
حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
الحمد لله مميز عقول الكاملين باشراق نور اليقين وشارح صدور المؤمنين بالحق المبين وجالي افئدة العارفين بضياء المعرفة وبيان التبيين وصلى الله على خير خلقه اجمعين محمد خاتم النبيين وعلى اله الطاهرين وصحبه الميامين
وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان فريد دهره ونادرة عصره الشيخ العلي ابا عبد الله الشيخ علي بن عبد الله بن فارس احسن الله بنظر عنايته اليه وجعل عاقبته الحسنى في تطورات نشأتيه قد عرض علي كلمات ذات تبيين جاءت منه عجالة جوابا لبعض السائلين من غير تأمل في الجواب ولا تراخ في الخطاب فجاءت بقراح الصواب المبطل للشك والارتياب لمن يعرف الاشارة ويفهم الايماء في طي العبارة مشعرة بعويص غموض مرامه شاهدة بعلو شانه ومقامه ولكنها بعيدة المنال عن السائل فجرى فيها وفيه قول القائل واين الثريا من يد المتناول فتطلعت نفسي ان اكتب عليها كلمات تبين بعض خافيها وحاشى ان يستقصي ما فيها ولكنها لبانات في الصدور والى الله ترجع الامور
قال سلمه الله : اللهم يا من هو هو اصلح جوهر روحانية عبدك المضطر حتى لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم الا بك وحدك لا شريك لك
قوله يا من هو هو يريد به يا من تحققت هويته بهويته لا بشيء غيرها لا عقلا ولا فرضا ولا اعتبارا فالهاء اشارة الى تثبيت الثابت من غير حصر ولا كيف كما تشير اليه الهاء فان عددها خمسة فصورتها كهيئتها في الرقوم الهندية بلا فرق فبطونه نفس ظهوره بلا فرق وهي حرف ليلة القدر ولها حكم العماء ولظهورها في التربيع والتكعيب كالافراد حافظة نفسها عن ممازجة الاعداد ظاهر في بطونه وباطن في ظهوره والواو اشارة الى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواس اشارة بلفظها الى غيبته وبعددها الى الجهات الست يعني انه ليس في جهة فهو اخص الاسماء لانه الاسم الاعظم وذلك لان الاسماء الحسنى تسعة وتسعون وتمامها هو الاسم الاعظم لان عدده احد عشر فاذا اضيف الى التسعة والتسعين بنفسه تممها مائة وظهر بالجبل المحيط بالدنيا واذا اضيف اليها عدده كانت مائة وعشرة وهي عدد الاسم الاعظم لان الاحد عشر في مرتبة المسمى في التعين الاول فاذا نقلت الى ما بعدها بمرتبة التي هي مرتبة الاسماء كانت مائة وعشرة فهي اسم وحيث كانت لها الأولية كما مر كانت هي الاسم الاعظم والهاء اول الحروف والواو اخرها والهاء باطن والواو ظاهر فهو الاول والاخر والظاهر والباطن وانما قدم الاول على الاخر والظاهر على الباطن مع ان الاولية نفس الاخرية والظاهرية نفس الباطنية لان التكليف على ترتيب التعريف والاشهاد على طبق الايجاد فالاول اول مشهود في الاعتبار والحصول وبعده الاخر في الظهور والنزول والظاهر قبل الباطن في سلسلة الصعود وبعده الباطن في الفناء والشهود وقوله اصلح جوهر روحانية عبدك الخ اعلم ان الروحانيات كثيرة ولكن الكليات منها تسعة اعلاها القلب وهو العرش المربع بالانوار الاربعة نور العقل الابيض ونور الروح الاصفر ونور النفس الاخضر ونور الطبيعة الاحمر وثانيها الصدر وهو الكرسي وفلك الثوابت والبروج والمنازل وثالثها العقل الثاني وهو روحانية فلك زحل ورابعها العلم الثاني وهو روحانية فلك المشتري وخامسها الوهم الثاني وهو روحانية فلك المريخ وسادسها الوجود الثاني وهو روحانية فلك الشمس وسابعها