شرح حديث: رأس الجالوت

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - شرح حديث: رأس الجالوت

رسالة في شرح حديث رأس‌الجالوت

الذي سأله مولانا الرضا عليه السلم على سبيل الالغاز والتعمية

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي قد التمس مني من تجب ( يجب خ‌ل ) على طاعته ان اشير الى بعض بيان حديث نقل عن بعض المشايخ وهو وان لم‌ يجده مسندا الا ان المطلوب بيان معناه لانه قد جرى في السؤال والجواب على سبيل الالغاز والتعمية لان السائل قصد به الاستخبار والاستعجاز فامتثلت امره على غير ميل مني لذلك لان الذي فهمته منه يتوقف على بسط واشارات وتكثير كلمات في تقديم مقدمات والقلب غير مجتمع لها ولكن اقتصر على بعض الاشارة اعتمادا على فهمه واقتفاء لرمه ( لرأسه خ‌ل ) فاقول وبالله ( الله خ‌ل ) المستعان وعليه التكلان :

قال سلمه الله تعالى : سأل رأس‌الجالوت مولانا الرضا عليه السلم فقال يا مولاي ما الكفر والايمان وما الكفران وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان وقد نطق كلام الرحمن بما قلت حيث قال في سورة الرحمن الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان فلما سمع الرضا عليه السلم كلامه لم ‌يحر جوابا ونكت باصبعه الارض واطرق مليا فلما رأى رأس‌الجالوت سكوته حمله على عيه وشجعته نفسه بسؤال آخر فقال يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر والمتكثر المتوحد والموجد الموجد والجاري المنجمد والناقص الزائد فلما سمع الرضا (ع) كلامه ورأى تسويل نفسه له قال يا ابن ابيه اي شيء تقول وممن تقول ولمن تقول بينا انت انت صرنا نحن نحن فهذا جواب موجز

اقول ان السائل قد علم ان محمدا (ص) واوصيائه عليهم السلم حجج الله وانهم اذا سئلوا اجابوا كما نزلت به كتبهم ونطقت به انبيائهم و لكن بناء على اعتقاده الفاسد بان محمدا العربي صلى الله عليه وآله لم ‌يبعث رمز في سؤاله وجعله معمي تشديدا منه على المسئول لظنه به انه مدع ليختبر صدقه بفك الرموز واستخراج الكنوز والامام عليه السلم عرف بالتوسم سريرته في قصده وطيب طينته في حقيقته ومآل امره فسكت عن معاجلة الجواب لتقوي نفسه فيستقصي سؤالاته ولئلا تضعف نفسه عن ادراك الجواب بسبب المعاجلة وليظهر له حسن اناته عليه السلم ليعرف حسن خلقه فيكون معينا له على قبول الاسلام وانما اجابه (ع) برمز اشد من رمزه وادق حتى انه لا يعرفه ولا يدرك معناه مع قلة لفظه واختصاره ليظهر صحة ما يدعيه من الخلافة الكبرى باتيانه بما لا يستطيعه ولا يحيط به علما ولما علم عليه السلم ان هذا لا يقطع حجته لانه لا يفهم منه جواب مسئلته بل له ان ينكر ويقول انك لم ‌تجبني عن سؤالي استدرك ذلك فقال واما الجواب المفصل الخ واتى به ممزوجا بالبيان رمزه ليفهم الجواب من بعضه ويذل في نفسه بعجزه عن كله فانه عليه السلم رمز فيه اشياء لا يعرفها الا الخصيص من المؤمنين ولهذا قال عليه السلم ويعلم قولنا من كان من سنخ الانسان اشارة الى قولهم (ع) ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنع لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان فسئل (ع) فمن يحتمله قال من شئنا وينبغي الاشارة الى بيان السؤال في نفسه ليتبين مطابقة الجواب له فنقول قوله ما الكفر والايمان يشير الى قوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ولهذا