
حسب جوامع الكلم – المجلد السادس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي اني لما رأيت كثرة الاختلاف بين علمائنا في اكثر طرق الاستدلال وكيفية استنباط الحرام والحلال وكثرة القيل والقال بين الاخباريين والاصوليين وكثرة وقوع كل في الاخر حتى انتهى بهم الحال الى اشنع المقال من نسبة بعضهم الى بعض الكفر والضلال واصل الاختلاف اختلاف الطبايع والاطوار وتباين المقاصد والانظار واظهر التكليف ما استبطنوا واضمروا لان الحق لم يخلص ولو خلص لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فمزجا امتحانا في التكليف وفضلا منه سبحانه بالترغيب والترهيب في التعريف ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة والاصل في ذلك ما قيل ان الكتاب التدويني طبق الكتاب التكويني فكما ان الكتاب التدويني فيه المحكم والظاهر والمتشابه والمجمل والخاص والعام والناسخ والمنسوخ وحرف مكان حرف والتقديم والتأخير الى غير ذلك كذلك هذه في الكتاب التكويني ففي الناس المحكم وهذا لا يستقر فؤاده الا على المحكم وفيهم الظاهر وهذا يسكن ( لا يسكن خ ) قلبه الا على الظاهر من الكتاب وان كان يمكنه ادراك المحكم وتحصيله وفيهم المتشابه وهذا لا تسكن نفسه الا بالمتشابه من الحجج والكلام الا ان لله الحجة البالغة فلا يترك احدا الا ويعرفه الحق في نفسه قبل او لم يقبل وبالجملة فجرى الاختلاف الذاتي على الاختلاف التكليفي وكان مما وقع فيه الاختلاف باعتبار المختلفين وكثر ( كثرة خ ) الاختلاف فيه مسئلة الاجماع حتى ملأ الاسماع وطبق الاصقاع واكثر منكروه النقض والابرام حتى دخلت الحيرة على كثير من القائلين به لكثرة ايرادهم للاجماعات المتعارضة في المواضع المتكاثرة من كلام العلماء ممن يحتج به واشتغل القائلون به بنقض ما يرد عليهم وتمادي الزمان بالناس فنسوا الاساس ووقع عليهم الالتباس حتى وجدنا من يحتج به لا يعرف كثير منهم الاجماع ولا ما اراد العلماء به ولا يدفع ما يرد عليه وكلما طال الزمان غطت الشبهات مداخله لان من تأخر لا يعرف من التمسك به الا ما قد يستفيده من كلام الخصم ولم ينقحوا معالم الاصول ولم يظفروا بزبدة المحصول الى زماننا هذا وهو السنة الخامسة عشرة بعد المأتين والالف حتى بلغ باهل زماننا الحال الى انهم في ذلك اذا كولموا ينظرون الى من قال لا الى ما قال وقد سرى هذا الداء العضال في كثير من الفريقين ولقد كنت اسمع بعض اهل الاخبار يناقض خصمه لا بما يتعقله بل بما ينقله وكذلك بعض اهل الاصول يجيبونهم بما ليس فيه وصول الى محصول وربما خاطبت بعض الفريقين فوجدته لا يفهم ما يقول ولا ما اقول فاحببت ان اكتب كلاما في الاجماع وفي اقسامه وحجيته ووقوعه وامكان العلم به يكون دليلا لاولي الاستبصار وعمود ميزان قسط ليس فيه انكسار وطريق قصد واضح ليس عليه غبار وضياء نور يغشي برقه بصائر الاغيار يكاد سنا برقه يذهب بالابصار فكتبت هذه الرسالة على تشتت بال من حل وارتحال وتقسم فكر لا يسع فيه المقال في ذلك المنوال واودعتها صحيح الاستدلال على ذلك بالادلة العقلية والنقلية مقتصرا على البعض خوف الاطالة والملال وانما كتبتها لما كان الجدال بالمقال لا يكاد يقطع العذر لان الخطاب لا يثبت معناه عند المخاطب اذا كانت الشبهة قد سبقت اليه لتمكنها ولا يدرك اشاراته مثل ما يكون من الكتاب لانه يمكنه المراجعة والتأمل في خلواته فيستقر المعنى الذي يستفيده فتذهب الشبهة بخلاف الخطاب لانه قد يذهب قبل ان يدرك معناه ويفني قبل ان يفهم مراده ومؤداه وقد يقبل من الكلام مع غيبة صاحبه ما لا يقبل مع حضوره ولا اورد في ازالة تلك الشبه في اكثر الموارد ما اورده العلماء لانهم تغمدهم الله برضوانه وان كانوا عرفوا الاساس الا انهم كانوا في زمان ليس فيه على ما اصلوا التباس فاوردوا في كتبهم تلك الاصول ولم يقرروا ماخذها لعدم الحاجة في ذلك الزمان الى ذلك ولانهم سلكوا في الاستدلال طريق المجادلة بالتي هي احسن لابتناء بيانهم على الظاهر لاجل التبيين والوضوح وهي لا تقطع العذر الا اذا كانت مشتملة على المقدمات الضرورية او المسلمة وهي في هذه المسئلة ليست موجودة في جميع انحائها فلا تكاد تقطع العذر بخلاف طريق الحكمة والموعظة الحسنة لان طرق الاستدلال ثلاثة قال تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة وهو الدليل العقلي الذوقي والموعظة الحسنة وهو الالزام بما فيه السلامة كما قال تعالى وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا فيصبكم بعض الذي يعدكم وجادلهم بالتي هي احسن وهو معروف وهذه الثلثة الطرق هي المشار اليها في قوله تعالى ايضا ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فالعلم هي المجادلة بالتي هي احسن اذا كانت بالضروريات والمسلمات والهدى هي الحكمة والكتاب المنير هي الموعظة الحسنة والعلماء (ره) قد ذكروا دليل المجادلة للوضوح لانه لا يحتاج الى جزم كالموعظة الحسنة ولا الى عقل مستنير كالحكمة فاتى من بعدهم ولم يعرف ماخذهم فعارض بعض من عارض غير عارف بالماخذ واجاب من لا يعرف الجواب لان الجواب المستوفي لم يذكره الاصحاب كله في كتاب وان ذكروا بعضه لم يكن كافيا لكل اعتراض وهذا المجيب قد لا يعرف الحكمة ولهذا قلت لا اورد في اكثر الموارد ما اورده العلماء يعني من الاقتصار على طريق المجادلة الا شيئا من كلامهم جاريا في البيان على سبيل التتميم او مرادا به محض التفهيم وجعلتها مشتملة على مقدمة وسبعة فصول وخاتمة فيها تذنيب
فالمقدمة في تعريف الاجماع وبيان المراد منه والفصل الاول في القسم الاول وهو الاجماع الضروري من المسلمين والفصل الثاني في القسم الثاني منه وهو الاجماع الضروري من الفرقة المحقة والفصل الثالث في القسم الثالث منه وهو الاجماع المشهوري والفصل الرابع في القسم الرابع منه وهو الاجماع المركب والفصل الخامس في القسم الخامس منه وهو الاجماع المنقول والفصل السادس في القسم السادس منه وهو الاجماع المحصل والفصل السابع في القسم السابع منه وهو الاجماع السكوتي والخاتمة في امكان وقوعه وامكان العلم به وحجيته والتذنيب في نقل ما ذكره الشيخ محمد المقابي (ره) من حجج النافي لحجية الاجماع وجوابه له وكلامنا عليهما بما يناسب ويكون فيه تصحيح حجية الاجماع فاقول وبالله المستعان :
المقدمة في تعريف الاجماع وبيان المراد منه اعلم ان الاجماع لغة يطلق على العزم كما قال تعالى فاجمعوا امركم مأخوذ اما من قولهم امرهم مجمع اي مستور ومكتوم او من جمع اخلاف الناقة اي صرها فكأنهم ضموا ارائهم بعضها الى بعض او تستروا في جمع ارائهم عمن ينقضها او من الجمع وهو تأليف المتفرق اي الفوا ارائكم وعلى الاتفاق وهو مأخوذ منه ايضا ومن قولهم اجمعوا اي صاروا ذوي جمع كما يقال البن الرجل واتمر اي صار ذا لبن وذا تمر واصطلاحا اتفاق جماعة احدهم المعصوم (ع) قطعا غير معلوم بعينه على امر من الامور وقولنا غير معلوم بعينه ليخرج حال تعينه لانه اذا علم بعينه كان قوله خبرا ولم يكن اجماع اذ لا عبرة بالاتفاق ما لم يكن احد المتفقين ( احدهم خ ) واما قوله منفردا فهو خبر فان شافه به السائل كما لو امره بشيء تعين العمل به عليه ما لم ينفه والا كان حجة عليه بشروط منها ان لا يخالف الكتاب المجمع على تأويله ولا السنة التي لا اختلاف فيها وان لا يعارضه خبر اخر اقوى منه او مساو له عند الترجيح والا يوافق القوم والا يشهد العقل المهذب برده والا يخالفه اجماع او اصل متحقق لا يصلح ذلك المعارض للاخراج عنه الى غير ذلك من التراجيح وانما حكمنا بانه اذا كان في جملة قائلين قطعا غير معلوم بشخصه كان ذلك حجة بقوله مع اقوالهم اذا لم يتعين لوجود المقتضي للحجية وهو قول المعصوم عليه السلام وانتفاء المانع هو احتمال التقية على نفسه او على شيعته واحتمال ارادة احد السبعين المخرج كما رواه المفيد (ره) في الاختصاص والصفار في البصائر وغيرهما من قوله عليه السلام اني اتكلم بالكلمة واريد بها احد سبعين وجها لي من كل منها المخرج وقوله عليه السلام انتم افقه الناس ما عرفتم معاريض كلامنا انا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجها ان شئت اخذت هذا وان شئت اخذت هذا وقوله عليه السلام والله انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن وفي اخر حتى يكون محدثا وهي وامثالها دالة على ان المراد من كلامهم (ع) ليس مشرعة لكل خائض وانما تحصيله لاشخاص مخصوصة كما هو معلوم لكثرة الاحتمالات منه فاذا كان هكذا سبيلهم لا يكاد يقطع بمرادهم (ع) اذا انفرد قولهم ولهذا اختلفت الروايات عنهم ظاهرا بل وقع منهم ذلك في المسئلة الواحدة في المكان الواحد واحتيج في فهمه الى التراجيح والتوسل اليه بكل وسيلة ولو علم مرادهم من قولهم بدون دليل لاكتفى كل احد بكل رواية حصل اليقين او الظن الذي لم يحصل اقوى منه بصحيح ورودها عنهم عليهم السلام اختلفت او اتفقت والواقع ان مرادهم اذا انفرد قولهم لا يعرف الا بما دلوا عليه واشاروا اليه وتلك الدلالة والاشارة معلومة عند اهل العلم بخلاف ما اذا كان كلام المعصوم (ع) في جملة كلام غيره فانه يكون بحكم كلام غيره فلا يريد غير ما تريد الجماعة التي هو من جماعتهم لعدم المانع الموجب لمخالفة الظاهر كما قلنا ووجود المقتضى وهو قول الحق وحفظه على اهله لئلا يرتفع عنهم والا لكان مغريا بالباطل والخطاء ولو اراد غير ما ارادوا لما ادخل قوله في جملة اقوالهم لما قلنا وقولنا ( سابقا خ ) انه لو علم قوله بعينه لم يكن حجة الا بتلك الشروط رد على من توهم ذلك من اهل الاصول ممن لم يكن فيه قدم راسخ وعلى من اعترض من اهل الاخبار على قول العلماء بأن قال اذا علم انه فيهم كان قوله عليه السلام هو الحجة لا الاجماع والجواب ما قلنا من انه اذا علم بعينه كان خبرا لا يزيد على قوله الذي هو عندنا وقد اتفقنا على انه لا يتعين العمل به الا بتلك الشروط بخلاف ما اذا كان في جملتهم غير متعين لا يقال انه اذا كان قوله مطابقا لقول المتفقين كان قوله هو الحجة وان علم بعينه لانه لا يحتمل الاحتمالات المذكورة لموافقة اولئك المتفقين فلا معنى لاشتراطكم عدم تشخصه لانا نقول انما يتم ما ذكرتم اذا لم يوجد مخالف او وجد مخالف وقد نص صريحا على بطلان قول ذلك المخالف ولكنه حينئذ امر ضروري لا ينكره احد اما اذا وجد مخالف ولم يظهر نص على نفيه فان قوله لا يكون حجة قاطعة للاحتمالات الا بشروط التراجيح فان قيل واذا كان الامر كما قلتم من عدم التعيين فلا يخلو اما ان ينص على نفي الخلاف او لا فان نص فالحجة في نصه وقوله وان لم ينص لم يكن حجة فلا تثبت للاجماع حجة قلنا اذا لم يظهر نص على نفي قول المخالف لا يكون حجة الا بشروط التراجيح اذا كان قوله ظاهرا متعينا للاحتمالات السابقة اما اذا لم يكن ظاهرا متعينا فانه يكون في ضمن اقوال من وافقهم حجة لعدم الاحتمالات وللموافقة المذكورة الموجبة لتوافق الظاهر للباطن والموجبة لنفي الاحتمالات فتفهم ما ذكرناه وما نذكره فهذا معنى ما نريد من الاجماع حيث يطلق سواء كان طريق اثباته في المسئلة المستدل به عليها اليقين ام الظن ويأتي بيان يحتاج اليه فيما يراد منه زائدا على ما ذكر فتأمل فيه والحمد لله وحده
الفصل الاول - في القسم الاول من الاجماع الضروري من المسلمين
الفصل الثاني - في القسم الثاني منه وهو اجماع الفرقة المحقة وهذان القسمان من الاجماع لا خلاف في حجيتهما عندنا لتحقق دخول قول المعصوم عليه السلام في جملة اقوالهم وكلامنا هذا مع بعض منا فلا نحتاج الى تصحيح اجماع الفرقة المحقة واثبات حجيته اذ ليس كلامنا مع العامة فلهذا لم نتكلم عليه
الفصل الثالث - في القسم الثالث منه وهو الاجماع المشهوري وهو ان يعلم كون قول المعصوم عليه السلام في جملة القول المشهور وذلك اذا لم يوجد قرينة من اثارهم (ع) صارفة عن المشهور بعبارة او اشارة كما لو تساوي القولان او الروايتان في جميع مراتب التراجيح المعتبرة ولم يكن للقول المشهور او الخبر المشهور او النادر مرجح يصار اليه الا ان احدهما مشهور بين الاصحاب والاخر غير مشهور فان الاخذ بالمشهور متعين لان الامام عليه السلام قد نص على الاخذ بالمشهور اذا لم يكن مرجح لاحدهما وانما قلنا بتعين الاخذ بالمشهور اذا لم يكن ذلك التعين الا لنصه عليه السلام على الاخذ بذلك المشهور ولم يكن النص منه عليه السلام على ذلك الا لدخول قوله عليه السلام في جملة اقوال المشهور وعلامة تعين ذلك عدم المرجح ولهذا امر به وسماه اجماعا كما في مقبولة عمر بن حنظلة حيث قال ينظر ما كان من روايتهما في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وكذلك في مرفوعة زرارة من قوله عليه السلام خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه والمراد به المشهور فسم المشهور مجمعا عليه وانه لا ريب فيه ولا يكون كذلك مع تجويز خروج قول المعصوم عليه السلام وانفراده عنهم ولا يمكن العلم بذلك بمجرد الشهرة اذ رب مشهور لا اصل له ما لم يكن على النحو الذي ذكرنا لا يقال ما الفرق بين المشهور الحجة والمشهور الذي لا اصل له وكل منهما مشهور مع انكم قلتم انه لا مرجح للمشهور الحجة الا انه مشهور وهذا معنى الشهرة لانا نقول الفرق بينهما ان المشهور الحجة لم يعثر المستنبط بعد استفراغ وسعه على صارف عنه بخلاف الاخر فانه اذا استفرغ وسعه وجب في الحكمة ان يقع على الصارف عنه والا لكان حجة كالاول ولا يقال لعل المراد بقوله (ع) خذ ما اشتهر بين اصحابك ان هذا المشهور الذي سماه مجمعا عليه انه متفق عليه في الرواية لان الراوي للنادر ايضا راو للمشهور وهذا لا اشكال في كونه اجماعا وهو غير ما تريدون لانا نقول انه يأتي ان شاء الله ان الرواية اذا خالفها عمل الراوي فان كان ذلك لانها لم تصح عنده اما لعدم صحة الواسطة او لان عنده ما هو اصح منها او لعدم معرفة الحكم منها فلا عبرة بروايته لها ولا يكون ذلك مرجحا وان كانت عنده صحيحة ولا معارض لها اقوى منها فلا عبرة بروايته لانه فاسق فيلزم على ما يأتي تفصيله ان شاء الله تعالى صحة ما بنينا عليه كلامنا من ان المراد به المشهور في العمل ولا يقال ان قولكم اذا لم يكن مرجح بخلاف ما في الرواية فانه عليه السلام بعد النص على المشهور جعل لهما لو كانا مشهورين العرض على الكتاب والسنة وخلاف الجماعة لانا نقول انما قلنا اذا كان احدهما مشهورا لا اذا كانا مشهورين فانهما اذا كانا مشهورين لا بد من الترجيح بينهما كما لو تعارض اجماعان اذ لا تزيد الشهرة على الاجماع وانما قلنا بتعين الاخذ بالمشهور اذا لم ينصب الامام عليه السلام العالم بدخول قوله في المشهور وخروجه عنه قرينة تدل المكلف بالاستنباط على خروج قوله عن المشهور فانهم عليهم السلام قد اكملوا الدين لاهل الاستيضاح والتبيين فمهما كانت في المسئلة قولان او اكثر فلا بد ان ينصبوا دليلا في اخبارهم وارشاداتهم وهدايتهم تصريحا او تلويحا يدل على ان حكمهم وقولهم المتعين الذي هو دينهم في قول من تفقده من اهل الاستنباط وجده البتة ان لم يكن الكل فالبعض فمن استفرغ وسعه من اهل الاستيضاح والاستنباط في تحصيل ذلك الدليل المعين لدخول قول المعصوم عليه السلام في جملة قول من الاقوال او المعين لخروجه باليقين الذي لا يحتمل النقيض عنده في ذلك الوقت لا مطلقا ولا في نفس الامر لجواز ظهور ذلك الدليل المعين لغيره او له في غير ذلك الوقت فمن عثر على ذلك الدليل صح له دعوى الاجماع بقول مطلق وهذا هو الفرق بين قولنا بحجية الاجماع المشهوري وبين قول من يقول بأن مجرد الشهرة اجماع من حيث ورود الامر بالاخذ بالشهرة لما قلنا وورود رب مشهور لا اصل له وان لم يعثر على ذلك الدليل فسبيله في الحكم على حسب ما يقضي له من الظن فيحكم باقوى ظنونه ان تعددت وان اتحد لحق بالاول والا يحصل الظن فهو المتردد الذي يقف مع عدم الحاجة الى العمل هو او مقلده ويحتاط مع الحاجة كذلك ويلزم الظان والمردد ما قلنا لتعين ذلك عليه لا لان الظاهر والظن من حيث هما يسميان علما بل العلم هو المانع من النقيض ولو مطلقا ولا يكون للحاكم حينئذ الا تعين العمل على الاصح ( لا على ظاهر ما قررنا في كثير من كتبنا خ ) الذي لا ينبغي العدول عنه كما اشارت اليه الاثار وشهد له صحيح الاعتبار الذي ليس عليه غبار ثم اذا صح له دعوى الاجماع لتعيين الدليل على دخول قوله او خروجه فهيهنا بيان وهو انه ان ( اذا خ ) كان ذلك بين مشهور ونادر ولم يجد قرينة ولا دليلا يدل على دخول قوله في النادر او خروجه عن المشهور بل كان الدليل على ذلك معدوما كما بيناه كان المشهور هو المجمع عليه لكشفه عن دخول قول المعصوم عليه السلام لانه انما قال خذ بما اشتهر بين اصحابك لدخول قوله في جملة اقوالهم ولعلمه بأن الحجة هو قوله عليه السلام ولانه ان لم يدخل في ذلك المشهور الذي جرت عادة القلوب في الجملة على تقويته والميل اليه ما لم يكن صارف اقوى من ذلك لان الاكثر في الغالب ابعد عن الخطأ من الاقل اذا عرى الكل عن الامارة بل ربما وجد في بعض النصوص الاشارة الى ذلك ولم يتعين في ذلك المشهور المذكور دخوله وجب عليه نصب الصارف عن المشهور والا لكان امرا بغير قوله لانه عليه السلام قال خذ بما اشتهر الخ وهو في الواقع خارج عما اشتهر فيكون مغريا بالباطل ووقوع ذلك منه محال لان الله ( لانه خ ) سبحانه اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وايضا يكون الدين ناقصا اذ كمال الدين بنصب القرينة الصارفة اذا لم يكن داخلا في المشهور ولا سيّما بعد امره بالاخذ به اذا عدم الترجيح بدون تقييد وهذا هو الاجماع المشهوري ولا يكون منه اجماعان في وقت واحد ومكان واحد نعم قد يتعاقب ويتعاكس مع اختلاف الزمان والمكان والسر فيه ما نبهناك عليه من ان الدليل القاطع الدال على دخول قوله في المشهور انما هو باعتبار يقين المستوضح للحجة لا باعتبار نفس الامر والسر في هذا السر ان التكاليف في الغالب جارية بالاقتضاءات فقد يقتضي وصف المكلفين في مكان دون اخر او في زمان دون اخر حكما غير ما يقتضيه الوصف في ذلك الزمان وذلك المكان واما حكم الله الواحد الذي لا يختلف ابدا فانه قد يطابقه حكم الله المتعدد المتكثر وقد يخالفه والامام عليه السلام عنده الحكمان اما الاول الواقعي الذي لا يختلف فانه عليه السلام في نفسه لا يلزمه العمل به في كل حال ما دامت دولة الضلال الا اذا اتفقت الامة على خلاف الحكم الذي لا يختلف فانه عليه السلام يتعين عليه حينئذ العمل به ان لم تقتض الحكمة عمله بخلافه والا عمل بالحكم المختلف اذا اقتضى الوقت ذلك بشرط ان يكون عامل بالواقعي من الفرقة المحقة لئلا يرتفع الحق عن اهله لان تكليفه مشارك لنا في اكثر الاحوال وذلك يجري منه على حسب ما يصلح للرعية كما قال الصادق عليه السلام والله انا لا ندخلكم الا فيما يصلحكم واما الثاني المتكثر فالعلماء الذين هم ابواب الحجة ووسائط بينه وبين غنمه الذين امر غنمه ورعيته بالاخذ عنهم والاقتداء بهم كما اشار اليه سبحانه بقوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة فالقرى التي بارك الله فيها آل محمد (ع) والقرى الظاهرة هم العلماء المشار اليهم وقدرنا فيها السير بأن يأخذ مقلدوهم الذين هم غنم الامام عليه السلام عنهم ما يحتاجون اليه من الاحكام وان اختلفوا لان الاختلاف اوقعه الامام عليه السلام بينهم ابقاء لهم فهم مكلفون ( المكلفون خ ) به وهو كما قلنا قد يطابق الاول وقد يخالفه ( يخالف خ ) فان لم يحصل مانع من العمل بالحكم الاول الواقعي الذي لا يختلف في وقت او مكان وجب عليه عليه السلام العمل به ووجب عليه هداية الوسائط اليه بوقوع ( لوقوع خ ) الاتفاق او الاجماع وذلك بحسب الامكان ويجب في الحكمة اصابة بعض العلماء من ابواب الامام (ع) ووسائطه له ولو من عالم يعتبر بعلمه لئلا يخرج الحق عن الفرقة المحقة الذين لا يزالون على الحق حتى تقوم الساعة وان حصل مانع من العمل بذلك الحكم الواقعي بحيث يلزم منه استيصال الفرقة المحقة كان تكليفهم فيما فيه النجاة وكان على الامام عليه السلام ان يجري في ذلك في الظاهر ان كان ظاهرا مع شيعته بأن يكون في جملة القائلين بذلك الحكم ويلزمه العمل بذلك الحكم الواقعي لنفسه باطنا وكذا اذا كان مستترا حفظا لوجود النوع المتوقف على وقوع الحق فيه في الجملة ولا بد في شيعته من موافق له في ذلك الحكم الواقعي ويكون بذلك مستترا كامامه او متروك القول بالنسبة الى المشهور لوجوب اتصاف التابع بشيء مما اتصف به المتبوع ولو من واحد من ذلك النوع لتحقق المتبوعية ويكون بظاهر عمله ( علمه خ ) الذي لا يمنع من ظهوره مانع مع المشهور من شيعته وعليه نصب الامارات والاشارات الى ذلك المشهور بحيث يحصل لاهل الاستنباط تحقق دخول قوله الظاهري في جملة اقوال المشهور بحيث يتجه دعوى الاجماع من المشهور لكشفه عن دخول قوله اذ ليس جايزا ان يخلو قول المشهور من قوله والا لنصب له الصارف عنه ولكن عليه في سلوكه على الحكم الظاهري ما دام المانع العمل باقرب المجازات الى الحقيقة اي باقرب الاحكام الى الحكم الواقعي الاولي فيكون ما دام المانع ظاهر القول مع اهل القول الظاهر مستتر العمل بالحكم الواقعي الذي لا يختلف مع بعض من شيعته مستتر او متروك القول وربما زال المانع او حصل مانع اخر مغاير لذلك المانع في وقت اخر فيتغير الوضع والى هذا المعنى اشرنا سابقا بقولنا في المشهورين اللذين يمكن في كل منهما دعوى الاجماع انهما لا يكونان في وقت واحد في مكان واحد او مكانين يمكن اتصالهما فانا قلنا قد يتعاقب ويتعاكس مع اختلاف الزمان والمكان ولا يرد علينا منع التعاكس المذكور في الاجماع المركب لما بيناه وعلى الامام عليه السلام ارشاد العلماء من فرقته وشيعته على الحالتين على المصلحة التي يعلمها الى سلوك طريقته واصابة بعض منهم ولو واحدا لقوله على الفرضين بنصب دليل يدل على مراده منهم في الاختلاف والاصابة كما قال ( قاله خ ) جعفر بن محمد عليهما السلام لعبيد بن زرارة على ما رواه الكشي قال عليه السلام والذي خالف بينكم هو راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه فان شاء فرق بينها لتسلم او يجمع بينها لتسلم وفي الكافي عنه عليه السلام قال ان الارض لا تخلو الا وفيها امام كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا ( شيئا خ ) اتمه لهم ه فاستمع لما اتحفناك به وكن به ضنينا فانه من اسرار الحق والكبريت الاحمر وادلة ما ذكرناه يطول فيها الكلام الا انها مذكورة فلتطلب من مظانها فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك انه قد يتحقق الاجماع المشهوري في المتقدمين وينعكس في المتأخرين بل في مكانين لا يتصلان فاذا رأيت ذلك في كتب العلماء فلا تسارع الى تغليط احدهم ولا تنسبه الى الغفلة والسهو وعدم الضبط او الى المجازفة وكأني بناظر في كلامي هذا يهزء به ويضحك منه وانا اقول له كما قال الشاعر :
على نحت المعاني من مواضعها وما على اذا لم يفهم البقر
والومه في ذلك واقول له كما قال الشاعر :
فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
هذا اذا كان في قولين مشهور ونادر وان لم يكن كذلك بل كان بين قولين مشهورين وان لم يتساويا وحصل للمستوضح الدليل القاطع على دخول قول المعصوم عليه السلام في احدهما صح له ان يدعي الاجماع لكشفه عن دخول قول المعصوم عليه السلام وهذا هو الاجماع المحصل كما يأتي وهو حجة للمستوضح قاطعة بتعين ( بتعيين خ ) العمل عليه الا انه لا يكون حجة على من لا يعثر على ذلك الدليل وهذا الاجماع كثير بين الاصحاب حتى ان منهم من يدعي الاجماع في كتاب ويدعي الاجماع على العكس في كتاب اخر فيطعن عليه من لا يعلم ذلك منه جهلا منه بالامر واستعجالا وقولا بما لا يعلم وتكذيبا بما لم يحط بعلمه ولمايأته تأويله وقد يكون اجماعا العالم المختلفان ليسا محصلين بل قد يكون احدهما محصلا والاخر منقولا او مشهوريا بناء على ما حققناه ويأتي ايضا تحقيق ذلك وتمحل بعض الفضلاء لتسديد الاجماعات المختلفة بأن قال ما معناه يحتمل انهم (ره) انما نقلوا الاجماعات المختلفة عمن قبلهم فيما اذا كان الحكم مستنده خبران تساوت ( تساوي خ ) فيهما جميع التراجيح بحيث كان الحكم عندهم الاخذ بايهما شئت من باب التسليم فاذا اخذ قوم بخبر من باب التسليم كان حكمه لازما لهم ما دام التساوي من جميع الوجوه موجودا وهم حاكمون بصحة الاخر مجمعون على صحة كل منهما وكذلك القوم الاخرون الاخذون بالخبر الاخير مجمعون على صحة ما اخذ به الاولون فاذا نقل المتأخر عنهما قول احدهما وادعي الاجماع على ذلك فهو حق واذا ادعي الاجماع على القول الاخر كان حقا لان كل قول مجمع على صحته ولا يخفى ما فيه لان الخبرين المشار اليهما المتساويين من جميع الوجوه في جميع التراجيح لا يكاد يوجدان فضلا عن ان يبلغا في الكثرة الى هذا الحد بحيث يكثر نقل العلماء الاجماع عن اقوال الاخذين بهما من باب التسليم واعتذر لهم الشهيد في الذكري باحتمال ( باعتبار خ ) تسميتهم المشهور اجماعا او بعدم الظفر حين دعوى الاجماع بالمخالف او بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع وان بعد او ارادتهم الاجماع على روايته بمعنى تدوينهم في كتبهم منسوبا الى الائمة عليهم السلام وامثال ذلك وهو اعتذار واه يعين الخصوم على معارضة الاجماع وابطاله كما لا يخفى على من تتبع كلامهم فانهم كثيرا ما يتمسكون بمثل هذه العبارات فان الاصحاب اذا احتمل انهم يسمون الشهرة اجماعا كان اعتمادهم في اجماعهم على مجرد الشهرة لا غير مع ان المعروف من مذهبهم انهم يطعنون على اهل الخلاف حيث لم يشترطوا دخول المعصوم في الاجماع وانما يقولون انه يتحقق باتفاق المجتهدين فهم على هذا احسن طريقة من الفرقة المحقة لانهم انما يدعون الاجماع مع دعوى الاتفاق لا مع الشهرة واصحابنا انما يريدون بالاجماع ما يتحقق باتفاق جماعة يعلم دخول قول المعصوم (ع) في قولهم قطعا ويكون غير معلوم بعينه ونسبه ولا بد عندهم ان يكون في جملة المتفقين مجهول النسب يجوز ان يكون هو الامام عليه السلام فلا تكون الشهرة عندهم اجماعا الا على النحو الذي بيناه هنا واما قوله او بعدم الظفر حين دعوى الاجماع بالمخالف الخ فيأتي في خلال كلامنا جوابه وبيانه من انه قد يكون ذلك كاشفا لدخول قول الحجة عليه السلام في بعض الاحوال فيتحقق الاجماع حينئذ فقول ذلك المتمحل وان امكن في بعض الافراد ( الاقوال خ ) النادرة لكنه لا يحمل عليه ما هو كثير الوقوع بل الاولى كما مر ويأتي ان يحمل ذلك على كون احد الاجماعين محصلا مثلا والاخر منقولا ولم يثبت عند غير المحصل بكسر الصاد المحصل بفتح الصاد ولعل المنقول ايضا محصل في نفسه كما يأتي او لم يثبت المنقول عند غير المحتج به فلا عيب على مدعي الاجماع بعد تحقق الاحتجاج به مع وجود المخالف ومع قيام الاحتمال المنافي عند غيره بل قد يدعيه على خلاف المشهور في الموارد كما وقع من ائمة الهدى واعلام التقى صلوات الله عليهم اجمعين كما هو معروف من كثير من اثارهم من دعوى الاجماع والاحتجاج به مع وجود الخلاف اذا قام الدليل القاطع على المدعي وان كان من احد الادلة الثلثة المشار اليها سابقا ومن ذلك ما اشار اليه الهادي عليه السلام في رسالته الى الاهواز واحتجاجه بالاجماع كما يظهر لمن تتبع كلامه هنالك فان قيل انما كان ذلك هنالك لانه قصد به بيان الرد على العامة الذين يعتمدون ( على خ ) الاجماع من حيث هو فلا يكون الاحتجاج به دليلا على حجيته قلنا انما اراد تأسيس اصل وقاعدة لشيعته الذين طلبوا منه الدليل فبين لهم ولذا تراه يستدل فيما لا تعلق له مع العامة بوجه كما في رواية الاحتجاج الاتية فتأملها وذكره لاجماع الامة لا ينافي ما قلنا لان المراد منه حجية الاجماع غاية ما في الباب انهم يعتمدون اجماع الامة ونحن نعتمد الاجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام ولهذا لو حصل اتفاق كثيرين معلومين ليس فيهم مجهول يجوز ان يكون الامام لا يكون ذلك حجة عندنا فقرر الاستدلال بالاجماع المعتبر وهو دليل على حجية الاجماع المعتبر وبطلان ما خالفه ( يخالفه خ ) ومن تدبر كلامه عرف ما قلنا وكذلك كلام الحجة عليه السلام لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري على ما رواه ابو طالب الطبرسي في