
حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحسائي انه قد حصل كلام من بعض الطلبة المحصلين والعلماء العارفين الطالبين للحق واليقين الذين لا يكتفون بالظن والتخمين فيما يذكره اكثر العلماء والحكماء من اثبات الامور الاعتبارية وغيرها وكثرة ما يبرهنون عليها حتى كانت عندهم من المسائل القطعية بحيث كان اكثر من يعد من المحققين المدققين اذا سمع شيئا من ذلك او رءاه تلقاه بالقبول ولم ينظر فيه ولم يتدبر في ادلته ولم يتفهم ذلك مع ان تلك المسائل التي اعتمدوا عليها مع ادلتها التي بنوها عليها اذا رجع العاقل الى الادلة العقلية والنقلية خصوصا ما دل عليه الكتاب والسنة من النظر في ايات الله في الافاق وفي الانفس وخصوصا ما اصله ائمة الهدى محمد واهل بيته الطاهرون صلى الله عليه وعليهم اجمعين مثل قول الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك ه وقوله عليه السلم كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم ( عليكم خ ) ه ومثل قول الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هيهنا ه وامثال ذلك اذا تدبرها تبين له بطلان ما اعتمدوا عليه على جهة القطع واليقين لا يأبى ذلك الا مكابر لعقله او جامد على ما انست به نفسه فاحببت ان انبه على ذلك افهام الغافلين بذكر بعض الادلة الذوقية التي يقطع بها كل منصف طالب للحق اذ ليس بعد الحق الا الضلال وعلى الله سبحانه قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل
وممن ذكر ما اشرنا اليه فخر العلماء والحكماء المتألهين المحقق الخواجه نصيرالدين قال رحمه الله في التجريد والقدم والحدوث اعتباران ينقطعان بانقطاع الاعتبار وقال العلامة الحلي رحمه الله في شرحه اقول ذهب المحققون الى ان القدم والحدوث ليسا من المعاني المحققة في الاعيان وذهب عبدالله بن سعيد من الاشعرية الى انهما وصفان زايدان على الوجود والحق خلاف ذلك وانهما اعتباران عقليان يعتبرهما الذهن عند مقايسة سبق الغير اليه وعدمه لانهما لو كانا ثبوتيين لزم التسلسل فان الموجود من كل منهما اما ان يكون قديما او حادثا فيكون للقدم قدم وكذا الحدوث هف بل عقليان يعتبرهما العقل وينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو ان يقال اذا كان القدم والحدوث امرين ثبوتيين في العقل امكن عروض القدم والحدوث عليهما ويعود المحذور من التسلسل وتقرير الجواب انهما اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع الاعتبار فلا يلزم التسلسل انتهى وقال في المتن بعد ذلك ولا يفتقر الحادث الى المادة والمدة والا لزم التسلسل وقال الشارح ذهب الفلاسفة الى ان كل حادث مسبوق بمادة ومدة لان كل حادث ممكن وامكانه سابق عليه وهو عرض لا بد له من محل وليس بمعدوم لانتفائه فهو ثبوتي هو المادة ولان كل حادث يسبقه عدمه سبقا لا يجامعه المتأخر فالسبق بالزمان وهو يستدعي ثبوته فهذان الدليلان باطلان لانه يلزم منهما التسلسل لان المادة ممكنة فمحل امكانها مغاير لها فتكون لها مادة اخرى على انا قد بينا ان الامكان عدمي لانه لو كان ثبوتيا لكان ممكنا فيكون له امكان ويلزم التسلسل والزمان تتقدم اجزاؤه بعضها على بعض بهذا النوع من التقدم فيكون للزمان زمان هف انتهى
اقول الحق ان القدم والحدوث من المعاني المحققة في الاعيان لان القديم ان لم يتحقق اتصافه بالقدم في الخارج لم يكن قديما والحادث اذا لم يتصف في الخارج بالحدوث لم يكن حادثا ولا يلزم في تحققه كونه منفردا بنفسه غير منضم في تقومه وتحققه الى غيره بل يصدق تحققه وثبوته بوجوده في موصوفه ومعروضه ولو كان لا يتحقق ثبوت الشيء وتحققه في الخارج الا اذا كان منفردا عن غيره مستقلا بنفسه غير منضم الى غيره والا فهو اعتباري كانت جميع صفات الواجب تعالى كالعلم والحيوة والقدرة والسمع والبصر اعتبارية لا تحقق لها في الخارج مع انها عين ذاته وليست منفردة عن ذاته بل هي صفات متحدة بذاته مع انه لايقول احد بان شيئا من صفاته تعالى الذاتية اعتباري لا تحقق لها في الخارج كيف وهي عند الكل موسومة بالثبوتية بمعنى انها ثابتة له تعالى في الخارج لا في الذهن والاعتبار فعلمه وقدمه شيء واحد فان كان لو فرض تحقق قدمه وثبوته في الخارج لزم التسلسل المحال لزم التسلسل ايضا مع تحقق وجوده اذ يلزم ان يكون للوجود وجود فان قيل ان الوجود وجود بنفسه فلا يستلزم وجودا غير نفسه قلنا كذلك القدم فانه قدم بنفسه فلا يستلزم قدما غير نفسه وكذلك سائر صفات الازل من الحيوة والعلم والسمع والبصر والقدرة وما اشبه ذلك واعلم ان الاشياء لا يخرج شيء منها عن احد اتصافين اما اتصاف بقدم او اتصاف بحدوث ثم الاتصاف لا يخلو اما ان يكون الاتصاف بوصف ثبوتي متحقق في الخارج او بوصف اعتباري لا تحقق له في الخارج وانما يعتبر ثبوته في الذهن فان كان الاتصاف بوصف ثبوتي متحقق في الخارج كان المتصف بالقدم اذا كان ثابتا له موجودا معه قديما ولو كان ما اتصف به انما ثبت في نفسه وتحقق ذهنا لا خارجا لم يكن بذلك الاعتبار قديما بل يكون الذهن كاذبا والموصوف بذلك بخصوص الذهن حادث كما اذا اعتبرت كون زيد قديما فانه حينئذ متصف بالقدم في الذهن مع انه حادث لم يجعله اعتبارك قديما وكذلك الكلام في الحادث فان الامكان والحدوث ان لم يثبت لزيد مثلا في الخارج ويتحقق بحيث يكون اتصافه بالامكان اتصافا حقيقيا وجوديا ويكون للوصف وجود متحقق في الخارج كوجود زيد في مطلق التحقق لميكن زيد ممكنا وان ثبت له الامكان في الاعتبار بل يكون قديما واجبا اذ لا واسطة بين الوجوب والامكان الا على ما ذهب اليه المعتزلة من اثبات احوال ليست قديمة ولا حادثة فاذا اعتبر الذهن الامكان لزيد ولم يكن الامكان موجودا له في الخارج كان اعتباره كاذبا كما لو اعتبر له الوجوب فان الذهن انما كان كاذبا حين اعتبر الوجوب لزيد لان الوجوب لم يثبت لزيد في الخارج وانما اتصف به في الذهن خاصة فكذلك اذا اعتبر الامكان ولم يكن موجودا في الخارج لزيد وتوهم لزوم التسلسل اذا فرض تحقق الامكان والحدوث والقدم وما اشبهها توهم فاسد وخيال كاسد اذ لا فرق بين تحقق الحدوث والوجوب والوجود والقدم وسائر الصفات للواجب والحادث كالسمع والبصر والحيوة والعلم والقدرة والكتابة والخياطة والحركة والسكون وما اشبه ذلك فان لم يثبت شيء منها خارجا ولم يتحقق لم يكن الموصوف به متصفا بشيء لان ما لم يثبت الا في الذهن ليس بشيء في الخارج فافهم وقول المحقق الطوسي في التجريد والعلامة الحلي في شرحه ان القدم والحدوث اعتباريان ينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي والا لزم التسلسل المحال فان الموجود من كل منهما اما ان يكون قديما او حادثا فيكون للقدم قدم وكذا الحدوث هف ليس بصحيح لما قدمنا من انه يلزم ذلك عليهم في الوجود فانه متحقق في الخارج ثابت بلا اشكال فيلزم ان يكون له وجود ولوجوده وجود وهكذا فيتسلسل والتزامهم بالاعتباري فرارا من لزوم التسلسل يوقعهم في نظيره في الوجود ولا يقدرون على التزام الاعتبار فيه ولا ينفعهم الاعتبار فيما جوزوه فيه كالقدم لان القديم تعالى ما اتصف عندهم بشيء ولو اتصف بشيء لم ينقطع بتصورهم كما لم ينقطع غني زيد بانقطاع تصورهم لغناه بان يكون غنيا ما داموا يتعقلونه فاذا قطعوا التعقل كان زيد فقيرا واما الذي يستغني في عقولهم ويفتقر ليس هو زيدا الموجود خارجا وانما هو الصورة المنتزعة من زيد الذي في الخارج فانها هي التي يتصل اتصافها بالغنى في اذهانهم باتصال تصورها وينقطع عنها الغنى بانقطاع تصورها ولا يختلف حال زيد في الغنى والفقر باتصال الاعتبار وانقطاعه وقول العلامة في الشرح امكن عروض القدم والحدوث عليهما ليس بمستقيم لان المعروض اعني القديم والحادث الذهنيين اذا عرض عليه القدم والحدوث الذهنيان الاعتباريان لا يكون مقتضيا لان يعرض القدم او الحدوث الخارجيان على القديم والحادث الخارجيين الا اذا كان القدم والحادث الذهنيان ومعروضهما انتزعها الذهن الصادق من اصولها الخارجية التي هي منشأ انتزاعها ليكون ما في الذهن فرعا مبنيا على اصله الخارجي وظلا انتزاعيا من شاخصه الخارجي وحينئذ تثبت دعوي ان القدم والحدوث وما اشبههما من النسب امور متحققة في الخارج وجودية لا اعتبارية وايضا قول المحقق الطوسي (ره) في متن التجريد كما تقدم نقله ولا يفتقر الحادث الى المادة والمدة والا لزم التسلسل وقول العلامة الحلي (ره) ذهبت الفلاسفة الى ان كل حادث مسبوق بمادة ومدة لان كل حادث ممكن وامكانه سابق عليه الى اخر ما نقلناه فيما تقدم مثل الذي قبله في عدم الاستقامة لان قوله رحمه الله في رد كلام الفلاسفة ليس بصحيح والدليلان اللذان ذكرهما الفلاسفة ليسا بباطلين وان كانا مبنيين على البحث الذي مستنده المجادلة بالتي هي احسن فان قوله يلزم منهما التسلسل ليس بصحيح في دليل الحكمة بل وفي دليل المجادلة بالتي هي احسن لمن لطف حسه وصح تمييزه فانا قد قلنا ان المادة اصلها الامكان كما سيأتيك فيما بعد هذا وعلى ظاهر الدليل ان الحادث انما كان امكانه سابقا على مادته في الوجود العلمي لا في الوجود الكوني فلما اخترع البارئ عز وجل المادة لا من شيء على مقتضي الحكمة ظهرت في الكوني بجميع ما يتوقف عليه تكوينها من الاسباب التي هي اركان ماهيتها اعني صورتها لان الماهية عندنا هي القابلية وهي في الخلق الاول الصورة النوعية بجميع اركانها وحدودها ومتمماتها ومكملاتها لان المادة عندنا هي الوجود وهي الماء التي جعل تعالى منه كل شيء حي وهي ادم الاول عليه السلم من المكونات وخلق منه زوجته وهي حواء وهي الامكان في نفس الامر بالنسبة الى المشية الامكانية فالمادة عندنا هي الاب كما حققناه في الفوائد عقلا ونقلا والصورة هي الام فراجعه هناك بخلاف ما توهمه القائلون بالعكس والصورة النوعية في الخلق الاول هي الامكان الذي ظهر وصفا للمادة لانه خلق منها كما خلق الانكسار من الكسر وهو صفة الكسر وجزء ماهية الشيء فالامكان بلحاظ الكنه هو اصل مادة المكون الذي خلقت منه كما ذكرناه في الفائدة الخامسة عشرة من الفوائد وبلحاظ الماهية والهيئة المعبر عنها بالقابلية هو صفة المكون كما تقول الوجود بلحاظ كنه الشيء هو اصل مادة المكون الذي خلقت المادة منه وبلحاظ هيئته وقابليته هو صفته فتقول في لحاظ الكنه مادته من الوجود الموصوفي والامكان الموصوفي وفي لحاظ الصفة موجود وممكن وهو الوجود الوصفي والامكان الوصفي والاشياء كلها بهذا النمط مثلا النار اصلها حرارة ويبوسة وصفتها حرارة ويبوسة الا ان الحرارة واليبوسة الموصوفيين جوهران والحرارة واليبوسة الوصفيين عرضان كما ان الوجود والامكان الذاتيين جوهران والوجود والامكان الوصفيين عرضان والجوهر الاول خلق لا من شيء والعرض خلق من الجوهر واول التعين المشية واول صادر عن المشية الامكانية الامكان خلقت بنفسها لا من شيء غير نفسها وخلق الامكان من هيئة المشية فهو تأكيد لها مثل ضربا خلق من ضرب فهو تأكيد له وهو وان كان بمنزلة العرض بالنسبة الى المشية الا انه ذات بالنسبة الى من دونه تذوت من دونه بفاضل تذوته وجميع جزئيات الاشياء كل واحد خلقت مادته حصة من نوعه الواقع في رتبته وقابليته خلقت من نفس مادته من حيث هي هي وسائر صفاته وافعاله واقواله واحواله حدود قابليته التي هي ماهيته بالمعنى الاول وبالمعنى الثاني وقد اشرت الى مأخذ ادلة ما ذكرنا في بعض رسائلنا ودليل الشارح رحمه الله في بيان بطلان دليلي الحكماء لانه يلزم منهما التسلسل لان المادة ممكنه فمحل امكانها مغاير لها فتكون لها مادة اخرى هو الباطل لما بينا من ان المادة اصلها الامكان وهي حصة منه لا انها محل لامكانها لان الامكان الذي هي محله في الحقيقة صفتها والصفة متأخرة عن الموصوف والسابق على المادة هو الامكان الجوهري والمادة حصة من هذا الجوهري كما تقدم فلا تكون المادة محلا له وقوله على انا قد بينا ان الامكان عدمي الخ وانا اقول انا قد بينا ان الامكان ثبوتي وجودي ممكن متحقق ولا يلزم انه يكون له امكان اخر لانه امكان بنفسه فلا يلزم التسلسل وانما قلنا انه امكان بنفسه لانه في نفس الامر هيئة المشية وتأكيدها فهو منها وهي شيء به كالكسر والانكسار فامكانه منها لأنها ممكنة بنفسها وهو محلها وامكانها به لتوقف ظهور كونها عليه كما تقدم
