شرح عبارات الشيخ عليّ بن فارس في علم الحروف

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - شرح عبارات الشيخ عليّ بن فارس في علم الحروف

رسالة في شرح عبارات الشيخ عليّ بن عبدالله بن فارس

في علم الحروف

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الامين وعلى آله الطاهرين وعلى صحبه الاكرمين والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين

وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين هذه كلمات ذات تبيين تبين عن الحق المبين في هذا المضمار بايماء الى اسرار تبرق في الاسطار يكاد سنا برقه يذهب بالابصار في كشف بعض اشارات العلي الممارس شيخ ( الشيخ خ‌ل ) عليّ بن عبد الله بن فارس غمسه الله في فيوض عطفه وقلبه بين اصبعين من اصابع لطفه امين

قال : لما جال بنا قلم المعاني في ميدان البيان

القلم مصباح المعاني وهي تظهر منه لكونها عبارة عنه وهو الالف القائم بين البحرين وصاحب النقطتين وهو الاصل المتفرع ( للتفريع خ‌ل ) المسبح باسم البديع وهو صاحب جنان ( الجنان خ‌ل ) الصاقورة لانه نور السيناء ( نور المنبأ خ‌ل ) ذات المخبرة وهو المنيع في الحدائق الباكورة لانه طور سيناء ذو الشجرة باطنه السر ووعاؤه الدهر وهو مجري المداد من باطن صاد والمعاني ( صاد المعاني خ‌ل ) هي قصبة الياقوت وفيض اللاهوت وقوله في ميدان البيان الميدان له احدعشر مضمارا اشار تعالى اليها في سورة التوحيد في مقام التفريد لمريد التجريد بقوله هو فالخمسة ( فالخمسة الهاء خ‌ل ) اشارة الى بحر الوجوب يعني ظهور الثبوت وبحره المجرد ووعاؤه السرمد وهو السر المقنع بالسر ظاهره الظهور وباطنه الظاهر من حيث هو ظاهر وباطن باطنه الظاهر وباطن باطن باطنه الباطن من حيث هو باطن وباطن باطن باطن باطنه الباطن والستة حجب من سبحات الجلال اعلاها الحجاب الابيض وهو بحر موجه حوته وماؤه لاهوته لا يظهر ( لا يبرز خ‌ل ) منه ما برز عنه من سلك غير حوته يفقد لانه حقيقة المجرد ودونه حجاب الزبرجد والانبساط المجرد حيتانه لا يصطاده ( لايصطادها خ‌ل ) غيرهم الا انهم كما قال تعالى يتعارفون ( يتعارفون بينهم خ‌ل ) ودونه حجاب الياقوت واصل القوت لا موج فيه ولا موت يعتريه ودونه حجاب الدرة والمدار واصل الاطوار واخر الاكوار الصافي من الاكدار ( اكدار خ‌ل ) والعاري عن الاغيار ودونه حجاب هياكل التوحيد ومظهر القريب ومبدء البعيد ودونه حجاب الظلمات ووعاء التشكلات كثير العقارب والحيات فالخمسة اثبات الثابت بدون اثبات والستة مباينة ( مباينته خ‌ل ) لجميع الادراكات والبيان يظهر في هذا الاحد عشر المضمار كما بيناه

قال : الى هنا من الكلام الوجيز ( الموجز خ‌ل ) بالتشبيه والاستعارة على براق التورية الكلام الوجيز الرابع من مراتب الهاء المذكور انفا والتشبيه في الاسماء الثلاثة من بسم الله الرحمن الرحيم والاستعارة هي ظهوره لك بك واحتجابه عنك بك كما قال عليه السلم وكذلك التورية والبراق هي بقرة بني ‌اسرائيل يعني البرزخ بين المرتبة الاولي والثانية من مراتب الواو وهي حجاب الذهب ومركب العرب