قدم الكفر كما في الاية قوله وما الكفران يريد الكفر بالطاغوت والكفر بالله قوله وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان الشيطانان اذا اطلقا النفس الامارة والشيطان المقيض فعلى هذا المعنى يكون معنى قوله كلاهما المرجوان ان النفس يرجى لها ان تكون مطمئنة والشيطان يرجى له ان يسلم كما قال صلى الله عليه وآله لكل نفس شيطان فقيل وانت يا رسول الله (ص) فقال نعم ولكنه اسلم وفي رواية ولكن اعانني الله عليه والمراد واحد يعني اسلم وذلك لان ذلك الشيطان المقيض انما قيض لها ليعينها على مقتضي ميلها الى ملكها وهو المهية فاذا اطمأنت النفس وكانت تابعة للعقل في مقتضيات ملكه وهو الوجود اسلم الشيطان المقيض لها وكان تابعا للملك المؤيد للعقل فبهذا اللحاظ يكونان مرجوين ومعنى اخر ان معنى المرجوين المؤخر حكمهما من الشقاوة والسعادة من الارجاء اما في انفسهما او في متعلقهما وهذا ظاهر في معنى الشيطانين اذا اطلق هذا اللفظ بل احسن ما ينبغي ان يفسر به الا ان جواب الامام عليه السلم يدل على ان المراد ظاهرا بهما الكفران لقوله عليه السلم كما يأتي وهما المتفقان المختلفان وهما المرجوان فعلى قوله (ع) كما هو الحق لانه اعلم بالمراد يجوز ان يراد به الحقيقة او المجاز فان اراد الحقيقة ففيه غموض وخفاء والاشارة اليه ان الكفر الذي هو الستر والجحود اسم معنى والمعاني في الحقيقة اعيان بالنسبة الى ما دونها كما ان الاعيان معاني ( معان خ‌ل ) بالنسبة الى ما فوقها يعني ان الاعراض جواهر لاعراضها كما ان الجواهر اعراض لعللها وحيث انقسم الوجود الى نور وظلمة فكل نور ملك وكل ظلمة شيطان والمركب منهما انسان فعلى هذا يظهر البيان في ان الكفر بالله شيطان ويخفى ان الكفر بالطاغوت شيطان الا على معنى انه مطلق جحود وهو في الحقيقة ستر وفقدان ثم معنى كونهما مرجوين انهما في معرض الزيادة والنقصان وجواز التغيير والتبديل في حكم الامكان فان اراد المجاز فمن باب تسمية المسبب باسم السبب امتحانا في البيان وقوله وقد نطق كلام الرحمن بما قلت الخ استشهاد على صحة كلامه فان الله سبحانه قال الرحمن علم القران خلق الانسان الذي هو محل الكفر والايمان بما اوجب له وعليه من البيان وهو هداية النجدين واعطائه الركنين الاعظمين اللذين هما مأوى الملك والشيطان ومنشأ الكفر والايمان وهما الوجود والمهية فان للوجود وجها ومرءاة وهو العقل وهو صورة وجه الراس الخاص به من العقل الكلي والملك موكل بهذه الصورة وللماهية وجه ومرءاة وهو النفس الامارة وهي صورة وجه الراس الخاص به من الجهل الكلي والشيطان مقيض لهذه الصورة والانسان الذي هو مجموع الركنين محل تعليم البيان فهداية نجد الخير للوجود يستعمله العقل بمعونة الملك وهداية نجد الشر للماهية تستعمله النفس بمعونة الشيطان فاستدل على الايمان في الانسان بالملكين العقل والملك وعلى الكفر بالشيطانين النفس والشيطان ولو فرضنا انه حكى سؤاله عن بعض الكتب المنزلة او عن بعض الانبياء بان الشيطانين هما المذكوران في سورة الرحمن من القران المنزل بخير الاديان فالمراد بهما ما ذكرنا من النفس والشيطان والكفر بمعنييه على ما تقدم من البيان والشمس والقمر اللذان هما في الدنيا والاخرة بحسبان فانهما المرادان بالشيطانين والجبت والطاغوت وهما منشأ كل كفر وعدوان وايضا قوله تعالى علمه البيان