
حسب جوامع الكلم – الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
الحمد للّه رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد عرض عليّ جناب المولى المؤتمن جناب سيدنا السيّد حسن الخراساني بلّغه اللّه خيرات الاماني مسئلة يريد بيان بعض ما يرد على بعض شقوقها فامتثلت بعض ما اراد مع ما انا عليه من الاشتغال بالامراض واغتشاش الاحوال فجعلت عبارة سؤاله متنا وعبارة جوابي كالشرح ليحصل الجواب على وجه لا يكون عليه حجاب وعلى الله الصواب واليه المرجع والمأب
قال سلّمه اللّه : قد سمعنا من مشائخنا وقرأنا في اكثر كتب المحققين انّ علم الله سبحانه بالكائنات كان قبل وجودها فلا حادث الّا وقد سبق علمه الازليّ به ولا ينكر هذا المعنى احد من اهل الاسلام
اقول هذا المعنى لا ينكره احد من اهل الملل من زمان ادم عليه السلم الى انقضاء زمان التكليف الّا من ابتدع في الاسلام ومثل هذا لايعدّ من المسلمين نعم يكون المراد بهذا العلم العلم الازلي الذي هو ذات اللّه وامّا العلوم الحادثة كالقلم واللوح والعرش والكرسي وانفس الملائكة والخلق فان الكلام فيها مختلف وتأتي الاشارة الى ذلك
قال سلمه اللّه : ولكن على قولكم كلّ في زمانه ومكانه وهيئته فالمعلوم الذي يتعلّق به العلم الحادث ايّ شيء اهو غير الذي سبق علمه الازلي به او عينه
اقول اعلم ان المعلوم الذي يتعلّق به العلم الحادث هو المعلوم الحادث وفيه ثلاثة اقوال لعلماء الاسلام احدها انّه هو العلم يعني ان العلم والمعلوم شيء واحد لانّ العلم هو حضور المعلوم عند العالم في امكان وجوده مثل الصورة الذهنيّة هي علمك بالشيء وانت تعلمها فهي العلم والمعلوم لانك ان كنت تعلمها بنفسها ثبت المطلوب وهو ان العلم عين المعلوم وان قلت انّك تعلمها بصورة غيرها فتلك ايضا ان علمتها بنفسها ثبت المطلوب وان علمتها بغيرها لزم التسلسل فلا مناص عن ان يكون العلم عين المعلوم والقول الثاني ان العلم غير المعلوم والقول الثالث ان بعض العلم عين المعلوم كالصورة التي مثّلنا بها وبعضه غيره والحاصل ان العلم الحادث يتعلق بالمعلوم الحادث ولا يتعلّق بالمعلوم القديم والعلم الحادث هو كاللوح المحفوظ قال تعالى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى فقوله تعالى علمها عند ربي في كتاب مثل قولك الحساب الذي بيننا علمه عندي في الدفتر وهذا ظاهر والحاصل ان العلم الحادث لا يتعلّق الّا بالمعلوم الحادث ولا يتعلّق بالمعلوم القديم لان العلم محيط بالمعلوم فاذا كان حادثا لا يحيط بالقديم واما العلم القديم الذي هو ذات الله يحيط بكل شيء الحادث والقديم ولكن من غير تعلق لانه ذات الله لا تتعلّق بشيء ولا كيف لذلك فهو قبل كل شيء بلا قبل وبعد كل شيء بلا بعد ومع كل شيء بلا مع لان العلم القديم هو الله والله سبحانه لا يوصف بقبل ولا بعد ولا مع لان القبل والبعد والمع صفات الخلق ويصحّ ان تقول علمه بكلّ شيء قبل كل شيء وبعد كل شيء ومع كل شيء ولا يعرف حقيقة ذلك الّا هو تعالى فعلمه الحادث لا بدّ ان يكون واقعا على المعلوم ومطابقا له ومقترنا به وامّا علمه القديم فهو يحيط بكل شيء من غير وقوع ولا مطابقة ولا اقتران ولا كيف لذلك ولا يعلم ذلك الا هو عز وجل وهو عالم بها حين كانت قبل ان تكون وقبل كل شيء لانه لا يفقد في الازل شيئا من معلوماته في اماكنها الحادثة قبل ان يحدثها لانه تعالى لا يفقد شيئا من ملكه ولا ينتظر ولا يستقبل بل هو في ازله كل شيء حاضر عنده في مكانه من ملكه وهذا عنده قبل ان تكون فافهم هذه العبارات المردّدة المكرّرة