قال في الشرح المسمى بالمفصل على شرح المحصل لفخرالدين الرازي: اعلم ان المتكلمين انكروا كون الاعراض النسبية امورا وجودية بل زعموا انها اعتبارات ذهنية لا وجود لها في الخارج اما الاضافة فقد احتجوا على كونها كذلك بوجوه : الاول ان الاضافة لو كانت موجودة في الاعيان لكانت حالة في محل ضرورة انها ليست من الامور القائمة بانفسها ولو كانت حالة في محل لكان كونها في المحل اضافة اخرى عارضة لها فيحتاج هي ايضا الى محل والكلام فيها كالكلام في الاولى ويلزم التسلسل وانه محال الثاني لو كانت الاضافة موجودة في الاعيان لزم ان يكون البارئ تعالى محلا للحوادث والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية هو ان كل حادث يحدث فان الله تعالى يكون موجودا معه وتلك المعية اضافة وهي ما كانت موجودة قبل ذلك الوقت ويزول بعده فيكون الباري تعالى محلا لتلك المعية الحادثة التي هي اضافة الثالث لو كانت الاضافة موجودة في الاعيان لكانت مشاركة لسائر الموجودات في الوجود لما ثبت ان الوجود وصف مشترك بين جميع الموجودات ومتميزة عنها بخصوصياتها وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز واذا كان كذلك كان وجودها غير ماهيتها لكن الوجود ما لم يتقيد بتلك الخصوصية لم توجد الاضافة في الاعيان ويكون ذلك التقييد سابقا على وجود الاضافة لكن ذلك التقييد فاذن لا توجد الاضافة في الخارج الا اذا وجد الاضافة قبلها والكلام في الاضافة الثانية كالكلام في الاضافة الاولى فيلزم ان لاتوجد الاضافة الا بعد وجود الاضافات اللانهاية لها وانه محال ولانه يلزم ان تكون الاضافة موجودة قبل نفسها وانه دخل في الاستحالة والجواب عن الاول ان نقول لا نسلم ان الاضافة لو كانت في محل كان حلولها في المحل اضافة اخرى عارضة لها وانما يلزم ذلك ان لو كانت الاضافة مفهوما اخر وراء هذا الحلول وليس كذلك فان الابوة العارضة للموضوع مثلا مفهومها عين مفهوم العروض للموضوع وليس لها مفهوم آخر وراء ذلك العروض للموضوع واذا كان كذلك لا يلزم ان يكون للعروض للموضوع عروض آخر للموضوع حتى يلزم التسلسل وفيه نظر لان حلولها في المحل مشروط بوجودها ونسبة بينها وبين محلها والمشروط مغاير للشرط والنسبة للمنتسب وعن الثاني لان نقول لا نسلم صدق الشرطية وانما تصدق ان لو كان معنى قولنا ان الله تعالى موجود مع الحادث المعين كونه موجودا معه في الزمان او في المكان وهو ممنوع فان الله تعالى منزه عن ذلك بل معنى ذلك صدق الوجود عليه زمان صدق الوجود على غيره من الحوادث وذلك لا يوجب اضافة ولا نسبة فلا يلزم قيام الحوادث بذات الله تعالى وعن الثالث انا لا نسلم كون الوجود وصفا مشتركا بين جميع الموجودات وما ذكر من الدليل عليه فقد اجبنا عنه ولئن سلمنا كون الوجود مشتركا لكن لا نسلم انه يلزم تقدم الاضافة على نفسها وانما يلزم ذلك ان لو كان مفهوم تقيد الوجود بالخصوصية مغايرا لمفهوم الاضافة وهو ممنوع بل عندنا مفهوم الاضافة ومفهوم ذلك التقيد واحد وفيه ما مر من الجواب عن الوجه الاول انتهى كلام المفصل
اقول والنظر المدعى في الجواب عن الاول لا يتوجه على الجواب لان المراد بالوجود الذي هو شرط هو وجوده لمحله لا الوجود الذي به يتحقق ووجوده لمحله هو عين حلوله فيه فلا يكون في الجواب قدح واما على قولنا بان وجوده الذي به هو فليس مرادا اذ ليس له مدخل في هذه الشرطية التي يلزم منها مع فرض مغايرة الوجود للحلول التسلسل اذ شرطية الوجود الذاتي لا يختص بالنسب فلا يكون مرادا في الشرطية واما الجواب عن الثاني فهو جيد على ظاهر القول واما في حقيقة الامر فهو مثل الاعتراض الثاني في الفساد لان الاعتراض الثاني مبني على كون القديم تعالى موجودا في الامكان وان وجوده مفهوم مدرك كوجود الحوادث ولذا شرك المعترض بين وجوده ووجود غيره من خلقه في نفس الوجود وفي نفس المفهوم لجعله وجود الحق تعالى مفهوما مدركا محاطا وفي المعية لأنها متفرعة على ذلك ووجه كون الجواب مثل الاعتراض في الفساد من قوله بل معنى ذلك صدق الوجود عليه زمان صدق الوجود على غيره فسوى بين الوجود الحق والوجود الحادث الفاني والجواب ان يقال انه تعالى لا تصح على ذاته المقدسة مطلق المعية بوجه من الوجوه وانما المراد بالوجود الصادق عليه زمان صدق الوجود على غيره هو المعنى الذي يخاطب به المكلفون الذي هو المعبر عنه في الفارسية بهست لانه هو الذي يدركه المكلفون والذي يدركه المكلفون ويفهمون معناه ليس هو الوجود القديم المجهول الكنه لكل من سواه ومراد المجيب في جوابه انه هو الواجب الحق ولذا قلنا انه مثل الاعتراض في الفساد ووجه كلامنا انه تعالى مع كل شيء بفعله وقيوميته الفعلية والدليل على هذا انه عز وجل قال في كتابه سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم ولما نظرنا في الافاق رأينا السراج وقرأنا ما ضرب الله تعالى فيه من الامثال والايات فاذا جميع اشعته المنبثة في الجدران والبيوت قائمة به قيام صدور وقيام تحقق ركني لان الاشعة كلها منتهية الى الشعلة المرئية والشعلة في الحقيقة دخان من الدهن تكلس بحرارة النار واستنار بمس حرارتها اي حرارة فعلها فالاشعة قائمة بحرارة فعل النار قيام صدور وبالدخان المستنير بمس فعل النار قيام ركني فليس في السراج شيء من الاشعة وانما هي منبثة في الجدر والبيوت لكنها متقومة بالشعلة المرئية فلا يخلو شيء من الاشعة عن فعل النار طرفة عين والا لعدم واضمحل ولم يكن متقوما بنفس النار فالنار الجوهر اعني الحرارة واليبوسة الجوهريين آية الازل عز وجل ولله المثل الاعلى ومس النار اية فعل الازل تعالى والدخان المستنير بمس النار اية نور الانوار والوجود الممكن الراجح والماء الذي جعل منه كل شيء حي وهو نور محمد واله صلى الله عليه واله والاشعة مثال سائر الخلائق فالمعية التي تتحقق بها النسبة والاضافة انما هي بين فعل الله وبين سائر الحوادث من الغيب والشهادة وهي نسبة اشراقية تثبت بثبوت المنتسب وتزول بزواله واما الجواب عن الثالث فهو حسن وليس فيه شيء كما توهمه صاحب المفصل واما نسبة الشيء الى الزمان فهي في الحقيقة كنسبته الى المكان والاعتراض عليه والجواب عنه يعرف مما تقدم
وكذلك نسبة التأثير الى المؤثر فانه قال في الشرح المسمى بالمفصل : الدليل على ان تأثير الشيء في الشيء ليس امرا مغايرا لذات المؤثر والاثر هو انه لو كان كذلك لكان عرضا قائما بذات المؤثر والاثر ضرورة انه ليس جوهرا قائما بنفسه مباينا عن ذات المؤثر والاثر ولو كان كذلك لكان مفتقرا اليه فيكون ممكنا لذاته مفتقرا الى مؤثر فيكون تأثير المؤثر فيه ايضا امرا آخر مغايرا له ولمؤثره والكلام فيه كالكلام في الاول فيلزم التسلسل وانه محال انتهى
اقول التأثير فعل المؤثر ولا يوجد الا عند الشروع في الفعل والمؤثر ذات موجودة قائمة بنفسها والتأثير حركته ولا تقوم بنفسها فهي مغايرة للمؤثر ذاتا واسما ورتبة فدعوى اتحادهما جهل محض خارجة عن مقتضى العقل فان المؤثر يوجد ولم يكن الاثر لان الاثر مثل القيام والتأثير احداث الاثر فان كان احداثك القيام هو انت كان التأثير هو المؤثر ولا شك في ذلك ولكن ثبوت مغايرته للمؤثر لا يستلزم التسلسل لما قررنا مرارا بانه فعل والفعل يحدثه الفاعل بنفسه اي بنفس الفعل كما قال الصادق عليه السلم خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية والفقهاء قد اتفقوا على ان المصلي يحدث الصلوة بالنية ويحدث النية بنفسها فلا يستلزم مغايرة التأثير للمؤثر والاثر تسلسلا ولا دورا وقد بينا ذلك في الفوائد وشرحها وفي غيره
وكذلك مقولة الانفعال قال في الشرح المذكور لو كان مقولة ان ينفعل التي هي عبارة من قبول الشيء للشيء امرا زايدا لكان ذلك القبول قائما عرضا قائما بالمحل فتكون موصوفية ذلك المحل بذلك القبول امرا زائدا على ذلك القبول والكلام فيها كما في الاول ولزم التسلسل وانه محال فهذا جميع دلائل نفاة الاعراض النسبية انتهى
اقول قد تقدم جواب مثل هذا بان نقول ان القبول زائد على القابل وليس غير الموصوفية وعلى تسليم الغيرية فليس للموصوفية موصوفية غير ما هي به موصوفية كما بينا مرارا فلا يلزم التسلسل
وقال في الشرح المذكور : احتج الحكماء على كون هذه النسب امورا وجودية في الاعيان بان قالوا كون السماء فوق الارض اما مجرد اعتبار عقلي او امر محقق في الخارج والاول باطل لانه لو كان كذلك لكان هذا الحكم ثابتا قبل الفرض والاعتبار واللازم كاذب لان هذا المعنى حاصل سواء وجد الفرض والاعتبار او لم يوجد ولان الفوقية قد تحصل للشيء بعد ما لم تكن حاصلة له والفوقية حصلت اذن بعد عدمها والحاصل بعد عدمه لا يكون عدميا والا لكان نفي النفي عدميا والثبوت عدما هذا خلف فعلم ان الفوقية صفة وجودية في الخارج وليست هي نفس ما عرض له الفوقية وهو الجسم مثلا من حيث انه تلك الذات ليس امرا مقولا بالقياس الى غيره ومن حيث انه معروض للفوقية مقول بالقياس الى الغير والفوقية مغايرة لتلك الذات ولان الفوقية لو كانت نفس ما عرضت له لزال معروضها بزوالها وليس كذلك لان الشيء قد لا يكون فوقا ثم يصير فوقا وبالعكس وهو اعني معروض الفوقية باق في الحالين والفوقية غير حاصلة حال عدمها فالفوقية حاصلة لمعروضها هذا تقرير ما ذكره الامام والحكماء ذكروا لاثبات هذا المطلوب وجها آخر وهو ان المفهوم من كون الشيء مؤثرا في غيره قابلا له مغاير لتلك الذات المخصوصة لانه يمكننا تعقل تلك الذات المخصوصة مع الذهول عن كونها مؤثرة في الغير او قابلة له والمعلوم مغاير لما ليس بمعلوم وليس امرا عدميا لان قولنا للشيء انه مؤثر نقيض لقولنا انه ليس بمؤثر وقولنا ليس بمؤثر عدمي لصدقه على الامر العدمي وامتناع صدق الموجود على المعدوم فهو اذن وجودي لوجوب كون احد النقيضين وجوديا وانت لا يخفي عليك فساد هذا الوجه بعد احاطتك بما سبق من المباحث انتهى
