
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
أما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان علم الله تعالى قد تكلم فيه العلماء والحكماء والمتكلمون وقالوا فيه بارائهم واكثرهم قد اخطأ سمت الحق لانهم طلبوا معرفة ذلك من غير اهل العصمة الذين جعلهم الله ادلاء عليه ولم يبق احد من خلقه الا وقد عرفه مقامهم منه وانهم لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ولما نظرت في بعض كلماتهم وجدتهم يطلقون العلم على ما هو اعم من العلم الذي هو ذاته والعلم الذي هو فعله ومفعوله ويتكلمون عليه بنحو واحد وبيان واحد ولا ريب ان ذلك البيان ان طابق في القديم خالف في الحادث وبالعكس وكثيرا ما اميز بينهما في بعض الاجوبة والمباحثات حتى وردنا المحروسة من حوادث الزمان بلد اصفهان واجتمعت ببعض العلماء الاعيان حرسهم الله من نوائب الحدثان وجري بيننا بحث في ذلك وبيان وكان ما كان وذلك سنة ثمان وعشرين ومائتين والف من الهجرة النبوية حين مررنا بهم ونحن متوجهون لزيارة العتبات العاليات على مشرفيها افضل الصلوات واكمل التسليمات ووقفت فيها على رسالة موضوعة في هذه المسئلة وضعها العارف المتقن الملا محسن لابنه المسمى بمحمد او باحمد الملقب بعلم الهدى (ره) فوجدتها قد توغل فيها وتمحل وسلك مسلك اصحاب الحدود المتلقبين باهل الشهود القائلين بوحدة الوجود فاحببت ان اشرح كلماتها وابين الغث من السمين على ما يوافق مذهب الائمة الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين فان قلت ان
كلا يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
فإذا أردت أن تعرف الحق فانظر فيما أقول لك غير ملتفت الى قواعدك ولا الى ما انست به من علوم القوم وانما تنظر في كلامي بنظر اهل الحق ائمتك عليهم السلم وحجج الله عليك وعلى سائر الخلق واما القوم من المتصوفة والحكماء والمتكلمين فليسوا بحجج الله عليك ولا على خلقه وليسوا ائمتك افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون ولا اريد منك انك تقلدهم مع اني لو قلت ذلك لكان حقا لانك كما تقلد غيرهم ممن يجهل وينسى ويخطئ ويغش وانت تدعي انك اخذته بالدليل العقلي ينبغي ان تقلد من لا يجهل ولا ينسى ولا يخطئ ولا يغش فان قلت ان العقل لا يطابق كلامهم قلت لك ان كلامهم حق وعقلك ان لم تغيره وتبدله بالعلوم المغيرة المكدرة والقواعد المعوجة حق لانه فطرة الله التي فطر الناس عليها والحاصل اني لا اريد منك محض تقليدهم كما يتوهمه المتوهمون بل تأخذ كلامهم بالدليل العقلي بشرط قطع النظر عن الاقوال بل تنظر بفهمك لا غير فان فهمت كلامي وعملت بوصيتي وجدت ما اقول لك كله امورا قطعية ضرورية فافهم والله خليفتي عليك وهذا اوان الشروع في المقصود فاقول :
ثم غابوا من بعد ما اقتحموها بين امواجها وجاءت سيول
قذفتهم الى الرسوم فكلد معه في طلولها مطلول
وقد تقدمت الاشارة الى بيان كان عالما ولا معلوم وثانيهما ولا ثاني وانما هذا لاجل التعبير والبيان العلم الحادث وله مراتب متعددة وكله خارجي اذ لا ذهن له ومن قال بانه في نفسه كتصورنا في انفسنا وهو دليل ذلك وآيته او بانه في ذاته بالقوة قبل الايجاد ثم كان بعد الايجاد بالفعل اذ لا يعقل علم بالفعل ومعلوم بالقوة او بانه هو ذاته باعتبار وغيرها باعتبار او بانه هو المعلوم والمعلوم المخلوقات وهي الأن اي قبل وجودها في ذاته كما هي الأن بعد وجودها في تفصيلها على وجه اكمل لا ينافي الوجوب والبساطة او بانه ظل لعلمه بذاته معلق به كالشعاع من المنير او بانه هو ماهيات الاشياء لانها صور علمية غير مجعولة مستندة الى ذاته او غير ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا واعلم ان مراتب هذا العلم متعددة بتعدد مراتب المعلومات لما بينا ونبين من ان العلم نفس المعلوم اعلاها العلم الامكاني وهو العلم الممكن الراجح الامكان وبعده العلم الكوني وبعده العلم العيني وبعده العلم الجوهري وبعده العلم الهوائي وبعده العلم المائي وبعده العلم الناري وبعده العلم الهبائي وبعده العلم الظلي وهكذا وهذا الذي ذكرناه من التقسيم تقريبي لان الحقيقي لا نحصيه وما احصيناه منه لم يمكن ذكره وانما ذكرنا هنا تقريبا للتعريف وهذا العلم بجميع مراتبه علم حصولي يعني انه حاصل للعالم به كل قسم منه في مرتبته بنفسه يعني ان هذا العلم كل قسم حاصل في رتبته له تعالى بغير حصول او نسبة اليه تعالى غير نفسه وان شئت قلت انه بجميع مراتبه علم حضوري كل حاضر في رتبته عنده عز وجل حضورا هو نفس ذلك العلم يعني ان وجوده في رتبته عنده تعالى هو حصوله له وحضوره عنده فافهم فعلى ما قررناه يكون علمه الذي هو هو ليس بحضوري ولا حصولي ولا يعلم ذلك الا هو ولا نعرف له اسما ولا علمنا هو تعالى باسمه الا انه هو الله تعالى واما علمه الحادث فلك ان تقول انه حصولي اي حضوري هو ذات الحاصل الحاضر او انه حضوري اي حصولي هو ذات الحاضر الحاصل فان الاشياء حاضرة عنده حاصلة له كل في مكانه وزمانه وهو اقرب اليها من انفسها بلا انتقال ولا تحول من حال الى حال لانه في الازل لم يزل لا يخرج عنه لانه هو ذاته وهي في الامكان لا تخرج عنه الى الازل لان الازل هو الله تعالى ولا يدخل فيه غيره وانت اذا نظرت بعين البصيرة الصائبة وجدت علمنا كذلك فانه في الحقيقة حضوري حصولي لا فرق بين التصوري وغيره لانا قد قلنا ان مراتب ٱلعلم الحادث سواء كان علما لله سبحانه ام علما لخلقه انما يحصل كل فرد من افراده للعالم به في مكان ذلك الفرد ووقته وذلك رتبته بالنسبة الى ذي ٱلعلم فكما قلنا ان علمه الحادث عز وجل كل فرد منه حاصل له وحاضر عنده في رتبته من مكانه ووقته فكذا علمنا فان علمنا الخيالي انما هو حاصل لنا وحاضر عندنا في خيالنا الذي هو رتبة التصور وفي اسفل الدهر وكذلك ما عندنا من الرقائق فانه حاصل لنا وحاضر عندنا في رتبته من ارواحنا وكذلك ما عندنا من المعاني فانه حاصل لنا وحاضر عندنا في رتبته من عقولنا وكذلك زيد اذا حضر معنا فان حضوره ووجوده حاصل لنا وحاضر معنا في رتبته من مكاننا ووقتنا فنسبة وجود زيد وحضوره عندنا وحصوله لنا الينا كنسبة وجود صورته اذا غاب عنا وحصولها لنا الينا فكل منهما في محل وجوده ووقته حاصل لنا وحاضر عندنا في رتبته من مشاعرنا ومداركنا الظاهرة والباطنة وقولي بان الاشياء حاضرة عنده حاصلة له كل في مكانه وزمانه وهو اقرب اليها من انفسها بلا انتقال الى اخره مرادي بهذا تقرير ان علمه تعالى بها لم يكن خلوا منه في الازل وبيانه انه تعالى اقرب الى كل شيء من خلقه من نفسه اليه قربا لا يتناهى فلا يفقد شيئا من خلقه في مكانه ووقته ازلا وابدا وذلك الشيء لم يقرب منه تعالى حين قرب هو تعالى منه وفي حال قربه تعالى من ذلك الشيء في مكانه ووقته لم يتحول من ازليته بل هذا القرب الذي لا يتناهى هو بعينه بعده عنه بعدا لا يتناهى بجهة واحدة فهو تعالى في الازل اذ هو الازل وقرب من عبده الذي هو معلومه وهو علمه به قربا لا يتناهى من غير انتقال عن حاله الذي هو عليه قبل كل شيء وذلك لان الامكان خلقه الله تعالى بمشيته لانه مكان مشيته ومتعلقها وهي طبق الامكان لا تزيد عليه فيقع الزائد منها على الواجب تعالى او الممتنع المفروض في العبارة ولا تنقص عنه فيكون الزائد من الامكان عليها خارجا عنها واين يخرج الى الذات الواجب تعالى وهو محال لان الطريق مسدود كما قال امير المؤمنين عليه السلم على ان الخارج عن المشية ليس ممكنا بل هو القديم والقديم ليس من الممكن ليدخل فيه او يخرج منه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا او يخرج الزائد الى المحال المفروض وليس شيئا وانما هو لفظ لا معنى له ولو كان له معنى لكان معلوما له تعالى وكل معلوم له غير ذاته فهو خلقه واحدثه مع انه تعالى لا يعلم المحال الذي يظنه الجاهلون معلوما ومتصورا وانما هو لفظ لا معنى له الا المخلوق قال الله تعالى قل سموهم ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول فاخبر بانه لا يعلم له شريكا في الارض وفي الاية الثانية اتنبئون الله (ظ) بما لا يعلم في السموات ولا في الارض ثم قال تعالى ام بظاهر من القول اي لفظ لا معنى له الا المخلوق كهبل فانه تعالى قال والذين تدعون من دونه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا مفهوم له الا ما يراد به من المصداق كهبل واللات والعزى وامثالها فقد خلق الله تعالى الامكان وما فيه من الممكنات وهو طبق المشية والامكان وما فيه لا غاية له ولا نهاية فكل معلوم او مكون او مفروض او متوهم او مقدر فهو شيء محدث خلقه الله تعالى وكل الامكان وما فيه عند الله سبحانه نقطة احاط به علما واحصاه عددا وان كانت غير متناهية في انفسها وعند الخلق فهي عنده تعالى متناهية محصورة بالازل الذي هو الابد اولا بلا اول واخرا بلا اخر يا من هو قبل كل شيء يا من هو بعد كل شيء وازله ذاته وابده ذاته فالازل عين الابد والامكان الذي هو عندنا وفي نفسه لا يتناهى اولا وآخرا مع ما فيه من الممكنات التي لا تتناهى محبوس محصور عنده تعالى في خزانة قدرته لم يفقده في حال لا فيما لم يزل ولا فيما لا يزال فاذا فهمت هذا وفهمت انه تعالى استوى اليها فليس اقرب الى شيء منه الى شيء اخر وان اختلفت نسبتها اليه وفهمت ما ذكرنا قبل هذا من انه تعالى لم يفقد شيئا منها من مكانه ووقته فيما لم يزل ولا فيما لا يزال بل كل شيء حاضر عنده تعالى في مكان ذلك الشيء ووقته ليس فيها بالنسبة اليه تقدم ولا تأخر وان كانت كذلك في انفسها ليس عند ربك زمان فليس شيء حاضر عنده في مكانه ووقته قبل شيء وان كانت متفاوتة في ازمنتها وامكنتها في التقدم والتأخر فقول الصادق عليه السلام لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور يريد عليه السلام انه تعالى اذا كان العلم ذاته لم يكن المعلوم في ذاته لان الازل هو ذاته وليس في الازل شيء من المعلومات سواه تعالى فلما احدث المعلوم وجد المعلوم والعلم الذي وقع عليه ليس هو الذاتي لان العلم الذاتي هو الله ولا يصح ان تعتقد او تقول او تتصور بان الله تعالى لما احدثك وقع عليك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فانه يلزمك ان يكون الله واقعا عليك ومقترنا بك ومتحولا من حال الى حال فانه كان قبل ان يحدثك غير واقع على شيء ولا مقترنا بشيء ولا متحولا من حاله الذي كان عليه انه كان ولا شيء معه فلما احدثك تحول عن حاله الاول وكل متحول من حال الى حال محدث مصنوع فاذا يكون الواقع على المحدث شيء آخر غير الله تعالى وكل ما سوى الله فهو خلقه وكونه بعد ان لم يكن فهو معنى فعلي لا ذاتي والفعل بجميع اقسامه واحواله محدث مثال هذا انك تكون وحدك في مكان ليس فيه غيرك فانت سميع ولا مسموع وبصير ولا مبصر فلما حضر عندك زيد وقع البصر منك عليه وتكلم فوقع السمع منك على المسموع وليس الواقع منك من البصر والسمع ما كان عندك قبل ذلك وانما هو ادراكك للمبصر والمسموع وهو معنى فعلي فان لم تفهم مثالي هذا وبياني فلا كلام لي معك وان فهمت ذلك قلت لك هذا هو آية ما ذكرت لك في حقه تعالى فانه يقول سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية ه واستشهد بالاية فما دام زيد عندك فانت عالم بوجوده وعلمك بوجوده كونه حاضرا عندك حاصلا لك لان علمك بوجوده وحضوره ادراكك لوجوده وحضوره فانت تدرك وجوده بذاتك او بفعل منك او بنفس وجوده لا سبيل الى الاول لانك كنت وذاتك موجودة ولم تدرك وجود زيد قبل ان يأتي اليك وبصرك موجود ولم تبصره قبل ان يأتي اليك وان فرضت ذلك وجعلت لذاتك حالتين حالة الفقدان وحالة الوجدان قلت لك انت لا تعرف الله بشيء له حالتان متغايران وهذا معلوم وانما قال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه لانه يريد ان تعرف نفسك بان لها حالا واحدة لتعرف الله بذلك لان الله تعالى ليس بمختلف الاحوال ليعرف بمختلف الاحوال ولا سبيل الى الثاني لانه يلزم منه ان كونه مدركا لك صدر عن فعل منك ولو كان كذلك للزم انك يمكنك الا تدركه اذا حضر عندك بغير حجاب منه ولا منك مثلا اذا حضر عندك غير محتجب ولا مستتر هو وانت لم تغمض عينيك عنه وانت صحيح الابصار واردت الا تراه انك لا تراه لان الفعل اختياري من الفاعل لان الفاعل ان شاء فعل وان شاء لم يفعل مع انك لا تقدر على ذلك وانما اذا اردت الا تراه حجبته عن بصرك باغماض العينين او بالقاء ساتر عليه او بصرفه عن حضورك وما اشبهه والعلة في ذلك هو الوجه الثالث وهو انك تدرك وجوده بنفس وجوده فان نفس حضوره عندك هو علمك بحضوره وليس عندك شيء من العلم بحضوره حين حضر الا نفس حضوره لكنك حين حضوره لم تكن جاهلا بحضوره ولو لم يكن حضوره لم تكن عالما به واذا لم تكن عالما بما لم يكن شيئا لم تكن جاهلا اذ الجهل انما يقال للشيء اذا لم يحصل له ما كان موجودا ولهذا قال تعالى اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض وقال ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض فحيث لم يوجد له شريك وقال انه لا يعلم له شريكا لا يقال له جاهل ووجود شيء من كل ما سواه في الازل محال كوجود شريك له في ازليته والهيته وربوبيته وخلقه وعبادته فكما جاز انه لا يعلم له شريكا جاز انه لا يعلم في الازل غيره وهذا معنى قوله عليه السلام كان الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم يعني عنده في الازل لاستلزامه الاقتران والمطابقة وحضوره في غير وقته ومكانه وتغاير الازل وتعدده لان العلم تلزمه المطابقة للمعلوم او الاتحاد به والاقتران وحضور المعلوم عند العالم في مكان حدوده وزمان وجوده فلو وجد هناك معلوم غيره كان العلم الذي هو ذاته تعالى مقترنا به ومطابقا له او متحدا به والا لم يكن علما به والله تعالى هو ذلك العلم ولا يجوز ان يكون تعالى مقترنا بغيره او متحدا به ومطابقا له لان ذلك صفة المصنوع ولا يجوز ذلك على ٱلقديم فتدبر ما ذكرت لك مكررا مرددا لمن يتشبه في هذا المعنى لعله يتذكر او يخشى
قال اما بعد فيقول الفقير الى ربه المهيمن محمد بن مرتضى المدعو بمحسن طهر الله سريرته ونور بصيرته : هذا لباب القول في الاشارة الى كيفية علم الله سبحانه بالاشياء كلياتها وجزئياتها معقولاتها ومحسوساتها بحيث لا يثلم في وحدته وبساطته ولا يقصر عن حيزته واحاطته على الوجه الذي يوافق الاصول الحكمية ويطابق القواعد الدينية ولا تناله ايدي المناقشات ولا تطول عليه السنة المؤاخذات كتبته بالتماس ولدى الموفق للهدى محمد الملقب بعلم الهدى زاده الله في الفهم وصفى عقله عن شوائب الوهم فانها اغمض المسائل الحكمية مدلولا وادقها دليلا واعزها منالا واوعرها سبيلا حتى ان قوما من البارعين في الحكمة زلت فيها اقدامهم وقصرت عن بلوغ ذروتها افهامهم وانما التأييد من الله في الوصول ونبين ذلك في اصول
اقول قد تقدم ان المراد بالعلم الذي يتكلم فيه هو العلم الذاتي وهو المستفاد من كلماته فيما بعد وعلى هذا فقوله في الاشارة الى كيفية علم الله سبحانه بالاشياء ليس بصحيح لان الكيفية انما هي لما يجاب به السؤال عن كيف هو وهي الصفة التحديدية وضبط الشيء بمميزاته وكلما له كيفية معلومة مدركة لمخلوق فهو حادث فكيف يصح وصف القديم بصفة الحادث فقد ذكر القديم ووصفه بالحادث فان قلت لا يريد بالكيفية الكيفية التحديدية وانما يريد بيان ٱلعبارة عن كونه عالما بها قلت اذا كان بين وجه تعلقه بالمحدثات فقد كيفه ولا نعني بالكيفية الممنوع منها الا هذا فان قلت انه قال بحيث لا يثلم في وحدته وبساطته ولا يقصر عن حيزته واحاطته وهو دليل على انه لا يريد كيفية الحادثات قلت ان قوله بحيث لا يثلم في وحدته الى آخر كلامه لا يصحح ما كان باطلا فلو ان شخصا وصف الله بالجسمية والتركيب وقال على وجه لا يثلم في وحدته الخ فقد ابطل ووصف الله بصفات خلقه وكيف يكون كلامه هنا دليلا على صحة ما قال وهو يصف ذلك ويميزه ولو كان هذا حال القدم لما امكنه هو ولا احد من الخلق ان يصف حال القديم لانه يصف ما ادركه وليس احد من الخلق يدرك شيئا من وصف القديم ووصفه لذلك دليل على التكييف والتحديد اللذين لا يجريان على القديم وقوله كلياتها وجزئياتها معقولاتها ومحسوساتها يريد به جميع الاشياء مما في الغيب والشهادة مما في الخارج والاذهان وفي هذا اشارة الى انه تعالى خالق كل شيء وفيه اشارة الى الرد على من قال بان ما في الذهن ليس بوجود ولا من الموجود وعلى من قال بان النفس تخترع الصور كما ذهب استاذه صدر الدين الشيرازي وظاهر لمن تتبع كلماته انه يقول بقوله ولا يخرج عن مذهبه ولعل قوله هنا مبني على العبارة التي تجري على الطبيعة من ان كل شيء خلقه الله كما قال تعالى قل الله خالق كل شيء فانه يقول بها هو وغيره ويقولون بان كثيرا من الاشياء يوجدها الخلق وكلامه من هذا القبيل وقولي ان في قوله كلياتها وجزئياتها الخ اشارة الى الرد على من قال الخ ليس مرادي به انه اراد الرد عليهم كيف وهو قائل بقولهم وانما مرادي ان كلامه يلزم منه الرد عليهم بل وعليه وقوله على الوجه الذي يوافق الاصول الحكمية صحيح ان اكثر ما يقول به يوافق كلام الحكماء ولكن الحكمة اختلفت وتناقضت بين الحكماء والناقلين عنهم والمترجمين لكلماتهم فلذا كثر غلط من اخذ عنهم وذلك لان الحكمة كانت مأخوذة من الوحي وكان شيث على محمد واله وعليه السلام نشرها واخذ في تقريرها على ما يأتيه الوحي فيها الى زمن ادريس على محمد واله وعليه السلام فدونها وبحث فيها على طريقة الوحي من الله تعالى وتلقيها (ظ) الحكماء عن الانبياء عليهم السلام وعن مشائخهم الى ان وصلت الى افلاطون وانقسمت الحكماء الاخذين عنه الى اشراقيين الذين اشرقت نفسه على نفوسهم بمعنى انهم فهموا مراده في رموزاته واشاراته والى مشائين شبهوا بانهم يمشون تحت ركاب افلاطون اذا ركب كناية عن انهم انما فهموا ظواهر كلامه واولهم ارسطوطاليس وتبعه ابو نصر الفارابي وتلميذه ابو علي بن سينا وكان الحكماء يتكلمون ويكتبون باللغة السريانية وعربت كتبهم فحصل الغلط في الحكمة من وجهين : الاول ان الحكماء وان قرأوا على الانبياء عليهم السلم المؤيدون بروح القدس والعصمة لكنهم يأخذون عنهم ويفرعون عليها بعقولهم ويستنبطون معاني لم يسمعوها بخصوصها من اهل العصمة عليهم السلم فيقع الغلط في استنباطاتهم ومقايساتهم لانهم ليسوا بمعصومين كما يقع الغلط في استنباط علماء الشريعة فانهم يأخذون احاديث اهل العصمة من اهل بيت محمد صلى الله عليه واله ويستنبطون منها الاحكام ويقع في بعض استنباطاتهم الغلط والخطأ وان كان اصل دليلهم من كلام اهل العصمة عليهم السلام وكذلك الحكماء والثاني ان كتبهم كلها باللغة السريانية فترجموها العلماء وجاء الغلط من جهة الترجمة من وجوه : الوجه الاول ان من المترجمين من ليس له قوة في لغة السريانية او تكون له قوة وليس له قوة في اللغة كما لو ترجم شخص لغة الفارسية فوجد فيها شير ففسره بالسبع وربما كان مراد الكاتب الحليب او بالعكس وربما لم ينقط الشين او انمحت نقطها فقال سير بالمهملة ففسرها بالفوم وهو يريد الشبع ضد الجوع او بالعكس فيبطل المعنى بهذا التغيير الوجه الثاني ربما يكون المترجم جاهلا بالعلم فيرى في علم الصناعة مثلا ان لبن الكلبة يعقد الزيبق اذا نضج وفسره بلبن الكلبة المعروف وهم يريدون الماء الخالد بعد التشبيب كما هو موجود في الكتب الخذخذيات فانها من هذا القبيل والغلط من عدم العلم باصطلاح اهل الفن فيقع الغلط من سوء فهمه وعدم معرفته بالفن الوجه الثالث ان بعض المترجمين يفسرون الكلام بتمامه بمثله وهذا قليل الخطاء كما لو ترجم قسم بخور في اللغة الفارسية فقال معناه احلف وبعض المترجمين يفسر كل كلمة برأسها فيكثر غلطه كما لو فسر قسم بخور بان قسم بمعنى اليمين وبخور بمعنى كل فان المعنى يبطل لانه يكون معنى قسم بخور كل اليمين وامثال ذلك فلما حصل التغيير في الحكمة من استنباط الحكماء ومن المترجمين كثر غلط الحكمة فان اخذت الحكمة وصححتها بحكمة اهل العصمة عليهم السلم صحت ومعنى تصحيحها ان تجعل كلامهم عليهم السلام دليلك وتكون انت تابعا متعلما لا انك تصرف كلامهم وتوجهه بكلام الحكماء والمتكلمين واهل التصوف وتجعل مرادهم عليهم السلم هو ما اراد الصوفية والحكماء كما فعل هذا الملا في ساير كتبه يعتقد كلام مميت الدين ابن عربي ورابعة العدوية وابي يزيد البسطامي وابن عطاء الله وغيرهم ويأتي الى كلام جعفر بن محمد وابائه وابنائه عليهم السلام ويصرفه الى كلام اعدائهم ويقولون نحن معاشر الاخباريين لا نقول الا بكلام ائمتنا عليهم السلام هذا وقد قال في انوار الحكمة هكذا قال نور تكلمه سبحانه عبارة عن كون ذاته بحيث تقتضي القاء الكلام الدال على المعنى المراد لافاضة ما في قضائه السابق من مكنونات علمه على من يشاء من عباده فان المتكلم عبارة عن موجد الكلام والتكلم فينا ملكة قائمة بذواتنا نمكن بها من افاضة مخزوناتنا العلمية على غيرنا وفيه سبحانه عين ذاته الا انه باعتبار كونه من صفات الافعال متأخر عن ذاته قال مولينا الصادق عليه السلام ان الكلام صفة محدثة ليست بازلية كان الله عز وجل ولا متكلم ه ثم قال وتمام الكلام في كلامه عز وجل يأتي في مباحث الكتب والرسل ان شاء الله انتهى كلامه فانظر في كلامه حيث جعل تكلم الله سبحانه عين ذاته واستدل على انه وان كان قديما الا انه لما كان من صفات الافعال كان متأخرا عن ذاته تعالى بقول الصادق عليه السلم وصرف كلامه عليه السلام الى كلام الاشاعرة القائلين بالكلام النفسي والى مذاهب الصوفية الفجرة القائلين بوحدة الوجود بان صفات الافعال عين ذاته لاجماع العقلاء من المسلمين وغيرهم على ان الفعل محدث وصفات الفعل صادرة عنه فكيف يكون الصادر عن الحادث عين القديم فيا لهم الويلات اذا كان هو احدث الفعل والكلام من صفات الافعال والتكلم كذلك يعني احدثه يكون عين ذاته فيكون احدث ذاته وقد صرح بهذه اللفظة الخبيثة المجتثة من فوق الارض ما لها من قرار فقال في الكلمات المكنونة بعد ما صرح بان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لماكان فماكونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فمااوجده الا هو ولكن بالحق وفيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى فالفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدي يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى كلامه في كتابه المسمى بالكلمات المكنونة تفهم ما قال مما هو صريح في القول بوحدة الوجود التي اجمع العلماء على تكفير القائل بها وهو يعلم ذلك ولكن لاجل متابعته للصوفية الذين هم اعداء ائمتنا عليهم السلم قال فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه وقد قال قبل ان الكون كامن فيه والحاصل ان كان مبني علمه على الاصول الحكمية مع انك سمعت ما فيها والقواعد الدينية وهو يشير بها الى مثل ما سمعت مما اخذه عن الصوفية ومثل ما ذكره في الوافي في باب الشقاوة والسعادة وغيره فكيف يدعي هو او من يقول بقوله من اكثر من شاهدت انه يأخذ عن اهل البيت عليهم السلم وان هذا معنى كلامهم فيا سبحان الله معنى كلام محمد واهل بيته صلى الله عليه واله بان الله تعالى مااوجد شيئا الا نفسه وان الله ليس له ان شاء فعل وان شاء ترك وانما له وجه واحد كما قال في الوافي لان علمه مستفاد من حقائق الخلق قال فمشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك انتهى هذا كلامه اخذه من عبارة عبدالرزاق الكاشي في شرحه لفصوص مميت الدين فما ادري ما اقول في هذه الاصول الحكمية التي يدعيها والقواعد الدينية التي يشير اليها ويحتذيها ولا تتوهم اني واجد عليه لا والله الا دفاعا عن دين ائمتنا عليهم السلام فان كثيرا ممن يدعي العلم يعتقد حقية كلامه والله سبحانه يقول ولو شئنا لاتينا كل نفس هديها وهو يقول في الوافي في باب الشقاوة والسعادة لو حرف امتناع لامتناع فماشاء الا ما هو الامر عليه ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل واي الحكمين المعقولين وقع فهو الذي عليه الممكن في العلم فمشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك الى ان قال فان الممكن قابل للهداية والضلال من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام وفي نفس الامر ليس للحق فيه الا امر واحد انتهى كلامه في الوافي والله سبحانه يقول ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين وبالجملة فانا نصحتك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب وقوله ولا تناله ايدي المناقشات اقول ان كان كلامه من نحو ما سمعت نالته ايدي المناقشات وجعلته هباء منثورا وقوله فانها اغمض المسائل الحكمية الخ صحيح ولكن ليس كما يقول لانه يقول انا نبحث فيها بالحق ونفهمها فان كان عني بهذا العلم العلم الذاتي فقد اخطأ لان العلم الذاتي هو ذات الله تعالى فكيف يبحث عنه فان المتكلم فيه لا تزيده كثرة السير الا بعدا وان عني به العلم الحادث فهو حق وهو اغمض المسائل الحكمية لو كانوا يعلمون لكنهم لا يعنون الا العلم الازلي الذي هو الله ومع هذا يبحثون عن كيفيته وهو تعالى سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم وقوله زلت فيها اقدامهم كيف لا تزل اقدامهم اذا تكلموا بجهلهم في القدم وقوله وانما التأييد من الله في الوصول اقول الله سبحانه حكيم ما يؤيد الحادث في ادراك القديم بل هذا محال لا تتعلق القدرة به لانه ليس بممكن