قال سلمه الله : وايضا فنقول هل معنى الحادث انه تعالى يعلم الاشياء بعد وجودها بمعنى انه تعالى يوجد لنفسه علما بها ثم يوجدها
اقول معنى العلم الحادث انّه يثبت عنده في ملكه ضبط الاشياء وحفظ صفاتها ومقاديرها وهيئاتها وآجالها وارزاقها وما اشبه ذلك مع وجودها لا بعد وجودها بمعنى انه يوجد في ملكه العلم بها وضبط حدودها حين يوجدها لا انّه يوجد لنفسه علما بها لانّه عالم بها قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها فكيف يوجد لنفسه علما بها وايّ حاجة له بذلك اذ لم يفقد من جميع حدودها واحوالها من ملكه شيئا قبل ان يوجدها وقبل ان تكون شيئا مذكورا ومثال ذلك انك يكون بينك وبين زيد حساب في بعض المعاملة فتكتبه في الدفتر وان كنت غير ناس للحساب ولكن لاحتمال ان ينسى زيد او يتناسى توصّلا الى انكارك او ليهتمّ بالوفاء اذا علم انّك ضابط عليه بحيث لو صدر منه ما يوهم الانكار او الاستفهام قلت له انا عندي علم الحساب الذي بيننا في الدفتر فيكون اردع له عن الانكار من قولك انا اعلم بالحساب فانه يشكّك في الكلام الثّاني دون الكلام الاوّل ولهذا لمّا قال فرعون فما بال القرون الاولى قال له موسى علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى وهذا هو السّرّ والنكتة في التقييد بقوله في كتاب فافهم ومعنى قولنا انّ للّه علما حادثا انه حين خلقها خلق لوازمها وملزوماتها وكلّ ما يترتب على حدوثها فما كان منها شرطا خلقه تعالى مع خلقه لها لان الشرط من لوازم المشروط ولا يكون اللازم قبل الملزوم ولا بعده لانها شرط والمشروط متوقّف على شرطه فلا بدّ ان يكون معه كالكسر والانكسار وهو سبحانه عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها فلا يكون في علمه بها محتاجا الى ان يخلق له علما بها والّا لكان قبل ان يخلق ذلك العلم جاهلا بها وهذا اعتقاد الجاهل به تعالى لانه لم يفقد شيئا منها من ملكه فعلمه في الازل بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان بها في الامكان ولانه لا يستقبل ولا ينتظر لان المستقبل والمنتظر فاقد في الماضي والحال وتعالى العظيم المتعال عن تغيّر الاحوال فعلمه بكل شيء من خلقه هو ذاته البسيطة المجردة فلو فقد من علمه ذرّة نقصت ذاته تعالى لكنّ المعلومات ليست في الازل لان الازل هو الله سبحانه ولا يكون في ذاته شيء وانما المعلومات في اماكن حدودها من الحدوث واوقات وجودها من الامكان وهو بكلّ شيء محيط فيا مسلم صحّح اسلامك باتّباعي وايّاك بنار الكفر من مخالفتي فانّي ما انطق بهوى نفسي وانما انطق بهدى من الله باتّباعي لائمة الهدى عليهم السلم
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فيأخذه عنّا
فما ثمّ الّا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنّا
فمنه الينا ما تلونا عليكم ومنّا اليكم ما وهبناكم عنّا
قال سلّمه اللّه : او انّه عين المعلوم وعلى انه عين المعلوم هل سبق علمه الازليّ به او لا فان قيل لا فما معنى قولهم علمه بالاشياء قبل وجودها وايجادها كعلمه بعد وجودها وقول رسول الله صلى اللّه عليه واله سبق العلم وجفّ القلم ومضى القضاء
