افعال الخلق واوضاعهم كما ذكرنا فان خلق الأشياء على غير ما تقتضيه كان قد منع ما اعطى وابطل ما قدر فانه اعطى الحديد انه يقطع والنار تحرق والبذر اذا وضع في الأرض ينبت والنطفة اذا القيت في الرحم يتخلق منها الجنين وهكذا فاذا اراد الظالم يقتل المؤمن بالسيف او يحرقه بالنار او يغصب حنطة ويزرعها في ارض مغصوبة ويسقيها بماء مغصوب والزاني وضع نطفته في رحم الزانية فان منع الحديد ان يقطع والنار ان تحرق والحنطة ان تنبت والنطفة ان تتخلق كان قد منع ما اعطاها ويلزم من ذلك ان الحديد لا يقطع في الجهاد والنار لا ينتفع بها العباد والحنطة لا تنبت عند مالكها مع كمال الاستعداد والنطفة الحلال لا تتكون منها الأولاد ويفسد النظام وتبطل فائدة الايجاد وان خلق الأشياء على ما تقتضيه طبايعها التي خلقها عليها لمصلحة العباد قطع الحديد رأس المؤمن والنار احرقته والحنطة تنبت عند الظالم ونطفة الزاني تتكون منها ولد الزنا وليس الله معينا لمن عصاه فلم يقتل المؤمن وانما قتله الظالم بالسيف واحرقه بالنار ولم يعن الغاصب لحنطة المؤمن ولم يأمر الزاني بالزنا فمعنى قولنا ان الله خلق الكفر انه تعالى اذا كفر عبده طبع الله على قلبه بكفره كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ومعنى ان الله خلق المعاصي انه خلق مقتضاها ولوازمها كما مثلنا لك به والأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة لا تكاد تحصى كلها من هذا المعنى وهو معنى ما قلت : مثلا خلق الحديد يقطع ولا يقطع الا بالله فاذا ذبح زيد عمرا ظلما بالسيف فان لم يوجد الله الذبح لمقتضي فعل زيد والحديد لكان قد منع الحديد ما خلقه عليه فلم يكن الحديد حديدا ومنع زيدا مقتضي فعله فلم يمكن زيدا من فعل المعصية فلم يقدر على الطاعة لانها لا تتحقق الا بالتمكين من المعصية واذا لم يكن ذلك لم يحسن تكليفه فلم يكن مكلفا واذا كان كذلك لم يحسن ايجاده ويبطل الايجاد من اصله والوجود الذهني حدث عن الله بهذا النحو اقول مرادي من قولي ان الحديد لا يقطع الا بالله ليس كما فهمه الأشاعرة بأن القاطع هو الله لأن الأسباب في الحقيقة ليست اسبابا وهو غلط لأنه يلزم الجبر بل الأسباب اسباب في الواقع والحديد بنفسه هو القاطع بلا مشاركة مع الله عز وجل في القطع وانما مرادي انه تعالى اعطى الحديد القطع وجعله يقطع بنفسه ولكن الحديد والحركة من الفاعل والقطع قائمة بامر الله قياما ركنيا وبفعل الله قياما صدوريا وهي شيء يحفظه الله فما دام الله حافظا لوجودها بامره وفعله فهي شيء يفعل بما اودع من القدرة المحفوظة بقبضة الله اذ لو خلاها من يده لم تكن شيئا اصلا فان لم يوجد الله بالحديد الذبح الذي هو اثر فعل زيد بمقتضي فعله لم يكن زيد متمكنا من فعل المعصية واذا لم يكن متمكنا من فعل المعصية لم يكن متمكنا من فعل الطاعة لأن الطاعة كما يأتي لا يتحقق حتى يكون متمكنا من فعل المعصية قادرا عليها باختياره فيتركها ويفعل الطاعة باختياره فحينئذ تتحقق الطاعة فاذا لم يتمكن من المعصية لم يتمكن من فعل الطاعة فاذا لم يتمكن من فعل الطاعة لم يحسن تكليفه لانتفاء فائدة التكليف واذا لم يحسن تكليفه لم يحسن ايجاده لانتفاء فائدة الايجاد وايجاد الوجود الذهني من هذا القبيل بالنسبة الى ما ينتقش فيه من خير او شر فانها كلها بفعل الله على نحو ما اشرنا اليه لأن الله فاعل لأفعال العباد تعالى عن ذلك علوا كبيرا فافهم راشدا
قلت ثم اعلم ان في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه حيث اتى للشيء من جهة افراده بجمع خزائن سرا نبه بذلك عليه وهو ان كل شيء له خزائن فاعلى خزائنه الرحمة ثم الرياح ثم السحاب المزجي ثم السحاب المتراكم ثم بحر الممكن وهباؤه ثم سحابه المزجي ثم المتراكم
اقول يعني ان سر قوله تعالى في جعل خزائن متعددة لشيء واحد هو ان الشيء الواحد له مراتب متعددة من مراتب الوجود وتنزلاته بان يكون مذكورا في كل مرتبة بما له فيها من التحقق والشيئية من مراتب المشية كما اشار اليه سلمان الفارسي (ره) على ما نقله عنه الرضا عليه السلام انه دعا ابا ذر لضيافته فاتي له برغيفي شعير يابسين فاخذ ابو ذر يقلبهما فقال له سلمان اراك تقلبهما يا ابا ذر أتدري من اين اتياك والله لقد عمل فيهما الماء الذي حمل العرش حتى القيهما على العرش وعمل فيهما العرش حتى القيهما على الملئكة وعملت فيهما الملئكة حتى القتهما على الرياح وعملت فيهما الرياح حتى القتهما على السحاب وعمل فيهما السحاب حتى القيهما على الأرض وعملت فيهما الأرض والماء والنار او كما قال ثم قال اني لك وشكر هذا يا ابا ذر نقلت بعض معناه وكل واحدة من هذه الخزائن لذلك الشيء يذكر فيها وجهه منها الذي خلق منه فيخلق من الوجه الاعلى ما تحته ويخلق من هذا التحت ما تحته وهكذا حتى يظهر الشيء في مكان حدوده ووقت وجوده والوجود قار على كل وجه في مكانه من تلك الخزانة لا يخرج منها نازلا ولا صاعدا وما منا الا له مقام معلوم وانما يتنزل ما تحته منه كما تتنزل النار من النار الكامنة في حك الزناد بالحجر فاول خزانة ذكر فيها مراتب التكوين الأربع الاعتبارية الاولى ذكره في تكوين الرحمة والنقطة والسر المجلل بالسر والثانية ذكره في تكوين الألف الاولى والرياح والنفس الرحماني الاولى بفتح الفاء والثالثة ذكره في تكوين السحاب المزجي والحروف الأوليات العاليات والرابعة ذكره في تكوين السحاب المتراكم والكلمة التامة التي خلق تعالى بها كل شيء من الأشياء اعني المشية والخامسة بدؤ كونه في بحر الممكن وهبائه والسادسة سحابه المزجي بعد اثارته من اعلى شجر ذلك البحر برياح الاسم البديع الرحمن والسابعة سحابه المتراكم من ذلك السحاب المزجي المشار المذكور
قلت ثم الاكوان الستة التي اشار اليها الصادق (ع) الكون النوراني وهو الماء الذي به حيوة كل شيء ثم الكون الجوهري وهو الحجاب الابيض وهو الركن الايمن الاعلى عن يمين العرش ثم الكون الهوائي وهو الحجاب الاصفر وهو الركن الايمن الاسفل عن يمين العرش ثم الكون المائي وهو الحجاب الاخضر وهو حجاب الزمرد وهو الركن الايسر الاعلى عن يسار العرش ثم الكون الناري وهو الحجاب الاحمر وقصبة الياقوت وهو الركن الايسر الاسفل عن يسار العرش ثم كون الاظلة وهو الهباء الاخر وكون الذر الثاني
اقول الأكوان الستة التي ذكرها الصادق عليه السلام من الخزائن للشيء فهي مع السبع الأول ثلاثعشرة خزانة والأول من الستة الأكوان المذكورة الكون النوراني وهو حجاب السر وهو اعلى الحجب وهو معانيه اي معاني افعاله تعالى وهي حقايقهم عليهم السلام وهو الماء الذي حمل العرش في قوله تعالى وكان عرشه على الماء اعني اول فائض عن فعل الله وهو الوجود الراجح وهو الحقيقة المحمدية وهو الزيت في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار كناية عن راجحية وجوده ه والثاني الكون الجوهري وهو عقل الكل المسمى بروح القدس وبالقلم والحجاب الأبيض وهو الركن الأيمن اي النوراني الاعلى يعني الباطن لأن كل ما بطن فهو اعلى رتبة مما ظهر وهو اول خلق من الروحانيين واول غصن نبت من شجرة الخلد خلقه الله عن يمين العرش يعني عن يمين السلطنة والمملكة الدائمة الكاملة والثالث الكون الهوائي اعني الروح الكلية والحجاب الأصفر حجاب الذهب واصل البراق انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين وهو ركن العرش الأيمن النوراني الأسفل لأنه ظاهر بالنسبة الى نور العقل والرابع الكون المائي وهو الحجاب الأخضر حجاب الزمرد او الزبرجد على اختلاف الروايتين وهو ركن العرش الأيسر يعني الظلماني الجسماني اي المنسوب من جهة ارتباط فعله بالاجسام اليها والاعلى اي الباطن والنفس الكلية واللوح المحفوظ والخامس الكون الناري وهو الحجاب الأحمر يعني الطبيعة الكلية وقصبة الياقوت كما في بعض الروايات وهو الركن الأيسر اي الظلماني الجسماني كما تقدم الأسفل يعني انه ظاهر بالنسبة الى الأخضر وهو عن يسار العرش اي ظاهره السادس كون الأظلة سمي بذلك لأنه كالظل يرى ولا يدرك باللمس وهو جوهر الهباء الآخر يعني آخر المجردات الدهريات وهو المواد البسيطة المحصصة بالمهملات بالحصص الشخصية وكون الذر الثاني يعني ان الكون السادس هو عالم الأظلة والذر وهو هنا اي الذر الهباء المنبث في الهواء شبهت تلك الحصص بالهباء المنبث في الهواء لصغرها بالنسبة الى سعة ذلك الفضاء والا فهم على قدر حجمهم الظاهري كما اذا كان شخص تحت الجبل فانك تراه لبعد المكان وصغره بالنسبة الى الجبل كالذر واصغر من غير ان يصغر حجمه في نفسه وسمي بالأظلة لما قلنا من انه كالظل يرى ولا يمس فكون الأظلة وكون الذر واحد لأنه عليه السلام قال والكون السادس اظلة وذر وانما قلنا الذر الثاني لأن الذر متعدد باعتبار تعدد رتبته او اعتبار المعتبرين الأول وهو المعاني في العقول والذر الثاني هو الصور الجوهرية في النفوس والثالث هو ما في هذه الدنيا والرابع ما في الآخرة وبين الأول والثاني برزخ هو الأرواح والرقائق وهو عالم الورق الخضر وورق الآس وبين النفوس والأجسام عالم المثال والأظلة الحقيقية والأشباح وهي ابدان نورانية لا ارواح لها اي لا مواد فيها وبين الدنيا والآخرة عالم البرزخ في القبور بعد الموت وقيل الذر الأول عالم النفوس والثاني ما في هذه الدنيا وقيل الأول ما في الدنيا والثاني ما في الآخرة وقيل غير متعدد وهو مجاز على المكلفين في هذه الدار والأصح الحقيق بالتحقيق الاولى بالتصديق هو الأول
قلت ثم العرش محدد الجهات ثم الكرسي ثم فلك البروج ثم فلك المنازل ثم من فلك الشمس في زحل وفي القمر ثم من الشمس في المشتري وفي عطارد ثم من الشمس في المريخ وفي الزهرة ثم ينزل الى الاذهان صورته بتسخير شمعون وسيمون وزيتون لجنودهم واعوانهم من الملائكة الموكلين بفلك عطارد وما حمل من متمماته وحامله ومديره وتدويره وكوكبه واشعته
اقول اعلم ان العرش له اطلاقات في اخبار الائمة عليهم السلام فتارة يطلق على الوجود الراجح كالمشية وكاول فائض عنها وتارة يطلق على الملئكة الأربعة العالين التي هي الأنوار الأربعة الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض التي هي اركان العرش لأن العرش ينقسم اليها وتارة على الدين كما في قوله تعالى وكان عرشه على الماء يعني انه تعالى حمل دينه العلم فالعلم حامل له وتارة على الملك كما قال تعالى رب العرش العظيم يعني رب الملك العظيم وتارة على العلم الباطن الذي فيه علل الأشياء وعلم الكيفوفة ومنه مظهر البداء والكرسي على العلم الظاهر اعني صور المعلومات ومثلها بضم الميم والثاء المثلثة واظلتها الكونية والعرضية وتارة على العلم المؤدي اوامره ونواهيه الى المكلفين كما ورد في تفسير قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية انهم اربعة من الأولين نوح وابرهيم وموسى وعيسى عليهم السلام واربعة من الآخرين محمد صلى الله عليه وآله وعلي والحسن والحسين عليهم السلام وتارة يطلق على ما سوى الله وتارة يطلق على محدد الجهات وقد اشارت الروايات الى هذه الاطلاقات ونحن انما نذكر محدد الجهات لأن اكثر غيره او كله او غيره داخل فيما ذكرنا من الخزائن قبل المحدد وهو الخزانة الرابعةعشر وهو خزانة القلوب والكرسي وفلك البروج وفلك المنازل وفلك زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر فهذه عشرة خزائن فالكرسي للعلوم الكلية وفلك البروج للنوعية والمنازل للصنفية وزحل للعقول والمشتري للنفوس والمريخ للاوهام والشمس للوجود الثاني والزهرة للخيالية وعطارد للفكرية والقمر للحيوة واما قولنا من الشمس في زحل والقمر الخ فنشير الى سر وهو ان الشمس كما هو مقرر في الطبيعي المكتوم هي اول ما خلق الله من الافلاك السبعة فدارت الأفلاك عليها يستمدون منها فوقها وتحتها لأنها انما كانت منشأ الوجود الثاني لأنها مهبط الأنوار العلوي فهي تستمد من نفس النور الأبيض وتمد زحل ومن صفته وتمد القمر وتستمد من نفس النور الأخضر وتمد المشتري ومن صفته وتمد عطارد وتستمد من نفس النور الأحمر وتمد المريخ ومن صفته وتمد الزهرة ثم تنزل صورته الى الأذهان بتسخير الملئكة الثلاثة الموكلين بفلك الفكر وهو فلك عطارد الكاتب وهم شمعون وسيمون وزيتون المسبحون باسم الله المحصي ولهؤلاء الملئكة الثلاثة جنود واعوان من الملائكة لا يحصي عددهم الا الله حتى قيل ليس واحد من السموات فيه ملائكة بقدر فلك عطارد وتلك الجنود والأعوان موكلون بفلك عطارد من قبل الملئكة الثلاثة و( او خل ) بما حمل ذلك الفلك من متمماته الأربعة وكوكبه وحامله ومديره وتدويره واشعة هذه المذكورات اعني نهاياتها وحركاتها ونهاياتها هذا اذا كان الشيء النازل صورة لأن الذهن هو محلها المقوم لها ولو كان الشيء جسما او جوهرا وضعه الله في محله المقوم له ومن فلك المحدد تخلق القلوب ومن الكرسي النفوس والعلوم الكلية وانواعها في فلك البروج واصنافها في فلك المنازل ومن فلك زحل العقول اي التعقلات لأن العقول هي القلوب وهي من الفلك المحدد واما زحل فهو بمنزلة ما في رأس الانسان من عقله فان العقل هو القلب وهو في الصدر قال تعالى ولكن تعمى القلوب التي في الصدور واما ما في الدماغ من العقل فانه وجهه وبصره وباطنك كظاهرك فانك في الصدر وترى بالرأس كذلك باطنك ومن المشتري الذاكرة وهي العلم الذي وصل اليه من الزهرة ويؤديه الى الكرسي في حال الترقي كما في حال التنزل ومن المريخ الأوهام ومن الشمس التكوين الثاني ومن الزهرة الخيالات ومن عطارد الأفكار ومن القمر الحيوة فاذا قدر الله تعالى واذن بشيء من الصور او ( وخل ) الهيئات ان يتنزل من الخزائن المشار اليها تلقته الملائكة الثلاثة وسلموه الى الأعوان باذن الله تعالى وتنزله الأعوان باذن الله بواسطة تلك الحركات والكواكب والأسماء التي هي الممدة لهم الى الأذهان ولذا قلت : وانما ينزل الى الذهن بعد ان ينزل من الخزانة العليا الى ما دونها وهكذا الى ان يصل الى الذهن فقوله تعالى وما ننزله الا بقدر معلوم يشير الى ان ذلك النازل من كل مرتبة انما ينزل باذن واجل وكتاب اقول وهذا ظاهر ومعنى انما ينزل باذن واجل وكتاب ان كل شيء نزل من تلك الخزائن لا ينزل من العليا الى ما دونها الا اذا اذن الله له في النزول في وقت معين بعد ان يكتب تنزله في الألواح اعني نفوس الأشياء وذواتها وصفاتها من الجمادات والنباتات والحيوانات مما فوقه الى رتبة ما نزل اليه واذا نزل من العليا انما ينزل منه ما هو مثل له وحقيقته ( حقيقة خل ) باقية في الخزانة لا تخلو منها اعني الخزانة التي نزل منها مثل ما ينزل من النار التي في الحجر بالحك فان حقيقتها في الحجر باقية ويظهر منها نار مثلها من غير ان يتصور نقص في الحقيقة التي في الحجر فافهم
قلت وهذه المراتب كلها من الوجود الخارجي وما في الذهن كما في المرءاة فانه وجود خارجي
اقول ان ما في هذه المراتب المذكورة اعني الخزائن كلها من الوجود الخارجي وهي اصول لما في الذهن فيكون ما في الذهن انما ينتقش فيه منها اظلة ما فيها كما في المرآة وانما تنتقش فيها اظلة ما يقابلها مع انك تحكم بان ما في المرآة من الوجود الخارجي كذلك ما في الذهن لأنه عز وجل يضع كل شيء خلقه في محله اللايق به الذي يكون مقوما له فوضع الشخص في مكانه من الأجسام ووضع مثاله في محل اللايق به الذي يكون مقوما له وهو الذهن والكل من الوجود الخارجي وانما اصطلحوا الى تقسيمه الى هذين القسمين للفرق بين محل ما للغيب وبين محل ما للشهادة
قلت ثم ما في هذه المراتب التي هي الخزائن قسمان اصل وظل والمنتقش في مرءاة الذهن ان كان من الاصل انتقشت صورته وان كان من الصورة انتقشت صورة الصورة مع مرءاتها الا ان الذهن انما ينتقش فيه على قدره من جهة الكم والهيئة والكيف فان كان صافيا مستقيما حكى ما في المقابل بلا تغيير والا اختلف المنتقش فيه في الكم بكم الذهن وفي الهيئة بهيئة الذهن من الطول والعرض والاعوجاج والانحراف وفي الكيف بكيفه من بياض او سواد وغير ذلك وذلك كاختلاف صورة الوجه الواحد في المرايا المتعددة المختلفة كذلك
اقول ان الذهن لما ثبت انه ليس فيه الا ما انتقش من ظل المقابل لأنه بحكم المرآة وان الخزائن قسمان خزائن للذوات وخزائن للصفات كان المنتقش منها في الذهن ان كان من الأصل انتقشت فيه صورته المنفصلة بنفسها اعني ظل صورته القائمة به وان كان المنتقش فيه من الظل انتقشت فيه صورة الصورة مع مرآتها التي انتقشت فيه الا ان الذهن تنتقش فيه الصورة على قدره من الكم اي على قدر الذهن من جهة كم الذهن اي سعته وكبره وصغره ومن جهة هيئته من استقامته واعوجاجه وانحرافه وطوله وعرضه ومن جهة كيفه من بياضه وسواده وغيرهما وآيته المرآة فان صورة المقابل تنتقش فيها بنسبة كمها وهيئتها وكيفها وهذا معنى قولنا فان كان صافيا مستقيما الى آخره وهذا ظاهر
قلت هذا اذا كان ما في الذهن من ظل الحق فان كان ما فيه من ظل الباطل انتكس الى اسفل فقابل الذي في خزائن الشمال وهي ثمانية عشر خزانة منكوسة كل ما فيها دعاوي لا حقائق الا انها تشبه ما في الحق كل خزانة تشابه ضدها فينتقش فيه ما قابله مع ما في الذهن من الهيئة والكيف وما له من الكم
اقول ما ذكرنا كله اذا كان ما في الذهن من ظل الحق او ظل ظل الحق اعني ما هو مثبت في كتاب الأبرار اعني عليين وهو الصفحة الاولى النورانية من اللوح واما ان كان ما في الذهن من ظل الباطل انعكس الذهن اي نكس وجهه الى جهة السفل مكبا على وجهه ناكسوا رؤسهم عند ربهم فاذا انتكس قابل ما في خزانة الشمال وهي الصفحة السفلي الظلمانية من اللوح وهو ما اثبت في كتاب الفجار اعني سجين من مثل الباطل بضم الميم والثاء المثلثة المجتثة كما قال تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يعني ما لها من ثبات مستند الى الحق المتأصل الثابت الأصل بان يرجع ثبوته الى ما يكون بفعل الله تعالى بالذات ولو بوسايط متعددة وهذه المثل المجتثة ثماني عشر خزانة مع عد مبدءها منها اعني الجهل وما فوقه وهو ما تحت الثرى وذلك بلحاظ غيبها وشهادتها وتفصيل ذكرها الجهل الأول وفوقه روح الباطل ونفس الباطل المسمى بالثرى والطمطام اي الظلمة وجهنم بطبقاتها السبعة اعني ابوابها تعد كلها خزانة واحدة والريح العقيم والبحر والحوت والثرى والصخرة والملك الحامل للأرضين السبع والأرضون السبع بلحاظ نفوسها نفس الجحود ونفس الالحاد ونفس الطغيان ونفس الشهوة ونفس الطبيعة ونفس العادات ونفس الممات فهذه ثمانيةعشر خزائن تقابل مثلها من الحق اولها العقل الكلي وروح الكل ونفس الكل وطبيعة الكل وجوهر الهباء والمثال ومحدد الجهات والكرسي وفلك البروج وفلك المنازل والسموات السبع بلحاظ نفوسها العقل اي التعقل كما مر والعلم والوهم والوجود الثاني والخيال والفكر والحيوة وكل واحدة من خزائن الباطل تقابل ما يشابهها من خزائن الحق الا انها ترجع اليها من حيث هي هي لا من حيث رجوعها الى الحق والا لكانت حقا بل على حد قوله تعالى وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وهذه الثمانية عشر الخزائن الباطلة كلها دعاوي اي باطلة وكذب لا حقايق لأن الحقايق انما تكون للحق ولو كان للباطل حقيقة لما كان باطلا الا انها تشابه الحق لأنها تدعي الحق او يدعي بها الحق دعوى باطلة ولأجل كونها مشابهة للحق سماهما الله في انفسهما باسم واحد وشبههما بتشبيه واحد فقال تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض الآية فسمي الباطل زبدا وسمي الحق زبدا مثله وقال تعالى ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت الآية وقال تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار الآية وانتقاش الباطل في الذهن على نحو انتقاش الحق فيه الا ان الحق لما كان اصله ثابتا كان قارا في الذهن كما هو قار في الخارج واما الباطل فهو دائما متزلزل مضطرب والسر في ذلك ان الحق هيئة تكوينه وتكونه هيئة الفطرة التي فطر الناس عليها فكان مستقرا في المحل المطابق له بخلاف الباطل لأنه مخالف للفطرة لأن الله عز وجل انما فطر المكلفين على الحق فان عمل المكلف بامر الله كان موافقا لما خلق عليه هيئته ( كما خل ) قال تعالى بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون وان لم يعمل بامر الله كان مخالفا للفطرة وانما عمل بمقتضى ما طبع نفسه عليه مما تقتضيه شهوته وهوى نفسه اللذان هما خلاف الفطرة وذلك بعد ان غير الفطرة بفطرة تطبعية وبدلها بصورة نفسانية حيوانية او شيطانية فكان للعاصي طبيعتان اصلية هي مقتضى الاجابة في عالم الذر وعارضية هي ما تطبع عليها حتى تغيرت فطرته ولكن الفطرة الأصلية لم تضمحل اصلا بل هي موجودة وفيها تغيير بمقتضى الأصلية ينكر المعصية كلما لحظ بها وبمقتضى العارضية يقبل المعصية لما بينهما من المناسبة كلما لحظ بها فهو لا يزال مضطربا كما اخبر عنه تعالى فقال ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء لما فيه من مقتضي الموافقة ومقتضى المخالفة بخلاف المطيع فان الله تعالى بطاعته يشرح صدره للاسلام ولو اضمحلت الفطرة الأصلية من العاصي لما عرف شيئا من الحق واذا لم يعرف لم تقم عليه الحجة نعم قد يكون بعض المكلفين الذين تبين لهم الحق فانكروا كلما تبين لهم حتى اطمأنت نفوسهم بمعصية الله وهؤلاء لم تفن منهم الأصلية وانما عدم ميلها الارتباطي الذي يتعلق بافعال الطاعة لعدم امدادها بشيء من اعمال الخير فعدم ميلها الارتباطي بافعال الخير وبقي ميلها الأصلي فبه ( فيه خل ) يعرف انه عاص مقصر وذلك من صنع الحكيم لئلا تكون للناس على الله حجة فلا يقولوا ماعلمنا او مافهمنا فلذا قال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون
قلت وانما قلنا انه ظلي انتزاعي في غير ذهن علة الموجودات لانك لا تدرك ما غاب عن بصرك بخيالك الا في وقته ومكانه ولا يمكنك ان تدرك شيئا سمعته او نظرته اذا غاب عنك او غبت عنه الا اذا التفتت نفسك الى زمانه ومكانه الذي ادركته فيه اولا فتدركه فيه وان ذهبت شهادته فان غيبه لم يذهب كلما طلبته وجدته فيه
اقول انما قلنا ان الشبح الذي في الذهن كله ظلي انتزاعي لأنك لا تدرك ما غاب عن بصرك بخيالك الا في وقته ومكانه ولو لم يكن ظلا منتزعا من الخارج لما احتاج في تصوره الى الالتفات الى جهة الخارجي لأن الذات لا تحتاج في تصورك لها الى ما تتقوم به غير ذاتها بخلاف الصفة فانك تحتاج الى انتزاعها من موصوفها وهذا ظاهر نعم اذا كان الذهن ذهن علة الشيء علة مادية وعلة صورية فانه لا يحتاج الى اخذه من غيره اذ ليس لذلك الشيء الموجود اصل ولا وجود غير ذهن هذا المتصور فان ما في ذهنه علة للخارجي والخارجي متنزل منه ولذا قلت في غير ذهن علة الموجودات لأنه لو عدم والعياذ بالله لساخت الأرض لأن وجوده هو امر الله الذي به قامت السموات والأرض وما فيهما وما بينهما بخلاف زيد وعمرو وامثالهما من ذوي الأذهان فان احدهما اذا فقد لم يفقد شيء بفقده ولم يعدم شيء بعدمه فيكون جميع ما تجده في ذهنك اظلة منتزعة من وجود خارجي اما في عالم الشهادة مما رأيته او في عالم الغيب مما سمعت به ولو بدلالة لفظ فانه موجود في خلق الله قبل ان تقع صورته في ذهنك كما دل عليه كلام الرضا عليه السلام المتقدم وقد ذكرنا قبل انك اذا رأيت زيدا يصلي يوم الثلثا الثالثعشر من شهر رجب سنة الثالثة والثلاثين بعد المأتين وهو اليوم الذي كتب فيه هذا الكلام في المسجد بقي مثاله وشبحه اعني ظله قائما في ذلك المكان وذلك الوقت الى يوم القيمة فكلما طلبت رؤيته التفت بمرآة خيالك الى غيب ذلك المكان وذلك الوقت فاذا قابلته بمرآة خيالك انطبع فيها ذلك المثال في ذلك الوقت الذي رأيته يصلي فيه وفي ذلك المكان وهو بعينه عين الوقت الأول الذي رأيته فيه الا ان الأول شهادته وهذا غيبه فاما شهادة ذلك فقد مضت وبقي غيبه ثابتا الى يوم القيمة كلما التفت بخيالك اليه رأيته ولو رأيته على معصية فكذلك الا ان المكانين مختلفان في الغيب وان اتفقا في الشهادة كما لو رأيته يصلي في الدكان ورأيته يسرق فيه او يزني فان المثال المصلي في العليين والمثال السارق والزاني في السجين والمكان الظاهر واحد والباطنان مختلفان وكذلك زيد فانه في الظاهر واحد واذا صلى فهو زيد المؤمن واذا زنى فهو زيد الفاسق واعلم ان زيدا ما دام على معصية فانت ترى ذلك المثال الزاني لازما له وهو متصف به لابس له كالثوب وذلك المثال متقوم به وباصله المنقوش في كتاب الفجار سجين فاذا تاب وعلمت ذلك منه اذا اتاك وجدت ذلك المثال منفصلا عنه غير مرتبط به ولا متقوم به وانما هو متقوم باصله من سجين خاصة فاذا مات زيد على التوبة والايمان والعمل الصالح امر الله كلمته فمحت ذلك المثال من غيب ذلك المكان وذلك الزمان وانسى الملائكة ذكره وستر بفضله على عبده المنيب اليه سره وهو خير الغافرين وخير الساترين وهو ما قلت : كما لو ذكر لك زيد انك كلمت عمرا امس بكذا فانك لم تذكره حتى تلتفت نفسك بخيالك الى ذلك الوقت وذلك المكان فترى فيه عمرا بغيبه وكلامك بغيبه موجودين في الكتاب الحفيظ فيعطي الكتاب الحفيظ ذهنك صورة الشخص والكلام والوقت والمكان فتخبر عما انتقش في ذهنك من ذلك على نحو ما اشرنا اليه من كيفية الانتقاش اقول اذا التفتت ( التفت خل ) نفسك بخيالك الى ذلك الوقت وذلك المكان لتذكر انك كلمت عمرا امس بكذا وتذكر نفس كلامك وجدت الكلام ثابتا بجميع حدوده ومشخصاته في ذلك المكان وفي ذلك الوقت فتنطبع صورة ذلك في صورة ذلك المكان في ( وخل ) صورة ذلك الزمان كلها في مرآة خيالك فترى عمرا بعينه اي ترى مثال عمرو بعينه وكلامك اي مثال كلامك بعينه موجودين والذي رأيته من كلامك ومن عمرو و( عمرو خل ) هو الشبح اعني الظل منهما لأنهما مكتوبان بهذه الهيئة في الكتاب الحفيظ اقتباس من قوله تعالى قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ اي حافظ لكل شيء وهو اللوح المحفوظ ومثل هذا ما قال تعالى حكاية عن سؤال فرعون لموسي وجوابه (ع) له قال فما بال القرون الاولى حيث كانوا ترابا واضمحلوا في الأرض فكيف يرجعون قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى فهذا الكتاب المكتوب فيه اعمال الخلايق بامثالهم واشباحهم يعطي ذهنك ما يقابله من صورة تلك الأمثال القائمة ومن اظلتها المنفصلة فتخبر عما حصل في ذهنك مما نقشه فيه القلم الخاص بك وينقشه على نحو ما ذكرنا سابقا من الانتقاش
قلت واعلم ان الوقت الذي ذكرت فيه والمكان الذي رأيت فيه الشخص والكلام هي نفس ما رأيت اولا في الزمان لان الجسم المرئي بالبصر والكلام المسموع بهذه الاذن قبل هذا الذكر في الزمان وهو شهادتهما واما ادراكك لحاليتهما في ظرفيهما ففي وقت واحد ومكان واحد ونظيره في غير الوقت لو كان عندك كتابة في قرطاس فنظرت اليها في وقتين فان المرئي والمكان واحد وما نحن فيه كذلك الا ان الوقت واحد وهو وقت الاظلة من يوم الجمعة وقت العصر بعد الاذان والصلوة فان كان بصرك حديدا عرفت هناك ذلك الشخص هل صلى ام لا فافهم
