
حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
الحمد لله رب العالمين الذي ( الحمد لله الذي خل ) نور قلوب عباده المؤمنين وفتح عيون بصائرهم لمشاهدة الحق المبين وصرف ارواحهم عن شواغل هذه الدار فباشروا روح اليقين فاستوى لذلك نومهم ويقظتهم في المعاينة والتعيين وحفظ الله بمدده خواطرهم في ذلك عن نقائص التخمين وكانوا بذلك منار السائرين وقدوة المقتدين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين وسادة ( الطاهرين سادة خل ) العباد في الدنيا والدين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان شيخنا حاوي الفخر والزين ومشنف الاذن والعين ونادرة الان والاين واغلوطة الكون في ذين ( ذين وجالي العمي خل ) والغين ومروج المذهب بلا مين ومجدد دائره ( دائرة خل داثره خ ) على رأس الالف والمأتين ومزيل الزلل ( الميل خل ) ومقيم الأود من البين شيخنا في علوم الدارين والمعلم في السياستين شيخنا الشيخ حسين ابن المرحوم المقدس الممجد الشيخ محمد بن المبرور الاسعد الشيخ احمد بن عصفور البحراني الدرازي اصلح الله تعالى احواله ( الله توالى احواله خل ) وبلغه احسن آماله في مبدئه ومآله بمحمد وآله رأي كأن والده المذكور ناول اخاه الشيخ الارشد الشيخ احمد اطال الله بقاءهما اربع مسائل ليوصلها اليه فلما وصلت اليه قرأها ( فرآها خل ) فحفظ منها اثنتين فسألته ان يملئهما عليّ لاكتب عليهما ما تيسر على حسب المقتضى فكتبت هذه العجالة تبركا ( عليهما عجالة على حسب ما يسهل تبركا خل ) بخدمتهم وتعرضا لمودتهم فان وافقت القبول فمن اقبالهم والا فالقاصر شاني والقصور مكاني و لعمري لقد كانتا مسئلتين عظيمتين قد اشتملت على مباحث دقيقة ومسائل رشيقة تنبئ عن علو المبدء وسمو المنتهى ووثاقة الواسطة وانما حضر عليهما ما سنح ( الواسطة فكتبت عليها ما سنح خل ) به الوارد من شوارد الفوائد وسميت هذه العجالة وسائل الهمم العليا في جواب مسائل الرؤيا متوكلا على الله ولا حول ولا قوة الا بالله
واقول قبل الشروع في الكلام ( الكلام المقصود خل ) لا بأس بذكر بعض الكلمات مما يناسب ( تناسب خل ) المقام في تصحيح كثير من الرؤيا وهو ان الرؤيا منها صادقة ( الصادقة خل ) وقد دلت الاخبار على ذلك فجعل بعض العلماء لها خيالات فاسدة واختلافهم في ذلك مما لا معنى له بعد ورود الاخبار بذلك وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة وان الرؤيا الصادقة يراها المؤمن لنفسه او يراها له اخوه المؤمن هي التي ( هي ما خل ) قال الله تعالى لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة لان ( وان خل ) الشيطان لا يتمثل في صورهم (ع) ولا في صور احد من شيعتهم فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة احد من اوصيائي ولا في صورة احد من شيعتهم وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة ه وتأويل بعض العلماء لمعنى الرؤية انها في اليقظة وان الصورة هي ما يروون ( يرون خ ) من صورته وصفته ( من صورة وصفة خل ) في كتبهم وغير ذلك من التأويلات والاختلافات خيالات واوهام لا دليل عليها بل هي تخمينات في مقابلة النص كيف لا والاخبار تدل على خلاف التأويل باليقظة ولا ينافي ذلك اختلاف صورته ( صورة خل ) عند رائيين لقول عليّ عليه السلام انا نتقلب ( اني اتقلب خ ) في الصور كيف ما شاء الله من رءاهم فقد رءاني الحديث بل الحق ما دل عليه ظاهر النص ولا حاجة في التطويل الا ان هنا تنبيها واحدا يزيل تلك الاوهام عند ذوي الافهام