خطبة عيد الفطر - ۱

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - خطبة عيد الفطر - ۱

خطبة عيد الفطر

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مدهر الدهور وقاضي تصاريف الامور الاول قبل كل اول بلا زوال والاخر بعد كل اخر بلا انتقال كون الاشياء بقدرته قبل وجود المكان واوجدها متقنة بحكمته اذ لا زمان فبرزت معلنة بحمده في سائر الاكوان وقامت لائذة بجنابه في كل مكان شاكرة لانعمه والائه بكل لسان فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون باسط المهاد بلا معاونة اجناد ورافع السماء بلا اعماد وخالق العباد كما اراد المتعالي في عز جلاله عن الاضداد والانداد والشركاء والاولاد مكون الاشياء قبل ظهور المشاء ومبتدئها بالاختراع والانشاء الذي قامت بدعوته الارض والسماء ذلكم الله ربكم فاني تؤفكون الظاهر في كل شيء بنوره والباطن عن كل شيء لشدة ظهوره تعزز بعزته عن الاكتناف وتعالى في مجده من ان تبلغه الاوصاف وتنزه بكماله عن كل كمال مضاف نافذ القدرة في كل مقدور العالم بحقائق الامور والمطلع على خفيات الصدور وجاعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون بطن في غيبه عن خفيات الامور فلم ‌تدركه النواظر وظهر بجماله وكرمه فعرفته بما تعرف اليها البصائر محدد الحدود ومشعر المشاعر الاول الاخر والباطن الظاهر والشاهد على كل غائب وحاضر فسبحان ربك رب العزة عما يصفون احمده كما حمد نفسه لا مقنوطا من رحمته ولا مخلوا من نعمته ولا ميؤسا من روحه ولا مستنكفا عن عبادته قامت الاشياء بارادته وانقادت السموات والارضون طائعة لدعوته وتذلل المتعززون  لعظمته وتضاءل المتجبرون لهيبته فسبحان الذي ( من خ‌ل ) يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون واشهد ان لا اله الا الله الذي ملأ الدهر قدسه والابد كونه بعد في تعززه من ان تناله الاوهام وجل في عظمته من ان تدركه خواطر الانام وتعالى في كبريائه عن ان تحصيه الدهور وقرب في بعده فعلم ما تخفي الضمائر وما تكن الصدور لا تواري منه ظالمة ولا تغيب عنه غائبة وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين احمده واستهديه واعوذ به مما لا يرضيه واشهد ان محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ارسله الى الناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فقام مضطلعا باعباء الرسالة مشيدا لاركان الهداية والدلالة وبالغ في الاعذار والانذار حتى اقام دعوته وابان حجته وجاهد المدبرين عنه حتى اتاه اليقين فصلى الله عليه وآله الجارين على منواله والتابعين له في جميع اقواله وافعاله اوصيكم عباد الله واوصي نفسي الخائنة اولا بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة ولا تفقد له رحمة الذي دعا الى نفسه العباد وامرهم بطاعته ليجزل لهم الثواب وحذرهم معاصيه لينجيهم من العقاب فرغب في دار البقاء وزهد في دار الفناء وجعل الموت غاية المخلوقين لئلا يبطروا وقهرهم بالفناء لئلا يتجبروا فهبوا عباد الله من رقدة الغفلة قبل فوت المهلة وتخففوا للرحلة قبل حلول النقلة فان السبقة الجنة والغاية النار فكم من راغب فيما يترك وكم من طالب لما لا يدرك وكم من مؤمل تصطلمه المنية قبل بلوغ امله وكم  من راج انقطع رجاه عند حلول اجله الا وان الدنيا دار لايدوم نعيمها ولا يسلم مقيمها دار محفوفة بالبلاء معروفة بالغدر والجفاء قد تزينت للجاهل وتنكر منها الرجل العاقل لم ‌يسلم منها زاهد لزهده ولم‌يبق فيها كادح لكده وهي مع ذا تريكم مصارعكم لو تبصرون وتسمعكم اخبار اهلها لو تعقلون فقد بالغ في النصح من ترك ضرب الامثال وكشف حقيقة الحال بتنقل الاحوال وتصرم الاجال فتزودوا رحمكم الله منها بقدر اقامتكم بها واعملوا للاخرة بقدر بقائكم فيها واكثروا الزاد ليوم المعاد واصلحوا الاعمال قبل انقضاء الاجال فان الدنيا مزرعة الاخرة من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة فلا تغفلوا عما يراد بكم ولا تتكلوا على ما لم‌ يضمنه الله لكم يا ابناء الهالكين وبقية الماضين ما لكم توعظون فلا تسمعون وتنادون فلاتجيبون قد بح واعظكم وبت زاجدكم ( زاجركم ظ ) كأنكم لم‌ تسمعوا داعي الموت يهتف بكم في افنيتكم ولم ‌تنظروا مصارع ابائكم وامهاتكم واخوانكم وابنائكم بلى اجابوا الداعي اذ دعوا واقاموا في التراب واستودعوا وانتم على اثرهم لاحقون وعما يراد بكم غافلون وقبوركم تسير بكم وانتم لا تشعرون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون افلا تائب من خطيته ( خطيئته ) قبل حلول منيته او راحل عن هذه الدار قبل وقوع البوار جعلنا الله واياكم ممن يستن بسنته ويعمل في دنياه لاخرته   

الا وان هذا اليوم يوم عظيم بركته تنال به الامال وتضاعف فيه الاعمال جعله الله لكم عيدا واختاركم له اهلا فاذكروا لله ( الله ظ ) يذكركم واشكروا نعمه يزدكم وسبحوه ومجدوه واستغفروه يغفر لكم وادوا فطرتكم فانها سنة نبيكم وفريضة واجبة من ربكم فليخرجها كل امرء منكم عن نفسه وعن عياله ذكرهم وانثاهم كبيرهم وصغيرهم حرهم ومملوكهم يخرج عن كل واحد صاعا من تمر او صاعا من بر او صاعا من شعير من طيب كسبه طيبة بذلك نفسه وتعاونوا على البر والتقوى وتراحموا وتعاطفوا واقيموا الصلوة واتوا الزكوة وامروا بالمعروف واعينوا اهله وانهوا عن المنكر وجانبوا اهله واجتنبوا شرب الخمر وقذف المحصنات وشهادة الزور وبخس المكيال ونقص الميزان والفرار من الزحف واتيان الفواحش ما ظهر منها وما بطن واحسنوا الى نسائكم وما ملكت ايمانكم وارحموا ضعفائكم واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون عصمنا الله واياكم بالتقوى وجعل الاخرة لنا ولكم خيرا من هذه الدنيا ان احسن القصص وابلغ الموعظة كلام الله العظيم اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر والحمد لله رب العالمين

المصادر
المحتوى