الخيال الثاني وهو نور من صفة النفس وهو روحانية فلك الزهرة وثامنها الفكر الثاني وهو نور من صفة الروح وهو روحانية فلك عطارد وتاسعها الحيوة الثانية وهو نور من صفة العقل وهو روحانية فلك القمر واصلاحها صرفها الى ما خلقت له بالامدادات الالهية وقوله المضطر اشارة الى الفناء والفقر اليه تعالى وقوله حتى لا يسمع الى اخره يريد به ان خذ بناصيتي وتحبب الي وشوقني بما يصرفني عما سواك حتى احبك وتحبني فتكون سمعي الذي اسمع به وبصري الذي ابصر به الخ وقوله وحدك لا شريك لك معناه احبسني على ذلك حتى لا يكون لي مني حال موجود الا ما اشهدتني منك بك وهذا كمال البقاء في الفناء
قال سلمه الله تعالى : والصلوة على قطب دائرة الوجود محمد عبدك ورسولك وعلى اله وصحبه وسلم
اما قوله والصلوة فاعلم ان الصلوة من الله يراد بها رحمته والمراد من الرحمة احد وجوه نذكر منها ما يناسب المقام منها ان الصلوة بمعنى وصله به فجعل طاعته طاعته ومعصيته معصيته ورضاه رضاه وسخطه سخطه ومنها انها بمعنى صلته اياه اما اولا فلقوله تعالى له ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فاعطاه ما يحتاج اليه الخلق وما لا يحتاجون اليه وما لا يعلمونه وهو قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون وذلك في الذر الاول قبل المثل الروحية في الدرة البيضاء واما ثانيا فهو قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى وذلك يوم القيمة فيعطيه من الشفاعة والمقام والوسيلة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومنها ان الصلوة بمعنى الرحمة وهي الصبغة بعد الوجود قال (ع) ان الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة الحديث فالرحمة الظاهرة فيه صفة الرحمن وهي الرحمة الواسعة وصفة الرحيم وهي الرحمة المكتوبة فجرى الظهور فيه بالاصالة وفي نفسه منه كما قال (ع) كالضوء من الضوء وفي المؤمنين بالتبعية والمشايعة والمراد بالوجود هنا الوجود المقيد الدائر على ذلك القطب والقطب هو الوجود المطلق لان الوجودات ثلاثة وجود حق وهو الله تعالى ووجود مطلق وهو يدور على الوجود الحق ووجود مقيد وهو يدور على الوجود المطلق والوجود المقيد اوله الالف المتحركة واخره الميم وهي الام التي هي صفة الرحمن وانما قلت المتحركة لان الالف اللينة هي التي قامت بها الحروف وهي النفس الرحماني المنبث في الحروف الكونية والرقمية ولا شك ان الحروف تدور عليه وهو يشار به الى الوجود المطلق وقوله محمد عبدك الخ يدل بالاتيان بالخطاب دون الغيبة التي تتبادر من سياق الكلام فانه قد انتقل عن الخطاب والا لقال وصلاتك فرجوعه الى الخطاب قبل تمام الكلام يدل على تقدير منك وتقدير منك يدل على تقدير دائمة ومثلها وقوله وسلم ينبغي على هذا التوجيه قراءته بكسر اللام والا لزم التردد في الكلام المقتضي للتعقيد
قال سلمه الله : وبعد فقد ورد الينا سؤالات كلية من اشخاص جزئية وهيهات ان يكون للجزئي احاطة بالكلي الا انه بعد ما كان يسمع بالله ويبصر بالله وينطق بالله امكنه ضرب الامثال حسبما يعطيه الحال باية واحدة من الدلالات الثلاث لا سيما اعزها وامنعها وهي الالتزامية
