الرسالة الحملية (شرح عبارات باقر البهبهاني) (حكم التقية)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - الرسالة الحملية (شرح عبارات باقر البهبهاني) (حكم التقية)

الرسالة الحملية

في شرح عبارات من فوائد الآقا باقر البهبهاني

(حكم التقية)

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد السابع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي انه قد عن لي ان اذكر ما هو الصواب فيما اختلف فيه الاصحاب من انه هل يحمل من الاخبار على التقية ما لا يوافق شيئا من المذاهب لوجود بعضها لا يوافق مذاهب العامة ولا مذهب الخاصة ام لا بد في الحمل على التقية من وجود قول لهم يحمل عليه والا لم‌ يجز ذلك مما صرح بالاول شيخنا الشيخ يوسف بن احمد بن ابراهيم البحراني وغيره وبالثاني شيخنا الفاخر الآقا باقر بل ظاهر كلامه دعوى الاتفاق وقد حقق مذهبه في فوائده فاحببت ان انقل صورة عبارته واجعلها متنا لكلامي ليكون شرحا مبينا وتوقيفا معينا على ما اختاره في هذه المسئلة

قال (ره) : فائدة - اعلم ان كون الحكم تقية انما هو اذا كان موافقا لمذاهب العامة كلهم او بعضهم على ما هو المعروف من الاصحاب القدماء والمتأخرين الا انه توهم بعض الاخباريين فجوز كونه تقية وان لم يكن موافقا لمذهب احد من العامة بل بمجرد تكثير المذهب في الشيعة كيلا يعرفوا ويؤخذوا

اقول الظاهر ان معنى كون الحكم المستفاد من الخبر تقية هو ان يكون وجوده في المذهب للعمل او للذكر والنقل خاصة وان لم ‌يعمل به احد مما يتوقى به من بعض غوائل الاغيار ويسكن نائرة الغل والحسد من صدورهم للمؤمنين سواء كان بموافقتهم في قول او عمل او بعدم مخالفتهم كذلك او بمشابهتهم فيما يخصهم او يشاركون فيه غيرهم ولا ريب ان من مشابهتهم كثرة اختلافهم واقوالهم واختلاف رواياتهم فانها مما يسكن ثائرة الحسد قد يوقعون الخلاف لاجل ذلك لا غير كما تدل عليه موثقة زرارة عن ابي ‌جعفر عليه السلم قال سألته عن مسئلة فاجابني ثم جاءه اخر فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاءه اخر فاجابه بخلاف ما اجابني واجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت يا ابن رسول الله رجلان من اهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فاجبت كل واحد منهما بغير ما اجبت به صاحبه فقال يا زرارة ان هذا خير لنا ولكم الحديث فان قلت انما اجاب بالاجوبة المختلفة لعلمه ان بكل جواب قائلا منهم وهو خلاف ما تدعيه قلت هذا خلاف الظاهر من الحديث في السؤال والجواب لان الظاهر انهم مختلفون ويعلمون ان مذهب الائمة عليهم السلم واحد فاذا اتفقوا دل على خالص اتباعهم واذا اختلفوا كما اختلف اولئك هان الامر عليهم ولهذا قال في هذا الحديث بعد ذكر ولو اجتمعتم على امر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان اقل لبقائنا وبقائكم الحديث وهذا ظاهر في انه ليس الغاية الا فيما يحصل به الدفاع عن شيعتهم سواء كان به قائل منهم ام لا بل اختلافهم في ذلك كاف ومثله ما رواه ابو خديجة في الصحيح عن ابي ‌عبد الله عليه السلم قال سأله انسان وانا حاضر فقال ربما دخلت المسجد وبعض اصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي الظهر فقال انا امرتهم بهذا لو صلوا على وقت واحد لعرفوا واخذ برقابهم ولا ريب ان في هذا الاختلاف في ان بعضنا يصلي الظهر وبعضنا يصلي العصر لم يقل بهذا التوقيت احد من العامة فيما نعلم وقد جعله عليه السلم علة للدفاع اذ به يحصل الاختلاف والخلاف بين الشيعة فيحصل لهم المشابهة بهم او ( وخ‌ل ) لا يعرفون باتفاقهم ومعنى انهم يعرفون انهم على خلافهم في عدم الاختلاف الذي هو اثر الاصابة للحق وامثال ذلك كثير لا يخفى على من تتبع اثارهم وعرف اسرارهم فقوله (ره) الا انه توهم بعض الاخباريين يشير به الى الشيخ يوسف بن احمد البحراني ومن تأمل الحال تحقق انه ليس بتوهم وانما هو الصواب وليس كونه من الاخباريين بمانع للاصابة ودعوى انه المعروف من الاصحاب المتقدمين والمتأخرين ليست بمنافية لهذا لانا نمنع ما ذكره من حمل الاصحاب كثيرا من الاخبار على التقية مع وجود القائل وانما نمنع من حصر ذلك فيما ادعاه لوجود كثير من اخبارهم لم ‌نجد بها قائلا منهم ولا يجوز حملها على شيء من اقوال الفرقة المحقة نعم لقائل ان يقول ان مثل ذلك يحمل على محامل اخر غير التقية من بيان سر او تفسير باطن كما قال شارح الاصول في الاجوبة المختلفة قال وتلك الاجوبة المختلفة عن مسئلة واحدة يحتمل ان يكون بعضها او كلها من باب التقية لعلمه عليه السلم بأن السائل قد يضطرب اليها ويحتمل ان تكون كلها حكم الله تعالى في الواقع اذ ما من شيء الا وله ذات وصفات متعددة متغايرة ترتب عليها احكام مختلفة فلو سئل العالم النحرير عنه مرارا واجاب بكل ( في كل خ‌ل ) مرة بجواب مخالف للجواب السابق كانت الاجوبة كلها صادقة في نفس الامر وان لم ‌يعلم السائل وجه صحتها ولا يقدح عدم علمه في صحتها لان الواجب عليه بعد معرفته ( معرفة خ‌ل ) علو شأن المسئول وتبحره في المعارف والعلوم هو التسليم واعتقاد انها صدرت منه لمصلحة انتهى والجواب ان ما صدر منهم عليهم السلم من ذلك قد اوصوا بكتمانه وحذروا من افشائه وبيانه ولا شك ان الداعي الى ذلك هو الخوف من احكام ( حكام خ‌ل ) اهل الخلاف وقضاتهم اما ليسلموا وتسلم شيعتهم باخراجه مرموزا او لئلا يطلعوا عليها فيضاهوا به العلماء عليهم السلم وكل ذلك وامثاله تقية بل في الحقيقة حتى ما كتموا عن شيعتهم او رمزوه عنهم فانه تقية منهم او عليهم والا ( لا خ‌ل ) التقية لاظهروا الحق على اكمل وجه واجلى بيان ولهذا اشار سبحانه بقوله الحق ليظهره على الدين كله وذلك عند انقضاء دولة الباطل التي هي سبب التقية والكتمان وكان وعدا مفعولا