احتجاجه حين كتب اليه يسئله عن دعاء التوجه الى ان قال عليه السلام والسنة المؤكدة التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض الخ وفيها وهدي امير المؤمنين عليه السلام وفي اخرها وانا من المسلمين اللهم اجعلني من المسلمين ولم يوجد في غير هذه الرواية هذه الالفاظ بل ما رواه اصحابنا انما هو ومنهاج عليّ بن ابيطالب ورووا وانا من المسلمين وليس بعدها كما ذكر هنا مع انه عليه السلام قال التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه فجعل الاجماع حجة يستدل به كما ترى وشبه ما لم يكن معروفا بالاجماع لظهور قوله بعينه ونحن نشترط عدم معلومية قوله بعينه لما ذكرنا سابقا فلما كان الشرط الذي اشرنا اليه سابقا حاصلا بالمفهوم والاشارة واللازم شبه ذلك بالاجماع لانا قلنا ان ظهور كلامه مظنة للتقية واحتمال احد السبعين الوجه كما ذكرنا فاذا كان قوله في جملة القائلين لم يزد المراد منه على مرادهم من كلامهم فلاحظ فالمشهوري حجة على ما قررناه واجماع حقيقة على ما اصلناه وبينا من ان الاجماع انما نعتد به اذا كشف عن دخول قول المعصوم عليه السلام والا فليس من مذهبنا وقول كثير من علمائنا ان المشهوري ليس اجماعا حقيقة بل مجازا كما قال الشهيد في الذكري الحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه فان ارادوا في الاجماع فممنوع وان ارادوا في الحجية فقريب واحتج على الحجية بقوة الظن في جانب الشهرة رواية وفتوى وغيره من اصحابنا مبني على ملاحظة التسمية ومماشاة مع المخالفين في تلك الدعوى والا فانا لا نتعاطاه ولا نطلقه حقيقة الا على قول من كان المعصوم في جملتهم بلا فرق بين حصول ذلك في جميع المسلمين وفي خمسة رجال لانا لا نعتد الا على قوله (ع) الداخل في الجملة الغير المتشخص كما ذكرناه مكررا مرددا ليتذكر من تذكر فهو اجماع وحجة كما جعله عليه السلام كذلك فلاحظ ما تقدم وما يأتي من الاخبار من اطلاق الاجماع عليه والاصل في الاستعمال الحقيقة الا ان يكون المراد من الاجماع ما ذهب اليه المخالفون ولا دلالة في الوضع اللغوي على ارادة من لم تعتبر ارادته والا لماتحقق في اتفاق اهل الحل والعقد لقلتهم في سائر الخلق واما قول الشهيد (ره) في احتجاجه على الحجية بقوة الظن في جانب الشهرة فغير متجه لانه ان اراد بحجية الشهرة بدون اعتبار قول المعصوم عليه السلام فيهم ففي حيز المنع اذ رب مشهور لا اصل له على ان ظاهر كلامه ان الظن الحاصل من الادلة اذا وافق الشهرة قوي وهذا ليس من الحجية في شيء بل ليس كلما وافق الدليل الشهرة قوي وان حصلت القوة لم تستقل في تقوية الضعيف ولا ترجيح احد المتساويين دائما ولا عبرة بالاتفاق في بعض الاحوال مما يراد منه كونه اصلا وان اراد بالحجية مع اعتبار قول المعصوم عليه السلام فلا يفيد الظن شيئا بل لا بد من القطع على نحو ما مر مكررا وما يعتبر من الظن في الاجماع المنقول فانما هو في ثبوته في نفسه لا في حجيته ويأتي بيان هذا ان شاء الله تعالى ولا ينافي كلامنا هنا ( هذا خ ) قولنا سابقا من ان الاكثر ابعد من الخطأ من الاقل لان قولنا هناك ليس المراد به الاحتجاج على حجية الاكثر كما هنا فاذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه قد بقي شيء ينبغي التنبيه عليه وهو انه قد اختلف العلماء في المراد من قوله عليه السلام في مرفوعة زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك هل المراد به ما اشتهر في الفتوى والعمل او في الرواية او فيهما فمن نظر الى ما ظهر من الروايات وقطع النظر عن المراد منها قال بانه ما اشتهر في الرواية وعليه اجتمع رأي الاخباريين ومن قصر النظر الى ان المراد منها العمل قال كما قاله شارح مختصر الاصول وغيره من ان المراد به المشهور فتوى قطعا او احتمالا قال وهو حجة من ذهب من الاصوليين والفقهاء الى ان الشهرة مرجحة عند تعارض الدليلين واستدل به بعض العلماء على حجية الاجماع ثم تنظر فيه وذكر ما حاصله ان الخبر يدل على ان الاجماع مرجح لاحد الخبرين على الاخر لا انه حجة برأسه انتهى والذي اعطاني النظر بعد ان اعطيته حقه قاطعا للالتفات الى القولين هو ارادة المعنيين اما ان المراد به ما اشتهر في الرواية فظواهر الاخبار شاهدة به والمراد به ان شهرة الخبر بين الاصحاب وتكرره في الاصول من المرجحات التي يتعين المصير اليها اذا لم يعارضه مرجح اقوى منه ولم يحصل التعين الا على النحو الذي ذكرناه سابقا واما ان المراد به ما اشتهر في الفتوى فلانه لا يخلو ذلك المشتهر من ان يكون فتوى او رواية فان كان فتوى وكان غير المشتهر لم يحصل له في مستنده ما يقابل ذلك المشهور من صحة الاعتبار مع عدم مقابلة اجماع مشهور او محصل ولو محتمل ( ولم يحتمل خ ) احتمالا مساويا بعد تمام التفتيش فان ذلك المشهور من الفتوى حجة اذا لم تكن من معلومي النسب وليس ذلك لحجية ( بحجية خ ) مجرد الشهرة كما ذكره بعضهم فان مجرد الشهرة ليس بحجة بل اذا كانت الامارات والقرائن حاكمة بعدم خروج مذهب الحجة عليه السلام عنها بحكم قطعي محصل من قوله عليه السلام خذ بما اشتهر بين اصحابك فان ذلك صادق عليه انه اشتهر بين الاصحاب ومن اهمال الامام (ع) الدليل الصارف عنه عند الحاجة الى العمل الذي امر عليه السلام به مع امره بالاخذ بذلك المشهور ولولا علمه والحال هذه بدخول قوله في جملة ذلك المشهور لوضع الدليل الصارف ولماامر به والا لكان مغريا بالباطل وان كان ذلك المشتهر رواية فلا يخلو اما ان يكون قد اشتهر العمل بها او بخلافها او لم يعلم العمل بمقتضاها ومدلولها ولا تركه وانما اشتهارها تكررها في الاصول فان كان الاول فقد اتحدت الشهرة واتحد الدليل وقد مر وان خالفها العمل بأن عمل الرواة بخلافها فلا ريب في ردها لان عمل الراوي بخلاف روايته امارة دالة على عدم صحتها او عدم صحة العمل بها عنده والمفروض انه لا دليل مرجح الا ذلك الاشتهار فلا يعتمد على اشتهارها عندهم اذا تركوا العمل بها ولا يلتفت الى قول من قال من اهل الاخبار من ان تركهم العمل بما رووه مشتهرا ان علم سبب الترك وكان منصوصا قبل ذلك منهم وان لم يعلم او علم ولم يكن منصوصا فلا يلتفت الى عملهم بل يترك عملهم وتؤخذ روايتهم لانهم ( لانه خ ) ان لم يثبت عندهم ما ينافي العمل بها وتركوا العمل بها كانوا فساقا يجب التثبت عند خبرهم فتترك روايتهم ولا يرد علينا ما رواه جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ان لنا اوعية نملؤها علما او حكما وليست لها باهل وما نملأها الا لتنقل الى شيعتنا فانظروا الى ما في الاوعية فخذوها ثم صفوها من الكدورة تأخذونها بيضاء نقية صافية واياكم والاوعية فانها وعاء سوء فتنكبوها ه لان اولئك اكثرهم ثقات وان كان ( كانوا خ ) فاسدي المذهب ودلت القرائن على صحة روايتهم وان كان ( كانت خ ) على بعض الوجوه من امثال التخصيص والتقييد وغيرهما بخلاف هؤلاء ولا سيّما مع عدم الامارات والقرائن ( على صحة روايتهم خ ) كما هو المفروض وان ثبت عندهم المانع من العمل ثبت ما قلنا على انه لا يلزم من عدم اطلاعنا على المانع عدم وجوده ولا يحتاج الى استبانة ذلك بعد قيام الدليل على المقبول من ذلك والمردود وان لم يعلم عملهم بها ولا عدمه لمحضت ارادة الاشتهار في الرواية وحينئذ فان خالفها عمل غيرهم من اهل عصرهم تركت ورجح العمل بنحو ما مر في مخالفتها لعمل رواتها وكذا من غير اهل عصرهم لان شهرتها مع مخالفتهم لها تدل على عدم صحتها بما ذكرنا لان المفروض انهم من اهل الاستيضاح واهل الاستيضاح لا يخفى عليهم الدليل ولا يضيق عليهم المنهج لما سنبينه ان شاء الله تعالى وان وافقها عمل بعض وخالفها عمل بعض فسبيلها كغيرها في رجوع حكمها الى التراجح وان كان مقتضاها حكما مسكوتا عنه نظر فان لم يعارضها ما هو اقوى منها من كتاب او سنة او اجماع او دليل عقل ( عقلي خ ) على نحو ما قرره العلماء شكر الله سعيهم وجب العمل بمقتضاها والا فالاقوى منها اولى منها واقوى وجميع ما فصلنا ( فصلناه خ ) دخل في مجمل قولنا قبل ذلك ان المشهور مطلقا اذا عدمت التراجيح وجب الاخذ به لانه امر بالاخذ به ولا يأمر به على سبيل التعيين الا لدخول قوله في ذلك لانه يعلم قوله وان لم يدخل نصب ( لنصب خ ) له صارفا فلاحظ ما مر
وبقي شيء اخر هو انه قد يقال كيف يكون المشهور حجة واجماعا ولا يكون ذلك الا مع تيقن دخول قول المعصوم وقلتم ان ذلك انما يحصل اذا لم يكن مرجح في الظاهر الا الشهرة وقلتم ان مجرد الشهرة لا يكون دليلا ولا حجة واجماعا حتى ينص الامام على الاخذ بها ولا ينص على الاخذ بكل شهرة لان ذلك معلوم البطلان بل على شهرة معينة ولا نعرفها الا بأن لا ينصب على ضدها دليلا صارفا عنها فاذا وجد المقتضى وهو امره وعدم المانع وهو الصارف عنها وجب الاخذ بها وكانت اجماعا لكشفها عن دخول قوله فكيف تتحقق هذا ونحن نجد في كثير من احوال الشهرة المقتضى والمانع اما المقتضى فلعموم قوله عليه السلام خذ بما اشتهر بين اصحابك وهو صادق على افرادها كلها ومن افرادها ما يوجد فيه المانع وهو انه قد تكون الشهرة التي يتناولها الامر بالاخذ بها لم يجد زيد في ضدها المانع عنها ويجده عمرو فان قلتم هذا متحقق في حق زيد قلنا يكون هذا من افراد الاجماع المحصل لا المشهوري والا لم يتحقق ( الاجماع المشهوري خ ) والجواب انا ( انا انما خ ) نقول بالمشهوري اذا لم يمكننا العثور على المانع وليس في وسعنا تحصيله لانا لا نكلف ما لا نقدر عليه وليس علينا التوقف اذا لم نعثر مع استفراغ وسعنا على المانع لانا مأمورون بالاخذ بالمشهور فانه مجمع عليه لا ريب فيه واما اذا وصل الينا المانع الا انا لم نتحقق كونه مانعا فان ذلك الاجماع الذي ندعيه بالشرط المذكور حينئذ محصل لا مشهوري وقد مر بيانه مكررا فلاحظ ويأتي فارتقب
الفصل الرابع - من اقسام الاجماع الاجماع المركب وهو ان يستقر مذهب اهل العصر على قولين بأن كان موضوع المسئلة كليا فالحكم فيه بالايجاب الكلي او السلب الكلي او في بعض افراد الموضوع بالايجاب والبعض الاخر بالسلب فحكم بعض اهل العصر مثلا بالايجاب الكلي وبعضهم اما بالسلب الكلي او بالسلب في بعض والايجاب في البعض الاخر فاذا استقر المذهب على احتمالين من الثلثة المذكورة لم يجز القول بالاحتمال الثالث لانا نجزم حينئذ ان المعصوم عليه السلام في احد القولين الاولين فيكون الثاني باطلا قطعا فبطلان القول بالثالث ثابت بالطريق الاولى وهذا عندنا متفق عليه الا انه بعد العلم بانحصار مذهب اهل العصر من الفرقة المحقة في قولين وبيان طريق العلم بذلك يأتي في بيان امكان وقوعه فترقب ان شاء الله تعالى ثم ان كان اهل احد القولين معلومي النسب ولم يكن المعصوم (ع) احدهم وجب المصير الى اهل القول الاخر ويكون حينئذ اتفاق هؤلاء وهم من فيهم مجهول النسب الذي يجوز ان يكون هو المعصوم عليه السلام اجماعا واحدا بسيطا لا مركبا وان لم يكن كل احد من الطائفتين معلوم النسب بل ( كان خ ) في كل منهما مجهول النسب يجوز ان يكون هو الامام (ع) فان كان مع احدهما دلالة على قوله (ع) تفيد القطع واليقين وجب المصير اليه ويكون كالاول ان لم يكن تحصل تلك الدلالة للاخرين فان حصلت كان كل قول منهما اجماعا محصلا بالنسبة اليه ولكن حجية كل منهما لا تكون عامة الا في عصرين على جهة التعاقب كما اشرنا اليه سابقا فلاحظ واما في عصر واحد فتكون حجية خاصة بالمحصل بكسر الصاد اللهم الا ان يكونا في مكانين متباعدين يعسر اطلاع كل منهما على قول الاخر فان كلا منهما تكون حجيته عامة في الجملة لمحصل الدلالة القطعية وفاقدها بل يكون كل منهما اجماعا بسيطا بالنسبة الى مكانه وان لم يكن مع احدهما دليل قاطع يوجب العلم كان فرض المستدل طلب الدليل فان حصل دليل ( له دليل قاطع خ ) يرجح احد القولين تعين عليه العمل بظنه غير مدع للاجماع وما حكى عن الشيخ (ره) عن التخيير بالعمل بايهما شاء اعمالا لاخبار التخيير في الخبرين المتعارضين مع عدم الترجيح مطلقا هنا لا تحاد الحكم ليس بجيد على اطلاقه بل انما يكون ذلك على اصله اذا دل الدليل على انحصار الحق فيهما وتعذر الترجيح من جميع الوجوه واضطر الى العمل لتعين تكليفه باحدهما حاضرا ( ظاهرا خ ) وهذا عند من لم يقل بالتوقف مطلقا او مع عدم الحاجة والضرورة الى العمل او في العبادات على انا لا نسلّم وقوع تعذر الترجيح مطلقا اذ لو لم يجعل الله لنا سبيلا الى الترجيح في حال لوضع عنا التكليف حينئذ والتخيير هنا يستلزم كون نسبتي شيئين الى شيء واحد نسبة واحدة جهة ومسافة ووقتا ورتبة وقد برهن على امتناعه لاستلزامه الترجيح من غير مرجح وما ثبت فيه التخيير من الاحكام فقد ثبت فيه الترجيح والتخيير توسعة وتخفيفا ( تخفيف خ ) وليس هذا منه لعدم الترجيح والا امتنع التخيير ويأتي ان شاء الله تعالى تمام البيان فلا خيرة في التخيير واما قول بعض الاصحاب باطراح القولين والتماس دليل من غيرهما فالظاهر ان المراد منه التماس دليل اخر يرجح احد القولين لانه اذا اقتصر على دليل احدهما اداه ذلك الى القول به وهو قد فرض تعادلهما والا لكان احدهما ارجح دليلا وان لم يكن قطعيا تعين العمل بالراجح فعلي هذا يكون تضعيف الشيخ لقول هذا القائل بانه يلزم منه اطراح قول الامام (ع) ضعيفا واما اعتراض المحقق على الشيخ بما اعترض به على ذلك القائل فليس بمتجه لان قوله وبمثل هذا يبطل ما ذكره يعني الشيخ لان الامامية اذا اختلفت على قولين فكل طائفة توجب العمل بقولها وتمنع من العمل بالقول الاخر فلو تخيرنا لابحنا ما حظره المعصوم غير تام اذ لا يلزم من التخيير ذلك لعدم تعين قول المعصوم عليه السلام فتخير احدهما تخير لقول المعصوم عليه السلام لا تركه كما قيل في استحباب التياسر لاهل الشرق في القبلة على ان الشيخ له دليل في بادي الرأي على ما يدعيه كما مر ولا دليل للمحقق وقول صاحب المعالم (ره) بأن كلام المحقق جيد ليس بجيد وان كنا نمنع قول الشيخ لوجوب حصول الترجيح في كل حال والا لاتجه قوله مع التعادل من جميع الوجوه والضرورة الى الحكم والعمل وذلك كله اذا تعين اتباع احدهما بأن دل الدليل القطعي على انحصار الحق في احدهما فلو لم يكن مع احدهما دليل قاطع لم يتعين على مستوضح الحجة اتباع احدهما بل لو اداه الدليل الى قول ثالث تعين العمل عليه بظنه حينئذ لانه لم يكن حينئذ اجماع مركب والا يحصل القطع باحد القولين او في القولين ولا يبعد حمل قول القائلين باطراح القولين والتماس دليل من غيرهما على ذلك اذ ( ان خ ) يبعد ممن له ادني مسكة من العلم ان يتحقق له دليل قاطع على دخول قول المعصوم (ع) في الفريقين يعني في احدهما لا على التعيين لعدم الدليل القطعي المعين ثم يأمر باطراحهما والتماس دليل من غيرهما الا على نحو ما ذكرنا سابقا او على نحو ما ذكرنا لاحقا من عدم تحقق انحصار الحق فيهما فتدبر ومن الادلة على جواز القول بغير القولين اذا لم يقم الدليل القاطع على احدهما او فيهما احتمال كثير من الاصحاب في هذا المقام في كثير من الاحكام لغير القولين فانك ترى احدهما يقول ولو قيل بكذا ( هكذا خ ) لكان حسنا وامثال هذه العبارة التي تدل بصريحها على عدم سبق قائل به ثم يقطع به ويكون قولا له بل ولغيره كما نقله ابنادريس في السرائر عن السيد المرتضى في قوله بالفرق بين ورود الماء على النجاسة فلا ينفعل وورود النجاسة على الماء فينفعل قال السيد في المسائل الناصريات قال لا اعرف نصا لاصحابنا ولا قولا صريحا والشافعي يفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسئلة ويقوى في نفسي عاجلا الى ان يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب اليه الشافعي والوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لادى ذلك الى ان الثوب لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه وذلك يشق فدل على ان الماء اذا ورد على النجاسة لا تعتبر فيه القلة والكثرة كما يعتبر فيما يرد النجاسة عليه انتهى ثم حكم به وكان قولا له مع انه اقر بانه لم يعرف لاصحابنا في ذلك نصا ولا قولا صريحا بل هو مذهب الشافعي لما اداه الدليل اليه وامثال ذلك هذا مع ان المعروف ان مذهب الفرقة ( المحقة خ ) اشتراط الكرية عند الملاقاة من غير استفصال وعدم الاشتراط في الازالة كذلك وقد قال شيخنا الشهيد الثاني (ره) في شرح الشرايع في كتاب الوصايا عند قول المحقق قدس سره ولو اوصى له بابنه فقبل الوصية انعتق عليه اجماعا ما معناه الاجماع انما يكون حجة مع تحقق دخول قول المعصوم عليه السلام في جملة اقوال المجمعين ودخول قوله عليه السلام في جملة اقوالهم في هذه المسئلة ونحوها من المسائل النظرية غير معلوم ثم نقل قول المحقق (ره) في اول المعتبر مستشهدا به ومستحسنا له ثم قال وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في المسائل التي ادعوا عليها الاجماع اذا قام له الدليل على خلافهم وقد اتفق ذلك لهم كثيرا الا ان زلة المتقدم مسامحة بين الناس انتهى كلامه وامثال ذلك كثير في كلامه وكلام غيره وان كان اكثر اقوالهم مضطربة حيث لم يعثروا على العلة التي لاجلها جازت المخالفة او امتنعت وانما يقول المستدل المستوضح بخلاف قول غيره اذا فقد الدليل القاطع على تعين الرجوع الى احد القولين وقام له الدليل على ما استحسنه ولهذا قد تكون من بعضهم غفلة عن هذا المأخذ فيتسرع ( فيسرع خ ) الى الرد على ذلك القائل بأن ما ذهب اليه لا قائل به ( بل خ ) يريد بذلك ان هذا القائل قد تفرد بالقول وخالف ما عليه الفرقة المحقة وليس كذلك الا اذا انفرد ( تفرد خ ) بعد ظهور الدليل القطعي على ان الحق في احد القولين وانه غير خارج عنهما اما اذا لم يحصل ذلك بل حصل له دليل على خلافهما فانه اذا عمل بالدليل لم يكن متفردا بالقول حينئذ بل انما قال بمقتضى ما يقولون ولكن اكثر الناس لا يعلمون فان قلت كلام الشهيد (ره) صريح في جواز مخالفة الاصحاب مطلقا لمن قام الدليل عليها ( عليه خ ) لقوله وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في المسائل التي ادعوا عليها الاجماع الخ وهذا يلزم منه مخالفة الاجماع المركب والبسيط قلنا انما قال ذلك في المواضع التي يدل الدليل فيها على عدم تحقق الاجماع المدعى ويدل على خلاف حكمه واما اذا دل الدليل على خلاف حكمه ولم يدل على عدم تحققه فانه لا يقول به ولا احد من الاصحاب ولهذا قال في المسالك في شرح قول المحقق (ره) ما معناه ان المرأة المطلقة اذا تزوجها الاجنبي ثم طلقها وتزوجها الاول ان ذلك يهدم الطلاق السابق قال بعد تقرير دليل عدم الهدم وتقويته ولا يخفى عليك قوة دليل هذا الجانب لضعف مقابله الا ان عمل الاصحاب عليه فلا سبيل الى الخروج عنه انتهى فمنع من مخالفة الاصحاب حيث لم يقم دليل صارف عنه ومانع منه كما قررناه وان وجد دليل على خلاف حكمهم لانه حينئذ ناقص لا ينهض به حجة الا مع صارف فتدبر ثم اني اقول وليس ذلك في كل واحد من الاصحاب في جميع ما اختلفوا فيه فان الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ولكن هذه طريقتهم لا يخطي المقتصد منهم المستيقظ سمتها وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ثم اذا استقر القولان وتحقق الاجماع المركب فهل يجوز اتفاقهما على احد القولين بعد اختلافهما الحق انه يجوز ذلك لان المصيب احدهما والاخر مخطئ في نفس الامر فاذا اتفقا ظهر خطاء القول المتروك قطعا ولا يجوز اتفاقهم على الخطأ ومنع الشيخ على قوله بالتخيير ممنوع اما اولا فلان قوله بالتخيير انما هو على تقدير عدم الترجيح والا لماجاز التخيير بين الراجح والمرجوح قولا واحدا واتفاقهم على قول انما هو لمرجح والا لما جاز لاحدى الفريقين ترك قولهم والقول بقول الفرقة الثانية من غير مرجح فلا يلزم من القول بالتخيير عدم جواز الاتفاق لاختلافهما فلم يتفقا في مادة واما ثانيا فلان التخيير انما هو بين قولين احدهما في نفس الامر خطاء وانما قيل بالتخيير لعدم تعين القول الصواب بعينه لكن لما لم يحصل الدليل المعين لما فيه الحق وتعذر الترجيح قيل بالتخيير والاتفاق معين للقول الحق ولبطلان القول المعدول عنه وان كان الاتفاق انما يكون بعد حصول الموجب فيجوز الاتفاق على القول بالتخيير لان التخيير مشروط بعدم حصول الاتفاق وقول المحقق هنا في الجواب عن قول الشيخ على ما ذكره الشيخ حسن في المعالم ان قلنا بالتخيير لم يصح اتفاقهم بعد الخلاف لان ذلك يدل على ان القول الاخر باطل وقد قلنا انهم مخيرون بقوله ولقائل ان يقول لم لا يجوز ان يكون التخيير مشروطا بعدم الاتفاق فيما بعد ليس بشيء لما قلنا اولا من ان التخيير انما هو بين قولين احدهما في نفس الامر خطاء وانما جاز التخيير حيث لم يحصل المرجح وليس من شروط جوازه اصابة الصواب فقول المحقق بكونه مشروطا بعدم الاتفاق فيما بعد يلزم منه ان شرط التخيير اصابة الحق لان قوله فيما بعد يدل على ان التخيير في وقت شرطه ان لا يقع الاتفاق في وقت اخر بعد ذلك الوقت لانهم اذا اتفقوا كان القول المعدول عنه باطلا فقد يكون هو المختار سابقا فيكون من التخيير اصابة الباطل فاذن شرط التخيير ان لا يكون الاتفاق بعده ولا يخفى ما في كلامه اعلى الله مقامه اذ شرط التخيير عدم حصول الاتفاق حين التخيير لا بعده ولا شرط له غير ذلك الا عدم الترجيح وذلك بعد وجود الدليل القاطع المعين للحق في احدهما لا على التعيين وقول صاحب المعالم ان كلام المحقق هذا كالسابق في غاية الحسن والوضوح متهافت كما ترى ومن الاجماع المركب ما اذا لم تفصل الامة بين مسئلتين سواء نصت على المنع ام لا اذا كان بين المسئلتين علاقة توجب التساوي والاتحاد بل ولو لم توجد العلاقة اذا استقر العمل بالمسئلتين عندنا لان الامام في احدى الطائفتين والتفصيل حينئذ خرق للاجماع المركب وهو باطل نعم لو لم تنص ولم توجد تلك العلاقة ولم يستقر العمل بأن لم يمض وقت وان قل على العمل بهما من دون التفصيل امكن التفصيل اذا قام عليه الدليل ولم يقم على تعين احدى المسئلتين او على حصر الحق فيهما كما مر فراجع ما مضى هنا
الفصل الخامس - من اقسام الاجماع الاجماع المنقول وهو اقسام فالمنقول بالتواتر لا ريب في ثبوته وكذا المنقول بالخبر المحفوف بالقرائن الموجبة للعلم واختلفوا في ثبوت الاجماع بخبر الواحد على القول بحجية خبر الواحد فنفاه قوم محتجين بأن الاجماع اصل بنفسه والاصل اذا لم يكن يقينيا لم يجز بناء الاحكام عليه وان كانت ظنية لان الاصل اذا لم يتعين الرجوع اليه لكونه يقينيا لم تبن الاحكام عليه ولم يصادم خبر الواحد اذا عارضه والاجماع اذا ثبت صادم خبر الواحد اذا ( وخ ) عارضه وخبر الواحد لا يفيد اليقين ليكون ما ثبت به يقينيا وانما اجزنا العمل بخبر الواحد في فروع المسائل مع انه لا يفيد اليقين لانه فرد من مجموع يتعين الرجوع اليه وهو السنة فلو فرض ان السنة لا يتعين الرجوع اليها بقول مطلق لما جاز العمل بخبر لا يوجب اليقين فصحة العمل به بناء على تعين الرجوع الى اصله واثبته اخرون وهو ( على خ ) الحق والجواب عما اورده ( اورد خ ) النافون انا نقول انما تثبت حجية خبر الواحد به من جميع الشرائط المذكورة في كتب الدراية واصول الفقه بحجيته من صحة النقل وعدالة الناقل وعدم معارض اقوى ( منه خ ) او مساو وغير ذلك مما تثبت به حجية خبر الواحد يثبت به الاجماع المنقول وليس الثابت بخبر الواحد حجية الاجماع التي هي ثمرة القطع بدخول قول المعصوم عليه السلام ليرد ان الاصل لا بد ( وخ ) ان يكون يقينيا يتعين الرجوع اليه وخبر الواحد لا يفيد القطع بل الثابت نفس الاجماع في خصوص تلك المسئلة الفرعية المدعي ثبوته فيها بالنقل وهو جزئي من كلي والاصل هو كونه حجة يتعين الرجوع اليه حيث يتحقق وجوده في شيء وذلك لا يثبت بخبر الواحد كما ان السنة لم يثبت كونها حجة بخبر الواحد قطعا بل بما يفيد العلم والقطع الذي يتعين به الرد اليها كذلك ثبوت حجية الاجماع وكما ان السنة تثبت في خصوص مسئلة فرعية بخبر الواحد كذلك الاجماع فلا يضر ظنية طريق ثبوته مع قطعية حجيته ( حجية خ ) على ان مثل هذا الظن المعتبر هنا يؤل الى العلم لتعين العمل به ولان الحجة تثبت بالظن المعتبر كما تثبت ( ثبت خ ) بالعلم كما تثبت السنة بالظن قيل هنا المعروف ان وجه الشبه في المشبه به يجب ان يكون اقوى ( من المشبه خ ) وهذا ليس كذلك لان الاطلاع على الاجماع امر بعيد جدا نادر الحصول فالظن الحاصل بوقوع شيء اخر غير نادر الوقوع من اخبار الاحاد اقوى من الظن الحاصل بوقوع شيء نادر الوقوع وهو حصول الاجماع فالمساواة ممنوعة فضلا عن ان يكون الاجماع اولى وجوابه ان ندور وقوعه ليس للتعذر او العسر لذاته ليتم هذا التقريب وانما ذلك لقلة المسائل التي ينقل فيها الاجماع بالنسبة الى المسائل الخلافية التي لم ينقل فيها فندور الوقوع راجع الى متعلقه لا الى نفسه بل ربما يقال ان ثبوت الاجماع بخبر الواحد اولى من ثبوت السنة به وذلك باعتبار صراحة دلالته على المدلول بحيث لا تحتمل دلالته غالبا غير ما يفهم منها بخلاف السنة وصراحة الدلالة علامة قوة التحقق الذي تلزم منه الحجة ( يلزم منه الحجية خ ) فتبتنى عليه الاحكام ويصادم خبر الواحد وان كان منقولا بخبر الواحد وان تساوي الخبران في المرجحات لصراحة دلالته واحتمال دلالة خبر الواحد غالبا على ان الاجماع عندنا انما كان حجة لكشفه عن تحقق السنة الواقعية وخبر الواحد انما يفيد ظن التحقق ( التحقيق خ ) اذا لم يحتمل غير ما يفهم منه فان قلت انه انما يكون مقبولا اذا توفرت شروطه وخبر الواحد اذا توفرت شروط قبوله لا يجوز العدول عنه فهو يفيد القطع قلت انه مع شروط قبوله انما يفيد القطع بتعين العمل لانه اذ ذاك يكون راجحا ولا يجوز ترك الراجح والمصير الى مقابله المرجوح بخلاف ما لو كان مثبتا للاجماع فانه حينئذ وان كان الظني الدلالة الا انه بالقطع بتعين العمل بمقتضاه لرجحانه كما قلنا يلزم حجية الاجماع في تلك المسئلة المنقول عليها اذ ذلك المقتضي هو ثبوت الاجماع المستلزم للدليل الجازم فخبر الواحد يفيد الظن بنفسه واذا تعين العمل به اثمر العلم للتعين لا لذاته واذا كان ناقلا للاجماع افاد الظن بثبوت الاجماع بنفسه ثم اذا تعين العمل به اثمر تعين العمل بالاجماع والعمل بالاجماع نص بات لا مرد له فان قلت خبر الواحد ناقل لاصل قد ثبت ( للاصل قد يثبت خ ) بالدليل القاطع الرد اليه وهو السنة واذا كان ناقلا للاجماع كان ناقلا لاصل يجب الرد اليه فما الفرق بينهما على ان الاجماع انما وجب الرد اليه لانه مثبت للسنة فالذي ينبغي ان يقال ان الحاكي للسنة اولى من الحاكي للحاكي للسنة قلت ان خبر الواحد الحاكي للسنة ليس نصا في ثبوت اصلها الواقعي الذي لا يحتمل النقيض كما مر مكررا بخلاف الحاكي للاجماع الحاكي للسنة لانه يحكي ثبوت الاجماع المثبت لاصلها الواقعي الذي لا يحتمل النقيض فهذا هو الفرق فيكون العمل به اولى مع التعارض