اي علم الانسان القران الذي هو بيان كل شيء فالانسان هو كتاب القران فان كنت ايها المسئول ذلك الانسان المعلم البيان فانت تعلم مرادي وتجيب سؤالي وسكوته عليه السلم عن المعاجلة لما قلنا سابقا من اظهار الافادة والرفق والتشجيع له للترغيب واستقصاء سؤاله وقوله ما الواحد المتكثر والمتكثر المتوحد الخ يوجد جوابه في الانسان بدليل استشهاده بقوله تعالى خلق الانسان الخ فالانسان بالنظر الى مهيته وهي المهية الثانية له واحد ( المهية الثانية واحد خ‌ل ) ويؤيده توحيد افعاله وارادته وانيته وبالنظر الى بدئه واركان مهيته متكثر لانه وجود ومهية ويؤيده اختلاف افعاله في نفسها وارادته في نفسها وفي متعلقاتهما فيصدر عنه الضدان في حالين فمن جهة وجوده ايمان ومن جهة ماهيته كفر بالله ومن بينهما كفر بالشيطان وهو الموجد بفتح الجيم بفعل الله المنجمد بسكون مفعوليته وبرودتها الزايد بالمدد المتصل الذي به بقاؤه ( الذي بقاؤه خ‌ل ) فانما هو شيء بالمدد الا انه سبحانه يمده مما له فهو نهر يجري مستدير عوده الى بدئه وبدؤه من عوده فهو كرة مجوفة تدور على قطبها لا الى خصوص جهة الا جهة قطبها المنزه عن الجهة وهو الموجد بكسر الجيم بامر الله وقدره كلما يصدر عنه من الاقوال والاعمال من كفر وايمان والجاري فيها على حسب التيسير والتقدير من الحكيم الخبير والناقص بما يعود منه الى بدء الزيادة فيه وما اشبه ذلك ولا ينافيه جوابه عليه السلم بقوله تعالى مرج البحرين يلتقيان كما يأتي لان البحر العذب وجوده والملح الاجاج مهيته والبرزخ ربطه بها وارتباطها به وقد فصلنا هذه المعاني في رسائلنا تفصيلا من اراد ذلك طلبه هنالك ( هناك خ‌ل ) الا ان سياق جوابه عليه السلم يدل ظاهرا على انه الكفر لانه بحسب المفهوم اللغوي ظاهرا واحد وهو التغطية والستر ومتكثر فانه كفر بالطاغوت وكفر بالله وهو الموجد بفتح الجيم من مادة وصورة مادته امر الله بالقبول عنه وصورته قبول المكلف وانكاره فامر الله مع القبول ايمان بالله وكفر بالطاغوت ومع الرد والانكار كفر بالله وايمان بالطاغوت ومطلق الكفر خلقه الله بقبول امره ايمانا وبرده كفرا وهو الموجد بكسر الجيم لانه صورة الثواب والعقاب فهو القابلية المطلقة فقبولها التكليف من وجهه ايمان ومن وراء ظهره كفر وانما نسب الايجاد اليه مع انه ليس منه الا القبول بالاختيار لان القبول صنع يسند الفعل به الى نفسه ولهذا كان امر الفاعل فاعله المفعول فاذا قال ( تعالى خ‌ل ) كن كان فاعل امره الذي هو كن انت ايها المكون بفتح الواو وضمير المكون فاعل امر المكون بكسر الواو والفاعل موجد وهو ظاهر وهو جار في المعاني والاعيان على سنن واحد كما هو شأن المطاوعة تقول خلقه فانخلق ولهذا كان القبول منشأ الصورة والحقيقة انما هي حقيقة بها لانها مناط الاحكام والافعال والتكليفات لا المادة وان كانت لا تتقوم الصورة الا بها وهو الجاري في جميع جزئيات المعاصي بالانعكاسات المعنوية وهو المنجمد لغلبة الطبع على قلوبهم التي هي محله بحكم وكذلك حقت كلمة ربك وقال تعالى ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله والاستثناء حكم الامكان كما قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك فلا ينافي الانجماد والناقص قد يتحقق نقصانه بذهاب بعض جزئياته التي هي اثاره كما لو عمل الكافر بعض الطاعات ولو بغير اختياره ورضاه