قال اصل - اعلم ان العالمية والمعلومية هما عين الفاعلية والمفعولية او لازمتان لهما لان العلم عبارة عن حصول المعلوم للعالم وليست الفاعلية ايضا الا حصول المفعول للفاعل او تحصيل الفاعل للمفعول فانك اذا تصورت صورة في نفسك فعين تصورك اياها عين حصولها لك وعين علمك بها وتصورك اياها ليس الا انشاؤك لها في ذاتك وابداؤك اياها مع انك لست مستقلا في هذا الانشاء والابداء بل انت محل لها وانما يفيض عليك مما فوقك حين حصول شرائطها فيك واستعدادك لها فلو كان الانشاء منك بالاستقلال لكان اولى بان يكون علما لك بها فذاتك من حيث هي مع قطع النظر عن تصورك لتلك الصورة متقدمة على التصور والصورة ومن حيث تصورها لا تنفك عنها
اقول العالمية صفة العالم وهي حالة نسبة العلم اليه والمعلومية صفة المعلوم وهي حالة نسبة معلوم اليه وهذه الصفة حالة العالم في كونه عالما بالمعلوم والمعلومية حالة المعلوم في كونه معلوما للعالم به وقوله هما عين الفاعلية والمفعولية انما يصح في العلم الفعلي اي علم بكذا بمعنى ادركه او ادرك صورته كما مر والعلم الحصولي ليس فعليا ولا الحضوري ولا لازما له واريد بالعلم الحصولي او الحضوري هو علمه الحادث المقارن للمعلوم او الذي هو نفس ٱلمعلوم على ٱلاحتمالين وهذا العلم ٱلحصولي او الحضوري اضافي مستلزم لوجود المعلوم فاذا وجد المعلوم وجد العلم للعالم به وهو حصوله له او حضوره عنده ما دام حاضرا عنده في مكانه ووقته فاذا فقد المعلوم فقد العلم لان الحضور او الحصول لا يتحقق بدون حاضر او حاصل فلا يكون للعالم بدون المعلوم لان العلم هو الحضور او الحصول وهذا العلم حاصل للعالم في رتبة المعلوم على الاصح سواء قلنا انه عين المعلوم ام غيره واما العلم الذاتي الذي هو الله سبحانه فليس بحضوري ولا حصولي ولا اضافي فلا يستلزم وجوده وجود المعلوم لانه غير متعلق به ولا مطابق له وليس معه في مشهد فليس بينهما نسبة كما ذكرنا سابقا ونذكر بعد وقوله لان العلم عبارة عن حصول المعلوم للعالم صحيح كما قلنا لكن في العلم النسبي الحصولي او الحضوري لا الذاتي فان اراد خصوص الذاتي او مطلق العلم الصادق على الذاتي وغيره فقد اخطأ الحق وبعد عن الصواب قوله وليست الفاعلية ايضا الا حصول المفعول للفاعل او تحصيل الفاعل المفعول هذا ليس بصحيح لان الفاعلية هي نسبة احداث المفعول او التأثير فيه الى الفاعل اي الى الذات الفاعلة بفعلها للمفعول او المؤثرة فيه لا حصول المفعول للفاعل واذا لحظنا العلم الفعلي يعني يعلم كذا جاز ان تقول هنا ان العالمية فاعلية كما ذكرنا لكن لا يجوز ان العلم هنا هو التأثير الملحوظ من معنى العالمية التي هي فاعلية بل العلم حينئذ حصول المفعول او حضوره عند الفاعل من حيث وجوده او حصوله لا من حيث انه مؤثر فيه فلا تكون العالمية هي الفاعلية بحال فقوله ان العالمية عين الفاعلية لان العلم حصول المعلوم للعالم والفاعلية حصول المفعول للفاعل ليس بصحيح من وجهين : الاول اعظمهما وهو جعل هذا بيانا لكيفية العلم القديم كما قال وذلك العلم لا كيف له ولا يعرف بهذه الكلمات التي هي صفات الحادث لو صحت الثاني يلزم ان يكون العلم هو حصول المعلوم للفاعل من حيث هو فاعل او حصول المفعول للعالم من حيث هو مفعول وكل ذلك باطل وقوله فانك اذا تصورت صورة في نفسك فعين تصورك اياها عين حصولها لك وعين علمك بها وهذا ليس بصحيح لان التصور معنى فعلي انشائي ليس هو عين حصول الصورة لان التصور فعل المتصور والحصول من الصورة بعد تمام التصور واستقلال الصورة وقوله وعين علمك بها يعني تصورك عين علمك بها وهذا اذا جعل العلم نفس التصور وتحصيل الصورة يكون العلم غير نفس الصورة الحاصلة الذي هو من مقولة الكيف وغير حصول الصورة الذي هو من مقولة الاضافة وغير قبول ذي الصورة للصورة الذي هو من مقولة الانفعال فهذا هو الفعلي الذي يحدث عنه المعلوم كما ذكرناه سابقا وهو غير الحصول وغير نفس الصورة الحاصلة ولا بأس لان هذا نوع من العلم الا انه لا يكون هذا العلم الا مع المعلوم وهو غيره لانه الفعل والمعلوم هنا مفعول والفعل غير المفعول فاذا كان لا يوجد الا مع المفعول لانه فعل والفعل لا يوجد قبل المفعول فكيف يجعله اصلا وصفة يكشف عن حقيقة القديم وقوله وتصورك اياها ليس الا انشاؤك لها في ذاتك وابداؤك اياها فيه ان قوله في ذاتك ليس بمتجه لان التصور يقع في محله منك والمحل المعد للصورة هو الخيال والنفس وانت قبل التصور ليس عندك شيء وبعد التصور حصل عندك الصورة في الخيال او النفس فقد كان لك حالتان واذا جعل هذا بيانا لعلم القديم لزم ان يكون القديم فاقدا في ذاته قبل الخلق واجدا في ذاته بعد الخلق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وليس لك ان تقول انما عني علم الحادثين والمخلوقين فانه ليس بصدد ذلك وقوله وابداؤك اياها يشير الى انها كانت كامنة فيك كما تقدم فيما نقلنا عنه من كتابه الكلمات المكنونة وهذا كما ترى ما فيه من الفساد فان قلت انما ذكر علم المخلوقين قلت ليس هو يبحث عن علم الخلق بل يبحث عن خصوص علم الحق تعالى او عن مطلق العلم الذي يصدق على علمه ولو اراد علم الحق كان قوله وابداؤها غير صحيح لان الصورة التي في نفسك لم تكن كامنة عندك ثم اظهرتها وانما هي ظل منتزع من مخلوق في الخارج وقوله مع انك لست مستقلا في الانشاء والابداء هذا صحيح في نفسه وان كان بخلاف ما قرره استاده الملا صدرا في ان النفس لها قدرة على ابداع الصور وانشائها وقوله بل انت محل لها وانما يفيض عليك مما فوقك حين حصول شرائطها فيك واستعدادك لها هذا صحيح وكل هذا حق في نفسه لا مع ما يرتب عليه من مطلبه وقوله فلو كان الانشاء منك بالاستقلال لكان اولى بان يكون علما لك بها هذا على جعل العلم فعليا كما ذكرنا قبل هذا الا انه غير الحصول او الحضور قوله فذاتك من حيث هي مع قطع النظر عن تصورك لتلك الصورة متقدمة على التصور والصورة ومن حيث تصورها تلك الصورة لا تنفك عنها اما تقدم الذات على التصور والصورة الحادثة بذلك التصور فهو حق لا اشكال فيه واما ان الذات من حيث التصور لا تنفك عن تلك الصورة فغلط من جهات متعددة : منها انها تكون الذات مقترنة وملزومة لغيرها وهذا ان صح في بعض احوال الخلق لا يصح على الخالق تعالى في حال لان الاقتران والتلازم صفات المخلوقين على اي حال فرضت ومنها ان ثبوت هذا العلم ومصاحبته للذات بحيث لا تخلو منه انما هو من حيثية خاصة وكل من يجري عليه جهة وجهة او حيث وحيث فهو محدث ومتعدد الجهات والحيثيات وهذا ظاهر ومنها ان التصور معنى فعلي والمعنى الفعلي حادث لانه لا يتحقق الا مع المتصور وهو الصورة فهو جهة الفعل وهو وما صدر عنه لا ينتهي الا الى حركة الفاعل والفعل وجميع ما يصدر عنه وينتهي اليه محدث فان قولك زيد قائم لو كان القيام مستندا الى ذات زيد بدون واسطة الفعل لكان ذاتيا فيلزمك ان زيدا ابدا قائم لان قائما على هذا ثبت لذات زيد بغير واسطة فهو ذاتي له لكنه لم يثبت القيام له الا بواسطة الفعل والفعل حادث احدثه زيد بنفسه اي بنفس الفعل وكلما يصدر عن الحادث فهو حادث ولا يكون اسبق منه ولا يساويه في رتبته بل متأخر عنه فافهم ان كنت تفهم وهذه الاشياء والقواعد التي يدعي انها اصول حكمية يريد ان يعرف بها القديم فهي كما قلت فيها سابقا وقد قال الصادق عليه السلام في الدعاء بعد ركعتي الوتيرة بعد العشاء على ما رواه الشيخ (ره) في المصباح قال عليه السلم بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك
قال اصل - قد ثبت ان الله سبحانه قديم بذاته متفردا بالازلية كان الله ولم يكن معه شيء
اقول هذا حق وكله محكم نعم هنا شيء يحتاج الى التنبيه عليه وهو ان الازلية ذاته بلا مغايرة فلا تتوهم ان الازل شيء او (ظ) وقت حل فيه تعالى الله عن ذلك بل الازل ذاته بلا مغايرة لا في الواقع ولا في الفرض ولا في الاعتبار ولا في حيثية اذ كل ما سواه احدثه بفعله فافهم ان كنت تفهم
قال ثم اوجد الاشياء جميعا بذاته بحيث لا يخرج منها شيء عن ابداعه وتكونه
اقول قوله بذاته غلط وانما اوجدها بفعله وهو ابداعه ومشيته وارادته قال الرضا عليه السلام لعمران الصابئ والمشية والارادة والابداع اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد والمراد ان كلا منها فعل وكل واحد يطلق على الاخر مع عدم اجتماعها فاذا اجتمعت اختلفت فاذا قال شاء واراد كانت المشية فعل الله للاكوان وهو مثل خلق والارادة فعل الله للاعيان وهو مثل برأ وقال الرضا عليه السلام ليونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة على ما يشاء الحديث واما قوله وتكونه فلا يصح فالواجب ان يقال وتكوينه لانه هو صفة فعل الفاعل واما التكون فهو صفة فعل القابل اي المفعول
قال وان كان بعضها عقيب بعض بترتب سببي ومسببي
اقول هذا حق لان الله سبحانه تكلم بكلمة وهي فعله الواحد البسيط فانزجر لها العمق الاكبر فكان بها الامكان الراجح الوجود وهو محل تلك الكلمة التي هي فعل الله ومشيته وارادته وابداعه واختراعه وهذا هو الوجود المطلق خلقه الله بنفسه اي بنفس هذا الوجود فملئت الامكان الذي لا يتناهى فهي على قدره لا يزيد احدهما على الاخر لا تزيد المشية فتتعلق المشية بما ليس من الامكان وما فيه ولا يزيد الامكان فيكون شيء منه او مما فيه لا تتعلق به المشية والمكونات هي الوجود المقيد الذي اوله العقل الكلي واخره ما تحت الثرى وقولي اوله العقل اريد به اول المزدوجات سواء كانت من التركيبات المعنوية النورانية كالعقل والروح والنفس والطبيعة الكلية المسماة بالملائكة العالين الذين (ظ) لم يؤمروا بالسجود لادم بل انما سجد الملائكة لادم لكون صلبه مظهرا لمواقعها كما قال تعالى فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم والعقل اولها اي اول الوجودات المقيدة وقبل العقل صدر عن المشية الوجود المخترع لا من شيء وهو الماء الذي به حيوة كل شيء فساقه تعالى بكلمته اي بمشيته وهي السحاب المتراكم الى الارض الميتة وهي ارض القابليات فانبت به شجرة الخلد واول غصن نبت فيها القلم وهو العقل الكلي فقال الله له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فدفعته الكلمة التامة التي هي فعل الله نازلا فكل شيء تمت له شرائط القبول من الوقت والمكان والكم والكيف والجهة والرتبة والوضع والاذن والاجل والكتاب اعطاه ما جعله الله له من حصة الوجود فقام يسبح الله ويعلن بحمده والثناء عليه فمن تمت شرائطه اوجده باذن الله ومن لم تتم شرائطه بقي منتظرا وهذا هو العلة في تقدم بعض الاشياء وتأخر بعضها وهو قوله بترتب سببي ومسببي
قال على نحو لا يقدح كثراتها وتركباتها الفاصلة بعد الذات الاحدية في وحدة الحقة وبساطة الحقيقية
اقول هذا كلام ليس بصحيح لانها ان كانت معه او في ذاته او كامنة فيه كما توهم لا يفيده قوله على نحو لا يقدح الخ وقول الصوفية الذي اخذ هذه العبارة منه باطل فانهم يقولون بالجمع والفرق وبالحق والخلق وبالكثرة والوحدة وهذا كلام باطل يلزم منه انه تعالى من جهة هو خلقه ومن جهة هو غيرهم ومن جهة هو حق ومن جهة هو خلق ومن جهة هو واحد ومن جهة هو كثير وربنا ليس هكذا ولا نعبد ربا هكذا حاله فانه مختلف الذات باختلاف الاعتبارات والحيثيات وربنا عز وجل لا يختلف في حال ولا يتغير بتغير الحالات واختلاف الحيثيات والاعتبارات فهذا الكلام كلام من هم كالانعام بل هم اضل وهو موضوع تحت الاقدام
قال وانه سبحانه يعلم ذاته بذاته في مرتبة ذاته لحصول ذاته بذاته لذاته في مرتبة ذاته
اقول هذا كلام صحيح لا شك فيه وهو المعبر عنه بوجوب الوجود
قال وثبت ان العلم التام بالفاعل بما هو فاعل لا ينفك عن العلم بالمفعول الا يعلم من خلق
اقول ان اراد بالعلم التام العلم الفعلي الذي هو فعل الفاعل للمفعول او هو المفعول فلا شك عندنا ان ذلك علم بالمفعول والمفعول نفسه علم للفاعل بالمفعول وان المفعول ابدا قائم بذلك الفعل الذي هو علم اول بالمفعول للفاعل والمفعول علم ثاني واليه الاشارة بقول علي عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه ولا ينفك عنه لانه قائم به قيام صدور وان اراد به العلم القديم الذاتي فهو باطل لان الازلي لا يوصف بعدم الانفكاك عن شيء ولا بعدم انفكاك شيء عنه لذاته اذ لا يجوز عليه الاقتران لانه صفة الحدوث وهو ممتنع من الازل الممتنع من الحدث والفرض الاول وان كان صحيحا لا يصح وصف الذاتي به ولا بشيء من صفاته واحواله واستدلاله بقوله تعالى الا يعلم من خلق لا يدل على ان هذا العلم هو الذاتي فان الذاتي علم ولا معلوم لاني اقول راجع ما ذكرنا اولا لتعرف ان الذاتي لا يرتبط بالحوادث وان المحال الوجود لا يكون معلوما كما قال تعالى أتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض ووجود الحادث في الازل ووجود الازل في الحدوث محال والحادث اذا وجد كان معلوما بما هو موجود لا بما هو لا شيء نعم الحادث معلوم في الامكان بما هو ممكن وفي الاكوان بما هو مكون وفي الاعيان بما هو عين وفي القدر بما هو مقدر وفي القضاء بما هو مقضى وهكذا وهو سبحانه يعلم الاشياء بما هي عليه في امكنة حدودها واوقات وجودها كلا في رتبته من غير انتقال ولا تحول حال ومعنى قولي بما هو ممكن اريد انه انما علم الشيء بما هو عليه لا بما ليس هو عليه فلا يقال انه يعلم الممكن بما هو مكون ولا المكون بما هو ممكن لان علمه تعالى لا يكون على خلاف معلومه ففي الازل هي ليست شيئا ومحال ان توجد هناك فيعلم انها ليست شيئا وان وجودها محال بمعنى ان الله سبحانه لا يعلم هناك شيئا الا ذاته خاصة ولا يعلم غيره ويعلم الاشياء في اماكنها بما هي عليه لم يفقد في الازل علمه بها في الحدث ابدا فافهم ان كنت تفهم بل الاية تدل من يفهم انه انما يعلم من خلق بما هو عليه في رتبته من مخلوقيته
قال وقد ثبت ايضا ان صفاته عين ذاته بحسب الوجود وان كانت غيرها بحسب المفهوم بمعنى ان ذاته بذاته وجود وعلم وقدرة وارادة وحيوة كما انه موجود وعليم وقدير ومريد وحي يترتب على الذات ما يترتب على الصفات من الاثار من دون معنى زائد قائم بذاته
اقول قد ثبت ان صفاته الذاتية عين ذاته مطلقا واما اختلافها بحسب المفهوم فانما هو باعتبار ملاحظة متعلقاتها كالعلم انما يخالف البصر لان ملاحظة معلوم يقتضي تسمية العلم وملاحظة مبصر يقتضي تسمية البصر واما في انفسها فمفهومها واحد ومصداقها واحد وفي التوحيد عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلم انه قال من صفة القديم انه واحد احد صمد احدي المعنى ليس بمعان كثيرة مختلفة قال قلت جعلت فداك يزعم قوم من اهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع قال فقال كذبوا والحدوا وشبهوا تعالى الله عن ذلك انه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع قال قلت يزعمون انه بصير على ما يعقلونه قال فقال تعالى الله انما يعقل ما كان بصفة المخلوقين وليس الله كذلك ه فاذا تعلق ٱلسمع بالمبصر فهو البصر وانما يسمى بالسمع اذا تعلق بالمسموع والمراد انه تعالى واحد فيسمى باعتبار الاثر فمفهوم الصفات واحد من حيث نظر الواصف الى نفس الذات الحق ومتعدد من حيث نظره الى الاثار وفي التوحيد عن هشام بن حكم في حديث الزنديق الذي سأل ابا عبد الله عليه السلم انه قال له أتقول انه سميع بصير فقال ابو عبد الله عليه السلام هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي انه يسمع بنفسه انه شيء والنفس شيء اخر ولكني اردت عبارة عن نفسي اذ كنت مسئولا وافهاما لك اذ كنت سائلا فاقول يسمع بكله لا ان كله له بعض ولكني اردت افهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك الا الى انه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى ه فابان عليه السلام ان الصفات تتعدد لفظا وتتحد معنى فيعلم ببصره ويسمع بعلمه ثم قال يسمع بكله فهي ذاته والالفاظ اسماء باعتبار الاثار وقوله بمعنى ان ذاته بذاته الخ تصحيحه ان الاختلاف في الالفاظ بلحاظ الاثار لا يوجب اختلاف معانيها فلا فرق بين قولك انه علم وانه عليم الا اذا اريد بان عليم ذو علم لتتحقق المغايرة واما اذا لم يرد بعليم الا مجرد وصفه بالعلم لذاته فلا فرق بين معنى اللفظين لان معنى وصفه بالعلم تسميته بالعلم والا لزم التغاير وقوله يترتب على الذات ما يترتب على الصفات من الاثار من دون معنى زائد قائم بذاته هذا صحيح اذا اريد باختلاف المفهوم في التسمية بلحاظ المتعلق خاصة واذا اريد هذا صح اختلاف التسمية في الذات من غير اعتبار الصفات على العبارات المتعارفة لانه تعالى يسمى علما باعتبار اثر العلم الصادر عن فعله من صنع الاشياء المحكمة والاحاطة بما خلق وبخلق العلم في العلماء كما يسمى عالما بهذا الاعتبار بلا فرق فافهم
قال فكما ان علمه بذاته عين ذاته بمعنى انه لا يحتاج في علمه بذاته الى شيء غير ذاته فعلمه بما يفعل ذاته ايضا عين ذاته بهذا المعنى وان كان بعد ذاته وبعد علمه بذاته باعتبار المرتبة
اقول علمه بذاته عين ذاته الخ حق واما علمه بما تفعل ذاته عين ذاته فليس كعلمه بذاته لان علمه بذاته لا يحتاج الى شيء آخر غير ذاته بخلاف علمه بمفعوله فان المعلوم انما وجد بالفعل وقوله يفعل بذاته ان اراد بدون توسط الفعل فهو خطأ فاحش وان اراد بقوله علمه بما يفعل بذاته ما يفعل بفعله فهو بخلاف الاول لان المعلوم لم يكن معلوما الا اذا وجد كما تقدم في حديث الصادق عليه السلم لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ه وقبل ان يكون المعلوم كان تعالى عالما ولا معلوم فيكون العلم به انما يحصل له بتوسط الفعل فلا يكون هذا العلم عين ذاته وقوله وان كان بعد ذاته وبعد علمه بذاته ينقض قوله الاول لان ما يكون بعد الذات لا يكون عين الذات الا على وساوس الصوفية انه تعالى كل الخلق فيجعلون اعلى الحديث اسفله واسفله اعلاه في قوله كان الله ولا شيء معه وهو الأن على ما كان انه لو كانت الاشياء غيره لكان بعد ما اوجدها كان معه غيره لكنها هي عينه فما اوجد شيئا الا نفسه فليس معه غيره قبل ما يوجدها وبعد ما اوجدها وقوله باعتبار ٱلمرتبة يعني به ان علمه بمفعوله ايضا عين ذاته وان كان مفعوله باعتبار مرتبته بعد الذات لانه انما وجد بفعله تعالى وهذا انما هو على القول بوحدة الوجود والا فكيف يجوز ان الامام عليه السلم يقول كان عالما ولا معلوم وهذا حكم الازل فاذا اوجد المعلوم كان عالما مع معلوم وهذا اثبات حالين مختلفين له تعالى احديهما ثبوت العلم من غير معلوم والثانية بعد ذلك ثبوت العلم مع معلوم لان يفعل كما ذكره في قوله بما يفعل ذاته معنى فعلي والعلم الفعلي متأخر عن الذات لتوقفه على الفعل المحدث والمتوقف على المحدث لا يكون عين القديم الا على القول بوحدة الوجود وهو قائل بها كما نقلنا عنه من الكلمات المكنونة فكلامه هذا مطابق لمذهبه وان كان عند اهل العصمة عليهم السلم نفي ذلك ففي التوحيد عن حماد بن عيسى قال سألت ابا عبد الله عليه السلام فقلت لم يزل الله يعلم قال اني يكون يعلم ولا معلوم قال قلت فلم يزل الله يسمع قال اني يكون ذلك ولا مسموع قال قلت فلم يزل يبصر قال اني يكون ذلك ولا مبصر قال ثم قال لم يزل الله عليما سميعا بصيرا ذات علامة سميعة بصيرة ه فانظر في صراحة هذا الحديث الشريف فيما ذكرته لك فانه عليه السلام انكر ان يكون يعلم لانه انما يكون اذا وجد المعلوم والمعلوم لا يوجد الا بفعله وكل ذلك متأخر عن الذات تعالى واثبت كونه عليما سميعا بصيرا بمعنى ان ذاته علامة لا بمعنى انه يعلم شيئا ولا شيء غيره قبل الخلق
قال وفي مرتبة الاعتبار حيث انه لا بد في ذلك من اعتبار المفعول المتأخر عن رتبة الذات
اقول يا سبحان الله اذا كان المفعول المتأخر وجوده شرطا في كون العلم به عين الذات الازلية وجب تأخر هذا العلم عن الازل حتى يحصل شرطه واذا جاز تأخره ماجاز كونه عين الازل تعالى عن ذلك علوا كبيرا وايضا قد ثبت عقلا ونقلا مع اجماع العقلاء من المسلمين وغيرهم ان المفعول لا يوجد من الذات بدون فعل فلا يوجد الا بفعل فهو متوقف على الفعل وهو قد علل كون علمه بذاته عين ذاته بانه لا يحتاج في علمه بذاته الى شيء غير ذاته ومعلوم من مفهومه ان ما كان من العلم محتاجا الى شيء غير ذاته لا يكون عين ذاته واجمع العقلاء من بنيادم على ان الفعل محدث والمفعول متوقف على المحدث وقال ان علمه بهذا المحدث لا بد من اعتبار وجوده فقال وفي الاعتبار حيث انه لا بد في ذلك من اعتبار المفعول المتأخر عن رتبة الذات فتدبر في هذه الامور المتناقضة المتهافتة
قال وذلك لان فاعليته ليست الا بذاته
اقول هذا شيء عجيب ماسمعنا بان فاعلا يفعل بذاته بغير فعل منه الا اذا كانت ذاته فعلا لمن هو فوقه فان الاعلى يكون فاعلا وتلك الذات السفلى تكون فعلا للاعلى فيحدث عنها المفعول بامر الاعلى وقدرته سبحان ربي الاعلى وبحمده وتعالى عما يقولون علوا كبيرا
قال فلا تغاير بين ذاته وعلمه بذاته لا بالذات ولا بالاعتبار
اقول هذا حق لا شك فيه ولا شبهة تعتريه
قال ولا بين علمه بذاته وعلمه بما يفعل ذاته بالذات وان تغاير الاعتبار
اقول لا بد من التغاير بينهما الا ان يقول انه لا يحتاج الى اعتبار المفعول المتأخر في هذا العلم ولا الى اعتبار الفعل فيقول هو عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها واما اذا اعتبر اختلاف الاعتبار في العلم الثاني فكيف يكون العلم بشرط شيء عين العلم المطلق وكيف يكون المتأخر انتظارا لشرطه الذي لا يتحقق بدونه هو نفس السابق وايضا الاعتبار من جملة الممكنات فلا يجري على الازلي وليس كما يتوهم من لا يعلم ان الامور الاعتبارية ليست شيئا بل هي وكل فرض واحتمال وتجويز اشياء موجودة خلقها الله سبحانه بمشيته واحدث اعيانها بارادته ووضعها في خزانة فعله في ارض الامكان الراجح الذي هو محل مشيته شقه بقدرته وزجره بكلمته وهو العمق الاكبر الذي ذكره الحجة عليه السلام في دعاء السمات حيث يقول : وانزجر لها العمق الاكبر وهو الامكان الراجح وهو خزائن كل شيء في قوله تعالى : وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فافهم ان كنت تفهم والا فسلم تسلم فالفرضيات والاحتمالات والاعتبارات وما اشبه ذلك كلها مخلوقات لله تعالى محدثة اجراها على خلقه وكيف يجري عليه ما هو اجراه فالاعتبارات والحيثيات وما اشبهها خلق الله وعباده فلا يكون شيء منها ولا ما تعلقت به وفرضت فيه عين ذاته تعالى سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وقوله يفعل ذاته بالذات يجعل ذاته فعلا والذات لا يكون فعلا الا لمالكها ولكن اكثرهم يجهلون
