الفائدة في كيفية تنعم اهل الجنة وتألم اهل النار

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - الفائدة في كيفية تنعم اهل الجنة وتألم اهل النار

الفائدة في كيفية تنعم اهل الجنة وتألم اهل النار

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الفائدة - اعلم انه قد ثبت كما قررنا في بعض اجوبتنا ان اهل النار متألمون ابدا وكلما طال المداء ازدادوا تألما بعكس اهل الجنة كلما طال عليهم المداء ازدادوا تنعما وذلك بادلة قاطعة من الكتاب والسنة ومن ادلة العقل ومنها دليل الحكمة وهو ان النار ضد الجنة وتألم اهل النار ضد تنعم اهل الجنة لما ثبت من مضادتها لها في كل شيء

واورد علي هذا الاخير اعتراض باشكالات وهو انه كان اناس من اهل الجنة عليهم ذنوب يستوجبون بها دخول النار ثم يخرجون منها بعد تطهيرهم ويغسلون في عين الحيوان بعد دخول الجنة ومقتضى المقابلة والضدية ان يكون اناس من اهل النار لهم حسنات لم يوفوا جزاءها في الدنيا فيدخلون الجنة بقدر حسناتهم ثم يخرجون منها ويغسلون في الماء الاجاج ويدخلون النار ثم اذا قلتم بذلك فانتم ايضا قائلون بان من يدخل النار من المؤمنين لا يدخلون احدى النيران السبع وانما يعذبون في ضحضاح من النار وهي حظائر النيران فيلزم ان يدخلوا اهل النار حظائر الجنان وايضا انتم قائلون للنص بان حظائر الجنان تسكنها ثلاث طوائف مخلدون فيها مؤمنوا الجن والمؤمنون من اولاد الزنا والمجانين الذين عاشوا في الدنيا ولم يجر عليهم التكليف وليس لهم من يدخلون الجنة بشفاعته فيلزم من حكم المقابلة ان تكون حظائر النار يسكنها ثلاث طوائف مخلدون كما في ضدها وهذا مقتضى حكم التعاند

والجواب انا نقول بموجب ذلك كله على تفصيل بمعنى ان حكم الاقتضاء ذلك وهو كذلك الا مع حصول المانع فانه مقتض اقوى من المقتضى وتأتي الاشارة الى حكم المانع فيما نحن فيه فنقول اعلم ان المحصل من الادلة العقلية المبنية على النقلية ان الدور يوم القيمة تسع وعشرون دارا وتفصيلها ان الجنان ثمان اعلاها على ما دلت عليه بعض الروايات جنة عدن وليس لها حظيرة لما تشير اليه ادلة العقل والنقل واما باقي الجنان وهي السبع فلكل جنة حظيرة تختص بها خلقت من فاضل تلك الجنة المختصة هي بها ومددها من النعيم منها فكانت الجنان وحظائرها خمس‌عشرة وان النيران سبع ولكل نار حظيرة تختص بها خلقت من فاضلها واليمها من فاضل اليمها فكانت النيران وحظائرها اربع ‌عشرة فالدور تسع وعشرون دارا لكل دار سكان خالدون فيها ابدا مخصوصون بها لا يسكنها غيرهم ولا يخرجون منها قال الله تعالى ولكل درجات مما عملوا فاما الجنان الثمان فهي للانبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين والملائكة المقربين والولدان والحور العين واما النيران فهي للكافرين والمنافقين والمشركين واعداء الدين المغضوب عليهم وهم الذين تبين لهم الحق في الدنيا ولم يقبلوه واعرضوا عن الهدى بعد اذ جاءهم ولما كان الوجود باعتبار مراتبه وذراته له مراتب ولكل منها له مرتبة ومقام لا يتجاوز شيء مقامه لا في صعود ولا في نزول لان تلك الرتبة التي فيها ذلك الشيء هي من شروط وجوده لتوقف وجوده على المشخصات كالرتبة والجهة والكم والكيف والمكان والوقت والوضع وغير ذلك والفرق بين المكان والرتبة ان المكان هو الحيز الذي يشغله ذلك الشيء بالكون فيه والرتبة هي آخر المسافة التي بينه وبين الفعل واول مسافة بينه وبين ما بعده كان متناسقا متشابها في الاوضاع والاتصالات في الاسباب والمسببات وفي متممات الاسباب في الايجادات والمسببات في القابليات للايجادات فكان ما فقد في الاسفل وجد في الاعلى وما خفى في الاعلى اصيب في الاسفل ولهذا امتنعت الطفرة فيه بين بعض افراده وبين بعض فلزم مما قررنا ان تكون حظائر النار في جميع ما فيها ولها من الاستعدادات ومن السكان بعكس حظائر الجنة في جميع ما فيها ولها من الاعدادات ومن السكان لان ذلك مثال حال النار واهلها من حال الجنة واهلها

فاذا عرفت هذا الكلام فقولكم انه على هذا يكون لحظائر النار سكان خالدون فيها ابدا وسكان يخرجون منها فيدخلون جنة الخلد خالدين ومنهم من يدخل جنة الحظائر خالدين ويلزم مما قررتم من تمام المقابلات والتضاد ان يكون لحظائر الجنة سكان منهم خالدون فيها ابدا ومنهم من يخرج منها ويدخل النار الاصلية خالدا فيها ومنهم من يدخل حظائر النار خالدا فيها وهذا شيء لا يعرف من كتاب ولا في جواب جوابه يظهر بعد فهم ما نذكره مكررا مشروحا وهو ان حظائر الجنة منها وحظائر النار منها كشعاع الشمس منها وذلك ان اول ما خلق الله الرحمة فخلق عنها الغضب فخلق من الرحمة الجنان الثمان وخلق من كل جنة اهلها وخلق من سبع جنان منها من فاضل كل جنة حظيرة تنسب اليها ويستمد نعيمها من نعيمها وخلق من فاضل اهل كل جنة سكان حظيرتها واما الجنة العليا فلا حظيرة لها وقيل في اسماء الجنان وترتيبها هكذا الاولى جنة الفردوس الثانية جنة العالية الثالثة جنة النعيم الرابعة جنة عدن وهي التي لا حظيرة لها على ما تومي اشارات بعض الاخبار عن الائمة الاطهار الخامسة جنة المقام السادسة جنة الخلد السابعة جنة المأوى الثامنة جنة دار السلام وخلق من الغضب النيران السبع وخلق من كل نار اهلها وخلق من فاضل كل نار حظيرة تنسب اليها ويستمد عذابها من عذابها وخلق من فاضل اهل كل نار سكان حظيرتها وقيل في اسماء النيران وترتيبها