ولم‌ يعرف ( لم ‌يوف خ‌ل ) عمله في الدنيا ولا في البرزخ بسبب مانع او لكثرته فانه يخفف عنه مقتضى عذابه في النار بحيث لا يحس به وهو في النار وفي امالي الطبرسي ان النبي صلى الله عليه وآله سأل جبرئيل عليه السلم عن حاتم طي فقال ان الله يبني له بيتا من مدر في جهنم كيلا يصيبه وهجها نقلته بالمعنى وذلك لاجل كرمه وهذا في الحقيقة نقصان في الكفر فافهم والزايد بعكس الناقص واليه الاشارة بقوله تعالى ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا فافهم فلما تبين له عليه السلم من السائل ما يخشى منه منافاة المقصود اجابه على الفور لبيان انه لو كان السكوت للعجز عن اول السؤال لما اتى على الفور بعد انقطاع اخره الذي هو اصعب من اوله بجواب بسيط يجمع الاول والاخر ليبهت السائل وليعلمه انه عرف الاول والاخر بدليل وحدة الجواب واجماله وليظهر له ما لم ‌يعلم فقال روحي فداءه يا ابن ابيه وفيه لطايف كثيرة منها الاستحقار له من جهة ابيه لينفره عن دينه الاول ومنها التنبيه على انك ما توهمت من هذه الاوهام الا لما فيك من عادة المذهب الذي كان ابوك عليه ومنها ان عدم نسبته الى ابيه انه ليس له اب يسمي به كناية عن ضلالته وعدم رجوعه في دينه ومعرفته الى ركن وثيق كما يثق الابن بانتسابه الى ابيه ومنها عدوله عن اسمه الى اسم ابيه اشارة الى انك الى الان لم ‌يعرف اسمك الذي يستقر دعائك به فيما بعد وان كان يعلم مآله الى اسم السعيد الا ان الشيء ما لم ‌يكن يجوز في حكم المشية ان لا يكون كما قال عليّ عليه السلم في جواب ميثم التمار لما ذكر امر ابن ‌ملجم لعنة الله عليه قال عليه السلم لولا اية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهي قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت مع انه عليه السلم يعلم انه قاتله فافهم ومنها ارادة ابهام اسمه بشارة منه له الى ان اباه الحقيقي محمد صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة وغير ذلك من اللطايف قال عليه السلم اي شيء تقول اي ما تريد بقولك اتريد التعجيز ام تريد الاستخبار للمسئول ام تريد الاستفهام ام تريد الهداية والرشاد فكلما تريد تجد للباطل نفيا وابعادا وللحق هداية وارشادا وممن تقول فان من تقول عنهم في صوابهم الينا راجعون وبنا يهتدون ولمن تقول وانت لا تعرفه حتى سولت لك نفسك التعجيز له ولو علمت استسلمت قال عليه السلم بينا انت انت صرنا نحن نحن اقول ليس لي امتداد ولا في دواتي مداد ولا في قلمي استمداد وليس في عقلي بالفعل استعداد لما في سريرات الفؤاد في البيان عن كل ما اراد ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور قال بينا انت انت في انخفاضك وانحطاط مقامك عما تتوهم من التعجيز اذ ظهرنا لك في اعجاز لك تبهت فيه عن وجدانك فانت حينئذ مثل للكفر بالله ونحن حينئذ اصل الايمان ومثلنا الكفر بالطاغوت لانه صفة الايمان بالله الذي نحن اصله لقوله تعالى الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان وبيانه في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان البحر الاول القران والثاني كتاب القران الذي هو الانسان وهو نحن المعلمون البيان والبرزخ جدنا صلى الله عليه وآله حملنا القران فتحملنا قال بينا انت انت في كفرك اذ صرنا معك نحن نحن اي ان الكفر ما كنت عليه والايمان ما تكون معنا عليه اذا