اقول مرادي ان كل شيء فله غيب وشهادة فاما شهادته فتدركها الحواس الظاهرة واما غيبه فتدركه الحواس الباطنة كالخيال والنفس والروح والعقل على تفصيل ما ذكرنا فيما سبق الاشارة عليه فالوقت الذي ذكرت فيه الشخص وكلامك معه ومكانهما هو باطن ما ادركته بالحواس الظاهرة ولو ذكرته مرة ثانية وثالثة سواء كانت بين الذكرين مدة طويلة ام قصيرة كان الوقت والمكان والمذكور فيهما هو بعينه ما ذكرته قبل ذلك تعدد الذكر ام اتحد لأن المثل مكتوبة بوقتها ومكانها في اللوح وانت تقابله بادراكك الباطن فينتقش فيه ذلك المنتقش الأول بعينه وهذا معنى قولي هي نفس ما رأيت اولا في الزمان يعني بحواسك الظاهرة الا ان الجسم المرئي بالبصر والكلام المسموع بهذه الأذن قبل هذا الذكر في الزمان ولهذا قلت وهو اي المرئي بالعين والمسموع بالأذن شهادتهما اي الشخص والكلام وغيبهما هو الذي ادركته بالذكر بالخيال او بالنفس ومرادي باتحاد الحالتين ان ما ادركت من حالتي الشخص والكلام في وقت واحد ومكان واحد وكنت انت معهما في زمان واحد ومكان واحد فلما سرت في سفينة الزمان وتجاوزتهما بقيا مكانهما ووقتهما فاذا التفت اليهما لم تر شهادتهما لبعدك عنهما وذلك لسرعة سيرك في سفينة الزمان وضعف بصرك وسمعك الظاهرين وصغرهما ولكنك تراهما بغيبك بعينك الباطنة لقوته وسعته فتراهما ابدا في ذلك المكان وفي ذلك الوقت واذا اردت مثاله فنظيره في غير الوقت الظاهر لأني لو لم استثن لك ذلك الوقت لاشتبه المثال عليك مع ان مغايرة الوقت ايضا في الأول كذلك اذا لم ترد الوقت الظاهر فانه في الممثل والمثل متحد واذا اردت الوقت الظاهر ظهر لك التغاير فيحصل لك الاشتباه في التنظير فلذا استثنيت الوقت يعني الظاهر وهو شهادة الوقت الذي لا تزال تراهما فيه كل ما ذكرتهما فنظيره لو كان عندك كتابة في قرطاس فنظرت اليها في وقتين فان المرئي والمكان واحد اذ المرئي هو الكتابة في كل وقت ولم تر غيرها والمكان هو القرطاس لم تر غيره لكن الوقت الأول لرؤيتك للقرطاس والكتابة غير الوقت الثاني لأن الزمان باعتبار سير اهله عنه غير قار الذات وان كان في نفسه قار الذات فاذا استغربت كلامي هذا لما ملأ سمعك من انه غير قار الذات فانا اقول لك الآن الواحد من الزمان حين حضرك قبل ان يفنى كما يتوهمون هل كان داخلا في ملك الله سبحانه وفي قبضته ام لا فان قلت كان داخلا في قبضته كما هو حكم الاسلام عليك قلت لك فاذن بعد ان يمضي عنك او تمضي عنه ويأتيك آن آخر كان الأول خارجا عن ملك الله وعن قبضته حتى تحكم عليه بانه كان عدما محضا فان قلت خرج فهو الكفر والعياذ بالله وان قلت لم يخرج قلت هذا حق الا انك انتقلت عنه الى وقت غيره وبقي في مكانه فاذا عملت بقول سيدنا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فانظر فانك حين خرجت من اصفهان واتيت العراق قد عدمت عنك اصفهان كما عدم عنك الزمان واصفهان باقية في مكانها على ما هي عليه كذلك الزمان الذي تجاوزت عنه فانه باق في مكانه على ما هو عليه وذكرك له ورؤيتك له بخيالك وبنفسك كذكرك لاصفهان ورؤيتك لها فافهم وقولي وما نحن فيه كذلك الا ان الوقت واحد اريد ان رؤيتك للكتابة في القرطاس كرؤيتك للشخص وكلامك له الا ان مسئلة رؤية الكتابة في المحسوس فيختلف وقت الرؤية وما نحن فيه ليس من المحسوس فلا يختلف وقته لأنه من الدهر لا من الزمان كوقت المثل بل يكون هذا وقته واحدا في كل وقت ذكرته وهو وقت الأظلة اعني النفوس من يوم الجمعة اي وقت اجتماع النفوس بافعالها مع الاجسام وهو وقت العصر يعني ان عند تعلق النفوس بافعالها بالأجسام حتى تعلقت بها تعلق التدبير عصر منها اي خلق مما اجتمع منها الانسان الذي هو محل ذلك الذكر وذلك الادراك الذي هذا الوقت المذكور هو وقت ادراكه وذكره بعد الأذان اعني الاعلام في الدعوة بقوله الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم والصلوة هي الصدق في قوله بلى يعني بلسانه وقلبه عارفا بذلك مصدقا مسلما وبالتسليم تمت الصلوة فان كنت ممن لطف حسه ودق فهمه واجاب علمه عمله حين هتف به كما قال صلى الله عليه وآله العلم يهتف بالعمل فان اجابه ثبت والا ارتحل عنه اذا نظرت الى كل شخص عرفت امره هل صلى هناك اي اجاب بقلبه ولسانه مصدقا مسلما ام لا وهذه المسئلة ذكرتها استطرادا عند ذكر وقت الذكر لا انها ( لأنها خل ) مما نحن
قلت الفائدة الحادية عشرة في بيان صدور الافعال من الانسان والاشارة اليه اعلم ان الانسان مركب من الوجود والماهية والمخلوق ابدا محتاج في بقائه الى المدد من احد طرفين طرف الوجود وطرف الماهية فمدد الوجود بفعل الله الذاتي فهو ابدا قائم بامره قيام صدور ومن فعله للاعمال الصالحة فالحافظ امر الله والمدد من الاعمال من فعل الله ومن فعل العبد فما بفعل الله مقبول وما من فعل العبد قبول
اقول قد تبين فيما تقدم ان الشيء مركب من الوجود والماهية وانه وجد في طورين : الطور الأول هو الخلق الأول وهو ايجاد مادته في ضمن ايجاد المادة والصورة النوعيتين اللتين مادته الخاصة به حصة من مجموعهما وقد تقدم ان الخلق الأول اعني المادة النوعية التي هي الهيولي مركب من وجود وماهية والوجود هو المادة والماهية هي الصورة ثم اخذ من هذه الهيولي اعني المادة النوعية حصة هي وجود الشيء ومادته والحق بالصورة الشخصية التي هي الماهية وهذا هو الخلق الثاني والوجود في هذين الطورين اي الخلق الأول والخلق الثاني في كليهما بالمعنى الأول للوجود والمعنى الثاني للوجود باعتبار لحاظ كون الشيء اثرا لفعل الله او كونه نور الله فانه بهذا اللحاظ وجود وبلحاظ انه هو هو ماهية سواء اعتبر ذلك في الخلق الأول ام في الخلق الثاني فافهم هذا الأصل ولا تنسه حين نقول بالمعنى الأول او بالمعنى الثاني ونحن وان كان قد نريد العموم في كثير من العبارات لكنا انما نجري الكلام في الخلق الثاني لأنه هو الذي يظهر فيه حكم الشقاوة والسعادة الناشئتين من الافعال الاختيارية التي نحن بصدد الكلام عليها فنقول ان الشيء ونريد ان المكلف مركب من وجود وماهية والوجود والماهية محدثان اخترعهما الله سبحانه بفعله فخلق الوجود لا من شيء وانما هو اثر فعله وتأكيده مثاله ايجادك ضربا الذي هو المصدر من ضربت الذي هو فعلك وهذا بناء على المذهب المحقق من ان الأسماء مشتقة من الأفعال كما هو راى الكوفيين وخلق سبحانه الماهية من نفس الوجود من حيث هو هو واذا كانا مخلوقين كانا مفتقرين محتاجين في بقائهما الى المدد فيلزم كل منهما لذاته الميل الى الاستمداد من شيء من نوعه فالوجود نور ويميل الى الاستمداد من النور اذ لا بقاء له بدون المدد اما بالذات واما بالعرض والماهية ظلمة تميل الى الاستمداد من الظلمة اذ لا بقاء لها بدون المدد اما بالذات واما بالعرض واريد ما هو بالذات ما اذا كان الشيء استمداده من نوعه وبالعرض ما اذا كان استمداده من نوع ضده وذلك بعد تلازمهما اذ لا يتحقق احدهما منفردا عن الآخر فلما تلازما كان المجموع منهما هو المكلف فصار المكلف مركبا من الوجود اي النور ومن الماهية اي الظلمة فكان لذاته ميلان ميل الى الطاعات التي هي من نوع النور وذلك من ميل الوجود المفتقر الى المدد وميل الى المعاصي التي هي من نوع الظلمة وذلك من ميل الماهية المفتقرة الى المدد فان رجح المكلف العمل بالطاعات كان استمداد وجوده بالذات وماهيته بالعرض لأنها لما كانت لازمة للوجود وحصل له الاستمداد تقوم به وتقومت هي بتبعيته وان رجح المكلف العمل بالمعاصي كان استمداد ماهيته بالذات ووجوده بالعرض لأنه لما كان ملزوما لماهيته التي حصل لها الاستمداد تقومت به بالذات وتقوم هو بتبعيتها بالعرض فذو الاستمداد الذاتي اذا اتصل به قوي واستولى على الآخر حتى لا يبقى للآخر ميل تام بل ولا يبقى لذاته انية متحققة الا بقدر ما يتماسك به الذي استقوى باتصال الاستمدادات الذاتية لأنه وان قوى الى رتبة الكمال لا يضمحل ضده اصلا بل يبقى من الضد ما يحصل به الاستمساك نعم يكون الضعيف تابعا للقوي متقوما بتبعيته له ولذا قلنا انه متقوم بالعرض لأن استمداده ليس مما هو من نوعه ولا مما هو له بل مما هو لضده وقولي فمدد الوجود بفعل الله الخ اريد انه خلقه الله اولا وبالذات واستمداده من نوعه الذي هو نور فيكون مدده بفعل الله الذاتي فهو نور يستمد من النور وهو ما يمده الله سبحانه بتاييداته والطافه ويستمد بالنور اي بفعل الله اذ هو المقصود من الايجاد فهو اي الوجود ابدا يعني دائما بغير انقطاع قائم بامر الله عز وجل يعني بفعله قيام صدور ومتقوم بامر الله اعني باثر فعله الذاتي تقوما ركنيا ومن فعله اي ان مدد الوجود بفعل الله الذاتي ومن فعله اي فعل الوجود للأعمال الصالحة لأنها من نوعه فالحافظ لبقاء الوجود امر الله الذي هو فعله والمحفوظ به امر الله الذي هو اثر فعله وهو هيئة الفعل المنفصلة فلذا قلنا قيام صدور والهيئة المنفصلة هي مادة الوجود لأنها اثر الفعل ولذا قلت تقوما ركنيا وقولي فما بفعل الله مقبول الخ اريد ان الحافظ للمكلف حتى يتوجه اليه التكليف ويتحقق كونه شيئا هو امر الله وهو شيئان الأمر الذي هو الفعل قام به وجود المكلف قيام صدور والأمر الذي هو اثر الفعل ومتعلقه واول صادر عنه اعني به الحقيقة المحمدية قام به وجود المكلف قياما ركنيا بمعنى ان مادته من شعاع تلك الحقيقة وهو قولي قبل هذا قام بامر الله الذي هو اثر فعله قياما ركنيا واعني به هيئة الفعل المنفصلة وهي التي بفعل الله وهي المقبول لأنه المادة على ما برهنا عليه سابقا وما من فعل العبد هو قبول وهو انفعاله لفعل الله كما اراد عز وجل
قلت ومدد الماهية بفعل الله العرضي فهي ابدا قائمة بامره العرضي قيام صدور ومن فعلها من الاعمال الخبيثة فالحافظ امر الله التابع والمدد بالاعمال الخبيثة بفعل الله ومن فعل العبد فما بفعل الله مقرر ومقوم وما من فعل العبد متقوم ومتكون
اقول ان مدد الماهية كاصلها بفعل الله العرضي لأن ذاتها انما وجدت لأجل تقوم الوجود اذ لا يتقوم محدث بسيط بنفسه من دون تركيب لأنه في نفسه لا يقدر ( ان يبقى ويقوم خل ) فلا بد من ضد له يمسكه فلم تخلق الماهية لنفسها وانما خلقت لأجل قوام الموجود ( الوجود خل ) فكان وجودها ثانيا وبالعرض وكذلك مددها فما بفعل الله سبحانه في اعمالها الخبيثة هو التخلية بان يكلها الى نفسها وما من افعالها الخبيثة فلأنه سبحانه انما جعل الآلة المخلوقة للطاعة صالحة للمعصية وتمكين المكلف من المعصية لأجل ان تصح الطاعة اذ لا يكون المكلف طائعا حتى يتمكن من فعل المعصية ويتركها باختياره وبفعل الطاعة ولو لم يتمكن من فعل المعصية لم يكن بالطاعة طائعا اذ لا يقدر على غيرها فجعلت آلة الطاعة صالحة للمعصية وجميع دواعيها كذلك فلذا كان الفعل حافظا لها عرضيا لأنها لم تكن مقصودة لذاتها وجميع استمداداتها واسبابها كلها عرضية لم تجعل لنفسها وانما جعلت للطاعة فعلي هذا يكون ما بفعل الله هو التخلية والخذلان وما من فعل العبد هو المعاصي كما تقدم ويأتي واعلم ان منشأ الاختيار في افعال المكلف هو من كونه مركبا من ضدين وجود هو نور وماهية هي ظلمة وميل كل واحد منهما على خلاف ميل الآخر فكان للمكلف ميل وداع الى فعل الطاعات من الوجود وميل وداع الى فعل المعاصي من الماهية فلذا كان مختارا ان شاء فعل وان شاء ترك
قلت ثم لما كان الانسان في نفسه مركبا من ضدين متعاديين في الذات والصفة والانبعاث محدثين محتاجين في تقومهما الى المدد منهما او من احدهما فان كان منهما لا يجوز على ذلك الانسان الوزن يوم القيمة والحساب وان كان من احدهما ضعف الاخر ولم يبق منه الا قدر ما يحفظ الاخر ويكون حكمه حكم القوي
اقول ان الانسان مركب من ضدين نور وظلمة متعاديين يعني متعاكسين في الذات نور وظلمة وفي الصفة معرفة وانكار وقبول وعدم قبول وفي الانبعاث انبعاث على التوالي وانبعاث على خلاف التوالي وذلك لأن الوجود اذا مال الى فعل شيء مالت الماهية الى تركه وبالعكس وهما معا محدثان كما تقدم محتاجان في تقومهما وبقائهما الى المدد منهما او من احدهما الوجود او الماهية فان استمد كل واحد من نوعه فلا يكون استمداد احدهما معا لأنه يلزم منه انفكاك كل واحد عن الآخر وذلك موجب لعدم كل واحد منهما بل يكون استمداد كل منهما على التعاقب واذا كان المكلف هكذا لا يجوز عليه حكم الوزن والحساب يوم القيمة فمن ثقلت موازينه لكثرة حسناته فاولئك الذين هم المفلحون ومن خفت موازينه لقلة حسناته وكثرة سيئاته فاولئك الذين خسروا انفسهم وحيث كان الوجود يدور على نقطة مبدئه على التوالي كان ميله الذاتي على التوالي فاذا استمد من نوعه كان دوره على التوالي وتنجذب الماهية معه على التوالي لعدم قدرتها على انفرادها وانفكاكها وعلى معاكسة ضدها فيضعف ميلها الذاتي فتميل بالعرض مع الوجود وان كانت هي المستمدة من نوعها دارت على خلاف التوالي وينجذب الوجود معها على خلاف التوالي لعدم قدرته على الانفراد والانفكاك وعلى معاكسة ضده فيضعف ميله الذاتي فيميل بالعرضي معها ( معهما خل ) وقد ذكرنا انه اذا انحصر الاستمداد في احدهما ضعف الآخر ورق حتى لا يبقى منه الا مقدار ما يستمسك به القوي وبنسبة ما بقي من الضعف يكون له ميل بنسبته الا انه قد لا يظهر اثر واذا كمل الشخص في طرف من الوجود او الماهية سكن ميل ضعيفه حتى لا يكاد يلتفت الى جهته واذا لم ينحصر فان تساويا في الميلين كان الشخص من المرجوين لأمر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم وان زاد احدهما على الآخر لا يجوز على الشخص حكم الوزن ويستقر حكمه في الغالب على حكم الزايد والله سبحانه يفعل في ملكه ما يشاء ومن اجل ما اشرنا اليه
قلت فان كان القوي الوجود اطمأنت النفس وكانت اخت العقل ورقت الماهية وشابهت الوجود كالحديدة المحماة بالنار فلا فرق في الفعل بينهما وان كان ما بها بالعرض كالحديد قال الشاعر :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشاكلا وتشابه الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
وان كان القوى الماهية كان الامر على العكس وكل واحد منهما انما يستمد ويقوى بمدد من جنسه اذ لا يستمد الشيء من نحو ما هو من ضده فلا يستمد النور من الظلمة ولا العكس من حيث هو كذلك وميل الاخر معه انما هو لبقائهما
اقول هذا بيان لبعض احوال القوي والضعيف وهو انه ان كان القوي هو الوجود اطمأنت النفس التي هي وجه الماهية ووزيرها كما ان العقل وجه الوجود ووزيره والنفس الناشئة من الماهية لها في الاصطلاح سبع مراتب المطمئنة هي المرتبة الرابعة وذلك لأن النفس اول حصولها وظهورها في طبيعتها النفس الأمارة بالسوء والثانية من مراتبها اللوامة لكونها تلوم صاحبها على فعل الطاعة لطبيعتها وعلى فعل المعصية لتطبعها ببعض افعال العقل واستعمالها لبعض افعال الخير والثالثة الملهمة لالهامها حب الطاعة وميلها الى متابعة العقل في اغلب احوالها والرابعة المطمئنة لاطمينانها على متابعة العقل والأفعال الصالحة والخامسة الراضية لأنها لما اطمأنت على افعال الخير رضيت من الله تعالى بما اجرى عليها والسادسة المرضية لأنها لما استقامت في الرضا من الله تعالى رضيها سبحانه فكانت مرضية له والسابعة الكاملة وهي نهاية كمال النفس الناطقة فاذا عمل المكلف بميل وجوده الذاتي وهو ما بينه الشارع عليه السلام باوامره واستقام على ذلك اطمأنت لعدم استمدادها من نحو ما هو من نوعها فكانت اخت العقل ورقت الماهية ولطفت وشابهت الوجود في ميلها الى النور بملكتها التطبعية فكانت اخت الوجود فالنفس بالنسبة الى العقل والماهية بالنسبة الى الوجود كالحديدة المحمية بالنار فانها مثل النار في الاحراق كذلك النفس مثل العقل لظهور اثره فيها واستقرارها عليه وكذلك الماهية مع الوجود اذا استولى عليها الا ان ما بالنفس وما بالماهية من النور انما هو بالعرض ولهذا قلنا انها اخت العقل حينئذ والماهية اخت الوجود حينئذ ايضا وانما عبرنا عن كل واحدة منهما بالاخت من تأويل قوله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين وهي الكلاب المعلمة التي علمها الوجود والعقل مما علمهما الله واستشهادي بالبيتين لمشابهة الماهية للوجود فانها هي اناؤه ولمشابهة النفس للعقل فانها ايضا اناؤه واذا عمل المكلف بميل ماهيته الذاتي كان على عكس حكمه اذا عمل بميل وجوده الذاتي حرفا بحرف كما ذكرنا واعلم ان كل واحد من الوجود والماهية انما يقوي اذا استمد بمدد من نوع جنسه بالأصالة لأنه اذا لم يكن بالأصالة كان استمداده اما من غير نوع جنسه كاستمداد الضعيف منهما بتبعيته القوي واما من نوع جنسه بالتبعية وحينئذ لا يكون ذاتا بل يكون صفة كاستمداد الميل من المائل وليس كلامنا فيه اذ كلامنا في الذوات وهو يقوى باستمداده من جنسه بنفسه ولا يقوى باستمداده من ضده بل يضعف لأنه بخلاف حقيقته لكنه لا بد له اي الضعيف من الميل مع القوي لما قلنا من عدم قدرته على الانفراد ولا التفرد والا لاضمحلا فيميل مع القوي لأجل بقائهما فانه اذا لزمه استمد بالتبعية وبها يحصل له البقاء في الجملة ويحصل للقوي الاستمساك بالضعيف بلزومه له كما يحصل للضعيف البقاء بفاضل مدد القوي اعني شعاعه المسمى بالتبعية وبالعرض ( والعرض خل )
قلت فالوجود يستمد من انواع الخيرات لانها من نوعه والماهية يستمد من انواع الشرور لانها من نوعها والمركب الواحد لا يستمد من طرفيه معا اذا كانا متعاندين الا على التعاقب واذا كان وجود احد الجزئين شرطا لوجود الاخر لزم ان يكون فعل ذلك الشيء واحدا فلو فعل الوجود الخير والماهية الشر في حال واحد لزم الانفراد المستلزم للانفكاك المستلزم لفناء الشيء لانه عبارة عنهما منضمين ويفنيان هما ايضا لتوقف وجود كل منهما على انضمام الاخر اليه
اقول قد بينا مرارا ان كل شيء يستمد لذاته فانما يستمد من نوعه فالوجود خير كله فيستمد من انواع الخيرات لذاته والماهية شر فتستمد لذاتها من انواع الشرور لأنها من نوعها وهذا ظاهر واذا كان الشيء مركبا منهما معا يستمد من كل واحد من طرفيه على التعاقب او من احدهما كما ذكرنا سابقا ولا يمكن ان يستمد من كلا طرفيه دفعة لأنهما ضدان واستمداد كل واحد خلاف جهة استمداد الآخر فلو وقع منهما دفعة انفرد كل واحد عن الآخر لأن ميله على خلاف ميل ضده ويلزم انفكاك المركب وذهابه ولذا قلنا والمركب الواحد لا يستمد من طرفيه معا اي دفعة اذا كانا متعاندين اي ضدين كالوجود والماهية وذلك هو قولنا واذا كان وجود احد الجزئين اي جزئي المركب شرطا لوجود الآخر كالوجود والماهية فان الوجود شرط لتحقق الماهية والماهية وجودها شرط لظهور الوجود بالتكون فيجب ان يكون المركب منهما فعله واحدا ولو تعدد فعله من كلا جزئيه المتضادين لزم انفراد كل منهما عن الآخر وذلك يستلزم انفكاكهما وانفكاكهما يستلزم فناء المركب اصلا لأنه عبارة عنهما منضمين وانفرادهما موجب لفنائه ولفناء كل واحد من الجزئين ايضا لما قلنا من توقف وجود احدهما على وجود الآخر
قلت ولكن يتعارضان في الميل المنبعث عن شهوة كل الى الاستمداد من جنسه لان ميل احدهما الى شيء يقتضي ميل الاخر الى ضده لانهما ضدان في كل شيء ولهذا يضعف احدهما بفعل الاخر لانجذابه مع الفاعل الى خلاف ما يتقوى به ومن ثم يتعارضان ويطلب كل واحد من الاخر ان يكون معه في محبته لتوقف فعله لما يريد على تحققه في نفسه واذا فارقه الاخر لم يتحقق
اقول ولكن يتعارضان في الميل لأن الوجود يشتهي المدد من انواع النور فيميل بشهوة طبيعته وكنه نفسه فاذا مال مالت الماهية بشهوة طبيعتها وكنه نفسها على خلاف ميل الوجود لأن ميل احدهما يقتضي ميل ضده الى ضد ميله ( ميل ضده خل ) الا ترى ان احدهما يضعف اذا مال الآخر وهو ممنوع عن تعلق ميله بما هو من نوعه لأنه اذا مال القوي ولم يقدر على معارضته انجذب مع الفاعل بغير محبته فكان استمداده من فاضل استمداد ضده بتبعيته له فيكتفي به مع قلته لأنه بالنسبة الى استمداده له بنفسه نسبة الواحد الى السبعين فيستولي عليه الآخر المستمد حتى يكون تابعا له ويعلمه مما علمه الله ان كان المستولي هو الوجود ويعلمه مما تعلم من الشيطان ان كان المستولي هو الماهية واعلم ان الميل التام اعني الميل الذي يكون عنه الاستمداد لا يكون من الضعيف الذي لا يحصل منه الاستمداد واما الناقص فانه قد يكون من الضعيف لأنه هو لازم وجوده لا يكاد ينفك عنه لحظة لكنه لا يحصل منه استمداد ولهذا قد يقع ميل القوي معا لكن لما لم يكن له اثر لم يكن يصدر منه انفكاك فلذا جاز مع الميل التام وقوعه
قلت واما مجرد الميل وهو الالتفات لشهوة المشاكل فليس كالفعل يحصل به نيل المدد المسكن للشهوة فلا يحصل به السكون ولا ترجيح احد الميلين ولا يمكن انبعاثهما معا مجتمعين الا ان يكون احدهما ذاتيا والاخر عرضيا ولا مختلفين لاستلزام ذلك المفارقة لاستحالة انبعاثين متضادين من المركب الواحد الذي لا يوجد الا بالانضمام دفعة لاستلزام ذلك عدمهما لتوقف تحققهما على الانضمام فوجب ان يكونا على التعاقب
اقول هذا ما ذكرته قبل هذا ان مطلق الميل لا ينافي وقوعه وقوع ضده لحصوله من الضعيف ( الضعف خل ) بمجرد كراهته لمتابعة القوي ولأنه شهوة وليس كالفعل فلا يجتمع المنافيان في شيء واحد لأن الميل التام يحصل به مدد يسكن المائل وتابعه بخلاف الميل الناقص فانه لا يحصل به السكون للضعيف ليحصل منه عدم الانقياد مع القوي الموجب للانفكاك ولا يحصل به ترجيح يجوز عليه السكون لأنهما كما قدمنا لا يحصل منهما انبعاثهما معا مجتمعين الا اذا كان احدهما ذاتيا والآخر عرضيا ليدل على انضمام الموجب للتحقق فيكون سكون الضعيف من فاضل القوي الذي بتبعيته والا يكن ( وان لم يكن خل ) بالتبعية وجب على التعاقب كما مر
قلت فاذا مال الوجود الى الخير مال بالماهية فمالت معه بالعرض على خلاف محبتها واذا مالت الى الشر مالت بالوجود فمال معها بالعرض على خلاف محبته ويتعاقبان على هذه الحال فمن رجح ميله بحيث لا يميل مع الاخر غلب وفعل مطلوبه الاخر بالعرض وفعل الغالب مطلوبه بالذات فيقوي الفاعل ويضعف التابع بنسبة ما يقوي به المتبوع ولا يحصل السكون للمركب الا بالفعل ولا يزال كذلك حتى ينمحق ميل الضعيف في ميل القوي الى ان لا يبقى من الضعيف الا ما يتقوم ويحقق به القوي
اقول هذا الكلام بمعونة ما ذكرنا معناه ظاهر فانا قد ذكرنا بيانه وهو في نفسه غير خفي
قلت لان وجود الضعيف شرط في تحقق وجود القوي ويكفي فيه نقطة راس المخروط وانما قلنا راس المخروط لان الضعف المتناسب يقتضي حصول هيئة المخروط لانه في كل مرة يضعف التابع ويقوي الفاعل
اقول لما كان المؤثر في تأثيره كالسراج في اشراقه وجب ان يكون ما يليه مما هو بالذات اقوى واشد نورا ومما هو بالعرض اضعف كما ان نور السراج كلما قرب اليه من الأجزاء النورانية اشد نورا وما هو بازاء هذا النور القوي الشديد من الأجزاء الظلمانية اضعفها ظلمة فان النور من المنير كهيئة المخروط قاعدته عند المنير وكلما تباعد ضعف حتى ينتهي الى نقطة هي رأس مخروط النور والظلمة ايضا مخروط بعكس النور فاضعفه الذي هو نقطة هي رأس مخروط الظلمة عند قاعدة مخروط النور وكلما بعد النور من السراج ضعف ويقوي ما بازائه من اجزاء مخروط الظلمة حتى ينتهي مخروط النور الى نقطة منه عند قاعدة مخروط الظلمة واريد بقولي ان مخروط النور ينتهي الى نقطة منه عند قاعدة مخروط الظلمة ومخروط الظلمة ينتهي الى نقطة منه عند قاعدة مخروط النور ليس ان رأس المخروط من كل واحد منهما نقطة في الحجم بل هو في الحجم بقدر سعة قاعدة مخروط ضده بحيث تكون تلك النقطة شايعة في كل قاعدة الآخر لكنها لو جمعت بحيث تكون في قوة قاعدة مخروطها كانت نقطة ويكون من خلق من قاعدة مخروط النور في تمام الكمال وكمال التمام وتمام التمام وكمال الكمال بحسب الامكان ومن خلق من قاعدة مخروط الظلمة في غاية البعد من الخير ومن هو من دون القاعدة دون ذلك كل بحسبه فكلما بعد من النور ضعف نوره وقويت ظلمته وبالعكس
قلت وشرح حال ذلك الشان ان الوجود له وجه الى ميله ومطالبه الطيبة وهو العقل وهو وزيره وللماهية وجه الى ميلها ومطالبها الخبيثة وهو النفس الامارة بالسوء وهي وزيرها
اقول بيان ما اشرنا اليه سابقا من ذكر منشأ الاختيار في المكلف ومن ذكر ما يلحق ذلك مما ذكرنا وشرح ذلك يعني حال ما ذكرنا بمعنى زيادة بيان ما بيناه هو ان الوجود الذي هو الركن الأعظم من الأنسان اعني مادته محتاج في بقائه الى المدد كغيره من ساير المخلوقات ولا بد من ان يكون له باعث وهو ما عبرنا عنه بالميل وبابه الى ميله وهو وزيره ووجهه الى مطالبه وهو العقل وكذلك الماهية فانها محتاجة الى المدد في بقائها ولها باعث الى المدد وهو ميلها وبابها الى ذلك الميل هو وجهها ووزيرها الى مطالبها وهو النفس الأمارة بالسوء فاذا احتاج الى وجود الاستمداد من نوعه في بقائه مال العقل بميل الوجود الى ما احتاج اليه من افعال الطاعات وانواع الخيرات وفعلها الجسم بالآلة المسخرة بالعقل واذا احتاجت الماهية الى الاستمداد من نوعها في بقائها مالت النفس الأمارة بميل الماهية الى ما احتاجت اليه من افعال المعاصي وانواع الشرور وفعلها الجسم بالآلة المسخرة بالنفس الأمارة
قلت ولما كان الانسان هو ذلك المركب منهما ظهرت فيه الواحدية بصورتها فوجب ان يكون له جسم واحد وجسد واحد واسم واحد والة واحدة فوجب في ذلك ان تكون كلها صالحة لاستعمال الوجود لها على الانفراد بمقتضى فعله لما قلنا وصالحة لاستعمال الماهية لها على الانفراد بمقتضى فعلها وكذلك متعلقات افعالهما من المأكل والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك وكل منها صالح لاستعمالهما على الانفراد وهي كافية للوجود اذا استعملها بواسطة العقل بحيث لا يحتاج الى شيء في جميع ميولاته لا يوجد في مقتضى العقل من الخيرات وكذلك الماهية بل تكون تلك الامور مغنية لكل منهما في كل شيء
اقول لما كان الانسان مركبا من الوجود والماهية الموصوفين بما تقدم ذكره ظهرت فيه الواحدية بصورتها لأنه واحد لاتحاد انيته لأن الوجود لا يجد نفسه وانما تجد نفسها الماهية فوجب ان يكون له جسم واحد وهو النفس الحيوانية الفلكية الحساسة وما يرتبط بها من النفوس الى النفس الجوهرية الملكوتية التي من الملكوت اعني عالم النفوس وهي اعلى مراتب جسميته وان يكون له جسد واحد وهو هذا البشرى وما يرتبط به من الأجسام البرزخية كعالم هورقليا وهو اعلى الأجساد وان يكون له اسم واحد اذ لا يعرف منه ازيد من واحد ولما كان في حقيقته مركبا من شيئين لا تحقق لأحدهما الا بالآخر وهما ذاته وجب ان يكون كل واحد من هذه اللوازم اعني وحدة الجسم والجسد والاسم ان يكون صالحا لكل واحد من الشيئين اللذين تركب منهما لأن كل واحد من اللوازم كما كان صالحا للمركب على نحو الاستقلال كذلك يكون صالحا لكل واحد من الجزئين لعدم انفكاك الآخر عنه فقد حصل المركب في ارادة الجزئين وانما اهمل الآخر لعدم ميله وعدم حصول مطلبه الذاتي كما تقدم وهو معنى قولي فوجب في ذلك ان تكون كلها صالحة لاستعمال الوجود لها على الانفراد يعني بدون الماهية بمقتضى فعله الذاتي لما شاء من انواع الخيرات وان تكون صالحة لاستعمال الماهية لها على الانفراد بدون الوجود بمقتضى فعلها الذاتي لما شاءت من انواع الشرور وكذلك متعلقات افعال الوجود والماهية يعني مطلوباتهما من المآكل والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك وكل واحد من الوجود والماهية صالح الاستعمال للمآكل والمشارب والملابس والمناكح فيستعملها الوجود على الانفراد من حيث يحب ( يحبه خل ) الله سبحانه وتسكن الماهية معه بالعرض حيث لا حكم لها ويستعملها الماهية على الانفراد من حيث يكره الله سبحانه ويسكن الوجود معها بالعرض حيث لا حكم له وحيث يتعاقبان في الاستعمال يتعاقبان في الأحوال فقد يتساويان وقد يترجح احدهما واذا استعملها الوجود حيث يضعف الماهية كفته بحيث لا يحتاج الى شيء لا يوجد الا في نوع الماهية وكذلك اذا استعملتها الماهية حيث يضعف الوجود كفتها في جميع مطالبها بحيث لا يحتاج الى شيء لا يوجد الا في نوع الوجود وذلك لعموم صلوح الأشياء لاستعمال كل من الوجود والماهية كما مر مكررا بل تكون تلك الأمور اي المطالب التي هي متعلق ميل كل منهما مغنية لكل منهما في كل شيء من احوال الدنيا والآخرة سبحان ربي ( رب خل ) التدبير ومالك التقدير وهو على كل شيء قدير وبكل شيء خبير واليه المصير