قال (ره) : وهذا التوهم فاسد من وجوه : الاول - ان الحكم اذا لم يكن موافقا لمذهب احد من العامة يكون رشدا وصوابا لما ورد من الاخبار ان الرشد في خلافهم وفيما ذهبوا اليه فكيف مثل هذا تقية لان المراد من الرشد والصواب انما هو في الواقع رشد وصواب لا من جهة التقية ورفع الضرر والا فجميع ما ذهب اليه العامة يصير رشدا وايضا اذا كان رشدا فلم حكمت بانه تقية ومخالف لمذهب الشيعة

اقول قوله ان الحكم اذا لم يكن موافقا الخ مردود اذ عدم موافقته لمذاهب احد منهم اعم من الرشد والصواب اذ ليس كلما وافقهم باطلا لوجود ذلك في كثير من احكامنا كما انه ليس كلما خالفهم حقا فان كثيرا من احكام الملل المخالفة للاسلام مخالف لجميع مذاهب الجمهور ولمذاهبنا مع انها باطلة والحكم بوجوب غسل الرجل اليمنى في الوضوء ومسح اليسرى او بالعكس مخالف لجميع مذاهبهم وليس برشد ولا صواب لان المراد من قولهم عليهم السلم ان الرشد في خلافهم انما هو فيما كان بخلاف ما حكموا به وكان في اصولنا والمعروف من مذهبنا ما يوافقه او يشبهه ولو لم يكن عندنا ما يوافقه او يشابهه لم يكن رشدا وان كان بخلافهم ولهذا رد الاكثرون ما دل على وجوب القصر في قاصد الاربعة الفراسخ لغير مريد الرجوع ليومه او ليلته وان خالف مذاهب الجمهور لعدم ما يوافقه عندنا بل المعروف من مذهبنا يخالف ذلك وهو حصره في الثمانية او الاربعة لمريد الرجوع ليومه او ليلته وهذه الموافقة والمشابهة هي المخصصة لعموم كون الرشد في مطلق المخالفة والا لصدق على كثير من احكام مخالفي الاسلام فتفهم ذلك راشدا فانه اصل عظيم وقوله (ره) لان المراد من الرشد والصواب انما هو في الواقع رشد وصواب لا من جهة التقية ورفع الضرر حق ولا منافاة فيه لما قلناه من ان الرشد الواقع انما هو فيما خالفهم وتناولته ادلتنا وشابه المعروف من مذهبنا والا فليس بمسلم على عمومه واعلم ان باقي كلامه فيه تدافع واضطراب الا انه لا فائدة في الكلام على ذلك ولا فيما يلزمه على انه لا يلزمنا منه شيء مع ما قررناه