اقول العلم كما اشرنا اليه سابقا فيه ثلاثة اقوال الاوّل ان العلم غير المعلوم الثاني بعض العلم عين المعلوم وبعضه غير المعلوم الثالث ان العلم عين المعلوم وهو المختار عندي وعلى هذا فالعلم الازلي هو الذات المعبود الحق عز وجلّ ولا يعرف كيف ذلك الّا هو تعالى والعلم في الازل لانه تعالى هو الازل والمعلوم في الامكان والمعلوم الذي في الامكان ليس هو العلم الازلي ولا يلزم من هذا ان العلم غير المعلوم لان الذي يفهم الممكن ويدرك معناه من كون العلم في الازل والمعلوم في الامكان ان العلم غير المعلوم لانّ ما يدركه الممكن ويفهمه لا ينسب الى القديم ولا يتّصف به اذ لا يدرك الممكن الّا الممكن كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه انّما تحدّ الادوات انفسها وتشير الالات الى نظائرها نعم هو سبحانه وصف ذلك لعباده وصف تعريف واستدلال عليه لا وصفا يكشف له تعالى على السن حججه صلى اللّه عليهم اجمعين بانّ العلم هو الذات قال الصادق عليه السلم كان الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ه ومعنى هذا ظاهر ان العلم في الازل ولا معلوم فاذا وجد المعلوم تعلّق به العلم والتعلّق من حدود المعلوم ولكنه بالعلم الازلي لا منه اي لا من حدود العلم الازلي ولا ينسب اليه بوجه الّا نسبة اشراق يعني ان التعلق حادث والمتعلّق به حادث والعلم الازلي سبحانه وتعالى لا ينسب اليه شيء من صفات الحوادث والتعلق من صفات الحوادث فالتعلق من حدود المعلوم الحادث لا من حدود العلم الازلي لان الازلي لايحدّ بصفات افعاله والوقوع على المعلوم والتعلّق به معنى فعليّ يحدث مقارنا لحدوث المفعول
وقوله سلمه اللّه وعلى انّه عين المعلوم هل سبق علمه الازليّ به او لا جوابه انّا نقول انّ العلم عين المعلوم الّا انّ هذا في العلم الممكن ظاهر والعلم الممكن لا يتعلّق بالمعلوم القديم وامّا العلم القديم فهو عين المعلوم القديم وهذا ايضا ظاهر وامّا المعلوم الحادث فهو لم يكن موجودا في رتبة العلم القديم ليكون عينه او يقال انّه غيره او ان لم نقل عينه لزم كونه غيره بل نقول هو عالم في الازل بالمعلوم في الامكان وليس في الازل معلوم ممكن بل هو تعالى في الازل عالم ولا معلوم ولمّا وجد المعلوم وجد في الامكان ولم يوجد الّا معلوما والمعلومية نسبة المعلوم الى نفسه لا الى العالم نعم نسبتها الى العالم نسبة اشراق بمعنى انها متقوّمة بفعل العالم تقوّم صدور مع انه عالم بها اذ لم يفقد شيئا من ملكه في اماكنها ولا كيف لذلك الّا انه اذا وجد تعلّق العلم به حين وجوده لا قبله اذ لا شيء قبل وجود الشيء ليتعلّق به العلم وقولنا انه لم يفقد شيئا من ملكه في رتبة الامكان كما انّه لم يجد شيئا من الاشياء الممكنة في ازل الازال نريد انّه لم يخل منه الماضي ولا الحال ولا الاستقبال على حدّ واحد فكما ان عنده الماضي والحال كذلك عنده الاستقبال ففي الحقيقة اذا اردت العبارة السّهلة قلت الماضي والحال والاستقبال عنده تعالى وقت واحد لا يقبل القسمة الى الامور الثلاثة الّا بالنسبة الى نفسه والى الممكنات الحالّة فيه لا بالنسبة الى سلطان الله سبحانه وملكه من حيث الاحاطة فانه لا يقبل القسمة في نفسه لا خارجا ولا ذهنا ولا في نفس الامر والحاصل العلم