قوله سؤالات كلية يعني به سؤالات عن معان كلية لان الكلية هي المسئول عنها لا المسائل نعم قد تكون كلية باعتبار المراد منها وذلك ان المسئول عنه العقل والكلي هو العقل الاول وما سواه من عقول البشر الذي وقع السؤال عنه جزئية ولكن لما كان العقل الجزئي لا قوام له الا بالكلي لانه منه كالشعاع من المنير ومعرفته بالحقيقة انما تحصل بمعرفة الكلي فلهذا قال سلمه الله كلية وان كان السائل يجهل هذا المعنى ولكن المجيب لما عرف ذلك اورد الجواب على صورة ما يقتضي الحقيقة والاشخاص الجزئية تعريض بالسائل وامثاله يعني ما لك ايها الجزئي ومعرفة الكلي الا ان تلقي نفسك فتعطي العين الكلية من الكلي فتعرفه به قال الشاعر :
اعارته طرفا رءاها به فكان البصير بها طرفها
واليه الاشارة بقوله وهيهات ان يكون للجزئي احاطة بالكلي الا انه بعد ما كان يسمع بالله الى اخره وقوله حسبما يعطيه الحال يريد به كما لو ضرب المثل بالشمس مثلا للعقل الاول ولعقول البشر بالاشعة او بالشيء الواحد الذي له رؤس او وجوه كما في الحديث النبوي وهو ما معناه وقد سئل عن العقل الاول فقال (ص) العقل ملك له رؤس بعدد الخلائق فاذا ولد مولود كان له فيه رأس وعلى وجهه غشاوة ولا تزال تلك الغشاوة تنكشف شيئا فشيئا فيشرق نور ما انكشف منه على قلب صاحب الرأس فيتم كشف الغطاء عند بلوغه فيكلف انتهى المعنى المنقول من الحديث فاذا ضرب المثل بذلك كان ممكنا وهو معنى قوله امكنه ضرب الأمثال والدلالات الثلاث هي دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام وانما جعل هذه اعز وامنع لأنها ليست دالة بلفظها وانما هو بما يلزم تلك الحقيقة من اللوازم الخارجة وذلك بعيد كما ذكر ومن ذلك المثل للممثل به لانه خارج عن حقيقته وان افاد معرفته معرفته وبيان بعض ذلك فيما يأتي من قوله وان الكلي حقيقة والجزئي مجاز وان الجزئي قنطرة الحقيقة يعني ان الكلي حقيقة في استحقاقه للاسم او ان الاسم حقيقة في دلالته على مسماه بعكس الجزئي واما كون الجزئي مجازا بمعنى انه طريق للحقيقة في حالة الظهور والنزول وفي حالة الصعود لالتقاء قاب قوسين او ان الجزئي طريق للعارف الى معرفة حقيقة الكلي وانما قال سلمه الله وان المسير على هذه القنطرة عزيز المرام لان السائر الى معرفة الحقيقة ان نظر الى المجاز لم ير الحقيقة فلا بد ان ينظر الى الحقيقة في المجاز ليعرفها بها لا بالمجاز والى نظير هذا المعنى قال (ع) اعرفوا الله بالله وقوله (ع) ان الله اجل من ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به ه والى هذا المعنى اشار في الدعاء الهي امرت بالرجوع الى الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير فاذا ثبت هذا المعنى لك عرفت ان المسير عليها عزيز المرام لان اكثر السائرين انما ينظرون الى الاثار فيحجبهم المجاز عن الحقيقة
قوله واقسم بالله انك يا هذا السائل لم تقصد في سؤالاتك الا التعنت المحض وان السبب فيه الظلمة الجسمانية الحاجبة لك عن طريق الحق
لأنه عرف ذلك بالمقام لأن السائل لو كان قصده التفهم لكان انما يسئل عما يفهم ولا يسئل الا من يفهم انه يفهم وانه يجيب ولا يسئل الا عما يعنيه واذا فقد شرط خرج عن التفهم وقوله وان السبب فيه الظلمة الجسمانية لان الجسم هو مقر الطبيعة وهي قبر الحيوة ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور فتجري عين ابرهوت وعين الكبريت في تراكيب الجسم فتظهر الظلمة التي هي اثر الجهل
قال سلمه الله : فاعلم ان سؤالاتك منحصرة في قوله تعالى الم اذ هي براعة سورة البقرة وهي الكتاب المبين الذي لا ريب فيه وان ذلك هو كتاب الله الصامت واما انت يا هذا الانسان من حيث انت انسان فانت كتاب الله الناطق وان كانت حروف معانيك لا تنقرى لذى الجهل فانها عند غير ذوي الجهل لا تخفى
