
حسب جوامع الكلم – المجلد الثامن
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
الحمد لله ولي ما اولى من نعمه بالجود والكرم ومالك ما اعطى من سأله من النعم وصلى الله على نبيه مصباح الظلم وعلى آله سادات الامم
وبعد فيقول العبد المسكين قليل البضاعة كثير الاضاعة احمد بن زين الدين الاحسائي كنت في تشويش بال بمعاناة حل وارتحال واختلال احوال وللقلب جواذب من كل جانب كل يأخذه بوجهه منه ويصرفه عنه اذ وردت علي مسائل ليس في الارض لها جواب كما يشاء السائل بها الا ضد الصواب وجواب ادناها من وراء الف حجاب صدرت عن الحبر المقدس والطيب المغرس الشيخ العلي الشيخ عبد علي بن المرحوم الشيخ علي التوبلي اخذه الله بيده الى ما يتمنى وزاده الله بمدده بما يرضى طلب فيها ما ليس عندي ولا يكون عند كثير ممن بعدي ولقد القى الخطاب الى من ليس معه كل الجواب لانه ظن ماء وهو سراب ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور ولله عاقبة الامور وسميت هذه الاجوبة بلوامع الوسائل في اجوبة جوامع المسائل
قال ايده الله : بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين - اقول وانا الفقير الى رحمة ربه الملك المجيب عبد علي بن علي بن محمد بن علي بن احمد الخطيب اني كنت في ريعان الشباب وصفو عيش من الاحباب الى ان اتاني ما لم اكن في الحساب كنت في زهر الدنيا ورياضها سالكا شعبها واراضيها مستمرا على شهواتها واغراضها حتى قابلتني بصدودها واعراضها وبلتني بسقمها وامراضها فاخذت في طلب العلوم والنظر فيما رأيته مرسوم حتى وفقني الله لتعلم لفظ كتابه المجيد ثم النحو والتصريف واللغة وعلم التجويد وقرأت المعاني الظاهرة والبيان ثم علم الحساب وعلم الميزان وقرأت اصول الفقه واصول الكلام والفقه والتفسير واخبار النبي والامام عليهم افضل الصلوة والسلم وسافرت الخط فقرأت في الهيئة ونظرت في كتب الطب لشدة الحاجة الى ذلك وظللت اخترق تلك الشعب والمسالك فقلت يا نفس اين قوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله وقوله تعالى قل انظروا في ملكوت السموات والارض افلا يتدبرون القران ان في ذلك لايات لاولي الالباب وجعلنا الشمس عليه دليلا وفي انفسكم افلا تبصرون واين شكر المنعم واين التكاليف وكيف طريقة ذلك فطلبت ذلك وطفقت اخذ من هنا ومن هنا وقرات قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فاول درجة هي المجادلة وهي اسفل الدرجات واقل الدلالات فامتطأت كاهلها وغاربها وسرحت بريد نظري في مشارقها ومغاربها وجعلت اقلب نظري في شموسها وبدورها وكواكبها فلم يجدني من علم المجادلة في الكلام سوى معرفة اصطلاح اهل الكلام حتى اذا هجم الليل وانسدل الظلام وهجعت عيون الانام قدمت على المعرفة اشد اقدام وقمت على الساق والاقدام فلم اهتد لذلك سبيلا ولم اع حجة ولا دليلا لكني علمت ان هذه المعارف بعضها ضروري وبعضها كسبي والكسبي ينقسم الى عقلي والى تسليمي فهان على الخطب فالضروري الذي الهمني الله اياه هو كون ان لي صانعا وانه لا كالمصنوع وكل مصنوع له صانع والصانع غني عن المصنوعات وكل مصنوع محتاج الى مدبره وهو عدل غني عن الظلم وقد علمت ان من العدالة ان لا يكلفني بشيء ولم يصفه لي ولا يرسل الى من يعلمني بما يريده مني وذلك هو الكسبي العقلي المعتضد بالتواتر النقلي المورث للعلم القطعي وقد وصلني ان محمدا صلى الله عليه وآله ادعى النبوة واظهر المعجز على يده وكان من اعظم اياته القران المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد عجز الناس عن الاتيان بسورة من مثله فعلمت انه من العزيز الحميد فوجب على قبوله وقد علمت ان طاعة محمد صلى الله عليه وآله طاعة الله ومعصيته معصية الله لقوله تعالى ومن يطع الرسول فقد اطاع الله الى غير ذلك فوجب على قبول كلام الرسول واتباع امره ونهيه ثم ايضا باقي العقايد كسبية تسليمية فكلما اتاني منه فهو مقبول ولكني حفظت شيئا وغابت عني اشياء وهو ان للقران بطونا وللبطون بطون وكذلك ان حديثهم صعب مستصعب فلم اهتد لمعرفة تلك المعرفة وقد قصرت عن ادنى مراقي تلك المرتبة وان كانت كالشمس المنيرة في الظهور عند اهلها ولذلك صح ان يقال:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدو ينكر الفم طعم الماء من سقم حتى اذا هدرت الحمامة وصاح الديك ونعق الغراب ونشرت اجنحة الطاوس وانشق الفجر ولاح الضياء بانت ضياء شعاع مصباح احدى القرى الظاهرة التي هي المنازل في السير بيني وبين القرى التي بارك الله فيها فقلت لعلى ان اسير فيها ليالي واياما امنا فجسست ( فجست خل ) خلال تلك الديار فتصدى لي من ادرك تلك الشموس بقوة بصره الذي هو عين بصيرته فاجابني بلسان حاله الذي هو اقوى من لسان المقال عند ذوي الكمال والجلال باني متخذ خليلا لو سئلني احياء الموتى لاجبته فحدثتني نفسي بأن اطلب تحقيق الخلة ليطمئن بها قلبي فاتيته سائلا ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا ليت شعري ما هذه الطيور الاربعة وما هذه الجبال العشرة فلما علمت ان هنا ما لم يهتد اليه سبيلا زاد اشتياقي لهاتيك الديار وتأسفت على ما مضى من الازمنة والاعصار فلازمته فظهر لي منه بعض الظهور بحسب قابليتي التي تعلقت وتخلقت بالكثافة والقصور فلم ازل في ذلك:
اقول للعين يا بشراك قد طلعت شمس النهار وغابت عنك اكدار
واغتنموا الفرص فانها تمر مر السحاب حتى سمعت يا ليت قد صم سمعي عنه وهو داعي الفراق نسئل الله ساعات الاجتماع والتلاق فقلت :
تزود من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار
وخاطبت امكنة الوصال في الليالي والبكور والاصال :
اين سكانك الى اين هم أحجازا يمموها ام شئاما
قوضوا بعد التداني وغد تظلمة الليل بنا عاما فعاما
و تبقى كل مشتاق لهم يسئل الجندل عنهم والرغاما
انقضى العمر ولم ابلغ به حاجة تدفع ضرا واواما
وقد خلفوا في قلبي النار لما سمعت من تلك الاخبار وقد خفي علي الامور وقد رجوت كشفها من ذي القابلية العظيمة والدرة المكنونة اليتيمة والمرءاة الصافية الكريمة مشيد دعائم الاسلام والدين والحجة علينا من الحجة على العالمين الشيخ احمد بن المقدس الشيخ زين الدين مد الله ظلاله واسبل عليه نواله وغمسه في بحر افضاله فلما عزمت وحيل بيني وبينهم وبين عزمي وعلمت ان المدبر غيري اتيته بمسائل كالوسائل متضرعا مستصرخا مستنصرا وسائل
هذا اخر ما قدم امام مسائله من كلامه زيد في مقامه وبلغه ربه اعلى مرامه واعلم ايها الاخ الناظر في هذه الكلمات اني على ما انا فيه من القصور عن تلك المسائل لا يمكنني ارخاء عنان القلم في هذا الميدان لما يستلزم ذلك من كشف ما لا يجوز كشفه ولكني مما علمت من حاله ومقاله بلغه الله اعلى مناله انه يطلب الاشارة والاختصار وذلك احب اليه من الاطالة والاظهار فكفاني بفهمه ومراده المؤنة وامدني من ادراكه للاشارة الخفية بالمعونة واذا كان ما يريد منه اجراء الوجوه الستة اجريتها في الظاهر من العبارة والباطن من الاشارة البتة ليتم لكل اهل فن من ذلك مطلبهم وليعلم كل اناس مشربهم والان اريد ان انبه على بعض ما تقدم من الكلمات ببعض التلويح يقوم لاهل ذلك مقام التصريح اذ قد يحتاج اليها فيما بعد
قوله { فاول درجة هي المجادلة وهي اسفل الدرجات واقل الدلالات في قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن } اعلم ان الله علم خلقه كما خلقهم انهم على ثلاث طبقات فامر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله ان يدعو الى سبيله اهل كل قسم بما هم عليه مما اتاهم الله وهم اولوا الافئدة وارباب القلوب واصحاب العلوم والسبيل المدعو اليه سبيل الله الى عباده حيث اعطيهم من كل ما سألوه في المداد الاول في الدواة الاولى والسائلون الواقفون ببابه والفقراء اللائذون بجنابه هنالك هم اولوا الافئدة الذين يدعوهم بالحكمة والذين اعطاهم من كل ما سألوه في القلم الاول وهم السائلون الواقفون ببابه الفقراء اللائذون بجنابه هنالك هم ارباب القلوب الذين يدعون بالموعظة الحسنة والسائلون الواقفون ببابه الفقراء اللائذون بجنابه الذين اتاهم من كل ما سألوه في اللوح وفي الحجاب الياقوت وفي اخر اكوارهم واشكالهم واجسامهم وهم اصحاب العلوم واهل الاثار والرسوم المدعون بالمجادلة بالتي هي احسن وسبيل الله الى عباده هو الوجود في تنزلاته وهذا السبيل هو سبيل العباد الى ربهم بما قدر لهم من السير في منازله ومقاماته واشاروا الى الاول النازل بقولهم عليهم السلم نحن صنايع الله والخلق بعد صنائع لنا وقول علي عليه السلم وسر البسملة في الباء و ( وسر خل ) الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء كما رواه في مشارق الانوار وقال صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم كما رواه ابن ابي جمهور في المجلي والى الثاني الصاعد كما في مختصر بصائر سعد للشيخ حسن بن سليمان الحلي عن جابر عن ابي جعفر عليه السلم في قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم الاية فقال يا جابر اتدري ما سبيل الله قلت لا والله الا اذا سمعت منك فقال القتل في سبيل علي عليه السلم وذريته فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله وليس احد يؤمن بهذه الاية الا وله قتلة وميتة انه من قتل فينشر حتى يموت ومن يموت ينشر حتى يقتل انتهى والقتل الاول ليس بالسيف وانما هو بالولاية ومن كان كذلك لا بد له من القتل بالسيف ومن الموت فمن قتل في الدنيا بعث مع الصاحب عليه السلم وكان معه حتى يموت ويعيش بالضعف من عمره في الدنيا ومن مات في الدنيا بعث معه حتى يقتل بين يديه وانما جرى عليه الامران لانه محض الايمان محضا وماحض الايمان ان كان من اولي الافئدة فهو الممتحن قلبه للايمان كما في الروايات وان كان من ارباب القلوب فقد محض الايمان ليقينه في مقامه ولتسليمه بما وراء ذلك فهم من فهم وايضا الاشارة الى السبيل الثاني الصاعد بقوله عليه السلم في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك وقول علي عليه السلم ونحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وكما روي عنهم عليهم السلم في تفسير قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير الاية انهم تلك القرى الظاهرة التي قدر فيها السير الى الله وهذا احد معنى الروايتين في تفسير الاية فتنزلات الوجود يعني ادبار العقل من الله وبالله هو سبيل الله الى خلقه فيما سألوه بما اتيهم وترقيات مراتب الوجود يعني اقبال العقل الى الله بالله من الله بين يديه رفيع الدرجات كل درجة تكمل فيها ثمرة تجلي صفة وظهور اسم من صفاته واسمائه عز وجل تنزل الى ما تحتها بها فيها وتصعد الى ما فوقها بها عندها لا فيها فاسفل الدرجات درجة اصحاب العلوم اعلاها الصور المجردة عن المادة وادناها عالم الاجسام والشهادة لكنها درجة كثيرة الاخطار لا يقر لاهلها قرار لا يزالون في الظلمة في الليل وتشتد الظلمة عليهم في النهار يجمعهم عشرون طورا في معارفهم على اختلاف منازلهم وعوارفهم اعلاهم اصحاب الصور المجردة وادناهم اصحاب القرب المؤصدة وفي تلك العشرين المقام حيات وعقارب واهوال وظلمات ورعد وبرق يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت ومن قصد هدايتهم فهو كالناعق بما لا يسمع ولا يفهم الصوت فاذا اراد الله نجاة من يشاء من اولئك اخذ بناصيته وفتح له باب هدايته وهما قسمان من طابق قوله فعله وعمله قلبه تحقق العلم في صدره وعلامته دوام الخشية من الله قال الصادق عليه السلم اذا تحقق العلم في الصدر خاف واذا ( من خل ) خاف هرب واذا ( من خل ) هرب نجا ه وقال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وفي الدعاء لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم والقسم الثاني من حصلت له تلك الصورة ولم تعضد بما ذكر من مقتضيها واولئك لا يكادون يثبتون عليها كما قال عليه السلم العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل ولو ثبت ثبت لقليل شاذ ولكنها موقوفة الثبوت على الطينة وهي تتحقق بتمام اكتساب العبد لما هو عليه فالسابقة تثبت بالخاتمة كالحبة تزرع فتورق فتحمل بالحبة فافهم واما باقي الاقسام من العشرين فلهم دلالة ضعيفة تكفيهم بنسبتهم ما لم يتجاوزوا فيما توهموا الالفاظ التي بني عليها التوحيد والايمان والاسلام وهؤلاء لا يجوز ان تعرض عليهم الشبهة ولا يجوز لهم الخوض ولا التفتيش لانهم يتوهمون ما يناسب الشبه وترسخ في نفوسهم ولا يفهمون ما يجانس الجواب فلا يكادون يدركونه والى مثلهم اشار عليه السلم بقوله همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤا الى ركن وثيق ه ولذا تراهم يميلون حيث ما مالت الريح فدرجتهم اسفل الدرجات ودلالتهم اقل الدلالات وكذلك اصحاب الصور المجردة عن المادة فانهم وان كانوا اقوى من هؤلاء الا انهم يشيرون الى شيء متوهم ولا يعلمون انه مخلوق مثلهم مردود عليهم ( اليهم خل ) واما ارباب القلوب المدعون بالموعظة الحسنة فان روح اليقين اذهب عنهم ظلمة الريب والشك بنوره قال الصادق عليه السلم واذا اشرق نور اليقين في القلب رجا واذا رجا طلب ومن طلب وجد ه و( ونور خل ) اليقين هو المعاني يعني معاني العلم بالله المجردة عن الصورة والمادة والقلب ملك وزيره ( وزيره نور خل ) العقل ووجهه وهو في الصدر الذي هو العلم كالنقطة في الدايرة عليها وهؤلاء تغلب عليهم اثار الفضل فيغلب عليهم الرجاء لسلامتهم من مسمى الكثرة لان المعاني لا تشخص فيها بهيئات تميزها عند من دونها وفي ذاتها ولاجل ذلك يقال للعلم انه في اللوح المحفوظ يعني الالف المبسوط والكتاب المسطور اشارة الى الكثرة ويقال للعقل انه القلم والالف القائم والطور اشارة الى وحدته بالنسبة الى كثرة ( الكثرة خل ) اللوح الا ان القلم واللوح من الوجود المقيد ويجمع كونهما الدهر فافهم ثم لما كان العقل ليس له اقتضاء لغير الطاعة لقربه من الخير والوحدة فهو عند نفسه لا يشهد له وجودا في كل اطواره الا بربه تعالى لا يحتاج فيما لم يستبنه الى المجادلة بل اذا بين له فيما لم يظهر له ان الامر دائر بين مقتضى نفسه وبين ما طلب غيره اختار ما طلب غيره لانه لم ير بوحدته الا ربه فكان الله بذلك له اقرب اليه من كل شيء بل كل حركاته وسكناته في كل اطواره بالله لان الله تعالى قال وعزتي وجلالي ماخلقت خلقا احب الى منك الحديث وقال تعالى فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها الحديث فالموعظة الحسنة هي فتح باب يقينه فيما طلبه لانه ابدا لا يقتضي الا الارجح ومثال الموعظة الحسنة في الدليل لارباب العقول قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد فاذا دار الامر بين ما يجوز ان يكون من الله وان يكون من غيره فرضا وهو طبق ما في العقل عند نفسه والعقل لله والله مع العقل كما قلنا سابقا حصل الارجح وجاء الحق وزهق الباطل فالعقل يطلب ما فيه النجاة وذلك لا يخفى على كل من قطع الاعتبار من نفسه لانه عاقل فافهم وتصرف في هذه القواعد بالتبصرة فاني وضعتها للارشاد والتذكرة ان كنت علامة حصل لك منتهي المطلب واما اولوا الافئدة فهم الذين كشفوا سبحات الجلال التي اولها واخرها انفسهم ووجوداتهم من غير اشارة بل شأنهم تفقد الاشارة ومحوها حتى صحا لهم المعلوم وهؤلاء اهل المحبة قال الصادق عليه السلم واذا انجلى ضياء المعرفة في الفؤاد احب واذا احب لم يؤثر ما سوى الله عليه ه وشرط ذلك منهم محو المحبة فانها حجاب كما روي عنه عليه السلم فهؤلاء يدعون بالحكمة وهي المعرفة وهي التي ضدها العام الانكار ولا تقابل بالشك والجهل الا على سبيل المجاز او الحقيقة الاضافية والعلم يقابله الجهل واليقين يقابل ( يقابله خل ) الشك وهؤلاء اولوا الافئدة ينظرون بنور الله قال عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهو النور الذي خلق منه وذلك النظر هو التوسم وصاحبه المتوسم ان في ذلك لايات للمتوسمين وبيانه ( بداية خل ) نظرهم بتلك العين مثل سم الابرة ممتدا على ساقين متساويين وقاعدته قوس على هيئة قطاع اصغر فيمتد الساقان وتعظم درجات ذلك القوس حتى يتجاوز النهاية فاذا خرق حجاب النهاية واخذ في اللانهاية استدار كهيئة دائرة ويكون ذلك السم الذي نظر منه نقطة لها فتكون تلك النقطة ممتدة صاعدة في ذاتها لا الى جهة سواها من حيث ذاتها فتكون تلك الدايرة كالكرة على تلك الممتدة كالمحور باستدارتها عليها فتكون الدايرة هي عين النقطة والكرة نفس محورها ظاهرها في باطنها وباطنها في ظاهرها وتلك الحقيقة لا سواها كما رواه في معاني الاخبار باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره ظاهره موصوف لا يرى وباطنه موجود لا يخفي الحديث فاذا تأمل الناظر بعين البصيرة ظهر له ان اسفل الدرجات واقل تلك الدلالات درجة اصحاب المجادلة بالتي هي احسن كما صرح (ع) به في كلامه هنا ( هذا خل ) اذا تحقق العلم في الصدر واما اذا لم يتحقق بعدم اجابته العمل له بل مجرد المجادلة فلا دلالة في ذلك بحال ولا معرفة له بل انما اكتسب جهلا بجهل وانما اطلقت عنان القلم هنا على خلاف ما وعدت لما يترتب على هذه المباحث ولانها كالاصل لبعض ما يأتي
وقوله { حتى اذا هدرت الحمامة وصاح الديك ونعق الغراب ونشرت اجنحة الطاوس } الحمامة في الانسان الفلكي فلك القمر وفي الجوزهر مظهر ينبوعه وفي الانسان الافاقي ريح الصبا وفي الانسان الادمي مادة البلغمي التي ينبوعها من الرية وفي الانسان الفلسفي الغربية والعبارة عما ذكر ان الحمامة قمر ميكائل الغربي عند ريح الصبا من الرية بباطن المريخ والديك شمس هواء اسرافيل عند ريح الجنوب الثائرة من كبد الفتى الشرقي والغراب اشعة زحل بمرة عزرائيل عند ريح الشمال الساكنة من طحال الطلق الذي ازيل عنه ريش الغراب واجنحة الطاوس تكميل جبرئيل بنار الدبور الطائرة من المرة الصفراء للفتى الكوشي بظاهر المريخ وذلك عند ابتداء اعتدال المزاج بحصول الطبيعة الخامسة من الطبايع الاربع اذا اعتدلت قال علي عليه السلم وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوايل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه والسبع الشداد زحل والمشتري فاذا ذهب ظاهر المشتري عن زحل قال الرضا عليه السلم ما بعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية واما المريخ فقالوا الحديد باطنه فضة وظاهره ذهب وقال الله تعالى باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب يعني باب السور المضروب قال علي عليه السلم وانا قرن من حديد واما الشمس فتفيض على زحل من ذات العقل نورا وعلي القمر من صفات العقل كذلك وعلى المشتري من نور ذات اللوح والكرسي وعلى الكاتب من صفاته وعلى المريخ من نور ذات الطبيعة وعلى المرءاة من صفاته فاذا اعتدلت في الوزن والصفة كانت عنها طبيعة خامسة وهي الاعتدال الذي اشار اليه علي عليه السلم باعتدال المزاج
قوله اسعده الله بمدده { وانشق الفجر ولاح الضياء بانت ضياء شعاع مصباح احدى القرى الظاهرة التي هي المنازل في السير بيني وبين القرى التي بارك الله فيها فقلت لعلي ان اسير فيها ليالي واياما آمنا } انشقاق الفجر ظهور الحال والقرى الظاهرة هم المتعلمون من العلماء كما قال الصادق عليه السلم نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وهذا الاستدلال مبني على رواية ان القرى التي بارك الله فيها هم الائمة عليهم السلم ويريد باحدى القرى السراب الذي ظنه ماء اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
وقوله ايده الله { حتى سمعت ما يا ليت قد صم سمعي عنه وهو داعي الفراق } الخ وهو ارتحالنا من قريتهم المحروسة من الاسواء توبلي الى المعمورة المسمي بني بتشديد النون تابع بغداد القديم والكل من اوال حرسها الله من الزوال في المبدء والمال
قال اطال الله بقائه واشهده لقائه في اخرته ودنياه :
فالاولى - اني مؤمل من الجناب الاحمدي ان يبين لنا اختلاف الاقوال في التعبيرات من الباطن والظاهر وكلام الصوفية المنهي عن اتباعهم وكلام اهل الحق المأمور باقتفائهم وان يحبر لنا عبارة جامعة بالفاظ وجيزة يؤخذ منها صنعة المكتوم من كونه شجرا الى كونه حجرا الى كونه انسانا كاملا والعالم العلوي والسفلي في الانسان الكامل والعالم الصغير الانساني بحيث لو وقف عليها صرفها اهل الظاهر لظاهرهم واهل الباطن لباطنهم واهل التأويل لتأويلهم على حسب التفاسير التي فهمناها منكم وهي الظاهر وظاهر الظاهر والباطن وباطن الباطن والتأويل وباطن التأويل بحيث انه يكمل فيه الصنعة وتولد الانسان وقواه واطواره والعالم الزماني والعالم الدهري والعالم السرمدي والعالم البرزخي والعالم الحشري وتقابل العقل بالجهل واول المخلوقات باخرها والمركز الارضي بالمحدد السمائي وسكان الافلاك بسكان الارضين وما بينهم وتخرج لنا ما يماثلها في الانسان
هذا اخر المسئلة من المسائل الثمان التي هي كابواب الجنان وفي هذا العدد اشارة الى قوله تعالى مدهامتان وفي ذلك ولذلك يتولد الانسان واعلم انه سلمه الله بني سؤاله بظاهره على امر متعذر لان هذا المعنى الذي يريد من تحبير العبارة وانها تفيد تلك الجهات الست لا يكون الا بالعبارة الظاهرة وهي تفيد كل اهل لسان مرادهم وليس على ظاهره لانه لا يكون الا في عبارة امام معصوم وغير المعصوم لا يطلب منه هذا فلا بد من صرف عبارته عن ظاهرها وان المراد منها ما سمعناه منه وهي المبالغة في الكتمان عمن ليس ديدنه الكتمان والذي يفيد تفصيل سؤاله في مقابلة كل عالم بضده هو اختلاف العبارات لان كل مقام لا يظهر بيان مقابلته لضده الا بما يناسبه من العبارة والبيان فعالم الغيب لا يظهره الا الاشارة لان البيان يستره وعالم الشهادة على العكس مثلا الارض فان ابقيتها على هذا العبارة حوت كل معنى يراد منها لكن لا يفهمه من يريد المقابلة بين الاشياء لان مراد ذلك ان يعرف الارض في ظاهر العالم الكبير وباطنه والعالم العلوي والسفلي وكذلك الادمي والفلسفي وغير ذلك بأن يقال مثلا الارض في ظاهر العالم الكبير المعروفة وفي باطنه في الدرجات ظاهر السموات والكرسي بل وباطنها وفي الدركات ارض العادات والطبيعة والشهوات والطغيان والالحاد وفي العالم السرمدي ارض القابليات الموات وفي الانسان في ظاهره جسده وفي باطنه نفسه وفي الفلسفي كليل الغلبة والجسد الجديد بل وبلاد مصر بالنسبة الى فارس وغير ذلك فاين من يأخذ من لفظ الارض كل معنى من مقامه ممن يطلب التفصيل شتان بين مشرق ومغرب ولكن الجمع بين الحقين ان يوضع كل شيء في موضعه بلسان اهله وتعرف المقابلة بأن اقول الارض في هذا المقام كذا وكذا وفي ذلك المقام كذا بعبارة عليها غبار لحفظ الاسرار وهو عين ارادته قالوا عليهم السلم ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه وليس على كشف ما لا يجوز كشفه وان اقتضى السؤال ذلك الا بالتلويح ولذا قالوا عليهم السلم عليكم ان تسئلوا وليس علينا ان نجيب وقال الشاعر:
ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
ولكن تحتاج ايها الناظر الى زيادة بعض الكلمات كالمقدمة مضافة الى ما سبق تستعين بها على تقريب البعيد وتسهيل كل شديد
اعلم ايدك الله ان السرمد حيث نطلقه نريد به ظرف عالم الامر في مراتبه الاربع بل الخمس وعالم المشية والارادة والابداع وهو بحر الوجود ومغرس الشجرة الكلية وصبح الازل والنقطة المجللة بالستر المجلل بالسر المجلل بالسر والنفس الرحماني بفتح الفاء الساري في كل شيء والسحاب المزجي والسحاب المتراكم والارض الجرز والزيت المضيء والارض الميتة وغير ذلك واذا اطلق الدهر فالمراد به ظرف المجردات من الوجود المقيد وهو العقول والارواح والنفوس والطبايع الكلية والمواد الدهرية الكورية ويقال لهذا المقام واهله الجبروت والملكوت فالعقول بل والارواح على حال هي الجبروت والباقي هي الملكوت والحق ان عالم الجبروت هو عالم العقول والملكوت هي عالم النفوس واما الارواح فهي برزخ بين العالمين ان اضيفت مع الاول كانت من الثاني وان اضيفت مع الثاني كانت من الاول واما الزمان فهو ظرف الاجسام وعالم الشهادة والارتسام اولها جسم الكل ومحدد الجهات واخرها الارض المعروفة واما عالم المثال فهو برزخ بين العالمين واقف على حدود الزمان وهو مقابل للدهر بوجهه ومسند ظهره الى الزمان ثم اعلم ان عالم الشهادة اذا لطف وشف والقى عنه ما كثف لطف زمانه فاذا كان كذلك اتخذه الدهر اخا وصاحبا البلد للبلد والسكان للسكان قال الله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة واتوا الزكوة فاخوانكم في الدين ثم اعلم ان السموات في الانسان الكبير هذه السبع ولها نفوس كل نفس من جنس طبيعتها خلق فلكها والوانها على حسب طبايعها وان لم تبدو في ظاهرها لبساطتها تبدو في مقتضاها ونهايات اشعتها وافعالها في المولدات الثلاث والاختلاف في الوانها وجودا وعدما او وجودا باختلاف مقامات المختلفين وانظارهم واغراضهم وهي في الانسان الادمي عقله وعلمه ووهمه ووجوده وخياله وفكره وحياته كل منها كمثل ما يقابله في ذاته وفي فعله وفي لونه وفي مكانه من الانسان وفي فلك كل من كل وفي الانسان الفلسفي يخرج السابع مع السادس دفعة فتزيل السادس يعني ظاهره لان باطنه يتحد بالسابع ثم تعمد الى الفلك الخامس فتطهره باصعاده وانزاله اسبوعا ليكون مع الاول متحدا بل هو الثاني ايضا ثم تستخرج الرابع بالثالث وتطهر الارض بالخامس واما العالم الحشري فهو تعلق الارواح بالاجسام بعد تألفها بعد ان كانت متفرقة والان نشرع في المقصود على سبيل الاختصار والاقتصار مازجين للعبارة بين التصريح والاشارة بما يحصل منه المراد على غير الطريقة المطلوبة ظاهرا لانا ان سلكنا عبارة كما قالها على ظاهرها سلمه الله خفي على اكثر الناظرين جل المقاصد وان شرحنا كل شيء بينا ( مبينا خل ) استلزم بيان ما لا يجوز بيانه اما من جهة كشف السر او من جهة تعمية الكشوف بدون الاشارة لان الغيب يتعمى بالعبارة الظاهرة وعلى كل تقدير فنتكلم على ما يريد كما نريد والله على كل شيء شهيد
قال سلمه الله : ان يبين اختلاف الاقوال والتعبيرات من الباطن والظاهر
اقول اعلم ان الله سبحانه خلق الخلق على توحيده وكتب في الانسان كل ما اراد منه فظهر فيه من جهة خالقه ما اراد منه ومن جهته ما هو عليه وركب له من جهته سبحانه عقلا في جبلته وذلك العقل يعرف به اوايل الاشياء ولكنه كالبذر للعقل المكتسب المسموع وذلك المسموع على حسب ما يتقوى به فكانت العلماء اصحاب العقل المسموع ومسموعهم مستفاد من قواعد العلوم التي يتداولونها ولا ريب ان كل من تداول العلوم استفاد ذكاء وصفاء فمن نظر في الكتاب والسنة وفي العالم بذلك الذكاء المستفاد من حيث هو هو لا من حيث ابتنائه على تلك العلوم والقواعد ليتفهم بذكائه تلك الايات والاثار ويقطع من نفسه الاعتبار فقد اصاب ولا يتطرق عليه الخطأ لانه ذكاء محكم تمسك بمحكم وهذا هو الذي وعده الله بالهداية حيث يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ومن نظر في الكتاب والسنة وفي العالم بذلك الذكاء المستفاد من حيث ابتنائه على تلك العلوم والقواعد كان همه تأويل الكتاب والسنة على طبق ما يريد وربما اتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا حتى انه يقول ان هذه الاية لا تنطبق على ما قرروه ولا يدري ان ما قرروه ليس بصواب كله بل فيه الصواب والخطأ والكتاب والسنة والعالم صواب كله وان اختلف ظاهره فليس بمختلف والاول لا يرى فيه اختلافا بخلاف الثاني والى هذه الدقيقة والفرق في الطريقة الاشارة بقوله تعالى فلما جائتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن فان الاول ليس معه علم يرد البينات ويأولها عليه بل ترك اعتبار علمه وصححه بالبينات لما نظر بذكائه وعرف البينات رد علمه اليها وصححه بها بخلاف الثاني فلاجل هذا اختلف العلماء وربما توافق عالمان من جهة استعمالهما الطريقة الاولى وربما اختلفا مثلا في مسئلة بأن سلك احدهما الاولى والاخر سلك الطريقة الثانية وليس لمخالفة بل قد يكون غفلة وقد يكون لمخالفة لغرض نفساني فيصرف الاية الى ما لديه من العلم حيث لا يجد ملجأ الا علمه وهو قوله تعالى فرحوا بما عندهم من العلم واما اختلاف التعبيرات من الباطن والظاهر فلأن اول مبدع بالابداع الحروف ثم ركب الاسماء ووضعها على مسمياتها قبل عالم الشهادة ( الشهادة فلما ظهر عالم الشهادة خل ) بعالم الغيب مثلا ظهر هذا الماء المعروف وهو العنصر الرطب البارد السيال بالماء الاول الذي كان العرش عليه فلما ظهر بهذا العنصر الرطب السيال وكان قد وضع على الاول الماء وضعا حقيقيا وكان هذا من ذلك كالجسد من الروح وشابهه في صفاته الذاتية والفعلية وضع في هذا العالم عليه اسم الماء بالحقيقة الاضافية فهذا هو الماء الذي به حيوة كل شيء حي في الظاهر وذلك هو الماء الذي حيوة كل شيء حي اي موجود في الباطن انظر الى ما في العيون عن الرضا عليه السلم في قصة ضيافة سلمان لابي ذر لما وضع سلمان بين يديه القرصين اليابسين فقلبهما ابوذر فقال له سلمان اراك تقلبهما والله لقد عمل فيهما الماء الذي حمل العرش حتى القيهما الى الملئكة وعملت فيهما الملئكة حتى القتهما الى الريح وعملت فيهما الملئكة ( الريح خل ) حتى القتهما الى السحاب الحديث ومعلوم ان ذلك الماء غير هذا الماء فلذا اختلف تعبير اهل الظاهر واهل الباطن واعجب من ذلك ان اهل الظاهر ينكرون تلك وينسبون اليها المجازات وهم قالوا الحقيقة لفظ مستعمل في وضع اول والمجاز لفظ مستعمل في وضع ثاني لعلاقة ويشترطون ان يكون ( تكون خل ) الحقيقة اصلا في الاستعمال ولا يصرف عنها الا بنصب القرينة وقالوا ان حقيقة الرحمة رقة القلب فلما ورد تسمية الله بالرحمن الرحيم ضاق عليهم المنهج فقالوا لا يستلزم المجاز الحقيقة بل قد يستعمل اللفظ في غير الموضوع له فهو مجاز كالرحمن لله ولم يستعمل لذي الرحمة وهي رقة القلب الذي هو الحقيقي لان رقة القلب لا تجوز على الله سبحانه واستعملت فيه مجازا ثم قال بعضهم ولقائل ان يقول وان كان الرحمن مجازا بالنظر اليه تعالى لكنه صار حقيقة عرفية فيه تعالى للتبادر عند الاطلاق وهو امارة الحقيقة فليت شعري هل كان الله رحمانا ورحيما قبل ان يخلقهم ويخلق قلوبهم ورقتها ام لم يتصف بذلك الا بعد ان خلقهم ام اختار لهم الحقيقة وله المجاز والحقيقة ذكر والمجاز انثى تلك اذا قسمة ضيزي ام اتصف بها ولم يسم نفسه حتى سميهم ثم اشتق له من اسمائهم اسما اختص به فاين يذهبون افلا يسمعون ان الله سبحانه شيء بحقيقة الشيئية وهم انما كانوا شيئا به تعالى واسماؤه اسماء بحقيقة الاسمية وانما كانت اسماؤهم اسماء بحقيقة اسمائه تعالى والرحمة له حقيقة ولهم حقيقة من دون تلك الحقيقة بمعنى انها حقيقة بالنسبة الى حقيقتهم كنسبة حقيقتهم الى حقيقة الله وانما تلك الرحمة التي هي رقة القلب مجاز اذ معنى المجاز انه طريق الحقيقة الى ما لم تكن الحقيقة موضوعة له بسبب العلاقة ان الله سبحانه جعل الرحمة مأة جزء اخرج منها جزء واحدا رحم به عباده في الدنيا فبفضل ذلك الجزء من رحمته يتراحمون وتعطف الوالدة على ولدها وتحن البهائم الى اولادها فاهل الباطن يقولون الرحمة تطلق على الله بالحقيقة وليس حقيقتها رقة القلب وتطلق على غيره بالنسبة اليه تعالى مجازا وبالنسبة اليهم حقيقة والمعنى ان حقيقتها هي الهداية والحيوة والعلم قال تعالى او من كان ميتا فاحييناه وقال تعالى فانظر الى اثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها وهي التي بها النعم الباطنة ومن اثارها رقة القلب التي بها بعض المنافع الظاهرة ومعنى كونها مجازا بالنسبة اليه انه تعالى اذا اراد اجراء نفع احد من عباده على يد اخر جرت اثار رحمته على قلب ذلك الاخر فرق قلبه واليه الاشارة في التأويل بقوله تعالى فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وهي في التأويل وفي الباطن كذلك واما اهل الظاهر فيقولون حقيقتها رقة القلب ورحمة الله مجاز ولا يستحيون فبهذا ومثله اختلفت عبارة الفريقين
قال : وكلام الصوفية المنهى عن اتباعهم
اعلم ان هؤلاء كانوا يتكلمون في الحقائق التي عرفوها بعبارة تخالف الشرع ظاهرا وتنافي الايمان بل الاسلام في اللفظ وان ارادوا بها معنى صحيحا فان السنتهم كافرة في كثير من المواضع وان كانت قلوبهم بخلاف ذلك ويجري عليهم في مواضع قوله تعالى ولعنوا بما قالوا وكانت لهم طرق يخالفون فيها الشريعة فمنها ان منهم من يترك العمل مدعيا بالوصول وان العمل يشغل من هو بين يدي الملك ولا يعلم ان استحضار ذلك هو الذي بين يدي الملك وهو بالقلب والعمل بالجوارح هي خدمتها للملك وكونها بين يديه وكذلك الحركات والبصر فان العبادة والخدمة مقسمة على الجوارح والقلب واللسان والاعراض كالحركات وغيرها فايها لم يقم بما كلف به لم يشكر ومنهم من يستمع الملاهي ويستمع الالحان المطربة مدعيا ان النفس خلقت من حركات الافلاك ونفوسها فاذا سمعت هذه الاصوات والملاهي طربت وتذكرت اوطانها واوطارها واطوارها فانصرفت عن هذا العالم فصافحت الملئكة وصعدت الى الملكوت وادركت حظها وجهلوا ما حققوا في مثل هذا المقام ان هذه الملاهي انما حرمت لان النفس لا تتجاوز عنها بل تنتقل في حركات الملاهي ونغمات الغناء لما بينهما وبين النفس من المناسبة لان الغناء فضلات نفسانية عجزت النفس عن ابرازها في الفاظ دالة فاخرجتها الحانا وكذلك الملاهي بجميع اصنافها فانها تحكي الحان الافلاك على ما قرر في الموسيقى فلا تزال النفس مشتغلة بتلك الاصوات والنغمات تنتقل معها وتسير بها في كل مكان سحيق فهي في الحقيقة اشد من الغفلة ولذا ( لهذا خل ) سماه الشارع عليه السلم ملاهي لان النفس في غير تلك قد تلتفت الى اوطانها فتشاهد وقد تغفل واما في هذه الحال فهي محجوبة بالانتقال فايما حركة توجهت اليه لما بينهما من المناسبة فقبل ان تتوطن اتاها مناسب اخر نقلها عن الاول وهكذا فلا تزال تلعب بها الريح وتتخطفها الاطيار ليس لها تصرف في نفسها فهي في الحقيقة ابدا غريبة ما دامت في تلك الحال قد غربت عن الاوطان وشردها عن مساكنها الشيطان ولهم كلام ما اشبهه بالحق لانهم مزجوا حقا بباطل وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ومنهم من حصر المدلولات الشرعية على الامور الباطنية في الانسان وقالوا انما اراد الشارع هذا الذي عندنا وليس شيء سواه
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
ولا يخفى حال هذه الجماعة وهم الذين نهي عن اتباعهم لان من اقوالهم ما يخالف الشرع ومن اعمالهم ومن علومهم ومن استعمالهم فمن تبعهم وقع فيما هم فيه ولنقبض العنان
واما قوله : وكلام اهل الحق المأمور باقتفائهم فهو يريد منه اهل الحق من اهل الباطن لا اهل الظاهر لما بين الصوفية وبينهم من البون البعيد فلا يلتبس على ادنى الناس الفرق وانما الالتباس في اهل الحق من اهل الباطن وفي اهل الباطل من اهل الباطن فان عباراتهم قد تتشابه في كثير وان اختلفوا في كثير فاعلم وفقك الله لما يحب ويرضي ان اهل الحق نظروا في الكتاب والسنة والعالم وفي انفسهم كما دل عليه الاثر واستعانوا عليه بامتثال اوامر الشرع واجتناب نواهيه وبالزهد في كل دني خسيس كالدنيا وما فيها لها وما فيها للاخرة نظروا فيه فما كان منه زادا لطريقهم اخذوا منه قدر الحاجة وما امكن الاستغناء به عنه تركوه ومنهم من طلب ما فيها للاخرة لا لحاجة بل امتثالا للامر ان توجه الامر اليه به ومع هذا لا يأسي على ما فات ولا يفرح بما اوتي ثم قطعوا اعتبار انفسهم واماتوها بمعاكسة هواها فنظروا الى الخلق بنظر الله فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون وانسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى ه فجاهدوا في الله حق جهاده فهداهم سبله وان الله لمع المحسنين فكشف الله لهم عن الحقايق الحجب وهي سبحات الجلال فالقوا الاكوان عنهم والقوا انفسهم فجازوا حيث ولم وكيف وعرفوا مفصولهم وموصولهم واخلصوا لله العبودية فاتيهم من كل ما سألوه احتاج العلماء في التعليم الى امثالهم وقرطاسهم وهم قد استغنوا بالله عمن سواه فتعرف اليهم في كل شيء حتى لم يجهلوه في شيء قرؤا اياته في كتابه وفي الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ثم صعدوا حتى شهدوه في كل شيء وهم اصحاب محبة الله واولوا الافئدة الذين محوا الموهوم فصحا لهم المعلوم قال صلى الله عليه وآله العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب فينشرح فيشاهد الغيب وينفسح ويحتمل البلاء ويحفظ السر وفي بعض النقل فقيل يا رسول الله وهل لذلك من علامة فقال التجافي عن دار الغرور والترقي الى عالم النور والانابة الى دار الخلود والاستعداد لما بعد الموت فاهل الحق الذين باطنهم لا يخالف ظاهر الشريعة ولا باطنها وظاهرهم طبق باطنهم وقولهم يصدق فعلهم فاذا رأيت من يدعي ذلك ويأتي بكلام غير معلوم عند سائر الناس وشهد لدعواه الكتاب والسنة المعلوم من مذهب اهل العصمة جريهم عليها في معتقدهم ولا يرد عنهم ما ينافيه الا وقد وضعه المدعي لذلك موضعه حتى لا يكون في السنة ولا في الكتاب اختلاف ولا تنافي واتى على ما يدعيه بمثل من العالم ضربه الله لتلك الدعوي بيانا وبرهانا فذلك الذي يجب الاقتداء به وان استدل بالكتاب والسنة وبقي فيهما شيء ولو حرف لم يضعه موضعه ولم يأت بمثل مضروب لذلك من الله فليس ممن يجب الاقتداء به لجواز ان يكون الحق في ذلك الحرف الذي خالفه ولان المثل خلقه الله لذلك ولا يكون اية الا للحق واما مجرد التأويل والاستدلال ببعض الايات وبعض الروايات فليس دليلا على الصواب لجواز التأويل واللبس والغلبة في الخطاب والا
فكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
وعلامة من اقرت له الا يخالف قوله قولها وهم الذين يعلمون الباطن الذي هو طبق الظاهر ومطابقته للظاهر علامة صحته ويعلمون الظاهر الذي هو طبق الباطن ومطابقته للباطن علامة صحته والى هذا المعنى اشار الصادق عليه السلم كما رواه الحسن بن سليمان الحلي من تلامذة الشهيد الاول وهو شريك بن فهد روي في كتابه مختصر بصاير سعد بن عبد الله باسناده عن الهيثم بن عروة التميمي قال قال ابو عبد الله عليه السلم يا هيثم التميمي ان قوما امنوا بالظاهر وكذبوا بالباطن فلم ينفعهم ذلك شيئا ولا ايمان ظاهر الا بباطن ولا باطن الا بظاهر ه وكما روي في معرفة علي عليه السلم بالنورانية والروايات على ذلك اي على ان صحة كل بمطابقة الاخر كثير وان الباطن هو مكنون العلم وانما يخاطبون الناس قدر احتمالهم ولذا قال الامام السجاد عليه السلم :
اني لاكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابو حسن الى الحسين واوصى قبله الحسنا
ورب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
فافهم ما القي اليك وكن من الشاكرين
قال سلمه الله : يؤخذ منها صنعة المكتوم من كونه شجرا الى كونه حجرا الى كونه انسانا كاملا
اعلم ان هذه الكلمات لا يجوز الكلام فيها على التفصيل بل لا بد من اجمال او كتمان او رمز وقد اجمع على ذلك الحكماء بلا خلاف في ذلك وروي ابن شهراشوب في مناقبه ان عليا عليه السلام سئل عن الصنعة وهو يخطب فقيل له اخبرنا عن الصنعة فقال هي اخت النبوة وعصمة المروة ان الناس يتكلمون فيها بالظاهر وانا اعلم ظاهرها وباطنها هي والله ما هي الا ماء جامد وهواء راكد ونار حائلة وارض سائلة وسئل ايضا عن ذلك هل هو كاين فقال انه كان وهو كائن وسيكون الى يوم القيمة قيل مم يكون قال انه يكون من الزيبق الرجراج والاسرب والزاج والحديد المزعفر وزنجار النحاس الاخضر فقيل زدنا بيانا فقال اجعلوا البعض ماء واجعلوا البعض ارضا وافلحوا الارض بالماء وقد تم وقالوا ( فقالوا خل ) زدنا بيانا فقال لا زيادة على هذا فان الحكماء ما زادوا عليه كيما تتلاعب به الناس انتهى وروى الجمهور ان جماعة سألوا امير المؤمنين عليه السلم قيل يا امير المؤمنين ما تقول فيما يخوض الناس فيه من علم الحكمة التي تسمي الكيميا اكان ذلك غابرا او هو كاين ام انتظمته الحكماء ام جرى عليه معان من الدهر فدثر قال فاطرق رأسه مليا ثم صوب رأسه فينا فقال انما سألتموني عن اخت النبوة وعصمة المروة والله لقد كان وانه لكائن الى يومنا هذا وما في الارض من شجرة ولا مدرة ولا شيء الا وفيه منه اصل وفصل قيل الناس يعرفونها قال الناس يعرفون ظاهرها ونحن نعلم ظاهرها وباطنها قيل فعلمنا يا امير المؤمنين قال والله اني لا اعلم به احدا من العالمين قيل لم يا امير المؤمنين قال والله لولا ان النفس الامارة بالسوء لفعلت ذلك قيل فاذكره لنا يا امير المؤمنين (ع) بشيء نأخذ معناه قال هو نار حائلة وارض سائلة وهواء راكد وماء جامد فقالوا لمنفهم ما قلت يا امير المؤمنين (ع) فقال ان في الاسرب والزاج والملح الاجاج والزيبق الرجراج والحديد المزعفر وزنجار النحاس الاخضر لكنزا لا يدرك له اخر تلقح بعضها ببعض فتشرق ناره عن نور شمس كائن وصبغ غير مباين فقيل اشرحه لنا يا امير المؤمنين قال اجعلوا البعض ارضا والبعض ماء والبعض نارا والبعض هواء واصلحوا بين الطبايع تفصح عن دهن سائل واكسير حائل فقالوا قد فهمنا يا امير المؤمنين نريد منك صورة التمام فقال لم يوجد للماضين من قبل ممن الهم الحكمة ان يخبروا به اكثر من هذا لتعلموه الصبيان في المكاتب والنساء في المراتب ولكن لا يحل لهم ان يتكلموا بها الا هكذا لانه علم لاهوتي نبوي علوي حقيقي خصوصية من الله لمن يشاء من عباده انتهى رواه ابو العباس احمد الرملي في كتابه السر المنير في اصول البسط والتكسير اقول ولا بد ان يكون للسؤال جواب الا انه على طريقهم فاعلم ان اصله صفوة قوى الانسان وهو يفارق من الانسان من الكيلوس ويصعد على ذروة طور سيناء وتنبت تلك القوي شجرة ليس في الاشجار احسن منها فخذها عبيطة في فصل الربيع واعصر مائها وصفه مرة واحدة بخرقة صفيقة ثم رد عاليه على سافله واطبخه به حتى يكون سافله عاليا وانخله وهكذا واعقده ثم اغسله حتى يبيض ثم زوجه في مدة اربعين يوما بابنته وتكون كفوا له ثم زوجه ثلاثا وحينئذ كان حجرا وانخله واخدمه بست جاريات متواليات وحينئذ يكون شجرا وطف به في البيت الحرام اسبوعا وخذ له ماء من ارض مصر ونارا من ارض فارس وقبضة تراب من بيت المقدس وانفخ عليه من الهواء يعني ريح الجنوب واجعل ذلك ثلاثا وستا فعالجه بالفلاحة المصلحة بالثلث اولا فاذا تمت الثلاث ظهر القمر في ثالث برج الثور ثم عالج هذا بالست فاذا تمت الست ظهرت الشمس في التاسع عشر من برج الحمل فاذا رأيت ذلك فاسجد لله شكرا وعفر خديك لجلال وجهه الكريم واعلم انك قد ملكت الدنيا وكنوزها فاملك بها الاخرة وقصورها وحورها واسمع قول الله في هذا المقام ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين
قال ايده الله : والعالم العلوي والسفلي في الانسان الكامل والعالم الصغير الانساني
اعلم وفقك الله ان العالم العلوي في الانسان الكبير العرش الذي هو محدد الجهات قلبه والكرسي صدره والسموات السبع والسفلي الارضون وما فوقها هذا ظاهر العالم العلوي والسفلي من الكبير واما باطنه ففؤاده الابداع الاول وقلبه الذي هو عرشه ( عرشه وخل ) هو علم الكيفوفة والبداء وعلل الاشياء وعقله القلم وصدره اللوح ونفس فلك الزحل وجه عقله ونفس فلك المشتري علمه ونفس فلك المريخ وهمه ونفس فلك الشمس وجوده ونفس فلك الزهرة خياله ونفس فلك عطارد فكره ونفس فلك القمر حيوته وسكان ما ذكر قواه وجنود فؤاده وقلبه حجب الغيوب وهي كثيرة باعتبار مراتبها فمنها نور ومنها نار ومنها ظلمة ومنها برد ومنها ثلج ومنها رعد ومنها برق ومنها كروبيون وهم رجال من الخلق الاول ومنها برازخ الى غير ذلك وله سبع نفوس نفس حياة ونفس عادة ونفس طبع ونفس شهوة ونفس طغيان ونفس الحاد ونفس شقاوة وسكان ما ذكر جن وشياطين والانسان الصغير كذلك ابداعه قبضة من ابداع الكبير وكذلك قلبه وعقله وصدره الى نفوسه كما ذكر اسم باسم وطبع بطبع وملئكته جند عقله وقواه وشياطينه وجنه وساوس نفسه وبحره دمه وانهاره عروقه وشجره شعره ومظهر شمسه منخره الايمن ومظهر قمره منخره الايسر واكوار الاصغر باكوار الاكبر واكوار الفلسفي باكوار الاصغر وادوار الفلسفي بادوار الاصغر وادوار الاصغر بادوار الاكبر قال عبدالعزيز بن تمام العراقي في قصيدته في الانسان الفلسفي :
والعلم في حجب الارماز معدنه في عالم ذي اعاجيب والوان
والعالمان جميعا فاعلمن له العلوي والاوسط الادنى شبيهان
والعالم الاصغر الانسان يشبهه طبعا بطبع واركانا باركان
هذا يدور على هذا وذاك له قطب كذلك ما كر الجديدان
تباين واتصال غير منفصل كلاهما واحد والعدة اثنان
انتهى واما طبايع هذه العوالم فكذلك فالنار في الكبير كرة النار وفي الصغير المرة الصفراء وفي الفلسفي الاحمر الشرقي والهواء في الكبير الهواء وفي الصغير الكبد وفي الفلسفي الاصفر الشرقي وفي اصطلاح اخر ان الاحمر هو الهواء والاصفر الشرقي هو النار ولكل اصطلاح مناسبة صحيحة والماء في الكبير معروف وفي الصغير الرية وفي الفلسفي الغربية والتراب في الكبير الارض وفي الصغير الجسد وفي الفلسفي الارض المقدسة واكليل الغلبة وهكذا مما يطول الكلام فيه
قال سلمه الله : بحيث لو وقف عليها صرفها اهل الظاهر لظاهرهم واهل الباطن لباطنهم واهل التأويل لتأويلهم على حسب التفاسير التي فهمناها منكم وهي الظاهر وظاهر الظاهر والباطن وباطن الباطن والتأويل وباطن التأويل بحيث انه يكمل فيه الصنعة وتولد الانسان وقواه واطواره والعالم الزماني والعالم الدهري والعالم السرمدي والعالم البرزخي والعالم الحشري
