في أنّ مرجع اكثر اصول القوم الى اصل العدم

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - في أنّ مرجع اكثر اصول القوم الى اصل العدم

فائدة في ان مرجع اكثر اصول الفقهاء الى اصل العدم

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد السادس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه هي الاصول التي يتعلق الفقهاء بها ويمكن ارجاع اكثرها الى اصل العدم دون قليل منها :
منها الاصل عدم صحة العقد بمعنى ان ما شك في كونه عقدا شرعيا يترتب عليه الاثر فالاصل عدم كونه كذلك حتى تقوم الحجة على ذلك وكذا الايقاع والسر في ذلك انها لاسباب مؤثرة لوضع الشارع (ع) وتقريره والاصل عدم الوضع والاستصحاب عدمه والسببية ( السببية مثلا خ‌ل ) امر زايد والاصل عدمه فان الاشياء ملك حقيقي لله سبحانه وجعلها ملكا مستعارا لخلقه على نحو ما جعل وقرر ووضع لها اسبابا ونقلا وانتقالا وتبديلا وعوضا ونسخا ( فسخا خ‌ل ) وزوالا كلها باسباب خاصة

ومنها العقود الخاصة مطلقا او مشروطة فيتوقف على بيان الشارع فكل يبقى على حاله حتى يظهر منه فالاصل عدم المدخلية وعدم ترتب الاثر منه بل نقول هي امور واقعية بينها الشرع والاصل وان لم ‌يكن جاريا عليها بحسب نفس الامر لكن العقول ( العقود خ‌ل ) الموجودة من العباد لا تعلم تأثيرها وواقعيتها لقصور العقول عن درك مثل هذه الامور باجزائها وشرايطها وموانعها الحقيقية فالامر قبل وقوعها مستصحب حتى يظهر خلافه والاصل بالنسبة الينا عدم حدوث الاثر منها حتى يظهر وكذا شرايطها وموانعها هذا كله بالنظر الى الاصل الاولى فلا يحكم بصحة عقد او ايقاع حتى يدل عليه دليل شرعي من نص او اجماع على جعله مؤثرا ان اوله سبب كذا وشرط كذا ومانع كذا ولكن بعد ورود الاذن من الشرع ورخصته وامنائه ( امضائه خ‌ل ) العقود والايقاعات يكون الامر بالعكس فالاصل فيه الصحة حتى يظهر خلافه الا انه يتقدر قدر شمول الدليل الشرعي فكلما يتيقن شموله فهذا حاله فكلما ( فهذه حالة وكلما خ‌ل ) شك في شموله فيجري عليه الاصل الاولي وهيهنا اصلان آخران ربما يعبر عن كل منهما بأصل صحة العقد احدهما يجري فيما اذا وقع عقد شرعي من مسلم وشك من بعد في صحته او اختلف المتعاقدان في صحته وفساده فالاصل الصحة بناء على القاعدة المستدلة عليها المسلمة ( المستدل عليها المسلم خ‌ل ) الشمول على قسم الصحة حتى يظهر خلافه وثانيهما يجري فيما اذا وقع عقد شرعي صحيح وعرض شيء فشك في افساد ذلك الشيء فالعقد صحيح حتى يظهر الفساد بمقتضى اصل العدم والاستصحاب

ومنها الاصل عدم التداخل والمراد عدم تداخل الاسباب بالاكتفاء فيها بواحد من مسبباتها والسر في ذلك ان السببية قاض للمسبب بمقتضى السببية الثابتة من الشرع فاذا تعدد تعدد المسبب عنه سواء كان من سنخ واحد او على انحاء شتى والا فليست اسبابا فدعوى الاكتفاء بسبب ( بمسبب خ‌ل ) واحد عند تماثل الاسباب كالموجبات للوضوء والغسل و( او خ‌ل ) الكفارة فيها خلاف الاصل لا بد له من دليل تام نعم يمكن ان يقال الافراد المتعددة من نوع واحد كجنابتين وبولين ليس من التداخل لتحقق السببية بالطبيعة وتحقق تعدد الفرد منها لا يوجب تعدد المسبب لأنها لا يتكثر بتكثر جزئياته الا ان يثبت ان المقتضي للسبب ( للمسبب خ‌ل ) الشخص الجزئي او وجود الطبيعي فتدبر