ثم اعلم ان سؤالاتك منحصرة في قوله تعالى الم وذلك ان مسائل السائل عن العقل والحلول والاتحاد فمعناه ان العقل هو الالف القائم لبساطته لان العقل محل المعاني المجردة عن المادة والصورة فلعدم الكثرة فيه كان الألف عدده واحدا وصورته القيام كناية عن عدم المغائرة فيها بالتشخص ولعدم حاجته الى غيره كان الالف غير متصل بشيء من الحروف والواحد غير داخل في الاعداد وبسبب حاجة الخلق اليه وقيامه به وكونها منه كان الالف تحتاج اليه سائر الحروف لانها فيه كالموج في البحر والترجيع في النفس الجاري في المزمار وكان الواحد تتركب منه الاعداد فهذا في الجملة الاشارة الى العقل ويأتي بعض البيان في مكانه واما الاشارة الى الحلول المقبول بالمعنى المعقول فهو ظهور العقل بالاشراق في المخلوقات على قلوبهم بحسب قابلياتهم وذلك صفته لا ذاته لان الحلول صفة الحال اي الظاهر وكذلك ظهور الألف في اللام يعني في المرتبة الثانية والعالم الثاني المعبر عنه بعالم الملكوت وذلك صفته لان ظهور الواحد في المرتبة الثانية هو كونه عشرة فالكثرة صفة ظهورات الوحدة وانما بقي صورة الالف في اللام ولم تبق في الميم بل كانت ياء لانه ظهر في اللام بصورته فهو بصورة الواحد وان كانت عشرة لقرب الملكوت من الجبروت للمجانسة في التجرد في الجملة وظهرت بالعدد في الميم لبعد الملك من الجبروت فلم تتشابه الصورتان وانما كان متوسطا في اسم اللام لانه نفس اللام قال (ع) انا باطن السين وصورة ظهوره في النقش هكذا لام فاللام تكفلت بالجواب عن الحلول وبيان المردود منه من المقبول واما الاشارة الى الاتحاد بالمعنى المستفاد من الامجاد لا المعنى المستلزم للالحاد فهو ظهور العقل بالنفس في عالم الأجسام وبلد الاشكال والارتسام بالعقد بعد الحل مرة بعد اخرى كما يأتي عند الاستشهاد بقوله ادبر فادبر وظهور الالف في الميم بالميم وهو صفة الصفة للواحد وهو الياء كما قلنا لانها هي الالف في المرتبة الثانية وتوسطت في اسم الميم كما توسطت في اسم اللام بتلك العلة وانما قلنا ان ذلك هو الاتحاد لصيرورة المجرد جسما وصيرورة الالف ياء مع بقاء صفة العقل في الجسم وبقاء صفة الألف في الياء فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال وللاتحاد معنى غير هذا بل بعكسه وتأتي الاشارة اليه عند ذكره له وقوله اذ هي براعة سورة البقرة الخ لأن الم ابتداء السورة وعبارة عنها ومتضمنة لها كما ان العقل والنفس والجسم عبارة عن الوجود ومتضمن له وقوله ان ذلك هو كتاب الله الصامت يعني به القرءان لان الكتاب التدويني طبق الكتاب التكويني بل القرءان كتاب تكويني والعالم كتاب تدويني وانما كان صامتا لان البيان منه مقرون بقرينه وهو الانسان الكامل وهو الناطق به ولهذا قال واما انت يا هذا الانسان من حيث انت انسان فانت كتاب الله الناطق وقوله وان كانت حروف معانيك لا تنقرى الخ يعني به ان ذات الانسان مشتملة على الحروف الثمانية والعشرين كما ان القرءان مشتمل عليها وانا اذكر لك تسمية وجوهها وعكسها فالالف هو العقل وهو الوجود وعكسه الجهل والباء هو النفس اي الصدر وعكسه الثرى والجيم هو الطبيعة وعكسه الطمطام والدال هو الهباء وعكسه جهنم والهاء هي الشكل وعكسه الريح العقيم