واقول ما ذكره الحكماء والامام صحيح لا شك فيه ولا غبار عليه الا ما دخل على الخصم من الشبه التي هي كالسراب والوجه الاخير الذي ذكره الحكماء اشد صحة وابين وضوحا نعم فيما ذكر الامام والحكماء لو كانت نفس ما عرضت له لزال معروضها بزوالها اعتراض وهو انهم عندهم على اصطلاحهم يطلقون الاتحاد على اللازم حال اعتبار اللزوم وان كان في نفسه مغايرا لملزومه وهذا وان كان غلطا منهم وباطلا الا ان ذلك غير ملزم لهم لانهم لا يسلمونه فانهم يقولون انك اذا تصورت صورة زيد في خيالك كانت حال تصورك لها متحدة بنفسك يمتنع تصور انفكاكها من نفسك واذا ذهلت عنها زالت الصورة عندهم ولا يلزم من زوالها زوال ملزومها الذي كانت هي حال التصور نفسه وهذا كله باطل وما ذكره الامام والحكماء هنا كله حق وان الفوقية اذا كانت نفس ما عرضت له يزول بزوالها والا لم تكن نفسه بل هي غيره لان كونها نفسه ان كان في الواقع كذلك فلا ريب ان الشيء اذا زال فقد زال وان كان لم يزل فانما زال غيره وغيره لا يكون نفسه فيا سبحان الله ما اعمى قلوبا وبصائر عن الحق والطريق القصد الواضح واصل منشأ هذا الاعوجاج ما ذكرناه مرارا في كثير من كتبنا ورسائلنا بان اصل ذلك من احد امور ثلاثة احدها العناد والاستكبار والاستنكاف عن الاعتراف بالحق للاغراض الدنياوية وهذا شأن كثير من الناس وثانيها ليس المانع من قبول الحق والاعتراف به ذلك ولكن من الناس من سمع شيئا ولم يفهم انه باطل واستمر عليه حتى اطمأنت به نفسه وانست به فاذا سمع خلاف ما كان عنده وان كان حقا بل ربما يظهر له انه حق انكره وتكلف رده ومعارضته وليس عنادا ولكن نفسه انست بخلافه فيصعب عليها مفارقته والعدول عنه فيتكلف تصحيح ما انست به نفسه وثالثها ليس المانع من قبول الحق العناد ولا انس النفس بخلافه ولكنه يستند في جميع ما يصل اليه ويسمعه الى قواعد اعتمد على صحتها وضوابط قررها يعتقد انها في كل ما تنطبق عليه وتتناوله حق بقول مطلق فاذا سمع شيئا بخلاف ما عنده اولم يعلم به عرضه على قواعده ووزنه بعيارها وبميزان عقله وفهمه في انطباقها عليه او عدم انطباقها فاذا رأى ما سمع مخالفا لقواعده او لتمشيته اياها اليه انكره ولم يقبل الا ما وافق وزنه بتلك القواعد وتكلف رده ونقضه ولعل الغلط في قواعده او في تطبيقها على ما سمع وكل واحد من هؤلاء الاصناف الثلاثة اذا اراد الاستدلال على مطلبه وجد له في مطلق الادلة من الكتاب والسنة ومن الامثال التي ضربها الله سبحانه للناس ومن الايات التي اراها خلقه في الافاق وفي انفسهم اذا طلب ذلك وجد فيها ما يوهم الدليل على مطلبه والعلة فيه قوله تعالى ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى وذلك في قوله عليه السلم لو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك هلك من هلك ونجى من سبقت له من الله الحسنى ه نقلته بالمعنى او كما قال
واعلم ان معمر بن عباد من المعتزلة وكان سابقا بالزمان على الاشعري لما تأمل في حجة الفلاسفة في اثبات النسب والاضافات وجدها قوية الاركان مشيدة البنيان واعترف بمقتضاها وقال بكونها وجودية ولما الزمه الخصم بلزوم التسلسل ولم يقدر على رد ذلك بنحو ما ذكرنا التزم بالتسلسل ومنع استحالته وقال بثبوت اعراض لا نهاية لها يقوم بعضها بالبعض فاجاب عنه المتكلمون بوجهين الاول ان كل عدد موجود فله نصف بالضرورة ونصفه اقل من كله والا لزم ان يكون جزء الشيء مساويا له وهو محال بالضرورة وكل ما كان اقل من غيره فهو متناه فنصف كل عدد متناه اما الكبرى فلانا اذا قابلنا الفرد من الاقل بالفرد من الاكثر فاما ان تثبت هذه المقابلة لكل فرد من الاقل لكل فرد من الاكثر من غير تكرير او لا تثبت فان ثبت لزم ان تكون افراد الاقل مساويا لعدد افراد الاكثر فالاقل مثل الاكثر وهو محال بالضرورة وان لم يثبت يلزم ان يفنى عدد افراد الاقل فتكون افراد الاقل متناهية واذا كان نصف كل عدد متناهيا كان الكل ايضا متناهيا لان الزائد على المتناهي بمقدار متناه يكون متناهيا وهو المطلوب قال معمر لا نسلم ان كل عدد فله نصف بل ذلك عندي من خواص العدد المتناهي لم قلتم بانه ليس كذلك لا بد له من دليل اجاب المتكلمون بانه لا حاجة لنا الى هذه المقدمة بل نقول كل عدد موجود بدون عشرة افراد منه اقل منه مع تلك الافراد العشرة والعلم به ضروري ثم تتم الحجة المذكورة الى آخرها ثم اجاب المتكلمون عن منع صغري القياس قال معمر لا نسلم صدق الكبرى وهو قولكم ما كان اقل من غيره فهو متناه ومستند المنع هو ان مقدورات الله تعالى اقل من معلوماته لاندراج الواجبات والممتنعات في المعلومات دون المقدورات اذ القدرة لا تتعلق الا بالممكنات مع ان كل واحد من المقدورات والمعلومات لا نهاية لها وكذلك تضعيف الالف مرارا لا نهاية لها اقل من الالفين مرارا لا نهاية لها مع ان كل واحد منهما غير متناه اجاب المتكلمون عنه بان قالوا المدعي في الكبرى ان كل عدد موجود هو اقل من عدد آخر موجود فهو متناه لما ذكرناه من البرهان وما ذكرتموه من الصورتين فلا نسلم وجودهما في الخارج اما الصورة الاولى فلانا اذا قلنا مقدورات الله تعالى غير متناهية وكذلك معلوماته ليس معناه انها موجودة ولا نهاية لافرادها بل معناه ان اي ممكن يفرض فالقدرة صالحة لان تتعلق به واي معلوم يفرض فالعلم صالح لان يعلمه ولا ينتهي العقل عند حد يجزم بانه لا يقدر على الزائد على ذلك الحد ولا يعلم الزائد عليه مع ان الموجود في الخارج من المقدورات والمعلومات ابدا يكون متناهيا وكذلك الجواب عن الصورة الاخرى لان معنى تضعيف الالف مرارا لا نهاية لها ان كل حد يفرض في التضعيف فالعقل يقدر على تضعيفه مرة اخرى ولا ينتهي الى حد لا يقدر العقل على تضعيفه بعد ذلك وكذلك تضعيف الالفين مرارا لا نهاية لها لا ان تلك الاعداد المضعفة بغير نهاية موجودة في الخارج فان الموجود منها ابدا متناه انتهى
اقول قد اشرنا الى عدم تحقق التسلسل في الممكنات لانقطاع ترامي كل ما فرض فيه ذلك بحكم التضايف والمعية كما مثلنا فيه بالكسر والانكسار وذلك في كل ما يفرض فيه الترامي هذا فيما تعرفه العقول من حكم ما في الامكان واما فيما تعرفه الافئدة فلا امتناع في فرض ترامي اشياء في الخارج لا الى نهاية لان قدرة الله لا تقدرها عقول الممكنات لما قررنا من ان الاشياء انما تعرف اشباهها وتشير الالات الى نظائرها كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلم انما تحد الادوات انفسها وتشير الالات الى نظائرها والازل عز وجل بخلاف ما عليه خلقه في كل شيء واما معمر بن عباد فمنعه للتسلسل لا عن دليل ولذا استدل بتجويز ترامي اعراض لا الى نهاية وهو غلط لما قلنا بانحصار الواقع في انتهائها الى التضايف والمعية والدليل الحقيقي ما اشرنا اليه سابقا من انه ممكن وان الممتنع ممتنع الفرض اذ لا يوجد الا الواجب والممكن والعلة في عدم ايجاد ما احالته العقول ان كل شيء انما خلقه الله للتعريف والتعرف ولو خلقه تعالى على غير ذلك لم يمكن له المعرفة ولا يمكن لغيره الاستدلال به لانه خلق على غير مقتضى الحكمة والمخلوق ان خلق على خلاف مقتضى الحكمة كان مخلوقا على الاهمال فلا يعرف شيئا الا بوصف خاص به فيلزم لمعرفة جميع الاشياء لكل فرد منها وصف خاص به مميز له فيلزم في تعريف الاشياء اوصاف لا تتناهى فلما كان المؤلف على مقتضى الحكمة لا يعرف الا نظيره كان العقل لا يعرف الا ما الف على مقتضى الحكمة لانه كذلك بخلاف الفؤاد لانه غير مؤلف بل هو بسيط لانه آية الله سبحانه فهو يدرك ان الذي يحكم عليه العقل بانه ممتنع انه ممكن في قدرة الله كالتسلسل واما تجويز معمر له فعن غير دليل واما جواب المتكلمين بان كل عدد موجود فله نصف ونصفه اقل من كله في نفي ما لا يتناهى من العدد فان ارادوا ان ما فرض انه نصف مساو للقسم الاخر فقول معمر بل ذلك عندي من خواص العدد المتناهي متجه لان الطرف الاخر لا يساوي الطرف الاول الا في المتناهي وان ارادوا مطلقا كان كقولهم الاخر ان كل عدد موجود بدون عشرة افراد منه اقل منه مع تلك الافراد العشرة وعلى هذا فلمعمر بن عباد ان القلة والكثرة انما تقال على ما علم اخره واما اذا لم يعلم كما لو كررت عشرة مرارا غير متناهية والفا او الفين مرارا غير متناهية فلا يعقل القلة والكثرة الا مع الاحاطة بالمرات المكررة واما مع عدم الاحاطة فانما يتوهم القلة والكثرة بالنظر الى العشرة نفسها والالف نفسه مع عدم الالتفات اليهما بعد التكرير وذلك بنظرين بان تلتفت النفس الى العشرة وحدها قبل التكرير والى الالف وحده قبل التكرير فتدرك قلة العشرة وكثرة الالف ثم تلتفت الى تكرارهما فتتوهم القلة والكثرة الثابتين قبل التكرير بعد التكرير ولا شك ان التكرير نفسه لا قلة فيه ولا كثرة واذا لحقتا ما قبل التكرير انما لحقت العددين المعينين العشرة والالف وافرادهما متناهية والافراد الحاصلة من التكرير ان كانت متناهية كان التكرير متناهيا وهو خلاف المفروض وان لم تكن متناهية فمن اين تلحقها القلة في بعض والكثرة في بعض وكل منهما غير متناه فافهم فانه دقيق ودعوى الضرورة انما حصلت من نظرين نظر حصلوا به التناهي والقلة والكثرة من نفس العشرة والالف وحدهما قبل التكرير حال تناهي افرادهما ثم وصفوا افرادهما حال اللاتناهي بالقلة والكثرة وهو وصف لغير من هو له بل لو طبقت السلسلتين بما فيهما من الافراد الحاصلة من التكرير احديهما على الاخرى ما وجدت العقول من القلة والكثرة الا ما وجدته في العشرة والالف قبل التكرير او ان مرات التكرير محصورة واما ما استند معمر في منعه الى ان معلومات الله اكثر من مقدوراته تعالى مع عدم تناهيهما وما اجابه المتكلمون عن ذلك كما تقدم فكلاهما غير مستقيم اما قول معمر فلما قررنا من عدم كون الممتنع شيئا معلوما ولو كان الممتنع شيئا لكان معلوما ولو كان معلوما لكان مقدورا لان العلم والقدرة ليسا شيئين بل هما شيء واحد وكيف يكون شيء لا يعلمه الله ولذا لما ادعوا شريكا له تعالى قال اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض فاذا كان لايعلمه دل على ان الممتنع ليس شيئا وعلى ان العلم مساو للقدرة لأنهم يريدون بالممتنع شريك البارئ تعالى ولو صح علم الممتنع لما قال اتنبئونه بما لا يعلم وقد برهنا في الفوائد وفي شرحها على ان الممتنع ليس شيئا وانما هو ممكن سميتموه بممتنع فاذا نظرت ما ذكرنا ثبت عندك انه لا يعقل الا ممكن او واجب باياته واذا ثبت ذلك عندك ثبت عندك ان قدرة الله ليست اقل من علمه على ان العلم اذا كان اكثر ( اذا كثر خل ) من القدرة اختلفا فلا يكون المختلف بسيطا والحاصل الكلام على ما ذكروه من ادلتهم يطول فلا فائدة فيه عظيمة بعد ظهور المدعي وكذا ذكر ما قالوا نعم قد اذكر بعضا وقد اتكلم على بعض ما اذكر اذا توقف عليه ظهور المدعي