قال : صحبت الروح الامري بالعروج المجازي الى سدرة المنتهى الروح الامري هي البراق ومأوى الاشواق والاذواق واول الفراق وبشير التلاق وقوله بالعروج المجازي انما جعله مجازيا مع انه هو العروج حقيقة لنسبته الى الحق سبحانه لان الحقيقة مجاز الحق تعالى وهو المرتبة الثانية من مجازه تعالى في الوجود الثاني اي المقيد وعالم المعاني من مراتب الواو وسدرة المنتهى لها اطوار لا تتناهى اعلاها في الوجود الاول اي المطلق المرتبة الثالثة ( الثانية خ‌ل ) من مراتب الهاء من ميدان البيان وفي الوجود الثاني اعلاها المرتبة الاولى من مراتب الواو في ميدان البيان

قال : والخطاب من جانب الطور الايمن من البقعة المباركة تحت ظل الشجرة الخطاب اشارة الى قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون والطور هنا الالف يعني الذكر الاول وهو ذو النقطتين وجانبه الايمن بابه وصاحب ( بابه صاحب خ‌ل ) القصد القويم والصراط المستقيم والبقعة هي وادي طوى وما استنار بتلك النار وما طوى ( وما حوى خ‌ل ) وهي ظل الشجرة وسورة البقرة والشجرة هي المشار اليها بمراتب الهاء وما ظهر بها اولها باطن باطن الباطن من حيث هو باطن واخرها الظهور وعين الفيوضات والنور والخطاب هو ذلك التحت والقائم ( التحت القائم خ‌ل ) بذلك الظل الذي هو النور والبقعة الوادي القائم بتلك الشجرة قال تعالى الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون اشارة الى الخطاب وقابل الخطاب وقال تعالى يوقد من شجرة مباركة اشارة الى دوام المدد بمشهد القيومية

قال : من اصطلاح اهل الصناعة الحقيقية الموسوية المسماة فلسفية بالدلالة الهرمسية الحرفية القرانية الحسابية الابجدية يريد بذلك ظهور المعلوم بعد صحو الموهوم في مرءاة المولود المكتوم في روضات الجنات باثار رفيع الدرجات فالصناعة هي اخت النبوة وعصمة المروة وقوله الحقيقية كما قال تعالى والله خلقكم وما تعملون وقوله الموسوية اشارة استخدام الى ظهور الصناعة بموسى عليه السلم فجرت على خالته ( حالته خ‌ل ) بحق وعلى قارون بباطل يعني عواقبها وذلك لظهور الصناعة التكوينية والتدوينية بموسى الكليم في التكميل والتتميم وقوله فلسفية اشارة الى فعل الظاهرة ( الظاهر خ‌ل ) وظهوره ومرءاة ظهوره بانها فعل حكيم يعني تدبير ( بتدبير خ‌ل ) واحد فنظام الخلق كنظام ( لنظام خ‌ل ) الرزق وكنظام التكليف بالعبادات وكالدنيا والاخرة وما فيهما وما بينهما وما امرنا الا واحدة وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فمن عرف ذلك ووقف على ذرات التكليف بل على احدها كالصلوة او على صنع البعوضة مثلا بالعلم الكرسي والعرشي فاز بكل العلوم وصحا له المعلوم ودبر المكتوم بقدر ( وبقدر خ‌ل ) ما يفوته من ذلك يفوته من مطلوبه وهي الدلالة الهرمسية والاعداد الحرفية في تنقلاتها في زبرها وبيناتها والايماءات القرانية والحسابات الابجدية الوفقية والفوقية

وقال : من الحروف النورانية بطريق يسفر عن وجه الاشارة ويميت ( يميط خ‌ل ) عن لثام العبارة بخلاف من شيد ابنية الدلالة عليه وضمنها ما شاء من الرموز اليه متوكلا على الله سبحانه فيما شاء بما شاء وهو على ما يشاء قدير وبعباده خبير بصير