قلت ثم اعلم ان العقل في الانسان والنفس الامارة مرءاتان مرءاة العقل عن يمين القلب وجهها الى السماء فتنطبع فيه صورة الراس المختص به من العقل الاول وعلى الاذن اليمنى من القلب التي هي باب وحيه ملك مؤيد وتحته جنود كثيرة من الملائكة بعدد افعال العقل وميولات الوجود تعينه على كل خير ومرءاة النفس عن يسار القلب وجهها الى الارض فتنطبع فيها صورة الراس المختص بها من الجهل الاول وعلى الاذن اليسرى من القلب التي هي باب وحيها شيطان مقيض وتحته جنود كثيرة من الشياطين بعدد افعال النفس الامارة وميولات الماهية تعينه على كل شر
اقول ان الله سبحانه حين امر كلمته فقبض لخلق الانسان من السماء قبضة خلق من القبضة التي من فلك المحدد القلب الصنوبري وجعله مرآتين مرآة الى جهة السماء والعلو وهي التي عن يمين القلب فانطبعت فيها صورة الرأس المختص بذلك الشخص من العقل الأول اعني عقل الكل وقد قدمت اني انما قلت الأول من باب جريان اللسان بذكر ما اصطلحوا عليه مثبتوا العقول العشرة وان كان اعتقادنا بطلان قولهم اذ ليس في العالم كله الا عقل واحد ولذا نقول عقل الكل وتلك الصورة هي عقل ذلك الشخص وقوته وسعته وصفاؤه وكبره وعكس ذلك على حسب تلك المرآة في صفائها وسعتها واعتدالها وعكسها ولذلك القلب الصنوبري اذنان على الأذن اليمنى ملك مؤيد لذلك العقل ومعين له وتحت هذا الملك جنود من الملائكة لا يحصيها الا الله وهي بعدد افعال ذلك العقل بنفسه مثل معانيه التي يدركها وبعدد ميولات سلطانه اعني الوجود وكلها تعين ذلك الملك المؤيد على كل خير وهو يعين العقل على طاعة الله سبحانه تحصيلا لمطالب الوجود وجعل سبحانه مرآة الى جهة الأرض والسفل منكبة وهي التي عن يسار القلب فانطبعت فيها صورة المختص بذلك الشخص من الجهل الكلي وهذه الصورة هي نفس ذلك الشخص الأمارة بالسوء واختلافها في الشدة والضعف والبعد من اللطف على حسب قابلية هذه المرآة كما قلنا في العقل وعلى اذن القلب اليسرى شيطان مقيض مزين لتلك النفس الأمارة ومعين لها على معاصي الله وتحت هذا الشيطان شياطين لا يحصي عددهم الا الله تعالى وهم بعدد افعال تلك النفس من صورها وخيالاتها وخطراتها وبعدد ميولات سلطانها اعني الماهية وكلها تعين ذلك الشيطان المقيض على كل شر وهو يعين النفس على معاصي الله تحصيلا لمطالب الماهية وهذه النفس هي التي تتطور مع مداومة الأعمال الصالحة من الأمارة الى اللوامة ثم الى الملهمة ثم الى المطمئنة ثم الى الراضية ثم الى المرضية ثم الى الكاملة وليس وراء عبادان قرية
قلت وكل ملك موكل بشيء واحد من الخير لا غير وضده شيطان موكل بضد ما وكل به الملك من الشر لا غير فاذا طلب الوجود من العقل شيئا من الخير وطلبه العقل بجنوده طلبت الماهية ضده من النفس الامارة بجنودها فوقع بينهما الحرب فان غلب العقل قتل ذلك الملك ذلك الشيطان الخاص بمضادته وذلك بعون من الله سبحانه وان غلبت النفس الامارة ذهب ذلك الملك عن ذلك الشيء ولحق بمركزه من الوجود يعبد الله واستولى ذلك الشيطان الخاص على ذلك الشيء وذلك بتخلية من الله سبحانه
اقول كل ملك من جنود الملك الذي على اذن القلب اليمنى موكل بشيء من الخير مثلا فعل الصلوة موكل بها ملك والباعث الى فعلها موكل به ملك فاذا مال الوجود بشهوته الى فعلها ليستمد به طلب من العقل ذلك وان يسخر لها الدواعي والأركان واعانه الملك المؤيد مع جنوده ومالت الماهية الى ترك الصلوة وطلبت من النفس الأمارة بالسوء ذلك وان تسخر له ( لها خل ) الدواعي والأركان بالتكاسل والتهاون واعانها الشيطان المقيض مع جنوده فيقع بين العسكرين الحرب فان كان الغالب عسكر الوجود تسلط الملك الخاص بفعل الصلوة على الشيطان الخاص الموكل بترك الصلوة فيقتله ويجلس مكانه فيتباعد الشيطان وتخرج عن محل الترك للصلوة وتحيط بذلك الملك الجالس كثير من الملائكة ولا يزال الحكم هكذا مثلا كل حين يقتل ملك شيطانا حتى تستولي الملائكة على مملكة النفس الأمارة من القلب فتأسرها الملائكة ويأتون بها الى العقل فيعلمها مما علمه الله حتى تكون مطمئنة فتكون اخت العقل بان تريد ما يريد وعليه تأويل قوله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين وان كان الغلبة لعسكر الماهية تسلط الشيطان الموكل بترك الصلوة واستولى باعوانه على الترك ولا يجوز القضاء على الشخص بالخذلان والعياذ بالله خرج ذلك الملك الموكل بفعل الصلوة ولحق بمركزه يعبد الله وجلس الشيطان يعبد الماهية من دون الله ويجري باعوانه في الأركان فتكسل عن فعل الصلوة ويجلس الدواعي الى فعل الصلوة من جهة العقل ويطلقها من جهة النفس الأمارة ولا يزال هكذا حتى يرتفع العقل عن محله وتستولي النفس على ذلك المحل وتعلمه مما ابتدعته الماهية من سنن انيتها حتى يكون ذلك المحل اخا للنفس الأمارة يريد ما تريد وهو النكراء وهو الشيطنة ويجري القضاء بتأويل قوله تعالى وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر الآية والمراد بالنكتة البيضاء التي في القلب هي نور العقل وبالنكتة السوداء التي فيه هي ظلمة النفس الأمارة كما في الأخبار والمراد ببياض القلب وبسواده بغلبة احدي النكتتين هو ما اشرنا اليه من حال صفة القلب عند غلبة العقل والملك وجنوده او غلبة النفس الأمارة والشيطان وجنوده كما اشرنا اليه فافهم
قلت ولذلك مثال وبيان على سبيل الاشارة فالاول اعلم ان الشمس اذا اشرقت على الجدار استنار وجهه بشعاع الشمس وظهر الظل من خلفه ولولا الجدار لما ظهر نور الشمس وان كان منها ولولا الشمس لما ظهر الظل من الجدار وان كان منه فالاستنارة من الشمس بالجدار والظل من الجدار بالشمس واعلم انا نريد بالجدار نفس النور من حيث نفسه لا من حيث الشمس
اقول ان ما نحن بصدد بيانه من ابتداء هذه الفائدة بيان صدور افعال العباد عنهم على جهة الاختيار بحيث يتحقق المنزلة التي هي الحق بين المنزلتين الباطلتين اللتين هما الجبر والتفويض وقد قدمنا ما فيه بيان منشأ الاختيار وكيفية صدوره وهنا ذكرنا مثالا لصدور الأفعال من المكلفين على نحو ما ذكرنا من المنزلة بين المنزلتين اذ لا يصدر فعل من افعال المكلفين مما امروا به او ندبوا اليه او نهوا عنه الا على نحو لا يكون الفاعل مجبورا بحيث يفعل بغير اختياره ولا مفوضا اليه بحيث يفعل ما يشاء بل على حال وسط وهو انه مختار والله تعالى سبحانه لم يفعل فعله ولم يشاركه فيه ولم يكن مستقلا مفوضا اليه بان اهمله الله في ملكه يفعل فيه ما يشاء كيف يشاء وذكرت للمنزلة الحق مثالا وبيانا اما المثال وهو النور الواقع على الجدار عند طلوع الشمس وعكسه وذلك ان الشمس اذا طلعت ولم يقابلها كثيف كالأرض والجدار لم يظهر لها النور المنفصل اعني الشعاع الواقع على الجدار وانما قلت المنفصل لأني اريد انه انما يظهر بقابله كالجدار وقبل الجدار ليس موجودا في الأكوان وانما هو موجود في الامكان لأنه من الشمس بمنزلة صورتك التي تظهر في المرآة فانها قبل المرآة لم يكن شيئا مكونا وان كانت شيئا ممكنا ولو كانت متصلة بك لكانت لازمة لك موجودة بوجودك وجدت المرآة ام لم توجد كما في صورتك القائمة بك ولهذا قلنا المنفصلة فالنور الواقع على الجدار لم يكن موجودا مع الشمس ولهذا يقوى ويضعف ببياض الجدار وصقالته وعدمهما وهو في الحقيقة نور ظهورها للجدار لا النور الذي هو قائم بجرمها الا انه من تجليها فهو منها بالجدار لأن ظهورها متوقف على كثافة الجدار فاذا طلعت وقع نور تجليها على وجه الجدار وظهر ظل الجدار من خلفه من الجانب الآخر والظل ليس من الشمس وانما هو من الجدار لكنه لا يظهر من الجدار الا بالشمس فكان ظهور النور ليس من الشمس ليقال ان الجدار ليس هو المستنير ولا من الجدار ليقال انه هو المنير وانما هو بين بين يعني الاستضائة انما تحققت بقابلية الجدار اي بكثافته فهو الفاعل لها الا انه بالشمس لأنها منها وكان ظهور الظل ليس من الشمس ليقال انها هي الظلمة الكثيفة ولا من الجدار ليقال انه مستقل بايجاده طلعت عليه الشمس ام لم تطلع وانما الظل بين بين يعني ان الظل انما يتحقق بقابليته تجلي الشمس من حيث نفسه لا من حيث الشمس ومن كثافة الجدار اذ هي حقيقته ( حقيقة خل ) لأنه في الحقيقة صفتها فهو مخلوق منها فالجدار مثال المكلف والاستضائة عن وجهه مثال الطاعة والظل من خلفه مثال المعصية فكما ان الاستضائة وان كانت في الأصل من نور الشمس الا انها لا تظهر الا بالجدار كذلك الطاعة وان كانت من فضل الله ورحمته الا انها لا تظهر الا بفعل المكلف على جهة الاختيار بان يتمكن من المعصية ويتركها باختياره ويفعل الطاعة ولو لم تكن الطاعات باختياره لم يكن مطيعا لأنه لا يقدر على تركها كما لو جبرت شخصا على الصلوة فانه غير مصل وانما فعل صورة الصلوة خوفا منك فلم يكن مصليا وكما ان الظل وان كان من الجدار الا انه لا يوجد ولا يتحقق الا بالشمس كذلك المعصية فانها وان كانت من المكلف الا انها لا يتحقق الا بقدر من الله بان يخليه ويحدث مقتضى فعله الاختياري اي يحدث صورة عمله الاختياري لأجل قابلية ذلك الفعل فانها اقتضت ان يحدث الله ذلك كما قال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فان كفرهم بقلوبهم على جهة الاختيار اقتضى ان يطبع الله عليها وايجاد مقتضى قابليته الفعل هو القدر لأنه مساوق للفعل لا سابق ولا لاحق ومثال آخر الصورة في المرآة فانك اذا قابلتها وجدت فيها والمرآة مستقلة بتحريكها اذا تحركت اي المرآة وان كنت ساكنا وانت مستقل بتحريكها اذا تحركت انت تحركت الصورة وان كانت المرآة ساكنة فانت مثال امر الله ومقابلتك للصورة مثال قدر الله والمرآة مثال المكلف والصورة مثال فعل المكلف في الخير والشر فالمكلف مستقل بفعله في الخير والشر ولكن بقدر الله بمعنى انه لولا قدر الله لم يكن فعل اصلا كما ان الصورة التي تكون ( في خل ) المرآة مستقلة بتحريكها لولا انك مقابل للمرآة لم تكن صورة اصلا فما الذي تحركه المرآة الا اذا كنت حافظا للصورة بمقابلتك لها كذلك القدر مع فعل العبد فان حفظ الفعل ونشوه وتمامه وامضاءه بالقدر واعلم انا اذا قلنا في نحو هذا المثال الجدار فانا نريد به نفس النور من حيث هو هو لا من حيث الشمس فانك اذا اعتبرته من حيث الشمس كان نورا والمخلوق منه يكون نورا وحيث اعتبرناه من حيث نفسه كان ظلمة والمخلوق منه يكون ظلمة كالظل والليل ولو اردنا بالجدار نفس الجدار لكان لقائل ان يقول ان المثل غير صحيح لأن علة الظل اذا كانت كثافة الجدار لم تكن الشمس دليلا عليه وقد جعلها سبحانه عليه دليلا يعني بها يكون فيكون المراد فيما نحن بصدده انه هو المكلف والمكلف لم يكن مركبا من الوجود الذي مثل نور الشمس ومن الماهية التي هي ظلمة ذلك النور اي انيته وظله الذي به ظهر ومن شيء آخر مثل الجدار في المحسوس ليكون المكلف مركبا من ثلاثة اشياء وانما هو مركب من شيئين لا غير نور وظلمة فمثال النور الذي هو الوجود استضائة الجدار ومثال الظلمة التي هي الماهية ظل الجدار لأنها خلقت من انية الوجود وانفعاله من حيث هو هو بل الماهية نفس تلك الانية واين الجدار المغاير للنور والظل في الانسان وانما مثلنا بالجدار لكونه صورة نفس النور في ايجاد الظل والا لكان اجنبيا من الشمس كما في المحسوس وليست مؤثرة فيه ولا في كثافته ولا فيما منها فلا تكون دليلا على ظله كما لا يكون زيد دليلا على صفة عمرو وظله فالمراد بالجدار في المثال نفس النور من حيث هو هو فافهم ان كنت ذا فهم
قلت فالاستنارة تقومت بنور الشمس تقوم صدور وبالجدار تقوم تحقق والظل تقوم بالجدار تقوم صدور وبنور الشمس تقوم تحقق ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالاستنارة آية الحسنة بفعل العبد من قدر الله والظل آية المعصية من فعل العبد بقدر الله
اقول استنارة وجه الجدار تقومت بنور الشمس تقوم صدور لأنه هو المحدث لها في وجه الجدار وهو الحافظ بدوام الامداد بلا انقطاع لأنها تجليه بها على وجه الجدار وتقومت الاستنارة بالجدار تقوم تحقق لأن الجدار علة تكونه الذي هو علة تكوينه فان قلت هذا على خلاف ما قررتم لأن الذي قررتم ان قيام التحقق انما يطلق على القيام الركني وانما الموافق لما قررتم انها قائمة بالجدار قيام ظهور قلت الأمر كما قلت ظاهرا ولكن قيام الظهور انما نقوله للفرق بين التحقق المادي الذي هو قيام تحقق وقيام ركني وبين الصوري الذي اصطلحنا على تسميته قيام ظهور وهو في الواقع كما هو قيام ظهور بلحاظ ان المادة في نفسها قبل الصورة وانها قبل حال الاجتماع موجودة في وجودها الامكاني او ( وخل ) الدهري فاذا لحظنا ان علة ظهورها في مرتبة كونها هو الصورة قلنا ان المادة تتقوم بالصورة قيام ظهور واذا لحظنا ان الصورة جزء ماهية الشيء المركب منها كالسرير فان جزء ماهيته التي لا تتحقق بدونه الصورة الشخصية وان الخشب بدونها لا يدل على السرير بواحدة من الدلالات الأربع الا حال انضمام الصورة اليه فانه يقال ان المادة تقومت بالصورة قيام تحقق بلحاظ ان الصورة علة التكوين ( التكون خل ) وهو علة التكوين كما تقدم فيقال ان المادة قائمة بالصورة قيام تحقق اذ لا يتحقق تكوينها ولا تكونها الا بها فلذا قلت قيام تحقق ولئلا يتوجه علينا الاعتراض وان لم يكن صحيحا وهو انه اذا كانت الحسنة من العبد قائمة به قيام ظهور كان العبد غير فاعل لها حقيقة ولما ثبت انه فاعل للحسنة دل على ان قيامها به قيام تحقق اي بفعله لأن فعله هو صورة الحسنة ومادتها حصة من امر الله اي من شعاع الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والأمر الشرعي الوارد بالخطاب للمكلفين حامل صورة ذلك الشعاع قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الصلوة ونحن الزكوة ونحن الأعمال ونحن الثواب ونحن العقاب انتهى نقلته بالمعنى من اقواله عليه السلام واذا عرفت هذا المثال فاعلم ان الله سبحانه ضربه مثلا لذلك يعرفه من يعرفه اذ لا يعرف حكم المنزلة بين المنزلتين الا بذلك ونحوه والمثل هو آية الممثل ودليله فالاستنارة في وجه الجدار هي آية للحسنة ومثالها بفعل العبد لأن العبد ليس من فعله الا صورة الحسنة ومن قدر الله تعالى لأن مادتها من قدر الله تعالى اعني من امر الله الذي ظهر لفظ الخطاب الشرعي ومعناه على صورته لأن الأمر الشرعي هو صورة امر الله الذاتي اعني ذلك الشعاع المادي اي النور الذي هو مادة الحسنات والطاعات ولأجل هذا قلنا ان الحسنة بفعل العبد من قدر الله ولا نريد بالقدر المادي الا هذا الذي اشرنا اليه واما القدر الايجادي الذي هو فعل الله الذي به خلق الحسنة والطاعة من مادة امره الشعاعي ومن صورة فعل المكلف وامتثال امره التكليفي فهو فعل الله المتعلق بهندسة المفعولات بحدودها وبه صور الحسنة والطاعة وبه نفخ فيها الروح من امره حتى كانت حورية او شجرة او مسكنا او ملبوسا او مأكولا او مشروبا او غير ذلك من نعيم جنانه ودار رضوانه فافهم راشدا والظل الذي ظهر بتلك الاستنارة في خلف الجدار آية المعصية ودليلها من فعل العبد المكلف اي ان صورتها من فعل العبد وانما فرقنا في صورة الطاعة وقلنا بفعل العبد من قدر الله لأن حقيقتها وجود والله سبحانه خلقه اولا وبالذات واذا نسبنا ما من العبد الى ما من الله كان ما من العبد طريقا ومجازا الى ما من الله كما اذا نسبنا ما من الجدار في حصول الاستنارة الى ما من الشمس كان طريقا ومجازا الى ما من الشمس الا ترى انها اذا غربت الشمس لحقت بها فلذا نقول انها من الشمس واليها تعود وقد قال الله تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وفي الدعاء الخير في يديك والشر ليس اليك وقلنا في المعصية من فعل العبد بقدر الله لان حقيقتها عدمية اذ هي مخلوقة من نفس النور من حيث نفسه وانيته لا من حيث المنير فهي ظلمة فكانت صورة المعصية من فعل العبد لأنها اي صورة المعصية لم تصدر من فعل الله اولا وبالذات اذ لم تكن مرادة لنفسها وانما اريدت لغيرها فهي مخلوقة ثانيا وبالعرض وما ينسب الى قدر الله منها ليس لذاتها وانما هو لتحقق الطاعة كما مر ويأتي فهو عن القدر ثان وبالعرض فلذا قلنا بقدر الله ولمنقل من قدر الله لأنها بعكس الحسنة فلذا قال تعالى في الحديث القدسي الآتي وذلك اني اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني كما لو خاطبت الشمس الجدار لقالت انا اولى باستنارتك منك وانت اولى بظلك مني فافهم
قلت والثاني قال الله تعالى في الحديث القدسي وذلك اني اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني وهو معنى ما اصابك من حسنة فمن الله اي انا اولى بها وما اصابك من سيئة فمن نفسك اي انت اولى بها كما في المثال تقول الشمس يا جدار انا اولى بالاستضاءة منك لانها من نوري وان كانت لا تتحقق الا بك وانت اولى بالظل مني لانه منك وان كان لا يتحقق الا بي
اقول المراد بالثاني البيان المذكور مع المثال والمراد بالبيان بيان الله تعالى للمنزلة بين منزلتين ( المنزلتين خل ) لأنه تعالى خلق النور والظل مثلا وآية للخير والشر اي الطاعة والمعصية وقد قال تعالى وتلك الأمثال نبينها لقوم يعلمون وقال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها الا العالمون وفي قوله تعالى في الحديث القدسي بيان ان الحسنة منه تعالى اي مددها ومادتها من قدره الذي هو شعاع امره الذي هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وتكوينها من قدره الذي هو فعله بفعل العبد وهو صورتها كما ان احداث استضائة الجدار من تجلي الشمس ومادتها من شعاعها المنفصل وصورتها من كثافة الجدار فلذا قال تعالى انا اولى بحسناتك منك لأن مادتها من قدره تعالى وليس من العبد في الحقيقة الا صورتها وصورتها وان كانت جزء ماهية الحسنة لكنها اي الصورة جزء صوري مقداري والمادي اقوى من الصوري فلذا قلنا هي من ذي المادي وبذي الصوري اشارة على ان الصورة هي قابليتها للايجاد وبالعكس في المعصية فمن هنا قال وانت اولى بسيئاتك مني لأن مادتها من مخالفته للأمر وصورتها من فعله والمخالفة استدعت الخذلان منه سبحانه فلذا كانت به مادة للمعصية لأن المراد بالمخالفة ليس نفس معاكسة الأمر لأن تلك الصورة هي التي هي فعل العبد وانما المراد منها الأمر المخالف ونريد بكون مادة الحسنة من موافقة الأمر انها نور الأمر المعمول به اي وجوده ومادة السيئة ظلمة الأمر المخالف اي ماهيته فافهم
قلت فالحسنة من الله اولا وبالذات بمعنى راجحية جهة الوجود فيها لرجوعها من جهة قدر الله الى فعله وبالعبد ثانيا وبالذات ايضا لانها من وجوده بالله فهي من جهة فعل العبد ترجع الى وجوده الراجع الى فعل الله تعالى والسيئة من العبد اولا وبالذات بمعنى راجحية ماهيته فيها وبالله ثانيا وبالعرض بمعنى المساوقة في الوجود وتحقق الماهية بالوجود المتقوم بامر الله تعالى
اقول انما قيل الحسنة من الله مع انها فعل العبد لأن جهة وجودها اعني جهة مادتها راجحة على جهة ماهيتها اي صورتها لرجوع جهة مادتها بتقدير الله سبحانه الى فعله عز وجل فهي اثر فعله الصادر عنه واما صورتها فهي فعل العبد المكلف الواقع باختياره وهو وان كان راجعا الى الوجود لأنه من بعث العقل بطلب الوجود الا انه منسوب الى العبد المركب من وجود وماهية فقد صدر ذلك الفعل عن داعيين ذاتي وعرضي فلا يساوي الذاتي المحض لما في العرضي من الكراهة الملابسة فلذا رجحت جهة مادة الحسنة على صورتها من وجوه منها جهة الذكورية لأن المادة هي اب الحسنة والصورة امها ومنها خلوص ذاتية المادة وشوب الصورة ومنها سبق المادة واقربيتها ومنها ان المادة روح الحسنة والصورة جسدها كما يشير اليه حديث سيد الساجدين عليه السلام ومنها ان مادة الحسنة من امر الله وقدره اولا وبالذات وصورتها ثانيا وبالذات لكونها من العبد من جهة وجوده المتقوم بامر الله وقدره تقوم صدور وتقوم ركني فلأجل ذلك كان ثانيا وان كان بالذات ولأجل ما ذكر ونحوه قال تعالى انا اولى بحسناتك منك واما السيئة فهي من العبد اولا وبالذات وانما قلنا اولا وبالذات مع كونها بقدر الله من جهة راجحية جهة ماهيته فيها لأن ما في السيئة من جهة ماهية العبد ذاتي في السيئة لأنها كانت برجحان دواعي النفس الأمارة بطلب الماهية فكان ميل ماهية العبد في السيئة اقوى من ميل الوجود فيها بعكس الحسنة وميل الوجود فيها بالعرض والتبعية وهو قولنا وبالله ثانيا وبالعرض لأن ما في السيئة من فعل الله التكويني هو ان اوجدها بمقتضي عمل العبد وانكاره وتركه الحق ومن قدر الله انه خذله ووكله الى نفسه ومن مفعوله الذاتي اعني الوجود وهو ميله مع ماهيته بالعرض والتبعية فكل ما فيها من فعل الله سبحانه ومن قدره ومن مفعوله الذاتي المستمد من النور اعني الوجود بالعرض وثانيا وما فيها من جهة ماهية العبد وميولاتها ودواعيها بالذات واولا ومعنى كونها في كل ما كان من فعل الله وقدره ومفعوله اي الوجود بالعرض انها اي ماهية العبد الفاعل للسيئة مساوقة في الظهور للوجود بمعنى انها خلقت من نفسه من حيث هو لا من حيث النور كما خلق الظل مساوقا لاشراق الشمس بنورها من نفس النور من حيث هو لا من حيث الشمس والا لكان نورا فالماهية راجعة الى نفس الوجود من حيث هو والوجود راجع الى نور الله الذي هو امره الذي به قام كل شيء
قلت فمشية العبد للحسنة بالذات من مشية الله لها بالذات ومشية العبد للسيئة بالذات من مشية الله بالعرض على نحو ما اشرنا لك اليه واسلك طريقا بين هذه الحدود جامعا لها على نحو ما يأتي وهذا الطريق الجامع هو سبيل الله قال تعالى فاسلكي سبل ربك ذللا
اقول يعني ان مشية العبد للحسنة هي من ميل الوجود الذي هو حقيقة العبد من ربه فهي مشية ذاتية له وللحسنة ايضا لأن الحسنة ايضا يرجح فيها جهة النور كما تقدم وهي من مشية الله للحسنة بالذات لأنها هي المطلوبة من المكلف ومشية العبد للسيئة ايضا بالذات لأن هذه المشية من ميل الماهية التي هي حقيقة العبد من نفسه وانيته فهي ذاتية له وللسيئة لأن السيئة يرجح فيها جهة الظلمة كما مر فمشيته لها بالذات من مشية الله لها اي السيئة بالعرض لأن السيئة ليست مطلوبة من العبد وانما مكن من فعلها بان جعلت مشيته وآلات فعله صالحة لها وان كانت انما خلقت للطاعة ليتمكن من فعل الطاعة اذ لو فعل الحسنة ولم يقدر على السيئة لم يكن محسنا ولا يكون محسنا حتى يتمكن من السيئة ويتركها ويفعل الحسنة فكانت السيئة والتمكين منها مطلوبا لله تعالى ثانيا وبالعرض لتتم الحسنة فافهم وقولي واسلك طريقا بين هذه الحدود الخ اريد به انك اذا عرفت ان الحسنة من فعل الله يعني بمحبته وتأييده ومن وجود العبد وان السيئة من فعل العبد بتمكين الله له منها لتتم له الطاعة وان الحسنة لكانت من فعل العبد وبقدر الله يعني بتمكين الله تعالى للعبد منها لأجل ان يتمكن من الحسنة وعرفت ان قدر الله الذي قام به كل شيء هو الحافظ للعبد ولأفعاله الخير والشر كما ذكرنا سابقا على نحو ما تحفظ المادة صورة السرير وصورة الصنم فكما ان خلق الله الخشب لمنافع العباد لا يكون به فاعلا لصنم ولا معينا لعامليه وعابديه كذلك خلقه للقدر المادي لمنافع الخلق لا يلزم منه كونه فاعلا لأفعال العباد بل هم الفاعلون لافعالهم لم يشاركهم فيها ولم يهمل العباد في ملكه وسلكت بين ذلك خارجا عن كلا الطرفين عن الاجبار والتفويض فقد سلكت سبل ربك ذللا اي منقادا لما اشار اليك في آياته وعلى السن اوليائه من ان الله لا يظلم العباد ولا يهملهم في ملكه ففي التوسط بين هذين منزلة لا يعلمها الا العالم عليه السلام او من علمه اياها العالم (ع) كما في رواية التوحيد عن سيد الساجدين عليه السلام
قلت واصل المسئلة هو ان تعلم ان الشيء انما يتحقق بوجوده وماهيته وذلك لانه ( الا انه خل ) لا قيام له بنفسه لا في افراده ولا في المجموع وانما يتقوم بامر الله قيام صدور فهو قائم به ابدا قيام صدور فهو طري ابدا واليه الاشارة بقوله تعالى ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره وفي دعاء يوم السبت رواه في المصباح قال (ع) كل شيء سواك قام بامرك
اقول في هذا الكلام اشارة الى بيان كيفية قيام الأشياء بامر الله لاحتياجها في صدورها وفي بقائها الى الامداد والمدد وذلك لتعلم ان الشيء لا يتحقق الا بوجوده وماهيته فهو متقوم بهما قياما ركنيا فانه ليس مستقلا وانما هو متقوم بغيره سواء اعتبر ذلك في نفسه ام في افراده ان كان ذا افراد ام في اجزائه بل وفي لوازمه واشراقاته واعلم انا قد اشرنا ان امر الله الذي به تقوم الأشياء يطلق على شيئين : احدهما فعل الله وهو المشار اليه بقوله تعالى الا له الخلق والأمر وهذا تتقوم به الأشياء تقوم صدور فكل شيء من فعل الله في حال صدوره وبقائه طري ابدا فاول آناته كآخره اذ وجوده انما هو شيء بفعل الله سبحانه فلا تحقق له في البروز في عالم الاكوان الا بالفعل فهو منه كالنهر الجاري من الينبوع والآخر اول مفعول صدر عن الفعل وهذا تتقوم به الأشياء تقوما ركنيا كتقوم السرير وابناء نوعه بالخشب والمراد بهذا الوجود هو الماء الذي جعل منه كل شيء حي وهو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فان الأشياء كلها موادها التي تتقوم بها من اشعتها او اشعة اشعتها والآية المذكورة والدعاء يحتمل الامر منهما على الوجهين بان يكون المراد بالامر العلة الفاعلية او العلة المادية
قلت الا انه في كل حال نهر يجري مستديرا استدارة صحيحة وليس قولنا انه نهر يجري انه دائرة بل هو كرة مجوفة وافعاله ايضا قائمة بامر الله من جهة ما تقومت به ذاته تقوما تبعيا على نحو ما اشرنا اليه سابقا والمراد بالتبعي ان يكون نسبة ما تقومت به الافعال الى ما تقومت به الذات نسبة الشعاع الى المنير نسبة واحد من سبعين