الذين يطلبون الحق للملك العلام لا بكثرة الجدال والخصام والذين ينظرون الى المقال لا الى الرجال وهو ان ذكر النبي صلى الله عليه وآله واوصيائه وشيعتهم اذا جرى على خيال المرء في نوم او يقظة هل للشيطان فيه نصيب ( هل للشيطان في ذلك نصيب بحيث يتصور فيها خل ) او يشارك تلك الصور بحال اليس ذكرهم هو ذكر الله اليس هو التوكل على الله انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فكيف يجترئ الشيطان على التمثل لهم ( بهم خل ) عليهم السلام وشيعتهم ( بشيعتهم خل ) فبين لنا يا ذا الفصاحة والعقل وتلك هي مادة الرؤيا بل هي الرؤيا وكذلك في اليقظة نعم اذا ولج في النفس غير ذكرهم مما يتعلق باحوال النفس والدنيا وغير ذلك مما ليس لله تعالي شاركهم الشيطان فيه انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وفي هذا كفاية لاولي الالباب وطالبي الصواب ولا ينتفع اولوا الحجاب بالف بيان جواب ( ولا ينفع الف جواب لاولي الحجاب خل ) ولا تصغ الى من بضاعته قال فلان وقال فلان فان ذلك كما قال عليه السلام عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فصرح بما قلنا ان هذه الرؤيا التي نحن بصددها حق وانها جزء من سبعين جزء من النبوة فاذا تمهد ذلك فنقول :
قال رحمه الله ( قال سلمه الله قال رحمه الله خل ) تعالى : مسئلة - كيف القرعة تجعل الاعلى اسفل والاسفل اعلى وكيف الذاتي يتحول عن ذاتيته وبتحوله يخرج عن كونه ذاتيا ام لا
اقول هذه هي المسئلة الاولى من المسئلتين وهي تشتمل على ثلاث مسائل الثانية فرع الاولى والثالثة فرع الثانية
اما الاولى وهي قوله (ره) : كيف القرعة تجعل الاعلى اسفل والاسفل اعلى فتوجيه السؤال فيها ان القرعة حيث شرعت لكل امر مشكل كان مقتضاها الحكم على الشيء ( شيء خ ) من بين امثاله المتساوية النسب الى ذلك الحكم لولا القرعة خصصت ( خصصته خ ) بذلك في الظاهر ولم يكن متعينا له ( له بل خل ) قد يكون هو المحكوم عليه وقد يكون غيره في نفس الامر فبكونه ذا الحكم بحكمها وليس كذلك في الواقع او هو كذلك في الواقع مع تجويزه لغيره ظاهرا لعدم التعيين الواقعي في الظاهر قال (ره) كيف ( الواقعي ظاهرا قيل كيف خل ) القرعة تجعل الاعلى اسفل والاسفل اعلى في الحالين والجواب يحتاج الى تقديم كلمات في تحقيق الحكم على سبيل الاختصار والاقتصار وهو ان حكم الله في كل واقعة واحد لا اختلاف فيه ولا رفع ولا وضع ولا يعثر عليه في كل واقعة الا من اشهده الله خلق الاشياء واجرى عليها بواسطته ( بواسطة خل ) احكامها وهو الحجة عليه السلام وقد اعلمه اعواضها وابدالها في مواضعهما ( مواضعها خل ) فبهداية الله له يحكم بما اراه ( اراده خ ) الله وهو الحكم الواقعي او بدله او عوضه في مواضعهما واليه الاشارة بقوله تعالى ( وذلك قوله تعالى خل ) فاسلكي سبل ربك ذللا هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وهذا ( هو خل ) معنى التفويض الوارد عنهم عليهم السلام في الاخبار لا تفويض القدرية واما غير الحجة عليه السلام من الحكام الذين يقتبسون من تلك الانوار ويقتفون تلك الآثار فحيث كانوا مختلفي الآراء لاختلاف الطبائع ولمخالفته عليه السلام بينهم باختلاف الاخبار ابقاء منه (ع) عليهم وعلى رعيتهم في دولة الفجار اختلفت احكامهم ( احكام خل ) فمن بذل جهده في طلب الحق من الكتاب والسنة بجودة فهمه وعقله المستخرج غوره بالحكمة كما قال الصادق عليه السلام وهي ( هو خل ) العلم والعمل وصفاه من شوب العادات والتعصبات والاجراء على علم ( قواعد