وفخر الدين الرازي اعترض على الحكماء القائلين بكون النسب وجودية متحققة في الخارج لا انها امور اعتبارية فقال : ان اثبات النسب يقتضي كون التقدم والتأخر صفتين موجودتين وذلك محال وتقريره من وجهين الاول ان ما ذكرتم من الدليل لو صح جميع مقدماته لزم ان يكون التقدم والتأخر صفتين موجودتين في الخارج زايد ( زايدا خل ) على ذات المتقدم والمتأخر وذلك محال اما الشرطية فلان كون الشيء متقدما على غيره ليس من الامور الفرضية والاعتبارية فان كون ادم عليه السلام قبلي امر محقق سواء وجد الفرض والاعتبار ام لميوجد وليس امرا عدميا لان القبلية والبعدية يعرضان للشيء بعد ان لم يكن كذلك والحاصل بعد عدمه ثبوتي وليس نفس ذات المتقدم والمتأخر من حيث انه تلك الذات غير مقول بالقياس الى الغير ومن حيث انه متقدم ومتأخر مقول بالقياس الى الغير واما استحالة الثاني ( التالي خل ) فلان من خاصية المتضائفين ان يكونا متساويين في الذهن وفي الخارج على معنى انه اذا وجد احدهما باحد الوجودين وجد الاخر بذلك الوجود واذا زال احد الوجودين عن احدهما زال ذلك الوجود عن الاخر وذلك ظاهر والامثلة ايضا شاهدة ( مشاهدة خل ) به اذ الابوة مساوية للبنوة والاخوة للاخوة على ما ذكرنا من التفسير اذا عرفت هذا فنقول لو كان التقدم امرا موجودا في الخارج لزم من وجوده فيه ( يلزم من خل ) وجود التأخر فيكونان معا موجودين في الخارج وحينئذ ان وجد معهما محلاهما لزم وجود المتأخر في الخارج في جميع زمان وجود المتقدم فيه فلا يكون المتقدم متقدما هذا خلف وان لم يوجد محلاهما ( محلا لهما خل ) لزم تحقق الصفة الاضافية في الخارج بدون معروضه وذلك محال انتهى اقول اذا كان التقدم والتأخر موجودين كما هو المتحقق لا يلزم منه محال ( مجال خل ) ولا تنافي لانهما اذا وجدا في محليهما كان كل منهما مع محله في رتبته لان المتقدم سواء كان التقدم الذي اتصف به موجوديا ( وجوديا خل ) ام عدميا هو متقدم في رتبته والمتأخر متأخر فلا يكون المتقدم بكون صفته اعتبارية متأخرا ولا غير متقدم والمتأخر كذلك فلا يختلف الحال بالوجود والاعتبار وايضا على فرض الاعتباري يكون الوجود ليس الا المتقدم والمتأخر فيلزم ايضا اجتماعهما في زمان واحد فلا يكون المتقدم متقدما اذ اعتبار كونه متقدما ممتنع مع اعتبار التساوق والاجتماع بين المعروضين فهو احق واولى بالاجتماع والتساوق منه مع ثبوت التحقق وزيادته على المعروض في الخارج لانك اذا اثبت وجود التقدم وزيادته على معروضه كان الاجتماع والتساوق انما يعتبر في المعروضين واما العارضان فالتقدم اتصف به ادم عليه السلام قبل ان يتصف شيث عليه السلام بالتأخر وذلك فيهما مقول بالقياس الى الغير وان لزم فيهما التضايف اذ لو لم يعتبر السبق في الاتصاف لم يعقل شيء منهما فلا يتميز السابق من اللاحق على الفرضين لان التقدم والتأخر احد جزئي مفهوم الصفة الفاعلية كالضرب في ضارب الذي هو اسم الفاعل وصدورها من الفعل زماني اي مقترن بالزمان فقد تحقق التقدم بسبق وجود المتقدم بذاته او بما نسب التقدم به اليه كمجيئه وذهابه وما اشبههما فهو مع وجود المتأخر معه في وقت واحد متصف بسبق ملحوظ فيه تحققه وتقدمه على اتصاف المتأخر بالتأخر ( بالتأخير خل ) بذاته او بما نسب التأخر به اليه فالاتصافان والوصفان لم يجمعهما زمان وان جمع الزمان محلهما فانما جمعهما لا من حيث الاتصاف فلا يلزم محال بوجه ( من خل ) الوجوه وجواب الشيخ في الشفاء بعدم تسليم كون التقدم والتأخر وجوديين غير شاف ولا مفيد لحق وفرقه بينهما وبين فوقية السماء وتحتية الارض لا معنى له وتعليله وجودية الفوقية والتحتية بان هذين صفة ثبوتية لا تتوقف على اعتبار لان السماء والارض لما كانا موجودين في الخارج كانت فوقية احدهما للاخر صفة وجودية جار في المدعي بل في جميع النسب بعين ما ذكر من غير فرق في شيء من النسب وتقرير الوجه الثاني الذي ذكره الرازي من الاعتراض على حجة الحكماء القائلين بوجود النسب ان يقال لو صح ما ذكرتم من الحجة لزم قيام الصفة الوجودية بالامر العدمي وانه محال بيان الشرطية وهو انا نحكم في اليوم الحاضر على الامس بكونه ماضيا والمفهوم من كون الامس ماضيا اما ان يكون امرا وجوديا او امرا عدميا والثاني محال لان الامس صار ماضيا بعد ان لم يكن ماضيا وتبدل العدم بالعدم غير معقول فهو اذن وجودي وحينئذ اما ان يكون ثبوته في الذهن فقط او فيه في ( وفي خل ) الخارج والاول محال لانا لو فرضنا عدم الفرض والاعتبار فذلك اليوم اعني امس ماض في نفسه فهو اذن موجود في الخارج وحينئذ اما ان يكون نفس ذلك اليوم او يكون امرا زائدا عليه والاول محال لانه لو كان نفس ذلك اليوم لتحقق الماضي حيث تحقق ذلك اليوم لكن ذلك اليوم حين كان حاضرا ولم يكن ( حاضرا لم يكن خل ) ماضيا فهو اذن امر زايد عليه ولو كان كذلك يلزم قيام الصفة الوجودية بالامر العدمي فعلم ان ما ذكرتم من الحجة يقتضي هذا المحال فتكون باطلة اجاب الحكماء عنه بان قالوا لم قلتم بان المفهوم من كون الامس ماضيا ليس امرا عدميا قوله صار ماضيا بعد ان لم يكن ماضيا وتبدل العدم غير معقول قلنا كل واحدة من هاتين المقدمتين مسلم ولكن لم قلتم بانه يلزم منهما ان يكون المفهوم من كونه ماضيا امرا وجوديا وانما يلزم ذلك ان لو كان المفهوم من كونه ليس بماض امرا عدميا وهو ممنوع ( ممتنع خل ) لان المفهوم من كونه امرا ماضيا هو غير المفهوم من كونه حالا والمفهوم من كونه حالا امر وجودي واذا كان كذلك كان ذلك تبدلا للامر الوجودي بالامر العدمي وهذا التبدل يقتضي كون الحاصل بعده عدميا لا وجوديا فهذا تحقيق ما ذكره الحكماء في جواب هذا الوجه ولا يتأتى مثل ذلك في كون السماء فوق الارض فيتمم ( فيتم خل ) الحجة هناك دون هيهنا انتهى كلام المفصل
اقول الاعتراض والجواب كلاهما يرد عليه النقض المتقدم او ما ( وما خل ) يتفرع عليه فاذا تأملت ما ذكرنا هناك ( هنا خل ) تبين لك ما فيهما هنا من الخلاف فان حكمنا في اليوم الحاضر على الامس بكونه ماضيا حكم مطابق للواقع لانه حكم بما هو واقع في الخارج لان كون الامس ماضيا حصل بعد ان لميكن والحاصل بعد ان لم يحصل ( ان يحصل خل ) لا يكون الا ثانيا ( ثابتا خل ) كما ذكره المعترض ولا شك ان ثبوته في الخارج لتحققه مع عدم الاعتبار وايضا لا شك في ان كونه ماضيا زائد على نفس ذلك اليوم فكلام المعترض كله صحيح الا ما توهمه هو واكثر الناس من ان الامس في هذا اليوم معدوم فانه باطل وكيف يكون معدوما وانت تتخيله وتتصوره في ذهنك وقد بينا في مواضع كثيرة من كتبنا ان الذهن في الحقيقة مرءاة تنطبع فيها الصور اذا كانت مقابلة لذي الصورة لان المرءاة انما تنطبع فيها صورة الشاخص المقابل لها فلو لم تقابله شيئا ( فلو لم يقابلها خل ) لم ينطبع فيها شيء وقد بينا برهان ذلك وايضا اذا ثبت انه كان موجودا حال كونه حاضرا وانه اي هذا اليوم داخل في ملك الله سبحانه فاذا جاء الغد وكان اليوم امس اين يذهب هل يخرج من ملك الله بعد ما دخل فيه وانما انتقل من مكان الى مكان بل في الحقيقة هو في مكانه منذ خلقه الله وانما الخلائق كلهم يسبحون في بحر الزمان من المشرق الى المغرب الى ان يصلى ( يصل خل ) الاخرة فيأتيك امسك بعينه ويومك بعينه وغدك بعينه فتشهد ( فيشهد خل ) عليك او لك وكذلك بقاع الارض والارض ( الامس خل ) لم يفن وانما انت الذي سرت عنه وغبت عنه ومثاله حين خرجت من خراسان واتيت الى اصفهان لم تكن خراسان حين سرت عنها وغبت عنها عدما بل هي موجودة كحالها حين كنت فيها فلما خرجت عنها بقيت صورتها في خيالك ولو رجعت اليها او سارت اليك رأيتها بعينها كذلك امس حين سرت عنه وصلت الى اليوم الحاضر وانت وصفاتك ( وجسمك وصفاتك خل ) والزمان والمكان شيء واحد في حكم البقاء والفناء والحشر وما بعده فكون امس ماضيا صفة وجودية قامت بوجود ومن تتبع اخبار اهل العصمة عليهم السلام وتدبرها وآمن بما نطقت به وجد جميع ما نطقت به موجودا فيها مرادا بها لا يخالف منها حرفا الا فيما لم يكن من طوري مما لم اصل اليه فان ذلك لهم لا لي ولا لابناء صنفي ( لابناه حقيقي خل ) صلى الله عليهم اجمعين واما جواب الحكماء في قولهم لم قلتم بان المفهوم من كون الامس ماضيا ليس امرا عدميا فليس بصحيح اذ ( ان خل ) لهم ان يقولوا انما قلنا بانه وجودي لحصوله بعد ان لميكن فان العدم لا يحصل اذ لا حصول له وقولهم لان المفهوم من كونه امرا ماضيا هو غير المفهوم من كونه حالا والمفهوم من كونه حالا امر وجودي الخ ليس بصحيح لان النظر الذي يقتضي كون المفهوم من كونه حالا وجوديا يقتضي كون المفهوم من كونه ماضيا امرا وجوديا بالطريق الاولى فالحق الصريح البين ان الكل وجوديا ( وجودي خل ) وان التبدل الوجودي بالوجودي ولا محذور بل هو المعروف عند اولي الحجي الطالبين للحق المبين وهذا يأتي في كون السماء فوق الارض وغيرها من النسب كالالوان والاصوات والاضواء والانوار والبريق والصقالة والصلاية ( الصلابة خل ) واللين والخشونة والملاسة والتلزز والتفشي والتحلل والحركة والسكون والحاصل جميع الصفات اللاحقة بكل شيء من عالم الملك والملكوت والجبروت القائمة بموصوفها قيام صدور او ظهور او قيام تحقق او عروض وما اشبه ذلك كلها امور وجودية قد دلت على ثبوتها ووجودها ما دل على وجود ما تقدم وثبوته على ان المثبتين للامور الاعتبارية القول بان اكثر ما في ملك الله ليس من صنع الله وليس في ملك الله وانما هو من ابتداع نفوسهم حتى ان بعض الاشياء اخبر سبحانه انه خلقه وهم يقولون ليس بشيء مثل ما في قوله تعالى الذي خلق الموت والحيوة فانهم يتلون قوله الذي خلق الموت ومع هذا يقولون ان الموت امر اعتباري لا تحقق له في الخارج لانه عبارة عن عدم الحيوة فاذا كان هذا كلامهم وهم يقرؤن كلام الله بخلاف قولهم ولم يرجعوا عن قولهم فكيف ينتفعون بقول قائل او يسمعون عذل عاذل والنظر الصحيح المستند الى معرفة آيات الله في الافاق وفي الانفس مع توفيق الله وهدايته لسبله ( لسبيله خل ) لمن جاهد في الله واحسن المجاهدة بالايمان الصادق وطلب محض ( محض الحق خل ) لله عز وجل قد اعطى صاحبه ان كل ما سوى الله عز وجل فان الله سبحانه خلقه وجعل وجوده الذي به قوامه وجودا تعلقيا لا تحقق له بنفسه ولا تقوم له الا بغيره لان وجوده الذي به يتقوم جعله متقوما بفعله تقوم صدور لانه اخترعه لا من شيء وليس له اصل احدثه منه الا فعله لان الفعل حين الايجاد احداث ومفعوله تأكيد له فالوجود المخترع في حقيقته وكنهه تأكيد للاحداث والفاعل تعالى اخترعه تأكيدا لفعله واقامه بدوام الاختراع واتصاله فتقومه بجهة دوام الاختراع واتصاله تقوم صدور وبجهة متعلق الاختراع المتصل تقوم تحقق تقوما ركنيا فحقيقة وجوده واصله تأكيد لفعل الخالق تعالى بالاحداث والامداد باثره وهو مرادنا بالتعلقي يعني ان وجود الحادث من فعل الخالق تعالى كوجود الصورة التي في المرءاة في مقابلة الشاخص وكالنور في الكثيف من المنير فوجود زيد متقوم بفعل الله تقوم صدور وباثر فعل الله اي متعلقه وتأكيده تقوما ركنيا تقوم تحقق وهذا حكم ما ( حكم كل ما خل ) سوى الله مما صدر عن فعل الله عز وجل من جميع الاشياء من الذوات والصفات من العقول والعقلانيات والنفوس والنفسانيات والاجسام والجسمانيات مما دخل في واحد ( احد خل ) الظروف الثلاثة ظرف الخارج وظرف الذهن وظرف نفس الامر اعني ما قام عليه الدليل القطعي مما طابق الخارجي او الذهني او لا وضابط ما يجري فيه الحكم المشار اليه هو ما وضع بازائه لفظ يدل عليه او ما صح فرض وقوعه و( او خل ) ما امكن تصوره او ما لحقه التجويز والاحتمال وصح اعتباره وتوهمه فان كل شيء من ذلك فوجوده اثر فعل الله او من اثر فعل الله ومرادي بوجوده مادته اذ لا معنى للوجود المخترع المحدث الا المادة وهي في كل شيء بحسبه واعلاه نور الانوار والنور الذي تنورت منه الانوار وهو الماء الذي منه كل شيء حي صلى الله عليه وآله الطاهرين وصورة كل شيء خلقها الله من نفس مادته من حيث هي هي وذلك ايضا في كل شيء بحسبه ولا يكون شيء من خلق الله بسيطا بل كل شيء غير المعبود بالحق عز وجل مركب قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين وقال الرضا عليه السلام ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه واثبات وجوده ه ثم استشهد عليه السلام بالاية والعقل يقطع هذا لان كل شيء مصنوع لا بد ان يكون له اعتباران اعتبار من ربه وهو وجوده اعني مادته واعتبار من نفسه وهو ماهيته اعني صورته وقابليته وجميع الاشياء اشتقها عز وجل بقدرته من اشراقات نور الانوار واشراقات اشراقاته وامداداته وامدادات امداداته ولم يخلق شيئا من الاشياء من ذات نور الانوار صلى الله عليه واله قط وانما قسمه تعالى اربعة عشر جزءا فبقيت تلك الاجزاء اشباحا يسبحون الله ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه الف دهر كل دهر على ما فهمته مائة الف سنة والذي اتاني به وارد الوقت ناقلا لي عن بعض الروايات ان هذه السنين كل سنة ثمانون شهرا كل شهر ثمانون جمعة كل جمعة ثمانون يوما كل يوم ثمانون ساعة كل ساعة كالف سنة مما تعدون فعلى هذا يكون سبق تلك الاشباح في الوجود قبل جميع الخلايق باربعة الاف الف الف الف الف سنة ( الف الف الف سنة وسنة خل ) وستة وتسعون الف الف الف الف ( تسعون الف الف الف خل ) سنة من سني الدنيا ثم نظر تلك الانوار الاربعة عشر بعين الهيبة فعرقت فخلق الله تعالى من عرقها مائة ( مائةالف خل ) واربعة وعشرينالف قطرة فخلق تعالى من كل قطرة روح نبي فبقيت ارواح الانبياء عليهم السلام يسبحون الله تعالى ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه الف دهر كل دهر مائةالف سنة والوقت الاول وقت الستر ( السر خل ) والوقت الثاني وقت الحجاب والى الوقتين اشار بعض اهل التأويل بان الالف اللينة هي هيولي ساير الحروف وان طولها الف الف قامة والالف المتحركة هي اول الحروف وطولها الفالف ذراع ثم انه تعالى نظر الى الانوار المائة واربعة ( المائةالالف والاربعة خل ) والعشرين الالف بعين الهيبة فعرقت فخلق الله من عرقها ارواح المؤمنين والى هذا اشر ( اشير خل ) فيما قبل ان الباء الموحدة من تحت طولها الف الف شبر ثم خلق من عرقها ارواح الملائكة والى هذا اشير بان الجيم طولها الف الف اصبع والى سبق نور الانوار على ساير الخلق اشار امير المؤمنين عليه السلام لاهل الاشارة في جوابه لمن سأله كم بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض فقال عليه السلام ما معناه اتحسن ان تحسب ( ان تجب خل ) فقال نعم فقال اخشى الا تحسن قال بلى قال انظر لو صب حب خردل حتى سد الفضاء وملأ ما بين الارض والسماء ثم عمر لك مع ضعفك ان تنقله حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائةالف جزء من مثقال الذر مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله عن التحديد بالقليل ه وهذا النور اعني نور الانوار هو نور العالين الذين لم يسجدوا لادم عليه السلام انما سجدت الملائكة اجمعون لسطوعه في صلب ادم عليه السلام وهو نور الستر المذكور في صحيحة علي بن عاصم والانوار المخلوقة من عرقه انوار الكروبيين وهم قوم من شيعة علي عليه السلام من الخلق الاول جعلهم الله سبحانه خلف العرش ووراءه والنور المتجلي للجبل لموسى عليه السلام واحد منهم وهؤلاء حجاب الستر والحاصل ليس وجودات جميع الاشياء شيئا واحدا تجمعه حقيقة واحدة في رتبة واحدة ومواد الاشياء كلها من الغيب والشهادة حصص من تلك الحقيقة كما توهمه الاكثرون بل كل رتبة لاهلها لايشاركهم فيها غيرهم فالنور الذي تنورت منه الانوار خلق منه شبح ( شبه خل ) واحد صلى الله عليه واله واخذ منه ثلاثة عشر شبحا صلى الله عليهم اجمعين كاخذ السراج من السراج وهو قول امير المؤمنين عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء صلى الله على محمد واله ولم يخلق الله عز وجل من ذلك النور غيرهم ولم يفضل منه شيء عن موادهم ثم خلق انوار الكروبيين من فاضل النور الذي تنورت منه الانوار يعني من شعاعه واشراقه والمراد بالفاضل هو الشعاع ولا نعني بالفاضل بقية الشيء لا في الاخبار ولا في ما نصطلح عليه في ساير كتبنا ومنه ما في حديث النخلة في قوله عليه السلام وانما سميت النخلة نخلة لأنها خلقت من نخالة طين ادم عليه السلام فان المراد بالنخالة الشعاع الجسماني فافهم
واعلم ان كثيرا من الناس يتكلم بما لا يفهمه ومن ذلك ان كثيرا من المتكلمين يقولون ان صفاته عين ذاته تعالى ويقولون مع ذلك ان العلم اعم من القدرة لان العلم يتعلق بالممكن والممتنع واما القدرة فانها لا تتعلق بالممتنع فيلزمهم ان العلم غير القدرة في الذات ويلزمهم اما انهما غير الذات واما ان الذات مركبة متعددة مختلفة لتركبها من المختلفة المتغايرة ومثل هؤلاء في الخطاء والغلط من جعلها متغايرة في معانيها ومفهوماتها وهي عين ذاته تعالى كالملا صدر الدين الشيرازي كما ذكره في سائر كتبه ومنها ما ذكره في الاسفار وانا انقل لك كلامه واجعله كالمتن وجوابه والرد عليه كالشرح
قال : فصل - في ايضاح القول بان صفات الله تعالى الحقيقية كلها ذات واحدة لكنها مفهومات كثيرة
اقول يريد انها عين ذاته في الوجود ومعانيها ومفهوماتها مختلفة متغايرة وهذا هو ما ذكرنا مما يلزمه من كون الذات مركبة من الامور المختلفة لا مناص له عن ذلك
قال : واعلم ان كثيرا من العقلاء المدققين ظنوا ان معنى كون صفاته عين ذاته هو ان معانيها ومفهوماتها ليست مغايرة بل كلها ترجع الى معنى واحد وهذا ظن فاسد ووهم كاسد والا لكانت الفاظ العلم والقدرة والارادة والحيوة وغيرها في حقه تعالى الفاظا مترادفة يفهم من كل معنى منها ما يفهم من الاخر فلا فائدة في اطلاق شيء منها بعد اطلاق احدها وهذا ظاهر الفساد مؤد الى التعطيل والالحاد
اقول ما ذكره هؤلاء المدققون هو الحق الذي جاء به الشرائع وشهد بصحته العقل الكامل البارع لانها اذا تغايرت معانيها دل ذلك على انها صفات افعال لان الافعال هي المتغايرة فتتغاير صفاتها والذات لا تغاير فيها ولو تغيرت صفاتها تغيرت في حد ذاتها لان الذات انما هي هي بصفاتها حتى لو فرض اتحاد الصفات المتغيرة المتخالفة بالذات وثبت حينئذ عدم تغير الذات واختلافها حصل لنا القطع بعدم اتحادها بالصفات المختلفة وان الصفات المختلفة صفات افعال لانا لا نريد بكونها عين ذاته تعالى اتحاد نسبة بان يكون احدهما عبارة عن الاخر فيما ينسب اليه من فعل بان يكون فاعلا عنه او به بالنيابة او القيام مقامه او من صفة بان يكون وصفهما واحدا ولا اتحاد تداخل كاتحاد نور الشمس ونور السراج ولا اتحاد تمازج كاتحاد الماء الحار بالماء البارد لفنائهما ووجود ثالث ولا اتحاد استهلاك لفناء احدهما فتنتفى العينية والاتحاد وانما نريد بالعينية ان احدهما هو الاخر لا يراد منه غير نفس الاخر لا في الخارج ولا في الذهن ولا في نفس الامر لا بالاحتمال ولا بالفرض ولا بالتجويز والامكان ولا مغايرة حيثية ولا فرق مطلقا لا في امكان ولا وجوب فحاصل ما نريد ونعني بهذه الالفاظ الكثيرة وما نفهم منها شيء واحد بكل احتمال وبكل اعتبار فلو فهم من واحد منها غير ما يفهم من الاخر لم يكن هو واحدا بل هما اثنان اتحدا باحد انواع ما اشرنا اليه من الاتحاد وما اشبهها فيلزم مما قلنا كونها الفاظا مترادفة لا يمكن غير الترادف لان المفهومات المتغايرة لا تخلو اما ان تكون اختلافها بلحاظ اختلافها في حقائقها او بلحاظ اختلاف ظهوراتها باثارها في افعالها فان اريد الاول لم تكن الصفات اللاتي تفهم حقائقها ومعانيها عين ذاته تعالى لان ما هو عين ذاته لا يكون مفهوما لغيره ولا مدركا لاحد من الحادثين لانه ذاته تعالى ولا يحيطون به علما والمفهومات اللاتي تدركون معانيها حادثة ولا تكون الحوادث عين ذاته وانما الصفات المفهومة صفات افعاله تعالى وان اريد الثاني وهو ان اختلاف تلك المفاهيم راجع الى اختلاف اثار تلك الصفات وهي في نفسها شيء واحد لم يفهم منها جميعها الا ما يفهم من ذات الله عز وجل بانه المجهول المطلق الذي لا يعرف الا من حيث لا يعرف وانما عرفوه تعالى بما وصف نفسه لهم وذلك الوصف وصف استدلال عليه لا وصف يكشف له وجعل بلطفه وكرمه ورحمته ذلك الوصف حقيقة من اراد انه يعرفه ليعرفه بنفسه فقال سفيره الداعي اليه صلى الله عليه واله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال وصيه وخليفته صلى الله عليهما وآلهما من عرف نفسه فقد عرف ربه ه ومعنى المراد الاول العلم بالمعلوم والسمع للمسموع والبصر للمبصر والقدرة على المقدور فالعلم المقترن بالمعلوم المطابق له بل المتحد به لا يكون هو عين ذاته تعالى والا لكانت ذاته مقترنة بك لانك معلومه ومطابقة لك بل متحدة بك بمعنى انها انت لان العلم عين المعلوم كما هو الحق ومعنى الثاني ان العلم والسمع والبصر والقدرة وباقي الصفات يراد منها محض الذات خاصة وانما اختلفت الالفاظ حتى توهم انها موضوعة بازاء معان متعددة مختلفة الحقائق مع ان المراد منها معنى واحد لان الالفاظ وضعت بازاء مبادي اثار افعال الذات فحملت تلك الالفاظ باعتبار الاثار التي هي اركان لما تقومت بها من تلك الافعال على الذات حملا صناعيا بالحمل المتعارف الشائع وحمل ما يراد منها من الصفات على الذات حملا اوليا ذاتيا مثال ذلك ما اريك الله سبحانه من اياته الدالة بصحيح البيان وصريح المشاهدة والعيان في ما تحقق لك مما تشاهده في نفسك بيقين الوجدان انك انت السميع قبل ان يتكلم احد فلما تكلم زيد اقبلت انت بنفسك على كلامه واشرفت عليه من باب اذنك فادركت كلامه وانت البصير قبل ان يحضر لديك لون او صورة فلما حضر لديك اقبلت انت عليه بنفسك واشرفت عليه من باب بصرك فادركته فانت بنفسك السميع والبصير ادركت الكلام من باب اذنك وادركت اللون من باب بصرك بجهة واحدة منك من غير مغايرة حصلت لك لا في وجود ولا في مفهوم بحال من الاحوال وانما الاختلاف والمغايرة انما هو فيما ادركته وفي طرقه وجهاته فحمل السميع عليك وسميت به باعتبار ما تقوم به ادراكك للمسموع من اركانه التي هي آثار فعلك بالحمل المتعارف الشائع وكذلك الكلام في البصير والقدير وسائر الصفات فالسميع والبصير والقدير والحي هو انت بجهة واحدة منك لانك انت تبصر وانت تسمع وانت حي وانما كثرت اسماؤك بكثرة آثار افعالها خاصة اذ لست تسمع بغير ما تبصر به لتخلتف معاني صفاتك ومفاهيمها بل انت تسمع انت تبصر فانت حين تسمع غيرك حين تبصر حتى تكون معانيك مختلفة متغايرة لانك لو اختلفت مفاهيم صفاتك ومعانيها كان البصير حين تكون سميعا غيرك وبالعكس فقول الملا صدرا والا لكانت الفاظ العلم والقدرة والارادة والحيوة وغيرها في حقه تعالى الفاظا مترادفة يفهم من كل منها ما يفهم من الاخر فلا فائدة في اطلاق شيء منها بعد اطلاق احدها وهذا ظاهر الفساد الخ ظاهر الفساد لان اطلاق كل منها لا فائدة فيه ترجع الى كشف معنى من الذات ولا من الصفات التي هي الذات وانما الفائدة في اطلاق واحد منها بيان اثر فعل من افعاله فاذا اطلقت واحدا لبيان اثر فعل جاز اطلاق آخر لبيان اثر فعل آخر فيا سبحان الله ما اعجب غفلة هؤلاء الاعلام المحققين الذين افنوا اعمارهم في طلب الحكمة والمعرفة حتى كان ثمرة زرعهم وتعبهم مثل ما سمعت وتسمع ولكن السبب في ذلك ظاهر لكل مؤمن وهو في قول سيد الوصيين علي ابن ابيطالب عليه السلم ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه
قال : بل الحق في معنى كون صفاته عين ذاته ان هذه المعاني المتكثرة الكمالية كلها موجودة بوجود ذاته الاحدية بمعنى انه ليس في الوجود ذاته تعالى متميزا عن صفته بحيث يكون كل منهما شخصا ولا صفة منه متميزة عن صفة اخرى له بالحيثية المذكورة بل هو قادر بنفس ذاته وعالم بعين ذاته اي بعلم هو نفس ذاته المنكشفة عنده بذاتها ومريد بارادتها التي هي نفس ذاته بل نفس علمه المتعلق بنظام الوجود وسلسلة الاكوان من حيث انها ينبغي ان توجد