بقي هنا شيء وهو ان الاجماع المنقول بخبر الواحد يحتمل ان يكون هو الاجماع المشهوري او المركب وقد مر حكمهما وانهما حجة على ما سمعت ويحتمل ان يكون الاجماع المحصل ويحتمل على بعد ان يكون الاجماع السكوتي والاجماع المحصل كما مر ويأتي قد يكون حجة خاصة لمن حصله لا لمن نقله او نقل اليه لحصول الدليل القاطع للمحصل على دخول قول الامام عليه السلام في جملة قول قائلين ولا يحصل ذلك الدليل للناقل والا لكان محصلا لا ناقلا فلا يكون حينئذ حجة لغير من حصله وان كان مقويا فلو عارض قول ذلك الغير عن دليل عنده صالح للاستيضاح والاستنباط لم يكن ذلك الاجماع المنقول حجة على ابطال دليله ما لم يحصل له ما حصل لمن حصله بل ربما لو اطلع على مأخذ ذلك المحصل لم يستفد منه ذلك اليقين كما استفاد ذلك منه ولهذا ترى كثيرا منهم يحكم بحكم في مقابلة الاجماع المنقول مع عدالة الناقل واعتماده على خبره لما ذكرنا لانه ليس من نوع الخبر ليكتفي فيه بالنقل وانما هو من نوع المسائل الاجتهادية ولهذا اشترطنا في ثبوته شرائط حجية الخبر لا شرائط نقله فلا يكون حجة لناقله بمجرد النقل لا يقال انما حكم بهذا في مقابلة الاجماع المنقول لعدم ثبوته عنده لانا نقول انما لم يقل بثبوته لما قلنا لا لطعن في النقل من حيث الناقل او غير ذلك وانما هو لعدم الاطلاع على الاصل ولقيام الاحتمال عنده لعدم توفر شروط الصحة في الاصل واما الاجماع السكوتي اذا تحقق بعد التفتيش كان اجماعا لاشتماله في الحقيقة على تقرير المعصوم عليه السلام وكان حجة ايضا لذلك وتأتي تتمة الدليل ان شاء الله تعالى فلو علم ان الاجماع المنقول كان سكوتيا الا انه وقع من كمال ما يمكن من التفتيش كان حجة لكنه فيه احتمال عدم الاستقصاء كما وجدنا في كلام كثير دعوى الاتفاق مع وجود المخالف ودعواه الاتفاق كما يحتمل عدم اعتداده بقول المخالف يحتمل عدم اطلاعه على المخالف بل هذا هو الظاهر وهذا يكون ممن يقتصر على قول من سبق بالاتفاق فنقل الاتفاق من كتابه ولعل السابق لم يعتد بقول المخالف لمعلوميته عنده وضعف دليله بخلاف هذا اللاحق فربما اراد بنقله عدم وجود مخالف لا عدم اعتداده به كما اراد السابق فلو فتش لم يقل بالاتفاق كذلك دعوى عدم الخلاف فانها مع احتمال المخالف لا تتم الا ان يكون ذلك بعد كمال التفتيش بحيث ينتفي احتمال المخالف او يكون احتمالا لا يعتد به على انا نقول ان عدم الاعتداد بقول المخالف لمعلوميته لا يضر في الاجماع الصريح واما في الاجماع السكوتي فانه مانع منه وان كان معلوم النسب لما سيأتي ان شاء الله تعالى فلا بد في السكوتي من كمال التفتيش ولا يرد علينا هنا ما اورده الاخباريون من استحالة الاطلاع على جميع من يعتبر قوله من الشيعة لتفرقهم في اقطار الارض لما سيأتي ان شاء الله تعالى محققا في امكان ثبوت الاجماع من امكان ما تقوم به الحجة من ذلك عند استفراغ الوسع وبذل الجهد والا لزم التكليف بالمحال او سقوط التكليف اذا استحال اذ مرادنا بكمال التفتيش عدم الاقتصار على بعض الممكن لمنافاته لاستفراغ الوسع وبذل الجهد بل مثل هذا الاحتمال القايم في الاجماع المحصل والاجماع السكوتي يقوم في الاجماع المشهوري المراد من كلام كثير من الاصحاب الذين يقنعون فيه بالظن وبمجرد الشهرة كما قاله ( قال خ ) شيخنا الشهيد (ره) في الذكرى قال الحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه فان ارادوا في الاجماع فممنوع وان ارادوا في الحجة فقريب انتهى واكثر الاصحاب انما يطلقون الاجماع على الشهرة على سبيل المجاز وانما يحتجون بها تقوية للاحتجاج واما ظاهر البعض فكون الشهرة اجماعا اخذا من ظواهر الاخبار لا على النحو الذي قررنا كما مر محتجين بقوة الظن في جانب الشهرة فيكون ذلك امارة على دخول ( قول خ ) المعصوم عليه السلام في المشهور سواء كان ذلك في الرواية بكثرة تدوينها ( تدونها خ ) في الكتب او في الفتوى والحق انه ليس باجماع ولا حجة اما الاول فلان الاجماع عندنا انما هو الكاشف عن قول المعصوم (ع) ومجرد الشهرة لا دلالة فيها على ذلك بوجه من الوجوه بل ربما انعكست القضية والا لزم ان كلما وجدت الشهرة تحقق الاجماع وهو باطل اتفاقا لان مراد ذلك البعض ان مجرد الشهرة يقوي الظن في جانبها واما الثاني فلانه متفرع على الاول ولان الظن لا يغني من الحق شيئا وانما يكتفي بالظن المستند الى النقل وهنا ليس كذلك بل في النقل رب مشهور لا اصل له فان قلت قولكم بثبوت الاجماع بخبر الواحد من هذا القبيل قلت انما قلنا ان الاجماع يثبت بخبر الواحد المشتمل على شرائط قبوله التي يلزم منها تعين العمل بخبر الاحاد ( الواحد خ ) وان لم يصل بها الى حد العلم فاذا تعين قبوله تعين العمل بمقتضاه وهو اثبات الاجماع فهذا ظن ( الظن خ ) مقبول لادائه الى القطع لعدم جواز العمل بالمرجوح بل لا يزالون يطلقون على هذا الظن العلم الذي لا يحتمل النقيض لذلك والظن الذي منشأه مجرد الشهرة لا غير غير مقبول لانه ظن لا مستند له لان مجرد الشهرة كما مر مكررا ليست حجة بخلاف ظنية طريق ثبوت الاجماع فانها مقبولة لتعينها ولقطعية حجيته ولما قلنا سابقا من ان الاجماع حجة فيثبت بالظن كما يثبت بالعلم كالسنة فانها كما تثبت بالمتواتر ( بالمتواترات خ ) تثبت بخبر الواحد فاذا تقرر ذلك الاحتمال في المشهوري كان الاجماع المنقول المحتمل لاحد هذه الثلثة المحتملة لا يخلو من وهن اذ لا حجة في هذه الاجماعات المحتملة مع عدم الاحتمال او مرجوحيته على نحو ما قررنا في المشهوري ويأتي في السكوتي والمحصل اذ حجية مثل هذه الاجماعات لم تثبت ولا تثبت بخبر الواحد لانه انما يثبت به نفس الاجماع لا حجيته وتسمية مثل ذلك اجماعا في الاصطلاح دائرة مدار ثبوت الحجية فاذا لم تثبت الحجية لم تثبت التسمية في الحقيقة نعم يمكن ان يقال في ذلك ان الاصل عدم ذلك الاحتمال اذ من المعروف عند اهل الفن ( الظن خ ) انهم لا يطلقون الاجماع الا على ثابت الحجة ( الحجية خ ) لكشفه عن قول الحجة عليه السلام ولا يكاد يخفى عليهم ما يقدح في الحجية مع شدة اجتهادهم واستفراغ وسعهم في ذلك ولهذا كان مذهب الاكثر عدم تسمية السكوتي اجماعا على الحقيقة لكن هذا على رأي من يشترط العلم بدخول قول المعصوم في جملة اقوال المجمعين اما على رأي من يطلق الاجماع على مجرد الشهرة فالاعتراض عليه غير مردود
الفصل السادس - في القسم السادس منه وهو الاجماع المحصل وهو ما يحصل بالاطلاع على كثير من اقوال الفرقة المحقة واعمالهم ورواياتهم بلطيف ( بلطف خ ) المعاينة وحسن التسامع شيئا فشيئا حتى يحصل للمطلع المتتبع القطع بأن هذه الطريقة التي توافقوا عليها قولا وعملا مع فحصهم عن طريقة امامهم (ع) ولزوم الرد اليه طريقة امامهم وقدوتهم وان قوله داخل في جملة اقوالهم وعمله مع عملهم بحيث اذا ورد عن امامهم (ع) خبر يخالف ذلك اتجه لذلك المطلع له محمل صريح عنده يصرفه اليه حيث هجم به حسه على اليقين الذي لا يقدح فيه عروض مخالف له لتراكم القرائن وتطابقها واتحاد اقوالهم واعمالهم وتوافقها وهذا ادل دليل على ان مذهب المتبوع داخل في مذهب التابعين له في ذلك المذهب لشدة فحصهم وتفتيشهم عن مذهبه ليأخذوا به كما يحصل لنا العلم القطعي بأن مذهب الشافعية مذهب محمد بن ادريس الشافعي وان قوله داخل في قولهم وكما نعلم ان اقوال الائمة الاربعة داخلة في اقوال متابعيهم ويعلم الجمهور ان اقوال ( قول خ ) ائمتنا داخلة في اقوال شيعتهم ولا يرد هذا الا مكابر لعقله منكر لبديهته فان قلت هذا حاصل لنا اذا لم يكن مخالف وحصل الاتفاق باخبار كل قائل عن اختياره وعلم صدقه في اخباره بأن لا يخالف ظاهره باطنه ويكون ذلك في آن واحد وهذا متعذر في الاتفاق والاخبار ومواطاة الظاهر للباطن في وقت واحد قلت هذان حاصلان وذلك ايضا حاصل وان وجد المخالف ( فيه خ ) كما قررنا سابقا وانت تجد بعض الاحكام يحصل لك القطع بانها هي مذهب الامام وان وجد مخالف فيه اذا كثرت على ثبوته ( تكثرت على ثبوت خ ) القرائن كقوة الادلة ومقبوليته وكثرة القائلين به واستغراب خلافه وغير ذلك فراجع نفسك تجد ذلك وقول فخر الدين الرازي الانصاف انه لا طريق الى معرفة حصول الاجماع الا في زمن الصحابة حيث كان المؤمنون قليلين يمكن معرفتهم باسرهم على التفصيل جهل بمعرفة موقع الانصاف من النفس بل الانصاف لو كان يسمع او يعقل ان ما يجزم به في احكام مذهبه انها من احكام متبوعه بحيث لا يشك فيها انما هو للاجماع مع انه يجد من نفسه انه لم يحط بجميع من يعتبر قوله من اهل مذهبه مع تفرقهم وانتشارهم في اقطار البلدان على انهم من اهل الرأي والقياس والاستحسان ومن كانت هذه طريقته يكثر فيهم الاختلاف وتعدد الاقوال وهو لم يدرك الصحابة ولا التابعين ولا تابع التابعين وانما هو من المتأخرين توفي سنة ست وستمأة من الهجرة فكيف حصل له اليقين ببعض المسائل الذي هو اثر الاجماع لان ادلتها كلها او جلها ظنية وانما حصل له اليقين للاجماع الذي ثبت عنده بكثرة القرائن وتطابق الامارات وان لم يحس به هو لجموده على عدم حصوله فيما تأخر عن زمان الصحابة الا من جهة النقل ولهذا اعترضه العلامة رفع الله اعلامه وقرب عنده مقامه وقال بانا نجزم بالمسائل المجمع عليها جزما قطعيا ونعلم اتفاق الامة عليها علما وجدانيا حصل بالتسامع وتظافر الاخبار واعتراضه عليه في غاية المتانة رفع الله قدره ومكانه وانا اقول كما قال الشاعر :
اذا قالت حذ ام فصدقوها فان القول ما قالت حذام
ورد اعتراض العلامة (ره) من لا يعرف كلامه ولا يروم مرامه كما ذكره صاحب المعالم بقوله وانت بعد الاحاطة بما قررناه خبير بوجه اندفاع هذا الاعتراض عن ذلك القائل لان ظاهر كلامه ان الوقوف على الاجماع والعلم به ابتداء من غير جهة النقل غير ممكن عادة لا مطلقا وكلام العلامة (ره) انما يدل على حصول العلم به من طريق النقل كما يصرح به قوله اخيرا علما وجدانيا حصل بالتسامع وتظافر الاخبار انتهى ويريد بما قرره قوله الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الاجماع في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة النقل اذ لا سبيل الى العلم بقول الامام عليه السلام كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله مستورا بين اقوالهم وهذا مما يقطع بانتفائه وكل اجماع يدعي في كتب الاصحاب مما يقرب من عصر الشيخ الى زماننا هذا وليس مستندا الى نقل متواتر او احاد حيث يعتبر او مع القرائن المفيدة للعلم فلا بد من ان يراد به ما ذكره الشهيد (ره) من الشهرة واما الزمن السابق على ما ذكرناه المقارب لعصر ظهور الائمة عليهم السلام وامكان العلم باقوالهم فيمكن فيه حصول الاجماع والعلم به بطريق التتبع ه
اقول ولا يخفى بطلان هذا الرد من وجوه : منها ان ما قرره من قوله الحق امتناع الاطلاع عادة الخ ( عادة انه خ ) مصادرة ( على المطلوب خ ) فان هذا الدليل هو الدعوي مع انه يلزم منه ان الاجماع ليس المراد به ما تعني الخاصة بل المراد به ما تعني ( تريد خ ) العامة من الاحاطة باقوال الكل ونحن نريد به ما يكشف عن قول الحجة عليه السلام في جملة اقوال جماعة لا كل ذي قول ولا يمتنع الاطلاع على دخول قول الحجة الا مع الاطلاع على الكل لحصول اليقين لنا ببعض المسائل مع وجود الخلاف في مقابلها مع انا في الحقيقة لم نحط بجميع المخالفين لانا لم نطلع على جميع اقوال كل من يعتبر قوله لكثرة تشعبهم وانتشارهم في البلدان كما هو معلوم هذا ولا ينكر عاقل منصف من اهل العلم حصول العلم واليقين له ( به خ ) ببعض المسائل في مثل هذه الحال بحيث يجزم ان هذا مذهب الامام عليه السلام وليس ذلك الا لحصول الاجماع ولا يضره وجود المخالف وان كان مجهول النسب لان ذلك انما يضر بما يتوقف حصول اليقين منه على انتفاء مجهول النسب لعدم تحققه الا ( لا خ ) بالانتفاء وليس ذلك دائما ونحن نحيل ( نحيلك خ ) في هذا على الوجدان فمن لم يجد ذلك في بعض المسائل فليسئل الله ان يصلح وجدانه اذ لا ينفك احد ممن يعتبر عن ذلك وانا اقول لك ايها المنكر كما قال المتنبي :
فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
ومنها ان قوله كل اجماع يدعي في كتب الاصحاب مما يقرب من عصر الشيخ الخ ليس بشيء اذ الظاهر انها كلها محصلة او منقولة عن محصلة وليست منقولة عن الاجماع الذي هو عبارة عنده على ما تدل عليه عبارته عن اتفاق اهل الحل والعقد ظاهرا وباطنا في آن واحد ليحصل العلم بدخول قول الامام عليه السلام في جملة اقوالهم وان لم يحصل الاتفاق لم يحصل العلم بل مردها او جلها الى الاجماعات المحصلة كان يدعي شخص الاجماع على جواز مسئلة ويدعي الاخر الاجماع على تحريمها مثلا او ينقلا ذلك مع انهما في عصر واحد فلو كان ذلك المدعي طريقه الاتفاق لوجب كذب احدهما وافتراؤه اذ لا يخفى على اهل كل عصر الاجماع منهم الذي طريقه الاتفاق بل ولا على من بعدهم حتى يدعي مدع الاتفاق على خلاف مقتضى ما اتفقوا عليه فكما لا يصح دعوى اجماعين كذلك مختلفين في الدلالة كذلك لا يصح نقلهما كذلك بالنقل المعتبر والعلماء رضوان الله عليهم اجل شانا ومعرفة ودينا من ان تقع منهم مثل هذين وما اكثر من مشى على ظاهر العبارة فاخطأ ( في خ ) الصواب وحكم بأن ذلك مراد الاصحاب هيهات ليس لمحال المسئلة جواب ولا يجب ان يراد بذلك الشهرة مع عدم النقل المذكور لان الشهرة انما تجوزوا في تسميتها اجماعا المتأخرون واما المتقدمون فلا يطلقون الاجماع على غير الاجماع وانما خرج ذلك بعض المتأخرين لما رأى الاجماعات المختلفة وكان لا يعرف من الاجماع الا ما طريق معرفته الاتفاق كما اشرنا اليه فلم يجد بدا من ان يقول انما ارادوا بها الشهرة حيث اعجزه الاستخراج اذ لا فرق في تحصيله بين ما هو في عصر الشيخ وما بعده وبين ما قبله اذ ليس المراد منه الا ما يتعين فيه دخول قول الامام عليه السلام حيث ما وجد وجد وحيث ما فقد فقد لا خصوص الاتفاق وان كان يلزم منه ذلك اذ لا ينحصر فيه بل لو لم يعتبر ذلك في الاتفاق لم يعتبر الاتفاق
ومنها ان قوله في معنى كلام العلامة (ره) انما يدل على حصول العلم به من طريق النقل كما يصرح به قوله اخيرا علما وجدانيا حصل بالتسامع وتظافر الاخبار الخ خلاف مراد العلامة لانه لا يريد صحة حصوله من طريق النقل ( النص خ ) اذ ليس في ذلك اشكال على فخر الدين الرازي ليعترض ( ليتعرض خ ) عليه العلامة باثبات ذلك او ان العلامة (ره) مع ما هو عليه من الذكاء وجودة المعرفة باساليب الكلام واصطلاحات اهل العلم يعترض على الرازي حين ينكر حصول الاجماع من غير جهة طريق النقل بحصوله من طريق النقل بل مراد العلامة (اع) ما ذكرنا سابقا من بيان احد طرق تحصيل الاجماع يعني به انا لا يزال كون حكم المسئلة الفلانية الوجوب يطرق ( بطريق خ ) اسماعنا وينقل ذلك لنا كذلك من العالم والمتعلم والسامع والعامل والصغير والكبير حتى يكون ذلك شعارا يعرفنا به اهل الخلاف ونعرف به من لم نكن نعرف دينه قبل ذلك بحيث يحصل العلم الجازم بأن ذلك مذهب الامام لكثرة تراكم القرائن وتطابقها فبمثل هذه الطريقة يحصل الاجماع واياها اراد (ره) لا النقل كما يزعمه الزاعم وقد يحصل الاجماع في هذا الزمان بالمعنى الذي يريدونه الاصحاب ايضا لمن نظر في الاخبار وعرف ما لحنوا عليهم السلام له في اخبارهم فعرف ( فيعرف خ ) احكامهم فنطقت له ( به خ ) عباراتها واشاراتها بحكم المسئلة ونظر الى الاخبار المخالفة ظاهرا لتلك التي هي مستند حكمه فعرف المراد منها فحملها على ما اريد به ووضع الكلام مواضعه بدلالة ما لحنوا عليهم السلام له حتى وصل بذلك الى حد اليقين بأن قول الامام عليه السلام الذي هو دينه كذا وكذا وان قوله الاخر انما اراد به مطابقة ( مطابق خ ) التدوين للتكوين وللخلاف والاختلاف واستنطاق صامت الانكار لينجو به من نجى وهلك ( به خ ) من هلك الا ترى ان الاختلاف الواقع في اخبارنا اكثر من المذهب الحق ومن جميع مذاهب اصحاب الباطل فلا تجد حقا ولا باطلا الا واليه اشارة وتجد ( نجد خ ) بعد ذلك اخبارا لا تصلح دليلا لمذهب من المذاهب المعلومة وانما تصلح لما يتجدد على ممر ( مر خ ) الدهور اما لان تكون دليلا لواقعة لم تكن بعد او لتقية تتجدد والحق واحد لا تعدد فيه ثم اذا عرفت المقصود وتحققت ما ذكرناه عرفت صحة حصول الاجماع في كل زمان والحوالة في الاستشهاد على الضرورة والوجدان لمن عرف طريق التحصيل
وبقي شيء وهو انه قد يقال ان الاجماع بجميع انواعه في الحقيقة كله محصل فما الفرق بينها وما الفائدة في التقسيم والجواب اما الفرق بين الانواع فباعتبار كيفية الاثبات حصل الفرق لا الثبوت فان الضروري من المسلمين والضروري من الفرقة المحقة الذي لا يختلف في مقتضاه اثنان في المعاني بحكم وجود الاعيان الذي لا يحتاج ثبوته الى اثبات في الاذهان والعيان اذ لا خلاف في مقتضاه ليجب اثباته لنفي مقتضي الخلاف الا ان هذا الحكم مستمر على الاطلاق في الاول واما الثاني فكذلك عند الفرقة المحقة واما عند من سواهم فيحتاج الى الاثبات في الاحتجاج على غيرهم بما لا يمكنهم رده مما يلزمهم ولا ينكرونه كما ترى الاصحاب (رض) يستدلون على غيرهم في مثل هذا المقام بهذا الاجماع الذي هو عبارة عن اجماع اهل البيت عليهم السلام الذين اجماعهم حجة وقولهم حق لاية التطهير وحديث الكساء المتواتر معنى النافي للاحتمال ولعموم حديث اصحابي كالنجوم وغير ذلك على ان ذلك كله انما هو لاثبات الحجية لا لاثبات نفس الاجماع لانه لا يمكن تجاهله فلا يحتاج الى الاثبات في نفسه كالاول واما الاقسام الخمسة الاخيرة فالفارق بينها هو طرق اثباتها والا فالمفاد بعد التحقق ( التحقيق خ ) واحد واما الفائدة في التقسيم فهي معرفة ما لا يحتاج بعد تحققه في الاحتجاج به الى الترجيح والتصحيح من المحتمل والصريح وما يحتاج في بعض الاحوال الى ذلك لقيام الاحتمال كما مر سابقا ويأتي ما يدل على ذلك كما اذا وصل الينا الاجماع المنقول بخبر الاحاد فانا نعلم ان هذا الاجماع المنقول لم يكن ضروريا فيما سبق بل ادعى مع وجود المخالف والا لنقل لنا ( الينا خ ) بطريق التواتر لان الضروري لا يكون مجهولا ولا يجوز تبدله ولا مخالفته لان مقتضاه باق ببقاء التكليف وكذلك المركب المتحقق ظهوره لانه لا يزال كذلك ما دام التركيب فان انقرضت احدى الطائفتين كان كالاول في كل احواله فبعد ان يكونا معلومين لا يكونان مجهولين لا يعلمان الا بطريق نقل الاحاد فالمنقول بطريق الاحاد لا يكون في الحقيقة الا الاجماع المحصل وفيه ما تقدم من الاحتمال نعم لو كان مقتضي الاجماع مسئلة ليست مما تعم بها البلوى بحيث تناط بافعال المكلفين وانما الحاجة لها من بعض الناس نادرة الوقوع فالمنقول حينئذ كما يحتمل ( يحتمله خ ) المحصل يحتمل الضروري وانما لم ينقل بالتواتر لعدم عموم البلوى بها فلم يعتنوا بها وانما تكون حاجة لبعض الاشخاص في بعض الاحوال كالاجماع المنقول بنقل محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي صاحب كتاب الرجال في الرجال الثمانية عشر المعلومين ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عنهم واقروا لهم بالتفقه فان مثل هذا يحتمل الاجماعين وليس احتمال وهن حجيته ناشئا من ان مقتضاه ليس نصا صريح الدلالة في الحجية لانه يحتمل ان مقتضي هذا الاجماع احد الوجوه المذكورة من صحة الارسال او صحة العمل بالرواية او صحة ورودها عن المعصوم عليه السلام او صحة الواسطة بينهم وبين الامام (ع) او صحتهم في انفسهم او رجحان روايتهم على غيرهم مع تساوي المرجحات بل هو ناش عن احتمال عدم التحقق اما في نفسه او في عمومه لجواز كونه محصلا خاصا بالمحصل كما مر فلاحظ ولهذا كثيرا ما يطرح الشيخ قدس سره في كتابي ( كتابه خ ) الاخبار العمل بمقتضاه مع قرب زمانه وجودة اطلاعه ولقائه لمن قارب زمان الدعوي وتبعه كثير ممن تأخر عنه فبمثل هذا ونحوه يظهر فائدة التقسيم ولهذا ترى كثيرا منهم يقول الاجماع المنقول بخبر الواحد ( الاحاد خ ) بحكم خبر الواحد في المفاد حتى ان الاجماعين اذا تعارضا وجب الترجيح بينهما كالخبرين ولا يخفى عليك ان هذا الكلام حسن في الجملة لا في التحقيق لان دلالة الاجماع كما مر اقوى من دلالة الخبر واشد تعيينا واما الترجيح بين الاجماعين فهو اصعب من الترجيح بين الخبرين لا يقال لا فرق بينهما وبين الخبرين اذا تعارضا في ذلك لانا نقول انه لا يجوز الاقتصار في الترجيح بينهما على اصحية النقل واصرحية الدلالة كالخبرين بل لا بد من اعتبار ما قدمنا سابقا لان الاجماع المنقول يحتمل الاحتمالات المتقدمة فيحتاج الى مرجحات من الاخبار والاعتبار ومن عمل العلماء الاخيار مثل مسئلة الصلوة في فرو السنجاب فقد اختلف فيه الاصحاب فذهب الشيخ في المبسوط واكثر المتأخرين الى الجواز ( جوازه خ ) حتى انه قال في المبسوط فاما السنجاب والحواصل فلا خلاف في انه تجوز الصلوة فيهما وظاهره دعوى الاجماع وانما قلت ظاهره لان هذه العبارة حيث تطلق انما يراد بها ذلك من دعوى الاتفاق الذي هو عبارة عن الاجماع ولو اراد به عدم اطلاعه على المخالف لقال فلا اعرف فيه خلافا كما هو المعروف لديهم الا ان في ذلك احتمال ان مدلول ذلك الحكم بالنفي فكما ان استعمالها مشهور في الاتفاق كذلك لفظها موضوع لدلالة ما هو من دعوى النفي والعلامة نسب الجواز الى الاكثر والشيخ في الخلاف وفي المطاعم من النهاية ذهب الى المنع وهو اختيار ابن البراج وابن ادريس وهو ظاهر ابن الجنيد والمرتضى وكذلك ابوالصلاح والظاهر من ابن زهرة في الغنية نقل الاجماع عليه ونسبه الشهيد الثاني (ره) الى الاكثر وذهب ابن حمزة الى الكراهة والصدوق قال ( ذكر خ ) في الفقيه وقد روى فيه رخص بعد نقله عن رسالة ابيه الجواز وقال المجلسي (ره) في بحارالانوار والاخبار فيه مختلفة والجمع بينها ( بينهما خ ) اما بحمل اخبار المنع على الكراهة او بحمل اخبار الجواز على التقية ولعل الاول ارجح اذ مذهب العامة جواز الصلوة في جلود ما لا يؤكل لحمه مطلقا واخبار الجواز مشتملة على المنع من غيره وان كان الاحتياط في الاجتناب انتهى وعلى ظاهر الحال تصادم الاجماع من الشيخ على جواز الصلوة فيه والاجماع من ابن زهرة على المنع فنقول اولا لا يجوز ان يراد بهما ( بها خ ) هنا معا الاتفاق لان الناقلين ( القائلين خ ) في عصر واحد كلاهما قرءا على الشيخ المفيد وكيف يخفى على واحد منهما اتفاق اهل زمانه حتى يدعي الاتفاق على خلافه مع عدالتهما واجتهادهما وشدة احتراسهما عما ينافي قولهما ولا ان يراد بهما معا ( مع خ ) الشهرة لان عبارة الشيخ تأبى ذلك في حق دعواه وفي دعوى السيد ابن زهرة لنفيه الخلاف بقول مطلق ولا يتجه ان يراد بنفي الخلاف نفي الخلاف المعتد به لان الاصل في الاستعمال الحقيقة ولقوة الخلاف من الطرفين ولا يمكن ان يحمل الا على المحصل وذلك على نقل ابن زهرة متجه لا على نقل الشيخ لنفيه الخلاف الا ان يقال ان الاستعمال اعم من الحقيقة ولهذا نسبه العلامة الى الاكثر بل قد خالفه هو في الخلاف وفي المطاعم من النهاية وهو المعروف من مذهب من ذكرنا سابقا ولهذا نسبه الشهيد الثاني (ره) الى الاكثر كما مر فيتجه احتمال المحصل على نقل الشيخ ايضا فلم يكن لاحدهما ترجيح على الاخر لا من جهة الناقلين في الجملة ولا من جهة النقلين لانه كما ان الاجماع هو الظاهر من كلام الشيخ كذلك هو الظاهر من كلام ابن زهرة على ما نقل عن عبارته ولا من جهة العموم لان المحصل حجة خاصة بالمحصل بكسر الصاد ولا من جهة التحقق فلم يبق ترجيح الا من جهة المستند والاخبار اذا تأملتها وجدت مستند دعوى ابن زهرة عاما مثل رواية ابنبكير قال وسئل زرارة ابا عبد الله عليه السلام عن الصلوة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فاخرج كتابا زعم انه من املاء رسول الله صلى الله عليه وآله ان الصلوة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلوة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسدة فلا تقبل تلك الصلوة حتى تصل في غيره مما احل الله اكله ثم قال يا زرارة والله هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة الحديث ورواية ابرهيم بن محمد الهمداني قال كتبت اليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب لا تجوز الصلوة فيه ونحوهما وكما يحتمل خصوص الاولى في السنجاب لذكره في السؤال فيما سئل عنه يحتمل خصوص الجواب بما سواه لدلالة الاخبار المخرجة له عن المنهى عنه وعليه هذا اظهر واما مستند دعوى الشيخ فخاص كما في رواية مقاتل بن مقاتل قال سألت اباالحسن عليه السلام في الصلوة في السمور والسنجاب والثعالب فقال لا خير في ذلك كله ما خلا السنجاب فانه دابة لا تأكل اللحم وفي رواية ابيعلي بن راشد عن ابي جعفر عليه السلام قال صل في الفنك والسنجاب فاما السمور فلا تصل فيه قلت فالثعالب يصلي فيها قال لا ولكن يلبس بعد الصلوة الخ وفي رواية بشر بن بشار صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب ولا السمور ومثل رواية عليّ بن ابيحمزة قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن لباس الفرا والصلوة فيها فقال لا تصل فيها الا ما كان منه ذكيا قال قلت أوليس الذكي ما ذكي بالحديد قال بلى اذا كان مما يؤكل لحمه فقلت وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم فقال لا بأس بالسنجاب لانها دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله اذ نهى عن كل ذي ناب او مخلب وهذه وامثالها كلها خاصة والخاص يحكم على العام ولا سيّما الاخيرة المبينة لكون السنجاب ليس مما نهي عنه ولا يعترض بالارانب لانها لا تأكل اللحم اذ هي مما نهى عنه فيكون قول الشيخ في المبسوط اظهر واشهر ولا تحمل هذه على التقية ( التقييد خ ) لما ذكرناه عن صاحب البحار ولو جمع بينها بالحمل على الكراهة كما اختاره ابن حمزة كان حسنا لا لدلالة النهي عنه اذ في الحقيقة لا نهي عنه صريح والعموم كما ذكرنا مخصص واحتمال الدخول معارض باحتمال الخروج بل لشبهة الخلاف ومع هذا فالاحتياط لا يخفى هذا حكم المسئلة وبيان ما نحن فيه من كيفية ترجيح الاجماعين المتعارضين من انه اذا تعذر الترجيح من الناقل او النقل او التحقق او العموم او غير ذلك رجعنا الى المستند فنرجح به كما رأيت لا يقال ان مذاهب من ذكرت سابقا كابنالبراج وابن ادريس وابنالجنيد والمرتضى والشيخ في الخلاف والنهاية مقوية لما يظهر من نقل ابن زهرة لانا نقول بل الظاهر انها مضعفة له فيتمشى الترجيح الى النقل ايضا لان عبارة الشيخ في الخلاف ليست بصريحة في المنع بل ظاهرها على ما في المختلف الجواز فانه قال فيه كلما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلوة في جلده ولا وبره ولا شعره ذكي او لم يذك دبغ او لم يدبغ ورويت رخصة في جواز الصلوة في الفنك والسمور والسنجاب والاحوط ما قلناه انتهى واما كلام ابنالجنيد فهو يصلي في وبر ما احل الله من الحيوان دون ما لا يؤكل لحمه ولا تصل في جلده ايضا ذكاه الذبح ام لم يذكه وكلام ابي الصلاح هكذا يجتنب النجس والمغصوب والميتة وان دبغت وجلود ما لا يؤكل لحمه وان كان منه ما يقع عليه الذكاة وقال المرتضى في الجمل لا تجوز الصلوة فيما لا يؤكل لحمه واطلق وقال العلامة في المختلف وكذا قال ابنزهرة يعني مثل قول المرتضى وهذه وامثالها عبارات المانعين واغلبها من هذا القبيل مطلقة والمقيد منها ما اذا تأملت مأخذه وجدته مطلقا وهي مستند ابنزهرة وذلك مما ( ما خ ) يضعف نقله الاجماع بخلاف عبارات المجوزين فانها مقيدة مخصصة ومستندها كذلك فيكون ذلك مرجحا لحكم المبسوط فالقول بالجواز لمن لم يطلب الاحتياط اقرب والله سبحانه اعلم وانما ذكرت هذه المسئلة دون غيرها مع ان غيرها اظهر في تحقق الاجماعين وتصادمهما لفائدتين احديهما الدلالة على استنباط الاجماع وتحصيله وكثرة تعارض الاقوال والثانية الحاجة الى معرفة حكم المسئلة لبعض السائلين حال جمع هذه الكلمات