علم خل ) لم ينصب لها الشارع المنار بعموم او خصوص ( بخصوص او عموم خل ) تصريحا او اشارة وتنكب التسرع ( التبرع خل ) في الاعتبار وازال عن ( عن عين خل ) بصيرته الغبار واصلح عمود معياره عن الانكسار ونظر بمحض فهمه المستنير لا بقواعد علمه بمعنى انه لا يصرف مفهومه ومعقوله اعتمادا على قواعد علم تخالف ذلك فهو يحاكم ربه الذي يعلم قلبه ويتفهم قبل ذلك قول عليّ عليه السلام واليها حاكمها كما رواه في النهج فمن كان كذلك اصاب البتة حكم الله الواقعي البدلي المتقلب في المنصفين من طالبي الدين واليه الاشارة بقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين والاحسان ما وصفت لك فافهم وهذا الحكم الواقعي غير الحكم الواقعي الذي ذكرناه سابقا فان ذلك لا يخرج عن ( عنه خ ) اهله ولا تكثر فيه ولا تبدل وهذا يتكثر ( يتكثر ويتبدل خل ) ويختلف باختلاف قابلياته ( قابلية خل قابليته خ ) فافهم وليس هذا قولا بالتصويب فان اولئك يزعمون ان حكم الله الواقعي يتكثر ويختلف وكذبوا بل انما يختلف صوره واشعته الواقعة في قلوب العلماء من قلب حجة الله (ع) بسبب اختلاف تلك القلوب لاختلاف الطبائع ولاختلاف ذلك الاشراق دفاعا عن الفرقة المحقة فافهم وانما قلنا ان ذلك المختلف واقعي لترتب الاحكام وثمراتها عليه واقعا كالثواب والعقاب والطاعة والمعصية في الدنيا والآخرة ولو لم يكن واقعيا لماترتب عليه شيء في الواقع لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ما علي المحسنين من سبيل فان المخطئ لا يكون محسنا ولا يكون الله معه ومن ذلك القرعة فيما شرعت فيه مثلا كاستخراج الشاة الموطوئة الانسان ( للانسان نسخة جوامع الكلم ) من قطيع اذا لم تعلم بعينها فقد تستخرج القرعة شاة لم تكن موطوئة في نفس الامر فاذا حكم عليها حينئذ بالذبح والحرق والموطوئة في الواقع يحكم عليها بالحل مع استمرار عدم العلم فقد جعلت القرعة الاعلى اسفل والاسفل اعلى والاصل في ذلك حكم الله الواقعي البدلي الجاري على لسان الحاكم فان جعل الاعلى اسفل والاسفل اعلى لا يختص بالقرعة بل ذلك جار للحاكم ( للحكم خ ) الشرعي في كثير من الاحكام كايقاع الوكيل وكالته بعد عزله ولم يبلغه في كثير من الاحكام وكأمره بتزويج امرأة المفقود بعد تلك الحدود ثم اتى بعد التزويج وغير ذلك ( ذلك وخ ) كل ذلك احكام في الواقعي البدلي كما اذا خرجت ( خرجت هذه خل ) من العدة ولم تتزوج ( لم تتزوج مثلا خل ) فان المشهور الا سبيل له عليها وقال الشيخ له السبيل عليها وقال العلامة ان خرجت بطلاق الولي فلا سبيل له عليها وله السبيل ان كان بامر الحاكم من غير اطلاق ( وقال العلامة لا سبيل له عليها ان خرجت بطلاق الولي وهو اولى بها ان كان ذلك بامر الحاكم من غير طلاق خل ) فاذا عمل بكل قول حاكم اليه الحكم وحصل من الكل التناسل كان كل منها حكم الله الواقعي البدلي ولو لم تكن احكاما في الواقع لماظهر ذلك النسل المتولد من هذا التزويج ولم يكن مثل الاول من ( في خل ) احكام الآخرة كما مر ولو كان حكم الله الواقعي الذي لا يختلف لمااختلف ولا تكثر ولا تصغ الى مقال من لم يعرف الحال واسمع قول عليّ امير المؤمنين المفضال عليه صلوات الله الملك المتعال ان العلم نقطة كثرها الجهال
الثانية من الاولى قوله تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته : وكيف يتحول الذاتي عن ذاتيته