اما قوله { صرفها اهل الظاهر لظاهرهم } الخ فقد مر جوابه واما ذكر التفاسير الستة فالظاهر معروف وظاهر الظاهر هو ما يؤخذ من مادة الكلمة اي من حروفها ويراد منها معنى وان كان مخالفا لقاعدة اهل اللغة كما في قوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ففي تفسير الظاهر ان الجبال جمع جبل وهو معروف وفي تفسير ظاهر الظاهر ان الجبال جمع جبلة وهي الطبيعة وفي تفسير التأويل الجبال الاجساد الحيوانية من الانسان وغيرها والنحل في الظاهر معروف وفي الباطن آل محمد سلام الله عليهم وفي التأويل نفوس العلماء وفي ظاهر الظاهر النفوس التي لها قدرة على الانتحال اي الاختيار يعني اختيار الحسن كما في قوله تعالى فيتبعون احسنه بقرينة قوله تعالى واوحى ربك واما التأويل فان تصرف كلاما عن ظاهره الى معنى اخر لم يرد منه ظاهرا كما قال علي عليه السلم في ذكر قيام القائم عليه السلم وما ينالون لان ( من خل ) ادركوه من العلم بحيث يستغني كل منهم عن علم الاخر قال عليه السلم هو تأويل قوله تعالى يغن الله كلا من سعته واما باطن التأويل فكذلك ولكن يجري فيه على معنى الباطن كما روي عن الصادق عليه السلم في قوله تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلوة واتوا الزكوة قال هو الحسن بن علي عليهما السلم امر بالكف عن القتال وبالصلح او كما قال فلما كتب عليهم القتال قال هو الحسين بن علي عليهما السلم كتب عليه القتل والله لو برز معه اهل الارض لقتلوا انتهى فانظر هذا المعنى فانه تأويل باطن لانه باطن تأويل ولكن لا يجري على ظاهر العربية كما ترى وكما فيما ورد في قوله تعالى ووصينا الانسان بوالديه حسنا ما معناه ان الانسان رسول الله صلى الله عليه وآله وان الوالدين الحسن والحسين عليهما السلم وكما رواه فرات بن ابرهيم في تفسير قوله تعالى والسماء ذات الحبك عن احدهم عليهم السلم قال السماء رسول الله صلى الله عليه وآله والحبك علي عليه السلم فعلي ذات رسول الله صلى الله عليه وآله و ( واما تفسير الباطن فمعلوم مثل قوله تعالى حم وهو رسول الله صلى الله عليه وآله والكتاب المبين وهو علي عليه السلم انا انزلناه في ليلة مباركة وهي فاطمة عليها السلم انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم اي امام حكيم بعد امام حكيم والاحاديث مشحونة بذلك وهو ان يجري على طريق اللغة بمعاني باطنه غير ظاهرها وخل ) اما تفسير باطن الباطن فلا يجوز بيانه فقد روي ان القائم عليه السلم اذا خرج ونادي انصاره واجتمعوا عنده دعاهم الى مبايعته فاجابوا فقال تبايعوني على كيت وكيت فنفروا عنه ولم يثبت معه الا المسيح واحد عشر نقيبا فيجولون الارض فلا يجدون ملجأ الا اليه فيأتونه ويبايعونه على ما يريد منهم وهو حرف من باطن الباطن حتى ان الصادق عليه السلم قال ما معناه والله اني لاعلم الكلمة التي قالها لهم فيكفرون واعلم ان القران مشحون بتفسير باطن الباطن واذا اردت ذلك فانظر في تفسير الباطن كما في تفسير القمي فخذ ذلك المعنى وقل به في تلك الاية بغير تغيير عن صورتها ولا مجاز وقد كشفت لك في الاشارة ما لا يجوز بيانه في عبارة الا مرموزا لانه هو الكفر الا عند اولي الافئدة خاصة فانه هو الايمان ولذا قال عليه السلم لو يعلم ( علم خل ) ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله او لكفره وقال عليه السلم ما افشى احد سرنا الا اذاقه الله حر الحديد انتهى وكم من شخص ظهر منه ما كتم فجرى عليه ذلك كما اشار اليه الصادق عليه السلم رواه في الكافي في بيان معرفة الله وفضلها وفيه ما يدل على ما قلنا ان تفسير باطن الباطن لا يدركه الا اولوا الافئدة وانما سواهم يكفرونه ( يكفرونهم خل ) بما هو الايمان بالله حقيقة ويقتلونهم ويحرقونهم حيث قال عليه السلم بعد ما ذكر فضل معرفة الله ورغب فيه قال عليه السلم قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير ويضيق عليهم الارض برحبها فمايردهم عما هم عليه شيء مما هم فيه من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا اذي بما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد فسئلوا ربكم درجاتهم واصبروا على نوايب دهركم تدركوا سعيهم ه وقوله بحيث تكمل فيه الصنعة قد مضى الاشارة الى ذلك بحيث تكمل فيه الصنعة للعارف بها لانه يدور على حل وعقد وحل وعقد فالحل الاول في الصنعة نصف الكيف المكتوم والعقد الاول تزويجه بزوجة ثم بثلاث زوجات والحل الثاني الجويريات الست والمناخل الاكسيرية والعقد الثاني عقد التساقي الثلاث للقمر والست للشمس فكذلك الانسان الكبير له حلان وعقدان فالحل الاول في الدواة الاولى وفي القلم والعقد الاول في البراق وفي اللوح والحل الثاني في الطبيعة وفي المادة والعقد الثاني في المثال وفي الاجسام وكذلك الانسان ( الانسان الصغير خل ) يحل في مقام الماء والمواد النباتية ويعقد في الفواكه والمطاعم ويحل في معدة ابيه وقواه وكبده الى صلبه ويعقد في الارحام واذا جهلك مقام في احد هذه الثلثة فاعرفه بنظيره في الاخرين فانه مثله كل مبني على صاحبه وهذا جواب قوله وتولد الانسان الخ
وقوله والعالم الزماني فالعالم هو الاجسام والزمان هو حركة الفلك
وقوله والعالم الدهري العالم هو العقول والنفوس كما مر والدهر هو حركة افلاكها
وقوله والعالم السرمدي العالم هو الابداع والمشية والارادة كما قال الرضا عليه السلم وهو عالم الامر وهو اول مخلوق خلقه الله بنفسه لا بابداع اخر ولا بمشية اخرى بل بنفسها وان خفي عليك ان المشية مخلوقة بنفسها بل لو كانت مخلوقة كانت مخلوقة بمشية اخرى ويلزم الدور او التسلسل وايضا هي صفة ولا بد ان تحل بموصوفها فلو كانت حادثة اما ان يكون ( تكون خل ) محلا للحوادث او تقوم الصفة بغيره او لا بشيء والكل باطل كذا قالوه اكثر العلماء من اهل الظاهر ومن اهل الباطن وحيث جرى هذا الكلام فلا بد من تحقيق المقام على سبيل البيان والالزام متوكلا مستعينا بالملك العلام اعلم هدانا الله واياك ان هذا الذي قالوه كلام ينقل ولا يذوقونه ولو وصلوا الى البلد رأوا عيانا واستغنوا عن الخبر بل الحق ان المشية والارادة حادثتان وانهما والابداع ثلثة الفاظ معناها واحد كما قال الرضا عليه السلم لعمران الصابي وهو مذهب اهل البيت اجمعين عليهم السلم لم ينقل عنهم حديث يدل او يوهم انهما قديمتان مع ان الروايات والايات الدالات على حدوثها ما تكاد تنضبط حتى ان الرضا عليه السلم قال كما رواه في التوحيد الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد انتهى وبالجملة فانظر الى ما قال ولا تنظر الى من قال تأمل الكلام بقلب واع وانصاف مراع فقولهم لو كانت مخلوقة لزم ان تكون مخلوقة بمشية فيجيء الدور او التسلسل غفلة لان الامام عليه السلم ما ترك لمحتج حجة قال خلق الله المشية بنفسها وخلق الخلق بالمشية فقالوا المراد بها مشية العباد وهذا كلام من لم يفهم الخطاب وثانيا هل سمى نفسه في الازل بها فعليهم الثبات ( الاثبات خل ) او على الثبات ( الاثبات خل ) بالنفي لانه لو سمى نفسه بها في الازل ما وصف نفسه بنفيها فقال لم يشأ ولم يرد لان ما سمى نفسه به وثبت له هنالك كالعلم والقدرة لم يقل في حال لم يقدر ولم يعلم ولم يسمع ولم يبصر ولكنهم لم يعلموا ولم يسمعوا ولم يبصروا لانهم لما لم يدركوا خلق الشيء بنفسه قالوا ما قالوا فرارا مع ان كل افعالهم يحدثونها بنفسها لا بافعال اخر لم يسبقها شيء الا القدرة والعلم واضرب لك مثلا لا يعرض عنه الا متعسف ولا يتردد فيه منصف اعلم ان الاجماع قام ان الصلوة لا تصح الا بنية وان تلك النية عبادة لانها عندهم اما شرط واما شطر واما عندنا فهي روح العمل وبالجملة فلا عمل الا بنية وانما الاعمال بالنيات الحديث فالعامل يحدث الصلوة بنية والنية هل يحدثها بنية ام بغير نية ام بنفسها فان كانت بنفسها فقد جاء الحق وان كانت بغير نية ولا بنفسها لم يكن عبادة وفسدت العبادة وان كانت بنية اخرى فارناها ايها المدعي لها حتى يجيء الدور او التسلسل قل لي ما شئت افهم واياك ان تكثر السؤال فيما ليس لك به علم فاني اعظك ان تكون من الجاهلين قال علي عليه السلم العلم نقطة كثرها الجهال انتهى واما قولهم انها صفة والصفة لا تقوم الا بموصوفها الخ فاعلم انها صفة حادثة قائمة به قيام صدور لا قيام عروض كقيام غيرها من المخلوقات بها وكقيامي بربي على ان الصائت موصوف وصفته قائمة بالهواء وكاسر العصا صفة وهو الكسر حالة بالمكسور فان قلت ذلك التأثر لا التأثير قلت كذلك التأثير قايم به قيام صدور لا عروض والا كان دائما به فهو ابدا كاسر فافهم وانما قالوا ذلك لان الصفة عندهم عرض وذلك خطاء بل هي ذات بها حصلت الذوات الذاتية لان الله شيء بحقيقة الشيئية والمشية شيء بالله والاشياء شيء بالمشية واسمع قول علي عليه السلم في خطبة يوم الغدير والجمعة اذ كان الشيء من مشيته انتهى فالله سبحانه قائم بذاته في ازل الازال وحده ليس معه غيره وهو الان على ما كان والمشية قائمة بالله قيام صدور لا قيام عروض في مرتبة الابداع والفعل المعبر عنه بالامر وبالوجود المطلق في السرمد لا في ازل الازال بل في السرمد وهو ظرف عالم الامر كما ذكرناه فراجع والاشياء قائمة بالمشية في عالم الخلق المعبر عنه بالوجود المقيد واول ما خلق الله من الوجود المقيد يعني المفعولات العقل واخرها التراب فالمجردات في الدهر كما مر والاجسام في الزمان فالوجود المقيد قائم بالمشية في الدهر والزمان لا في رتبة المشية في السرمد واكرر العبارة لتفهم المراد فانك اذا فهمت ذلك لم يبق عندك على الحق غبار وحصلت جواب كل اعتراض وكل شبهة مما ذكر ومما لم يذكر ومما يناسب النصيحة قول الشاعر :
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
فمنه الينا ما تلونا عليكم ومنا اليكم ما وهبناكم منا
وقوله والعالم السرمدي فالعالم هو كما مر المشية وهي الذكر الاول والارادة وهي العزيمة على ما يشاء كما فسرتا به في الكافي في رواية يونس والابداع وهو خلق ساكن لا يدرك بالسكون كما قال الرضا عليه السلم والسرمد هو حركة دوران فلكها على نفسها وهي الكاف المستديرة على نفسها
وقوله والعالم البرزخي العالم هي الارواح في القوالب المثالية والطين بفتح الياء الباقية مستديرة في قبورها والبرزخ هو الحائل بين الشيئين اي بين الدنيا والاخرة في مقام احوال العباد وبين الارواح والاجسام وهو المثال وبين الزمان والدهر وهو ظرف بين الزمان والدهر فيجري عليه حكم الزمان من خلفه فورد ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وورد النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويجري عليه حكم الدهر من وجهه فورد تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا وورد ويوم تقوم الساعة فهمك الله من مخزون العلم ( العلم المخزون خل )
وقوله والعالم الحشري وهو تعلق الارواح بالاجساد وهذا هو التزويج بعد البلوغ فقد ثبت صبغ الروح التي اكتسبته في دار التكليف من نفسها بالترديد والرفع والوضع والنور والظلمة والشدة والرخاء الذي هو عبارة عن التدبير وصفي الجسد بتكليسه وثبت له ما باشر فرجعت الارواح بوصفها وصبغها الى الجسد بما فيه من القابليات لتلك الاوصاف وهو سبحانه وتعالى قال سيجزيهم وصفهم ولكل درجات مما عملوا انه بما يعملون خبير
وقال سلمه الله : وتقابل العقل بالجهل واول المخلوقات باخرها والمركز الارضي بالمحدد السمائي وسكان الافلاك بسكان الارضين وما بينهم وتخرج لنا ما يماثلها في الانسان
اما مقابلته ( مقابلته في غير الانسان بما يقابل ضده خل ) فالعقل يقابل الجهل والروح يقابل ما تحت الثرى واللوح يقابل الثرى والطبيعة تقابل الطمطام المعبر عنه بالظلمة والمادة تقابل النار والشكل يقابل الريح العقيم وجسم الكل يقابل البحر والعرش يقابل الحوت والكرسي يقابل الثور وفلك البروج يقابل الصخرة وفلك المنازل يقابل الملك الحامل للارض وفلك الزحل يقابل ارض الشقاوة وفلك المشتري يقابل ارض الالحاد وفلك المريخ يقابل ارض الطغيان وفلك الشمس يقابل ارض الشهوة وفلك الزهرة يقابل ارض الطبع وفلك عطارد يقابل ارض العادات وفلك القمر يقابل ارض الحيوة وكرة النار تقابل مرتبة مثله كمثل الكلب والهواء يقابل السموم والماء يقابل الماء الاجاج والتراب يقابل السبخة والمعدن يقابل مرتبة كونوا حجارة او حديدا والنبات يقابل النبات المر والحيوان يقابل المسوخ والملئكة تقابل الشياطين والجن يقابل شياطين الجن والانس تقابل شياطين الانس والجامع عليه السلم يقابل ابليس واما مقابلة الانسان بذلك فانه خلق جانبه الايمن اي عقله وجنده من قبضة من العقل ومن كل واحد من اتباعه قبضة الى اخر ما ذكر وخلق جانبه الايسر اي نفسه الامارة وجندها من الجهل من قبضة ومن كل واحد من اتباعه قبضة الى اخر ما ذكر والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم
الثانية من مسائله ادام الله عليه جزيل فضله ونائله - قال : ما الابداع الاول وما الثاني
اعلم ان الابداع ( الابداع الاول خل ) عندنا هو اول ما خلقه ( خلق خل ) الله وقد تقدمت الاشارة اليه وانه فعل الفاعل ومشيته وانه خلق ساكن لا يدرك بالسكون اي لا يوصف به لان السكون من المبدعات وهي بالابداع واما الابداع الثاني فهو الحروف الذي عليها مدار سائر اللغات قال الرضا عليه السلم لعمران الصابي والابداع والمشية والارادة معناها واحد واسماؤها الثلثة وكان اول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شيء ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل شيء مشكل الحديث كما في التوحيد وعند علماء الجفر ان اول فعله الاختراع الاول والالف اول مخترع بالاختراع الاول وهو الاستقص الاول وهو العنصر الاول الذي به نشأ ساير الموجودات وله من العدد الواحد الذي هو اس العدد فبوجوده وجود ساير الاعداد وبعدمه عدم سائر الاعداد وكما ان بوجود الالف وجود سائر الحروف وبعدمه عدمها لان قوامها به وهي دقائق منه واول مخترع بالاختراع الثاني الباء وهي تضعيف عدد الالف فلذا كانت مبسوطة للكثرة وهي ثاني الالف لان المخلوق لا ينفرد فلا بد له من نظير وفي التوحيد عن الرضا عليه السلم انه قال لعمران الصابي واعلم ان الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر فليس في كل واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن فجعل احدهما يدرك بالاخر وجعلهما مدركين بانفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده والله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه والخلق يمسك بعضه بعضا باذن الله تعالى الحديث فدل ان الاختراع والمخترع به زوجان الا ان الزوجين مخترعان متغايران والى صحة ما روي الاشارة بقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وايضا عندهم ان الجيم اول مبدع منهما اي الالف والباء بالابداع الاول ابدع منهما بالصورة والعدد اما الصورة فمن اجتماع الحرفين ميل بالالف على ( الالف الى خل ) الباء اذ كانت الالف قائمة والباء مبسوطة فظهر من ذلك زاوية حادة هكذا وهي الجيم واما العدد فمن الالف واحد ومن الباء اثنين فصارت المرتبة الثالثة وهي الجيم فالاول ( فالاولى خل ) للنار والثانية للهواء وهذه للماء والدال ثاني مبدع بالابداع الثاني من المخترع الثاني اي من الباء لانها اثنان فحصل من ضربها في نفسها اربعة وهو الدال وهو المرتبة الرابعة للتراب وربما غيرت بعض عباراتهم في المعنى عند النقل على طبق المذهب الحق والا فعباراتهم هكذا معناه الاختراع الاول الالف والاختراع الثاني الباء والابداع الاول من الاختراع الاول الجيم والابداع الثاني من الاختراع الثاني الدال واعلم ان المستفاد من النص واللغة ان الاختراع هو الابداع ولكن لا مشاحة في الاصطلاح
قال سلمه الله : وهلم جرا في الحروف
اعلم ان من اثبت العقول العشرة المعروفة اثبت ابداعات عشرة كلية والحق ان الابداع بقول مطلق ابداعان الابداع الاول في الوجود المطلق نفسه والابداع الثاني في الوجود المقيد وهو اي الابداع ( الابداع الثاني خل ) الحروف ثم لكل موجود في عالم الغيب والشهادة و( او خل ) الاذهان او الاعتباريات والفرضيات من الابداع الثاني بالابداع الاول ابداع خاص به على قدر قابليته من الوجود ومن الخلط والاستعدادات والاسباب وذلك مادة وجوده وباب استغنائه فسالت اودية بقدرها والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا وذلك كون لا نهاية له ولا نفاد فافهم فهمك الله هداه وسلك بك رضاه وانما كانت الحروف ابداعا لان الاسماء كانت منها وكانت المعاني بالاسماء والحروف فاذا تم الاسم قطرت من كل حرف قطرة على ارض القابليات والجرز الموات فظهر بذلك ( بذلك الماء خل ) المعنى وذلك تأويل قوله تعالى حتى اذا اقلت سحابا ثقالا وهو الاسماء الوجودية بعد تركبها من حروفها الذي هو عبارة عن تراكمه سقناه لبلد ميت وهي ارض القابليات والارض الجرز الموات فانزلنا به الماء وهو ما قطر من الحروف التي هي السحاب المزجي بعد اجتماعه الذي هو الركام حين ادبر بعضها على بعض فخرج من اختلاط تلك الاصوات وزجلات تلك الرعود المتتابعات معتصر قوى تلك الاضافات والمقارنات فكان معنى لذلك الاسم بل كان ثمرة لذلك الطلسم فاخرجنا به من كل الثمرات اي المعاني الموجودة بتلك الاسماء والنبات النابت بذلك الماء والله انبتكم من الارض نباتا اي انبتكم بالماء من الارض حيث يقول وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون ولا يذهب عليك ان المعاني قبل الالفاظ في عباراتهم فتعجب من قولنا ان الاسماء قبل المسميات فان مبني كلامهم على الظاهر المعروف واما في الحقيقة فالالفاظ قبل معانيها وان طلبت البيان فيما خالف الاذهان فخذه ولا تلجئني الى التطويل فان المقتصد يكفيه القليل فاعلم ان الله سبحانه واحد متوحد ليس معه غيره فاول ما برز عنه الكلام الذي هو الابداع وهو المعبر عنه بكن فالبارز عنه الكاف والنون لا المعنى اذ ليس قبل هذه الكلمة معنى محدث وانما كانت الاشياء كلها بهذه الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر ولو كان المعنى قبل الكلمة لكان المعنى غير محدث وكان مع الله غيره فوجب ان يكون المعنى محدثا باللفظ فان قلت لو سلمنا ذلك في الله منعناه فينا قلت انما خلقكم اية له كما روي في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلم العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث وذلك لان المعاني التي عندك قبل تلفظك بما يدل على معنى ليست ( ليس خل ) شيئا غير عقلك وليست الصور الحاصلة عندك التي تسميها علما غير صدرك فاذا اخبرت بشيء فالمعنى الذي فهمه المخاطب من لفظك انما حدث بعد لفظك بلفظك ولم يسبق لذلك المعنى شيء من المعاني غير عقلك وانما العقل مجموع تلك المعاني ليس العقل شيئا وهي شيء اخر ولهذا يصغر ويكبر ويصفي ويكدر انظر الى النار الكامنة في الحجر اذا حكتها الزناد ظهر الشرر فليت شعري ماذا تفهم هذا الشرر الخارج هو ذلك الكامن بنفسه فينقص كم الكامن او هو منه كالظاهر من الباطن وليس لهذا الظاهر وجود قط قبل الحك وانما هو بالحك شيء لا قبله والا لكان في الحجر على هذه الصفة فاشرب صافيا ودع عنك الكدورات قال الرضا عليه السلم كما في التوحيد والله تبارك وتعالى سابق للابداع ليس قبله عز وجل شيء ولا كان معه شيء والابداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير انفسها قال المأمون وكيف لا تدل على غير انفسها قال الرضا عليه السلم لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا بغير معنى ابدا فاذا الف منها احرفا اربعة او خمسة او ستة او اكثر من ذلك او اقل لم يؤلفها لغير معنى ولم تك الا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا الحديث فبين عليه السلم ان الحروف تؤلف لمعني لم يكن قبل التأليف شيئا ومن تتبع كلامنا هذا وما سبق ظهر له ان العلم نقطة كثرها الجهال كما قال علي عليه السلم وكل شيء فيه معنى كل شيء
قال وفقه الله : وفي اسماء الله الحسنى قد يجري الابداع الكلي في بعض الاسماء الحسنى وذلك في ثمانية وعشرين اسما منها كل اسم يكون ابداعا ثانيا لكلي وقد يجري ذلك الاسم في جزئيات كلية بحكم جزئي وهي البديع والباعث والباطن والاخر والظاهر والحكيم والمحيط والشكور وغني الدهر والمقتدر والرب والعليم والقاهر والنور والمصور والمحصي والمبين والقابض والحي والمحيي والمميت والعزيز والرازق والمذل والقوي واللطيف والجامع ورفيع الدرجات ولكل اسم من هذه الثمانية والعشرين تجلي في معنى حيث تجلي الله سبحانه بذلك الاسم في ذلك المعنى ففي العقل الاول باسمه البديع في مرتبة الالف كما مر وفي نفس الكلية باسمه الباعث في مرتبة الباء وفي الطبيعة الكلية باسمه الباطن في مرتبة الجيم وفي الهيولي ( الهباء خل ) باسمه الاخر في مرتبة الدال وفي شكل الكل باسمه الظاهر في مرتبة الهاء وفي جسم الكل باسمه الحكيم في مرتبة الواو وفي محدد الجهات المعبر عن باطنه بالعرش باسمه المحيط في مرتبة الزاء وفي فلك الثوابت المعبر عن باطنه بالكرسي باسمه الشكور في مرتبة الحاء وفي فلك البروج باسمه الغني وغني الدهر في مرتبة الطاء وفي فلك المنازل باسمه المقتدر في مرتبة الياء وفي فلك زحل المستمد من نور ذات العقل الكلي باسمه الرب في مرتبة الكاف وفي فلك المشتري المستمد من نور ذات النفس الكلية باسمه العليم في مرتبة اللام وفي فلك المريخ المستمد من نور ذات الطبيعة الكلية باسمه القاهر في مرتبة الميم وفي فلك الشمس المستمد من الابداع كما يدل عليه بعض الروايات معنى ومن الكرسي كما تدل عليه رواية علي بن عاصم باسمه النور في مرتبة النون وفي فلك الزهرة المستمد من نور صفة الطبيعة الكلية باسمه المصور في مرتبة السين وفي فلك عطارد المستمد من نور صفة النفس الكلية باسمه المحصي في مرتبة العين وفي فلك القمر المستمد من نور صفة العقل الكلي باسمه المبين في مرتبة الفاء وفي كرة الاثيرية باسمه القابض في مرتبة الصاد وفي كرة الهواء باسمه الحي في مرتبة القاف وفي كرة الماء باسمه المحيي في مرتبة الراء وفي كرة التراب باسمه المميت في مرتبة الشين وفي المعادن باسمه العزيز في مرتبة التاء وفي النبات باسمه الرازق في مرتبة الثاء وفي الحيوان باسمه المذل في مرتبة الخاء وفي الملك باسمه القوي في مرتبة الذال وفي الجن باسمه اللطيف في مرتبة الضاد وفي الانسان باسمه الجامع في مرتبة الظاء وفي الجامع عليه السلم باسمه رفيع الدرجات في مرتبة الغين واختلاف افراد ذلك الجنس باختلاف تطورات ذلك الاسم في ظهوراته وتفاوت تلك القابليات من تلك الافراد وللاسماء الحسنى خواص مختلفة تنفعل لها اشياء اذا استعملت كذلك على الوجه المقرر فيكون لها ابداعات منها ان تأخذ لكل حرف من اسمك اسما اوله ذلك الحرف المأخوذ له وتذكرها بعدد اعدادها او بعدد حروف هجائها او بعدد حروف اعدادها بعد حذف المتكرر ثم تدعو بها بحرف النداء وتسئل حاجتك مثلا محمد يأخذ المجيد والحليم والمعطي والدليل وتذكرها بعدد اعدادها مثلا المجيد سبع وخمسون والحليم ثمانية وثمانون والمعطي مأة وتسعة وعشرون والدليل اربعة وسبعون الجميع ثلاثماة وثمانية واربعون وان كان بعدد بسط حروف هجائها م ي م ج ي م ي ا د ا ل ح ا ل ا م ي ا م ي م م ي م ع ي ن ط ا ي ا د ا ل ل ا م ي ا ل ا م فيكون اثنين واربعين وان شئت تحذف المتكرر فتكون تسعة او باعدادها الجفرية مأة وخمسة وتسعون او باعداد الاسماء الجفرية ستون وان كان بعدد حروف اعدادها س ب ع خ م س ون ث م ا ن ي ة ث م ا ن ون م ا ة ت س ع ة ع ش ر ون ا ر ب ع ة س ب ع ون فتكون اثنين واربعين في هذا المثال وان كان بحذف المتكرر فخمسة عشر وان كان بحروف اعدادها الجفرية ا ر ب ع ة ث ل ا ث ة ا ح د ا ر ب ع ة ث م ا ن ي ة ث ل ا ث ة ا ح د ا ر ب ع ا ر ب ع ة س ب ع ة ت س ع ة ا ح د ا ر ب ع ة ث ل ث ة ا ح د ث ل ث ة ست وستون او بحذف المتكرر فثلثةعشر وكذلك تفعل بمحمد حتى يتطابقا وتذكرها بالعدد المطابق بينهما ومنها ان تطلب من الاسماء ما يوافق حاجتك اما في العدد او في طبيعة الحروف ومنها ان تنظر ما بين حاجتك وبينك من عدم التوافق كان يكون اسم احد كما حروفه فيها التواخي والاخر فيها التناكر او النورانية والاخر الظلمانية او السعيدة والاخر النحيسة ( النحسية خل ) او الحارة والاخر الباردة وهكذا فتختار من الاسماء الحسنى ما يحصل به التعديل بينكما فاذكر به كما مر او تجمع بينه وبين اسمك واسم حاجتك في شكل وركبها كلمات وتدعو بها عجمية كانت او عربية بتوجه بال ملاحظا لمدلول الاسم وحاجتك حتى يتم الامر ومنها ان تأخذ ما يوافق عدد اسمك من اعداد الاسماء الحسنى اما بالجمل الكبير اسما او اسمين او اكثر حتى يحصل العدد مثل محمد اثنان وتسعون فتأخذ حي وهاب ولي جواد اثنان وتسعون فتقرء الفاتحة ٩٢ وسورة الم نشرح ٩٢ وتذكر الاسماء الحي الوهاب الولي الجواد ٩٢ ثم تقول يا حي يا وهاب يا ولي يا جواد صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا ولاحظ حال الذكر بالحي الحيوة في كل شيء وفي الوهاب والجواد العطية لكل شيء وفي الولي القيام بكل شيء ولتكن حاجتك امام بالك حالة الذكر وقدم امام دعائك ذكري انه دعاك لذلك فاستجب له ووعدك فصدقه واعلم ان القاصد اليه قريب المسافة قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون واعلم انك اذا اتيت البيوت من ابوابها فتحت لك الابواب ودخلت البيوت والطرق كثيرة منها ما يذكر ( نذكره خل ) في خواص الاسماء الحسنى وغيرها
فمن خواص الاسماء الحسنى الله وهو عند الاكثر الاسم الاعظم وله تصرفات في العالم لا تكاد تحصى من داوم على ذكره في خلوة واعتكاف ظهر له في العالم تصريف لا يرد ولا يدفع امره فيهم واذا رسم في مربع وحمله صاحب الحمي البلغمية ذهبت عنه وكذلك يتسلط بها على غور المياه لوقتها والمربع مربع اثني عشر في اثني عشر والمراد به التكسير الكبير الذي يكون ( يكون من خل ) الاسم الرباعي اربعة وعشرون اسما فيكون ثمانية في اثني عشر لا اثني عشر في اثني عشر وهذا مثاله
وذاكره يحصل له وضع ( من صفي خل ) الباطن والنور والسر الالهي ما يعجز عنه الواصف الا ان ذلك على حسب الاقبال والتخلي وان كتبه في مربع حصلت له كرامة وقبول من الخالق والخلق وعدده ستة وستون والملك الموكل بهذا الاسم يا اسرافيل والسفلي قيدوش وهذه صورته
الثاني الرحمن من داوم على ذكره دبر كل صلوة مأة مرة كان ملطوفا به في جميع افعاله واقواله وكذا ان كتبه في وفق وهو وفق الرحمن وعدده باعتبار اللفظ مأتان وتسعة وتسعون والعلوي يا امواكيل والسفلي ايلوش ( ايليوش خل )
والثالث الرحيم من اتخذه ذكرا لا يسئل الله شيئا الا اعطاه ومن كتب وفقه وحمله امنه الله من الافات وسهل عليه كل الاعمال وهو هذا وفق الرحيم وعدده مأتان وثمانية وخمسون والعلوي يا رويائيل والسفلي صحيوش
والرابع الملك من ذكره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس الف مرة يسر الله كل مطلب له وقضى له حوائج الدنيا والاخرة ومن كتبه في وفقه رزق الجاه والعزة والدولة وهو وفق الملك وهو هذا وعدده تسعون والعلوي يا رويائيل والسفلي صحيوش
والخامس القدوس من ذكره كل يوم في وقت الزوال مأة مرة كفى شر النفس ووسواس الشيطان وان كتب يوم الجمعة على كسرة خبز سبوح قدوس رب الملئكة والروح واكلها تروحت نفسه كما تروحت الملئكة ومن نقش مربعه ووفقه وحمله ظهرت على نفسه اثار الانبساط والثبات والصفا وهو هذا ( هذا وفق قدوس وعدده مأة وسبعون والعلوي يا عطرائيل والسفلي نهيوش خل )
والسادس السلام من ادمن ذكره رزق الصحة والسلامة في ظاهره وباطنه ودينه واحواله وكذا من كتب ( كتبه في خل ) وفقه وهو هذا وعدده احد وثلثون ومأة والعلوي يا همرائيل والسفلي تنيوش
السابع المؤمن من ادمن ذكره مأة وعشرين مرة كل يوم امن من الوسواس ومن حمل وفقه فلا يقدر عليه الشيطان وهو وفق مؤمن وعدده مأة وستة وثلثون والعلوي يا رويائيل والسفلي صحيوش
الثامن المهيمن من ذكره بعد الغسل مأة مرة على باطنه اشرق ( اشرق على باطنه خل ) نور وحامل وفقه يحصل له ما طلب وهو وفق مهيمن وعدد مهيمن مأة وخمس واربعون والعلوي يا رويائيل والسفلي صحيوش
التاسع العزيز من ذكره كل يوم اربعين مرة وكان محتاجا اغناه الله عن خلقه وكذا حامل وفقه وهو هذا وعدده اربعة وتسعون والعلوي يا لوبائيل والسفلي قبيوش ( قيوش خل )
العاشر الجبار من ادام ذكره خضعت له الجبابرة من الجن والانس ومن ذكره كل يوم احدى وثلثين مرة حفظ من الجن والانس ومن ذكره كل يوم بعدده وهو مأتان وستة ووضعه في وفقه وحمله قهر بذلك جميع العوالم وعلويه يا اكلكائيل وسفليه لويوش وهذا وفقه
الحادي عشر المتكبر عدده ستمأة واثنان وستون وعلويه يا رويائيل وسفليه صحيوش من ادمن ذكره بعدده وحمل وفقه كان عزيزا كبيرا في اعين الخلق وهذا وفقه
الثاني عشر الخالق من اكثر من ذكره وادام عليه وبلغ في ذكره الى خمسةالاف ومأة وعشرة ظهرت له الاجابة في الحين واي شيء اراده في ذكره ظهرت له حقيقته وعدده سبعمأة واحد وثلثون والعلوي يا ميكائيل والسفلي ذلايوش وحامل وفقه يبلغ مرتبة عالية وهو هذا
الثالث عشر الباري من ذكره كل يوم مأة مرة انزل عليه الانس والرحمة في قبره وحامل وفقه يكون مظفرا منصورا وعدده مائة ( مائتان ظ ) وثلثةعشر وعلويه يا جبرئيل وسفليه ايوش وهذا وفقه
الرابع عشر المصور اذا كانت المرءة لا تحمل وذكرته سبعة ايام كل يوم بعدده وهو ثلثمائة وستة وثلثون وحملت وفقه حملت باذن الله تعالى والعلوي يا روديائيل والسفلي صحيوش
الخامس عشر الغفار عدده الف ومأتان واحد وثمانون والعلوي يا لوخائيل والسفلي غرفريوش من ذكره بعد صلوة الجمعة مأة مرة او بعدده ويقول يا غفار اغفر لي ذنوبي غفر الله له وحامل وفقه يرزق السلامة من جميع المضار وهذا وفقه
السادس عشر القهار عدده ثلثمأة وستة والعلوي يا عطرائيل والسفلي نهيوش من ادمن ذكره قهر اعداءه ومن ذكره مأة مرة بعد ستة يوم الجمعة وفريضتها قهر عدوه وصفا باطنه وحصل له ما طلب وحامل مربعه يظهر على مقابله في العداوة والمخاصمة وهو هذا
السابع عشر الوهاب من اكثر ذكره وهو سالك شاهد الارزاق كيف تقسم على الخلايق ولا يسأل من احد شيئا الا اعطاه ولا يسأل من الله تعالى حاجة الا نالها وهو الكبريت الاحمر وكذلك من نقشه والزهرة في شرفها وهو سبع وعشرون درجة من الحوت لا يسئل الله به شيئا الا اعطاه اياه وهذا نقشه في شرفها ووفق حروفه المربع هكذا عدد رقمه اربعة عشر اشارة بالشفع الى الافاضة كالجواد وعدد لفظه تسعةعشر اشارة بالوتر الى واحد والعلوي يا زقيائيل ( رقيائيل خل ) والسفلي بريوش
الثامن عشر الرزاق فعدده لفظا خمسةعشر وثلثمأة ورقما ثمانية وثلثمأة والعلوي يا امواكيل والسفلي ايليوش وهو ذكر من اذكار ميكائيل فمن ذكره يسر الله عليه طعامه وشرابه ومن نقشه على مربع والقمر في شرفه وهو ثالث الثور يسر الله عليه المقسوم من الرزق وكذا من نقشه على خاتمه واكثر من ذكره في ليلة النصف من شعبان وهذه صورته
التاسع عشر الفتاح عدده اربعمأة وتسعة وثمانون رقما وثمانمأة وتسعة وثمانون لفظا والعلوي يا رحمائيل والسفلي تقطيوش من اضطر الى حاجة وذكره بعدده بعد صلوة ركعتين ويقرء فيهما بعد الفاتحة يس والملك فاذا سلم ذكر الاسم بعد تكسيره بالتكسير الكبير فلا يسئل الله حاجة الا اعطاه وتكسره وانت صايم يوم الخميس عند طلوع الشمس في فضة هذا وفقه
العشرون العليم عدده مأة وخمسون والعلوي يا لومائيل والسفلي قبيوش من اكثر من ذكره اطلعه الله على دقايق العلوم وخفيات الاسرار ومن وضعه على صحيفة ( صفحة خل ) من زيبق معقود في شرف عطارد وهو الخامسعشر من السنبلة انطقه الله بالحكمة وعلمه لطايف المعارف وهذه صورته ويسمى المثلث العيسوي وهو هذا ومن نقشه في فضة والمشتري في شرفه وهو الخامسعشر من السرطان او المشتري في بيته وهو الحوت والقوس رزقه الله الفهم في علوم الشريعة ويصلح ذكرا لمن كان اسمه عيسي وهذا وفقه
الحادي والعشرون الباسط من نقشه على خاتم في ساعة الزهرة من نهار الجمعة وهي ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس وتختم به كثر فرحه وسروره وزال همه وغمه واحبه كل من راه وان واظب عليه صاحب حال بسط الله عليه في رزقه الظاهر والباطن واحيا قلبه بنور العلم وهو من اذكار اسرافيل وعدده اثنان وسبعون والعلوي يا جبرئيل والسفلي ايوش وله مربع جليل فيه مثلث عددي فاذا كانت الزهرة في شرفها فهو اكمل وهذه صورته ( صورة المربع خل )
والثاني والعشرون القابض عدده تسعمأة وثلاثة والعلوي يا عطرائيل والسفلي نهيوش من اكثر من ذكره غلب عليه الجلال والهيبة ولا يطيق احد مجالسته ومن وضعه في صفحة رصاص اسود وزحل في شرفه وهي الحادية ( هو الحادي خل ) والعشرون من الميزان او في بيته وهي الجدي والدلو وذكره بعدده وقال اللهم اقبض على فلان قلبه وسره استجيب له بوقته ( لوقته خل ) وهو من اذكار عزرائيل وهو سر لقبض الارواح وله مربع شريف في فعله وصورته هذه
الثالث والعشرون المعيد عدده مأة واربعة وعشرون من ذكره اصلح به كل فاسد واسترجع به كل ذاهب واذا وضع في مربع اربعة في اربعة بسير التداخل بطالع احد البروج المنقلبة وهي الحمل والسرطان والميزان والجدي وعلق في مهب ريح واقام الانسان يتلو الاسم طول ليلة على ابق او مسافر رجع الى المكان الذي خرج منه باذن الله وهذه صورته
والرابع والعشرون الاحد عدده ثلثةعشر اذا اكثر من ذكره سالك استأنس بالوحدة واستوحش من الكثرة وهو يصلح لاصحاب الفناء المستغرقين في عين الجمع المستهلكين في بحار التفريد اذا ضربت الثلثةعشر في ثلاثة وذلك عدد حروفه كانت تسعة وثلثين فاذا وضعت في مثلث في صفيحة ( صحيفة خل ) من رصاص وزحل في شرفه وهو الحادي والعشرون من الميزان امن حامله من صولة المعاند وقوي به على جميع عوالمه المخالفة له وهذه صورته ومن وضعه في خاتم حديد والقمر في احد البروج الثابتة وهي الثور والاسد والعقرب والدلو اعانه على الجماع اعانة عظيمة وعدده بقدر ( بعدد خل ) حروف سورة التوحيد لانه معنى الاحدية وهو رتق لا فتق فيه وللسورة مربع خمسة عشر في خمسة عشر من وضعه في رق ظبي في ليلة النصف من شعبان نال به الجاه والرفعة عند جميع الناس ولا يقع عليه بصر احد الا احبه مهابة فهو من الاسرار الشافية والانوار الصافية والجنة الواقية والجنة الباقية وقطبه يشير الى الحجر المكرم وهذه صورته فتدبر فانه من اعظم الاوفاق فائدة واتم الاذواق عائدة ومن وضعه في شرف المريخ وهو الثامن والعشرون من الجدي كان منصورا في جميع حركاته وسكناته القولية والفعلية يوضع للرؤساء والفلاحين في شرف زحل وهو الحادي والعشرون من الميزان وله من الايام يوم السبت في الساعة الثانية وللقضاة والعلماء في شرف المشتري الخامس عشر من السرطان وله من الايام يوم الخميس في الساعة الرابعة وللامراء والجند في شرف المريخ وله من الايام يوم الثلثا وللملوك والسلاطين في شرف الشمس التاسععشر من الحمل ولها من الايام يوم الاحد اول ساعة وللنساء والغلمان في شرف الزهرة السابع والعشرون من الحوت ولها من الايام يوم الجمعة الساعة الاولى وللوزراء والحساب في شرف عطارد الخامسعشر من السنبلة وله من الايام يوم الاثنين الساعة السابعة
الخامس والعشرون الصمد عدده مأة واربعة وثلثون فمن اكثر من ذكره قل افتقاره الى المعاني الكونية واذا اكثر من ذكره صاحب حال صادقة رجعت حوائج الخلق اليه وخلوته اربعون يوما لا نوم فيها بليل ولا فطر بنهار ومن اكثر من ذكره استغنى به عن الغذاء غني تاما وله مربع جليل وهذه صورته ومن نقش صمد في صفيحة ( صحيفة خل ) رصاص وعلقه عليه امن من الاحتلام في منامه ما دام معلقا عليه ومن كتب الصاد منه تسعين مرة وعلقه من يشتكي الصداع في عصابة وعصب بها رأسه برء وان كتب الاسم ومحاه بزيت وسقي ( سقي منه خل ) ملسوعا برء من الم السم
السادس والعشرون السميع من اكثر من ذكره في اخر كل دعاء استجيب له ومن نقشه على خاتم فضة والقمر في شرفه يعني في ثالث الثور كما مر واكثر من ذكره كان مسموع القول عند جميع الناس ويصلح ذكرا للخطباء والوعاظ وهذه صورته ومن نقشه في مثلث كان ذا فقه وعلا عند الناس وقبلت كلمته بين الخاصة والعامة وظهر على اعدائه وهذه صورته
السابع والعشرون البصير قال البوني اما البصير والسميع فذكر جليل القدر من نقشه في وقت صالح والقيه على مصروع افاق من ساعته بعد ان يذكر الاسم سبعمأة مرة وان نقشه على خاتم من شمس والشمس في شرفها وتختم به سمع لغات الجن وانقادت له الارواح الى كلمته وهذه صورة وضعه ومن كتبه على قرطاس احمر والقاه في سمعه فتح الله سمعه ورزقه الحفظ والفهم ومن القاه في دهن ورد ودهن منه من به علة في سمعه عوفي منها باذن الله تعالى وهذه صورته
الثامن والعشرون المقتدر من علقه على سفينة امنها الله تعالى من العطب ومن ذكره اربعين مرة امن عن كل بلاء وله مخمس يوضع بسر التداخل فتأمله من علقه عليه ( عليه فتح خل ) عليه اسرار ذلك الاسم وان علق على فرس سبقت غيرها وهو هذا ( هذه خل ) صورته
التاسع والعشرون الحي القيوم من نقش هذين الاسمين عند طلوع الشمس يوم الجمعة مستقبل القبلة على طهارة وذكر احيي الله ذكره ( وان كان حامل الذكر خ ) واحيي الله رزقه وان كان قليلا وقس عليه وهذه صورته ( قس عليه صورة نقشه خ ) ومن ركب وفقه مأة واربعة وسبعين وحمله شاهد ذلك وهذه صورته ومن وضع وفقه وهو مأة واربعة وسبعون في مربع خمسة واودع باطنه اسمه تعالى حفيظ والزهرة في شرفها احيي الله قلبه وحسن خلقه ووسع رزقه ويسر عسره ونور قلبه ولا يقع عليه بصر احد الا احبه ومن كتبه على شيء كان محفوظا ويكون قطبه اسم الله الاعظم ويكون محروسا في نفسه وماله واهله ولا يسأل شيئا الا اعطاه من عرف قدره استغنى به عن غيره وهو هذه
ومن التكسير من هذين الاسمين هذه الكلمات المنظومة من تكسير اثنين واربعين حرفا بعد تداخل التكسير فان نظمت جائت كلمات توازي الكلمات المعجمة فان اضيفت الى الوفق العددي ظهر الفعل على اتمه وقس على ذلك ما تريد من الاسماء تجمع بين خواص الحروف وضروب التكسير لانه امتزاج طبايع الحروف بعضها ببعض بسر التداخل وبين خواص الاعداد في ترتيب طبايعها التي اودعها الله تعالى وهو فعلها الخاص بها ثم بين الذكر العربي الدال على معنى الحيوة في كل شيء والقيومية في كل شيء ولنقبض العنان فللحيطان اذان وتعيها اذن واعية اقول والطريق في ذلك على ما ذكره علماء هذا الشأن هو ان تكسير الحي القيوم على هذه الصورة ا ل ف ل ا م ح ا ي ا ا ل ف ل ا م ق ا ف ي ا وا وم ي م فاذا اسقطت المكرر من الحي بقي ستة احرف ا ل ف م ح ي واذا اسقطت المكرر من القيوم بقي سبعة احرف ا ل ف م ق ي وو من ضرب هذه السبعة في تلك الستة يحصل اثنان واربعون حرفا وهذه صورة جدولها فتدبره تفز بحظ وافر ما ( مما خل ) فهمه العلماء الربانيون والحكماء الروحانيون وقولنا { بعد تداخل التكسير } اعني اسقاط المكرر منها تبقى سبعة عشر حرفا : ا ت ح ر س ش ص ض غ ف ق م ك ي ل و( ا ت ح ك ل م وي خ ز س ش ص ض ع ف ق خل ) ويخرج من هذه الحروف تسعة وعشرون اسما من الاسماء الحسنى وهي الحي الحليم الحق الحفي الخلاق الرحيم الرؤف السلام الخافض الشافي الشكور المصور المضل المحصي الضار الكريم الحكيم الغافر الغفار الغفور الفتاح القيوم القوي الكافي الملك مالك الملك الوكيل الوالي الوفي بعدد حروف المعجم وهي التي اراد بقوله توازي الكلمات المعجمة والمعتبر خروجه من الاسماء هو هذا العدد وهذا بيان بديع وبناء رفيع
الثلثون الملك القدير وانما ذكر الملك هنا مع اننا ذكرناه سابقا لوضعه مع القدير وظهور خاصية الجمع ومن نقشه والقمر في شرفه على لوح من فضة ووضعه في اعلا دار الملك فان ملكه يخلد عليه مدة حياته ولا يري فيها تضعيفا ( فيه تضعضعا خل ) وصورته ذلك
الحادي والثلثون المتعال فمن اكثر من ذكره لا يعالي احد من الامور الا علاه ويصلح لمن يتعرض لمخاصمة او محاكمة ومن وضع مربعه وهو من رصاص وزحل في شرفه او في بيته كما مر وذكر الاسم بعدده قهر به كل مقاوم وهو من الاسماء الجليلة وهذه صفته
الثاني والثلثون الحفيظ عدده تسعمأة وثمانية وتسعون وهو اسم سريع الاجابة للخايف في الاسفار لا يزال يذكره في مواطن الخوف وغيرها من المخاوف فلا يريه الله ما يكرهه ومن نقش في خاتم فضة وجعل عدده وفقا ويكسره ( تكسيره خل ) حروفا في باطن الخاتم وحمله معه لو نام في مسبعات الارض ماناله ما يكرهه ويزيده بعده يا حفيظ احفظني وهذه صورته ( صورة مربعه خل ) وله مربع يوضع بسر التداخل في شرف الشمس ليكون منه لحامله الحفظ من كل ما يكره وهو هذا
الثالث والثلثون النور عدده ستة وخمسون ومأتان من اكثر ذكره نور الله قلبه وله مربع جليل القدر يوضع في شرف الشمس فيفيد ملكا دائما اسمه نافع ونور في مربع على هذه الصورة من سر الحيوة باطنا والملك ظاهرا وهو هذا
الرابع والثلثون الرؤف من جمع بين مربعه الحرفي ومربعه العددي والزهرة في شرفها كان محبوبا عند جميع الناس وهذه صورته
الخامس والثلثون الكريم عدده مأتان وسبعون من نقشه في مربع اربعة في اربعة بسر التداخل والقمر في شرفه على خاتم فضة وتختم به وسع الله ( الله عليه خل ) رزقه وخلقه ونفعه باسراره ومتعه بانواره اذا ادام ذكره كل يوم بعدده وهو هذا وقيل من نقشه في ساعة الزهرة من يوم الجمعة على فص زمرد وجعله في خاتم بعد ذكره تسعة وثمانين ومأة مرة وتختم به ثم ذكره مأة مرة وخرج من بيته لا بد ان يجد من يعطيه شيئا ولو خرج في النهار مأة مرة واعلم ان اعداد الحروف اشباح ومن جمع بين الاعداد والحروف في مربع واحد كان اسرع واقرب ( اقرب واسرع خل ) وهذه صورته
السادس والثلثون ذو الطول من كتب سبع مرات في سابع ساعة من السابع من الشهر بنية ما يرومه ويدوم على ذكره على طهارة يسر الله عليه بلوغ مرامه واذا وضع في مسبع حرفي على رق طاهر بزعفران والحق به المسبع العددي يوم الجمعة اول ساعة منه او في الثامنة فرج الهم وصلح للالفة واطلاق المسجونين وهذه صورته
السابع والثلثون الغني من استدام على ذكره كثرت عليه اسباب الدنيا ووسعت عليه ارزاقها وكذلك من كتبه وعلقت ربحت تجارته وعدده اللفظي ١٠٧٠ او الرقمي ١٠٦٠ وله مربع كثير النفع في ذلك وهو هذا
الثامن والثلثون المغني عدده احدي عشر مأة له مربع جليل يوضع في شرف زحل او في شرف الشمس التاسععشر من الحمل من حمله معه وذكر الاسم بعدد حروفه ثم قرء سورة والضحى بعده وقال عقيب ذلك اللهم يسر على في اليسر الذي يسرته على كثير من عبادك وواظب على ذلك اربعين يوما ارسل الله اليه من يعلمه الحكمة اما في منامه او يقظته ومن نقشه على خاتم والزهرة بالميزان وتختم به احبه من يراه ومن ذكره كل يوم احدي عشر مأة مرة واحد عشر وهو عدده مع حرف النداء اغنى الله فقره وكشف ضره لا يسأل الله شيئا من الاسباب الا اعطاه ما سأل فان واظب على ذلك كان مستجاب الدعوة وهذه صورته
التاسع والثلثون الودود
والاربعون الحبيب من وضع اسم الودود واسم الحبيب في مثلث مركزه جواد في باطن مربع ستة وتسعين وهو عدد السؤال اذ الحبيب الودود هو السؤال لا يقع عليه بصر احد الا احبه ومن اراد وضع هذا الشكل العظيم القدر فليضعه في الساعة الاولى ( الاولى من خل ) يوم الجمعة والزهرة في شرفها ثم يواظب على ذكر هذه الاسماء فانه يرى العجب العجاب وهذه صورته
الحادي والاربعون اللطيف عدده مأة وتسعة وعشرون من اكثر من ذكره كان ملطوفا به في جميع اموره ووسع الله عليه المقسوم من الرزق الا ترى انه يناسب اسمه معطي وذكره عند الحبيب يشير الى اسمه موسع وهذه صورته ( صورة وضعه خل ) وهو ذكر صالح لمن كان اسمه صالحا لمساواته له ومن وضع مربعه على خاتم فضة بوضع سر التداخل والقمر في شرفه ماتختم به مكروب الا وجد برد اللطف والاجابة ومن اشتد به مرض او كان مقهورا تحت سلطان طبعه واحكام عاداته او اكثر من ذكره يسر الله عليه الخلاص من ذلك وهذه صورة وضعه المذكور ومن كتبه ( كتبه مرة خل ) في جام ومحاه بماء وعسل وسقاه من به مرض عافاه الله ومن جمع بين مربعه الحرفي والعددي في مربع واحد كان اسرع للاجابة هذه صورته
الثاني والاربعون الواسع من اكثر من ذكره وسع الله عليه رزقه وخلقه وعلمه واتسع له في الاجل وهذه صورته
الثالث والاربعون الشهيد يصلح ذكرا لمن يطلب الشهادة ولمن يطلب المشاهدة وصورة وفقه ومربعه هكذا
الرابع والاربعون نعم المولى ونعم النصير من اكثر من ذكره كان منصورا على اعدائه في جميع حركاته وسكناته ولا يسأل الله به شيئا الا اعطاه ما سأل وعدده اربعة وعشرون وثمانمائة ووفقه هذا
الخامس والاربعون والسادس والاربعون القوي والمتين من رسمهما على علم والمريخ في شرفه كان منصورا على عدوه في الحرب وكان قادرا على طرده ومن رسمهما على طرف عمامة والشمس في شرفها وتعمم بها كان مهابا عند الخاصة والعامة ومن نقشهما في لوح من حديد والمريخ في شرفه انقادت الملوك الى كلمته فافهم ( فافهم ذلك خل ) وهذه صورته
السابع والاربعون الوارث من اكثر من ذكره وهو طالب امرا بيد غيره اورثه الله اياه اما لغني غيره عنه او لتقصيره عن القيام به وهو ذكر يصلح للاكابر المستخلفين وارباب الوراثة واما مربعه فعلي هذه الصورة
الثامن والاربعون الباعث يصلح لمن ضعفت عزيمته عن امره ومن اكثر من ذكره انبعث على كل خير وهو استيلاء الحيوة والصحة على الابدان وحفظ القوي فاذا اردت ذلك فاتخذ ثيابا نظيفة ودخن بعود ومسك وقرنفل واتل الاسم على خلو معدة وطهارة قلب الى ان يحصل لك عنه ( منه خل ) حال فان الله يمدك بالقوة ويثبتك ( يبعثك خل ) على افعال الطاعة وهذا مربعه العددي والحرفي
التاسع والاربعون المنتقم من اكثر من ذكره ثم دعا على ظالم اخذ لوقته وهو من الاسماء القهرية التي هي من اركان ( اذكار خل ) عزرائيل وله مربع جليل يوضع في مربع عددي محيط به مربع حرفي مخمس اذا كان المريخ في شرفه لا يحمله مظلوم بعدد حروفه الا انتصر به على ظالمه في الحال ومن وضعه في صحيفة من حديد في ساعة المريخ يوم السبت وهي الساعة الرابعة واخذ في ذكره سبعمأة وثلثين مرة وهو ينظر الى الشكل نظر جلال ثم دعا على ظالم اخذ لوقته وهذه صورة الشكل
الخمسون التواب من وضعه في مربع على هذه الصورة والقمر في زيادة امنه الله مما يخاف ويسر عليه التوبة وبدل سيئاته حسنات واعانه على الوفاء والعهد ( بالعهد خل ) وقربه وادناه والهمه لطايف الحكمة فتدبره ففيه اسرار عجيبة لمن كان له ذوق من الحكمة الاشراقية التي لا يطلع عليها الا احاد المتألهين
الحادي والخمسون الوكيل من اكثر من ذكره اغنى الله فقره وشرح بنور التوكل صدره وله مربع خمسة في خمسة من نقشه في حجر من رخام والطالع العقرب وجعله في داره لم يبق حية ولا عقرب ولا شيء من الهوام المضرة الا خرجت منها باذن الله تعالى وهذه صورته
الثاني والخمسون الهادي قال بعض علماء هذا الشان ( الفن خل ) هو ذكر يصلح لكل سالك في المعركة ما دام متخلصا الى نور وهو من الاسماء التي ليس لها مربع فاذا اريد ادخاله في مربع وضعت اسماء حروفه على هذه الصورة ه ا ء ا ل ف د ا ل ي ا ء ويصلح ذكرا لمن كان اسمه عبد الهادي ومن اضاف الى الهادي العليم والخبير والمبين وتلا ذلك مأة مرة وقال في اخر تلاوته يا هادي اهدني الى كذا يا عليم علمني كذا يا خبير خبرني بكذا يا مبين بين لي بكذا وسمي ما شاء من امر ثم نام اطلعه الله في نومه على ذلك
الثالث والخمسون الخبير يصلح ذكرا لمن اراد ان يطلع على خفي امر في نوم او يقظة ومن وضعه في مربع وعطارد في شرفه اطلع به على علوم جليلة وهو هذا
الرابع والخمسون ذو الجلال والاكرام من نقشه في صندوق او باب دار في ساعة المشتري من نهار الخميس وهي الخامسة كان محفوظا من اللص والسارق ومن اراد امرا من الامور فيكثر ( فليكثر خل ) من ذكره يرى العجب العجاب باذنه
الخامس والخمسون المذل من نقش وفقه اول ساعة من يوم الاحد وذكره بعدده بنية ظالم او حاسد وهو حامل للوفق ذل له وكفى شره وهو هذا
السادس والخمسون الحكيم من كتب وفقه في رق ظبي اول ساعة من يوم الاحد وحمله وهو يديم ذكره كل يوم ثمانية وسبعين مرة علمه الله الحكمة واشرقها على قلبه اذا ذكره بحضور قلب وهذه صورته ومن ذلك اسم باسط من وضعه في مربع تسعة في تسعة بالحروف ونقش في كل بيت منها ( منه خل ) باسط في رق طاهر بمسك محلول بماء ورد وزعفران في تاسع ساعة من يوم الاحد وحمله معه امن من التعب اذا مشي ومن الم الجوع وقهر الجبارين وطهر الله باطنه من الاخلاق الردية والادناس البشرية
وهكذا في جميع الاسماء مما لم نذكره ومما ذكرنا بعض خواصه واعماله ما هو مذكور في محله
قال سلمه الله تعالى : وفي اوراد الملئكة بها
المراد بالملئكة ملائكة الاسماء المستخرجة اسماؤهم من الاسماء مثلا اذا اردت استخراج ملائكة وهاب فخذ عدده وهو اربعة عشر واستنطقه وزد عليه الملحق فيكون ديائيل وهو الملك الاول ثم تضرب العدد في نفسه فيكون مأة وستة وتسعين وتلحقه بالملحق فيكون وصقائيل وهو الملك الثاني ثم تكعبه بأن تضرب عدد الاول في عدد الثاني وتتبعه بالملحق فيكون دمذغغائيل وهو الملك الثالث فاذا اردت الخليفة على الثلاثة فتجمع المراتب الثلث وتستنطقه وتلحقه بالملحق فيكون دنظغغائيل وهو الملك الخليفة على الثلثة واذا اردت الرئيس الحاكم عليهم فكعب عدد الخليفة والمستنطق من التكعيب هو الملك الاعظم والجميع تحت طاعته وهو الملك الذي كتمه هرمس ورمزه ولم يصرح به فافهم فقد صرحت به واعلم ان ورد الملئكة مذكور في محله يختص كل بورد يجمعها الاسم الجامع لهم وهنا ورد خاص وهو ذكر الاسم بعدد الملك فتذكر الوهاب مثلا اربع عشر مرة للاول ومأة وستة وتسعين للثاني والفين وسبعمأة واربعا واربعين للثالث والفين وتسعمأة واربعا وخمسين للخليفة وللرئيس بعدده وتذكر عند كل رتبة من عدده اسمه واسم صاحب تلك الرتبة ملاحظا معنى البديع والرحمن والباعث والباطن غائبا فانيا بحاجتك في ظهور الذات الحق بهذه الاركان الاربعة في كل شيء فيتحقق تلك الاثر عند تمام تلك الجمعية بلا مهلة فافهم معنى الابداع في اوراد الملائكة وهذا جهة من جهات كثيرة
قال : وفي الاسم الناقص عن المأة وما يشير اليه وكيفية استجابة الدعاء بالاسم المشار اليه بالاسم الاعظم لانا فهمنا منك الاشارات ولا اجبنا التصريح لان اهل دهرنا لا يحتملون ذلك وان احتملوه لا يكتموه وان كتموه استعملوه فيما لا يحل لهم