اقول قوله بل الحق في معنى كون صفاته عين ذاته ان هذه المعاني المتكثرة الى قوله الاحدية باطل لان الحق في معنى كون صفاته عين ذاته ان جميع هذه الصفات معناها واحد وهو ذاته لأنها اذا فرض معانيها متكثرة كانت متغايرة مختلفة والمتغايرة المختلفة في نفس الامر لا تكون واحدا لا كثرة فيه ولا تعدد ولا تركيب لانها اذا كانت عين ذاته كانت ذاته مجموع معان مختلفة وان فرض كون جميع تلك المعاني المتغايرة موجودة بوجود واحد اذ كونها موجودة بوجود واحد لا يخرجها عن التغاير والاختلاف وقوله في تفسير تلك العينية بمعنى انه ليس في الوجود ذاته تعالى متميزا عن صفته غلط لان البسيط البحت والمختلف المتغاير اذا جمعهما وجود واحد لا بد ان يتميز من المختلف الا ان يتركب البسيط من المختلفات فيكون مثلها او ينسلخ الاختلاف منها فتكون اياه بمعنى نفي المغايرة بينها وبينها وبينه فيكون المراد من الكل شيئا واحدا بكل اعتبار في الذات وفي الصفات وفي الافعال وفي النسب وفي الاسماء وفي المعنى وفي المفهوم حيث يصح استعماله وفي الارادة والقصد وفي العنوان وفي المعرفة وفي التعرف بالوصف الاستدلالي وما اشبه ذلك واما اذا وسم تلك الصفات باختلاف مفاهيمها وتغاير معانيها تمايزت عن ذاته وتميز بعضها عن بعض لانه هو مقتضى الاختلاف والمغايرة نعم اذا جعل معناها ومفهومها هو معنى ذاته بحيث تكون تلك الالفاظ مترادفة وانما تكثرت الالفاظ واختلفت وتغايرت لاختلاف اثار افعالها وتغايرها كما تقول هو تعالى غفور رحيم جواد كريم رازق سميع عليم صح له قوله بل هو قادر بنفس ذاته وعالم بعين ذاته اي بعلم هو نفس ذاته ولو اراد بهذا العلم العلم المغاير مفهومه لذاته لم يكن نفس ذاته لان العلم المفهوم لا يكون نفس المجهول المطلق والا لكانت ذاته مفهومة قد احاطوا بها علما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقوله ومريد بارادتها التي هي نفس ذاته الخ غلط لانا قد قررنا في سائر كتبنا واجوبتنا انه ليس لله سبحانه ارادة هي عين ذاته لان الارادة من صفات الافعال ولهذا يوصف تعالى بها وبضدها فتقول اراد ولم يرد وليست علما ولا كالعلم اذ تقول افعل ذلك ان شاء الله وان اراد الله ولا تقول افعل ذلك ان علم الله لان العلم صفة ذات لا يوصف به وبضده فتقول علم الله ولا تقول لم يعلم الله كما تقول لم يرد الله وقد تواترت اخبار ائمة الهدى عليهم السلم على حدوث الارادة والمشية وانه ليس لله سبحانه ارادة قديمة ولم يرد خبر عنهم عليهم السلم يدل على قدمها بل روي الصدوق في توحيده عن الرضا عليه السلم انه قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد ه
والملا في كتابه الكبير الاسفار استدل على قدم الارادة وعلى انها هي علمه وهي عين ذاته الى ان قال فعلم من هذه الايات ونظائرها ان ارادته تعالى للاشياء هي عين علمه بها وهما عين ذاته تعالى واما الحديث فمن الاحاديث المروية عن ائمتنا وساداتنا عليهم السلم في الكافي وغيره في باب الارادة ما ذكر في الصحيح عن صفوان بن يحيي قال قلت لابيالحسن عليه السلم اخبرني عن الارادة من الله ومن الخلق فقال الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق فارادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ه ولعل المراد من الضمير تصور الفعل وما يبدو بعد ذلك واعتقاد النفع فيه ثم انبعاث الشوق من القوة الشوقية ثم تأكده واشتداده الى حيث يحصل الاجماع المسمى بالارادة فتلك مبادي الافعال الارادية القصدية فينا والله سبحانه مقدس عن ذلك كله انتهى ما اردت نقله من كلامه
فبالله عليك تأمل حال هذا الرجل واتباعه في زعمهم ان الارادة قديمة وهي عين ذات الله سبحانه وانظر كيف يستدلون على تلك الدعوى بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح في خلاف دعويهم فانه عليه السلم قال واما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك وهذا الكلام عند الملا هو معنى ان ارادة الله قديمة وانها عين ذاته كما ذهب اليه الصوفية واتباعهم مع ان اهل البيت عليهم السلم لم يرد عنهم حديث يوهم كونها قديمة وانما ذلك مذهب اعدائهم وائمة الضلال ومن قال من فقهائنا بقدمها لم يستند الى حديث قط وانما نظر في كتب المتكلمين وليس فيها الا قال الحسن البصري وقال النظام وقال الجبائي وقالت الكرامية وقال محمد بن عبدالوهاب القطان وامثالهم ولم يراجع اية ولا رواية قط فاذا قيل لاحدهم في ذلك قال هذه اعتقادات وليس لها دليل الا من العقول وانا اقول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ولا شك ان افضل الاعمال انتظار الفرج من الله سبحانه اللهم عجل فرج ولي الفرج ومقيم العوج اللهم اقم به الدين وانصر به المؤمنين انك ارحم الراحمين
ثم ان الملا ذكر كلاما طويلا بعد ما نقلته واريد ان انقله وان لم اتكلم على كل ما فيه لعدم خصوص الفائدة في هذا المقام ولو اقتضى بعض منه بيانا ذكرته قال وينبعث من كل الصفات صفات اخر مثل كونه حكيما وغفورا خالقا رؤفا رازقا رحيما مبدئا ومعيدا مصورا منشئا محييا مميتا الى غير ذلك فانها من فروع كونه قادرا على جميع المقدورات بحيث لايدخل ذرات من ذرات الممكنات والمعاني في الوجود باية حيثية (ظ) كانت من الحيثيات الا بقدرته وافاضته بوسط او بغير وسط ومثل كونه سميعا وبصيرا ومدركا وخبيرا وغير ذلك مما يتفرع ويتشعب من كونه عليما وكذلك قياس سائر الاسماء والصفات الغير المتناهية الحاصلة من تراكيب هذه الاسماء والصفات كتركيب الانواع والاصناف والاشخاص من معاني ذاته كالاجناس والفصول الداخلية او عرضيته كاللوازم والاعراض العامة والخاصة الخارجية فان من الاسماء والصفات ما هي جنسية ومنها ما هي فصلية ونوعية ومنها ما هي شخصية كخالقية زيد والعالمية لعمرو وكل هذه الاسماء والصفات يستدعي مظاهر ومجالي مناسبة اياها بها يظهر اثر ذلك الاسم والصفة فيه فكل صفة من صفات الله العظمى واسم من اسماء الله العليا يقتضي ايجاد مخلوق من المخلوقات يدل ذلك المخلوق على ذلك الاسم كما تدل الاشباح على الارواح والاظلال على الاشخاص والمظاهر على البواطن والمرايا على الحقائق فالعالم الربوبي من جهة كثرة المعاني الاسمائية والصفات عالم عظيم جدا مع ان كل ما فيه موجود بوجود واحد بسيط من كل وجه وهذا من العجائب التي يختص بدركها الراسخون في العلم فلذلك اوجد البارئ جل ذكره ما سواه ليكون مظاهرا لاسمائه الحسنى ومجالي لصفاته العليا
اقول اذا كان كل صفة وكل اسم يقتضي ايجاد مخلوق غير ما يقتضيه الاخر دل على تغاير الصفات والاسماء في ذواتها وتغاير الاشياء يدل على تركيب كل واحد منها مما به الاشتراك ومما به الامتياز والنقل والعقل دالان على ان التعدد والكثرة لا تكون الا بالتركيب وما لا تركيب فيه ولا اختلاف لا يكون فيه كثرة واذا كانت الاشياء المتعددة بوجود واحد فذلك ما به الاشتراك فان وجد ما به الامتياز تكثرت وتعددت واختلفت وتغايرت في ذواتها ولزمها التركيب مجتمعة ومتفرقة وان لم يوجد ما به الامتياز كانت شيئا واحدا في ذاتها لا تعدد فيها ولا تركيب ولا اختلاف ولا تغاير وان لم يوجد ما به الامتياز في ذواتها ووجد في آثار افعالها كانت في نفسها شيئا واحدا لا كثرة فيه بوجه من الوجوه وكان التعدد والكثرة والاختلاف في تعلق افعالها باثارها مثل الشمس اذا اشرقت على الزجاجات المختلفة فان اشراقها في نفسه شيء واحد وينعكس عن الزجاجات المختلفة مختلفا متعددا متغيرا ثم على قولنا ان الوجود لا معنى له الا احد امرين الاول الوجود عبارة عن المادة والثاني انه عبارة عن المعنى المعبر عنه في الفارسية بهست وهذا صفة تابعة لموصوفها في الثبوت ومرتبة التحقق على تحقق الموصوف وعلى قولهم الوجود شيء سار في الاشياء كسريان الروح في الجسم يطرد عنها العدم وهو حقيقة الشيء وما سواه من الشيء امور موهومة لا تحقق لها فعلى قولنا لا يكون الشيئان موجودين بوجود واحد الا اذا كانا حصتين من حقيقة واحدة كحصتين للباب وللسرير من الخشب فاذا كانا كذلك لم تتحقق فيهما الاثنينية الا اذا تركب كل منهما من الخشب ومن الصورة الشخصية وحينئذ لا يكون احدهما عين الاخر كما لا تكون الفرس عين الكلب ولا تتميز الحصتان من ذواتهما بدون مشخص وجودي متحقق لميكن منهما والا لامتنع ان يدخلا تحت حقيقة واحدة كالمتباينين مثل النور والظلمة وعلى قولهم يلزم التنافي والتدافع لان ذلك الساري في الشيء ان تقوم به الشيء تقوما ركنيا كتقوم السرير بالخشب فليس الا ما قلنا من المادة اذ لا يلزم ان تكون المادة من التراب او من العناصر او من الطبائع كالافلاك بل المراد من المادة ما تقوم به الشيء من المعروضات وهي في كل شيء بحسبه فمادة الافئدة من الاسرار ومادة العقول من الانوار ومادة الارواح من الهواء الدهري ومادة النفوس من الماء الدهري ومادة الطبائع من النار الدهرية ومادة الهباء من الذر الدهري ومادة المثال من الاظلة البرزخية ومادة الافلاك من الطبائع الجوهرية ومادة العالم السفلي من العناصر والحاصل ضابط المادة ما يدخل على اسمها لفظ من التبعيضية تقول صغت الخاتم من فضة والباب صنعته من الخشب قال الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة الحديث فكما لا يلزم ان تكون المادة لكل شيء من العناصر بل هي في كل شيء بنسبة رتبته من الكون كذلك لا يلزم ان يكون الوجود لكل شيء من النور بل نقول وجود الباب من الخشب يعني ان كل شيء مركب من وجود وماهية فالباب وجوده حصة من الخشب وماهيته صورته التي تميز بها عن السرير وهذا على ما نريد من معنى الوجود والماهية بالمعنى الاول بمعنى ان الوجود بالمعنى الاول لكل شيء حصة من ذلك النوع الذي صنع منه وماهيته بالمعنى الاول حصة من الفصل الذي تقوم به ذلك النوع فان اريد بوجود الشيء ما تقوم به تقوما ركنيا فهو حصة معروضة من النوع الذي صيغ منه ذلك الشيء كما ذكرنا وان اريد به ما تقوم به ذلك الشيء المخلوق تقوم صدور فهو رأس مختص بايجاده واحداثه من فعل الله وهو عبارة باللسان الظاهر عن الحركة الايجادية والمخلوق لا يتركب من فعل خالقه وان صدر عنه كما لا تتركب الكتابة من حركة يد الكاتب وان صدرت عنها فان اريد بالوجود ما قلنا فهو المادة وان اريد به المعنى الثاني فلم يكن وجودا للشيء وانما هو ايجاد له والايجاد فعل الفاعل وفعل الفاعل لا يكون جزءا من مفعوله الا على قول ضرار بن عمر فانه يقول ان مشية الله تأكل وتشرب وتنكح وتموت وهو قول بعض من الصوفية فان بعضهم ذهب الى ان الوجود الذي هو جزء المخلوق هو مشية الله تعالى وهو قول باطل ظاهر الفساد لان فعل الله الذي هو مشيته وارادته انما قامت به الاشياء قيام صدور فهو مفيض موادها وامداداتها وبه وباثاره التي هي موادها ومنها امدادها قيوميتها وان ارادوا غير هذين فمن اين والى اين اي فمن اين يأخذون والى اين يذهبون فعلى ما هو الحق المبين كما ذكرنا لطالبي النور واليقين يكون معنى ان صفاته عين ذاته انها هي وذاته متحدة في الوجود بمعنى ان حقيقة الكل واحدة بسيطة بكل معنى وبكل اعتبار فاذا عرفت كما تقدم ان التعدد والتغاير مطلقا لا يكون في حقيقة واحدة بسيطة الا اذا كانت حصصا وتمايزت الحصص بالمشخصات والمميزات الغريبة الاجنبية سواء كان في مفهوم ام معنى ام وجود ظهر لك تنافي قولهم وتعارض بعضه بعضا وتصادمه ولم يرد عليهم ذلك الا لأنهم شبهوه بخلقه كما قال الصادق عليه السلم في دعاء الوتيرة بعد العشاء كما رواه الشيخ في المصباح قال عليه السلم بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك الدعاء حتى ان الملا بنفسه نقل في كتابه الاسفار قال قال العلامة الطوسي في شرح رسالة مسئلة العلم ان تكثر العلم والقدرة انما حصل في الموجودات الممكنة فقاست العقول مبدأها الاول عليها ووصفه بالعلم والقدرة والتنزيه ان يقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون ه واقول لقد صدق الطوسي العلامة في كل ما قال الا في حرف وهو قوله مبدأها الاول فان هذا غلط وباطل فان العقول مبدؤها العقل الكلي والعقل الكلي مبدؤه نور الانوار اعني حقيقة محمد صلى الله عليه واله وحقيقة محمد صلى الله عليه واله بدئت عن فعل الله عز وجل لا من شيء فقول الملا صدرا فالعالم الربوبي من جهة كثرة المعاني الاسمائية والصفات عالم عظيم جدا مع ان كل ما فيه موجود بوجود واحد بسيط من كل وجه يدل على ان تلك المعاني الاسمائية كثيرة ولا تكون كثيرة الا بتغايرها ولا تتغاير الا باختلاف مشخصاتها وتباينها لان ما يجمعه وجود واحد بسيط ان اريد بهذا الوجود الجامع حصولها وثبوتها الذي هو الوجود الوصفي كان خارجا عن حقائقها غير مخرج لها عن تباين ذواتها كما تقول وجد عندي فرس وعصي دفعة واحدة وان اريد به معنى الايجاد فكذلك وان اريد به ما به الحصول والكون في الاعيان فليس الا حقيقة الشيء وعلى ارادة هذا المعنى تكون افراد تلك الحقيقة البسيطة حصصا منها تغايرت وتمايزت بالمشخصات فكل واحد منها مركب من الجامع والمائز والمركب منها مركب بكل اعتبار لان الراسخين في العلم اذا ادركوا تغايرها في معانيها وادركوا لها وجودا بسيطا جامعا لها ليس الا ما بيناه لك من لزوم التركيب ومن ان المدرك للحادثين لا يكون قديما لان القديم لا يدركه الحادث ولا يحيط به علما اذ ما ادركته لا يكون الا حادثا انما تحد الادوات انفسها وتشير الالات الى نظائرها