اقول تقرير ( وتقرير خل ) السؤال اذا حكمت القرعة مثلا على حرام في الواقع بالحل وبالعكس ( والعكس خل ) تحول الذاتي عن ذاتيته وذلك غير جائز والجواب ان الاشياء في اصل خلقها على الاهمال والاباحة حتى يرد عليها الامر والنهي وورود الامر والنهي عليها في مقامين : المقام الاول يلحق وجودها فان خطاب الله اذا ورد على ( على فعل خل ) المكلف كان على حسب ما يقتضيه وصفه ( وضعه خ ) كما اشار الى ظاهره البهائي في زبدته تغمده الله برحمته وذلك على مثال ما قال الشاعر :
ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
( وقال الله تعالى وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا فضل به كثيرا واهتدى به كثيرا فكان بامره الحلال وبنهيه الحرام خل ) وقد حققنا ذلك في شرحنا على تبصرة العلامة زاد الله اكرامه واعلي مقامه بما لا مزيد عليه في التحقيق وانما اشرنا ( اشرنا هنا خل ) بهذه الاشارة تحقيقا للتقسيم المقام الثاني ان الاشياء في عالم الكون في الاعيان والاجسام ظهرت على الاباحة بنص القرآن والاخبار وبقراح الاعتبار فاذا ورد الامر على شيء وجب واذا ورد النهي على شيء حرم فكان الوجوب والحرمة صفة للشيء لا ذاتيا له ( ذاتيا له بل باعتبار وصفه به ولزومه لذاته ولكن بهذا الاعتبار اعني لزومه للذات يكون ذاتيا له خل ) وكذلك في المقام الاول وقد انشدناه ( وقد اشرنا خل وقد اشدنا خ ) على ما ذكرنا براهين في كثير من مباحثاتنا وفي اجوبة بعض المسائل فاذا تقرر ذلك فاعلم ان الحكم بالذاتي الاولى الذي ( بالذاتي الذي هو خ ) لا يتبدل ولا يتغير ولايختلف لحجة الله عليه السلام ولا يعلم من الخلق سواه لانه في لوح القدر والقضاء المحفوظ كما اشار اليه (ع) في ( اشار اليه في خ ) موثقة ابي مريم عن ابي جعفر عليه السلام قال قال عليّ عليه السلام لو قضيت بين اثنين بقضية ثم عادا الى من قابل لم اردهما الا على القول الاول لان الحق لا يتغير واما الحكم الثاني الذي ( الذي هو خ ) في لوح المحو والاثبات فهو الى العلماء يرد حكمه وهو يتكثر ويختلف بتكثرهم ( بكثرتهم خل ) واختلافهم فبذلك يكون الذاتي يتحول عن ذاتيته الثانية المختلفة لا الاولي كما اشار اليه رحمة الله عليه في امر حكم القرعة وهذا ( لهذا خل ) لو عثر آخر عن علم على ذلك الذي حكم الحاكم بغيره لزمه حكمه ولو تغير كل ذاتياته بحكم الحاكم لماوجب الصوم على من رأى هلال شهر رمضان وحده والناس مفطرون بامر الحاكم اذا ( اذ خل ) لم يثبت عنده وغير ذلك من الاحكام فالذاتي المتحول عن ذاتيته ( ذاتياته خل ) هي الذاتية الثانية المتبدلة المتغيرة التي لا ثبات لها الا بحكم الحاكم المختلف نعم هو ذاتي واقعي كما قلنا انه حكم الله الواقعي بمعنى ترتب احكام الدنيا والآخرة عليه واما تحوله بالمعنى الاول وهو الحكم اللاحق الموجود ( للوجود خ ) كما مر فهو انقلاب حقيقة الى حقيقة اخرى وليس الثانية من الاولى في شيء ولا عينها بل يكون بينهما تمام التباين فان العذرة اذا استحالت ترابا ليس ذلك التراب عذرة بحال وانما كان اصل الاشياء مادة واحدة ( واحدة مجردة خل ) ولاتدخل في هذه الاكوان الا بالصور فتجنست ( فتجنس خل فتتجنس خ ) الاجناس بالصور الجنسية وتتنوع الانواع بالصور النوعية وتتشخص الاشخاص بالصور الشخصية والاحكام منوطة بالاسماء والاسماء بالصور ثم لما كان مراده تغمده الله برحمته الذاتي الثاني لانه هو ( هو الذي خل ) يناسب جعل الاعلى اسفل والاسفل اعلى على حكم ( اعلى بحكم خل ) القرعة نبه في السؤال عليه ولما شارك الاول ( الاولى خل ) في التسمية والاقتضاء الامكاني الخاص ناسب المعارضة بحكم الاول الممتنع لعدم وقوعه في الاحكام المتبدلة