اعلم ان المراد بالاسم الناقص عن المأة على الظاهر في الظاهر هو هو لانه ابعد الاسماء عن المشاركة بين الذات والصفات اذ ليس فيه الا مفاد الهاء وهو محض الاشارة الى الثابت ومفاد الواو وهو الامتناع عن الادراك ويحصل به تمام المأة حيث كانت الاسماء الحسنى تسعة وتسعين وتمام الاسم الاعظم لانك اذا اضفت الى عدد الاسماء الحسنى وهو تسعة وتسعون عدد حروفه وهو احدعشر كان مأة وعشرا وهو عدد الاسم الاعظم وهو العلي العظيم وعلى ما هو الحق في الباطن هو معنى هو الذي كان اسمه المعروف لدي جميع الخلق عدده مأة وعشر الدال على عدد الجميع بعدد اسمه وعلى الحيطة بالكل بمعناه حيث الله يقول ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم وذلك هو معنى الاسماء الحسنى كلها ومعنى هو وهو معنى الله سبحانه الذي اشار اليه علي بن الحسين عليهما السلم في قوله لجابر ثم معرفة المعاني ثانيا وهذا جواب قوله سلمه الله وما يشير اليه واما كيفية استجابة الدعاء فان تعرف الواحد ثم معناه ثم بابه فتلحظ فقرك لحاجتك فتقصد بابه وتدعو واحدا طوي بوحدته ذاتك وحاجتك وقصدك ودعائك فيظهر معناه من بابه بحاجتك من بابها والى هذه المراتب الثلث اشار ( اشار اليه خل ) علي بن الحسين عليه السلم في الحديث المشار اليه سابقا بقوله المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا وقولكم ولا احببنا التصريح الخ اعلم ان الاسم الاعظم على احوال فاما الاسم الخاص الاكبر فان الله تعالى سره عما سوى اوليائه المعصومين لئلا يبطل النظام لو وصل الى غير المعصوم ولا كلام لنا فيه لعدم علمنا بتركيبه وان كان موجودا في الحروف النورانية واما غير الاسم اللفظي فمنها ما يحصل بالحال الصادقة كما ( كما يظهر خل ) للمرتاضين باذكار الاسماء ومنها بتصفية الباطن والتجافي عن دار الغرور وترك الشواغل فلا يكون بينه وبين الله حجاب ما زال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احبه الحديث ومنها ثمرة العلم بالله وصفاته واسمائه فيدعوه بها ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وهو الذي اشرنا اليه هنا فاهل زماننا فاتتهم المراتب الثلث فهم لا يحتملونه البتة وان شرحت لهم الحال لم يفهموا المقال سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم فهم لا يؤمنون
قال سلمه الله تعالى : وكذلك الاشارة الى البسط والتكسير والمزج والوضع في بيان الوفق على حسب الامكان
اما البسط فله اقسام بسط حرفي وبسط عددي وبسط التضارب وبسط الترفع وهو ثلثة اقسام ترفع حرفي وترفع عددي وترفع طبيعي وبسط طبيعي وبسط غريزي وغير ذلك فالبسط الحرفي مثلا ( مثلا في محمد خل ) م ي م ح ا م ي م د ا ل والعددي من الزبر والبينات مثل بعض ذلك اربعون ثمانية اربعون اربعة فقد يراد من الاول م ي ح ا د ل او احدعشر او ستة ومن الثاني ا ر ب ع ون ث م ن ي ة او ثلاثة وعشرون او احدعشر او اعداد حرف الاعداد او اثنان وتسعون من الزبر او من البينات مأة واثنان وثلثون ويتصرف في كل بما يقتضيه الداعي وبسط التضارب كأن يضرب عدد الحرف في نفسه او في اخر او في مرتبة فيستنطق حتى يتولد من الاسم اسم اخر او اسماء يتصرف فيها كذلك او ضرب حرف من حروف الطالب في حرف من حروف المطلوب واستحصال الحروف الاخرى المستنطقة من حاصل الضرب والترفع العددي رفع كل حرف من حروف المطلوب مثلا من رتبة الى ما فوقها واخذ سميه من تلك المرتبة العليا كرفع ميم محمد الى المآت فتأخذ التاء والحاء الى العشرات فتأخذ الفاء والميم الاخرى كذلك تاء والدال الى العشرات فتأخذ الميم فحصل ( فمحصل خل ) ذلك تفتم والترفع الحرفي اخذ الحرف الذي يلي حرف المطلوب من الحروف الابجدية فمثلا محمد يؤخذ للميم نون وللحاء طاء وللميم نون وللدال هاء فيكون نطنه والترفع الطبيعي ان تأخذ للحرف الترابي حرفا مائيا وللمائي رياحيا وللرياحي ناريا وتترك الناري بحاله فمثلا محمد الميم ناري والحاء ترابي وكذا الدال فتترك الميم بحالها وتبدل الحاء بالزاء والدال بالجيم فتقول مزمج والبسط الطبيعي عبارة عن كون كل حرف من الحروف النارية طالبا للحروف الرياحية التي في درجته والرياحية تطلب المائية والمائية تطلب الترابية وهذا بدون ملاحظة الحروف بدرجاتها هو الطبيعي واذا لوحظت فهي الغريزي وغير ذلك كبسط التواخي والتجامع والتقوى والتكسير قد يستعمل في البسط الابدالي بقول مطلق في تغيير الاحوال وتبديلها كالعلوية بالسفلية وبالعكس والنورانية بالظلمانية وبالعكس والمتصلة بالمنفصلة وبالعكس والروحانية بالجسمانية وهو النورانية والظلمانية وبالعكس والصمدانية بالمجوفة والنهارية بالليلية وبالعكس فيهما والنهارية هي التي للكواكب النهارية زحل والمشتري والشمس وعطارد ان كان مشرقيا والليلية هي الكواكب الليلية الزهرة والمريخ والقمر وعطارد ان كان مغربيا فلزحل صتض قثظ وللمشتري رخغ فشذ وللشمس طمف وللعطارد نيص جزك وللمريخ لعراهط وللزهرة بوي كسق وللقمر دحل وكذلك ابدال الصامتة اي المهملة بالناطقة اي المنقوطة والسعيدة اي المهملة والقاف والياء والنون لانها من الحروف النورانية بالنحسية اي المنقوطة بثلث واثنتين وبالممتزجة اي المنقوطة بنقطة والشرقية وهي النارية بالغربية وهي الهوائية والشمالية وهي المائية والجنوبية وهي الترابية بعضها ببعض وفي كلها بالعكس وهذا بحر لا ساحل له عثر العلماء على كثير من اسراره وكتموا كثيرا مما علموا والذي جهلوه اكثر وما اوتيتم من العلم الا قليلا
واما التكسير فله طرق والغاية منه مزج حروف الطالب وحاجته والمطلوب منه لتحصل منه كلمات معنى كل كلمة هو الرابطة بين الطالب والمطلوب وحاجته المستلزمة لفعل الفاعل الغني وانفعال المحتاج بالحاجة واستغنائه بالغني وهو التكسير وله ثلاث مراتب صغير واوسط وكبير فالصغير ان تبسط حروف الاسم متفرقة ثم تأخذ اخر السطر وتضعه اول الثاني واول السطر الاول ثاني الثاني وما قبل الاخر ثالث الثاني وهكذا ثم تعمل في الثالث من حروف الثاني كذلك مثاله واما التكسير المتوسط ان تضع المربع بعدد حروف الاسم وتبسط حروفه في السطر الاول متفرقة وتضع الحرف الاول من السطر الاول في بيت فرسه من السطر الثاني ثم تمم السطر الثاني على الترتيب وتبتدي في الثالث باول السطر الثاني تضعه في بيت فرسه من الثالث وهكذا حتى ينتهي العمل ان كان الاسم فردا وان كان زوجا كان مرة واحدة في اخر السطر بسير الفرزان مثال الاول وهو المشي في التكسير المتوسط بسير الفرس الخاص في الفرد ( ومثال الثاني نسخة ٧ خ ) واما التكسير الكبير فان تضع حروف الاسم منفصلة في السطر الاول فان كان ثلاثيا فتنقل الحرف الاول الى اول السطر الثاني والثالث من الاول الى الثاني من الثاني والثاني ( الثاني منه خل ) الى الثالث من الثاني ( الثالث خل ) وهكذا وان شئت وضعت الثاني ( الثالث خل ) من الاول في اول الثاني والثالث في الثاني من الثاني والاول ( الاول من الاول خل ) في الثالث من الثاني وهكذا مثال الاول ومثال الثاني فيكون من الاسم الثلاثي ستة اسماء وان كان الاسم رباعيا كان منه اربعة وعشرون اسما وان كان خماسيا كان منه مأة وعشرون اسما وهكذا والضابط ان تضرب عدد حروف الاسم في عدد الصور الحاصلة من الاسم الذي اقل منه بحرف فيحصل من الثنائي صورتان ومن الثلاثي مضروب ( المضروب خل ) الثلثة في الاثنين فيكون ستة ومن الرباعي مضروب الاربعة في الستة ومن الخماسي مضروب الخمسة في الاربعة والعشرين وهكذا واما اسرار ذلك وخواصه فمذكور في كتب القوم من ارادها طلبها
قال سلمه الله تعالى : الثالثة - ما تفسير الحروف المقطعة في اوايل السور وما معنى الحروف الهجائية الابجدية من الالف الى الياء
الجواب اعلم ان الحروف المقطعة في اوايل السور هي الحروف النورانية على اصطلاح علماء الجفر وهي اربعة عشر حرفا يجمعها قولك صراط علي حق نمسكه وهي الحروف السعيدة وباقي الحروف سواها ظلمانية ومنحوسة ( ظلمانية منحوسة خل ) وفيها من كل نوع من الحروف نصفه فمن المهموسة خمسة الصاد والحاء والسين والكاف والهاء والمهموسة عشرة ومن المجهورة نصفها تسعة ل ق ر ا ن م ط ي ع وكذلك الشديدة والقلقلة والمذلقة وسائر الصفات المذكورة في كتب اهل التجويد وهي اي الحروف النورانية المقطعة في اوايل السور اربعة عشر حرفا بعدد منازل القمر الطالعة والظلمانية اربعة عشر عكسها بعدد المنازل الهابطة وانما كانت اربعة عشر لانها متضمنة للمبادي الاربعة التي دار عليها الوجود الخلق والرزق والحيوة والممات من فوارة النور واستواء الرحمن على العرش باعطاء كل ذي حق بمسئلته حقه من غير استحقاق من الخلق بشيء ( لشيء خل ) من مسألته وعطيته وانما وهبهم ما سألوه من نعمه فهو الوهاب الجواد والوهاب اربعة عشر والجواد اربعة عشر ويد المعبر عنها بالنعمة وبالنقمة ( بالقدرة وبالنعمة خل ) اربعة عشر فظهر هنا ( هذا خل ) العدد الشريف في هذه الحروف الشريفة لكونها قريبة لقصبة الياقوت وابوابا للملك والملكوت والجبروت وسرا مقنعا بالسر من اللاهوت واعلم ان الحروف في اصل خلقها لم يكن لها معنى الا انفسها ولذلك صدر كل حرف في اسمه ليسهل فهمه ولاتحاد الاسم والمسمى في الجنسية والنوعية الا الهمزة صدرت بالهاء لقربها منها وللفرق بينها وبين الالف اللينية ولان الهاء مجاز الالف المتحركة والمتحركة مجاز اللينية والمراد بالمجاز الطريق في تولد الحرف عند القرع او القلع او الضغط من النفس بفتح الفاء الذي هو مظهر النفس بسكون الفاء وهو اي النفس المعبر عنه بالالف اللينية السارية في الحروف بالقيومية وهي الالف الاولى واما الالف اللينية الثانية التي هي من الحروف السبعة ( التسعة خل ) والعشرين الظاهرة في مثل قال وقائل فهي اعلى وجوه الاولى ومظاهرها واما الواو والياء اذا كانتا لينتين لحقتا بهذه عند الخلوص من شرك المخرج وامتزجتا بها وتمتزج هي بتلك معها ( معهما خل ) لان هذه لا تمسها حركة لان الحركة كثرة وللواو والياء حالتان ففي حالة اللين تنمحق انيتهما في هذه وتنمحق هي بما فيها في الاولى فافهم ضرب المثل قال الله تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون واما معناها فعلى انحاء كثيرة منها اعلم ان الحروف على ثلثة اقسام ملفوظ ومكتوب ومسرود فالاول منها ما كان اسمه ثلثة احرف وكان ثالثها هو اولها مثل ميم ونون وواو والثاني ما كان اسمه ثلثة مختلفة يعني ليست معطوفة الاعجاز على الصدور والثالث ما كان اسمه حرفين فالاول ميم نون فالحرف الاول في اول سورة والثاني في اخر سورة اشارة الى الاول والاخر فالاولى سورة البقرة الصفراء والثانية سورة نون بهموت فاشير بهما الى حامل العالم العلوي وحامل العالم السفلي يعني الغيب والشهادة مجموعهما من اشارة الى ان كل شيء من فيضه لانهما حرف صاد وهو البحر الذي تحت العرش حين قال له ادن من صاد وهو مداد القلم وكان ذلك حرفين ليتم بدء الخلق بالاثنينية ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون والثاني الذي هو المكتوب سبعة الف لام صاد كاف عين سين قاف فاشير بالسبعة الى طواف الاسبوع لكمال الصنع والمصنوع وهي احد وعشرون حرفا بعدد حروف الفاتحة بعد حذف المتكرر اشعارا بتضمن السر ولظهور صفة الكمال في الثلثة العوالم لان كل واحد من هذه السبعة الاحرف جبروت وملكوت وملك فدارت الاصول عليها وتناهت اليها ونسب الى كل واحد منها واحد من السيارة ويوم من الاسبوع والثالث وهو المسرود منها خمسة را ها يا طا حا اشارة الى الهاء وهي اقل الاسماء واظهر الاشارات واخفاها اذ ليس بعد حذف الاشارة الا المسمى وانما قلنا اقل الاسماء لان الهاء تثبيت الثابت بعد محو الموهوم واخره مدلول الهاء من حيث وقوعها عليه والمستدل بها من حيث وقوعها منه ويشار بها الى الغيب والشهادة وهذه الخمسة كل منها مثنى غيب لغيب وشهادة لشهادة فالخمسة للهاء وهي الليلة المباركة فاذا اشبعت ظهرت مع التسعة والتسعين بعدد الاسم الاعظم فهي في المخرج اول وباطن وابنها المتولد منها اخر وظاهر فهو الاول والاخر والظاهر والباطن فالهاء في عالم الامر تشهد بالبقاء وابنها بالسرمد وهي في عالم الجبروت والملكوت تشهد بالثبات وابنها بالدهر وفي الملك تشهد هي بالمكان وابنها بالزمان فالملفوظ يشهد بالاثنينية في الابداع والمكتوب يشهد بالكمال في المخترع والاختراع والمسرود يشهد بوضع الدلالات وتبيين الايات ثم اعلم ان الملفوظ حرف منه يوزن به النار والثاني يوزن به الهواء والمكتوب منه سين يوزن به الماء والعين يوزن به التراب والباقي منها موزون فالالف في الاولى من الكفة اليمني من ميزان النار واللام في الثانية من الكفة اليسرى من ميزان التراب والصاد في الثالثة من الكفة اليسري من ميزان الهواء والكاف في الثانية من الكفة اليسرى من ميزان الماء والفاء في الثالثة من الكفة اليسرى من ميزان النار و( واما خل ) المسرود فكله موزون فالراء في الثلثة من الكفة اليسرى من ميزان التراب والهاء في الاولى من الكفة اليسرى من ميزان النار والياء في الثانية من الكفة اليسرى من ميزان الهواء والطاء في الثانية من الكفة اليسرى من ميزان النار والحاء في الاولى من الكفة اليسرى من ميزان التراب وصفة الموازين والوزن
هكذا واما مقدار كل حرف في الوزن من طبيعته التي اودع اياها من الطبايع الاربع فهذا الشكل متضمن ذلك فاستبن منه مطلوبك فانت ( فانك خل ) اذا عرفت المقدار تمكنت من التقدير في معالجات الاعمال وتكميل الناقص ومعالجة مرضي الانسان والنبات والمعدن وكل عقار طبيعته على نظم حروف اسمه العربية كما قلنا وهو هذا واذا اردت معرفة حرف ( حروف خل ) منازل القمر من هذه فتعرف الحروف النورانية وما يخصها من المنازل لان الحروف النورانية هي الحروف الروحية والحروف الظلمانية هي الحروف الجسمانية فهذا الشكل متكفل به على ترتيب المشارقة واليونان والفلكيين في الحروف المفردة لانها هي التي جرى عليها النظام في السلسلة النزولية ولهذا اعتمدتها دون غيرها وان كان له اثر وهو هذا الشكل
فالحروف النورانية اربعة نارية ا ه ط م وثلثة هوائية ي ن ص وثلثة مائية ك س ق واربعة ترابية ح ل ع ر فالاول في الخلق والثاني في الحيوة والثالث في الرزق والرابع في الممات ومن ذلك ظهورها في اوايل الاسماء الحسنى فيشار بكل حرف الى ما يظهر فيه وذلك في فواتح السور وغيرها فالالف الاسم منه الله من حيث ظاهره ومن حيث باطنه كافي وهو غيب لا يدرك ومحيط يملك ولا يملك والباء ظاهر تسبيب وحكمة ترتيب والاسم منه من حيث باطنه جامع ومن حيث ظاهره بديع والجيم جلال وجمال وجمع واجمال والاسم منه من حيث ظاهره جليل ومن حيث باطنه موجد والدال الاسم منه الدائم وهكذا الى اخر الحروف ومن ذلك ما رواه في التوحيد والعيون عن ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلم قال ان اول ما خلق الله ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم وان الرجل اذا ضرب على رأسه بعصا فزعم انه لا يفصح بعض الكلام فالحكم فيه ان يعرض عليه حروف المعجم ثم يعطي الدية بقدر ما لم يفصح منها ولقد حدثني ابي عن ابيه عن جده عن امير المؤمنين عليه السلم في ا ب ت ث قال الالف الاء الله والباء بهجة الله والتاء تمام الامر بقائم آل محمد عليهم السلام والثاء ثواب المؤمنين على اعمالهم الصالحة ج ح خ فالجيم جمال الله وجلاله والحاء حلم الله عن المذنبين والخاء خمول ذكر اهل المعاصي عند الله د ذ فالدال دين الله والذال من ذي الجلال ر ز فالراء من الرؤف الرحيم والزاء زلازل القيمة س ش فالسين سناء الله والشين شاء الله ما شاء واراد ما اراد وما تشاؤن الا ان يشاء الله ص ض فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط وحبس الظالمين عند المرصاد والضاد ضل من خالف محمدا وآل محمد صلى الله على محمد وآله ط ظ فالطاء طوبى للمؤمنين وحسن ماب والظاء ظن المؤمنين بالله خيرا وظن الكافرين به تعالى سوء ع غ فالعين من العالم والغين من الغني ف ق فالفاء فوج من افواج النار والقاف قران على الله جمعه وقرانه ك ل فالكاف من الكافي واللام لعن الكافرين في افترائهم على الله الكذب م ن فالميم ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول عز وجل لمن الملك اليوم ثم تنطق ارواح انبيائه ورسله وحججه فيقولون لله الواحد القهار فيقول جل جلاله اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب والنون نوال الله للمؤمنين ونكاله للكافرين وه فالواو ويل لمن عصي الله والهاء هان على الله من عصاه لا ي فلام الف لا اله الا الله وهي كلمة الاخلاص ما من عبد قالها مخلصا الا وجبت له الجنة والياء يد الله فوق خلقه باسطة في الرزق ( بالرزق خل ) سبحانه وتعالى عما يشركون وفي التوحيد والخصال عن امير المؤمنين عليه السلم قال سأل عثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير ابجد فقال (ص) تعلموا تفسير ابجد فان فيه الاعاجيب كلها ويل لعالم جهل تفسيره فقيل يا رسول الله ما تفسير ابجد قال (ص) اما الالف فالاء الله حرف من اسمائه واما الباء فبهجة الله واما الجيم فجنة الله وجمال الله وجلال الدين ( جلال الله خل ) واما الدال فدين الله واما هوز فالهاء الهاوية ويل لمن هوى من النار واما الواو فويل لاهل النار واما الزاء فزاوية في النار فنعوذ بالله مما في الزاوية يعني زوايا جهنم واما حطي فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملئكة الى مطلع الفجر واما الطاء فطوبى لهم وحسن ماب وهي شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه وان اغصانها ترى من ( لترى من وراء خل ) سور الجنة تنبت بالحلي والحلل والثمار متدلية على افواههم واما الياء فيد الله فوق خلقه سبحان الله عما يشركون واما كلمن فالكاف كلام الله لا تبديل لكلمات الله ولنتجد من دونه ملتحدا واما اللام فالمام اهل الجنة بينهم في الزيارة والتحية والسلام وتلاوم اهل النار فيما بينهم واما الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى واما النون فنون والقلم وما يسطرون فالقلم قلم من نور ( النور خل ) وكتاب من نور ( النور خل ) في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا واما سعفص فالصاد صاع بصاع وفص بفص يعني الجزاء بالجزاء كما تدين تدان ان الله لا يريد ظلما للعباد واما قرشت يعني قرشهم فحشرهم ونشرهم الى يوم القيمة وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون انتهى وغير ذلك من المعاني المنسوبة اليها كدلالتها بصفاتها من الهمس والجهر والشدة والرخاء ( الرخاوة خل ) وغيرها على مثل ذلك في مسمياتها على الاصح خلافا للمشهور
تذنيب اعلم ان الحروف تدل بطبايعها وتاثراتها ( تأثيراتها خل ) على اثار وافاعيل على حسب طبايعها كما اشير الى بعض ذلك سابقا كل حرف يعطي ما اودع فيه من الطبيعة على حسب قربه منها وبعده واذا كان في نقشه مركب من حرفين كان له فعل بنفسه وفعل بتلك الجهتين كاللام مثلا فان لها من الطبيعة الترابية دقيقة فتعمل كذلك وهي مركبة من نون والف والنون لها ثانية من الهوائية والالف لها رتبة ( مرتبة خل ) من النارية فتعمل اللام بتلك الطبيعتين فعلا وعملا خاصا ومثال ذلك ل وهكذا ساير الحروف الا الحرف الاول وهو الالف فانه بسيط في فعله بالنسبة الى ما دونه واما بالنسبة الى ما فوقه فانه مركب من النقطة وجودا ولفظا ونقشا فهو اعمها ( اعمها عملا خل ) واعظمها واخصها واكرمها
قال سلمه الله تعالى : وما احسن الاوراد واكمل الذكر واعلى الافعال وطريق تزكية النفس على سبيل الاختصار والوصول الى طريق اهل الحق
اقول هذه الاربع المسائل اخص ( اخضر خل اخصر خ ) الجواب عنها وابسطه ان هذه مذكورة في كتب الاصحاب شكر الله سعيهم في الادعية وكتب الاخلاق وكتب الشريعة ولم يوجد شيء جل او قل بطن او علن الا واهل البيت عليهم السلم قد اعثروا عليه فاحسن الاوراد ما ذكروا واكمل الذكر ما اوردوا واعلى الافعال ما ذكروا واوضح طريق تزكية النفس ما فعلوا وامروا به واصلوا واما المسئلة الخامسة وهي الوصول الى طريق اهل الحق فاعلم انك بعد ما فهمك الله الدين والهمك اليقين وعرفك القران المبين واطلعك على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله اجمعين لن تعدم التحري لذلك والولوج في تلك المسالك ما دمت ملاحظا لما اشير اليه وهو انك بعد ان حصل لك العقل المكتسب تفهم بجودة الذكاء والفطنة في معاني الكتاب والسنة وفي معاني نفسك فانها ايات الله وفي العالم كذلك قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وتجعل هذه الاربعة متطابقة ما اتفق لك فذلك وما اختلف عليك فانه من المتشابه الذي يجب الايمان به وهو في الاربعة والحكم فيه الرد الى المحكم منها من غير ان ترد شيئا من المتشابه الى قاعدة من علم لم يكن مستندها من هذه الاربعة ولا الى شيء من عادات النفس واحوالها ولا تعصب لطريق ثبتت ( ثبت خل ) عليه النفس ولا غير ذلك بل بمحض التخليص والتخلص واستعن باهل ذلك ان وجدتهم فان الله من كرمه لا يخلي ارضه منهم وبهم قوامها ومد طرفك وارفع يدك الى من لا يخيب سائله ولا ينفد نائله وحينئذ تعني بقوله تعالى والذين جاهدوا فينا بالنظر في هذه الاربعة والعمل بموجبها لنهدينهم سبلنا سبيل الراحة في الدنيا وسلامة الغيب من الشك والريب وسبيل التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله وسبيل العلم كما اشار اليه الصادق عليه السلم كما رواه الديلمي في اعلام الدين ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا نفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة انتهى وسبيل محبة الله كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث وسبيل العلم بالله وذلك يوجب خوف مقام ربه ويتبصر بعيوب نفسه حتى يشتغل بها عن الناس ولا يعتمد على عمل ويخاف في الطاعة كما يخاف في المعصية وسبيل الفضل والرجاء في الله حتى يشتد طلبه ويعظم امله في ربه ويرجو في معصيته كما يرجو في طاعته وسبيل معرفته في المراتب السبع توحيده ومعرفة معانيه وابوابه ومعرفة الامام عليه السلم واركانه والنقباء والنجباء وبذلك تمام الامر وهو السر في جميع السبل والا فقد نهي عن السبل وحث على السبيل الواحد قال تعالى قل هذه سبيلي ادعو الى الله وقال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فاشرب عذبا صافيا فان لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا
قال سلمه الله تعالى : ومعرفة روحانية الاسماء من الملأ الاعلى وخدامها
اعلم ان معرفة استخراج روحانية الاسماء لها طرق كثيرة باعتبار اختلاف تكسير الاسم وبسطه المركب او البسيط وحذف المتكرر بعد العمل واسقاط الزمام العائد من الوفق الحرفي او عدم حذف المتكرر وباستنطاق الزوايا والمركز والضلع والمساحة وغير ذلك او غير ذلك من الوجوه مما يطول فيها الكلام ويخرج بنا عن المرام ولنمثل بمثال استخراج الارواح من المثلث العددي لخفته واوليته في الاوفاق الاسمية فنقول اذا اردت استخراج الملئكة من الاسم الموضوع اعداده في المثلث مثلا فاعرف اولا المفتاح وهو في المثلث كما ترى وهو اي المفتاح ١ وهو في البيت الثاني من السطر الثالث والمغلاق وهو التسعة والعدل وهو مجموع المغلاق والمفتاح اعني ١٠ والوفق وهو عدد ضلعه ١٥ ومساحته وهو ٤٥ والضابط وهو مجموع عدد الضلع والمساحة وهو ٦٠ والغاية وهو ضعف الضلع والمساحة وهو ١٢٠ والاصل وهو حاصل ضرب غايته في مغلاقه وهو في هذا المثال ١٠٨٠ فهو اصل المثلث وهو الاصل الكلي الذي تحمل عليه بقية المراتب السبعة فتطرح منه عدد الملحق العلوي او السفلي ويستنطق ويضاف اليه ذلك الملحق فيكون منه الملك او الشيطان فاذا وعيت هذه المراتب الثمانية واردت ان تستخرج الملئكة او الاعوان الشيطانية فتحمل المفتاح وهو واحد على اصله الكلي وهو الف وثمانون كما ذكرنا فيكون المجتمع ١٠٨١ فاطرح منه الملحق العلوي وهو على الاكثر احد وخمسون وقيل احد واربعون وقيل احد وثلثون وصورته على اربعة وجوه قيل ايل وقيل يال وقيل ال وقيل اييل وهو الذي تمثل به والملحق السفلي قيل طيش وهو الذي تمثل به وقيل طش وقيل طاش فاذا اسقطت من ١٠٨١ احدا وخمسين بقي ثلثون والف فاذا استنطقته كان غل فاذا اضيف اليه الملحق كان اسم الملك الاول وهو غلائيل واذا اطرحت من ١٠٨١ عدد الملحق والسفلي وهو ٣١٩ بقي ٧٦٢ فاذا استنطقته كان ذسب فاذا اضفت اليه الملحق السفلي كان اسم الشيطان الاول وهو ذسبطيش وهو خادم ذلك الملك على السفليات وان حمل مغلاقه على اصله الكلي وهو ١٠٨٠ كان ١٠٨٩ فاذا اسقطت منه الملحق العلوي ( العلوي ٥١ خل ) واستنطقت الباقي غلح ومع الملحق غلحائيل وهو الملك الثاني واذا اسقط ( اسقطت خل ) منه الملحق السفلي بقي ٧١٩ ( ٧٧٠ خل ) وهو ذيط ( ذع خل ) ومع الملحق السفلي ذيططيش ( ذعطيش خل ) وهو خادم غلحائيل وان حمل عدله ( عدله ١٠ خل ) على اصله الاصلي كان الجميع ١٠٩٠ وبعد اسقاط عدد الملحق العلوي والحاقه به غلطائيل وهو الملك الثالث وبعد اسقاط عدد السفلي ( السفلي ٣١٩ بقي خل ) ٧٧١ واستنطاقه والحاقه ( الحاقه به خل ) ذعاطيش وهو الاسم الشيطاني ( الشيطاني الثالث خل ) خادم الملك الثالث واذا حمل وفقه ١٥ على اصله ١٠٨٠ كان ١٠٩٥ وبعد الاسقاط والاستنطاق والالحاق غمدائيل وهو الملك الرابع وبعد اسقاط عدد السفلي والاستنطاق والالحاق ذعوطيش وهو الخادم الرابع للملك الرابع واذا حملت مساحته ٤٥ على اصله ١٠٨٠ كان بعد الاسقاط والاستنطاق والالحاق غفدائيل ( غعدائيل خل ) وهو الملك الخامس واذا طرح عدد السفلي ( السفلي ١٣١٩ خل ) كان بعد الاستنطاق والالحاق ضوطيش وهو الخادم الشيطاني الخامس للملك الخامس واذا حمل ضابطه ( ضابطه وهو ٦٠ خل ) على اصله كان بعد الاسقاط والاستنطاق والالحاق غفطائيل وهو الملك السادس واذا طرح منه عدد السفلي ( السفلي ٣١٩ خل ) كان بعد الاستنطاق والالحاق ضكاطيش وهو الشيطاني السادس خادم الملك السادس وان حمل غايته ١٢٠ على اصله ١٠٨٠ كان ( كان ١٢٠٠ خل ) بعد اسقاط العلوي والاستنطاق والالحاق غقمطائيل وهو الملك السابع الحاكم على الستة السابقة واذا اسقط ( اسقط السفلي خل ) كان بعد الاستنطاق والالحاق ضفاطيش وهو العون الشيطاني الحاكم على الستة الاعوان السابقة وهو خادم غقمطائيل وبهذين تقسم على السابقين وتزجرهم فافهم الرموز وكن بها ضنينا فانها من الاسرار الغامضة واعلم انها الكبريت الاحمر لسرعة تأثيرها وبهذه الطريقة تستخرج ارواح جميع الاوفاق العددية ثم اعلم ان الاستقصاء على الوجوه من العددية والحرفية المفردة والمركبة يطول به المقال والفائدة من هذا المثال وهو يحصل بهذا وعليه نقتصر
قال سلمه الله تعالى : وكذلك المعادن والسيارات كل في وضعه لينتج لنا مقابلة العالم الكبير بالعالم الصغير بالصناعة
اقول اما الاشارة الى المعادن والسيارات من حيث ذواتهما فقد مضت فيه اشارات اليهما فراجعها واما السيارة والمعادن من حيث التأثير والمقابلة فالذهب بالشمس والفضة بالقمر والزيبق بعطارد والحديد بالمريخ والنحاس بالزهرة والقصدير بالمشتري والاسرب بزحل فطبيعة النجم كطبيعة معدنه في الصناعة كما يظهر الا ان اهل الصناعة حكموا على ان المريخ بارد رطب واهل النجوم عندهم حار يابس واما الحديد ففي ظاهره لانه ( فانه خل ) ذهب وباطنه فضة وانما حكموا على المريخ بانه ( بانه حار يابس لظاهر فعله وللونه ولذا كان ظاهر الحديد ذهبا وانما حكم اهل الصناعة بانه خل ) بارد رطب لباطنه لانه فضة كالحديد في باطنه وروي انه بارد رطب سعد وانه نجم امير المؤمنين عليه السلم فيتطابق مراد اهل الصناعة واهل النجوم واهل الشرع قال الله تعالى باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وكذا روي في زحل وانه نجم امير المؤمنين عليه السلم فحكم اهل الطبع على الظاهر واهل الشرع على الباطن واما الصناعة فاعلم انهم فريقان محقون ومبطلون لان كل عمل وكل شيء تجده ففيه حق وباطل ومن سلك في تدبير ( التدبير خل ) ما ظهر ابطل لقوله تعالى وظاهره من قبله العذاب واما المحقون فدخلوا باطنه وفيه الرحمة ثم اعلم انهم جعلوا فلك الزحل من الارض الاولى ولذا قال الرضا عليه السلم مابعث الله نبيا الا وهو صاحب مرة سوداء صافية انتهى والمراد بذلك اكليل الغلبة بعد التطهير والتصعيد وامروا بنفي الفلك السادس لانه غريب ولا يريدون الاجنبي ولذا قالوا يعني الفلاسفة العرب لا تتحمل نقل الجبال ولا حمل الصخور واعلم انك تأخذ الفلكين معا الا ان احدهما صالح وهو السابع والسادس طالح ولذا اشار ابن ارفعرأس الى ذلك في روضته حيث قال :
فخذه ففيه النار والبحر والثرى ومزن الحيا والنافحات اللواقح
ففرقه تفصيلا الى اثنين صالح فلا خلف بين اثنين فيه وطالح
فاخبر ان السادس طالح وقال ايضا :
لهرمس ارض تنبت العز والغني اذا ما انتفى عنها غريب الحشايش
وبالجملة فاذا فصلت الحجر كما مر واستخرجت زحل والمشتري وازلت المشتري عن زحل ثم صعدته كان هو الارض الاولى ثم تعمد الى المريخ وما تحته وتستخرج منه الزهرة ثم تستخرج عطارد ثم تستخرج الشمس في الزهرة وتغسل الارض الجديدة بعطارد حتى تكون ارضا مقدسة وهو ارض الحيوة التي يدور عليها فلك القمر وصعدها كالاولى واجعلها بيتا لتزويج الزيبقين وارضا لغرس الغصنين ليثمرا بالياقوت واللجين
قال سلمه الله تعالى : الرابعة - ما الشجرة في القران المجيد في قوله تعالى شجرة مباركة زيتونة والشجرة التي ( التي هي في الواد المقدس والشجرة التي خل ) تخرج من طور سيناء والشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة والشجرة الملعونة
ان الشجرة المباركة هي الشجرة الزيتونة ( شجرة الزيتون خل ) بارك فيها سبعون نبيا منهم ابرهيم الخليل عليه السلم فهي كثيرة البركة يؤتدم بدهنها لقوله تعالى تنبت بالدهن وصبغ للاكلين ويسرج به ويوقد بحطبها ويغسل الابريسم برماده وهي اول شجرة نبتت بعد الطوفان لا شرقية ولا غربية من ( اي في خل ) الشام بين المشرق والمغرب او لا يفيء عليها ظل شرق ولا غرب بل هي في سواء الجبل وروي جابر بن عبد الله الانصاري في حديث طويل انها شجرة ( ان الشجرة خل ) محمد بن علي الباقر عليهما السلم ومباركة زيتونة جعفر بن محمد عليهما السلم وفي رواية طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عليه السلم الشجرة المؤمن والشجرة المباركة هي ابرهيم عليه السلام والشجرة المباركة هي محمد صلى الله عليه وآله والشجرة المباركة هي مجمع البحرين الوجوب والامكان اي الظاهر في ظهوره وهي الشجرة الكلية تبارك الله الرحمن استوى برحمانيته على عرشه عرش النور لسلطان الربوبية فاعطى كل ذي حق حقه واجرى لكل مربوب رزقه والشجرة التي في الواد المقدس والشجرة تخرج من طور سيناء هي الارض ( الاولى خل ) وسبق فيها الكلام والوادي المقدس النفس المطمئنة والطور الجسد المطيع الصابر الوادي المقدس القلب السليم والطور هو العقل المستقيم ويقال للشجرة النابتة في الطور الحيواني الناطق وهو ( هي خل ) هيولي الانسان الكريم تنبت في الربيع وهي الشجرة التي استعملها بلصيال ويقال لها حشيشة بلصيال بن جور ( حور خل ) الذي عمل قبة الزمان وقد نقل بعض العلماء في كتابه ان الملك الرب ظهر لبلصيال بن جور ( حور خل ) قال له الحقني فاخذه الى موضع محط الثلج والبرد الشديد فاراه هذه الحشيشة واعلم ايها الاخ السعيد انها تنبت في برج الاسد وفي برج القوس فقال له خذ هذه الحشيشة وهي هذه وحطها في قنينة الفا ومأة يوم كل يوم يكتب هذا الاسم باليوناني وترميه بالقنينة وهو هذا
وبعد ذلك زن الذي في القنينة وكل وزن درهمين له اوقية زيبق وحط الزيبق في قدره على نار لينة والق عليه من الحشيشة فانه ينبت على الروياص ذهب فحل ابريز وبالله عليك لا تنسى الفقراء والمساكين هذا ما قال لبلصيال وصفة هذه الحشيشة لونها اخضر اصفر ان شربتها تجده صفة الكمأة وان شربتها قدر ذراع او اقل في الارض تنبت في السنة في طريقين في برج الاسد وفي برج القوس مع الاحواج وفيها منافع كثيرة والحمد لله وحده وصلوته على نبيه صلى الله عليه وآله انتهى اقول ولذلك قال تعالى تنبت بالدهن وصبغ للاكلين لان فيها الماء الاول ذو الوجهين والماء الابيض البراق ماء البئر المصري والصبغ الكوشي ( الكرشي خل ) والارض الزحلية والجسد الجديد هذا يق في الجملة للشجرات الثلث
واما الشجرة الطيبة فروى ابو حمزة الثمالي انه سئل الباقر عليه السلم ( السلم عن خل ) قوله كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء فقال عليه السلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا اصلها وعليّ فرعها والائمة اغصانها وعلمنا ثمرها وشيعتنا ورقها يا ابا حمزة ان الولد ليولد من شيعتنا فتورق ورقة فيها ويموت فتسقط منها ورقة وقال رجل اخر جعلت فداك تؤتي اكلها كل حين باذن ربها قال ما يفتي الائمة شيعتهم من الحلال والحرام وعن ابن عباس هي شجرة في الجنة وقيل هي كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة او كلمة التوحيد او هي بمعنى الاولى عند الحكيم او هي المؤمن او هي شجرة الخلد او هي شجرة المزن وهي شجرة تحت العرش تقطر على البقل والثمر والنبات فما اكلها مؤمن او كافر الا وخرج من صلبه مؤمن وفي صحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلم قال النطفة تقع بين السماء والارض على النبات والثمر والشجر فيأكل الناس منه والبهائم فتجري فيهم وفي الكافي عن ابي اسمعيل الصيقل الرازي عن ابي عبد الله عليه السلم ان في الجنة لشجرة تسمى المزن فاذا اراد ( اراد الله خل ) ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا ثمرة اكل منها مؤمن او كافر الا اخرج الله تعالى من صلبه مؤمنا انتهى واذا قطرت منها قطرة خرقت السموات الى ان تسقط الى الارض وذلك ان جميع ما ( من خل ) في الارض منه سئل اهل الاجابة وهي الافلاك التسعة فاذا اجاب الاطلس جرى بساير المجيبات فله التقدير وله التسخير فكل من التسعة يمده بقبضة من جسده عن طبيعة جسده وفيها شعلة من روحه في تلك القبضة مستجنة فيها استجنان بسيط في بسيط والمحدد يسخرها في تقديرها قال الشاعر :
انظر الى العرش على مائه سفينة تجري باسمائه
واعجب له من مركب دائر قد اودع الخلق باحشائه
يسبح في لج بلا ساحل في جندل الغيب وظلمائه
وموجه احوال عشاقه وريحه انفاس انبائه
فلو تريه بالوري سائرا من الف الخط الى يائه
ويرجع العود على بدئه ولا نهايات لابدائه
يكور الليل عليى صبحه وصبحه يفنى بامسائه
ثم ان حركات الجوزهرات والممثلات والمديرات والخوارج والتداوير في اسراعها ورجوعها واقامتها واستقامتها اختياريها وقسريها تدور على اربع حركات عن اربعة اسماء وهي الله الرحمن الباعث والباطن وهي اركان الاسم هو اسم الذات وهو الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهو الاسم الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة وقطر هذه الشجرة كل قطرة من ورقه واوراقها قائمة باغصانها وعدد اغصانها ستمأة وعشرون الف الف الف الف الف الف الف غصن واربعمأة وثمانية واربعون الف الف الف الف الف الف غصن وواحد واربعمأة الف الف الف الف الف غصن وسبعمأة وسبعة وعشرون الف الف الف الف غصن وسبعمأة وتسعة عشر الف الف الف غصن واربعمأة وتسعة وثلثون الف الف غصن وثلثمأة وستون الف غصن فالاول سبعة عقود والثاني ستة عقود والثالث خمسة عقود والرابع اربعة عقود والخامس ثلثة عقود والسادس عقدان والسابع عقد فهذا عدد الاغصان الكلية وفي كل غصن اغصان جزئية بالنسبة الى الكلية والا فهي كلية بالنسبة الى ما فيها من الاغصان الصغار والاغصان الصغار جزئية بالنسبة اليها وكلية بالنسبة الى الاوراق واما عدد اوراقها اعني كم فيها من ورقة لا تصلح لغير واحد ولا تقطر منها الا قطرة واحدة فبان تقترن الى كل غصن كلي والى كل غصن جزئي فيه والى كل ورقة لا تصلح لقطرتين عدد نجوم السماء في كل رتبة مما مضي وما يأتي والى ما بين كل شيئين حتى ينتهي كل قران ونسبة بين كل نجم وكل غصن كلي او جزئي من افراد الكلي في كل الافراد مجموعة ومتفرقة وهذا لا يدخل في علم ما في الوجود المقيد وذلك مما تفرد به العليم الخبير ولهذا انسد باب الغيب عما في الوجود المقيد مما حواه الوجود المطلق والمشية مما تفور به فوارة القدر والبدأ من اثار ذلك الاسم الذي هو صبح الازل وهذه الشجرة هي صورة للشجرة الكلية المباركة
وفي مقابلة هذه الشجرة التي هي شجرة المزن شجرة تخرج في اصل الجحيم طلعها كأنه رؤس الشياطين تنبت في سجين طينة خبال ارض الجحيم اصلها الاعلى قرار واول نبات ورقها تحت الثرى التي ( الذي خل ) لا يعلمه الا الله وتتم تلك الورق في الثرى فيتصلصل قطرها في الطمطام ويتصاعد كالابخرة من بين معترك تلك المركبات الخبيثات فيأخذ في ادبارها صاعدة لتلاطم امواج بحور تلك المركبات ويتكون في دركات النيران وتنسحق في عواصف الريح العقيم وتتعفن بالبحر الاجاج ويحيى بحيوة الهالكين وتكور في محول السنين وترتسم في سجين وتالف ( تأتلف خل ) بين الزمهرير والسعير ثم يتخطفها جنود الشياطين وتسير بها في كل واد سحيق من السبع الارضين حتى تظهر في النبات والثمار والبقولات فما اكلها احد مؤمن او كافر الا وخرج من صلبه كافر لعين وتلك هي الشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار وهي كلمة الكفر الاولى وكلمة الكفر الاخرى من فروعها كما ان تلك الشجرة الطيبة بعكسها في كل ما لها وتصرف في تأويل ذلك على اي معنى اذا عرفت الارض وجهات التصرف كما رواه في معاني الاخبار عن داود بن فرقد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول انكم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتصرف على وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب ه
واما الشجرة الملعونة فهي الشجرة الخبيثة باطنا ولكنها لما قال فيها والشجرة الملعونة في القران لان اكلها ليس من اصحاب اليمين الذين قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله في حقهم فسلام لك من اصحاب اليمين بل هم ممن قال تعالى ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وهم رؤس الشياطين وهم ثمرها قال تعالى طلعها كأنه رؤس الشياطين فبلعنهم سميت الشجرة الملعونة المطرودة من الرحمة بعد ان قربت بالادبار الى امكان الاقبال وعرضت عليهم الرحمة فلم يقبلوا فطردهم عن الرحمة عبارة عن ايجاب حكم مقتضي عدم قبولهم لها فان من لم يقبل ما يقربه فقد ابعد نفسه لتركه القرب وباصلها في الخبيث وعدم تحققها في اصل الوجود وانما هي موجودة بالعرض وانما وجودها دعوى بلا حقيقة ولا برهان لها فبذلك كانت خبيثة فالطيبة اصلها ثابت والخبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء فمعني يضل الله الظالمين ايجاب الحكم عليهم بمقتضي شأن بدئهم في علم الغيب وهو ابعادهم انفسهم بتركهم ما يقربهم فافهم وعن ابي عبد الله عليه السلم انه صلى الله عليه وآله رأى قرودا اربعة عشر قد علوا منبره واحدا بعد واحد فلما اصبح قص رؤياه على اصحابه فسألوه عن ذلك فقال صلى الله عليه وآله تصعد منبري هذا بعد جماعة من قريش ليسوا لذلك اهلا قال الصادق عليه السلم هم بنوامية ه وقيل هي شجرة الزقوم وقيل هي السكوت ( السكون ) لا اصل له ( لها خل ) ثابت ولا فرع له ثابت وقيل هي شجرة الحنظل وبالجملة فالمقصود موجود
قال سلمه الله تعالى : والواد المقدس والارض المقدسة قد مضت الاشارة الى هذا كما قلنا سابقا ان الواد المقدسة القلب السليم المملو بالرضا والتسليم والارض المقدسة النفس المطمئنة الراضية المرضية الوادي المقدس بيت التوليد والتناكح والانوار الفرفيرية والارض المقدسة الجسد الجديد
قال سلمه الله تعالى : والتسعة المفسدة في الارض والعشر ( العشرة خل ) الجبال والجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما وقدس الله عليه عيسى تقديسا واتخذ ابرهيم خليلا ومحمدا حبيبا والطيور الاربعة والثلثين اليوم والاتمام بالعشر ( بالعشرة خل ) والنعل الذي خلعه موسى والاثني عشر ( الاثني عشرة خل ) في عدة الشهور والاربعة الحرم
اقول التسعة المفسدة في الارض اعداء صالح عليه السلم اشارة الى المولود الكريم الصالح يخرجون من الارض ويهلكون في تسع تساقي كل واحد في تسقية الاول والثاني والثالث بقدر ربع الارض والستة الباقية ( الباقية كل خل ) بقدر سدس الارض وفي كل واحد يخرج مفسد ويهلك في ثلثة ايام اليوم الاول يوم التزويج والمعدن والثاني يوم الجواري والنبات والثالث يوم التركيب والحيوان فقال تمتعوا في داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب فاصبحوا في الاول مصفرة وجوههم وفي الثاني محمرة وفي الثالث مسودة وهذا حكم وطبع وان خالف المحسوس واسماء هذه التسعة قدار بن سالف ومصدع بن مهرج واخوه واب بن مهرج وغنم بن غنم وعمير بن كورية ( كرديه خل ) وعاصم بن محزمة وسبيط بن صدقة وسمعان بن مصفي والهذيل بن عبدرب فاما اليوم الاول من الثلاثة فيخرج ( فيخرج فيه خل ) من الارض ثلثة والثاني ستة واليوم الثالث يهلك في اوله ثلثة في ثلث تساقي فيظهر القمر المنير وفي اخره يهلك الستة الباقية في ست تساقي فيظهر المولود بكسوة الفرفير وهو المولود الصالح وكان هذه التسعة المفسدة خلف تسعة من الجبال العشرة وعن شمائلهم حتى ان كل جبل يمينه مصلح وشماله مفسد
والجبال العشرة اكبرها الطفها وابقاها وهو قلب المؤمن ومحدد الجهات والصاقورة العليا ومركب العلل وعلوم الكيف واللم وعرش الاستواء الرحماني والمنظر الاعلى والثاني صدر العلم قال تعالى بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم والكرسي الواسع للسموات والارض والكتاب المسطور والثالث سماء الامان وسلم الايمان وبرج كيوان وجبل ظهور النور والاستعلان ومطيع الرحمن وطريق الجنان والرابع خزنة ( خزانة خل ) العلم ووعاء الحكم ومظهر العلم وحجاب الزبرجد وفلك الكوكب الاسعد والخامس جبل السطوة ومظهر القهر العزرائيلي والحجاب الاحمر والسادس جبل الهيولي الثانية ومنبع الوجود الفياض والسابع جبل الاكوان الملكوتية المحفوظة في الخزاين الالهية والثامن جبل الهياكل الرقمية المنزلة بالقدر المعلوم والتاسع جبل الحيوة التي حييت بظله الحيوانات والعاشر جبل الطور والقاف المذكور وهذه الجبال العشرة عاشرها حاملها وتاسعها مثل العاشر والعاشرة على ظهر التاسع وهما سواء والثامن والسابع يجمعهما في الظاهر مقدار واحد من هذه والستة الباقية يجمعها مقدار واحد في الظاهر الا ان لكل واحد من هذه العشرة حكما ويكون له وبه طبع غير الاخر والعاشر يجمعها ويضمها اليه وذلك معنى قولهم ان واحدا سيغلب تسعا من بنات البطارق ولا ريب ان جبل قاف محيط بالدنيا
واما الجبل الذي كلم الله عليه موسى (ع) فهو جبل طور سيناء وجبل حوريث فتفقده بكل معنى فقد مر الى جميعها الاشارة
واما الجبل الذي قدس عليه عيسى فهو جبل ساعير كذلك وقيل ساعير جبل بالحجاز يدعى جبل الشراة كان عيسى على نبينا وآله وعليه السلم يناجي الله تعالى عليه وعنده اجابة الدعاء وقيل ساعير قبة كانت مع موسى على نبينا وآله وعليه السلم كالتخت للملك
واما الجبل الذي اتخذ الله عليه ابرهيم عليه وعلى محمد وآله السلم خليلا يعني الذي ظهر له عليه فهو الربوة من مني في مسجد الخيف او في ايليا وهي مدينة القدس او في جبل فلسطين عند بئر شيع وهو ( هو البئر خل ) الذي حفره وبني عنده مسجدا
واما الجبل الذي ظهر فيه محمد صلى الله عليه وآله فهو جبل فاران من جبال مكة بينه وبينها يوم كذا في الخبر عن الرضا عليه السلام ظهر فيه بربوات المقدسين فوق احساس الكروبيين
والطيور الاربعة ديك وغراب وطاوس ونسر او حمامة والوانها احمر واصفر وابيض واسود وطبايعها حرارة ورطوبة وبرودة ويبوسة وعناصرها نار وهواء وماء وتراب وملائكتها جبرئيل واسرافيل وميكائيل وعزرائيل وسفليها المذهب وميمون وياقوت ورويعة ( زويعة خل ) والمراد بالطيور الاربعة المأمور بذبحها اعداؤك اذا ذبحتها حييت لك اصدقاء ناصحين ديك شهوة هواك وغراب حرص شيطانك وطاوس زينة دنياك ونسر عجب نفسك
واما الثلثون اليوم فهي ذوالقعدة التي صامها موسى عليه السلام في طور سيناء لتلقي التورية لان اليوم الاول للعشرة المشار اليها بالجبال يوم طبايعها والثاني هو الذي خلقت فيه عناصرها والثالث هو الذي نمت فيه نباتها ( نباتاتها خل ) فهذه ثلثون يوما واما الاتمام بالعشر فهو بعشر ذي الحجة وهي اليوم الرابع لتلك العشرة الجبال وفي هذا اليوم حيوة تلك الجبال وهي التي اقسم الله بها حيث قال تعالى والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل اذا يسر فالفجر فجر جمع وهو المشعر ( المعشر خل ) ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ان قران الفجر كان مشهودا وهو الامام الشهيد ( المستشهد خل ) في نينوي تشهده ملئكة الليل وملائكة النهار وملائكة السلم وملئكة النصر والليالي العشر الحسن (ع) والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلم قعدوا كما امروا والشفع هو الزوج وهو علي عليه السلم لان العصر هو الضم قال تعالى والعصر ان الانسان لفي خسر والوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وهو البرزخ بين البحرين الممزوجين والشفع يوم التروية والوتر يوم عرفة فافهم والليل اذا يسر فاطمة عليها السلم عاشت بعد ابيها اربعين يوما او خمسة وسبعين يوما او ما شاكلها من المدة القليلة فهذه العشرة تمام الميقات فنزلت التورية بعد الميقات وكان قد اخفاها موسى عليه السلم عن بني اسرائيل فتنة لهم وذلك عن امر سبق من الله والا فقد وعده الله بالاربعين ثم وعده بالثلثين واتمها بعشر وامر بكتمانها استنطاقا لما فيهم مما علمه ( علمه منهم خل ) كما اقتضته من ذواتهم من علمه بهم فكانت هذه العشرة حيوة الثلثين كل واحد منها حيوة ثلثة وتلك الثلثة جبل من الجبال العشرة غير تام يعني لم تنشأ خلقا اخر الا بواحد من هذه العشرة
واما النعل الذي خلعه موسى عليه السلم فروي سعد بن عبد الله القمي فيما سئل به صاحبالزمان عليه السلم انه قال (ع) ان موسى (ع) كان بالواد المقدس فقال يا رب اني اخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لاهله فقال الله تبارك وتعالى اخلع نعليك اي انزع حب اهلك من قلبك ان كان محبتك لي خالصة وقلبك من الميل الى من سواي مشغولا الحديث ومن روي انها كانت ( انه كان خل ) من جلد حمار ميت فليس على ظاهره لرفع ( لترفع خل ) مقام موسى (ع) عن ذلك كما ذكره الحجة عليه السلم وانما هو كناية عن صفة ظاهرة وانما قيل جلد حمار لانها عرضية والحمار كناية عن البليد والميت كناية عن الهالك وهي صفوريا بنت شعيب (ع) لخبثها وخروجها على وصيه يوشع وقتالها له ظالمة ( ظالمة له خل ) فلعدم انتفاعها لصحبة موسى (ع) وقربه مع ما تشاهد من المعجزات كانت كمثل الحمار يحمل اسفارا و( والاسفار خل ) اسفار التورية يعني حاملها فلما خلعهما كانتا عقربين لانهما سنخ النمام وصفته فلما القيهما الانسان من صحبة الانسانية جرى عليهما المسخ فجرى ميل قلبه وميل نفسه اليهما حين القيهما فمسخا بذلك الامر الالهي وسنته ( سنة خل ) ومثلا للاخرين سنة الله في الذين خلوا من قبل ولنتجد لسنة الله تبديلا وقد جرى كما ترى فافهم
واما الاثني عشر في عدة الشهور فان المراد بها قصبة الياقوت والاصل ان الشمس تجري في الفلك وتقطعه في اثني عشر شهرا مثال لظهور شمس الوجود التي هي وجه الواجب في هذه البروج الاثنتي عشر وذلك لان الاسم المشار اليه كان على اربعة اركان فاخفى الله منها واحدا واظهر ثلثة لفاقة الخلق اليها ولكل واحد من تلك الثلثة اربعة اركان الخلق والرزق والموت والحيوة فهذه اثنا عشر ركنا ولكل ركن ثلثون اسما فهذه ثلثمأة وستون اسما وهذه الاثنتي عشر البروج وهي الاشهر الاثنا عشر والائمة الاثنا عشر الذين تظهر فيهم الولاية الكبرى الازلية بتمامها في الظهور واحدا بعد واحد والاربعة الحرم ذوالقعدة وذو الحجة وعاشورا ورجب ثلثة سرد وواحد فرد علي والحسن والحسين والفرد الحجة سلام الله عليهم اربعة اشهر امروا بالقعود فيها عن القتال فلم يمتثلوا وقاتلوا فيها اولياء الله فلذلك قال الله تعالى ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم فالاول من الاربعة ذوالقعدة وفيه دحو الكعبة وذلك هو علي عليه السلم والثاني ذوالحجة وهو الحسن عليه السلم والثالث المحرم وهو الحسين عليه السلم والرابع رجب وهو الحجة عليه السلم قال عليه السلم يا عجبا كل العجب بين جمادي ورجب قال يا امير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه قال ثكلت الاخر امه واي عجب يكون اعجب من اموات يضربون هام الاحياء الحديث