قال اصل - علمه سبحانه للاشياء صفة نفسية ازلية كما ان علمه بذاته صفة نفسية ازلية
اقول ان لم يعتبر في علمه للاشياء اعتبار وجودها بل كان عالما بها قبل كونها كعلمه بها بعد (ظ) كونها فقد قال كثير من العلماء بذلك ولكن قول الصادق عليه السلام ينفي هذا كما ذكرناه مرارا واذكره الآن لان قوله عليه السلام كان الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال عليه السلام فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم فهذا الكلام صريح بانه تعالى عالم ولا شك فيه ولكن علمه لم يتعلق بمعلوم غيره لانه اخبر بان العلم انما وقع منه تعالى على المعلوم بعد حدوثه فاخبرني هذا الذي وقع بعد حدوثها هو العلم بها او غيره فان كان هو العلم بها بطل قوله ان العلم بها ازلي وان قال العلم بها قبل هذا وغيره فقول الصادق عليه السلام ولا معلوم ما معناه وقوله وقع العلم منه على المعلوم يعني بعد حدوثه وليس لك ان تقول ان كلامك هذا حكم على الله تعالى بالجهل بالاشياء قبل خلقها لاني اقول ليس هذا كلامي بل هو كلام امامك الصادق عليه السلام ولا يلزم منه الجهل لانه لو كان في الازل شيء وقلنا لا يعلمه فكما تقول او قلنا كان جاهلا تعالى الله قبل الاشياء فلما احدثها كان عالما فكما تقول بل تقول ان الاشياء لا يمكن وجودها في الازل ففرض وجودها في الازل كفرض وجود شريك الباري سبحانه فكما قال تعالى في حق ما فرضوا له من الشريك أتنبئون الله (ظ) بما لا يعلم في السموات ولا في الارض وهو حق ولا يكون ذلك نفيا لعلمه لان نفي العلم انما يتحقق اذا وجد معلوم ولم يعلمه اما اذا لم يوجد معلوم وقال قائل هو لا يعلم شيئا فليس هذا نفيا للعلم بل اثبات للعلم وانا اسألك عما تعقله اذا لم يكن في البيت رجل وقلت لك هل في البيت رجل فقلت لي لا اعلم في البيت شيئا يكون هذا نفيا لعلمك واثباتا لجهلك بل لو قلت اعلم في البيت رجلا وليس فيه رجل فهو نفي لعلمك واثبات لجهلك واذا كنت سميعا ولم يكن متكلم وقلت انا لك سمعت كلاما فقلت لم اسمع دل على انك لست بسميع ليس كذلك لانك سميع ولم تنف سمعك وانما نفيت سماعك لكلام لعدم وجوده فكذلك قال عليه السلام كان الله عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم وكذلك انت سميع ولا مسموع فلما حضر المتكلم وتكلم وقع السمع منك على المسموع فقبل ان يتكلم لست باصم وكذلك نقول كان عالما ولا معلوم نعم لو قلت كان في الازل عالما بها في الحدث صح كلامك ولا يكون ذلك العلم في الازل مشروطا حصوله له تعالى بوجودها في الحدث وهذا العلم عين ذاته تعالى واما وقوعه على المخلوق وارتباطه به فهو مشروط بوجود المخلوق كما قال الصادق عليه السلم الا ان هذا الوقوع وهذا الواقع ليس هو ذلك العلم الازلي لانه لم يحصل الا بعد وجود الحادث فهو محدث وليس هو عين ذاته تعالى فلو قلت ان العلم الازلي بعينه هو الواقع قلت لك هذا الكلام باطل لانه يلزم ان يكون له حالتان حالة عدم الوقوع قبل المخلوق وحالة الوقوع بعد وجود المخلوق والحالتان متغايرتان والقديم لا يكون متعددا متغايرا فافهم ان كنت تفهم والا فسلم تسلم والملا محسن جعل العلمين مع تغايرهما وتقدم احدهما على الاخر وشرط احدهما دون الاخر عين ذاته تعالى مع تغاير الاعتبار الموجب للحدوث ولذا
قال فعلمه تعالى بنفسه وعلمه بخلقه واحد غير منقسم ولا متعدد لكنه يعلم نفسه بما هو له ويعلم خلقه بما هم عليه
اقول ان اراد بعلمه بخلقه ما قلنا من انه تعالى عالم في الازل بما في الحدث فهو حسن ولو قلت هو عالم بها في الازل كان هذا قبيحا لانك اذا قلت عالم بها في الازل كان المعنى انها عنده في الازل وليس الازل شيئا غير ذاته فلا تتوهم ان الازل فضاء واسع وفراغ قد حل فيه تعالى فيجوز ان يحل فيه غيره كما يتوهمه من يفرض تعدد القدماء ويمنع التعدد بدليل التمانع او التركيب مما به الاشتراك ومما به الامتياز لانهم يتوهمون ان الازل مكان واسع ليس فيه الا الله فلو فرض معه غيره لزم كذا وكذا وهذا جهل محض لانه اذا كان مكانا كان قديما فتتعدد القدماء وان فرضوا انه ليس فيه الا الله تعالى بل الازل هو الله لا شيء غيره فاذا قلت هو عالم بها في الازل كانت حالة في ذاته ويكون محلا للحوادث سواء فرض كونها في باطنه كما ذهب اليه من يقول ان العالم كامن فيه بالقوة وكلامه فيه اي في نفسه مثل كلامك في نفسك ثم ظهرت من القوة الى الفعل او فرض كونها عارضة له مثل قول من يقول ان حقائق الاشياء متعلقة به تعلق الاظلة بذي الظل واما اذا قلت انه عالم في الازل بها في الحدث يعني يعلم في الازل بها في امكنة حدودها وازمنة وجودها كلا في مكانه ووقته فهو صحيح على ما قررنا ونقرر انشاء الله تعالى وقوله لكنه يعلم نفسه بما هو له ويعلم خلقه بما هم عليه فيه ما في غيره من كلامه وانا اسأله واقول يا ملا انت جعلت علمه بنفسه عين علمه بخلقه وفسرت علمه بنفسه هو ان يعلم نفسه بما هو له وفسرت علمه بخلقه هو ان يعلمهم بما هم عليه فاقول له اخبرني ما هو له تعالى هو عين ما هم عليه فان قلت نعم فاقول انا اعلم ذلك منك لان من يقول بقول مميت الدين بن عربي يقول بهذا واعجب لان ما هو له سبحانه هو ما هو عليه من القدم والعلم المطلق والقدرة المطلقة والغني المطلق وما هم عليه هو الحدوث والجهل والعجز والفقر والتغير والفناء والهلاك فهذا ما هو عليه وما هم عليه والعالم بالشيء يكون علمه مطابقا لمعلومه ان لم يكن نفس معلومه فما ادري ما اقول له في الجواب ان قال نعم وان قال لا قلت له فليس العلمان متحدين الا على قول الصوفية الذين يقولون كما قال مميت الدين في الفصوص :
فانا اعبد حقا وانا الله مولانا
وانا عينه فاع لماذا ما قيل انسانا
فلا تحجب بانسان فقد اعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه تكن روحا وريحانا
فاعطيناه ما يبدو به فينا واعطانا
فصار الامر مقسوما باياه وايانا
الخ
قال وليس ان معلوماته اعطته العلم من نفسها كما ظن والا لزم ان يكون مستفيدا من غيره تعالى عن ذلك
اقول قال في الوافي في باب الشقاوة والسعادة من كتاب العقل بان المعلومات اعطت العالم العلم بها فعلمه مستفاد من المعلوم ثم رتب عليه ما يريد من نفي الجبر في افعال العباد ثم انكر هذا القول كما هنا واجاب بهذا الجواب الذي ذكره هنا ثم بعد اربعة او خمسة اسطر رجع الى القول الاول وقال به ورتب عليه ما يريد قال بعد ان اجاب بهذا الجواب فمشيته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك انتهى وقوله كما ظن الظان هو ابن عربي
قال بل انه ما تعينت في علمه الا بما علمها عليه لا بما اقتضته ذواتها ثم اقتضت ذواتها بعد ذلك من نفسها امورا هي عين ما علمها عليه اولا فحكم لها ثانيا بما اقتضته وماحكم الا بما علمه
اقول هذه المسئلة لا تدركها العقول ولا تهتدي اليها سبيلا ولا يعرف شيء من المشاعر والمدارك لها دليلا الا الافئدة بدليل الحكمة خاصة والبرهان عليها لا يزيدها الا تعمية وغموضا نعم لو ان المطلوب خصوصا وصبر العارف بها على طول الوقت وكثرة البيان وبسط المقدمات امكن بيانها لاصحاب العقول الطالبين للاسترشاد التاركين للعناد مع التوفيق والسداد من رب العباد فاقول اعلم ان الممكنات ليست شيئا وليس الا الله وحده ثم احدث المشية بنفسها في وقتها ومكانها فوقتها السرمد ومكانها الامكان لانها فعل وهو وان كان ذاتا تذوتت بتأثيرها الذوات الا انه لما كان فعلا ولذا خلق بنفسه وكان الفعل لا يتحقق ولا يتقوم الا بالمفعول وان كان هنا نسبة المفعول اليها كنسبة الانكسار الى الكسر فيكون قد تقومت المشية بالمفعول وهو الامكان بما فيه من الامكانات تقوم ظهور وتقوم الامكان بها بما فيه من الامكانات تقوم تحقق كان شرط وجوده ولازم ظهوره الامكان الراجح الكلي المسمى بالعمق الاكبر بما فيه من الامكانات الجزئية الاضافية بمعنى ان كل امكان من الجزئية كلي مشتمل على افراد لا تتناهى ابدا فخلق سبحانه المشية بنفسها وامكن بها الممكنات بامكاناتها ولم تكن شيئا كما توهمه المتكلمون حيث قالوا ان الاشياء المعقولة خمسة اشياء واجب لذاته وهو الله سبحانه وواجب لغيره وهو المعلول عند وجود علته التامة وممتنع لذاته وهو شريك الباري سبحانه وتعالى عن الشريك وممتنع لغيره وهو المعلول عند عدم علته وممكن لذاته وهو سائر المخلوقات ولم يجوزوا ممكن الوجود لغيره لان الممكن لو كان ممكنا لغيره كان المراد انه لو كان ذلك لغيره لما كان ممكنا فيكون المعنى انه كان واجبا او ممتنعا فجعله الجاعل ممكنا وانقلاب الواجب والممتنع محال فيكون ممكنا لذاته اذ المعقولات منحصرة في الواجب والممتنع والممكن وهذا الكلام باطل لان الممكن لو فرض انه ليس بمجعول كان واجبا اذ لا نريد بالواجب الذاتي الا الموجود الذي وجوده لذاته لا بجعل جاعل وهذا اقبح مما فروا منه او مثله والحق في المسئلة ان الله سبحانه هو الموجود لذاته وحده وليس ثم واجب غيره ثم اخترع الممكنات حين احب ان تعرفه العبيد لا من شيء فكما احدث الوجود لا من شيء احدث الامكانات والممكنات لا من شيء فالممكن لم يكن شيئا لذاته وانما كان شيئا بغيره حين اخترعه وامكنه وحبسه في الخزائن العليا ثم كون منه ما شاء كما يشاء يخرج من تلك الخزائن اذا شاء فيكسوه حلة الوجود ينفق كيف يشاء فلما امكن الامكان بفعله الذي هو مشيته كان هو وما فيه من جزئياته العامة على هيئة مشيته كما ان الكتابة على هيئة حركة يد الكاتب ودالة عليها بمعنى ان حسنها يدل على اعتدال الحركة وعدم حسنها يدل على عدم اعتدال الحركة فالامكان بما فيه على هيئة المشية والمشية خلقها سبحانه بنفسها فظهرت كعموم قدرته فيما يفعل سبحانه لان قدرته عز وجل ظهرت بمشيته لا بنفسها لان نفس القدرة وذاتها هو الله سبحانه واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلم المتقدم في دعاء الوتيرة بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك فلما بدت قدرته تعالى لم تبد بهيئة ذاتية لان ذلك محال وانما بدت بهيئة فعلية وتلك الهيئة هي المشية التي ابدتها قد ابدتها بنفسها اي بنفس ٱلمشية فالمشية هيئة القدرة بنفس المشية والامكان هيئة المشية وهي هيئة عامة واسعة لا غاية لعمومها وسعتها ولا نهاية فلما كان الممكن والامكان بدا على هيئة هذه الهيئة العامة الواسعة التي لا تتناهى كان قابلا لكل ما يحتمل مثلا حقيقة زيد الامكانية يجوز ان تكون زيدا وان تكون جملا وجبلا وماء ومعدنا وحيوانا ونباتا وارضا وسماء وملكا ونبيا وكافرا وشيطانا الى غير ذلك مما لا يتناهى وهو معنى قولنا قبل ان كل ممكن من الامكانات الجزئية كلي مشتمل على افراد لا تتناهى ابدا فالحقيقة التي خلق منها زيد يجوز ان تلبس كل صورة في الخلق من الغيب والشهادة من الحيوان والنبات والمعدن والجماد عينا او معنى ذاتا او صفة فاذا امكن في الحقيقة الواحدة ان تلبس صورة من الفالف صورة مثلا كلها متساوية في الامكان كان كل جزئي من الامكان كليا لا يتناهى واما في الظهور فالصور انما تتحقق بالحدود والهندسة الظاهرة والباطنة من الغيب والشهادة كما ذكرنا اصولها وهي الماهية الاولى لوجود الشيء وهي انفعاله وما لها من القيود المتممة لها من كم وكيف ووقت ومكان ورتبة وجهة ووضع بمعنييه الاخيرين اي نسبة بعض اجزائه الى البعض الاخر في الترتيب الطبيعي ونسبتها الى الامور الخارجة عن الشيء وهذه الامور المنسوبة الى الصورة كل واحد منها حصة خاصة جزئية من كلي عام مثلا الوقت حصة صورة زيد من الزمان وقت خاص به وحصة عمرو من الزمان خاصة به وقد تتداخل الحصتان لشخصين ويختلف حصتاهما من الوقت او يتحدان ويتعددان من الجهة وهكذا ولو اتحدت جميع المشخصات امتنع تعدد الاشخاص وانما تتعدد باختلافها او اختلاف بعضها وهذه القيود المذكورة اعني الماهية وما لها من المتممات المذكورة وما اشبهها كالاذن والاجل والكتاب وغير ذلك من الاسباب المتممة او المكملة هي شرائط الظهور والمحدث لم يكن مذكورا في علم الله تعالى وقدرته الذاتيين اللذين هما ذات الله تعالى بلا تعدد ولا اختلاف بكل اعتبار لانه لم يكن مذكورا في رتبة الذات بحال من الاحوال وانما ذكرها في امكنة وجودها فالذكر في الازل والمذكور في الامكان والله سبحانه هو الذاكر ولا مذكور هناك الا ما ذكر نفسه بنفسه فظهر عز وجل بمشيته بنفسها فكانت المشية على هيئة ظهوره تعالى بها ولم يظهر بذاته المقدسة فذكر الله سبحانه المحدث بها فهي الذكر الاول له كما قال الرضا عليه السلام ليونس : تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة على ما يشاء تعلم ما القدر قال لا قال هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء الحديث فكان سبحانه في الازل الذي هو الذات المقدسة هو الذاكر قبل المذكورين وليس ثم مذكور سواه فاول ما ذكر عبده في مشيته ولم يكن ذكر للمحدث قبل المشية وكان ذكره له فيها على هيئة المشية وهو الذكر العام الواسع الذي لا يتناهى وهذا الذكر الامكاني الواسع العام وهو التعين الكلي الراجح الوجود ثم ذكره سبحانه فيها بالذكر الكوني بالتعين الجزئي الجائز الوجود المرتبط بالقيود التي اشرنا اليها فالذكر الواسع الراجح هو علمه تعالى بها الذي لا يحيطون بشيء منه وهو الذكر الامكاني وهو المستثنى منه في الاية الشريفة ولا يحيطون بشيء من علمه والذكر الجزئي الكوني الجائز هو علمه تعالى بها الذي يحيطون به باذنه سبحانه وهو المستثنى في الاية الشريفة الا بما شاء اي لا يحيطون بشيء من علمه الامكاني بها الا بما شاء كونه فانهم عليهم السلم يحيطون به باذنه وامره والشمس المضيئة في قول امير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث القدر في قوله : الا ان القدر سر من سر الله وستر من ستر الله وحرز من حرز الله مرفوع من حجاب الله موضوع عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله العباد عن علمه ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية لانه بحر زاخر مواج خالص لله عز وجل عمقه ما بين السماء والارض عرضه ما بين المشرق والمغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الله الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه ونازعه في سلطانه وكشف عن سره وستره وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير ه رواه الصدوق في التوحيد باسناده عن الاصبغ بن نباتة وهذه الشمس التي في قعره في هذا العلم الامكاني الراجح الوجود الذي لا يحيطون بشيء منه والثاني الذي هو العلم الكوني هو المرتبط بالقيود ومظهر البداء في المحو والاثبات من الاول يفيض على جميع الاكوان والتكوينات والتكونات والمكونات منبسطا يجري في كل ما لم يقع وفي كل واقع ولم يجر في الوقوع بعد الوقوع فافهم فتعيين الحادثات من اشراق هذه الشمس المضيئة التي في قعر العلم الامكاني الراجح الوجود الذي لا يحيطون بشيء منه وهو الذي نسميه بخزائن الاشياء من قوله وان من شيء الا عندنا خزائنه وتعينها في العلم الكوني الجائز الوجود الذي يحيطون به عليهم السلم باذن الله تعالى تدريجا ومن هذا العلم الثاني الجائز الوجود سأل صلى الله عليه واله ربه سبحانه الزيادة فقال رب زدني علما لما امره تعالى بذلك لان هذا العلم هو فوارة النور وهي عين صافية يجري بامر الله سبحانه ومعنى كون سؤال ٱلزيادة في العلم مع انه انما يظهر ما فيه عنه صلى الله عليه واله انه محل ظهور الزيادة لا مبدؤها اذ مبدؤها الاول ولا يخرج كل متجدد الا منه واذا خرج منه ظهر وعلم في الثاني فيكون سؤاله الزيادة صلى الله عليه واله من المتحقق الموجود ولا يتحقق شيء ولا يوجد الا في الثاني لانه الوجودي واما الاول فانه امكاني لا وجودي واما سؤاله صلى الله عليه واله التحير فيه تعالى فهو في الاول لان ما في الثاني اطلعه الله تعالى عليه واعلمه اياه والمعلوم لا يتحير فيه والتعين المبهم الكلي الواسع العام في الاول والتعين المتخصص في الثاني والمتعين انما يتعين بقيوده الا ان كل رتبة منه تتعين بقيودها في مكان حدودها ووقت وجودها فيتعين كون الشيء بقيوده عن مشية الكون وعينه بقيودها عن ارادة العين وتقديره بقيوده عن قدر ( تقدير خ ) الحدود والهندسة واتمامه بقيوده عن قضاء الشيء وامضاؤه بقيوده عن امضائه وشرح علله واسبابه وهكذا حكم كل شيء متفرقا وحكمه مجتمعا حكم الاجتماع فيتعين كل شيء متفرقا ومجتمعا تاما او ناقصا في علمه عز وجل في رتبته من الكون وكل شيء في كل مكان وكل وقت علمه تعالى وهو بكل شيء عليم فتعينها في علمه تعالى في اماكنها واوقاتها وذكره لها بتعينها هو هذا العلم وذكره لها باللاتعين في العلم الاول واضرب لك مثلا في ذكر الشيء بتعينه وذكره باللاتعين مثاله اذا اخذت من الدواة بالقلم مدادا لاكتب به اسما معينا او قبل التعيين فالذي الان في القلم كالذي في الدواة فانه مذكور باللاتعين لاني كلما اشاء ان اكتب به امكن من اسم شريف او اسم وضيع واذا كتبت منه اسم نبي او منافق ذكرته بتعينه بقيوده المشخصة له من خصوص حروف تناسب له وتقديم وتأخير وتحريك وتسكين فبالمشخصات ذكرته متعينا في رتبة تعينه بها ولما كانت جميع المشخصات وجميع اماكنها واوقاتها عنده تعالى في ملكه الذي لم يكن تعالى خلوا منه كل شيء في رتبته لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في ٱلسماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين والكتاب المبين هو العلم الكوني والاشياء كلماته وحروفه كتبها عز وجل بيد كلمته التي انزجر لها العمق الاكبر وهي المشية بالقلم المسمى بالعقل الكلي من مداد الدواة المسماة بالماء الاول الذي ساقه بكلمته التي هي السحاب الثقال والمتراكم يعني المشية الى الارض الميتة وارض الجرز وهذه الارض الميتة هي ارض القابليات المتعينة بالقيود المشخصات كما ذكرنا في ارض الممكن والامكان في اوقاتها من الدهر والزمان وهذه الارض اعني ارض الممكن والامكان هي الرق المنشور كتب تعالى فيها بيد كلمته بهذا القلم تلك الاحرف في الكتاب المسطور وهو اللوح المحفوظ كما تقدم فقوله بل انه ماتعينت في علمه الا بما علمها عليه فيه اجمال لانه يحتمل ان يريد بهذا العلم هو الذات المقدسة وهو العلم القديم الواجب وان يريد به العلم الحادث سواء كان الراجح او الجائز والمعروف من طريقته كما تقدم في كلماته ويأتي انه هو العلم الواجب الذي هو الذات تعالى وهذا غلط لانه تعالى في ذاته ذاكر بما هو ذاته ولا مذكور ومعين بما هو ذاته ولا متعين وتعالت ذاته السبحانية عن الكثرة والاختلاف والمغايرة انما هو اله واحد لا اله الا هو وان اراد به الثاني ولكنه لا يريده فقد قلنا انه قسمان الاول العلم الراجح الوجود الامكاني وفي هذا العلم هي مذكورة باللاتعين كما مر والثاني العلم الجائز الوجود التكويني وفي هذا العلم هي مذكورة بما تعينت به كل شيء في مكانه ووقته وبهذا العلم علمها وذكرها بما هي عليه فان اراد هذا العلم فحسن ولم يرده والا فقد اخطأ الطريق الحق الى الله تعالى وقوله لا بما اقتضته ذواتها ليس بصحيح لان ما هي عليه هو ما اقتضته في رتبة التكوين لان ما قبل التكوين لم يكن تعين ولا تعيين الا ان نقول بان ماهياتها غير مجعولة وانما هي صور علمية ازلية كما قاله في الوافي وغيره من كتبه وانها متعينة في نفسها من غير تعيين قبل ان تقتضي ذواتها التعين بمشخصاتها وقد سمعت بطلانه وتسمع لان الماهيات مجعولة كونها ولم تكن شيئا وجعلها لازمة لوجوداتها ولم تكن لازمة بغير جعله نعم هي صور علمية مجعولة بوجوداتها بعد ان خلقها بمعنى انه خلق الوجود اولا وبالذات ثم خلقها من نفس الوجود من حيث نفسه ثانيا وبالعرض بعد خلق الوجود بسبعين عاما يعني لاجل تقوم الوجود لاحتياجه في التقوم اليها ثم خلق منهما اللزوم بعد ذلك بسبعين عاما ثم جعله جامعا لهما بمقتضى ذاته يعني انه تعالى خلق التلازم بينهما بمقتضى ذات اللزوم بعده بسبعين عاما سبحانه وتعالي عما يقولون علوا كبيرا وانما قلنا انها تعينت في علمه هذا المشار اليه وهو العلم الكوني بها بما اقتضته ذواتها لانه علمها حال قيامها كما هي في اماكنها واوقاتها وهي علمه بها ومثال هذا انك اذا اخذت بالقلم من المداد شيئا لتكتب به كان ما اخذته مذكورا عندك باللاتعين واذا كتبت وتعين بالهيئات كان ما كتبت مذكورا عندك بما اقتضاه من التعين وقبل ان تكتب تذكر انت ما ستكتب بما تعين به بعد الكتابة بعد ان تكتب فتذكره بالتعين في مكانه ووقته يوم تعين وان وقع منك الذكر قبل ذلك من جهتك الا ان ما في نفسك من صورة التعين ظل منتزع انتزعته نفسك بالانطباع من مثال ما يتعين في المستقبل ولهذا ماتذكره حتى تلتفت الى مكانه ووقته فترى شبحه قائما في ذلك المكان والوقت فتنطبع صورة ذلك المثال في نفسك فتذكره بما عندك من صورة شبحه ومثاله ولا تقدر على الذكر قبل هذا ابدا وما ذكرته في كل حال الا بما اقتضته ذاته من التعين وان كان الكل هو علمك به كما قررنا سابقا وقولي وقبل ان تكتب تذكر انت فاتيت بانت تنبيه على ان هذا حال المخلوق الذي يكون صور معلوماته في نفسه منتقشة ينتزعها من شبح الشخص الخارجي لانه كرة مجوفة تلجه الاشياء المغايرة له واما الخالق عز وجل فليس في نفسه شيء لانه صمد لا مدخل فيه وليس يتصور ولا يفكر ولم يسبق ايجاده للشيء حال للشيء في نفسه تعالى كما يزعم ذلك الجاهلون المشبهون له بخلقه ففي الكافي بسنده عن صفوان قال قلت لابي الحسن عليه السلام اخبرني عن الارادة من الله ومن الخلق قال فقال الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك لانه لا يروى ولا يهم ولا يفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق فارادة الله تعالى الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ه بل اول ذكره تعالى لمصنوعه صنعه له كما صرح به عليه السلام في هذا الحديث حيث قال واما من الله فاحداثه لا غير ذلك ولا ريب انه لم يذكره قبل مشيته لما قال الرضا عليه السلام ليونس حيث قال له كما تقدم تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول وآية ذلك انك لم تكن ذاكرا لشيء من مصنوعك قبل ان تهم (ظ) بصنعه فلو اردت ان تكتب زيدا ذكرته حين ارادتك بما تريد به كتابته على اي حال قصد فافهم وهنا كلام معترض اتيت به استطرادا وهو انه ذكر قبل هذا قوله بمعنى ان ذاته بذاته وجود وعلم وقدرة وارادة وحيوة فجعل الارادة عين ذاته تعالى وهو يدعي انه اخباري لا يقول الا بالحديث والاحاديث متفقة لم يوجد حديث مخالف كلها مصرحة بان المشية والارادة من الله تعالى حادثتان لانهما من صفات الافعال وانه ليس لله مشية او ارادة قديمة وان من زعم بان الله عز وجل لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد والعقل والنقل متطابقان على ذلك ومن وقف على احتجاج الرضا عليه السلم على سليمن بن حفص المروزي في حدوث الارادة وانها غير العلم وانه ليس لله ارادة قديمة حصل له القطع ان كان طالبا للحق بالدليل العقلي القطعي بانه ليس لله مشية وارادة قديمة بل مشيته وارادته حادثتان ومن النقل الدال صريحا على ان القائل بانهما قديمتان في ٱلله تعالى ليس بموحد يعني انه مشرك ما رواه في التوحيد باسناده عن سليمن بن جعفر الجعفري قال قال الرضا عليه السلام المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ومما يدل على حدوثها ما رواه في الكافي عن عاصم بن حميد عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت لم يزل الله تعالى مريدا قال ان ٱلمريد لا يكون الا المراد معه لم يزل عالما قادرا ثم اراد ه فبين عليه السلم انه لو كان في الازل مريدا لكان المراد معه لاستحالة ان يريد ولا يكون ما اراد وهذا دليل