اعلم ان الحروف الهجائية على قسمين نورانية وظلمانية وكل منهما اما ملفوظ واما مكتوب واما مسرود والكلام ( واما الكلام خ‌ل ) على النورانية فالملفوظ حرفان اشار بهما الى البدء ( البداء خ‌ل ) في المخترعات لانها منه والتثنية اشارة الى تفرده تعالى ورسم ( وسم خ‌ل ) ما سواه ومن كل شيء خلقنا زوجين ومجموعهما الى ( اشارة الى خ‌ل ) البحر الذي تحت العرش قال ادن من صاد ليتوضأ صاد ( وصاد خ‌ل ) حرفان م ن الى غير ذلك والمكتوب سبعة اشارة الى طوف ( طواف خ‌ل ) الاسبوع لان السبعة اكمل الاعداد فتكون اذا كتبت بعدد حروف الفاتحة من غير تكرير احدا وعشرين اشارة بانتهائها اليها الى ان سر القران في الفاتحة والمسرود خمسة اشارة الى الهاء اذ هي اقل الاسماء كما ان الهاء اظهر الاشارات يشار بذلك الى ان ليس بعد حذف حرف واحد مع انه اعلاها الا المسمى كذلك الهاء ليس بعد الاشارة الا المسمى الى غير ذلك من الاسرار وقوله بطريق يسفر عن وجه الاشارة الطريق المشافهة لكونها تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير ولكن بشروطها ومن شروطها كمال التلقي وتمامه اما كماله ففي اربعة وجوه باربعة وجوه : الاولى ( الاول خ‌ل ) في الوجود بالنور الامري والثاني في العقل بالنور الابيض والثالث في النفس التي هي الروح والصدر بالنور الاصفر والاحمر والرابع في الجسم بالنور الاخضر والازرق فالثلثة الاول هي التمام وهي مع الرابع هو الكمال فالثالث يظهر في الكعبة المربعة والثاني يظهر في البيت المعمور المربع والاول يظهر في العرش المربع والكل معناه سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر واعلم انه لما قال تعالى لهم الست بربكم افترقوا باعتبار احوالهم على ثلاث فرق الاولى قالوا بلى بكمال ( لكمال خ‌ل ) التلقي وتمامه يعني ليس همهم الا القبول كما الهمهم عالمين بما اولاهم ( بما اولاهم كما اولاهم خ‌ل ) فظهروا علماء مهتدين ليس بينه وبينهم حجاب غيرهم والثانية قالوا بلى مستعدين بنعم يعني كانوا مستعدين للمعارضة حال الخطاب فحال ذلك بينهم وبين حظهم ولو قطعوا اعتبار انفسهم طاروا وفازوا وجرت عليهم صورة الخطاب وهم كارهون وحيل بينهم وبين ما يشتهون فقالوا بلى مع الذي اضمروا ( اضمروه خ‌ل ) فكانوا جاهلين في علمهم غير مهتدين لرشدهم قال تعالى بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون والثالثة قالوا بلى غير منكرين ولا عارفين فكانوا كما ترى وعلى الله سبحانه قصد السبيل فمن تعرف في هذه الدار لحق باحد الفريقين على حسب حاله والا ارجى لامر الله فمن كان عنده اثارة من علم فليجعلها بمعزل حالة التلقي حتى يدرك الملقى اليه بالمشافهة ثم لينظر ولا سبيل لسالك من غير هذه الطريق قال الشاعر :

اعدم وجودك لا تشهد له اثرا ودعه يهدمه طورا ويبنيه

وذلك لان الوجود ظل الموجود الفاعل لما يشاء بما يشاء ( بما يشاء كيف يشاء خ‌ل ) بلا مزاحمة ولا مصادمة لانه المختار فيما شاء ( فيما يشاء خ‌ل ) فهم من فهم واما الاشارة فان فيها كمال الالقاء لقابل الالقاء ( لقابل البقاء خ‌ل ) بشرط ما ذكر بان يحك النطفة ويزيل الغلطة ( الغلظة خ‌ل )

قال : اعلموا يا اهل الصناعة الدنياوية انكم متى طلبتموها للدنيا لم‌ تظفروا بشيء منها مطلقا وان طلبتموها للترقي الى مشاهدة العالم العلوي فربما تظفرون بشيء منها انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرء ما نوى

اقول ما ذكره هنا من الامور المقطوع بها فلا تفسير له اجلى منه الا تفصيل الاحوال وضرب الامثال الا وهو ( الامثال وهو خ‌ل ) يحتاج الى التطويل ولا داعي له هنا