هكذا الاولى جهنم الثانية لظي الثالثة الحطمة الرابعة السعير الخامسة سقر السادسة الجحيم السابعة الهاوية وقيل اعلاها الجحيم واسفلها جهنم وكل شيء بدئ من شيء فاليه يعود سواء من جنة او نار او الحظيرتين وكل دار من هذه التسع والعشرين الدار المشار اليها فلها مبدء تتميز فيه عن غيرها في الاعداد والاستعداد معنى هو وجهها من الرحمة او الغضب ولا نهاية لذلك المبدء ودونه منزل تتعين فيه دقيقة اظلتهم من ورق الاس ودونه رفرف تتشخص فيه صورة اعيانهم ولا نهاية لشيء مما ذكر فكان المخلوقون منها في مقام المبادي غير متمايزين الا بالمعنى فكان فيهم اول مراتب اللطخ واشده دخلا واصعبه مفارقة فتلوثت امكنتهم واوقاتهم هنالك بعضهم من بعض مع تباين ذواتهم وخلوص كل من كل وفي مقام المنازل تلونت جهاتهم وكيفهم وهو دون الاول في اللطخ وفي مقام الرفارف اعتدلت باللطخ صفاتهم وذواتهم او تلوت واعوجت فكان ما في شخص من لطخ آخر من سنخ ذلك الملوث بكسر الواو ومن الطبع الغالب عليه وذلك من جنته التي هو ساكنها ولا يكون ذلك اللطخ من نفس ذات الملوث وانما هو من لطخ صفاته كما ذكرنا فما كان من لطخ اهل الجنة يصيب اهل النار فمرتبته وسنخه من حظيرة تلك الجنة وطبع اهلها وما اصاب اهل الجنة من لطخ اهل النار فمرتبته وسنخه من حظيرة تلك النار وطبع اهلها فاذا اصاب شخصا من اهل جنة المأوى لطخ من شخص من اهل الجحيم مثلا ولم يصبه ما يطهره من مكاره الدنيا او عند الموت او في القبر او البرزخ او اهوال القيمة او شفاعة شفيع وضع في حظيرة الجحيم لانها منها وصفتها حتى تأخذ منه ما كان من سنخها فاذا صفا منه ذلك اللطخ اخرج منها وغمس في عين الحيوان وادخل جنة المأوى وان كان ما اصابه من لطخ اهل الحظائر كفرته محن الدنيا او الموت او البرزخ او اهوال يوم القيمة فلا يدخل تلك الحظيرة لان اللطخ الذي من سنخها هو من صفات اهلها فلا يوصل اليها لان مقامه دونه وما ورد وقيل من ان الشعاع يرجع الى المنير فالمراد برجوعه اتباعه في جهته واتصاله به في رتبة الشعاع لا في رتبة المنير وهنا كذلك حرفا بحرف فان كان اللطخ الذي اصابه من اهل نار تقابل جنة اعلى من جنته طهر بحظيرة هذه النار لا بحظيرة النار المقابلة لجنته وان كان من اهل نار تقابل اسفل من جنته طهر بحظيرة هذه النار السافلة وهكذا ويختلف بقاء ذلك الشخص في نار الحظيرة للتطهير باختلاف كم اللطخ وكيفه ورتبته وسن ذلك الشخص وغير ذلك من جهات العدل ولا يظلم ربك احدا وظاهر ما اشرنا اليه يعرف واما تفصيله وبيان اسبابه فمن المكنون الذي لا يشار اليه في كتاب ولا يذكر في جواب نعم مفصل في الكتاب والسنة يعرفه من عرفه واما امر العكس وهو ما اذا اصاب شخصا من اهل النار لطخ من اهل الجنة فانه يكون مقتضيا لبعض الاعمال الصالحة البرزخية فيصل اليه ثوابها من سنخ حظيرة تلك الجنة التي اصابها من لطخ اهلها فاما ان يصل اليه ثوابها في الدنيا كأن تقضي حوائجه او يمد له في عمره او يشافي مريضه او يرزق اموالا وبنين او تدفع عنه اشياء من البلايا والمكاره وما اشبه ذلك او عند خروج نفسه بان يخفف عليه النزع او يصل اليه من حظيرة تلك الجنة الروح بفتح الراء او في القبر وعند السؤال بتخفيف العذاب وتهوين هيئة منكر ونكير وضرب المرزبة وما اشبه ذلك او في البرزخ بتخفيف العذاب عند مطلع الشمس وفي بلهوت بئر برهوت بحضرموت او ايصال الريحان الى قبره من حظيرة تلك الجنة او عند الحشر في القيامة بتهوين بعض اهوالها وشدائدها وما اشبه ذلك وكل ذلك من نعيم تلك الحظيرة لان هذه المواطن المذكورة من درجات تلك الحظيرة كالعكس فانها من دركات حظيرة النار والى ذلك الاشارة بقول النبي (ص) الحمى رائد الموت وحرها من فيح جهنم وهي حظ كل مؤمن ومؤمنة من النار فان بقي شيء من آثار ذلك عليه لم يصل اليه جزاؤه في هذه المواضع المذكورة اما لمانع من الايصال اليه فيها او في بعض منها او لكثرة اللطخ او لكونه من اهل جنة اعلى من الجنة التي تقابل نار ذلك الشخص بحيث كان كالطبيعة الثانية له اوصل اليه ثواب تلك الاعمال الناشية عن ذلك اللطخ وهو في النار عند اول دخوله في النار لئلا يحس بالتخفيف ليصدق قوله تعالى لا يخفف عنهم العذاب وقوله تعالى لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون مع انه يعرف ان ذلك التخفيف جزاء لتلك الاعمال وبيان ذلك انه عند دخوله يعرف انه يستحق مائة طبقة من العذاب وان بثواب اعمال اللطخ يستحق اسقاط عشرين طبقة مثلا فاذا ادخل في النار جعل عليه ثمانين فيتألم بها كمال التألم ويعلم انه سقط عنه عشرون ولكنه لا يحس بالتخفيف الا اذا ادخل في المائة ثم كان في الثمانين وهذا على العكس فيعذب بالثمانين اول دخوله فاذا انتهى حكم عمله زاد عذابه بعشرين فهم ابدا في الزيادة نعوذ بالله من سخط الله وانما كان اثر اللطخ على الفريقين سابقا لانه لاحق عند البدء فيكون سابقا في العود وسنشير الى بيان ان اهل كل حظيرة من حظائر الجنة والنار خلقوا من فاضل اهل جنتها او نارها فيما بعد