واما قوله : والايام في قولهم عليهم السلم لا تعادي الايام فتعاديك فالمراد بها الاركان الاثنتي عشر من الاسماء الثلثة اعني الله العلي العظيم وذلك ان الوجود الذي هو الرابطة بين الظهور والبطون ظهر الحق فيه به ان كان ( له فكان خل ) ذلك الظهور في اربعة عشر يوما كل يوم بعد يوم على سبيل البدلية والانتقال وهي في الحقيقة وصل وجمع وجمع جمع ووحدة بل احدية وتلك المراتب باعتبار الكثرة هي مثاني السبعة الايام في الاسبوع فاما باعتبار ايام الشأن وايام الايلاج واما باعتبار الليل والنهار واما باعتبار الحركة القسرية والحركة الاختيارية واما باعتبار الغيب والشهادة واما باعتبار السيادة والعبودية الى غير ذلك فالمراد بالايام مقامات الله التي لا تعطيل لها في كل مكان ومظاهره في مراتب الوجود بها ومعناها آل محمد صلوات الله عليهم روي الصدوق (ره) باسناده الى الصقر بن ابي دلف انه سأل اباالحسن الهادي الثالث عليه السلم حين سأله المتوكل عن قول النبي صلى الله عليه وآله لا تعاد الايام فتعاديكم ما معناه قال عليه السلم نعم الايام نحن ما قامت السموات والارض فالسبت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله والاحد امير المؤمنين عليه السلم والاثنين الحسن والحسين والثلثا علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والاربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وانا والخميس ابني الحسن والجمعة ابن ابني والله يجتمع مصائب الحق فهذا معنى الايام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الاخرة ورواه بطريق اخر ورواه هبةالله الراوندي في كتاب الخرايج والجرائح وفيه قال نعم انه لحديث رسول الله صلى الله عليه واله واما السبت فرسول الله وساق الحديث وفي اخره والجمعة القائم منا اهل البيت صلوات الله عليهم ه
قال سلمه الله تعالى : وفي قولهم تحذر من الايام سبعا كواملا
اقول المراد بها ايام الشهر المعروفة بين الناس وهذه السبعة الايام التي هي الثالث والخامس والثالث عشر والسادسعشر والاحد والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون ويستولي عليها حكم رجال الغيب فلا يكاد يصلح فيها عمل كما روي عن الصادق عليه السلم مما هو مذكور في محله وذكر شيء منها يطول به الكلام وهذه السبعة وردت في الشهر وورد في السنة اثنيعشر يوما كل شهر يوم وروي عن الصادق عليه السلم ان في السنة اثني عشر يوما من اجتنبها نجا ومن وقع فيها هوى فاحفظوا وفي كل شهر منها يوم ففي المحرم الثاني والعشرون وفي صفر العاشر وفي ربيع الاول الرابع وفي ربيع الثاني وجميدي الاولى ( جمادي الاولى خل ) الثامن والعشرون وفي جميدي الثاني ( جمادي الثانية خل ) ورجب الثاني عشر وفي شعبان السادس والعشرون وفي رمضان الرابع والعشرون وفي شوال الثاني وفي ذي القعدة الثامن والعشرون وفي ذي الحجة الثامن ه وورد في كل شهر يومان روي عن امير المؤمنين عليه السلم كما نقله المحدث الكاشاني انه عليه السلم قال ان في السنة اربعا وعشرين يوما نحسات رديات لا يتم الامر الذي شرع فيها ولا يعيش الطفل الذي ولد فيها ولا يظفر الغازي الذي غزا فيها ولا تنمو الشجرة التي غرست فيها وفي كل شهر منها يومان ففي المحرم الحادي عشر والرابع عشر وفي صفر الاول والعشرون وفي ربيع الاول العاشر والعشرون وربيع الثاني الاول والحادي عشر وفي جميدي الاول ( جمادي الاولى خل ) الاول والحادي عشر وفي جميدي الثانية ( جمادي الثانية خل ) الاول والحادي عشر وفي رجب الحادي عشر والثالث عشر وفي شعبان الرابع مع العشرين وفي رمضان الثالث مع العشرين وفي الشوال السادس والثامن وفي ذي القعدة السادس والعاشر وفي ذي الحجة الثامن مع العشرين ه فعلى هاتين الروايتين يكون في الشهر ثمانية او تسعة او عشرة وقد تزيد ككون القمر في العقرب وغيرها وككون سلوك الطريق في مقابلة رجال الغيب حتى ينصرفوا عنها ذلك اليوم وغير ذلك مما هو مذكور في محله
قال سلمه الله تعالى : وفي قولهم عادانا من كل شيء شيء حتى من الطيور العصفور وفي الايام الاربعاء
فاقول قد روى محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلم ذلك في شأن العصفور وان العصافير من سنخ الثاني فلما اتته تستسقيه قال عليه السلم ( لها لا خل ) ولا كرامة وفي رجوعه (ع) احاطت به وقد خالطتها القنابر فسقاها لاجلها وامثال ذلك مما ورد فيها واما يوم الاربعاء فلعل المراد منه اربعاء لا يعود كما يدل عليه ما نقل عن الرضا عليه السلم عن ابائه عن امير المؤمنين عليه السلم ان رجلا قام اليه فقال يا امير المؤمنين اخبرنا عن يوم الاربعاء وتطيرنا منه واي اربعاء هو فقال اخر اربعاء في الشهر وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل اخاه ويوم الاربعاء القي ابرهيم عليه السلم في النار ويوم الاربعاء وضعوه في المنجنيق الحديث وعن ابي الحسن الرضا عليه السلم يقول يوم الاربعاء يوم نحس مستمر وروي عن النبي صلى الله عليه واله بعد ان قال الاربعاء نحس مستمر وسئل عن ذلك قال ان الله جل جلاله رفع اركان جهنم يوم الاربعاء وربع زواياها واشد حرها يوم الاربعاء وما انزل الله من السماء الى الارض رجسا ولا غضبا ولا نقمة الا في يوم الاربعاء وروي عنه صلى الله عليه واله انه قال لعلي عليه السلم احذروا يوم الاربعاء فانه نحس الا للطب والادوية ثم اعلم ان الجمع بين هذين الحرفين الماضيين احدهما لا تعادوا الايام فتعاديكم وثانيهما تحذر من الايام سبعا كواملا وحتى من الايام الاربعاء ظاهر لمن تدبر ما مضى من الاشارة من ان الايام المنهي عن معاداتها هم ( هم الائمة خل ) الاثنا عشر عليهم السلم وان المأمور بالتحذر منها هذه الايام المنحوسة المشار اليها كما مر ظاهرا وباطنا هي الايام المنحوسة التي يجب معاداتها فافهم وروى الطبرسي في اماليه باسناده الى جعفر بن محمد عليه السلم قال قال عليه السلم السبت لنا والاحد لشيعتنا والاثنين لبني امية والثلثا لشيعتهم والاربعاء لبنيعباس والخميس لشيعتهم والجمعة لله عز وجل الحديث فاشار عليه السلم الى بعض الايام المنحوسة هنا وانما خص الاربعاء في ذلك بالمعاداة لما فيه من كمال المطابقة ظاهرا وباطنا فان اهل الاربعاء كان فعلهم افضع ( افظع ظ ) وهي اربعاء لا تعود اذ ليس بعد ذهاب سلطانهم لهم سلطان وهم المحاق التي غاب فيها قمر الولاية واعلم ان السلامة من نحوس هذه الايام في الالتجاء الى تلك الايام التي هي درع الله الحصينة وذمام الله الذي لا يطاول ولا يحاول واما السلامة من نحوس الايام الظاهرة فروى ان بعض البغداديين كتب الى ابي الحسن الثاني عليه السلم يسأله عن الخروج يوم الاربعاء لا يدور فكتب عليه السلم من خرج يوم الاربعاء لا يدور خلافا لاهل الطيرة وقي كل افة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته ه واعلم ان ( ان يوم خل ) الاربعاء لعطارد وهو يكون مع النحس نحس ومع السعد سعد فلذلك كان الاربعاء على اتباع ( اتباع اهل خل ) النحوس من حيث هم اتباع نحوس وعلى اتباع اهل السعود من حيث هم اتباع سعود وهذه الحيثية صدقة واعتقاد ويقين وتفويض ودعاء فعن الصادق عليه السلم قال تصدق واخرج اي يوم شئت وروي حماد بن عثمان قال قلت لابي عبد الله عليه السلم ايكره السفر في شيء من الايام المكروهة مثل الاربعاء وغيره فقال عليه السلم افتتح ( افتح خل ) سفرك بالصدقة واخرج اذا بدا لك واقرء اية الكرسي وروي عن سهيل ( سهل خل ) بن يعقوب الملقب بابي نواس انه قال قلت لابي الحسن علي بن محمد العسكري يا سيدي انه قد وقع الى اختيارات عن الصادق عليه السلم ما حدثني به عبد الله بن الحسن بن مطهر عن محمد بن سليمان الديلمي عن ابيه عن الصادق عليه السلم في كل شهر فاعرضه عليك قال افعل فلما عرضته عليه وصححه قلت له يا سيدي في اكثر هذه الايام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس والمخاوف فدلني على الاحتراز عن المخاوف فيها فربما تدعوني الضرورة الى التوجه الى الحوائج فيها فقال عليه السلم يا سهل ان لشيعتنا بولايتنا عصمة لو سلكوا بها في لجج البحار الغامرة وسباسب البيداء الغائرة بين سباع وذئاب واعادي الجن والانس لامنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا فثق بالله عز وجل واخلص في الولاء لائمتك الطاهرين وتوجه حيث شئت يا سهل اذا اصبحت وقلت ثلاثا اصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول الى اخر الدعاء الى قوله عليه السلم فاغشيناهم فهم لا يبصرون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وقلتها عشيا ثلاثا دخلت في حصن من مخاوفك وامن من محذورك واذا اردت التوجه في يوم حذرت فيه فقدم امام وجهك الحمد والمعوذتين والاخلاص واية الكرسي وسورة القدر وخمس ايات من آل عمران ثم قل اللهم بك يصول الصائل وبقدرتك يطول الطائل ولا حول لكل ذي حول الا بك ولا قوة يمتازها ذو قوة الا منك بصفوتك من خلقك وخيرتك من بريتك محمد نبيك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلم وصل عليهم واكفني شر هذا اليوم وضره وارزقني خيره ويمنه واقض لي في متصرفاتي بحسن العافية ( العاقبة خل ) وبلوغ المحبة والظفر بالامنية وكفاية الطاغية الغوية وكل ذي قدرة لي على اذية حتى اكون في جنة وعصمة من كل بلاء ونقمة وابدلني من المخاوف فيه امنا ومن العوايق فيه يسرا حتى لا يصدني صاد عن المراد ولا يحل بي طارق من اذى العباد انك على كل شيء قدير والامور اليك تصير يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى فتأمل هذا الخبر الشريف وما اشتمل عليه من الارشاد في حصول النجاة والسلامة من حسن الاعتقاد واليقين فيهم والاعتماد فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما الكلمة في قوله وتمت كلمة ربك الحسنى كلا انها كلمة هو قائلها اليه يصعد الكلم الطيب والكلمات التامات والتي تلقيها ادم من ربه والاسماء التي علمها ادم الى غير ذلك من الكلمات القرانية
الكلمة الحسنى التامة على بني اسرائيل هي وعد الله لهم بأن يهلك عدوهم ويستخلفهم في الارض وهي تأويل قوله تعالى وجعلها كلمة باقية في عقبه فبني اسرائيل آل محمد عليهم السلام والكلمة الولاية وخاتم الولاية وهم الذين استخلفهم بما صبروا وجعلهم ائمة وجعلهم الوارثين ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون
واما الكلمة التي هو قائلها هي كلمة سائل الرجعة اذا بدا له سوء اعماله اذا حمل الى قبره وشاهد ما هو قادم عليه قال رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا فيما تركت فيرد عليه الموكلون كلا انها كلمة هو قائلها وذلك انه تقول كلمة الذين كفروا السفلى وانكر كلمة الله العليا
واما صعود الكلم الطيب اليه فبما تحفه من جنود الله النور واولي المراكز العليا منه بدئت واليه تعود بالكمال والكلم الطيب كلمة الشهادتين والصلوات الخمس العلوية والعلوية البيضاء والمقربون من اهل محبته وغير ذلك من الاعمال الصالحة والعاملين والصالحين
واما الكلمات التامات وهي الله النور والزين والجمال والعماد والقوام والصريخ والغياث والمفرج والمروح والمجيب والاله والرحمن الرحيم والكاشف والمنزول به الحوائج وفي مناقب ابنشاذان عن الحارث وسعد بن قيس عن علي بن ابيطالب عليه السلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا واردكم على الحوض وانت يا علي الساقي والحسن عليه السلم الرائد والحسين عليه السلم الامر وعلي بن الحسين عليه السلم الفارط ومحمد بن علي عليه السلم الناشر وجعفر بن محمد عليه السلم السائق وموسى بن جعفر عليه السلم محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين وعلي بن موسى الرضا عليه السلم منير المؤمنين ومحمد بن علي عليه السلم منزل اهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد عليه السلم خطيب الشيعة ومزوجهم الحور ( بحور خل ) العين والحسن بن علي عليه السلم سراج اهل الجنة يستضيئون به والهادي عليه السلم شفيعهم يوم القيمة حيث لا يأذن الله الا لمن يشاء ويرضى وفيه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن ابيطالب صلوات الله عليه يا علي انا نذير امتي وانت هاديها والحسن عليه السلم قائدها والحسين عليه السلم سائقها وعلي بن الحسين عليه السلم جامعها ومحمد بن علي عليه السلم عارفها وجعفر بن محمد عليه السلم كاتبها وموسى بن جعفر عليه السلم محصيها وعلي بن موسى الرضا عليه السلم معبرها ومنجيها وطارد مبغضها ومدني مؤمنها ( مبغضيها ومدني مؤمنيها خل ) ومحمد بن علي عليه السلم قائمها وسائقها وعلي بن محمد عليه السلم سائرها وعالمها والحسن بن علي الهادي عليه السلم ناديها ومعطيها والقائم الخلف عليه السلم ساقيها ومناشدها ان في ذلك لايات للمتوسمين وهي الكلمات التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر
واما التي تلقيها ادم من ربه فقيل هي كلمات علمه جبرئيل وهي ربنا ظلمنا انفسنا وفي تفسير القمي في الصحيح عن ابان بن عثمان عن ابي عبد الله عليه السلم الى ان قال وعلمه يعني جبرئيل الكلمات التي تلقيها من ربه وهو سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك انت التواب الرحيم بقي الى ان غابت الشمس يعني في يوم عرفة رافعا يديه بها فلما اصبح قام على المشعر فدعا الله تعالى بكلمات وتاب ( فتاب خل ) عليه الحديث وروي انهم اسماء اصحاب الكساء ه او انوارهم التي في صلبه وهي الكلمات التامات التي مضت الاشارة الى بعض مقاماتها
واما الاسماء التي علمها ادم عليه السلم فاسماء المخلوقات او مسمياتها او اسماء الكلمات التي تلقيها منه او مسمياتها المدلول عليها بالاسماء اريها ولم ترها الملائكة
واما قوله { الى غير ذلك من الكلمات القرانية } فجوابه ان الكلمات القرانية ( الكلمة خل ) تطلق على اللفظة وعلى اللفظ الكثير وعلى الذوات وعلى الصفات وعلى القوي وعلى جميع ما في الوجود جملة وتفصيلا وكل كلمة في اية فان تلك الاية متكفلة ببيان ما اريد منها لفظا او معنى او اشارة او ايماء او تأويلا الى غير ذلك فحرك تجد
قال وما الصلوة الوسطى والصراط المستقيم وما الليالي العشر والشفع والوتر وما المدهامتان وما السدرة المنتهى و( وما خل ) جنة المأوى وما رأى محمد حين ما رأى
اقول اما الصلوة الوسطى فلها اطلاقات تختلف باعتبار حيثيات فالوسطى باعتبار الاولوية والافضلية صلوة الظهر كما روي عنهم عليهم السلم اذ الاوسط هو الافضل والوسطى باعتبار وسط الصلوة ( الصلوات التي خل ) اولها الصبح واخرها العشاء وهي بهذا الاعتبار صلوة العصر كما في صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها وباعتبار العدد كثرة وقلة وباعتبار الترتيب الطبيعي صلوة المغرب فانها ثلاث لا اربع ولا اثنتان وهي فاطمة عليها السلم وهي الوسطى في اصحاب الكساء امر الله بالمحافظة على مودتها والقيام الى نصرتها عند غروب شمس النبوة ولان اول صلوة فرضت الظهر فتكون الوسطى ( الوسطى هي المغرب خل ) فلذا كان وقتها واحدا ووقتها وجوبها اشعارا في ضيق وقتها بوجوب المبادرة اليها والاهتمام بها وضيق وقتها يقتضي المحافظة ( يقتضي الامر بالمحافظة خل ) عليها وباعتبار احترامها والتأكيد فيها بحيث على ناسيها صيام غده كفارة لنسيانه لها وليس لغيرها هذه المزية وذلك مناسب للامر بالمحافظة عليها هي صلوة العشاء وباعتبار انها تشهدها ملائكة الليل والنهار فتكتب مرتين هي صلوة الصبح ولذا لم يزد فيها اعتمادا على هاتين المرتين اشعارا بسرعة البدار اليها لذلك اعتناء بها واهتماما بشأنها فبهذه الاعتبارات والادلة اختلف في ايها هي وهي من الاربعة التي اخفيت في اربعة وقيل هي صلوة الجمعة وقيل هي الصلوات اليومية في ساير الصلوات
واما الصراط المستقيم فهو الطريق الى الله من جميع اوامره ونواهيه ومعرفة الامام وفي تفسير القمي عن ابي عبد الله عليه السلم في قوله تعالى الصراط المستقيم قال هو امير المؤمنين عليه السلم ومعرفته وفيه عنه عليه السلم في وصفه له فقال الف سنة صعود والف سنة هبوط والف سنة حدال والمراد بالحدال بالمهملتين الميل والانعطاف كالقوس لتتم بالصراطين الظاهر والباطن الدورة الوجودية من قوس الحروف الكونية وقوس الاسماء الوجودية ويلتقي العين في قاب قوسين وفيه عنه عليه السلم هو ادق من الشعر واحد من السيف منهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر عليه ماشيا ومنهم من يمر عليه حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا اقول انما كان ادق من الشعر لانه سطر قلم الابداع ولذلك يكون على اصحاب الافئدة الذين مر بعض وصفهم اوسع مما بين الارض والسماء وانما كان احد من السيف لانه يشق الاقدام الا لمن خف من كثافة بشريته وثقلها وما ذكر عليه من احوال السائرين عليه غير خفي على ذوي الالباب
واما الليالي العشر والشفع والوتر فقد مرت الاشارة اليها فلا حاجة الى اعادته ولا الى الزيادة خوف الاطالة
واما المدهامتان فهما جنتان يكونان ( تكونان خل ) للمقربين في الدنيا اذا ماتوا اوت ارواحهم اليهما وفي حديث المفضل بن عمر انها تظهر في اخر الرجعات عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله وهي الجنة التي هبط منها ادم عليه السلم ووصفتا بالمدهامتين لشدة خضرتهما وذكر المفسرون انها ( انهما خل ) جنة اصحاب اليمين في الاخرة والحق انها للمقربين ولمن تبعهم في محض الايمان من اصحاب اليمين والمراد بهم الخاصون في الدنيا وهي جنة البرزخ الا انها ظاهر لجنة الخلد واذا اردت الدليل والبيان فتدبر قوله تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ولا ريب ان البكرة والعشي انما يكون في الدنيا لا في الاخرة مع انه قال جنات عدن وذلك لان هذه ظاهر تلك ولذا قال تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا يعني في الاخرة فتدبر تفهم
واما سدرة المنتهى فالشجرة الكلية وشجرة العلم وشجرة الاسماء والصفات وشجرة الحروف الكونية وسدرة المنتهى شجرة في السماء السابعة غشيها نور محمد صلى الله عليه وآله ليلة المعراج وكان لجبرئيل عليه السلم ستمأة جناح وقيل ستمأةالف جناح فغمس نفسه في عين الحيوان فانتفض فخلق الله من كل قطرة من كل ريشة ملكا على هيئة الجراد من الذهب فيصعدون الى سدرة المنتهى ويغشونها فيسبحون الله بلفظ واحد سبحان الملك القدوس ذو ( ذي خل ) الجلال والاكرام وقيل سدرة المنتهى شجرة طوبى اغصانها من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وسميت بذلك لانتهاء كل ملك مقرب اليها ونبي مرسل وهي في السماء السادسة والسابعة وقيل الذي يغشيها فراش الذهب وقيل نور مثل جراد الذهب واعلم ان الذهب يراد به الاعتدال وطبع الهيولي الثانية لان السدرة حكم الاولى ويغشيها حكم الثانية
واما جنة المأوى فالجنة التي تأوى اليها ارواح الشهداء وقد مرت الاشارة الى شيء من ذلك
واما ما رأى محمد صلى الله عليه وآله حين رأى فانه رأي جبرئيل عليه السلم في صورته التي خلقه الله عليها مرتين احدهما بالافق الاعلى اي مطلع الشمس على ساقه الدر مثل القطر على البقل له ستمأة جناح و( قد خل ) ملأ ما بين السماء والارض وثانيهما في السماء السابعة عند سدرة المنتهى كما مر والذي رأى محمد صلى الله عليه وآله رأى ان ينصب عليا خليفته على امته ما زاغ البصر وما طغى ولقد رأى من ايات ربه الكبرى قال علي عليه السلم ليس لله اية اكبر مني ولا نبأ اعظم مني
قال سلمه الله : وما النفس الناطقة في الانسان وما النفس الكلية في العالم الكلي والنفس المطمئنة والنفس الامارة والنباتية وليكن الحق مترتبا ( مترتبا ليس خل ) على قدر ما رتبناه بل على حسب ما تراه من الترتيب بعبارة يؤخذ منها التفاسير الستة وليكن غير مطلوب عليك اذا عبرت بعبارة فقل هذا على حسب الظاهر وان شئت قلت كذا على ظاهر الظاهر وان شئت قلت كذا وهلم جرا على ما يمكن من التفاسير
اقول واما النفس الناطقة في الانسان فهي المعبر عنها بقولك انا وهي المشار اليها في الحديث من عرف نفسه فقد عرف ربه يعني ان الشيء انما يعرف بصفته وقد تعرف ( تعرف اليك بك خل ) ووصف نفسه لك بك ونقل ان في الانجيل اعرف نفسك ايها الانسان تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا وفي الحديث القدسي خلقت الاشياء لاجلك وخلقتك لاجلي باطنك انا وظاهرك للفناء وفي كتاب الغرر والدرر عن امير المؤمنين عليه السلم الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع ( مجموع خل ) صور العالمين وهي المختصر من ( في خل ) اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم الى كل خير وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار ورواه ملا محسن في قرةالعيون وغيره وفي جواب امير المؤمنين عليه السلم للاعرابي حين سأله عن الناطقة القدسية فقال عليه السلم قوة لاهوتية بدء ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الذهنية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية سبب فراقها تخلل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدءت عود مجاورة لا عود ممازجة وفي حديث كميل (ره) عنه عليه السلم لها خمس قوي فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة وعنه عليه السلم وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوايل جواهر عللها الحديث واعلم ان الكلام عليه طويل وفيما اوردنا كفاية نعم هنا حرف واحد وهي ان هذه الناطقة اول زوج تركب من الوجود الذي هو نور الله ومن الماهية التي هو ظل الوجود وبهذا المركب تتحقق الانسانية فمن الوجود كونه ومن الماهية انيته وهي ( هي من خل ) كينونة ( كينونة الحق خل ) بمنزلة الصورة في المرءاة من الوجه فمن عرف نفسه عرف ربه فمن عرف الصورة عرف الوجه ومن عرف وصف الصورة عرف وصف الوجه
واما النفس الكلية فهي بمنزلة النفس الناطقة في الانسان وفي حديث الاعرابي عن امير المؤمنين عليه السلم لما قال السائل ما النفس اللاهوتية الملكوتية ( الملكوتية الكلية خل ) فقال عليه السلم قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدءت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته ومنها بدءت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوي وفي حديث كميل عنه عليه السلم والكلية الالهية لها خمس قوي بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدءها من الله واليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل انتهى وهذه هي بمنزلة تلك من الانسان الجزئي الا ان تلك قبضة من هذه لان هذه هي اللوح المحفوظ والكتاب المسطور وهي التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلم بقوله فاذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد واعلم ان هذه قد يعبر عنها بالكرسي الذي هو العلم الظاهر وقد يعبر عنها بمحل المشية الالهية وذات الذوات الى غير ذلك من اسمائها
واما النفس المطمئنة فقد تطلق تارة على ما يقابل العقل بعد قتلها وتعليمها عمل العقل حتى تطمئن وتتخلق به وهذه في الاصل هي النفس الامارة فتكون بالمجاهدة لوامة وهي التي تلوم صاحبها على المعصية بل قد تلومه على الطاعة وعلى المعصية لما فيها من النور فاذا غلبت عليها سطوات الجبروت لامت على المعصية خاصة وهي التي قال تعالى ولا اقسم بالنفس اللوامة فاذا استولت على انيتها سبحات الجبروت حتى فنيت فكلوا مما امسكن عليكم فاذا حييت بالقتل كانت اخت العقل واليه الاشارة بتأويل قوله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة واتوا الزكوة فاخوانكم في الدين ونفصل الايات لقوم يعلمون وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهو العقل فاذا كانت كذلك كانت اخت العقل وكانت مطمئنة اليه بذكر الله
واما النفس الامارة فهي المقابلة للعقل وهي وجه المهية التي ماشمت رايحة الوجود وانما كانت امارة بالسوء لان الوجود ظل الكامل فهو متهيئ للكمال فله نهايات وهي انحاء كمالاته يميل اليها طلبا لكمالاته والمهية ظهره وجدت بالعرض تبعا له فلزمها ما لزمه فهي متهيئة بالطلب ( لطلب خل ) كمالاتها كالوجود الا ان الوجود كماله وجود والعدم كماله عدم فلها نهايات هي انحاء كمالاتها تميل اليها طلبا لكمالاتها من الشرور والاعدام من النفس الامارة كما ان الوجود انما ينظر الى كمالاته من الخيرات من العقل فالنفس امارة بالسوء الذي هو مناسب لوجودها لذاتها
واما النفس النباتية فقوة اصلها الطبايع الاربع وايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطايف الاغذية فعلها النمو والزيادة وسبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدءت عود ممازجة لا عود مجاورة عن علي عليه السلم نقله الملا في قرةالعيون والشيخ المكي في المنازل وفي جوابه عليه السلم لكميل لها خمس قوي ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد انتهى وهي قوة جسمانية لا تجرد فيها بل تقبل القطع الحسي فافهم
وقوله { بعبارة تؤخذ منها التفاسير الستة } يريد بها تفسير الظاهر وظاهر الظاهر والباطن وباطن الباطن والتأويل وباطن التأويل وقد مضى الاشارة الى بعض ذلك فشيء مبين كما اريد وشيء غير مقيد ببيان ولا يمكن فيه غير ذلك ويأتي من ذلك شيء ان شاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : المسئلة الخامسة قول رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا مع علو مقامه وقول علي عليه السلم لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
اقول يريد ما وجه الجمع بين كلامه صلى الله عليه وآله مع انه اعلى مقاما من علي عليه السلم بما لا يخفى وبين كلام علي عليه السلم والجمع بين ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر الله ان يسأله زيادة العلم وسأل هو ربه ان يزيده فيه تحيرا والمراد من طلب زيادة العلم طلب ما لم يعلمه ما يمكن ( مما يكن خل ) في حق الممكن مما لم يكن ومما يطرء من النسخ ومن المحو والاثبات من سر البداء مما لم يكن بعد لدوام افتقار الممكن ابدا ولدوام المدد فما افاض عليهم ففي قبضته وما لم يصل اليهم ففي قبضته وتلك الامدادات ظهوراته بكل لكل ولا غاية لذلك الذي يسمى فوارة النور لان ذلك ينبوع اثار العلم المطلق والقدرة الجامعة والكرم والايادي الواسعة وهو سبحانه يظهر فيما يشاء لمن يشاء ولا غاية ( غاية ثم خل ) ولا نهاية لتلك الظهورات لكونها اثار ربوبية الحق التي هي كينونته التي هي علمه بها ولا غاية لعلمه ولا لصفته ولا لاثر تلك الصفة فان في الاطلاع الى ذلك كمال المعرفة واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وآله بعد هذا اللهم زدني فيك معرفة ولي في مثل هذا المقام كلام في اتيان ( بيان خل ) هياكل التوحيد واثر تعلق العلم بالمعلوم اذا استخرجت الكنز منه عرفت ان ما طلبه صلى الله عليه وآله لا غاية له بل هو وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى وان الامكان المطلوب ( المطلق خل ) الذي هو ظل الكينونة التي هي علمه بخلقه هو منشأ الحيرة المطلوبة فابذل جهدك في فهمه لتحظى بمكنون علمه فان العاثر عليه اعز من الكبريت الاحمر ولا تعد عيناك ( عيناك عنه خل ) فليس وراء عبادان قرية وهو :
بسم الله الرحمن الرحيم قال العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي في بيان ما يمكن العبارة عنه من صفة تعلق علم الله بالمعلومات من حيث هي معلومات اذ بدون تلك الحيثية لا سبيل للممكن اليه وتلك الصفة صفة رسم لا صفة قدم فان القديم تعالى ( يتعالى خل ) عن الحدوث بكل اعتبار والعبارات تعبير وتفهيم وان كان ذلك النظر بعين منه فان ذلك النظر وتلك العين من المعاني وهي فينا من المعاني السفلي وهي من المعاني العليا كالشعاع من المنير وتلك العليا هي التعين الاول وهو اول مظاهر الذات فافهم فاقول اعلم ان الله سبحانه علم المعلومات بعلمه الذي هو ذاته اذ لا شيء غيره بما يمكن في ذواتها وما يمتنع في رتبة الامكان وهو اذ ذاك عالم اذ لا معلوم وعلمه بها هو كينونة الذات على ما هي عليه مما له لذاته بلا اختلاف ولا تكثر وهو الربوبية اذ لا مربوب فاقتضت ذواتها بما هي مذكورة به في كل رتبة من مراتب الوجوب والجواز من الازل الى الحدث الى الابد الذي هو ذلك الازل ما يمكن لها ويمتنع في الامكان في كل رتبة بحسبها من صفة الكينونة التي هي ربوبية تلك الاقتضاءات وتلك الصفة هي نور الكينونة وظلها وتلك الاقتضاءات هي سؤال المعلومات ما لها من تلك الصفة فحكم لها ثانيا حين سألها بسؤالها بما سألته في كل رتبة بما لها فيها وهذا الحكم هو تلك الصفة التي هي ظل الكينونة وهو الربوبية اذ مربوب وبها قام كل مربوب في كل رتبة بحسبها وتلك المعلومات بكل اعتبار لا شيء الا انها لا شيء في الازل بمعنى الامتناع الا بما هي شيء في الحدوث بمعنى الامكان في الامكان واما في الامكان فهي شيء بما شاء كما شاء يعني انها شيء بذلك الحكم وهو ظل الكينونة فاعطاها بحكمه ومشيته ما سألته من الوجود وامكن فيها ما اقتضته من الامكان وان لم تقتضه في الوجود فما ( فيما خل ) لم تقتض وجوده في الوجود تقتضي وجوده في الامكان وهاتان الرتبتان اقتضاء ما يمكن لها من تلك الصفة المذكورة لانه اذا شاء اقتضت ما في الوجود في الامكان وما في الامكان في الوجود لان ذلك هو ما لها من تلك الصفة التي هي المشية التي بها الاقتضاء وذلك حكم الاختيار الربوبي فلم يقتض ( فلم تقتض خل ) الا ما شاء لان مشيته هي الربوبية اذ مربوب وهي صفة الربوبية اذ لا مربوب كما مر ولم يشأ الا ما اقتضته من مشيته وتلازمهما في التحقق الظهوري وتقدم المشية على الاقتضاء ذاتا كمثل تلازم الفعل والانفعال في التحقق الظهوري كالكسر والانكسار وتقدم الكسر على الانكسار ذاتا وان تساوقا في التحقق الظهوري وتلك الربوبية اذ لا مربوب التي هي الكينونة كما مر هي علمه بمخلوقاته اولا وصفتها التي هي ظل الكينونة وظل الربوبية اذ لا مربوب علمه بمخلوقاته ثانيا قال تعالى اشارة الى الرتبتين ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فما شاء من علمه يحيطون بشيء منه كما شاء فافهم وهذا العلم الذي لا يحيطون بشيء منه اي الكينونة هو من علمه بذاته الذي هو ذاته كيدك منك كما في رواية حمران بن اعين عن ابي جعفر عليه السلم وكما في رواية هشام بن الحكم عن ابي عبد الله عليه السلم وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
فتفهم هذا الكلام راشدا موفقا لتعرف مطلوبه الذي يوجب الحيرة التي لا هداية فيها ولا ضلالة ولا معرفة ولا جهالة وهو انغماسه في بحر تلك الصفة التي هي صفة الكينونة الذي لا ساحل له لانه صلى الله عليه وآله كلما تسنم درجة وضع له رفيع الدرجات درجة ولا غاية لذلك
واما قوله عليه السلم لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا مع ان مقامه دون مقام النبي صلى الله عليه وآله للاجماع او ( وخل ) حديث لولاك لما خلقت الافلاك وقول علي عليه السلم انا عبد محمد صلى الله عليه وآله وقوله عليه السلم رسول الله امامنا حيا وميتا وانا من محمد كالضوء من الضوء فتوجيهه من وجوه احدها وهو اظهرها ان المراد بكشف الغطاء الموت والغطاء الجسد غطاء على الروح ولما كان الانسان اذا زكي نفسه بالعلم وجاهدها بالجهاد ( جاهد الجهاد خل ) الاكبر حتى يقتلها كما امره الله تعالى قامت قيامته وكشف عنه الغطاء وعرف موصوله ومفصوله وعرف من اين والى اين واذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد بحيث يكون وجوده علة للاكوان كان موته الذي هو كشف الغطاء الجسماني لا يزيده يقينا لانه قد امات نفسه لقوله هجم بهم العلم على حقيقة الامر فباشروا روح اليقين وانما يزداد يقينا بما سيكون من لم ينكشف له الامر على ما هو عليه في الواقع فلذا قال عليه السلم لو كشف الغطاء اي الجسم من ( عن خل ) الروح بالموت ما ازددت يقينا لعدم جهله بشيء من الاحوال الموعود بها التي لا تدرك الا بعد الموت ولعدم احتمال وقوع نقيض ما اشرف عليه وقول النبي صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا ليس من هذا القبيل فلم يتحقق التناقض ولنقتصر على هذا لظهوره
قال سلمه الله تعالى : والتلفيق بين قوله عليه السلم عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وبين قوله تعالى لموسى لن تراني
اقول اعلم انه ليس شيء بحقيقة الشيئية لذاته الا الواجب تعالى وما سواه فهو شيء بالواجب لا بنفسه ولا بسوى الواجب غيره فمن شهد هذا المشهد فقد رأى الله تعالى ابدا رقيبا عليه لان كل ما سوى الله شيء بالله لا غير ومن لم ير الله تعالى كذلك فقد عمي ( عمي قلبه خل ) عن الحق وحقق ( حقيق خل ) من ( لمن خل ) لم يتحقق تأمل قوله عليه السلم يعني الحسين عليه السلم في مناجاته يوم عرفة في الحرف الذي قبل هذه الحروف قال عليه السلم ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا الدعاء وفيه ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك فبمثل هذا تستبصر امرك
واما قوله تعالى ( تعالى لموسى عليه السلم خل ) لن تراني لما سأله القوم السبعون الذين اختارهم الرؤية واخبرهم انها لا تصح على الله اذ الاشياء انما تدرك امثالها وانما تشير الالات الى نظايرها والحوا عليه فاستأذن ربه ان يسأله ما سألوه ليبين لهم استحالة ما طلبوا بسبب ما يترتب على تلك المسئلة فاخبره تبيينا لهم بما يترتب على ذلك بعد ان اجابه بلن تراني فلا تنافي بين الرؤية في الاول لان المراد تحققه بها ( بها تحققه خل ) بذاته في كل شيء وعدم تحقق ما سواه في كل حال واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلم في قوله تعالى او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد اي موجود في حضرتك و( وفي خل ) غيبتك وهذه رؤية الشهود والمعرفة وبين تلك الرؤية فانها رؤية الحواس والادراك والاحاطة
قال سلمه الله تعالى : والتلفيق بين التوصل له بالتفكر في مصنوعاته وانما سمي العالم عالما لانه يعلم به الصانع وبين قوله عليه السلم اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وقوله عليه السلم يا من دل على ذاته بذاته
اعلم ان معرفة الله على مراتب احدها الاستدلال بالاثار على المؤثر ولذا قال بعضهم انما يسمي العالم عالما لانه يعلم به الصانع اي يستدل به على وجود صانعه وهذه معرفة المتكلمين واهل الظاهر وهذه يفيد وجود الصانع لان الاثر يدل على المؤثر واما قوله عليه السلم اعرفوا الله بالله فهي معرفة اولي الافئدة فالجهتان مختلفتان فلا تنافي ( تنافي نعم خل ) قد يراد بالنظر في المصنوعات التفكر والاعتبار لينتقل بذلك الى مشاهدة ظهور المؤثر في اثاره فاذا شاهد الظهور نفي حيث ولم وكيف وعاين ظهوره بها لها فيكون ذلك معرفة الله بالله الا تسمع الى قول سيدالشهداء عليه السلم في مناجاته دعاء يوم عرفة قال عليه السلم الهي امرتني بالرجوع الى الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير تأمل قوله عليه السلم حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها وقوله مصون السر عن النظر اليها ( اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها ولا نعني بالشهود الا صون السر عن النظر اليها خل ) وعدم الاعتماد عليها وهذا في الحقيقة معنى اعرفوا الله بالله ( بالله اذ معنى اعرفوا الله بالله خل ) ان تعرفه ( تعرفه به خل ) لا بصفة احد من خلقه فلا ند له ولا بعكس شيء من خلقه فلا ضد له ومعنى قولنا ان تعرفه به ان يتوجه سرك الى شيء ثابت بحقيقة الشيئية كما نعت به نفسه من غير اشارة ولا كيف ولا شيء سواه الدال على ذاته بذاته ( بذاته على بذاته خل ) بحيث لا تشهد في وجودك ( وجودك غيره خل ) ولا وجود لك غير وجوده الظاهر لك بك ولا تراه بسواه لان تلك عين منه رأيته ( رأيته به خل ) قال الشاعر :
ومخطوبة الحسن محجوبة فلا تألفن سوى الفها
اذا ما تجلت الى عاشق واهدت اليه شذا عرفها
تغيب الصفات وتفنى الذوات بما ابرز الحسن من وصفها
فان رام عاشقها نظرة ولم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رءاها به فكان البصير بها طرفها
ومعنى اخر هو انك اذا وصف لك شخص قصرا ولم تره ولم تعلم به فقال فيه مثلا خمسة بيوت كبار فانك لا تنكر ذلك وان قال صغار لم تنكر وان قال لك ذلك القصر هل هكذا هو ( هو هكذا خل ) او لا فانك تقول لا اعلم فلا تجد في ( من خل ) نفسك نفيا ولا اثباتا وذلك لانك لا تعلمه ولو قال لك هو قصر مصنوع قلت نعم لانك عرفته بنظائره لا بنفسه والحق سبحانه لو قيل لك هو احمر قلت لا هو ابيض قلت لا هو طويل قلت لا هو كذا قلت لا حتى تعد جميع ما يسعه وجودك وانت تنفيه ولو قيل هو موجود قلت نعم فهذا ادل دليل على انك عرفته والا لم تنف عنه ما لا يليق به فلو لم تعلم بوجوده لماقلت نعم انه موجود ولو عرفته بغيره كما عرفت القصر بغيره من القصور ولم تنكر ما قيل لك في القصر وان كان مخالفا للواقع لانك لا تعرفه وانكرت ما قيل لك في الحق تعالى انه بصفة شيء من الخلق لانك تعرفه ولو عرفته تعالى بغيره لشبهته به ووصفته بصفته فاذا كنت قد عرفته لنفسك ( لنفيك خل ) ما لا يجوز عليه واثباتك لما يجوز عليه ولم تعرفه بغيره كذلك كنت انما عرفته به لا بسواه والاصل في ذلك ان الشيء انما يعرف بصفته لا بصفة غيره فالوهيته انما تعرف بصفتها وصفتها ما اظهر في هويتك من تلك الصفة وذلك هو ظهوره لك بك فتعرفه بما اظهر فيك الذي هو حقيقتك وانما ( انا خل ) اعرفه بما اظهر في هويتي الذي هو حقيقتي من الوجود وهو ظهوره لي بي لا بما اظهر فيك فكل يعرفه بما تعرف له به وليس ذلك شيئا غير ذلك العارف ولذا قال صلى الله عليه وآله من عرف نفسه فقد عرف ربه فالمعرفة بالاثار معرفة وجود ومعرفة الله بالله معرفة شهود
قال سلمه الله : وما التوفيق بين قوله تعالى لئن اشركت ليحبطن عملك وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم والايات الدالة على ان ما عمل اخيرا ينسخ الاول من خير وشر وبين قوله ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
اقول يريد بهذه الايات بيان القول بالاحباط وعدمه واختلاف الايات ظاهرا في مفاد هذا المعنى ولنا كلام في تحقيق هذه المسئلة في اجوبة مسائل الشيخ الاواه الشهيد الشيخ عبد الله بن محمد بن احمد بن غدير البحراني تغمده الله برحمته واحل بقاتله وبال نقمته في بيان بطلان القول بالاحباط بما لا مزيد عليه في التحقيق ولا يداني في التدقيق فمن اراده وقف عليه في رسالتنا المذكورة ولنذكر بعض الاشارة وهي ان الاحباط لا يتحقق في الحسنة المتحققة واما الحسنات التي لم تتحقق يجري فيها الاحباط وعلى هذا يحمل الايات الدالة على ذلك والروايات كذلك والمراد بالمتحقق ما كان اصله ثابتا بأن قصد به وجه الله على الوجه المأمور به وغير المتحقق غير الخالص في اصل دواعيه فان المتحقق لا يضره ما يمر عليه لان اصله ثابت وغير المتحقق اصله مجتث فاذا جائت به ( جائته خل ) ريح الهوى طار كالرماد وفي الكافي عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلم قال قيل له وانا حاضر الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب فقال عليه السلم اول صلاته بنيته اذا كان ( اذا كان اول صلاته بنيته خل ) يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان وفيه في صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلم قال اذا ادي الرجل صلوة واحدة تامة قبلت جميع صلوته وان كن غير تامات الحديث والمراد من قوله ( قوله عليه السلم غير تامات ما هو اعم من الاجزاء بدليل قوله عليه السلم خل ) بعد وان افسدها لم يقبل منه شيء ( شيء منها خل ) ولم تحسب له نافلة ولا فريضة وانما تقبل النافلة بعد قبول الفريضة واذا لم يؤد الرجل الفريضة لم تقبل منه النافلة الحديث فظهر ان معنى الاداء تامة موافقة الشرع وان كانت غير تامة هو الافساد فبين عليه السلم ان الواحدة التامة لا يتطرق اليها احباط لان اصلها ثابت وانما يتطرق الاحباط الى العمل الذي ليس له اصل وان كان يوهم الجاهل انه عمل صالح وليس صالح بل هو باطل في صورة صحيح وليحلفن ان اردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون فقد تكون من مثل هذه اعمال في صورة الحسنات وهي ميتة اذ لا روح فيها من النية الصادقة فاذا قوبلت بالسيئات عادلتها واسقطتها بل هي في الحقيقة سيئات قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فاذا صدر من عبد عمل صالح حقيقي كان اصله متصلا بالنور والا فليس بصالح ومحتد النور لا يلحق به محتد الظلمة ولا تحصل الموازنة وبالجملة فالاحباط يتحقق في غير الخالص لانه ليس بعمل صالح
واما التوفيق بين وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وبين لها ما كسبت الاية فبان الاثقال التي مع اثقالهم هي في الحقيقة من لطخ طينتهم واوزار بدع ابتدعوها فحملوا ثمارها وقال صلى الله عليه وآله ومن يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة وهو معنى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فلا تنافي
قال سلمه الله تعالى : وما التوفيق بين قوله عليه السلم ولكني اتخوف عليكم عذاب البرزخ وبين ما دل على انهم يحضرون الاموات في قبورهم وحسابهم
اقول ان تحقيق هذه المسئلة مما يطول به الكلام ولا يسعه المقام ولكني في راحة من جهة من القي اليه هذا الجواب وهو السائل لانه تكفيه الاشارة والقليل يكفيه عن تطويل العبارة فاعلم ان الاعمال صفات العامل ولكل موجود وجودان فالاعمال وجودها الدنياوي هو ما ترى ووجودها الاخروي ما اخبر به الشارع (ص) من النعيم ونيات العاملين ثلثة وايام الحصاد ثلثة فالاعمال الذي لا روح لها وانما الباعث عليها من النية انما هو في الدنيا للدنيا ويوم حصاد هذا العمل الدنيا واليه الاشارة بقوله تعالى اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب والاعمال التي منشأ بواعثها الخيال فيوم حصادها البرزخ والاعمال التي دواعيها من القلوب والافئدة فيوم حصادها الاخرة ويحصد ( يحصدون خل ) منها في اليومين الاولين قليلا مما يأكلون فمعاصي هذه الفرقة المحقة في الحقيقة كلها او جلها من القسمين الاولين لان صدور المعاصي منهم عن ( من خل ) امر عارض وهو لطخ الطين الخبيثة ونفوسهم طيبة طاهرة فاذا تلوث ( تلوثت خل ) تلك الظواهر طهرت في البرزخ على حسب المقتضي والذين يحضرونهم في قبورهم وحسابهم هم الذين يطهرونهم ليردوا عليهم يوم القيمة طاهرين فلا منافاة
قال سلمه الله تعالى : وما التوفيق بين الاخبار الدالة على ان الناس يحشرون كلهم عريانا ( عرايا خل ) يوم القيمة وبين ما دل على ان المؤمن يخرج مكسيا من حلل الجنة
اقول وهذه المسئلة ايضا اغرب من اختها ولكن التلويح لديه تصريح اعلم ان الارض تأكل ما عليهم من الاكفان وتنقص منهم الارض اعراضهم واغراضهم ويحشرون كما انشئوا اذ قال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة كما بدءكم تعودون فتعودون عراة لا ستر يواري عورات معاصيهم ولا كثافة جسد تغطي اعمالهم عن الناظرين ولا حلة تكتم نتن فائح ذنوبهم بل اسرارهم مكشوفة واحوالهم بادية معروفة قال تعالى ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلمنغادر منهم احدا واما المؤمنون فقد اكتسوا بلباس التقوي ذلك خير فستر الله بها عوراتهم وانوارهم اشرقت باعمالهم وخلة اخوانهم المتقين بيضت وجوههم وطيبت روائحهم وهي حلل من الجنة انزلها سبحانه في الدنيا فلبسوها قال تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون وروى الصدوق (ره) في كتاب مدينة العلم باسناده الى ابي عبد الله عليه السلم قال تنوقوا في الاكفان ( الاكفان فانكم خل ) تبعثون بها ه وفيه اجيدوا اكفان موتاكم فانها زينتهم وروي صاحب كتاب سير الائمة باسناده الى الصادق عليه السلم قال ان ابي اوصاني عند الموت فقال يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا فان الموتى يتباهون باكفانهم الحديث واعلم ان هذا الكفن المعروف اذا كان من مال طاهر كما قال موسى بن جعفر عليه السلم كما رواه المفيد في ارشاده الى ان قال عليه السلم واكفان موتانا من طهر اموالنا وعندي كفني انتهى فانه انما تبلى الارض ظاهرة ويخرج مستترا بباطنه فانهم يتباهون باكفانهم ولا تبلى الارض الا ما كان من جنسها فافهم راشدا موفقا
قال سلمه الله : وما معنى قول جبرئيل (ع) عند موت محمد صلى الله عليه واله هذا اخر هبوطي الى الدنيا فالان اصعد منها ولا انزل ابدا وبين ما دل على نزوله الى الارض
اقول معناه هذا اخر هبوطي الى الدنيا بانزال الوحي لان محمدا صلى الله عليه وآله خاتم النبيين واما نزوله الى الارض بعد ذلك فهي لغايات اخر كاظهار معجز لامير المؤمنين عليه السلم كما نزل في مسجد الكوفة عليه صلوات الله عليه فسأله اين جبرئيل وغير ذلك وكذلك على ابنائه الطاهرين عليهم السلام او نزوله لاسماع الصوت وانزال وحي الالهام وغير ذلك واما نزوله الى الارض بالوحي فهو من خواص الانبياء عليهم السلم وقد مات خاتم النبيين صلى الله عليه وآله
قال سلمه الله تعالى : وما التوفيق بين قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر اخرى وبين قوله تعالى وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم على حسب ما نحن فيه وكل ذلك لاجل المعرفة التي تمكن في حقنا بالنسبة الينا وانتزاع المعرفة من نفسي والترقي الى الموعظة الحسنة ثم الحكمة
اقول قد ذكر ( ذكر قبل خل ) بعض الاشارة الى ذلك ان الاعمال صفة العاملين فلا تكون صفة زيد صفة لعمرو فلو وزر وزره لكان صفته صفته على ان الصفة انما اوجدها الله بموصوفها فلا تكون موجودة بغيره والا لم تكن صفة له فلا يحمل شيء من حمل مثقلة وان دعت الى حملها وهذا حكم معقول ومنقول واما قوله تعالى وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم فهذا معنى قد تكفل ببيانه اخبار الطينة وان هذه الاثقال من لطخ طينتهم فلا تنافي بينها وبين الاولى
واما قوله سلمه الله { على حسب ما نحن فيه وكل ذلك لاجل المعرفة التي تمكن في حقنا بالنسبة الينا } الخ فقد اشير الى مطلوبه على حسب ما يقتضيه الحال الا ما لا يمكن القول به فقالوا عليهم السلم ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه فكل ما حان وقته ذكر وقد اشير الى اشياء ( اشياء كتمتها الاشارات كما خل ) كتمتها العبارات
قال سلمه الله تعالى : السادسة - ان تصف لنا وضع دايرة العقل وما يقابلها من الاسماء والحروف بان يكون قوس اقبل وقوس ادبر وما يقابلهما من الاسماء مثل ما وصفت لك وكذلك الحروف وكذلك دايرة الجهل ليمكن وضعها على النحو الذي اشرت لك فيه
اقول اما معنى دائرة العقل ومقابلها بدايرة الجهل فقد تقدم ذكر ذلك ولم يبق الا صورة ذلك النقشية باعتبار ترتيب انواعها على سبيل التمثيل واعلم ان وراء دائرة العقل التي حدثت من ادبر فادبر واقبل فاقبل وحدثت بحركتي هذه الدائرة دايرة الجهل فبادبار العقل اقبل الجهل وباقباله ادبر الجهل وستقف على مثال كل منهما فتريهما متعاكسين في الحقايق الكونية والاسماء والحروف ووراء هذه دايرة الامر والابداع ولها اسماء في الاصطلاح منها التعين الاول والقلم ( العلم خل ) المطلق والوجود المطلق والوحدة الحقيقية وفلك الولاية المطلقة والتجلي الاول والرابطة بين الظهور والبطون والمحبة الحقيقية والحقيقة المحمدية وقابلية الاولى ومقام او ادنى وبرزخ البرازخ والبرزخية الكبرى واحدية الجمع ووراء هذه الدايرة رتبة الذات والوجوب ولها اسماء باعتبار الاصطلاح منها اللاتعين وازل الازال وغيب الغيوب والوجود البحت ومجهول النعت وعين الكافور وذات ساذج ومنقطع الاشارات والمنقطع الوجداني وغيب الهوية وعين المطلق وذات بلا اعتبار ومرتبة الهوية واما دايرة العقل ظاهرا فهي مشتملة على قوس ظاهر العلم وباطنا مشتملة على قوس ظاهر الوجود هذه صورتها