ومنها اصالة عدم تأثير نية غير المكلف في فعل المكلف بمعنى ان الفعل المأمور الموقوف على النية لا يصلحه الا نية الفاعل على عبادة ( الفاعل عبادة خ‌ل ) او معاملة لأن القصد مؤثر تام في العقد و الايقاع فغاية ما يثبت في العبادة الموقوفة على القربة والمعاملة المتوقفة على القصد تأثير قصد الفاعل فيبقى ما سواه على اصل العدم الا ان يستثني شيء بدليل وقد استثنى الشهيد (ره) امور احدها اخذ الزكوة قهرا الثاني اخذ المال ( المال من " اهل الباطل ظ " قهرا خ‌ل ) الثالث ما اذا استحلف الغير وكان ما يخالف حوريا ( موريا خ‌ل ) فان نيته نية المدعي فلا يخرج الحالف عن الحق بالتورية وغرابة ( عزائم خ‌ل ) الكذب واليمين الكاذبة واستثني ايضا نية الولي للمجنون في الحج

ومنها الاصل عدم اجزاء كل من الواجب والندب عن الآخر وهو اصل ثابت لا ريب فيه ارتكاب ( ارتكابه خ‌ل ) ظاهره (كذا) بغسل الجنابة عن الجمعة وبالعكس او المراد ان ما نوى واجبا فصارت ندبا وبالعكس كمن اغتسل للجنابة زعما لها فكشف طهارته بغسل الجنابة وكون اليوم جمعة وبالعكس اما الاول فلما عرفت واما الثاني فللاجماع على اعتبار النية وتوقف الصحة ( للصحة خ‌ل ) على التقرب بالشيء مما كان عليه لم ‌يتقرب به وما تقرب به لم‌ يكن علة الا ان يخرج بالدليل شيء كصلوة الاحتياط حيث يظهر كون اصل الصلوة تاما فيقع نفلا ويجزي جزاؤه وكصوم يوم الشك نفلا بقصد انه من شعبان ويصادف رمضان فيجزي عنه وكذا الوضوء للتجديد والجلوس للاستراحة فتبين انه لم‌يسجد الثانية

ومنها قصر الحكم على مدلول اللفظ وعدم سرايته الى غيره دليلا وعقدا وايقاعا فلا يسري بيع الأم الى ولدها وبيع الدار الى ما فيها ولا الوكالة في الاعلى الى ادناها الا ان يدل الدليل على السراية كعتق الشقص يسري الى الباقي والعفو عن بعض الشفعة والظهار بالظهر يسري الى باقي البدن

ومنها الاصل ان الانسان لا يتكلف بعمل آخر ولا يقوم مقام عمله فهيهنا ( فهنا خ‌ل ) اصلان ثابتان الا ما استثني بدليل كتكليف الولي بصلوة الميت والاب بمهر ولده الصغير والغني بفطرة واجب النفقة وقيام قرائة الامام مقام قرائة المأموم