والواو هي جسم الكل منك وعكسه هو البحر والزاي هو الفلك الاطلس وهو العرش وعكسه الحوت بهموت والحاء هو الكرسي وهو الصدر الثاني وعكسه الثور والطاء هو فلك البروج وعكسه الصخرة وهو سجين وطينة خبال والياء هو فلك المنازل وعكسه الملك حامل الارض والكاف فلك زحل وهو العقل الجزئي وعكسه ارض الشقاوة واللام فلك المشتري وهو العلم الثاني وعكسه ارض الالحاد والميم فلك المريخ وهو الوهم وعكسه ارض الطغيان والنون هو فلك الشمس وهو الوجود الثاني الجسمي وعكسه ارض الشهوة والسين هو فلك الزهرة وهو الخيال وعكسه ارض الطبيعة والعين هو فلك عطارد وهو الفكر وعكسه ارض العادات والفاء هو فلك القمر وهو الحيوة وعكسه ارض الحيوة وهي الارض الدنيا والصاد هو كرة النار والمرة الصفراء وريح الدبور وعكسه كمثل الكلب والقاف هو كرة الهواء والدم وريح الجنوب وعكسه السموم والراء هو كرة الماء والبلغم وريح الصبا وعكسه الماء الأجاج والشين هو كرة التراب والمرة السوداء وريح الشمال وعكسه السبخ والتاء هو المعدن وعكسه كونوا حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم والثاء هو النبات وعكسه النبات المر والخاء هو الحيوان وعكسه المسوخ والذال هو الملك كالمؤيد والحفظة وعكسه هو الشياطين والضاد هو الجن المؤمنون منك وعكسه هو شياطين الجن والظاء هو الانس فانت الانسان وعكسه شياطين الانس والغين هو الانسان الكامل وعكسه هو ابليس وفيك من الصفات والهيئات والامواج والاضافات والتطورات من الجبال والشجر ومما يعرشون من الاضافات وتعلق المقارنات بالمقارنات من بيوت الولاة في اكلها من ثمرات تلك المناسبات قال الله تعالى في كتابه اشارة الى سكان تلك البيوت ممن كشف لهم عن الملكوت واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس فهم من فهم كما اشير اليه في النقل ففيك البحار والانهار والجبال والاشجار والشمس والقمر والليل والنهار فاقرأ من ذلك وارق الى ما شئت
فانت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر
وتكون بهذا المعنى :حروف معانيك لاتنقرى لذى الجهل كلا ولا تظهر واما ذو العقل فانه يقرؤها ويفسر بها ما شاء وهو معنى قوله فانها عند غير ذي الجهل لا تخفى
قال سلمه الله تعالى : واننا لما اعتبرنا ان النطق بالله وكذلك اعتبرنا الحديث المروي بان اول ما خلق الله العقل من كتابه الناطق يلزمنا بان نعتبر ان اول ما خلق الله الالف من كتابه الصامت فلما اعتبرنا ذلك استفدنا شيئا آخر وهو ان المبدع جلت قدرته لما اوجد العقل والألف اللذين لهما السبق بالأولية لم يكونا الا خاليين من المواد عاريين عن القوة والاستعداد
قوله لما اعتبرنا الخ يعني به ما علم ان العالم التكويني طبق للعالم التدويني وقد قال عبد العزيز بن تمام العراقي في مثل هذا المقام في قصيدته في الانسان الفلسفي الى ان قال :
والعالمان جميعا فاعلمن له العلوي والأوسط الادنى شبيهان
والعالم الأصغر الانسان يشبهه طبعا بطبع واركانا باركان
هذا يدور على هذا وذاك له قطب كذلك ما كر الجديدان
تباين واتصال غير منفصل كلاهما واحد والعدة اثنان