اقول يعني انك اذا اعتبرت حال استمداد الشيء في حال جريان المدد عليه من فوارة القدر وانه لا يمد الا بما له وان ما انفصل عنه عائد اليه كان كالنهر الجاري على الاستدارة بان يكون آخره متصلا باوله بمعنى ان ما يأتيه انما هو مما له وان ما ذهب منه بعد استمداده به عائد اليه مددا جديدا سواء رجع في انفصاله عنه وذهابه منه الى غيب الأكوان ام الى غيب الامكان فانه لا يأتيه ما ليس له ولا منه ولا يأتيه الا مدد جديد من جهة ينبوع استغنائه التي هي مبدء فيض امداده وتلك الينبوع ليست في جهة ولا مكان ولا وقت بل تظهر الافاضة عليه من كل جهة فيكون في استمداده كرة صحيحة الاستدارة مجوفة لأنها تدور على نقطة هي علتها لا الى جهة واعلم ان بعض من وصل الى ساحل هذه اللجة قال بأن الشيء لا يوجد بعينه في آنين بل يتبدل في كل لحظة تبدلا سيالا فهو في كل آن غير ما قبله وما بعده مغايرة حقيقية ( حقيقة خل ) لأنه نهر يجري والنهر في كل لحظة هو غير ما قبل ذلك وما بعده فالذاهب منه لا يعود ابدا والآتي اليه لا ينقطع ابدا وقد اخطأوا وغلطوا لأنه لو كان كما يقولون لكان في جميع احواله جديدا طريا فلا تتصف ذاته بطاعة ولا معصية لأنها كلها تذهب ولم يبق شيء منها له ولا عليه فيأتي يوم القيمة لا ثواب له ولا عقاب عليه لذهاب كل جارحة مع ما كسبت وفناء كل طبيعة بما اقتضت وليس كذلك بل قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقوله سيجزيهم وصفهم وقوله ولكم الويل مما تصفون ان هذا ما كنتم به تمترون وامثال ذلك تنادي بعدم فناء شيء منهم ولا من اعمالهم فلما دل الدليل على عدم الاستقرار والثبات وعلى عدم الاستغناء عن الامدادات ظهر بان اعمالهم لازمة لهم وليس الا لبقائهم وقد قال عليه السلام وانما خلقتم للبقاء وانما تنقلون من دار الى دار وهذا كله مترتب على ما اشرنا اليه من انه نهر يجري مستديرا ويستمد اوله من آخره وعائده من ذاهبه وانه لا يمد الا مما له فان ما ذهب عنه ولحق بغيب كونه او بامكانه هو ما يمد به وفائدة هذا مع ما ذكرنا من لزوم الأوصاف والأعمال انه اذا تكرر في اطوار الكسر والصوغ والحل والعقد نعمت اجزاؤه وتلززت ذراته وقويت بنيته وصفت طينته وترقت بتكرار الحل والعقد والكسر والصوغ الى غايات كمالاته لتردده في مراتب اطواره وهذا ظاهر لمن عرف كيفية تكوين الأشياء في مراتب اطوارها فان الياقوت انما عز وتميز عن اصله الذي هو التراب بكثرة السحق والحل والعقد والطبخ على النظم الطبيعي حتى تخلص عن الأوساخ والأعراض وزالت عنه الغرايب ونضج بكر الكواكب عليه فكذلك جميع الأشياء فلذا تنتهي الى غاية كمالاتها من غايات الخيرات او الشرور وقولي وافعاله ايضا قائمة بامر الله تعالى الخ اريد به ان افعال المكلف من حيث كونها محفوظة بامر الله انها قائمة بامر الله الذي هو فعله والذي هو مفعوله الأول من جهة ما تقومت به ذاته يعني ما تقومت به الأفعال مطلقا اي صدورا وامدادا هو ما تقومت به الذات فنسبته الى ما تقومت به الذات نسبة الأفعال الى الذات فكما ان الأفعال صفات فعلية للذات كذلك الأمر الذي تقومت به الأفعال صفات فعلية كذلك لما تقومت به وهي نسبة الشعاع الى المنير ورتبته في الشدة والضعف نسبة الواحد من السبعين وهو جار في الأفعال كجريان اصله في الذوات بمعنى ان الذوات قائمة بالأمر الفعلي قيام صدور وبالأمر المفعولي قياما ركنيا كذلك الأفعال قائمة بالأمر الفعلي الذي تقومت به الذوات قيام صدور كأصله وبالأمر المفعولي الذي تقومت به الذوات قيام تحقق اي قياما ركنيا ولكن لا يشتبه عليك من كلامنا انا نريد ان الأفعال صادرة بأمر الله ليكون المكلف مجبورا وانما نريد به ان هذه هي الحافظة للأفعال وفاعلها المكلف كما قلنا سابقا ان الحافظ للصورة التي في المرآة من حيث التقوم الصدوري والركني هو مقابلة الشخص لها ومع هذا فهي اي المرآة مستقلة بتحريكها وتسكينها مما هو من جهتها كما ان امر الله تعالى مستقل بتحريكها وتسكينها مما هو من جهته فافعال المكلف الاختيارية مستندة في صدورها اليه على جهة الاستقلال لا الى حافظها كما توهمه كثير من اهل المعرفة كالملا محسن وشيخه الشيرازي واضرابهما فانهم كثيرا ما يقولون بأن المنزلة التي بين المنزلتين لا يعثر عليها اهل الظاهر ولا يعرفها الا اهل الكشف والشهود وربما بينوها فقال الملا محسن في كتابه قرة العيون ما معناه كما ان خلق الموصوفات متفرد به الباري سبحانه لا يشاركه في صنع شيء منها احد من خلقه كذلك خلق الصفات والأفعال ومعلوم عند كل من نظر عبارته وفهم مقصوده منها انه قول المجبرة بان افعال العباد من الله اذ لا مؤثر في الوجود الا الله ونحن نتبرء الى الله من هذا القول بل افعال العباد منهم وهم لها فاعلون كما قال سبحانه ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون وان كنا نقول بأن الله حافظ للمكلف ولأفعاله بامره بمعنى انه تعالى سبق لهم ولأفعالهم بامره تعالى الا ان افعالهم صادرة منهم باختيارهم هم لها فاعلون على الاستقلال لم يشاركهم سبحانه فيها ولم يكن فاعلا لها
قلت فالذات قامت بامر الله وافعالها قامت بنور ذلك الامر واختلافها على حسب اختلاف مراتبه من ذلك الامر فالامر هو الحفيظ لها كما ذكرنا والفعل المحفوظ مستند الى فاعله المحفوظ وحفظ الاستناد من ذلك الامر ايضا والى هذا المعنى الاشارة بقول الرضا (ع) هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه
اقول هذا الكلام تكرير لبيان كون امر الله حافظا للعبد المكلف ولأفعاله والمكلف المحفوظ بهذا الأمر فاعل لأفعاله المحفوظة بنور ذلك الأمر اذ لو لم يحفظ المكلف لم يكن شيئا بحيث يفعل او لا يفعل ولو لم يحفظ له فعله لماقدر ان يفعل شيئا لم يحفظ له وعليه فقلت الذات قامت بامر الله الذي هو فعله قيام صدور وبامر الله الذي هو مفعوله الأول قيام تحقق يعني قياما ركنيا فكان امر الله الفعلي حافظا لها بالايجاد وامر الله المفعولي كان حافظا لها بالامداد فبالوجهين كانت شيئا يصح التكليف لها ويقع منها الفعل وافعالها اي افعال الذات قامت بنور ذلك الأمر الذي قامت به الذات وذلك النور هو صفة الأمر لأنه امر من امر الله وهو شيئان كالأمر فصفة فعل الله قامت بها افعال الذات قيام صدور وصفة مفعول الله قامت بها افعال الذات قياما ركنيا وهذا مثل ما في الذات واعلم اني قد كشفت لك من سر القدر ما لا تجده في غير هذا الكتاب الا فيما كتبناه في غيره وذلك من اسرار اخبار الائمة الأطهار عليهم السلام وليس من الانتحال ولا من التوهم والخيال ولم ابق عنك في هذا الا ما لا يسعه في المقال وانا اوقفك على ما كتمته فان وصلت الى حده من مصدره فهمته والا فلا تفهمه واياك ان تخرج عن حدود الحق الذي ذكرته وانا اذكره واقول ان افعال المكلف صورها صادرة منه باختياره على الاستقلال بالله اي ان موادها من امر الله الفعلي ايجادا ومن امر الله المفعولي امدادا فلا يشتبه عليك من قولي انها قائمة بصفة امر الله الفعلي قيام صدور وبصفة امر الله المفعولي قياما ركنيا ان الأفعال ليست صادرة من المكلف على جهة الاستقلال بل هي صادرة من المكلف على الاستقلال اذ جميع صورها منه على النحو الذي ذكرناه وهذا الذي ذكرته لك هو الذي كتمته عنك فان بينه لك صاحبه عليه السلام فانت تفهمه وان وقفت على حدود ظاهر كلامي فانت تسلم مع انك تفوز بالسهم الأوفى من النصيب بالمعلي والرقيب وان اردت ان تتخطأ الى قعره بغير تبيين صاحبه عليه السلام قلت بالاجبار وان تنزلت عن حدود ظاهر كلامي قلت بالتفويض واعلم ان في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه ونازعه في سلطانه وكشف عن ستره وسره وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير ومن منازعته ( من نازعه خل ) في سلطانه تعالى ان تنحط عن حدود ظاهر كلامي فانه قول بالتفويض فافهم وقولي وحفظ الاستناد من ذلك الأمر ايضا اريد به ان الاستناد نفسه اعني استناد الفعل الى فاعله من ذلك الأمر لكنه من نوره فهو نور نوره وصفة صفته على ما قررنا وقول الرضا عليه السلام هو المالك لما ملكهم نفي التفويض بقوله هو المالك ونفي الجبر بقوله لما ملكهم ولم يقل لما ملكوا وكذا قوله عليه السلام على ما اقدرهم عليه لأنه عليه السلام يشير الى الدقيقة التي فيها اني كتمتها عنك وان كنت بينتها لك لأن فهمك لها موقوف على تعليم العالم عليه السلام فتفهم هذا الكلام المكرر المردد والله سبحانه ولي التوفيق
قلت والاختيار الذي في العبد نشأ من اقتضاء الضدين الوجود والماهية لاقتضاء ما لهما كما مر ومن خلق الالة الصالحة للمتضادين ومن الاستطاعة للفعل في الفعل ومن امكانها قبل اي الصحة وهي التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ولانه اثر المختار فتكون مختارا قال تعالى فجعلناه سميعا بصيرا
اقول انا قد اشرنا في الشرح الى بيان منشأ الاختيار وهنا ذكرناه في المتن والضدان هو الوجود والماهية والمكلف مركب منهما وكل منهما بسبب افتقاره يقتضي الميل الى ما هو من نوعه للاستمداد منه ما له مما تقوم به فاختيار المكلف نشأ من تركيبه من اقتضاء كل من الضدين اللذين تركب منهما ومن الآلة المخلوقة لتحصيل ما يقتضيه كل واحد من الضدين حيث خلقت صالحة لكل من الميلين ومن الاستطاعه لما يشاء من افعاله فانه تعالى خلق فيه استطاعة امكانية سابقة على الفعل جايزة الحصول له واستطاعة فعلية واجبة الحصول ( له خل ) مع الفعل لا قبله ولا بعده وهي المفسرة في الأخبار بأنها الصحة التي بها يكون العبد متحركا مستطيعا للفعل ومما دل عليه قوله تعالى فجعلناه سميعا بصيرا اي مختارا يعرف الخير والشر والجيد والردي لأنه اثر فعل المختار والأثر يشابه صفة مؤثره التي هي منشأ الأثر
قلت فاذا فعل العبد المختار المتقوم بامر الله الفعل المتقوم بنور امر الله وهو قادر على تركه كان قد فعل فعله وحده بقدر الله لان الفعل المحفوظ مستند الى فاعله المحفوظ وحده فبقدر الله تقوم الفاعل والفعل وتقوم اسناده الى فاعله والى ذلك يشير تأويل قوله تعالى ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا فقدر الله روح فعل العبد وفعل العبد جسده وهكذا في كل حركة وسكون وهو سر الامر بين الامرين
اقول اذا فعل العبد المختار من جهة تركبه من شيئين متضادين لكل واحد منهما داع يبعثه على خلاف داعي الآخر كان قادرا على فعل ذلك الفعل المأمور به او المنهي عنه بباعث احد جزئي ذاته وعلى تركه بباعث الجزء الآخر وتركبه من الباعثين المختلفين هو منشأ الاختيار وقد قدمنا ان انبعاث الداعيين لا يكون دفعة لاستلزام ذلك انفكاك كل عن الآخر المستلزم لفناء المركب منهما وانهما ينبعثان على التعاقب وقد سبق ان كل شيء فهو محفوظ فما دامت شيئيته محفوظة عليه فهو شيء تنسب اليه الأفعال والا فليس شيئا اصلا وهو المراد بقولنا المتقوم بامر الله والفعل كذلك فان فعله انما هو شيء في نفسه ومنه انما هو بحفظ نور امر الله كما بينا سابقا فالعبد فاعل وتارك بقدر الله اي بامره الفعلي ايجادا وبامره المفعولي امدادا واليه الاشارة بقوله تعالى وماتشاؤن الا ان يشاء الله هذا هو المراد في قولنا بان العبد مستقل بايجاد فعله واحداثه لأنه انما كان فاعلا بقدر من الله وهو الامر الفعلي والامر المفعولي وهو معنى قولنا فبقدر الله تقوم الفاعل والفعل وتقوم استناده الى فاعله ومعنى الاشارة بتأويل قوله تعالى ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا ان الظل مددناه وقبضناه بعد مده ( مدة خل ) قبضا يسيرا بالتدريج مسائرين له من المسائرة بمعنى المصاحبة يعني انا قبضناه ولمنخله من ايدينا وهو من ظاهر الظاهر والظل آية فعل المكلف فانه وان كان بفعل المكلف مستقلا به لكنا حافظون له بالايجاد والامداد ليتمكن المكلف من احداثه والا لم يكن شيئا فلا يحدث المكلف ما ليس بشيء فقولي فقدر الله روح فعل العبد وفعل العبد جسده اريد به ما ذكره علي بن الحسين عليهم السلام من ان القدر والعمل كالروح والجسد فكما ان الروح بدون الجسد لا تحس والجسد بدون الروح لا حراك فيها كذلك القدر والعمل فلو لم يكن القدر بموافقة من العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان القدر شيئا لا يحس ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يتم ولم يمض ولله فيه العون لعباده الصالحين انتهى نقلته بالمعنى او بما يقرب من اللفظ والمعنى في تمثيله عليه السلام بالروح والجسد ما ذكرناه مكررا من ان كل شيء فايجاده من فعل الله وامداده من امر الله وان المكلف وافعاله من هذه المقولة الا ان صورة الأفعال هو محدثها باختياره كما مثلنا سابقا بالصورة التي في المرآة من ان مادتها من صورة المقابل القائمة به اعني ظلها المنفصل القائم بها قيام صدور والقائم بالمرآة قيام عروض وحلول والقائم بصقالتها وهيئتها قيام ظهور وصورة الصورة من صقالة المرآة وهيئتها فما من صورة المقابل حافظ للصورة في المرآة عن التهافت والفناء والاضمحلال لأن صورة المقابل المتصلة به حافظة للصورة في المرآة بظلها الذي هو مادة الصورة في المرآة وهو بمنزلة قدر الله في فعل المكلف وما من المرآة من صقالة واعتدال واعوجاج او كبر او صغر او بياض او سواد او طول او عرض هو صورة الصورة التي فيها من المقابلة وذلك شيء احدثه المرآة فهي مستقلة به احداثه اعني صورة الصورة كما انها مستقلة بتحريك الصورة المحفوظة فكذلك المكلف مستقل باحداث صورة فعله وبتحريك مجموع الفعل اعني ما من القدر من مادته وما منه من صورته كما مر وكل حركة وسكون فقدر الله حافظ له كما قلنا من انه روحه والحركة والسكون جسده فافهم فان هذا هو سر الأمر بين الأمرين ومن هنا قلت : ومثال ذلك التقوم كما تقومت الاستضاءة في الجدار بنور الشمس فالامر وجه الشمس والنور الذي هو الماء نور الشمس المنبث والاستضاءة في الجدار وجود الانسان والجدار الذي اشرنا اليه وهو نفس الاستضاءة من حيث هي هي ماهيته وفعله المنسوب اليه هو مثل الانعكاس عن الاستضاءة وهو نوعان فما انعكس عنها من جهة نور الشمس فهو خير ونور وحسنة وطاعة وما انعكس عنها من جهة نفسها فهو شر وظلمة وسيئة ومعصية فالنوع الاول فعل العقل عن الوجود والثاني فعل النفس عن الماهية فتفهم اقول قولي ومثال ذلك التقوم الخ مبني على قاعدتي من تكريري لما اذكره فاني اكرره مرارا كثيرا ليتفهمه الطالب بكثرة ذكره مرة بعد اخرى وذلك لعدم انس الأذهان بمثل هذه المعاني وبعدها عن مدارك الأفهام حيث لم تذكر في كتاب ولم تجر في خطاب وانما اشارت اليها الأخبار اشارة خفية لأولي الأبصار وذلك ان تقوم حسنات العبد وطاعاته بقدر الله مع انها منسوبة الى العبد وحادثة بفعله كتقوم الاستضائة التي ظهرت في وجه الجدار بنور الشمس لأنها هي انعكاس نور الشمس الا انها لا تظهر الا بالجدار فكان الجدار هو المحدث لها في الظهور وان كانت من نور الشمس لأنها قائمة بنورها الفعلي قيام صدور وبنورها المفعولي قياما ركنيا لكنها لا تتحقق في الأعيان الكونية الا بالجدار كذلك الطاعة فانها وان كانت من نور الوجود الاولى المفعولي وبنور الوجود الاولى الفعلي كما مر الا انها لا تتحقق في رتبة كونها الا بفعل العبد وكذلك تقوم سيئاته ومعاصيه بقدر الله العرضي المعبر عنه بالتخلية والخذلان في ظاهر الشريعة فامر الله الذي تقومت به الطاعة اولا وبالذات مثله وجه الشمس وهو المرئي المضيء لانه بمنزلة الأمر الفعلي والأمر الذي منه مادة الطاعة اعني النور الذي هو الماء يعني الذي جعل منه كل شيء حي اعني المفعول الاولى ( الاول خل ) مثل نور الشمس المنبث من فعلها وهو الذي كانت منه استضائة الجدار بالانعكاس والاستضائة في الجدار مثل وجود الانسان في تكوينه والجدار نعني به نفس الاستضائة التي هي وجود المكلف وهذه النفس هي ماهية المكلف لأن الماهية نفس الوجود من حيث هو هو وفعل المكلف للطاعة المنسوب اليه على الاستقلال مثل انعكاس النور عن الاستضائة التي هي مثل الوجود والمنعكس عنها هو النور الممازج للظل هذا اذا جعلت الاستضائة مثلا للوجود ولو جعلتها مثلا للحسنة كان الظل مثلا للسيئة فما انعكس عن الاستضائة ان جعلتها مثلا للوجود من جهة نور الشمس مثل للطاعة الصادرة عن دواعي العقل بطلب الوجود وهو خير ونور وحسنة وطاعة وما انعكس عن الاستضائة ان جعلتها مثلا للوجود ايضا من جهة نفسها لا من جهة نور الشمس فهو مثل للمعصية الصادرة عن دواعي النفس الأمارة بطلب الماهية وهو شر وظلمة ومعصية فالنوع الأول اعني الخير والنور والحسنة والطاعة فعل العبد من جهة دواعي عقله والعقل انبعث الى هذه الخيرات من جهة ميل الوجود اليها وطلبه من العقل ان يسخر الأركان في تحصيلها وكل ذلك بمؤنة من الله بمدده من قضاء الخير والنوع الثاني اعني الشر والظلمة والسيئة والمعصية فعل العبد من جهة دواعي نفسه الأمارة وهي انبعثت الى هذه الشرور من جهة ميل الماهية اليها وطلبها من النفس ان تسخر الأركان في تحصيل هذه الخبائث وكل ذلك بتخلية وخذلان من الله وذلك مقتضي قضاء الله بسوء فعل العبد وخبث نيته وما ربك بظلام للعبيد
قلت واعلم ان الماهية موجودة بوجود الوجود ما دام موجودا واذا لم توجد لم يوجد الوجود لانها شرط لايجاده وتمام لقابليته للايجاد كالعكس وانما قالوا انها عدم ماشمت رائحة الوجود لانهم يريدون انها لم توجد اولا وبالذات قط لا انها لم توجد اصلا بل هي موجودة بفاضل ايجاد الوجود كما قلنا آنفا وذلك الفاضل اذا نسب الى ايجاد الوجود كان نسبة الواحد من سبعين كما هو شأن الاثار والصفات هذا في الظاهر
اقول ان الماهية موجودة بوجود الوجود ما دام موجودا بها لأنها هي هويته من نفسه والشيء لا يكون شيئا الا بهويته فهي دعامته التي لا يتقوم الا بها وهي كذلك بمعنى انها اذا كانت هي هوية الوجود لا تتحقق بدونه لأنه اذا لم يكن فلا هوية فهو شرط كونها وتحققها وهي شرط ظهوره وقابليته واما قولهم انها ماشمت رائحة الوجود فهي عبارة متلقاة من كلام المتقدمين وهم يريدون بها انها موجودة ثانيا وبالعرض لأنها لم تكن مقصودة لنفسها وانما طلبت لتوقف ظهور المقصود عليها اعني الوجود الذي هو المراد اولا وبالذات الا ان المتأخرين من الحكماء كثيرا منهم لم يفهموا مرادهم من ذلك لأنهم غلطوا في كثير من مرادات المتقدمين وكانت الحكمة محفوظة بالوحي النازل على الأنبياء صلوات الله عليهم وتلقوها الحكماء المتقدمون عنهم فلما انفردوا عن الأخذ منهم كما لا يجوز للمشائين والرواقيين فانهم ربما فهموا من تلقاء انفسهم اشياء لا تجري على قواعد وحي الله سبحانه وخصوصا حكماء الاسلام لتلك العلة ولأن المترجمين لكلامهم المكتوب في كتبهم باليونانية ربما ترجموا كل لفظة على حدة فيقع الغلط والخطاء اذ قد يكون المعنى لا يتأدى الا بالمجموع كما لو ترجمت قول الفارسي قسم بخور فقلت قسم بمعنى اليمين وبخور بمعنى كل فانه يبطل المعنى ويكون غير مراد الفارسي لان مراده احلف وعلى ترجمتك يكون المعنى كل اليمين فلما كثر الخطاء من اجتهاد الحكماء من انفسهم من غير اخذه من قواعد الوحي كما نزل بل ربما فرعوا عليه ما لا يدخل تحت قواعده ومن الخطاء في الترجمة ومن تجويز سوء الفهم اختلف راى المتقدمين مع المتأخرين وبرهان هذا ما نص عليه حفاظ الشريعة محمد وآله عليهم السلام فانهم قد بينوا عن الله تعالى دقيق الحكمة وجليها بما يطابق العقول ويطابق قواعد التوحيد ويطابق القرآن المجيد وهؤلاء المختلفون في الماهيات فقالوا فيها بالأقوال المتعددة فمنهم من قال انها مجعولة مطلقا وبعضهم لم يقل بل قال بعدم كونها مجعولة وبعضهم فرق بين مرتبتها في الأعيان ومرتبتها في العين فقال به في الثانية دون الاولى وبعضهم قال جعله تعالى متعلق اولا وبالذات بها وبالوجود ثانيا وبالعرض فجعل الوجود تابعا لجعل الماهية على معنى انه لا يحتاج لجعل جديد وبعضهم على العكس من ذلك فجعل الماهية تابعة لجعل الوجود على انها لا يحتاج الى جعل جديد وبعضهم قال لجعلها بمعنى انها فائضة من الله سبحانه في الأعيان دون العين وبعضهم قال ان الجعل تعلق بها واطلق وبعضهم قال تعلق الجعل بها بمعنى انها فائضة منه سبحانه بتجلياته الثانية بصور شؤنه المستجنة في غيب هوية ذاته بلا تخلل ارادة واختيار بل بالايجاب المحض وبعضهم قال انها ليست مجعولة بل هي صور علمية للأسماء الالهية التي لا تأخر لها عن الحق الا بالذات لا بالزمان اي بالوقت بمعنى ان ظهورها مساوق لأزليته وان كانت بعده في الرتبة فهي ازلية ابدية غير متغيرة ولا متبدلة وبعضهم قال والمراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا غير وبعضهم قال بجعل استعداداتها ايضا واطلق وبعضهم قال بمعنى انها فائضة من الحق سبحانه الخ من غير طلب منها بلسان حالها اليه وبعضهم قال بطلب منها بلسان حالها اليه وبعضهم لم يقل بافاضتها بل قال بعدمه وبعضهم قال انها من مقتضياتها ومقتضى الذات لا يتخلف عنها الى غير ذلك ما تضمنته تلك العبارات عنهم وهذه الأقوال الخمسةعشر ربما تداخل بعضها في بعض ومنشأ تكثرها ما قال امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثرها الجاهلون او الجهال على اختلاف الروايتين وبالجملة الماهية ان كانت شيئا فالله سبحانه خالقها والا فهي تكون قديمة غيره تعالى او تكون هي الله اذ الشيء لا يخرج عن ذلك فان كانت مخلوقة تم المطلوب وان كانت قديمة غيره تعددت القدماء وان كانت هي الله العياذ بالله لم يجز ان تكون ماهية لزيد وعمرو الا على الآراء الباطلة المبنية على القول بوحدة الوجود التي ثبت الاجماع على كفر قائلها وان لم تكن شيئا فلا معنى للاسناد اليها بجعل او عدمه والحق انها شيء محدث خلقها الله من نفس الوجود من حيث نفسه فكل محدث مركب من وجود وماهية اي من مادة وصورة وهو قول الحكماء الالهيين الاوليين كل ممكن زوج تركيبي يعني ان كل ممكن مركب من شيئين حادثين وهذا هو الذي يجري على قواعد الاسلام وضوابط التوحيد وبراهين العقول وتبيان الوحي وقولي انها موجودة بفاضل ايجاد الوجود قد تقدم الكلام في بيانه وان المراد بهذا الفاضل هو نور الفعل المحدث للوجود وهذا النور فعل مشتق من فعل الله الذي صدر عنه الوجود فراجع هناك وقولي وذلك الفاضل اذا نسب الى ايجاد الوجود كان نسبة الواحد من سبعين كما هو شأن الآثار والصفات اذا نسبت الى المؤثرات والى الموصوفات وقد اشرنا في تأليفاتنا الى وجه ذلك العدد من ان كل شيء فهو مربع الكيفيات مثلث الكيان لأنه حرارة ورطوبة وبرودة ويبوسة وجسم ونفس وروح فكل شيء جوهر او موصوف ذو سبعة فاذا نسب الى الصفة والعرض اللذين في الرتبة الثانية كان سبعين لأن السبعة في المرتبة الثانية سبعون والصفة والأثر واحد منها لأنه عرض ولو كان من نوع موصوفه كان واحدا من عشرة فافهم
قلت واما في الحقيقة المطابقة للواقع فهي موجودة بوجود آخر مستقل في نفسه وان كان مترتبا على الاول فان نسبة وجوده الى الاول كنسبة وجود الانكسار الى وجود الكسر وذلك لان الاول من تمام قابلية وجودها للايجاد فالوجود في الاول موجود بالايجاد الذي هو الفعل اوجده بنفسه لا بوجود مغاير لنفسه
اقول ان الماهية في الواقع وهو الذي خلق الله عليه خلقه وفي نفس الأمر وهو الذي قام عليه الدليل القطعي موجودة بوجود الآخر اي ايجاد آخر غير ما به ايجاد الوجود وان كان مترتبا عليه لأنه من نوره وشعاعه كما تقدم فان نسبة ايجادها الى ايجاد الوجود كنسبتها اليه وهو نسبة وجود الانكسار الى وجود الكسر وذلك لأن وجود الوجود من تمام قابلية الماهية للايجاد فهو لها كالجوهر للعرض فالوجود احدثه ( احداثه خل ) الفعل بنفسه لا بوجود آخر لأنه هو المادة والمادة لم تكن موجودة بمادة اخرى بل بنفسها بخلاف الماهية فانها موجودة بالوجود هكذا قالوا وانا ابين لك ما هو الواقع وهو ان الماهية موجودة بنفسها كما في الوجود لكن لما كان الوجود في الحقيقة هو المادة كان مادتها نفسها فيكون وجودها مادتها وهي نفسها وهي ماهيته فان قلت انها موجودة بالوجود فهو صحيح بمعنى ان مادتها موجودة به وهي ماهيته وان قلت انها موجودة بنفسها كما في الوجود فهو صحيح بمعنى ان ماهيتها بنفسها فقولي فالوجود في الأول اي في الوجود وهو نفسه لأنه هو المادة وهو محدث بالايجاد الذي هو فعل الله والوجود في الثاني كما يأتي اي في الماهية وهو نفسها
قلت الا ان ايجاده بنفسه ادارته على نفسه كرة تدور على كرة تدور على نقطة هي الحركة الكونية من الفعل والكرة الظاهرة تدور على خلاف التوالي والباطنة على التوالي وفي الثاني موجود بنور ايجاد الاول من الفعل وهو نقطة تدور نفس الماهية عليها على خلاف التوالي والماهية تدور على نفسها على خلاف هيئتها وخلاف التوالي وعلى الوجود في جهة غير جهته
اقول يعني ان ايجاده بنفسه عبارة عن ادارته في احداثه على نفسه كرة تدور في استمدادها من علتها على كرة هي علتها وهذه العلة في استمدادها من علتها تدور على علتها التي هي علة العلة وهي نقطة وهي الحركة الكونية اي التكوينية من الفعل وهي الفعل الخاص بها من الفعل الكلي والكرة الظاهرة اعني الوجود يدور على التوالي من جهة كونه مطيعا في رتبة المعلولية وعلى خلاف التوالي بالنسبة الى رتبة العلة لأن العلة تدور بمعلولها على التوالي والكرة الباطنة اي العلة وهي نفس الوجود تدور على التوالي بالنسبة الى معلولها وهي الكرة الظاهرة والكرة الباطنة بالنسبة الى علتها اعني الحركة التكوينية تدور في استمدادها منها على خلاف التوالي لأنها مفعول والحركة الكونية فاعل واما من حيث المطابقة اي مطابقة المعلول لعلته فالظاهرة مطابقة للباطنة والباطنة مطابقة للحركة التكوينية وكلها جارية على التوالي فخلاف التوالي فيهما اعني الظاهرة والباطنة اضافي والمراد بالتوالي ما لا يجوز على مقتضى طبيعة مؤثره فانه حينئذ جار على النظام الطبيعي ولا ريب ان الوجود ونفسه الاعتبارية اللذان ليسا شيئا غيره والحركة الايجادية كلها جارية على كمال النظم الطبيعي وقولي وفي الثاني اي وفي الماهية انها موجودة بنور ايجاد الأول اي الوجود من الفعل وهذا النور تدور نفس الماهية الاعتبارية التي هي الماهية في نفس الأمر عليه على خلاف التوالي لأنها على خلاف مقتضى ذلك النور فجرت على غير النظم الطبيعي والماهية في استمدادها من نفسها تدور على خلاف التوالي وعلى خلاف هيئتها اي هيئة نفسها فتخالف هيئتها وتخالف علتها وتخالف التوالي وتدور على الوجود في جهة غير جهته لأنها خلقت من نفسه من حيث النفس لا من حيث جهته التي هي جهة الى فعل الله فاستدارتها معوجة لا تنطبق على شيء من الحق حتى الفعل الذي حدثت به لأن استدارته اي الفعل على ايجاد المستقيم والمعوج مستقيمة فاذا دار على المستقيم كالوجود كانت استدارته عليه مستقيمة لانطباقها على مقتضي الوجود واذا دار على المعوج كالماهية كانت استدارته عليها مستقيمة لانطباقها على ما اقتضته من الاعوجاج من غير زيادة ولا نقيصة بل لو جرت على خلاف مقتضى الماهية بحيث تكون جارية على مقتضى نفس الفعل اي ذاته حال ايجاد الماهية لكانت استدارة الفعل في نفسها معوجة حيث تعلقت على خلاف ما تعلقت به
قلت فحصل من الوجود والماهية كرتان متداخلتان في الاجزاء متمازجتان في الذرات متقابلتان في السطوح مختلفتان في الدوران وتمازجهما من غير استهلاك شيء من اجزائهما وذراتهما في اخر ولا استبانة شيء من شيء الا في الاعتبار والافعال والميول لاختلاف الشهوتين لتعاند الذاتين