ومنها اصالة عدم تقدم الحادث كالماء الذي وجد فيه نجاسة بعد الاستعمال ولم‌ يعلم وقوعها فيه بعده او قبله فان تأخره هو الراجح استصحابا للعدم السابق وغير ذلك فان قلت هذا الاستصحاب ( الاستصحاب ايضا خ‌ل ) حادث والاصل عدم تقدمه على عروض النجاسة فلا يتم رعاية الاصل في عروض النجاسة والحكم بطهارة المستعمل قلت ان كان زمان الاستعمال معلوما فلا كلام ان ( اذ خ‌ل ) المشكوك فيه العروض والراجح تأخره والا يتعارض الاختلاف ويبقى المستعمل عن اصل عدم النجاسة لأنها تبقى مشكوكا واصل الاقتران ما يثبت الحكم فان النجس ما عملت ( علمت خ‌ل ) نجاسته لا ما شك فيه فان قلت يبقى اصل ( البطلان ظ ) للصلوة حتى يثبت طهارة الثوب والبدن قلت الثابت اشتراطه ازالة النجاسة المعلومة شرعا لا المشكوكة فان منها عدم الدليل على الحكم كما قاله العلامة من ان عدم المدرك مدرك العدم وعن المعتبر هذا يصح فيما لو علم انه لو كان هناك دليل لظفر والا يجب التوقف وفي الوافية كلامه في غاية الجودة فيما تعم به البلوى وغيره يحتاج الى ظهور جميع الاحكام من موادها والاحاطة بطريق الادلة عندنا لأن عدم العثور على الدليل ليس دليلا على العدم بل ان كشف عن الواقع بعد تحقق المقدمتين ولا يتصور الاجزاء عندنا الا فيما يعم به البلوي وعن الذكرى ان مرجع هذا القسم الى اصالة البرائة والفقهاء يستدلون بهذه الطريقة على نفي الحكم الواقعي وباصالة البرائة على عدم تعلق التكليف فلهذا عد قسمين وقال بعض مشايخنا بأن الفقهاء تارة يتمسكون باصالة البرائة ثم يشيرون الى توفر شروطه ويقولون ولا دليل وتارة يتعلقون بعدم الدليل ثم يشيرون الى اصله وما اشتهر ذلك تعلقوا بعدم الدليل على الاطلاق من دون الاشارة الى اصل ثبت الحكم فعدوا عدم الدليل في الادلة وزعم جماعة بأنه لا دليل مستقل غير اصل البرائة وقال الصدر السند يرجع هذا القسم من اصل البرائة الى عدم وجدان الدليل فمن الناس يدعي الملازمة بين عدم الوجدان وعدم الوجود فيقول لم ‌اجد فلا دليل ولا تكليف ومنهم من ينفي ويقول لم‌ اجد الدليل فلا تكليف والتحقيق ان البرائة الاصلية فراغ الذمة من الشغل ويحتاج الى الفحص وعدم وجدان النص على خلافه وعدم الدليل على الحكم دليل ( دليل على خ‌ل ) العدم لحكم العقل بذلك كالنقل ولهذا ( هذا خ‌ل ) غير اصل العدم والاستصحاب مفهوما ومصداقا وقولا وحكما ولا يتم شيء منها بنفيه وهو بنفيه لا يحتاج الى دليل فان الحكم من ( من دون خ‌ل ) طريق اليه ولا دال ولا دليل عقلا ونقلا فاسدا ( فاسد خ‌ل ) عقلا ونقلا ولا يتعلق التكليف به وهذا يجري في المنقول والتكليف الشرعي دون المعقول ومعرفة الواقعي ويمكن ارجاع كل الى الآخر وتقييد كل بالآخر

ومنها الاصل في الكلام الحقيقة بمعنى ارادة الحقيقة في اللفظ المستعمل الدائر فيه ارادة بالمعنى الحقيقي او المجازي كذلك وانه متفق عليه ويدور عليه الامر ( امر خ‌ل ) الافادة والاستفادة وذلك حيث يعلم الوضع ويجهل المراد واما حيث يعلم المراد ويجهل الوضع فكذلك على المختار في المتحد ( متحد خ‌ل ) المعنى دون متعدد المعنى وفيه اقوال اخر

ومنها اصل عدم الوضع انه امر ( امر حادث خ‌ل ) يحتاج الى ثبوته والمطلوب ( الظاهر خ‌ل ) من فقده عدمه وكذلك بحكم الاستصحاب والرجحان العقلي في كل حادث

ومنها اصل عدم الوجوب واصل عدم الندب وعدم الكراهة بالنسبة الى ما فوقها من القيد وما تحتها وهي انواع اصل البرائة وكذلك ( كذا خ‌ل ) اصل عدم التخصيص وعدم التقييد وعدم النسخ وعدم الشرط وعدم المانعية وعدم السببية فبعضها الى اصل البرائة وبعضها الى اصل العدم بل هي من نوع احدهما واقسامهما فلا تغفل

( ومنها الاصل في البيع اللزوم وهو اصل خاص يظهر من الاستصحاب ومن ظاهر قوله اوفوا بالعقود والتحقيق في الفقه خ‌ل )