وهذه دايرة الجهل وكفة السيئات من الميزان الحق وهي بعكس دايرة العقل في الوضع وفي الاقتضاء والاسماء والصفات وفيها عكس كل ما في تلك الدايرة دايرة العقل بحيث لو سقط شيء من دايرة العقل لم يسقط الا على ضده العام من دايرة الجهل وانما لمنذكر اسماء الاقبال والمقابلة بصورة الاقبال والصعود والنسبة اليه ظاهرا لوجهين احدهما ان تلك الاسماء هي معارج الاقبال ودايرة الجهل لا صعود فيها ولا اقبال لها بالذات فلمنذكر الاسماء المقابلة لما فيها من الاعيان وثانيهما ان تلك الاسماء ليست بحسني فلا يجوز نسبتها اليه وصورتها هذه ( وهذه صورتها خل ) واعلم انه قد بدا لنا ان نذكر اسمائها السوأي فانها اصحاب الشمال قال تعالى للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء وتدبر الوضعين يظهر لك المكتوم من البين وينحل عنك شرك الاين وما لم يذكر في هذه الدايرة فلاجل ما قلناه سابقا فتدبر والسلم على محمد وآله الطاهرين
قال سلمه الله تعالى : ما حد الزهد المبغي منا والذي ينبغي لنا والذي ينبغي استعماله
اقول ان الزهد له مراتب باعتبار مراتب الزاهدين : زهد المقربين قال صلى الله عليه وآله لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به خوفا مما فيه بأس وسئل الصادق عليه السلم عن الزاهد ( الزاهدين خل ) في الدنيا قال الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عقابه وزهد اصحاب اليمين ما رواه السكوني عن ابي عبد الله عليه السلم قال قلت ( قلت له خل ) ما الزهد في الدنيا قال ويحك حرامها فتنكبه يعني ان الزهد ترك ما حرم الله وهو زهد اصحاب اليمين واعلم ان الزهد زهد عن الفاني ورغبة في الباقي فطالب الدنيا للاخرة ولما يريد الله زاهد وصدقه ان يتوكل على الله ولا يعتمد على ما سواه قال الصادق عليه السلم ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال ولا تحريم الحلال بل الزهد في الدنيا الا تكون بما في يديك اوثق منك مما ( بما خل ) عند الله عز وجل وكأنه عليه السلم يريد بقوله ولا تحريم الحلال اشارة الى قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق يعني ان الزهد ليس ترك ( بترك خل ) ما احل الله بل ما تثقه ( بالثقة خل ) بما عند الله وعدم الركون الى دار الغرور وشكر النعم وشهودها من المتفضل بها قال ابو الطفيل عامر بن واثلة سمعت امير المؤمنين عليه السلم يقول الزهد في الدنيا قصر الامل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم الله عز وجل ه وشكر النعمة ( النعم خل ) باللسان والجنان والاركان وسُئل علي بن الحسين عليه السلم عن الزهد فقال عشرة اجزاء فاعلي درجة الزهد ادنى درجة الورع واعلى درجة الورع ادنى درجة اليقين واعلى درجة اليقين ادنى درجة الرضا الا وان الزهد في اية من كتاب الله تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتيكم وفي النهج عنه عليه السلم الزهد كله بين كلمتين من القران قال سبحانه وتعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتيكم ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالاتي فقد اخذ الزهد بطرفيه ه
ثم اسمع قوله تعالى ( قول الله خل ) انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال الاية واعلم ان الامانة اقتحام العقبة كما قال تعالى فلا اقتحم العقبة والعقبة على ثلثة احوال عقبة الولاية وعقبة التكليف وعقبة التوحيد فالاولى يعني التوالي بالائمة عليهم السلم فك رقبة بهم وبمعرفتهم تفك الرقاب من النار يتيما ذا مقربة يعني به رسول الله صلى الله عليه وآله وقرباه او مسكينا ذا متربة هو امير المؤمنين عليه السلم ترب ( يترب خل ) بالعلم اي مستغن به كثر علمه كأنه بقدر التراب والمراد بالتراب ما في اللوح المحفوظ مما كتب القلم ( القلم واليه الاشارة خل ) بقوله تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها يعني بموت العلماء فالمراد باقتحام العقبة موالاة يتيم ذا مقربة او مسكين ذا متربة يعني محمدا صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلم والثانية عقبة التكليف وهي على ثلاث عقبات الاولى عقبة الطاعة قولا وفعلا بموافقة الكتاب والسنة بالاخلاص وهي رتبة العوام والثانية عقبة حفظ الجوارح عن ( من خل ) المحارم واستعمالها في الطاعة بموافقة الكتاب والسنة بالاخلاص وهي للخواص والثالثة عقبة حفظ الباطن من الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية بموافقة الكتاب والسنة بالاخلاص وهي للخصيصين وقدمت هاتين العقبتين لكونهما شرطين للثالثة وهي عقبة التوحيد ان تمحو الكثرة فانها موهومة وانت ( انت فيها وخل ) تتوجه الى وحدة بحت وهي وجهه الذي حيثما تتوجه واليه توجهك في حضرتك وغيبتك ومما ينبغي ان تخرق سفينة نفسك بمنقار الناقور وتطهرها من صفات الفجور لتخرج من الظلمات الى النور على يد خضر العقل وكليم المناجاة وتقتل غلام شهوتك وتبني جدار طاعة الله لتستخرج كنز معرفته قال بعض العارفين من خرق سفينة عجبه وقتل غلام تكبره وبني جدار زهده كشف له عن سر معرفته بربه وقال النفس بلقيس والدنيا عرشها والقلب سليمان والاخرة ملكه والعقل الهدهد فسلط يا اخي هدهد العقل بمرسوم النقل على بلقيس النفس وهددها بجنود الحق ولا تقبل منها هدية الخداع وارسل عليها عفريت الخوف ونكر لها عرش شهوتها وامرها بالدخول الى صرح التسليم فاذا قامت عليها الحجة وشهدته صرحا ممردا بعد ما كان لجة فعند ذلك ترجع الى ربها راضية مرضية وتسعد بالسعادة الابدية ( الابدية مثل خل ) النفس كمثل المرأة كلما تجدد لها ثوب ظهرت به للناس ليري عليها او تدعوهم به الى نفسها انتهى ثم اعلم ان الطهارة على ثلثة اقسام طهارة الشريعة بالماء والتراب وطهارة الطريقة بالتوبة عن السيئات وطهارة الحقيقة بعدم رؤية الحسنات والمعرفة على ثلثة اقسام معرفة العبيد ذات وصفات وروح ومعرفة العبادة نية وافعال واقوال ومعرفة المعبود اسماء وافعال وصفات والعلم على ثلاثة اضرب علم شريعة وهو يؤخذ من المنقول بنظر العين او سماع الاذن وطريقته الكسب بالدرس والسماع وثمرته الاخبار عن الله وعلم طريقة يدرك بالقلب بواسطة الالهام وطريقه العمل بالاول مع الاخلاص والمجاهدة وثمرته المعرفة وعلم حقيقة وهو بالسر بفيض الحق من غير واسطة الا نفس ذلك الفيض وطريقه العمل بالاولين وثمرته القرب والانس والمشاهدة فالاول شجرة ثابتة والثاني ثمرة دانية والثالث خاصية الهية باقية فمن ارادها فعليه بتحصيل الثمرة الكاملة وليجتهد في احسانها ومن اراد هذه فعليه بغرس الشجرة واصلاح ارضها وتنقيتها وسقيها وكثرة تعاهدها عن الشوك وعن كل مفسد كالرياح والسبخ وكثرة السقي وقلة المضرين وتب عن ذلك كله توبة نصوحا والتوبة على ثلثة اقسام توبة بالاقوال وهي توبة العوام وتوبة بالافعال وهي توبة الخواص وتوبة بالاحوال وهي توبة خواص الخواص فالاولى عن السيئات والثانية عن الحسنات والثالثة عما سوى الله واعلم ان العلماء قد ذكروا كثيرا من علوم الاخلاق وتهذيب النفس وكيفية سلوك الطريق المستقيم العادل الى الله تعالى في كتبهم واخبار اهل العصمة عليهم السلم مشحونة بذلك فمن اراده وقف عليه
قال سلمه الله تعالى : السابعة - شرح قول الامام الهادي عليه السلم في رسالته لاصحابه في الامر بين الامرين والمنزلة بين المنزلتين وهذه صورته : من علي بن محمد سلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته فانه ورد على كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم ثم سألتمونا ( سألتموني خل ) عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله
اقول هذه الرسالة الشريفة نقلها الشيخ المفيد (ره) من كتاب تحف آل الرسول صلى الله عليه وعليهم وقد اشتملت من بيان المنزلة بين المنزلتين في افعال العباد والرد على اهل الجبر والتفويض على ما لا يوجد مثله من البراهين القاطعة الالزامية من طريق المجادلة بالتي هي احسن وقد تضمنت ادلة الموعظة الحسنة وادلة الحكمة على اكمل وجه
وينبغي ان نقدم قبل الشروع في الكلام عليها كلمات في الاشارة الى بيان رتبة هذه المسئلة وانها لا ينبغي ان يخوض فيها الا الاقلون الذين هم اعز من الكبريت الاحمر واقل من الغراب الاعصم والى بيان اقل ما يكفي من الاعتقاد فيها لغير الاقلين والى بيان حقيقة مبدء المنزلة المشار اليها والى بيان مصدرها ومحلها ومتعلقها وغير ذلك الا ان الكلام في ذلك كله على سبيل الاشارة والاختصار والاقتصار لان بسط الكلام فيها حتى تنجلي لكل ناظر تملأ الاسفار ويفنى الاعمار ويشغل الليل والنهار فاقول اعلم ان هذه المسئلة احد من السيف تشق الاقدام وادق من الشعر تزل الاقدام عند السير ( المسير خل ) عليها لان فيها عقبات كؤد لا يقطعها بسهولة الا محمد واهل بيته سلام الله عليهم حتى انهم نهوا عن الكلام فيه وحذروا كل التحذير روي الصدوق بسنده ان رجلا سأل امير المؤمنين عليه السلم عن القدر فقال (ع) بحر عميق فلا تلجه ثم سأله ثانية فقال عليه السلم طريق مظلم فلا تسلكه ثم سأله ثالثة فقال عليه السلم ستر ( سر خل ) الله فلا تتكلفه ( فلا تهتكه خل ) وعن امير المؤمنين عليه السلم انه قال في القدر ان القدر سر من سر الله وستر من ستر الله وحرز من حرز الله مرفوع من حجاب الله موضوع عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله العباد عن علمه ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية لانه بحر زاخر مواج خالص لله عز وجل عمقه ما بين السماء والارض عرضه ما بين المشرق والمغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وكشف عن ستره وسره وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير ه وانما حذر عليه السلم عنه لان العقل لا يدرك الاستواء فيه لان ذلك فوق العقل ولا تعلم الطريقة المثلي فيه الا بطور وراء العقل وهو الفؤاد المعبر عنه بالتوسم في قوله تعالى ان في ذلك لايات للمتوسمين وبالوجود وبنور الله في قوله عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله تعالى فلا يوجد ( نعم قد يوجد خل ) من يكون عنده ذلك النور ولا يعلم المنزلة ولقد وقفت على كثير من كلام العلماء الفحول من اهل العرفان واصحاب الانوار الشعشعانية كشيخنا الشيخ محمد بن ابي جمهور الاحسائي في المجلي وشيخنا الملا في الوافي وقرة العيون وساير كتبه وغيرهما من العلماء الذين يشقون بمتشابه علومهم الشعر ويستخرجون بغوامض افكارهم من لجج بحار المعاني والاسرار الدرر فاذا وصلوا الى هذه المنزلة خبطوا خبط عشواء وتاهوا في حندسها تيه عمياء ولا يزدادون بالتعمق فيها الا بعدا ولا يهتدون اليها رشدا لان تلك الانوار التي نظروا بها قد مزجوها بظلمة من علوم مبنية على قواعد غير مشيدة بنور الله وانما هي من كلام بعض الحكماء ممن سقط اليه من الحق شيء خفي عليه مفصوله وموصوله فهيأ له مبادي واسبابا رتبها بفكره ومن اقوال بعض العلماء ممن نال شيئا ناقصا فتممه من صدره وسطره ولم يعلموا ان الفكر والعقل وما حواه الصدر من العلم قاصرة عن ذلك اذ لا يدركه الا ما كان منه ولا يعود اليه الا ما برز عنه ولهذا قال الصادق عليه السلم كما رواه المفيد ( الصدوق خل ) (ره) في توحيده عنه عليه السلم لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق اوسع ما بين السماء والارض التي فيها الحق لا يعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم ه والى ذلك الاشارة بما رواه في البصائر عن الصادق عليه السلم ان حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكي وعر لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله قال عليه السلم من شئنا وفي رواية نحن نحتمله ه فابان عليه السلم ان هذه المنزلة بين المنزلتين لا يعلمها احد الا بتعليم العالم وهو الامام عليه السلم فلا يسلكها الا الاقلون وهم المعلمون الذين نظروا بنور الله وكل من سواهم فيكفيه ان يعرف ان الله سبحانه لم يجبر العباد على الافعال ولم يفوض اليهم الامور ( الامر خل ) بل كلف تخييرا ونهي تحذيرا فاذا اعتقد على سبيل الاجمال انه تعالى لم يهمل العباد في افعالهم ولم يجبرهم عليها كما قال الرضا عليه السلم ان الله لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه كان مؤديا لما يراد منه ولا يكلف الخوض في هذه اللجج الغامرة ولا معرفة المنزلة بين المنزلتين بالكنه لتعذر ذلك على كثير من الناس اما الاقلون المشار اليهم فعليهم ذلك لانهم مرابطون على الثغر الذي تهجم منه جنود الشياطين على رعيتهم من المسلمين فانهم اذا قبلوا منهم الرعية حرقت انوارهم جنود الشياطين فعليهم ذلك لتوقف الدفاع عنهم عليه ولا يجوز لهم تركهم لانهم انعامهم كما قال الصادق عليه السلم في تفسير قوله تعالى متاعا لكم ولانعامكم وقال الباقر عليه السلم الناس كلهم بهائم الا قليل من المؤمنين والمؤمن قليل والمؤمن قليل واما مصدرها فاعلم ان اول فائض من الابداع الوجود وهو الموجود من حيث ربه لا من حيث نفسه والمهية وجدت تبعا للوجود وهي الحيثية الثانية اما الوجود فهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو اثر الرحمة قال تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا فالرحمة هي النقطة التي هي السر المقنع بالسر والرياح النفس الرحماني والالف الاولى وبعده السحاب المزجي وهو مذكور في هذه الاية في قوله تعالى يزجي سحابا ثم يؤلف بينه وهي الحروف قبل التأليف والسحاب الثقال المشية والابداع وعالم كن والكاف المستديرة على نفسها والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهذه الاربعة هي مراتب الابداع والمشية وعالم الامر والماء المنزل هو الوجود والبلد الميت ارض الجرز والقابليات والماهيات والزيت المضيء والدواة الاولى والبلد الطيب المهية الطيبة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار والذي خبث من الماهيات لشدة انيته لا يقبل الوجود الا نكدا اي الا ما جرى عليه من الكون لا ما يقربه من اختياره ولا تتوهم ان الماهيات لها وجود قبل الوجود لا في العلم ولا في الاعتبار ولا في الخارج والا لاستغنت عن الوجود لانها انما كانت شيئا بالوجود وشيئيته وهذا حكمها في كل مقام لها من الوجوب والجواز لا يقال انها انما اوجدها كما علمها والا لزم الجبر لانا نقول لو كان كذلك لزم ثبوت شيئيتها قبل الوجود فيلزم قدمها لانها غير موجدة فتعدد القدماء ويلزم انها اعطته علمه بها كما قاله بعض المتمشرقين فيكون محتاجا اليها في علمه بها وانما اوجدها كما علمها على ما هي عليه مما يمكن لها لذاتها وما يمكن لها لذاتها الا ما اقتضته من مشيته لها وماشاءها الا كما اقتضته من مشيته اذ لا شيئية لها الا بمشيته وانما اشتق الشيء من المشية كما قال امير المؤمنين عليه السلم في خطبة يوم الغدير قال اذ كان الشيء من مشيته فلا ثبوت لها ولا شيئية قبل الوجود ولم يشأ الا ما علم اذ لا يمكن في المشية الا ما علم فلا شيئية لغيره الا بمشيته نعم المهية هي شيئية الوجود من حيث نفسه لانه لا شيئية له من حيث موجده فافهم ولي كلام ذكرته في خطبة انشأتها في عيد الاضحى فيه بيان حقيقة هذه المنزلة فتدبره تظفر بمرادك وهو قولي في الثناء عليه تعالى انشأ ما انشأ لا من شيء فيكون معه وابدء ما اراد لا بشيء ( لشئ خل ) والا لما ابتدعه بل خلق الخلق على مستقرهم اذ خلقهم بدعوة سرهم فاعطاهم ما سئلوه من حكمهم وفطرهم اذ شأن المختار اختيار شأن امرهم ولو كان موجبا لجري فعله بقسرهم فتعالي في غني ذاته وعزة افعاله وصفاته عن خيرهم وشرهم بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون انتهى وقد تقدم مرارا الاشارة الى ذلك خصوصا عند الكلام على قوله صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا ولما كانت المهية لا وجود لها الا بتبعية الوجود كانت مشية الله للوجود ولجميع كمالاته اولا وبالذات ومشيته سبحانه للمهية ولجميع كمالاتها ثانيا وبالعرض فتكون مشية العبد للحسنة بالذات لانها من كمالات الوجود من مشية الله لها بالذات لانه تعالى شاء الوجود وكمالاته بالذات ومشية العبد للسيئة بالذات لانها من كمالات المهية من مشية الله لها بالعرض لانه تعالى شاء المهية وجميع كمالاتها بالعرض والمهية ضد العام للوجود وكل شيء من كمالاتها ضد عام لعكسه من كمالات الوجود واما محلها فاعلم انه لما فاض الوجود من كتم الجود انعكست عنه المهية لانها ظلمة ( ظله خل ) وانفعاله عند فعل القادر ويعبر عن الوجود بالنار وعن المهية بالزيت وعنه بالكلام وعنها بالمعنى وعنه بالماء وعنها بالارض الميتة ومجموعهما الانسان ولما كان الممكن لا غناء له عن المدد في حال والا لم يكن حال انقطاعه عن المدد شيئا واليه الاشارة بقوله تعالى وما كنا عن الخلق غافلين وكان مدده من ثمرات اقواله وافعاله واحواله لان الله سبحانه يوجد صفة الشيء بذلك الشيء والا لم يكن صفة ( صفته خل ) بل هي شيء اخر واليه الاشارة بقول عليّ عليه السلم والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ولما كان الانسان مركبا من شيئين متضادين كل منهما طالب لكماله وغذائه ولا يكون الا من جنسه وكان لكل منهما ميل وشهوة الى ما طلب وكسب لذلك السبب تركبت فيه الشهوة المركبة الا ان تركبها على سبيل التعاقب والبدل لانها في الحقيقة شهوتان متضادتان ( متضادان خل ) وللوجود وجه خاص به وباب يستعمله في مطالبه وهو العقل وللمهية وجه خاص بها وباب تستعمله في مطالبها وهو النفس الامارة بالسوء يجمع منشأهما القلب فالعقل عن يمينه والنفس عن شماله وله اذنان وعلى كل حال منهما داع من الرحمن فعلى اليمين داعي العقل وهو ملك مؤيد يلقي اليه المعونة من الله على فعل ما طلب الوجود وندبه اليه من كمالاته الثابتة وذلك الملك صورة الرأس القائم الخاص بذلك الشخص من العقل الاول المنطبعة في المرءاة اليمنى التي هي العقل من قلب ذلك الشخص وعلى الشمال داعي النفس وهو شيطان مقيض يلقي اليه الخذلان بالله لا منه في تزيين فعل ما طلبت المهية وندبها اليه من كمالاتها المجتثة التي لا قرار لها وذلك الشيطان صورة الرأس المنكوس الخاص بذلك الشخص من الجهل الاول المنطبعة في المرءاة الشمال التي هي النفس الامارة ( الامارة من خل ) قلب ذلك الشخص وامد سبحانه الملك بجنود من مقتضيات الفضل والرحمة واللطف والايقان وامد سبحانه الشيطان بجنود من مقتضيات العدل والغضب والقهر والخذلان فالانسان بين آمر وناه من نفسه وجعل سبحانه للعبد الالة والصحة وهي ( هي التي خل ) يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل مددا واعانة على الطاعة لكنه عز وجل جعلهما صالحة للمعصية ( للمعصية لان ذلك الصلوح من تمام قابلية كون الطاعة طاعة اذ لو لم يصلحا للمعصية خل ) لم يقدر العبد عليها واذا لم يقدر عليها كان مضطرا الى الطاعة فلا يكون مطيعا اذ الطاعة لا تتحقق حتى يقدر على المعصية وتركها ويفعل الطاعة مختارا والوجود والمهية متشابهان متضادتان كالشاخص وظله وكذلك شهوتاهما وارادتاهما وباباهما ومطلوباهما ليتحقق الاختيار والصلوح في الالة والصحة قال تعالى فجعلناه سميعا بصيرا والى تركب الداعي والشهوة في الانسان المستلزمان للاختيار اشار الصادق عليه السلم فيما كتب على يدي عبدالملك بن اعين حين كتب عبدالرحيم القصير على يدي عبدالملك بن اعين كما رواه الصدوق (ره) في توحيده فكتب عليه السلام سألت عن المعرفة ما هي فاعلم رحمك الله تعالى ان المعرفة من صنع الله عز وجل في القلب مخلوق والجحود صنع الله في القلب مخلوق وليس للعباد فيهما صنع ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب فبشهوتهم الايمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله واثابهم ثم قال عليه السلم بعد ذلك وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل فان الله عز وجل خلق العبد وجعل له الالة والصحة وهو القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ولا متحرك الا وهو يريد الفعل وهي صفة مضافة الى الشهوة التي هي خلق الله عز وجل مركبة في الانسان فاذا تحركت الشهوة في الانسان اشتهى ( اشتهى الشيء خل ) واراده فمن ثم قيل للانسان مريد فاذا اراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة مستطيعا متحركا فمن ثم قيل للعبد مستطيع متحرك فاذا كان الانسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الالة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الانسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل ساكن ووصف بالسكون فاذا اشتهى الانسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحركت بالقوة المركبة فيه واستعمل الالة التي يفعل بها الفعل فيكون الفعل منه عند ما تحرك واكتسبه فقيل فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع اولا ترى ان جميع ذلك صفات يوصف بها الانسان الحديث فافهم ما القي اليك وما تضمنه هذا الحديث الشريف فان في ذلك تمام بيان الحقيقة بالحق وان اردت زيادة البيان فعليك في رسالتنا التي وضعناها في هذا الشأن لشيخنا الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد ابي دندن الاحسائي وبرسالتنا التي كتبناها للشيخ عبد الله بن الشيخ مبارك القطيفي الجارودي فانهما قد تكفلتا بطلبة الطالبين ورغبة الراغبين في الحق واليقين وقد تركت اشياء ينبغي ان اذكرها هنا اكتفاء بايراد هذا الحديث لانه تكفل بها فتدبره وانما اكتفيت به لاني لو بينت ذلك طال فيه الكلام والحمد لله وحده
واما متعلقها فهو جميع ما في الارض لقوله تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا وجميع الاعمال والاقوال والاحوال مما يتعلق به التكليف وجميع المعتقدات من مدركات العقول والخيالات والافكار ومظاهرها وبرازخها وبالجملة كل ما يتعلق به التكليف وتفصيل ذلك يظهر للعارفين المراقبين العاملين
واعلم ان لهذه امثالا ذكرها الله تعالى في كتابه على سبيل التلويح والتنبيه وخلق تلك الامثال في الانسان وفي العالم قال تعالى وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وتلك الامثال لا يمكن حصرها ولهذا قال الشاعر :
كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن الي
كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي
ولكن منها كلام الانسان ومنها الصورة في المرءاة او ( وخل ) غير ذلك مما لا يحصى واظهر الامثال نور الشمس والظل ولنمثل فيه لظهوره فنقول ان الشمس اذا اشرقت وقع نورها الذي لا يخرج عن قبضتها على وجه الجدار وان شئت قلت على يمينه فظهر بظهوره الظل عن خلف الجدار وان شئت قلت عن شماله فاستنار وجه الجدار بنور الشمس واظلم خلف الجدار بالظل وتلك الاستنارة من الشمس واليها تعود الا انها لا تظهر الا بالجدار اذ لولاه لم تظهر الاستضائة وان كانت موجودة عند الشمس واولى بها من الجدار الا ترى انها اذا غربت تبعتها الاستنارة والظل الذي بدا من الجدار واليه يعود الا انه لا يظهر الا بالشمس لا منها والا لعاد اليها لكنه لا يتحقق الا بالشمس الا ترى كيف تحركه وتصرفه وبتحركها يتحرك وان لم يتحرك الجدار قال تعالى ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالجدار اولي بالظل لانه منه ويعود اليه وبالشمس لا منها ولا اليها فالشمس الظاهر اعني القرص الذي تشعشعت عنه الانوار مثل للوجود المطلق الذي هو عالم الامر والابداع والمشية والنور الظاهر على يمين الجدار هو الوجود والظل الظاهر على شمال الجدار هو المهية ومجموعهما هو الانسان وان شئت قلت النور الظاهر على يمين الجدار مثال للحسنة والظل الظاهر على شمال الجدار مثال للسيئة وقد قلنا انفا انه لولا الجدار لم يظهر نور الشمس وان كانت اولى به لانه نورها ولولا الشمس لم يظهر ظل الجدار وان كان اولي به من الشمس لانه ظله ولهذا قال تعالى في الحديث القدسي انا اولي بحسناتك منك وانت اولي بسيئاتك مني الحديث وهو كما نقول في المثال المذكور حرفا بحرف الشمس اولى بالنور الظاهر على الجدار والجدار اولى بالظل من الشمس وكما تقول ارادة الشمس اي ايجادها للنور الظاهر اولا وبالذات وللظل ثانيا وبالعرض لان ايجادها للظل انما هو تبع لايجاد النور كذلك تقول ايجاد الله للحسنة اولا وبالذات وايجاده للسيئة ثانيا وبالعرض لان ايجاده سبحانه للمعصية انما هو تبع لايجاد الطاعة لان ايجاد المعصية ثانيا من تمام قابلية الطاعة للايجاد اولا والا لم تكن الطاعة طاعة ولانها انيتها كما اشرنا ( اشير خل ) اليه فيما مر ( مر فلاحظ تفهم ان شاء الله تعالى خل ) ولاحظ رسالتينا المذكورتين تزدد بيانا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ويأتي ان شاء الله تعالى زيادة بيان
واذ قد انتهينا الى هنا فلنشرع في المقصود على سبيل الاقتصار والاختصار ( الاختصار والاقتصار خل ) بين تلويح وتصريح فنقول قوله عليه السلام { وخوضكم في القدر } يشير الى انكم لم تسلكوا طريق الحق في القدر الذي هو المقام الثالث من مقامات عالم الامر والذي هو وضع الحدود والهندسة والتقدير في افعال العباد حيث لم تستضيئوا بنور العلم ولم تلجؤا الى ركن وثيق
وقوله عليه السلم { ومقالة من يقول منكم بالجبر } يعني به اصحاب ابي الحسن الاشعري ومن حذا حذوهم فانهم ذهبوا الى انه لا مؤثر في الوجود الا الله المتعال عن الشريك في الخلق والايجاد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا علة لفعله ولا راد لقضائه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ولا مجال للعقل في تحسين الافعال وتقبيحها بالنسبة اليه بل يحسن صدورها عنه تعالى والاسباب التي ارتبط بها وجود الاشياء بحسب الظاهر ليست اسبابا حقيقة ولا مدخل لها في وجودها لكنه تعالى اجرى عادته بانه يوجد تلك الاسباب اولا ثم يوجد المسببات عقبها فكل من الاسباب والمسببات صادرة عنه ابتداء كذا قالوه وانت اذا تأملت كلامهم وجدته على ما فيه من التناقض مثل قولهم اسباب ولا مدخل لها فانها اذا كانت اسبابا ولو ظاهرا كان لها مدخل والا فلا ورأيته ليس مغترفا من علم وانما هو تمويه وفتنة وزيغ طلبا للاستغناء عن الحق واهله فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله مع ما فيه من لزوم نسبة الظلم الى الله تعالى الذي نزه نفسه منه ( عنه خل ) وتمدح بنفيه عنه ومن رد قوله والعمل بقولهم حيث يقول واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها ابائنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء وقال ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون ويأتي ان شاء الله ما يبرد الغليل ( الغليل ويشفي العليل خل )
وقوله عليه السلم { ومن يقول بالتفويض } يشير به الى اصحاب واصل بن عطا من المعتزلة ومن حذا حذوهم ممن يقول بالتفويض فانهم ذهبوا الى ان افعال العباد مخلوقة بقدرتهم واختيارهم ليس لله في ذلك مدخل فاشركوا من حيث لا يعلمون ولقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلم في شأن المفوضة وهم القدرية قال عليه السلم ان ارواح القدرية تعرض على النار غدوا وعشيا حتى تقوم الساعة فاذا قامت الساعة عذبوا مع اهل النار بانواع العذاب فيقولون يا ربنا عذبتنا خاصة وتعذبنا عامة فيرد عليهم ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر ه مع ما يلزم في ذلك من تكذيب الايات مثل وما تشاؤن الا ان يشاء الله وابطال الروايات مثل قول الرضا عليه السلم ان الله لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه الحديث ولقد رأيت كثيرا ممن يقول بالمنزلة بين المنزلتين ويكفر اهل الجبر ولا يعرف مرادهم وان كانوا مخطئين ويكفر اهل التفويض وهو منهم وان كانوا كاذبين حيث ان من رأيت يقول ان الله سبحانه وتعالى ليس له في افعال عباده الا الامر والنهي القوليان المعروفان عند العامة وانه خلق لهم الالة والصحة الصالحتين ثم رفع يده عنهم وهذا في الحقيقة نفس التفويض وهل هذا الا مثل من امره سيده بأن خذ هذه المأة الدينار وامض يوم الخميس واشتر من سوق بغداد من فلان الشيء الفلاني ثم مضي العبد عن سيده فلو كان كذلك لوقع الوصل في الحال الاولى والفصل في الثانية ولكان لله تعالى حالين ولما كان مالكا لما ملكهم ولخرج عن يده ما في قبضته ولما كان مع كل شيء لان الحال الثانية غير الاولى ولماصح الرحمن على العرش استوى يعني من كل شيء على السواء الى غير ذلك ولما لم يدركوا غير هذا القول او الجبر وعرفوا بطلانهما قالوا ان التفويض هو القول بالاستقلال واما اذا قلنا انه خلق الالة والصحة وعرفنا النجدين وامر ونهي فهذا هو المنزلة بين المنزلتين ولا يعلمون ان ذلك نفس التفويض وانما المنزلة بين المنزلتين هو ان نقول انه خلق بارادتنا المستخدمة لالاتنا وما يترتب عليه من نحو العمل افعالنا الا ان خلقه الطاعة ( للطاعة خل ) بالذات والمعصية ( للمعصية خل ) بالعرض فلو خلقنا لا بارادته كان تفويضا ولو خلق لا بارادتنا كان جبرا ولو خلق ( خلقه خل ) وخلقنا معه كل مستقل بارادته كما قال بعضهم ان كلا القدرتين متعلقتان بالفعل الواحد اولا وجوز اجتماع علتين تامتين على معلول واحد لكنا مستغنين في ايجادنا فنكون مستغنين في وجودنا هذا هو الشرك الصريح ولو خلق المعصية بالذات كما تقول الجبرية لم يعرف الخالق من المخلوق لان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه للدلالة عليه ولو خلق الطاعة بالعرض كما يلزم المفوضة لكان مراده غير الطاعة والمعصية فاذا لم يكن غيرهما كان مراده لم يكن قط فوجب ما اوجبنا وسقط ما اسقطنا
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم الا ما تلوناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
الابيات فكأني بقوم اذا سمعوا ما اقول وفهموا معناه قالوا آمنا به وكأني باخرين اذا سمعوه ( سمعوا خل )
تاهت خواطرهم فيه ولم يفهموه وان استحسنوه
قد يطرب القمري اسماعنا ونحن لا نفهم الحانه
وكأني باخرين اذا سمعوا كلامي هذا وامثاله في كثير مما مر قالوا فيه ارتفاع لان فيهم انخفاضا او قالوا هذيان ووزنوه بموازينهم المعوجة لانهم لا يحسنون السباحة وغرقوا في تلك اللجة ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون وانما كتبت هذه الكلمات التي ليست من ظاهر المقصود لاني اتيت بها تنبيها للمتسرع قبل التأمل وترهيبا للمتورع عن التحمل فافهم واما حصر المفيد (ره) التفويض في معنى قوله ان التفويض هو القول برفع النظر عن الخلق في الافعال والاباحة لهم مع ما شاءوا من الاعمال وهذا قول الزنادقة واصحاب المباحات انتهى فان اراد معنى اصطلح عليه فلا مشاحة ( مشاحة فيه خل ) وان اراد انه هو المعنى المراد فدون ذلك خرط القتاد اماسمع ما في رواية حريز وابنمسكان في التعريض باصحاب التفويض عن ابي عبد الله عليه السلم انه لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وعن ابيالحسن موسى بن جعفر عليهما السلم قال لا يكون شيء في السموات ولا في الارض الا بسبع بقضاء وقدر وارادة ومشية وكتاب واجل واذن فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله او رد على الله انتهى وقال الصادق عليه السلم ومن زعم ان الخير والشر بغير مشية الله فقد اخرج الله من سلطانه ومن زعم ان المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله ومن كذب على الله ادخله ( ادخله الله خل ) النار انتهى ولا يقال ان هذا يلزم منه الجبر لانا قد بينا مرارا في اجوبتنا في هذه المسائل المتقدمة وسيأتي ان هذا هو المنزلة بين المنزلتين وانما قال امير المؤمنين عليه السلم طريق مظلم فلا تسلكه لانه عليه السلم يعلم انه الصراط المستقيم احد من السيف وادق من الشعر فان امكنك على سلوكه بمصباحنا والا فلا تكذب بما لم تحط به علما ولمايأتك تأويله
وقوله عليه السلم { وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم } الخ اعلم ان غير اهل الحق من القائلين بالجبر والتفويض لما كانوا اصحاب الدولة والمملكة ولم يسلموا ولم ينقادوا لاهل الحق عليهم السلم بل استكبروا وعتوا عتوا كبيرا تلبسوا في كل صورة حتى انخرط بهم الشيطان في وادي الخذلان الى التلبس بالعلم وخاضوا فيه بغير مصباح هدى فخبطوا في الظلمات واسسوا الشبهات لان كل مفتون ملقن حجته يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ولما كان اتباع اهل الحق ضعفاء يخافون ان يتخطفهم الناس عاشروهم وجلسوا معهم وتكلموا معهم في ذلك دخل على بعضهم من الضعفاء تلك الشبهات لقرب الشبهة من ذلك اللطخ الذي ترى فيهم في الاظلة فقال منهم بالجبر وقال منهم بالتفويض وذهبوا منهم ( مثلهم خل ) كل مذهب فنصبوا لهم ساداتهم عليهم السلم علامات عند شبهات الطرق للطريق المستقيم وجعلوا تلك العلامات مرموزة المراد مطوية ( مطلوبة خل ) المقصود لئلا يطلع عليها الا من شاؤا كما قالوا عليهم السلم وجعلوا لها صورة ظاهرة تغني من اقتصر عليها اذ حسن القول ما لم يضمر خلافه عن قصد له اذا لم يقدر على المعنى المستور كاف في المأمور به لانه حينئذ هو المقدور وانما ناسب ( ناسبت خل ) الشبهة لمباديها فيهم واشبهت عليهم لان داعي الحق يوحي الى عقل المرء فيميل العقل بشهوة الوجود الى احد نهاياته ومطالبه مما له او لاحد مراكبه ويرى المرء ميلا من نفسه الى ذلك الشيء الذي يطلبه وداعي الباطل يوسوس الى نفس المرء الامارة فتميل النفس بشهوة المهية الى احد نهاياتها ومطالبها مما لها او لاحد مراكبها ويرى المرء ميلا من نفسه الى ذلك الشيء الذي يطلبه وان كان الداعي الاول هو الملك والثاني هو الشيطان لانه الذي لا يرى شيئا من خارج فيطيع الملك ويعصي الشيطان وانما يكون ميله الى احد مطلوبيه فلما كان ميل النفس مشتبها لميل العقل ومطلوب النفس مشتبها لمطلوب العقل وكل من المطلوبين خلق الله منه كفاية طالبه بحيث لا يجوز ان يطلب الحق ( العقل خل ) من مطالبه شيئا لا يجده الا في ( في مطالب خل ) النفس او تطلب النفس شيئا من مطالبها لا تجده الا في مطالب العقل فلا يكون ممكنا فلا يكون مختارا وكان ايضا الالة والصحة صالحتين لان يستعملها العقل في مطالبه والنفس في ماربها فلما كان كذلك اشتبه الداعيان اللذان هما من المرء ولا يعلم انهما ( ايهما خل ) داعي العقل فيتبعه او داعي النفس فيجتنبه فاكمل الله به ( عليه خل ) الحجة بحجة منه كاملة وهي الانبياء والاوصياء عليهم السلم الاقوياء الذين لا يلتبس عليهم داعي الرحمن وداعي الشيطان الذين عصمهم بتسديده وايدهم بتأييده واختارهم لذلك قال الله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته فوضعوا عليهم السلام على كل شيء دليلا مطابقا وشاهدا ناطقا لئلا يضلوا فمن لم يأخذ عنهم هلك من حيث لا يعلم واليهم الاشارة بقول الصادق عليه السلم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم امنوا واشركوا من حيث لا يعلمون ولما كانت الشبهة اقرب الى الافهام الكدرة تمكنت في قلوب اهلها واسسوا عليها اعتقاداتهم وادخلوا ضعفاء الشيعة فيها وهم الذين ليس لهم قلوب يعقلون بها فمهد عليه السلم لضعفاء شيعته ولعلمائهم دليلا الزاميا لهم الى ظاهر على طريق المجادلة بالتي هي احسن ليشد به قلوب المؤمنين ويدفع به شبه المعاندين
فقال عليه السلام : اعلموا رحمكم الله تعالى انا نظرنا في الاثار وكثرة ما جاءت به الاخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله عز وجل لا تخلو من معنيين اما حق فيتبع واما باطل فيجتنب وقد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك ان القران لا ريب فيه عند جميع اهل الفرق وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه مصيبون مهتدون وذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله لا تجتمع امتي على خطا ( ضلالة خل ) فاخبر ان جميع ما اجتمعت عليه الامة كلها حق هذا اذا لم يخالف بعضها بعضا والقران حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه فاذا شهد القران بتصديق خبر وتحقيقه وانكر الخبر طائفة من الامة لزمهم الاقرار به ضرورة حيث اجتمعت في الاصل على تصديق الكتاب فان هي جحدت وانكرت لزمها الخروج من الملة
اقول لما كان منشأ اختلاف من اختلف من الشيعة والمحبين انما هو بالاصغاء الى اقوال العامة وخوضهم في ذلك لاتباع الاهواء فاخذت بهم طرفي الافراط والتفريط عن الاستواء لان الاستواء الذي هو المنزلة بين المنزلتين لا يظفر بها من نحو ذاته الا من اشهده الله خلق السموات والارض وخلق نفسه فان ذلك على حكم الاستواء والمنزلة بين المنزلتين او من علمه اياه ( اياها خل ) العالم اراد عليه السلم ان يمهد قاعدة من مقدمات يقينيات مسلمات عند القائل بالجبر والتفويض اللذين هما الافراط والتفريط ليضطروا الى الاقرار بالحق والى تركه بعد ظهوره بلا خفاء عند كل احد ( واحد خل ) وفي الحالين يظهر للقائلين من الشيعة فساد الطرفين وسلك عليه السلم في التقرير ظاهرا طريق المجادلة بالتي هي احسن ولم يسلك طريق الحكمة لان ذلك لا يذوقه الا المتوسمون ولا طريق الموعظة الحسنة لان ذلك لا يمسه الا المطهرون الذين يطلبون العلم زادا ليوم المعاد فقال عليه السلم { انا نظرنا في الاثار } الخ
قوله عليه السلم { فوجدنا عند جميع من ينتحل الاسلام } لان غيرهم منهم من ينفي التكليف فلا يري حقا ولا باطلا وكذلك من لا يعقل
وقوله عليه السلم { لا تخلو من معنيين اما حق فيتبع او باطل فيجتنب } يعني اما حق فهو احق ان يتبع او باطل فيحق ان يجتنب لا ان كل حق متبع او كل باطل مجتنب فان الواقع ان من الحق ما هو منبوذ ومجتنب ومن الباطل ما هو متبع محمول على الاعناق
وقوله عليه السلم { وقد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم } قرر فيه مقدمة مسلمة عند الخصم لانها على النحو الذي يعتمدونه في مسئلة الاجماع الضروري وان كنا نعتمده ايضا الا ان اعتمادنا عليه من جهة اعتقادنا ان زمان التكليف لا يخلو من حجة لله معصوم مفترض الطاعة لا تكون واقعة في الارض الا ولله فيها حكم يظهر على يدي هذا الحجة وهو الواسطة بين الله وبين خلقه فاعتمادنا على اجتماع ( اجماع خل ) الامة لدخول قوله عليه السلم فيهم فلو انفرد عنهم كان هو الحجة دونهم فان قيل فما الفايدة في الاجماع حينئذ اذا كان الاعتماد على قوله خاصة منضما ومنفردا قلنا قد تتحقق ( يتحقق خل ) الفايدة فيما اذا دخل في المجمعين من لا يعلم نسبه ولا اسمه فانا نحكم بحجية الاجماع حينئذ لدخول قوله عليه السلم في جملة اقوالهم وذلك بعد استقرار المذاهب فيكون الخلاف حينئذ خلاف الاجماع وهو غير مسموع واما عندهم فاجتماع اهل ( اصحاب خل ) الحل والعقد من امة محمد صلى الله عليه وآله لقوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الاية رتب سبحانه الذم والوعيد على اتباع غير سبيل المؤمنين وذلك يتحقق بمخالفتهم قولا وفتوى ( فعلا خل ) فيكون اتباعهم في ذلك واجبا وهو معنى حجية الاجماع ولقوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وقبول الشهادة منهم المفهوم من الاية دليل على كونهم عدولا ولو حال اجتماعهم ويستحيل اجتماعهم على الخطأ ولقوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فدل ذلك على امرهم بكل معروف ونهيهم عن كل منكر لان الالف واللام للاستغراق لانهم لو امروا ببعض ونهوا عن بعض لم يتحقق الوصف ولم يكونوا خير امة فان قيل ان منهم من لا يكون كذلك قلنا في حالة ( حال خل ) الافتراق نعم اما في حالة الاجتماع على امر واحد فلا والا لم يكن خير امة لانهم حينئذ متفقون على المنكر هذا خلف فاذا ثبت ذلك كان اجتماعهم حجة وهو ما نريد ولقوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع امتي على ضلالة وهذا الحديث وان لم يكن متواترا لفظا لكنه متواتر معنى وان اختلفت الفاظه مثل قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع امتي على الخطأ ه سألت ربي ان لا تجتمع امتي على الضلالة فاعطانيها ه يد الله على الجماعة ه لم يكن الله ليجمع امتي على ضلال وروي ولا على خطاء ه عليكم بالسواد الاعظم وامثال ذلك والمتواتر بالمعنى يفيد العلم المانع من النقيض ولانريد من الحجية الا ذلك ويستحيل عادة ان يجتمع هذا الخلق الكثير والجم الغفير على الخطأ ولم يكن من احد منهم نكير وهذا الاجتماع بهذه المثابة لا يكون الا عن دلالة وقد كشف عنها ذلك الاجماع فخلافه خلاف الدلالة ( للدلالة خل ) فيكون الخلاف خطاء لانه لا عن دلالة وهذا معنى حجية الاجماع وكلامهم في الاجماع نقول به ايضا لا من جهة الاجتماع بل من دخول المعصوم عليه السلم فيهم لا يقال ان الاجتماع من الكل يستحيل وقوع الخطأ عنه عادة وان لم يكن الحجة فيهم لانا نقول لو لم يكن فيهم استحال الصواب بل الوجود لانه العلة في ذلك كما دلت عليه النصوص منهم مثل ما رواه احمد بن حنبل في مسنده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله النجوم امان لاهل السماء فاذا ذهبت ذهبوا واهل بيتي امان لاهل الارض فاذا ذهب اهل بيتي ذهب اهل الارض ورواه ايضا صدر الائمة موفق بن احمد المالكي وغير ذلك وبالجملة فلا فايدة هنا للمناقشة لحصول الاتفاق من المسلمين على صحة هذا الاجماع وهو اجتماع جميع من ينتحل الاسلام قاطبة وحجة ( حجيته خل ) منا ومنهم لما مر فاذا حصل ذلك الاجتماع على امر كان صوابا لا شك فيه عند الكل
وقوله عليه السلم { ان القران حق لا ريب فيه عند جميع اهل الفرق } يعني انهم اجتمعوا لا اختلاف بينهم على ذلك عند جميع اهل فرق الاسلام على اختلاف مذاهبهم اتفقوا على حقية القران
ثم قال عليه السلم { وهم في حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه } يعني انهم في حال الاجتماع مقرون بتصديقه والا لم يكن اجتماع لانهم مختلفون في كثير من تأويل كثير من اياته ولكنهم حال الاجتماع مقرون بصحة ما دل عليه اذا اجتمعوا على دلالته على ذلك الشيء فان قلت قد يجتمعون على دلالته على شيء ولكن تلك الدلالة بالنسبة اليهم مختلفة فمنهم من دل الكتاب عنده ( عنده على خل ) ذلك الشيء علما ونصا ( يقينا خل ) ومنهم من دل عنده على ذلك الشيء اعتقادا وهو لا يمنع من النقيض في نفس الامر وان امتنع عند المعتقد ومنهم من دل عنده من باب الراجحية وان جوز النقيض فكيف يمكن الاجتماع على الاقرار بتصديق الكتاب وتحقيقه وانما تصديقه في دلالته فاذا اختلفوا فيها كيف يمكن الاجتماع في الاختلاف قلت مراده عليه السلم انهم اجمعوا على ان القران حق وان ما دل عليه صدق لا يحتمل فيه الباطل ولا الكذب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وانما اختلف من اختلف في انه هل يدل على هذا الشيء ام لا اذ لا ينكر احد من المسلمين صحة ما دل عليه حتى انك لا تجد قائلا يقول ان هذا الشيء يدل عليه الكتاب وهو باطل وانما هو اذا اراد بطلان ذلك الشيء انكر الدلالة وتأول الكتاب وغيره واما اذا اقر بالدلالة فلا سواء كانت تلك الدلالة علما او اعتقادا او رجحانا اذا لم يبلغ النقيض التساوي ( المتساوي خل ) لتعين المصير عليه الى تلك الدلالة ويتحول الاعتقاد والرجحان علما بعد العلم بالاتفاق فلا تغفل
وقوله عليه السلم { فاخبر ان جميع ما اجتمعت عليه الامة كلها حق هذا اذا لم يخالف بعضها بعضا } يريد ان جده رسول الله صلى الله عليه وآله اخبر بذلك كما مر في قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع امتي على ضلالة ونبه (ع) بقوله هذا اذا لم يخالف بعضها بعضا على جواب اعتراض يستشعره الخصم للالزام بامامة الاول لاجماع الصحابة الذين هم اهل الحل والعقد من امته صلى الله عليه وآله يعني ان بعض الامة الذين هم اهل الحل والعقد مخالفون لهذه الدعوى كعلي بن ابيطالب عليه السلم وسلمان وابي ذر والمقداد وعمار واضرابهم الذين هم خواص الصحابة ولا سيما عليّ بن ابيطالب عليه السلم الذي قال صلى الله عليه وآله فيه في المتفق عليه عند الرواة من الفريقين قال صلى الله عليه وآله الحق مع علي وعلي مع الحق يدور حيثما دار ومثله كثير فاذا خالف احدا كان الحق معه بحذافيره بنص رسول الله صلى الله عليه وآله المتفق عليه فسقطت الدعوى وبطل الاستدلال
وقوله عليه السلم { فاذا شهد القران بتصديق خبر وتحقيقه } الخ يريد به انه اذا دل على ما دل عليه الخبر بأي دلالة كانت وانكر الخبر طائفة كانوا اقروا بدلالته على ما دل عليه الخبر كذلك لزمهم الاقرار بما دل عليه الخبر ضرورة لاقرارهم بما يوجب ذلك ضرورة وهو اجتماعهم في الاصل على تصديق الكتاب
ثم فرع عليه السلم على ذلك حكم منكر ذلك بعد ذلك البيان فقال عليه السلم { فان هي جحدت وانكرت لزمها الخروج من الملة } اي ملة الاسلام حيث انكرت ما علم من الدين ضرورة
فان قلت هذا وامثاله مما ورد عن آبائه عليهم السلام يدل على ان صحة الحديث وفساده انما يعلم بالعرض على الكتاب فاذا شهد الكتاب بتصديقه وجب قبوله والا رد ويرد عليكم شيئان احدهما ان احتجاجات ائمتكم عليهم السلم في الرد على مخالفيهم في ترك القول بالحجة من الله وقولهم كفانا كتاب الله في بقاء التكليف لان فيه جميع ما يحتاج اليه الخلق من امور دينهم ودنياهم قال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وهو الكتاب وان الزاماتهم عليهم السلم لهم بوجوب القول بالحجة هو ان الكتاب صامت يحتاج الى ناطق به عن الله تعالى لانه يحتمل وجوها كثيرة لا تنضبط حتى ان الثنوي يستدل به والدهري والمجسمة ( المجسم خل ) وغير ذلك والمحق والمبطل اصولا وفروعا وما كان هذا حاله لا يجوز ان يكون حجة لله ( الله خل ) على خلقه لانه بنفسه من دون ناطق به لا يقيم حجة ولا يدفع شبهة فلا بد من امام ناطق به يبين محكمه من متشابهه ومجمله من مبينه وناسخه من منسوخه وينقطع الخصم بهذا لان الكتاب الناطق هو المبين للكتاب الصامت حتى ان الناطق ليأول الكتاب ويصرفه في مواضع عن ظاهره الى ما يخالف الظاهر بل الى ما لا يجوز في اللغة ولا في العقول ويخبر بنسخ اية وبثبوت حكم اية نسخت تلاوتها ويجب منه قبول ذلك كله لانه معصوم عن الخطأ والجهل باحكام الله وقد قامت الادلة القاطعة على ذلك وشهدت له المعجزات الخارقة فتكون على هذا تتوقف على معرفة صحة دلالة الكتاب الصامت على قوله لانه هو الدليل بها فلو توقفت معرفة صحة دلالة الخبر على الكتاب كان دورا ظاهرا وثانيهما ان الاخبار عن النبي والائمة صلوات الله عليهم متظافرة متواترة المعنى على ان من قال في القران برأيه فليتبوء مقعده من النار فاذا كان المعنى المستفاد من القران لا بد ان يكون مسموعا من الاخبار فكيف يكون صحة الاخبار انما تحصل بشهادة الكتاب لها وقد قلنا ان شهادته مستفادة منها هذا خلف وهو كالاول في دوره