عقلي صريح قطعي وليس من النقل ليتوهم الجاهل انه نقلي وان اصول الدين انما تثبت بالعقل فهذا عقلي فلا اقل انه كاستدلال واحد من العلماء نقل عنه في كتاب او كتبه في كتابه وهو قد قال هو وشيخه تبعا للاكثرين بان ارادة الله قديمة بغير دليل معتمد عقلي ولا دليل نقلي معتمد وغير معتمد وانما دليلهم حقيقته التنظير والتخمين اما المتكلمون فاستدلوا على القدم بوجهين احدهما قالوا انها صفة والصفة لا يعقل قيامها بغير الموصوف ولا بنفسها فلو كانت حادثة كان تعالى محلا للحوادث وثانيهما انها اذا كانت محدثة تكون محدثة بارادة اخرى واخرى ان كانت قديمة ثبت المطلوب وان كانت حادثة لزم الدور او التسلسل وهما باطلان والجواب عن الاول انها وان كانت صفة فانما هي بنسبتها اليه تعالى وهذا شأن كل مخلوق فان محمدا واله صلى الله عليه واله اسماؤه وصفاته وذلك بالنسبة اليه تعالى والا فهم ذوات اقامهم الله بامره وكذلك سائر الخلق كما قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره فهي ذات تذوتت الذوات من اثر تذوتها وقد اقامها سبحانه بنفسها وثانيا انه لو فرضنا على قولهم انها قديمة قيامها به تعالى ماجاز لانه تعالى لا يجوز ان يكون معروضا فلا فرق بين العارض القديم والحادث وثالثا ليس ممتنعا قيام الصفة بنفسها اذا كانت ذاتا بالنسبة الى من دونها ومن دونها اثرا اضافيا وهو ذات لمعلوله كما برهن عليه في الحكمة ورابعا اي ضرر في قيام الصفة بغير موصوفها كقيام الكلام بالهواء لا بموصوفه الذي هو المتكلم وعن الثاني انها تكون محدثة بنفسها كما نبه عليه الامام عليه السلم بقوله خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية لئلا يشتبه على الناس امر اعتقادهم فمن قبل عنهم اهتدى ومن لم يقبل عنهم ضل وغوى وايضا قال الفقهاء بان المصلي يحدث الصلوة بالداعي الذي هو النية ويحدث النية بنفسها ولا يحدث النية بنية اخرى والا لدار او تسلسل فالجواب هنا هو الجواب هناك واما غير المتكلمين فدليلهم التنظير ويقولون ان ما ورد في الاخبار فهي الارادة فقال السيد الداماد هي ارادة العباد ومشيتهم لافعالهم الاختيارية لتقدسه سبحانه عن مشية مخلوقة زائدة على ذاته سبحانه وقال المصنف ان للمشية معنيين احدهما متعلق بالشائي وهي صفة كمالية قديمة هي نفس ذاته سبحانه وهي كون ذاته بحيث يختار ما هو الخير والصلاح والاخر يتعلق بالمشيء وهو حادث بحدوث المخلوقات فيا سبحان الله من اخبرهم عن ذاته بانها مشية وارادة هل ارسل اليهم رسولا بذلك ام اتيهم كتابا فهم به مستمسكون ام نزل اليهم فاخبروا بما رأوا ام صعدوا في الاسباب فعاينوا رب الارباب اذا كانوا يعترفون بانهم لم يعلموا شيئا من ذاته ولا من صفاته وهم يقولون لا يعرفه احد الا بما وصف به نفسه ولم يصف نفسه الا على السن انبيائه عليهم السلم وخير انبيائه وخير خلقه صلى الله عليه واله اتيهم عنه بانه لم يصف نفسه بذلك وانما وصف فعله بذلك كما اخبر به اوصياء نبيه صلى الله عليه واله الذين يعلمون ولا يجهلون ويقولون عن الله ولا ينسون ولا يخطئون ولا يغفلون ولا يغشون معصومون مسددون فقالوا ليس لله ارادة الا احداثه ولما سئل عالمهم عليه السلام لم يزل الله مريدا قال ان المريد لا يكون الا المراد معه لم يزل الله عالما قادرا ثم اراد ه ويقولون عليهم السلام هو لم يسم نفسه بذلك وليس لك ان تسميه بما لم يسم نفسه ويقولون ليس الارادة كالعلم فانك تقول افعل ذلك ان شاء الله ولا تقول افعل ذلك ان علم الله والحاصل لم يرد عنهم ما يوهم قدم الارادة بل كلهم مصرحون بالحدوث وان معناها السابق الذي توهم فيه المتوهم انه ارادة فانه العلم والقدرة والارادة تنشأ عنهما عند المراد وانما قال بقدمها الحسن البصري وعلي بن اسمعيل بن ابي بشر الاشعري ومحمد بن عبد الوهاب القطان والغزالي ومميت الدين بن عربي واضرابهم فيا سوء حال من ائتم بهؤلاء ولم يأتم بائمة الهدى وانوار التقى والعروة الوثقي وايضا يقول الله تعالى العالم بذاته وصفاته وافعاله سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فانت تعرف ايات الله تعالى فيك هل تجد في نفسك انك مريد قبل العزم على الفعل وهل تجد ان ارادتك كعلمك وانت تقول اريد ولا اريد فيما تقدر على ارادته وتتمكن من فعله ولا تقول اعلم ولا اعلم فيما علمت كذلك تقول اراد الله ان يرزق زيدا ولم يرد ان يرزق عمرا فقال تعالى يريد الله ان يخفف عنكم ولم يرد الله ان يطهر قلوبهم ولا تقول علم الله ولا يعلم فيما له ان يعلمه لان نفي العلم نفي الذات ونفي الارادة نفي الفعل لا الذات ولكن اكثرهم لا يعقلون وكلامي هذا كله تنبيه لا استدلال لما اعرف واعتقد ان العاقل الذي يريد الله سبحانه توفيقه للهدي لا يحتاج في هذا الى الارشاد من الخلق لظهور الدليل والمستدل عليه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وقد خرجنا عما نحن فيه ولنرجع الى ما نحن فيه
وقوله ثم اقتضت ذواتها بعد ذلك من نفسها امورا هي عين ما علمها عليه اولا اقول انما اقتضت ذواتها بعد ذلك في الرتبة لان ما يقال هو علم سابق على ما يقال هو معلوم بالذات كما هو متعارف بين المتكلمين ومن في مقامهم والا ففي الحقيقة ان تعينها في علمه بما هي عليه في تكونها في مكانها ووقتها وهذا العلم المتعلق بها في ورقتين من الكتاب الاولى ورقتان عليا وسفلى والثانية بينهما وبيان هذا ان الثانية هي ان علمه بها هو على ما هي عليه في مكانها ووقتها فعلمه بها في هذه الورقة ليس قبلها ولا بعدها ولا غيرها واما الاولى فالعليا قبل تعينها في رتبتها في نفسها وذلك هو وجهها الباقي من علمه مثلا زيد تعين في علمه المساوق لوجوده الذي به هو هو في هذا الوقت وهذا المكان وهو الورقة الثانية المتوسطة بين طرفي الاولي وعلمه بها الذي هو طرف الاولي الأول هو وجه زيد وهذا الوجه باق بمعنى ان زيدا يموت ويكون ترابا وهذا موجود في اللوح المحفوظ حتى يعاد منه كما بدئ منه مثل صورة في ذهنك نقشتها في قرطاس فلما ذهب ما في القرطاس نقشتها في قرطاس اخر من تلك الصورة التي في ذهنك فالذي في ذهنك هو وجه المنقوشة في القرطاس وهو الباقي والهالك هو المنقوشة كل شيء هالك الا وجهه فانه على احد الوجوه الثلاثة في الاية ان الضمير في وجهه يعود الى شيء واليه الاشارة بقوله تعالى حين قال الكافرون أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ يعني حافظ لما نقصته الارض منهم وهذا العلم وان كان سابقا في الذات وفي الدهر لكنه في الزمان وفي الظهور مساوق بل ربما يقال انه مسبوق في الزمان وان كان سابقا في الدهر كما رواه في الكافي في رواية صالح النيلي عن الصادق عليه السلام في حديث الاستطاعة قال عليه السلم ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر وهم في ارادة الله وفي علمه الا يصيروا الى شيء من الخير قلت اراد منهم ان يكفروا قال (ع) ليس هكذا اقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم وليست ارادة حتم وانما هي ارادة اختيار ه اقول في هذا الحديث استشهادان الاول ان هذا العلم السابق في الدهر مسبوق في الزمان وهو قوله عليه السلم ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر الثاني قوله علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم وهو معنى الاول يعني علم في الدهر او في السرمد انهم سيكفرون في الزمان وهذا العلم هو الطرف الاعلى من الورقة الاولى فهو وان كان سابقا لكنه علم بما هو لاحق يعني علم في الدهر او في السرمد على اختلاف القصدين بهم في الزمان حين كفروا فمعنى علم انهم سيكفرون يعني حين كفروا مثاله اذا علمت اليوم قيام زيد غدا فمعناه ان علمك ارتبط بقيامه حين قام غدا ووقع عليه في الغد كما ترى زيدا في مكانه لا في عينك وما في عينك ظله ان كانت الصورة منتزعة ووجهه ان كانت اصلا فافهم فقوله بعد ذلك لا تصح البعدية الا بملاحظة الدهر واما بملاحظة الزمان فمعه او قبله على اعتبار بعض منهم واما الورقة السفلى من الاولى يعني طرفها فهي صغيرة وهي ظل الثانية منتزع منها كما في حديث خلق ادم ووضع انوارهم في صلبه فان النور الموضوع في صلبه نازل من اشباحهم عليهم السلام التي في العرش فلما سأل ادم ربه ان يريه ما وضع في صلبه من الانوار امره ان ينظر الى العرش فانطبع شبح ما في صلبه في العرش فرأي اشباحهم السفلى المنطبعة مما في صلبه لا الاولى التي هي وجه ما في صلبه فانه لا يستطيع النظر اليها والسفلى صغيرة والعليا كبيرة وهما في الدهر وما في الزمان بينهما فهذه الثلاثة المراتب هي علمه تعالى بزيد مثلا والحديث المستدل به على هذه المراتب الثلاث قول علي بن الحسين عليهما السلم قال حدثني ابي عن ابيه عن رسول الله صلى الله عليه واله قال يا عباد الله ان ادم لما رأى النور ساطعا من صلبه اذ كان الله قد نقل اشباحنا من ذروة العرش الى ظهره رأى النور ولم يتبين الاشباح فقال يا رب ما هذه الانوار فقال عز وجل انوار اشباح نقلتهم من اشرف بقاع عرشي الى ظهرك فلذلك امرت الملائكة بالسجود لك اذ كنت وعاء لتلك الاشباح فقال ادم يا رب لو بينتها لي فقال الله عز وجل انظر يا ادم الى ذروة العرش فنظر ادم ووقع نور اشباحنا من ظهر ادم على ذروة العرش فانطبع فيه صور انوار اشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرءاة الصافية فرأى اشباحنا الحديث فالذي رأى آدم هو السفلي والتي وضعت اشباحها في صلبه هي الاولى والذين ظهروا في الدنيا بين الناس صلى الله على محمد واله الطاهرين هو الورقة الثانية المتوسطة بين العليا الكبيرة العظيمة وبين السفلي الصغيرة بالنسبة الى الاولى والثانية فالاولى هو ما قال الله تعالى ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام والثانية شبح الاولى وظاهرها فينا والسفلى شبح الثانية فالذي رأى ادم عليه السلام شبح الشبح ونور النور فلله عز وجل ثلاثة علوم كلية خاصة بكل شخص الورقة الاولى العليا والسفلى وهما في الدهر او السفلي في الدهر والعليا قد تكون في الدهر وهو العلم المستثنى الذي يحيطون به كما تقدم وقد تكون في السرمد وهو العلم الذي لا يحيطون بشيء منه وقد تكون بينهما والاحاطة بينهما والورقة المتوسطة التي هي تعينه بما اقتضته ذاته في مكانه وزمانه وله سبحانه في كل علم من هذه علوم جزئية خاصة باحوال ذلك الشخص من حركته وسكونه ونطقه وسكوته وانفاسه وخطرات نفسه ووساوس صدره وكل شيء منه او عنه او به او له او فيه كل جزئي بما تعين به مما اقتضته نفسه وهو تعالى الخالق لها بقوابلها ومقتضياتها كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وهو العالم بها لانه الخالق لها واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
وقوله امورا هي عين ما علمها عليه اولا اقول انها تقتضي من ذاتها امورا اي قيودا ومشخصات هي عين ما علمها عليه اولا لانه علمها بما اقتضته كما قلنا سابقا لا كما قال لانه لو علمها بغير ما اقتضته ذواتها في اماكنها واوقاتها لم يكن ما اقتضته ذواتها في اماكنها واوقاتها عين ما علمها عليه اولا ولكنه تعالى تعينت في علمه بما علمها عليه مما اقتضته ذواتها في اماكنها واوقاتها فافهم ان كنت تفهم
وقوله فحكم لها ثانيا بما اقتضته وماحكم الا بما علمه اقول هذا الكلام حق لكن ليس على ما قصده لانه على ما قصده باطل ومعناه على الوجه الحق انه تعالى حكم لها اي اوجدها بما اقتضته اي بقابليتها واجابتها له حين سألها وقال لها الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم وامامكم قالوا بلى فمنهم من قالها بلسانه وقلبه وعمل جوارحه عارفا مصدقا مسلما وهم الانبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون والملائكة وعلى اختلاف مراتب اجابتهم خلقهم لان جوابهم ليس في مشهد واحد ولا وقت واحد فخلق كلا في مكان اجابته ووقتها على صورة اجابته وهي صور الطاعات والاعمال الصالحات كلا ان كتاب الابرار لفي عليين ومنهم من اجاب بلسانه وقلبه مكذب منكر مستهزئ ومستكبر فخلقهم ظاهرا بصور المجيبين وهي الصورة الانسانية ظاهرا وخلق بواطنهم من صور الحيوانات والشياطين وفيها يحشرون ظاهرا وباطنا لانهم اذا ماتوا على هذه الاجابة الخبيثة انتزعت منهم الصور الانسانية فحشروا في صور اجابتهم ومشاهدهم واوقاتهم مختلفة كالاولين كلا ان كتاب الفجار لفي سجين ومنهم من اجاب بلسانه غير عارف بما قال فخلق تعالى ظواهرهم على صور الاجابة وهي الصور الانسانية ولم يخلق بواطنهم حتى يكملوا ويبين لهم طريق الحق والباطل في انفسهم ثم يكلفهم ثانيا فمنهم من يجيب ومنهم من ينكر وذلك قد يكون من بعضهم في الدنيا وقد يكون في البرزخ وهو قليل وقد يكون في الاخرة فحكمه لها ثانيا هو خلقها بما اقتضته ذواتها من الاجابة بالاعتقاد في القلوب وقول الالسن واعمال الجوارح وهي قوابلها التي يخلقها بها كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم لا بعلمه وبما اقتضاه فيهم بل بعلمه الذي هو هم وقوابلهم فافهم وقوله وماحكم لها الا بما علمه اقول وما حكم لها الا بما علمه وماعلمه بهم الا ما هم عليه واليه الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلم لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وشرح كلامه عليه السلم فيما قلت لك والله سبحانه ولي التوفيق
قال اصل - قد ظهر من هذه الاصول ان للاشياء كلها حصولا لذاته سبحانه بعد مرتبة علمه بذاته بعدية بالذات والرتبة من غير لزوم كثرة في ذاته بسبب تكثرها لوقوعها على الترتب الذي يجمع الكثرة في وحدة
اقول قوله ان للاشياء حصولا لذاته سبحانه بعد مرتبة علمه بذاته هذا حق لكن هذا الحصول ليس هو غير الحاصلة والا لحصل الحصول بدون الحاصل او قبل الحاصل وحينئذ ان كان الحاصل معلوما فبحصوله وننقل الكلام فيه فيبطل بثبوت الدور او التسلسل او ثبوت الصفة على الاول بدون الموصوف او قبله فلا بد من كون المراد بالحصول الحاصل وعلى اي تقدير فالحصول والحاصل غير الذات الحق فلا يكون هو الذات الحق سبحانه بوجه وقوله من غير لزوم كثرة ان كان بلحاظ انه الكل فيحصل عدم الكثرة بهذا الاعتبار ولكن من كان كذلك ليس باحدى المعنى حقيقة وانما هو احدى المعنى باعتبار وان كان بغير لحاظ انه الكل فاسوء حالا والترتب الذي يجمع الكثرة في وحدة فانما يجمعها باعتبار وما كان كذلك فهو كثير حقيقة فان الشجرة مع تكثرها بالاصل والغصون والاوراق والثمر باعتبار هي واحدة وليست وحدة ربنا كذلك فذرهم وما يفترون واما ان لها حصولا وحضورا وذلك الحصول هو علمه بها فحق ولكن الحصول لم يكن قبلها بل هو معها حين اوجدها وهو قوله عليه السلام فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم فهو البتة حادث بحدوثها فلا يكون قديما باعتبار لان العبارة عن هذا انه ثبت لله بالحاصل في مكانه ووقته وكونه تعالى لم يكن خلوا من ملكه من حيث انه عز وجل لم يفقدها في اماكنها واوقاتها فان اراد بالقدم وكونها ذاته بهذا المعنى او باعتبار كما قال فلم يوجد حادث قط بل كلها قديمة وكلها ذاته كما قال في الكلمات المكنونة كما قلنا عنه سابقا بقوله فصح انه ما احدث شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره وهذا غير ما نحن فيه لانا نتكلم على قواعد الاسلام التي اقر رسول الله صلى الله عليه واله المسلمين عليه وعليه ماتوا وهو الحق من ربهم
قال كما قال ابو نصر الفارابي قدس سره بقوله واجب الوجود مبدأ كل فيض وهو ظاهر على ذاته بذاته فهو الكل من حيث لا كثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر ينال الكل من ذاته فعلمه بالكل بعد ذاته وعلمه بذاته ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل في وحدة
اقول هذا قول امامه الذي يقتدى به ويدين الله تعالى بدينه وهو ان الله مبدأ الاشياء وهو الكل اي كل الاشياء ومنه يستمد الكل اي من ذاته كما قال امامه الثاني مميت الدين ابن عربي في ٱلفصوص :
وغذ خلقه منه تكن روحا وريحانا
فقول الفارابي فهو الكل في وحدة كما قال غيره من اهل التصوف القائلين بوحدة الوجود التي قام الاجماع على تكفير القائل بها وامامنا امير المؤمنين صلوات الله عليه يقول انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله السبيل مسدود والطلب مردود هذا قول امامنا عليه السلام وقول ائمتهم ابن عربي والغزالي والفارابي واضرابهم ما سمعت بانه تعالى هو الكل ويمثلون به تعالى وبخلقه كالحروف من النفس وكالحروف المنقوشة من المداد وكالموج في البحر وكالاعداد من الواحد وكالنار الوارية من الحجر بالزناد وكالثلج من الماء ويقول شاعرهم :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
و امثال هذه من الحاداتهم ومنها قال بعض من يأتم بهم بسيط الحقيقة كل الاشياء ويريد ببسيط الحقيقة هو الله الحق تعالى اي الذات البحت الازلية وقال معطي الشيء ليس فاقدا له ويريد ليس فاقدا له في ذاته كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا فاذا قلنا الله هو بسيط الحقيقة قالوا نعم هو مرادنا فقلت لهم الله كل اهل اصفهان قالوا لا وفي القول الاخر قلت لهم معطي الشيء ليس فاقدا له في ملكه او ذاته قالوا في ذاته فقلت الله سبحانه اعطاني عصاي هذه وهو ليس فاقدا لها في ذاته قالوا لا فقلت فما مرادكم قالوا انها مركبة من وجود وماهية والوجود هو الله تعالى وكذلك جوابهم في القول الاول وكلها قول بوحدة الوجود وهذا مما لا اشكال فيه فقوله فعلمه بالكل بعد ذاته وعلمه بذاته يلزمه ان ما بعد الذات ليس هو الذات والا لاختلفت بالقبلية والبعدية وتجزأت وتغايرت فتكون مركبة فاذا قيل من غير لزوم كثرة في ذاته لم ينف الكثرة بعد اثباتها لان القول ما لم يكن مطابقا للواقع كان كذبا فقوله ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل في وحدة يلزمه ان ذاته كانت وحدها قبل علمه بالكل منفردة فلما حصل علمه بالكل امتزجت به واتحد الكل الذي كان متكثرا بالتدريج وهذه الحال لا يرضاها لنفسه ولا يجوزها لذاته
قال اصل - الان فلنفتش ونفحص هل ذلك الحصول هو بعينه هذا الوجود المشاهد من العالم ام هو حصول اخر غير هذا متقدم على هذا انما يتشابه ويتوسط شيئا فشيئا
اقول قد ذكرنا قبل ان الحصول ان كان غير هذا تسلسل او دار وكذا ان فرض انه غير نفس الحاصل ففحصه وتفتيشه يرجع الى ما قدم
قال فنقول ان العارفين بالامر على ما هو عليه بشهود وعيان لا يشكون في ان هذا هو ذاك من وجه وانه غير ذاك من وجه اخر
اقول العارفون الذين يشير اليهم من هم ان كانوا نحو من ذكرنا فهم كما قال علي عليه السلم كما في الكافي بسنده الى مقرن قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول جاء ابنالكوا الى امير المؤمنين عليه السلام فقال يا امير المؤمنين وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيميهم فقال نحن على الاعراف نعرف انصارنا بسيميهم ونحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ونحن الاعراف يعرفنا الله تعالى يوم القيمة على الصراط فلا يدخل الجنة الا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار الا من انكرنا وانكرناه ان الله تعالى لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا ابوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتي منه فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون فلا سواء من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهب الناس الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر ربها لا نفاد لها ولا انقطاع ه فان من ذهب الى هؤلاء ذهب الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض ولو انه قال بقول ائمتنا ذهب الى عيون صافية تجري بامر ربها فلأجل ذلك سمعت قوله مستندا الى قول الفارابي والى قول كل ضال صابئ على ان هذا الحصول الذي هو علمه بها اذا كان ذا وجهين فيكون في نفسه متعددا ولا تقول انما قال من جهة الاعتبار لان الاعتبار امكان لا يتحقق الا في امكان فكيف يحضر لديه تعالى في الازل كما يقول ولو حضر من الوجه الاعلى لزم ان يكون ذلك الحاضر مركبا من القديم والحادث يحضر بجهة القدم عند القديم في الازل ويتخلف بجهة الحدوث عند الحادث وهذا باطل او يحضر بجهتيه وهو باطل او لا يحضر بحال من الاحوال وهو باطل او يحضر في اماكنها واوقاتها وهو الحق بمعنى ان ذلك الحضور والحصول لم يفقده في ملكه فهو واجد له في رتبته من الامكان فلم يكن في الازل فاقدا لذلك الحضور والحصول في اماكنها واوقاتها وانت تجد في نفسك انك لم تفقد مالك وكتبك في اماكنها مع انها ليست في ذاتك وليس حصولها لك هو ذاتك فيكون عدم حصولها لو تلفت عدما لذاتك لان حصولها صفة لها لا لك ولا يوجد قبلها وكنت انت انت ولم تحصل لك كتب فقوله فيما بعد ليس حصولها له على حد حصولها لنا الخ فيه ان اية ما يدعيه من الحصول السراج واشعته على زعمه وحصول الاشعة للسراج ليس هو ذات السراج بل هو خارج لحصول الشيء من هذه الجهة وليست القيومية لها تجعلها ذات السراج كما توهم ويأتي تمام هذا الكلام
قال وذلك لانهم يعلمون ان حصول الاشياء لله سبحانه وتحققها عنده وحصولها لديه ليس على حد حصولها لنا وتحققها عندنا وحضورها لدينا كيف وحصولها له عز وجل حصول لفاعلها وموجدها ومنشئها ومحدثها ولمن هو محيط بها ويشاهدها على ما هي عليه وحصولها لنا حصول لمن لم يفعلها ولم يحط بها ولم يشاهدها على ما هي عليه