ومنها الظاهر وهذه قاعدة شرعية ليست على اطلاقها بل اذا كان الظاهر من حجة شرعية يجب قبولها شرعا كالشهادة والاخبار وحمل الكلام على ارادة المعنى المتعارف وتحقق القصد في العقود والايقاعات واعتبار اليد والتصرف في الاموال والزوجية لأهل الرجل والنسب في التصادق والاستفاضة والاشتهار واستناد الموت والقتل الى الاسباب العادية والشرعية ( الشرعية وكون المسلم على الطهارة خ‌ل ) وكون ما في سوق المسلم على الاباحة والاسلام لمن التباسه ( لمن لبس خ‌ل ) وارتكب طوره ويتمكن حكمه وغير ذلك واذا تعارض ما هو الحجة من الظاهر مفيدة ( فيقدم خ‌ل ) في الشهادات على الاصل غالبا ( غالبا وفي اخبار ذي اليد على الاصل غالبا خ‌ل ) وفي اخبار الامين تبلغ المال كذلك واخبار المعتدة بانقضاء عدتها فيما يمكن لها وفي العقود التابعة المقصود وفي الحديث او الطهارة وفي الليل والنهار وفي الشك فيما مضى من افعال الصلوة والطهارة وله الفعل بعد ورجوع المستحاضة الى العادة او المميز او عادة النساء وكون الولد للفراش وكون ظاهر الفقر فقرا والغنا غنيا وظاهر العدالة عادلا وظاهر الفسق فاسقا حتى يظهر الانابة وذي الحق حقا والملحق ( المقر خ‌ل ) مأخوذا وغير ذلك وما ( مما خ‌ل ) يثبت تقدم الظاهر على الاصل بالدليل الخاص كما في الاكثر او العالم مثل ما لو يعمل بالظاهر لضيعت الحقوق او لزم العسر والحرج والضيق وامثالها وفيما لم ‌يدل ( لم ‌تدل خ‌ل ) عليه دليل فالاصل مقدم واختلفوا في عدة مقام في تقديم الاصل او الظاهر منها غسالة الحمام للاختلاف قولا واعتبارا ونصا في طين الطريق المظنون نجاسته وما في يد المخالفين من جلد او لحم لظاهر يد المسلم واصل عدم التزكية وعدم اعتبارهم القبلة والتسمية في الجلد المطروح في بلاد الاسلام مع قرينة التزكية ( التذكية خ‌ل ) وكثيرا ما يتعارض الاصل والاستصحاب في بعض هذه المقامات

ومن الاصول المشهورة اصل الطهارة قال بعض العلماء النجاسة صفة عارضية للاشياء وهي من حيث هي خالية عنها اما المتنجسات فظاهر واما النجاسات العينية فلأن النجاسة ليست ذاتية والدم والبول والغايط وما شابههما ظاهرة ( طاهرة خ‌ل ) ما دامت في الباطن ومقتضى الاصل والاستصحاب عدم النجاسة ان لم ‌يثبت خلافه وكذا الميتة كانت طاهرة قبل الموت وبالنسبة الى نجس العين مشكل وعرق الجنب مستصحب الطهارة لطهارته قبل البروز وكذا المرتد والعصير العنبي فكل ماء طاهر بالاصل مضافا الى اطلاقات الشرع وعموماته ولا يعارض اصالة الطهارة الشغل اليقيني المشروط بها لتقدم الحكم ( حكم خ‌ل ) الموضوع الشرعي للشيء على الحكم التبعي العارض من الغير مع اعتبار وصف الموضوع

ثم اعلم ان الاصل يجري في الامر الشرعي وكذا العادي المترتب عليه الشرعي كالشك عند المسيس في السجود هل صحب شيء ومسه او مس الأرض واللوازم الشرعية وكذا العقلية مثل ان يتوضأ باناء يحتمل عقلا ان يكون فوقه اناء مضاف ينصب اليه او نجاسة كذلك بخلاف الامر الخارجي مثل ان ينزل احد سيفا او يطرح حجرا لولا عمامته والحاجب يقتله فنقول الاصل عدم المنع والحجب فالقتل ثابت خارجا وكذا لو كان ثوب النجس رطبا ثم لاقاه بعد زمان ثم نظر اليه بعد زمان فوجده جافا فنقول ( فنقول الاصل خ‌ل ) عدم الملاقاة عدم الجفاف وكان رطبا فتنجس ( فنجس خ‌ل ) الثوب

واختلفوا في اجزاء عدم وصول الماء كرا بعد كونه قليلا وزيد عليه وفي عدم كون الصبي بالغا عند الشك وعدم كونه سفيها وعدم كونه مجنونا والمتكفل بالجميع الفقه والله الموفق للصواب وصلى الله على محمد وآل‌ محمد

المصادر
المحتوى