قلت قد اجيب عن ذلك كله باجوبة يطول الكلام بايرادها وملخص بعضها ان القران منه ما يعرف من اللغة بحيث لا يحتاج في فهمه الى سماع مثل ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ومثل فاعلم انه لا اله الا الله فلو ورد ما يدل على اباحة قتل النفس المحرمة بغير حق علم انه باطل وما يدل على الهين كذلك ومنه مجمل يحتاج الى بينة وتفصيل ( تبيينه وتفصيله خل ) مثل قوله تعالى اقيموا الصلوة وآتوا الزكوة يحتاج الى بيان عدد الركعات واحكامها ومقدار النصاب ووقته وغير ذلك فهذا لا يعرض عليه الخبر ولا يشهد باجماله بتصديق الخبر نعم الامر بالصلوة ووجوبها ووجوب الزكوة مثلا من حيث الفرض يعرض عليه ويشهد بالتصديق الى غير ذلك من النظاير وهنا وجه وهو اعجبها لا يكاد يهتدي اليه ولا الى الاستدلال به الا الاقلون وهو ان من القران حروفا جامعة لبست صورة الاحاد وانطوت على ما لا يكاد يتناهى من الافراد قد عرفت من حيث جزئيتها من اللغة بحيث لا يجهلها احد مثل قوله تعالى انما هو اله واحد ومثل فاعلم انه لا اله الا الله ولهذا قال صلى الله عليه وآله ويل لمن لاكها بين لحييه و( ثم خل ) لم يتدبرها فلو كانت مما يتوقف فهمها على السماع لماذم من لم يتدبرها فان كل من عرف اللغة العربية ادنى معرفة عرف ان مفادها اثبات الوحدة لله ونفي الكثرة ولم تعرف تلك الحروف من حيث كليتها في بادي الرأي فاذا نظر فيها اولئك الاقلون وهم الذين اليهم النظر لا الى غيرهم فان من سواهم رعاياهم وانعامهم عرفوا كليتها فلو ورد خبر مثلا دل على قدم الكلام بمعنى انه غير محدث ولا مصنوع وعرضه اولئك الاقلون عرفوا انه ان لم يكن محدثا بمعنى المصنوع وتعددت الالهة وكذلك لو ورد خبر بقدم المشية كذلك ونظائر هذا الحرف في القران كثير وكذلك في السنة كثير وهو المشار اليه في امرهم عليهم السلم بالعرض على السنة مثل لا تنقض اليقين بالشك ابدا ومثل الا بيقين مثله فاذا ورد خبر يدل على نقض اليقين بالشك في غير ما استثني من الثلاث المسايل البلل المشتبه وغسالة الحمام وغيبة الحيوان او ورد خبران متعارضان احدهما مطابق والاخر مفارق فما شهدت له السنة من مثل لا تنقض اليقين بالشك ومثل الناس في سعة ما لم يعلموا الى غير ذلك وهو كثير في الاصول والفروع فهو حق والا فباطل واما قول بعضهم ان التمييز ( التميز خل ) بين محكم القران ومتشابهه وناسخه ومنسوخه ومجمله ومبينه لا يعلم من غير المعصوم عليه السلم وكذا قول محمد امين في الفوايد المدنية من ان المراد به عرض الحديث الذي جاء به غير الثقة على واضحات كتاب الله التي هي من ضروريات الدين والمذهب فساقط من عين الاعتبار فالعرض على الكتاب على مثل ذلك ( ذلك مما خل ) لا يحتاج الى الخبر في فهم المراد منه سواء كان من اللغة او بالالهام كما قال علي عليه السلم الا ان يؤتي الله عبدا فهما في القران او باخلاص العمل وحسن المعرفة كما يشير اليه قوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقوله تعالى ولما بلغ اشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقول الصادق عليه السلم ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل عن مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة وقد تقدم او عرفت بالاثار المستفيضة بحيث افادت العلم او يعلم كون هذه الاية من المحكمات او عرف بالاجماع او غير ذلك من طرق اليقين فالعرض بهذا النحو لا يستلزم الدور فافهم فكان ما ذكره الامام عليه وعلى آبائه وابنائه الطاهرين السلم جدلا ناصحا لامعا وبرهانا قاطعا ونورا ساطعا ونقضا قامعا وعلما نافعا ودليلا جامعا على طريقة كل من اهل الفرق الزاما لهم بالمنزلة بين المنزلتين وانه لا جبر ولا تفويض كما مضى ويأتي والحمد لله وحده
ثم لما كانت الاعمال ظاهرها وباطنها من علم او عمل او اعتقاد من علم الحقيقة او الطريقة او الشريعة فروعا من شريعة المتعبد بها والسان لها وان الاصل ظاهرا وجوب طاعته وامتثال اوامره ونواهيه والتسليم له والرد اليه وباطنا معرفة الله وهذا الواجب الطاعة هو السبيل الى الله وهو مجاز تلك الحقيقة والمعنى والباب والوجه والجناب الى غير ذلك اراد ان يبني على ذلك الاس الراسخ قصر الولاية الباذخ الذي كل شيء من التكاليف من المعتقدات والاعمال فروعه واتباعه فقال عليه السلم : فاول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه اقاويلهم حيث قال اني تارك ( مخلف خل ) فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وانهما لنيفترقا حتى يردا على الحوض ه
انما قال (ع) { فاول خبر } الخ ليبين ثبوت اساس ما هو بصدده وتعريضا بالغير الذين يبنون على غير اساس ثابت ولان في بعض شقوق هذه المسئلة ما لا يدركه كل احد لا من شيعته ولا من غيرهم لدقة مأخذه وبعده عن الافهام فاذا اراد تيسيره على المخاطبين بناه على اصل ثابت اما بالتفرع ( بالتفريع خل ) عليه او باللزوم وغير ذلك فيكون اقطع للحجة ولو وكله الى ما يفهم منه وهو من دليل الحكمة لانكره من لم يكن له فيها نصيب او غالط فيه بالجدل فعل عليه السلم ذلك تسهيلا للذكر وتقريبا في الاداء والافهام وانما عبر بلن في قوله لنتضلوا للدلالة على التأبيد للتنبيه على ان المأمور بالتمسك بهم معصومون معصوم من اتبعهم من حيث هو متبع لكون كل واحد من الكتاب ومنهم مبنيا على صاحبه والكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولو لم يكونوا عليهم السلم معصومين لأتاه الباطل حيث يبتني عليهم ( ينتهي اليهم خل ) فافهم وفي نفي الافتراق بلن كذلك اشارة الى ان الكتاب لا يكفي بدونهم ولا بيان نافع فيه الا بما بينوا فيه ( منه خل ) فالعامل به بدونهم نابذ له وراء ظهره والمتمسك به ولم يتمسك بهم كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه لا كما تأولوه الاغيار الذين لا يفرقون بالليل والنهار لتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة من ان المراد بنفي الافتراق هو التمسك بالكتاب والمحبة للعترة وقد تعبدهم الله في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله بقوله تعالى فاسألوا اهل الذكر وقوله تعالى لعلمه الذين يستنبطونه منهم وبقوله صلى الله عليه وآله لا تتقدموهم فتزلقوا ولا تتأخروا عنهم فتزهقوا ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم الى غير ذلك ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا واليه الاشارة بقوله عليه السلم بحيث لا تخالفه اقاويلهم يعني ان القران نطق وشهد بتصديق هذا الخبر وقد جمعوا على صحة ما صدقه الكتاب جمع ( مع خل ) ما هو عليه من الشهرة بل هو من المتواتر معنى نقله المعتمدون من الفريقين بطرق كثيرة وله شواهد في كتاب الله التي هي مناط صحته
قال عليه السلام : فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله عز وجل انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون وروت العامة في ذلك اخبارا لامير المؤمنين عليه السلم انه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وانزل الاية
بين عليه السلم شاهد ذلك الخبر من الكتاب وقوله عليه السلم { نصا } المراد بالنص هو ما لا يحتمل غير ما يفهم منه لغة يعني انه لا يحتمل لغة غير ما يفهم منه لا ان كل ما يفهم لغة يحتمل لجواز الاحتمال العقلي الخالي من المستند الى شيء فانه عليه السلم يريد انه لا يحتمل لغة غير ذلك فيلزم الحكم والاقرار به ضرورة كما ذكر عليه السلم سابقا لشهادة الكتاب بذلك ولا يضره الاحتمال العقلي بلا دليل في الاية المستشهد بها كما احتمله الاغيار من ان الولي هو المحب او الصديق او النصير وكذا المولى والمالك والعبد والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنزيل والشريك وابن الاخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر ( الظهير خل ) الى غير ذلك فان الولاية التي تثبت ( ثبتت خل ) لله ولرسوله هي التي تثبت ( ثبتت خل ) لعلي عليه السلم بنص الكتاب بلا ارتياب وكذلك قوله صلى الله عليه واله الست اولي بكم من انفسكم قالوا بلى قال صلى الله عليه واله من كنت مولاه فعلي مولاه وفي اخر من كنت وليه فعلي وليه فالاحتمال بعد النص والبيان انما هو من قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته والله عزيز حكيم الايات
ثم قال عليه السلم « وروت العامة اخبارا لامير المؤمنين عليه السلم » الخ احتج عليهم بما رووا ليكون اقطع لحجتهم وليكون اجماعا من الفريقين وهي كثيرة منها ما قاله الامام المتوكل على الله احمد بن سليمان وقد روي عن عمر بن الخطاب انه قال تصدقت بنيف وعشرين صدقة وانا راكع لان ( لعله ان خل ) ينزل في مثل ما نزل في علي عليه السلم فلم ينزل ( ولم ينزل خل ) في شيء وعن الامير الاعظم صلاح الدين باسناده عن ابن المبارك عن الحسن قال قال عمر بن الخطاب اخرجت مالي صدقة يتصدق بها علي وانا راكع اربعا وعشرين مرة على ان ينزل في ما ينزل ( مثل ما نزل خل ) في علي بن ابيطالب عليه السلم فما نزل ومن مناقب الفقيه ابن المغازلي في تفسير قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا قال الذين امنوا علي بن ابيطالب وفي كتابه رفعه الى ابي عيسى رفعه الى ابن عباس قال مر سائل على رسول ( برسول خل ) الله وسرد الحديث قال وكان نقش خاتمه الذي تصدق به سبحان من فخري باني له عبد وفيه ايضا رفعه الى ابن عباس وابيمريم قال دخلت على عبد الله بن عطا قال ثم حدث علينا بالحديث الذي حدثني به عن ابي جعفر (ع) قال كنت جالسا عند ابي جعفر اذ مر عليه عبد الله بن سلام فقلت جعلت فداك هذا الذي عنده علم الكتاب قال لا ولكنه صاحبكم علي بن ابيطالب عليه السلم الذي نزلت فيه ايات من كتاب الله ومن عنده علم الكتاب فهو على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه انما وليكم الله ورسوله الاية ومن تفسير الثعلبي ابياسحق احمد بن ابرهيم رفعه الى ابيحكيم والسدي غالب بن عبد الله انما عني بقوله سبحانه انما وليكم الله ورسوله وتلا الاية الى قوله تعالى وهم راكعون علي بن ابيطالب عليه السلم لانه مر به سائل وهو راكع في المسجد فاعطاه خاتمه وباسناده رفعه الى عبد الله بن عباس قال بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله صلى الله عليه واله اذ اقبل رجل معتم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا وقال الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ابن عباس سألتك بالله من انت فكشف عن وجهه وقال ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا جندب بن جنادة البدري ابوذر الغفاري سمعت رسول الله صلى الله عليه واله بهاتين والا صمتا ورأيته بهاتين والا فعميتا يقول علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله اما اني صليت مع رسول الله صلى الله عليه واله يوما من الايام صلوة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه احد شيئا فقال اللهم اشهد اني سألت ( سالت في خل ) مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يعطني احد شيئا وعلي عليه السلم راكع فاومى بخنصره اليمني وسرد الخبر وتلا هذه الاية وعن عبدالرزاق في تفسير هذه الاية قال نزلت في علي (ع) وامثاله كثير فجعل عليه السلم هذه الاية شاهدة لذلك الخبر ولما احتمل ان يكون بعض من المخالفين يقول ان الخبر المذكور هو الذي بين دلالة الاية فكيف يجعلونها شاهدة له فجعل بيان الاية معلوما من الاخبار المستفيضة من طرق المخالفين فضلا عن المؤالفين بحيث لا يكاد يرتاب في ذلك الا مؤتفك مكابر لمقتضى عقله لان التجويز العقلي بغير مستند لا يقبله العقل وانما يقبله شبه العقل وهو النكراء والشيطنة ثم لما كان الخبر الاول مجملا في هذا الاعتبار اردفه بالمبين تعريفا ( تفريعا خل ) على ما مر وتشييدا لما اسس وقرر
فقال عليه السلام : فوجدنا رسول الله قد اتي بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه في غدير خم وبقوله انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي
ذكر منه ما يتأدي به الغرض من الحديث وهو حديث غدير خم من المتواترات المتفق عليه من الفريقين لا ينكره الا جاهل او مكابر وذكر محمد بن يحيي بن هران شارح القصيدة الموسومة بالقصص الحق في مدح خير الخلق صلى الله عليه واله قال واما حديث يوم الغدير فهو من الاحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه واله وقد روي من طرق كثيرة عن خلق كثير من الصحابة (رض) بعضها روايات اهل البيت عليهم السلم وبعضها من احاديث غيرهم من علماء الحديث وفي بعض الروايات زيادات وما ينكره الا مكابر مباهت فمن روايات اهل البيت عليهم السلم وشيعتهم ما رووه بالاسناد عن البراء بن غارب قال اقبلت مع النبي صلى الله عليه واله في حجة الوداع فكنا بغدير خم فنودي فينا ان الصلوة جامعة وكسح للنبي صلى الله عليه واله تحت شجرتين فاخذ بيد علي بن ابيطالب عليه السلم فقال الست اولي بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال هذا مولي من انا موليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر فقال هنيئا لك يا ابن ابيطالب اصبحت وامسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة ورووا بالاسناد الى زيد بن ارقم ثم ذكر على اختلاف في اللفظ وزيادة في المعنى ثم قال وروي بعضهم من طريق الحاكم ابيسعد المحسن بن كرامة وذكر الحديث ثم قال قال الحاكم ابو سعد (ره) وحديث الموالاة وغديرخم قد رواه جماعة من الصحابة في ( وخل ) تواتر النقل به حتى دخل في حد التواتر فرواه زيد بن ارقم وابو سعيد الخدري وابو ايوب الانصاري وجابر بن عبد الله الانصاري الى ان قال واما روايات غير اهل البيت (ع) وشيعتهم فقد روى عن الرسالة النافعة للامام المنصور بالله من مسند الامام احمد بن حنبل هذا الحديث المذكور ومن طرق كثيرة بنحو ما سبق وحكاه ايضا عن جامع رزين وعن مناقب ابن المغازلي الشافعي وذكر انه رفع الحديث المذكور الى مأة من اصحاب رسول الله قال وذكر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه ( طرقه من خل ) خمس واربعين طريقا وافرد له كتابا سماه كتاب الولاية وذكر ابوالعباس احمد بن عقدة خبر يوم الغدير وافرد له كتابا وطرقه من مأة طريق وخمسة طرق ولا شك في بلوغه حد التواتر وحصول العلم به ولم يعلم خلاف من ( ممن خل ) يعتد به من الائمة وهم بين محتج به ومتأول له الا من ارتكب طريقة البهت ومكابرة العيار تم كلامه وفي المستدرك بالاسناد الى زيد بن ارقم قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه واله من حجة الوداع ونزل غدير خم امر بدوحات فقمن قال صلى الله عليه واله كأني دعيت فاجبت اني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الاخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ثم قال ان الله جل وعز مولاي وانا ولي كل مؤمن ومؤمنة ثم اخذ بيد علي عليه السلم فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال وذكر الحديث بطوله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله وفيه عن زيد بن ارقم نزل رسول الله صلى الله عليه واله عشية فصلي بين مكة والمدينة عند سمرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت السمرات ثم راح رسول الله صلى الله عليه واله هنيئة فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثني عليه ووعظ فقال ما شاء الله ان يقول ثم قال ايها الناس اني تارك فيكم امرين لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله واهل بيتي عترتي ثم قال اتعلمون اني اولي بالمؤمنين من انفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه واله من كنت مولاه فعلي مولاه انتهى ومن مناقب الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي باسناده الى الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن ارقم قال اقبل نبي الله صلى الله عليه واله من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين المكة والمدينة فامر بالتنوب فقم ما تحتهن من شوك ثم نادي الصلوة ( بالصلوة خل ) جامعة فخرجنا الى رسول الله صلى الله عليه واله حتى صلى بنا الظهر ثم انصرف الينا فقال الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا الذي لا هادي لمن اضل ولا مضل لمن هدي واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله اما بعد ايها الناس فانه لم يكن لنبي من العمر الا نصف ما عمر قبله وان عيسي بن مريم بعث في قومه اربعين سنة واني قد اشرعت في العشرين واني اوشك ان افارقكم الا واني مسئول وانتم مسئولون فهل بلغتكم ما انتم قائلون فقال ( فقام خل ) من كل ناحية من القوم مجيب يقولون نشهد انك عبد الله ورسوله قد بلغت رسالته ( رسالاته خل ) وجاهدت في سبيله وصدعت بامره وعبدته حتى اتيك اليقين فجزاك الله خير ما جزي نبيا عن امته فقال الستم تشهدون الا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق وتؤمنون بالكتاب كله قالوا بلى قال اشهد انكم صدقتم وصدقتموني الا واني فرطكم وانتم تبعي يوشك ان تردوا على الحوض فاسألكم عن ثقلي كيف تخلفوني عنهما قالوا فاعد ( قال فاعبل خل ) علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال بابي انت وامي يا رسول الله ما الثقلان فقال الاكبر منهما كتاب الله سبب طرف بيد الله وطرف بايديكم فتمسكوا به ولا تولوا ولا تضلوا والاصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي فاجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تضروهم ولا تقصروا عنهم فاني قد سألت لهم اللطيف الخبير فاعطاني ناصرهما لي ناصرا ( ناصر خل ) وخاذلهما لي خاذلا ( خاذل خل ) ووليهما لي وليا ( ولي خل ) وعدوهما لي عدوا ( عدو خل ) فانها لم تهلك امة مثلكم حتى تدين باهوائها وتظاهر على وليها ( سويها خل ) وتقتل من قام بالقسط منها ثم اخذ بيد علي بن ابيطالب عليه السلم ورفعه فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قالها ثلثا الخ انتهى وقد تواتر هذا الخبر وبلغ حد التواتر وقد ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمس وسبعين طريقا وافرد له كتابا سماه كتاب الولاية فقد رواه احمد بن حنبل في مسنده ورفعه من طرق جمة وذكره التغلبي في تفسيره وفي الجمع ( المجمع خل ) بين الصحاح الستة لابن زيد العبدري الى الحسن بن رزين بن معاوية وذكر ابوالعباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير وافرد له كتابا وطرقه من مأة وخمسين طريقا وفي الصحاح رفعه الى اثني عشر رجلا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله ولا شك في تواتره واما كون الطرق الذي ذكرها الطبري في كتاب الولاية خمسة واربعين والتي ذكرها ابنعقدة مأة وخمسة فنقل محمد بن يحيي بن هران المتقدم ذكره وهذا بنقل غيره ولم تكن عندي كتب القوم وبالجملة فقد بلغ هذا الحديث حد التواتر عند اهل الحديث والتاريخ والتفاسير وغيرهم من جميع فرق الاسلام
واما الحديث الثاني فرواه احمد بن حنبل في مسنده بعدة طرق وفي صحيحي مسلم والبخاري من عدة طرق وفي غيرهما كذلك ان النبي صلى الله عليه واله لما خرج الى تبوك استخلف على المدينة وعلى اهله فقال علي عليه السلم وما كنت اوثر ان تخرج في وجه الا وانا معك فقال اما ترضى بأن تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه واله انه قال اما ترضى ان تكون ( قال لعلي انت مني خل ) بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي ولو كان لكنته عن سعد بن ابي وقاص عن النبي صلى الله عليه واله انه قال اما ترضى ان تكون بمنزلة هرون من موسى غير انه لا نبي بعدي وروي زيد بن علي عن ابيه عن جده عن علي عليه السلم قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وشكوت اليه ما القي من حسد الناس فقال اما ترضى ان تكون اخي في الدنيا والاخرة وصاحب لوائي في الدنيا والاخرة وان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي الخبر ونحوه عنه ايضا الا ان في اخره وانت اولى الناس بامتي بعدي من تولاك فقد تولاني ومن عاداك فقد عاداني ومثله الى ان قال والله انت مني بمنزلة هرون من موسى ولا ينطق ( ماينطق خل ) عن الهوى وعن عامر بن سعد اني لمع ابي اذ تبعنا رجل في قلبه على علي عليه السلم بغض بعض الشيء فقال يا ابا اسحق ما حديث يذكره الناس عن علي عليه السلم قال وما هو قال انت مني كمكان هرون من موسى قال نعم سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي عليه السلم انت مني كمكان هرون من موسى قال الرجل انت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله قال نعم وما تنكر ان يقول رسول الله صلى الله عليه واله لعلي هذا وافضل ومثل هذا حديث عبد خير الحميري عن علي عليه السلم قال اقبل صخر بن حرب حتى جلس الى رسول الله صلى الله عليه وآله قال الامر بعدك لمن قال لمن هو مني بمنزلة هرون من موسى فانزل الله عم يتساءلون يعني يسألك اهل مكة عن خلافة علي بن ابيطالب عليه السلم عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون فمنهم المصدق ومنهم المكذب بولايته كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون وهو رد عليهم سيعرفون خلافته انها حق ويسئلون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت منهم في شرق ولا غرب ولا بر ولا بحر الا ومنكر ونكير يسألانه يقولان للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن امامك وكان علي عليه السلم يقول لاصحابه انا والله النبأ العظيم الذي اختلفت ( اختلف خل ) في جميع الامم والله ما لله نبأ اعظم مني ولا لله اية اعظم مني فانظر الى هذا الحديث الذي رواه عبد خير الصحابي وما اشتمل عليه من النص وروي ايضا حديث المنزلة سعد بن مالك ورواه سعد بن ابرهيم بن سعد وروته عايشة بنت سعد وروته اسماء بنت عميس وسعيد بن المسيب وابو سعيد الخدري وعامر بن سعد عن ابيه سعد وغيرهم ممن لا يحتمل تواطؤهم على الكذب فهو متواتر معنى عند اهل الحديث والتواريخ ( التاريخ خل ) وذكر ابن ابي جمهور الاحسائي محمد بن علي رحمه الله في كتابه المجلي وقال ويوم حديث المنزلة من المقامات المعلومة في سير المحدثين وعند ساير الرواة اجمعين وهو يوم غزاة تبوك وقد ارجف المنافقون به لما استخلفه على المدينة وفاتهم ما دبروه بجلوسه فيها فقال عليه السلم خلفتني على النساء والصبيان فقال النبي صلى الله عليه وآله له عليه السلم الا ترضي ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي اثبت له عليه السلم جميع المنازل التي كانت لهرون من موسى (ع) واستثنىي منه شركته في النبوة ولاجل ان هرون كان شريكا لاخيه فيها واخوة النسب لم يحتج الى استثنائها لفظا لاستثنائها عقلا ولا ريب في ثبوت الولاية لهرون كما هي لموسى (ع) فتكون ثابتة لعلي ( لعلي عليه السلم كما هي رتبة ثابتة للرسول صلى الله عليه وآله وذلك قطعي فان قيل ان الولاية الثابتة لعلي خل ) عليه السلم ان كانت هي التي كانت لهرون في حيوة اخيه فمعلوم انها ليست لعلي عليه السلم لانه لا ولاية في حيوة النبي صلى الله عليه وآله وان كانت هي التي له بعد موته فذلك لا معنى له لان هرون مات قبل اخيه ولا ولاية له بعد موت اخيه ضرورة قلنا ان الولاية الثابتة له عليه السلم هي الولاية الثابتة لهرون في حيوته ويكون علي عليه السلم وليا للامة في حيوة الرسول صلى الله عليه وآله كما كان هرون كذلك من غير فرق فان مقام الولاية الخاصة غير مقام النبوة واذا صح اجتماع مقام النبوة مع مثلها فالان ( فلان خل ) يصح اجتماع مقام الولاية معها اولى ولما مات هرون انتفت ولايته لا بالعزل عنها من الله لان من وليه الله لا يصح ان يعزله لعدم جواز البداء عليه لانه لا يوالي ( لا يولي خل ) الا من علم استحقاقه لها باشتماله على الاعتدال الحقيقي الموجب للعصمة وجميع الاوصاف الكمالية وثبوته على الصراط المستقيم فلا يصح ان يتغير عن هذه الصفات لاستحالة تغير علمه تعالى وانما انتفت ولاية هرون بالموت والانتقال عن دار التكليف وعلي عليه السلم عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وآله قطعا فلا موجب لزوال ولايته ولا مقتضى لانتفائها ولا موجب لعزله عنها انتهى وانا اوردت كلامه اعلى الله مقامه لاشتماله على الجواب عن الاعتراض الوارد على الحديث في عموم المنزلة وجوابه وان كان كافيا في ذاك لكنه ليس بذلك مع ان فيه تعليلات عليلة وتحقيقات متهافتة لا تليق من مثله ولكن خوف طول الكلام يمنع عن بيان ذلك والاتيان بحقيقة البيان
وقال عليه السلم : ووجدناه يقول صلى الله عليه وآله علي (ع) يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي الخ
وهذا الخبر جعله عليه السلم مؤيدا لتلك المقدمة وبه تمامها وهو مما لا اشكال فيه فقد رواه المؤالف والمخالف بطرق عديدة وعبارات مختلفة وهي مع ذلك متفقة المعنى بحيث كان من المتواتر ولكثرة رواته واختلاف عباراته وتقديم بعضها على بعض وبالزيادة والنقيصة لا تكاد تجد منكرا له بل اما محتجا به او مأولا له مثل الخبر الذي قبله
ثم قال عليه السلام : فالخبر الذي استنبط منه هذه الاخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم وهو موافق للكتاب ( للكتاب فلما شهد الكتاب خل ) بتصديق الخبر وهذه الشواهد الاخر لزم الامة الاقرار بها ضرورة اذ كانت هذه الاخبار شواهدها من القران ناطقة ووافقت القران والقران وافقها
قوله عليه السلم { فالخبر الذي استنبط منه } الخ يمكن ان يكون المراد منه ان الخبر الذي هو اصل لهذه الاخبار المسلمة المجمع عليها التي وافقت الفرقان ووافقها وهذه الاخبار فروع منه صحيح مجمع ( مجمع عليه خل ) والا لما اجمع على ما تفرع عليه وذلك الخبر هو المشتمل على معاني هذه الاخبار الاربعة او هو الاول وهذه الثلاثة فروعه كما يدل عليه ظاهر اللفظ وان يكون المراد ان الخبر المستنبط من هذه الاخبار المجمع عليها صحيح مجمع عليه والمراد به المعنى وقوله { استنبط منه هذه الاخبار } من باب القلب الا ان سياق الكلام يدل على الثاني من الاول يعني ان المراد به الخبر الاول وان استنباطها منه كونه اسبق في تأسيس الولاية فتكون بعد تواتره ودلالتها على معناه مستنبطة منه وان كان كل واحد من هذه الاخبار متواترا مجمعا عليه لا يحتاج في تحققه الى شيء منها ولا الى تصديق الكتاب وانما رتب ذلك نورا على نور وتعليما للاستدلال بالكتاب والاخبار ومثل بالامور الضرورية لانها ابعد عن المعارضة وامنع للاحتمال الزاما للمعاندين وافحاما للمكذبين ولاجل انه وجده من دون تصديق الكتاب حجة تامة قال { لا اختلاف فيه عندهم } وقال { وهو ايضا موافق للكتاب } يعني انه زيادة على ما هو عليه من اليقين موافق للكتاب قد شهد بتصديقه كما مر وله شواهد من الاخبار مثله في التواتر والاجماع عليهما فلو ( فلما خل ) كان ضروريا مجمعا عليه وشهد الكتاب بتصديقه وشهدت له اخبار مجمع عليها لزم الامة الاقرار بها ضرورة
وقوله عليه السلم { اذ كانت هذه الاخبار شواهدها من القران ناطقة ووافقت القران والقران وافقها } مع انها مستقلة في الدلالة والحجة يعني به انه اذا كان هذا حالها وشواهدها من القران استقبح ردها لانه رد للقران وهو كفر واما رد الضروري فقد لا يكون كفرا فلاجل ذلك علل لزوم الاقرار بكون شواهدها من القران ثم لما كان النبي صلى الله عليه وآله قد احكم العبارة عما اراد من نصب الولي علما واماما بحيث لا يجد احد ملجأ لصرف الحديث صحيحا تأولوا بعض الالفاظ بعد ان ظهر لهم غير مرة ان ما تأولوا غير مقصود لله ولا لرسوله ونصب صلى الله عليه وآله شواهد لنفي ذلك الاحتمال كما نصب الله في كتابه شواهد لنفي احتمال القاء الشيطان وهو قول الله تعالى فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته الاية وذلك لما نظروا الحديث الاول واذا هو مستفيض متواتر لا حيلة في انكاره قالوا ان قوله صلى الله عليه وآله وعترتي المراد بعترته (ص) اهله الادنون وعشيرته الاقربون فلا دلالة ( فالدلالة خل ) في ذلك على المدعي وهو كما ترى تغطية للشمس الطالعة بالذرة لانهم ان ارادوا انها تطلق على ذلك لغة كما زعموا فلا يضرنا ذلك لو سلمناه على ان شارح الشاطبية ذكر في قوله وعترته ثم الصحابة اهل البيت قال العترة ما يبقى في الارض من الشجرة بعد قطعها فتنبت فروعا وعترة الرجل اقاربه فاذا كان العترة ما بقي من الشجرة لم يكن العشيرة من العترة وليست العشيرة من اقارب الرجل الا اذا فسرت ببني ابيه الادنين لا اذا فسرت بقبيلته وان ارادوا ان النبي صلى الله عليه وآله اراد ذلك فقد الحدوا لان رسول الله صلى الله عليه وآله قد بين ذلك بقوله اهل بيتي وهم قد اقروا ان احد معنيي العترة اهله الادنون فخصص بذلك لذلك ثم انه بين اهل البيت (ع) وخصصهم في حديث الكساء الذي رواه الخاصة والعامة بحيث لا يختلف فيه مختلف حيث يقول اللهم ان هؤلاء اهل بيتي حتى ان امسلمة لم يدخلها النبي صلى الله عليه وآله فيهم مع انها من عياله واخبرها انها الى خير فانزل الله فيهم قرانا انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت الاية شهادة منه سبحانه لهم بانهم اهل البيت لا سواهم ثم انه صلى الله عليه وآله ابان بالتنصيص على التخصيص فقال من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه وانت مني بمنزلة هرون من موسى علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي الى غير ذلك وليس كل الاهل والاولاد في الحقيقة كذلك لان الله يقول فمن تبعني فانه مني انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح لان حقيقة الابوة والبنوة انما هي من جهة الارواح لا من جهة الاجساد وعلي عليه السلم من اهله الادنين واقربهم والصق به صلى الله عليه وآله من اولاده فقال انت مني بمنزلة الروح من الجسد وقال انت مني بمنزلة الرأس من الجسد وقال انت نفسي التي بين جنبي وقال صلى الله عليه وآله كنت انا وعلي من نور واحد وقال الله تعالى تصديقا لذلك وانفسنا وانفسكم فهو عليه السلم قسيم ( قسيم النبي وخل ) نفسه وشقيق روحه واخوه لكونهما رضعا من ثدي الفيض الاعلى وصاحبه في كل موطن في معراجه وفي منهاجه وفي حروبه وفي نسكه وولده الحقيقي ارضعه من اصبعه وسقاه اخلاقه وخلقه باخلاقه وارضعه من ثدي علومه ورباه في حجره الى غير ذلك آه ثم آه ثم آه كيف يعدل عنه واني يعدل به تالله ليكونن في حقه غدا تأويل هذه الاية وهي قوله تعالى تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين فعليّ عليه السلام هو الال وهو اول الال واليه آل باقي الال صلى الله عليه وعليهم اجمعين
ثم انه عليه السلم لما بين الدلايل الدالة على ولايتهم اورد الدلايل الدالة صريحا على البراءة من اعدائهم لان كلا من الامرين مقرون بالاخر كالصلوة والزكوة لا تقبل الصلوة الا باداء الزكوة قال عليه السلم
فقال عليه السلم : ثم وردت حقايق الاخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله عن الصادقين عليهما السلم نقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الاخبار فرضا واجبا على كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه الا اهل العناد وذلك ان اقاويل الرسول (ص) متصلة بقول الله ( بقوله خل ) تعالى وذلك مثل قوله في محكم كتابه ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا وجدنا نظير هذه الاية قول رسول الله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فقد يوشك ان ينتقم منه وكذلك قوله صلى الله عليه وآله من احب عليا فقد احبني ومن احبني فقد احب الله تعالى ومثل قوله في بني وليعة لابعثن اليهم رجلا كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قم يا علي فسر اليهم وقوله (ص) يوم خيبر لابعثن اليهم غدا رجلا كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالفتح قبل التوجه فاستشرق ( التوجيه فاستشرف خل ) لكلامه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان من الغد دعا عليا فبعثه اليهم فاصطفيه بهذه المنقبة وسماه كرارا غير فرار وسماه محبا لله ورسوله واخبر ان الله ورسوله يحبانه
اقول كلامه هذا ظاهر وان كان قد اومى فيه اشياء منها انه قد اسس سابقا في اثبات الولاية اصولا ضرورية فاسس في البرائة من اعدائهم اصولا مثل تلك مما رووه وتواتر وشهد القران بتصديقها فنبه بقوله { وذلك ان اقاويل الرسول صلى الله عليه وآله متصلة بقول الله تعالى وذلك مثل قوله تعالى ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة } الاية ثم قال عليه السلم { ووجدنا نظير هذه الاية قول رسول الله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله الحديث كذلك قوله صلى الله عليه وآله فاطمة بضعة مني من اذاها فقد آذاني } فبين عليه السلم ما رتب رسول الله صلى الله عليه وآله مع قوله تعالى قياسا من الشكل الاول مقدماته مسلمة ضرورة ليظهر الحال على ذلك المنوال فافهم وبنو وليعة قال في القاموس بنو وليعة كسفينة حي من كندة وكندة بالكسر لقب عمرو بن عفير ابي حي من اليمن
وقوله عليه السلم { فقضي رسول الله بالفتح قبل التوجيه } يريد به ان قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالفتح في قوله (ص) يفتح الله عليه لو لم يكن عن امر من الله بذلك لما قضى لان الله هو الذي ( الذي يقضي وخل ) لا يقضي عليه وكذا اخباره صلى الله عليه وآله بانه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وليس ذلك الا لاتباعه رسول الله صلى الله عليه وآله في كل حال قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فاذا احبه كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث وهذا من فروع الاصل الاول ومن فروع الاصل الثاني مما طوى في استشهاده في الاية ان الذين يؤذون الله ورسوله وفي الحديث قوله صلى الله عليه وآله من آذي عليا فقد آذاني يوم التبليغ ببرائة قول جبرئيل عن الله تعالى لا يؤدي عنك الا انت او رجل منك ومن لم يكن منه لم يتبعه فمن تبعني فانه مني
ولما كان مراده عليه السلم من تقديم هذا الكلام الذي ليس مسئولا بيان بناء ذلك الفرع كما بيناه انفا على هذا الاصل ولما قدمناه فلاحظ هناك وتم ما اصل على اكمل وجه قال عليه السلم : وانما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما اوردنا وقوة لما نحن مبينوه من امر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع امورنا
اقول لعمري قد ( لقد خل ) اشار الى المنزلة بين المنزلتين بما لا مزيد عليه ولكنه بالاشارة وهو قوله { وبالله العون والقوة } فنفى التفويض وقوله { عليه نتوكل } منزلة بين المنزلتين حيث قال { عليه } فادخل الجار الذي هو متعلق نتوكل على ضمير الواجب سبحانه واسند نتوكل الى نفسه الذي هو الخلق بمعنى صدوره عنه ( منه خل ) متعلقا عليه سبحانه وقوله { في جميع امورنا } نفي للجبر فافهم
ولما فرغ من التأسيس شرع في المطلوب فقال عليه السلم : فانا نبدء من ذلك بقول الصادق عليه السلم لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد والراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله فهذه خمسة اشياء جمع الصادق عليه السلم مواقع الفعل فاذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه فاخبر الصادق عليه السلم باصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق به هذا الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات ايات رسوله (ص) لان الرسول صلى الله عليه وآله لا يعدو شيء من قوله صلى الله عليه وآله واقاويلهم عليهم السلم حدود القران فاذا وردت حقايق الاخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه الا اهل العناد كما ذكرنا في اول الكتاب ولما التمسنا ما قاله الصادق عليه السلم من المنزلة بين المنزلتين وانكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا
فاقول وبالله المستعان ان قيل كيف استدل بكلام الصادق عليه السلم على اثبات المنزلة بين المنزلتين ونفي الجبر والتفويض وما قدم من المقدمة التي جعلها اساسا لهذا بدليل قوله عليه السلم { وانما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما اوردنا وقوة لما نحن مبينوه } الخ وليس فيها ذكر دليل يدل الا على وجوب الاقتداء بعلي عليه السلم دون الائمة عليهم السلم قلنا اذا ثبت امامة علي عليه السلم وعصمته ووجوب طاعته ثبت لولده عليهم السلم الى القائم عليه السلم ما ثبت له (ع) لانه قد نص على ذلك عن الله واوجب لهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وآله ما وجب له فلا فرق في وجوب الاقتداء بهم وعصمتهم وفي جميع ما يحتاج اليه الخلق من امور دينهم ودنياهم بينه وبينهم على انه قد ذكر النص عما ( فيما خل ) مضى دالا عليهم مثل قوله صلى الله عليه وآله وعترتي اهل بيتي ولقد روى الخصم في النص عليهم عليهم السلم ما لا تكاد يحصى فمن ذلك ما رواه الشيخ الفقيه ابو الحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن شاذان عنهم بسنده عن ابيسليمان الراعي لرسول الله صلى الله عليه وآله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ليلة اسرى به الى السماء قال لي الجليل جل جلاله امن الرسول بما انزل اليه من ربه قلت والمؤمنون قال صدقت يا محمد من خلفت في امتك قلت خيرها قال علي بن ابيطالب قلت نعم يا رب قال يا محمد اني اطلعت الى الارض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من اسمائي فلا اذكر في موضع الا ذكرتك معي فانا المحمود وانت محمد ثم اطلعت الثانية منها فاخترت منها عليا وشققت له اسما من اسمائي فانا الاعلى وهو علي يا محمد اني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولا يتكم على اهل السموات واهل الارضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو ان عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم اتاني جاحدا لولايتكم ماغفرت له حتى يقر بولايتكم يا محمد ( محمد اتريد خل ) تحب ( او اتحب خل ) ان تريهم قلت نعم يا رب فقال ( فقال لي خل ) التفت عن يمين العرش فالتفت فاذا انا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد المهدي صلوات الله عليهم في ضحضاح من نور قيام يصلون وهو في وسطهم يعني المهدي يضيء كأنه كوكب دري فقال يا محمد هؤلاء الحجج وهذا الثائر الثاقب من عترتك وعزتي وجلالي لهو الحجة الواجبة لاوليائي والمنتقم من اعدائي بهم يمسك الله السموات ان تقع على الارض الا باذنه ه وروى بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي انا مدينة الحكمة وانت يا علي بابها ولن تؤتى المدينة الا من قبل الباب وكذب من زعم انه يحبني ويبغضك لانك مني وانا منك لحمك من لحمي ودمك من دمي وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي وعلانيتك من علانيتي وانت امام امتي وخليفتي عليها من بعدي سعد من اطاعك وشقي من عصاك وربح من تولاك وخسر من عاداك وفاز من لزمك وخسر من فارقك مثلك ومثل الائمة من ولدك مثل سفينة نوح من ركبها نجي ومن تخلف عنها غرق ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم اخر الى يوم القيمة وروى بسنده عن ابن عباس ايضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول معاشر الناس اعلموا ان لله بابا من دخله امن من النار ومن الفزع الاكبر فقام اليه ابو سعيد الخدري فقال يا رسول الله اهدنا الى هذا الباب حتى نعرفه قال هو علي بن ابيطالب سيد الوصيين وامير المؤمنين واخو رسول رب العالمين وخليفة الله على الناس اجمعين معاشر الناس من احب ان يتمسك بالعروة التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية علي بن ابيطالب عليه السلم فان ولايته ولايتي وطاعته طاعتي معاشر الناس من احب ان يعرف الحجة بعدي فليعرف علي بن ابيطالب معاشر الناس من سره ان يقتدي بي فعليه ان يتولى بولاية علي بن ابيطالب عليه السلم بعدي والائمة من ذريتي فانهم خزائن علمي فقام اليه جابر بن عبد الله الانصاري فقال يا رسول الله وما عدة الائمة فقال (ص) يا جابر سألتني رحمك الله عن الاسلام باجمعه عدتهم عدة الشهور وهو عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض وعدتهم عدة العيون التي انفجرت لموسى بن عمران حين ضرب بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وعدتهم عدة نقباء بني اسرائيل قال الله تعالى ولقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا فالائمة يا جابر اثني عشر اماما اولهم علي بن ابيطالب واخرهم القائم عليهم السلم وروي ايضا عن سلمان المحمدي قال دخلت على النبي صلى الله عليه وآله واذا الحسين بن علي عليهما السلم على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول انت لسيد بن سيد ابو السادات وانت امام ابن امام ابو الائمة انت حجة ابن حجة ابو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم ه الى غير ذلك مما ورد في حقهم عليهم السلم بطريق الخصم وحيث كان هذا الامر مع شهرته لا اشكال فيه اقتصر عليه السلم على اثباته من طريق الضرورة في حق الخصم في علي عليه السلم لدخول ذلك فيه عند الكل ولما فرغ من تمهيد ما ينبغي تمهيده للايضاح والافصاح شرع ( شرع في المقصود خل ) من بيان المنزلة بين المنزلتين واستدل بكلام الصادق عليه السلم لجمعه لكل شروط المنزلة ولانه ابعد عن التوهم الحاصل من الخصم وممن توهم صدقهم بأن يكون كلامه ليس من عنده ليكون اوقع في نفوسهم وليعلموا ان هذا شيء كان عليه السلف المحقون واقتفاهم الخلف على ذلك وفسر عليه السلم المنزلة بهذه الخمسة الاشياء التي يلزم من حصولها وتحققها المنزلة بين المنزلتين وهي { صحة الخلقة } لئلا يعزم المكلف على الفعل فلا يتمكن منه اذا اعوزته الالة اما بعدمها او بفسادها او بعدم صلوحها لضد ذلك الفعل لانه اذا لم تصلح الالة للضد لم تكن صالحة للفعل اذ وجود الضد لذي الضد من تمام قابلية ضده للوجود كما اشرنا اليه سابقا وفسرناه في رسالتنا الموضوعة في المسئلة والثاني { تخلية السرب } وهو بفتح السين وبكسرها الطريق والمراد بتخلية الطريق الا يكون له صاد عما يشتهيه من الفعل فيكون غير مختار والثالث { المهلة في الوقت } بأن يكون وقت الفعل الذي يميل اليه يسع كل ما يحتاج اليه الفاعل في الفعل من الحركات والسكنات والاسباب الى غير ذلك مما يتوقف الفعل عليه والرابع { الزاد والراحلة } اما الزاد فللقوت المستلزم عدمه لهدم البدن وتحلل القوي والالات فالزاد ضروري له فهو شرط في البقاء للفعل مدة الفعل وما يتوقف عليه واما الراحلة فشرط في قطع المسافة التي يتوقف عليها الفعل والخامس { السبب المهيج للفاعل على الفعل } وحقيقته ميل تحرك الشهوة التي تركبت في الانسان يعني ميل وجوده الى بعض كمالاته او ميل ماهيته الى بعض كمالاتها فالشرط الاول في الغيب تمام الاقتضاء لما ( لما له خل ) في الامكان في كل رتبة بحسبها والشرط الثاني الا يحجبه من حجب الجلال حجاب بسبب تخليته من المدد والمراد بالمدد هنا ما به يقدر على ما يراد منه كما قال عليه السلم جعل فيهم ما ان ( اذا خل ) سئلوا اجابوا ه والشرط الثالث ما يسع ما يراد منه عند ارادته من الزمان والدهر والسرمد والشرط الرابع ما يتقوم به حيوة صدره من العلم وقلبه من اليقين وفؤاده من المعرفة فزاد الصدر العلم وراحلته مثاله وحسه المشترك وزاد قلبه اليقين وراحلته نفسه وخياله وزاد الفؤاد المعرفة وراحلته عقله وقلبه والشرط الخامس شوق الاقتضاء لما له مما اقتضاه ثم لما كانت هذه الشروط موجودة بالحق لانها سبيل الله الى ايجاد افعالهم بهم ليجزي قوما بما كانوا يكسبون سيجزيهم وصفهم وسبيل الله الحق حق لم يصح ان يخلق الا للحق والطاعة ولما كانت الطاعة لا تكون من فاعلها طاعة الا اذا فعلها وترك ضدها مع القدرة عليه ولا قدرة الا بهذه الشروط الخمسة فوجب في الحكمة ان تكون هذه الشروط الخمسة صالحة للمعصية ليتمكن منها وان لم تكن مخلوقة لها بالذات فهي مخلوقة لها بالعرض لكون صلوحها للمعصية من تمام صلوحها للطاعة من حيث هي طاعة والاصل في ذلك ان الوجود نور الله فهو من حيث كونه حقا بالله لا شيئية له وهو من حيث نفسه مهية لانها انفعال لا يتحقق الفعل بدونه فالوجود شيء بالله والمهية شيء بالوجود فهي لم تشم رايحة الوجود وانما كانت بتبعية الوجود نعم الوجود لا يتحقق بدونها لانه مصنوع ولا يمكن ان يتقوم شيء فرد من المخلوقات الا مع اقترانه بضده وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وقال الرضا عليه السلم ولم يجعل شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده والله تعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه والخلق يمسك بعضه بعضا باذن الله ومشيته الحديث فالمهية ظل الوجود وما لها ظل لما له ولذلك قلنا ان الشروط للوجود بالذات وللمهية بالعرض ليصح ما للوجود بالذات وهو قوله عليه السلم يمسك الاشياء باظلتها فكانت هذه الخمسة شروطا للفعل من طاعة او معصية ولذلك قال عليه السلم { فهذه خمسة اشياء جمع بها الصادق عليه السلم مواقع الفعل فاذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسبه } ه ولو كان الامر كما قالته الاشاعرة لما سقط عنه ما يراد منه وان لم تحصل هذه الشروط فيلزم تكليف ما لا يطاق او كما قالته المعتزلة لم يتوقف الفعل على شيء منها فيلزم الشقاق فشهد الكتاب بذلك ونفي ما ظنه الجبريون حيث قال تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها وما تشاؤن الا ان يشاء الله رب العالمين
وقوله عليه السلم { فاخبر الصادق عليه السلم باصل ما يجب على الناس من طلب معرفته } يريد ( يريد به خل ) انه عليه السلم دلهم على معرفة ربهم حيث اسس لهم تلك المعرفة بأن شروط الفعل هذه الخمسة لينتفي الجبر بتوقف الفعل عليها وليبطل التفويض لحاجتهم اليها وعدم استقلالهم لان من وصف الله وعبده بالجبر والتفويض لم يعرفه وانما وصف وعبد شيطانا ظالما واناثا عاجزا
وقوله عليه السلم { ونطق القران بتصديقه فشهد بذلك محكمات ايات رسوله (ص) لان الرسول صلى الله عليه وآله لا يعدو شيء من قوله صلى الله عليه وآله واقاويلهم عليهم السلم حدود القران } يعني به مثل قوله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر وقوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وما تشاؤن الا ان يشاء الله حيث جعل الحال بين بين وهي اسناد الفعل اليهم لا مطلقا بل يكون موقوفا على فعله ومشيته فقوله وعلى الله قصد السبيل بين فيه ان قصد السبيل اي الحق والخبر عليه فهو منه واليه يعود بالكمال وان كان بالعبد القاصد المهتدي وان السبيل الجائرة من نفسها لا من الله ولا اليه وان كان لا تكون الا بالله وقال تعالى وما رميت فنفى عنه حقيقة ما اسنده اليه بقوله اذ رميت ولكن الله رمى فيكون ( فيكون الرمي خل ) من الله بالعبد لانه نفاه عنه اولا واخرا واسنده اليه ظاهرا وقوله تعالى وما تشاؤن نفى عنهم حقيقة ما اسنده اليهم واخبر عنهم بقوله تشاؤن المتوقف على مشيته يعني اذا شاء الله شاؤا ولو استقلوا لشاؤا ما شاؤا وان لم يشأ الله ولو لم يكن لهم اعتبار في الفعل اصلا كما يقوله الاشعري لما صح ان يقال اذا شاء الله ان يشاء العبد شاء العبد لانه اذا صح اسناد الفعل اليه كان فاعلا ولانه لولا ذلك لما اختص زيد بفعله دون عمرو لان ذلك الفعل على قولهم مخلوق لله فليس احدهما اولى به من الاخر ولما صح ان يقول تعالى سيجزيهم وصفهم اذ لا وصف لهم نعم اذا قلنا انه مخلوق لله بالفاعل صح وصف الفاعل بذلك الفعل الذي كان به سواء كان منه بالله كالمعصية او كان من الله بالعبد كالطاعة فمشية العبد للطاعة بالذات من مشية الله لها بالذات ومشية العبد للمعصية بالذات من مشية الله لها بالعرض لكونها غير مشاءة لذاتها بل للطاعة لانها من تمام قابلية الطاعة للوجود فافهم وقد مر مكررا فراجع وهذا هو المنزلة بين المنزلتين التي هي اوسع مما بين السماء والارض وذلك ان الاشعري قال ان الافعال من الله ليس للعباد فيها اعتبار وانما اجرى عادته سبحانه انه يخلق عند اسباب ظاهرا وليست باسباب حقيقة ولا مدخل لها في الفعل وقال المعتزلي ان العبد مستقل بفعله على وفق ارادته وطبق اختياره فالاول جبر بلا شك والثاني تفويض بلا ريب وبينهما ما قلنا وهو ان الطاعة من الله واليه تعود واليه ( تعود اليه خل ) يصعد الكلم الطيب والعبد لانها صفته فلا تظهر الا به لان وجودها متوقف على وجود العبد وهو ظاهر والمعصية من العبد واليه تعود يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه لانها صفته لكنها لا تكون الا بالله وما تشاؤن الا ان يشاء الله وهذه هي المنزلة بين المنزلتين فاذا قال عليه السلم لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين شهد الكتاب بقوله (ع) كما بينا سابقا وقوله صلى الله عليه وآله { وهي الصحة } الخ تبيين لشروط صحة تحقق المنزلة على حسب احوال الفاعل وباقي كلامه عليه صلوات الله وسلامه ظاهر مبين