بقي هنا اشكالان يردان على ظاهر ما قررناه احدهما ان الاخبار قد تواترت معنى ان حسنات اعداء الدين ترجع الى المؤمنين لانها مقتضى اللطخ الذي هو من سنخهم وسيئاتهم ترجع الى الاعداء لانها مقتضى اللطخ الذي هو من سنخهم كما دلت عليه احاديث الطينة وانتم تقولون بذلك وثانيهما مقتضى ما قررتم من التقابل والعكس ان الشخص الذي من اهل النار اذا اصابه لطخ من اهل الجنة ان يوضع في حظيرة تلك الجنة مدة مقتضى ذلك اللطخ ثم يخرج منها ويدخل النار بعد ان يغسل في ماء الاجاج وهذا خلاف المعروف من الاخبار لان المعروف منها خلاف مقتضى المقابلة

والجواب عن الاول يعرف من ملاحظة اصل وهو ان الشيء اذا ضم الى آخر كان عنه اثران احدهما ذاتي هو مقتضي ذاته والثاني عرضي يحدث عنه بالانضمام الى الاخر واثر ذلك اللطخ لاهل الجنة ولاهل النار من هذا القبيل فالاثر الذاتي من لطخ اهل الجنة في اهل النار يرجع الى اهل الجنة لانه اثر سنخهم والاثر العرضي منه يلزم اهل النار لان ما كان بالانضمام ليس من اهل الجنة لانه عارض لسنخهم من اهل النار وان كان لا يكون بدونه وكذلك الاثر الذاتي من لطخ اهل النار في اهل الجنة يرجع الى اهل النار لانه اثر سنخهم والعرضي هو يلزم اهل الجنة فيعذبون به في الحظيرة حتى يطهروا فاذا قيل ان اهل الجنة يعذبون في الحظائر بمعاصيهم فالمراد بها عرضية لطخ اهل النار واذا قيل ان سيئاتهم ترد على اهل النار لانها منهم من سنخهم فالمراد بها ذاتية اللطخ وهكذا حكم اهل النار في العكس فافهم وعن الثاني هو انه لما كان فعل الله سبحانه جاريا في ايجاد الموجودات على مقتضى الحكمة في اعتبار المناسبات والموافقات والملايمات والاولويات وما ينبغي ان يكون كما ينبغي لان ذلك من متممات قابلية الوجود للايجاد وهو مفاد قوله تعالى بل اتيناهم بذكرهم يعني خلقهم على ما هم عليه وكلفهم بما يليق بهم واراد منهم ما طلبوا منه باستعداداتهم وكانت الجنة وما ينسب اليها من جنس الوجود والوجدان والملايمات والاولويات وكانت النار وما ينسب اليها من جنس الاعدام والفقدان والمنافرات وعدم الاولويات من جهة وجوداتها صح ان يدخل اهل الجنة نار الحظائر بسيئاتهم حتى يطهروا لان تطهيرهم ازالة نجاسات الذنوب وهي اعدام وفقدان لما لزمهم وذلك من جنس النار ولم يصح ان يدخل اهل النار جنة الحظائر بحسناتهم لان حسناتهم ليست ثابتة اذ لا اصل لها فيهم بل هي مجتثة من فوق الارض ما لها من قرار كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا فلا يقتضي ان يكون ثوابها وجدانيا بايصال مدد من الوجود ليلزم ان يكون ذلك في جنة الحظائر التي هي من جنس الوجود بل يكون ثوابها من جنس الاعدام لان تلك الحسنات ليست حقيقة بل هي من جهة عدم الثبات اشبه بالسيئات ولهذا قلنا ان النور من جهة نفسه ظلمة وانما هو نور من جهة المنير وصح ان ياتيهم ذلك الثواب وهم في النار لاجل مناسبته للنار لانه في الحقيقة عرضي فهو صورة الثواب فهو مجانس للاعدام كالنار الا انه ياتيهم عند دخولهم لالتحاقه بوجهه الاعلى بالخير ولئلا يحسوا بالفتور كما مر ثم اعلم ان اهل الجنة اذا اخرجوا من النار وادخلوا الجنة يدخلونها وهم كالحمم فيعيرونهم اهل الجنة ويقولون يا جهنميون فيقولون يا ربنا لا صبر لنا على العار فيأمر بهم فيغمسون في عين الحيوان فيكونون كالشموس وكالاقمار واما اهل النار بعد انقطاع ما لهم من الثواب الصوري يضعف عذابهم الزائد بعد التخفيف فيغمسون في الماء الاجاج والحميم ليشتد عذابهم بعكس اهل الجنة واليه الاشارة بتأويل قوله تعالى وهو من تفسير ظاهر الظاهر مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا وماء الخطيئات هو الماء الاجاج فافهم