قال : فلما كان قهارا اوجد المظاهر القهرية التي يترتب عليها اثار القهر من الجحيم ودركاتها وعقاربها وحياتها وعقوباتها واصحاب سلاسلها واغلالها من الشياطين والكفار وسائر الاشرار ولما كان رحيما غفورا اوجد مجالي الرحمة والغفران كالعرش وما حواه من ملائكة الرحمة وكالجنة واصحابها من المقربين والسعداء والاخيار وهكذا القياس في سائر الاسماء ومظاهرها ومشاهدها والصفات ومجاليها ومحاكيها واعتبر من احوال نفسك الناطقة المفطورة على صورة الرحمن وهي حجة الله على الخلق فاعرف ان كل ما يصدر عنك من الاقوال والافعال والحركات والسكنات والافكار والتخيلات هي مظاهر ما كمن في ذاتك من الصفات والاسماء فانك اذا احببت احدا وواليته دعتك تلك المحبة الى ان يظهر منك ما يدل على محبتك اياه من المدح والتعظيم والبسط والتكريم والدعاء له واظهار الفرح والنشاط والتبسم والمطايبة ولو لمتكن احببته لماظهر منك شيء من هذه الاسماء والامور والاثار والنتائج مظاهر لصفة المحبة التي فيك فاذا عاديت احدا ظهر منك من الاقوال والحركات والاثار ما يدل على معاداتك اياه كالشتم والضرب والذم واظهار الوحشة والكراهة له وتمني زواله وتشهي نكاله فهذه الاثار مظاهر لصفة العداوة التي فيك وقس على ذلك نظائره
اقول قوله واعتبر من احوال نفسك الناطقة المفطورة على صورة الرحمن وهي حجة الله على الخلق وان كان في نفسه في الجملة متسقا لكنه لا يقاس عليه القديم لان القديم لايقاس بالحادث واما كون الصورة الانسانية خلقت على صورة الرحمن فليس المراد به انها خلقت على صورة الذات الحق تعالى اذ ليس للحق عز وجل صورة وانما المراد انها خلقت على صورة فعل الرحمن لانه تعالى تجلى برحمانيته على عرشه فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وذلك ما اظهر من اركان الوجود الاربعة الخلق والرزق والموت والحيوة فاخترع بمشيته اكوانها الاربعة الكلية وبارادته اعيانها والنفس وجميع ما يصدر عنها من الاقوال والافعال والحركات والسكنات والافكار والتخيلات مما هو اثار صفاتها الفعلية ايات لفعل الله ولما صدر عنه من الاثار فانها خلقت على صورة الفعل كما خلقت الكتابة على صورة هيئة حركة يد الكاتب لا على صورة الكاتب فان الكتابة لو خلقت على صورة الكاتب لدلت عليه من شقاوة او سعادة ومن حسن او قبح ولكنها لاتدل على شيء من ذلك وانما تدل على هيئة حركة يد الكاتب من اعتدال واستقامة او خلاف ذلك وانما كانت الصورة الانسانية على هيئة صورة الفعل لان الفعل من نوع الممكنات وانما قال عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه ه لانه سلام الله عليه يريد معرفة استدلال عليه لا معرفة تكشف له لانك انما تعرف نفسك اذا جردتها عن جميع السبحات حتى النسب والاضافات وعن التجريد فانك تجد ما بقي بعد التجريد الكلي نقشا فهوانيا وانموذجا بحتا ليس كمثله شيء وهذا باق من المصنوع بعد التجريد الكلي فيكون آية تعرف الله بها بانه تعالى ليس كمثله شيء فدلك الوصف الذي ليس كمثله شيء على وجود موصوف ليس كمثله شيء كما تدل الكتابة على وجود كاتب والاثر على وجود مؤثر والنور على وجود منير والصفة على وجود موصوف فحيث كان الدال ليس كمثله شيء ولا كيف له كان المدلول عليه ليس كمثله شيء ولا كيف له
قال : فهذه الاسماء والصفات وان كانت متحدة مع ذاته تعالى بحسب الوجود والهوية فهي متغايرة بحسب المعنى والمفهوم ومن هنا يثبت ويتحقق بطلان ما ذهب اليه اكثر المتأخرين من اعتبارات الوجود وكونه امرا انتزاعيا لا هوية له في الخارج ولا حقيقة له كسائر المفهومات المصدرية كالامكان والشيئية والكلية والجزئية ولا يكون متكثرا الا بتكثر ما نسب اليها من المعاني والماهيات فيلزم عليهم كون صفاته تعالى موجودات متعددة متكثرة حسب تكثر معانيها وهذا فاسد قبيح جدا ولاجل هذا الالزام ذهبوا الى ان مفادها ومعناها امر واحد وكلها ترجع الى مفهوم واحد وكادوا ان يقولوا بان الفاظها مترادفة في حقه وقد علمت فساده بل التحقيق كما مر مرارا ان الوجود وهو الاصل في الموجودية وهو مما يتفاوت كمالا ونقصا وشدة وضعفا وكلما كان الوجود اكمل واقوى واشرف كان مصداقا لمعان ونعوت كمالية اكثر ومبدء الاثار والافاعيل اكثر بل كلما كان اكمل واشرف كان مع اكثرية صفاته ونعوته اشد بساطة وفردانية وكلما صار انقص واضعف كان اقل نعوتا واوصافا وكان اقرب الى قبول التكثر والتضاد حتى انه يصير تغاير المعاني المتكثرة التي تكون في الوجود القوي الشديد موجبا لتضاد تلك المعاني في حق هذا الوجود الضعيف فتغاير الاسماء المتقابلة له تعالى كالمضل والهادي والمحيي والمميت والقابض والباسط والاول والاخر والغفار والقهار سببا لتضاد الموجودات وتعاند المكونات التي هي اثارها ومظاهرها كالهداية والضلالة بل كالملك والشيطان والحيوة والموت بل كالارواح والابدان انتهى ما نقلت من كلامه
اقول قوله فهذه الاسماء والصفات وان كانت متحدة مع ذاته تعالى بحسب الوجود والهوية قد تقدم الكلام فيه ومما فيه ان الاسماء لاتكون في رتبة المسمى بل رتبتها بعد رتبة المسمى فلا تتحد معه في الوجود والمعنى الذي يثبتون به الاتحاد على بعض افراد الاتحاد وهو ما عنوه هنا حيث قالوا ان الشخص اذا تصور صورة فانها حال تصوره لها لا تنفك عن نفسه فهي حينئذ متحدة بنفسه في الوجود وان كانت نفسه سابقة في الوجود على الصورة فاتحادها بنفسه في الوجود لانها لا وجود لها الا وجود تصوره لها ولا وجود لتصوره لها الا وجود نفسه فالثلاثة حال تصوره للصورة موجودة بوجود واحد وهذا النمط من الاتحاد مبني على مجازفة الافهام وعدم فهم الوجود وحقيقته الموجودة في افراد الموجودات لانهم فهموا ان الوجود الذي تقومت به افراد الموجودات من نور محمد صلى الله عليه واله فنازلا الى التراب بجميع مراتبه في الكائنات طينة واحدة وحقيقة واحدة بسيطة مختلفة الحصص في الشدة والضعف فهو كنور السراج كلما قرب منه كان انور وكلما قرب من التراب كان اضعف فنور محمد صلى الله عليه واله وحقيقته وحقيقة التراب والجمادات شيء واحد من طينة واحدة فيكون وجود الجواهر المجردة والمادية ووجود الاعراض والهيئات الخارجية والذهنية شيئا واحدا وحقيقة واحدة عندهم ولو ارادوا بالاتحاد بين الاسماء والصفات وبين الذات والافعال والمفعولات هذا الاتحاد الذي ذكرنا لكان له وجه وان لم نقبله ولم نقبل اصله الذي قالوا من ان وجود جميع الحوادث على اختلاف حصصه في القوة والضعف والقرب والبعد شيء واحد بسيط وانما يريدون ان الفعل وجوده هو وجود الفاعل اذ ليس شيئا بذاته وانما هو شيء بفاعله فشيئيته شيئية فاعله اذ لا شيئية للفعل والمفعول لا وجود له الا وجود الفعل ولا شيئية له الا شيئية الفعل فقد اتحد المفعول بالفعل في الوجود واتحد الفعل بالفاعل فهذا الاتحاد هو الذي يريدونه بالاتحاد في الوجود وهذا ليس بصحيح لان وجود الفاعل هو ذاته وهو قديم ووجود الفعل هو ذات الفعل وهو حادث بنفسه لا من شيء بل وجوده الذي تقوم به تقوم صدور وتقوما ركنيا هو نفسه المبتدعة وذاته المخترعة لا من شيء ووجود المفعول الذي تقوم به تقوما ركنيا هو اثر الفعل وتأكيده لا نفس وجود الفعل ولا من نفسه فان وجود الاثر ليس من وجود المؤثر ووجود النور ليس من وجود المنير اذ الاثر من هيئة فعل المؤثر والنور من هيئة فعل المنير وذلك لان الصفة لا تتحد بالموصوف في الوجود الذاتي وان جمعهما الوجود المعنوي المصدري المعبر عنه في اللغة الفارسية بهست اعني الكون في الاعيان وقد ذكرنا فيما تقدم ان هذا الوجود اذا جمع اثنين لا يكون منه اتحادهما كما هو المدعى بان يكونا شيئا واحدا في الذات ولا في الرتبة اذا كان احدهما معروضا والآخر عرضا واما الاتحاد الذي نعني فانه تعبير عن المتحد في نفس الامر لانه واحد حقيقي سمي باسماء كثيرة باعتبار افعاله المتكثرة كما تسمي زيدا ضاربا وقائما وقاعدا وماشيا ومتحركا وساكنا هذا اذا سميته باعتبار افعاله وان سميته باعتبار مفعولاته قلت عالما وسميعا وبصيرا بمعنى ما ذكرنا فيما تقدم في المثال بك فانك سميع باعتبار ادراكك للمسموع وبصير باعتبار ادراكك للمبصر وعالم باعتبار ادراكك للمعلوم واشتق لك من لفظ اسماء ما ادركته اسماء والمسمى منك بكل واحد منها شيئا واحدا وهو انت لانك انت المدرك للمسموع وانت المدرك للمبصر وانت المدرك للمعلوم فتعددت الجهات من جهة المفعولات المتعددة واذا لحظت منشأ الادراك لهذه المفعولات وجدته شيئا واحدا من كل جهة وبكل اعتبار فاذا سميته بتلك الاسماء وجب اتحاد معانيها ومفاهيمها وعدم تغايرها والا كان ذات جهات وحيثيات فاذا اتحدت معانيها ومفاهيمها بان كانت معنى واحدا ومفهوما واحدا كانت مترادفة فكان اطلاق الاسماء بلحاظين احدهما ان اطلقت بلحاظ المفعولات والافعال التي احدثت بها كانت مختلفة المعاني والمفاهيم وكانت صفات افعال ولم تكن حينئذ عين ذاته تعالى بل هي حادثة بالفعل الحادث وثانيهما ان اطلقت بلحاظ ما صدرت عنه الافعال كانت متحدة المعاني والمفاهيم وكانت صفات ذات واحدة بسيطة غير مختلفة بحيثية ولا جهة ولا اعتبار وحينئذ تكون هي عين ذاته تعالى اذ لا معنى لها ولا يراد منها غير محض الذات فلا تكون الا مترادفة لان المراد بقوله عليه السلم وكمال توحيده نفي الصفات عنه ه نفي التعدد والكثرة بكل اعتبار لا نفي نفس الصفات بان يقال لا علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر بل صفات موجودة ولكن الصفة هي الموصوف فالعلم هو الذات بمعنى هو العالم والقدرة هي العلم وهي الذات والسمع هو السميع وهو الذات والبصر هو البصير وهو الذات وهكذا وليس بقولنا العلم هو العالم وهو الذات ان العلم هو الذات المتصفة بالعلم ولا هو الذات بدون الصفة اي بدون العلم بل المراد ان المسمى بالعلم هو المسمى بالقدرة بجهة ما سمي بالعلم وبسائر الصفات فالمسمى بالعلم هو الذات العالمة وتلك الذات العالمة هي الذات القادرة وهي الذات السميعة البصيرة فذلك الشيء الحقي المنفرد البسيط هو المسمى بالله والرحمن والرحيم والعلم والقدرة والسمع والبصر والحيوة والمعبود الحق وواجب الوجود والذات البحت ومجهول النعت واللاتعين وما اشبه ذلك فان كان الاسم الذي اطلق عليه له مفهوم معلوم كان مفهومه منسوبا الى فعله تعالى والمقصود منه الذات الحق تعالى وصح اطلاقه عليه وتسميته به لاختصاصه تعالى بذلك الفعل المنسوب اليه ذلك الاسم مثل خالق السموات والارض وعالم الغيب والشهادة والرحمن الرحيم وان لم يكن له مفهوم معلوم كان في نفس الامر جاريا على العنوان والمقصود منه الذات الحق تعالى مثل الذات البحت والمجهول