قال عليه السلم : وخبر عنه ايضا موافق لهذا ان الصادق عليه السلم سئل هل جبر الله تعالى العباد على المعاصي فقال الصادق عليه السلم هو اعدل من ذلك فقيل له فهل فوض اليهم فقال هو اعز واقهر لهم من ذلك
اقول استشهد عليه السلم باخر من قول جده الصادق عليه السلم مما شهد به الكتاب وصدقه ووافقه وفيه مع ذلك ابطال للمنزلتين فقال عليه السلم نفيا للجبر { هو اعدل من ذلك } لان الذي يفعل الظلم في عبده ويعاقبه عليه وليس للعبد فيما اجري عليه مدخل بوجه يكون جائرا ظالما ويلزمه ايضا ان يكون محتاجا لانه ضعيف وانما يحتاج الى الظلم الضعيف فبين بطلان منزلة الجبر بدليل عقلي قد شهد له القران وصدقه قال تعالى وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين وما ربك بظلام للعبيد واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء الاية الى غير ذلك بحيث لا ينكره الا اهل العناد الذين لا يقبلون الحق حتى يفتح الله عليهم بابا ذا عذاب شديد وقال عليه السلم نفيا للتفويض { هو اعز واقهر لهم من ذلك } لان من اهمل عبيده في ملكه يفعلون فيه ما شاؤا حتى انهم يفعلون ما لا يحب ليس بعزيز منتقم ولا بقادر قاهر لهم فبين عليه السلم بطلان التفويض بدليل عقلي قد شهد له الكتاب وصدقه ووافقه لانك اذا تدبرت القران عرفت ان الخلق ليس لهم حركة ولا سكون الا والله له حافظ وعليه رقيب وله مقدر وهو كثير مثل او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد والله من ورائهم محيط ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله سواء منهم من اسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار وهو القاهر فوق عباده لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ام حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون ولكن ظننتم ان الله لا يعلم كثيرا مما تعملون نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا الايات وما كنا عن الخلق غافلين الى غير ذلك من الايات مما ينافي التفويض ولا تتوهم ان هذه الايات لا دلالة فيها او في اكثرها على المطلوب بل فيها كلها تمام الدلالة وحقيقتها ولا يمنعني من بيان ذلك الا خوف التطويل وقال الرضا عليه السلم ان الله لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه الحديث فاذا انتفي المنزلتان بهذا الحديث الحق الذي شهد له الكتاب وجب على الامة قبوله ولزمهم من ذلك القول بالمنزلة بينهما اذ لا رابعة
قال عليه السلام : وروي عنه انه قال (ع) ( الناس خل ) في القدر على ثلثة اوجه رجل يزعم ان الامر مفوض اليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك لانه اذا ادعى ما ليس عنده وكل الى ما ادعاه وليس له من الامر شيء وما تملك من قطمير ان تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم فاذا وكل الى ما توهمه واشتد به ظماء الامكان حسب ذلك السراب ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه واي هالك افقد حيوة منه
ورجل يزعم ان الله عز وجل اجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك لانه سبحانه ( لان الله تعالى خل ) قال في الحديث القدسي انا عند ظن عبدي بي ان خيرا فخير وان شرا فشر فاذا زعم ذلك ظلم الله في حكمه بتشديد اللام جعله ظالما فاذا فعل ذلك كان عند ظنه ذلك بان يعامله في الجزاء معاملة من لم يتجاوز عن صغيرة ولا كبيرة وكلفه من عدله ما لا يطيق لظنه بربه ذلك لانه زعم انه اجبرهم فقد كلفهم ما لا يطيقون ( لا يطيقونه خل ) حيث يعاقبهم على ما لا قدرة لهم على الامتناع ( الامتناع عنه خل ) فهو هالك واي هالك اشد ممن حجب ( حجب الله خل ) عنه خيره اللهم عاملنا بعفوك ولا تعاملنا بعدلك يا كريم
ورجل يزعم ان الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فاذا احسن حمد الله واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم تابع
وقوله (ع) { يزعم } هنا ليس المراد به معنى الاولين لانهما بمعنى الكذب والباطل والاخير بمعنى الحق واليقين وفي القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد انتهى فيقول هذا يزعم اي يتحقق ويتيقن وفي القاموس ايضا واكثر ما يقال فيما يشك فيه انتهى فيكون هذا الاخير على المعنى الاول ظاهرا وعلى الثاني لا يجري الا في الاولين صاحب الجبر وصاحب التفويض لانهما شاكان فيما اعتقداه لمخالفته لفطرتهم ووجدانهم فان كل من له ادنى تميز يجد من نفسه انه غير مجبور لظهور اختياره في جميع افعاله وغير مفوض اليه لان ارادته وافعاله لا تتم له كلما اراد بل قد يريد ولا يكون ما يريد وقد يريد ثم تنقض ارادته فلا يقول بخلاف وجدانه وفطرته الا وهو شاك وانما جاءه الشك بعد تركه اليقين وانما حصل له الشك الذي هو تساوي الطرفين من جهة طينته وفطرته ويمكن ان نقول ان الشك يجري على بعض افراد القائلين بالحق مجازا وهم الذين قالوا ذلك لا عن علم ذوقي ودليل كشفي لان من لم يكن كذلك لا يعرف من المنزلة بين المنزلتين الا العبارة وهي وان كانت تكفيه في السلامة ما لم يركب الشطط في التأويلات والعبارات فان التصرف فيهما لغير المعاين يخرجه عن الاستقامة الا ان معرفة ذلك بهذه المنزلة لفظا ليست معرفة حقيقة بل هي مجاز الحقيقة وهي مظنة الشك فلو عبر عنه بذلك لذلك لم يكن بعيدا هذا والظاهر انه لا يجري في المحق وانما اوردت هذا الاحتمال تحذيرا من حال صاحب هذا الحال وحثا على معارج المعالي والكمال فقوله كلفهم ما يطيقون ( يطيقونه خل ) اه يعني من الفعل والارادة ولو جاز تكليف ما لا يطاق لجاز كل ما يشمله ذلك ويتناوله فيثيب العاصي وابليس ويعاقب من اطاع امره على طاعته وغير ذلك من الامور الشنيعة
وقوله { فاذا احسن حمد الله } يشير به الى انه عرف المنزلة بين المنزلتين وان كان على سبيل الاجمال فاذا احسن عرف انها نعمة امتن بها عليه ووفقه لها فحمد الله على تلك النعمة التي لولا فضله لماوفق لها ولا استحقها { واذا اساء استغفر الله } لانها بائقة ( تائبا خل ) منه نهاه الله عنها وفعلها باختياره جرأة على نهيه وعدم ثقة بنصحه فانه تعالى انما نهيهم لمصلحتهم قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر نهيهم عما فيه هلاكهم فتركوا نصيحته واتبعوا دعوة عدوهم الشيطان قال تعالى أفتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا فاذا استشعر ذلك استغفر الله وتاب ومن كان كذلك فهو { مسلم } فوض الامر الى الله ونزهه عما لا يليق بجلاله وعمل بكتابه
قال عليه السلم : فاخبر ان من يعتقد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق
قوله عليه السلام { فاخبر } يعني ان الصادق عليه السلام { ان من يعتقد الجبر } وهو من زعم ان الله اجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون كما مر { وان من يعتقد التفويض } وهو من زعم ان الامر مفوض اليه انهم هالكون لانهم ( لانهم على خل ) خلاف الحق
ثم قال عليه السلم : فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ وان الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما اي بين معتقد القائل بالجبر وبين معتقد القائل بالتفويض لان القول بالجبر تظليم لله العدل الغني المطلق والقول بالتفويض فيه لزوم المشاركة لله في سلطانه وتصرف في ملكه لا كما اراد وذلك كما ترى والقول بالمنزلة كما ذكرنا فيه تعظيم لله عن ظلم العبيد كما اخبر لان افعالهم صادرة عنهم فخيرها لهم وشرها عليهم وفيه تعظيم شأنه وكمال قدرته وسلطانه كما امر لانهم لا حول لهم عن المعاصي ولا قوة لهم على الطاعة الا بالله
ثم قال عليه السلم : واضرب لكل باب من هذه الابواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل به البحث عن شرحه يشهد به محكمات ايات الكتاب ويتحقق تصديقه عند ذوي الالباب وبالله التوفيق والعصمة فاما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم ان الله عز وجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله ولا يظلم ربك احدا وقوله ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد وقوله ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون مع آي كثيرة في ذلك هذا فمن زعم ان الله يجبر على المعاصي فقد احال بذنبه على الله وقد ظلمه في عقوبته ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجماع الامة
شرع عليه السلم في بيان ما في القول بالجبر والتفويض من المفاسد والخروج عن الملة عقلا ونقلا بعد ان بين الدليل على بطلانهما وصحة القول بالمنزلة بينهما بالدليل القطعي كما مر فبين (ع) خطاء القول بالجبر اولا لما فيه من مخالفة الوجدان حيث ان الاختيار في الفاعلين من كل متحرك بالارادة من جميع الحيوانات ظاهرا لا يحتاج الى تأمل عند كل احد بل عند العارفين ان الجبر غير متحقق في الخلق لا في التشريعي ولا في التكويني فانكاره لا يكون عن شبهة بل عناد لا يخفي فلذا ذكره اولا اهتماما بابطاله بخلاف التفويض فان الاوهام سبقت على دعوى الانية في حالة الطفولية الى ان شب على ذلك وشاب على انه في زعمه مستقل وان اعتقد ان له ربا وان عليه رقيبا ولكن لم يعرفه ولم يصفه بصفته بل اعتقد الفصل بينه وبين خالقه وان خالقه بائن منه بينونة عزلة فحصره واشار اليه وليس خالقه محصورا ولا مشارا اليه فهوده ونصره ابواه المادة والصورة فهو ميت لم يبعث من قبر طبيعته فهو في الظلمات ليس بخارج منها اي ظلمات الانية وما يترتب عليها فلم ينكشف له الحال في هذه الحال كانكشافها للجبري ولهذا اكثر الطايفة المحقة اشتبه عليهم مذهب المعتزلة في هذه المسئلة بالحق حتى انهم اولوا التفويض على غير حقيقته استحسانا منهم لمذهبهم فقالوا ليس هذا قدرا وانما هو المنزلة الوسطي المثلي حتى انهم اذا قالوا العدلية عنوا بهم الامامية والمعتزلة زعما منهم انهم اتفقوا على القول بالعدل هنا وليس كذلك بل غلطوا وقال اكثر المتكلمين بالتفويض وهو لا يعلم حتى انه يقول لا جبر ولا تفويض هو المذهب الحق ويريد منه ان معناه ان الله خلق الالة والصحة وهي التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل وامر العبد ونهاه وعرفه النجدين واعطاه من كل ما يتوقف عليه الفعل على فهمهم ثم خلاه وما عنده فهو يتحرك بما عنده على سبيل الاستقلال
وقد ذكر الشيخ محمد بن ابي جمهور الاحسائي في شرحه على زاد المسافرين للعلامة بعد ان ذكر مذهب الاشاعرة قال : وذهبت المعتزلة والامامية والزيدية المسمون في هذا البحث بالعدلية الى ان افعال الواقعة من المكلفين بحسب مقصودهم ودواعيهم منسوبة اليهم وهم الفاعلون لها ولا تأثير لله فيها انتهى ولا يخفى على العارف البصير انهم وان لم يقولوا بالاستقلال ولكن معنى كلامهم ذلك فلا يلحظون الا اياه انظر الى ما قال هذا الشيخ وهو شيخهم ورئيسهم ليس لاحد منهم فوقه من المرتبة الا العارفون اصحاب الشهود وقال في المجلي في هذه المسئلة : والافعال الصادرة عند دواعيهم هو موجدها بالاختيار لا على سبيل الاستقلال بل باعتبار خلق الالات فجعل خلق الالات نفيا للاستقلال يعني انه ليس في ذلك الا خلق الالة وقال بعد ذلك : وليس فعل الالة مستلزما لفعل ما يقع بها من غير قائلها ( فاعلها خل ) ضرورة ان حداد السيف غير قاتل الخ وهو ظاهر كما قلنا ثم قال في الكتاب المشار اليه المسمى بالمجلي وهو احسن ما صنف في المعارف الخمس وله فيه تعمقات قال في هذا الموضع : وقال بعض المعتزلة معناه ليس بمنفي القدرة والاختيار ليكون غير فاعل البتة الذي هو معنى جبره ولا مفوض اليه بحيث يكون مستقلا بادخال افعاله في الوجود من دون العناية الالهية والتدبير الكلي بل ( بل لما خل ) اعطاه الله شرايط يتمكن بها من الفعل فقد جعل زمام الاختيار بيده فصح ان يكون فاعلا بالحقيقة ولكن غير مستقل ( مستقل به خل ) بالكلية بل بواسطة خلق الالات وهو قريب الى الصواب انتهى ولا يخفي ان هذا وامثاله صريح في الاستقلال وان قال صاحبه انه غير مستقل فان ذلك لا يجديه بعد تصريحه ولهذا تنبه (ره) لبعض ما قلنا فقال بعد قوله وهذا قريب الى الصواب قال : لكنه اما ان يصدق عليه باعطاء هذه الشرايط انه فاعل حقيقة او لا فمن الاول يلزم التفويض ومن الثاني يلزم الجبر فلا واسطة ثم قال (ره) بعد ذلك : ولبعض الفضلاء وجه رابع وهو ان يلاحظ في هذا الفعل صحة النسبتين على الحقيقة لان وقوع الفعل من المباشر القريب انما هو باعتبار فيض الشرايط والتوفيقات ورفع الموانع الا انه لما كان هو العلة القريبة صح اسناد التأثير اليه حقيقة وان ( لو خل ) اسند الى العلة المقتضية لتلك الشرايط والاسباب التي لولاها ولولا التوفيقات والامدادات الالهية معها لماحصل شيء في الوجود صح ايضا حقيقة لان علة العلة علة بالحقيقة فلا جبر حينئذ لجواز الاسناد الى المباشر القريب بطريق الحقيقة ولا تفويض لجواز الاسناد الى العلة الذاتية وهذا بالصواب انسب مما تقدمه الا ان الواسطة بين الامرين لم تتعين في هذا التقرير اذ ليس فيه الا جواز الاسناد الى الطرفين فكان ذلك شركة في الفعل بين فاعلين ( الفاعلين خل ) بل الحق في اثبات هذه الواسطة ما سنح لهذا الفقير وهو انه قد تقرر في باب توحيد الافعال انه لا فاعل في الوجود الا الله لان المتعمق في هذا المقام لا ينظر الا الحق وافعاله فالكل له وبه ومنه واليه بل وينتهي الى التوحيد الوجودي فلا ترى في الوجود الا هو كل شيء هالك الا وجهه فلا فاعل ولا مفعول ولا اثر ولا مؤثر وفي هذا المقام تنتفي نسبة شيء الى غيره له الخلق كله واليه ترجع الامور ثم اذا نزل المحقق عن درجة التوحيدين ولاحظ الكثرات الوجودية الظهورية بمناسباتها واطوارها المتعددة المقتضية لحسن النظام والترتيب الواقع على احسن الوجوه وابدعها وجب ان يلاحظ الاسباب والمسببات واسناد اثارها اليها ويتنزل معه الى مقام الشريعة واثبات التكليف والاحتياج الى الشارع الظاهر بصورة النوع المرشد والعلم ( المعلم خل ) بوضع السياسات والاداب الشرعية والعقلية لاصلاح النوع وانتظام اجتماعه الضروري في بقائه وتكميل الاشخاص باخراجهم من القوة الى الفعل وكل ذلك بدون استناد افعالهم اليهم وانهم المباشرون لها المعاقبون عليها المثابون على ايجادها محال وحينئذ لا جبر بالنسبة الى المقام الثاني ولا تفويض بالنسبة الى المقام الاول بل امر بين امرين ( الامرين خل ) بمعنى ان الطالب للحق لا يشتغل بمقام واحد ويجعل الاخر وراء ظهره حتى يكون في احد طرفي الافراط والتفريط بل يجب ان يجمع بين المقامين ويلاحظ الحالين ويعرف المرتبتين الخ
اقول ما ذكره (ره) من اختياره لا يؤدي على الظاهر الا مؤدي القول الذي قبله وان كان كلاما مزخرفا فانه بعيد عن الصواب كالاقوال التي قبله وبيان ما فيها من الخطأ فيما اقوله لك فافهمه واما قول بعض المعتزلة الذي ذكره فهو تفويض لا شك فيه عند من نشق نسيم العرفان واما القول الذي بعده فانه يشبه الحق وليس بحق لان قوله وان استند الى العلة المقتضية الخ ان اراد ان غاية اقتضائها للاسباب لا غير كان تفويضا كالاول وان اراد بالاقتضاء ان تكون العلة الثانية والمعلول فيه على السواء في القرب والبعد فهو جبر وان اراد ان اقتضاء العلة الاولى للمعلول انما هو باقتضائها للعلة الثانية المقتضية للمعلول من اقتضاء الاولى بالذات في الخير وباقتضائها بالعرض في الشر بأن تكون الاولى فاعلة بالثانية معلولها على الاعتبارين لانه صفتها اي الثانية فهذا هو الحق القويم والصراط المستقيم كما اشرنا اليه سابقا مرارا ويأتي الى ( الا خل ) ان الظاهر من كلامه الاحتمال الاول فلذا ( فلهذا خل ) حكمنا اليه بالخطأ ولا تغتر بقوله لان علة العلة علة فان لسانه ملحون واما ما اختاره شيخنا فانه لا جبر ولا تفويض ولا منزلة بين المنزلتين بل هو رأي رابع هو جبر وتفويض لان ملاحظة التوحيدين اللذين اراد جبر لا مرية فيه وملاحظة ظاهر التكليف تفويض لا شبهة فيه وملاحظة المحصل من المقامين معا نفي واثبات معا لا عبارة عنه ولا جواب له اللهم الا ان يريد ان هذه الافعال صفات الفاعلين الذين هم في ملاحظة التوحيدين ليس ( ليسوا خل ) بشيء وهناك كلام لشيء في شيء وهم في ملاحظة وجوداتهم المقيدة وازمنتهم المحددة اشياء بالله وافعالهم اشياء بهم والله الخالق قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال الا انهم في ازمنة وجودهم وامكنة حدودهم ايقاظ مختارون فجعلناه سميعا بصيرا لكنه لم يرد فتدبر كلامه لا يقال ان هذا مثل قوله لانا نقول ان قوله جعله اعتبارين في الاول لا شيء وفي الثاني شيء وقولنا في الاول وفي الثاني انهم شيء بالله والله شاء لهم افعالهم بما شاؤها من مشية الله في الطاعة وبمشيته في المعصية لا منها فافهم واشرب صافيا وقوله (ره) لبعض الفضلاء وجه رابع كان بعد ذكره لقولين الاول قال : وقد اختلف في تعيين هذه الواسطة فنقل عن بعض المتأخرين ان معناه ليس بمجبور على جميع افعاله بحيث لا يبقى له اختيار في شيء منها ولا مفوض في جميعها بحيث تكون له القدرة والاختيار على كل شيء منها بل بعضها يقع باختياره ويكون فعله بالحقيقة وبعضها واقع عليه بغير اختياره ويكون محلا قابلا لها ولا تكون فعله على الحقيقة وان صح نسبتها اليه على سبيل المجاز من حيث كونه محلا لها وهذا ضعيف فان ذلك نفي الواسطة ( للواسطة خل ) وتقسيم لافعاله على قسمين وظاهر الحديث اثبات واسطة يكذب عليها كل من الطرفين وقال بعض الاشاعرة انه ليس بمجبور من كل وجه حتى لا يصح نسبة الفعل اليه البتة ولا تكون مكتسبا بسببه ( بسبب خل ) والا لبطل التكليف وخلا عن الفايدة ولا مفوضا تثبت له قدرة مؤثرة واختيار يكون به علة في فعله والا لزم الشرك ونفي التوحيد بل امر بين ذلك وهو كونه كاسبا مكلفا قادرا مريدا وهذا ايضا ضعيف لان ذلك الكسب ان كان ( كان له خل ) به دخل في التأثير بوجه ما هو فاعل مفوض في الفعل الذي له التأثير فيه اي شيء كان وان لم يكن له به دخل في التأثير بوجه البتة فلا كسب فيتحقق الجبر المنفي في الحديث فلا معنى في هذه الواسطة ولا تحقق لثبوتها انتهى كلامه ناقلا عنهم وذكر بعد هذين القولين قول بعض المعتزلة المتقدم وما بعده ولا يمكن الكلام على بطلان هذه الاقوال الا بالاشارة وقد ذكرت ولقد خرجت عن الاقتصار والاختصار وذكرت هذه الاقوال في غير الموضع الذي ينبغي استطرادا عند ذكر اهل التفويض ولئلا تخلو هذه المسائل عن ذكر بعض اختلافهم في هذه المسئلة التي تحير فيها الخلق وضلت الادلاء
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
الا اني سلكت في شق هذه اللجة ما لم يسمح به الزمان ولا الدهر وانما ذلك من بحر السرمد وما فاض به ذلك البحر من المد فان عثرت على ما اعثرت عليه عرفت ان ليس وراء عبادان قرية
ولنرجع الى ما كنا فيه فنقول قال عليه السلم في بيان ما يلزم القائلين بالجبر { فاما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم ان الله عز وجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها } ومنهم من قال خلق فيهم المعاصي لا بهم بل منه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا { ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله } بتشديد لام ظلم ونصب الاسم الكريم اي نسب الظلم اليه وجعله ظالما لعباده { في حكمه } لانه اذا جبرهم على معصية او خلق فيهم ( فيهم معصيته لا بهم بل منه ثم عاقبهم على ذلك فقد ظلمهم من وجهين احدهما انه جبرهم على غير مصلحة تعود اليهم او خلق فيهم خل ) ما به مفسدتهم لا بهم بل منه وهو لا شك وضع الشيء لا في موضعه وهو الظلم وانما كان ذلك وضع شيء لا في موضعه لان كل شيء بينه وبين موضعه مناسبة لائقة تكون عن ذلك مزية لا تحصل بدون ذلك الوضع وثانيهما ان معاقبته لهم ظلم من وجهين احدهما انه عاقبهم بما لم يكن منهم موجبه وهو ظلم لا يخفى وثانيهما ان المعاقبة بدون الموجب وضع الشيء في غير موضعه وهو الظلم كما قلنا وقال عليه السلم { وكذبه ورد عليه قوله } يعني انه بقوله ان الله جبر العباد على المعاصي الخ تكذيب له في قوله وما انا بظلام للعبيد بأن هذا كلام مخالف للواقع وهو التكذيب وذلك رد لقوله في كتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد مثل { ولا يظلم ربك احدا } فقالوا بل ظلم ربك كل احد ومثل قوله { ذلك بما قدمت يداك } فقالوا بل بقدرتك وقضائك وقوله تعالى { وما ربك بظلام للعبيد } فقالوا بل جبرهم وظلمهم وقال تعالى { ان الله لا يظلم الناس شيئا } فقالوا بل ظلمهم كل شيء وقال تعالى { ولكن الناس انفسهم يظلمون } فقالوا بل ظلمهم ربهم { مع آي كثير من القران فمن زعم ان الله يجبر على المعاصي فقد احال بذنبه على الله } وذلك يستلزم ان لا يعاقب فاذا عاقبه فقد ظلمه وهو البتة معاقب له { فقد ظلمه } بتشديد اللام { في عقوبته ومن ظلمه كذلك فقد كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجماع الامة } وانما اسند الكفر الى تكذيب الكتاب دون قوله وهو سواء لوجهين : احدهما ان تكذيب كتابه اشنع عند الناس وفي الاوهام لشهرته فلا يمكن الشك لاحد في تكفير المكذب بالكتاب وثانيهما ان الكتاب مجمع عليه مقطوع به فاذا كان قطعي الدلالة وهو قطعي المتن لم يكن للمنكر ما يلتجئ اليه ويتعلل به بخلاف القول فانه وان وجد قطعي الدلالة لم يكد يوجد قطعي المتن الا اذا كان كتابا فان منكره قد لا يكفر لتحصيله الاحتمال المانع فلاجل ذلك اسند الكفر الى تكذيب الكتاب لا الى قوله
قال عليه السلم : ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه اي لا يقدر على شيء ولا يملك عرضا من الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه
انما قال { عبدا مملوكا لا يملك نفسه } اقتباسا من قوله تعالى عبدا مملوكا لا يقدر على شيء وانما قال { لا يقدر على شيء } للتأكيد ويجوز ان يكون لرفع المجاز بأن يلحظ في الملك ملك الاحسان والجميل وذلك يكون بين الاحرار ولا يلزم منه صحة المثل لجواز الاستقلال ولاجل ملاحظة عدم جواز الاستقلال في هذا المثال قال عليه السلم اي لا يقدر على شيء ثم اكده بقوله { ولا يملك عرضا } يعني لو قيل بجواز تملكه بالتمليك وقوله { يعلم ذلك منه } يريد انه اذا علم المولى ذلك صح ترتب المثل عليه وهو الحكم بالظلم لانه اذا لم يعلم لم يكن فعله المرتب على عدم العلم ظلما لكونه اعم منه لتطرق المعذورية على الجاهل لا على العالم
ثم قال عليه السلام : فامره على علم منه اي من المولى بانه لا يملك نفسه ولا يملك ما لا يمكن ان يشتري به شيئا بالمصير الى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته
وقوله عليه السلم { ولم يملكه } ليس المراد به الحكم بجواز التمليك لتصريحه بعدمه بل البيان شرط التمكن من الفعل المرتب عليه صحة المثل
ثم قال عليه السلم : وعلم المالك ان على الحاجة رقيبا لا يطمع احد في اخذها منه الا بما يرضي به من الثمن يعني انه لو امكن اخذها منه مجانا لجاء العذر للمولي في عقاب عبده الذي يقدر على اخذها مجانا ولم يكن المولى ظالما في ذلك في كثير من الصور
ثم قال عليه السلم : مع ان العبد لا يملك نفسه وهذا مبالغة في عدم الاستقلال
ثم قال عليه السلم : وقد وصف مالك العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفي الجور ه لانه لو لم يصف نفسه ولم يعلم ذلك منه كان تظليمه ليس بشناعة تظليم من وصف نفسه كذلك ثم كان منه خلاف ما وصف
ثم قال عليه السلم : واوعد عبده عليه ان لم يأته بحاجته ان يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته انه سيمنعه وعلم ان المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك ه انما قال عليه السلم هكذا ليتحقق عدم الجهل ولا يتجه في ذلك نوع عذر للمالك في شيء من ذلك
ثم قال عليه السلام : فلما صار العبد الى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها الا بشراء وليس يملك العبد ثمنها ه
وكل ذلك عن علم من المولى و( في خل ) جميع ذلك ( ذلك وان ذلك خل ) هو شرط استطاعة العبد لما امر بحيث لا يكون مقصرا بحسب مقدرته
فانصرف الى موليه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه عليه وعاقبه عليه اليس يجب في عدله وحكمته الا يعاقبه وهو يعلم ان عبده لا يملك عرضا من عرض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته فان عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ه
فاذا كان المالك ظالما في معاقبة عبده اذا لم يفعل ما امره لعجزه عنه بعدم تمكينه ( تمكينه مما خل ) لم يمكن الا به فكيف على زعم هذا القائل بالجبر الذي يعتقد ان جميع افعال العباد من الله هو الفاعل لها ولا مدخل للعباد بوجه ما ويعاقب من يشاء ويثيب من يشاء ولا يسئل عما يفعل فهذا ابلغ من لزوم الجور والظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
ثم قال عليه السلم : ومن زعم ان الله يرفع عن اهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده حيث يقول بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وقوله ان الذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وقوله ان الذين كفروا باياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما مع آي كثير في هذا الفن ه
هذا الكلام منه عليه السلم يجوز ان يكون المراد منه ان القول بالجبر يلزم منه على مقتضى قياسهم فرارا من القول بتظليم الله ان الله لا يعاقب اهل المعاصي لئلا يكون ظالما ويكونون قد كذبوا الله في وعيده كما قال في كتابه ويلزمهم من ذلك الكفر لتكذيبهم كتابه ويجوز ان يكون قد استطرد حكم المرجئة الذين يقولون انه لا يضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ولذا سموا بالمرجئة لاعتقادهم ان الله ارجى تعذيبهم عن المعاصي اي اخره عنهم اما لاشتراكهم فيما يلزم القائلين بالجبر اذا لم يقل الجبري بالتظليم من الكفر لانكارهم النص من الكتاب كاهل الجبر واما لان من جهال شيعته من قال بقولهم كما قالوا بالجبر والتفويض كما ذكر من اول هذه الرسالة ثم بين عليه السلم على الاحتمالات حكمهم وما يلزمهم
فقال عليه السلم : من كذب وعيد الله يلزم في تكذيب اية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ه
فهذه الاية وامثالها صريح في تعذيب العصاة وتخليدهم في النار فالمنكر لمدلولها كافر لدخوله في قوله وتكفرون ببعض ولاجماع الامة على كفر من رد حكم الكتاب الصريح
ثم انه عليه السلم اشار الى المنزلة بين المنزلتين بعد ابطال احدهما وهو الجبر ايضاحا لطريقها وردا على من تنكبها فقال عليه السلم : بل نقول ان الله عز وجل يجازي العباد على اعمالهم ويعاقبهم على افعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها ه من خلق الالة والصحة وهي القوة التي يكون العبد متحركا مستطيعا للفعل وتخلية السرب وامكان الزاد والراحلة وغير ذلك من السبب المهيج الى الفعل بتركيب ( وتركيب خل ) الشهوة المركبة فيه وميل كل من ركنيه الى ما يقتضيه ومن التأييد والخذلان عند تمام استعداده لاحد الطرفين وقد مر من هذا كثير فلاحظ ومن الامر والنهي والترغيب والترهيب اللذين هما مفتاحا التأييد والخذلان
ثم قال عليه السلم : بذلك نطق كتابه من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها وهم لا يظلمون ه ليبين بهذه الاية الشريفة ان العباد فاعلون قد اسند اليهم اعمالهم بقوله تعالى ومن جاء وانهم مجازون عليها بقوله تعالى فله عشر امثالها فلا يجزي الا مثلها ردا على الفريقين في الطريقين
ومثلها استشهاده عليه السلم بقوله : وقال جل ذكره يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا ويحذركم الله نفسه ه انما ذكر عليه السلم من هذه الاية الشريفة الى قوله تعالى ويحذركم الله نفسه للتنبيه على تحقيق الوعيد وان الامر مبني فيه على التسديد بخلاف ما اعتقدوا
ثم بين (ع) ان من يعمل مثقال ذرة خيرا يره وشرا يره فقال (ع) ( (ع) : وقال تعالى خل ) اليوم تجزي كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم ثم قال عليه السلم : فهذه الايات محكمات لنفي الجبر ومن دان به ومثلها في القران كثير اقتصرنا على ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق ه
ثم لما فرغ من ذكر حال الجبرية وما يلزمهم شرع في ذكر المفوضة وهم اصحاب المنزلة الثانية من المنزلتين فقال عليه السلم : واما التفويض الذي ابطله الصادق عليه السلم وخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل ان الله جل ذكره فوض للعباد اختيار امره ونهيه واهملهم ه
ذكر عليه السلم احد معنيي التفويض وهو تفويض الاختيار في الافعال والثاني تفويض الافعال والمآل في التأدي الى الاستقلال واحد ومعنى ذلك انهم يزعمون ان الله فوض اليهم اختيار الطاعات فهم مستقلون في ذلك بعد خلق الالة قادرون عليها من غير تهيئة الاسباب الوجودية من التأييدات والالطاف والعنايات التي بها قوام تلك القدرة والاستطاعات وفوض اليهم اختيار المعاصي فهم مستقلون كذلك قادرون عليها من غير تهيئة الاسباب العرضية العدمية من الخذلان والتجليات القهرية التي بها قوام تلك الدواعي والقدر والاستطاعات والمعنى الثاني فرع الاول ومرتب عليه والكلام على الاول كلام على الثاني ودعوى الاستقلال دعوى الاستغناء من الفقير الذي لا شيئية له ولا تحقق الا بالفقر الى الغني المطلق سبحانه وتعالى عما يشركون والى ذلك الاشارة بقوله { واهملهم } وقول المفوض الذي حكي عليه السلم عنه باطل لانه اذا اهمله ورفع عنه يده لم يكن شيئا ولكنهم لا يعلمون
ولو اهملهم بأن فوض اليهم ما به يفعلون ما شاؤا لم يكن ذلك كذلك الا بأن جعلهم محال ارادته ومهابط امره ونهيه فيلزمه الرضي بكل ما فعلوا واليه الاشارة بقوله عليه السلم : وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب الى تحريره ودقته الى هذا ذهبت ( ذهب خل ) الائمة المهدية من عترة الرسول صلى الله عليه وآله فانهم قالوا لو فوض اليهم على جهة الاهمال لكان لازما رضي ما اختاروه واستوجبوا منه الثواب ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب اذا كان الاهمال واقعا ه
وهو كما اشرنا اليه فلهم ان يفعلوا ما شاؤا وعليه ان يرضى فهم في كل حال مطيعون مستوجبون الثواب فكان الحكمة تقتضي الا يرسل اليهم رسولا ولا ينزل اليهم كتابا
ثم قال عليه السلم : وتنصرف هذه المقالة على معنيين اما ان يكون العباد تظاهروا عليه فالزموه قبول اختيارهم بارائهم ضرورة كره ذلك ام احب فقد لزمه الوهن ه ان كان لم يرض افعالهم كلها بل بعضها منها كما هو الواقع لانه امر ونهي والا لم ينه اذ لو رضيها كلها لم تكن فائدة من امره ونهيه وحيث انه امر ونهي لم يفوض اليهم الاختيار باختياره بل تظاهروا عليه وفسروه على اختياره ما اختاروا
واشار عليه السلم الى المعنى الثاني بقوله : او يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالامر والنهي كرهوا او احبوا ه اما لعدم علمه بما يريد فيه لا يزال وبما يصلحهم واما لعدم قدرته على انفاذ مشيته فيهم على ما تقتضيه الحكمة من التكليف وتهيئة اسبابه كما مر متفرقا فالتقطه من اماكنه
قال عليه السلم : فوض امره ونهيه اليهم واجراهما على محبتهم اذ عجز عن تعبدهم بارادته فجعل الاختيار اليهم في الكفر والايمان ه لا شك في لزوم القول بهذين المعنىين لمن قال بذلك ولا شك في عدم اسلام معتقد ذلك
ثم انه عليه السلم ضرب لاهل التفويض مثلا كما ضرب لاهل الجبر انفا فقال عليه السلم : ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند امره ونهيه وادعي مالك العبد انه قادر عزيز حكيم فامر عبده ونهاه ووعده على اتباع امره عظيم الثواب واوعده على معصيته اليم العقاب فخالف العبد ارادة مالكه ولم يقف عند امره ونهيه فاي امر امره او اي نهي نهاه عنه لم يأته على ارادة المولى بل كان العبد يتبع ارادة نفسه واتباع هواه ولا يطيق المولى ان يرده الى اتباع امره ونهيه والوقوف على ارادته ففوض امره ونهيه اليه ورضي منه بكل ما يفعله على ارادة العبد لا على ارادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمي له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لارادة نفسه واتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما اتاه به فاذا هو خلاف ما امره فقال له لم اتيتني بخلاف ما امرتك به قال اتكلت على تفويضك الامر الى فاتبعت هواي وارادتي ه هذا الكلام ظاهر مطابق لما صرف في مقالتهم من المعنىين وهما اما انهم تظاهروا عليه والزموه الرضا بكل ما فعلوا واما انهم اعجز ( انه عجز خل ) من تعبدهم بامره ونهيه كما شاء ففوض اليهم فعليه ان يرضي بكل ما فعلوه
ثم قال عليه السلم : لان المفوض اليه غير محظور عليه واستحال التفويض ه لانه لا يتحقق الا بما ذكر عليه السلم من تظاهرهم عليه او عجزه عن تعبدهم بامره ونهيه وكل ذلك محال في جانب الواجب الحق سبحانه فيكون التفويض محالا
ثم انه ذكر عليه السلم ما يلزمهم من هذا المعتقد في صورة المثل الذي ضربه لذلك فقال (ع) : اوليس يجب على هذا السبب اما ان يكون المالك قادرا بامره عبده باتباع امره ونهيه على ارادته لا على ارادة العبد ويملكه من الطاعة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه فاذا امره بامر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لامره ونهيه وترغيبه وترهيبه فيكون عدله وانصافه شاملا له وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار فاذا اتبع العبد امر مولاه جازاه واذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه ه لان القسمة لا تخلو على هذا المعتقد عن احد هذين اللازمين اما ان يكون المالك قادرا على نحو ما ذكره عليه السلم ويلزم من ذلك بطلان القول بالتفويض او غير قادر على ما اراد فيهم فيلزم نفي القدرة والالوهية
والى ذلك اشار بقوله عليه السلم : او يكون عاجزا غير قادر ففوض امره اليه احسن ام اساء اطاع ام عصى عاجزا عن عقوبته ورده الى اتباع امره وفي اثبات العجز نفي القدرة والتأله وابطال الامر والنهي والثواب والعقاب ه وهذا ايضا ظاهر وليس لقائل ان يقول الحصر العقلي يقتضي جواز غير المفروض كما اقتضى المفروض فهو اعم من ذلك لجواز ان يكون فوض اليهم لا لتظاهرهم ولا لعجزه بل يجوز ان يكون اختصهم ففوض اليهم يفعلون باختيارهم بعد ما خلقهم وخلق لهم ما يحتاجون اليه ففعلوا ما شاؤا باستقلال ولهذا جرى الثواب والعقاب ونطق بهذا المعنى ظاهر الكتاب لانا نقول ان المفوض اليهم بهذا المعنى لا يشهدون لهم فعلا بل فعلهم فعل الله لان قلوبهم محال مشيته كما مرت الاشارة اليه قال الله تعالى لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وقال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى ولو كان هؤلاء مفوضا اليهم لم يحصرهم بالامر والنهي فان المأمور المنهي ليس بمفوض اليه ولكنهم كما قال الصادق عليه السلم فيما رواه الصدوق في توحيده عن علي بن سالم عن ابي عبد الله عليه السلم قال سألته عن الرقي اتدفع من القدر شيئا فقال هي من القدر وقال عليه السلم ان القدرية مجوس هذه الامة وهم الذين ارادوا ان يصفوا الله عز وجل بعدله فاخرجوه من سلطانه وفيهم نزلت هذه الاية يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر ه ولا شك ان قولهم بالتفويض مستلزم لنفي القدرة المطلقة اما لغلبة قدرتهم او لعجز قدرته عما يشاء او لوجود قدرة مستقلة وذلك يوجب عدم كون قدرته مطلقة لرجوع ذلك الى الحصر والتحديد وكذلك يستلزم نفي التأله لانتفائه في بعض الممكنات وهي متساوية اليه في المالوهية ( الوهيته خل ) على حد واحد من الفقر اليها والقيام بها وكذلك يستلزم ابطال الامر والنهي لان المفوض اليه لا يجوز عليه حينئذ الامر والنهي والا فليس بمفوض اليه وكذلك الثواب والعقاب
ثم قال عليه السلم : ومخالفة الكتاب اذ يقول ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم ه لانه لو فوض اليهم لزمه الرضا بالكفر فاذا قالوا بذلك خالفوا الكتاب ويلزمهم ما مر
وقال عليه السلم : وقوله عز وجل اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ه لانه امرهم بالتقوى ولو فوض اليهم لم يأمرهم بشيء فمن قال بذلك خالف الكتاب وحق عليه ما مر
قال عليه السلم : وقوله تعالى وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ه فمن قال بالتفويض كذب بأن علة خلقهم المعرفة والعبادة ويجري عليه ما مر
قال عليه السلم : وقوله تعالى اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وقوله تعالى اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وانتم تسمعون ه والاستدلال بهذه الايتين مثل ما قبلهما
ثم قال عليه السلم : فمن زعم ان الله فوض امره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز لما عرفت واوجب عليه قبول كل ما عملوه من خير او شر وابطل امر الله ونهيه ووعده ووعيده لعلة ما زعم ان الله فوضهما اليه لان المفوض اليه يعمل بمشيته فان شاء الكفر او الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور فيه فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد ابطل جميع ما ذكرناه من وعده ووعيده وامره ونهيه وهو من اهل الاية افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون تعالى الله عما يدين به اهل التفويض علوا كبيرا ه
قوله عليه السلم { لما عرفت } يعني من المعنىين اللذين ذكرهما من لزوم تظاهرهم عليه حتى الزموه ما شاؤا من لزوم عجزه عن تكليفهم الا بأن يفوض اليهم الاختيار وباقي الكلام كسابقه ظاهره ظاهر وقوله عليه السلم { وهو من اهل هذه الاية } ظاهر في كفار قد استحقوا عذاب النار كما يدل عليه ظاهر الاية
ثم اشار الى بيان المنزلة بين المنزلتين ظاهرا بالعبارة الموافقة فقال عليه السلم : لكن نقول ان الله خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة تعبدهم بها فامرهم ونهاهم بما اراد فقبل منهم اتباع امره ورضي بذلك لهم ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الامر والنهي يختار ما يريد ويأمر به وينهي عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده واتباع امره واجتناب معاصيه لانه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة بالغ الحجة بالاعذار والانذار
قوله عليه السلم { خلق الخلق بقدرته } رد عليهم فيما اعتقدوه مما يلزم به العجز وقوله وملكهم استطاعة تعبدهم بها الخ ابطال للاستقلال المدعي وقوله عليه السلم { فامرهم ونهاهم } دفع لدعوى تفويض الامر والنهي اليهم ولله الخيرة في الامر والنهي لا لهم وقوله { بالاستطاعة التي ملكها عباده } ابطال لمعتقد اهل الجبر وقوله { واتباع امره واجتناب معاصيه } نفي لمعتقد اهل التفويض
ثم بين ان له الخيرة وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة بناء على ما سبق ولان افعاله اجراها على طريق الحكمة تعرفا منه اليهم وتعريفا لهم ما جهلوا من صفاته وافعاله فقال (ع) : واليه الصفوة يصطفي من عباده لتبليغ من يشاء ( من يشاء لتبليغ خل ) رسالته واحتجاجه اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وبعثه برسالته الى خلقه فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم يعني بذلك امية بن ابيالصلت وابامسعود الثقفي ولو فوض اختيار امره الى عباده ورضي منهم كل ما فعلوه لا جاز لقريش اختيار امية بن ابيالصلت وابي مسعود الثقفي اذ كانا عندهم افضل من محمد صلى الله عليه وآله وكذا ادب الله المؤمنين بقوله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذاقضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم فلم يجز لهم الاختيار باهوائهم ولم يقبل منهم الا اتباع امره واجتناب نهيه على يدي من اصطفيه فمن اطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوي ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع امره واجتناب نهيه فمن اجل ذلك حرمه ثوابه وانزل به عقابه
هذا الكلام ظاهره ظاهر واما حقيقة القول فقد مر عليك مرارا وهو ان كل معنى ينسب الى العبد مما ملكه الله فهو بيد الله تعالى لا يخرج عن قبضته فالاستطاعة بشروطها المتقدمة في يده عز وجل واليه الاشارة بقوله تعالى الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فان الظل من الشاخص وهو يتفيؤ بالشمس وتحركه بدورانها على التفرقة فلا وجود له الا بها وليس منها ولكنها دليله والظل يتفيؤ بها ويسجد لها سجود اصحاب الشمال حيث دعته فادبر ولم يقبل وكيف لا تكون دليلا عليه وهو مقبل اليها بادباره عنها اولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون فافهم الاشارة فان التصريح يفضح السر ويغشى الفكر ما يغشى من الاشباح فيرجع البصر خاسئا وهو حسير ولكن تأمل في كل شيء ينسب الى العبد فانك تجده وجودا وكل وجود فهو في يد الموجد سبحانه لا يخرج عن قبضته واليه الاشارة بقول الرضا عليه السلم هو المالك لما ملكهم والقادر لما اقدرهم فنفي (ع) بقوله هو المالك التفويض وبقوله (ع) لما ملكهم الجبر فلا يستقل العبد بشيء اذ كل شيء فان دخل في الوجود فهو من الله وبذلك الموجود وان لم يدخل بل تبع الموجود فهو بالله ومن ذلك الموجود وقد مر مكررا واليه الاشارة بقوله عليه السلم { ولزمته الحجة بما ملكهم من الاستطاعة } الخ فاخبر بانه تعالى ملكهم الاستطاعة لكن على نحو ما قلنا بدليل استشهاده بقول جده امير المؤمنين عليه السلم الاتي لعباية حين سأله فقال (ع) سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله او مع الله الخ
ثم قال عليه السلام : وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض بذلك اخبر امير المؤمنين عليه السلم عباية بن ربعي الاسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها نقوم ونقعد ونفعل فقال له امير المؤمنين عليه السلم سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله او مع الله فسكت عباية ه
وانما قال عليه السلم لما قال { بها نقوم ونقعد } لانه توهم انه خلقها فينا فكانت عندنا على سبيل الاستقلال لا انه توهم انها لم يخلقها الله لنا كما توهمه بعض فقال عليه السلم له { تملكها من دون الله او مع الله } ولو كان ذلك ظنه لقال له انت خلقتها او خلقت شيئا وعباية بالعين المهملة فالباء الموحدة فالالف فالياء المثناة من تحت من خواص علي عليه السلم
فقال له امير المؤمنين عليه السلم قل يا عباية قال وما اقول قال عليه السلم ان قلت انك انت تملكها من دون الله قتلتك وان قلت تملكها مع الله قتلتك قال فما اقول قال لا تقول انك تملكها من دون الله ولكن تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك ه تأمل هذا الكلام فانه كما ذكرت لك حرفا بحرف روحي فداؤه وفداء ابنائه الطيبين صلى الله عليه وعليهم اجمعين
ثم قال امير المؤمنين عليه السلم مخاطبا لعباية فان اتاك كان ذلك من عطائه وان سلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملكك والقادر لما عليه قدرك اماسمعت الناس يسألون عن الحول والقوة حين ( حين يقولون لا حول ولا قوة الا بالله قال عباية وما تأويلها يا امير المؤمنين قال خل ) لا حول عن معاصي الله الا بعصمة الله ولا قوة لنا على طاعة الله الا بعون الله قال فوثب عباية وقبل يديه ورجليه
اقول تأمل هذا الحديث الشريف واشرب من بحر العلم النجاح ( السجاج خل ) ماء فراتا فانك ان شربت منه شربة لم تظمأ ابدا وان اردت دلوا تغترف به فقد بذلته لك فاذكر ( فاشكر خل ) نعمة الله فان طلبت رشاء ليتوصل به الى اغتراف الماء من هذا البئر المعطلة فقد اعطيتكه ومددت لك فيه ما به تنال كل ما تطلب في هذه المسئلة وفي غيرها فتدبر ما حررته تعثر على خفايا لا تسعها الدفاتر ولا تجمعها المساتر واترك الزمان وزن الكلام وافهم فان في الزوايا خبايا ولا تعد عيناك عما اوليناك فتخر كما خر من سلك هذا البحر المظلم بغير مصباح فلعمري لقد خر من السماء فقد تخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق
ثم قال : وروي عن امير المؤمنين عليه السلم حين اتاه نجدة يسأله عن معرفة الله قال يا امير المؤمنين بماذا عرفت ربك قال بالتميز الذي خولني والعقل الذي دلني ه يجوز ان يكون فاعل خولني ضميرا عائدا الى التميز اي خولني التميز معرفة ربي يعني اعطاني وان يكون عائدا الى الله تعالى وهذا ظاهر
قال : افمجبول انت عليه قال لو كنت مجبولا ماكنت محمودا على احسان ولا مذموما على اسائة ولكان المحسن اولى باللائمة من المسيء ه وذلك لانا قد بينا سابقا ان الطاعة لا تكون من فاعلها طاعة حتى يكون ويتحقق له من نفسه داع الى المعصية ويكون ممكنا من فعلها وتركها امتثالا للامر فتكون بتركه ما يقتضيه هواه لامتثال الامر طائعا وانما نفي كونه مجبولا لانه ينافي الاختيار وذلك لان جعل الشيء على مقتضى امر خاص نفي لاقتضائه سوى ذلك الامر بخلاف المخلوق المختار فانه وان كان مجبولا لكنه مجبول من جهة الوجود على اقتضاء الخير والطاعة ومن جهة المهية على اقتضاء الشر والمعصية والمهية عكس الوجود وكل كمال لها عكس ضده العام من كمال الوجود فلزمه ان يكون مجبولا على الشيء وضده ( فضده خل ) العام فله ان يفعل الشيء ويترك ضده وله ان يفعل الضد ويترك ذلك الشيء فلا يكون مجبولا بل هو مختار لان المجبول يلزم طريقة واحدة فيما جبل عليه فافهم وانما قال نجدة افمجبول انت حين قال عليه السلم { بالتميز الذي خولني } لانه ( لانه يرى خل ) القول بأن العباد لا مدخل لهم في الافعال فاستقوى رأيه بقوله عليه السلم بما خولني فسأله افمجبول انت ليقرر ما رءاه فعلم عليه السلم ذلك منه فبين فساد رأيه بما مر
ثم ذكر عليه السلم طريق المعرفة المسئول عنها من باب الاستدلال بالاثار على وجود الصانع سبحانه لانه مقام نجدة فقال عليه السلم : فعلمت ان الله تعالى قديم باق وما دونه حادث زايل وليس القديم الباقي كالحديث الزايل ه
يعني اني نظرت الى ما وقع عليه شيء من حواسي وبصائري فلم اجد الا ما هو مصنوع ظاهر الصنع محتاج الى صانع لا تجوز عليه صفات المصنوعين والا لاحتاج الى صانع فعلمت بوجود المصنوع الزائل وجود القديم الباقي
فقال نجدة اصبحت حكيما يا امير المؤمنين قال اصبحت مخيرا فان اتيت بالسيئة مكان الحسنة فانا المعاقب عليها لعل نجدة هذا هو ابن عامر من بنيحنيفة خارجي وقال نجدة ذلك تنبيها له عليه السلم على انه مدع وذلك لسوء ظنه به فاجابه عليه السلم بقوله { اصبحت مخيرا } الخ وهذا الجواب ينفي ما يتوهمه نجدة مما يوجب الجبر ويثبت التخيير الذي لا ينافي الحكمة الخلقية ولا يخرج به عن العبودية بل هو حقيقة الصدق
ثم قال عليه السلم : وروي عن امير المؤمنين عليه السلم انه قال لرجل سأله بعد انصرافه فقال يا امير المؤمنين اخبرنا عن خروجنا الى الشام بقضاء وقدر قال نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ولاهبطتم واديا الا بقضاء وقدر من الله فقال الشيخ احتسب عنائي يا امير المؤمنين يعني ان كان ما كان منا بقضاء وقدر من الله فلانستحق ثوابا على ما اصابنا من العناء لانا لسنا بفاعلين
فقال عليه السلم يا شيخ فان الله قد عظم اجوركم في مسيركم وانتم سائرون وفي مقامكم وانتم مقيمون وفي انصرافكم وانتم منصرفون ولم يكونوا في شيء من اموركم مكرهين ولا اليه مضطرين لعلك ظننت انه قضاء حتم وقدر لازم حتى لا يكون لك اختيار في شيء ولا مدخل لك في فعلك لو كان الامر كذلك لم يستوجب المطيع ثوابا ولا العاصي عقابا بل يستحق العاصي ثوابا لانه انما عصى بغير اختياره ولولا الجبر لم يعص فهو مطيع ويستحق المطيع عقابا لانه اطاع مجبورا ولولا الجبر لم يطع فهو عاص وهو قوله عليه السلم : لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ولما الزمت الاسماء اهلها على الحقايق يعني اذا لم يكن للعبد مدخل في الفعل بطل الثواب والعقاب لعدم امكان تعلقهما بشيء اذ الثواب للمطيع فاذا لم يستحقه لعدم الموجب سقط وكذا العقاب فاذا كان كذلك كان الوعد والوعيد لغوا فيسقطان ولما سمي المطيع مطيعا والعاصي عاصيا والمؤمن مؤمنا والكافر كافرا فلا تجري الاسماء على الحقايق فلا تكون الاسماء اسماء لان الاسماء انما الزمت اهلها على الحقايق لانهم تحققوا باحداث تلك المصادر بفتح همزة احداث جمع حدث وتلك الاحداث هي مبادي تلك الاسماء ومصادرها حقيقة