قال : واعلموا ان علم هذه الصناعة من اشياء حقيرة لو صرحت لكم بها لحلفتم الا يكون ذلك وقلتم كيف يكون هذا العزيز من هذا الحقير

اقول الامر كما ذكر وكيف لا تكون حقيرة وهي ملقاة على المزابل ينكرها كل جاهل ولكنها مثل لخساسة العبودية اذا دبرها الحكيم انغمست في عزة الربوبية قال تعالى ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فاذا عمدت الى هذه العبودية وفصلتها كما امرك الحكيم عليه السلم بان غسلت درن جسدها بالماء الطهور ( الطور خ‌ل ) ورين روحها بماء النور وتوجهت الى العبادة التي هي صفة العبودية الظاهرة في ظلمة الديجور وسحقت جسدها بمائها الذي هو العلم والنور واقمت الصلوة في الاصيل والبكور وزكيتها بالزهد عنها وصمت عن سوى الفطور وحججت اليها على اعلى الكور مزاوجا بين الاناثي والذكور وجاهدت تلك الكفار في الليل والنهار حتى يظهر الدين ويخرج من الظلمات الى النور خرجت ملك ( خرجت لك خ‌ل ) اخت النبوة من باطن السور لان هذا الحقير مثل حقارته عند الجاهل به كحقارة العبودية عند الجاهل بها وعزازته في حقارته عند العالم به كعزازة الربوبية في حقارة العبودية والى ذلك اشار عليّ عليه السلم بقوله وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه‍ فالانسان المكتوم مثل للانسان الادمي وهو مثل للانسان الكبير والوضع واحد والتدبير واحد والمدبر واحد والكل من ماء مهين والكل في قرار مكين والى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون

قال : واعلموا بان الموفق لهذا العلم اذا شاهد حقارة هيولاه استرجع الى مولاه ونطق بقوله ما شاء الله كان وما لم ‌يشأ لم ‌يكن

اعلم ان هذا الموفق له له حالتان حالة ( حالته خ‌ل ) العليا يرى الله بالله فلا يرى ما سواه فهو الشاهد والمشهود والشهادة وقال ( قال خ‌ل ) جعفر بن محمد عليه السلم لنا مع الله وقت هو نحن فيه ( هو فيه نحن خ‌ل ) ونحن هو ونحن نحن وهو هو الحديث لان الشهادة حجاب ما لم‌ تكن هي الشهود ( المشهود خ‌ل ) ولنا قالوا عليهم السلم المحبة حجاب بين المحب والمحبوب الخ والحالة الثانية ان ينظر الى ذلك باعتبار انه مقام من مقامات الظهور والظاهر فيه ( فيه ظاهر خ‌ل ) قال عليه السلم لقد تجلى الله لعباده في كلامه ولكن لا يشعرون وهذه الحالة مقام الاسترجاع ومحل الانتفاع ومن نظر اليها بنفسها فهو من الهمج الرعاع ( فهو الهمج الرعاع خ‌ل )

قال : واعلموا ان هذا الشيء كانسان وله صورة مرءاة ينتقش بها وهو ضمها وصورة المرءاة براعة سورة البقرة وهي الف لام ميم فمن قابل هذا الشيء بهذه الصورة ورأى الشيء منتقشا بالصورة ورأى الصورة متجلية على الشيء فاز ( حاز خ‌ل ) بالمطلوب وملك كنوز الدنيا والاخرة وصار علم اليقين وعين اليقين قبض يده واما حق اليقين فذا درجة الكشف وهي للانبياء خاصة العلماء ورثة الانبياء ومن لم‌ يمكنه المقابلة بهذا الشيء الى هذه الصورة ولم ‌يشاهد هيئة الانتقاش ولا هيئة التجلي فانه على غير طريق ولا استقامة وذلك هو الصراط المستقيم