اقول قد تقدم فيما ذكرنا ما يدل على هذا الكلام فتمامه ان كلا من الوجود والماهية كرة ولما كان الشيء مركبا منهما وكان وجود كل واحد منهما شرطا لتحقق الآخر وظهوره كانا متداخلين في الأجزاء لتحقق الوحدة في المركب منهما وان كان كل واحدة من هاتين الكرتين متمازجتان في الذرات لأن كل واحدة قد ملأت محل ظهورها فاذا ملأت واحدة ذلك المحل في جميع ذرات اجزائه والمفروض انها جزء شيء واحد وجب ان تكون الكرة الثانية تحل في ذلك المحل وتملؤه كما تملؤه على فرض الاستقلال فيجب ان تتداخل اجزاؤهما لأن كل واحدة قد ملأت جميع اجزاء ذلك المكان ولما كانتا مختلفتين متضادتين في المبدء والكنه كانت اجزاء كل واحدة منهما متوجهة الى مبدئهما كالسراج اذا شعلته في الشمس فان المحل الذي هو الهواء من الكرة البخارية كان جميع اجزائه مملوة من نور الشمس بحيث لم يبق جزء منه الا وهو مشغول بشعاع الشمس ومملو من نور السراج بحيث لم يبق جزء منه الا وهو مشغول بنور السراج الا ان جميع اجزاء نور الشمس متوجهة الى جرم الشمس المنير وجميع اجزاء نور السراج متوجهة الى جرم السراج ولا بد ان تكونا متقابلتي السطوح مختلفين في الدوران لأن هاتين الصفتين من لوازم التضاد ولا بد ان تكونا متمازجتين في الأجزاء لأن ذلك من لوازم وحدة المركب منهما وان تكون التمازج من غير استهلاك شيء منهما في آخر لأن ذلك من لوازم تباين المبدء وتمايزه اذا كانت الأجزاء قائمة بذلك المبدء قيام صدور وان يكون ذلك التمازج من غير استبانة شيء من شيء ولا استهلاك شيء من شيء لأن ذلك من لوازم ملأ المحل بكل واحد من شيئين متبايني المبدء بحيث قد قام كل واحد بمبدئه قيام صدور وقولي الا في الاعتبار يعني عند ملاحظة كون كل واحد قائما بمبدئه قيام صدور وفي الأفعال فانها تصدر متميزة بحيث ان كل فعل لا يصح ان يصدر عن الآخر فيكون مستبينة بعضها من بعض وفي الميول جمع ميل فانها تتمايز لتمايز مبدئها فان الوجود خير ويميل الى كل خير والماهية شر وتميل الى كل شر لأن كل واحد منهما شهوته فيما هو من نوعه فيميل اليه فتختلف الميول لاختلاف الشهوتين ولهذا قلت لتعاند الذاتين اي تضادهما
قلت وكلما قرب من النقطة الكونية كان انور لغلبة الوجود وكلما بعد كان اشد ظلمة لغلبة الماهية حتى تنتهي الشدة والضعف الى نقطة الحركة الكونية والى محدب الكرة فتنتهي الظلمة في جهة الحركة الكونية الى نقطة عند وجه الحركة الكونية فتبعد منفرجة على هيئة مخروط قاعدته محدب الكرة الظاهرة وينتهي النور في جهة محدب الكرة الى نقطة على هيئة مخروط قاعدته عند وجه الحركة الكونية
اقول ان الوجود الذي هو النور كرة والماهية التي هي الظلمة كرة وكل منهما بنسبة بعض اجزائهما الى بعض في الشدة والضعف على هيئة مخروط والوجود قاعدة مخروطته عند وجه علته اعني الحركة الكونية فكلما قرب من اجزائه من الحركة الكونية كان اشد نورا لغلبة الوجود اعني الافاضة من الفعل الذي هو الحركة الكونية ونعني بها الحركة التكوينية كما مر وكلما بعد عنها كان اضعف حتى ينتهي الى نقطة وهذا في الشدة والضعف لا في الحجم بل الأمر في الحجم على العكس في الظاهر ومثاله مثل اشعة السراج فانه نور السراج كهيئة مخروط قاعدته عند شعلة السراج وكلما بعد ضعف حتى ينتهي الى نقطة فيعدم وفي الظاهر على العكس فان التي عند السراج هي الصغيرة الحجم وكلما بعدت الأشعة اتسعت دائرة كرتها وفي الحقيقة لو جمعت آخره وهو اعظم دائرة كرته واوسعها حتى يكون مساويا للأشعة التي عند شعلة السراج في شدة الاضائة كان جميع ما جمعت نقطة لا تنقسم بالنسبة الى ما عند الشعلة فكانت بهيئة مخروط قاعدته عند شعلة السراج ورأسه المنتهى الى نقطة هي ما تنتهي اليه في جهة البعد والماهية كهيئة مخروط في الشدة والضعف كما ذكرنا في الوجود وفي مثاله من اشعة السراج لا في الحجم الظاهر لأنهما في الظاهر كرتان متداخلتان واما في الشدة والضعف فهما مخروطان متقابلان فمخروط الوجود والنور قاعدته عند مبدئه وينتهي الى نقطة هي غاية بعده عن المبدء ومخروط الماهية والظلمة قاعدته عند غاية بعد الوجود والنور عن المبدء ورأسه ينتهي الى نقطة هي غاية قربه من مبدء الوجود والنور فمخروط النور ينتهي ضعفه الى محدب كرة الظلمة التي هي قاعدة مخروطها بنقطة ومخروط الظلمة ينتهي ضعفه الى محدب كرة النور التي هي قاعدة مخروطه بنقطة ومبدء الوجود هو الحركة التكوينية فقولي الى نقطة الحركة الكونية والى محدب الكرة اريد به ان الماهية على هيئة مخروط ينتهي راسه الى نقطة عند نقطة الحركة الكونية وان كانت بالعرض والى محدب الكرة اي كرة الوجود اعني قاعدة مخروطه وكل ذلك في الشدة والضعف لا في الحجم اذ هما في الحجم متساويان لأن صورتهما عند اجتماعهما في الشيء المركب منهما صورة كرة واحدة فاقوي النور في تلك الكرة غاية باطنها التي هي عند الحركة التكوينية لأن المحدب كرة مجوفة ونقطة قطبه وسطه وهو عند علته التي هي الحركة التكوينية وكلما بعد النور عن باطنها ضعف حتى ينتهي الى محدب الكرة بنقطة منه واضعف الظلمة نقطة منها عند اقوى النور يتقوم بها وكلما بعدت قويت بعكس النور حتى تنتهي الى ظاهر الكرة ومحدبها فتقوي الظلمة وهو قولي قاعدته محدب الكرة الظاهرة
قلت فتدور الكرتان الممتزجتان على وجه الحركة الكونية في الخلق تحت الحجاب الاحمر بثلاث حركات ابدا حركة الوجود الذاتية على التوالي وحركة الماهية الذاتية على خلاف التوالي والحركة الثالثة عرضية ففي حال الطاعة تدور الماهية بالحركة العرضية على التوالي وبحركتها الذاتية على خلاف التوالي وفي حال المعصية يدور الوجود بالحركة العرضية على خلاف التوالي وبحركته الذاتية على التوالي
اقول الكرتان الممتزجتان يعني في تركيب المكلف مثلا وهما الوجود والماهية وهما يدوران على الحركة الكونية اعني علتها في الخلق اي في قابليتهما للفعل الايجادي وهو الخلق الثاني تحت الحجاب الاحمر وهو الروح الذي على ملئكة الحجب وهو ركن العرش الأيسر الأسفل اي الظاهر وهو يؤدي الى جبرئيل وجبرئيل يخدمه فيما يتلقي منه في جميع ايجادات الغيب والشهادة بثلاث حركات ابدا يعني ان الكرتين اعني وجود الشيء وماهيته يقبلان الامدادات والتكونات من الحركة الكونية بواسطة حاملها وهو جبرئيل عليه السلام واعوانه بثلاث حركات وهي بيان لكيفية القبول من العلة فانهما في القبول منهما يدوران عليها بثلاث حركات دائما في كل تكون سواء كان في ايجاد ذات او صفة لازمة او غير لازمة كالأعمال والأقوال الاولى حركة الوجود الذاتية على التوالي في تكون سائر الخيرات من الأفعال والأقوال والاعتقادات وغيرهما من الذوات التي هي ثمرتها والثانية حركة الماهية حينئذ الذاتية على خلاف التوالي كما هو مقتضى ذاتها والثالثة حركة عرضية ففي الخيرات تكون العرضية من الماهية لأنها لذاتها لا تدور على الخيرات ولكن اذا ترجح جانب الوجود في طلبه للخير وجب عليها متابعته بالعرض اذ لو لم تتبعه انفك التركيب الذي به تقوم المكلف واذا انفك بطل المركب اعني المكلف ويفنى ويضمحل واذا ترجح جانب الماهية في طلبها للشرور والمعاصي وجب على الوجود متابعتها بالعرض اذ لو لم يتبعها انفك التركيب كما ذكرنا ففي حال الطاعة تدور الماهية عليها بالعرض على التوالي وتدور بحركتها الذاتية على خلاف التوالي على نفسها بمعنى انها غير قابلة للطاعة برضاها بل مكرهة اكرهها على الطاعة الوجود وجنوده من العقل والملئكة فتابعته على الطاعة بالعرض وفي حال المعصية يدور الوجود عليها بالعرض على خلاف التوالي ويدور بحركته الذاتية على التوالي على ربه اي على امر ربه بمعنى انه غير قابل للمعصية برضاه وانما اكرهته على المعصية الماهية وجنودها من النفس الأمارة والشياطين فتابعها على المعصية بالعرض ولا يزال يقوي الغالب منهما حتى ينعدم اعتبار المغلوب فاذا استقر على ذلك تغيرت حقيقته فكان اخا للغالب يدور معه حيث ما دار فان كان الغالب الوجود كانت الماهية اختا له تحب ما يحب وتكره ما يكره فحينئذ تدور على التوالي برضاها وان كان الغالب هو الماهية كان الوجود اخا لها يحب ما تحب من المعاصي ويكره ما تكره من الطاعات فحينئذ يدور على خلاف التوالي بمحبته ورضاه فتكون الماهية في الأول نورا ليس فيها من الظلمة الا ما يمسك حقيقتها واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلام على ما رواه في الكافي في حديث معراج النبي صلى الله عليه وآله قال فكان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا اعلمه الا وقد قال زبرجد وهذا الحجاب هو ما بقي فيه من الماهية فانها لما استولت عليها الأنوار تلاشت ظلمتها حتى لم يبق منها الا كالزرقة السماوية وذلك حين استولى النور على ظلمة ذاتها بقي من الظلمة ما يمسك كنهها فكان من بقية الظلمة مع النور زرقة عبر عن قلة الظلمة بقوله عليه السلام يتلألأ بخفق اي باضطراب يكاد تفنى ويكون الوجود في الثاني ظلمة ليس فيه من النور الا ما يمسك كنهه ويأتي تتمة هذا الكلام
قلت فاذا تتابعت الطاعات ضعفت حركة الماهية الذاتية وابطأت واسرعت عرضيتها واذا تتابعت المعاصي ضعفت حركة الوجود الذاتية وابطأت واسرعت عرضيته ولاجل ان الحركة الذاتية لا تتبع الذاتية الاخرى ابدا وانما تتبع بالعرضية ثقلت الطاعة والمعصية لحصول التعاكس حتى يفني اعتبار احدهما لميله فيخف مقتضي الموجود الميل
اقول فاذا تتابعت الطاعات من المكلف ضعفت حركة الماهية الذاتية اعني ميلها الذاتي على خلاف التوالي لعدم استمدادها من نوعها وابطأت في استدارتها على نفسها لضعف ذاتيتها واسرعت عرضيتها لأنها تدور مع الوجود على التوالي تبعا له لأنها حينئذ من الكلاب المعلمة لأن الوجود علمها مما علمه الله واذا تتابعت المعاصي ضعفت حركة الوجود الذاتية التي هي ميله الذاتي ودورانه على ربه وذلك لعدم استمداده من نوعه من انواع الخيرات والطاعات وابطأت في استدارته على ربه واسرعت عرضيته وهي حركته واستدارته مع الماهية على خلاف التوالي لوجود ميل الماهية وقوته فيتبعه ميل الوجود لضعفه وهذا ظاهر ولأجل ان الحركة الذاتية سواء كانت من الوجود او الماهية لا تتبع ذاتية الآخر ابدا لعدم انقلابه الى نوع الآخر اذ لو انقلبت الوجود عند استيلاء الماهية بدوام المعاصي الى الماهية او انقلبت الماهية عند استيلاء الوجود بدوام الطاعات الى الوجود لم يبق في الشيء الذي هو المكلف تركيب وهو موجب لفنائه لما ذكرنا مرارا فوجب ان يكون الميل الذاتي من كل واحد منهما جاريا على طبيعته وان كان قد يضعف ويبطئ عند قوة ضده وغلبته عليه لأنه لا بد من بقاء شيء من الضد الضعيف به يحفظ الضد القوي عن الاضمحلال ويبقى لذلك الميل الضعيف حركة على وجهه ولو بأقل قليل فلا تتبع الحركة الذاتية حركة الضد الذاتية ابدا اي ما دام المركب من الضدين شيئا موجودا وانما تتبع حركة التابع العرضية حركة المتبوع الذاتية ولأجل ان الذاتية لا تتبع ذاتية الضد كان ميل الماهية الذاتي في كل حال لم يعدم اصلا عند غلبة الوجود واستيلائه بدوام الطاعات وميل الوجود الذاتي كذلك لم يعدم اصلا عند غلبة الماهية واستيلائها بدوام المعاصي ولأجل بقاء الميل التابع لذاته حال متابعته لضده ثقلت الطاعة والمعصية فثقلت الطاعة لوجود حركة الماهية الذاتية على خلاف الطاعة في حال الطاعة وثقلت المعصية لوجود حركة الوجود الذاتية على خلاف المعصية في حال المعصية لحصول التعاكس في الجملة وان ضعف المعاكس ولا يزال حكمها كذلك اعني ثقل المعصية على المطيع والعاصي وثقل الطاعة على العاصي والمطيع حتى يفنى اعتبار كل واحد من الوجود والماهية لميله عند غلبة الآخر فيفنى اعتبار ميل الماهية عند استقرار غلبة الوجود بطاعات الله سبحانه ويفنى اعتبار ميل الوجود عند استقرار الماهية بمعاصي الله عز وجل فيخف مقتضى الموجود الميل اي يخف حينئذ مقتضى الذي يكون ميله موجودا فان كان هو الوجود خف مقتضاه من الطاعات لوجود ميله التام اليها وعدم ميل الماهية في عكسه وانما بقي من ميلها لنفسها قدر ما يحفظ وجودها عن الاضمحلال وليس لها منه استمداد وانما يستمد من دواعي الوجود ومطالبه وان كان الموجود ميله هو الماهية خف مقتضاها من المعاصي لوجود ميلها التام اليها مع عدم ميل الوجود في عكسها اذ لم يبق له من الميل الا قدر ما يحفظ به نفسه عن الاضمحلال وليس له منه استمداد وانما استمداده حينئذ من دواعي الماهية ومطالبها القبيحة
قلت وتدور الكرتان على وجه الحركة الكونية في الرزق تحت الحجاب الابيض بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية لمدد الرزق على التوالي وحركة الماهية الذاتية لمدد الحرمان على خلاف التوالي والحركة الثالثة عرضية ففي حال الرزق تدور الماهية بالحركة العرضية على التوالي وبالذاتية بالعكس وفي حال الحرمان يدور الوجود بالعرضية على خلاف التوالي وبالذاتية بالعكس
اقول ايضا تدور الكرتان كرة الوجود وكرة الماهية بحركة ميل كل منهما على وجه الحركة الكونية لاستمدادهما منها في الرزق كل واحد من نوع رزقه فرزق الوجود امداد وجودي كانوار المعارف الالهية والمعاني العقلية والصور العلمية والقوى الحيوانية كروح الشهوة وروح المدرج وروح القوة وكالأرزاق الجسمانية ورزق الماهية مدد عدمي بمعنى ان اصله من المخلوق وذلك كمدد الانكارات بعد البيان القطعي والدعاوي الباطلة من الجهل المركب والأوهام السجينية لأنها من كتاب الفجار ( لفي خل ) سجين والقوى النفسانية والأرزاق المحرمة وذلك هو ما قسم لهما فقسم للوجود واعوانه ارزاقا محتومة بمقتضى فطرته وارزاقا مشروطة بوجود قابليته بما امر به هو واعوانه وقسم للماهية مددا لها ولأعوانها بمقتضى قابليتها ومددا بمقتضى اعمالها الصورية وصورها الوهمية واوهامها الانكارية وذلك تحت الحجاب الأبيض الذي هو ركن العرش الأيمن النوراني الاعلى الباطني لأنه مصدر الأرزاق وهو على صراط مستقيم ويقتضي لذاته الخيرات وتختلف تعلقاته باختلاف متعلقاتها ويجري فيه قضاء السوء بسبب قابلية المتعلق السيئ فيدور كل قابل منه على وجه استمداده منه مطلقا اي سواء كان القابل الوجود او الماهية بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية لمدد الرزق اي طلب الامداد وهو استمداده من وجه الحجاب الابيض على التوالي وحركة الماهية الذاتية لمدد الحرمان على وجه استمدادها على خلاف التوالي والحركة الثالثة عرضية كما مر ففي حال الرزق باستمداد الوجود تدور حركة الماهية العرضية على التوالي لتبعية الوجود لغلبته لها فتتبعه وتدور بالذاتية على خلاف التوالي لمقتضى طبعها وفي حال الحرمان من الرزق المذكور سابقا في شيء من انواعه او في فرد من نوع من انواعه تدور على خلاف التوالي لموافقة طبعها ويدور الوجود حينئذ اي حين كونه مغلوبا بحركة ( بحركته خل ) العرضية على خلاف التوالي لأنه تابع وعلى التوالي بحركته الذاتية بمقتضى طبعه كما مر واستمداد كل تابع حال التابعية من كسب المتبوع وفي هذه الدواعي والمطالب والحركات من الطرفين اسرار يطول بذكر تفصيلها الكلام والله سبحانه يرزق من يشاء بغير حساب وقد ذكرنا كثيرا منها في هذا الشرح مفرقا فتفقده تجده في محله وذلك ما يترتب في الخلق والرزق والحيوة والممات ويتوقف بعض منها على بعض وينشأ بعض من بعض كالشرعيات الوجودية والوجودات الشرعية
قلت وتدور الكرتان على وجه الحركة الكونية تحت الحجاب الاخضر بثلاث حركات في الموت حركة الوجود الذاتية على خلاف التوالي وحركة الماهية الذاتية على التوالي وعرضيتهما على العكس
اقول ان الكرتين اعني الوجود والماهية تدوران على وجه الحركة الكونية الذي هو مصدر مددهما وخزانة امدادهما تحت الحجاب الأخضر الذي هو اللوح المحفوظ وهو ركن العرش الأيسر الجسماني الاعلى الباطني عند موت كل كلي او جزئي او كل او جزء بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية على خلاف التوالي لأن الموت خلاف الحيوة وحركة الماهية الذاتية على التوالي لتوافق الماهية للموت في الأصل العدمي وعرضيتهما اي عرضية حركة الوجود والماهية على العكس فعرضية حركة الوجود على التوالي لمتابعتها لذاتية الماهية وعرضية حركة الماهية على خلاف التوالي لمتابعتها لذاتية الوجود
قلت وتدور الكرتان على وجه الحركة الكونية في الحيوة تحت الحجاب الاصفر بثلاث حركات كل واحدة بعكسها في الموت في الذاتية والعرضية
اقول ان الكرتين اعني الوجود والماهية تدوران في كل كلي او جزئي او كل او جزء على وجه الحركة الكونية في قبولهما منهما ( منها خل ) في الحيوة التي هي ضد الموت تحت الحجاب الأصفر اي الركن الأيمن النوراني الأسفل الظاهري من العرش وهو الروح من امر الله التي قال تعالى في الاشارة الى ذكره ونفخت فيه من روحي بثلاث حركات كما مر في نظائره فيدور الوجود على علته في قبول الحيوة بحركته الذاتية عليها على التوالي وتدور الماهية عليها بعكس دوران الوجود عليها في الذاتيات والعرضيات وهذا يعرف مما تقدم
قلت فكان للوجود والماهية في مراتب الوجود الاربعة التي بني عليها العرش وتجلي الرحمن بافعاله على العرش بها وهي الخلق والرزق والموت والحيوة كما قال الله تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم اثنتا عشرة حركة ثمان ذاتيات واربع عرضيات في عالم المعاني عالم الجبروت
اقول هذا مجمل ما تقدم ذكره من الاشارة الى الحركات الصادرة من الوجود والماهية في قبول آثار مصادر الخلق والرزق والحيوة والممات وهو ان الحركات الصادرة من الوجود والماهية في تلقيهما من المبدء الفياض وقبولهما منه في الأركان الأربعة الخلق والرزق والموت والحيوة اثنتاعشرة حركة في كل ركن من اركان الكون ثلاث حركات اثنتان ذاتيتان وواحدة عرضية وذلك في كل ذرة من ذراته فاذا نسبت هذه الأركان الى كل واحد من العوالم الثلاثة الجبروت والملكوت والملك والبرزخين اللذين بينهما اعني عالم الرقائق وعالم المثال اذ في كل واحد منهما خلق ورزق وموت وحيوة كان مجموع حركاتها في العوالم الخمسة ستين حركة وتفصيلها ان لهما في خلق الجبروت اعني العقول ثلاث حركات وفي رزقها ثلاث وفي موتها ثلاث وفي حيوتها ثلاث فهذه اثنتا عشرة حركة ثمان ذاتيات واربع عرضيات وفي خلق الملكوت اعني النفوس ورزقها وموتها وحيوتها اثنتا عشرة حركة كذلك وفي خلق البرزخ بين هذين العالمين اعني عالم الرقائق وهي عالم الأرواح ورزقها وموتها وحيوتها اثنتي عشرة حركة كذلك وفي خلق الملك اعني الأجسام ورزقها وموتها وحيوتها اثنتيعشر حركة كذلك وفي خلق البرزخ بين الأجسام والنفوس وهو عالم المثال ورزقه وموته وحيوته اثنتيعشرة حركة فهذه ستون حركة اربعون منها ذاتيات وعشرون منها عرضيات وهو معنى ما قلت : و اثنتا عشرة حركة كذلك في عالم الصور عالم الملكوت واثنتا عشرة كذلك في عالم الاجسام عالم الملك وفي عالم الرقائق عالم الاظلة كذلك وفي عالم الاشكال عالم المثال كذلك الا ان عرضيتهما في عالم الجبروت بالقوة وفي عالم الاظلة بالتهيؤ وفي ما دون ذلك بالفعل فهذه ستون حركة للوجود وللماهية اربعون منها ذاتية وعشرون عرضية اقول وقد تقدم بيان هذه في تفصيل الحركات بقي فيه بعض الألفاظ ربما يحتاج الناظر فيها الى بعض البيان وهي قولنا عالم الصور عالم الملكوت والمراد بالصور هنا الصور الجوهرية وهي المتقومة في تعلقها ووجودها بالمادة بخلاف الصورة المثالية فانها في تعلقها لا تحتاج الى المادة وان كانت في وجودها تحتاج الى المادة فالصور الجوهرية ذوات قائمة بنفسها في الظاهر يعني انها متقومة بمادتها وصورتها واما الصور المثالية فهي صفات واظلة واشعة للذوات قائمة بغيرها كما هو شأن الأظلة وقولنا الا ان عرضيتهما اي الوجود والماهية في عالم الجبروت بالقوة وفي عالم الأظلة بالتهيؤ الخ معناه اذا نسبنا الى واحد منهما الحركة العرضية اذا كان تابعا لضده لا تتحقق اي العرضية من واحد منهما في الحس والتميز بالفعل في شيء من العالمين عالم الجبروت وعالم الأظلة لشدة بساطة عالم الجبروت فالمغايرة فيه خفية الا انها في الحقيقة منشأ للمغايرة الظاهرة فاذن هي عند التعبير عنها مغايرة بالقوة وفي عالم الأظلة الذي هو عالم الأرواح وعالم النفوس بالتهيؤ يعني متميزة تميزا اجماليا ضمنيا لأن المغايرة التي في النفوس والأرواح لم يتميز تميزا تفصيليا كما في الأجسام فان المغايرة في الأجسام بالفعل ظاهرة متميزة فيكون تميز الذاتية من العرضية بحسب ظهور المغايرة وخفائها
قلت ثم اعلم ان للوجود وللماهية باعتبار ذراتهما حركة دهرية غير حركة الكل فكل ذرة من الوجود تدور على وجهها لا الى جهة وكل ذرة من الماهية تدور على وجهها لا الى جهة وكذلك نهايات كل منها ولكل ذرة من كل منهما بالنسبة الى المجموع حكم فلك التدوير في الحامل من الاسراع والابطاء والاقامة والرجوع وحكم المجموع في الحاجة والاستمداد والكروية فكل متوجه الى مبدئه واقف بمسئلته بباب ربه لائذ في فقره بجناب غناه
اقول اريد ان لكل واحد من الوجود والماهية هذا الحكم اذا نسب الى ذرة من ذراته من جزء او جزئي بالنسبة الى واحد منهما فانه كلي بالنسبة الى جزئياته وذلك مثل وجود زيد بالنسبة الى عقله ونفسه وتعقله وعلمه ووهمه وخياله وفكره وحيوته فان كل واحد منها جزئي منه وباعتبار جزء منه ومن تلك الذرات جزء الجزء وهكذا فاذا نسب وجوده الى واحد من تلك الذرات بان لوحظ حاله معها وحالها معه كان له على ذلك الجزء حركة دهرية عقلية او روحية او نفسية او طبيعية او هبائية وهي حركة الكلي على جزئياته والكل على اجزائه حركة تقومية ركنية اذ الكل متقوم باجزائه والكلي كذلك على الأصح وكذلك لكل ذرة من ذراته حركة تدور بها على وجهها منه وهذا الوجه هو الذي يدور به على هذه الذرة لأن الوجه هو باب الوجود الى تلك الذرة وبابها اليه وكذلك الماهية بالنسبة الى ذراتها وهذه الحركات كلها دهرية وذلك كدورة الكل على الجزء وبالعكس والشرط على المشروط وبالعكس والصفة على الموصوف وبالعكس والفعل على الفاعل وعلى المفعول وبالعكس والكلي على الجزئي وبالعكس وكذلك كل منهما كنور النور وصفة الصفة وهكذا وبالعكس والمثل على نظيره وبالعكس والضد على ضده وبالعكس وما اشبه ذلك سبحانه من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ولكل ذرة من ذرات الوجود والماهية بالنسبة الى ما تنسب اليه حكم فلك التدوير الحامل للكوكب في حامل فلك التدوير بالنسبة الى بادي الرأي فانه اذا توافقت الحركتان اسرع سير الكواكب وذلك لأن الفلك الأعظم يدور الى ناحية المغرب وتداوير المتحيرة اعلاها يدور الى المشرق واسفلها الى المغرب فاذا تلاقت حركات اعاليها في نقطة اوجاتها مشرقة مع حركة الفلك المحدد مغربة اقامت المتحيرة في بادي راى البصر لتعاكس الحركتين وهي الاقامة واذا اخذت في دورانها الى جهة المشرق بحركة تداويرها عرض لها الرجوع والابطاء لأن الفلك يردها الى جهة المغرب واذا اخذت في دورانها الى نقطة حضيضها او الى نقطة المغرب استقامت واسرعت لموافقة حركتها لحركة الفلك الأعظم وهذا مثال حركات ذرات كل من الوجود والماهية اليه لأن حركة الذرة والجزء اذا كانت في نقطة اوجها وهو اعلى اطوار تشخصها وقفت واقامت لأنها قد خرت ساجدة بين يدي مبدئها تعالى واذا شرعت في التعين رجعت وابطأت واذا كانت في غاية عبوديتها او توجهت الى حكم محض تبعيتها استقامت واسرعت لموافقتها لحكم جملتها ومجموعها وايضا لكل ذرة من كل واحد من الوجود والماهية حكم الكل في الحاجة الى الامداد والى قيومية علته في التقوم وحكم الكروية في استدارتها لا الى جهة كالمجموع فكل اي كل واحد من الوجود والماهية ومن ذراتهما واجزائهما وجزئياتهما متوجه الى مبدئه على الانفراد والاجتماع اي متوجه الى مبدئه ومبدء مبدئه ومبدء جملته وهكذا واقف بمسئلته بباب ربه لائذ في فقره الى كل شيء مما اشرنا اليه بجناب غناه لأنه قائم بامره الفعلي قيام صدور وبامره المفعولي قيام تحقق اي قياما ركنيا
قلت ثم اعلم ان عرضية كل شيء مما ذكرنا هي جهة فقره الى ضده فعرضية الوجود جهة فقره الى الماهية في الظهور وعرضيتها جهة فقرها الى الوجود في التحقق فلهذا تتبع عرضية كل واحد ذاتية الاخر
اقول قد ذكرنا ان الوجود والماهية وذرات كل واحد بالنسبة الى ذرات الآخر لا ينفك الشيء عن التركيب من ضدين منهما بان يتركب بعض الأشياء من وجود وماهية وبعض الأشياء من من جزئيهما وبعض الاشياء من ذرتين منهما سواء كان المركب من جوهرين ام من جوهر وصورة ام من صورتين وذكرنا ان المركب مكلف وان كل مكلف لا ينفك في كل فعل او قول او عمل عن ثلاث حركات ذاتيتان وعرضية وهنا ذكرنا ان عرضية كل واحد هي جهة فقره الى ضده فلهذا يدور على خلاف مقتضى ذاته فعرضية الوجود جهة فقره الى الماهية في الظهور لتوقف ظهوره في عالم الأكوان على الماهية لأنها صورته ولا يقوم الشيء بدون صورته وعرضية الماهية جهة فقرها الى الوجود في التحقق لتوقف تحققها في الأكوان على الوجود ومن ثم تتبع عرضية كل واحد من الوجود والماهية ذاتية الآخر لما بينهما من التلازم بحيث لا يستغني احدهما عن الآخر لأنه شرط له
قلت الفائدة الثانية عشرة في بيان ثبوت الاختيار اعلم ان الاختيار نشأ من ميل الوجود الى ما يناسبه وميل الماهية الى ما يناسبها كما ذكرنا مرارا وهو ذاتي وفعلي فالاول هو استدارة الشيء بوجه افتقاره على قطب استغنائه اي ما يطلب منه الاستغناء وقد اشرنا الى هذا فيما سبق من حركته على قطبه والثاني استدارته بالاته على جهة قطبه لحاجته من احدهما