بل قالوا كما مر ان الكتاب التدويني كتاب تكويني والكتاب التكويني كتاب تدويني والجاري في احدهما جار في الاخر لان كل واحد منهما مبني على صاحبه والى مثل ذلك الاشارة بقوله (ع) العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث فاعتبار الالف في الحروف بكل نحو اعتبار العقل في الحقائق الكونية التي هي مراتب الوجود المقيد كذلك لأن اعتبار احدهما يستلزم اعتبار الاخر بتلك الجهة وقد مر ما يؤيد ذلك وقوله لم يكونا الا خاليين من المواد عاريين عن القوة والاستعداد يعني به البساطة اللازمة لذي السبق بالاولية لان مواد الاشياء والاستعدادات انما كانت بالعقل وكذلك مواد الحروف واستعداداتها انما كانت بالألف فهما مستغنيان عما هو محتاج في وجوده اليهما فافهم ولو قبلا المواد تكثرا في الكم ولو قبلا الاستعداد بعد ايجادهما تكثرا في الكيف وليس فليس كما يظن وما يتوهم من زيادة العقل الجزئي بالرياضات واكتساب الكمالات فليس كما يظن وانما الزيادة في محالها بسبب اصلاحها فظهر فيها ذلك الوجه الخاص بها ظهورا اشد مما قبل فالزيادة في الظهور لا في الظاهر والعقل هو الظاهر وكذلك الألف في الحروف الا ترى الى الشمس اذا اشرقت على الارض وعلى المرءاة ينعكس عن المرءاة مثل الشمس ولم ينعكس عن الارض وليس من جهة انها اشرقت على المرءاة اكثر مما اشرقت على الأرض بل الاكثرية من جهة القابلية فلو صقلت تلك الارض كصقالة المرءاة ظهر عنها كما ظهر عن المرءاة فهما لسبقهما في الحروف الكونية والحروف اللفظية استحقا البساطة الحقيقية وكانا مجازا وسبيلا للبساطة الحقية من البطون الى الظهور ومن الظهور الى البطون فتدبر
قال ايده الله : فلما انه سبحانه اراد اظهار حكمته القى في هوية كل منهما مثاله فاظهر عنهما افعاله المراد بالمثال الذي القاه في هويتهما هو هويتهما من حيث هو لا من حيث هما واما هويتهما من حيث هما فهي انما هي شيء بتبعية شيئية هويتهما من جهته سبحانه واما من جهتهما فماشمت رائحة الوجود بالاصالة ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان
فقوله فاظهر عنهما افعاله يعني به ان افعاله ىالذاتية النورية يكونها بهما وهما قلماه لأن تلك الافعال صفاتهما وهو جل يفعل الصفة ىللموصوف ىبالموصوف لاحتياج الصفة في قبول الايجاد منه سبحانه الى وجود موصوفها لأن وجوده من تمام قابليتها للوجود وفي الدعاء وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه ه وانما القى في هويتها مثاله لذلك وفي الحديث لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها الحديث وهذه الفقرات التي اشار اليها ايده الله من الحديث المشهور لانه نور وشفاء لما في الصدور
قال امده الله : فاذا صح هذا هكذا فلنقبض عنان القلم عن الكلام على العقل ونبسطه على الألف فنقول الألف لها صورة ظاهرة جسمانية ولها معنى باطن روحاني فمن حيث الصورة هي اسم ومن حيث الهوية مسمى فصح بالبرهان ان الاسم غير المسمى
اقول انما قبض عنان القلم عن الكلام على العقل ىو ان كان هو المسئول عنه لان المجرد لا يزيده البيان الا خفاء ولا طريق اليه الا بالاشارة والسائل ليس من اهل الاشارة على انه ان وقع الكلام في يد صاحب الاشارة فلعمري لقد تضمن كلامه على الالف كمال الأفصاح عن العقل واقباله وادباره وعن الحلول والاتحاد كما لا يخفى على اهل البصيرة والسداد فقوله الالف لها صورة ظاهرة جسمانية يعني به رقمها ويجوز ان يراد به لفظها لظهوره وحلوله في الاجسام وقوله ولها معنى باطن روحاني يعني به العقل ويجوز ان يراد به العدد وجعله روحانيا باعتبار باطنيته للاولين فمن حيث الصورة هي اسم يعني ان الرقم اسم للعدد الذي هو واحد باعتبار واسم