الفصل السابع - في القسم السابع منه وهو الاجماع السكوتي ويتحقق فيما اذا قال قائل من اهل الحجة والاستيضاح بحكم وسكت الباقون ممن علم بحكمه او يتحقق ( تحقق خ ) ذلك الحكم بأن عمل به هو او مقلده ولم يكن راد لذلك ممن يعتبر قولهم حيث لا يعسر اعتبار الاتفاق بالاتفاق او بمن يحصل بهم الاجماع فيما سوى الضروري واختلف العلماء في هذا فقيل هو اجماع وحجة لحصول شرايط ذلك فيه وقيل هو اجماع كما هو الجاري على الالسن وليس بحجة لجواز ان يكون مذهب الساكت التصويب وانما لم ينكر على ذلك ( القائل خ ) لانه يرى ان كل مجتهد مصيب ولا يجوز الانكار عليه وان لم يرتض به او لان اجتهاده اداه الى التوقف في المسئلة فيكون فرضه الكف والسكوت حتى يرجح احد الطرفين فيوافق او يخالف فينكر او للتمهل لينظر في فقه المسئلة او لخوف الفتنة بالانكار او اعتمادا على ظن ان غيره ينكر عليه وغير ذلك فاذا احتمل امثال ذلك لم يكن حجة وقيل هو حجة لان الاصل والظاهر خلاف ذلك كله ولان احتمال التصويب والتمهل والتوقف والاخلال بالحسية وامثال ذلك احتمال مرجوح والاحتمال اذا لم يكن مساويا لا يضر بالاستدلال اذ الحجة تقوم بالاستدلال بالراجح والظاهر وليس باجماع اذ الاجماع هو الاتفاق لا عدم الخلاف الذي هو السكوت وقيل ليس باجماع ولا حجة لما ذكر وقيل هو اجماع وحجة بعد انقراض اهل العصر استظهارا لكون المراد من عدم الخلاف وهو الاتفاق وقيل غير ذلك والحق الحقيق بالتحقيق هو الاول خلافا للاكثر اما انه اجماع فلان الساكتين لا بد وان يعتبر فيهم دخول المعصوم عليه السلام كما يعتبر في كل اجماع عندنا اذ بدونه لا يكون الاجماع عندنا حجة اتفقوا او اختلفوا سكتوا او نطقوا كما هو معلوم وقد مر وعلمه واطلاعه على قول القائل اذ بدون علمه بذلك واطلاعه عليه لا يكون ذلك اجماعا لا فرق بين السكوتي وغيره اما ظاهرا فلاعتبار دخوله في تحقق الاجماع وقوله بذلك القول كما سبق لا اعتبار عدم الاطلاع على خلافه واما باطنا فلما تواتر معنى من الاخبار وثبت في صحيح الاعتبار الذي ليس عليه غبار انهم عليهم السلام لا يخفى عليهم شيء من احوالنا واقوالنا وان لهم مع كل ولي اذنا سامعة وعينا ناظرة وروي ان الله سبحانه يعطي وليه عمودا من نور يرى فيه اعمال الخلايق كما يرى احدكم الشخص في المراة فقال السائل عمودا فقال عليه السلام اتظن انه عمود من حديد انما هو ملك ه وذلك كله من قوله تعالى قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وهذا مما لا ريب فيه وما ذكره بعض الاصحاب من انهم (ع) لا يعلمون الغيب فهو جرى منهم رضوان الله عليهم على الظاهر المنوط به الاحكام وهذا الذي نحن فيه من الاصول فلا بد من تحققه ظاهرا وباطنا او يخص بالغيب الواجب ( سبحانه خ ) من ذات الله وصفاته الذاتية او ان المراد انهم لا يعلمون الغيب الا ما علمهم الله والا فانهم اذا شاؤا علموا وعندهم الاسم الاكبر وهو العلي والاعظم والكبير وهذه الثلثة الحروف يعلمون بها ما شاؤا على ان الانبياء السابقة كموسى وعيسى وسليمان وسائر الانبياء اخبروا بكثير من المغيبات بواسطة الوحي وانما هم والوحي الذي نزل عليهم حسنة من حسنات محمد وآل محمد صلوات الله عليه وعليهم اجمعين وقد نزل القرءان المحكم بذلك في حقهم قال الله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء والمجتبى من محمد (ص) على واهل بيته عليهم السلام وقال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول والمرتضى من محمد (ص) عليّ واهل بيته الطاهرون ولا نقول انهم يعلمون الغيب من قبل انفسهم ولكن الله يعلمهم ما شاء وهو احوال الخلق لانهم الشهداء على الخلائق ولا يشهدون الا بما يشاهدون لقوله تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وقال تعالى في كتابه ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فاذا كان القرءان فيه تفصيل كل شيء وهم (ع) مخاطبون به وجب ان يعلموه والا قبح خطاب الحكيم لمن لا يعرف خطابه ولا يرد ايضا علينا قوله تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به فان اكثر القراء والعلماء يقفون على الله ويبتدؤن بالراسخون لاجل ذلك ولئلا يعود ضمير يقولون الى الراسخين والى الله لان الاشتراك في العلم بتأويله يوجب الاشتراك في القول بامنا به الخ وذلك غير جائز او يعود الى بعض دون بعض مع تساوي النسبة وهو ترجيح من غير مرجح لانا نقول ان كثيرا منهم وقف على الراسخون في العلم وجعل الواو عاطفة لما قلنا سابقا ومنهم شارح المنهاج وغيره وقالوا لا يلزم عود الضمير الى الله بل يكون عائدا الى الراسخين والقرينة مخصصة كما في قوله تعالى ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة فان الواو عاطفة والحال من يعقوب فلم يلزم من الاشتراك في العلم الاشتراك في القول وبالجملة فلا بد من علم الحجة الذي جعله الله عينا وامينا وحافظا للشريعة عن الزيادة والنقصان بكل قول حق او باطل ليؤيد الحق ويبطل الباطل بنصب الدليل على نفيه وكان النبي سليمان عليه السلام يعلم اذا تكلم شخص باخفى كلمة في مشرق الارض ومغربها اوصلت ذلك الريح الى اذنه والانبياء (ع) يخبرون اممهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم واين ما اوتوا مما اوتي محمد وآله صلى الله عليه وآله وهذا الذي نشير اليه ليس من اجل ما اتيهم الله فاذا قال القائل بحكم فلا بد ان يكون الحجة قد اطلع عليه لما ذكرنا انفا ولما ذكرنا سابقا من قوله عليه السلام ان الارض لا يخلو الا وفيها امام كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم ه وحكم هذا الحاكم لا بد ان يطلع عليه فان ( فاذا خ ) كان زائدا رده ولو بحكم يقع عليه دليلا ظاهرا لا يكون ضده اظهر منه وان كان ناقصا اتمه لهم كذلك وان كان حقا اقره عليه وتقرير الامام عليه السلام بحكم قوله لانه (ع) لا يجوز ان يسكت في مثل هذه الحال وتحرم عليه التقية فلا يكتم علمه عند ظهور البدعة وليس هو ممن يرضي بالتصويب لحكمه بتخطئة المخطي ولا يجوز عليه التوقف لسعة علمه لانه حجة الله وليس لله حجة على جميع عباده تقع الواقعة او الحكم بها لا يعلم حكمها ولا يعلم سائقها ولا ناعقها ولان التوقف ينشئ من الادلة المتعددة المختلفة ودليله ليس بمتعدد ولا مختلف ولا محتمل بل هو حكم عدل وقول فصل كما قرر في محله ولا يحسن لمقام الامامة المطلقة التمهل للنظر في فقه المسئلة لان ذلك مرتبة اصحاب الاستنباط ولا يجوز له الاخلال بها للعصمة ( بالعصمة خ ) ولانه حجة الله والاخلال بها اخلال بالحجة التي هي اصل التكليف وفرعه واليه الاشارة بقوله (ع) اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولي الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ه فاذا كان انما يعرف الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فكيف يجوز له السكوت الا ان يكون مقرا له على ذلك لعلمه به ولعدم المانع من الانكار بنفسه او بواسطة او كتابة او غير ذلك مع وجود المقتضى ومن المعلوم ان قول الامام عليه السلام وفعله وتقريره سواء كما هو مذكور في كتب الدراية فلا يسكت عن قول القائل الا ان يكون غير عالم به او قائلا بالتصويب او خائفا من فتنة او ليتمهل للنظر في معرفة الحكم او متوقفا فيه او مخلا بالحسبة او لظن وقوع الانكار من غيره وامثال ذلك من الموانع المفروضة ولا يمكن احتمال شيء منها للحكمة واحتمال امكان صدورها منه خلاف الاصل ومعارض بمثل ذلك في قوله عليه السلام فكما ان الاحتمال الثاني غير ملتفت اليه للراجحية والاصل فكذا الاول لما قلنا فلم يبق الا انه قد اقره عليه واما انه حجة فلان ذلك لازم لتحقق الاجماع المعتبر فيه دخول قول الحجة (ع) وتقريره وقوله سواء فثبت كونه اجماعا وحجة فان قيل من اين نعلم سكوت الباقين اذا وقفنا على قول شخص بعينه او سكوت الامام عليه السلام ليتحقق المدعى من التقرير ولعل الانكار وقع ولم نعثر عليه لكثرة العباد وسعة البلاد على انكم قلتم ان مجرد وجود المخالف ( الخلاف خ ) يبطل الاجماع السكوتي علم بعينه او جهل لانه عدم الخلاف بخلاف الاجماعات السابقة فانها الوفاق لا عدم الخلاف فلا يضر هناك المعلوم النسب كما يضر هنا لانه اذا فرض وجود مخالف جاز كونه الامام (ع) او واسطة منه بالهام او كتابة لان الغاية في الاكتفاء بوجود قائل في الجملة لان القائل اذا فرض انه مبطل ولم يكن قائل بخلافه لم يصدق قوله (ص) لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة ولا قوله عليه السلام كيما ان زاد المؤمنون ردهم فاذا حصل قائل بخلافه ولو معلوم النسب انتقض الاجماع السكوتي اذ بوجوده لا يرتفع الحق عن الارض و( ولا خ ) عن الطائفة المحقة قلنا انا نعلم سكوت الامام (ع) باستفراغ الوسع وبذل الجهد فان من كان من اهل الاستيضاح والحجة والاستنباط على النحو المقرر اذا بذل جهده واستفرغ وسعه في التفتيش والتنقير ( التبصر خ ) لا بد ان يقع من هذا الامر ( له خ ) على ما يتأدى ( هو خ ) به ما يراد منه ولا يطلب منه ما زاد عليه لانه لا يكلف ( لا تكليف خ ) الا ما هو دون الوسع والطاقة فاذا استفرغ الوسع والطاقة فقد ادي ما عليه والا لزم تكليف ما لا يطاق او سقوط التكليف لا يقال يلزم من قوله (ع) وما من شيء الا وفيه كتاب او سنة ه ان قول ذلك القائل ان كان حقا لا يكتفي في معرفة حقيته بذلك بل لا بد ان يوجد عليه دليل يعينه لانهم لم يهملوا شيئا الا وقد نبهوا عليه وان كان باطلا وضعوا دليلا يدل على بطلانه فلا يحتاج في تحقق الحال الى سكوت الباقين او عدمه لانا نقول ان ذلك القول قد يكون ولا دليل عليه ظاهرا بنفي ولا اثبات وانما يستدل على الدليل عليه بعدم العثور على القائل بخلافه بعد الفحص الشديد حتى يحصل ظن متاخم للعلم بالعدم فانه اذا كانت الحال هذه كذلك فلا بد وان يوجد في كلامهم (ع) دليل يشمله من عموم او اطلاق او غير ذلك ولا يكون ذلك صالحا الا اذا عدم المخصص الصالح بعد الفحص الشديد اذ بدون ذلك لا يعول عليه لاحتمال وجود المخصص فاذا لم يوجد ماكان صالحا لذلك فيكون العموم مثلا مستندا لذلك السكوت المطابق لقول ذلك القائل او يكون مستندا لخلافه ( بخلافه خ ) فلا يتحقق الاجماع السكوتي لان القول اذا لم يكن له دليل يصلح لتخصيص ذلك العموم كان العموم المعمول عليه مخالفا لقوله ويكفي ذلك في الانكار عليه كما اذا عمل الاصحاب على حكم عام اطلقوا عليه عباراتهم وعمموا فيه اشاراتهم وقال بعض بعد تحقق ذلك العمل على ذلك العموم باخراج فرد مما يشمله ذلك العموم والاطلاق بحكم مخالف لباقي الافراد الداخلة تحت العموم فان سكوتهم ليس في الحقيقة سكوتا مفيدا لتقريره على ذلك الحكم بل هو قائم مقام الانكار عليه فيه والا جاز ( لجاز خ ) التفرد بالقول في مقابلة الاجماع وهو يدعي ( بديهي خ ) البطلان وقولي اذا لم يكن له دليل يصلح لتخصيص ذلك العموم بيان لاصل وهو انه لو وجد لماعمل الاصحاب على العموم لانهم لا يجوزونه قبل حصول القطع او الظن المعتبر الموجب لتعين العمل به بعدم المخصص فلا يجهلون هذا الاصل ولا يغفلون عنه وان اختلفوا في توقف العمل به على حصول القطع او الظن المتاخم بعد الفحص الشديد فعملهم بالعموم ليس غفلة عن هذا الاصل ولا عدم عثور على المخصص الصالح لان الله سبحانه يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فمن بذل جهده في طلب رشده باستعمال اللطيفة التي وهبه الله اياها من عنده سالكا سبل ربه ذللا فانه محسن والله سبحانه حينئذ معه ولا بد ان يهديه سبل الحق الذي يطلب منه بحيث يسقط عنه التكليف بما زاد على ذلك والا جاء التكليف بما لا يطاق ولعمري انهم شكر الله سعيهم قد استفرغوا وسعهم وبذلوا جهدهم فلم يعملوا بعموم الا بعد ان عجزوا عن تحصيل مخصص صالح لذلك لا مطلق وجود مخصص في الجملة بل لو وجد من كتبهم مخصص افادنا الحال وجوب اطراحه وعدم اعتباره ومن توهم في بعض المسائل تساهلهم في ذلك فانما كان ذلك التوهم منه لتساهله في معرفتهم ومعرفة كلامهم ومأخذ احكامهم وانما اذنت للقلم في هذه الكلمات المقحمة ( المقمحة خ ) في الجواب لبيان فساد مسئلة استحدثها بعض علماء ابناء المأة الثانية عشرة من الهجرة ينهدم بهذه الكلمات بنيانها وتنهد ( تنهدم خ ) بها اركانها وذلك لمن يفهم اذ لا عبرة بمن لا يعلم ثم نرجع الى تمام الجواب فنقول انا نعلم سكوت الباقين اما غير الامام فلأن من قعد بين كتبه التي صنفها العلماء من مشرق الارض ومغربها من السابق واللاحق وعلم ان كلا منهم باحث ومفتش مستفرغ وسعه في تصحيح ما يقول والاحتراز عن الا يراد على ما يورد معتن ( معين خ ) بنقل الاقوال المعتبرة متوجه غاية التوجه الى تأسيس القواعد المقررة مورد لجميع الاثار المسطرة وفي الحقيقة هو قاعد بين العلماء الثقات من الاولين والاخرين كل منهم يورد عليه ما ورد عليه وينقل له ما عثر عليه ويحرر له ما صح ( يصح خ ) لديه والسنتهم في كتبهم له ناطقة بكل ما اطلعوا عليه كيف يخفى على هذا قول معتبر حينئذ لان ذلك القول الخافي ان كان حقا فلا بد ان يظهر لدلالة الاخبار المتقدمة وغيرها لئلا يرتفع الحق بموت حامله اذا لم يصل الى غيره وان كان باطلا فلا يضر خفاؤه هذا في نفس الامر على انا لا نكلف بحكم يتوقف على اكثر مما سمعت والا لزم المحال اذا تعذر الممكن واما الامام عليه السلام فهو لا يخل بالواجب ولا يسترعي نائبا حاكما على رعيته ويهمل ما يحتاج اليه ويتوقف حكمه عليه مع علمه به وتمكنه منه وتحرير الادلة على هذه الشقوق والمعاني مما يطول به الكلام ويخرج عن المرام وهذا ومثله يرد قول المعترض بكثرة العباد وسعة البلاد فلا يكون المخالف في الحقيقة موجودا وان وجد ظاهرا ( ظهر خ ) لانه ان لم يؤل امره الى الظهور ليتصل حكمه دل الدليل على نفيه كما قلنا ولا يكتفي بوجود قائل ما لم يكن قوله كما ذكرنا والا لجاز خرق الاجماع البسيط والمركب بعد تحققه لجواز ان يخالفه قائل لكن الدليل دل على ان قوله باطل وقوله اذ بوجوده لا يرتفع الحق عن الارض الخ ان كان كما قلنا وصل الى غيره ووصل الينا والا فلا يضر ولا يلتفت اليه كما اذا انقرضت احدى الطائفتين من اهل الاجماع المركب
بقي هنا شيء وهو ان الاجماع السكوتي كثير الاشتباه في التحقق ولهذا كثيرا ما يتوهم تحققه ولم يتحقق كما توهم تحققه بعض في مسئلة الجمع بين الشريفتين حيث منع من الجمع بينهما ولم يجوز ذلك الاصحاب بل سكتوا عند قول المانع وهو دليل على اجماعهم على ذلك وهو اجماع سكوتي ومثل ذلك ليس باجماع ولا حجه لانا قد قدمنا انا انما نعرف ذلك بعد الفحص الشديد بأن يكون في كلامهم اشارة الى تقريره من عموم او اطلاق يشمله ويكون مستندا له فيتحقق او يكون ذلك مستندا للانكار فلا يتحقق وفي هذه المسئلة بعد ان حصروا المحرمات بجميع اسباب التحريم عمموا الاباحة فيما سوي ذلك واستندوا في التعميم الى قوله تعالى واحل لكم ما وراء ذلكم عاملين بذلك لا يختلفون فيه غير غافلين عنه ولهذا نقل عن ابن حمزة القول في ذلك بالكراهية اعمالا لرواية التهذيب المروية في العلل عن ابان بن عثمان حيث لم يجعلوها صالحة لتخصيص عموم الاية بعد العمل بالعموم جمعا بينهما اذ لا منافاة بين الكراهة والعمل بالعموم وذلك دليل على عدم غفلتهم عن ذلك الدليل المدعي انه دليل صالح للتخصيص وانهم غفلوا عنه ويا لله العجب كيف يقال غفل عنه من رواه ونقله من اصله ووضعه في كتابه واستدلالهم بأن اغلب العمومات مخصصة باخبار الاحاد مردود اذ ليس كل خبر مخصصا بل اذا كان صالحا لذلك بأن يكون صحيحا اما لذاته مقبولا عندهم او بالقرائن على ما قرره الشيخ في العدة وذلك كله قبل استقرار العمل على العموم ولا يلزم المثل المشهور ما من عام الا وقد خص لان هذا ان اريد به العموم كان مخصوصا بمقتضاه وان اريد الامر الاغلبي فلا يضر على ان العمل بالعام كثير الوقوع في الاحكام ولا يضر في بعضها تخصيص العام بل جوز بعض العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص كالعلامة في تهذيب الاصول ونقل ان للمفيد (ره) قولا بتعين التكبير بعد السجود لما روى من انه اذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبير مع وجود ما يخصصه بغير هذا الموضع وورد التخيير بين العمل بايهما شئت من باب التسليم ففي مكاتبة محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الى صاحب الزمان عليه السلام يسئلني بعض الفقهاء عن المصلي اذا قام عن التشهد الاولى الى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فان بعض اصحابنا قال لا يجب عليه تكبير فيجزيه ان يقول بحول الله وقوته اقوم واقعد الجواب في ذلك حديثان اما احدهما فانه اذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبير واما الحديث الاخر فانه روى اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الاول يجري هذا المجرى وبايهما اخذت من باب التسليم كان صوابا انتهى والرواية وان احتملت التقية كما هو الظاهر الا ان اخرها يدل على جواز التخيير بايهما من باب التسليم وهو دال على جواز العمل بالعام مع وجود المخصص ونظائر هذا كثير يطول بذكر ما يحضر منه الكلام فليس الاستدلال بمثل ما من عام الا وقد خص بتام لان الواقع من ذلك اغلبي والرواية التي هي مستند المنع متروكة غير صالحة للتخصيص وهي ايضا ضعيفة السند على ما في التهذيب وعلى ما في العلل ففيها ابان بن عثمان وهو وان كان ممن نقل الكشي اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم الا انه ناووسي خبيث لا يجوز التعويل على ما تفرد به وكونه ممن اجمعت العصابة لا يوجب العمل بروايته لاحتمال ان مقتضى الاجماع المنقول انما هو مجرد الترجيح بل هو الظاهر لا صحة الورود ولا صحة العمل ولا ثقة الراوي وغير ذلك لانا وجدنا من كان قريب العصر بهم كالشيخ يرد كثيرا من رواياتهم المخالفة لما يحكم ( فلا يحكم خ ) به وليس لعدم ثبوت نقل الاجماع عنده كما توهمه بعضهم لتصريحه بذلك في مواضع كثيرة من كتبه كالعدة وغيرها بل لمعرفته بأن المراد من ذلك مجرد الترجيح فاذا حصل ( له خ ) ما هو ارجح منه طرحه مع ان جعفر بن محمد عليهما السلام قال ما معناه ان لنا اوعية نملأها علما لتنقلها الى شيعتنا فصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فتنكبوها فانها اوعية سوء انتهى فقوله فصفوها يدل ان هذه الاوعية تغير العلم والاحاديث لخبثها فلا تقبل منها الا ما كان معتضدا بقرائن و( او خ ) مرجحات والا فلا فما ظنك بها اذا عارضتها القرائن وخالفتها المرجحات فعلى ما قررناه ينبغي المعرفة التامة للاجماع السكوتي للاشتباه المذكور بل قد يفقد فيما يوجد السكوت فيه وقد يوجد فيما لا يظهر السكوت فيه كما اذا كان الموافقون معلومي النسب ودل الدليل على صحة قولهم فان من سواهم وهم الساكتون فيهم الحجة وسكوته تقرير لذلك القول كما مر والله اعلم بالصواب واليه المرجع والمئاب
الخاتمة - في امكان وقوعه وامكان العلم به وفي حجيته
اما امكان وقوعه في زمن الشارع فالقائل به ممن ينكره كثير زعما منهم ان من يعتبر قولهم يمكن ضبطهم والاحاطة بهم لقلتهم واما في مثل هذا الزمان ما قبله مما تأخر عن زمن الشارع فقد اختلف فيه فقيل بعدم امكان وقوعه لانه اذا كان عبارة عن الاتفاق فهو مع كثرتهم واختلاف طبائعهم التي هي منشأ للاختيارات المختلفة المتكثرة لاختلاف الافهام والمذاقات باختلاف الطباع ( الطبايع خ ) والاهوية والاقاليم والمطاعم وقرب الزمان والمكان وبعدهما الى غير ذلك من الاحوال الموجبة للاختلاف كان متعذرا عادة بخلاف ما كان في الصدر الاول لان الطباع ( الطبايع خ ) وان كانت كذلك هنالك لكن لما تقاربت العوارض الواردة عليها لو اتحدت كقرب المكان والاقليم والزمان واتحدت الاهوية والمطاعم والمشارب وتلاقي اصحاب تلك الطباع ( الطبايع خ ) لقرب مكانهم وتخالطوا في البحث والكلام تلونت طباعهم ( طبايعهم خ ) بما يكون عنده الاتفاق وذلك لان الشخص اذا خالط اخر وكثر لقائه له واجتماعه به والبحث معه حصل له لطخ من طبيعته ومسح من طينته حتى يكتسب من ذائقته ويمشي على طريقته وليس سلوكه لطريقته تقليدا له بل موافقة كانت منه عن استقلال ولكنه تخلق بخلقه وانطبع بذوقه لتساقيهما بنتايج افكارهما مشافهة حتى انهما لو اختلفا وتأملت حاليهما رأيت ان السبب جمود كل على رأيه اذ لو مزجه برأي الاخر وطلب طريق القصد اجتمعا غالبا ولا يكون ( لا يمكن خ ) في غير المشافهة ما يكون فيها وهولاء يمكن حصول الاتفاق منهم بخلاف من تأخر عن ذلك الزمان وتكثروا وتفرقوا في البلدان والاقاليم المختلفة والاهوية والمطاعم واللغات فان الاتفاق منهم متعذر عادة وقيل بامكان وقوعه وهو الحق لان المفروض ان دواعي من يعتبر قولهم لا تختلف لانهم طالبون للحق وهو واحد لا يختلف واما اختلاف الطباع والامزجة والاهوية والاقاليم فهي وان كانت مؤثرة لكن تأثيرها ضعيف بالنسبة الى الرد الى مؤسس الشرع لانهم انما ينظرون في كلام الحكيم الذي لا يختلف في نفس الامر وان اختلف ظاهرا فوجه الجمع بينه ( بينهما خ ) والايتلاف اظهر والحكيم كما اظهر الاختلاف اسس طريق التأليف كما في قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته والله عزيز حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم يعني من التأويل وقد اتفق المؤمنون اولوا العلم ان قوله تعالى اذا تمنى القى الشيطان في امنيته يراد به وجهان لا انه يحتمل احد وجهين فيكون حصول الحق مظنونا بل يراد به اذا تمنى بمعنى قرأ وامنيته قرائته كما قال حسان :
تمنى كتاب الله اول ليلة تمنى داود الزبور على رسل
وبمعنى الامنية وهو لغة طلب المتعذر او المتعسر وقد يستعمل هذا بمعنى الترجي ايضا ومعنى الاول انه اذا قرأ احتمل الشيطان لاوليائه في تلك القراءة معنى غير مراد ولا تدل عليه المحكمات بل ترده ردا صريحا فيهدي الله الذين امنوا الى ابطال ذلك الاحتمال الذي هو القاء الشيطان ومعنى الثاني انه تمني ان يأتيه كذا مما يحبه الله فاحضر الشيطان لاوليائه عند تمني النبي صلى الله عليه وآله ما يكرهه الله اغواء لاوليائه فاتى بعد ذلك ما تمناه النبي (ص) مما يحبه الله وهو الهداية التي جمع الله عليها اوليائه وانما قلت انهما مرادان معا لانهما وقعا وصحيح الاعتبار فيه يشهد بصحيح الاخبار فيه وانما استطردت هذا وامثاله مما لسنا بصدده لغاية عندي وفيه تمثيل للدليل فاذا كان الحكيم قاصدا لتأليف المؤتلف كما بيناه وكلامه عند العلماء يؤولون مذاقاتهم وانظارهم على ما يطابق مراده منه ليعرفوا حكمه كما اشارت اليه مقبولة عمر بن حنظلة بقوله عليه السلام من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا لا انهم يؤولون كلامه على ما يطابق مرادهم حاشاهم ان يقولوا على الله ما لا يعلمون فاذا كان كذلك كان اختلاف طبايعهم واقاليمهم واهويتهم لا يؤثر مع ضعفه تفريقا للمجتمع وهو الحق مع قوته واحكام طريقته الا ترى ان علماء العرب وعلماء العجم من الفرس والروم والهند وغيرهم اقرب مشابهة بعضهم ببعض في الملابس والاخلاق والمذاقات والطبائع في امور دنياهم مع اختلاف دواعيهم فضلا عن امور دينهم ومتعلقات علومهم من عوام الناس المشابه بعضهم ببعض فكيف وكلهم طالبون باحثون عن طريق واحد محكم الاساس والقواعد مضبوط الامارات والشواهد فان قيل ان اجتماع الناس على مأكول واحد في وقت واحد محال مع انه صالح لهم في كل حال كذلك اجتماعهم على قول واحد محال مع انه قد يكون صالحا لهم في كل حال والا لما جاء النسخ في الشرايع والاحكام قلنا ان الفرق ظاهر فان الناس كانوا مختلفين في الدواعي لاختلاف الشهوات في الاوقات المتعددة بالنسبة الى الاكل ولعروض بعض الاسباب والموانع لبعض في بعض الاوقات وايضا لا نسلّم ان الطعام الواحد صالح لكل الناس في وقت واحد لاختلاف الفصول بالنسبة الى البلدان واختلاف الابدان ولان الاكل لشيء واحد في وقت واحد لا مصلحة فيه اذ هو شيء ليس منوطا بالخلق على سبيل الاجتماع والحاجة له ليست موقتة اذ لو كان كذلك جاز ( لجاز خ ) اجتماع الناس على شيء واحد في وقت واحد كما لو فرض الصيام في السرطان مثلا او الاسد واتفق حر شديد وسموم فانه يجوز ان يتفق الناس على شرب الماء عند الافطار ويجوز الاتفاق على الوطي اول ليلة من شهر رمضان ولا مانع من امكان ذلك وانما منعناه هنالك عادة لما ذكرنا من اختلاف الدواعي والاسباب والموانع في المأكول الواحد واما اتفاق الجميع على حكم واحد فليس فيه من موانع مسئلة الاكل شيء اذ مسئلة الاكل حكم طبيعة واضطرار وليس الطعام الواحد مرادا من الجميع في اوقات مختلفة متعددة ولا كان مرادا من الجميع في وقت واحد والا لكان كذلك مثل مسئلة الاجماع فان الحكم الواحد حكم شريعة واختيار ويجوز ان يكون مرادا من الجميع وصالحا لهم في كل حال ولهذا لا يكون النسخ فيه ولا يعرف الا بالتعريف الالهي من قبل الشرع فجاز اتفاقهم على ما هذا حاله مضافا الى ما قلنا سابقا من ان الحكم ليس دائرا مدار الشهوات وانما هو دائر مدار امر الشارع ومراده فليس لاحد ان يجري فيه مع الطبايع المختلفة والدواعي المتشعبة بخلاف الاكل لاختلاف دواعيه واتفاق امارات الحكم ومع هذا كله فلا اشكال في انه وقع فانكار وقوع ما وقع قطعا قطعي الفساد بل صرح العامة بأن الشيعة متفقون على امكان وقوعه وامكان العلم به وحجيته وانما الخلاف في هذه الثلاثة عندهم واما سبب وقوع الخلاف من بعض الشيعة في هذه الثلاثة فمن الالتفات الى خلاف اهل الخلاف وذلك لان نصوص اهل الخصوص مشحونة بذكر الاجماع والاخبار بوقوعه به والاحتجاج به فمن اقتصر على الاتباع لهم وجعل نظره تبعا لنظرهم لا بد ان يقول بذلك وانما يتوقف فيها من نظر برأيه في توجيهات اهل الخلاف بناء على طريقتهم ولا شك ان من بني امر الاجماع ووقوعه على طريقة اهل الخلاف لا يكاد يتحقق عنده امر الاجماع اذ لا يحصل عندهم الا بالاتفاق وهذا كما قالوه واما عندنا فنحن نتحققه بدخول قول المعصوم (ع) وهو حافظ لشريعتهم عن الزيغ والميل والباطل بان لا يخرج الحق عن اهله ولا يدخل فيه ما ليس منه فان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم فيقر مصيبهم ويرد مخطئهم وينصب لهم امارات الصواب والخطاء حتى لا يجهلهم امر دينهم ولاحظ هنا ما سبق تجد فيه لك دليلا مرشدا