الثالثة قوله اعلى الله رتبته وعطر تربته : وبتحوله يخرج عن كونه ذاتيا ام لا
اقول ان جواب هذه المسئلة يعلم مما سبق وهو انه يخرج عن الذاتية المتحول عنها لا غير ( لا غيرها خل ) كما مر فلاحظ فان من عرف ما قلنا عرف ( عرف حقيقة خل ) الجواب وعثر على محض الصواب الا ان في ذلك مباحث براهينها ليس هذا محله والعارف لا يحتاج اليها فان لكل حق حقيقة وعلى ( على كل خل ) صواب نورا وصلى الله على محمد وآله
المسئلة الثانية قال طهر الله رمسه وقدس نفسه : مسئلة - وهل الظنون تدفع بالظنون وهل الظنون تتولد بالظنون ( وهل تتولد الظنون من الظنون خل ) واذا تولدت عنها فهل تبقى ظنونا او تنقلب شكوكا
اقول وهذه المسئلة ايضا تشتمل على ثلث مسائل كالاولى :
الاولى : وهل الظنون تدفع بالظنون
اعلم ان المراد من الظن هو الراجح الغير المانع من النقيض ولو بتجويز من جرى على خياله وله مراتب بحسب مقاماته اعلاها الظن المتاخم للعلم ( للعلم وادناها ما وسم بمسمى الرجحان خل ) بل قد يسمى الاعتقاد المانع من النقيض عند المعتقد ظنا قال تعالى الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون وادناها وسم بمسمى الرجحان فاذا تعارض الظنان ( وانهم اليه راجعون فاذا تعارض الظنان خل ) عند صحيح الظن ( صحيح النظر خل ) وهو المجتهد في آنين لعدم امكانهما من واحد في آن واحد ولعدم صحة فرض المسئلة المفروضة من ظانين لعلو مرتبة السائل عن فرضهما من اثنين عند احدهما ( احد احدهما خل ) لان ذلك لا يكون الا عن جهل ( الجهل خ ) بالمسئلة فاذا صدر الظنان في آنين من ظان واحد واجتمعا في الخيال انقلب احدهما وهما مرجوحا او شكا لعدم امكان راجحية شيء وراجحية نقيضه في آن واحد من حيثية واحدة حتى ان ابا جعفر عليه السلام سمى الظن بالنسبة الى ما هو اعلى منه شكا كما في صحيحة زرارة عنه عليه السلام حين قال له فان ظننت انه قد اصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلمار شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلوة قلت لم قال لانك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا فسمي الظن شكا فان قيل انما اراد زرارة الشك وعبر عنه بالظن وهو كثير في كلامهم قلنا استعماله في ذلك موجود لكنه ( ولكنه خل ) خلاف الاصل والاصل في الاستعمال الحقيقة ولا سيما من مثل زرارة فانه انما يجري غالبا على العرف لا على اللغة وعرف المتشرعة ان الظن من قسيم ( الظن قسيم خل ) الشك على انه ذكر في هذه المسئلة الشقوق ( في هذه الصحيحة الشقوق الثلثة خل ) ذكر العلم اولا فاجابه بالغسل والاعادة وذكر الظن هذا فاجابه بما سمعت ثم ذكر الشك في آخرها فقال ان شككت في انه اصابه الخ مع ان في صحيحة زرارة الاخرى عنه (ع) لا تنقض اليقين ابدا بالشك ولكن ( ولكنه خل ) تنقضه بيقين آخر فحصر نقض اليقين فيما هو مثله ( بمثله خل ) وما دون اليقين شك وكثرة التعارض بينهما لا يخفى ونفيه عند اليقين ظاهر فاذا تعارض الظنان دفع الاقوى الاضعف لتعين الاقوى عند العمل اذا انسد باب اليقين وامكان النقيض لا يبطله لان الظاهر حجة ما لم يكن مساويا فاذا ساواه كان شكا ان كانا ( كان خل ) من واحد وبطل استدلال الآخر بمعارضته بمثله ان كانا من اثنين فقد ظهر بما صدر ان الظنون تدفع بالظنون كما قلنا الاقوى ( والاقوى خل ) يدفع الاضعف والمتساويان من واحد ينقلبان شكا ويثمران ترددا وتوقفا ومن اثنين يدفع ظن كل واحد ظن الآخر لانه عند الآخر وهم وبالعكس والا لزم الحكم الاول في الواحد فيلزم كل منهما حكمه ان كانا كذلك الا انها لا تكاد تتحقق منهما عند احدهما لانه اذا عارضه بظنه كان الآخر وهما والا لم يكن ظنا بل هو شك فكذلك ( فلذلك خل ) قلنا سابقا ان مقامه زاد الله اكرامه اعلى من ان يسأل قرة عينه عن مثل ذلك