اقول انا لا نعرف ما اجرى عليه افعاله الا بما ضرب لنا من الامثال فلما ضرب لما يشاء من ذلك الامثال نظرنا فيها او في بعضها فلم نجد فيها مجازفة بل لو اجتمعت جميع الخلائق على ان يعثروا على نقص فيما ضرب من المثل ما عثروا على شيء ولكان ما خفي عليهم من اسرار المطابقة اكثر مما علموا بمراتب لا تكاد تحصى فقوله ليس على حد حصولها لنا وتحققها عندنا ليس بصحيح لان من خلقه ما ضربه سبحانه مثلا والمثل بالنسبة الى المخلوقين على اكمل وجه في المطابقة والسراج بالاشعة فان حصولها للسراج حصول لفاعلها وموجدها ومنشئها ومحدثها ولمن هو محيط بها ويشاهدها على ما هي عليه وهذه اية ما ذكره لان الله سبحانه خلق السراج مثلا لذلك ومثله ولكن من عرف حقيقة الحصول بالنسبة الى تحققه لمن هو له تبين له ان الحصول الذي يحصل به العلم بالحاصل لا يفرق فيه بين من اوجد الحاصل له وبين من لم يوجده لان المراد به ثبوته له وهو حاصل لهما وليس المطلوب في تحقق الحصول الاحاطة بكل احوال الحاصل او القيومية له لان فائدة هذا كثرة الحصولات وهو شيء اخر نعم يتوهم في ثبوت الحصول لمنشئه ان الحاصل والحصول فرع عن حقيقة له في ذات الموجد لا تلزم منها المغايرة والكثرة لذات الموجد فبتلك الحقيقة الازلية ثبت له ذلك الحصول من جهة تلك الحقيقة الازلية في الازل لانه تعالى كل الاشياء يقولون هؤلاء ويبنون دينهم على ذلك تبعا لائمتهم ائمة الضلالة واما نحن فنقول انه تعالى واحد احدي المعنى ليس في شيء وليس فيه شيء ولم يلد ولم يولد فليس فيه شيء بالقوة يخرج الى الفعل كما قاله في الكلمات المكنونة ولا انه اصل لخلقه ولا ينتهي اليه الخلق وكل ما سواه فخلقه خلقهم بفعله لا من شيء وحبسهم في الامكان واضطرهم بالحاجة الى مدده فالحصول خلقه من الحاصل وحبسه في سجنه وهو الحاصل والحاصل خلقه في رتبته وحبسه في مكانه ووقته وهو تعالى لم يفقدهم في رتبهم واماكنهم واوقاتهم ولم يجدهم في ازله تعالى فهم حاصلون له في مراتبهم من الامكان والكون حاضرون لديه فيما اقامهم فيه من مراتب الحدث فهو سبحانه الواجد لهم بهم في الحدث على حد قول امير المؤمنين عليه السلم كما في نهج البلاغة لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه فعلمه تعالى القديم هو ذاته لم يقترن بمعلوم بل هو تعالى علم ولا معلوم ظهر بمشيته وبما امكن بها وكون وهذا علمه بها وهو غير ذاته لانه محدث ولم يخل منها ولم يفقدها بها وقد ذكرنا الاشارة الى ذلك والعبارة قد يتصعب فهمها ولا سيما في هذا المقام الذي هو مزلة الاقدام من العلماء الاعلام ولكني اضرب لك المثل الحق وهو الذي كتبه سبحانه في العالم والانفس ليعقله العالمون ويهتدي به الطالبون وهو انك اذا قابلت المرءاة انطبعت فيها صورتك وهي في المرءاة مثال المخلوق المعلوم بحصوله وحضوره وهذه الصورة المنطبعة هي ظل صورتك التي فيك وشبحها ظهرت عنها اي عن صورتك التي قامت بك بالصورة التي في المرءاة يعني انك ظهرت للصورة التي في المرءاة بواسطة صقالتها وهيئتها ومقابلتها التي هي المشخصات لها عن الصورة التي قامت به فالحصول والحضور الذي هو العلم هو حصول : مبتدا " ما في المرءاة بالمشخصات في المرءاة : خبر" فالظهور الذي انطبع من صورتك التي قامت بك في المرءاة منفصل عن صورتك التي قامت بك بمعنى انه يعني الظهور الذي هو مادة ما في المرءاة هو الظل الواقع على المرءاة المنطبع فيها فصورتك التي قامت بك كانت معك وهي كينونتك ولم تكن صورة المرءاة معك مثاله ولله المثل الاعلى وانما التمثيل لاجل التفهيم كان تعالى عالما ولا معلوم مثله كنت بصورتك التي هي انت ولك ومعك ولا صورة في المرءاة فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم مثله فلما حصلت المرءاة المقابلة بلا حجاب وقع ظهور صورتك على الصورة التي في المرءاة فظهور صورتك الحادث عند المقابلة هو مادة الصورة في المرءاة وهيئة الزجاجة وصقالتها ومقابلتها ولونها من الكبر والصغر واعوجاجها واستقامتها ومن قوة الصقالة وضعفها ومن تمام المقابلة وبعضها ومن بياضها وسوادها وغير ذلك هي المشخصات والقيود التي تتم بها القابلية وهي صورتها فتقومت الصورة في المرءاة وتعينت بذلك الظهور وبتلك المشخصات فتعلم صورتك في المرءاة بها وليس شيء غير صورتك التي هي قديمة فيك ولا ظهور معها غيرها ثم حدث الظهور في المرءاة وليس شيء ثالث متوسط او ذو جهتين كما توهم اولئك وليس بينهما ملازمة والا لما انفكت الثانية التي في المرءاة عن الاولى التي فيك فالحصول الذي هو علمك بالصورة التي في المرءاة هو حصولها وهي هو وليس هو الصورة الاولى ولا حصولها لوجودها قبل الثانية ومخالفتها لها فان العلم يجب ان يكون مطابقا للمعلوم ومقترنا به وليس بين الصورتين ولا بين حصوليهما اقتران ولا مشابهة لان المرءاة لو كانت طويلة كالسيف كانت الصورة المنطبعة فيها كهيئته طويلة والصورة التي في الشاخص مستقيمة ولو كانت المرءاة سوداء كانت صورتها سوداء وان كانت الاولى بيضاء والحاصل انها لا تطابق الاولى لان تشخص الثانية ولونها وقدرها ووجودها على حكم المشخصات فلا تكون علما بها وانما العلم بها نفسها وهي غير الاولى فلا تكون الثانية نفس الاولى لا في الواقع ولا نفس الامر ولا في الاعتبار
قال فللاشياء وجهان وجه الى الحق سبحانه وهي من هذا الوجه حاصل له متحقق عنده حاضر لديه في الازل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر ولا متغير باق وبالجملة على ما يناسب ذاته عز وجل وصفاته وافعاله
اقول قد بينا فساد ما ينسب الى ذات الله تعالى بوجه دون وجه لان ما له وجهان فهو حادث ولا يصح نسبته الى الله تعالى الا على قوله ان كل شيء هو الله كما يقولونه انا الله بلا انا فان الحجر مثلا مركب من وجود هو الله ومن ماهية موهومة هي الخلق فيقولون الحجر هو الله بلا حجر تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ولكن هذا مذهب ائمته مميت الدين ابن عربي والغزالي وابن عطاء الله وابو يزيد البسطامي وامثالهم واما مذهب ائمتنا اهل بيت محمد صلى الله عليه واله فهو ما سمعت منا فان الحادث لا يكون ازليا بحال من الاحوال واما قوله جمعيا فهو ما يقوله اهل التصوف من ان جميع ما في الوجود الحادث والقديم هو الله تعالى من حيث ان الكل اذا لوحظ بلحاظ واحد فهو واحد بسيط بخلاف لحاظ الفرق بان يلحظ كل واحد على حدة فانه يكون المتكثر من حيث هو متكثر حادثا وهذا احد مناكرهم ووساوسهم وهم بربهم يعدلون ان الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون فذرهم وما يفترون
قال ووجه آخر الينا وهي من هذا الوجه لم تحصل ولم تتحقق ولم توجد الا فيما لا يزال وجودا متفرقا متكثرا متغيرا نافدا وبالجملة على ما يناسب ذواتنا
هذا الوجه هو الامر الواقع واما الوجه الاول فهو ان كان حاصلا قبلها فهذا الحصول ليس حصولا لها لان الحصول صفة لها لا يوجد قبلها وانما يوجد معها فوجودها اذا كان تدريجيا فالحصول تدريجي كل ما وجد شيء حصل وان كان دفعيا حصل حصولها دفعة ومعلوم بالضرورة انها لم توجد دفعة نعم حصولها الامكاني دفعة وان كان الامكان لها في نفسه مترتبا فان من الاشياء ما امكانه متوقف على امكان غيره كتوقف امكان المعلول على امكان علته ولكنه يطلق عليه الدفعة للطافة شروطه وعلى اي فرض كان فكل الامكان خارج عن الازل لانه لازم فعله واما لحاظ حصولها له تعالى دفعة وان تعاقبت في انفسها فهو مدخول لان حصولها دفعة له في اماكنها واوقاتها ولما لم يكن عنده تعالى ماض ولا مستقبل كان وجدانها له دفعة الا انها في الحدوث وانت وان لم تلاحظ تكثرها وامتدادها فيما لا يزال ولكن تقول في اولها بل في علة اولها وهي فعله تعالى لم تكن حاصلا له في الازل لان فعله ليس في الازل فهذا الحصول الذي يدعيه هل هو حصولها له تعالى او حصوله تعالى لنفسه فان كان حصوله لنفسه فلا شك انه في الازل لان نفسه في الازل اي هي الازل وان كان حصولها له فحصولها ذاته وان كان حصولها ذاته كانت ذاته حصول الاشياء وان كان غير ذاته كان معه في ازله غيره وعند ائمتنا عليهم السلام ليس معه غيره في الازل لان الازل ذاته والا اختلفت ذاته وعندهم لا يضر استنادا الى الحكم الجمعي والله سبحانه سيجزيهم وصفهم
قال فالوجود واحد والوجه اثنان واليه اشير بقوله عز وجل ما عندكم ينفد وما عند الله باق وبقوله سبحانه كل شيء هالك الا وجهه اي حقيقته التي منه عند ربه
اقول هذا الكلام كسابقه يسقى بماء واحد فان الوجود الذي له وجهان لا يكون ازليا ولا يلائم الازلي واما ما في الاية فمعنى التأويل ان كل ما عندكم ينفد لا ان الوجه من الذي عندنا ينفد والاعلى باق وهذا لا يكون الا في المركب وما يجري عليه التركيب لا يكون باقيا الا على تلك الدعوى ان كل شيء هو الله تعالى باعتبار وهذه لا تجري على قواعد المسلمين ومثله قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه اي وجه ذلك الشيء الهالك وهذا ثالث الوجوه في الاية والمعنى في التصور حق ولكن الكلام في التصديق ومعنى تأويل الاية ليس على ما يذهب بل معناه ان المستثنى هو ما في اللوح المحفوظ منا فان الله سبحانه خلقنا منه كل شخص من صورته التي في اللوح المحفوظ والشخص يفني وتلك الصورة باقية الى ان يخلق منها كما خلق اول مرة وهو ما رواه ابن ابيجمهور الاحسائي في كتابه المجلي عن النبي صلى الله عليه واله قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وهو رمز اللوح المحفوظ كما هو معروف عند اهله والدليل على ان الوجه المستثني في الاية من الهلاك اي الفناء هو ما في اللوح المحفوظ قوله تعالى حين قال الكافرون ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد قال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ والكتاب الحفيظ والمراد به اللوح المحفوظ هو العلم المذكور في الاية لانه باب ظاهر من العلم كما قال الصادق عليه السلام في رواية حنان بن سدير قال عليه السلام في صفة العرش والكرسي الى ان قال ثم العرش منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الاشياء كلها الى ان قال فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلم اغيب من علم الكرسي الحديث وهو طويل والمراد بالكرسي اللوح وبالعرش القلم وهذا مما لا ريب فيه ولان قوله تعالى وعندنا كتاب حفيظ بيان لقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم وقوله حقيقته التي منه عند ربه هو ما قلنا عليه لان حقيقة الشيء الهالك لا تكون قديمة وانما المراد ان تلك الحقيقة في اللوح المحفوظ باقية حتى يعاد منها فافهم
قال ولما كان الله سبحانه محيطا بنا وهو معنا اينما كنا بل هو اقرب الينا منا فهو يشاهد الاشياء بهذا الوجه الذي نشاهدها بعينه ايضا بعين مشاهدتنا اياها فاذا لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين
اقول هو معنا بذاته ام بعلمه الذي هو ظهوره بنا لنا فان قال هو معنا بذاته يجب ان يكون معية حقيقية نعرفها وذلك مقتض للمشابهة لمشاركته معنا في الحلول والاجتماع والافتراق وغير ذلك وان كانت حقيقية لا يعرفها الا اهل العصمة صلى الله عليهم او لا يعرفها الا الله فليس له ان يصفها بان يقول فهو يشاهد الاشياء بهذا الوجه الذي نشاهدها بعينه لان هذا وصف الادراك ولا يجوز فيما لم يعرفه الا الله وان كانت معية نعرفها فلا تكون تلك المشاهدة والمعية ازلية لان الازلي لا يدركه الحادث ولا يصفه بذاته الازلية وان قال انه تعالى يشاهدها بعين مشاهدتنا اياها فحسن ولكن هذه المشاهدة لا تكون ازلية وعندهم تكون ازلية ولذا يقول شاعرهم :
اذا رام عاشقها نظرة ولم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رءاها به فكان البصير بها طرفها
فيجعلون نظرهم يدرك القديم لانهم ينظرون بعينه وينظر هو الحادث بعين منهم ويستشهدون بقول الشاعر :
رأت قمر السماء فذكرتني ليالي وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
ولو ارادوا ان له نظرا حادثا يهبه من يشاء من عباده فيعرفه به معرفة استدلال عليه لا معرفة تكشف عن كنهه لكان صحيحا ولو ارادوا انه تعالى يرانا بنا رؤية لا تكون ازلية بحال لكان صحيحا واما احاطته تعالى بها الاحاطة التي يتفرع عليها انه يشاهد الاشياء بعين مشاهدتنا اياها فهذا واقع ولكن هذه الاحاطة وهذه المشاهدة حادثتان لا قديمتان لانهما لم يوجدا قبل الاشياء واما ان لكل منها وجهين الوجه الاعلى له تعالى وهو ازلي والوجه الاسفل لها وهو حادث فباطل كما بينا قبل ان ما يجامع التركيب لا يكون ازليا ولا يجامع الازلي واما انه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة الى اخر الاية فصحيح ولكنه تعالى قال الا في كتاب مبين وهو العلم المذكور في الاية فافهم وان كان قلبك فارغا من الشبه السابقة المستقرة فلا شك انك تفهم
قال فمناط علمه سبحانه بالاشياء ليس الا ذواتها الموجودة في الاعيان لا صور اخرى غيرها قائمة بذواتها او بذاته عز وجل او بالجواهر العقلية او صور ثابتة غير موجودة ولا معدومة او غير ذلك كما ظن كلا منها طائفة
اقول هذا الكلام وحده مع قطع النظر عن تفريعه على ما مضى او تقديمه وتمهيده لما يأتي حق الا انه مجمل يحتاج الى تفصيل ومن التزامي بعدم الاستقصاء في شرح كلامه اشير اليه مختصرا وهو ان وجوداتها علمه بها في اماكنها واوقاتها ولها صور قائمة بالجواهر النفسية هي علمه تعالى بنفس هذه الصور وهذه الصور قسمان صور اصلية هي وجوه الموجودة في الاعيان كما في اللوح المحفوظ وصور منتزعة من الموجودة في الاعيان وهي ما في الالواح الجزئية المتأخرة وكل واحد منهما علم له تعالى بنفس تلك الصورة يعني كل صورة علم له تعالى بها من حيث هي ذات الموجود في الاعيان او صفته ولها معان اصلية كذلك في القلم اي عقل الكل ومعان انتزاعية في العقول الجزئية كذلك اي كما قلنا في الصور ولها امكانات ثابتة كلية غير متناهية التنوع تلبس من صور الاكوان ما شاء الله تعالى وهذه الامكانات شاء الله امكانها ولم يشأ كونها فهي في الخزانة الكبري الذي هو العمق الاكبر وربما يطلق عليها العدم باعتبار عدم كونها والوجود باعتبار امكانها قال تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فعن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الاية انه قال كان مذكورا في العلم ولم يكن مذكورا في الخلق ه ومراده عليه السلم بالعلم الامكاني الذي ذكرناه سابقا وعن الباقر عليه السلام كان شيئا ولم يكن مكونا وفي خبر اخر كان شيئا مقدرا ولم يكن مكونا وفي الكافي عن مالك الجهني قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل اولم ير الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا قال فقال لا مقدرا ولا مكونا قال وسألته عن قول الله هل اتى على الانسان الاية قال مقدرا غير مذكور ه فقد ذكرنا العلمين السابقين الاول الامكاني وفيه امكانه فيصح ولم يك شيئا يعني مكونا وفي الثاني الكون وقد تقدم الكلام فيهما واما في ذاته فلا ذكر لها بحال فهو الذاكر ولا مذكور نعم يذكرها بما هي عليه فيما هي فيه وهذا هو ذكره بها لم يكن قبلها فهو حادث بحدوثها لانه هو هي
قال وكما انه عز وجل لا يحتاج في ايجاد الاشياء الى اصل ومثال يوجدها منهما على طبقهما بل هو المبدع اياها لا من شيء كذلك لا يحتاج في علمه بها الى صور اخرى غيرها يعلمها بها
اقول الحكمان صحيحان وهما انه لا يحتاج في الايجاد الى مثال وانه لا يحتاج في علمه بها الى غيرها والتنظير ليس بشيء لانه يريد ان يجعل احدهما منشأ للثاني مع انهما متغايران كل اجنبي من الاخر
قال ونحن نحتاج في ادراكنا لبعض الاشياء الى حصول صور لها في ذواتنا لغيبتها عنا وانفصالها منا ومع ذلك فلانعلم تلك الاشياء الا بالعرض وليس معلومنا بالذات الا الصور التي في ذواتنا
اقول هذا الكلام غير منقح وقد ذكرنا سابقا ما يكشف عن حقيقة الواقع منه ونشير الى بعض الذكر وهو انا اذا حضر الشخص علمناه به بحضوره وحصوله من غير صورة عندنا منه فاذا غاب انطبعت صورته ومثاله في خيالنا فمعلومنا هو المثال الذي في خيالنا خاصة الذي انتزعه خيالنا من حاله حين حضوره ويبقى المثال مرتسما في اذهاننا متقوم الوجود والبقاء بما ارتسم من تلك الحال الخاصة حالة الحضور في ورقة من اللوح المحفوظ وذلك الشخص لما غاب انمحت حالته الزمانية الخاصة وبقيت الدهرية الخاصة فعندنا مثاله في حاله حين الحضور عندنا في ذلك المكان وذلك الوقت بعد ارتفاعهما الى الدهر وهذا المثال في المكان والوقت الدهريين او البرزخيين هو علمنا بتلك الحالة الخاصة من ذلك الشخص وربما مات ذلك الشخص او قام او نام ولا نعلم شيئا من ذلك الشخص ولا شيئا من احواله وامثلته المتجددة بعد ما غاب عنا فلسنا نعلمه في غيبته حقيقة لا بالذات ولا بالعرض ولو كنا نعلمه حين غيبته لكان اذا قتل انتقش في اذهاننا الحال المتجددة له فافهم فاني لا يسعني البسط الكثير في كل شيء والترديد والتكرار اكثر من هذا لاجل ضيق وقتي وتشوش خاطري
قال واما الله سبحانه فلا يغيب عنه شيء لانه فاعل لكل شيء قاهر فوق كل شيء رقيب على كل شيء
اقول المعنى صحيح والتعبير غير صريح لان العبارة البالغة في هذا ان يقال فلا يغيب عنه لان كل شيء انما قام بامره وعلة وجوده صدوره من فعله فهو ابدا قائم بفعله تعالى وهو بحضوره عنده قيام صدور فلو غاب خرج عن الوجود والامكان واما قوله رقيب على كل شيء فهو يؤدي هذا المعنى الا ان التعليل بانه قائم بفعله قيام صدور اوضح واخص بهذا المعنى واعم لكل معنى
قال وفعله علمه وعلمه فعله يفعله معلوما ويعلمه مفعولا وعلمه بصره وبصره علمه
اقول فعله علمه الحادث الذي ماحصل الا في الامكان فلا يكون ذاته على مذهب ائمتنا عليه السلام (كذا) وكذلك علمه الذي هو فعله قوله يفعله معلوما عندنا معناه يفعله معلوما حال كونه حادثا مغايرا لذاته ويعلمه مفعولا حال كونه حادثا مغايرا لذاته وعلى مذهب ائمته فعله علمه الذي هو ذاته وعلمه الذي هو ذاته فعله وفعله في العبارتين ذاته يفعله حال كونه قديما غير مغاير لذاته ويعلمه مفعولا حال كونه عين ذاته واما قوله وعلمه بصره وبصره علمه فهو حق لان العلم في حق الذات الحق عين البصر وغيره من الصفات الذاتية وبالعكس
قال ولو كان علمه بالاشياء بالصور لماكان وجوداتها العينية معلومة له الا بالعرض مع انه فاعل لها بوجوداتها العينية
اقول قد تقدم تحقيق هذه المسئلة وان قوله فلا نعلم تلك الاشياء الا بالعرض ليس على ما ينبغي
قال والعلم بالفاعل يستلزم العلم بمفعوله على النحو الذي هو مفعول لا على نحو اخر
اقول العلم بالفاعل من حيث كونه فاعلا بفعله لمفعوله بالفعل يستلزم العلم بمفعوله لا مطلقا لجواز ان يكون العلم بالفاعل من حيث كونه فاعلا مطلقا ولجواز ان يكون من حيث كونه من شأنه ذلك وما بالقوة في مطلق فاعل لا يستلزم خصوص فعل بالفعل او فعل على وجه خاص
قال ان قيل اليس مدار العلم عند اهل العلم على التجريد عن المادة فكيف يصير الاشخاص الجسمانية معلومة بانفسها لا بصورها المنتزعة عن موادها قلنا ذلك انما يكون في الاشياء التي لم يتحقق للعالم بالاضافة اليها علاقة ايجادية وتسلط فاعلي قهري واشراق نوري من غير احتجاب كما اشار اليه بعضهم بقوله ان الشيء المادي والزماني بالنسبة الى المبادي غير مادي ولا زماني يعني به ارتفاع اثر المادة والزمان عنه وهو الخفاء والغيبة
اقول قد اشرنا سابقا ان العلم ليس مداره على ذلك وانما العلم دائر مدار ما يوجب الاطلاع على المعلوم من جهة معلوميته فيعلم العالم الشيء بنفس ذلك الشيء من غير اعتبار شيء اخر فان زيدا اذا حضر علمنا به من غير صورة عندنا في خيالنا بل بصورته التي هي مقومة لمادته الجسمانية كما نعلمه بصورته الانتزاعية اذا غاب عنا بل علمنا به في حضوره اقوى من علمنا به في غيبته بصورته لان ما في خيالنا من صورته اذا غاب عنا انما هو شبح صورته ومثالها والمثال والشبح ظل وذو الظل اقوى من الظل ولا سيما على قوله ان العلم بالصورة علم بالعرض وهو معلوم غير خفي على من له ادنى مسكة بالعلم اذا لم تسبق الشبهة الى عقله فتغير خلق الله التي فطر الله الخلق عليها ولا يحتاج في علمه بنفسه عند حصوله وحضوره الى كون العالم محدثا له والوجدان شاهد به وما ذكره هو وما استشهد به من قول بعضهم لا مدخل له في تحقق العلم بالمادي نعم هو علم اول بالعلة وحضور المعلوم علم به نفسه
قال فصل - فقد ثبت وتبين ان الله سبحانه عالم بالموجودات كلها في الازل على ما هي عليه فيما لا يزال علما ثابتا لا يتغير بتغير المعلوم ولا يتفاوت بحدوث وجودات الاشياء فيما لا يزال بعد فقدانها في الازل على ما هي عليه عندنا
اقول هو عز وجل في ذاته الذي هو الازل عالم لم يحتمل زيادة علم بما يحدث فيما لا يزال مع ان وقوع العلم على ما يحدث انما يكون بعد حدوثه لان ما يحتمل الزيادة يحتمل النقصان ولا نعني بعلمه في الازل شيئا زائدا على ذاته ولا يتجدد له شيء في ذاته فهو عالم في الازل ولا معلوم له في الازل غيره واما ما سواه فهو معلوم له في الحدث بمعنى ان ذاته عالم في الازل بها في الحدث لان قولنا بها جهة الارتباط والاقتران ووقوع العلم على المعلوم وكل ذلك في الخلق فقوله على ما هي عليه فيما لا يزال يريد به انها بما هي عليه فيما لا يزال في الازل عنده على نحو لا يلزم منه التكثر كما تقدم في علمه بحيث لا يتغير ذلك العلم الازلي بتغيرها في مراتبها من الحدوث وهذا هو معنى ما يقولون ان بسيط الحقيقة كل الاشياء فانهم يريدون ان الاشياء في الازل بنحو اشرف بمعنى حصولها في ذاته حصولا جمعيا وحدانيا لا تكثر فيه وقد سمعت نقضه فيما تقدم مرارا لان الذات المقدسة ذاكرة ولا مذكور سواها لها في الازل لانا نقول ان قلتم انه تعالى ذاكر ولا مذكور سواه هناك بطل قولكم هو في ذاته كل الاشياء وانها في علمه وان علمه محيط بها في الازل لانه تعالى هل هو في ذاته ذاكر لشيء سواه هنالك ام لا فان كان ذاكرا سواه في الازل فقد تكثر وان لم يذكر سواه فهل تذكرون انتم فيه ما لا يذكره في ذاته لاني اريد انه يعلم ان معه غيره في ذاته يكون لذلك الغير اعتبار ما يتميز به عنه تعالى بوجه ما من نسبة او ارتباط او تعلق غير ما هو ذاته تعالى فان اثبتم انه يعلم بذلك في ذاته فقد كثرتموه وجزأتموه وان لم يعلم فليس لكم ان تثبتوا له ما لا يعلمه ونحن نقول هو عالم في الازل بذاته ولا معلوم سواه ثم ويعلم في الازل بالاشياء في الحدث فليس بسيط الحقيقة كل الاشياء بل بسيط الحقيقة لا شيء غيره ومعطي الشيء ليس فاقدا له في ملكه وهو فاقد له في ذاته لانه لم يلد ولم يولد ولو اعطاك مما في ذاته بكل اعتبار وعلى اي فرض لزم انه خرج منه ما كان فيه وكانت له حالتان وصدق عليه انه يلد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقوله بعد فقدانها في الازل على ما هي عليه عندنا يعني انه تعالى عالم بحدوث وجوداتها بعد ما كانت مفقودة لانه يفقدها على ما هي عليه عندنا ويجدها على ما هي عليه عندنا كما يأتي في كلامه بعد هذا ويريد انه يعلمها على ما يناسب علمه على ما هي عليه عندنا يعني بوجوهها العليا ولا يعلمها هناك كما نعلمها نحن يعني بوجوهها السفلي كما ذكر قبل ويلزمه انه في الازل لا يعلم علمنا بها على ما يناسب علمنا لانه يفقد هذا فاقول لاي شيء لا يعلم علمنا بها ان كان لانه نمط الحادث فاي فرق بين علمنا بها وبينها على ما هي عليه عندنا فان كان يعلمها على ما هي عليه عندنا يعلم علمنا بها على ما هي عليه عندنا فان كان بوجه فبوجه وان كان مطلقا فمطلقا وان كان لا يعلم علمنا بها على ما هي عليه عندنا لا يعلمها على ما هي عليه عندنا والا لزم ان يعلم بعضا من المتساوي دون بعض او يعلم بعض الاشياء دون بعض اذا فرض الاختلاف وعلى اي فرض لا يصح الفقدان او لا يصح الوجدان
قال وذلك لانه لا ينافي فقدانها في الازل على ما هي عليه عندنا علمه عز وجل بها في الازل على ما هي عليه عندنا لانه انما يعلمها في الازل بوجوهها التي عنده وبجميع احوالها الثابتة لها في نفس الامر ومن جملة احوالها الثابتة في نفس الامر انها بوجوهها التي عند انفسها فيما لا يزال دون ان تكون في الازل
اقول يريد انه يفقدها في الازل على ما هي عليه عندنا بمعنى ان وجوهها السفلي وان كان محيطا بها فيما لا يزال لكنها ليست عنده في الازل كما هي عندنا متمايزة متخالفة ولا ينافي هذا علمه بها في الازل على ما هي عليه عندنا بلحاظ الوحدة فهي بلحاظ الوحدة في الازل وبلحاظ الكثرة لا تكون في الازل بل يفقدها فيه فباللحاظ الاول سواء كانت في الازل بوجوهها وحقائقها المتأصلة ام فيما لا يزال هي موجودة في الازل لله تعالى وجودا جمعيا وحدانيا وباللحاظ الثاني لم تكن في الازل وقد بينا بطلان هذه فيما تقدم كلها لانه اذا قال بوجوهها فقد اثبت في الله تعالى غيره لان تلك الوجوه وجوه الحادثات وفي هذا كفاية في منع كونها في الازل فاذا كانت الوجوه لها ويجوز عنده ان تكون وجوداتها في الازل بحكم الجمعي الوحداني فينبغي الا يفقد شيئا من الازل سواء كان كما هي عندنا ام كما هي عنده كما صرح به في قوله الاتي بمعنى ان وجوداتها اللا يزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل وبعد ان اثبت لها وجهين وجه الى الله تعالى في الازل وهو المجامع للازل من غير تغاير ووجه الينا وهي من هذا الوجه لم تحصل ولم تتحقق ولم توجد الا فيما لا يزال وجودا متفرقا متكثرا متغيرا نافدا ثم استشهد بقوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق قال فيما بعد ما نحن بصدده من كلامه بنفي كونها موجودة في الازل لانفسها بالا يكون الازل ظرفا لوجوداتها ثم استثنى انها موجودة في الازل لله تعالى في الازل وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير بمعنى ان وجوداتها اللا يزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل وملخص كلامه الاتي انها اذا كانت متمايزة لم تكن في الازل ولم تدخل في علمه لانه قال يفقدها في الازل وان كانت ذائبة كانت هي ذاته بحكم الجمع وستسمع التنافي والاختلاف في كلامه المبني على وحدة الوجود
قال وذلك لاحاطته عز وجل في الازل بما لا يزال وما فيه كاحاطته بالازل وما فيه فانه محيط بجميع الازمنة والامكنة وما فيها من الزمانيات والمكانيات كما انه محيط بما خرج عنها