واما جواب ما سئل عنه من ان لحظائر الجنة سكانا خالدين فيها ابدا وسكانا يخرجون منها ويدخلون النار او حظائرها وان لحظائر النار سكانا خالدين فيها ابدا وسكانا يخرجون منها ويدخلون الجنة او حظائرها فاعلم ان الامر كما ذكر ولكن على تفصيل سنذكره لك اما سكان حظائر الجنان الخالدون فيها ابدا فقد دلت الاخبار على انها يسكنها ثلاث طوائف خالدون فيها ابدا ولا يدخلون جنات المؤمنين وهم مؤمنوا الجن والمؤمنون من اولاد الزنا واولاد اولادهم الى سبعة ابطن والمجانين الذين لم يعقلوا في الدنيا وليس لهم اقرباء صالحون من اهل الشفاعة من المؤمنين ليستحقوا الالحاق الذي تكرم به سبحانه على عباده المؤمنين لذرياتهم واتباعهم لتطيب بهم نفوسهم فيدخل اولئك المجانين جنة الحظاير بتفضل الله عليهم وهذه الثلاث الطوائف خلقوا من تلك الحظائر واليها يعودون وقد قلنا انهم خلقوا من فاضل اهل الجنة وذلك الفاضل هو تراب تلك الحظائر فاما مؤمنوا الجن فانهم خلقوا من نار الشجر الاخضر وتلك الشجر خلقت من فاضل الطينة التي خلق منها الانسان لان الانسان خلق من سلالة من صفوة التراب ولطيفه وذلك اللطيف متفاوت المراتب الى اللوح المحفوظ الذي هو اطراف الارض ونهاياتها قال تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها يعني بموت العلماء وخلق ذلك الشجر من فاضل تلك الصفوة واليه الاشارة بقوله (ص) اكرموا عماتكم النخل وقول علي (ع) انما سميت النخلة نخلة لانها من نخالة طينة آدم (ع) والمراد من النخالة والفاضل ظاهر الشيء كالشعاع فانه فاضل المنير ونخالته وظاهره فافهم والجان خلق من النار التي من الشجر الاخضر الذي هو من فاضل طينة الانسان كما قلنا ان الحظيرة خلقت من فاضل الجنة وتعلق الانوار القدسية التي هي لوازم الوجودات التشريعية على حسب خلوص الطينة وصفائها وامتزاجها وكدورتها فيختلف الانعكاس عن النور الواحد باختلاف القابليات كانعكاس الشمس فانه يقع على الارض بقدر ما يقع على المرءاة وينعكس عن المرءاة انور واشد مع انها لم‌ تعطها اكثر من الارض فتكون استنارة طينة الانسان التي هي الصفوة اشد واقوى من استنارة طينة الجن التي هي من نار الشجر الاخضر فلما كانت الحظيرة خلقت من فاضل جنتها كانت الجن خلقت من فاضل طينة الانسان وكانوا مخلوقين من الجنة وحظيرتها وجب ان يخلق الانسان من الجنة ويعود اليها وان تخلق الجن من حظيرتها ويعودون اليها اذ كل شيء يعود الى ما منه بدئ فكانت الجن هم سكان حظائر الجنان السبع على اختلاف مراتبهم كما ان مؤمني الانس هم سكان الجنان ولكل درجات مما عملوا واما قوله تعالى لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان فالمراد منه لم يطمث الانسيات من اهل الجنة قبلهم انس ولا الجنيات منهم جان وذلك اخبار عن سكان الجنان وسكان حظائرها بحكم جامع او اشارة الى ما في مؤمني الانس من لطخ منزلة زوجة يافث بن ادم (ع) وما في مؤمني الجن من لطخ نزلة زوجة شيث بن آدم (ع)

واما علة كون اولاد الزنا المؤمنين من سكان الحظائر بعد النص فهو ان الزاني وان كان مؤمنا يكون باعث نطفته شهوة النفس الامارة بالسوء وناكح الحلال داعي نطفته شهوة النفس التي هي من العقل وهي مركبه وتلك ضده فتكون نطفة الزاني اكثف واكدر لقلة نوريتها لانها من دواعي الماهية بخلاف تلك فانها من دواعي الوجود فلما فارقت نطفة الزاني في خروجها وقرارها وتكوينها النور الوجودي التشريعي لم تكتسب نورا يلحقها بمراتب المؤمنين ولم يبق فيها الا نور التشريعي الوجودي وشأنه اقتضاء الاكوان الصورية والوجودي التشريعي يقتضي الاكوان النورية والصورية من فاضل النورية فوجب ان تكون النطفة الحلال اذا طهرت تكون من الجنة واليها تعود والنطفة الزنا اذا طهرت تكون من الحظائر واليها تعود