قوله : هذا الشيء اشارة الى انسانهم فان الانسان كانسان وصورة مرءاته التي ينتقش بها هي من كونه ( هي كونه خ‌ل ) عقلا الى كونه عاقلا في اكواره وادواره و ذلك من اول التدبير الى اخره فتفصيله وتقطيعه وحرقه بنفسه وتزويجه بها حتى يموت في رابع الاكوار هذا في عالم الغيب فاذا نزل نزل ماء قال تعالى ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون والمزن شجرة تحت العرش تقع منها النطفة فتسري في النبات وتجري منها في الاغذية قوى لطيفة تبقي في قبرها مستديرة تحفظها الطبيعة فتجري تلك القوى في الطعام فاذا طبخت المعدة ما هنالك صعدت مع الكيلوس فاذا طبخت ثانية انقسم قسمين اعلاه كيموس هي الانسان الادمي واسفله تدفعه القوى الى اعلى الطور فينبت شجرة تنبت بالدهن في عالم الادوار وصبغ للاكلين وهذه الشجرة هي التي تفصل حتى يطير غرابها ويرتفع حجابها فاذا فعلت ( فعل خ‌ل ) بها ما ذكر حتى تنزل ماء حصل منها المنى الملقح وظهرت البيضة التي اشار اليها ابن ارفع‌راس فربها في بطن امها ذات الوقود نطفة ثم علقة ( ثم علقة ثم مضغة خ‌ل ) ثم عظاما ويكسى لحما وينفخ فيه الروح وهو الانسان الفلسفي الخير الكريم الشجاع العالم الناطق بالحق والصواب عند اولي الالباب فتجلي الانسان المعلوم في الانسان المكتوم بالصورة لانه مثله والى هذه المرءاة اشار عليّ عليه السلم بقوله :

وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر

والنطفة وما بعدها في عالم الادوار فالانسان لا يلد الا انسانا ولا يكون الذهب الا من الذهب لا والله لا يتكون الذهب الا من معدنه وفي معدنه وكل الذهب والفضة معدن والعمل ( العملي خ‌ل ) فاسد والله بذلك شاهد فهم من فهم وانما قال براعة سورة البقرة لان سورة البقرة عبارة عن هذه الاحرف الثلثة وهو اصح التفاسير فيها من باب الحقيقة فالالف اشارة الى القلم الجاري في السطور وهو هنا ( عنا خ‌ل ) الروح المذكور لانه الاب المربي والصابع المتهبي ( الصانع المنهي خ‌ل ) واللام اشارة الى اللوح المحفوظ لكونه للنطفة حفوظ وهو البدر المنير وماء البئير ( البئر خ‌ل ) وهي النفس يعني الباء الموحدة وهي المرتبة الثانية للالف واول بيناته ومركبه وانما يظهر الالف في الميم التي هي نصف الفاء بواسطة اللام والميم اشارة الى الارض المقدسة في الجنتين المدهامتين فهذا ( فهذه خ‌ل ) مقابلة الصورة للانموذج والنقش والتجلي عليه فاذا سرت ( سيرت خ‌ل ) الجبال رأيت الارض بارزة وقوله علم اليقين الخ علم اليقين يتحقق في الصدر ويثمر الخوف المستلزم للهرب الموجب للنجاة وعين اليقين يشرق في القلب ويثمر الرجاء المستلزم للطلب الموجب للوجدان وحق اليقين ينجلي في الفؤاد ويثمر ايثار الله على ما سواه فالفؤاد نقطة في القلب والقلب نقطة في الصدر والصدر نقطة في الملك فالملك محل القدر ( محل الصدر خ‌ل ) والصدر محل الصور المجردة عن المادة والقلب محل المعني المجردة ( المجرد خ‌ل ) عن المادة والصورة والفؤاد محل الصحو للمعلوم عند محو الموهوم كما قال عليّ عليه السلم لكميل وفيه يظهر التجلي بالمتجلي له به

قال : واعلموا بان هذه الدلالة من العلم هي اصعب الدلالات ولولا عزازة هذا العلم وصيانته ماضمن المبدع الاول كتابه المبين الف لام ميم ذلك الكتاب لا ريب فيه وجه صعوبة الدلالة انها ( انه خ‌ل ) انما تدرك بغير عالم الاجسام في غير عالم الزمان بل اسفل ما تدرك به بتعريف اهل الملكوت واهل الجبروت في الدهر واعلي ما تدرك به بتعريف اهل اللاهوت في السرمد واي شيء اصعب من ذلك على من لم‌ير تلك المسالك ثم لما كان الفاعل الاول واحدا وهو الحق كانت ( كان خ‌ل ) صفته الاحدية وصفة فعله الواحدية وسرت الوحدات في اثر افعاله فلما ظهر الوجود الحق بالوجود المطلق في الوجود المقيد كان كما قال الشاعر :

كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن الي
كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي

فكل شيء يشهد لكل شيء فكان الكتاب التدويني الذي هو القران طبق الكتاب التكويني الذي هو العالم بل العالم كتاب تدويني والقران كتاب تكويني الا ان القران الثقل الاكبر والعالم الثقل الاصغر كل منهما مبني على صاحبه لن ‌يفترقا حتى يردا لجامع لهما الحوض فصارت الحروف النورانية التي توحشت بها الاغيار كما انست بها اولوا الابصار فيها جميع ما في السورة من الاحكام والامثال والاخبار والاسرار الى غير ذلك كما كانت الكيان في المغنيسيا كذلك بل في كل انسان كما هو عيان لمن له عينان

قال : واعلموا بان هذه الحروف هي حروف ( الحروف خ‌ل ) النورانية التي توحشت بها اوائل السور وعددها نيف وسبعون حرفا بالتكرار واربعة ‌عشر حرفا من غير تكرار في تسع وعشرون ( عشرين خ‌ل ) سورة والقمر قدرناه منازل وجه كونها نيفا وسبعين ( عشرين خ‌ل ) حرفا ظهورها بالعدد الكامل في مرتبة الاحاد بالسبعة ( بالتسعة خ‌ل ) وفي مرتبة العشرات بالسبعين ووجه كونها اربعة‌عشر من غير تكرير ان هذا العدد هو عدد يد قال ( قال الله خ‌ل ) تعالى يد الله فوق ايديهم والسماء بنيناها بايد بل يداه مبسوطتان اليد اليمني الحروف النورانية وتلك قبل قال تعالى سبقت رحمتي غضبي فلذلك اطلق عليهما اليمين والشمال ولان ( الشمال لان خ‌ل ) الحروف هي الابداع الثاني وهي مظاهر لتلك الحروف الاولية بعد الالف الاول التي هو النفس الرحماني واما هذه الالف الذي ( الذي هو خ‌ل ) في ابجد فهي ( فهو خ‌ل ) الهمزة وهي شرارة من تلك النار وذرة من ذلك الغبار قوله في تسع وعشرين سورة كونها في تسع وعشرين سورة اشارة الى عدد الحروف بعد الالف اللينة على تأليف اهل التهامة واسراه ( اهل تهامة والسراة خ‌ل ) بذكر لام الف من حروف الهجاء وهو مظهر الالف الاول وصورة له ولهذا قيومية بهذه الحروف كما لذلك الالف الاول وانما ذكرت الحروف النورانية التي هي قصبة الياقوت ذات الاربعة ‌عشر مقاما ولم ‌تذكر ( لم‌ نذكر خ‌ل ) الظلمانية معها لتأصلها وتبعية تلك فترك ذكرها في مقام النور اشارة الى عدمها فيه وان وجدت ثانيا وبالعرض به و( قوله خ‌ل ) والقمر قدرناه منازل اشارة الى ان القمر يزيد الى اربع‌ عشرة بعدد النورانية وينقص في اربع ‌عشرة ( اربعة ‌عشرة خ‌ل ) ليلة بعدد الظلمانية واشارة الى النفس الكلية وظهورها في العلويات الاربعة ‌عشر غيبا وشهادة نورانية وفي السفليات الاربعة ‌عشر غيبا وشهادة ظلمانية الى اسبوعي النفس الفلسفية

قال : واعلموا بان طريق الدلالة على هذه الاحرف النورانية بعلم البسط ( البسيط خ‌ل ) هذا فيما اصطلحناه على هذا ( هذه خ‌ل ) الانموذج من دون تكسير ( كسر خ‌ل ) ونتكلم على هذه الحروف الثلاثة ببعض من طريق البسط والاختصار والا فالكلام على بسط الحروف تتعذر عن حمله الاوراق وفيما قاله الوصي عليه السلم لو اردت ( اريد خ‌ل ) ان اتكلم على الف الحمد لاوقرت منها سبعين وقرا وهذا اعظم شاهد ما اورده باب مدينة العلم عليّ عليه السلم ان علم ( على ان علم خ‌ل ) البسط بحر لا ساحل له