اقول جعل احاطته تعالى بجميع الازمنة والامكنة وما فيها كاحاطته بالازل ومعلوم ان احاطته بالازل بذاته بلا مغايرة بين المحيط والمحاط به فتكون احاطته بالزمانيات والمكانيات كذلك بغير مغايرة بينهما وهذا وحدة الوجود التي نقول ان كل كلامه مبني على القول بها ومع هذا فقد حكم قبل هذا بانه في الازل فاقد لها من حيث تكثرها وواجد لها في الازل بالحكم الجمعي فاذا كان فاقدا لها بالحكم الفرقي فكيف يحيط بجميع الازمنة والامكنة وما فيهما كما يحيط بما في الازل فما الذي فقد وما الذي وجد فان وجد الذائب منها وفقد الجامد منها كما ذكر قبل لم يكن محيطا بجميع الازمنة والامكنة وما فيهما والا لم يفقد وان فقد لم يجد
قال فان قلت انها لم تكن موجودة في الازل فكيف احاط بها في الازل قلت انها وان لم تكن موجودة في الازل لانفسها وبقياس بعضها الى بعض على ان يكون الازل ظرفا لوجوداتها كذلك الا انها موجودة فيه لله سبحانه وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير بمعنى ان وجوداتها اللا يزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل كذلك
اقول كلامه هذا هو ما ذكرت لك ان عنده ان كونها جامدة اي متمايزة غير حاصل في الازل وكونها غير جامدة حاصل في الازل وهذا ينافي قوله انه محيط بالازمنة والامكنة بجميعهما وما فيهما كاحاطته بما في الازل فان اراد خصوص الذائبة بالحكم الجمعي كان الجامدة بالحكم الفرقي غير محاط بها وتكريره لهذه المعاني واتفاقها في حال واختلافها في حال علامة المتكلف وقد ذكرت لك ادلة وامثالا فاعتبرها تهتد الصراط المستقيم وانا الأن اضرب لك مثلا ضربه الله مثلا لما نحن فيه وخلقه آية دالة على الحق وهو قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وهو ان السراج آية من الله تعالى يدلك على الحق فان النار التي هي الحرارة واليبوسة غيب فيه ومثال النار الذي لا فرق بينه وبينها الا انه حادث عنها هو الشعلة المرئية فانها هي اسم الفاعل والظاهر بتأثيراته والفاعل هو النار وهذه الشعلة التي هي المثال هي في الاصل دهن احترق وتكلس حتى صار بحرارة فعل النار ويبوستها دخانا فانفعل ذلك الدخان بمس النار الذي هو فعلها بالاستضاءة فالمرئي هو الدخان المنفعل عن فعل النار بالاستضاءة والاشعة المنبسطة منها هي محدثاتها كل جزء في رتبته فالنار الغيب لم تكن فاقدة لنفسها ولا للشعلة المرئية التي هي مثالها ولا للاشعة المنتشرة في كل البيت وكل واحد منها انما تقوم وجوده وكان شيئا بالنار بامرها فهي محيطة بذاتها وفعلها وبجميع ما حدث عن فعلها لا يعزب عنها مثقال ذرة منها بل كل شيء منها وضعته في مقامه الا انها محيطة لذاتها بذاتها وبفعلها بنفسه لا بذاتها والا لكان ذاتها والذات البسيطة المحضة لم تختلف فلا يصدر بعضها عن بعض لان هذا شأن المتعدد المختلف وهذه المرئية انما صدرت عن فعلها وتحيط بجميع الاشعة بنفسها بواسطة الشعلة لا بذاتها اي النار لان الاشعة انما تنتهي الى الشعلة لا الى النار والاشعة في مراتبها التي وضعتها النار بفعلها فيها لا في النار ولا في فعلها ولا في مثالها المرئي مع انها احاطت بالاشعة وليست الاشعة في رتبة النار ولا النار في رتبة الاشعة ولا معها في رتبتها بالذات وانما هي مع الاشعة بظهورها بها يعني بظهورها اي بمسها للدهن المنفعل بالاضاءة بمسها الظاهر عن النار بالاشعة فالمرئي مثال النار لا نفس النار فان النار غيب في هذا المرئي وكما تحكم بان النار محيطة بجميع اثارها كل واحد في رتبته من غير ان يكون في رتبة النار ومن غير ان يكون للاشعة وجه الى نفس النار الغيب مجامع لها ومتحد معها من غير تغاير بالحكم الجمعي بل ليس لشيء من الاشعة في النار الغيب ذكر ولا وجه ولا اصل ولا حقيقة وانما وجه الاشعة وذكرها واصلها وحقيقتها كلها منته الى نفس ظاهر الشعلة المرئي وهو الدخان المنفعل عن مس النار اي فعلها بالاستضاءة فالاشعة بجميع ما لها وينسب اليها راجعة الى الاستضاءة التي هي باب النار ومثالها في عبادها التي هي الاشعة والاستضاءة حصل من الدخان الذي كان دهنا وليس من النار في شيء بل هو اجنبي منها فكلسته بفعلها حتى جعلته دخانا قابلا للاستضاءة عند فعل النار فيه وهو المس في قوله تعالى ولو لم تمسسه نار والدليل على ان المستضيء هو الدخان الذي كان اصله الدهن قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار لشدة قابليته للاضاءة لكنه لم يضئ الا عند مس النار فكان مصنوع النار هو علة اشعتها ومبدؤها واليه تنتهي الاشعة وهو قول امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله السبيل مسدود والطلب مردود ه فتفهم المثال فانه مما قال الله وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون فليس في الازل الا الله سبحانه لان الازل هو ذاته تعالى وهو يعلم ذاته بذاته ويعلم فعله بفعله نفسه وفعله في المثال هي الحرارة واليبوسة اللذان هما العرض لا اللذان هما الجوهر لان اللذين هما الجوهر هي النار الغيب وان اتحد الاسم كما تطلق الشمس على الكوكب المضيء وعلى شعاعه والمرئي الذي هو الدهن الكائن دخانا ومس فعل النار هو السراج المركب منهما وهو آية وجه الله وبابه والمثل الاعلى والاشعة اية سائر المخلوقات والى هذا كله اشار زينالعابدين عليه السلام في دعائه الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك وهذا اية الله سبحانه في الافاق فتأملها حتى يتبين لك ودع عنك وساوس الصوفية واوهامهم وتمويهاتهم واقتد بائمتك ائمة الهدى محمد واله صلى الله عليه واله يهدك الله الى الحق والى طريق مستقيم
قال وهذا كما ان الموجودات الذهنية موجودة في الخارج اذا قيدت بقيامها بالذهن واذا اطلقت من هذا القيد فلا وجود لها الا في الذهن
اقول ان الموجودات الذهنية اظلة واشباح انتزعها الذهن بمرءاته من الخارجي لما قابله سواء قابل صورته المادية بواسطة حاسة البصر ام صورته التي في عليين ام التي في سجين فلما قابله بمرءاته انطبع فيها صورته المنفصلة التي هي ظهور صورته المتصلة اللازمة له ولم تكن الموجودات الذهنية موجودة في الخارج لانها منفصلة عنها وان كانت موجودة بها لانها مثالها وظلها فالموجودات الذهنية لم توجد الا في الذهن لانها مركبة من مادة هي ظهور الخارجي للذهن ومقابلته له بصورته اللازمة له ظهورا منفصلا عن الصورة اللازمة لا بمعنى استقلالها بدون اللازمة بل بمعنى مغايرتها لها وان كانت قائمة بها قيام صدور ومن صورة هي هيئة الخيال الذي هو مرءاة الغيب ولونه وقدره وقوله موجودة في الخارج الخ الموجودات الذهنية لم تكن موجودة في الخارج قيدت ام لم تقيد لان الموجود في الخارج اما الذوات او الاجسام والصور المتقومة بها لا بالذهن واما ما في الذهن فهي صور انتزاعية متقومة بما في الخارجية من الصور فالذهنية لا توجد الا في الذهن الا على رأي الصوفية القائلين بان ما في هذا العالم فرع عما في الخيال وذلك هو الاصل واما على ما هو الواقع فما في ذهن علة الوجود فهو علة لما في الخارج وما في غير ذهن علة الوجود فهو ظل للخارج منتزع منه فاذا فهمت بيان ما ذكرنا لك ظهر لك بطلان تنظيره من ان الاشياء مفقودة في الازل اذا لوحظ قيامها بفعله الذي هو من الازل لانها حينئذ مغايرة للازل واذا اطلقت من هذا اللحاظ لم تكن موجودة الا في الازل لعدم موجب المغايرة وهو عدم قيامها بشيء غير الازل كالموجودات الذهنية اذا لوحظ قيامها في الخارج بالذهن لانه اصلها واذا اطلقت من هذا اللحاظ استقل بها الذهن وقد بينا لك بطلانه
قال فالازل يسع القديم والحادث والازمنة وما فيها وما خرج منها وليس الازل كالزمان واجزائه محصورا مضيقا يغيب بعضه عن بعض ويتقدم جزء ويتأخر آخر فان الحصر والضيق والغيبة من خواص الزمان والمكان وما يتعلق بهما
اقول قوله فالازل يسع القديم والحادث الخ صحيح الا انه ليس على ما قرر بل الازل سبحانه يسع ذاته وغيره على نحو ما ضرب من المثل الحق وهو السراج فان السراج يسع نفسه واشعته بمعنى انه يسعها بنفسها لانها فعله لما شاء وبوجهه الذي هو الشعلة فاذا قيل ان الازل يسع كل شيء كما ذكر لا يراد في القول الحق انه يسع كل ما سواه بذاته من غير شيء من العلل والاسباب لانه يلزم ان يكون ما سواه مساوقا له او محاطا به او عارضا عليه ولا يجوز عليه شيء من هذه الامور الثلاثة فاذا امتنعت هذه الامور الثلاثة بقي انه اما ان لا يحيط بما سواه او يحيط به بنفسه اي نفس المحاط به او بعلته التي تقوم بها تقوم صدور ولا سبيل الى الاول فان قلت هذا الذي ذكرت من الحصر العقلي حكم الحوادث واما القديم سبحانه فلا تدركه العقول فلا تحصر جهات ذاته قلت هذا صحيح ولكن يلزمك الا تكيف علمه تعالى الذي هو عين ذاته ولا تصفه كما لا نصف ذاته لانه ذاته فان قلت قد ثبت بالدليل العقلي والنقلي انه عالم بذاته وبالاشياء فلا بد في معرفة ذلك من التوصيف قلت يكفيك العلم بكونه عالما لقيام الادلة على ذلك ولم تقم على التمييز والتوصيف فعليك الامساك عن ذلك وان الى ربك المنتهى فان قلت انت ايضا يلزمك عدم التبيين وعدم التعيين قلت انا ما بينت ولا عينت وانما وصفت الله تعالى بما وصف به نفسه وهذا هو المطلوب منا فان قلت اين ما تدعيه قلت انه وصف نفسه لنا على السنة اوليائه الذين امرنا بتصديقهم واتباعهم والاخذ عنهم والاقتداء بهم وهم عليهم السلام بما سمعت قال عليه السلام كما تقدم كان الله عز وجل ربنا عالما والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم الحديث وقد تقدم الحديث وبيانه وانه تعالى قد ضرب لنا الامثال في كتابه فقال سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم وقال وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال وفي انفسكم افلا تبصرون وقال وتلك الامثال نضربها للناس ومايعقلها الا العالمون وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك ه فلما نظرنا في الامثال التي ضربها لنا لنعلم وجدناها كما ذكرت لك متفقة ومن اظهرها بيانا فيما نحن فيه واجلاها كتابة السراج كما ذكرنا لك
قال والازل عبارة عن اللازمان السابق على الزمان سبقا غير زماني وليس بين الله سبحانه وبين العالم بعد مقدر لانه ان كان موجودا يكون من العالم والا لم يكن شيئا ولا ينسب احدهما الى الاخر بقبلية ولا بعدية ولا معية لانتفاء الزمان عن الحق وعن ابتداء العالم فسقط السؤال بمتى عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحق تعالى لان متى سؤال عن الزمان ولا زمان قبل العالم فليس الا وجود بحت خالص ليس من العدم وهو وجود الحق ووجود من العدم وهو وجود العالم فالعالم حادث في غير زمان وانما يتعسر فهم ذلك على الاكثرين لتوهمهم الازل جزءا من الزمان يتقدم سائر الاجزاء وان لم يسموه بالزمان فانهم اثبتوا له معناه وتوهموا ان الله سبحانه فيه ولا موجود فيه سواه ثم اخذ يوجد الاشياء شيئا فشيئا في اجزاء اخر منه وهذا توهم باطل وامر محال فان الله عز وجل ليس في زمان ولا مكان بل هو محيط بهما وبما فيهما وما معهما وما تقدمهما وتحقيق ذلك يقتضي نمطا اخر من الكلام لا تسعه العقول المشوبة بالاوهام ولنشر الى لمعة منه لمن كان من اهله
اقول قوله والازل عبارة عن اللازمان السابق على الزمان سبقا غير زماني يفهم منه ان الازل امتداد حقي كما ان السرمد امتداد امري والدهر امتدادي جبروتي ملكوتي والزمان امتداد ملكي جسماني مكاني وليس كذلك لانه لا يشابهه خلقه قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه بل الازل هو الذات المقدسة بغير مغايرة ولو اعتبارا وفرضا وقوله ليس بين الله سبحانه وبين العالم بعد مقدر هذا حق فليس بين الله وبين خلقه بعد لانه اقرب الى خلقه من انفسهم قربا غير متناه ولا قرب لانهم لا يقربون اليه بشدة سيرهم اليه وتقريبه اياهم فليس بينه تعالى وبينهم اتصال ولا انفصال وآية ذلك ولله المثل الاعلى السراج فانه ليس بينه وبين اشعته اتصال فيكون اقربها اليه جزءا منه او يكون منيرا بمعنى انه مستقل في الانارة ولا انفصال فيكون بينهما غيرهما فيحجب الاشعة عن الاستمداد منه او يكون بينهما لا شيء فيلزم استقلالها بدونه والاستغناء عنه وقوله ولا ينسب احدهما الى الاخر بقبلية ولا بعدية ولا معية لان القبلية والبعدية زمان وهو منتف عنه ولا يجري عليه ما هو اجراه ولا معية لاستلزام المعية المشابهة والمساواة وقوله لانتفاء الزمان عنه لاستلزام ما يجري عليه الزمان التغير والتبدل والتحول والانتقال وتبدل الحالات والتعاقب وما اشبه ذلك من صفات الزمانيات وقوله وعن ابتداء العالم لانه لا يكون الا ظرفا والظرف لا يكون ظرفا الا وهو مع المظروف وانه هيئة ولا يكون ابتداء العالم هيئة لان الهيئة صفة والصفة مسبوقة بالموصوف وقوله فسقط السؤال بمتى عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحق تعالى لان متى سؤال عن الزمان ولا زمان قبل العالم فيه شيئان احدهما ان نقول ما مراده بالعالم فان اراد به مجموع الخلق والامر يعني ما سوى الله فهو حق لان متى محدث بالمشية ولا يجري عليها وان كان الظاهر انه لا يريد الا الخلق والخلق الذي هو المخلوق يراد به ما برز عن المشية اوله العقل عقل الكل واخره ما تحت الثرى اوله الوجود الصادر عن المشية واخره ما تحت الثرى فعلي الاول الظاهر انه يصح السؤال بمتى عن اول العالم لان متى لم تكن مخصوصة في اصل الوضع بالسؤال عن الزمان كما توهمه وانما متى موضوع للسؤال عن الوقت الشامل للزمان وللدهر كما صح السؤال عما هناك بكم كما في حديث كم بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض وعلى اللغة الظاهرة يقولون اصل وضع متى للسؤال عن الزمان واستعمال متى في غير الزمان مجاز ويجوزون ذلك فاذا جاز صح وعلى الثاني اعني ان اوله الوجود الصادر عن المشية فلا يبعد صحة السؤال بمتى بناء على ان متى لم يختص بالزمان وعلى ان السؤال بها لا يعتبر فيه كون متى وما دلت عليه من الوقت سابقا على وقت المسئول عنه اذ يجوز السؤال عن وقت المساوق كما يجوز عن المتأخر وهذا ظاهر لمن عرفه الله صنع ذلك ولو اجمالا كما نعرف ان الجسم يصح السؤال عنه بمتى وان قلنا بانها موضوعة للسؤال عن الزمان خاصة مع انا نعتقد ان الزمان لم يسبق الجسم ولم يتأخر عنه بل هو معه فان الجسم والزمان والمكان عندنا لم يسبق احدها الاخر بل خرجت في هذا الوجود الملكي دفعة واحدة وثانيهما قوله كما هو ساقط عن وجود الحق فان السقوط عن بعض المصنوعات ليس كالسقوط عن الحق تعالى ولا سيما على جعله متى مخصوصة بالزمان فتفهم وقوله ووجود من العدم هذا فيه تسامح لان حقيقته لا تصح على قوله ولا على قولنا اما على قوله بان حقائق الاشياء ليست مجعولة فهي صور علمية فان اراد بها وجودها الذاتي لها الذي هو نفسها لم يصح ان يقال وجود من العدم لانه عنده وجود لا من عدم وان اراد به ما كساها خالقها عز وجل من الوجود الظاهر الذي هو الكون في الاعيان او ما به الكون في الاعيان اعني الظهور على الاحتمالين لم يصح على قوله ان هذه الوجودات هي هو تعالى وانها عبارة عن ظهوره الكامن في ذات علمه المتهيء للظهور بقبوله كن فيكون فكن يده اليمنى الفاعلة ويكون يده اليسرى القابلة وكلتا يديه يمين فليس شيء غيره ولم يوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره كما ذكره في كتبه وان لم يكن هذا لفظه فهذا معناه بناء على وحدة الوجود فلم يصح قوله ووجود من عدم لان هذا وجود من وجود بل هو على معاني كلماته وجود لذاته واما على قولنا وهو انها كانت يعني كونها سبحانه لا من شيء بمعنى انها لم تكن فاحدث جزءها الاعلى الاول وهو الوجود بفعله لا من شيء واحدث جزءها الاسفل الثاني وهو الماهية من انفعال الوجود عند فعل الفاعل مثل خلق فانخلق فخلق وجود وانخلق ماهية خلقها من خلق فقام الشيء باذن الله سبحانه بركنيه الوجود والماهية ونقول خلق الوجود لا من شيء بمعنى انه مخترع لم يسبق له ذكر قبل ذلك وانما ذكره تعالى به لا بمعنى انه خلق من العدم او ان العدم سبقه لان العدم ليس شيئا ليكون سابقا وانما هو وجود عن وجود لا منه والحق سبحانه وجود لذاته فالوجود الحق لم يسبقه الغير ووجود الخلق مسبوق بالغير لا مسبوق بالعدم الا ان نريد انه ليس موجودا في رتبة من هو قبله فانه بهذا الاعتبار يجوز ان يقال انه مسبوق بالعدم وعلى هذا الاعتبار لو قال ووجود بعد عدم صح وقوله فالعالم حادث في غير زمان ان اريد المجموع من حيث المجموع فصحيح لان الزمان جزء منه وان لاحظ التفصيل فالعالم الذي هو ما سوى الله سبحانه فعل ومفعول فالفعل هو المشية والارادة والابداع كما قال الرضا عليه السلم اسماؤها ثلاثة ومعناها واحد والمفعول اوله وجود بحت خلقه سبحانه لا من شيء ثم خلق منه ارض القابليات وهي الارض الميتة والارض الجرز فساق ذلك الماء في سحاب مشيته الى الارض الميتة وبعبارة الى الارض الجرز فانزل به الماء اي الوجود وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي فاخرج به من كل الثمرات وبعبارة فاخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وانفسهم والماء المذكور والارض المذكورة قبل التركيب برزخ بين الفعل والمفعول وهو وان كان في الحقيقة من المفعول الا انا نصطلح على ان الفعل هو الوجود المطلق والمفعول هو الوجود المقيد واوله عقل الكل وهذا البرزخ لك ان تلحقه بالمطلق وان كان مطلقا اضافيا ولك ان تلحقه بالمقيد وان كان نسبيا اي بالنسبة الى الفعل والوجود المقيد اوله عقل الكل وهو روح القدس في قول العسكري عليه السلام قال وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والباكورة اول الثمرة يعني ان روح القدس اول ما قبل الوجود وهو اول من ظهر من ذلك الماء في تلك الارض فالمشية وقتها السرمد وعقل الكل وروح الكل ونفس الكل وطبيعة الكل وجوهر الهباء وقتها الدهر وجسم الكل وما فيه من الفلك المحدد الجهات والمكوكب والافلاك السبعة والعناصر الثلاثة والارضون السبع وقتها الزمان فالفعل حادث ليس في زمان بل هو مع السرمد والمجردات من العقل الى جوهر الهباء يعني الكل ومادة الكل حادثة كلها مع الدهر قبل الزمان والمثال برزخ بين الدهر والزمان وجهه الى الدهر وخلفه الى الزمان وهو بدن نوراني لطيف لا ارواح فيه وهو ظل الجواهر النفسية وهو عالم واسع ذو عجائب لا تتناهى اسفله على محدد الجهات رتبة واعلاه تحت جوهر الهباء اقامه سبحانه في الاقليم الثامن فيه الجنتان المدهامتان ونار الدنيا عند مطلع الشمس وهورقليا تدور افلاكه على جابلقا وجابرسا والجنتان المدهامتان فيه وتغرب عليهما شمسنا فتظهر عليهما بقدر ما نراها اربعين مرة لصفاء ذلك الاقليم ونوريته وتطلع على النار تمر على رؤس اهلها ليس بينها وبينهم ستر وهذا العالم اعني عالم المثال برزخ بين المجردات والاجسام واما عالم الملك اعني عالم الاجسام من الفلك الاطلس الى الارض السابعة فحادث مع الزمان لطيف الزمان مع لطيفه كالاطلس ومتوسطه مع متوسطه كالسموات وكثيفه مع كثيفه كالارض قوله وانما يتعسر فهم ذلك على الاكثرين الى قوله وامر محال حق صحيح فانهم لا يفهمون غير ما ذكر حتى ان شيخ الكل الطبرسي في جامع الجوامع في تفسير اول سورة الحديد في قوله تعالى هو الاول والاخر والظاهر والباطن قال هو الاول السابق للموجودات بما لا يتناهى من الاوقات او تقدير الاوقات وهذا طريق اهل الظاهر من تكلم قال بمثل هذا ومن سكت اضمر على مثله وهذا معلوم وقوله فان الله عز وجل ليس في زمان ولا مكان بل هو محيط بهما وبما فيهما الخ قد تقدم توجيه الكلام فيه وقوله وتحقيق ذلك الى اخر الفصل صحيح
قال ان نسبة ذاته سبحانه الى مخلوقاته تمتنع ان تختلف بالمعية واللامعية والا فيكون بالفعل مع بعض وبالقوة مع اخرين فتتركب ذاته من جهتي فعل وقوة وتغير صفاته حسب تغير المتجددات المتعاقبات تعالى عن ذلك
اقول قوله ان نسبة ذاته فيه ان ذاته المقدسة ليس بينها وبين شيء سواه نسبة لذاته وانما نسبته الى مخلوقاته من حيث افعاله من الظهور لها بها والامتناع عنها بها وقربه وبعده اليها ومعيته واللامعيته وغير ذلك من حيث كونها معلومة او مقدورة او مسموعة او مبصرة او غير ذلك من جميع النسب فكلها من حيث افعاله وقيوميتها بامره كما قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقوله عليه السلام في ادعية الايام الطويلة رواه الشيخ في مصباح المتهجد وكل شيء سواك قام بامرك واما ذاته فتعالي في عز جلاله عن كل نسبة سبحان ربك رب العزة عما يصفون ولكن كما قال شاعرهم :
ضاع الكلام فلا كلام ولا سكوت معجب
الا اني اقول كما قالت العرب على لسان الضب في الامثال :
حدث حديثين امرأة وان ابت فاربعة
وقوله فتركب ذاته من جهتي فعل وقوة فلم لم يقل هذا في الكلمات المكنونة حيث قال فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لما كان فما كونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر والقابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالى والفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدي يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره انتهى كلامه في كتابه المسمي بالكلمات المكنونة فقوله ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل يلزم منه انه تعالى تركب من جهتي القوة والفعل فان قلت كما توهمه بعضهم انه انما عنى به العالم قلت قوله الكامن فيه يريد بالكامن العالم وضمير فيه يعود الى الله تعالى الله عن ذلك فان قلت انما يعود الى العالم حين كونه في العلم لقوله فما كونه الا عينه الثابتة في العلم قلت قوله فالعين الغير المجعولة عينه تعالى صريح فيما قلنا لانه يقول ان العالم في الذاتي هو عين الله تعالى والكون الذي كان في العالم حين هو عين الله تعالى في الازل كامن في العالم بالقوة وهو مستعد لقبول الكون فكان ما فيه بالقوة حين هو عينه تعالى بالفعل فتركبت ذاته تعالى او قل تركب ما هو ذاته من جهتي القوة والفعل او وقع ما بالقوة وما بالفعل فيه تعالى لقوله فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه اي فما اوجد العالم الذي كان عينه تعالى الا هو بالله فيه فتدبر كلامه هنا وتدبر كلامه هذا الذي نقلناه من الكلمات المكنونة بلا زيادة ولا نقصان وقل ما شئت
قال فنسبة ذاته التي هي فعلية صرفة وغني محض من جميع الوجوه الى الجميع وان كان من الحوادث الزمانية نسبة واحدة ومعية قيومية ثابتة غير زمانية ولا متغيرة اصلا والكل بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات كل في محله ووقته وعلى حسب طاقته وانما فقرها وفقدانها ونقصها في القياس الى ذواتها وقوابل ذواتها وليس هناك امكان وقوة