ثم ان هنا سرا اشارت الى لوازمه الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام في مثل قولهم ان ابن الزنا لا ينجب الى سبعة ابطن فدل ذلك ومثله بمفهومه انه بعد سبعة ابطن ينجب ومعنى ذلك مضافا الى ما دل عليه دليل الحكمة واشارت اليه الاخبار ان ابن الزنا الصالح يسكن اسفل حظائر الجنان وابنه الصالح بالنكاح الحلال يسكن الحظيرة التي فوقها وابن ابنه الصالح بالنكاح الحلال يسكن الحظيرة التي هي اعلى من حظيرة ابيه وهكذا والسابع من نسل ابن الزنا على نحو هذا التفصيل يلحق بالمؤمنين ويسكن معهم لانه نجيب مثلهم لاستكمال النور الوجودي التشريعي فيه والسر في خصوص عدد المراتب ان ابن الزنا لما نكح بالحلال كان في ابنه من النور الوجودي التشريعي سبع ظهر فيه عند ظهور العقل التكليفي عليه وهذا الابن اذا نكح بالحلال ظهر في ابنه سبعان من ذلك النور سبع عند عقله وسبع ( عند ظ ) ولوج روحه فيه واذا نكح هذا الابن بالحلال ظهر في ابنه من ذلك النور ثلاثة اسباع عند عقله وعند روحه وعند اكتساء عظامه لحما واذا نكح هذا الابن حلالا ظهر في ابنه من ذلك النور اربعة اسباع في عقله وروحه ولحمه وعظامه واذا نكح هذا الابن حلالا ظهر في ابنه من ذلك النور خمسة اسباع في عقله وروحه ولحمه وعظامه ومضغته واذا نكح هذا الابن حلالا ظهر في ابنه من ذلك النور ستة اسباع في عقله وروحه ولحمه وعظامه ومضغته وعلقته واذا نكح هذا الابن حلالا ظهر في ابنه ذلك النور بتمامه السبعة الاجزاء في عقله وروحه ولحمه وعظامه ومضغته وعلقته ونطفته فنجب هذا الابن فلحق بالمؤمنين في مراتبهم في الجنان لاستكمال النور الوجودي التشريعي فيه وانما كانت الاجزاء سبعة لان متعلق النور الوجودي التشريعي الذي فيه سبع مراتب هي مطارح اشعة نفوس السموات السبع على نظائرها كل على فرعه من تلك المطارح ولهذا كان الشخص اذا قارف سيئة انتظر سبع ساعات فان تاب لم تكتب عليه لعدم استقرارها في مياسر تلك المطارح وان مضت سبع ساعات ولم يتب استقرت في تلك المياسر فكتبت عليه سيئة

واما العلة في حكم المجانين المذكورين وسكونهم في الحظائر فلعدم حصول هذا النور الوجودي التشريعي لا بالاصالة لعدم اعمالهم ولا بفاضل حسنات الشفعاء ولهم مراتب كاولاد الزنا لاختلاف مراتب زوال العقل فافهم

واما قولك ان لحظائر الجنة سكانا يخرجون منها فمنهم من يدخل النار ومنهم من يدخل حظائر النار فهو حق ولكن لبيانه وجهان :

احدهما ان يكون دخول اهل النار حظائر الجنة عبارة عما يصل اليهم من ثواب حسناتهم العرضية المجتثة في النار عند اول دخولهم النار من تخفيف ما اقتضته ذواتهم واعمالهم الخبيثة بقدر حسناتهم العرضية فان ذلك التخفيف والتقليل من نعيم تلك الحظائر كما تقدم ذكره وهذا جار في اهل النيران واهل حظائرها وبعد انقطاع التخفيف يغسل اهل النيران في الماء الاجاج ماء خطيئاتهم الذاتية لذواتهم اي وجودها العرضي وهو ما عجنت به طينتهم من البحر الاجاج في الذر الاول حين قال لهم الست بربكم فقالوا بالسنتهم بلى وبقلوبهم نعم لانكارهم واستكبارهم عن ولاية الولي قال تعالى قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ثم يزادون من العذاب ما يقتضيه بدؤ شأنهم في علم الغيب وكذلك اهل الحظائر بعد انقطاع التخفيف كذلك يغمسون في الماء الاجاج ماء خطيئاتهم الذاتية لذواتهم وهو ما عجنت به طينتهم في الذر البرزخي لان ذواتهم ومساكنهم في الاخرة التي خلقوا منها وهي حظائر النيران برزخية خلقوا من بين الظلمة والنور كما تأتي اليه الاشارة وذلك الذر البرزخي وراء الاقليم الثامن من هورقليا حين قال لهم الست بربكم قالوا بلى بالسنتهم وقالوا نعم بصدورهم ثم يزادون من العذاب ما اقتضاه بدؤ شأنهم في علم الغيب وعلته عدم دخولهم نفس حظيرة الجنة وانما يصل اليهم نعيمها في النيران وحظائرها كما اشرنا اليها سابقا فراجع