اقول ان الاختيار المنسوب الى المحدثين من المكلفين اي مما يتوجه اليه التكليف لان التكليف شرط صحته الاختيار وهو اي التكليف شرط لصحة الايجاد فلو لم يكن مختارا لم يحسن تكليفه ولو لم يحسن تكليفه لم يحسن ايجاده وحيث دل النقل من الكتاب والسنة بان كل شيء مكلف وكل شيء يسبح بحمد الله الا ان مراتب تكاليفها مختلفة فكل شيء تكليفه بحسب تنبه العقل بنص الكتاب والسنة فطلب بيانه فوجده كما نص عليه النقل واستدل بذلك على ثبوت الاختيار لكل موجود ونشير الى ذلك وهو انه قد ثبت ان كل شيء مركب من وجود وماهية وقد تقدم ان هذا الكلام عبارة عن المادة والصورة كما هو المذهب الحق وان الوجود هو حقيقة الشيء من ربه لأنه اثر فعله عز وجل وان الماهية هي حقيقته من نفسه وان كل واحد مخالف بحقيقته لحقيقة الآخر وان كلا منهما لا يستغني في بقائه عن المدد وانه لا يطلب الاستمداد الا من نوعه وانهما في الشيء المركب منهما غير متمازجين تمازج استهلاك وان ميل كل منهما مخالف لميل الآخر وان المركب منهما يحصل له الميلان المتعاكسان بواحد منهما يطلب وبالآخر يترك فحصل له الاختيار من حصول الميلين له المنسوبين اليه بواسطة جزئي ذاته فاذا امر بالصلوة مثلا مال اليها الوجود لأنها من نوعه وطلب فعلها ليتقوي بها لأنها صالحة لكونها مددا له يحصل بها بقاؤه الا انها خلاف مدد الماهية وتضعف بفعلها فتميل الى تركها لأن ترك الصلوة من نوعها وتتقوى به والميلان صدرا من الشيء من جزئي ذاته وهذا الاختيار لازم لكل مركب من الوجود والماهية وكل مخلوق فهو مركب منهما لا فرق في ذلك بين الانسان والحيوان والنبات والجماد ولذا قال الله تعالى هو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون اخبر عنهم بضمير العقلاء ولم يقل يسبحن او تسبح وقال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ولم يقل تسبيحها وقال تعالى أولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولم يقل وهن داخرات او وهي داخرة فان قلت انما استعمل ضمير العقلاء للتغليب قلت فلم لم يغلب في قوله الى ما خلق الله فانه لم يقل الى من خلق الله على انه اتى بضمير العقلاء مع عدم من يغلب به كما قال تعالى وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون لأنهم مكلفون والمكلف يلزم ان يكون عاقلا لما يكلف به وان كان كل شيء كان له عقل بحسبه قال تعالى فقال لها وللأرض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ولم تقولا طائعة وبالجملة فحيث كان الوجود في تنزله بمراتبه بمنزلة شعاع السراج كلما قرب من السراج كان انور وكلما بعد من السراج كان اضعف نورا وهو اي الوجود في نفسه ادراك وفهم وشعور وما اشبه ذلك من اسباب التكليف وشرايطه وكلما قرب من المبدء قويت فيه جهات المدارك وكلما بعد من المبدء ضعفت فيه تلك الجهات والتكليف يتعلق بالمكلف بنسبة تلك الجهات واقوى مراتب التكليف ما توجه الى الانسان لأن اقوى تلك الجهات ما وجدت فيه واضعف مراتب التكليف ما توجه الى الجماد لأن اضعف تلك الجهات ما وجدت فيه وما بينهما من العوالم تكليفه بنسبة قوة الجهات وضعفها وهذا ظاهر لمن نظر ببصيرته طالبا للحق ثم ان الميل المذكور من كل شيء على قسمين : الأول الميل الذاتي وهو استدارة الشيء اي طلب الشيء بوجه افتقاره يعني بميل افتقاره حال تكونه وحال استمراره في بقائه على قطب استغنائه وهو امر الله الفعلي صاحب القيومية له وامر الله المفعولي الحافظ له فيستغني من فعل الله في صدوره وقبوله للتكوين ومن امر الله المفعولي الذي هو الماء المسمى بالحقيقة المحمدية في بقائه ودوامه لتقوم الشيء به تقوما ركنيا اذ مادة كل شيء حصة منه وهذا معنى قولي اي ما يطلب منه الاستغناء فان كل شيء يطلب الاستغناء من امر الله كما فصلنا والثاني الميل الفعلي وهو استدارة الشيء بآلاته التي بها يعمل ويتسبب على جهة قطبه يعني قطب استدارته وهذه الجهة التي يدور عليها بآلاته هي آثار ذلك القطب فان هذا القطب الذي هو امر الله الفعلي وامر الله المفعولي كما ذكرنا يتلقي الشيء من آثاره وبها تقومه صدورا وتحققا وقولي لحاجته من احدهما اريد به انه انما يميل لفقره وحاجته الى الاستمداد فان كان المستمد اعني الوجود او الماهية استمد من نوعه كما لو استمد الوجود من الطاعات والماهية من المعاصي قوي وغلب الآخر واستولى عليه وان لم يستمد من نوعه وانما تبع المستمد من نوعه ضعف وغلبه الآخر واستولى عليه لأنه انما ينتفع بمتابعته لضده في حفظ اصل نفسه ولهذا يتخلق باخلاقه ويتصف بصفاته ويتابعه في مطالبه فله من مدد متبوعه مدد عرضي وهو جزء من سبعين جزء لأن ميله مع متبوعه عرضي فعلي ناقص في اصل اقتضائه للمدد وانما تم اقتضاءه بجزء من سبعين من الصفة ( صفة خل ) متبوعه بفضل ميله الذاتي وهذا الفضل شعاع من الميل الذاتي فاستفاد من كل تابعيته حفظ اصل نفسه عن الفناء والتلاشي
قلت وحيث كان للشيء ميلان متعاكسان يكتفي بمتعلق احدهما جاء الاختيار فهو ان شاء فعل وان شاء ترك هذا في الميل الفعلي واما الميل الذاتي فهو مختار في كل واحد من شقيه اي مختار في ميل الوجود نفسه الى ما يقتضيه وفي ميل الماهية نفسها الى ما تقتضيه
اقول لما كان للشيء ميلان متعاكسان ميل من وجوده الى انواع الخيرات والطاعات وميل من ماهيته بعكس ميل الوجود يعني الى الشرور والمعاصي يكتفي بمتعلق احدهما يعني ان الشيء المركب منهما وهو المكلف يكتفي في سد فاقته وبقائه بمتعلق احدهما من الطاعات او المعاصي على الانفراد او على التعاقب لأن متعلق كل منهما عام لكل ما يحتاج اليه بحيث لا يحتاج في طلب الطاعات والخيرات الى شيء لا يوجد في متعلق ميل الوجود الا في متعلق ميل الماهية وفي طلب المعاصي والشرور لا يحتاج الى شيء لا يوجد في متعلق ميل الماهية الا في متعلق ميل الوجود بل كل شأن من شئون احدهما يوجد في متعلق ميله لأنه سبحانه خلق جميع ما خلق لعباده صالحا لأحد السلطانين واليه الاشارة بقوله تعالى انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا ولما كان له الميلان المتعاكسان كما سمعت جاء الاختيار اي ثبت له الاختيار بمعنى انه ان شاء فعل باحد الميلين وان شاء ترك بالميل الآخر وقولي يكتفي بمتعلق احدهما جملة فعلية وقعت صفة لقولنا ميلان ولو جعلتها حالية جاز على بعد وهذا الكلام بيان للميلين الفعليين واما الميلان الذاتيان لهما فالشيء المركب من المائلين الوجود والماهية مختار فيهما بمعنى ان ميل كل بذاته الى قطب استغنائه بقابليته عن اختيار مساوق لكونه وهذا المعنى من اسرار القدر التي تسافلت عنها افهام الفحول من العلماء ووفق ( ووقف خل ) لها من سبقت له العناية والله يرزق من يشاء بغير حساب فان الشيء مختار في ميل كل من شقيه الوجود والماهية فيميل وجوده الى الطاعات باختيار الشيء لحصول ميل ضده عنده وباختيار الوجود نفسه لحصول ميل ضده معه وتميل ماهيته الى المعاصي باختيار الماهية نفسها لحصول ميل ضدها معها كل الى ما يقتضيه وميل الجزء باختياره ايضا لحصول الموجب للاختيار وهو وجود الضد فان الشيء انما كان مختارا لتقومه بتركبه من الضدين كذلك يعني انما كان مختارا لتقومه في نفسه بانضمام ضده اليه كما تقدم من ان كل واحد من الوجود والماهية يعتبر في وجوده وتحققه وجود الآخر اذ كل ممكن زوج تركيبي وكل منهما ممكن فالشيء مركب منهما والوجود مادته نفسه وصورته انضمام الماهية اليه والماهية مادتها نفسها وصورتها ضم الوجود اليها فكما كان الشيء مختارا لتركبه من الضدين المائلين على التعاكس كذلك جزؤه كان مختارا لتركبه من نفسه وانضمام ضده اليه وهما المائلان على التعاكس
قلت وبيان ذلك ان الوجود لا يشتهي الا النور ولا يشتهي لذاته الظلمة وان اشتهاها بالعرض والاعتياد الذي هو عرضي ولا يمكن في ذاته من حيث صدوره بفعل الله ان يشاء الظلمة لانها جهة الماهية منه فلا يمكن ان يشاء الا يشاء ما يشاؤه اذ المشية واحدة فلا تنبعث حيث لا تنبعث وكذا الكلام في الماهية نفسها من حيث هي
اقول هذا بيان لنفس الميل بأن اصل منشأه الشهوة وطلب الملايم وهو المراد بالاستمداد من النوع كما مر لأن الميل الذاتي لا يكون من الشيء لما ينافي ( ينافر خل ) طبيعته فلذا قلنا ان الوجود لا يشتهي الا النور وكذا الماهية واما اذا مال الوجود الى الظلمة في حال كونه مغلوبا فانه ميل بالعرض والاعتبار الذي هو بالعرض لا بالذات الذي هو شأن صدوره بفعل الله فانه لا يشتهي لذاته عنه الا النور فاذا كان كذلك لا يشتهي من ذاته الظلمة اذ لا يمكن ان يشاء من ذاته عدم مشيته لما يشاء من ذاته فانه اذا كان يشاء من ذاته النور لا يشاء عدمه اذ يلزم ان يشاء ما لا يشاء لأن المشية واحدة فلا تنبعث لغير موجب انبعاثها لأنه ( لانها خل ) ضد فيكون انبعاثه بموجب عدم انبعاثه وهو محال واما بالعرض فلا بأس به كما قلنا وكذا الكلام في الماهية
قلت ولا يظن ان هذا مناف لما نذكره من انه لا يكون شيء من شيء الا باختيار ولا جبر في جميع الاشياء لا لها ولا منها لان الوجود لا شيئية له الا في الماهية والماهية لا شيئية لها الا بالوجود وما ليس له في حقيقته بكل اعتبار الا جهة واحدة لا يمكن فيه تعدد ميل او اختلاف انبعاث وليس هذا جبرا لان الجبر ان يميل الشيء غيره على خلاف مقتضى ذاته او بغير ميل ذاته وهذا بميل ذاته فليس جبرا فهو اختيار اذ لا واسطة بينهما
اقول لا تظن ان هذا وهو ان كل واحد من الوجود والماهية اذا كان مغلوبا يكون له ميل عرضي الى خلاف ما يقتضيه ذاته فانه اذا كان مغلوبا فهو مجبور على خلاف ما يقتضيه ولا يراد من الجبر غير هذا فلا يكون منافيا لما تذكرونه بعد هذا من انه لا يكون شيء من شيء اي لا يصدر من شيء حركة او سكون في غيبه او في شهادته الا باختيار منه وان جميع الأشياء من الناطق والصامت والحيوان او النبات او الجماد من الذوات او الصفات لا جبر فيها لا لها اي لا يجبرها غيرها ولا منها اي ولا تجبر غيرها لما سنبينه من ان ما ترونه في كون الشيء يسلك به غيره غير ما يكون من شأنه مثلا اذا رميت الحجر الى جهة العلو فان صعود الحجر بغير اختياره اذ شأنه النزول ولا نريد بالجبر الا هذا وليس هذا جبرا لأن الرامي للحجر ليس قاسرا له وانما هو معين له لأن في الحجر امكانا ناقصا للصعود فكان دفع الرامي له الى جهة العلو متمما لما يمكن منه كما يأتي ومضي بعض الاشارة الى هذا فراجع وايضا انما قلنا ان الوجود لا يشتهي الا النور وان مال مع الماهية في فعلها للظلمة ليس لذاته وانما هو ميل عرضي لأن الوجود في ذاته بسيط لا شيئية له ولا تحقق من حيث نفسه الا في الماهية التي لا تشتهي الا الظلمة وذلك لأنه لما كان في ذاته بسيطا لأنه نور وبه امتنع تعدد ميله من ذاته وانما يميل الى النور خاصة الذي هو من نوعه واما اعتبار شيئيته من نفسه ليلزم تعدده في ذاته فيتعدد ميله فيميل الى الظلمة كما يميل الى النور فلأن ملاحظة شيئيته هي ملاحظة ضده اعني الماهية اذ لا شيئية له الا بالماهية التي ميلها عكس ميله فليس فيه لذاته تعدد فلا يميل الى الظلمة بذاته قط واما انضمام الماهية اليه الذي قلنا انه صورته التي يتقوم بها فحاصل ميله انما هو الى الظلمة اذ ليس الانضمام جزءا لذاته من جهة محدثه وكذلك الماهية لا تشتهي النور لبساطة ذاتها فلا يكون لها ميلان ذاتيان واما شيئيتها من ربها ليس الا ضم الوجود اليها وميله الى النور فليس ذات احدهما مركبة لان التركيب المعتبر في كل ممكن بحيث تكون ( ذاته خل ) مركبة انما هو في الشيء الممكن لا في اجزائه واما فيما كان حصة من مركب كحصة الحيوان للانسان فهي مركب ويجوز ان يكون له ميلان فان الحيوان جسم متحرك بالارادة فللحصة منه ميل الجسمية وميل التحرك بالارادة الذي هو الفصل الاضافي وما كان حصة من بسيط فليس له الا ميل واحد كالحصة من الوجود والماهية والفارق بينهما ان البسيط هو الذي لا يظهر الا مع انضمام فصل والحصة المأخوذة منه كذلك والمركب هو الموجود قبل اخذ الحصة كالخشب فانه موجود قبل حصة السرير وكالحيوان في مثالنا والمايز بين الحصتين ان المأخوذ من نفس المادة بسيط له ميل واحد وهذا لا يدخل في الأكوان الا مع صورته التي هي فصله والمأخوذ من المادة والصورة النوعيتين مركب له ميلان فافهم وقولي لأن الجبر ان يميل الخ هو ما قلت لك ان الجبر ان يميل المجبر المجبور الى غير ما يمكن في ذاته لا بالفعل ولا بالقوة واما اذا ماله بما في قوته فهو مما يمكن في ذاته الا انه ناقص لا يقتضي الميل بدون معين والمجبر متمم لنقصه فعلى هذا لا يمكن الاجبار اصلا وانما ( انما الممكن خل ) القلب لحقيقته ثم بعد القلب يقتضي الميل بنفسه او بمتمم والقلب ايضا لا يكون الا فيما يمكن كذلك فالاجبار في الحقيقة اي الاجبار الحقيقي ممتنع فافهم ويأتي تمام هذا الكلام
قلت الا انه يقال عليه انه جزء اختيار لان المعروف من الاختيار هو الميل الى جهتين مختلفتين لداعيين مختلفين عن الارادة المركبة من ذلك الشيء المركب فهذا الاختيار هو الاختيار الناقص ونظيره المعنى الذي في الحرف فانه اذا ضم الى غيره تم المعنى ولا يقال ان هذا هو اختيار الواجب لبساطة ذاته فليس له الا اختيار جهة كما قاله كثيرون من ان وحدة مشيته ينافي الاختيار واما امر ان شاء فعل وان شاء ترك فحكم راجع الى الممكن من حيث هو
اقول قولي الا انه يقال عليه الخ اريد به ان كون اختيار الوجود او الماهية متحققا مع انه ليس له ميلان يمكن ان يقال عليه انه جزء اختيار ويراد من جزء اختيار انه اختيار ناقص لأنه احد شقي الاختيار فان احد شقي الاختيار موجب لأن المعروف من الاختيار عند الاطلاق هو الميل الى جهتين مختلفتين بميلين مختلفين لداعيين مختلفين عن الارادة المركبة الاختيارية لأنها مركبة من ارادتين على التعاقب منبعثين من ذلك الشيء المركب وليس المعروف من الاختيار عند الاطلاق الميل الطبيعي الجبلي ليمكن ان يراد من جزء الاختيار احد ميلي شقي المركب لأن هذا على الظاهر من نوع الايجاب بل معناه يرجع الى الاختيار الناقص والمراد بهذا النقص ملازمة المائل لشيء واحد غالبا لضعف اعتبار ميل الجهة الضدية حتى يضم اليه الضد كما في الشيء المركب ونظيره المعنى الذي في الحرف فانه معنى ناقص ولهذا قيل الحرف ما دل على معنى في غيره ومثله قول امير المؤمنين عليه السلام لأبياسود الدؤلي والحرف ما دل على معنى ليس باسم ولا فعل فاذا ضم الى ذلك المعنى معنى آخر فان المعنى حينئذ يتم ولا يقال ان هذا يعني جزء الاختيار هو اختيار الواجب تعالى لكمال بساطته سبحانه فليس له الا ميل واحد فليس ( له خل ) الا اختيار جهة واحدة لأن التعدد يلزم منه التركيب كما قاله كثيرون مثل الملا صدرا وداماده الملا محسن في الوافي وهو عبارة عبدالرزاق الكاشي في شرح فصوص ابنعربي من ان وحدة مشيته تنافي الاختيار لأن المشية نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والعلم والمعلوم انت واحوالك واما حكم ان شاء فعل وان شاء ترك فحكم راجع الى الممكن من حيث هو بمعنى ان اي الطرفين وقع فهو الذي عليه الممكن في نفس الأمر نقلت بعض كلامه في الوافي بالمعنى وصرح الملا صدرا في كتبه منها شواهد الربوبية ان الاختيار الذي يوصف به الواجب وينسب اليه هو القصد الى الفعل والرضا به لا انه ان شاء فعل وان شاء ترك حتى ان الملا محسن (ره) في الوافي قال فليس للحق الا وجه واحد وهو الذي يليق لشأن الحق سبحانه وهذا كله غلط بل هو سبحانه مختار بمعنى ان شاء فعل وان شاء ترك ولا يلزم من هذا تغير علمه كما توهموا لأنه يعلم ان هذا يكون متحركا ان شاء ذلك ويكون ساكنا ان شاءه فاذا غير شيئا غير ما علم انه يغير الى ما علم فلا يلزم تغير علمه تعالى وانما يلزم ثبات علمه
قلت لان هذا باطل وذلك لان الاختيار المنسوب الى كل ممكن بحيث ان شاء فعل وان شاء ترك فانما ذلك لان كل اثر مشابه لصفة مؤثره وهو ما في المشية في نفسها اذ جميع ما يمكن ان ينسب الى الممكن من فعل او انفعال او اضافة او غير ذلك صفة لذات ذلك الممكن فما لا يمكن في ذاته لا يمكن ان يكون منه او ينسب اليه بكل اعتبار ولا يمكن في ذاته الا ما يمكن في المشية ولا يمكن في المشية الا ما يمكن في العلم وهو الذات الحق سبحانه وتعالى فاختيار الممكن اثر لاختيار المشية واختيار المشية اثر لاختيار الواجب
اقول قولي لأن هذا باطل اريد به ان الاختيار الجزئي الذي في البسيط الممكن كالوجود ليس كاختيار الواجب لشدة بساطته لأن هذا اي نسبة اختيار الواجب تعالى الى الجزئي باطل من جهة ان الاختيار التام الذي في الممكن الكلي المركب انما هو اثر لاختيار فعل الله اعني المشية لأن جميع هيئات الممكن وصفاته الذاتية بل والفعلية اثر هيئات المشية التي هي فعل الله لما تقرر من ان كل اثر يشابه صفة مؤثره التي هي مبدء تأثيره وذلك هو ما في المشية في نفسها اي هو ما اختص بالمشية في نفسها من صفاته الفعلية ومن آثار صفاتها الذاتية المنفصلة اعني عنواناتها التي هي ذوات تلك الآثار اذ جميع ما يمكن في الممكن وينسب اليه من فعل الذي هو آية فعل مؤثره وانفعال الذي هو آية قابلية الأثر للتأثير واضافة التي هي آية التقييد والتشخص كلها واشباهها صفات ذلك الشيء وقولي صفة لذات ذلك الممكن اريد ( به خل ) ان هذه صفات لذاته في الجملة بمعنى انها مشابهة لما منه او به او له او عنه لا انها صفات لمحض ذاته بل لما ينسب الى جهة ذاته فالمشابه لما منه كالدواعي وميولات وجوده وماهيته فانها مشابهة لوجوده او ماهيته لأنها جهة فقره من احدى حقيقتيه حقيقته من ربه كالوجود او حقيقته من نفسه كالماهية والمشابه لما به كالنسب والاضافات كالعلم الاشراقي مثل علمه بزيد عند حضوره اذ هذه النسبة انما تحصل بحصول زيد وتذهب بذهابه فهي في الحقيقة ما حصل به من العلم بزيد مما انكشف له منه والمشابه لما له كالأعمال الصادرة منه فانها مشابهة لما له لأنها من مشخصات ذاته والمشابه لما عنه كالافعال الاختيارية فانها مشابهة لما عنه كارادته وميولاته وبالجملة فالمراد بالمشابهة للذات المشابهة لما ينسب اليها بوجه لأن الآثار صفة للافعال وانما نمنع من قول ان الآثار صفة للذات حذرا من ان تتوهم ان الآثار راجعة الى الذات ومنتهية اليها وهي انما تنتهي الى الأفعال والأفعال الى انفسها التي هي مباديها مع انها اي الآثار والأفعال يقال عليها انها صفات الفاعل الا انها صفات اشراقية وهي في الحقيقة حدود للأغيار لا للذات ( للذوات خل ) واذا اردت ان تفهم هذا المعنى فافهم قول الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فافهم معنى غيوره تحديد لما سواه فان قولك انه تعالى ليس بجسم مثلا ان هذه الصفة السلبية صفة غيره وتحديد للجسم والحاصل انه لا يمكن في ذات الممكن بل ولا فيما ينسب اليه الا ما يمكن في المشية اي يصح عنها اذ كل ما لا يكون ممكنا كالواجب لا يصح في الممكن ولا عنه ولا به ولا له ولا منه وكل ممكن فهو بالمشية او عنها فيكون مشابها لصفة المشية على نحو ما ذكرنا في الممكن بالنسبة الى ما ينسب اليه ولا يمكن في المشية الا ما يمكن في العلم الذي هو الذات الحق تعالى ومعنى الامكان في المشية الامكان الراجح والامكان المعبر عنه في الذات الحق فهو حكاية التعريف حيث قيل يمكن في حق الحق ويمكن في حق الواجب تعالى فصح التعبير بالامكان اجراء للعبارة على نمط واحد والا فلا يصح استعمال الامكان في حق الواجب تعالى حتى الامكان بالمعنى العام اعني سلب الضرورة من الطرف المخالف فان هذه وامثالها حدود الحوادث حتى الوجوب المعروف ولكن لا مناص عن التعبير به لان الحادث لا يقدر الا على ما هو من نوعه والمعنى في قولنا الا ما يمكن في العلم اي ما يصح يعني يجب ومعنى كون المشية مشابهة لصفة الحق تعالى على نحو ما ذكرنا في الممكن فاذا فهمت ذلك في حق الممكن فاعلم انه آية ودليل على التعبير في التعريف لعنوان الواجب الحق المسمى بمقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان قال عليه السلام :
اعتصام الورى بمغفرتك عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فاننا بشر ما عرفناك حق معرفتك
والحاصل اختيار الممكن اثر اختيار المشية لأنه اثر احداثها له على قابليته واختيار المشية اثر اختيار الواجب لأنها اثر احداثه تعالى لها بها حين شاء بها ما شاء من خلقه ولله المثل الاعلى وقال الصادق عليه السلام في الدعاء عقيب الوتيرة بعد العشاء على ما رواه الشيخ في المصباح : بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك الدعاء والى ما ذكرنا من الترتيب الاشارة بقوله تعالى فجعلناه سميعا بصيرا وهو القائل عز وجل في كتابه في وصف نفسه وانه هو السميع البصير فافهم
قلت فان قيل هل يعلم في الازل زيدا في الحدوث انه حيوان ناطق ام لا فان كان يعلم ذلك لم يجز الا يخلقه او يخلقه فرسا والا انقلب علمه جهلا وان لم يعلم لزم الجهل بما سيكون وهو باطل بالضرورة فوجب انه يعلم انه حيوان ناطق والمشية صفة تابعة للعلم فيجب ان يخلقه كذلك ولا يمكن في حقه غير ذلك وان كان زيد في نفسه من حيث هو ممكنا في حقه التغيير
اقول هذا السؤال هو الذي ادخلهم في الخطاء حتى قالوا بما يلزمهم القول بالايجاب كما سمعت من قولهم انه ليس للحق تعالى الا وجه واحد وان الاختيار المنسوب اليه تعالى تنافيه وحدة المشية لان المشية نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك كما نقلناه من الملا محسن في الوافي وهو كلام عبد الرزاق في شرح الفصوص ومرادهم ما افادهم امامهم مميت الدين من ان علمه تعالى مستفاد من المعلوم حتى انه في الوافي نقله ثم اعترض على نفسه بأن هذا يلزم منه الافتقار في علمه الى الغير ثم اجاب بتوجيه هذا الكلام ورده ثم بعد الرد بقليل قال به في قوله السابق والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك وتحرير شبهتهم انه تعالى عالم في الأزل بان زيدا حيوان ناطق فلو لم يخلقه اصلا او يخلقه فرسا حيوانا صاهلا انقلب على جهله لعدم مطابقته ولو لم يعلم به في الأزل لزم كونه جاهلا لعدم علمه بما سيكون قبل ان يكون وكلا الفرضين باطل وهذا ظاهر فوجب ان يكون عالما بأن زيدا حيوان ناطق فيجب ان يخلقه كما علمه لأن فعله كذلك من اثر مشيته لذلك ومشيته من علمه وعند خصوص اتباع ابنعربي وعلمه من المعلوم حصلت لهم هذه لأن المعلوم يعطي العالم العلم به فعلمه مستفاد من المعلوم واما جواز كون الممكن في نفسه قابلا للشيء ونقيضه فامر راجع الى تجويز العقل بكون الممكن قابلا للشيء ونقيضه واي الأمرين وقع عليه الممكن فهو ما هو عليه في نفس الأمر لا غيره هذا في الجملة تحرير شبهتهم وما يتفرع عليها والجواب عن هذه بحيث يرتفع عمن قال بها اذا كان طالبا ( للحق خل ) منصفا يتوقف على تطويل بتقديم مقدمات وايراد شبهات تعارض شبهتهم حتى تنسل من القلوب التي اشربت حب هذه الأوهام وقد ذكرنا كثيرا في شرح رسالة العلم للملا محسن من ارادها طلبها الا انا نذكر شيئا يكفي العارف المنصف اذا ساعده التوفيق
قلت قلنا هو سبحانه يعلم ما يكون وما يشاء ان يغير الى ما شاء فكل طور يمكن ان يكون الممكن عليه فهو يعلمه وكل احتمال فيما يشاء فهو يعلمه ويعلم ما يكون مما يكون حين يشاء كيف يشاء فاذا علم زيدا انه سيكون حيوانا ناطقا فهو في علمه واذا شاء ان يغير الى ما يشاء فهو في علمه فاذا اراد غير ما يشاء كيف يشاء وفي كل تغيير وتقرير ومحو واثبات فهو مطابق لما هو عليه في علمه فتغيير ما علم اذا تقرير لما علم لانه شاء ما علم فاذا شاء تغييره كان شائيا لما علم سبحانه سبحانه لا يقدر الواصفون وصفه
اقول والاشارة الى الجواب انه يعلم ما يكون ويعلم ما يشاء ان يغيره الى ما شاء قبل ان يكون او ( وخل ) بعد ان يكون واما تغيير ما علم انه يكون قبل ان يكون هو عنده سبحانه من نوع التغيير ما علم انه يغيره بعد ان يكون لانه تعالى اذا علم انه يغير ما علم انه يكون قبل ان يكون كان معنى كونه الذي علم تغييره انه يتحقق في رتبة او رتبتين مثلا من مراتب اكوانه وانه يغيره بعد ذلك كما لو علم تحقق معناه في العقول ثم يغيره بعد ذلك او في العقول والنفوس ثم يغيره الى ما شاء من حكم قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت وهكذا وليس معناه انه علم انه يكون وانه يغيره قبل ان يكون لأن هذا مستحيل اذ ليس علمه زمانيا وليس فيه استقبال كما قال عليه السلام ليس عند ربك زمان وانما تعلق علمه بكونه حين كان في وقت وجوده ومكان حدوده قبل ان يكون عند الخلق وعند نفس المكون لأن الكون والتحقق عند الخلق فيما سيكون مستقبل فاذا وقع في وقته الخاص به في مكان تكونه انتهى الاستقبال والانتظار عند ساير الخلائق وعند نفس المكون وليس عند الله عز وجل انتظار ولا استقبال فيتعلق ( يتعلق خل ) علمه بكونه حين كونه لا قبل كونه وان كان عند الخلق قبل كونه فاذا علم انه يكون فمعناه انه تعالى علم انه كان فلا يصح ان يقال علم انه سيكون وعلم تغييره قبل ان يكون الا على معنى كونه في بعض مراتب وجوداته وعلم تغييره في غير ذلك البعض هذا حكم الكون واما الامكان فان الشيء عند الله يمكن فيه ما لا يتناهى من الأكوان فاذا البسه كونا منها بقيت ساير اكوانه الغير المتناهية في امكاناتها من مشيته تعالى وازمتها بيده ما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن والعلم بها اشراقي سواء كان امكانيا ام كونيا اما الامكاني فقد تعلق بها ازلا ابدا واحصاها عددا واما الكوني فهو ما كان منها لا غير سواء استمر ام غير فانه عز وجل لا يفقد شيئا من ملكه من المكان الذي اقامه فيه ووقته الذي كونه فيه والحاصل ان كل شيء فقد احصاه في كتبه وهو عالم بما يمكن فيها وبما يكون منها وبما يغيره بعد كونه وبما يغيره اذا شاء كيف يشاء فكل طور يمكن ان يكون الممكن عليه فهو يعلمه سبحانه ففي علمه ما كون وفي علمه ما غير وفي علمه ما لا غير وما لا يكون وفي علمه ان يغير ما لم يغير وما لا يغير اذا شاء ذلك كيف شاء فاذا علم زيدا انه سيكون حيوانا ناطقا فهو ما في علمه لأنه كان عنده وان لم يكن عند نفسه ولا عند احد من خلقه لأنه تعالى لا ينتظر شيئا من ملكه واذا شاء ان يغيره الى ما شاء فهو اي التغيير في علمه لأنه كان في ملكه اذ ليس معه استقبال فاذا كان ما في كون علمه زيد حيوانا ناطقا في عالم الأجسام واراد تغييره فهو في ملكه ان شاء جعله صاهلا مثلا قبل وقت كونه ناطقا او بعده او في حال كونه ناطقا بان يجعل ظاهره ناطقا وباطنه صاهلا او ناهقا او نابحا فكل ذلك من ملكه الذي لم يكن منتظرا لشيء منه فهو تعالى مختار في صنعه بكل معنى للاختيار ولم يتجدد له شيء لما قلنا من ان كل محتمل ففي علمه بما يمكن لها يلبس منها ما شاء من ملابس اكوانها فهو لم يفقد شيئا من ملكه فكل ما يحتمل ويمكن فيما يشاء فهو يعلمه ويفعله بعلمه ويعلم ما يكون في بقائه واستمراره كما اجل له وفي تغييره حين انتهى اجل بقائه مما يكون حين يشاء كيف يشاء وفي كل تغيير فهو في علمه وعن علمه وفي كل تقرير فهو في علمه وعن علمه وفي كل محو واثبات ففي علمه وعن علمه فكل شيء فهو من علمه الى علمه وكل شيء فهو مطابق لما هو عليه في علمه فتغير ما علم اذا تقرير لما علم لأنه علم ان اجل ما علم قد انقضى وان انقضى يكون منتهيا الى ما يقتضيه حاله من علمه تعالى فاذا غيره فقد سبق علمه بتغييره فتغييره ما علم تقرير لما علم وهو معنى قولي لأنه شاء ما علم فاذا شاء ما علم تغييره كان شائيا لما علم سبحانه وتعالى عما نسبوه اليه من عدم الاختيار والتصرف في ملكه متي شاء كيف يشاء وسبحانه لا يقدر الواصفون وصفه سبحان ربك رب العزة عما يصفون تسبيحا عظيما وتعالى علوا كبيرا
قلت وذلك لان جميع ما يمكن في حق الممكن فانما هو من مشيته وما في مشيته في علمه فاذا علم ان زيدا يكون في الوقت المخصوص في المكان المخصوص ثم انتقل زيد عن المكان كانت الحالة الاولى في علمه والحالة الثانية في علمه من غير تغيير بل هو الثبات الا انه في كونه في المكان الاول هو في علمه في المكانين فاذا كان في الاول وقع غيبه على شهادته فاذا انتقل الى الثاني فارقت شهادته غيبه ووقع غيب الثاني على شهادته بغير تغيير في العلم على الحالين وانما تغير زيد بتغيره