الثانية قوله رفع الله درجته واسكنه جنته : وهل تتولد الظنون من الظنون
اشار بذلك الى ما ذكره بعض العلماء واورده على المجتهدين الذين يقولون ان الاجتهاد استفراغ الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي من ( من ان خ ) الاجتهاد اذا كان تحصيل الظن بالحكم من الادلة الاربعة الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل وكلها انما تفيد الظن اما الكتاب فهو وان كان قطعي المتن فهو ظني الدلالة لكثرة المتشابه فيه والتقديم والتأخير والحذف على تقدير حمل ( على تقدير اجراء خل ) ما ورد في ذلك من النصوص المتظافرة على ظاهرها كما هو الظاهر حتى انه ورد في صحيحة هشام بن سالم انه سبعة عشر الف آية وفي رواية اخرى ثمانية عشر الف آية مع انه قد اشتهر الآن انه ستة آلاف وستمائة وست وستون آية وفي تفسير العياشي عن ميسر عن ابي جعفر عليه السلام قال لولا انه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي حقنا على ذي حجى ولو قد قدم ( قد قام خل ) قائمنا فنطق فصدقه القرآن ه وكاخبار ( واخبار خل ) عليّ عليه السلام انه ما من شيء ابعد من العقول من تفسير القرآن وغير ذلك مما لا يكاد يدعي احد ( احد يدعي خل ) قطعي دلالته عن ثبت الا بما لا اجتهاد فيها واما السنة فهي ظنية المتن والدلالة اما المتن فلا يثبت القطع به الا بالتواتر ولم يرد فيها حديث متفق على تواتر لفظه نعم قيل في قوله صلى الله عليه وآله من كذب على متعمدا فليتبوء مقعده من النار انه من المتواتر وللبحث فيه مجال واما الدلالة فقد يحصل ( تحصل خل ) من متواتر المعنى وهو كثير في اخبارنا مما يحصل الاتفاق على معناه الا ان دلالته على ( على ذلك خل ) المعنى الذي انعقد عليه الاجماع انما تحققت كذلك بالاجماع والا فقد وردت الروايات عن سادات البريات عليهم السلام في مواضع بما ينافي حصول اليقين منها ( فيها خ ) مثل ما رواه في معاني الاخبار عن داود بن فرقد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام ( عليه السلام يقول خل ) انكم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة انصرف ( لتصرف خل ) على وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب وروى المفيد في كتاب الاختصاص والصفار في بصائر الدرجات باسنادهما عن عبدالغفار الجازي عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال اني لاتكلم على سبعين وجها في كلها المخرج ه وباسنادهما عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه السلام قال انا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجها لنا من كلها المخرج وفي البصائر عن ابي بصير قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اني لاتكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون وجها ان شئت اخذت كذا وان شئت اخذت كذا وغير ذلك مما يفيد هذا المعنى وقال الرضا عليه السلام ان في اخبارنا محكم ( محكما خل ) كمحكم القرآن ومتشابه ( متشابها خل ) كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها ( متشابهها دون محكمها خل ) فتضلوا فاذا كان الحال كذلك تعذر ( تعذر حصول خل ) اليقين منها فليس الا الظن على ما يظهر من اختلاف الانظار وتباين الاعتبار فقد يكون