وثانيهما ان يكون اهل النار واهل حظائرها يدخلون جنة الحظائر بحسناتهم العرضية البرزخية في البرزخ لا بمعنى انهم يدخلون فيها في البرزخ والا لساووا المؤمنين في استحقاقهم وانما دخولهم فيها هو ما يصل اليهم من روحها وريحانها في قبورهم كما روى ضريس الكناسي عن ابي ‌جعفر (ع) قال قلت له جعلت فداءك ما حال الموحدين المقرين بنبوة رسول الله (ص) من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم امام ولا يعرفون ولايتكم فقال اما هؤلاء فانهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم تظهر منه عداوة فانه يخد له خدا الى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الى يوم القيمة حتى يلقي الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فاما الى الجنة واما الى النار فهؤلاء من الموقوفين لامر الله قال وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والاطفال واولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم واما النصاب فانهم يخد لهم خدا الى النار التي خلقها الله بالمشرق ودخل عليهم منها الشرر والدخان وفورة الحميم الى يوم القيمة ثم بعد ذلك مصيرهم الى الجحيم وفي النار يسجرون ثم قيل لهم اينما كنتم تشركون من دون الله اي اين امامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس اماما انتهى رواه القمي في تفسير قوله تعالى ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون وانما اوردته بتمامه لما فيه من الاستدلال على كثير من شقوق المسئلة التي نحن بصددها فقوله (ع) فاما الى الجنة واما الى النار يشير به الى ان هؤلاء الذين تنعموا في قبورهم منهم من يؤل امرهم الى الجنة وذلك بان يكلف يوم القيمة ويطيع ومنهم من يؤل امرهم الى النار لانه يجدد له التكليف يوم القيمة ويعصى فالذاتي يرجع الى النيران والبرزخي يرجع الى الحظائر وهؤلاء هم المقصودون من هذا الكلام فبين عليه السلام بان ممن يدخل النار من يأتيه الروح في قبره من الجنة التي في المغرب وهي جنة الدنيا وهي جنة الحظائر وهي المدهامتان وانما قلنا انهم دخلوا الجنة بوصول الروح اليهم في قبورهم لان قبورهم حينئذ روضة من رياض الجنة كما في العكس لو اصاب بعض المؤمنين لطخ من اهل النار وعذب به في قبره ان قبره حينئذ حفرة من حفر النار وبيان العدل والاستحقاق يعلم مما سبق

واما ان لحظائر النيران سكانا خالدين فيها فلان المقتضي لوجود ساكنين لحظائر الجنان خالدين فيها هو المقتضي لوجود ساكنين لحظائر النيران خالدين وذلك لان اهل النيران انما استحقوا الخلود فيها لانهم جانبوا اولياء الله وعادوهم لما بينهم من المضادة الذاتية المقتضية للشرك بالله ظاهرا وباطنا عن علم وبصيرة كما قال تعالى من بعد ما تبين له الهدى وقال تعالى من بعد ما تبين لهم الحق

واما اهل حظائر النيران فانهم لم يجانبوا اولياء الله بالذات لعدم المضادة الذاتية بينهم من كل وجه وانما التباين بينهم من وجه ولولا انهم من فاضل طينة اهل النيران ولا بد ان يكونوا معهم واتباعا لهم في طريقهم وان لم يكونوا معهم في رتبتهم لان ذلك من لوازم التساوي في رتبة البدء لامكن ان تستولي عليهم انوار مجاورة اولياء الله في جهة التوافق فيكونوا في حظائر الجنان ولكنهم تركوا اولياء الله لاجل مخالفتهم لائمتهم فصارت المجانبة بينهم ليست ذاتية وانما هي تبعية لانهم خلقوا من فاضل طينة المجانبين بالذات فيجانبوا بالتبع فاذا عمل هؤلاء حسنات من لطخ اهل الجنان جرى لهم من الثواب العرضي المجتث ما ذكرنا سابقا ثم يردون الى نيران الحظائر لانهم عادوا للمتابعة لا بالذات واليهم الاشارة بقوله تعالى حكاية عن قولهم في حق ائمتهم قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين وما اضلنا الا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم الايات فان قلت قوله تعالى قالوا وهم فيها يختصمون يدل على انهم معهم في دار واحدة قلت ليس كذلك لان الضمير يعود الى مطلق النيران الشامل للنيران ولحظائرها المسماة في بعض الروايات بضحضاح من نار وذلك لانهم في حال العتاب والمخاصمة يجتمعون وهم متباعدون كما حكى سبحانه عن عتاب تمليخا وتأنيبه لاخيه قوطش الكافر المذكورة قصتهم في الدنيا في الكهف واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من اعناب الايات وفي الاخرة في سورة الصافات قال تعالى حكاية عنهم فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ائنك لمن المصدقين ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما ائنا لمدينون قال هل انتم مطلعون فاطلع فرءاه في سواء الجحيم قال تالله ان كدت لتردين الايات هذا الخطاب والمؤمن في الجنة والكافر في النار وبينهما مسيرة خمسمائة سنة والقرب بينهما كالقرب بين الشمس والظل فلما كانوا مخلوقين من فاضل طينة اهل النار وجب ان يكون مسكنهم في ما خلق من فاضل النار وهو نفس تلك الحظيرة فطينتهم منها كما ان اهل النار طينتهم منها ومن خلق من شيء فاليه يعود ومما ذكرنا يظهر لك ان من اصابه لطخ من اهل النيران او من اهل حظائر النيران اذا خرج من الحظائر بعد تطهيره ان كان من اهل الجنة غمس في عين الحيوان الجارية سكن الجنة وان كان من اهل الحظائر غمس في العين النضاحة وادخل جنة الحظائر على نحو ما تقدم