اقول هذا تكرير للبيان مرة بعد اخرى وهو ان جميع ما يمكن في حق الممكن فانما هو من مشيته وان كان ذلك بقابلية الممكن لأن اقتضاء القابلية لا يكون موجبا للايجاد وانما هو استعداد لقبول المقبول والمقبول من افاضة الفاعل كرما وجودا اذ لا يجب عليه شيء وكل ما يقع على الممكن من آثار مشيته واما تغيرها الى الخير والشر فمن القابلية وما يمكن ان يصدر من المشية فهو في علمه الامكاني او الذاتي الذي هو الله عز وجل اما الامكاني فظاهر واما الذاتي فلا بد من ارتكاب المجاز ليعود الى الامكان بتقدير التعلق والوقوع الذي هو المعنى الفعلي او بارادة العنوان الذي هو المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والحاصل اذا كان الممكن في حالة ثم تغير الى اخرى ففي علمه الحالة الاولى والثانية من غير تغيير بل هو الثبات اني اذا علمت بأنك الآن هنا وبعد ساعة تنتقل الى المكان الآخر فاذا مضت ساعة وانتقلت فليس هذا تغييرا وانما هو الثبات البات هذا بخلاف ما لو لم يكن في علمي الحالة الاولى كما توهم من قال بانه تعالى لا يعلم الجزئيات الزمانية الا بعلم كلي والا لزم انقلاب علمه جهلا وحصل التغيير فيه فهو غلط وجهل بل الحق ان العلم الحق الذي لا جهل فيه والثبات الذي لا تغير فيه هو ان يعلم الشيء في الحالة الاولى وانه ينتقل عنها الى كذا فالأولي والثانية في علمه لا تخرج الاولى عنه بحدوث الثانية ولا تفقد منه الثانية قبل حدوثها فالممكن في المكان الأول هو في علمه تعالى وفي المكان الثاني هو في علمه ففي علمه في المكانين فاذا كان الممكن في المكان الأول وقع غيبه اي صورته في الكتاب الحفيظ على شهادته المدركة بالحواس وانطبق عليها فاذا انتقل بشهادته الى المكان الثاني فارقت شهادته غيبه الأول اي السابق على شهادته ولبقي غيبه اي مثاله العلمي القائم في الكتاب الحفيظ في غيب المكان الأول وفي غيب الوقت الأول ووقع غيب المكان الثاني وغيب الوقت الثاني بمثاله الثاني على شهادته بغير تغير في العلم على الحالين بل حصلت مطابقته للمعلوم في الحالين وانما التغير المتوهم في تغير حالتي زيد حين تغير من حاله الى اخرى من غير تغير في العلم ولا تجدد ولا اختلاف اصلا
قلت وذلك لانك اذا علمت زيدا في مكان في وقت وعلمت انه ينتقل الى اخر لا يتغير علمك اذا انتقل كما علمت بل كان علمك ثابتا وعلمك به اولا لم يتغير بتغير حال زيد بل لم تزل تعلم انه كان في الاول والصورة العلمية من حالته الاولى باقية عندك والثانية التي طابقها زيد بانتقاله باقية لم تتغير وانما انطبقت ووقعت على المعلوم حين انتقل فافهم ثم انك تقول بالبداء وان الله يمحو ما يشاء ويثبت وهذا شرح ما نحن فيه وتفصيل الاشياء يطول بها الكلام فلا فائدة فيه مع ظهور المرام
اقول هذا بيان بعد بيان وترديد لما كان ليحصل لك بالعيان وهو ظاهر لا يحتاج الى بيان وقولي ثم انك تقول بالبداء الخ فاذا اعترفت بان البداء ثابت في خلق الله تعالى لأنه سبحانه اجرى حكمته على احداث الأشياء على حسب قوابلها وحصرها بآجالها فجعل آجالها مقومة لها فاذا انتهى اجل بقائها في عالم الأكوان الذي اجل لها محي عنها ما يترتب على آجالها التي انقضت واثبت ( اثبتت خل ) لها ما اقتضته حكمته فيما يتقوم به من الآجال وهذا مما لا اشكال فيه فاذا اعترفت بهذا لزمك ان تقول بأن علمه لا يتغير من خلقه على ان كلامنا هذا جار على الظاهر والا ففي الحقيقة فبيان هذا الذي تنكشف به كل شبهة متوقف على القول الحق من ان العلم عين المعلوم في كل رتبة من مراتب ما يطلق الوجود من قديم وحادث فاذا وجدت هذا ظهر لك ان علمه تعالى بخلقه اشراقي وهو وقوع علمه الذاتي على ما وجد من الحوادث في امكنة حدوده وازمنة وجوده وهو الذي اشار اليه الصادق عليه السلام في قوله كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه فالعلم الذاتي الذي هو ذاته التي لم تقترن بمعلوم ولا تطابقه ولا تقع ( عليه خل ) والوقوع الحادث بحدوث المعلوم هو العلم الاشراقي يوجد بوجود المعلوم ويتغير بتغير المعلوم لأنه المعلوم فتغير المعلوم لا يلزم منه شيء غير نفسه فان بقي فهو العلم وان تغير فهو العلم ولو فرضت انه غير العلم والا يلزم تغير العلم عند تغيره قلنا لك ان تغير المعلوم وبقي العلم على حالة الاولى لم يكن العلم مطابقا له وهو باطل بل العلم هو الذي يتغير بتغير المعلوم الا ترى انك اذا علمت ان زيدا قاعد فاذا قام ولم يتغير ما عندك من النسبة لم تكن عالما ولهذا دخلت الشبهة على القوم حيث وجدوا هذا ولم يجدوا ان العلم عين المعلوم واذا وجدوا ان العلم عين المعلوم ولم يجدوا ان العلم الذاتي هو ذاته وانه تعالى عالم لذاته ولا معلوم لأن ذاته لا تطابق شيئا ولا تقترن بشيء ولا تقع على شيء وليس بينه وبين شيء غير ذاته نسبة بوجه وانما التعلق والاقتران والارتباط والمطابقة انما هو في العلم الاشراقي ولا يلزم من كلامنا هذا انه قول بأنه لا يعلم لذاته لأنا نقول ان قلت هو عالم بها في الازل فهو باطل اذ لا شيء معه في الازل وان قلت انه عالم في الأزل بها في الحدوث فهو حق لأنه تعالى لا يفقد شيئا من ملكه في الامكان كل شيء في مكانه الذي وصفه ( وضعه خل ) فيه ووقته الذي حصره فيه فهو تعالى في الأزل الذي هو ذاته المقدسة لا يفقد شيئا من ملكه في اماكنها ورتبها ( وقتها خل ) من الامكان على ان الذي يلزم منه الجهل هو قولك هو عالم بها في الأزل بأنك تعتقد انه ليس في الأزل من الحوادث شيء فما معنى انه عالم بها هناك بل الحق ان يقال هو عالم هناك بها هيهنا لأنه تعالى ما اوجدها في الأزل فكيف يعلم ما ليس بشيء وقد قال في كتابه أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض وحيث قال لا يعلم يلزم منه نفي علمه لانه لو علم ان له شريكا ولم يكن له شريك كان علمه جهلا واذا قال لا يعلم له شريكا كان ذلك علما فعدم علمه بها في الأزل لا يلزم منه الجهل بل هو العلم فافهم ومثال الاشراقي اذا حضر عندك زيد عن يمينك فان كونه عن يمينك انما يوجد بقعوده عن يمينك فاذا ذهب زالت هذه النسبة ولم يحصل تغير بوجوده ولا بذهابه فان يمينك يمينك وانت انت قبل مجيئه وبعد ذهابه وانما التغيير في نسبة زيد اليك ولا ينسب اليك الا كونه عن يمينك وهي نسبة الاشراقي الى المشرق والتعلق الحادث بحدوث الحادث والحادث الذاهب بذهابه هو العلم الاشراقي المشار اليه
قلت فهو سبحانه مختار بمعنى ان شاء فعل وان شاء ترك وليس على حد اختيار ما ذكرنا في الوجود البسيط ولا يقال ان العلة في الوجود انما كانت لبساطته وذات الله سبحانه اشد بساطة من كل شيء فيجري ذلك فيه بالطريق الاولى فيكون معنى انه مختار انه يفعل ما شاء بقصد ورضي بما فعل لا انه ان شاء فعل وان شاء ترك لان هذا مقتضي المركب من الضدين كما قررتم سابقا
اقول ان الاختيار اذا فسر بمعنى ان شاء فعل وان شاء ترك كان الموصوف به اشد تصرفا واقوى تسلطا وان فسر بمعنى القصد والرضا كان الموصوف به محصورا في جهة واحدة فيكون اوهن تصرفا واضعف تسلطا والموافق بل الواجب ان يكون الاختيار الموصوف به الحق عز وجل ما يكون المتصف به اشد تصرفا واقوى تسلطا وهو انه ان شاء فعل وان شاء ترك ولا ريب انه اولى بل يجب وانما عدلوا عن تفسيره في حقه تعالى بذلك الى انه بمعنى القصد والرضا لتوهم لزوم تغير علمه تعالى وهذا جهل بمقام الجبار تعالى وقد اشرنا الى عدم لزوم ما توهموه على ان عظمة الله عز وجل لا تقدر بعقول البشر فهو مختار بمعنى اكمل معنييه وتوهم منافاة وحدة المشية للاختيار ومعارضتها له غلط فاحش لأنا لانسلم وحدة المشية له لدلالة العقل والنقل على تعددها اما العقل فلأن ما كان من نوع البدوات التي هي مورد النفي والاثبات مثل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن مع ما يشاهد من الأمور المتجددة والمتغيرة على الاستمرار لا يكون متحدا وما نسب اليها من الاتحاد مثل ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقوله تعالى وما امرنا الا واحدة فيراد منه الكلية والأمر الكلي وما اشاروا اليه من الوحدة يريدون به ما يتعلق بكل جزئي واما النقل فلا يكاد يحصى من الكتاب والسنة مثل يمحو الله ما يشاء ويثبت الشامل لكل شيء حتى الأحوال والحركات وهذا ظاهر على انا اذا نظرنا الآيات التي جعلها سبحانه دليلا على كل غائب عنا مثل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وفي انفسكم افلا تبصرون ومثل قول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث ومثل قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا ه وجدنا ان مشيتنا لا تنافي وحدتها اختيارنا بل لا وحدة لها اصلا الا في نفسها لا في تعلقها بل تعلقها متعدد بتعدد شئوناتنا ان في ذلك لآيات للعالمين وان ما نسبناه الى الوجود من الاختيار الناقص لبساطته فلأنه اذا نسب الى ما يتركب منه ومن ضده يكون ناقصا فلا يكون له ميلان متغايران في المتعلق كالنور والظلمة بل ولا ميل واحد يختلف تعلقه بنور وظلمة بل مع ما نثبت له من الاختيار لا يميل بطبعه الى ضد نوعه وان مال الى اصناف متعددة من نوعه خاصة والواجب عز وجل ليس من نحو ما ندركه حتى نحكم عليه باحكام مدركاتنا بأن البسيط يكون اثره بسيطا كما توهمه المشبهون حيث قالوا ان الواحد لا يصدر عنه الا واحد فاحالوا جواز تعدد العقل الكلي قياسا على احوال خلقه فهو قياس مع الفارق ومع عدم معرفة الخلق ايضا لأن الصادر من الواحد ان كان من ذاته فتلك الولادة وان كان بفعله فالصادر من الفعل متعدد باختلاف الكم والكيف والمكان والوقت والرتبة والجهة بل الذي اظهر سبحانه لنا من آثار افعاله هو الجمع بين الأضداد ليعلم ان لا ضد له وكثرة الشئون وكثرة اختلاف خلقه ليعلم ان عظمته لا تقدر على مقدار عقول خلقه فقد تعرف لنا بانه تعالى ينسب اليه ما هو عندنا جمع بين الأضداد وارتفاعها وان ارتفاعها عين اجتماعها في وصف تعرفه فهو الأول في آخريته والآخر في اوليته والظاهر في بطونه والباطن في ظهوره بعيد في قربه قريب في بعده دان في علوه عال في دنوه وامثال ذلك كلها في حال واحدة بجهة واحدة في حقه تعالى قال امير المؤمنين عليه السلام لم يسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا ه وعرف صنايعه لنا فقال وان من شيء الا عندنا خزائنه وماننزله الا بقدر معلوم فكل ما يصدق عليه اسم الشيء وكل ما يسمي باسم ماخلا الله فقد خلقه الله من كل ما هو ظاهر او ما يجري في الضمائر وتكنه السرائر اما بالذات او بالعرض بمقتضي اوهام الملحدين والغافلين ولقد روي الصدوق في اول كتابه عللالشرايع باسناده الى ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلت له لم خلق الله سبحانه الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال عليه السلام لئلا يقع في الأوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول احد هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لأنه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه فيكون القياس على بساطة الوجود غلطا والأولوية ممنوعة فيكون معنى كونه تعالى مختارا خصوص انه يفعل ما يشاء بقصد ورضاء بل يكون مع هذا ان شاء فعل وان شاء ترك واما جعل معنى ان شاء فعل وان شاء ترك مقتضي المركب من الضدين فهو ما ذكرنا من قياسهم الباطل حكم الربوبية على حكم العبودية وليس هذا الا حيث لم تظهر لهم هيئة من الربوبية فقاسوها على انفسهم كما قال الصادق (ع) في الدعاء المذكور سابقا بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك الدعاء
قلت لانا نقول قد قررنا انه سبحانه يتصف بجهتي النقيضين وبجهتي ارتفاعهما وبجهة المركب من حيث بساطته لان كلما يمكن في غيره يمتنع عليه وكلما يمتنع في غيره يجب له ولهذا قال الرضا (ع) كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فالبسيط من حيث بساطته لا تصدر عنه اثار المركب وبالعكس هذا في الخلق واما في ذاته سبحانه فذلك بخلاف ما يمكن في الخلق فهو العالي في دنوه الداني في علوه بجهة واحدة الظاهر ببطونه الباطن بظهوره بجهة واحدة القريب في بعده البعيد في قربه بجهة واحدة الاول باخريته الاخر باوليته بجهة واحدة ولا يجري ذلك وما اشبهه فيما سواه ويجب في حقه سبحانه فهو في بساطته احدي المعنى فلا تكثر في ذاته ولا تعدد ولا حيث وحيث ولا جهة وجهة ولا اختلاف في ذاته بكل اعتبار لا بالامكان والفرض والتوهم ولا بالواقع
اقول قد قررنا مما عرفناه سبحانه من صفات افعاله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله والسن خلفائه صلى الله عليهم اجمعين انه يتصف اي يوصف بجهتي النقيضين وبجهتي ارتفاعهما وبجهتي المركب من حيث بساطته اما ان قولي يتصف يعني يوصف فلأنه عز وجل اكرم واجل من ذلك ومما تتوهمه الأوهام ولو في التنزيه الامكاني واما انه تعالى يوصف بجهتي النقيضين الخ بأن يوصف بمعنى اجتماعهما في وصفه لأن امتناع اجتماعهما وارتفاعهما من حدود الحوادث فيكون وجوب اجتماعهما الذي هو عين ارتفاعهما وصفا للقديم اذ ما يمتنع على خلقه يجب له وما يجوز عليهم يمتنع منه تعالى فكون اجتماعهما عين ارتفاعهما ان قولك عال دان معناه ليس بعال ولا دان لأن قولك عال يدل على جهة العليا والداني عكسه والمعنيان محالان عليه تعالى لأن هذا معنى حادث وانما الواجب له سبحانه ما يراد منه انه ليس بعال اما بمعناه اي يراد منه معنى لا يدل على علو الجهة او بمعنى ضده وهو دان يعني اذا قلنا في معنى عال نريد انه بمعنى دان ودان معنى عال وكذا معنى اول هو آخر وليس بذي بدء وهكذا فالأول الآخر ليس باول ولا آخر والظاهر الباطن ليس بظاهر ولا باطن والعالي الداني ليس بعال ولا دان والقريب البعيد ليس بقريب ولا بعيد وهكذا وليس ما بين كل ضدين يعني ليس بعال ولا دان ولا ما بينهما وهكذا باقي الصفات والحاصل هو عز وجل لذاته لا يعرف بشيء ولا ضده ولا اجتماعهما ولا ارتفاعهما بل باجتماعهما بمعنى ارتفاعهما وبارتفاعهما بمعنى اجتماعهما ويتصف بجهتي المركب ايضا من حيث بساطته بمعنى ان شاء فعل وان شاء ترك لأن هذا لا يكون لذات شيء الا اذا كان مركبا وهذا حكم الحادث واما القديم فيصح منه ان شاء فعل وان شاء ترك من حيث بساطته بخلاف الحادث لأن كل ما يمكن في غيره يمتنع عليه وكل ما يمتنع في غيره يجب له لا بمعنى العكس اذ الوصف بمعنى العكس من احكام الحوادث وهو المراد بقول الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه اذ لا يعرف تعالى بشيء ولا بضده لأن كلا الوجهين من احكام الخلق اذ كل منهما غير معنى القديم سبحانه وما هو غيره فهو حد لخلقه اي حد لذلك الغير وجهة الارتفاع غير ( عين خل ) جهة الاجتماع في وصف الحق تعالى نفسه لخلقه واتحاد الجهة في كل حال عنوان معرفته فهو في بساطته احدي المعنى في نفس الأمر وفي الخارج وفي جميع احتمالات الأوهام فلا تكثر في كنه ذاته ولا فيما تعرف به ولا حيث وحيث ولا جهة وجهة ولا اختلاف في ذاته ولا فيما تعرف به بكل اعتبار لا بالامكان اذ لا امكان في ذاته ولا يعتبر امكان فيما تعرف به لخلقه والا لماعرف به اذ لا يعرف بالامكان ولا بالفرض فانه امكان ولا بالتوهم فانه امكان ولا في الواقع كثرة في ذاته ولا في صفات ذاته لأنها ذاته وانما تكثرت المفاهيم من الفاظهما وتعددت الفاظهما باعتبار ارادة صفات افعاله وانما تعددت صفات افعاله باعتبار تعدد متعلقاتها ولا فيما تعرف به كذلك كما ذكرنا مكررا
قلت فكلما ميزتموه في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم يعني منكم اليكم والله الغني وانتم الفقراء ومع هذا فهو المؤلف بين المتعاديات والجامع بين المتعاندات وتصدر عنه الافعال المتضادة فليس بين فعله وبين ما سواه موافقة ولا مخالفة لانه اثر ذاته التي لا يضادها شيء ولا ينادها شيء هو هو لا اله الا هو انما الشيء من مشيته ففعل الشيء وتركه بالنسبة الى مشيته سواء فهو ان شاء فعل وان شاء ترك بجهة واحدة ومشية واحدة كذلك الله ربي كذلك ربي
اقول فكلما ميزتموه الخ من كلام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ومعناه كل شيء ميزتموه من غيره بنوع من انواع التمييز جسماني او نفساني او عقلاني بحيث يتميز بالمائز انه هو لا غيره بمعنى التعين بالتعيين والتميز بالتمييز باوهامكم مما تتوهموه بخيالاتكم وعقولكم في ادق ما يحتمل من معانيه فهو مخلوق يعني خلقه الله الذي خلقكم مثلكم اي كما انكم مخلوقون او مثلكم اي انه خلق بمقتضي مدارككم فهو مثل لكم يعني صفة من صفات انفسكم او من صفات افعالكم فهو صورة افعالكم مردود اليكم او عليكم على نسخ الحديث والمعنى ان ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو غير المعبود تعالى فلا تقبل منكم هذه المعرفة والتوحيد بل هو مردود عليكم وانه من امثال ذواتكم يرد اليها لأنه من صفاتها صدر منها واليها يرجع والله سبحانه مستغن عن معرفتكم اياه وانتم محتاجون الى معرفته بما تعرف به لكم ومع هذا اعني ما وصفنا مما عرفنا من نفسه سبحانه من عدم التعدد والتكثر البالغ فوق الادراك من البساطة فهو المؤلف بين المتعاديات لعموم قدرته واحاطة علمه لو انفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم والجامع بين المتعاندات كالأضداد ليعلم عباده ان لا ضد له وابرز من فعله القدير على ما يشاء من امره الأفعال المتضادة بمفاعيلها المتعاندة ليعلم انه ليس بين فعله وبين شيء من خلقه مخالفة ولا موافقة اذ لو وافقها لشابهها ولو خالفها لماصدرت عنه لأن فعله اثر ذاته التي ليس لها ضد فيضادها ولا ند فيشابهها هو هو لا اله الا هو وقولي هو هو ليس ما يكشف عنه كنه ذاته لأن ذلك اشارات الى الخلق وهو قول امير المؤمنين سيد الوصيين عليه السلام في خطبته المسماة بالدرة اليتيمية قال عليه السلام وان قلت مم فقد باين الأشياء كلها فهو هو وان قلت فهو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له الى آخره انما الشيء من مشيته فلا يكون ضدا له ولا ندا له لأن الشيء لو كان ضدا لماصدر عن المشية ولو كان ندا لاستغني عنه وقولي انما الشيء من مشيته مقتبس من قول علي عليه السلام في خطبة يوم الجمعة والغدير وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته فهو انما سمي شيئا لأنه مشاء واما اطلاق الشيء عليه عز وجل فمن باب التسمية اذ لا بد من التعبير عما يعينه ( يعنيه خل ) من صفاته التعرفية بما يدل عليها من الالفاظ ولاجل انا انما نعرف مما وصف به نفسه ما هو من نوع الخلق قال الرضا عليه السلام واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم فاذا فهمت ما اشرنا اليه ظهر لك ان فعل الشيء وتركه بالنسبة الى مشيته سواء فهو ان شاء فعل وان شاء ترك بجهة واحدة ومشية واحدة سبحانه وتعالى
قلت والتنظير بالخلق تشبيه بكل اعتبار وفي الدعاء بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة فشبهوك يا سيدي وجعلوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك يا الهي وهذا حال من عرف من نفسه هيئة فعرف بها ربه والله لا يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فان قلت انا عالم وهو عالم وانا حي وهو حي وانا موجود وهو موجود ولا يستدل على شيء من وصفه بتلك الصفات الا بما نجده
اقول ان التنظير بخلقه في شيء مما عرف به نفسه ليعرفوه به تشبيه له تعالى بخلقه على اي فرض كان والواجب على العباد انهم اذا وجدوا شيئا في انفسهم وفي الآفاق فان كان بنحو معرفتهم وطريق تمييزهم نزهوا مقامه عز وجل ان يعرف به وان كان بنحو ما علمهم على السن اوليائه عرفوا بأن ذلك من آياته التي يعرف بها وعلى الوجهين ينزهون ذاته المقدسة عن كل شيء قال سيد العارفين وجمال الموحدين جعفر بن محمد صلوات الله عليهما في الدعاء عقيب الوتيرة بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يعني بدت قدرتك بآثارها التي انحطت دون معرفة ادناها عقول خلقه ولم تبد هيئة لها ليصفوها بتلك الهيئة اذ لو بدت هيئتها لفني جميع خلقه وفي الحديث النبوي ان لله سبعينالف حجاب من نور وظلمة لو كشف حجاب منها لأحرقت سبحات وجهه جميع ما انتهى اليه بصره من خلقه وروى ابن ادريس من مستطرفات السرائر عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن الكروبيين فقال عليه السلام قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الأرض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا من الكروبيين فتجلي للجبل فجعله دكا ه ولما لم تبد هيئة ولم يقفوا على حد لهم من معرفته على بيانه في كتابه وفيما اوحي الى اوليائه عليهم السلام فشبهوه بخلقه واتخذوا بعض آياته اربابا كالصوفية الذين قالوا ان الله عز وجل هو وجود كل شيء فكل شيء من خلقه مركب من وجود وهو الوجود الحق تعالى ومن حدود موهومة فاذا زالت حدود الخلق ظهر الوجود الحق وقد قال شاعرهم :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والأمر واقع
ويقول احدهم انا الله بلا انا يعني اذا تجردت عن حدود الماهية فانا الله والله سبحانه علمهم في كتابه انه اذا تجرد عن حدود الماهية كان آية الله اي دليل معرفته وحقيقة وصفه نفسه لهم قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ولم يقل ذاتنا وقال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه بمعنى انه تعالى خلق نفس عبده وصفاته وصف استدلال عليه لا وصف كشف له لانه تعالى وصف نفسه فلما خلق ذلك الوصف جعله حقيقة عبده فاذا عرف العبد حقيقته عرف ربه لأن حقيقته وصف ربه لعبده والشيء انما يعرف بوصفه وهذا الوصف حادث لانه عز وجل كان ولم يوصف وصف ولا موصوف له فخلق وصفا يعرف به وجعله نفس عبده الذي تعرف له به وهو وصف دال لا وصف كاشف لأنه كالدخان فانه يدل بوجوده على وجود النار ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم والقوم طلبوا معرفته عز وجل من نحو ذاتهم فشبهوه بخلقه واتخذوا بعض آياته اربابا فمن ثم لم يعرفوه فان قلت انا عالم وهو عالم اه كما توهمه بعضهم حيث استدل بمفهوم وحدة الوجود قال اني موجود يعني هستم وهو موجود يعني هست واذا امرنا بالاستدلال على معرفته بمعرفتنا دل على الاتحاد فقاسوا صفاته على صفاتهم وهو ظاهر الفساد
قلت قلت هذا معنى قوله (ع) بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة الخ انا انما وصفناه بالعلم لانه خلق فينا العلم وبالحيوة لخلقه فينا الحيوة وبالوجود لايجادنا وليس هذا كمثل ما هو عليه وانما قبل منكم هذه التوصيفات وتعبدكم بها لانها مبلغ وسعكم وحقيقة ذواتكم التي تعرف لكم بها فتصفونه بما هو كمال عندكم وان الذرة لتزعم ان لله زبانين لان كمالها في وجودهما لها ولهذا قال الرضا (ع) واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون
اقول هذا جواب قول من اعترض بقوله انا عالم وهو عالم وتقرير الجواب ان قولكم هذا هو قول الصادق عليه السلام اخبارا عمن شبه صفاته تعالى بصفات خلقه بقوله عليه السلام بدت قدرتك يا الهي الخ فانهم كما ذكرنا لما لم يفهموا قول الله سبحانه سنريهم آياتنا توهموا ان ما يرونه في انفسهم هو الله وصفاته الذاتية ولو فهموا ان ما يرونه آية معرفة الله سبحانه بما تعرف لهم به من الوصف الحادث لنزهوه عن مشابهة مخلوقاته وشبهتهم بانا انما نعرف ذاته وصفات ذاته بما خلق فينا من صفاتنا غلط لان معرفة ذاته وصفاته بخلقه تشبيه وانما نعرف صفاته بما اظهر لنا من صفات فعله فنعرف صفات افعاله بآثارها والأثر يشابه صفة مؤثره واما ذاته فليس لنا طريق الى معرفتها وصفاتها عينها ولا يمكن معرفتها بالكنه وانما نعرفه بصفات افعاله اذا نظرنا الى آثارها فنعلم انه تعالى عالم لأنه خلق العلم والعالم ولما خلق فينا العلم علمنا ان الجاهل لا يصنع العالم وعرفنا انه تعالى حي لأنه احدث الحيوة فينا اذ الميت لا يحدث الحي وعرفنا انه تعالى موجود لأنه اوجدنا لأن المعدوم لا يوجد شيئا وليس هذا الذي عرفنا من صفات افعاله بآثارها كمثل ما هو عليه في كنه ذاته لأن الأفعال لا تدل الا على الصفات الفعلية كما اذا رأينا الكتابة فانها انما تدل على صفة الفعل اما انها تدل على صفات الفاعل الذاتية فلا تدل على قوته او ضعفه او بياضه او سواده او طوله او قصره او حسنه او قبحه وانما قبل منكم هذه الصفات التي لا تدل الا على صفات الأفعال وتعبدكم بها لأنها مبلغ وسعكم وغاية طاقتكم وحقيقة ذواتكم التي تعرف لكم بها اذ لا تعرفون كمالا الا على ما عندكم وما تجدونه كمالا فهو كمال عندكم فما معرفتكم وتوحيدكم بالنسبة اليه الا كمعرفة النملة كما روي عن الصادق عليه السلام ان الذرة تزعم ان لله زبانين يعني ان النملة الصغيرة الحمراء تزعم ان لله سبحانه زبانين اي قرنين لأن الكمال في وجودهما عندها وفي عدمهما نقص فتصف الله بما هو كمال عندها والخلق كلهم بالنسبة الى ذاته المقدسة كمثل الذرة فانهم يصفونه بما هو كمال عندهم وهو سبحانه منزه عن جميع ما وصف به خلقه وانما تعرف لهم على حسب ما يمكن منهم وهو اكبر واجل من ان يوصف بذلك ولهذا قال الرضا عليه السلام واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم يعني امورا عبر بها لهم ليفهموا بها وكلها حادثة وهو متعال عنها وهنا قال عز وجل سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين وانما قال وسلام على المرسلين لأنه لما نزه نفسه تعالى عما نسبوه اليه من قولهم ان الملئكة بنات الله بقوله سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين يعني بهم المرسلين الذين نزهوه عن تلك النسبة فانهم وصفوه بما امرهم به وعلمهم اياه فاستثناهم من المشركين بمعنى استثني وصفهم من وصف المشركين فربما يتوهم ان وصف المرسلين الذين نزهوه عن جميع النقايص يليق بعزه فبين لعباده ان وصف النبيين انما قبله منهم لأنه علمهم اياه ووصف نفسه بذلك لهم لأنه مبلغ علمهم وغاية امكانهم والا فهو اجل واكبر من ذلك فبين هذا في آخر السورة اشعارا بانه هو نهاية النهايات فقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون هم والمرسلون ( هم المرسلون خل ) وسلام على المرسلين حيث فعلوا ما امروا فقال وسلام على المرسلين اي السلام المؤمن حفظهم من كل ما لا يحب وحفظ عليهم رضاه لابلاغهم وتبليغهم وقيامهم بما امروا به ثم اثني على نفسه لتنزيهه ذاته المقدسة بالاختصاص بالحمد على ما خلق وعلم ورزق
قلت ثم اعلم ان ما تجد من الاختيار التام فهو اثر اختيار فعله واختيار فعله اثر اختيار ذاته والوجود باسره ليس في شيء منه اضطرار محض ولا جبر خالص بل كله مختار وكل ذرة من الوجود مختارة لان اثر المختار مختار وهذه الحقيقة اشترك جميع ما خلق فيها الانسان والجماد الا انه كلما قرب من الفعل كان اقوى اختيارا واظهر وكلما بعد كان اضعف اختيارا واخفي كالنور المتشعشع عن المنير كلما قرب منه كان اشد نورا واقوى اظهارا وظهورا وكلما بعد كان اضعف واخفي حتى ينتهي الوجود فيفني الاختيار حيث يفني الوجود سواء كان ذاتيا ام عرضيا كل بحسبه