اقول هذا الكلام مضت الاشارة اليه وهو ظاهر بقي هنا شيء هو انه قد مر عليك ان كل شيء فيه معنى كل شيء وكلما قرب من المبدء كان اكمل واشمل والحروف هي الابداع الثاني وهي الفاظ اسماؤها الفاظ ولها معاني ( معان خ‌ل ) وهي الورق الخارج من خلال السحاب وصورها بها ( لها خ‌ل ) اعداد وكذا صور اسمائها وكل حرف مصدر في اسمه لانه لفظ كاسمه وليسهل فهمه الا الهمزة صدرت بالهاء لقرب المتحركة من الهاء في المخرج ولثلثة يلتبس ( ولئلا يلتبس خ‌ل ) اسمها وصورتها بالالف اللينية ( اللينة خ‌ل ) بل الاولى وانما صدر اسم اللينة بالمتحركة لان المتحركة اول مظاهر اللينة واشبه الحروف بها صورة وعددا وللفرق بينهما لانها لا يحويها اسم متشخص وان عبر به عنها لظهورها في سائر الحروف بخلاف المتحركة ففرق بينهما في الاسم لان الهاء مجاز المتحركة التي هي الهمزة والهمزة مجاز اللينة فافهم واصل الاعداد اشارة الى النقطة التي في ( الى النقط التي هي في خ‌ل ) المعدود باعتبار رتبته بالنسبة الى الوسائط الفعالة فكل ( فلكل خ‌ل ) حرف هيئة في المرتبة الاولى وعدد غير كونه في المرتبة الثانية وهما غير ذلك في الثلثة ( الثالثة خ‌ل ) وكذلك في الرابعة كما ( كما مر خ‌ل ) هو مبين البسط الترفع ( الترفعي خ‌ل ) في مراتبه الثلاث الا انه في الرابعة من اولي الثلاث اقرب شبه بالاولى لانه الدور الثاني لان التثليث اكمل سطح في شرف الوحدة لتركبه من ثلاث نقط وكل حرف له عدد يظهر فيه في الاولى ويظهر في اخر في اخر في الثانية وفي الثالث في الثلثة ( ويظهر في اخر ثالث في الثالثة خ‌ل ) وكذلك اسمه وزبره و بيناته وتكريره وفي وزنه وفي نسبته الى مثله من الانسان والمتكفل بذلك علم الجفر الذي املاه صلى الله عليه وآله على عليّ عليه السلم بربوات المقدسين فوق احساس الكروبيين وفوق غمائم النور على جبل فاران وكل حرف بذلك المعنى يتضمن كل شيء في عالمه حتى قال الباقر عليه السلم علم كل شيء في عسق معنى ( يعني خ‌ل ) كلما انطوى عليه الف فهو في الف قال عليه السلم انا باطن السين وكلما اشتمل عليه اللام فهو في العين وكلما حواه الميم فهو في القاف المحيط بالدنيا فبسط الحروف يملأ الدنيا والاخرة وقوله لاوقرت سبعين وقرا تمثيل لاهل التمثيل والا فهو تحديد بالقليل وكيف ( كيف لا خ‌ل ) وانما تحد الادوات انفسها وتشير الالات الى نظائرها واين نظير الف الحمد واين قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وقد اشار الكاظم عليه السلم فيها الى العيون الخمس والجمتين

قال : وعنه صلى الله عليه وآله ما زالت امتي بخير ما وقر صغيرها كبيرها فانظروا هذا الحديث ما اشبهه بكلام الوصي عليه السلم ايضا وقول الشاعر :

لو كنت اعلم اني لا اوقره كتمت سرا بدا لي منه بالكتم

الى اخر الابيات فانظر يا اخي ان شممت روايح القبول كيف التباين في هذا اللفظ من كلام النبي والوصي عليهما السلم وكيف الاتفاق في المعنى بينهما ولله در القائل :