واما امكان العلم به فاختلف فيه فقيل انه في عصر الشارع (ع) عند تأسيس الحكم وابتدائه يمكن الاطلاع عليه لانه محصور في مكان واحد والاتفاق المعتبر منحصر فيمن حضر واما بعد ذلك العصر فقد انتشر ذلك الحكم في سائر البلاد واشتهر بين العباد فيتعذر الاطلاع عليه لان العلم باجماع المجتهدين على امر لا يمكن الا بعد معرفتهم ومعرفة ان كلا منهم افتى بذلك الحكم بحسب الاعتقاد عن صميم قلبه وقد اجتمعوا على ذلك ومعرفة هذه الامور متعذرة لانتشار المجتهدين في مشارق الارض ومغاربها وتمتنع معرفتهم فان علماء الشرق لا يعرفون علماء الغرب وعلماء الغرب لا يعرفون علماء الشرق ولجواز خفاء بعض منهم في مطمورة ( الزمان خ ) لا علم لاحد به ولجواز خمول احد منهم بأن يكون نازل الرتبة مجهول النسب واما معرفة ان حكمه بذلك عن صميم القلب فمتعذر ايضا لجواز كذبه خوفا من ظالم او من مقت ذي منصب بذلك ولجواز رجوعه عن فتواه قبل الاخر لا يقال انه لو اجتمعت الامة على قولين وتعاكسا في الفتوى كان اجتماع وحصل اتفاق لقول النافي حال رجوعه بالايجاب وبالعكس لانا اولا نمنع امكان التعاكس لاستلزامه قول اهل الحق بالباطل واهل الباطل بالحق فيرتفع الحق عن اهله وثانيا انا نمنع الاجتماع بعد التعاكس كما نمنعه قبله لان شرط حصوله في وقت لا في وقتين قال بذلك جماعة من الجماعة وتبعهم جماعة منا قائلين ان هذا لا يمكن الاطلاع عليه الا من جهة النقل وقال بعض ولا يمكن من جهة النقل ايضا اذ النقل ان اعتبر الانتهاء الى مبدء الاطلاع لزم التعذر لتعذر الاطلاع ابتداء فكذا بالنقل وان لم يعتبر الاطلاع الابتدائي فيه لم يتحقق الاتفاق للاحتمالات السابقة فاحتياج النقل الى الاطلاع الابتدائي مانع لفائدته لان الاطلاع الابتدائي اذا امكن كان النقل لغوا واذا امتنع كان المتوقف عليه اولى بالمنع فلا يمكن العلم به ايضا وقال قوم بامكان العلم به وهو الحق لان الاحتياج الى معرفة جميع من يعتبر قولهم على النحو الذي ذكره المانعون انما يتمشى على مذهب اهل الخلاف واما على مذهبنا المبني فيه امر الاجماع على دخول قول الامام عليه السلام في جملة قائلين فحيث ما علم ذلك تحقق الاجماع فلا يحتاج فيه الى الاحاطة بجميع اقوال من يعتبر قولهم مع معرفة ما اتفقوا عليه عن صميم قلوبهم ومحض معتقداتهم لان مذهبنا دين الله الذي لا يطفأ نوره ولا يرتفع عن اهله محفوظ عن كل ما يخدشه اذ لا يكون جهة من جهات العبارات ولا نحو من انحاء النفوس ولا مذهب من مذاهب العقول الا وقد وضع لنا حفظة الشرع (ع) عليه دليلا يبينه من صحة او فساد وامارة توصل الى ما فيه السداد وحجة واضحة موضحة لسبيل الرشاد وذلك يحصل بالعبارة او بالاشارة او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نص او ظاهر بخصوص او عموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل وما اشبه ذلك ولهذا قال عليه السلام ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة فاذا استفرغ من له اهلية الاستيضاح والاستنباط وسعه في تحصيل معرفة حكم الامام عليه السلام وقع عليه وعرف قوله وحكمه فيه لانه عليه السلام مهما طلب الحكم من النحو الذي امر بطلبه منه وجده فان لم نجده هنالك وجدناه حتى يوجدنا نفسه لانه هو القيم على هذه الفرقة وهم رعيته وعليه تسديدهم كما اشارت اليه النصوص وبراهين هذه المعاني مما يطول به المقام وفيما تقدم مما قررناه ما ينفعك هيهنا فلاحظ لا يقال لو كان كما تقولون انه حيث ما طلب وجد لما وقع الخطأ من احد من اهل الاستنباط وانتم لا تقولون بذلك بل تجوزون على كل واحد الخطأ لانا نقول ان الاحكام التي يستقيم بها النظام ليست كلها يقينية حتى يتحقق في كل مسئلة منها الاجماع بل نقول فيها المسائل اليقينية وفيها المسائل الخلافية فاما المسائل الخلافية فعلامتها ان تكون الادلة فيها المتكافئه بالنظر الى المستدلين بل لا يكون الرجحان فيها مانعا من النقيض بل يحصل فيها ما يثبت به الظن لشخص ويثبت نقيضه بظن اخر لاخر ومنها ما يبلغ به التكافؤ الى ان يكون منه ( فيه خ ) اجماع مركب وهو ايضا من الظن بالنسبة الى كل واحد على الانفراد وان كان اليقين فيهما معا او لا يكون منه الاجماع المركب ومنها ما سبيله التوقف وحكمه الاحتياط الى غير ذلك وهذه وامثالها يكتفي الشارع عليه السلام بوقوع التكليف بها ولا يرتفع الحق عن اهله بذلك في ضمنها واما اليقينية فلا بد من حصول شرط اليقين كما قلنا ولا علامة لاحدهما الا حصوله عن الدليل الظني او اليقيني والواقع لا يخلو منهما وكل منهما حيث ما طلب وجد ولا نجوز ( لا يجوز خ ) الخطأ فيما يحصل من الاجماع نعم ما يحصل من الاجماع المحصل الخاص يجوز فيه لعدم عموم حجيته ولهذا جاز لمن لم يحصله مخالفته للدليل فان قلت ان الاخباريين يمنعون ما ذكرت من امكان العلم به ان لم يحط بجميع من يعتبر قوله على ما ذكر ودعوى العلم بذلك يحتاج الى دليل قلت نعم الدليل حصول القطع لهم ببعض المسائل مع وجود بعض الاخبار المخالفة لها فان قالوا انما قطعنا للنص ( فيها خ ) قلنا وان كان فيها نص لا يحصل منه القطع مع وجود نص على نقيضه الا اذا عرفتم بالقرائن انما حكمتم به مذهب الامام عليه السلام فاذا حصل لكم ذلك مع وجود القائل بخلافها عن نص للامارات والقرائن التي افادتكم اليقين بمعرفة ان ذلك مذهب الامام (ع) قلنا لكم لا نعني بالاجماع الا هذا ولا نسلّم لكم ان معرفة مذهب الامام (ع) من هذا اللفظ الذي عندكم لوجود المخالف لفظا ايضا وهذا ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد على انا نعارضكم بانكم لا تعملون بمجرد وجود حديث واحد وجد له مناف ام لا او مقيد او مخصص ام لا بل لا بد من الترجيح وانتم تقرون بانكم لا تحيطون بجميع ما ورد عنهم عليهم السلام ولا تجوزون العمل ببعض دون بعض فان كان يجوز عندكم العمل ببعض الاخبار فان كان عاما لا تحتاجون الى الاطلاع على المخصص وجد او لم يوجد وان كان مطلقا او مجملا مثلا لا تحتاجون الى المقيد او المبين وجدا او لم يوجدا فينبغي ان يكتفي احدكم بادني كتاب ولا يحتاج الى ترجيح ولا الى نظر ولا تصحيح فيكون من ادرك قيمة كتاب من كتب الاخبار بلغ ( تبلغ خ ) غاية الاعتبار وان قلتم لا بد من تحصيل الخاص للعام والمقيد للمطلق والمبين للمجمل والمحكم للمتشابه وهكذا وجب عليكم ان تحصلوا جميع ما خرج عن اهل العصمة (ع) والا امتنع عليكم الحكم وانتم تقرون بعدم حصول الجميع لكم فان قلتم يكفينا ما نقدر على تحصيله ونعرف حكم الامام عليه السلام ولا نكلف ما لانقدر عليه فجوزوا هذا المعنى لغيركم فكما انكم تعرفون حكم الامام عليه السلام ببعض مع وجود المخالف من الاخبار وتجزمون بكثير من الاحكام في مثل هذه الحال فكذلك غيركم مع انكم تقولون انه لا يجوز القول بدون نص من جميع من يعتبر قوله فان امكن لكم تحصيل ادلة الجميع امكن لغيركم معرفة اقوالهم بطريق اولى لان القول كما مر سابقا لا بد ان يظهر او ينقطع فيبطل واما الدليل فلا يجب اظهاره وان كان ذلك القائل الذي لا دليل له لا يعتبر قوله الا اذا ظهر دليله والا كان عندكم مطرح القول فليس ممن يعتبر قوله فلا يضر عندكم وجود خلافه لانكم لا تشترطون علينا ضبط جميع السنة الخلق وانما تشترطون ضبط من يعتبر قوله فجوابكم لنا في استدلالكم بالاخبار مع عدم الاحاطة بكلها وفيها ما لا يجب اظهاره هو جوابنا لكم بامكان معرفة مذهب الحجة عليه السلام في جملة اقوال معتبرين وان لم يكن الجميع محاطا بهم مع ان قول من يعتبر قوله ان لم يجب اظهاره لانه حق ولا يرتفع الحق عن اهله وجب الحكم بفساده بطريق اولى فافهم ولاحظ ما مر فانه مشتمل على كثير مما يكفي من يفهم
واحب نقل كلام الشيخ محمد بن الشيخ عبد النبي المقابي البحراني بلفظه واختصر منه واقتصر على بعض في مكان من كتابه نخبة الاصول في حجية الاجماع وهو من كبار اهل الاخبار الذين يعترضون على الاصحاب في هذا الباب قال رحمه الله ان خواص ائمة الدين لا يفتون الا بسماع من ائمتهم وهذه هي العلة في اثبات حقيقة اجماعهم ولا ريب ان من تتبع احوالهم علم انهم لا يفتون بالرأي ولا بالقياس والاستحسان ولا بمتشابهات القرءان ولا بروايات الاحاد وانما يعملون بمناطيق الاخبار المنقولة عن الائمة الاطهار متواترة كانت او محفوفة بقرائن القطع او مستفيضة مشهورة فالاولان هما منشأ اجماعاتهم لعدم جواز معارضتهما بشيء من الادلة والاخير وهو الخبر المشهور ان كان غير معارض او معارضه خبرا شاذا فهو ايضا منشأ لاجماعاتهم والخبر الشاذ الذي تفرد به الراوي لا يعملون به وان عارضه خبر مشهور مثله كان ذلك منشأ لاختلافاتهم لقوله وان اخذت بايهما شئت من باب التسليم وسعك الى ان قال واذا كان هذا شأن الخواص كان قولهم مطابقا لقول ائمتهم (ع) قطعا الى ان قال ومثل هؤلاء الاعلام اذا كان هذا شأنهم يجزم اللبيب المنصف ان قولهم يكون مطابقا لقول ائمتهم (ع) ومن هنا امرت الائمة بمتابعتهم واخذ معالم الدين منهم خصوصا وعموما وصرحوا بانهم حجة على سائر العباد والروايات في ذلك اكثر من ان تحصى منها قوله (ع) انظروا الى رجل منكم قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فاجعلوه حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما والراد عليه كالراد على والراد على كالراد على الله وفي مكاتبة الامام ارجعوا الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم الى ان قال وهذه هي العمدة في حقيقة هذا الاجماع وانكار ذلك من متأخري بعض اصحابنا مكابرة صرفة لا ينبغي الالتفات اليها ومعلوم ان تتبع الشيخين والصدوقين وثقةالاسلام وعلم الهدى لاحوال الرواة عن الائمة القادات اشد من تتبع متأخر بينه وبينهم اكثر من الف سنة مع عدم اطلاعه على شيء من اصولهم ولا فتاويهم الا بسماع ممن لا يجدي نفعا فلو رأت اولئك الاعلام اختلافا في البين لما ساغ لهم الاحتجاج باجماعاتهم التي ملئوا بها الخافقين مع انها لا تكاد تخرج عن الشهرة فيما بينهم بل هم يقطعون بانها مطابقة لاقوال ائمتهم لشدة حسن ظنهم بهم وجزمهم بانهم لا يجمعون على باطل مع وجود الامام بين اظهرهم ولو جوزوا عليهم القول بالرأي من غير سماع عن الامام لماساغ لهم نقل اجماعاتهم في الاحتجاج بها على الاحكام الشرعية بل قد يردون بها الاحاديث المروية عن الذرية النبوية عليهم السلام يعلم ذلك من تدبر كتبهم وعرف فتاويهم بل لو جوزنا عليهم العمل بالرأي لزم اطراح الروايات الواردة في الامر بالرجوع اليهم والاخذ عنهم ولم يجز الاخذ عنهم الخ
اقول يريد بهذا الجمع ان الاجماع حق وانه حجة ولكن المراد به اجماع اصحاب الائمة الذين لا يقولون الا بالخبر واخرهم الشيخ واما من بعده فانهم لا يعول على اجماعهم زعما منه انهم يقولون بغير النص في كثير من الاحكام وهذا غلط فاحش وجهل واضح لان الذين يشير اليهم ليس من تقدمهم خيرا منهم لا في معرفة ولا ورع ولا عفة ولا اشد اطلاعا على احوال التراجيح والنقادة للسمين من الغث لانهم قد جمعوا الى علومهم علوم من تقدمهم ولا ينكر هو هذا الكلام الا انه يدعي هو وامثاله من ان من تقدم احسن اطلاعا على القرائن والامارات كما هو المعروف عند كثيرين وليت شعري بأن اية قرينة تحصل للمتقدم يتوقف عليها معرفة الحق لا تحصل للمتأخر او خير منها هيهات هيهات واين هو من قوله تعالى ما ننسخ من اية او ننسها نأت بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير الا ان كان المفروض جواز خروج الحق عن مستقره لان المتأخر من الفرقة المحقة كالسابق في كل ما استقر عليه الدين ويزيد عليه بما يتجدد له بعد ذلك فان كان الاولون عرفوا من الاخبار ما كان متكررا في الاصول لقربهم وما كان من اصل عرض على الامام (ع) او قبلته الطائفة مثلا حتى اعتمدوا على ما لا يحصل لمن بعدهم فلا ريب ان من بعدهم ممن ادركهم قد ادركوا منهم ما كان مصفي من الكدورة لان الاولين اخذوا من الرواة ما ليس بمصفى فصفوه بحسب مجهودهم ونصبوا عليه الدلائل واخذه عنهم من لقيهم بدلائله ففتشوا فيه على ما كان عليه من التصفية واقاموا عليه البراهين واتى من بعدهم ونقر ( نظر خ ) فيما فتش غيره حتى وصل الينا هكذا كل سابق ورث لاحقه فهمه وعلمه فكان ذلك عند اللاحق ويزيد على سابقه بما يتجدد له من مزايا الاحتمالات ولا يخفى عليك انه لو دقق من قبلك في مسئلة فوصل اليك ما اسداه لعثرت على تدقيقه والحمت له سبل ( سبيل خ ) تحقيقه وقد صرح الشيخ الحر في الوسائل عند قول العلماء بأن سبب عدول المتأخرين عن طريقة القدماء الى الاصطلاح الجديد اندراس الاصول وفناء القرائن
قال (ره) وذلك ممنوع ان ارادوا حصوله في زمن اصحاب الكتب الاربعة بل ممنوع مطلقا الخ
وهو دال على امكان حصول القرائن لكل احد على الاطلاق فاذا ثبت عنده ان اجماع اولئك حجة كان هذا الثبوت في حق من بعدهم الذين وصل اليهم ما استقر من احكام اولئك وليس لهم هم الا تحقيق ( تحقق خ ) ما استقر عند الاولين اولى واحق بالثبوت الا ان يقول ان المتأخرين انما يعملون بالرأي والقياس والاستحسان كما هو مفاد التعريض فلا يعتبر ما اعتبروه بخلاف الاولين فليس له جواب عندنا لكنا نقول هو بعدهم وابعد منهم عن اولئك فان اخطأ الاقرب فالبعيد اولي بالخطاء لبعده وان اصاب فالقريب اولى ( به خ ) لقربه واستشهاده بهذه الروايات الدالة على الرجوع الى من روى الحديث فنعم ولكنه (ع) قال روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فجعل علامة نائبه معرفة احكامهم لا مجرد رواية حديثهم فرب حامل فقه ليس بفقيه وعنهم عليهم السلام والله انا لا نعد احدا ( الرجل خ ) من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن وروي محمد بن سعيد الكشي رفعه قال قال الصادق عليه السلام اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من روايتهم ( رواياتهم خ ) عنا فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا فقيل له أويكون المؤمن محدثا قال يكون مفهما والمفهم المحدث ه المحدث والمفهم اسما مفعول والمراد به ذو اللطيفة الربانية التي يعرف بها الحكم وهي جزء من سبعين جزءا من الولاية وقال المجلسي (ره) في البحار في بيان قول عليّ عليه السلام في بيان احوال اشباه العلماء يذري الروايات ذرو الريح الهشيم الخ قال رحمه الله فان هذا الرجل المتصفح للروايات ليس له بصيرة بها ولا شعور بوجه العمل بها بل هو يمر على رواية بعد اخرى ويمشي عليها من غير فائدة كما ان الريح تذري الهشيم لا شعور لها بفعلها ولا يعود اليها من ذلك نفع ه ولا ريب ان المشار اليهم من المتأخرين اوسع احاطة واشد نقادة وادق فهما والطف حسا وليس فيهم من يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ولا من ليس محدثا ولا من يلحن له فلا يعرف اللحن ولا حامل فقه وليس بفقيه وانما هم علماء اتقياء ازكياء بذلوا جهدهم في نفي انتحال المبطلين وموضوعات اخوان الشياطين عن الدين ولا يذهب عليك ما ورد عن اهل العصمة عليهم السلام في حق بعض من تقدم من الثناء فان من هؤلاء من لو كانوا في عصر الائمة (ع) لورد في شأنهم على الخصوص ما لم يرد في من سبق اليس هم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقهم ربهم ينفقون وقوله (ره) وانكار ذلك من متأخري بعض اصحابنا مكابرة صرفة سوء ظن وادب فان العلماء المتأخرين لا يطعنون فيمن تقدمهم وانما يثنون عليهم كمال الثناء وانما ينكرون عليهم حصر الاقتداء بائمة الهدى عليهم السلام فيمن عني (ع) بحيث يكون من بعد الشيخ لا يعتد باجماعهم لانهم لا يقتصرون في احكامهم على الكتاب والسنة بل في كثير من احكامهم يستندون الى الرأي والقياس والاستحسان ولقد شافهني بعض اشباه الناس بذلك حتى قلت له فاذا هم ضالون فقال نعم وعلى مثل ذلك وعند مثل هذا يكون من يجعل جميع علماء الشيعة وان اختلفوا في الفتوى وفي الطرق الى الحجة (ع) كلهم اهل الرد الى الكتاب والسنة لا يخرجون عنها طرفة عين وانما يعدلون عن بعضها الى بعض منها ارجح عندهم من ذلك البعض المعدول عنه وان كان من عموم الى خصوص او بالعكس كما يقع الترجيح بين الخبرين الخاصين مكابرا وهذا من شأن اشباه العلماء ولكنهم معذورون لانهم لا يعرفون ما اراد العلماء والمرء عدو ما جهله واما قوله في الرضى عن الشيخ وعلمالهدي فجار فيمن بعدهما واما دعواه انهما من اهل الاخبار كما ذكر في نخبته فخالية عن صحيح الاعتبار فان شاء فليرجع الى العدة للشيخ والذخيرة للمرتضى ولا يقصر نظره على التهذيب وبالجملة ذكر النقوض التي ترد على كلامه يطول منه الكلام وعلى من يفهم السلام
قال (ره) بعد ان ذكر يونس بن عبدالرحمن والفضل بن شاذان ومعوية بن حكيم وجميل بن دراج وغيرهم قال فاذا حصل العلم بفتوي جماعة منهم حصل العلم بقول الامام (ع) كما قال الشيخ في العدة قد لا يتعين لنا قول الامام (ع) في كثير من الاوقات فنحتاج حينئذ الى اعتبار الاجماع فنعلم باجماعهم ان قول المعصوم عليه السلام داخل فيهم ومع تسليم اقتصارهم على الروايات فمذاهبهم تعلم من رواياتهم قطعا لان الراوي عن الامام مشافهة يعمل بما روي البتة ولا يتصور من الراوي ان يدون في اصله ما رواه عن امامه ولا يعمل به فيكون الحكم مجمعا عليه رواية وفتوى وهو اقوى من الاول بكثير ه
اقول لا يخفى على من نظر ان عبارة الشيخ في العدة صريحة في ان الاجماع كاشف عن دخول قول المعصوم عليه السلام لا انه مطابق لقوله عليه السلام كما زعمه رحمه الله فيما يأتي من نقل كلامه في ذكر من قال بحجية الاجماع على ان المطابقة لو فهمها على خلاف مراده لكان الكشف انسب بمراده لانه (ره) يذهب الى ان حجية اجماع اصحاب الائمة عليهم السلام لكون اجماعهم مطابقا لقول المعصوم عليه السلام ويلزم من هذا ان قوله عليه السلام ليس داخلا في قولهم ويلزمه ان قول اولئك ليس من قوله عليه السلام وانما يكون قولهم مطابقا لقوله عليه السلام وهذا خلاف ما يريد ويلزم مما نفاه ورده من ان الاجماع كاشف عن دخول قول المعصوم عليه السلام ان قولهم نفس قوله عليه السلام وهذا معنى الكشف وهو يريده لكنه رده ونسبه الى الاصحاب وتأمل اول كلامه السابق ولو اعتبرنا المطابقة كما ذكر لصح عنده اجماع المتأخرين على ظنه فيهم بقول الرأي لانه مطابق لقول المعصوم عليه السلام وان لم يأخذوا بقوله عليه السلام فاذا طابق تحقق الاجماع فان قيل انه لم ينسب احدا منهم الى القول بالرأي والاستحسان قلنا ان لم يقل بذلك فما الفرق اذا بينهم وبين من قبلهم فان قيل الفرق قربهم الذي يحصل به قرائن لا يوجد مع البعد قلنا ليس المراد هذا لانا سمعنا من علماء اهل اخبار الذين عليهم المدار في زماننا ان تقليد الميت اذا كان من اهل الاخبار جايز وان كان من اهل الاصول لا يجوز ( لم يجز خ ) تقليده ميتا كما لا يجوز تقليده حيا وهذا الشيخ ايضا يقول بذلك ولو كان ذلك من جهة القرب والبعد لمااجازوا تقليدهم بعد موتهم ومنعوا من تقليد من تقدمهم بستمائة سنة فصاعدا وليس الا لما قلنا على انهم يصرحون بذلك من غير نكير وايضا قد بينا فيما قبل ان القرب قد لا يجدي نفعا ورب بعيد اقرب من قريب والى مثل هذه المعنى اشار عليه السلام في الدعاء ما احسن ما صنعت بي يا رب اذ هديتني للاسلام وبصرتني ما جهله غيري وعرفتني ما انكره غيري والهمتني ما ذهلوا عنه وفهمتني قبيح ما فعلوا وصنعوا حتى شهدت من الامر ما لم يشهدوا وانا غائب فما نفعهم قربهم ولا ضرني بعدي وانا من تحويلك اياي عن الهدى وجل وما تنجو نفسي ان نجت الا بك ولن يهلك من هلك الا عن بينة الخ رواه الشيخ في المصباح بعد صلوة الظهر وقوله ومع تسليم اقتصارهم الخ فيه اشارة الى ما صرح به من ان المراد من الاجماع وحجية الخبر وحجيته ولهذا نص على ان الاجماع اذا عارض الخبر وجب العمل على الخبر وتأمل كلامه السابق وقوله لان الراوي عن الامام مشافهة يعمل بما روى البتة ولا يتصور الخ غير متجه لانا وجدنا كثيرا من الرواة يروون الخبرين المتعارضين المتناقضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما الا بالطرح وان عندي نحوا من خمسةعشر اصلا من اصولهم مشتملة على التناقض كثيرا وليس كلما يروي يعمل به وهذا الصدوق (ره) قد صرح في اول كتابه الفقيه بهذا وقال ولم اقصد قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما افتى به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره ه فكلامه (ره) صريح في ان من تقدمه يوردون جميع ما رووه وان لم يفتوا به ويحكموا بصحته وهذا نص على ذلك ممن يقر له بقوله ويعتقد ان قوله حجة وانه لا يقول بالرأي ومع هذا كله فان المتقدمين الذين عناهم كثيرا ما يختلفون في المسائل الاجتهادية الاستنباطية ويبحثون فيها على طريقة المتأخرين وهذه كتبهم تنطق بذلك وقد نقل الصدوق (ره) في كتاب الميراث من الفقيه عن فضل بن شاذان النيشابوري وهو من اعاظم اصحابنا المتقدمين من اصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام مذاهبا غريبة واقوالا نادرة واستدلالات اجتهادية وبحث هو معه فيها ونقل عنه الكليني في كتاب الطلاق كلاما طويلا على طريقة الاجتهاد والاستنباط بما يشعر بدقة نظره ولطافة حدسه وحسه بل هو ابعد غورا من كثير من استنباطاتهم ذكر ذلك في باب الفرق بين من طلق على غير السنة وبين المطلقة اذا خرجت وهي في عدتها او اخرجها زوجها في جواب اجاب به اباعبيد في كلام طويل مشتمل على ما لا مزيد عليه من النقض والابرام والجدل والاستنباط وفيه ذكر معوية بن حكيم الذي اشار اليه هذا الشيخ في جملة من يعتبر قولهم جواب عمر بن شهاب العبدي من هذا النحو في الاستنباط وحكي الاصحاب عن يونس بن عبدالرحمن وهو ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه اقوالا غريبة جدا مثل وجوب الزكوة في جميع الحبوب مما يدخلها الكيل والوزن كما في الاستبصار وان اب الاب اولي من ابن ابن الابن في الميراث كما في س وكلامه في الفرق بين ولد الزنا وولد السفاح وكلام ابن ابيعمير وهو ممن عرفت في وجوب العدة بالخلوة في الجمع بين الاخبار تحقيقا مثل تأويلات المتأخرين كما في الاستبصار ووقع بينه وبين هشام بن الحكم منازعة في الارض انها كلها للامام عليه السلام وهشام يقول بالخمس حتى هجره ولم يكلمه حتى مات وهشام ناظر بعض المخالفين في الحكمين بصفين فقال المخالف كان عمرو بن العاص وابوموسي الاشعري مريدين للاصلاح بين الطائفتين فقال هشام بل كانا غير مريدين للاصلاح بينهما فقال المخالف من اين قلت هذا قال هشام من قول الله في الحكمين ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما فلما اختلفا ولم يكن اتفاق على امر واحد ولم يوفق الله بينهما علمنا انهما لم يريدا الاصلاح ونقل السيد بن طاووس في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة عن الشيخ قطب الدين سعيد بن هبةالله الراوندي انه صنف رسالة جمع فيها الاختلافات التي وقعت بين السيد المرتضى والشيخ المفيد (ره) وانهاها الى خمس وتسعين مسئلة قال الشيخ الاواه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني الماحوزي في حاشية منه على رسالته المسماة بالعشرة الكاملة عند نقل هذا الكلام قال (ره) وقفت عليه في اصفهان وطالعته من اوله الى اخره وربما ظهر منه ان المراد بمسائل الاصول مسائل اصول الدين وهو اعجب لاعتبارهم اليقين ايضا ومن ثم حمله الاكثر على اصول الفقه وفيه ان اليقين يعتبر عندهم ايضا فيها فينبغي التأمل في عبارة الكتاب وفي ذلك ه وبالجملة فالاختلافات التي وقعت بين الاصحاب المتقدمين في الاستنباطات والاجتهاديات اكثر من ان تحصي فمن تتبع كتبهم او كتب من نقل عنهم وجد ذلك
واما حجية الاجماع فقد اختلف فيها من الفريقين فقيل بعدم حجيته اما من منع من اهل السنة كالنظام والخوارج فلا كلام لنا معهم ولا فائدة فيه واما من منع من الشيعة فقال بعضهم لا حجة الا في الكتاب والسنة واما الاجماع فشئ وضعته العامة للمعارضة للكتاب والسنة في الحقيقة وان استدلوا على اثباته وحجيته بهما وقال اخرون لا فائدة في الاجماع لانه ان لم يعتبر فيه دخول قول المعصوم عليه السلام كان اجماع اهل الخلاف وان اعتبرناه فان علم قوله بخصوصه كان هو الحجة لا الاجماع وان لم يعلم قوله لم يجز القول للايات النافية للقول بغير علم وللنصوص واحتمال دخول قوله في جملة اقوال المجمعين معارض باصل العدم وقال اخرون ان الاجماع ان كان واردا في مادة خالية من النصوص او في مادة تخالفها النصوص فلا حجة فيه اما في الاول فلقوله اسكتوا عما سكت الله وقال تعالى وان تقولوا على الله ما لا تعلمون واما في الثاني فلأن العامل به راد لحكم الله تعالى لانه رد السنة بغير حجة تقابلها وان كان واردا في مادة توافقها النصوص فالعمل على النصوص لا على الاجماع وان كان في مادة تخالفه فيها النصوص فهذا هو الاجماع الذي يتجوز فيه بعدم وجود المخالف اذا كانت النصوص من الطرفين مشهورة ويسمى الاجماع المشهوري وهذا هو الذي يجوز مخالفته لانه عبارة عن اتفاقهم على عدم رد الحكم المستفاد من النصين المتضادين وان اختلفوا في قبوله الى غير ذلك من الاقوال المتهافتة المخرجة
واما من قال بحجيته فمنهم من قال حجيته عند اصحابنا لكشفه عن دخول قول المعصوم عليه السلام وينبغي الاكتفاء باتفاق جماعة يعلم انهم لا يفتون الا بقول المعصوم لان العبرة بقول المعصوم عليه السلام ليس الا هذا وان لم يكن اجماعا حقيقيا لكنه في حكم الاجماع فالاجماع الواجب الاتباع عبارة عن اتفاق جماعة من خواص الائمة على حكم افتوا به وبصحة روايته وحجيته لكونه مطابقا لقول المعصوم لا لكشفه عن دخول قوله في جملة اقوال المجمعين ثم قال ففي قولنا الاجماع حجة لكشفه عن دخول قول المعصوم عليه السلام مجازات ثلثة ارادة المشهور من لفظ الاجماع وارادة الدليل الظني من لفظ حجة وارادة مطابقته لقول المعصوم (ع) من لفظ كشفه عن دخول قول المعصوم عليه السلام في المجمعين والغرض من اثبات الشهرة بين المتقدمين الاستدلال بها في مادة خالية من النصوص الى ان قال فالحكم اذا لم يرد به نص في الكتب الاربعة وقد نقل عليه الاجماع احد ثقاتنا المتقدمين كالشيخ والسيد يجب العمل به لان ذلك الاجماع لا بد له من مستند من الحديث يقطع به اللبيب الذي لا يشك في عفة ارباب النصوص نعم مع وجود النص يعمل به وان خالفه الاجماع لا لسقوط الاجماع بالمرة بل للتصريح بذكر الامام في الرواية فلا يعارضها مع صحتها الاجماع الذي لم يصرح فيه بذكر الامام عليه السلام كما هو شان اهل التفريع الى ان قال وقد يقال ان معارضة كثير من اجماعاتهم للنصوص الصحيحة لا يدل على ضعف الاعتماد عليها بل ذلك مما يقوي الاعتماد عليها لانه اذا علم عدم غفلتهم عن تلك النصوص الصحيحة الصريحة في خلاف ما اجمعوا عليه بل علم استفاضتها عندهم يحصل من هذا الاجماع المخالف العلم بوصول دليل اليهم يقطع العذر البتة فيحصل من هذا ومما تقدم التوقف في العمل
هكذا ذكره الشيخ الممجد الشيخ محمد بن عبد النبي المقابي البحراني في كتاب له سماه نخبة مختصرة من كتابه الاصول الفقهية زعما منه انه قد اختار فيها الجمع بين الاصوليين والاخباريين وهو صلح بدون رضى الخصمين
وقال الاكثر بحجيته لكشفه عن حقيقة مذهب الحجة (ع) فانا انما اعتمدناه اذا تحققنا ان الحجة قائل بقول المتفقين في ذلك الحكم فاذا كان قوله في جملة اقوالهم من دون ان يتعين ويتميز بعينه لم يحتمل قوله شيئا من الاحتمالات الصارفة عن تعين الحجة كما مر فتعين حينئذ الحجية لوجود المقتضى وعدم المانع بخلاف ما لو تميز قوله بعينه فانه يحتمل الاحتمالات الصارفة عن الحجة بحيث لا يكاد يخلص لذلك الا بالقرائن والامارات كما مر ويأتي فاذا كان كذلك وجبت الحجة والا امتنعت الحجة وسقط التكليف وبيانه انه اذا علم قول الحجة حيث لا يحتمل غير ما يظهر منه فان لم تقم به الحجة والحال هذه لم تقم به حيث يحتمل الاحتمالات الكثيرة غير ما يفهم منه في حالة تمييز كلامه (ع) عن غيره لما ذكروه وسقط التكليف بسقوط الحجة فلما ثبت قيام الحجة بقوله القابل للاحتمالات كان قيامها بقوله الغير القابل اولى واحق وهذا القول هو الحقيق بالتحقيق والاقرب الى سواء الطريق وقد ذكر الشيخ المذكور الشيخ محمد المقابي البحراني في كتابه النخبة قال (ره) الثالث في بيان تأكد حجية الاجماع ولا ريب ان اعتناء سيدنا علم الهدى وشيخنا شيخ الطائفة واساتيدهما بهذه الاجماعات التي دونوها في كتبهم واكثروا منها في تصانيفهم هذا الاعتناء العظيم يدل على اعتناء مشايخهم الاولين بها وشدة اعتمادهم عليها تبعا لامر ائمتهم (ع) بذلك في احاديث عديدة منها قوله (ع) في مرفوعة زرارة خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه وذكر ما في مقبولة عمر بن حنظلة وخبر الاحتجاج والبصائر والاحتجاج ايضا الى ان قال والاحاديث الدالة على حجية الاجماع كثيرة ولو لم يكن حجة في الواقع لوقع النهي منهم عليهم السلام عن الاخذ به كما نهوا عن الاخذ بالرأي والقول بالقياس وامثالهما مما هو معلوم فلا وجه لقول المعاصر انه مخترع بين متأخري اصحابنا كيف واحاديثهم (ع) تنادي بحجيته والامر بالاخذ به بل هم عليهم السلام جعلوه كالمعيار عند تعارض الاخبار ونسبة البدع ( البدعة خ ) والاختراع الى اولئك المشايخ الابدال مما لا يليق بامثاله عند تعصبه في جداله وكيف يجوز لهم ان يخترعوا من تلقاء انفسهم هذه البدعة الردية التي ردوا بها اكثر الاحاديث العلوية في اكثر المسائل الشرعية وانما هذه الاجماعات المنقولة عن ارباب الروايات كانت معمولا بها عندهم في ازمان حضور ائمتهم ثم تلقيت منهم بالقبول عند مشايخ الغيبة الصغرى فاجمعوا على ما اجمعوا عليه الى ان قال والاطلاع على مطابقة قولهم لقوله عليه السلام يعرف بالقرائن المعلومة بالتتبع انتهى
اقول اراد بالمعاصر الشيخ يوسف بن الشيخ احمد البحراني واقول ايضا ان اجري الحكم في المتأخرين كما اثبته في المتقدمين ثبتت عليه حجية اجماعاتهم لانهم استدلوا بها كما استدل المتقدمون باجماعاتهم والا فقد اثبت نسبة البدعة والاختراع الى هؤلاء الاعلام فيقال له ما قال لمعاصره
ثم قال (ره) ما هو في صورة الاجماع في ثلث صور الاولي ان يرى فتوى الصدوقين والشيخين والكليني والسيد واضرابهم في حكم ولم نر به نصا لما بينا من طريقهم فاتفاقهم لا يكون الا عن نص قاطع الثانية ان يرد الحديث ويتكرر في الاصول ولا معارض له فيجب العمل به لانه مجمع على قبوله الثالثة ان يرد حديثان ويعمل باحدهما القدماء دون الثاني فيجب العمل به لان عملهم كاشف عن كون الثاني ورد مورد التقية
اقول هل اخبر الامام عليه السلام بأن هذا الخبر بخصوصه ورد مورد التقية فان كان عندهم نص خاص في بيان ما ورد مورد التقية فكما قالوا وان كان عرفوه بقرينة عمل الفرقة مثلا وانه ( انهم خ ) انما يعملون به للحاجة فما الفرق بين الحالين نعم لا فرق بينهما لذي العينين
قال فتبين من هذا ان اجماعات اصحاب الائمة واجماعات مشايخ الغيبة الصغرى يقطع بكونها مطابقة لنص ائمتهم وان الاجماعات التي ينقلها السيد والشيخ انما هي اجماعاتهم واما اجماعات مشايخ الغيبة الكبرى فلا تفيد القطع بوصول نص اليهم لانهم رضي الله عنهم قد يعملون بدلالة ظنية ويعتقدون ما ليس بدليل دليلا وقد يغفلون عن المعارض وعن المرجح وعن وجه الجمع فاجماعهم لا يوجب القطع بموافقة النص مثل اجماع خواص الائمة الذين حازوا شرف المشاهدة وعلموا عرف ائمتهم بالمشافهة او اصحاب الغيبة الصغرى الذين شاهدوا من شاهد الامام عليه السلام وجعله وكيلا ترد عليه التوقيعات فهم ايضا يعرفون عرف ائمتهم وهم ابعد من الخطأ من المتأخرين بكثير