اقول اعلم ان الاختيار التام المشار اليه بأن معناه ان شاء فعل وان شاء ترك وهو المنسوب الى المكلفين هو اثر اختيار فعل الله لأن المنسوب الى فعل الله هو الذي معناه ان شاء فعل وان شاء ترك واختيار فعل الله اثر اختيار ذاته تعالى واختيار ذاته هو ما ينسب الى فعله بلا مغايرة بكل اعتبار اما الاختيار الواجب فهو ذاته تعالى ولا كلام للخلق فيه وانما الكلام في الاختيار المنسوب الى فعله ومعناه على ما قررنا سابقا ان شاء فعل وان شاء ترك واما تفسيره بمعنى القصد الى الفعل والرضاء بما يفعل فقد اشرنا سابقا الى بطلانه واعلم ان الوجود الممكن بأسره ليس في شيء منه اضطرار ولا جبر الا ما نفي به من رجحان الفعل عند الفاعل بحيث يتعين عنده الفعل بحيث لا يتركه الا انه قادر على تركه ولكنه لا يشتهيه فمن ثم عين الفعل على نفسه وذلك لغلبة شهوته على جهة العقل وكذا كل ذرة من ذرات الوجود من كلي او جزئي اذ ( او خل ) كل او جزء من ذات او فعل او صفة او موصوف او عرض او معروض مختارة لأنها اثر المختار واثر المختار مختار لأنه مشابه لصفة مؤثره وهذه الحقيقة اعني الاختيار بمعنى ان شاء فعل وان شاء ترك اشترك فيها جميع ما خلق الانسان والجماد وما بينهما من انواع الحيوانات والنباتات والمعادن وما بين جميعها من البرازخ الا انه كلما قرب من الفعل الذي هو امر الله الفعلي وامر الله المفعولي كان اقوى اختيارا لأجل قرب مشابهته لصفة مؤثره واظهر بمعنى ظهور ( ظهوره خل ) اختياره كما ترى في الانسان فان الاختيار فيه اقوى منه في الحيوان وفي الحيوان اقوى منه في النبات وهكذا حتى يتوهم من لم يقف بسره على هذه الحقيقة ولم يعثر بلطيف ( بلطف خل ) حسه على هذه الدقيقة ان النبات والجماد غير مختارة بل الحيوانات العجم مع انه يسمع كلام الله ينطق باختيارها كما قال في السماء والأرض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين وقال وان من شيء الا يسبح بحمده ومثل ذكر الضماير العائدة اليهم بمضمرات العقلاء وقد تقدم بعض بيان ذلك وكذلك يسمع السنة المسنون ناطقة بتكليف الجمادات والنباتات ومعاقباتها على المخالفة وما اعجب حال من ينكر ذلك ولا يقبل التعريف ممن يعرف وما هو الا كما عنى الشاعر بقوله :
اذا كنت ما تدري ولا انت بالذي تطيع الذي يدري هلكت ولا تدري
واعجب من هذا بانك ما تدري وانك ما تدري بانك ما تدري
وكلما بعد من الفعل كذلك كان اضعف اختيارا وذلك مثل الجمادات واخفى اختيارا حتى ان من لا يعرف يدري ( يرى خل ) بانها ليست مختارة اصلا فانه يدري ( يرى خل ) ان الانسان يتصرف في الجمادات والنباتات كيف يشاء ولا يمتنع عليه منها شيء ولم يتفطن في نفسه مع انه لا ينكر كونه مختارا مع ان القدر يجري عليه وهو لا يشعر ويفعل الله به ما يشاء وهو لا يعلم كما قال عز من قائل والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون فهو مع اختياره بالنسبة الى من فوقه بحكم الجماد فليعتبر بهذا في اختيار الجماد بالنسبة الى اختياره ومثال ذلك كالنور المتشعشع عن المنير هو شيء واحد ولكن اجزاؤه متفاوتة فكلما قرب من المنير كالسراج مع اشعته كان اشد نورا واقوى اظهارا لغيره وظهورا في نفسه وكلما بعد من السراج كان اضعف اظهارا لغيره واضعف ظهورا في نفسه اي اخفي وهذا مثل خلقه الله للوجود الكوني وانبساطه في مراتبه من الفعل فان وجود الانسان ووجود الجماد وما بينهما كله فائض عن الفعل مثل نور السراج فانه فائض عن السراج فكما ان نور السراج متساوي الاجزاء في مطلق النورية في الطبيعة وانما اختلفت في الشدة والضعف من جهة قربها من السراج وبعدها والقرب والبعد هو من متممات قابليتها للاستنارة من المنير وتختلف باختلاف قوة المتمم وضعفه كذلك اجزاؤ الوجود الكوني فان اختلاف مراتبه من متممات قابليات اجزائه فتختلف الأجزاء باختلاف قوتها وضعفها مع تساويها في مطلق قابلية صفاته من النورية والاختيار والشعور والادراك واختلاف هذه الصفات فيها باختلاف القرب والبعد من الفعل وهكذا حكم تفاوت مراتب الوجود حتى ينتهي في انبعاثه من الفعل فيفني الاختيار بفناء وجودها فما دام شيء من التحقق ثابتا فالادراك والشعور والاختيار ثابت بنسبة تحققه بل هي مقتضي الكون فلا يوجد ما لم يوجد بل حيثما عدم عدم الاختيار وبالعكس وهكذا كل ذاتي او عرضي كل بحسبه
قلت وما ترى من المجبول كنزول الحجر الذي لا يقوى ظاهرا على الصعود فاعلم ان الله سبحانه وكل به ملكا يضعه حيث امره الله وذلك مما يمكن في الحجر من النزول وما ترى من المجبور ظاهرا كالحجر الذي يدفعه الشخص الى جهة العلو فيصعد مع ان شانه النزول فاعلم ان الله سبحانه وكل به ملكا كان موكلا بعضو الشخص الدافع هو اقوى من الملك الموكل بالنزول وقد امر الله الملك الموكل بالنزول ان يمتثل امر الملك الموكل بالدفع الى انتهاء شعاع ذلك الملك وشهوة الحجر في شهوة الملك الموكل بالنزول
اقول اعلم ان الحجر اذا ترك ونفسه نزل ولم يصعد ويقال هو مجبول على النزول ويريدون انه خلق على طبيعة لا تقتضي الا النزول وانما لم يقولوا هو مجبور لأن الاجبار لا يكون للشيء من نفسه وهذا طريقة العوام فيما يدركون من الأشياء والعلماء عليهم السلام والمتعلمون منهم عليهم السلام يشاهدون الأشياء كلها مختارة وذلك ان الله عز وجل وكل بكل شيء ملكا يقدره حيث يريد الله منه مما هو مقتضي نظام الكون فوكل بالحجر ملكا ينزل به لأنه عز وجل لما خلق الانسان على اكمل وجه يحتمل الكون جعله في وسط العالم وهو كرة الهواء وقدر المكونات فوقه وتحته فجعل النار فوقه والماء والسموات فوقها والأرض تحته فوكل بالحجر ملكا ينزل به الى قراره وليس انه مجبول ينزل بطبيعته بل موكل به من ينزل به وليس على نحو الاجبار ولكنه جعل شهوته في متابعة الملك فان صعد الملك صعد الحجر وان نزل نزل فاذا ترك الملك المنزل وما وكل به والحجر وشهوته نزل بالحجر لا يريد الصعود وقد وكل الله سبحانه ملكا بعضو الشخص الدافع وقد جعله اقوى من الملك المنزل للحجر مثلا وامر الله عز وجل الملك المنزل للحجر بطاعة الملك الدافع وجعل شهوته في طاعته في خلاف ما وكل به بمقدار شعاع الدافع وسعة اجنحته فاذا اخذ الشخص الحجر وزخه في الهواء تولي الملك الدافع قوة عضو الشخص الرامي بمقدار ما امره الله سبحانه وقدر له من مسافة الصعود واشتهى الملك المنزل متابعة الملك الدافع فيما امر به من الصعود واشتهي الحجر متابعة الملك المنزل في شهوته التكليفية كما اشتهي متابعته في شهوته الطبيعية الى ان ينتهي شعاع الملك الدافع والمراد من شعاعه نهاية قوة دفعه للحجر الى جهة العلو فاذا انتهى شعاعه اوحي اليه مدبر الأمور ومقدرها بان يكف عن الدافع ويمنع العضو الدافع فيرجع الملك المنزل بعد انقضاء مدة سلطان الدافع الى مقتضي طبيعته من النزول بالحجر لأنه هو تكليفه بما يشتهيه فيرجع معه الحجر الى النزول وصعود الحجر بالدفع ذاتي له الا انه ناقص والملك الدافع له بالعضو متمم لنقصه فمع المتمم يتساوي عنده الصعود والنزول اذ كل منهما ممكن له وكل ممكن له اذا تمت شرايطه مال اليه بشهوته وقولي بشهوته انه كالجائع اذا حضر بين يديه الطعام المتمكن من الأكل بدون مانع فانه لا بد ان يأكل مع انه لو شاء لم يأكل وان مات جوعا فهو مع نفيه للأكل مختار فيه كذلك الحجر ولو قلت لك بل ( هل خل ) يمكن في الحجر الصعود قلت نعم الا انه بدافع ومعين وهذا هو مرادنا من اختياره اذ لو لم يكن منه الصعود كان متعذرا فامكان النزول والصعود بالنسبة اليه كل منهما بشرايطه على حد سواء ولانعني بالاختيار الا هذا وانما كان نزوله وصعوده بميل شهوته لأنه هو باب استعداده ( استمداده خل ) الذي به بقاؤه وقوامه والشيء يلايمه ما به بقاؤه وقوامه وهو معنى الشهوة ولأنه هو تكليفه الذي هو علة ايجاده فافهم فشهوة الحجر فيما يكون من الملك في نزول او صعود وشهوة الملك المنزل اذا خلي ونفسه في النزول بالحجر الى ما يمسكه على مركزه واذا حضر الملك الموكل بالعضو الدافع للحجر الى غير جهة السفل مثلا كانت شهوة الملك المنزل في متابعته ما دام حكم سلطانه ثم رجع شهوته الى ميل طبيعته
قلت فاذا انتهى شعاع الدافع اشتهى المنزل النزول واشتهى الحجر ما اشتهاه الملك وليست في الحقيقة قسرا وانما هي شهوة اختيار كشهوة الجائع للاكل فانه ياكل ولكنه مختار مع انك ترى ان الجائع الذي يحصل له الطعام وهو قادر على الاكل منه وليس له مانع لا من نفسه ولا من خارج بكل فرض لا بد ان ياكل مع انه مختار قطعا هذا كمثال الحجر حرفا بحرف لا فرق بينهما ولكن الطرف الاخر من اختيار الحجر وهو عدم النزول منه باختياره خفي جدا لان الاختيار من الجمادات والنباتات لا يعرفه الانسان الا بطور وراء العقل وذلك لانسه بابناء نوعه وجنسه فلا يعرف من الاختيار الا ما كان من نوعه كالانسان او من جنسه كالحيوان واذا كان ممن له طور من المشاعر وراء العقل عرف اختيار النباتات والجمادات
اقول اذا انتهى شعاع الدافع اي قوة دفعه فان القوة الفعلية شعاع الفاعل ولم يكن له ميل الى طبيعته ارتفعت شهوته للصعود كالجائع اذا شبع ارتفعت شهوته للطعام فاذا كان كذلك اشتهى الملك المنزل النزول لأنها مقتضى طبيعته فيميل بشهوته الى النزول لأن شهوته للصعود حين انتهى ( اشتهى خل ) الدافع الصعود ليست بمقتضى طبيعته وانما ذلك شهوة المتابعة فاذا اشتهى المنزل النزول اشتهى الحجر ما اشتهاه الملك المنزل لأنه من نوع طبيعته لأن ذلك الملك الجمادي وليست اعني شهوة الحجر للنزول في الحقيقة شهوة قسر وانما هي شهوة اختيار كشهوة الجائع للأكل فانه لا بد ان يأكل ولا يقدر على ترك الأكل لكنه مختار وتدرك من نفسك انه مختار وهو يدرك ذلك من نفسه انه لو شاء ترك وان مات مع انك تدري ( ترى خل ) ان الجائع اذا حصل له الطعام وهو قادر على الأكل منه ولا مانع له لا من نفسه كبعض الأمراض او من خارج على اي حال كان لا بد ان يأكل وميل الحجر الى النزول مثل الجائع في الأكل بلا فرق لكن الطرف الآخر اي ما يقابل ميل الجماد والنبات والحيوان بشهوته التامة والطرف المقابل ناقص الشهوة بدون المتمم اي جهة صعود الحجر مثلا خفي جدا وخفاؤه على من يطلب منها اختيارا كاختيار الانسان في ظهوره وعدم خفائه لأن مثل هذا الرجل قد انس بابناء نوعه وجنسه فلا يعرف من الاختيار الا ما كان من نوع اختيار نوعه لأن اختيار الجمادات والنباتات لا يعرفه الانسان بعقله وانما يعرفه بطور فوق عقله كما اذا كان من اهل التوسم الذين ينظرون بنور الله اعني بافئدتهم
قلت وانا اذكر لك شيئين مثالا وبيانا تستدل بهما على اثبات اختيار النباتات والجمادات وشعورهما فالاول اعلم ان الوجود الصادر عن المشية كالنور الصادر عن السراج ومعلوم ان اجزاء النور كلما قرب من السراج كان اقوى نورا وحرارة ويبوسة مما كان ابعد منه وهكذا حتى يكون آخر اجزاء النور اضعف الاجزاء نورا وحرارة ويبوسة فاذا فقد النور فقدت الحرارة واليبوسة ولا يمكن وجود احد الثلاثة الاوصاف بدون الاخرين بل اذا وجد واحد وجدت الثلاثة وان فقد فقدت الثلاثة فكذلك الوجود الصادر عن المشية كلما قرب منها كان اقوى وجودا وشعورا واختيارا كالعقل الاول وكلما بعد ضعفت الثلاثة على حد سواء الى الجمادات فتكون الجمادات اضعف وجودا وشعورا واختيارا كما قلنا في نور السراج لانه اية الله تعالى في الافاق لهذا المطلب لمن ورد هذا المشرب قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فافهم
اقول قد ذكرنا هذا فيما سبق فلا فائدة في ذكره مع ان العبارة ظاهرة ليس عليها غبار وقد ذكرنا فيما تقدم ان قولنا العقل الأول ليس لانا نذهب الى القول بثبوت العقول العشرة بل نريد به اول المخلوقات من عالم الغيب والشهادة ويجري على الألسن ولا نريد به الا عقل الكل اي عقل العالم كله
قلت والثاني اعلم ان الشيء الجماد مثلا كالحجر اذا اتاه شيء دفعه الى العلو لا يندفع الا اذا كان يمكنه الاندفاع ولا يمكنه ما ليس في حقيقته بل انما اندفع الى العلو لان ذاته قابلة لذلك كما ان ذاته قابلة للنزول بنسبة واحدة ولكن الله سبحانه جعل علة النزول وشهوته واختياره راجحة ملازمة للجماد بتسخير الله لاجل منفعة الخلق وابان علة الصعود وشهوته واختياره بوجود المقتضي له كما ان علة النزول وشهوته واختياره بوجود المقتضي له وهو الذي يسمونه العوام بالثقل واذا دفعه الى العلو دافع فليس في الحقيقة قاسرا بل هو معين لما تقتضيه ذاته لان القاسر هو ما يسلك بالشيء ما لا يمكن في ذاته وهذا محال لانه اذا دفعه وكان الاندفاع غير ممكن في ذاته فان لم يندفع لم يقع قسر وان اندفع فليس هو ذلك بل المندفع غيره
اقول ان هذا الكلام فيه بيان اختيار الجمادات بمعنى بيان علة الاختيار فيها مثل الحجر اذا دفعه دافع الى العلو فانه يندفع ولو لم يمكنه الاندفاع لذاته لم يندفع لكنه امكان ناقص فيتم امكانه فيساوي امكان نزوله ويرجح عليه ما دام موجودا ولهذا يصعد الحجر الذي من شأنه النزول ظاهرا وانما اندفع الى العلو لأن ذاته قابلة للنزول وللصعود وان كان الصعود يحتاج الى شيء آخر يدفعه لأنا نقول ايضا النزول يحتاج الى منزل فلا ينزل من ذاته على جهة الجبر حتى يقال انه لا يصعد من ذاته بل نقول هو يصعد كما ينزل ففي كلا الحالتين قدر الله معه ملكا بنسبة واحدة الا انه اي الملك المنزل ملازم للحجر لأجل منفعة الخلق لأن ذلك هو علة اقلالهم لان الأرض انما ثقلهم بكونهم فوقها وهي تحتهم فجعل بلطيف حكمته الملك المنزل للحجر ملازما له وربما سموه العوام بالثقل حتى ان كثيرا من قشرية الحكماء جعلوا الملئكة صفات الأشياء فقالوا الملك المنزل للحجر هو ثقله والملك الصادم من الحجر هو صلابته وهكذا بحيث لو اخذت الملئكة من الحجر مابقي منه شيء لأنها عبارة عن صفاته وهذا غلط وباطل بل الملئكة حيوانات متحركة بالارادة موكلون بكل شيء وهم مفارقون لصفات الحجر مثلا وان كان كل صفة موكل بها ملك وهو غيرها والملائكة انفس طيبة طاهرة مفارقة بذاتها للأشياء الموكلة بها مقارنة لها بافعالها مدبرة لها وهي مغايرة للأشياء ولصفاتها وجميع ما يجري من الأشياء فبالملئكة الموكلين بها لان الملائكة هي المدبرات امرا والملئكة النفسانية فما دونها من الطبيعية والمادية والصورية والجسمانية لها اجسام لطيفة شفافة على اختلاف انواعها واصنافها والحاصل انما ذكرت هذه الاشارة رفعا ( دفعا خل ) لما عسي ان يتوهم متوهم انا نريد بالملئكة هذه الصفات المنسوبة الى الأشياء ولأنك اذا عرفت ان جميع احوال الأشياء انما تصدر عنها بواسطة الملئكة الموكلين بها عرفت ان نزول الحجر وصعوده بالنسبة الى ذاته سواء باعتبار كون كل منهما ممكن الوقوع منه وان رجح النزول في حالة عدم وجود الدافع فانما هو لمرجح غلبة شهوة الحجر لأجل ميل الملك المنزل كما يترجح الصعود حالة الدفع فيكون الدافع معينا لا قاسرا والدليل عليه انه اذا دفعه الى جهة العلو وكان الدافع اقوى من المنزل فان اندفع فقد كان الاندفاع ممكنا وان كان لم يندفع لعدم امكان ذلك في ذاته لم يتحقق القسر وان اندفع حيث لم يمكن في حقه فقد ظهر ان المندفع غيره لأنه لا يمكن فيه الاندفاع وهذا المندفع ممكن فيه الاندفاع فهو غيره فلم يتحقق القسر اصلا فافهم ان شاء الله تعالى
قلت لانه اذا امكن فيه ما لا يمكن فيه لا يكون حتى يغير حقيقته الى ما يمكن فيه فلا يكون هو اياه لان ما لا يمكن فيه لا يمكن ان يمكن فيه فاذا دفعه فاندفع كان الاندفاع ممكنا فيه ولكن لطيفته من الوجود قصرت عما يمكن فيه ان يكون بنفسه فكان هذا الدافع معينا لما يمكن ان يندفع ومتمما له فكان به الاندفاع ممكنا في ذاته لما في ذاته من قوة الانقياد وهو مطاوعة وهي اختيار لمن يفهم
اقول هذا الكلام ظاهر بمعونة ما ذكرنا قبله وكررنا معناه وقولي فلا يكون هو اياه اشير به الى ما ذكرت قبله من قولي لأن القاسر هو ما يسلك بالشيء ما لا يمكن في ذاته وذلك لانه ان سلك به ما يمكن في ذاته فهو مطاوع للسالك والسالك متمم لما نقص من المطاوع والمطاوع لا يكون مجبورا وان سلك ما لا يمكن في ذاته فقد صيره مما يمكن في ذاته وهو شيء غير الأول بخلاف ما اذا كان ممكنا في ذاته فانه مطاوع ولكن لطيفته من وجوده نقصت فتممها الدافع ولطيفة الشيء من وجوده هي كنه حقيقته الامكانية التي البست حلة الكون فلما تممها الدافع بفاضل لطيفته صعد الحجر فكان الدافع معينا ومتمما وكان الحجر مندفعا والمندفع مطاوع مختار وهو قولي وهو مطاوعة وهو اختيار لمن يفهم
قلت فالاختيار لازم لجميع ذرات الوجود ولكن الامر المحكم ان يكون الشيء على كمال ما ينبغي وكمال ما ينبغي ان يكون التابع تابعا باختياره لاحوال المتبوع من حيث المتبوعية والا لم يكن التابع تابعا ولا المتبوع متبوعا اذ التابعية والمتبوعية نسبة ارتباط بينهما ومشابهة في الذوات تقتضي المجانسة المقتضية للميل الذاتي المقتضي للاختيار بسبب اختلاف جهة ذات كل منهما كما اشرنا اليه مرارا
اقول يتفرع على ما ذكرنا سابقا ان الاختيار لازم لجميع ذرات الوجود فلا يتحقق شيء من ذرات الوجود من ذات او صفة عارض او معروض عين او معنى الا مع الاختيار لما بينا اولا لأن الاختيار شرط التكليف والتكليف شرط الايجاد لأن التكليف ارشاد الى القابلية وتحصيلها وحصولها فلو لم يكن مختارا لقبح ايجاده قطعا والحكيم لا يفعل القبيح فلا بد ان يكون مختارا لأن صحة الاختيار مترتبة على صحة الايجاد ولكن الأمر المحكم المطابق للحكمة الجاري بمقتضي صنع الحكيم العليم القدير على ما يريد ان يكون الشيء على كمال ما ينبغي لأنه هو مقتضى صنع الحكيم العليم القدير على ما يشاء ومن كون الشيء جاريا على كمال ما ينبغي ان يكون التابع من حيث هو تابع تابعا باختياره لأحوال المتبوع لأنه لو لم يكن تابعا باختياره لم يكن تابعا في الحقيقة اذ مفهوم التابع ان يكون تابعا باختياره لأنه لو لم يكن تابعا باختياره لكانت التابعية ليست من فعل التابع وانما هي من فعل المتبوع وكذلك حكم المتبوع في امر الاختيار فانه من حيث المتبوعية مختار والا يسقط حكم متبوعيته كما في قصة عيسى عليه السلام مع من عبده من دون الله سبحانه غير راض بذلك اذ التابعية والمتبوعية نسبة ارتباط بشرط الرضاء وهو الاختيار هنا اذ بدون الرضاء لا يتحقق التابعية والمتبوعية ولهذا سقط اعتراض عبدالله بن الزبعري على قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون بقوله نرضي ان نكون نحن وآلهتنا وعيسى بن مريم عليه السلام في جهنم لأنه عليه السلام عبد من دون الله فسقط اعتراضه لعدم تحقق النسبة التابعية والمتبوعية لأن ذلك بغير اختيار عيسى بن مريم عليه السلام وبغير رضاه وايضا التابعية والمتبوعية مشابهة في الذوات مقتضية للمجانسة ولولا المجانسة في الجملة لماحصلت المشابهة ولولا المشابهة لماحصلت التابعية والمتبوعية وانما حصلت لوجود المجانسة والمجانسة تقتضي الميل الذاتي من كل واحد من المتجانسين ( المجانسين خل ) الى الآخر وهذا موجب للاختيار بسبب ان جهة التابعية مخالفة لجهة المتبوعية فميل الموافق الى المخالفة والمخالف الى الموافقة لا يكون الا عن اختيار كما ذكرنا ذلك مرارا فافهم والمخالفة في التابعية والمتبوعية والموافقة في المجانسة
قلت ولو كان تابعا بغير اختياره لم يكن تابعا لما قلنا والنبات والجماد في الوجود تابعان للحيوان لانهما من فاضل طينته فيجب ان يكون تابعا في تلك الاحوال فيجب في الحكمة لانتظام الوجود ان يكون تابع يحمله ويقله كالماء والتراب وتابع يظله كالنار والسماء وتابع يحيط به كالهواء لان جميع الاكوان تابع للانسان فعلة الصعود والنزول لتسخير ولي التدبير لانها اعانة منه لها فيما اراد منها
اقول قد ثبت ان التابع تابع باختياره لأنه لو كان تابعا بغير اختياره لم يكن تابعا بل هو مجبور والمجبور قاده المجبر له بغير اختياره فلا يكون تابعا ولما ثبت ان النباتات والجمادات كلها تابعة في الوجود للانسان لان الحيوانات والنباتات والجمادات كلها خلقت من فاضل طينته اي من شعاع وجوده لأجله اي لينتفع بها في نفسه وفي شؤنه وجب في الحكمة ان تكون كلها تابعة لأحواله لكونها من فاضل طينته خلقت ولمنافعه كونت فكان الانسان هو علتها المادية والغائية فيجب في الحكمة اي تجري في جميع احوالها وصفاتها على متابعة علتها واصلها فيما يوافقها وما يوافق العلة التي هي الانسان لانتظام وجوده فيكون بعضها اعني تلك التوابع تابعا يحمله ويقله كالماء والتراب ويكون بعضها تابعا يظله من فوقه كالنار والسماء ويكون بعضها تابعا يحيط به كالهواء لأن الهواء به استنشاق روحه ودوام حياته ومادتها بحرارته ورطوبته ولانه وسط التوابع اذ فوقه النار وسبع سموات وفلك المنازل وفلك البروج والكرسي والعرش وجسم الكل والمثال وجوهر الهباء والطبيعة والنفس والروح والعقل فهذه تسعة عشر بعدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم وتحته الماء وسبع ارضين والملك الحامل لها والصخرة سجين والثرى والحوت والبحر والريح العقيم وجهنم والطمطام والثرى وما تحت الثرى والجهل فهذه تسعة عشر اشياء بعدد زبانية سقر فالانسان هو القائم بين الطتنجين والمتوسط بين البحرين لأن هذه الأكوان العلوية والسفلية كلها تابعة للانسان فتكون علة صعود بعضها وهبوط بعضها من تسخير الله سبحانه بتدبيره لمنافع الانسان ببقائها وعلة بقائها بتكليفها وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا وعلة تكليفها بكونها مختارة وعلة اختيارها صنع كل شيء منهما مركبا من شيئين مختلفين كما مر واوجدها على ما تكون مختارة لئلا تكون للناس ولسائر خلقه عليه تعالى حجة واعانة منه سبحانه لها على ما يريد منها وله الحمد اولا وآخرا وباطنا وظاهرا
قلت فكمال التابع على ما ينبغي وكما ينبغي ان يختار المتبوع متبوعية التابع ويريدها ويختار التابع تبعية المتبوع ويريدها وهو المراد من الاختيار وسخر الله كلا منهما معونة منه لما احبا والا لم يكونا اياهما اذ لا يكون الشيء اياه الا بما يمكن له فافهم ما كررنا لك
اقول هذا من تمام ما تقدم وهو انه قد ثبت ان كمال الصنع ان يكون على كمال ما ينبغي وكمال صنع الشيء ان يكون المصنوع وصنع الشيء على كمال ما ينبغي ان يكون مختارا في كل شيء من احواله ومن ذلك ان يختار المتبوع متبوعية التابع بمعنى ان يكون مختارا في المتبوعية اذ لو لم يختر ذلك لم يكن متبوعا للتابع ولو فرض ان التابع اتبعه لأنه اذا كان باجباره لم يكن متبوعا له وان تبعه فلا تترتب عليه احكام المتبوعية اذ لا تترتب الا مع الرضا بالمتبوعية عن اختيار كما حكى سبحانه عمن رضوا بالمتبوعية عن اختيار في ترتب الأحكام على متبوعيتهم قال تعالى وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وكذلك التابع فان كمال ايجاده ان يختار تبعية المتبوع كما ذكرنا وانما جعل الله ذلك في كل من التابع والمتبوع لما في حقيقة كونهما واعانة منه سبحانه لهما على ما اراد منهما من وقوع التضايف لما يترتب عليه من الأحكام وانما هما كذلك بما جعل لهما من خصوص هذا الميل الاختياري وامثاله ولو لم يجعل لهما ذلك لم يكونا اياهما اي تابعا ومتبوعا بل كانا شيئا وشيئا آخر فافهم
قلت وليس تسخيره تعالى قسرا وانما خلقها على ما هي عليه وما هي عليه الا بما سألته ولم يجبرها على السؤال بل سألها باختيارها ولهذا قال الست بربكم استخبارا وتقريرا لما علموا فاتاهم بذكرهم وما انطووا عليه ورضوا به فلما اتاهم بالاختيار وخيرهم اقر من اقر وجحد من جحد ولو قسرهم لم يمتنع منهم احد وهذا البيان والمثال انما هو باللسان الظاهري
اقول قد ذكرنا ان تسخير الله تعالى سبحانه للأشياء على التلازم والانضمام والاقتران ليس قسرا بان يكون تعالى عز وجل اجبرهم على ذلك لما قررنا سابقا من ان المحدث من ذات او صفة او عين او معنى مادي او مجرد حيوان او غيره مركب او بسيط لا يمكن ان يكون حتى يكون له اعتبار من ربه وهو وجوده واعتبار من نفسه وهو ماهيته فخلق على ما هي عليه من كونها لا تتحقق الا بالاعتبارين المذكورين ولا تكون مخلوقة على ما هي عليه حتى تخلق على مقتضي قابليتها باختيارها ولا يكون ذلك حتى يجري عليها الايجاد ويوجه الصنع بسؤالها ذلك منه تعالى ومع هذا لم يجرها في الصنع على محض السؤال اذ مقتضي محض السؤال ان يخلق على مقتضى الفعل سواء كان على نحو الاختيار ام على نحو الاضطرار الا انه لو خلقها على نحو الاضطرار لم تكن على كمال ما ينبغي وان لم تكن على كمال ما ينبغي لم يكن الصنع على كمال ما ينبغي بل يكون مخالفا للكمال والحكمة وذلك صنع العاجز الجاهل واما صنع القدير العليم فيجب ان يكون على كمال ما ينبغي وذلك مقتضي للايجاد على جهة الاختيار والايجاد على جهة الاختيار اقتضى ان يتوجه طلب قبول التكوين على جهة السؤال ولهذا قال تعالى الست بربكم استخبارا لهم في الرضاء بالاستجابة له فيما طلب منهم وتقريرا لهم على ما طلبوا منه باجابته لهم بان خلقهم على ما قبلوا من تكوينه اياهم فاتاهم من امره الفعلي والمفعولي بما ذكرهم به حين ذكرهم في خلقه وجعله لهم على ما ذكرهم به في صنعه وما انطووا عليه من حقايق ذواتهم وقوابلهم مما رضوا به كما ذكرنا فلما اتاهم بذكرهم على نحو الاختيار اقر من اقر باختياره وجحد من جحد بانكاره بعد اعترافه واصراره ولو قسرهم واجبرهم لم يمتنع منهم احد ولا انكر منكر منهم ولاجحد وهذا البيان والمثال كله باللسان الظاهري اعني طريقة المشائين لأنهم انما يعرفون من المعاني ما دلت عليه العبارة الظاهرة العامية
قلت واما المعنى الباطني فهو ما ذكرنا لك من انه من ملائكة وكمال البيان يطول به الكلام لما في هذا المقام من الدقائق الخفية ولكن هذا تلويح وتمثيل واشارة واعلم ان هذا التكرير في العبارات والترديد انما هو للتفهيم ولو هذبت العبارة واقتصرت على الاشارة لكلت البصائر وانسدت المذاهب الى هذه المطالب ومع هذا فان عرفت فانت انت والله ولي التوفيق
اقول هذا آخر ما كتبت من الفوائد وبيانه آخر ما اردت من البيان والتعليق على هذه الفوائد حيث انها لا تعرف الا بتعريف مني لبعدها عن ادراك الأوهام وبنائها على معاريض الكلام من حكمة الائمة الأعلام عليهم افضل الصلوة والسلام وقولي المعنى الباطني فهو ما اشرنا اليه من ذكر ان الانزال والاصعاد في النبات والجماد من الملائكة الموكلين به كما اشرنا اليه قبل هذا الا انه هو لسان اهل الشرع عليهم السلام واياك ثم اياك ان تطلب فهم هذه المطالب بنمط ما ذكروه في كتبهم فان طريقهم وفهمهم كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه وهذه المطالب المشار اليها في هذه الفوائد مستنبطة من معاني كلام العيون الصافية التي تجري بامر الله لا نفاد لها واياك ان تقول :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
فاني اقول لك :
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
وانما كررت الألفاظ ورددت المعاني رجاء ان تفهم المراد ولا تظن ان هذا عن عجزي عن تهذيب العبارة فانه امر سهل على كل احد ولكني رأيت هذه المقاصد بعيدة عن تناول الأفهام فرددت لك وكررت عليك والله سبحانه ولي التوفيق
الى هنا انتهى شرح هذه الفوائد في الليلة التاسعة من شهر شوال سنة ثلاثة وثلاثين بعد المأتين والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله افضل الصلوة وازكى السلام بقلم المؤلف لها العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابرهيم بن داغر الاحسائي المطيرفي ( غفر الله له ولهم اجمعين والحمد لله رب العالمين خ )