واما ان لحظائر النيران سكانا يخرجون منها فيسكنون الجنان او حظائر الجنان فقد تقدم بيان حال من يخرج منها ويسكن الجنة واما من يخرج منها ويسكن حظائر الجنان فلان من كان من الطوائف الثلاث التي تسكن الحظائر اذا اصابه لطخ من اهل النيران وضع في حظائر النيران حتى يطهر ثم يخرج منها ويغسل في العين النضاحة ثم يدخل حظائر الجنان وذلك اللطخ ان كان من اهل النيران صعب تخلصه منه وطال مكثه في نار الحظائر وان كان من اهل الحظائر سهل التخلص منه وقل مكثه في الضحضاح من نار ثم اعلم ان الذي اصابه اللطخ منهم ان كان من الجن المؤمنين فظاهر لعدم الخلاف في ذلك ظاهرا وان كان من المجانين المخصوصين او من اولاد الزنا فالامر فيه خفي مشكل والاشارة الى ذلك ان حال مثل هذا المجنون المشار اليه بعد ما دل الدليل انه كلف في عالم الذر في دار الدنيا رفع عنه التكليف وهو عندنا نوع من النسخ ومن المحو لما ثبت من الدليل على ان النسخ محو تشريعي والمحو نسخ وجودي والدنيا هي وسطي دور التكليف الاولي في الذر وهي محل التقرير والثانية في الدنيا وهي محل القرار والثالثة يوم الحشر وهي محل الاستقرار فاذا ورد المحو على التكليف في محل التقرير ارتفع اعتباره بالكلية ووجود المكلف موقوف على ثبوت التكليف فلا يكون المكلف موجودا واذا ورد على محل القرار كالذي نحن فيه ارتفع عنه حكم الاستحقاق بالاكتساب ولزمه حكم الاستحقاق بالفضل والعدل لان الحجة تقوم لله على خلقه في تكليف الذر غير قارة فاذا قامت في الدنيا قرت واذا لم تقم كان ما سبق ان كان اجابة طاعة كان مقتضيا لاستحقاق الفضل المحض وهو الثواب على النية والقول بدون العمل والعزم على الخير وعمل الحال وذلك سبع عشر فيدخل في جنة الحظائر بفضل الله وان كان ما سبق اجابة انكار ومعصية كان مقتضيا لاستحقاق العدل المحض وهو العقاب على النية والقول بدون العمل وعلى العزم على الشر وعلى عمل الحال وذلك سبع عشر فيدخل نار الحظائر بعدل الله فان قلت ان صح هذا في الاول لما ورد ان من عزم على الحسنة كتبت له حسنة وان لم يفعلها لم يصح في الثاني لما ورد ان من عزم على فعل السيئة لم تكتب عليه حتى يفعلها واذا فعلها انتظر سبع ساعات فان تاب لم تكتب عليه والا كتبت عليه سيئة واحدة وهذا ينافي ما قررت في الثاني قلت بين ما ذكرت وبين هذا المجنون الذي نبحث عنه فرق فان ما ذكرت لاولئك حكم دار قرار التكليف وفيها احكام وضعية تناط بالاعمال الفعلية كالاحكام المترتبة على الثلج فان الماء قبل جموده لاتناط به احكام الثلج كالانكسار مثلا فانه للثلج لا للماء فهنا يكلف من فعل المعصية التوبة منها وهي مانعة لوجود المعصية وينتظر في وجودها الاستنساخي انقضاء مدة المانع منه وهو التوبة بخلاف ما نحن فيه فان له حكم دار التقرير وهو هناك قد جف القلم ولهذا قال سبحانه للجنة ولا ابالي وللنار ولا ابالي وفي دليل المجادلة بالتي هي احسن ان يقال ان هذا المجنون اما ان يكون في عالم الذر غير مكلف ام لا فان كان غير مكلف لم يكن موجودا لما اشرنا اليه قبل وان كان مكلفا وعصى هناك فاما ان يدخل الجنة بمعصيته ولا مقتض غيرها وهو باطل لاستلزامه تبديل المقتضيات بلا مقتض او لا يدخل جنة ولا نارا وهو باطل لما قلنا من استلزام التبديل بلا مقتض ومنافاة ان كل شيء يعود الى ما خلق منه ولا دار الا جنة او نار او يدخل النار فان اريد النار الاصلية لم يصح ايضا لان هذا لم يخلق منها وذلك لان الله سبحانه قال يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين ولم يكن في الدنيا منهم وليست موجودة فيه ولا محيطة به بل خارج عنها وان اريد نار الحظائر صح ما قلنا لانه خلق منها واليها يعود وهي فيه في الدنيا ومحيطة به