المحكم عند آخر متشابها و لولا ان الناظر الذي اليه النظر ( ولولا ان كل ناظر اليه النظر خل ) متعبد بظنه كما قال صلى الله عليه وآله لما كاد يثبت الظن ( يثبت الاجتهاد خل ) لاحد الا قليل ولارتفع التكليف واما الاجماع فلا يثبت عندكم الا اذا كشف عن دخول قول المعصوم (ع) في اقوال المجمعين ولا يعلم ذلك حتى يشافه جميع اهل العلم الذين في الدنيا في مشهد واحد في آن واحد ويخبر كل واحد منهم بقوله فيتفقون على قول واحد بلا خلاف بل ( بل ذكر خل ) في الذكرى انه لو جاز في مجهول مظهر لمذهب اهل الخلاف ان يكون هو الخلاف ان يكون هو الامام ( لمذهب اهل الخلاف ان يكون هو الامام خل ) وان اظهار ذلك المذهب على سبيل التقية اعتبر قوله في تحقق الاجماع ولا يخفى ان مثل ذلك متعذر فلم يبق الا الاجماع المنقول وهو عند المحققين بحكم خبر الواحد واذا قلنا بجواز العمل بخبر الواحد لم يفد الا الظن واما دليل العقل فان العقل لا يصح استقلاله في تأسيس الاحكام اتفاقا واما في ترجيحها فلا بد له من مستند وليس الا الكتاب والسنة والاجماع وقد عرفت الكلام فيها فدليله باعتبار استناده الى احدها فلايكون عنه الا الظن فاذا كان الاجتهاد انما يحصل الظن عن هذه الظنون وكانت المقدمات ظنية كانت النتيجة دائرة بين الظن لانها متولدة من الظن وبين الشك لان راجحية النتيجة فرع راجحية المقدمتين والفرع لا يساوي الاصل في التحقق لابتنائه على اصالته وعليته فيتطرق عليه ما لا يتطرق على الاصل اذ وصمة الفرع لا تدخل على الاصل ووصمة الاصل وصمة في الفرع فاذا اعتبر اخس المقدمتين لتيقنها وللشك فيما زاد عليها كانت حينئذ شكا وقد اشار في آخر كلامه الى ذلك ترويحا ( ترويجا خل ) للحال وامتحانا في السؤال فقال فهل ( فهل تبقى ظنونا او تنقلب شكوكا فهل خل ) يتولد الاجتهاد عن هذه الظنون واذا تولدت عنها فهل تبقى ظنونا لانها من الظنون او تنقلب ( واذا كان فهل يبقى ظنا لانه مظنون او ينقلب خل ) شكا لما يتطرق على الفرع كما مر والجواب بعد قطع النظر عما ذكره العلماء في هذا المقام من النقض والابرام اذ المقام يقتضي عدم الفائدة في ذكره ( ذكره وهو خل ) كما ذكره الاكثر ان المجتهد اذا استفاد من تلك الادلة الظنية ظنا بالحكم بعد امتحان بصيرته في تلك وهو ممن يعتبر ظنهم فركب ( فيركب خل ) له من اول الشكل الاول قياس ( قياسا خل ) وهو هذا ما ادي اليه اجتهادي وكلما كان كذلك فهو حكم الله في حقي فالصغرى وجدانية والكبرى اجماعية من الاكثر فاذا سلمت المقدمتان كانت النتيجة قطعية والا لزم تكليف ما لا يطاق على انه قد تحقق في اصول الدين ونطق به الكتاب المبين انه سبحانه لا يكلف نفسا الا وسعها والوسع دون الطاقة والاجتهاد استفراغ الوسع وبذل الجهد الذي هو غاية الطاقة فاذا بذل غاية جهده في طلب رشده كما امره الله تعالى ولم يتيقن الاصابة لما يراد منه على اي تقدير اريد منه القطعي او الظني الذي لم يكلف بغيره كان تكليفا بما لا يطاق بل يهدي سبل الله كما وعده عز وجل ( كما وعده الله تعالي خل ) قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين واذا بذل جهده احسن وكان الله معه فالمراد بالعلم في حدودهم هنالك في علم الاصول على الاصح القطعي ( القطع خل ) بتعين العمل بها لا الظن ولا الظاهر فافهم واما تصحيح المقدمة الكبرى ( تصحيح الصغرى خل ) فلا كلام فيه وانما الكلام في الكبرى ومن تتبع الاخبار وجاس خلال تلك الديار ونظر بصحيح الاعتبار سلم الكبرى بلا انكار ورأى انه صحو بلا غبار لا من جهة