اسلمت فان الايمان كونك معنا على ديننا والكفران وقعا منك في حالتيك الاولى قبل الايمان كفرك بالله والثانية بعده كفرك بالطاغوت وقد مرج بحري كفريك في ارض جسدك يلتقيان بينهما الجاذب الى الخير فلا يبغي كفرك بالله اولا على كفرك بالطاغوت اخيرا بان يلوثه بشوب من ظلمته ولا كفرك بالطاغوت كفرك بالله اولا الا بالعدل والجاذب البرزخ وهو لطف نبوة جدنا صلى الله عليه وآله قال بينا انت انت في تشخصك وظهورك المجتث بحيث يشار اليك وانت سراب كأنك ماء عند الجهال وهذا مثل للكفر والاعمال المترتبة عليه كما قال تعالى والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء الاية اذ صرنا نحن نحن اي تبين الرشد من الغي والرشد الايمان بالله الذي صفته الكفر بالطاغوت والغي الايمان بالطاغوت الذي اصله الكفر بالله والكفران في هذه الوجوه الثلاثة هما البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج وهما ثمرة علمه البيان وهما الشيطانان المرجوان على احد الوجهين المتقدمين كما قررنا سابقا من ان العذب منهما الشيطان المسلم ومن ان المعاني اعيان فلاحظ وبالجملة فهذا تمثيل للجواب الموجز المتضمن للمفصل كما اشرنا اليه على اكمل وجه واعم بيان

قال (ع) : واما الجواب المفصل فاقول ان كنت الداري والحمد لله البارئ ان الكفر كفران كفر بالله وكفر بالشيطان وهما الشيئان المقبولان المردودان لاحدهما الجنة وللآخر النيران وهما المتفقان المختلفان وهما المرجوان ونص به القران حيث قال مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فباي آلاء ربكما تكذبان ويعلم قولنا من كان من سنخ الانسان وبما قلناه يظهر جواب باقي سؤالاتك والحمد لله الرحمن والصلوة على رسوله المبعوث الى الانس والجان ولعنة الله على الشيطان فلما سمع رأس‌الجالوت كلامه بهت ونخر وشهق شهقة وقال اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص) وانك ولي الله ووصي رسوله ومعدن علمه حقا حقا
اقول قال عليه السلم فاقول ان كنت الداري اني اجيب بحقيقة الجواب ان كنت تعلم الجواب والحمد لله البارئ اي منشئ الاعيان اتى بالبارئ دون باقي الاسماء اشارة الى ان المسئول عنه او مبدئه انما هو في الاعيان التي هي اثر الارادة دون الاكوان التي هي اثر المشية ولو اراد ذلك لقال هو الخالق ( لقال الخالق خ‌ل ) ولما روعه اولا بما لا يدرك حقيقته حين قال له بينا انت انت صرنا نحن نحن ليجذب قلبه ( قلبه اليه خ‌ل ) لان السائل حين يجاب ربما يكون قلبه مشتغلا بالمعارضة والنقض فلا يدرك معنى الجواب ولا يهتدي الى الصواب واذا القى اليه ما لا يفهم حقيقته غفل عن المعارضة والنقض واقبل بكله على المجيب ولما روعه بذلك حتى انه نبهه بان هذا جواب موجز ليقبل على المفصل ليفهم ما لم ‌يفهمه حمد الله البارئ تنبيها على ان ما اوتينا من العلوم فمن نعم البارئ وانقطاعا اليه سبحانه ثم قال ان الكفر كفران يعني ان الكفر الذي هو التغطية والستر في اصله ( اصل خ‌ل ) اللغة ولذا يقال للليل كافر لانه يستر من يسير فيه والزارع كافر لانه يغطي البذر وهو الجحود ايضا قسمان كفر بالله وكفر بالشيطان وقوله عليه السلم وهما الشيئان المقبولان المردودان يعني به انهما مقبولان عند الله من جهة الكفر بالشيطان مردودان عنده من جهة الكفر به سبحانه فهما معا مقبولان من جهة مردودان من جهة ووجه اخر انهما