للفظ باعتبار وباعتبار ان الالف ثلاثة احرف اولها مسمى وكلها اسم لاولها يجوز ان يكون الجزء الذي هو الاول باطنا للكل ويراد بذلك ظهور الفاعل في اول المفعول وفي اخره لمن يفهم كما ظهرت الالف في اخر الفاء الذي هو اخر الاسم فافهم اشعارا بالاولية والاخرية و الظاهرية بالاول والباطنية بالاخر او نقول هو كون الصورة الرقمية واللفظية اسما للعدد لدلالتهما عليه او كونهما اسما للمعنى الذي هو العقل لتركب العالمين الرقمي واللفظي منهما اي من امتدادهما وظهورهما فيهما كتركب الوجود المقيد من ظهورات العقل وتنزلاته وكل هذه الاحتمالات مرادة وهو معنى قوله فمن حيث الصورة هي اسم ومن حيث الهوية مسمى ولا ريب ان الاسم غير المسمى كما ذكر سلمه الله ثم عطف على ذكر الصورة العددية بعد ان ادخلها في الرقمية او المعنوية بالعموم اخرجها بالخصوص لعموم الفائدة للسائل في ذكرها
فقال : وكذلك على طريقة العدد اذا اعتبرنا بان صورة الألف الجسمانية واحد في العدد يلزمنا بان نقول ظاهرها واحد وباطنها احد فصح بالبرهان ان الأحدية غير الواحدية
اقول المراد بهذه الصورة غير تلك الصورة فالأولى ظل الواحدية وهو ما في عالم الشهادة من الوحدات وهذه الصورة من صور عالم الملكوت من الاعداد وهو واحدية من الابداع الثاني دال على واحدية الابداع الاول فلذا قال سلمه الله (تع) يلزمنا بان نقول ظاهرها واحد يعني به العدد واعلم ان واحد عدده تسعةعشر وتمام العشرين لتظهر بذلك كاف الكون من كن واحد وهو تسعة عشر وهكذا لا تكمل العشرون الا باحد الذي لا يدخل معناه في العدد فلا يلاحظ من هذه الحيثية في هذا المقام للفظه عدد فواحد حجاب لاحد واحد محتجب به وباطن له ومع ملاحظة ما مر هنا يأتي قوله فصح بالبرهان ان الاحدية غير الواحدية مشيرا بذلك الى ان العقل غير الألف في الذات وان تشابها بحيث يلزم من معرفة الألف معرفة العقل لأنه قال فيما سبق ان الاسم غير المسمى ثم قال هنا ان الاحدية غير الواحدية فالواحدية اسم والاحدية مسمى والالف اسم والعقل مسمى والحروف اسماء والمعاني مسميات وان كان يلزم من معرفة الاسم معرفة المسمي من تلك الجهة ولهذا اشار فيما سبق بقوله ولنقبض عنان القلم عن الكلام في العقل كما نبهنا عليه سابقا فلاحظه تعرف من كلامه خفايا الاسرار وتتلألأ لك من اشارته وايمائه بوارق الانوار يكاد سنا برقه يذهب بالابصار اذ في كل حرف من كلامه ما لو استقصى البحث عنه لخرجنا عن الاختصار وضاق الليل والنهار
قال ايده الله : ولولا طريقة الاعتبار بهذا المثال لما صح لنا ان نقول اثنان في اول العدد اذ ليس اثنان بالحقيقة لكن بهذا المعنى حصلت الاثنينية فتأمل ذلك وتحقق هذه الاثنينية فانها تنزيه وتشبيه
اقول يعني انه لولا طريقة الاعتبار بهذا المثال وهو ما ذكر من احكام الالف وان الاسم غير المسمى وان الواحدية غير الاحدية لما صح ان نقول الألف اثنان مع انه اول الحروف وكذلك العقل لانه اول مخلوق من الوجود المقيد ليس قبله الا عالم الامر في السرمد والى هذا المعنى اشار في الحديث بقوله (ع) ان الله لم يخلق فردا قائما بنفسه للدلالة عليه الحديث وقال (تع) ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وقوله فانها تنزيه وتشبيه يشير به الى ان الواحد هو الاثنان والاثنان هو الواحد فالاول تشبيه والثاني تنزيه فخذ زادك من هذه الاثار وسافر عن هذه الدار الى العزيز الغفار فافهم