النعت واللاتعين فرجع الحاصل من اسماء صفات الذات اذا اريد منها عينية الذات البحت الى انها مترادفة وان فهم منها تغاير المفاهيم والمعاني كانت اسماء افعال فافهم فان فهمت والا فلا تقف ما ليس لك به علم والسلام على من اتبع الهدي وقوله ومن هنا يثبت ويتحقق بطلان ما ذهب اليه اكثر المتأخرين من اعتبارات الوجود الى قوله وهذا فاسد قبيح فاسد قبيح لان ابطاله ما ذهبوا اليه مبني على ثبوت تغاير مفاهيم الصفات التي هي عين الذات البحت واختلاف معانيها وهذا فاسد قبيح كما قلنا مرارا ان ما هو الذات لا يجوز فرض تغايره واختلافه فضلا عن وقوعه لا بحسب المفهوم ولا بحسب المعنى ولا بحسب الوجود لان مفهوم الذات البحت ومعناها ووجودها شيء واحد ولا يراد مما هو عين الذات البحت شيء غير الذات واختلاف الالفاظ راجع الى اختلاف معاني اثار افعالها كما نسمي ايجاده تعالى للاكوان اي مواد انواع الاشياء بخلق وشاء وايجاده للاعيان اي الصور النوعية ببرأ واراد وايجاده للهيئات الشخصية وحدودها بصور وقدر وايجاده لتركيب ما قدر بقضى وامضى والايجاد في الاطوار الاربعة واحد سمي في كل طور ورتبة بغير ما سمي به في الاخرى ونحن نريد تبعا لارادة موالينا وساداتنا محمد وآله صلى الله عليه واله ان تلك الصفات هي الذات ولا نريد ان الذات خالية من تلك الصفات لان نفي الصفات العينية نفي الذات ولا نريد ان الذات متصفة بصفات ملحوظ فيها صفة وموصوف لان الصفة غير الموصوف ولو نسب الى الذات شيء ذو جهتين جهة بها الاتحاد وجهة بها الافتراق والتغاير كما يقول الملا واتباعه لكانت الذات مركبة ذات جهة وجهة وحيث وحيث تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لانه اذا قال بان العلم والقدرة مثلا متغايران في المفهوم والمعنى كانا مغايرين للذات في المعنى والمفهوم واذا اتحدا بالذات في الوجود واراد بالوجود نفس الذات كان المختلف المتغاير في جهة متحدا بالبسيط البحت بذاته فيلزم التركيب في جهة المغايرة مع ما قلنا من ان المفهوم المدرك مفهومه ومعناه بدليل الحكم بالتغاير مدرك محاط به والمحاط به لمثل الملا حادث ولا يتحد الحادث بالقديم وقوله ومن هنا اي ومن جهة كون صفاته تعالى متحدة بذاته في الوجود مع تغاير معانيها واختلافها تبين بطلان كلام القائلين بكون الوجود اعتباريا انتزاعيا لانه انما صح عينية صفاته تعالى مع تغاير مفهوماتها لاجل كون الوجود ثابتا متحققا في الخارج ولو كان اعتباريا غير متحقق في الخارج لما امكن فرض اتحادها لان مفاهيمها ومعانيها متغايرة ولا جامع لها الا الوجود فاذا كان اعتباريا كان عدميا والعدمي لا يكون جامعا لاشياء متفرقة وجودية واقول قد بينا ان الوجود نفسه لا يجمع المتفرقات لانه ان كان يراد منه ما تتقوم به الاشياء تقوما ركنيا لم يلزم منه الاتحاد لان الاشياء التي جمعها تتعدد وتتكثر بالمشخصات كالخشب الجامع للباب والسرير مع تعددهما لتمايزهما بالمشخصات فلو فرض كون الوجود جامعا لها لم يلزم اتحادها بالذات وكونها عين الذات لثبوت تغايرها وان كان يراد منه الكون في الاعيان اعني المعنى المصدري فلا يكون منه الاتحاد بالطريق الاولى فلا يلزمهم بما ذكروا كون صفاته تعالى موجودات متعددة متكثرة حسب تكثر معانيها ثم قال ولاجل هذا الالزام الى قوله مترادفة في حقه يعني لاجل انهم قالوا بان الوجود اعتباري انتزاعي ويلزمهم عدم عينية الصفات اذا قالوا بتغايرها ذهبوا الى ان مفادها واحد حتى كادوا يقولون بترادف الفاظها لتحصل العينية والاتحاد ونحن قد بينا لك ما في كلامه واما كلامهم فترادف الالفاظ اذا اريد بالصفات صفات الذات مما لا يرتاب فيه من عرفه واما اعتبارية الوجود فان اريد به ما نريده نحن من ان المراد منه المادة فقولهم بالاعتباري غلط وان اريد به شيء غير المادة والصورة سواء اريد به الكون في الاعيان او ما به الكون في الاعيان على رأيهم فلو كنا نثبت شيئا من الاشياء اعتباريا لكان قولهم بكون الوجود امرا اعتباريا انتزاعيا متجها ولكنا لا نقول بخلاف العقلي والنقلي فاما العقلي فان الشيء المخلوق الذي خلقه الله لا بد وان يكون متحققا ثابتا وهذا مما لا اشكال فيه فان كان موجودا في الخارج كان متحققا سواء كان صفة ام موصوفا والصفة قد تكون قائمة بموصوفها قيام صدور كالكلام وقد تكون قائمة به قيام عروض كالحمرة في الثوب وقد تكون قائمة به قيام تحقق كالمشخصات المميزة للافراد كالحدود والصور والهيئات فانها لو لم تكن متحققة في الخارج لم يتميز بين انواع الجنس واشخاص النوع بعضها من بعض الا ترى انك اذا اعتبرت ان زيدا الطباخ للسلطان هو الملك لم يكن ملكا باعتبارك ما لم تتحقق الصفة في الخارج وان كان موجودا في الذهن خاصة لم يظهر مقتضاه في الخارج فلو كان الامكان امرا اعتباريا ولم تكن له هوية في الخارج وانما توجد في الذهن لكان زيد الموصوف بالامكان قديما لانه لا واسطة بين القديم والممكن فاذا لم يتصف في الخارج بالامكان كان قديما ولو كانت شيئية زيد غير متحققة في الخارج ولم يتصف زيد بها الا ذهنا لم يكن زيد شيئا وكذا الكلية والجزئية وان كنتم لا تطلقون المتحقق الا على الشيء القائم بنفسه واما الصفة المتقومة بموصوفها التي لا يمكن قيامها بذاتها فلا تطلقون عليها التحقق لم تكن حركة الحيوان عندكم متحققة في الخارج ولا العلم والقدرة وامثال ذلك اذ لا يتقوم منها شيء بنفسه فلا يكون متحققا بل هو اعتباري والله سبحانه يقول الذي خلق الموت والحيوة وانتم تقولون الموت اعتباري لا تحقق له في الخارج لانه عدم الحيوة عما من شأنه الحيوة والظلمة اعتبارية لأنها عدم النور عما من شأنه النور مع انكم ترونها بابصاركم فكيف تدرك ابصاركم ما هو غير ثابت ولا متحقق في الخارج فاذا سلكتم هذا المسلك كنتم قد نفيتم الوجود عن نصف العالم لان نصف الممكنات كلها بهذه الطريقة ليس فيها ثخين الا نفس الجمادات خاصة فاعتبروا يا اولي الابصار واما النقلي فمنه قول الصادق عليه السلم كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم ه وفي كتاب العلل للصدوق (ره) في باب علة خلق الخلق باسناده الى الحسن بن علي بن فضال عن ابي الحسن الرضا عليه السلم قال قلت له لم خلق الله عز وجل الخلق على انواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام على انه عاجز ولا تقع صورة في وهم احد الا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عز وجل على ان يخلق صورة كذا وكذا لانه لا يقول من ذلك شيئا الا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر الى انواع خلقه انه على كل شيء قدير ه
وقوله بل التحقيق كما مر مرارا ان الوجود هو الاصل في الموجودية وهو مما يتفاوت كمالا ونقصا وشدة وضعفا الخ يريد به ان الوجود لما كان اصلا في موجودية الاشياء كلها كان اكمل واشرف واقوى وما كان كذلك كان جامعا لكل كمال وصفة حميدة وما كان كذلك كان اكثرها نعوتا ومعاني كمالية وما كان كذلك كان اكثرها افاعيل وآثارا وما كان كذلك كان اشدها بساطة وتوحدا لان المتكثر الجهات ان لم يكن شديد البساطة عاقته الكثرة الذاتية عن الافاعيل الكثيرة والاثار العديدة واذا اشتدت بساطته طوت الكثرة وحدته لعدم الموانع والعوائق ولذا قال تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقال وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر فكثرة مفاهيم الصفات وتغاير معانيها لا تنافي الوحدة والبساطة لشدة بساطة الجهة الجامعة للمختلفة المتكثرة وهي الوجود الجامع لها والجواب ان البساطة التي طوت الكثرات انما هي لخلوص وحدتها وتجردها عن مطلق الاختلاف والتغاير الذي به كان غير متناهي الكمال والشرف والغني المطلق اذ الغني المطلق ينافيه مطلق التغاير والاختلاف اذ ادنى ما فيه من المنافي اعتبار عدم المنافاة والاحتياج اليه وهو كاف في المنافاة وظهور كثرة الافاعيل والاثار الغير المتناهية فيما هو كلمح البصر او هو اقرب شاهد صدق ومقتضى حق بانتفاء تغاير مفاهيم الصفات ومعانيها اذ الوحدة الحقية والغني المطلق لا يجامعهما تغاير المفاهيم والمعاني ولو بالفرض في حال من الاحوال في الاماكن الثلاثة في الخارج وفي نفس الامر وفي الذهن والتعقل ولا في ظلمات الرابع من التوهم والتجويز والشك ثم لا مناص عن القول بالترادف او ارجاع التغاير الى متعلقات الافعال من الاثار المختلفة باختلاف رتبها وقوابلها حال التعلق او انها صفات افعال ابتداء وليس ثبوت هذه القدرة والقهر للذات الا لتحقق البساطة والغني المطلق وما يتحقق ذلك الا لعدم وقوع التغاير المفروض وقوعه ولو ثبت التغاير تحقق لازمه وهو النقص والضعف والحاجة المنافية للبساطة والغني المطلق وليس كثرة الاثار والمظاهر وتعددها لاجل وجود التغاير واختلاف المفاهيم والمعاني المتحققين في الصفات الذاتية كما يشير اليه كلام الملا وانما التعدد والتغاير والاختلاف الواقعة في الاشياء لتعدد الافعال وتغايرها وتضادها وذلك لاختلاف القوابل والمشخصات والقوابل وحدودها ومشخصاتها خلقت من المقبولات وبالمقبولات بل سبب تعدد الافعال هو تعدد القوابل والمشخصات وترجيح الفاعل لمفعولاته بترجحها في نفسها حين تكوينها لا قبله ولا بعده اذ لا وجود لها قبل تكوينها ولا ذكر وانما خلقت القوابل من المقبولات والمقبولات لا وجود لها ولا تحقق قبل قوابلها فخلق تعالى شرط وجودها وظهورها منها كما خلق الانكسار من الكسر والانكسار شرط وجود الكسر وظهوره ونحن نقول الماهية شرط وجود الوجود وظهوره وهي خلقت من الوجود من نفسه من حيث هو هو لا من حيث كونه اثرا لفعل الفاعل والماهية هي القابلية والوجود هو المقبول والوجود بالمعنى الاول على ما اصطلحنا عليه هو المادة وهو حصة من الجنس كالحصة من الحيوان التي هي مادة النوع تختص بالانسان اذا حمل عليها الفصل الانساني اعني الناطق وهو الصورة النوعية والوجود بالمعنى الثاني هو كون الشيء اثر فعل الله وصنع الله ونور الله والماهية هي الشيء من حيث هو هو
وقوله حتى انه يصير تغاير المعاني المتكثرة التي تكون في الوجود القوي الشديد موجبا لتضاد تلك المعاني في حق هذا الوجود الضعيف الى اخر كلامه غلط فاحش لان تغاير المعاني المتكثرة الذي هو تغاير الاسماء المتقابلة كالهادي والمضل والمحيي والمميت ليس منسوبا الى الذات الذي هو الوجود القوي الشديد وانما ذلك راجع الى فعله الذي هو الوجود الضعيف القابل للتضاد وليس في الوحدة الحقية تغاير ولا تقابل وانما التغاير والتقابل حاصل للفعل المتعدد المتكثر المتعاقب باعتبار تعلقه وارتباطه باثاره المتغايرة المتكثرة المتعاقبة وكله بجميع انواعه وافراده من الوجود الضعيف الحادث ولم يكن سببا لتضاد الموجودات وتعاندها وتغايرها وكثرتها الا ارادة الفاعل المختار التي هي فعله لا غير ذلك وانما صح صدور الامور المتعددة الغير المتناهية وهو صدور الافعال المتعددة الغير المتناهية من انفسها وصدور المفعولات المتعددة الغير المتناهية من تلك الافعال بقدرة الفاعل عز وجل مع عدم التعدد في ذاته ولا في جهته لا واقعا ولا تعقلا ولا في نفس الامر ولا فرضا ولا تجويزا لان توحد ذاته وبساطته وغناه هو نفس ذاته البحت الغير المتناهية في حال فلا يكون لتوحده وبساطته وغناه حد بحال ففرض استغناء شيء عنه او مشاركة غيره له في الاحتياج اليه مناف للوحدة والبساطة والغني المطلق فللوحدة المطلقة والبساطة الحقة والغني المطلق استوى من كل شيء في كل شيء اذ ذلك هو الموجب للاحاطة بكل شيء في كل شيء
( الى هنا وجد في النسخة الاصلية وغيرها من النسخ )