مقبولان معا مردودان معا مقبولان معا ان الكفر بالشيطان مقبول عند الله والكفر بالله مقبول عند الشيطان ومردودان معا ان الكفر بالشيطان مردود عنده والكفر بالله مردود عنده وقوله عليه السلم لاحدهما الجنة يعني به الكفر بالشيطان وللاخر النيران الكفر بالله وهما المتفقان في معنى الجحود والستر والمختلفان في القبول والرد وفي الجنة والنيران وهما المرجوان من الرجاء فالمؤمنون يرجون بكفرهم بالطاغوت النجاة والفلاح والكفار يرجون بكفرهم بالله ظاهرا النجاة او الفلاح ومن الارجاء اي التأخير ( التأخر خ‌ل ) يعني ان كل واحد موقوف على الخاتمة اللاحقة التي هي السابقة في حكم الله قوله عليه السلم وقد نص به الرحمن حيث قال مرج البحرين يلتقيان قد اشرنا سابقا الى ان ( سابقا ان خ‌ل ) البحرين هنا في الانسان البحر العذب الفرات وهو الوجود والبحر الملح الاجاج وهو الماهية او ان البحرين هنا الكفر بالطاغوت هو البحر العذب الفرات السائغ شرابه والكفر بالله هو البحر الملح الاجاج ومعنى مرج ارسل البحرين متجاورين لا يتمازجان بما حال بينهما ببرزخ لا يبغي احدهما على الاخر ( الآخرين خ‌ل ) فلا يبغي الكفر بالله على الكفر بالشيطان لما ايد الله جنده بالمدد والمعونة ولا يبغي الكفر بالشيطان على الكفر بالله فلا يجبره لانه انما يدعوه ( لانه يدعوه خ‌ل ) بالاختيار فالبرزخ هو اللطف من الله بالمعونة والمدد للخير بالخيرات وللشر بالشرور ومدد الاول التوفيق والثاني الخذلان ثم قال فباي آلاء ربكما تكذبان ايها الكافران باي نعمة عظمى من نعم الله تكذبان بمحمد ام بعليّ ام ( او خ‌ل ) باحد منا اهل بيت محمد صلى الله عليه وآله فانا حجج الله العظمى وامثاله العليا ونعمه التي لا تحصى ويجوز ان يكون ايها الكفران باي نعمة عظمى من نعم الله تكذبان بناء على ما ذكرناه اولا من ان المعاني اعيان والصفات ذوات في نفسها وبالنسبة الى ما دونها وهكذا والذوات صفات واعراض بالنسبة الى ما فوقها وهكذا الا ترى ان نور الشمس كصورتها مستدير وله نور وذلك اذا وضعت المرءاة في نور الشمس كان فيها صورة الشمس وينعكس عن تلك الصورة نور كنور الشمس وليس ما في المرءاة من صورة الشمس انه صورتها التي فيها معها في السماء الرابعة بل ما فيها انما هو صورة النور الخارج عنها ولكن اكثر الناس لا يعلمون وقد دل على هذا الدليل العقلي والنقلي دلالة ليس فيها وهم ولا ريب لمن عرف وهو من مكنون علم اهل العصمة عليهم السلم فعلى ما قررناه لمن عرف وكشف الله عن بصيرته يكون العرض مكلفا ويكون طائعا وعاصيا باختياره كما ان الجوهر مكلف ويكون طائعا وعاصيا باختياره وان لم ‌يثبت ذلك في العرض لم ‌يثبت في الجوهر لكنه ثابت عندك في الجوهر فيكون ثابتا في العرض لانهما من جنس واحد بصنع واحد لرب واحد وان اختلفت الافراد في القوة والضعف والظهور والخفاء فلما قررناه جاز خطاب الكفرين في الاستشهاد بتأويل قوله تعالى فباي آلاء ربكما تكذبان فافهم ويجوز ان يكون اراد (ع) بذكر الاية الشريفة خطاب السائل ويكون المعنى فباي نعمة من نعم الله تكذب وتعرض وقد تبين لك الرشد في امر الكفرين كما قال سبحانه قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها وهو تعريض له ودعاء الى الاسلام او يكون المعنى ايها السائل فباي نعمة من نعم الله تكذب وتشك اشارة الى نفسه عليه السلم وما اظهر له من الايات