الاجماع لكثرة المناقشة فيه وان اثباته سهل ( وان كان اثباته سهلا خل ) بمعنى كشفه عن دخول قول المعصوم عليه السلام ومعلومية مذهبه كما يظهر من آثارهم الا ان المتولد من الظنون قد تحفه القرائن وتراكم ( تتراكم خل ) عليه الامارات والشهرة وغير ذلك حتى تخرجه عن الظن ويحصل بذلك علم عادي ولا سيما المجتهد الذي هو شديد الاعتناء بتحصيل المرجحات من مظانها ولذلك استفرغ وسعه بل قد جرى نظر ( نظير خل ) ذلك في عادة المتقدمين من القطع بالخبر المحفوف بالقرائن حتى يخرج بتلك عن الآحاد ويلحق بالمتواتر وتلك القرائن وان لم تحصل لنا الآن لبعدنا عنها فقد يحصل لنا ما يكفينا وذلك من تمام حجة الله على عباده ما دام التكليف وهذا التسديد من الامام عليه السلام لشيعته وهو معنى قوله عليه السلام انهم ينتفعون بغيبته كما ينتفع الناس بالشمس اذا غيبها السحاب حتى ان ابا عبد الله عليه السلام قال ان الارض لا تخلو الا وفيها امام كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا شيئا اتمه لهم كما رواه الديلمي في اعلام الدين ولقد روي عنهم عليهم السلام ( اتمه لهم كما رواه اسحق بن عمار عن الصادق عليه السلام في باب ان الارض لا تخلو من حجة من كتاب الحجة من الكافي ولقد روي عنهم خل ) ما معناه لان ( ان خل ) ذلك الانتفاع انما هو التسديد للاصابة واولى بذلك من جعلوه حاكما وحافظا للمذهب وامروا شيعتهم بالاخذ عنه حتى تدول دولتهم ويظهر مستورهم اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه ولعله تغمده الله برحمته اعرض عن ذكر القطع وتغافل عنه فقلب الامر ظهرا لبطن تصعيبا للسؤال حين اقتضاه الحال و( او خل ) انه يرى الظن كما هو رأي البهائي في زبدته وعلى هذا فلا يقال انا لم نجب السؤال بما يطابقه لان من قال ان القطع يتولد من الظن يقول ان الظن يتولد من الظن بالطريق الاولى عليّ انا نقول ( نقول ان خل ) تلك الادلة ليست كلها ظنونا ولولا خوف الاطالة لشرحت الحال في كلها شرحا يغني من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ثم على ما يظهر من السؤال لا نقول ( نقول خل ) نعم ان الظنون تتولد من الظنون اذا كانت الامهات معتبرة لاعتبار ظن المولد الحكم ( الحكيم خل ) وبراهين جميع ما ذكرناه واجوبة ما عسى ان يرد عليها مما يطول به الكلام فاعرضنا عنه لذلك ولان العاقل تكفيه الاشارة فان لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا والجاهل لا ينتفع بالف عبارة بطونا وظهورا
الثالثة من الثانية قال رحمه الله وسقى ثراه بمزن رضاه : واذا تولدت عنها فهل تبقى ظنونا او تنقلب شكوكا
اقول انما قال واذا تولدت اشعارا بتحقق التولد لاتيانه باذا دون ان كما هو ظاهر ( هو الظاهر خل ) واعلم انها تبقي ما لم يحصل معارض لامهاتها واصولها اما بمساو فيقع التردد والفرض الاحتياط كما امر في النصوص بذلك ان امكن لعدم المانع من العمل به او لوجوده او الاخذ بايهما شاء من باب التسليم اذا اضطر الى ذلك والا فالاولى ان يذره في سنبله الا قليلا مما يأكل واما براجح فيتعين العمل بالاخير فينقلب الاول شكا كما تقدم وكما اشار اليه رحمة الله عليه جرى ذلك على توزع البال ( بال خل ) ودوام ملال واشتغال ( اشتغاله خل ) في قيل وقال وفي حال
وفرغ ( وفرغ منها خ ) ليلة الاثنين التاسعة والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ١٢١١ الحادية عشرة بعد المأتين والالف والحمد لله رب العالمين ( رب العالمين بقلم مؤلفها خ ) حامدا مصليا مسلما ومستغفرا