قال عليه السلم : ذلك مقالة عبدة الاوثان واولياء الشيطان ان الله امر تخييرا ونهي تحذيرا
يعني انه تعالى امر عباده امرا غير ملجأ للفعل وذلك اللطف والعون منه لعباده الصالحين وليس المراد بالامر الامر بالمعروف عند العامة والا لم يجب واجب بعينه لانه سبحانه خيره فيه او جبره عليه ونهي التحذير هو الخذلان والتخلية من يده اعوذ بالله من سخط الله لا يقال ان التخلية والخذلان يلزم منهما استقلال العبد في المعاصي لانا نقول ان المعاصي كما مر عدمية لانها من المهية وليس لها حظ في الوجود وانما دخلت في الوجود بالتبعية كالظل في تحققه بالشيئية في الوجود بتبعية النور من الشمس فالظل يستمد من منع الاضائة والنور يستمد من الاضائة فاستمداد الظل من خذلان الشمس واستمداد النور من فيض الشمس ومددها وعونها فالطاعة بعون الله والمعصية بخذلان الله تعالى فافهم
ثم قال عليه السلم : ولم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يخلق السموات ( السماء خل ) والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ه
قوله { ان الله لم يطع مكرها } يطع مبني للمجهول ومكرها اسم فاعل حال من الضمير في يطع نايب فاعله يعود الى الله يعني ان الله لم يطعه احد من خلقه مجبورا على الطاعة لان الطاعة كما مر لا يتحقق الا مع الاختيار وتمكنه من المعصية فلم يطع سبحانه مكرها لوجهين احدهما ان الطاعة لا تتحقق مع الاكراه عليها وثانيهما ان كل ممكن من عين او معنى مجرد او غير مجرد فانما يعبد الله بحسب قابليته منه ويجري عليه احكامه وقدره وقضاءه بحسب تلك القابلية فاذا جاء الخطاب سواء كان الخطاب الاول الذي هو الفيض والماء المنزل على ارض القابليات الارض الجرز الميتة وهو التكليف الاول او الخطاب الثاني هو التكليف الثاني فاذا جاء الخطاب ووقع على الارض الميتة فالبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا فمن قبل عبد الله بذلك وهو حينئذ قابل مختار كما تقدم سابقا ومن لم يقبل عبد الله بذلك وهو حينئذ قابل مختار فالاول سلك طريق الفضل والرحمة فيتصف بمقتضاهما والثاني سلك طريق العدل والنقمة ( النعمة خل ) فيتصف بصفتهما ( بمقتضاهما خل ) وهذا القسمان هما نقيضان ( القبضتان خل ) فتمايز الفريقان وفي الدعاء لا يخالف شيء منها محبتك يعني المخلوقات كلها وقوله تعالى ولله يسجد ما في السموات والارض طوعا وكرها فان المراد بالكره الزامها ما قبلت من حكمه وطلبت من قسمه فافهم وقد مضي ما يبين هذا في عدة مواضع فراجعه لتفهم انه انما حكم عليها بما قبلت من حكمه فظهر ان الله لم يطع مكرها
وقوله { ولم يعص مغلوبا } يعني ماتقع المعصية الا ما توافق الارادة التي ذكرنا سابقا انها بالعرض لان وجود المعصية من تمام قابلية الطاعة للوجود فتشاء المعصية لتتحقق الطاعة فلا يعصىي مغلوبا انما يعصى بمشيته وارادته وقدره وقضائه واذنه وكتابه وتأجيله كما دلت عليه الاخبار عن الائمة الاطهار
وقوله { ولم يخلق السموات ( السماء خل ) والارض وما بينهما باطلا } يعني كما زعمه الاشعري الذي ينفي الاصلح والغرض من فعله لانه تعالى يقول افحسبتم انما خلقناكم عبثا وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون والحمد لله رب العالمين
فقام الشيخ فقبل رأس امير المؤمنين عليه السلم وانشأ يقول :
انت الامام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا
اوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه رضوانا
فليس معذرة في فعل فاحشة عندي لراكبها ظلما وعدوانا
فدل قول امير المؤمنين عليه السلم على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر والتكذيب نعوذ بالله من الكفر والضلالة وهذا الكلام ظاهر
فقال عليه السلم : ومثل الاختيار بالطاعة مثل رجل ملك عبيدا كثيرة واحب ان يختبر عبدا على علم منه بما يؤل اليه فملكه من ماله ما احب واوقفه على امور يعرفها العبد فامره ان يصرف ذلك المال فيه ونهاه عن اشياء لم يحبها وتقدم اليه ان يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها والمال ينصرف في اي الوجهين ففرق المال احدهما في اتباع امر المولى ورضاه والاخر في اتباع نهيه وسخطه واسكنه دار اختيار مع علمه انه غير دائم السكني وان له دارا غيرها وهو مخرجه اليها فيها ثواب وعقاب دائمان فاذا انفد العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي امره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي اعلمه انه مخرجه اليها وان انفق المال في الوجه الذي نهاه عن انفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهذا المسكن الذي اسكنه في الدار الاولى فاذا بلغ الحد استبدل المولى ذلك المال والجأ ( ابي خل ) العبد على انه لم ينزل مالكا للمال والعبد في الاوقات كلها الا انه وجد الا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى التي لا يستقيم سكناه فيها الا به وفي له لان من صفات مولي ( المولى خل ) العبد العدل والوفاء والنصفة والحكمة ليس يجب ان كان ذلك صرف ذلك المال في الوجه المأمور به ان يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية واثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة وان صرف العبد المال الذي ملكه اياه ايام سكناه تلك الدار في الوجه المنهي عنه وخالف امر موليه تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياها غير ظالم له لما تقدم اليه واعلمه وصرفه واوجب له الوفاء بوعده ووعيده بذلك يوصف القادر القاهر اما المولى فهو الله عز وجل واما العبد فهو ابن ادم المخلوق والمال قدرة الله الواسعة ومحبته اظهار الحكمة والقدرة والدار الفانية هي الدنيا وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي يملكها ابن ادم والامور التي امر الله بصرف المال اليها هو الاستطاعة لاتباع الانبياء والاقرار بما ادوه عن الله عز وجل واجتناب الاشياء التي نهي عنها طرق ابليس واما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة المأوى واما الدار الفانية فهي الدنيا واما الدار الاخرى فهي الباقية وهي الاخرة
اقول كلامه عليه السلم هذا لا يحتاج الى بيان
ثم انه عليه السلم شرع في بيان قول جده الصادق عليه السلم الذي ذكره سابقا واتى لذلك بتوطئة ( بتوطئته خل ) فقال عليه السلم : والقول بين الجبر والاختيار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي يملكها العبد فانا نبدء من ذلك بقول الصادق عليه السلم لا جبر ولا تفويض بل ( ولكن خل ) منزلة بين المنزلتين وشرط في الاشياء الخمسة التي ذكرها وجمعت جوامع الفضل ه والمراد بالخمسة الاشياء التي سبق ذكرها صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة والزاد والراحلة والسبب المهيج للفاعل فانها قد جمعت لابن ادم جوامع الفضل والتكريم قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم
ثم قال عليه السلم : وانا افسرها لك بشواهد من القران والبيان ان شاء الله تفسير الصحة اما قول الصادق عليه السلم فان معنى كمال الخلق الانساني كمال الحواس وثبات العقل والتمييز واطلاق اللسان بالنطق وذلك قول الله تعالى ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا فقد اخبر جل وعز عن تفضيله بني ادم على ساير خلقه من البهايم والسباع ودواب البحر وكل ذي حركة تدركه حواس بني ادم بتمييز العقل والنقل ( النطق خل ) وبقوله لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم وقوله يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسويك فعدلك في اي صورة ما شاء ركبك في ايات كثيرة ه اي ذكر الله تفضيل ادم على ساير خلقه في ايات كثيرة
ثم قال عليه السلم : فاول نعمة الله علي الانسان صحة عقله وتفضيله علي كثير من خلقه لكمال العقل وتمييز البيان فمن اجل النطق ملك الله ابن ادم غيره من الخلق حتى صار آمرا باختياره وذلك لكمال جامعيته كان مختارا وكان مملكا قال تعالى خلق لكم ما في الارض وقال تعالى فجعلناه سميعا بصيرا
ثم قال عليه السلم : وغيره مسخر له ( له كما خل ) قال الله تعالى كذلك سخرناها لكم لتكبروا الله على ما هديكم وقال هو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وقال والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس فمن اجل ذلك اي من اجل العقل والتميز الذي ركب فيه دعا الله الانسان الى اتباع امره والى طاعته بتفضيله اياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة
قوله (ع) { باستواء الخلق } يعني به انه اول المظاهر الربوبية وهو مواقع النجوم الالهية قلبه عرش الرحمن وصدره الكتاب المسطور اجتمعت فيه شئون الربوبية فلذلك قال الله تعالى خلقتك لاجلي وخلقت الاشياء لاجلك باطنك انا وظاهرك للفناء ه فظهر كما ترى باستواء الخلق وكمال النطق الذي هو منبع النزاهة والحكمة الالهية وهما له خاصيتان وفيه فكر وذكر وعلم وحلم ( عمل خل ) ونباهة وبالمعرفة وهي نور الله الذي ظهر به لمن شاء ان يعرفه فعرفه به
ثم قال عليه السلم : بعد ان ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وقوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها وقوله لا يكلف الله نفسا الا ما اتيها في ايات كثيرة يعني ذكر تمليكه استطاعة ما تعبدهم به
ثم قال عليه السلم : فاذا سلب العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله تعالى ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج الاية تقدر الرفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الاعمال التي لا يقوم بها وكذلك اوجب على ذي اليسار الحج والزكوة لما ملكه استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكوة والحج بقوله ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا وقوله في الظهار والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة الى قوله فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا كل ذلك دليل على ان الله لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به ونهيهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة
اقول ان بيانه عليه السلم ظاهر لا يحتاج الى البيان
وبعد ان فرغ عليه السلم من شرح صحة الخلقة شرع في بيان تخلية السرب فقال عليه السلم : واما تخلية السرب فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه ( يمنعه العمل بما امره الله به وذلك قوله فمن استضعف وحظر عليه خل ) العمل فلم يجد حيلة ولم يهتد سبيلا من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فاخبر ان المستضعف لم تخل سربه وليس عليه من القول شيء اذا كان مطمئن القلب بالايمان
يعني ان المستضعف من جهة منع السرب لا يكلف ما يتوقف فعله على تخلية السرب اذا كان مطمئن القلب بالايمان اي اذا عقل انه واجب عليه مكلف به واما اذا لم يكن كامل العقل بحيث لم يفهم التكليف فان السقوط عنه من جهة عدم التمييز والعقل لا من جهة عدم تخلية السرب
ولما فرغ (ع) من الشرط الثاني شرع في ( في بيان خل ) الشرط الثالث فقال عليه السلم : واما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يتمتع به الانسان من حده تجب عليه المعرفة الى اجل الوقت وذلك من وقت تمييزه ( تميزه خل ) وبلوغ الحلم الى ان يأتيه اجله
قد تقدم بيان المهلة في الوقت وهو في كل بحسبه ان كان العمل معرفة فوقته السرمد وان كان معقولا كاليقين فوقته الدهر وكالعلم وان كان محسوسا فوقته الزمان والمهلة في العمل بقدر العمل وما يتوقف عليه من الشروط فانها معتبرة في شروط ( شمول خل ) المهلة لها فان كان علما فاعتبار المهلة في الوقت هو حصول انتقاش تلك الصور في لوح الخيال وما تعدد ( تقدر خل ) بذلك من الاشباح لا تعلم العلم بهذه الالفاظ وما هو من المحسوسات فان المهلة فيه بالزمان فان كان معقولا فالمهلة في الدهر هو قيام المعنى في تعقل العاقل وما تقوم ( تقدر خل ) به ذلك من الاذرع واما في مقام المعرفة ويعني بالمعرفة معرفة الخواص التي هي كشف سبحات الجلال من غير اشارة فالمهلة في ذلك صحو المعلوم ومحو الموهوم وما تفرد هنالك من المقامات فمقادر الصور اشبار في الدهر وتقومات المعاني اذرع في الدهر ايضا الا ان الاذرع ميامنه والاشبار مياسره ومقامات صحو المعلوم قامات في السرمد ولكل مبدء ولكل منتهي وماتدري نفس بأي ارض تموت
ثم قال عليه السلم : فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير وذلك قوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله الاية وان كان لم يعمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الى استتمام امره وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن الاية فلم يجعل عليهن حرجا في ابداء الزينة للطفل كذلك لا تجري عليه الاحكام
قوله عليه السلم { فمن مات } الخ يعني به ان انحاء الحق كثيرة ومراتب الكمالات متفاوتة متعددة لا تكاد شخص يتحقق بها دفعة لقول سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله عن امر الله تعالى وقل رب زدني علما وقولهم عليهم السلم لو لم نزد لنفد ما عندنا لان الممكن محتاج الى المؤثر في كل حال فهو ابدا جديد متجدد نعم قد يطلب شيئا من الحق فمن ادركه فذلك والا فان مات على طلبه ولم يدرك كماله فهو على خير واستدل بالاية الشريفة ثم قال عليه السلم { وان لم يعمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله من الوقت الى استتمام امره } لانه من جهة نقص في عقله او شيء من الشروط الخمسة المتقدمة غير الامهال من الوقت فاذا لم يمهله ولم يقصر في شيء يكون مانعا منه من قبله الا ضيق الوقت فهو معذور وقد وقع اجره على الله ثم بين (ع) انه لا يكلف الا دون الوسع ومن يحتمل التكليف فقال عليه السلم { وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل اذا لم يبلغ الحلم } الخ وهذا ظاهر
ثم شرع في بيان الشرط الرابع فقال عليه السلم : واما قوله الزاد والراحلة فمعناه الجدة والثقة التي يستعين بها العبد على ما امره الله به وذلك قوله ما على المحسنين من سبيل الاية الا ترى انه قبل عذر من لم يجد ما ينفق والزم الحجة كل من امكنه البلغة والراحلة للحج والجهاد واشباه ذلك كذلك قبل عذر الفقراء واوجب لهم حقا في مال الاغنياء بقوله للفقراء الذين احصروا في سبيل الله الاية فامر باعفائهم ولم يكلفهم الاعداء ( الاعداد ظ ) لما لا يستطيعون ولا يملكون
تم كلامه عليه السلم في الشرط الرابع وهذا ظاهر لا يحتاج الى البيان
ثم قال عليه السلم في بيان الشرط الخامس : واما قوله (ع) السبب المهيج فهو النية التي هي داعية الانسان الى جميع الافعال وحاستها القلب فمن فعل فعلا وكان تدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية كذلك اخبر عن المنافقين بقوله يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون ثم انزل على نبيه صلى الله عليه وآله توبيخا للمؤمنين يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون الاية فاذا قال الرجل قولا وانعقد في قلبه دعته النية الى تصديق القول باظهار الفعل واذا لم يعتقد القول لم يتبين حقيقته وقد اجاز الله صدق النية وان كان الفعل غير موافق لها لعله بمانع ( لعلة مانع خل ) يمنع اظهار الفعل في قوله الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم الاية فدل القران واخبار الرسول صلى الله عليه وآله ان القلب مالك لجميع الحواس يصحح افعالها ولا يبطل ما يصحح ( يصححه خل ) القلب شيء فهذا شرح الخمسة الاشياء التي ذكرها الصادق عليه السلم انها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض فاذا اجتمع في الانسان كل هذه الخمسة الامثال ( الاشياء خل ) وجب عليه العمل كملا كما امر الله به ورسوله صلى الله عليه وآله واذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسب ذلك
بين عليه السلم السبب المهيج للفاعل { وهو النية التي ( التي هي خل ) داعية الانسان الى جميع الافعال } كما ذكر عليه السلم ولا بد ان يكون ( تكون خل ) النية مسبوقة بالعلم والقدرة فما لم يعلمه الانسان لم ينوه وما لم يقدر عليه لم ينوه واذا توهم احد ان ينوي غير مقدوره فقد اخطأ لان ذلك تصوره وليس التصور نية لان النية هي العزم وهو الميل الكاين عن الشهوة المركبة في الانسان وقد تقدم بيان ذلك فراجعه ثم ان النية في ظاهر القول ليست اختيارية اذ ليس متي شئت شئت وانما الاختيار ( الاختيار في خل ) المنوي ( المنوي وخل ) في المشاء وانما نبهت على هذا المعنى في مختصر القول ليفرق ذو اللب بين الداعي والتصور في هذا المقام وليظهر ان نية المكره ليست نية حقيقة لانها وان كانت على فعل ( كانت باعثة على الفعل خل ) المكره عليه لكن لا لذاته وانما هو للقاسر واذا ردد فيها لتعارض الشهوة المركبة فيه باختلاف جهاتها لا بسبب ( لسبب خل ) الوسوسة وخلط النفس اللوامة بل لتعارض المنوي واقتضاء تلك الشهوة احد النقيضين لا على التعيين ولو كانت نية لم تنفك عن العمل الخالص انما الاعمال بالنيات ولذا قال عليه السلم { فمن فعل فعلا وكان يدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية } ثم قال عليه السلم { فاذا قال الرجل قولا وانعقد في قلبه دعته النية الى تصديق القول باظهار الفعل وان لم يعقد القول } بل قال لغرض لا لذات الميل الحقيقي او الطبيعي { لم يتبين حقيقته } يعني حقيقة القول لعدم شهوته له { وقد اجاز الله صدق النية } نية المؤمن خير من عمله { وان ( ان كان خل ) الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل } اذ بدون المانع لا تنفك عنه وذلك { في قوله تعالى الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان } والاطمينان هو صفة الايمان وهذا ظاهر
ثم قال عليه السلم : واما شواهد القران على الاختيار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة يعني ان شواهد القران صريحة في المنزلة بين المنزلتين بل لا تجد اية الا وهي متضمنة للمنزلة بين المنزلتين الجبر والتفويض اما تصريحا واما تلويحا بل ليس في الوجود كون الا كذلك وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون
ثم قال عليه السلم : ومن ذلك قوله تعالى ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم وقال سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون وقال في الفتن التي معناها الاختبار ولقد فتنا سليمان الاية وقال في قصة موسى (ع) فتنا قومك من بعدك واضلهم السامري وقال ( قول خل ) موسى ان هي الا فتنتك اي اختبارك هذه الايات تقاس بعضها الى بعض ويشهد بعضها لبعض يعني ان هذه الايات يصدق بعضها بعضا بأن الخلق لو كانوا مجبورين لماحسن الاختبار ولا الفتنة ولا البلوى ولو كان مفوضا ( كانوا مفوضا اليهم خل ) لما حسن ذلك فشهدت هذه الايات بالمنزلة بين المنزلتين
ثم قال عليه السلم : واما ايات البلوى بمعنى الاختبار في قوله ( فقوله خل ) ليبلوكم فيما اتيكم وقوله ثم صرفهم عنكم ليبتليكم وقوله انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة وقوله خلق الموت والحيوة ليبلوكم ايكم احسن عملا وقوله واذ ابتلى ابرهيم ربه بكلمات وقوله ولو شاء الله لا نتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض وكلما في القران من بلوى وامثالها في القران كثير فهي اثبات لاختبار البلوى ان الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثا ولا اهملهم سدي ولا اظهر حكمته لعبا بذلك اخبر قوله تعالى افحسبتم انما خلقناكم عبثا وهذا رد على اهل القول بالجبر الذين لا يقولون بالاصلح ويقولون لا علة لفعله ولا مجال للعقل في تقبيح شيء ولا تحسينه الى غير ذلك ويلزم رد هذه الايات وامثالها مثل وماخلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين ويقولون كل شيء من الله من خير وشر وحق وباطل وايمان وكفر وصدق وكذب فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم ما يكسبون لكنهم يقولون ما قلنا ولا كتبنا هذا قولك يا ربنا وهذه كتابتك والله يقول يقولون وكتبت ايديهم والله سبحانه يقول قل يا محمد ءانتم اعلم ام الله لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ثم انه عليه السلم فرض اعتراض معترض ولا شك انه واقع بانه على ما ذكرتم من ايات الاختبار يلزم ان الله تعالى لم يعلم قبل اختبارهم ما هم عليه كما هو منطوق كثير من الايات كقوله تعالى وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك فاجاب عليه السلم وهو قوله الشريف : فان قال قائل فلم يعلم الله تعالى ما يكون من العباد حتى اختبرهم قلنا هو قد علم ان يكون منهم قبل كونه وذلك قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه حيث اخبر عن المستقبل وانما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم الا بحجته ( بحجة خل ) بعد الفعل وقد اخبر بقوله ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا وقوله وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله رسلا مبشرين ومنذرين فالاختبار من الله بالاستطاعة التي يملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض بهذا نطق القران وجرت الاخبار عن ( عن آل خل ) الرسول صلوات الله عليهم
ومعناه ظاهر لانه عليه السلم اخبر انه سبحانه يعلم ذلك قبل الخلق وبعد الخلق بحال واحدة ثم استدل بقوله تعالى اخبارا عما سيكون قبل ان يكون ( يكون ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وفي الحقيقة لذلك السؤال اجوبة : احدها ان يكون خل ) معنى انه انما اختبرهم ليعلم ما هم عليه ان يقع علمه على المعلوم لانه سبحانه كان عالما ولا معلوم فاذا كان المعلوم وقع العلم على المعلوم ولا يكون الا ما علمه لان علمه اولى بحقيقة التصديق واذا اردت الاطلاع على خفية ذلك فراجع كلماتنا المتقدمة خاصة في ذكرنا للعلم وتضرع الى الله سبحانه في ان يكشف لك ما تفضل به علينا من غير استحقاق وكشف لنا يظهر صدق ما ذكر ( ذكرنا خل ) فانه من اغمض ما يرد على المخلوقين بل لا يصل اليه الا واحد في كل وقت الا ان يشاء الله وثانيها ان معنى ذلك انه سبحانه خلق خلقا استخلصهم لنفسه وجعل طاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ورضاهم رضاه وسخطهم سخطه واشهدهم خلق انفسهم وخلق خلقه كلهم فاختبر باستنطاق طبايعهم وطينتهم ليتحقق ما هم عليه من الحقايق فاذا تحقق ذلك منهم تحقق ذلك عند اولئك الصفوة عليهم السلم وهو معنى ان الله اشهدهم خلق الخلايق كلهم وعلمهم علم الله تعالى وهو السر في قوله تعالى الا لنعلم بالنون للمتكلم معه غيره او المعظم نفسه فاما معه غيره فكما قال الصادق عليه السلم لمفضل بن عمر نعم يا مفضل قوله تعالى وله ما في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار وهم لا يفترون الى قوله ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ويحك يا مفضل الستم تعلمون ان من في السموات هم الملئكة ومن في الارض هم الجن والبشر وكل ذي حركة فمن الذين ( الذين قال خل ) ومن عنده قد خرجوا من جملة الملائكة والجن والبشر وكل ذي حركة فنحن الذين كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا ارض ولا ملك ولا نبي ولا رسول الحديث طويل وفيه انه عليه السلم استشهد على قوله الشريف بكلام جده علي بن ابيطالب في خطبته واما على معنى المعظم لنفسه ( نفسه خل ) فان المتكلم مع صفته العظيمة جمع وهم تلك الصفة على ان قيد التكلم والخطاب والغيبة غير الذات فالعلم بيعلم ونعلم هذا الذي ذكرناه فافهمه بتوفيق الله تعالى ولا يقال ان علمهم عليهم السلم علم سابق لان الله اعلمهم ما كان وما يكون فلا يجري هذا الكلام على ظاهر الايات لان العلم فيها لاحق لانا نقول انهم وان كانوا علموا ذلك لكن من جهة جواز المحو والاثبات على الممكن قبل ان يكون فلا يحصل العلم قبل الوقوع لكونه مشروطا فافهم وثالثها ان المراد بعلمه اللاحق ظاهرا العلم الحادث عن الاثبات بعد المحو وعن الحتم بعد الجواز فما لم يقع الشيء لا يكون حتى يكون فيها ( فيها فيكون خل ) معلوما فافهم ورابعها ما ذكره عليه السلم بقوله { وانما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم الا بحجته ( بحجة خل ) } فكنى عن اعلامه اياهم بعلمه مجازا الى غير ذلك من الوجوه وباقي الكلام ظاهر
ثم قال عليه السلم جوابا عن سؤال فرضي وارد عليه من الجبرية : فان قالوا ما الحجة في قول الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء قلنا مجاز هذه الاية وما شابهها وفي بعض النسخ الايات كلها على معنيين وفي كتاب العلامة السيد الفهامة العالم العامل البدل السيد هاشم بن السيد سليمان بن السيد اسمعيل بن السيد عبد الجواد الحسيني البحراني التوبلي تغمده الله برضوانه في كتابه حلية الابرار في منقبة محمد وآله الائمة الاطهار نقلا من احتجاج الطبرسي (ره) هكذا : ويضل من يشاء وما اشبه ذلك قلنا مجاز هذه الاية يقتضي معنيين بوضع { يقتضي } مكان { على } وتقديم { وما اشبه ذلك } في السؤال ونقصه من الجواب اما احدهما فاخبار عن قدرته اي انه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء واذا اجبرهم بقدرته على احدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب
وهذا المعنى ظاهر ثم لما احتمل فيه توهم انه ان كان المعنى كذلك لزم الجبر اجاب عليه السلم بقوله { واذا اجبرهم بقدرته } الخ ولكنه قادر على ذلك ولا يلزم الجبر لانه غني مطلق ولا يصح في شأن الغني المطلق الجبر لاستلزامه الحاجة وفيها ( فيه خل ) معنى دقيق قد مر نظايره وهو ( هو انه خل ) انما يخلق فيهم ضلالتهم بهم اذا ضلوا وهدايتهم بهم اذا اهتدوا
ثم قال عليه السلم : والمعنى الاخر ان الهداية منه تعريفه كقوله واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ( الهدى فلو جبرهم على الهدى خل ) لم يقدروا على ان يضلوا وليس كلما وردت اية مشتبهة كانت حجة على محكم الايات اللواتي امرنا بالاخذ بها من ذلك قوله تعالى منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الاية وقال فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اي احكمه واصرحه
يعني ان الاستدلال في استنباط المسايل باية بحيث تكون اصلا ويحمل عليها ما خالف ظاهره ظاهرها من الايات انما يكون بما هو احكم الايات واصرحه دلالة بحيث لا يحتمل غير ما يفهم منه لغة وقد قدمنا بعض التوجيه والبيان لبعض ذلك في اول رسالته عليه السلم فراجعه وقد يكون ( تكون خل ) الصراحة والاحكام باعتبار حال من يستدل له او عليه بحيث لو كان الحال تقتضي الاقناعي الذي لا يرتاب فيه المستدل له او عليه كان هو المراد وقد يترك الحقيقي لذلك وهذا شأن اهل الحكمة الذين ينظرون بنور الله ومن ذلك توجيه الامام عليه السلم يضل من يشاء ويهدي من يشاء بالقدرة على ذلك وبالتعريف وهذان الوجهان وان كانا صوابا لكن ليس في ذلك بيان الهداية والضلالة على الوجه الحقيقي لان المقام لا يقتضي بيانه لعدم الاحتمال واما الجواب الحق المبين لهذه المسئلة حقيقة فانه دقيق ومن تتبع كلماتنا وعرف مراداتنا هجم على حقيقة الامر وانما تركته لاني ان اشرت اليه لم يدرك وان بسطت الكلام كان وحده رسالة الا اني ذكرت في المقدمة التي وضعتها في القضاء والقدر على تقرير السيد شريف حقيقة المراد من ذلك واما اسبابها فلم اذكرها لما ذكرت لك والاصل في ذلك كله انه صنع بهم ما سألوه من صنعه وما سألوه الا ما صنع بهم من ذلك السؤال ففك هذا القفل ولج في خزائن الغيب تخاطب بقوله هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب فما اعجب هذه الاحرف القليلة وما اكثر ما فيها من معاني الغيوب الجليلة وما اقل متناولها واني لهم التناوش من مكان بعيد
ثم قال عليه السلم : اولئك الذين هديهم الله واولئك هم اولوا الالباب وفقنا الله واياكم من القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا واياكم من معاصيه بمنه وفضله والحمد لله كثيرا كما هو اهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل
تم كلامه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وابنائه الطاهرين والحمد لله رب العالمين
قال سلمه الله : الثامنة - قد سمعنا منك مذاكرة ما حاصله ان الانسان اذا استعان بالصبر الذي هو الصوم والصلوة وزهد في هذه الدنيا وتفكر وقنع بما اعطاه ( اعطاه الله خل ) وجاهد نفسه الامارة وسلط عليها العقل حصل له داعي الطاعة وبعد من المعصية لاية والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والمجاهدة مجاهدة النفس لقوله صلى الله عليه وآله لاصحابه في رجوعهم من الجهاد مرحبا بالقوم الذين قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر قيل يا رسول الله ما الجهاد الاكبر قال (ص) جهاد النفس التي بين جنبيك فاذا حصل من الانسان ما قلنا ترقى لا سيما اذا تفكر في مصنوعات الله والتكليفات والنظام وما دل على ذلك من القران المجيد ووصل للمعرفة الحقيقية وان كان تلك المعرفة تتفاوت بتفاوت الجهاد قال الله تعالى فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة ولا يحتاج الانسان الى كسب هذه المعرفة من العلماء ونحن قد رأينا في كتاب الله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وقوله عليه السلم اطلبوا العلم ولو بالصين وقوله عليه السلم في خبر ابي اسحق ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به الا وان طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم والعلم مخزون عند اهله وقد امرتم بطلبه من اهله فاطلبوه وقوله عليه السلم في صحيحة ابان بن تغلب قال لوددت ان اصحابي ضربت رؤسهم بالسياط حتى يتفقهوا وانت تعلم انه لا شيء اعظم من المعرفة لهذا الامر ومعرفة التكاليف تابعة لمعرفة المكلف لانا لا نطلب معرفة الشكر الا بعد معرفة المشكور والظاهر من ذلك ان طلب العلم من اهله مقدم على العمل فمن عرف طريق العمل من اهله وحقيقة المعرفة وجب عليه العمل به وطريق الزهد في زماننا العمل بالحق مما يعلم الانسان بما وصله من اهله وهو الاقتصار على الحلال والرضى بقدر الله وقضائه والحمد لله على نعمائه وبلائه لقوله عليه السلم اجمع لكم الزهد في كلمتين لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتيكم كما قال تعالى في كتابه ولانه عليه السلم نهي ذلك الرجل حين زهد وعاف اللذات وتجنب هذه الاشياء المباحة فقال صلى الله عليه وآله اترى ان الله يبيح لك لبس شيء واكل شيء ويعاقبك عليه فقال له يا سيدي انا نريكم تفعلون كذا وكذا فقال يا هذا ان الذي يراد منا غير الذي يراد منكم فما الجواب في ذلك
اقول اما ما ذكرت من ان المداومة على الاعمال الصالحة والزهد في الدنيا توصل الى المعرفة والعلم فذلك مما لا ريب فيه وقد نطق به القران المجيد حيث يقول سبحانه واتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين فصرح في الاولى بأن التقوى سبب تعليم الله لعبده وفي الثانية لوح لاهل التلويح اتيناه حكما وعلما والحكم الامامة والولاية والعلم هو العلم بالله وهو معرفة النفس والعلم بالاخلاق والعلم بالاحكام فبالحكم يتصرف في الاشياء وبالعلم يبلغ التصرف ثم نبه ان هذا جزاء المحسنين والمحسنون هم اهل المعرفة قال تعالى هل جزاء الاحسان الا الاحسان وانما قلنا ذلك لان الجزاء ثمرة العمل ( العلم خل ) فجعل جزاء العارفين الحكم والعلم الى غير ذلك من الايات وايضا دلت الاثار على ذلك مثل قوله صلى الله عليه وآله ليس العلم بكثرة التعلم وانما هو نور يقذفه الله في قلب من يحب فينشرح فيشاهد الغيب وينفسح فيحتمل البلاء الحديث وموجب المحبة الموجبة للعلم هو العمل قال الله تعالى في الحديث القدسي مازال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث وروي الملا محسن القاشاني في كتابه قرة العيون عن علي عليه السلم قال ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيخرج اليكم ولكن العلم مجبول في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم ورواه ايضا ابن ابي جمهور في المجلي على اختلاف في الالفاظ الى غير ذلك من الاخبار واما من جهة الاعتبار فلأن الانسان حقيقته الوجودية هي الوجود وهي صفة الموجد العليم فكلما جاهد نفسه حتى يميتها غلب فيه جانب الربوبية الوجودية العلمية وضعف فيه جانب الانية والعبودية التي هي الجهل والفقر والمعصية وبالعكس العكس وعلى قدر ما تزرع تحصد
واما قوله تعالى فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة الاية وكذلك الاخبار فالمراد بذلك هو ان الانسان لما كان منذ استحق الانسانية انما هو يتخلص من المركبات الارضية والمعدنية والنباتية والحيوانية مترقيا شيئا فشيئا فكان السابق عليه في الوجود الزماني دواعي الجهل والكثرة والانية لانه اذ ذاك في اسفل انعطاف قوس الادبار فيكون تحصيل مقدمات العلم ( العلم اللدني خل ) الذي نحن بصدده متعذرا او متعسرا فاذا تعلم عند من تهيأ باستعداده من التعلم والمجاهدة حتى شاهد اليقين اشرق من نوره عليه فاخذ بيده وقوى فكره بخطابه واستنار عقله ببيانه وثبت قلبه بهداه وعمله بالاقتداء به فينفتح له ما انفتح لشيخه وهذا احد طرق المجاهدة لانها تدعو الى المشاهدة نعم لو ان شخصا اعتدل مزاجه في اصل خلقته ووافق التوفيق استغني عن العلم ( التعلم خل ) كما في الانبياء والاوصياء بل قد يوجد في بعض افراد الناس من لا يحتاج في التعلم الا الى التنبيه والاشارة وليس في كل ما علم بل في بعض وهذا غير خفي ولما كان الغالب على الخلق عدم اعتدال المزاج من النطف الى الاجنة الى الدنيا وكذلك ( كذلك في الدنيا خل ) في الماكل والمشارب واستعمال العادات وركوب الشهوات وتقليد الاباء واتباع الاهواء حتى غلب عليهم طبايع المركبات الخبيثات دلهم الشارع عليه السلم على التعلم من العلماء ليكونوا معينين لهم وليشتغلوا ( ليشغلوا خل ) حواسهم الباطنة من دواعي الجهل والمعاصي باشتغالهم حواسهم الظاهرة معهم بنظايرها في النوع المغايرة لها بالمجاهدة والمشاهدة حتى يضعف ( تضعف خل ) تعلقات نفوسهم بتلك العادات وتتخلص من اشراك تلك المركبات شيئا فشيئا وتأنس بظواهر الاخلاق الالهية حتى اذا انصبغوا بذلك انفتح الباب وسمعوا الخطاب وهذا ايضا من المجاهدة كما قلنا ووجه اخر ان العلم الذي يدرك بالمجاهدة والزهد علم التوحيد الوجداني والذي يحتاج الى التعلم ما يتعلق بالشريعة الظاهرة من الاحكام وعلم الاخلاق منه بالاول ومنه بالثاني فلا تنافي بين المعنىين تدبر حديث هشام الطويل من الكافي وفيه عن الصادق عليه السلم يا هشام نصب الحق لطاعة الله ولا نجاة الا بالطاعة والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم والتعلم بالعقل يعتقد ولا علم الا من عالم رباني ومعرفة العلم بالعقل وعنه عليه السلم بالحكمة استخرج غور العقل وبالعقل استخرج غور الحكمة فمن علم عمل ومن علم عقل ومن عقل عمل وبالله التوفيق
واما ما ذكرتم من ان طريق الزهد في زماننا العمل بالحق الخ فكذلك الامر وهو حق لا مرية فيه الا ان هذه الامور الظاهرة بدايات وتلك غايات ولكل شيء بدايات وغايات
قال سلمه الله تعالى : ولا تحسبن الذي ( لا تحسبني ان الذي خل ) قلته اعتراض على ما قلت به او شك فيه لا بل ( بل هو خل ) استرشاد واستبصار فرج عني فرج الله عنك واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت ( انعم الله خل ) عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
اقول انما قال ذلك حثا على سرعة الجواب وليس به ولله المنة شك ولا ارتياب والصراط المستقيم الاشراق الاول والتعين الاول والحقيقة المحمدية والولاية المطلقة وصراط الذين انعم الله عليهم محال الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الارض وهم اهل العصمة المطهرون ( المطهرون من الوصمة خل ) وغير المغضوب عليهم هم اشياعهم الخواص لان المغضوب عليهم هم الاعداء الماحضون من بعد ما تبين لهم الهدى وغير الضالين هم المحبون والضالون اتباع اولئك الاعداء
قال سلمه الله تعالى : فاني لاجد في نفسي وهنا وركاكة ذهن وغباوة فهم وكنت اذ خلوت بنفسي تصاعدت زفراتي بل ربما تحدرت عبراتي ولم اجد الى ما امرت به حيلة ولم اهتد سبيلا واني خائف ان ارحل عن داركم قبل ان اهتدى لاقوالكم وافعالكم يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله فيا حسرتي ان حان حيني وهذه سبيلي ولم احذر قبيح افعالي ( فعالي خل )
اقول انما قال ذلك هضما لنفسه وتحقيرا لها والا فمقامه اعلى مما نسب الى نفسه من الركاكة والغباوة والاثر يدل على المؤثر ويجوز ان يكون لمعتقد ( اعتقد خل ) ذلك في نفسه وكفى بذلك له فخرا فقد قال عليه السلم اذا اراد الله بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه
قال سلمه الله تعالى : جعلنا الله واياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه
ولا تحسبني غافلا عن هواكم ولكنني من عظم ما بي اراكم
سهرت من الغرقي وبت من الجوى واني لارجو النوم حتى اراكم
ولولا خيال الطيف في النوم لما كنا لي النوم مشتاقا فما لي سواكم
صلوا واعطفوا منا وجودا ورحمة عسى ولعلى في الديار اراكم
فمنوا علينا بالمكاتبة التيهي النصف من ايصالكم ولقاكم
ولا تقطعوا القن الذي من صفاته كثير الخطا حتى لذاك عصاكم
فشأن العبيد القبح والحسن شأنكم فجودوا وعودوا للذي قد هواكم
فاني غريق الذنب ارجو انتقاذكم اجيبوا عباد الله داع دعاكم
لعلي اذا فكرت فيما ذكرتم و علمتموني اهتدى بهداكم
جزاكم الهي نعمة وفضيلة بها انا راج رحمة من دعاكم
وصلى الهي كلما لاح بارق علي من تولى رشدكم وهداكم
جعلكم الله من الذين يهدون الناس فسارعوا لنا برد الجواب لنهتدي الى الصواب والى الله المرجع والمآب وصلى الله على محمد وآله الاطياب وكتبه الفقير الى خدمة موليه الشيخ احمد بن الشيخ زين الدين مد الله ظلاله واسبغ عليه نواله باليوم الرابع عشر من شهر جميدي الثانية ( جماديالثانية خل ) سنة تسع ومأتين والالف والحمد لله رب العالمين
اقول الى هنا انتهى كلامه نسخته بلفظه بلا زيادة ولا نقصان بلغه الله اماله في الدارين واراه في آخرته ودنياه ما تقر به العين واعلم انه سلمه الله قد استزادني ( استزاد مني خل ) بيانا في عمل المكتوم على ما ذكرت سابقا فوعدته ان اجعل ذلك في خاتمة لهذه الرسالة مع زيادة بيان وتمثيل في بعض ما ذكرنا سابقا من الجفر فاقول وبالله المستعان :
خاتمة - في ذكر استزادة البيان في علم المولود الفلسفي
خذ الشجرة الطورية في برج الحمل فانه احسن اوقاتها ممن هو ما بين الخمسة عشر الى الثلثين والاسود احسن من الاشقر واغسله عن الاوساخ واقرضه ناعما وضعه في القرع الى نصفه واربط عليه الانبيق وقطره واجمع من ذلك ماء كثيرا ثم ضعه كالهيئة الاولى بنار لينة كحرارة الشمس مرة واحدة وارم الرماد وخذ الثفل وضع عليه من ذلك الماء ثلثة امثاله في القرع والالة العميا وضعه في نار الزبل او على نار لينة كحرارة شمس الشتاء سبعة ايام ثم اخرجه وقطره ورد على الثفل كذلك من الماء وهكذا حتى تنحل نصف اليبوسة التي هي الثفل ثم ضع على الثفل الباقي مثله من الماء واطبخه في نار الزبل سبعة ايام ثم قطره واعزل القاطر وضع على الثفل ماء جديدا مثله وافعل كالاول حتى ينحل نصف اليبوسة فارم ما لم ينحل وخذ الماء الثاني المعزول واعقده حتى يكون كالعسل ثم خذ من الماء وزنه اربع مرات ضع عليه اول مرة مثله بعد تبييضه بارسال الماء واستنباطه وعفنه في نار الزبل اربعين يوما عدد ميقات موسى (ع) فيسود كالقار ثم اعمد الى الثلاثة الامثال الباقية فاقسمها نصفين واسق المركب بنصفه ثلاث مرات كل مرة يعفن عشرين يوما فيزرق في الاولى عميقا وفي الثانية سماويا وفي الثالثة ينحل كالروب وهذا الان هو الحجر الذي يشيرون اليه ثم اقسم النصف الاخر من الماء ستة اقسام وقطر الحجر سبع مرات في كل مرة تضيف اليه سدسا من ذلك الماء ويشتد بياضه في الرابعة ويظهر النوشادر في القرع اما هنا او في الاول فضعه مع الثفل وضعه في النار سبعة ايام اول يوم نار ضعيفة ثم لا تزال كل يوم تشد النار وفي السابع كنار السبك ثم اخرجه فانه هو الخميرة والانفخة ( الانفحة خل ) ثم قطر الماء بنار لطيفة جدا كنار الجناح يقطر ماء رقيق ظاهره ابيض وباطنه احمر يصلح لعمل الحمرة ثم تزيد في النار قليلا فيقطر ماء ابيض غليظ ثقيل اشبه الاشياء بالزيبق وهو الغربي ثم شد النار فيقطر اصفر كالزعفران واحمر كالياقوت وهو الزيبق الشرقي الذكر ثم اعقد الثفل واطبخه بالماء الاول واخرج الصبغ منه ثم طهر الباقي بالماء الثاني الابيض حتى يطهر الثفل ويكون كسحالة الفضة وفي كل مرة تعمل فضع في المركب من النوشادر الذي عندك وهو الخميرة فاذا اردت تركيب الاكسير الابيض فخذ جزء من الثفل المطهر وهو الارض المقدسة جزء من الخميرة وهو القاضي وجزء من الشرقي وجزئين من الغربي وهو الماء الابيض الثقيل وحل الجميع واعقده ثم خذ من المائين كما ذكرت لك وضعه على الارض وحل الجميع واعقده ثم خذ مرة ثالثة كالاول وحل الجميع واعقده وقد تم الاكسير الابيض واحده على الف من النحاسين او الرصاصين يكون قمرا خالصا على الروباص واذا اردت تركيب الاكسير الاحمر فخذ من اكسير البياض جزء ومن الماء الاول الذي باطنه احمر جزء ومن الصبغ الاحمر جزئين عكس ما قلنا في البياض وحل الجميع واعقده وافعل ذلك ست مرات كما فعلت في الاول ثلث مرات :
وذلك معنى قولهم ان واحدا سيغلب تسعا من بنات البطارق
هنا وفي التزويج في السادسة يتم اكسير الحمرة واحده على الف من القمر يكون ذهبا خالصا على الروباص وان القيت احدهما على الزيبق كان اكسيرا وان القيت الاحمر على الذهب كان اكسيرا وان القيت الابيض على الفضة كان اكسيرا فافهم فقد شرحت ولم اكتم ولم اترك الا ما يحتاج الى المشافهة والتوفيق والعمل على النية وللتردد مدخل والله الموفق للصواب
واما زيادة التمثيل الموعود به في صورة العمل بالحروف للطالب والمطلوب فتبسط الاسم هكذا في احمد مثلا ا ل ف ح ا م ي م د ا ل وهو المركب الحرفي وبسطه في نفسه ا ح م د والمركب العددي ا ح د ث م ا ن ي ه ا ر ب ع ون ا ر ب ع ه وعلى كل عمل ومثال المركب العددي لانه احدها اذا اردت العمل بهذه الطريقة وكان الطالب مثلا اسمه احمد بن فاطمة فحروف عددي احرفه اثنان واربعون واستنطاق مكعبه طمضغ ( طمظغ خل ) والملك الموكل به طمضغاييل ( طمظغاييل خل ) وعلى اسقاط عدد الملحق ٥١ من اصل المستنطق ثم الحاقه به حصذغاييل والمطلوب العلم وحروفه عدد احرفه اربعة وعشرون واستنطاق مكعبه وعث والملك الموكل به وعثائيل وعلى اسقاط عدد الملحق ٥١ هكثائيل ورب ساعة العمل مثلا الساعة الاولى من يوم الاحد الشمس واستنطاق المكعب منه هكخ لانه خمسة وعشرون والملك الموكل به هكخائيل وعلى اسقاط عدد الملحق ٥١ دعثائيل وطالع احمد بن فاطمة برج العقرب ثمانية وعشرون واستنطاق مكعبه دفذ والملك الموكل به دفذائيل وعلى اسقاط عدد الملحق جلذائيل والبرج الطالع وقت العمل الحمل خمسة وعشرون واستنطاق المكعب هكخ والملك الموكل به هكخائيل وعلى اسقاط عدد الملحق دعثائيل والكوكب الحال في العقرب والحمل المريخ لانهما بيته واستنطاق المكعب منه ظ والملك الموكل به ظائيل وعلى اسقاط عدد الملحق طمضائيل والمنزلة حال العمل الشرطين اربع وثلثون واستنطاق المكعب ونقغ والملك الموكل به ونقغائيل وعلى اسقاط عدد الملحق هقغائيل والملك الموكل بالبرج الطالع حال العمل اسرافيل احد وثلثون واستنطاق المكعب اسظ والملك الموكل به اسظائيل وعلى الاسقاط يظائيل ( فضائيل خل ) وخادمه الملك السفلي الجان الاحمر تسعة وعشرون واستنطاق المكعب امض والملك الموكل به امضائيل وعلى الاسقاط صذائيل وملك طالع احمد المذكور ميكائيل اربعة وثلثون واستنطاق المكعب منه ونقغ والملك الموكل به ونقغائيل وعلى الاسقاط هقغائيل وخادمه السفلي الاحمر ايضا تسعة وعشرون وقد مر فيكتفي بالاول لاتحاده وان اعاده هنا فاولى والمطلوب منه والمرغوب اليه في هذه الحاجة العليم سبحانه ثمانية وعشرون واستنطاق مكعبه دفذ والملك الموكل به دفذائيل وعلى الاسقاط جلذائيل وكذلك استخرج ملائكة الحروف بهذه الطريقة وكذا المنزلة واليوم والليلة الى غير ذلك من الشروط والمناسبات اذ كلما كثرت الجنود قوي الاستيلاء فكانت الاسماء المذكورة في التمثيل اثني عشر اسما وهي ثلثون حرفا واستنطاق مكعب المركب من الاسماء الاثنتي عشر زنرغغغغغغغغغغ والملك الموكل به صاحب الهيمنة كلها عليها ( عليها كلها خل ) هو زنرغغغغغغغغغغائيل وعلى الاسقاط ورغغغغغغغغغغائيل وعلى عدم الاسقاط فالزاي وزنه من الهواء درجة ونظيره الممازج له الهاء من النار وتركيبه زه والنون وزنه من التراب ثانية ونظيره هو العين من الماء وتركيبه نع والراء وزنها من الماء ثالثة ( الثالثة خل ) ونظيره من التراب صاد وتركيبه رص والغين وزنه من الماء خامسة ونظيره من التراب ض وتركيبه غض غض غض غض غض غض غض غض غض غض فتأليف هذا الاسم الشريف وتركيبه هكذا زه نع رص غض غض غض غض غض غض غض غض غض غض وعلى الاسقاط فالظاهر انه الاسم لا يختلف باختلاف الملك وعلى احتمال الاختلاف فالواو درجة من التراب ونظيرها ح فيكون تركيب الاسم وح رص غض غض غض غض غض غض غض غض غض غض فالغالب على طبيعة حروفه الماء لكثرة الحروف المائية عنه ( فيه خل ) فبعد استيفاء الشروط والمناسبات يكتب في اناء من حديد بزعفران والبخور حال العمل صندل احمر واعلم ان اخذ هذه النظاير انما هي على ترتيب البروج ومنهم من يأخذها على ترتيب العناصر فاذا اخذت كذلك اختلف التركيب ويوزن الاسم بالموازين المتقدمة وتعرف طبيعة الاسم ويعمل عليها ولكن القوم صرحوا بأن العمل على اي الاصطلاحين صحيح ومنهم من قال ان كان العمل فيما يتعلق بالعقول والنفوس فالاولى اخذ ترتيب البروج وان كان متعلقا بالاجسام فالاولى اخذ ترتيب العناصر وهو اعتبار صحيح فلا بأس به بل ربما يكون متعينا ثم ان هذا احد الطرق واحد جهات العمل واحد الموازين وانما اتيت به على سبيل التمثيل لان من لم يعرف العمل على وضعه التام لا يتم مطلوبه واعلم ان المركب كلما ازداد نعومة وتكليسا وتكريرا ازداد جودة وفعلا وهذا العمل كذلك كلما ازداد تكسيرا وتكعيبا بحيث تكثر الاعوان والقوى ازداد سرعة في الفعل وظهور الاثر والله سبحانه الموفق وحيث انتهى بنا الحال الى هنا فلنقطع الكلام حامدين مصلين مستغفرين
ثم اعلم انه سلمه الله تعالى كتب الى هذه المسائل وصحبتها معي الى العراق رجاء ان اتمها في الطريق وكتبت منها بعضا قليلا نحوا من اربع وعشرين ورقة وحالت دون الاتمام اسباب التعويق فلما قدمت البحرين في السنة الثانية من ذلك التاريخ استخبرني سلمه الله الجواب والهم غير مجتمع لحوادث الليالي والايام والقلب منصدع لوقوع دواهي الدهر العظام وانا اعده حتى اتى هذا التاريخ فسارعت في اجابته وليس لي ميل الى ذلك لما هجم على الناس من شدة الضر والبأس فان اخطأت في شيء فانا معذور لو فرض ان ( ان ليس خل ) في قصور فكيف وما انا فيه من القصور وكثرة الاضاعة من قليل البضاعة على اني اوصيك بالتأمل فكم من خبايا في الزوايا واياك والتسرع في التكذيب بما لم تعلم وابتهل الى الله الفتاح في فتح مقفلها لك واستخراج الكنز من الرمز والله خليفتي عليك وهو حسبنا ونعم الوكيل وكتب مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابرهيم بن صقر بن ابرهيم بن داغر الاحسائي في القرية المسماة ببني تابع بلاد ( البلاد خل ) القديم من البحرين
وقد فرغت من تأليفها وتسويدها في الليلة الثانية والعشرين من شعبان سنة ١٢١١ ( الحادية عشرة بعد المأتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله الطاهرين افضل الصلوة وازكى السلام والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين خل )