اقول قوله فنسبة ذاته التي هي فعلية صرفة يعني ليس فيها ما بالقوة فلا تنتظر كمالا اذ لا امكان فيها فكل ما لها لذاتها هو ذاتها الواجبة الوجود فان ما احتمل الزيادة والاستكمال احتمل النقصان وغنى محض من جميع الوجوه فلا يفتقر الى شيء ولا يستغني عنه شيء والا لكان محتاجا وناقصا فلو فرضنا في العبارة والبيان وجود شيء مستغن عنه تعالى قلنا ايما اكمل كون ذلك المستغني مستغنيا عنه تعالى او محتاجا اليه لقلت كونه محتاجا اليه تعالى اكمل في حقه تعالى من كون ذلك مستغنيا عنه فنقول وجود مستغن عنه نقص في حقه تعالى فيكون كونه كاملا مطلقا كونه غنيا مطلقا وكونه غنيا مطلقا كون كل من سواه محتاجا اليه فيشمل هذا المعنى قوله من جميع الوجوه وقوله الى الجميع وان كان من الحوادث الزمانية فيه ان قوله وان كان من الحوادث الخ يفهم منه ان من الجميع المشار اليه ما هو غير زماني كالمجردات الدهرية ومنه ما ليس بمحدث وهذا المعلوم من مذهبه وهذا باطل فتصحيح عبارته التي لا يصح المعنى الا بها ان يراد بالجميع خلق الله اذ ليس في الوجود الا الله تعالى في الازل الذي هو ذاته وحده لا شريك له بكل فرض واعتبار في الواقع والفرض فان الفرض والاحتمال كما قدمنا سابقاهما وما وقعا عليه وتعلقا به كلها خلقه تعالى فتصحيحها بشيئين احدهما بهذا والثاني ان يقول من جميع الوجوه من حيث افعاله كما ذكرنا قبل اذ لا نسبة لذاته بذاته تعالى الى شيء سواه لان ما له سبحانه في جميع ما سواه من نسبة معية وقيومية ثابتة انما هو من حيث افعاله التي هي ذكر الاشياء بما هي عليه في اماكنها واوقاتها لانا قدمنا انه تعالى هو الذاكر ولا مذكور وانما ذكرها بفعله لها على ما اقتضته ذواتها فنسب نفسه تعالى لها واليها بما ذكرها به من فعله لها بما قبلت من فعله حين فعلها اذ لم تكن مذكورة قبل فعله والنسب كلها لاحقة للوجود لا للاوجود فافهم قوله والكل بغنائه بقدر استعداداتها الخ تصحيح عبارته التي يصح معناها على قواعد الاسلام ان يقول والكل بغنائه الذي هو صفة فعله لا غنائه الذي هو ذاته ومثال هذا وامثاله كما لو قلنا علمه الذي هو صفة فعله وقدرته وسمعه وبصره ورحمته وربوبيته والوهيته وغير ذلك من صفاته كالنار ولله المثل الاعلى فانها مركبة من حرارة ويبوسة جوهريين وصفة فعلها حرارة ويبوسة عرضيان ففعلها الاحراق بحرارته ويبوسته العرضيين كالحديدة المحماة في النار فانها تحرق كالنار من جهة ان فعلها ظهر في الحديدة بصفته التي هي الحرارة واليبوسة العرضيان الفعليان لا ان اجزاء من جرم النار وجوهرها انتقلت الى الحديدة كما توهمه بعضهم فانك اذا فهمت معنى كلامي حصل عندك مفتاح من مفاتح الغيب تفتح به كثيرا من الابواب المغلقة مثل قوله تعالى : ما زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته الحديث فهذا ينفتح بمفتاحنا هو واشباهه لا بغير مفتاحنا قوله وعلى حسب طاقته طاقة العبد قد تكون لوجوده وقد تكون بمتمم فربما يكون الشيء لا يطيق بنفسه ويطيق بالمتمم وبالواسطة فالمتمم معين والواسطة واقية ومترجم فالمتمم كرفع ادريس (ع) وعيسى (ع) الى السماء اذ لا يقدران بذاتهما على الصعود الا بالملك المتمم لهما قابلية الصعود والواسطة كادم عليه السلم في انبائه الملائكة باسماء الاشياء فان الملائكة لا يتحملون تعلم اسماء الاشياء بغير واسطة ادم عليه السلم والا لكان لهم ان يقولوا يا ربنا انت علمت ادم الاسماء ولو علمتنا الاسماء لتعلمناها فلا تكون لاختيار الله تعالى للبشر مزية على الملائكة فانه تعالى لما اعترض عليه ملكان ورضي بعض الملائكة باعتراضهما رد الله تعالى عليهم اعتراضهم باني اعلم ما لا تعلمون يعني اني ما جعلت خليفة الا من هو اولى بالاستخلاف منكم لانه اعلم منكم واحمل للعلم منكم فلو كانوا يحتملون اذا علمهم لكانوا يقولون انما علم الاسماء لما علمته ولو علمتنا علمنا ولكنهم قبلوا ولم يعترضوا لعلمهم انهم لا يعلمون الاسماء الا بواسطة آدم عليه السلم قوله وانما فقرها ونقصها الى اخره صحيح ظاهر قوله وليس هناك امكان وقوة البتة هذا صحيح ولكن مذهبه كما ذكر وذكرنا عنه يلزم منه ثبوت ما بالقوة في ذاته ومنه قوله هنا والكل بغنائه فانه اذا اراد بغنى الذات لزمه ان في هذا الغنى استغناء للمحدث يكون عند وجوده بالفعل وقبله في غناه بالقوة وهذا امكان وقوة فتدبر كلامه السابق وما نبهناك عليه فيه يظهر لك هذا ويأتي كثير من كلامه بهذا المعنى فاستمع
قال فالمكان والمكانيات باسرها بالنسبة الى الله تعالى كنقطة واحدة في معية الوجود والسموات مطويات بيمينه والزمان والزمانيات بازالها وآبادها كآن واحد عنده في ذلك جف القلم بما هو كائن ما من نسمة كائنة الا وهي كائنة والموجودات كلها شهادياتها وغيبياتها كموجود واحد في الفيضان عنه ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة
اقول هذا الشيخ دائما يتكلم بالامور الغريبة والعبارات العجيبة ومن عرف وجده كالغافل عن الحكمة ودليل الحكمة وكمن لم ينظر في الحقائق والعلة فيه انه ماراض نفسه بطريقة اهل البيت عليهم السلام وانما صرف نفسه في حكمة القوم وجعل همه في فهم مراداتهم وفك رموزهم ولهذا كان اذا قال بقولهم مثل ان علم الله تعالى القديم بالاشياء مستفاد منها لانها اعطته العلم بها ربما استشعر بطبيعته او بالتفاتة منه فنفى هذا كما ذكر في الوافي ثم قال به في اثناء كلامه وذلك لانطباع نفسه وطبيعته على قولهم فقوله فالمكان والمكانيات الى قوله في معية الوجود انما يصح اذا قيده بان يقول في فعله كما قدمنا ثم استشهد على قوله بما نحتج به عليه فان قوله والسموات مطويات بيمينه لم لم يقل بقدرته مع ان المراد به قدرته وانما عدل الى اليمين ليعلم منه اصحاب اليمين انه اراد بفعله اذ لا يصح ان تكون السموات مطويات بذاته لانها مفعوله والطي فعله فكيف يحدث شيئا بذاته من غير فعل لا يعقل في حقه تعالى ولا في حق احد من خلقه ان يفعل فعلا بغير فعل واما ارادته بان السموات مضمحلة في جنب وجوده فانبساطها نقطة لا تقبل القسمة في جنب ذاته فهذا ومثله انما يكون لو جمعهما مشهد واحد بان ظهر لها في الحدث او بطنت له في الازل ودون عليان خرط القتاد كيف يظهر لها وانما ظهر للجبل حين سأله موسى عليه السلام مثل سم الابرة من نور محل فعله فجعله دكا وعنه صلى الله عليه واله ان لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ه وكل هذا اثر فعله اذ المراد بالوجه هو محل مشيته وفعله والسبحات الكروبيون من شيعة ذلك الوجه الكريم صلى الله على محمد واله الطاهرين وكيف يصعد اليه ولم يخرج منه سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد كان الله ولا شيء معه وهو الان على ما كان فكان ولا شيء معه مطوي قبل ذكر كل شيء وهو على ما هو عليه والمحو والاثبات والطي والبسط وكل معنى غير الذات المقدسة كل ما ينسب اليها من الكثرة والوحدة والبساطة والطي والبسط والاتحاد والتعدد والدفعة والتعاقب والجمع والفرق وما اشبه ذلك لا يصح نسبتها اليه تعالى لا بالذات ولا بالنسبة والاضافة اذ لا نسبة له ولا اضافة لذاته وما لا يثبت له لذاته بذاته لا يثبت له بغيره فافهم هذا الاصل فانه قاعدة لا تنخرم ابدا وقوله والزمان والزمانيات بازالها يعني الحادثة وآبادها كذلك الى قوله الا وهي كائنة اجد الكلام فيه كالكلام في المكان والمكانيات وتفسيري آزالها وآبادها بالحادثة لانها قد تستعمل الازال والاباد في الحادثة على المذهب الحق فلذا فسرتها بذلك وان كان ظاهر كلماته في كتبه استعمالها في القديمة للحادثات على نحو ما في كلامه المتقدم الذي نقلناه عن الكلمات المكنونة وقوله جف القلم بما هو كائن قد ذكر جملة من بيان هذا في ذكرنا العلم الامكاني والعلم الكوني وفي العلم الامكاني جف القلم واحاديث اهل العصمة عليهم السلام مصرحة بان القلم المنسوب اليه الجفاف هو عقل الكل وهو القلم المستمد من الدواة كما رواه هو في الصافي في تفسير ن والقلم وما يسطرون واذا اطلق فلا يراد غيره في كلامهم واستعماله في العلم الذاتي كما ذكر خلاف الظاهر وخلاف الواقع وخلاف الحق وان اخذ تأويله على المشرب الصوفي وهو لا مانع منه فيما يجوز استعماله بخلاف هذا الذي ذكره فانه لا يصح استعماله كيف وهذا القلم هو الكاتب في اللوح وقد ورد في ادعيتهم عليهم السلام اللهم ان كنت كتبتني عندك محروما مقترا علي في رزقي فامح من ام الكتاب حرماني وتقتير رزقي واكتبني عندك سعيدا موفقا للخير فانك قلت تباركت وتعاليت يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب فاذا هو الكاتب واذا شاء الله سبحانه محو ما كتب القلم واثبات غيره انما يثبته بالقلم فكيف يجف القلم وهو ابدا رطب ولذا رد تعالى على اليهود حين قالوا قد فرغ من الامر كما في التوحيد عن الصادق عليه السلم في هذه الاية لم يعنوا انه هكذا ولكنهم قالوا قد فرغ من الامر فلا يزيد ولا ينقص قال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء الم تسمع الله يقول يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وفي تفسير علي بن ابراهيم قال قالوا قد فرغ من الامر لا يحدث الله غير ما قدره في التقدير الاول فرد الله عليهم قال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء اي يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشية ه واما ان المراد بالقلم وجفافه غير ما ذهب اليه فمنه في العلل عن الصادق عليه السلم واما ن فكان نهرا في الجنة اشد بياضا من الثلج واحلى من العسل قال الله تعالى له كن مدادا ثم اخذ شجرة فغرسها بيده ثم قال واليد القوة وليس بحيث يذهب اليه المشبهة ثم قال لها كوني قلما ثم قال له اكتب فقال له يا رب وما اكتب قال ما هو كائن الى يوم القيمة ففعل ذلك ثم ختم عليه وقال لا تنطقن الى يوم الوقت المعلوم فعلى ما قلنا من ان القلم هو المعلوم وقلنا انه لا يزال يجري بامر الله تعالى بمقتضى يمحو الله ما يشاء ويثبت فهو ظاهر وعلى انه ختم عليه او على فمه فلا ينطق ابدا فالمراد ان الله تعالى امره بان يكتب فمما امره به مشروط او مشروط في الشهادة خاصة ومنه محتوم فاطلقه في المشروط وختم عليه في المحتوم هذا كله في الثاني من العلم الحادث وهو العلم الكوني كما تقدم واما في العلم الامكاني فقد جف القلم هناك والمراد بالقلم في العلم الامكاني المشية والحاصل ان هذا المعنى الذي ذهب اليه لا يجري على ذات الحق بذاته وانما يصح في فعله تعالى كما قلنا واستشهاده بقوله جف القلم لا يصح الا في الفعل لان معنى جف انه جرى رطبا ثم جف وهذه حالتان فاذا نسبها الى الله تعالى فيما اراد فنقول له ما معنى جف في المفعول قبل الفعل الا اذا اراد ان المفعول ح في الازل وجوابه السكوت عنه وان اراد بعد حصول المفعول اختلفت حالتاه والمختلف حالتاه لذاته حادث ولا يلزم الحدوث لو اختلفت حالتا فعله وقوله والموجودات الى قوله كنفس واحدة نعم الموجودات من حيث الفعل كنفس واحدة واما من حيث التعلق بها فلم يتعلق الفعل بنفسه بكل مفعول بل كل مفعول فله رأس جزئي من الفعل الكلي مختص به لا يصلح لغيره فزيد مثلا له رأس جزئي من مشية الله تعالى مختص به لا يصلح لعمرو وذلك الرأس موجود في الفعل قبل وجود زيد كوجود صورتك فيك قبل وجود المنطبعة في المرءاة فاذا وجد القابل للتأثير وهو اجتماع مشخصات وجود زيد حدث تعلق ذلك الرأس المختص به فقدر له حصته الخاصة به من وجود نوعه فكون من تلك الحصة بتلك المشخصات زيدا وهكذا في كل مفعول كما اذا حصلت المرءاة والمقابل وقع شعاع صورتك في المرءاة فظهرت من ذلك الشعاع بهيئة المرءاة من اللون والاستقامة والصفاء والكبر واضدادها التي هي مشخصات الصورة في المرءاة صورة وجهك واما هذه الوحدة التي في المفعولات بالنسبة الى الفعل من حيث انبساطه على الامكان دفعة كل في رتبته فانما هي في بادي الرأي واما في الواقع فهي مرتبة المسببات على الاسباب والناقص على المتمم كالعرض على الجوهر ولو صح في الواقع ما اشار اليه لماصح قول جعفر بن محمد عليهما السلم المتقدم والاتي لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم الحديث فاذا جاز هذا المعنى في ذات الحق سبحانه انه عالم ولا معلوم جاز في الفعل بالطريق الاولى والمثال في ذلك اذا ظهرت الشمس انبسط نورها على جميع الكثيفات وظهرت الاظلة في مقابلة الاشعة كل ذلك دفعة بلا مهلة لكن ذلك في بادي الرأي وفي الواقع كانت الاشعة سابقة على الاظلة في الظهور بسبعين سنة وكذلك حكم المسببات عند الاسباب فالطي المذكور سابقا على ما هو عليه في نفس الامر لا على ما هو عليه في بادي الرأي ولو كان هذا الحكم راجعا الى الازل الذي لا يجري على مقتضى الاسباب قلنا حكم الازل على ما يعرف وقد بينا انه كان ولم يكن شيء وهو ابدا لم يكن معه شيء واما اذا حصرنا الطي على الحكم القهري فهو نور في محل الظلمة فاذا جمعهما مشهد واحد جري اثبات الظلمة ونفيها على نمط واحد كالمثال الذي قلنا في الشمس فان وجود الظل بعد وجود الشعاع بسبعين عاما وعدمهما كذلك على العكس ولكن اكثر الناس لا يعلمون الم يسمعوا قول الله تعالى : الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا والحاصل نكرر القول لو كان الحكم ازليا وجب فيه الوحدة البسيطة لعدم وجود غيره واذا كان فعليا فبنسبة الظهور يكون البطون وبنسبة الفرق يحصل الجمع لانه بطون بعد فرض ظهور وجمع بعد تحقق فرق اذ قبل فرض الظهور وتحقق الفرق لم يكن شيء والفعل لا يكون الا مع المفعول فلا يكون الاشياء في معية الوجود كنقطة واحدة في نسبة الفعل وقد برزت نقطا متعددة لان الفعل متعاقب التعلق ولا يكون بين الازل وما سواه نسبة فافهم ان كنت تفهم فان قلت انه اراد انها على تكثرها وامتداد اوقاتها نقطة لاحاطته تعالى بها اذ لا امتداد عنده ولا استقبال بل كلها في علمه نقطة قلت هذا صحيح ولكن اذا فهمت مراده فافهم مرادي ايضا اذا كان تعالى محيطا بها لان امتدادها فيما لا تزال ليس بعدا عنه بل هي في قبضته ولا يستقبل بل الماضي والمستقبل وما بينهما حاضرة في نقطة بين يديه الا انه تعالى محيط بها حين هي لا شيء او حين هي شيء فان قلت حين هي لا شيء فلا يصح الاحاطة باللا شيء والا لعلم ان له شريكا مع انه نفي علمه بذلك فقال اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض وهي لا شيء في الازل والا لكان معه غيره وان قلت يحيط بها حين هي شيء فاقول هي شيء بغير موادها وقوابلها وما تقومت به من فعله او بذلك فان قلت بغير ذلك احلت وان قلت بذلك قلت لك يعلم بما هي عليه او غير ما هي عليه فان قلت غير ما هي عليه لم يكن عالما بها وان قلت بما هي عليه قلت لك مما هي عليه كونها في امكنتها وازمنتها مترتبة متعاقبة فان قلت فاذا كيف علمها قلت هي قامت بامره وامره واحد فيعلمها بامره واحدة وبذواتها متكثرة لانه يعلمها بها فهي علمه بها لانها حاضرة عنده تعالى بامره في وحدة وبذواتها في كثرة ولا منافاة ولو كان يعلمها بذاته فان كان لا يعلمها الا بكونها نقطة كان وجه تكثرها غير معلوم لذاته وان كان يعلمها مطلقا فلا فائدة في لحاظ كونها نقطة واحدة بخلاف ما اذا كان يعلمها بما هي عليه ومثال وجهيها المعلومين معا لو حضرك سرير وباب وكرسي وسفينة فانها معلومة لك بوحدة الخشب وتكثر الصور وعلمك بها حصولها لك وحضورها بين يديك ولم تعلمها بذاتك من غير حضورها الا ان تكون في ذاتك هي او صورها وكأني بك تظن اني ناف لعلمه الازلي لا ولكني ناف لوجودها الازلي وحضورها الازلي وكافر به فافهم
قال وانما التقدم والتأخر والتجدد والتصرم والحضور والغيبة في هذه كلها بقياس بعضها الى بعض وفي مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان المسجونين في سجن المكان لا غير وان كان هذا لمما تستغربه الاوهام وتشمأز منه قاصروا الافهام
اقول قوله وانما التقدم والتأخر الى قوله الى بعض هل يريد به ان هذه غير معلومة ولا هو محيط بها ام لا فان اراد فانما ذلك لاجل انها حاصلة لذاته حصولا جمعيا وحدانيا يعني انها بوجودها المتحد متحدة بذاته وفي حالة الكثرة لا تتحد لانها خلق موهوم بناء على انه ليس الا الله كما هو قول اهل التصوف بوحدة الوجود ولو اراد انها معلومة ايضا مع تكثرها وتعاقبها لم يحتج الى هذا التكلف فان قيل ان هذا جواب المحبوسين في مطمورة الزمان الخ قلنا ليس هذا جواب من يتوهمه وانما هو مذهب اهل الحق وحلفاء الصدق صلى الله عليهم
قال واما قوله عز وجل كل يوم هو في شأن فهو كما قاله بعض اهل العلم انها شئون يبديها لا شئون يبتديها فليستبصر
اقول كان سبحانه ولا شأن له ولا شأن وانما هو لا غير فلما خلق مشيته بنفسها امكن فيها كل شيء على الوجه الكلي وجعل ذلك الامكان الذي هو محل مشيته خزائنه في كل شيء قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فخزائن زيد مثله في تلك الخزائن فما معنى يبديها لا يبتديها فاذا اراد ان يخلق شيئا مثل زيد خلقه من خزائنه ونزله الى عالم الزمان فهل كان زيد في خزائنه على الوجه الجزئي بما هو عليه في هذا العالم من تشخصه ام على وجه كلي له ان يبدله قبل ان ينزله بعمرو وبفرس وبجبل وبحر فان كان على وجه جزئي هناك كما هو هنا الى ان نزله الى هنا ليصدق قولهم انه ابداه لا انه ابتدأه لم يكن له فيه البداء مع ان خزائن زيد المشار اليها قبل اللوح المحفوظ اذا اريد بها الراجحة وبعضها بعد اللوح المحفوظ اذا اريد بها الاعم فيها البداء لله تعالى ويجب ان يكون زيد شيئا قبل تكوينه وقد قال الله تعالى اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وفي حديث الكاظم عليه السلام كما في الكافي والعلل فلله تبارك وتعالي البداء فيما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يفعل ما يشاء وقال عليه السلام قبل هذا الكلام فلله تبارك وتعالي البداء فيما علم متى شاء وفيما اراد لتقدير الاشياء واذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء ه وكل هذه المراتب التي اثبت لله فيها البداء قبل خروجه في هذا العالم وتحت تلك الخزائن وان كان زيد في خزائنه اي خزائن زيد قبل ان ينزله الله سبحانه على وجه كلي فله ان يبدله بحيوان وطير وارض وسماء وملك وشيطان وعلى هذا فجعله زيدا ابتداء لا ابداء فافهم ولتستبصر
قال فصل - ولعل من لم يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فيصول ويرجع فيقول كيف يكون وجود الحادث في الازل ام كيف يكون المتغير في نفسه ثابتا عند ربه ام كيف يكون الامر المتكثر المتفرق وحدانيا جمعيا ام كيف يكون الامر الممتد اعني الزمان واقعا في غير الممتد اعني اللازمان مع التقابل الظاهر بين هذه الامور
اقول انا كيف يكون وجود الحادث في الازل وكذلك قال الامام عليه السلام ما معناه لو كان خلقها من شيء لكان معه ذلك الشيء لم يزل وقال امير المؤمنين عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله السبيل مسدود والطلب مردود وقال الصادق عليه السلام كان الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم وانا اقول بيانا لقولهم عليهم السلام اذا كان الحادث في الازل يبقي حادثا مصنوعا ام يكون ازليا صانعا وعلى التقديرين هو مغاير بمعنى ان الله تعالى يعلم انه غيره على اي فرض اعتبر ام لم يعلم قل ما شئت وقوله ام كيف يكون المتغير في نفسه ثابتا عند ربه فاقول يكون ثابتا عند ربه على ما هو عليه من التغير في ملكه تعالى لا في ذاته وقوله ام كيف يكون الامر المتكثر المتفرق وحدانيا جمعيا نعم يكون في فعله وامره الامر المتفرق وحدانيا جمعيا لان الاشياء لها اعتباران من جهة آبائها مجتمعة اجتماعا وحدانيا جمعيا ومن جهة امهاتها متفرقة متكثرة ولكنه تعالى احاط بها بفعله وامره في الحالين اما من جهة الاباء يعني موادها فواحدة ومن الامهات يعني صورها متكثرة كما مثلنا بانه لو حضر عندك باب وسرير وكرسي وسفينة فمادتها كلها الخشب وهو واحد ومن جهة صورتها متكثرة والمادة والصورة كلاهما عن فعله وامره فمادتها اثر فعله وامره وصورها هيئات قبولها لتلك المواد عن فعله وامره فكلها متحدة ومتعددة معلومة له تعالى بانفسها على ما هي عليه في الحالين عن احاطة فعله وامره وقوله ام كيف يكون الامر الممتد اعني الزمان الخ نعم يقع الممتد اعني الزمان والمكان وما فيهما في غير الممتد اعني غير الممتد امتدادا زمانيا ولا امتدادا دهريا نعم تقع هي في الممتد امتدادا سرمديا على النحو المذكور واما على ما يقول فيما يعني فلا معنى له كما سمعت
قال فنمثل له بمثال حسي يكسر سورة استبعاده فان مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحس والمحسوس فليأخذ امرا ممتدا كحبل او خشب مختلف الاجزاء في اللون ثم ليمرره في محاذاة نملة او نحوها مما تضيق حدقته عن الاحاطة بجميع ذلك الامتداد فتكون تلك الالوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها تظهر لها شيئا فشيئا واحدا بعد واحد لضيق نظرها ومتساوية في الحضور لديه يراها كلها دفعة واحدة لقوة احاطة نظره وسعة حدقته وفوق كل ذي علم عليم
اقول تمثيله هذا كثيرا ما يمثلون به ٱلعلماء في عدم احاطة الصغير المتناهي الصغر وضيق البصر للكبير بالنسبة اليه الذي لا يقدر الصغير على الاحاطة به الا بالتنقل والتدريج مع طول زمان ولو كان المدرك له اكبر منه واوسع بصرا من امتداده فانه يحيط به دفعة بلا تنقل او تدريج او طول زمان بل يقع عليه بصره دفعة فاذا هو قد ادرك شيئا بسيطا وذلك الصغير انما ادركه بالتنقل والتدريج في زمان طويل فالصغير كالنملة مثل للمخلوق الذي لا يدرك الاشياء الا بالتدريج كذلك ومجموع الخلق في ازمنته المتطاولة كالشيء ذي الالوان الذي لا يحيط به المخلوق دفعة والكبير الواسع البصر الذي يحيط بصره بذلك الكبير ذي الالوان دفعة من غير تنقل ولا تدريج ولا طول زمان ولا يكون ادراكه اولها قبل ادراكه آخرها مثل للحق ولله المثل الاعلى وهذا مثل يتداولونه وهو ليس بتام لان يكون مثلا لفعله وامره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلا تضربوا لله الامثال وقد قدمت لك المراد مكررا مرددا وقوله وفوق كل ذي علم عليم يشير الى ما مثلنا به من الكبير الذي يحيط بذي الالوان دفعة انما قدرته على الاحاطة مستفادة من القادر لذاته
قال فهو سبحانه ادرك الاشياء جميعا في الازل ادراكا تاما واحاط بها احاطة كاملة فهو عالم فيه بان اي حادث يوجد في اي زمان من الازمنة وكم يكون بينه وبين الحادث الذي بعده او قبله من المدة ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك
اقول قوله ادرك الاشياء جميعا في الازل ان اراد بقوله في الازل انه ظرف لادرك الاشياء لزم ان تكون الاشياء في الازل فلا يصح حينئذ عالم ولا معلوم لان ادرك معنى فعلي بخلاف قولك انه مدرك فانه معنى ذاتي يتحقق بغير مدرك بفتح الراء فللعلم معنى ذاتي هو الله تعالى ومعنى حادث هو قولك علم بها فان النسبة تقتضي اجتماع الطرفين في مكان واحد من الامكان والقدم فلما امتنع اجتماعهما في القدم تحقق في الامكان فاذا اردت ٱلعبارة عن ذلك فقل عالم في الازل بها في الحدث بما هي عليه من القيود اما اذا قلت هو عالم بها في الازل لزم ان تكون هي بما هي عليه من القيود في الازل بخلاف ما اذا قلت عالم في الازل بها في الحدث فان المعنى انه تعالى عالم في الازل ولا معلوم فلما احدثها لا من شيء كان بها عالما بها وليس قولي فلما احدثها اثباتا لمعنى الزمان بل العبارة ضيقة وانما المراد انها ليست شيئا في الازل لتكون معلومة لان الازل هو الذات فلا تكون هناك مذكورة في ذاته الا باحد وجهين اما ان تكون هي بذواتها المكونة او بحقائقها الغير المكونة كما يزعم بحيث يعلم تعالى ان فيه غيره باي حال فرض او بصورها العلمية في ذاته التي هو الازل وكل شيء من هذه مبنية على غير قواعد التوحيد فافهم وباقي كلامه من كونه تعالى عالما بكل شيء من احوالها لا شك فيه ولا منازعة وانما الكلام في محل هذا العلم هل هو في ذاته او خارج ذاته وقوله ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك فيه انه ان اراد انه لا يحكم بالعدم على شيء من ذلك في ذاته فهو باطل لان الحق هو الحكم عليها بالعدم في ذاته فليست مذكورة لا بوجود ولا بسبب ولا حقيقة ولا صفة وان اراد به في اماكنها واوقاتها فلا اشكال فيه
قال بل يدل ما يحكم بان الماضي ليس موجودا في الحال يحكم هو بان كل موجود في زمان معين لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الازمنة التي تكون قبله او بعده وهو عالم بان كل شخص في اي جزء يوجد من المكان واي نسبة تكون بينه وبين ما عداه مما يقع في جميع جهاته وكم الابعاد بينهما على الوجه المطابق للحكم
اقول حكمه تعالى عليها بما هي عليه في كل رتبة بما منها وحكمنا عليها بما حكم لها بحكمها على انفسها من انفسها ومنا وباقي كلامه على ظاهره عندنا بمعنى علمه تعالى بها في كل رتبة بما منها فيها وذلك الحكم منه تعالى بها كما قال امير المؤمنين عليه السلام كما مر تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها
قال ولا يحكم على شيء بانه موجود الأن او معدوم او موجود هناك او معدوم او حاضر او غائب لانه سبحانه ليس بزماني ولا مكاني بل هو بكل شيء محيط ازلا وابدا يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء الخ
اقول قوله ولا يحكم على شيء الخ كيف لا يكون كل شيء عنده موجودا في ملكه ولم يفقد من ملكه شيئا وكيف لا يكون كل شيء سواه مفقودا معدوما في ذاته ورتبته وليس شيء سواه وقوله لانه سبحانه ليس بزماني ولا مكاني الخ يريد بهذا ان الاشياء في الازل ليست موجودة ولا معدومة ولا في زمان ولا في مكان الخ لانه ليس بزماني ولا مكاني وليس بصحيح لان الاشياء في ملكه لا في ذاته فلا معنى لكلامه ولا لتعليله وقوله بل هو بكل شيء محيط ازلا وابدا فيه ان الابد والازل ذاته وقد بينا مرارا انه ليس في ذاته شيء غيره انما هو هو لا غير ذلك نعم يجوز ان تقول هو في الازل والابد محيط بها في الملك وقوله عليه السلم لم يكن خلوا من ملكه وقوله اسألك باسمك العظيم وملكك القديم معناهما انه تعالى لم يفقد في الازل والابد اعني في ذاته بذاته ملكه في الامكان وقوله يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم يعني كل شيء في مكانه ووقته ولا يحيطون بشيء من علمه الامكاني الذي هو محل مشيته الا بما شاء من علمه الكوني كما تقدم مفصلا وليس المراد من علمه في الاية الشريفة العلم الذاتي لانه هو ذاته ولا يصح ان يقال ولا يحيطون بشيء من ذاته الا بما شاء منها فانهم يحيطون به فيكون المحاط قبل المشية قديما وبعدها حادثا فيتغير ويتبعض وتختلف احواله تعالى والاصل في الاستعمال الحقيقة فلا يقال انه مجاز عما في ذاته من حقائق الممكنات مع ما يلزم من اشتمال ذاته على غيره ولا يقال يجوز ان يكون الاستثناء منقطعا لان الاصل فيه ان يكون متصلا مع ما فيه اي في كونه منقطعا
قال فصل - من عرف ما حققناه عرف معنى ما ورد عن اهل البيت صلوات الله عليهم في هذا الباب من الروايات كقول امير المؤمنين صلوات الله عليه لم يسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون اخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا
اقول من عرف ما حققناه عرف معنى ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام فان قول امير المؤمنين صلوات الله عليه انما هو في ذكر احوال الذات لذاتها وهي بعينها نفس الذات وانما تكثرت اسماؤها لتكثر المتعلق فهو تعالى باعتبار سبقه لكل شيء اول وباعتبار بعديته بعد كل شيء هو اخر وباعتبار كون كل شيء اثر فعله فهو ظاهر لان المؤثر اشد ظهورا من الاثر وباعتبار عدم ادراك شيء له تعالى هو باطن والذي استشهد له ليس علمه بذاته ليكون متحدا بذاته كما اشار اليه بل هو مغاير لذاته كما بينا غير مرة
قال وكقوله عليه السلام احاط بالاشياء علما قبل كونها فلم يزد بكونها علما علمه بها قبل ان يكونها كعلمه بها بعد تكونها ( تكوينها ظ )
اقول احاط في الازل بالاشياء علما في العلم الامكاني الراجح قبل كونها في العلم الكوني او احاط بالعلم الامكاني الراجح بالاشياء فيه قبل كونها في العلم الكوني الذي هو الوجود المقيد المتساوي والعلمان هما في الامكان فلم يزد في ذاته بكونها علما لان العلم الحاصل بوجودها لا يلحق بذاته فلا تزيد ذاته علما بوجودها لان هذا العلم لم يكن تعالى في الازل فاقدا له في ملكه في الامكان ولو كان مراده عليه السلم انه احاط بها في الازل لكانت حاصلة له في الازل فان قلت هي حاصلة له في الازل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر ولا متغير كما قاله المصنف قبل وهنا مراده وبعد فاقول هذا الحصول الجمعي هو ذاته او غيره بمعنى انه يعلم ان فيه غيره او لم يعلم فان كان يعلم فهو محدث تعالى الله لانه ليس بصمد بل فيه مدخل لغيره وان كان لا يعلم فلا يكون علمه متعلقا بشيء غيره الا ان يقول انها عينه تعالى فهو بذاته عالم بذاته وهذا كالاول في الفساد خلافا لاهل الخلاف القائلين بانا عينه تعالى كما قاله ابن عربي في الفصوص في شعره :
فلولاه ولولانا لما كان الذي كانا
فأنا أعبد حقا وانا الله مولانا
وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا
الخ وايضا اذا حصلت له حصولا جمعيا وحدانيا وهو علمه بها في الازل فهل يعلم في الازل بما نعلمها نحن به بان تكون حاصلة له حصولا فرقيا متكثرا متغيرا متبدلا كما يحصل لنا ام لا فان حصلت له حصولا فرقيا كذلك فنقول اولا لم خصصت حصولها بالحصول الجمعي وهي حاصلة له بالحصولين وثانيا هل هذا الحصول الفرقي المتغير بمعزل عن ذاته في الازل ام في ذاته فان كان بمعزل اختلف وان كان فيه تركب وان لم تحصل له حصولا فرقيا كنا علمنا منها ما لم يعلم منها والله سبحانه اخبر في كتابه بانكاره على من يظن ذلك فقال الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وقوله عليه السلم علمه بها قبل ان يكونها كعلمه بها بعد تكونها فان قيل انه عليه السلام اراد بهذا معنى الاول على ما توهمه المصنف ففيه ما تقدم وان كان على ما نقوله فالمراد بعلمه بها قبل ان يكونها هو العلم الامكاني الراجح الوجود الذي ذكرناه فيما مضى من كلامنا وهو العلم المستثنى منه في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه وقوله كعلمه بها بعد تكونها في العلم المستثنى في الاية وهو الكوني المتساوي ومعنى الكلام انه يعلمها في العلم الامكاني اي يعلمها بامكانها يعني انها ممكنة فعلمه بانها ممكنة في مشيته على اي وجه شاء لا انها واجبة ولا ممتنعة هكذا في امكانها قبل ان يكونها وبعد ان كونها هي على ما هي عليه قبل التكوين من امكانها وجريانها وانقيادها لارادته لم تختلف حالة امكانها وانقيادها لما يريد بعد تكوينها فهي على حالتها الاولى قبل تكوينها فعلمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها ووجه آخر قال العلماء العارفون ان المشبه في القرءان وفي كلام اهل العصمة عليهم السلام نفس المشبه به وهو كلام متين قد اقمنا عليه البرهان في مباحثاتنا بحيث لا يشك فيه من له قلب او القى السمع وهو شهيد وعليه يكون المعنى ان علمه تعالى بها قبل كونها عين علمه بها بعد كونها فاذا قلنا ان المراد من علمه بها قبل كونها هو العلم الامكاني لا العلم الكوني لانه اي الكوني لا يوجد الا حال كونها كان المعنى ان علمه بها قبل كونها هو علمه بها بعد كونها اي بعد فناء كونها لانها اذا فنيت اكوانها رجعت الى امكانها او نقول انها حين لم تخرج عن امكانها بل هي على ما هي قبل من الانقياد لامره وفعله فيكون المعنى علمه بها قبل كونها نفس علمه بها بعد كونها اي بعد ان كونها يعني حين كونها مكونة وقول بعض ان المعلول الواجب الوجود عند حصول علته التامة فهي حين كونها واجبة وان كان وجوبها بالغير كلام قشري لانها لا تخرج بذلك عن كونها ممكنة انظر الى قوله تعالى الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثابتا لا يتغير وان تغيرت علة وجوده لانه تعالى سبب من لا سبب له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب فان قلت هذا ينقض ما قررت بانه لا يكون عنه شيء من ذاته بدون فعل قلت هذا يقرر قولي لان قوله عليه السلم : يا سبب من لا سبب له يعني انه يسبب الاسباب لمن يشاء من غير ان يكون الشيء مقتضيا للتسبيب فان الشيء قد يكون لذاته غير مقتض لانبعاث سببه بقابليته او لعدم قابليته فاذا شاء تعالى وله الحمد سبب له سببا فكان الشيء بذلك السبب مقتضيا بقابليته الحاصلة له من نفسه بعلة حصول السبب له وهو على كل شيء قدير واما ان المفعول يستحيل حصوله عن فاعله بغير فعل فمما لا شك فيه ومن الامور الدالة على ان العلة الملكية والملكوتية والجبروتية اذا كانت تامة فليست تامة الا بارادته لان الاشياء حين خلقها سبحانه لم يستقل في نفسها وافعالها بالوجود والبقاء الا بامره بل هي في نفس الامر وما يصدر عنها من الافعال قائمة بفعل الله سبحانه وارادته قيام صدور فهي ابدا طرية ومثالها كالصورة في المرءاة فانها قائمة بمدد ظهور المقابل قيام صدور فمن ذلك نار النمرود حين القى فيها ابراهيم على محمد واله وعليه السلم لم يمد احراقها لابراهيم عليه السلم خاصة وكان الطائر يمر عليها في الهواء فيحترق لما قال لها كوني بردا يعني لم يأذن لها في احراق ابراهيم عليه السلم حتى انه لو لم يقل وسلاما لاحرقه بردها ولو كان احراقها بغير الله تعالى اي بغير فعله لاحترق ابراهيم عليه السلم فكون الواجب الوجود لوجود علته لم يخرج بذلك عما هو عليه من الامكان مما لا ريب فيه فليس شيء يصح اطلاق الشيء بالذات عليه الا الله سبحانه وبالغير الا فعله وخلقه فالواجب تعالى واجب لذاته والممكن ممكن به تعالى لا بذاته كما يتوهمه من لم يوجده الله تعالى نفسه
قال وكقوله عليه السلم علمه بالاموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين وعلمه بما في السموات العلى كعلمه بما في الارضين السفلى
اقول هذا العلم هو العلم الحصولي والحضوري فان كل شيء حاصل له وحاضر لديه كل فيما اقامه فيه من مكانه ووقته لانه لم يكن في الازل خلوا من ملكه في الامكان اذ ليس عنده استقبال فهي ملكه يعلمها بما هي عليه وما هي عليه هو علمه بها وما هي عليه حالتان : الاولى كلها واحدة وهي كونها خلقه ووجوداتها خلقها من هيئة فعله واخترعها لا من شيء فهي من هذه الجهة شيء واحد وقولي شيء واحد اريد به اشتراكها في الوجود اشتراكا لفظيا لان الوجود له طور غير ما يعرفونه وانا اشير اليه على جهة الاختصار لينتفع به اولوا الابصار وذلك ان الله سبحانه خلق بفعله الوجود وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو نور محمد واهل بيته الثلاثة عشر صلى الله عليه واله لم يخلق منه شيئا غيرهم ولم يبق منه شيء بعد وجودهم وكان تعالى قد ملأ به العمق الاكبر في المرتبة الثانية من الامكان وهو الوجود الكوني على الحقيقة الاولى وخلق تعالى من فاضله يعني من شعاعه نورا وسماه وجودا كما سمي نور الشمس بالشمس وقسمه مائة واربعة وعشرين الف قسم وذلك بعد خلق الاول بالف دهر فجعل كل حصة منه روح نبي ورسول ثم خلق من فاضل هذا النور يعني من شعاعه نورا بعده بالف دهر فخلق منه انوار المؤمنين ثم خلق من شعاع انوار المؤمنين وارواحهم ارواح الملائكة والجان من مؤمنيهم ثم خلق من شعاعه ارواح الحيوانات ومن فاضل الحيوانات النباتات ومن فاضل النباتات المعادن ومن فاضل المعادن الجمادات وخلق من بين كل اثنين برزخا ذا جهتين وكما اشتق وجود الادنى من وجود الاعلى اشتق من اسم الاعلى اسم الادنى فاطلاق الوجود على هذه الالفاظ باوضاع متعددة كلما وجد واحد وضع له اسم الوجود فاوضاعها حقيقة بعد حقيقة وهكذا لا حقيقة ومجاز ولا ان كلها بوضع واحد فيكون اشتراكا معنويا لان الاول وجد وسمي بهذا الاسم ولم يوجد الثاني وحين وجد لم يكن من الاول ليستحق اسمه بالوضع الاول ولا انها في مشهد واحد وطينة واحدة ليوضع عليها من باب المشكك فافهم والحاصل فالحالة الاولى هي كونها خلقه خلقها لا من شيء في كل رتبة فكلها واحدة فيعلمها تعالى هنا بما هي عليه من هذه الوحدة كما مثلنا سابقا بالسرير والباب والكرسي والسفينة وهي حالة الاجتماع والاتحاد في المادة والحالة الثانية ما هي عليه من حيث قوابلها وقيودها المشخصة لها من الكم والكيف والمكان والوقت والجهة والرتبة والوضع وغير ذلك فهي متعددة متمايزة فيعلمها تعالى بتعددها وتمايزها فالاولي كالحروف في المداد والثانية كالحروف المكتوبة في القرطاس فله بها علمان كل واحد منهما حصل بحصول رتبته ويعلمها بلا تقدم وتأخر وبتقدم وتأخر وكل في كتاب مبين
قال وكقول الباقر عليه السلام كان الله ولا شيء غيره ولم يزل عالما بما يكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه
اقول بيان هذا يعلم مما قبله
قال وكقوله عليه السلم لا كان خلوا من الملك قبل انشائه ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه
اقول القبلية هنا والبعدية راجعة في الحقيقة اليها في انفسها فان ما سيكون بعد الف سنة لم يكن عندنا لان زمانه الأن لم نصل اليه ونحن سائرون الى الاخرة ولا بد ان نصل اليه احياء او امواتا لانا في سفينة المكان والسفينة في نهر الزمان فهو يسير بنا ونحن قاعدون امااشعرت ان امس الماضي كان هو يومنا ويومنا هذا ونحن في الامس هو غدنا فسار بنا نهر الزمان عن يومنا حتى كان امس الى غدنا حتى كان يومنا فالمستقبل عندنا لم يكن وكان عند الله في وقته لا في ذاته تعالى كما يتوهمه من لم يفهم او لم يوفق لفهمه قال تعالى انهم يرونه بعيدا ونريه قريبا فالمراد من قبل انشائه كالغد عندنا وبذهابه كامس عندنا لا ان المراد انه يذهب بالكلية اين يذهب لو جاز ان يخرج شيء عن ملكه لذهب ملكه قال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ والمعنى في كل الاحاديث كما سمعت مما كتبناه لك فخذ ما آتيتك بقوة ولا تقل :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
لاني اقول كما قال في الجواب :
اذا انبجست دموع في خدودي تبين من بكى ممن تباكى
قال وكقول الصادق عليه السلام لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور
اقول قد تقدم بعض الكلام على معنى هذا الحديث والعجب من الملا كيف اورد هذا الحديث الذي بظاهره ينفي ما قرره ولكنه انما اورده لشبهة عرضت له وهي قوله عليه السلام والعلم ذاته فانه فهم منه ان العلم لا معنى له الا ما كان المعلوم معه او هو المعلوم ولم يتفطن الى قوله عليه السلام ولا معلوم لانه فهم من معنى ولا معلوم متعدد متكثر واما المعلوم المتحد اتحادا جمعيا فلم ينفه الامام عليه السلام وقد غفل عما نبهنا عليه سابقا مرارا انه ان كان يعلم في الازل المتحد ولم يعلم المتعدد لم يكن عالما مطلقا في الازل فاما ان يعلمهما معا ولا يوافقه قوله عليه السلام ولا معلوم او لا يعلمهما معا فلا يكون عالما ولا يوافقه قوله عليه السلام والعلم ذاته فعلي ما ذهب اليه من طريقة المتصوفة من القول بوحدة الوجود تكون الاشياء كلها في الازل باعتبار كما قال شاعرهم :
كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن إلي
كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي
ومراده هو مراد الشاعر ومثال مرادهم كالشجرة فانها باعتبار انها شجرة واحدة لا تقبل القسمة فهي كالحق تعالى عما يقولون علوا كبيرا وباعتبار الاصل والاغصان والورق والثمر كثيرة فهي كالخلق ولكنك تقول هذه الشجرة الواحدة فتطوي هذه الوحدة تلك الكثرة طواهم الله في نار جهنم طيا وبالجملة فالحديث لا يناسب له الاستشهاد به ولا ذكره فانه عليه السلام قال والعلم ذاته ولا معلوم ثم قال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم فلا ادري ما يقول هذا الواقع عليه حين وجد هو ذات الله ام فعله فان قال ذاته كفر وان قال فعله بطل جميع ما ذكر وان قال لم يقع شيء رد قول الامام عليه السلام وهو رد لقول الله تعالى مع انا قدمنا ان العلم المرتبط بالمعلوم الواقع عليه لا يحصل للعالم الا مع المعلوم كما نقلنا من التوحيد عن حماد بن عيسى قال سألت ابا عبد الله عليه السلام فقلت لم يزل الله يعلم قال اني يكون يعلم ولا معلوم قال قلت فلم يزل الله يسمع قال اني يكون ذلك ولا مسموع قال قلت فلم يزل يبصر قال اني يكون ذلك ولا مبصر ثم قال لم يزل الله عليما سميعا بصيرا ذات علامة بصيرة ه وقد تقدم وهذا ظاهر لمن طلب العلم والهدى
قال وكقول الكاظم عليه السلام لم يزل الله تعالى عالما بالاشياء قبل ان يخلق الاشياء كعلمه بالاشياء بعد ما خلق الاشياء
اقول يراد بهذا العلم المرتبط بالاشياء اما العلم الذاتي والتعلق في الحدوث بوقوع الفعلي على المعلوم فكما قال الصادق عليه السلام كان الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم الخ لان الوقوع والتعلق لا يكونان بغير شيء وهو اي الواقع على المعلوم العلم الفعلي الذي في رواية حماد بن عيسى في قوله عليه السلام اني يكون يعلم ولا معلوم واما العلم الامكاني فكما ذكرنا قبل فراجع
قال وكقول الرضا عليه السلام له معنى الربوبية اذ لا مربوب وحقيقة الالهية ولا مألوه ومعنى العالم ولا معلوم ومعنى الخالق ولا مخلوق وتأويل السمع ولا مسموع ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البرائية كيف ولا تعينه مذ ولا تدنيه قد ولا تحجبه لعل ولا توقته متى ولا يشمله حين ولا يقارنه مع
اقول قوله عليه السلام له معنى الربوبية اذ لا مربوب يراد ان الربوبية صفة الرب وهو صفة فعل فلا يوصف بالربوبية لانها محدثة صفة المربي للشيء والمالك له فهي صفة اسماء الفاعلين والذات البحت لا توصف بذلك نعم توصف بمعناها وهي العلم والقدرة والغني المطلق وحقيقة الالهية هي معنى الربوبية ومعنى العالم اذا اريد منه التعلق والوقوع والمطابقة معنى الربوبية وتأويل السمع ولا مسموع كالعالم يعني اذا اريد به ذلك لان السمع والعلم اذا لم ترد بهما السمع والعلم الفعليان هما عين الذات بلا تأويل كما مثلنا سابقا وكذا القدرة واما الخالق فاسم فاعل وهو صفة فعل كذلك ولا يصح ان يوصف الواجب تعالى نعم يوصف بمعناه وهو معنى الربوبية والالهية والمراد من كون العلم والقدرة والغني المطلق معنى صفات الافعال ان الفعل ينشأ عن العالم به والقادر عليه وذكر الغني المطلق لبيان ان معنى الربوبية والالهية والخالقية وما اشبهها انما توصف بها الذات البحت اذا كان معناها الذي هو العلم والقدرة يراد منه ما هو الغني المطلق اذ قد تكون لنا معنى الخالق مثلا وهو علمنا وقدرتنا المفتقران الى الغير وهذا المعنى لا يوصف به تعالى وانما يوصف به معنى ذلك الذي هو الغني المطلق يعني انه تعالى يوصف بعلم هو نور لا ظلمة وقدرة هو نور لا ظلمة فيه وقوله عليه السلام ليس منذ خلق استحق معنى الخالق يريد انه تعالى استحق معنى الخالق قبل ان يخلق الخلق لان معنى الخالق هو ذاته وخلق انما حصل له مع المخلوق وان تقدم عليه ذاتا ومعنى كون العلم والقدرة المطلقين معنى الخالق ومعنى سائر صفات الخلق انهما منشأ خلق وانشأ وما اشبههما من صفات الافعال كما قال الصادق عليه السلم على ما في الكافي عن عاصم بن حميد في الصحيح عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت لم يزل الله تعالى مريدا قال ان المريد لا يكون الا المراد معه لم يزل عالما قادرا ثم اراد ه فبين عليه السلم ان معنى الارادة العلم والقدرة لانهما منشأ الارادة لان المريد لا تكون عنه الارادة اذا كان عالما بالمراد قادرا عليه وكذلك معنى البراءية التي هي صفة موجد اعيان الاشياء كما ان الخالقية صفة موجد اكوان الاشياء فان برء انما اتصف به اتصافا فعليا لم يحصل له الا مع احداث اعيان الاشياء وقوله كيف ولا تعينه مذ اي لا يجوز ان يتصف بالخالق الذي لا يتعين الا بالابتداء ولهذا يجوز ان يقال خلقه مذ اول الدهر فلا يجوز عليه التوقيت فاذا ثبت انه خلق دل على اتصافه لذاته بالعلم والقدرة اللذان عنهما صدر خلق ولا تدنيه قد لانها لتحقيق ما لم يكن متحققا قبل ذلك ولا تحجبه لعل لان لعل للترجي الذي هو توقع الاستكمال لمن يمكن له قبل ان يحصل له ولا توقته متى لان متى انما هي للسؤال عن الوقت والموقت لذاته متوقف في وجوده وكماله على ذلك الوقت ولا يشمله حين لان حين وقت من الدهر فاذا جاز ان يشمله دل على كونه محاطا بالدهر لان الدهر قبله وبعده فيكون وجوده مقيدا بذلك ولا تقارنه مع لان المقارن مع شيء يساويه ذلك الشيء فيما قارنه فيه وليس كاملا مطلقا بل بالاضافة الى غير ذلك ٱلشيء فهو ناقص في حال وهو كونه اكمل من غيره لانه اذا فرض له جواز ان يكون اكمل ممن سواه وحصل معه في ذلك غيره نقص عما جاز له من التفرد بالكمال ولما كانت هذه الصفات التي هي الربوبية والالهية والعالمية المقترنة والخالقية والسميعية وما اشبه ذلك من الصفات المقتضية للاقتران والمعية والمطابقة واللزوم لا يجوز الا على من تعينه الصفة الابتدائية وتقرب منه الهيئة ويحجبه الطلب ويصحبه الوقت ويحيط به الدهر ويقترن به الغير وكان تعالى مبرءا من هذه الصفات منزها عن هذه الحالات وكان قد صدر عنه مقتضياتها ولوازمها دل ذلك على انه كان متصفا بمعانيها التي نشأت هذه المبادي عنها لذاته ولما كان التغاير والاختلاف موجبا للحدوث والفقر والتركيب دل على ان تلك الصفات التي هي تلك المعاني ليست شيئا غير ذاته والا لزم الحدث كما دل اول هذا الحديث في قوله عليه السلام لشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ولما كانت تلك الصفات المقتضية للاقتران صادرة عنه تعالى دل على انها صفات افعال له لانه تعالى كان ولا شيء معه وموجب التفرد له تعالى هو ذاته فيجب ان يكون ازلا وابدا كذلك فكانت المقترنة صفات افعاله فابان عليه السلم في هذا الحديث الشريف ما هو الواقع ولاينبئك مثل خبير ولو تفطن الملا في هذا الحديث ما اورده لما تضمن وصرح بنقض جميع ما ابرم والسلام على من اتبع الهدى
قال هذا ما اردنا ايراده في هذا المختصر وهو لباب الكلام في هذا المقام للمتوسطين من ذوي الافهام ومن اراد الزيادة عليه واعلى منه فليطلبه من كتابنا الموسوم بعين اليقين فان فيه اسرارا لا يحتملها الاكثرون ولا يمسها الا المطهرون والحمد لله رب العالمين والصلوة على محمد واله الطاهرين
اقول قوله وهو لباب الكلام في هذا المقام يعني لباب كلام الصوفية في الكلام على علم الله تعالى الذي هو ذاته فانهم كيفوا علمه ووصفوه واما ائمتنا عليهم السلام فانهم نهوا عن الكلام في ذات الله ففي التوحيد بسنده عن ابي بصير قال قال ابو جعفر عليه السلام تكلموا في خلق الله ولا تكلموا في الله فان الكلام في الله لا يزيد الا تحيرا وفيه بسنده الى محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال تكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فان قوما تكلموا في الله عز وجل فتاهوا حتى كان الرجل ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه وينادي من خلفه فيجيب من بين يديه وفيه عن عبدالرحيم القصير قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن شيء من التوحيد فرفع يديه الى السماء وقال تعالى الجبار ان من تعاطي ما ثم هلك وفيه عن فضيل بن عثمن عن ابي عبد الله عليه السلم قال دخل عليه قوم من هؤلاء الذين يتكلمون في الربوبية فقال اتقوا الله وعظموا الله ولا تقولوا ما لا نقول فانكم ان قلتم وقلنا متم ومتنا ثم بعثكم الله وبعثنا فكنتم حيث شاء الله وكنا ه والاحاديث عنهم عليهم السلم لا تكاد تحصى في ذلك والكلام في علم الله الذي هو ذاته فهو كلام في الله فمن علم بذلك وتكلم في علمه الذي هو ذاته فانه لم يأتم بهم بل جانبهم واتبع اعدائهم الصوفية كما نطقت به احاديثهم وقوله فليطلبه من كتابنا الموسوم بعين اليقين الخ اقول هذا الكتاب وغيره من سائر كتبه كلها مثل ما في هذه الرسالة يسقى بماء واحد ليس فيها كلها شيء بل حرف واحد من مذهب اهل البيت عليهم السلم بل كلها من كلام القوم الا بعض الاحاديث ينقلها ويصرف معناها الى مراد القوم ولكن يكفيك ما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه : ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا غاية لها ولا نهاية ه
وانا اوصيك في الا تظن بي ان بيني وبينه شيئا دعاني الى الرد عليه لا ولكني اذا اردت بيان كلامه ابينه بما يذهب اليه وان كنت اعتقد فساده او ابينه بما اعتقد فان قلت بل بما تعتقد فهكذا والله فعلت لا غير وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد واله الطاهرين
وقع الفراغ من هذه الكلمات ضحى يوم الجمعة الخامس من شهر ربيع الثاني سنة الثلاثين والمائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلوة والسلام بيد مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين الدين ٱلاحسائي المطيرفي في البلد المحروسة كرمانشاهان حامدا مصليا مستغفرا تائبا