اقول وقوله واما اجماعات مشايخ الغيبة الكبرى الخ كقوله السابق في التهافت وفيما يلزمه لان قوله فلا يفيد القطع بوصول نص اليهم غفلة عما فعلوا لانهم لا ينقلون الاجماع الا عن المتقدمين او عن السيد والشيخ الناقلين عن المتقدمين فلم يكن له على اجماعاتهم طعن الا بعدم توثيق مشايخ الغيبة الكبرى وان شاء فليقل هذا ان كان اجماعاتهم منقولة واما اذا ( ان خ ) كانت غير منقولة فلا شك انهم لا يدعون الاجماع في مقابلة اجماع ( اتفاق خ ) المتقدمين بل اما ان يكون في وفاقهم الا انهم لم يصرحوا بالاجماع وهؤلاء لما دلت لهم القرائن على دخول قول الامام (ع) في ضمن ما وصل اليهم من المعروف من مذهب المتقدمين صرحوا بالاجماع وادعوه او فيما اختلفوا فيه معهم وهو يعلم انهم لا يختلفون الا لاختلاف الاخبار ولكل نص فاذا ظهر للمتأخرين بالقرائن التي وصلت اليهم كانقراض احدى الطائفتين او عدولها الى قول الاخر او هجران قولها حتى ترك من بعدهم ذلك القول او نظروا في الدليلين حتى ظهر لهم القطع بصحة احدهما بحيث علموا ان قول الامام الذي هو مذهبه هو هذا لا ذلك ادعوا الاجماع لا يقال ان الطائفتين من المتقدمين انما استند كل منهما الى نص صحيح عنده بحيث لا يشك في انه الحق فمن اين ظهر لمن تأخر عنهم يقين انه مذهب الامام (ع) والذين شاهدوه لم يظهروا لهم لانا نقول ان من العلوم ان حكم الله واحد وان احدى الطائفتين مخطئة والائمة اطباء النفوس بما اراهم الله تعالى فلعل ذلك الوقت الذي وقع فيه الخلاف كان المصلحة فيه ذلك ولا يحسن الاجتماع لاحد الاسباب التي اشرنا اليها سابقا لانه (ع) هو الذي خالف بينهم ليسلموا ثم يجمع بينهم اذا زال العذر وفي وقت للمتأخرين لما علم زوال العذر سبب لهم الاجتماع كما هو الواقع لانه وان كان غائبا عن اعينهم فان نوره في قلوبهم وقد وردت النصوص عنهم عليهم السلام انهم ينتفعون بغيبته كما ينتفع الناس بالشمس اذا غيبها السحاب ه بمعنى ان الشمس اذا كانت موجودة الا انها مغيبة تحت السحاب ينتفع الناس بضيائها ويسعون في امور معاشهم كذلك وجوده عليه السلام وان كان مستترا فان نور وجوده وبركة دعائه وتسديده في قلوب اوليائه في كل حين يهجم بهم على الصواب لئلا يرتفع الحق عن اهله فاذا حكم (ره) على ان المتقدمين لا يقولون الا بالنص لزمه على ما قررناه ان المتأخرين يكون اجماعهم مستندا الى النص لان المتأخرين كما ذكرنا لا يجمعون في مقابلة اتفاق المتقدمين بل اما في وفاقهم او عند اختلافهم ومن تذكر تنبيهي هذا ونظر في كتبهم ومذاهبهم ظهر له ما قلت وانما قلت من تذكر تنبيهي لان من الناظرين من تقع في نفسه الشبهة فينظر ملاحظا لها فيختلط عليه الطريق ويفوته بظلمتها نور التحقيق ويلزمه ايضا ان ادلتهم في ذلك لا تكون ظنية بل هي قطعية ولا يلزمنا ما حكمنا به من حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد فانه ظني لما ذكرنا سابقا من ان الظن انما هو في ثبوت نفس الاجماع لا في حجيته ولانه اذا لم يكن ارجح منه تعين المصير اليه فاثمر اليقين لانا قدمنا انه لا يثبت نفس الاجماع الا بما يثبت به حجية خبر الواحد واذا حصل في نقل الاجماع ما تثبت به حجية خبر الواحد لا مناص عن قبوله نعم من لم يعتبر حجية خبر الواحد لم يثبت عنده الاجماع المنقول بخبر الاحاد وايضا الظن المعتبر جعله الشارع (ع) في احكام الفقه امارة لحكمه ومناطا لتكليفه اذا لم يحصل اليقين كما في باب السهو والدعوى المظنونة واللوث والشهادات وغير ذلك ولهذا كثيرا ما يقولون الفقهاء رضوان الله عليهم المرء متعبد بظنه ولقد اخبرني من اثق به وبخبره عن بعض العلماء المطلعين على الاخبار انه متن حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وانه رواه ابن ابيجمهور الاحسائي في غوالياللئالي الا اني تتبعت كثيرا منه فلماقف عليه وبالجملة فالعمل بالظن اذا لم يحصل اليقين مما لا ينبغي ان يتوقف فيه وقوله وعلموا عرف ائمتهم (ص) مثل ما قبله فان المتأخرين عرفوا كذلك بتعريف من تقدمهم وبما وصل اليهم منهم من البيان فقد حازوا علم من قبلهم وزيادة كما قلنا سابقا قوله او اصحاب الغيبة الصغرى الذين شاهدوا من شاهد الامام (ع) كذلك لانه ان كان لقاء من لقي كافيا فلا فرق بينهم والا فلا الا ان يقال ان اصحاب الغيبة الكبري ليسوا ممن يعتبر قولهم لعدم معرفتهم وعدم ثقتهم فينقطع الكلام
قال (ره) والحاصل ان الاجماعات المنقولة في كتب المتأخرين ان دلت القرائن على ثبوتها بأن كانت على حكم ضروري الثبوت كوجوب الصلوات الخمس او وافقت احدى الثلث المذكورة
اقول يريد بالثلث ما مر في كلامه وهو اجماع المسلمين واجماع الفرقة المحقة والاجماع الموافق للنصوص المتواترة
قال فهي حق وان كانت نقلا عن القدماء ولم يكن هناك مخالف فهي حجة ايضا ومع وجود المخالف ينظر فيها وكثيرا ما ترى من المتأخرين يخطي بعضهم بعضا في نقل الاجماع وينقلون خلافه ومن غفلاتهم انهم يعارضون الخبر باجماعهم الذي يدعونه مع ان نسبة الاجماع الى قول المعصوم عليه السلام اجمالية ونسبة الخبر الى قول المعصوم عليه السلام تفصيلية وبينهما بون بعيد فان قيل نسبة الخبر اليه (ع) في ضمن الاجماع قطعية وفي ضمنه ظنية اجيب بأن هذا انما يصح لو قطع باشتمال الاجماع على قول المعصوم عليه السلام وقد عرفت ان اجماعاتهم مجرد دعاوي ولم تثبت مع المخالف نصا او فتوى ولو استندت الى نص لظهر لتوفر الدواعي على نقله ولو صحت لزم تفسيق المخالف وهم لا يقولون به فتبين من هذا ان اجماعات المتأخرين غير ثابتة على الوجه المعتبر عند الامامية فينبغي الاعراض عما لم يثبت منها والعمل بالنص الثابت
اقول ما ذكره في اجماعات المتأخرين جار في اجماعات المتقدمين لانا نقول وهو ايضا يقول به ان كانت اجماعات المتقدمين على حكم ضروري الثبوت كوجوب الخمس الصلوات او وافقت احدى الثلث المذكورة فهو حق وان كانت نقلا عمن قبلهم كما في حق اصحاب الغيبة الصغرى او السيد والشيخ اللذين قبل منهما ولم يكن هناك مخالف فهي حجة ايضا ومع وجود المخالف ينظر فيها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة واما قوله وكثيرا ما ترى من المتأخرين الخ فهو جار فيمن سبق فهذا الشيخ والسيد ومن عاصرهما يفعلون كذلك حرفا بحرف بل ذكر هو قد ذكر ان السيد قد نقل الاجماع في تسع مسائل ولا قائل بها غيره واعتذاره عن السيد بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود جار في المتأخرين بالطريق الاولى ووجه الاولوية ان من يعتبر قوله في المتقدمين لا يكاد يخفى لقلتهم بخلاف المتأخرين لكثرتهم قوله ومن غفلاتهم الخ غلط لان هذا في الحقيقة من انتباهاتهم وكمال تذكرهم لان الخبر ان كان خبر احاد فلا ريب في انه لا يصادم الاجماع بقول مطلق لقطعية الاجماع وظنية الخبر اذ لا يقابل اليقين بالشك والظن اذا قابل اليقين كان شكا كما في صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام كما في باب الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل ان يعلم من كتاب الاستبصار نعم لو عارض الاجماع المنقول بخبر الواحد خبر الواحد واعتدلت فيهما الشروط قيل انه بحكم خبر الواحد والحق انه حينئذ مقدم على خبر الواحد لقطعية دلالته وظنية دلالة خبر الواحد ما لم يكن منقول المحصل الخاص كما مر والا فهو كخبر الواحد لامكان قيام الاحتمال لغير المحصل بكسر الصاد ولاحظ ما سبق وقوله ان نسبة الاجماع الى قول المعصوم عليه السلام اجمالية ونسبة الخبر الى قول المعصوم عليه السلام تفصيلية ليس بشيء واي اجمال مع القطع بأن هذا قول المعصوم عليه السلام وان هذا المعنى هو مراده واي تفصيل بالنسبة الى الخبر مع عدم القطع بأن هذا قوله (ع) ولو فرض ثبوت القطع لم يثبت القطع بالمعنى المراد منه لاحتمال ارادة احد المعاني المحتملة المشار اليها سابقا وقوله في الجواب انما يصح لو قطع باشتمال الاجماع على قول المعصوم عليه السلام مردود بانه لم يتحقق الاجماع الا بذلك ولا يدعون الاجماع الا اذا قطع بدخول قول المعصوم عليه السلام والا فلا الا مجازا كما يطلق بعضهم الاجماع على مجرد الشهرة مجازا لتقوية الدليل لا لكونه اجماعا حقيقة الا على النحو الذي قررنا سابقا وليس اجماعاتهم مجرد دعاوي كما زعم بل هي جارية على ما ينبغي وعدم معرفة بعض لمرادهم ليس واردا علينا وقد استندت الى نص ظاهر ولكنه لا يعرفه ولا يعرف ظهوره الا من كان من اهل الاستنباط والاستيضاح وقد ثبتت مع وجود المخالف كما وقعت على ما يقوله هو في السيد في التسع المسائل مع عدم الموافق ولا يلزم من صحتها تفسيق المخالف لها كما كان ذلك في المتقدمين ما لم يكن الخلاف بعد استقرار المذهب على قول او قولين بحيث دل الدليل على انحصار الحق فيه او فيهما ولو بعدم وجود مخالف على الحقيقة في آن من الآنات فان الاجماع عندهم كذلك يدعي مع وجود المخالف ولا يلزم تفسيقه عنده كما في بايهما اخذت من باب التسليم وسعك قوله فتبين الخ مردود بما ذكرنا غير مرة فاقول فتبين من هذا الذي ذكرناه هنا وسابقا ان كل اجماعات المتأخرين ثابتة على الوجه المعتبر في الاجماع عند الشيعة من انه كاشف عن دخول قول المعصوم عليه السلام لا ( الا خ ) انه عبارة عن الاتفاق كما هو مذهب المخالفين وقوله فينبغي الخ جواب فينبغي التأمل والانتباه والانصاف
قال (ره) الرابع في بيان ان السيد والشيخ (رض) انما ينقلان اجماعات من تقدم عليهما من اصحاب الائمة عليهم السلام او من اصحاب الغيبة الصغرى وذلك اما ان يكون بطريق النقل اليهما عن مشايخهم خلفا عن سلف او بطريق الاستقراء لمصنفاتهم وذلك امر متيسر في زمانهما لان تلك الاصول التي عليها المعول في الزمن الاول اكثرها موجود في زمانهما مشهور في وقتهما اشتهار كتب فقهائنا في زماننا ومذاهب اربابها تعرف من رواياتهم فيها ان لم تكن فتاويهم مودعة في كتبهم ومستندات اجماعاتهم ومشهوراتهم موجودة في تلك الاصول واطلاع السيد والشيخ عليها سهل المأخذ فدعويهما الاجماع من نقلة الاخبار على العمل بذلك الحكم مما لا ريب في وجوب العمل به لتنزههم عن الفتوى بغير ما يحكم به الامام بل اصولهم لا توجد فيها فتاويهم على ما قيل وانما هي اخبار محضة على الظاهر وغاية الامر ان مذاهبهم تعرف من اخبارهم فاذا كنا نعمل بخبر الواحد منهم فكيف لا نعمل بالخبر المجمع عليه عندهم او المشهور بينهم ولو فرض ان الاستقراء الذي افاد الاجماع حصل لهما من تتبع كتب الاصول والفروع لم يزدد الاجماع الا قوة
اقول اعتماده (ره) على نقل السيد والشيخ لاجماعات اصحاب الائمة عليهم السلام واصحاب الغيبة الصغرى لنقلهما عن مشايخهما خلفا عن سلف او لاستقراء كتبهم وذلك متيسر لوجود الاصول التي عليها المعول ومذاهب اربابها معروفة من رواياتهم يوجب عليه ان يعتمد على نقل المتأخرين الا ان يحكم بفسقهم فيتبين لنبأهم او يحكم بجهلهم وعدم معرفتهم وذلك لان ما نقله الشيخ والسيد واودعاه في كتبهما ان كان حقا فما نقله المتأخرون عنهما حق لانهما لم ينقلا عن المتقدمين الا ما صح لديهما ولم ينقل المتأخرون عنهما الا ذلك لان كتبهما ومذاهبهما معروفة عندهم وان كان هؤلاء بالواسطة فهما ايضا بالواسطة وان كان ما نقله المتأخرون باطلا فانهما نقلوا احكامهما ومذاهبهما وما صح عندهما فلا فرق بينهما في كل حال الا ان يطعن على المتأخرين كما هو شانه عفى الله عنه في التعريض بهم حيث يقول في حق نقلة الاخبار لتنزههم عن الفتوى بغير ما يحكم به الامام عليه السلام وبالجملة فالفارق مكابر الا ان يلتجأ الى الوقيعة
قال (ره) نعم لو فرض انهما ينقلان الاجماع من تتبع كتب الفروع مثل كتاب ابنالجنيد وكتاب ابن ابيعقيل وغيرهما ان وجد لهما ثالث قبل الشيخين لزم ان يكونا مقلدين لغيرهما من اصحاب كتب الفتاوي وهما بمعزل من ذلك فان الشيخ انما يفتي بالرواية وان صنف في الاصول للنحو الذي ذكرناه والسيد انما يعمل بالروايات القطعية دون غيرها
اقول اما قوله في ابن ابي عقيل وابن الجنيد فهو خلاف ما هما عليه فان من تتبع كتب الاصحاب وكتبهما وجد انهما غالبا انما يقولان بالرواية حتى لا يكاد يوجد لهما قول الا والنص في الظاهر مساعد عليه فلو كان كما يقوله من ان المدار على مجرد الاخذ عن الرواية لكان عنده ان الاخذ بقولهما والنقل لمذاهبهما اولى من مذاهب الفضل بن شاذان ويونس بن عبدالرحمن ولكن لما كان طريقهما في نقد ( نقل خ ) الاخبار غير طريقة المتأخرين اختلفت اقوالهما وكانا في كثير من الفتوى كمذاهب العامة لجمودهما على الروايات وان كانا لا يوردان متون الاخبار الا ترى ان ابن ابي عقيل في كتابه يقول ان حكم المسئلة الفلانية مثلا عند آل الرسول صلى الله عليه وآله كذا وابنالجنيد لا تكاد تجد له قولا الا عن نص واما السيد المرتضى فانه صاحب التفاريع التي لا تكاد في كثير منها تدل عليه الاخبار ولا تشير اليه الا على النحو الذي ذكره المتأخرون وابعد مثل مسئلة الورود في حكم النجاسة فانه قال ما مر لا اعرف نصا لاصحابنا ولا قولا صريحا والشافعي يفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه الى ان قال ويقوي في نفسي عاجلا الى ان يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب اليه الشافعي والشيخ (ره) في المبسوط بل وفي غير النهاية من كتبه ذكر فروعا لا يكاد يوجد عليها دليل بعبارة ولا اشارة ولا عموم ولا اطلاق الا على النحو الذي قرره المتأخرون شكر الله سعيهم الذين وقع فيهم هذا الشيخ فان من سلك مسلكهم لا يكاد بل لا توجد مسئلة من فروعهم الا ولها دليل من الكتاب والسنة من عموم يشملها او اطلاق يتناولها لا يقال ان الشيخ (ره) انما وضع المبسوط هكذا لما قيل له ان الجمهور لهم فروع في المسائل وانتم معاشر الشيعة ليست لكم تلك الفروع وليس عندكم كتاب مبسوط وانما اغلب ما عندكم رسائل او مثلها فصنف كتاب المبسوط مجاراة للعامة واغلب فروعه تبعا لهم لا انه وقع منه على سبيل الحكم والفتوى لانا نقول ان كلامه في اول المبسوط يأبى ذلك لانه قال في اوله ان اعمل كتابا في الفروع خاصة ينضاف الى كتاب النهاية ويجتمع معه يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج اليه الى ان قال فعدلت الى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلها الفقهاء الى ان قال واقول ما عندي فيه على ما يقتضيه مذاهبنا وتوجيه اصولنا بعد ان اذكر جميع اصول المسائل واذا كانت المسئلة او الفرع ظاهرا اقنع فيه بمجرد الفتيا الى ان قال واذا كانت المسئلة او الفرع مما فيه اقوال العلماء ذكرتها وبينت عللها والصحيح منها والاقوى وانبه على وجه دليلها لا على وجه القياس الخ وهذا الكلام دليل على اعتماده على ما فيه مع ان اكثر فروعه لا دليل عليها ظاهرا وقوله (ره) فان الشيخ انما يفتي بالرواية وان صنف في الاصول يرده قول الشيخ وفعله في كتبه خصوصا المبسوط وكلامه في اوله والسيد فيما ذكره في حقه من انه انما يعمل بالروايات القطعية الخ يرده قوله وفعله بالطريق الاولى كما سمعت ويأتي فان كان ما حكما به مما لم يرد فيه نص مقبولا لانه راجع الى النص فالمتأخرون كذلك وان كان لحسن الظن فيهما بانهما لا يحكمان الا بالنص ولكن لم يصل الينا فكذلك المتأخرون على ان السيد صرح في مسئلة الورود بعدم النص ولكن الاولى لهذا الشيخ ان يقول ما نقبل من المتأخرين حقا ولا باطلا والسلام
قال (ره) والعجب من بعض معاصرينا يزعم انهما ( انما خ ) ينقلان اجماعات علماء زماننا وهو سهو ظاهر وكيف يمكنهما معرفة اجماع واحد على مسئلة واحدة بل مشهور واحد بينهم وهم متفرقون شرق الارض وغربها بل لو ارادا معرفة مشهورات بلدة واحدة لم يتأت لهما ذلك نعم يمكنهما الاطلاع على اجماعات من قبلهما بطريق النقل او بطريق الاستقراء وكلا الطريقين مفقودان في اجماعات اهل زماننا هذا
اقول الحق التوسط لا افراط ولا تفريط لان السيد والشيخ ينقلان اجماعات من قبلهما كما يقول بالطريقين وينقلان اجماع اهل زمانهما بالاستقراء وبالتسامع كما مر القول عن العلامة اعلى الله مقامه اما الاستقراء فكما مر في بحث الاجماع المحصل ويكون الاجماع محصلا عاما او خاصا كما فصل سابقا وكذا ما بالتسامع ولا امتناع فيه ولا بعد انهم يرونه بعيدا ونريه قريبا وراجع ما مر واما حكمه بالامتناع فبناء على انه لا يمكن معرفة دخول قول الحجة عليه السلام الا بالاحاطة على الجميع وهذا ما اشبهه بقول الجمهور الذين لا يثبت عندهم الاجماع الا بالاتفاق واما معشر الشيعة الذين يقولون انه يمكن اثباته في اثنين اذا علم ان احدهما الامام فلا يصعب عليهم ولا امتناع فيه وانما المدار على المعلومية بمذهب الحجة (ع)
تذنيب - اعلم ان هذا الشيخ المشار اليه ذكر في نخبته حجج المخالف في حجية الاجماع واجاب عنها واحب ان اختصرها واضيف اليها ما يسنح بالبال مما يكون حجة على من طعن في الاجماع
قال (ره) وللمخالف في حجية الاجماع اعتراضات لا بأس بايرادها والجواب عنها منها ان السيد نقل الاجماع في تسع مسائل ولا قائل بها غيره والجواب ان عدم وجدان القائل بها من قدمائنا لا يدل على عدم وجود القائل بها منهم واما عدم وجود قائل بها من المتأخرين فغير مضر بالاجماع لان المتأخرين عن الشيخ لم تكن لهم همة في العمل بغير قول الشيخ لانهم اما مقلدون او ناقلون عنه على ما قيل فاقوال السيد التي لم يقل بها الشيخ صارت مهجورة وان كانت من قبله مشهورة ولعل هذه المسائل التسع منها وربما اتفق المتأخرون على حكم لم يقل به احد من المتقدمين كما قيل به ايضا ومن ثم كانت اجماعاتهم تجوز مخالفتها
اقول وقدمنا تنبيها ينبغي لمن يحب الاطلاع على اسرار التكاليف التي بها قام النظام ان يراجعه ويتفهمه ولنذكر من مثله كلمات فنقول اعلم ان العلم هو الذي يقوم به النظام وعليه دارت الافلاك وهو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي وهذا ظاهر لكنه لا يقوم ولا يتحقق الا بالعمل قال عليه السلام العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل ولاجل ما ذكر قال صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة فاذا كان قول في الفرقة المحقة ولم يكن له مخالف علم انه حكم الله ولا يجوز ان يكون باطلا الا ويوجد في مقابلته قائل مصيب للحق لئلا تجتمع الفرقة المحقة على الباطل ولا يرتفع الحق عنهم فيبطل النظام لارتفاع العلم الذي هو حيوة كل شيء واذا كان قول ثم انقطع وارتفع دل انقطاعه على بطلانه وعلى وجود قائل بالحق لانا وجدناه انقطع والنظام قائم والافلاك تدور فعرفنا وجود حيوة النظام وهو العلم هذا فرض المسئلة والا فلا يكون قول مسكوت عن خلافه لا بعبارة ولا باشارة لا علما ولا عملا الا وهو حق فان كان باطلا في نفس الامر فلا يسكت عنه ولاحظ بيان هذا في بحث الاجماع السكوتي فقول السيد في هذه التسع ان كانت حقا فلا بد من قائل بها قبله الا ان تكون في واقعة متجددة لم تقع قبل ولا بد من قائل بها بعده لئلا يرتفع الحق الا ان يرد عليها نسخ ولا نسخ ظاهرا في سلطان الولاية لان النسخ مختص بسلطان النبوة ومن التسع المدعي عليها الاجماع ولم يقل بها قائل حكمه بوجوب رفع اليدين عند التكبير على ما ذكره في الانتصار وعبارته هكذا ومما انفردت به الامامية القول بوجوب رفع اليدين في كل تكبيرات الصلوة ويحتمل ارادة المعنى اللغوي من الوجوب وهو الثبوت ويحتمل عدم ارادة الاجماع بل المراد ان فيهم من قال بذلك وان كان واحدا ولم يقل بذلك احد من الجماعة وهذا لا يدل على الاجماع ولا على الحقية وبالجملة فالقول المنقرض باطل وقوله (ره) واما عدم وجود القائل بها من المتأخرين فغير مضر بالاجماع يريد به انه لم يقل بذلك احد من المتأخرين وظاهره ( الظاهر خ ) الجزم بعدم القائل فنحن نقول له مناقضة من اين امكنك العلم بعدم القائل مع ان انتشار العلماء في زمنك اشد من انتشارهم في زمن العلامة والشهيد الاول فاذا كان امكنه العلم بعدم القائل الذي هو من قبيل شهادة النفي امكن من قبله العلم بقول القائل والاطلاع على ما يتحقق به الاجماع بالطريق الاولى واما قوله غير مضر بالاجماع فغير مضر بالاجماع لانا قررنا انه اذا انقطع القول تبين فساده فاذا لم يقل به قائل من المتأخرين ولم يكن الحكم منسوخا تبين بطلانه لان الحق لا يرتفع عن الفرقة المحقة وقوله معللا لان المتأخرين عن الشيخ الخ عليل وهو يشير الى ما ذكره الشهيد الثاني (ره) في درايته في العمل بخبر الواحد حيث قال فالعمل بمضمون الخبر الضعيف على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقق ولما عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية جاء من بعده من الفقهاء وتبعه منهم عليه الاكثر تقليدا الا من شذ منهم ولم يكن منهم من يفسر الاحاديث وينقب عن الادلة بنفسه سوى الشيخ المحقق ابنادريس وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقا فجاء المتأخرون بعد ذلك ووجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لامر ما رؤه في ذلك لعل الله يعذرهم فيه فحسبوا العمل به مشهورا وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه ولو تأمل المنصف وحرر ( حرز خ ) المنقب لوجد مرجع ذلك كله الى الشيخ ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف ومن هنا يظهر الفرق بينه وبين ثبوت فتوى المخالفين باخبار اصحابهم فانهم كانوا منتشرين في اقطار الارض من اول زمانهم ولم يزالوا في ازدياد وممن اطلع على اصل هذه القاعدة التي بينتها وتحققتها من غير تقليد الشيخ الفاضل المحقق سديد الدين محمود الحمصي والسيد رضى الدين بن طاووس وجماعة قال السيد (ره) في كتابه البهجة لثمرة المهجة اخبرني جدي الصالح ورام بن ابي فراس قدس الله روحه ان الحمصي حدثه انه لم يبق للامامية مفت على التحقيق بل كلهم حاك وقال السيد عقيبه والان قد ظهر ان الذي يفتي به ويجاب عنه على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين انتهى وقد كشفت لك بذلك بعض الحال وبقي الباقي في الخيال وانما يتنبه لهذا المقال من عرف الرجال بالحق وينكره من عرف الحق بالرجال ه اقول انما نقلت هذا بتمامه وليس هذه الرسالة موضعه بيانا لاشارة الشيخ اليه في نخبته ولاشير بعده في كلمات الى عدم صحة هذا الكلام وهي ان الذي دلت عليه الاخبار المتواترة معنى ان الارض لا تخلو من حجة ما دام التكليف وانه مسدد للفرقة المحقة كما ذكرنا آنفا وانا مكلفون بطلب العلم ولا سبيل لنا اليه زمن غيبة الحجة الا اثار اهل العصمة وهي سواد في قرطاس واثار وسائطهم سواد في بياض في كتبهم واثارهم هي اخبار وسائط الائمة (ع) ووسائط وسائطهم فاذا بذل المكلف بمعرفة احكام الشريعة جهده واستفرغ وسعه ونظر في اثار اهل العصمة (ع) واثار وسائطهم ليعرف ما اتفقوا على صحته او على قبوله او اختلفوا فيه او اتفقوا على رده والحجة (ع) بين ظهراني شيعته بالتسديد وان غاب بجسده فهو حاضر بنوره وببركته فلا بد ان يصيب ما يخرج به عن التقصير فيما كلف به لنفسه ولمقلديه وليس عليه اكثر من هذا بأن يبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فيأتي باية وليس له ان يخرج عما اتفق عليه الفرقة المحقة ويتفرد بالقول فان من شذ شذ الى النار فيما اختلفوا فيه لا بد ان يكون قوله موافقا لقول احد منهم في كل مسئلة جرى بحثهم فيها لما قلنا سابقا فلا يضر من اتى بعد الشيخ ان يوافقه او يخالفه اذا سلك سبل ربه كما قلنا فاعتراض الشهيد (ره) ونقله لهذا الكلام مدخول لا وجه له وان ابي الا ان يكون له وجه فهذا شرحاللمعة له والمسالك فان عباراتهما مشحونة بعبارات الدروس والقواعد وغيرهما نقل المسطرة ولقد تتبعت كثيرا من كلامه ومن كلام غيره ايضا ولم اعترض عليه كما اعترض على غيره ولقد اعترض عليه وعلى غيره بعض الناس حال المباحثة فاجبته عنه وعنهم بمثل هذا الجواب فجوابه عن نفسه جوابنا عمن اعترض عليهم بل لو قيل بانه اكثر ملامة لم يكن بعيدا لان غيره لم يعترض بما يلزمه وهو مع دقة نظره وسعة دائرته وشدة تنقيره ( تنظره خ ) لا سيّما في شرح اللمعة ( فانه خ ) قد افتى في مواضع نفي فيها وجود النص مع وجوده كما في حكاية الاذان وكما في من عقد على ذات البعل هل تحرم ام لا فانه نفي وجود النص فيها والشيخ (ره) عقد لها بابا في الاستبصار قال باب ان الرجل يتزوج بامرءة ثم علم بعد ما دخل بها ان لها زوجا ه فان لقائل ان يقول لولا انه يقتصر على كلام بعض المصنفين او نقلهم من غير مراجعة لادلة المسئلة في مظانها فان مظانها الكتاب والسنة والحجة منها من دليل عقل او اجماع لم ينكر وجود النص في عدة مواضع كلها موجود فيها المعتبر المعمول به حتى منه فانه في الكتاب المذكور ذكر فيها وجهين واختار انها كذات العدة الرجعية والنص موجود ونفاه ولكنا لا نحمله على ما حمل عليه الاصحاب بل نقول لعله لم يعتمد على الدليل لضعف سنده وبالجملة فالاشكال يجري على الاكثر من كل من نظر الا من عرف ما سمعت من النظر الى سر التكاليف والاولى بكل احد انه كما يخاف ان يلام لا يلوم كما في قوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا فالعلماء شكر الله سعيهم وهو منهم اجل شأنا من ان يكونوا مقلدين فيما تحملوا ولكن ورد في الحديث عنهم عليهم السلام لو علم الناس كيف خلق الله هذا الخلق لم يلم احد احدا ه ولله در الشاعر حيث يقول :
لو كنت تعلم كل ما علم الورى طرا لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب كل مني هوى بغير هواك غير العالم
اللهم اغفر لي ولا تؤاخذني باسوء عملي اللهم اغفر لنا ( وارحمنا خ ) ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤف رحيم ونقول قول سديد الدين الحمصي انه لم يبق للامامية مفت على التحقيق الخ كلام ليس بشيء بل كل العلماء المعروفون مفتون على التحقيق وان حكوا الفاظ من قبلهم فحاشاهم ان يكونوا قلدوهم ولكن العبارات الفاظ اهل الاصطلاح فيسهل التفهيم بها والتفهم والتأليف ولا بأس بذلك ولو كانوا حاكين عمن قبلهم لماجاز تقليدهم والاخذ عنهم لانهم ليسوا باهل الذكر ولا نقلهم عمن قبلهم لانهم اموات واذا مات العالم مات علمه لقوله عليه السلام انظروا الى رجل فهذا التكليف جار لكل مكلف ان ينظر الى رجل في عصره يمكنه لقاؤه وقول عليّ عليه السلام كذلك يموت العلم بموت حامليه ( حامله خ ) فاذا كان الحال هذه وجب على الحجة عليه السلام ان يخرج والا يرتفع التكليف لئلا يلزم المحال فلما لم يظهر والتكليف باق اتفاقا عرفنا انه قد اقرهم على ذلك فهم مفتون على الحقيقة ولا يصح ان ينسب اليه تقصير فيما يراد منه لانه (ع) انما جعل في الارض خليفة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم على ان من بعد الشيخ وجدناهم ما بين قائل بقوله حيث ساعد الدليل وبين مخالف له ناقض لكلامه وفي الحقيقة لم يتبع الشيخ منهم احد ولم يوافقه منهم احد ولم يخالفه وانما قولهم دائر مدار الدليل اذ ليس الحق محصورا في خلافه ولا في وفاقه ونرجع الى كلام الشيخ محمد في نخبته فقوله (ره) فاقوال السيد التي لم يقل بها الشيخ صارت مهجورة وان كانت من قبله مشهورة ولعل هذه المسائل التسع منها مثل اقواله السابقة في عدم الاستقامة لان التي هجرت فلم يقل بها احد انقطعت وقد دل الدليل على بطلان المنقطع فيكون عدم القائل بها دليلا على بطلان ذلك الاجماع فيكون السيد انما ادعى الاجماع المحصل الخاص وهو كما مر ليس بواجب الحجية على غير محصله ولا بلازم الدوام فدعوى السيد في الاجماع حق في حقه وان كان باطلا في نفس الامر بمعنى ان دخول قول المعصوم في جملة اقوال من اعتبر قولهم السيد اما ان يكون دخولا في حكم في واقعة او انه قائل باقرب الاحكام الى الحكم الواقعي حتى زال اوانه لا يقال ان هذا الوجه قول بالنسخ وليس بجار بعد انقطاع الوحي وارتفاع حكم ظاهر النبوة لانا نقول ان ذلك لا يجري على ما يعرف لان اخبارهم وافعالهم (ع) مقررة لما استقر من السنة النبوية على سانها افضل الصلوة والسلام وانما يجري على ما يخفى ولا يظهر اثره الا في اختلاف الفرقة المحقة في مشهوراتهم واجماعاتهم المتبدلة والمتعاقبة على اختلاف الازمان فقد يكون المشهور في العصر الاول غير مشهور في العصر الثاني بأن تنعكس الشهرة او تنقرض احديهما اذا لم يدل الدليل على حجيتها كما مر وقد يكون في الاول والثاني سواء او شهرتان في وقت ( واحد خ ) بحيث يحصل من كل منهما قوة الظن وتفيدان التوقف ثم يحصل الترجيح وربما كانت واحدة وربما كانت اجماعا مركبا كما اذا دل الدليل على انحصار الحق فيهما وربما كانتا اجماعا بسيطا وبالجملة فالاصل في التكليف في جميع الاحكام الحكم الوضعي هذا في القدر الالهي ثم الاقتضاء في حكم القضاء الالهي على نحو ما قيل في بعض اقسام الوضع من ان الوضع عام والموضوع له خاص لان السبب فعل والفعل مقدم على الانفعال الذي هو الاقتضاء نعم قد يتأخر ظاهرا اثر السبب عن اثر المسبب لتوقف الاحساس به عليه وبالجملة فيكون النسخ فيما يخفي بحيث لا تناط به احكام وانما تناط بما يظهر لان فرضنا في معرفة الاحكام واستنباطها ان نجري كما امرنا به على ما جري علماء الفرقة عليه والعدول عنه عدول الى الباطل لما قلنا من استقامة النظام عليه وعدم ارتفاع الحق عن اهله ولو كان ما عليه العلماء شكر الله سعيهم باطلا لبطل النظام لارتفاع العلم ووجب على المستتر عليه السلام الخروج واما ما يخفي فليس علينا تدبيره وليس لنا الالتفات اليه بمعنى مبني بعض الاحكام عليه لا بمعنى معرفته فان الاطلاع على معرفة مثل ذلك نور وشفاء لما في الصدور ولهذا كان هذا الشيخ المذكور لما لم يكن له ميل الى معرفة ذلك ولم يسلك طريقة العلماء قال ما قال زعما منه تغمده الله برحمته انه عرف الحال وهو مقرون بالتمييز وليس كذلك لا يقال :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