الباهرات في جوابه له حتى انه شهق لهول عظيم ما ظهر له من مقامه عليه السلم في العلم والاطلاع على الاسرار التي لم ‌يعرفها احد من الانبياء السابقين وامثال ذلك مما لا يمكن فيه بيان جميع اسرار هذا الكلام لاستلزامه التطويل الذي ( التي خ‌ل ) تفنى الايام قبل انتهائه والى هذا اشار عليه السلم بقوله ويعلم قولنا من كان من سنخ الانسان يعني بالانسان نفسه وابائه وابنائه الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين والسنخ في لغتهم عليهم السلم فاضل الشيء وهو شعاعه ونوره ( نوره واثره خ‌ل ) وامثال ذلك والمعنى ان ما ( المعنى ما خ‌ل ) ذكرته يعرفه من كان من شيعتنا الممتحنين الذين هم من سنخنا لان كلامهم عليهم السلم صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه ( امتحن قلبه خ‌ل ) للايمان وشرح صدره للاسلام ولعل هذا الكلام جذب للسائل وترغيب بالاشارة ثم قال عليه السلم وبما قلنا ( قلناه خ‌ل ) يظهر جواب باقي سؤالاتك وهي الواحد المتكثر والمتكثر الواحد ( المتوحد خ‌ل ) والموجد الموجد ( والموجد خ‌ل ) والجاري المنجمد والناقص الزائد وقد تقدمت الاشارة الى توجيهها في الجملة ثم قال عليه السلم والحمد لله الرحمن لان الرحمن هو مفيض النعم يعني انه سبحانه بصفة الرحمة خلق ما خلق وافاض النعم وساير العلوم ولهذا قال الرحمن على العرش استوى لانه سبحانه استوى على العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فحمده من حيث خصوص هذه الصفة لانها علة النعم الظاهرة والباطنة وعلة الايجاد كله ثم قال عليه السلم والصلوة على رسوله المبعوث على الانس والجان لينبه السائل على ان ما رأيت وما لم‌ تره فانه من اثار رسالة جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله المبعوث الى الخلق كافة وهذا منه (ع) استدلال على اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله عند السائل فانه انما كان على اليهودية لعدم ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وآله عنده فقال له في سره وخاطبه في قلبه ان الذي ظهر لك من العلوم التي هي عندنا ( التي عندنا خ‌ل ) انما هو كالذرة في هذا العالم وكل ما عندنا مما سمعت وما ( مما خ‌ل ) لم ‌تسمع فانه من تبليغ جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله فان لم ‌يكن جدنا نبيا فكيف يمكنه ان يصدر عنه العلوم التي بهرت الاولين والاخرين وهو امي لم‌ يقرء ولم‌ يتعلم من احد واخبر بما مضى كانه في الماضين وعما يكون كانه في الغابرين وعما سيكون كانه في اللاحقين ثم قال عليه السلم ولعنة الله على الشيطان الذي يصد عن الحق واهله حتى عمي اكثر الخلق عن الحق مع انه اظهر من الشمس في رابعة النهار كما قال المتنبي :

فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
ولهذا لما اتاه البيان الذي القاه اليه دفعة بهت ونخر وشهق شهقة واسلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وقع الفراغ من تسويد هذه الاحرف من العبد ( الاحرف العبد خ‌ل ) المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي بعد ظهر يوم الثلثاء السادس ‌عشر من جميدي ‌الاولى سنة خمس وعشرين بعد المأتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلوة وازكى السلام والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المصادر
المحتوى