اعرض في قولي بليلى وتارة بهند وما ليلى عنيت ولا هند

( فما ليلي عنيت ولا هندا خ‌ل )

اراد بالاتفاق بين اوقر وبين وقر الموافقة في حروف الهجاء في الجملة وهو باب شريف يشتمل على سر لطيف وهو في القران يراد به تفسير ظاهر الظاهر وقد يراد به باطن التأويل وهو مقام صعب المرتقي لا يكاد يثبت عليه قدم الا لمن عرف حيث ولم وكيف وعرف مفصوله وموصوله واخلص لله العبودية واما غير ذلك فهو وان حفظ شيئا غابت عنه اشياء فمعنى وقر صغيرها كبيرها ان صغيرك حمل كبيرك الى بلد لم ‌تكن بالغا لها الا بشق الانفس وهو قوله تعالى وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين وتلك البلد هي الوطن في قوله عليه السلم من الايمان حب الاوطان وهو الذي اشار عليه السلم اليه بقوله ما زالت امتي بخير والخير هو الايمان لقوله تعالى هو خير ثوابا وخير عقبا واشار على عليه السلم بقوله سبعين وقرا الى العين في عسق كما مر والى انه هو العدد الكامل لا خصوص هذا العدد وكذلك قول الشاعر وامهال القلم في هذا الميدان يتسع مجراه وليس هذا مدعاه

قال : واعلموا ان الكلام على البسط له طرق شتى فمن ذلك الكلام على الالاف من الف لام ميم يحتمل ان المقصود بها في هذا الموضع واحد فان صح ( صح كذلك خ‌ل ) فهي لم‌ تزل الف على حالها ويحتمل ان المقصود بها عشرة فان صح فهي حرف ي ويحتمل ان المقصود بها مائة فان صح كذلك فهي حرف ق ويحتمل ان المقصود بها الف فان صح فهي حرف غ وقد حال بينك وبين معرفتها صدف العبارات وقشر الاشارات فان انت ازلت القشر تمكنت مما في باطنها والا فانت على شفا جرف هار والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل

هذا كلامه زيد في مقامه بلا زيادة ولا نقصان قوله فمن ذلك الكلام على الالاف من قوله الف لام ميم الخ قد مر بيانه مرارا مرموزا ومشروحا وما ذكره من البسط الترفع ( الترفعي خ‌ل ) العددي لا الحرفي ولا الطبيعي والحق في هذه الالاف لمن جاس خلال تلك الديار ونظر بعين الاعتبار التي تبوءت عشرة بيوت اذ كل نظر سوى نظرها كبيت العنكبوت ان الف الف قائم فهو واحد في كل مقام وان ظهر في مرتبة العشرات والمئات فان ذلك ظهور صفات ورسوم بينات واما الف لام فهي الف مبسوط لها من حروف الواو الباء الموحدة ومن المراتب ( المراتب الباء المشيدة يعني القصور العشرة واما الف ميم فهي الف راكد لها من الحروف خ‌ل ) الياء ومن المقامات ثمانية وعشرين فهي فلك المنازل ومنازل الحروف وقد مضى بيان الاشارة اليها في الصناعة واعلم اني ساعة وصلني كلامكم لم ‌استقر حتى كتبت هذه العجالة لساعتها ولم‌ استقص في الكلام لان الغاية الصلة والامتثال ويحصل باقل من ذلك والا فما اظنها تتم الا بالمشافهة مع الشروط ولقد هممت بالوصول ( بالوصل خ‌ل ) الى خدمتكم فعاق الدهر ولله عاقبة الامور واقول :

سلامي على جيران ليلى فانها اعز على العشاق من ان يسلما
فان ضياء الشمس نور جبينها نعم وجهها الوضاح يشرق حيثما

والحمد لله رب العالمين وصلت واتصلت وانفصلت في الثالث‌ عشر من شوال سنة ١٢٠٨ ثمان ومأتين والالف ( والف خ‌ل ) حامدا ذاكرا مصليا مسلما ( ولله الحمد خ‌ل )

المصادر
المحتوى