لانا نقول :
اذا انبجست دموع من عيون ( في خدود خ ) تبين من بكا ممن تباكا
قوله وربما اتفق المتأخرون على حكم لم يقل به احد من المتقدمين الخ مردود ممنوع لانا لا نسلّم ذلك الا في مسئلة لم يجر لها حكم في المتقدمين او لم يستقر فيها قول منهم فان ذلك جائز بلا اشكال واما ان يكونوا متفقين على خلاف ما اتفق عليه المتقدمون فدون تسليمه وتبيينه خرط القتاد ولهذا قلنا ان اجماعات المتأخرين لا يجوز مخالفتها ولو كان الامر كما توهم لجاز مخالفتها كما يقول لكنه مردود ممنوع
قال (ره) ومنها ان السيد لا يعتمد على المراسيل واجماعاته لا تخرج عنها لان مستند اجماعاته اما للحصر والاستقراء لاقاويل العلماء وهذا متعذر تحصيله او النقل من الغير فيدخل في المرسل ( المراسيل خ ) فكيف يجوز له العمل بها مع استلزامها اطراح صحاح الاخبار والجواب انها انما تكون من المراسيل اذا كانت على سبيل النقل من المتقدمين بسند منقطع والظاهر خلافه فانه يدعي قطعيتها بل يدعي ان معظم الفقه عنده معلوم بالضرورة فيكون طريق معرفة الاجماع عنده انما هو العقل لا النقل كوجوب الصلوة والزكوة ونحو ذلك وجزمه بها مثل جزم الصدوق بالخبر حيث يقول قال الامام كذا فيدخل في باب المسانيد لجزمهما بذلك
اقول في الاعتراض على قوله واجماعاته لا تخرج عنها منع اذ لا نسلّم ذلك ولا سيّما على رأي من يشترط في النقل الاطلاع الابتدائي كما ان الظاهر ان الواقع كذلك وان توهم خلافه فلا ارسال في شيء من اجماعاته والحصر والاستقراء بالقدر الذي يتأدى به المطلوب غير متعذر كما مر والنقل يعتبر فيه الاطلاع الابتدائي بمعنى انه ينتهي اليه فلا يكون شيء من مستندات اجماعاته مرسلا بل جرى في ذلك على اصله من عدم جواز العمل بخبر الواحد ( الاحاد خ ) وفي الجواب ان تعليله بقوله فانه يدعي قطعيتها عليل اذ ليس كل من ادعي شيئا سلم له لاجل انه يدعي ذلك وقوله بل يدعي ان معظم الفقه عنده معلوم بالضرورة فيكون طريق معرفة الاجماع عنده انما هو العقل لا النقل الخ مثل سابقه فان كان دعواه قطعية الاجماعات مقبولة فدعوى المتأخرين قطعية الاجماعات مقبولة اذ لا فرق وان كان لانه لا يقبل الا المتواتر ولا يعمل باخبار الاحاد فلهذا قبل اجماعاته فممن تأخر عن الشيخ كابنادريس لا يعمل باخبار الاحاد ويدعي قطعية اجماعاته بل معظم الفقه كالسيد حرفا بحرف فهل تكون اجماعات ابن ادريس حجة فان قبلها هذا الشيخ فنحن نرضى بكل ما يفعل لكنه لا يقبلها
قال (ره) ومنها ان اجماعاتهم تخالف صحاح الاخبار بالاصطلاح الجديد والجواب انه لا حرج في ذلك بعد ما عرفت ان منشأ اجماعاتهم انما هي صحاح الاخبار بالاصطلاح الاول وهم اعرف من غيرهم بكثير والصحيح ما صححوه وان كان ضعيفا بالاصطلاح الحادث والضعيف ما ضعفوه وان كان صحيحا بالاصطلاح الحادث
اقول مراد المعترض ان الاجماعات اذا اعتبرت انما كانت حجة اذا تضمنت الخبر الصحيح واذا عارضها الخبر ( الصحيح خ ) لم تكن حجة لان دلالة الاجماع على قول المعصوم ( الامام خ ) عليه السلام وحكمه اجمالية ودلالة الخبر على ذلك تفصيلية ولا ريب في تقديم المفصل على المجمل ونرى اكثر الاجماعات تعارضها الاخبار الصحيحة على ما اصطلح عليه المتأخرون فتكون الاجماعات باطلة حينئذ وهذا الكلام مبني على طريقة اهل الاخبار والجواب يتجه على ظاهر ذلك ولا يبعد انه (ره) اورده واجاب عنه على طريقتهم واما على ما قررناه فانها انما كانت حجة لاشتمالها على قول الحجة الصحيح الصريح الذي لا يحتمل غير ما يظهر منه اشتمالا قطعيا لا يحتمل النقيض فاذا عارضها الخبر الصحيح كانت اولى بالعمل بمقتضاها لان الاجماع خبر صحيح صريح واجب الاتباع لازم العمل بمقتضاه بخلاف الخبر فانه وان كان صحيحا باعتبار سنده لكنه لا يمنع النقيض لا في صحة الورود ولا العمل ولا في الدلالة فلا يعارض الاجماع وراجع ما مر وقوله في الجواب وهم اعرف من غيرهم بكثير والصحيح ما صححوه بناء على طريقته لانه اعرض عن الجواب بنحو ما قلنا من ان الاجماع انص واخص واصح من الخبر لانه لا يرى ذلك نظرا الى ما قرر من ان الصحيح ما صححه المتقدمون واما التصحيح بالاصطلاح الجديد فليس بشيء ولا بمعتمد وهو غلط وعدم معرفة بطريقة المتقدمين على الحقيقة وان توهم ما توهمه كثير من العلماء ولا ببيان ( وبيان خ ) ما اشرنا اليه من ان الاصطلاح الجديد معمول به عند المتقدمين في اكثر المسائل الا انه غير مدون فلما دونه المتأخرون شكر الله سعيهم عابوا عليهم وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ومعنى البيان ان جهات الترجيح للاخبار كثيرة ليست بنحو واحد وذلك انهم مرة يرجحون عند التعارض بمطابقة الخبر لعمل الفرقة او للكتاب او للسنة او لخلاف العامة او لتكرره في الكتب ( كتب خ ) الاصول او لشهرته او لصحة رواته وثقتهم فانهم كانوا يعتمدون على رواية مثل زرارة ومحمد بن مسلم وليث المرادي وبريد وباقي من اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ومن معاني ما يصح عنهم ان ما صحت روايته عنهم بنقل الثقات فقد اجمعوا على تصحيح وروده او العمل به ونظير ذلك النجار فان عنده القدوم والمنشار والمبرد والمطرقة وفي غالب عمله يستعمل القدوم والمنشار ولا يستعمل المبرد الا اذا اراد ان يستحد القدوم والمنشار واذا اراد ان يعمل بابا او سفينة احتاج الى استعمال المطرقة كثيرا فكما انه في اغلب عمله لا يستعمل المطرقة الا اذا اخذ يعمل في السفينة فانه لا بد له منها لاجل دق المسامير فكما لا تخرج المطرقة عن كونها الة بحيث يستغني عنها كذلك المتقدمون لما كانت الاصول معهم والائمة بين ظهرانيهم كانت اغلب حاجتهم اليهم (ع) والى الاصول المعروضة عليهم واذا احتاجوا الى تصحيح الاخبار بتوثيق الرواة استعملوه ولهذا ترى اكثر التوثيق بالنص عنهم عليهم السلام لانهم يسئلون عن احوال الرواة ليعتمدوا على روايتهم فيوثق الائمة عليهم السلام لهم رجالا ويمدحون اخرين ويذمون اخرين ويلعنون اقواما ولا يراد بذلك الا تصحيح رواياتهم وهذا ظاهر وفي رواية زرارة خذ بما يقول اعدلهما عندك واوثقهما في نفسك ومثلها رواية عمر بن حنظلة المقبولة وغيرهما فالمتقدمون كما يستعملون القرائن يستعملون هذا وهو من القرائن القوية التي لا شك فيها وكيف يعترض على المتأخرين في ذلك والمتقدمون يعملون به قال الصدوق (ره) في كتابه الخصال لا سبيل الى رد الاخبار متى صح طرقها وقال في باب الوصية من يه قد وردت الاخبار الصحيحة بالاسانيد القوية وقال في اخر باب صوم التطوع من يه واما خبر صوم الغدير والثواب المذكور فيه لمن صلى فان شيخنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة وكلما لم يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح وفي يه ايضا في باب حد الوضوء بعد ان اورد حديثا في المسح على الخفين الى ان قال على ان الحديث في ذلك غير صحيح الاسناد ه وكلامه (ره) في خبر صوم الغدير يعطي ان جميع الاخبار التي رواها عنه في ذلك الكتاب الذي هو عمدته وقد صححها شيخه ان تصحيحها وصحتها انما هو من جهة السند وكذا كلام غيره من العلماء المتقدمين مما يطول به الكلام فان اجاز للصدوق هذه الطريقة لزمه ان يكون التصحيح ( الصحيح خ ) من جهة السند صحيحا معتمدا او لا عتب على من دونه وان منع من طريقة الصدوق (ره) ومن قبله فانهم كلهم هكذا اذا احتاجوا الى الترجيح بتصحيح السند وكلام الشيخ (ره) في العدة ظاهر في هذا المعنى فان من منع من هذه الطريقة سقط البحث معه
قال (ره) ومنها ان الشيخ قد يدعي الاجماع على حكم ويخالفه بل قد يدعي الاجماع على خلافه والجواب ان ( اما خ ) اجماعات الشيخ على الشيء وضده انما تكون في قولين مختلفين يستندان الى خبرين مشهورين متعارضين حكمت الطائفة بصحتهما وجواز العمل بهما من باب التسليم فصح ادعاء الاجماع على كل من القولين المستندين الى الخبرين المتعارضين فيعني باجماعه الاول المشهور بين جماعة عملت باحد الخبرين ويراد بالاجماع الثاني المشهور بين جماعة عملت بالخبر الاخر ولا غرو في ذلك ولا تضاد ويدل على ذلك انك لا تراه يدعي الاجماع على الشيء وضده الا وهناك خبران متخالفان دالان على القولين وقد اشار السيد (ره) في بعض رسائله الى جواز دعوى الاجماع على الشيء وضده ولا تناقض في ذلك لان احد الخبرين يجوز العمل به من حيث انه حكم الله في الواقع والاخر يجوز العمل به من باب الرخصة وان لم يوافق الحكم الواقعي وانما يكون تناقضا لو ادعينا ( ادعيت خ ) العلم او الظن ان مدلول كل من الخبرين هو الحكم الواقعي ونحن لا ندعي ذلك بل نقول انه يكفينا في جواز العمل بالاخبار على ما يفهم من كلامهم (ع) اما الحكم بكون مدلول الخبر موافقا ( لحكم الله خ ) في الواقع او العلم بكونه ورد عنهم سواء علم كونه موافقا للحكم الواقعي ام لا ويعلم موافقته للحكم الواقعي بكونه مجمعا عليه او مخالفا لما عليه العامة وماعدا ذلك يحتمل الامرين
اقول مخالفة الشيخ لما يدعي من الاجماع في موضع اخر بحكم او باجماع انما تكون اذا كان الاجماع منقولا ولم يظهر الدليل الجازم على انحصار الحق فيه فظهر له في وقت رجحان دليل حكم مطابق للاجماع المنقول فايد دليله بنقل الاجماع لان الاجماع المنقول لا ينقص عن مفاد خبر الواحد ان لم يزد عليه كما حررنا ( حررناه خ ) سابقا ولم يكن عنده مانعا من النقيض وفي وقت اخر يظهر له رجحان دليل عكس ما قال سابقا وهو مطابق لاجماع منقول غير الاول فيؤيده بنقل ذلك الاجماع وليس عنده مانعا من النقيض وقد يكون مانعا من النقيض اذا كان اخيرا او نقول ان المنع من النقيض في اليقين والاعتقاد لا في الواقع وان كان اخيرا لا يقال ان نقل اجماعين غلط لانكم قلتم ان النقل يشترط فيه الاطلاع الابتدائي واذا كان الحال هذه امتنع النقلان او احدهما لامتناع اتفاقين مختلفين لانا نقول لا يكون اتفاقان مختلفان الا انا نقول بجواز النقلين المختلفين لاحتمال المحصل الخاص في كل منهما او في احدهما والاجماعات المحصلة الخاصة لا يشترط في تحققها الاتفاق ليقع التدافع فيجوز ان تكون تلك الاجماعات اجماعات محصلة خاصة بمحصلها وهي تختلف باختلاف الاوقات في المسائل المتعددة بل في مسئلة واحدة في وقتين فلا حاجة الى ما ذكره (ره) في الجواب من ان الاجماعات المختلفة انما تتحقق اذا وجد خبران مشهوران ليس لاحدهما راجحية على الاخر الى ان يؤدي الحال الى التخيير كما ذكره لان ذلك فرض بعيد لا يكاد يتحقق وكيف يوجد خبران مشهوران مختلفا الحكم يتساويان في العرض على الكتاب والسنة ومذاهب العامة وعمل الفرقة وفي صحة السند وفي الرواة في جميع ما يعتبر في باب التراجيح وفي الدلالة على المراد وفي تكررهما في الكتب الى غير ذلك من الاعتبارات حتى يبلغ الحال الى التخيير هذا شيء لا يكاد يقع وعلى مقتضى كلامه (ره) ان كل الاجماعات المختلفة مستندها الى روايات من هذا القبيل فيلزم ان يكون ذلك كثير الوقوع ولو كان كثيرا لعثرنا على خبرين فضلا عن كثير حتى ان بعضهم منع من وقوع خبرين كما فرض ومنهم من حكم بوقوعه ولكنه قليل واما ورود حكمه في الاخبار فلا يدل على وقوعه وانما يدل على امكان الوقوع وما يتراءي من وقوعه كما في مكاتبة الحميري المتقدمة الدالة على التخيير بين العمل بالعام والعمل بالخاص فللتقية لان الخاص حاكم على العام وما يظهر من بعض انظار البعض فلعدم الاحسان في النظر والنقادة والترجيح كما يحصل فيه التوقف لبعض فانه في الحقيقة للقصور او للتقصير والا ففي الحقيقة ليس الا حكم واحد فالتوقف والتخيير من باب التسليم ليس منه بل كل حكم غير جازم ليس منه ايضا واما التخيير الجازم كتخيير الكفارات فمنه وليس حديث التثليث منافيا لما قلنا حيث يقول صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك الخ لان الشبهة حكمها في ظاهر الشرع ظاهر وانما حكم بكونه ( بكونها خ ) شبهة للاحتمال الناشي من القرائن وملاحظتها ( مجانبتها ظ ) طريق الاحتياط لكنه لا ينافي بيان الحكم ففي الحقيقة ليس الحكم الا حلالا او حراما وليس بعزيز على من له اهلية الاستنباط تحصيله نعم قد يكون الباحث عن حكمه قاصرا او مقصرا في استفراغ الوسع فيحصل له التوقف او التردد لا يقال ان العلماء الاعلام كثيرا ما يتوقفون ويترددون وشانهم اجل من التقصير او القصور لانا نقول هذا حق ولكن لا يلزم من كونه كذلك انه لا يجهل في حال او نقول يحتمل انه قد يعتمد على ما ثبت عنده ولم يراجع او انه سلك في قوله بالتوقف طريقة الاحتياط في الافتاء اذا لم يكن حينئذ محتاجا للعمل لا هو ولا مقلده الى غير ذلك من الاحتمالات فظهر مما قررنا ان الاجماعات المختلفة ليس ما ذكره (ره) سببا لها ولاختلافها وتعددها وانما السبب كونها محصلة خاصة على نحو ما مر سابقا قوله وانما يكون تناقضا الخ كلام مليح معناه المقصود في الجملة الا ان العبارة عنه فيها ما فيها ولا فائدة في البحث فيها لصحة مراده قوله ويعلم كونه موافقا للحكم الواقعي بكونه مجمعا عليه او مخالفا لما عليه العامة الخ فيه تفصيل يعلم مما سبق لان معرفة موافقته للحكم الواقعي اذا اجمع عليه المسلمون كافة او الفرقة المحقة كافة لا اشكال فيها اما باقي اقسام الاجماع فهي مما يحتمل واما مخالفته للعامة ففيه تفصيل وهو انه ان اريد بالمخالفة لما علم من مذاهب العامة فهو مما يحتمل الامرين اذ يوجد خبر يخالف ما علم من مذاهبهم ومذاهب الخاصة وان اريد به ما علم وما يحتمل بناء على ما هو الظاهر من ان ما يكون للتقية اعم مما علم من مذاهب العامة لان مذاهبهم مبنية على القياس والرأي والاستحسان وعلى ما تنتظم به الشئون والاغراض والاعراض ومقتضي ذلك لا ينضبط فيما علم ولانا نجد في الاخبار ما يخالف الحق ولم يقل به احد منهم فيما علمنا ولا يوجد منهم حكم يوافقه لا حق ولا باطل مع انهم عليهم السلام انما فعلوا ذلك وخالفوا بيننا لنسلم وذلك خلاف الحكم الواقعي ولجواز ان يتجدد لهم قول لم يقل به احد منهم لان احكامهم منوطة بالاغراض والشهوات فان اريد به مخالفته لما سوى الحق فهو مما يعلم موافقته للحكم الواقعي والا فمما يحتمل ولا يترتب بقولي لما سوى الحق فان الحق لا يشتبه بما سواه
قال (ره) ومنها ان اتفاق الفرقة المحقة كملا على حكم من الاحكام متعذر في نفسه غير معلوم واتفاق جماعة من خواص الائمة (ع) على حكم لا يكون حجة الا اذا علم انهم لا يفتون الا بسماع من الامام عليه السلام والمعلوم من تتبع اثارهم استنادهم في الاحكام الشرعية الى الظواهر القرانية فيجوز خطاؤهم في ذلك لسوء فهمهم ثم بينوا ذلك بأن زرارة خالف الامام عليه السلام في مسئلتين الاولى ان زرارة يعتقد انه لا واسطة بين الايمان والكفر لقوله تعالى فمنكم كافر ومنكم مؤمن والامام عليه السلام مصرح بثبوت الواسطة بينهما لقوله تعالى خلطوا عملا صالحا واخر سيئا الثانية ان زرارة يعتقد ان الام يحجبها الاخوة عما زاد على السدس وان لم يكونوا لأب لقوله تعالى وان كان له اخوة فلأمه السدس ولم يعرف انه يشترط في الاخوة الحاجبين ان يكونوا لأب ثم اردفوا ذلك بخبر صحيفة الفرائض التي ادعي زرارة انها باطلة وانها ليست بشيء وانها خلاف ما الناس عليه مع انها املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط عليّ عليه السلام والجواب عن الاول الراجع الى نفي الاجماع الحقيقي ان اجماع الفرقة المحقة على حكم غير متعذر اذا كان منشأه الاحاديث المتواترة او المحفوفة بقرائن القطع على ما تقدم وسيأتي فيه مزيد بحث ايضا ان شاء الله وعن الثاني الراجع الى نفي الاجماع المشهوري ان زرارة وامثاله كابنحمران والطيار ونحوهم كانوا قبل صحبتهم لائمتهم (ع) تلامذة لحكم بن عتيبة وغيره من فقهاء العامة وقبل عرافة صحبتهم لائمتهم عليهم السلام كانت لهم مذاهب فاسدة مستفادة من علوم اهل السنة والجماعة مخالفة لمذاهب ائمتهم عترة النبي صلى الله عليه واهل بيته الذين امر بالتمسك بهم بل كانت لهم مذاهب منكرة في الجبر والتشبيه والتجسيم ومنهم الهشامان والقميون باسرهم سوي الصدوق كانوا كلهم غلاة وبعد ان استبصروا رجعوا الى الحق والسداد فما ذكره لا يكون طعنا في زرارة حتى يكون صارفا عن انه لا يفتي بشيء الا وهو مطابق لقول امامه كيف لا وقد ورد في حقه وحق غيره من سائر الخواص الامر باتباعهم واخذ معالم الدين منهم خصوصا وعموما ولا سيّما زرارة فانه وردت فيه بخصوصه تارة ومع غيره اخرى اخبار كثيرة تدل على الامر باتباعه وانه من الاربعة الذين هم اوتاد الارض وانهم تحت العصمة وفوق العدالة فان كانت الاخبار المتكثرة في حقه يعارضها خبر الصحيفة الذي لو ابقي على ظاهره دل على كفر زرارة لزم ان لا يقبل منه خبر رواه عن امامه بالمرة لعدم جواز قبول خبر الفاسق في احكام الدين فلا بد من حمله على ان ذلك وقع منه في مبادي امره بل هذا صريحه وان الامر باتباعه وقع من الامام عليه السلام بعد تكامل وتمام صحبته بامامه عليه السلام قطعا ورسوخ علمه المستفاد من امامه وبيان عفته وسداده وديانته فهو لا يخرج في فتواه عن مذهب امامه قطعا غير انه مبتلى بمنازعة العامة كثيرا لكونه كان منهم فانحرف عنهم فهم لا يقبلون منه ما ينقله عن امامه عليه السلام ويحتجون عليه بالقرائن ( بالقرءان خ ) فتقع المخاوضة بينهم في ذلك فاذا اعيا عن رد الجواب رجع الى امامه عليه السلام وخاوضه في الاية القرانية على مذاق العامة ليتبين له الغث من السمين ويكون وسيلة الى دفع حجة المنكرين
اقول كلامه في الاعتراض مبني على طريقته من امتناع الاطلاع على الاجماع الا في زمن اصحاب الائمة (ع) وقد مر جوابه مرارا وقوله (ره) واتفاق جماعة من خواص الائمة عليهم السلام الخ متجه من جهة عدم تحقق الاجماع بمجرد اتفاق جماعة الا ان قوله الا اذا علم انهم لا يفتون الا بسماع من الامام عليه السلام ليس بمتجه وقد مر جوابه وتحقيقه وقوله والمعلوم من تتبع اثارهم متجه في كثير من الاحوال وفي جوابه بعض المناقشة لا يفي طائلها بطولها وليس لنا فيه فيما نحن بصدده فائدة
قال (ره) ومنها ان صحيفة الفرائض صريحة في ان الاجماع قد لا يكون مطابقا لقول الامام عليه السلام فان قول زرارة فيها نص في مخالفتها فيما عليه الناس كافة عامة وخاصة والجواب ان المراد بالناس في الخبر انما هم المخالفون فقط لاطلاق الناس عليهم في اخبار الائمة عليهم السلام ولا ريب ان اجماعهم ليس بحجة قطعا لعدم مطابقته لقول الامام عليه السلام بل في الحديث دلالة على ان الاجماع حجة فان زرارة انما جزم ببطلان الصحيفة لما جزم بذلك غاية الامر ان هذا الاجماع الذي يقطع بمخالفته لقول الامام عليه السلام ليس بحجة ولكن زرارة لم يتنبه له بعد لكونه جديد الاسلام
اقول جوابه (ره) مليح وان كان انما منع قبل الاعتراض
قال (ره) ومنها ان قصر كلامهم على السماع مع تسليمه غير كاف في المطلوب لجواز سهوهم في السماع وخطأهم في فهم المراد من المسموع كما هو مشاهد في كثير من المواضع والجواب ان هذا اولا تشكيك في مقابلة النصوص الدالة على الامر باتباعهم واخذ معالم الدين منهم فلا يجوز الالتفات اليه وثانيا ان تجويز خطاء جماعة من الخواص الموثوق بضبطهم وشدة تحرزهم عن الغلط في امر سمعوه من امامهم عليه السلام في غاية البعد جدا كيف لا ونحن نقبل رواية الواحد منهم ونعمل بها ولا يجوز تعديها مع تجويزنا سهو راويها مع ان تطرق الاحتمالات الى رواية لم يروها الا واحد منهم اكثر من تطرق الاحتمالات الى فتوى جماعة بشيء سمعوه من امامهم عليه السلام واجمعوا عليه بكثير وكذا ايضا جواز خطائهم في فهم معنى المراد لامامهم يدخل في الروايات لان اكثرها مروية بالمعنى فلو كان مجرد تجويز خطأهم في فهم المعنى مانعا من قبول فتويهم المسموع من ائمتهم عليهم السلام لكان ذلك مانعا من قبول رواياتهم المسموعة من ائمتهم المنقولة بالمعنى وفتح هذا الباب يوجب عدم جواز العمل بالروايات التي لم يبق للشيعة اصل يعتمد عليه سواها ثم انهم استدلوا على تجويز خطائهم في فهم معنى المراد بأن الشيخ وجماعة وقع عنهم الخطأ في فهم المراد من حديث التيمم الذي استدلوا به على انه تجب الضربتان للغسل ومعلوم انه مجرد دعوى ومن اين ثبت خطائهم في الواقع بل جاز ان يكون الخاطئ غيرهم والمعصوم من عصمه الله على ان الكلام انما هو في خواص الائمة الذين حازوا خطاب المشافهة وعلموا عرف ائمتهم فكانوا هم اعرف من غيرهم من المتأخرين بوجوه الادلة من اقوال ائمتهم عليهم السلام وافعالهم وتقريراتهم فالظن بهم في حسن الفهم قوي وان جاز عليهم الخطأ فانا لا نقول بعصمتهم بل نقول انهم ابعد عن الخطأ من غيرهم
اقول قول المعترض غير كاف في المطلوب لجواز سهوهم الخ ليس بصحيح لان هذا الاحتمال اذا وزن باصابتهم لا يعادله والاحتمال انما يبطل الاستدلال اذا كان مساويا اما اذا كان مرجوحا فلا يضر لان الظن والظاهر حجة مع ان السهو خلاف الاصل ثم انا اذا وقفنا على التحقيق قلنا ان المعروف من مذهب الشيعة ومن اخبار ائمتهم عليهم السلام الاعتماد على رواياتهم وعلى كتبهم التي رووها وانما اعتمدوا عليها لامر ائمتهم عليهم السلام بذلك وهذا لا اشكال فيه وليس ذلك الا لعلم ائمتهم بانهم لا يقع منهم سهو يخفى لانه لو خفي في مسئلة لاخبروا عليهم السلام بها لما تقدم من قوله عليه السلام كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم وطريق اخبارهم عليهم السلام لشيعتهم في بيان ما يقع سهوا مخالفا للصواب او عمدا ان ينصبوا لكل طريق الى الحق دليلا محكما او ما يكون محكما من نص او اجماع او تسديد بحيث يستحيل في الحكمة ان يكون اهل الحق على باطل او يكون حجج الله عليهم السلام في ارضه يهملون ما امروا باصلاحه مع علمهم به ولا يجوز ان يجهلوا شيئا من دين الله الذي جعلهم ( الله خ ) قواما عليه فان كان سهو من احد الروات في مسئلة حفظها اخر ولا يجتمعون على السهو ولا الغفلة وعدم فهم المراد ولهذا قلنا ان الاجماع دليل قطعي حيثما تحقق بخلاف الخبر نعم الخبر المتواتر كذلك ولهذا قيل ان الاجماع ناطق بخبر متواتر ولا بأس بهذا القول الا انه قيل ان مفاد الاجماع والخبر المتواتر سواء الا ان بينهما عموما وخصوصا مطلقا اذ كل خبر متواتر اجماع وبعض الاجماع خبر متواتر كما اذا كان في جملة كثيرين وبعضه ليس بخبر متواتر كما اذا كان فيمن لم يبلغوا خمسة فصاعدا هذا عند من يشترط في التواتر الزيادة في الرواة على اربعة واما من لم يشترط فعنده الاجماع خبر متواتر والخبر المتواتر اجماع ففي كل مادة يتحقق الاجماع يمتنع السهو والغفلة وعدم فهم المراد وقد مر كثير مما يؤيد هذا فراجع وهذا اقطع في الجواب من كل الوجوه لمن عرف وقوله في الاعتراض كما هو مشاهد في كثير من المواضع ليس من ( في خ ) محل النزاع اذ محل النزاع تحقق الاجماع لا تحقق الاجتماع اذ لا نقول انه لا يكون من احد منهم سهو او غلط ولا نقول اذا احتمل السهو امتنع الاجماع ولا نقول اذا احتمل السهو امتنعت حجيته وانما نقول اذا دل الدليل على النحو الذي قررناه سابقا على تحقق الاجماع امتنع احتمال السهو والغلط وعدم فهم المراد فافهم ويظهر من هذا ان قوله في الجواب وثانيا ان تجويز خطاء جماعة من الخواص الموثوق بضبطهم الخ بعيد من الصواب وما بعد هذا من كلامه وان كان مناسبا للاعتراض لانه مصنوع ( مصوغ خ ) عليه مليح على الظاهر الا انه قشري مبني على قشري وقوله في الجواب ثم انهم استدلوا على تجويز خطائهم في فهم المعنى المراد بأن الشيخ وجماعة وقع منهم الخطأ في فهم ( المعنى خ ) المراد من حديث التيمم الذي استدلوا به على انه تجب الضربتان للغسل ومعلوم انه مجرد دعوى ومن اين ثبت خطائهم في الواقع بل جاز ان يكون الخاطئ غيرهم ( والمعصوم من عصمه الله على ان الكلام انما هو في خواص الائمة الدين اعرف خ ) الخ ليس على ما ينبغي لانه جعل اصابة الشيخ احتمالا والحق انه في فهم هذا المعنى مصيب وهو اختيار المفيد في غير الرسالة الغرية والصدوق وسلار وابوالصلاح وابن ادريس قالوا الاخبار وردت بضربة وبضربتين وهي مطلقة وخصوا الضربتين بالغسل فان قيل هلا حكموا بوجوب الواحدة واستحباب الاخرى او بالتخيير فيهما مطلقا قلنا قد علم بالدليل استحالة تناقض اخبارهم عليهم السلام وان اختلفت ظاهرا وعلم ان الجنابة حدث اكبر ولهذا لا يرفعه الا الغسل والحدث الاصغر يرفعه الوضوء وهو طهارة صغرى كما ان الغسل طهارة كبرى ولا ريب ان الضربتين ابلغ من الضربة لانهما تحملان من الطهور وهو التراب اكثر ولان مسح اليدين بالضربة الثانية الجديدة اولي لذلك ولكثرة الفعل الدال على المبالغة المناسب لكبر الحدث ولاستلزامه تكرر القصد الذي هو الجانب الاقوى في رفع الحدث لا يقال ان منهم من لا يشترط العلوق فلا فائدة في كثرة ما يحمل ( يحصل خ ) من التراب بل يستحب النفض لانا نقول ان الحق اشتراط العلوق اذا امكن وان كان لطيفا ولا ينافيه جواز التيمم بالحجر لامكان ما يحصل به العلوق فيه من غبار ونحوه ولو قيل لو كان كذلك لماجاز التيمم بالحجر اذا كان مغسولا او وقع عليه مطر قلنا ان الحكم العام يناط باغلب افراد متعلقاته ولا يضر تخلف بعض الرابطة في بعض الافراد ظاهرا لجواز وجودها وخفائها او وجود ما يقوم مقامها مثل حصول اجزاء لطيفة منبثة في الماء بل لا يكاد تفقد من الماء الا انها في مثل الدجلة والفرات اكثر واظهر بل لولا وجودها لما عاش في الماء الحوت على ما برهن عليه في محله او ما يصاحب بذلك من ذرو الرياح ولا يمكن في الحكمة توقيف جميع المكلفين على ذلك بحيث يقال لهم ما وجدتم الرابطة فتيمموا والا فلا لخفائها وعدم قابلية كل مكلف للمتفطن بالاشياء الدقيقة التي لا يهتدي اغلب الخواص اليها فسهل اهل العصمة عليهم السلام مدارك الدين والتكاليف بتعليقها على ما يظهر وعلى الغالب وان كان التعليق في الواقع انما هو على الرابطة ولا ينافي ذلك ايضا استحباب النفض لان النفض انما يذهب به ما يشوه البشرة مما غلظ من التراب لا ما لطف ويكفي مما لطف حصول مسماه في نفس الامر وتحققه على نحو ما ذكرنا من الخفاء ولا ينافي ذلك ايضا قوله تعالى في سورة النساء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم لعدم ذكر منه لانه لو اريد به ذلك لماحذفه لانا نقول ان هذه نزلت لبيان كيفية التيمم لا لبيان المتيمم به والاية التي في سورة المائدة نزلت بعد سورة النساء فلهذا كانت ايتها لبيان المتيمم به فاثبت فيها منه فيكون الضربتان للغسل انسب على ان الشيخ (ره) مع هذا جمع بين الاخبار بالاخبار المخصصة كحسنة زرارة عن ابيجعفر عليه السلام قال ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين وصحيحة محمد بن مسلم عن ابيعبدالله عليه السلام ان التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان وقد صرح في التهذيب في وجه الجمع بنحو ما ذكرنا وربما فهم من كلامه في التهذيب حيث قال ومما ورد من الاخبار التي تتضمن ان الفرض مرة على جهة الاطلاق خبر ابن بكير عن زرارة انه (ره) قائل بأن الضربة الثانية مستحبة في الغسل اذا قيل بالمشهور او مطلقا على القول الاخر فان ثبت ان ذلك قول له فهو جمع بين الاخبار حسن متجه والشيخ ابرهيم بن سليمن القطيفي في شرح الفية الشهيد (ره) قال في رد دليل المشهور مع امكان حمل الزايد على الاستحباب ه واستوجه هذا الحمل المحقق في المعتبر واستقربه صاحب الكفاية وصاحب المدارك بعد ذكر امكان الحمل على الاستحباب جعل الاحوط عدم ترك المرتب مطلقا وكذا صاحب الذخيرة فلا يكون على كل حال ما وقع منه عن عدم فهم المراد ولا خطاء بل صواب وقوله (ره) على ان الكلام انما هو في خواص الائمة عليهم السلام الذين حازوا خطاب المشافهة يناقض كلامه سابقا وينافيه لانه ممن حكم له بصحة ما يدعيه من الاجماع وهنا فرق بينه وبين المتقدمين في صحة ما يدعونه من الاجماع لحسن الظن فيهم بعدم الغلط وفيه هنا حكم بالغلط المفهوم