واما ابن الزنا فقد اشرنا الى ساكني حظائر الجنان منهم اذا كانوا مؤمنين وهؤلاء كاولئك الا انهم غير مؤمنين فيسكنوا حظائر النيران لان اصل وجودهم بالتشريعي الوجودي وهو صنم وصورة للوجودي التشريعي في المخلوق المكلف فاذا اجتمع الوجودان كان الانسان الطاهر واذا فقد الوجودي التشريعي فان اقترن بالعمل الشرعي الذي هو اثمان النعيم دخل حظائر الجنان والسر فيه ان الشرعي العملي وان كان اثمان النعيم الا انه يظهر نوره في الشخص على حسب معدن قابليته فان كان فيها التشريعي الوجودي وحده انطبع فيها نور العملي ظليا صوريا لا ذاتيا فيكون ضعيفا لانه في الحقيقة تابعية بحت وان كان فيها مع التشريعي الوجودي الوجودي التشريعي طاب المعدن ولطف وصفا فانطبع فيها نور العملي ذاتيا نوريا لا عرضيا فكان قويا لانه في الحقيقة متبوعية بحت فلهذا كان مقامه جنة الخلد ومقام الظلي جنة الحظائر وقولنا في الظلي انه تابعية بحت وفي الاصلي متبوعية بحت نريد بالبحت فيهما بالنسبة الى مقامهما والى كل منهما فان قلت ان كلامك يدل اولا وآخرا ان ابن الزنا مقامه برزخي وهذا يخالف ما علم بالضرورة ان من ابناء الزنا من هو في اسفل درك من الجحيم قلت لو كان الكلام على اجماله واطلاقه لتم اعتراضك ولكن ابن الزنا الذي نشير اليه هو الذي خلق من فاضل طينة اهل النار فهو في وجوده يدور عليهم كسائر الفواضل والذي يشير اليه اصل الوجود الصوري المعبر عنه بالظلمة التي لا نور فيها كما في الاخبار فهو يدور على نفسه وذلك انما خلق من فاضل طينة هذا المشوبة بشيء من النور فلهذا كان الاصل من الاصل واليه يعود والفرع من الفرع واليه يعود وتفصيل ذلك ان الله سبحانه لما اجري حكمته انه لا يخلق شيئا الا ويخلق ضده وكان اول خلقه النور خلق ضده الظلمة ثم خلق من صافي النور خلقا لا ظلمة فيهم اقامهم في حجاب الزبرجد فهؤلاء المصطفون الذين لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وخلق من فاضل طينتهم شيعتهم واتباعهم خلقوا من نورهم ومثال ذلك ان السراج يفيض عنه النور واول جزء منه اقوى اجزائه نورا فهو نور فيه ظلمة ضعيفة تقيمه ولانه لا يتقوم نور من غيره لا ظلمة فيه لاجل الضدية المذكورة ولهذا قلنا في المصطفين اقامهم في حجاب الزبرجد وكلما بعد النور ضعف وقويت الظلمة وهكذا على هيئة مخروطين متقابلين ينتهي رأس احدهما الى قاعدة الاخر وهما كرتان متقابلتا السطوح ولا تزال النور يبعد حتى يتساوي النور والظلمة ثم يبعد فتقوى الظلمة ويضعف النور حتى ينعدم النور وتتمحض الظلمة ولم يبق فيها من النور شيء الا ما به كونها لا غير وهذه هي الظلمة المشار اليها بانها خلقت ضدا للنور الذي لا ظلمة فيه الا ما اقيم به في حجاب الزبرجد والوسط الذي يتساوي فيه النور والظلمة هو وسط الفيض وله حدان الاعلى يلحق بالاول الغالب عليه النور ولو بعد حين والحد الاسفل يلحق بالثاني الغالب عليه الظلمة وطرف الاعلى من الفيض هو المراد من النور الذي لا ظلمة فيه والطرف الاسفل منه هو المراد من الظلمة التي لا نور فيها والطرف الاعلى هو المعبر عنه احيانا بالمنير لانه عالم برأسه وانما جعلنا الكل شيئا واحدا لانا عبرنا عنه بالفيض لاطلاقه في الاصطلاح وفي الواقع على الفائض من الفعل وعلى شعاعه الفائض من المفاض الاول عن الفعل وعلى شعاع الشعاع وهكذا والكل في الحقيقة فيض فخلق سبحانه من الطرف الاعلى المصطفون الذين لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون لانهم نور لا ظلمة فيه كما ذكرنا وخلق من انوارهم وهو ما غلب النور فيه على الظلمة وهو فاضل طينة المصطفين شيعتهم واتباعهم وهؤلاء اصابهم لطخ الظلمة ويطهرون على حسب اللطخ في الدنيا او في البرزخ او في القيمة او في نار الحظائر كما مر وهكذا الى الحد الاعلى من وسط الفيض فخلق منه الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسي الله ان يتوب عليهم وعسى من الله موجبة واكثر من يدخل نيران الحظائر منهم ويلحقون بالمؤمنين وخلق من فاضل طينة شيعتهم واتباعهم حتى من اصحاب الحد الاعلى من وسط الفيض اصحاب حظائر الجنة وهذا الفاضل هو شعاع الشعاع وحكمهم على ما تقدم الاشارة اليه وخلق من الطرف الاسفل وهو الظلمة التي لا نور فيها اصحاب الدرك الاسفل وهم اصل النفاق قال تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار وهؤلاء يعصون الله ولا يطيعونه طرفة عين وخلق من فاضل طينتهم اي من انعكاسها وهو ما غلبت فيه الظلمة على النور شيعتهم واتباعهم وهؤلاء اصابهم لطخ النور فيؤتون اجر اعمالهم العرضية به كما مر في الدنيا او في البرزخ او في القيمة او في نعيم حظائر الجنان على نحو ما ذكرنا سابقا ويرجعون الى النار قال تعالى ثم ان مرجعهم الى الجحيم وهكذا الى الحد الاسفل من وسط الفيض فخلق منه الذين كانت لهم حسنات وسيئات تعادلتا واكثر هؤلاء ممن يقال لهم انهم يصل اليهم اجر حسناتهم العرضية على حسب ما فصل سابقا وفصل في اضدادهم ويلحقون بالنار لانهم خلقوا منها واليها يعودون وخلق من فاضل طينة اهل النار الذين اصابهم لطخ من اهل الجنة سكان حظائر النار الخالدين فيها خلقوا من انعكاسهم وشعاعهم وهذا الفاضل هو شعاع الشعاع كما فصل وهو معنى قولنا سابقا ان طينتهم برزخية خلقوا من بين الظلمة والنور وهؤلاء المخلوقون من فاضل الفاضل تختلف مراتبهم في اصل ايجادهم فمن قصرت المسافة بينه وبين الظلمة كان ما خلق من شعاعه في حظيرة نار اصله القريبة من الدرك الاسفل لقلة النورية فيه ومن طالت بينهما المسافة كان ما خلق من شعاعه في حظيرة نار اصله البعيدة من الدرك الاسفل لكثرة النورية فيه بالنسبة الى الاول وبينهما مراتب خمس لكل باب منهم جزؤ مقسوم وهذه الحظائر ايضا مترتبة لهذه العلة وانما تسمى ضحاضيح النيران بالحظائر اما مجازا لاشتمالها على صور انواع العذاب واصنافه وهيئاتها المترتبة في تضامها واوضاعها فان ذلك كالشجرة المشتملة على الاصل والاغصان والورق مترتب كهيئة الحظائر او لانها ظل للحظائر وهيئتها من هيئتها او لان الحظيرة لغة البقعة التي تأوى اليها المواشي وسميت ضحاضيح النيران والجنان بذلك لانهن بقع من نار او جنة تأوى الاتباع

( الى هنا انتهت النسخة المخطوطة بخطه الشريف اعلى الله مقامه )

المصادر
المحتوى