الازليّ سبحانه سبق كل شيء واحاط بكلّ شيء في رتبة كونه حين كونه مع كونه وبعد كونه قبل كلّ شيء اي في ازل الازال من غير انتقال ولا تحوّل حال وهو تعالى كما هو والاشياء به اشياء كما هي اي كل شيء منها في رتبة تحقّقه من الامكان كما قال صلى اللّه عليه واله في خطبته يوم غدير خمّ قال واحاط بكلّ شيء علما وهو في مكانه ه وهو تعالى لم يستفد منها او بها شيئا والاشياء به اشياء لانه تعالى افادها انفسها وافادها كلّ شيء لها ومنها وفيها وبها فهو حين فقدها في ذاته ما فقدها من ملكه فهو عز وجل خلو من خلقه وخلقه خلو منه كما قال عليه السلم وقوله سلمه الله فان قيل لا جوابه انّ من قال لا اي من قال بان علمه لم يكن سابقا بها قبل كونها فهو كافر بل علمه بها قبل وجودها وايجادها كعلمه بها بعد ايجادها ووجودها بمعنى انه تعالى ما اختلفت حالاته بل كلها حال واحدة
قال ايده الله : وهل المراد بعلمه بالاشياء علمه الحادث او الذاتي الذي لا يتكلم فيه ويلزم ان يثبت له صفة حادثة حين لم يكن معه شيء فيكون محلّا للحوادث لو قلنا بحدوثه فلا بد ان يكون هذا علمه الازلي الذاتي الذي ذكرتم مكرّرا ان السبيل اليه مسدود لا تتكلّم فيه لانه مرادف لله سبحانه ومعنى العلم الحادث الذي ذكرت او غيره بيّنوا سلمكم الله بيانا شافيا الخ
اقول المراد بعلمه بالاشياء ان اردت به الذي يكون به محيطا بها بحيث لو فرض عدمه كان جاهلا بها يكون المراد به العلم الذاتي الذي هو الله المعبود الحق سبحانه وتعالى وهو الذي لا يفقد شيئا ولا ينتظر ولا يستقبل ولا يختلف (ظ) احواله وهو الثابت سبحانه قبل كونها وبعد كونها ولا تغيّر فيه ولا تبدّل ولا اختلاف ولا كيف له وهو الله لا اله الّا هو لانه هو ذاته ولا يصحّ ان يفقد ذاته في حال من الاحوال ولا يحدث ذاته لذاته ولا تكون ذاته محلّا لشيء وامّا اذا اردت العلم الحادث فالمراد منه كما ذكرنا سابقا انّه حدود خلقه فانه اذا خلق زيدا مثلا خلق رزقه ومدّة عمره وفنائه وبقائه وكتب ذلك في اللوح المحفوظ وانفس الملائكة وسمّى هذه الكتابة علما له فاذا سمعت من يقول علم الله الحادث فالمراد به القلم واللوح المحفوظ ونفوس الملائكة الموكّلين بالخلق في مراتب الوجود الاربع الخلق والرزق والموت والحيوة واذا سمعت منّا نقول انّه العلم الاشراقي نريد انه صادر عن فعل اللّه ومشيته قائم بفعل الله قيام صدور لانه اثره وقائم بشعاع المفعول الاول قيام تحقّق فهذا الفعل هو المشيّة وهذا المفعول الاول هو نور محمد صلى الله عليه واله والفعل والمفعول يطلق عليهما ايضا امر الله واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلم في الدعاء الذي رواه الشيخ في المصباح كلّ شيء سواك قام بامرك فكل شيء قائم بفعل الله قيام صدور وبشعاع نوره صلى اللّه عليه واله قيام تحقّق فالفعل والنور المحمدي هما اعلى العلوم الحادثة خلقهما الله وسمّاهما علما باعتبار ومعلوما باعتبار فمعنى العلم الاشراقي باعتبار تقوّم المعلومات بامره كما قلنا فافهم وتدبّر ولاتشتبه عليك العبارات فان مراداتنا هي هذه كما سمعت والحمد لله ربّ العالمين
وكتب احمد بن زين الدين في العشرين من شهر رجب سنة ١٢٣٩ تسع وثلاثين بعد المائتين والالف من الهجرة على مهاجرها واله افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مستغفرا