قال ومنها انه مع العلم بانهم لا يتكلمون الا بقول الامام (ع) ولا يفتون بشيء الا بعد السماع منه اي حاجة الى الاتفاق ولم لا يكفي احدهم على الاطلاق والجواب انه قد تبين سابقا ان هذا العلم انما يحصل من تتبع احوالهم والاطلاع على تقويهم وديانتهم وهو مختلف باختلاف اوصافهم فقد يحصل باثنين بل بواحد وقد يحصل بعشرة بل بعشرين
اقول وهذا مثل ما سبق ولكن كلام المعترض متجه على ما قرر هو وليس في جوابه جواب ولا مطابقة فان قوله ان هذا العلم يحصل الخ لا يتمشى على معرفته بالاجماع فان لقائل ان يقول ثبت عندنا العلم بالتتبع فلانحتاج الى الاتفاق بل الواحد يكفي واما على ما قررناه فان الواحد لا يزيد على كل فرض على خبر الواحد الصحيح الصريح الدلالة ولا يثبت به عندنا ما يثبت بالاجماع للاحتمالات السابقة فراجع ولا عبرة بمجرد الاتفاق على ان قوله وقد يحصل بعشرة بل بعشرين ينافي قوله سابقا بان العبرة بالنص لا بغيره ولهذا قال لو تعارض الاجماع والخبر قدم الخبر لان دلالته على قول الامام (ع) تفصيلية بخلاف الاجماع و( فان خ ) ظاهر كلامه ان الواحد قد لا يحصل به العلم وهذا خلاف ما قال من انهم لا يقولون الا بالنص ويلزمه مع ذلك ان الواحد كاف لانه لا يقول الا عن سماع من الامام عليه السلام
قال ومنها انهم ليست لهم فتاوي مجردة عن الاسناد الى الامام (ع) لان من عادتهم انهم اذا سمعوا من الامام (ع) شيئا اسندوه اليه والجواب ان هذا غير مسلم بل كثيرا ما يفتون بالحكم ولا يصرحون باسناده الى الامام عليه السلام تقية عليه او لاجل غرض اخر وكثير من الاحاديث ناطقة بذلك والاستبعاد بان التقية تقتضي الافتاء بقول العامة لا بقول الامام عليه السلام من غير نقله عنه غير موجه فان التقية كما تكون بالوجه الاول تكون بالوجه الثاني وما استشهد به على صحة الوجه الاول يقتضي الوجه الثاني وعلى تقدير تسليم الدعوي يتم المطلوب ايضا فان نقل الشيخ مثلا اجماعهم يراد به اجماعهم على الرواية ومن رواياتهم تعرف مذاهبهم وهذا يجب على الخصم قبوله فلا يجوز له رد اجماعات الشيخ واضرابه وهذا حالها
اقول مراد المعترض انكم اذا قلتم انهم لا يفتون بغير قول الامام عليه السلام ما كانت لهم فتاوي حتى يحصل باتفاقها اجماع وانما فتاويهم متون الاخبار فلا يلزم من دعويهم الاجماع حجية الاجماع وان كان كلامهم حجة لان حجيته حجية النص وهو متجه على ما رتبه هذا الشيخ
قال ومنها ان دعوى وجود كتب اصحاب الائمة (ع) فضلا عن معلوميتها في عصر من تقدم على الشيخ كالكليني والصدوق بعيدة عن الانصاف الخ فاجاب بانه ان لم يحصل الكل فلا ريب في حصول البعض وهو كاف الخ الى ان قال ومنها ان الاطلاع على مذاهب هؤلاء لا يدل على الاطلاع على سائر مذاهبهم فضلا عن مذاهب غيرهم والجواب انه لا يحتاج الى ان يطلع على سائر مذاهبهم الا لمن حاول اثبات الاجماع الحقيقي المدون في اصول الفقه وتحصيله اصعب من صيد العنقاء واما من حاول اثبات اتفاق جماعة من خواص الائمة عليهم السلام على حكم رواية وفتوى فلا يحتاج الى ذلك بل هو اسهل من شرب بارد الماء على السيد والشيخ ومن قبلهما
اقول وايضا كلام المعترض متجه عليه وعلى ما رتب ويلزمه من جوابه بالاكتفاء بتحصيل البعض من المتقدمين الاكتفاء بتحصيل البعض من المتأخرين فان كان انما قبل من المتقدمين لحسن الظن فيهم كما ذكر سابقا في فهم مراد الامام عليه السلام عند نقل الحديث بالمعنى وعدم السهو في النقل فكذلك المتأخرون فانهم اهل لذلك لان فيهم من لا يكاد يوجد مثله في المتقدمين في التذكر والفهم الا ان يقول بانهم يعملون بالرأي والقياس والاستحسان والا يلزمه ما يلتزمه ( يلزمه خ ) للمتقدمين
قال (ره) تتمة في الاجماعات وفيها امور الاول ان الاجماعات التي يدعيها علماء الامامية في مصنفاتهم الافتائية ان ارادوا بها الاجماع الحقيقي في جميع الموارد فهو كذب بحت لا يجوز نسبته اليهم رضوان الله عليهم وان ارادوا به معنى غير هذا فله صور احدها ما يكون منعقدا وقت ظهور الائمة عليهم السلام ويراد به المشهور بين خواصهم رواية او فتوى او رواية وفتوى او عدم الظفر بالمخالف حين دعوى الاجماع فدعوى الاجماع من المتأخرين كالفاضلين والشهيدين واضرابهم من غير نقل من المتقدمين غير مستقيم لعدم امكان اطلاعهم واما مثل السيد والشيخ ومن تقدم عليهما فيمكن اطلاعهم عليه من غير جهة النقل لمعرفتهم بمنشأ الاجماعات وتيسر ذلك عليهم لوجود الاصول الاربعمائة كلها او جلها عندهم فيكون غاية الاجماع عندهم الشهرة او عدم وجود المخالف ولا ريب في حجية هذا الاجماع
اقول قوله ان ارادوا بها الاجماع الحقيقي الخ ليس بمتجه وقد مر جوابه في عدة مواضع وكيف يكون كذبا وكثير من المسائل ادعي فيها الاجماع الحقيقي وهو كذلك كما لو كان المخالف موجودا في الصدر الاول بحيث يمتنع على طريقته دعوى الاجماع كقول الصدوق بان ماء الورد يرفع الحدث مطلقا وان النوم ليس بناقض بنفسه لانه ليس بحدث الى غير ذلك ثم انقرض الخلاف فان الاصحاب ادعوا فيهما وفي نظايرهما الاجماع وهو اجماع حقيقي وان وجد سابقا المخالف لانقراضه وانقراض قوله فقوله (ره) كذب بحت كذب بحت لا يجوز نسبته اليهم رضوان الله عليهم وقوله ويراد به المشهور بين خواصهم الخ ان اراد به مجرد الشهرة فقد مر الكلام عليها وانها لا حجة فيها الا على النحو الذي قررناه فانها اجماع وحجة سواء كان رواية او فتوى او رواية وفتوى واما عدم الظفر بالمخالف حين دعوى الاجماع فان دل الدليل القاطع على خطاء المخالف لو فرض وجوده كما اذا دل على دخول قول الامام عليه السلام فهو اجماع لا فرق بين المتقدمين وغيرهم والفارق مطالب بدليل الفرق المعتبر واما مثل فرقه بين السيد والشيخ ومن قبلهما ومن بعدهما فليس بشيء لان استدلاله على الفرق بان هؤلاء يتيسر عليهم لوجود الاصول عندهم لا ينهض بالحجة لانهم ان كان استيضاحهم واعتبارهم وانتقادهم معتبرا يعول عليه فلا ريب ان المتأخرين وان لم تصل اليهم الاصول فقد وصل اليهم كتب من وصلت اليهم الاصول وهي معتبرة كالاصول بل احسن منها لان الاصول ليس كلها تعتبر وكتب هؤلاء كلها معتبرة انتخبها من الاصول المعتبرة من يعتبر انتخابهم كالسيد والشيخ ومن قبلهما فما اعتمد المتأخرون الا على ما هو معتمد فلا فرق مع ان عند المتأخرين ما عند المتقدمين من القرائن غالبا من شهرة الخبر وتكرره في كثير من الاصول يعرفونها بوجودها في كتبهم وان لم توجد عندهم الاصول لان العلماء في الغالب اذا رأوا حديثا ابتدءوا في السند بذكر صاحب الاصل ويعرف وجود الخبر في اصل ذلك الراوي المبتدء به في السند كأن يقول الشيخ في كتابي الاخبار مثلا الحسين بن سعيد وهو لم يلقه وانما صدر به السند للدلالة على انه اخذه من اصله وكذلك اذا اخذه من جامع البزنطي قال في اول السند احمد بن محمد بن ابي نصير بل قد عرفت عادة نقلة الاخبار بذلك وكذلك يعرفون عمل الاصحاب بذلك الخبر من استدلالهم به على احكامهم وعدم عملهم به بحملهم له على المحامل البعيدة والطعن في رواته ( روايته خ ) ودلالته وبالعرض على الكتاب والسنة وعلى مذاهب الجمهور وبالجملة فجل القرائن بل كلها لا تكاد تخفي على المتأخرين وعندهم زيادات قرائن لا تكاد تحصل للمتقدمين كانقراض احد القائلين وكاستقرار ( كاستقراء خ ) الحكم بعد الاختلاف على قول او قولين وانقلاب المشهور نادرا وبالعكس وانقطاع حكم تقية سلف موجبها ووقوع حكم تقية تجددت لم تكن قبل وكالاحتمال المتجدد عند النظر في توجيه السابق من الواردات الالهية التي سنحت بنظر الحجة عليه السلام الحافظ للشريعة لئلا يرتفع الحق عن اهله وهذا اعظم من كل شيء الى غير ذلك فمن عرف ما قررناه ظهر له يقينا ان المتأخرين الذين وصل اليهم الحكم اولي من المتقدمين بكل اعتبار وادلة هذه الحروف الشريفة من الاخبار وصحيح الاعتبار ليس عليها غبار ولكني اقول كما قال محمد كاظم الازري (ره)
كم بجنبي للصبابة واد كل آن حمامه نواح
قال (ره) الثاني لا يكون منعقدا في زمان الغيبة الصغرى على طبق قول واحد من الائمة عليهم السلام وان لم يكن صاحب الزمان عليه السلام والاطلاع على موافقة قوله لقولهم حاصل بالقرائن المعلومة بالتتبع بل احاديث الامر باتباعهم يشملهم ايضا بل ربما يقال انهم المعينون بخصوصهم بتوقيع القائم عليه السلام كما مر
اقول قوله بالقرائن المعلومة الخ يريد به ان المتأخرين لا يكون اجماعهم حجة عنده لانهم لا يطلعون على قوله عليه السلام ليكون قولهم موافقا لقوله الذي هو شرط اعتبار حجية الاجماع وقد مر ما يغني عن جوابه وقوله بل احاديث الامر باتباعهم الخ ليس بصحيح لانه ان كان الامر باتباعهم مخصوصا باولئك وجب الاخذ عنهم ولم يجز الاجتهاد في مقابلة اقوالهم واقوالهم مختلفة ولا يجوز الترجيح فيها لان غيرهم لم يؤمر باتباعه فلا يعتبر نظره فيجب على من بعدهم العمل بكل ما علم عنهم اتفق او اختلف وهذا لا يقول به هو في ائمة الهدى عليهم السلام بل يقول لا بد من النظر والترجيح ومن كان له تلك المرتبة كان مأمورا باتباعه والا فهو اول من يعرض عنه ليس في محال القول حجة ولا في المسئلة عنه جواب كما قال الرضا عليه السلام
قال (ره) الثالث ما يكون منعقدا في زمان الغيبة الكبري بين اصحابنا المتأخرين وليس هذا بحجة عندي وغايته الشهرة بينهم ولعل اصلها من الشيخ على ما عرفت والاحتجاج بالعدالة المانعة من الافتاء بغير علم مردود بامكان استنادهم الى ما يظن دليلا وليس بدليل بعد الاطلاع عليه فان الظنون مظنة الخطأ
اقول قوله وليس هذا بحجة عندي ليس بحجة عندي والمحكم بيننا من يعرف الرجال بالمقال لا من يعرف المقال بالرجال وقد مر البيان في عدة مواضع من هذه الرسالة وحصره لاجماعاتهم في الشهرة غلط لما مر مكررا على انه قد مر ان الشهرة تكون حجة في حال ثم نقول كيف تكون شهرة المتقدمين حجة ولا تكون شهرة المتأخرين حجة وهم كلهم على مذهب واحد ولا يجوز ان يكون المتأخرون على خلاف المتقدمين والا كان الخطأ عند المتقدمين لانقراض طريقتهم ومذهبهم ولا يجوز ان يكون في كل وقت قائم بها على سبيل الاتصال لانه لو كان كذلك لاشتهر واما من يدعي ذلك فانا نجده يعمل في اكثر مسائله بطريقة المتأخرين فيعول على الظنون الضعيفة فيسلك اضعف طرق المتأخرين اذا اعوزه الخبر لانه لما لم يكن من اهل الفن وديدنه انكار طريقتهم ولم يسمع منهم كان محجوبا غالبا عن معرفة الظن الذي يرتضيه الشارع لانه يحكم ويعتقد بطلان الظن بانواعه ويدعي في جميع احكامه اليقين اما صريحا او اشارة واذا قال بالظن ادعى انه يقين حتى انا وجدنا من يقول بالظن في المسئلة ويخالف القائل فيها بمثل ظنه ويقول بأن ظنه مطابق للحكم الواقعي ويحكم ببطلان قول مخالفه في نفس الامر واذا قيل له ما الفرق بينكما قال نحن لسنا من اصحاب الظنون وانما ظننا يقين ويتكلم بما لا يعلم ولا شك انه مطالب باليقين فكل مسئلة حكم بها لا عن يقين مؤاخذ بها لحكمه على نفسه بذلك لانه راد لرخص الله وشدد على نفسه والحكم بالظن اذا تعذر اليقين رخصة مقبولة ممن امن بها مردودة ممن انكرها ولو كان هذا قائما بسنة الاولين على زعمه فان كان الاولون عاملين بالظن اذا اعوز اليقين كما يعمله هو فانهم كالمتأخرين لان المتأخرين انما يصيرون الى العمل بالظن اذا لم يكن لهم طريق الى اليقين ولهذا تريهم يتركون اخبار الاحاد اذا قام الاجماع لذلك وهذه طريقتهم لا يختلفون فيها ولا يتساهلون فيها بل لو كان عند احدهم ظنان اجتهد في ترجيح احدهما فيعمل بالاقوى يشقون بلطف حدسهم وحسهم في وزن ذلك الشعر يشقون شكر الله سعيهم وعظم اجرهم وان لم يكن الاولون عاملين بالظن في حال لم يكن احد ممن بعدهم قائما بطريقتهم فتكون طريقتهم منقرضة والمنقرض باطل لان الحق شجرة اصلها ثابت وقوله ولعل اصلها من الشيخ قد مر جوابها ويجوز ان يكون ما نقلوه من الشهرة انما هو مستفاد من كتب الشيخ والسيد والمفيد وابن زهرة وابن حمزة وسلار واضرابهم فما المانع منها وقوله والاحتجاج بالعدالة الخ مردود بما سبق من اعتبار الظن حيث يفقد اليقين وبما اجاب به من اعترض في نفي حجية الاجماع في قوله ومنها ان قصر كلامهم على السماع فراجع وقوله فان الظنون مظنة الخطأ خطاء ان عمم لان الشارع اعتبره في مواضع من الاحكام لا تنضبط وان خصص فهو حق لكنه ليس بمحل النزاع
قال (ره) الثاني الظاهر من دليل منكر حجية الاجماع بجميع انواعه نفي حجيته القطعية فلا اقل من ان تبقى حجيته الظنية فلا وجه للاعراض عنه واطراحه بالكلية واول من رد اجماعات السيد والشيخ لورود المخالف في صورة النزاع الشهيد الثاني ظنا منه ان الشيخ يريد الاجماع على العمل بالخبر والحال انه يريد الاجماع على عدم رد الخبر او ظنا منه انه يريد الاجماع الحقيقي فانه يبطله وجود المخالف
اقول قوله الظاهر الخ لعل الظاهر منه ارادة بطلانه بالكلية لا انه لا يكون حجية قطعية لان القائل بالحجية يريد بها القطعية ولا اشكال في هذا وما قيل في الاجماع المنقول فالمراد به في نفس ثبوته لا في حجيته وما قيل انه بحكم خبر الاحاد وهو لا يفيد الا الظن فقد قدمنا انما ذلك في المنقول عن المحصل او المحصل الخاص فانه عند من لم يحصله فلا اشكال في انه لا يفيد القطع وقد مر بيان ذلك وبرهانه وقوله ظنا منه ان الشيخ الخ ليس بظاهر لاحتمال ان يكون الشهيد (ره) انما فعل ذلك لانه ظهر له الدليل على عدم انحصار الحق في المنقول فيه الاجماع فجاز عنده رده لعدم ثبوته لاحتمال المحصل او عدم صحة النقل للدليل وبالجملة فليس رده لذلك ردا للاجماع وكيف لا واكثر استدلاله به الا ترى انه في كثير من الموارد يستدل على المسئلة ويورد الدليل ويؤيده بنقل الاجماع عن السيد والشيخ وامثالهما لا انه يظن ان الشيخ يريد الاجماع الحقيقي لانه لو كان كذلك لكان المخالف ان كان معلوم النسب لم يرد الاجماع بذلك الشهيد وان كان مجهول النسب لم يدع الشيخ حينئذ الاجماع الحقيقي وان ادعى المحصل لم يضر ذلك رد الشهيد لعدم حصول ذلك له والشهيد (ره) لا يجهل هذه المسئلة وهو من اهل الفن ولا ينافي ذلك انه قد يقع منه ما ينافي هذا الكلام لانه لا يستنكف عن الغفلة هو ولا غيره الا من عصمه الله تعالى
قال (ره) حتى سرى الوهم في عصرنا هذا الى ابطال اجماعات فقهائنا الاولين والاخرين حتى في صورة عدم وجود المخالف لعدم تحقق الاجماع في نفسه ولعدم الاطلاع عليه لتوقفه على معرفة فتاوي علماء الامصار المنتشرين في الاقطار ومثل هذا الاجماع متعذر حصوله ومدعيه كاذب فكذبوهم في نقل تلك الاجماعات وطعنوا فيهم ونسبوهم الى الجهل وان سبب ذلك مخالطتهم لعلماء العامة فاقتبسوا من اصولهم وهو قدح في علماء الشريعة اذ ما منهم احد الا وهو يعمل بالاجماع سيما السيد والشيخ والمفيد وثقة الاسلام ورئيس المحدثين وامثالهم ممن هو في زمانهم او قبلهم والعجب انهم يصدقونهم في نقلهم اقوال العامة ولا يصدقونهم في نقلهم مذاهب الخاصة مع انهم يصدقونهم في نقلهم الروايات وكان الانسب انهم لما رأوا ان الاجماع المدعي لا يمكن حمله على حقيقته ان يحملوه على اقرب مجازاته وهو الشهرة او عدم وجود المخالف او الاجماع على عدم رد الحكم او الاجماع على رواية الحكم بمعنى تدوينها في كتب اصحاب الائمة (ع) كما اعتذر لهم الشهيد الاول في الذكري بنحو ذلك
اقول انما سرى ( ذلك خ ) الوهم من عدم التورع ومن التجري والاقدام على ما لا يعلم فكانت النفوس تدعي الربوبية بمعنى ان من شأنها ان لا تحب الدخول تحت الحجر لشدة انيتها وعظم دعويها فلا تقبل الدخول تحت طاعة غيرها الا قسرا فلذا تقدم على القول بغير علم وعلى انكار ما لم تعلم لاجل اغراضها الفاسدة فان كانت فتواهم في مسئلة ضرورية محسوسة وادلتها كذلك انقادت لها غالبا وان لم توافقها كراهة الفضيحة بين امثالها ولو ان الناس طلبوا الحق بدون ملاحظة الاغراض الفاسدة لم يختلفوا وان كانوا مختلفين حين النظر لانهم متفقون حين الفطرة التي فطرهم الله عليها لان الذي يراد من الناس ان يتعلموا وطريق التعلم طلب ما لا يعلم ممن يعلم غير مستنكف ولا مستكبر ولا متبرئ من الجهل فلو انهم سألوا من يقول بحجية الاجماع من العارفين به ويتفهم منه السائل منهم واذا عرض عليه دليله ولم يعرفه قال اعد على ولا يستنكف كراهة ان يقال انه بليد فان ذلك خير من ان يكون عنيدا ( عتيدا خ ) فلو كانوا كذلك لاتفقوا على الحق ولهذا الداء العضال وقع النزاع فيما هو متحقق لا ينبغي النزاع فيه ومن ذلك انكروا الاجماع وحجيته على طريقة الشيعة لا لعدم تحققه في نفسه ولا لعدم امكان الاطلاع لتوقفه على معرفته فتاوي علماء الامصار المنتشرين في الاقطار لما نبهناك عليه مرارا من ان الاطلاع لا يتوقف على ذلك وقوله (ره) مثل هذا الاجماع متعذر حصوله ومدعيه كاذب باطل لانه لا ينكر وجود مسائل متفق عليها بحيث يجزم ان جميع العلماء المنتشرين في اقطار الارض متفقون عليها كوجوب المسح في الوضوء وتعين متعة الحج على الافاقي بالاستطاعة وكلامه هذا وان كان في مقام الرد على منكري حجية الاجماع الا انه ممن لا يقول بها
قال (ره) الثالث لا ريب ان اجماع الامامية ان تحقق فهو حجة قطعا للقطع بدخول قول المعصوم عليه السلام في جملة اقوالهم لكنه قل ان يتحقق في غير ضروريات الدين او ضروريات المذهب والخلاف في غيرهما اشهر من ان يذكر فلا ينبغي الالتفات الى اجماعات المتأخرين لعدم القطع بدخول قول المعصوم عليه السلام بل هذا مما يقطع به في زمن ابن ادريس وما شاكله الى يومنا هذا ولو اريد به المشهور بينهم لم يكن حجة قال في المعالم ان كل اجماع يدعي في كلام الاصحاب مما يقرب من عصر الشيخ الى زماننا هذا وليس مستندا الى نقل متواتر او احاد حيث تعتبر الاحاد فلا بد ان يراد به الشهرة ثم ذكر انه يمكن الاطلاع على الاجماع في الزمن المقارن لعصر ظهور الائمة عليهم السلام لامكان العلم باقوالهم فيمكن فيه حصول الاجماع والعلم به بطريق التتبع
اقول قوله والخلاف في غيرهما اشهر من ان يذكر قد تقدم ما يصلح جوابا له ونقضا وقوله فلا ينبغي التفات الخ باطل اما اولا فقد اثبتنا الالتفات فنفيه غير مسموع وراجع ما مضى واما ثانيا فلأن نفيه الالتفات اليه جعله متفرعا على وقوع الخلاف وليس كلما وقع فيه الخلاف لا يلتفت اليه لان وقوع الخلاف ليس دليلا على عدم الالتفات اليه ولا على عدم تحققه وباقي الكلام قد مر الكلام فيه
قال (ره) وعلى هذا لانحتاج الى اعتذار الشهيد الاول مع انه احسن الادب مع مشائخنا المتقدمين واما الشهيد الثاني فقد اساء الادب معهم كثيرا قال بعد ان اورد مايقرب من اربعين مسئلة ادعى الشيخ فيها الاجماع وليس كذلك قال وافردنا هذه المسائل للتنبيه على ان لا يغتر الفقيه بدعوى الاجماع فقد وقع فيه الخطأ والمجازفة كثيرا من كل واحد من الفقهاء سيما من الشيخ والمرتضى وفيه تصريح بتخطئة السيد والشيخ وغيرهما ونسبتهم الى المجازفة مع انه ناقض نفسه في اماكن كثيرة منها ما نقله عنه في المدارك في وجوب غسل القطعة اذا كان فيها عظم قال هذا الحكم ذكره الشيخان واتباعهما واحتج عليه في الخلاف باجماع الفرقة واعترف جمع من الاصحاب بعدم الوقوف على نص في ذلك لكن قال جدي ان نقل الاجماع من الشيخ كاف في ثبوت الحكم بل ربما كان اقوى من النص وهو مناف لما صرح به من التشنيع على الشيخ وغيره في دعوى الاجماع والمبالغة في انكاره
اقول ان مقام الشهيد ارفع من ان يجهل كل الجهل بأن ينكر الاجماع ويقع في الشيخ وغيره ولكن له مقاصد ولكلامه محامل وان كنا نجوز عليه الغفلة والخطاء ولكن بين لك ان الاجماعات المنقولة ليست من قبيل الاخبار ( الاحاد خ ) بحيث يكفي فيها مجرد النقل وتكون بمجرد ذلك ثابتة وان افادت مفادها بل هي من قبيل المسائل الاجتهادية فيجري فيها الترجيح للخلاف في شرائط الحجية من جهة معرفة دخول قول المعصوم عليه السلام بالقرائن الدالة على ذلك واما وقوع الخطأ واحتماله المانع من التقليد فيه فلعدم العصمة واما احتمال المجازفة فلامكان الاعتماد على نقل الثقة لانه قرينة دالة وذلك راجع الى حصول الظن للمعتمد فيكفي في حقه وان كان لا يكفي ذلك في حق غيره بل لا بد من الاطلاع الابتدائي في النقل حيث يمكن ليعلم هل المنقول ضروري او مركب او مشهوري او غير ذلك ولا يكتفي بالنقل بدون النظر فيه وقوله (ره) انه اساء الادب معهم كثيرا عجيب لانه انكر على الشهيد في اساءة الادب مع الشيخ والسيد ولم ينكر على نفسه في اساءة الادب مع الف سيد مثل السيد والف شيخ مثل الشيخ وقوله (ره) مع انه ناقض نفسه في اماكن كثيرة منها ما نقله عنه في المدارك الخ لا يلزم المناقضة بل معنى كلام الشهيد كما قلنا انه حصل له الظن بنقل الشيخ في هذه المسئلة فاعتمد على ظنه لا يقال كيف يحصل له الظن بنقل الشيخ في موضع وفي اخر لا يحصل لانا نقول ان مرادنا بحصول الظن حصوله عن رجحان الحكم في اللطيفة الربانية التي اشار اليها الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة بقوله وعرف احكامنا فان العالم ينظر بنور الله ويكون الدليل مقارنا لنظره ومطابقا ولو كان في الحقيقة نظره تابعا للدليل ابدا لكان اذا تعارض الدليلان يتعذر عليه الترجيح لعدم المرجح الا ترى انه لا يقبل كل دليل وانما يقبل ما يوافقه ونقل الشيخ للاجماع كغيره من الادلة يقبل منه العالم ما يوافقه وتكون الموافقة عنده دليلا على وقوع ذلك النقل الخاص لا عن خطأ ولا عن مجازفة وعدم الموافقة عنده دليلا على احتمال الخطأ والمجازفة بحيث لا يعتمد على مجرد النقل بدون النظر فيه الى ان يحصل الموافقة فافهم الاشارة
قال (ره) وقد تبين مما مر ان مثل هذا التشنيع العظيم مبني على ان طريق المتقدمين والمتأخرين واحدة وليس كذلك فلنا ان نقول ان المتقدمين انما يعملون بهذه الاصول التي احدثتها العامة لاجل الزامهم بما لا ينكرونه لا لاجل ان ذلك دليل عندهم كما انه كذلك عند المتأخرين والاجماع من اشهر ادلتهم فلا ينبغي نسبتهم الى الجهل وان ذلك بسبب مخالطتهم والطبع سراق لكن لا بد وان يراد به الاجماع الناشي عن اتفاق الاراء فانه من مخترعات العامة قطعا يدل على ذلك ما رواه في الكافي من جملة رسالة كتبها الصادق عليه السلام الى اصحابه يقول فيها وقد عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قبل موته فقالوا نحن بعد ما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله يسعنا ان نأخذ بما اجمع عليه رأي الناس ثم قال عليه السلام في احد اجرأ على الله ولا ابين ضلالة من اخذ بذلك فاجماعات السيد والشيخ واضرابهما ان ارادوا الناشي عن اتفاق الاراء فمرادهم الزام العامة القائلين بذلك وان ارادوا به الناشي عن اتفاق الروايات فهذا هو الحجة التي لا يجوز ردها
اقول قوله (ره) ليس كذلك يعني ان طريقة المتقدمين ليس مثل طريقة المتأخرين ليس بشيء لما بينا سابقا ان الطريقة واحدة والا لزم انقطاع الحق وارتفاعه في وقت من زمان التكليف عن الفرقة المحقة وقوله فلنا ان نقول انما يعملون بهذه الاصول الخ ممنوع في حق المتأخرين لتصريحهم بأن الاجماع عندهم لا يكون حجة الا اذا كان كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام وهو ممن نقل ذلك عنهم وكتبهم مشحونة بذلك فدعواه على المتأخرين بقوله كما انه كذلك باطلة وقوله فيهم بهتان وقوله فلا ينبغي نسبتهم الى الجهل يعني المتقدمين معارض بالقول الحق انه لا يجوز نسبة المتأخرين الى الجهل ولو قلت بالطريق الاولى لماكن مخطئا لما بينت سابقا من اختصاص المتأخرين بمزايا الاحتمالات المتجددة مع ان ما استقر من المذهب مع ادلته وتواجيهه وما اتفق عليه وما اختلف فيه قد صار اليهم وان كان من جهة المخالطة مع العامة فالمتقدمون اشد وان كان من جهة ان الطبع سراق فلا ريب ان المتقدمين يخاف عليهم من ذلك اشد من المتأخرين لاختلاط الاحكام والحكام في عصر المتقدمين بخلاف المتأخرين وليس في الحديث على المتأخرين طعن بوجه ما وما حكم للسيد والشيخ واضرابهما من الارادة الحسنة بانهم ان ارادوا الناشي عن اتفاق الاراء الى اخر كلامه فهو في حق المتأخرين بالطريق الاولى لان المتأخرين لا يكادون يريدون الناشي عن الاراء قط وما يتوهم من عبارات بعضهم فهو اما لانه قد ظهر له تحقق دخول قول المعصوم عليه السلام ولم يظهر لغيره الناظر في عبارته او انه غلط في التعبير عن هذا المعنى او انه راد على غيره دليله بحمل اجماع ذلك الغير على ذلك ليبطله او انه اخطأ في الارادة لذلك سهوا ومن ذهب منهم الى اعتبار حجية مجرد الشهرة كما سبق انما يزعم ان ذلك تحصل منه قوة الظن بدخول كلام المعصوم عليه السلام وعلى كل تقدير فالشيعة لا يعتبرون الاراء ولا اتفاقها في الدين ما لم تفد دخول قول الحجة عليه السلام والمدعي عليهم باهت لهم
قال الرابع سبب اختلاف علمائنا في مسائل التفريع اختلاف انظارهم ومباديها كما هو جار بين سائر الامة وسبب اختلافهم في المسائل المنصوصة فسببه اختلاف الروايات ظاهرا وقل ما وجد فيه التناقض بجميع شروطه وقد كانت الائمة عليهم السلام في زمان تقية واستتار لقوة مخالفيهم وكثيرا ما يجيبون السائل على وفق معتقد بعض من عسي ان يصل اليه المعاندون او يكون الجواب عاما مقصورا على سببه او قضية في واقعة مخصوصة او اشتباه على بعض النقلة عنهم او عن الوسائط بيننا وبينهم كما وقع في زمن النبي صلى الله عليه وآله مع ان زمان الائمة (ع) كان اطول من الزمان الذي انتشر فيه الاسلام ووقع فيه النقل عن النبي صلى الله عليه وآله وكانت الرواة اكثر عددا فهم بالخلاف اولى لا ريب ان الاشتباه مع الاصحاب اقرب من الاشتباه مع الجماعة خصوصا اذا كانوا من العلماء المحققين ولم يوجد لهم مخالف وقد دل العقل والنقل على قبح العمل بالمرجوح الضعيف وترك العمل بالراجح القوي نعم في بعض الصور قد يحصل الظن القوي في خلاف المشهور فيجب العمل به لرجحانه على الظن الحاصل من المشهور سيما اذا كانت الشهرة بين المتأخرين دون غيرهم وما احسن ما قيل المناسب لاهل الورع ان يراعي في العمل بالاحكام الشرعية ما امكنه من الاحتياط في المسائل الخلافية فيختار فيها طريقا لا تعارضه رواية ولا ترده دراية تتفق في حسنه الاراء والاثار وتشهد على صحته الفتاوي والاخبار فانه مسلك لا ريب فيه وسبيل واضح لا عيب يعتريه انتهى كلامه الذي اردنا نقله والكلام عليه عفى الله عنه وعنا وعن جميع المؤمنين
اقول اول كلامه هذا لا بأس فيه الى قوله فهم بالخلاف اولى وقوله لا ريب ان الاشتباه مع الاصحاب اقرب من الاشتباه مع الجماعة الخ يطول الكلام فيه الا انه لا فائدة فيه فيما نحن بصدده وقوله لا سيّما اذا كانت الشهرة بين المتأخرين الخ مردود بما تقدم وقوله وما احسن ما قيل الى اخر كلامه فيه انه يلزم منه ان المصير الى الاخبار بدون ملاحظة كلام العلماء وسلوك الجمع بينهما ليس فيه احتياط وانما الاحتياط في الفتوى سلوك طريق الجمع بينهما فانه الذي لا ريب فيه ولا عيب يعتريه وما سواه ففيه ذلك وهو كما ترى وانما اوردت كلامه اعلى الله مقامه لما في الكلام عليه من الفوايد المتعلقة بمسئلة الاجماع مما نثبته وننفيه واعلم ان فيما كتبت بعض المسائل المستغربة ولولا خوف الاطالة وقوله عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله ه لاوردت في ذلك من الاخبار وصحيح الاعتبار ما يجعلها انسية بعد ما كانت وحشية ولكن لا حاجة الى ذلك فان اهلها يعرفونها والاغيار غير مخاطبين بها والسلام على من اتبع الهدى
وفرغ منها مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابراهيم الاحسائي قبل الزوال من السادسعشر من شهر رمضان سنة خمس عشرة بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلوة والسلام حامدا مستغفرا مصليا مسلما والحمد لله رب العالمين