قال (ره) : الثاني - غير خفي على من له اذن اطلاع وتأمل ان العامة بادنى شيء كانوا يتهمون الشيعة بالرفض واذيتهم للشيعة انما كانت بالتهمة غالبا وهذه كانت طريقتهم المستمرة في الاعصار والامصار فكيف تكون الحال اذا رأوا انهم يفعلون فعلا لا يوافق مذهبا من مذاهبهم ولا يقول به احد منهم اذ لا شبهة في انهم يتهمون بذلك بل بمثل التكتيف في الصلوة كانوا يتهمون مع انه مذهب مالك رئيسهم الاقدم الاعظم في ذلك الزمان وغيره والائمة صلوات الله عليهم كانوا يأمرون بمثل التكتيف وادون منه كما لا يخفى على متتبع الاخبار وكانوا يبالغون في احترازهم عن اسباب التهم فكيف كانوا يأمرون بما لم ‌يوافق مذهبا من مذاهبهم حتى التقية بل غير خفي ان العامة ما كانوا مطلعين بمذهب الشيعة في ذلك الزمان من الخارج الا نادرا وكانوا كلما يروون ( يرون خ‌ل ) مخالفا لمذهبهم يعتقدون انه مذهب الشيعة ويبادرون بالاذية وما كانوا يصبرون الى ان يروا ما يخالف ذلك منه او من غيره من الشيعة مع ان رؤيته من غيره كيف ينتفع هذا سيما اذا كان موافقا لمذاهب اهل السنة كلهم او بعضهم بل لو كان الكل مخالفا لمذهبهم ورأوه منه لا ينفع لان الكل خلاف الحق عندهم وهم ربما كانوا يؤذون من هو سني عندهم جزما بمخالفته للحق فكيف غيره

اقول قوله هذا الى اخره قد تقدم ما يكفي في نقضه وبيانه في الجملة على سبيل الاقتصار ان قوله كانوا يتهمون الشيعة بالرفض الخ يريد به انهم يؤذونهم وان لم‌ يروا منهم ما يخالف مذهبهم فكيف اذا رأوا ذلك منهم واذا ثبت ذلك لم ‌يجز من الحكيم الرؤف برعيته ان يأمر رعيته بخلاف مذهبهم لان ذلك مما يدعوهم الى اذية شيعتهم واذا كانت الحال كذلك لم ‌يحسن منه ان يأمرهم بما لا يوافق احد مذاهبهم بل وجدناه ينهي عما لا يوافق المشهور من مذاهبهم كما امر بالتكتيف لموافقته لمشهورهم مع ان مالكا يتركه وكلامه هنا هذا محتمل يلزمه منه ما فر عنه فاذا لم ‌يجز من الامام ان يأمرهم شيعتهم ( ان يأمر شيعته خ‌ل ) بما لا يوافق احد مذاهبهم وهو اعم من المخالفة كما ذكرنا لك سابقا فكيف يجوز منه ان يامرهم بأن يخالفوهم ويقول ان الرشد في خلافهم على انه اذا امر بما لم‌ يوافق احد مذاهبهم بمعنى انا لم ‌نجد به قائلا منهم لم‌ تنحصر فائدة قولهم في العمل به لانه في بعض المواضع يريد به ايقاع الاختلاف كما مر وفي بعضها يوافق به بعض مذاهب اهل الكتاب لعلمه بضرر ما منهم يندفع به او من غيرهم يندفع بهم وفي بعضها يوافق به قولا من اهل الخلاف لم‌ نطلع عليه نحن وهو يعلمه كان او سيكون وفي بعضها لتشابههم في كثرة الاقوال وهي موافقة لهم عظيمة يحصل بها دفاع بالغ او بناء على ان اقوالهم غير منحصرة لانها دائرة مدار الاراء والاستحسان وموافقة الاغراض ومطالب الدنيا ومحاراة الحكام لانهم يرون انهم اولوا الامر وتجب طاعتهم ولو فيما يخالف الحكم الشرعي كما هو معتقدهم وعملهم وفي بعضها للعمل به اما في واقعة خاصة لموافقة رأي واحد منهم وانقرض وانقطع قوله ولم‌يصل الينا وبقي الخبر منقولا فيتوهم المتوهم انه حيث لم‌ يجد به قائلا من اهل الخلاف انه رشد وصواب على انا نقول انه عليه السلم قد نص على الاختلاف بما لم‌ ينضبط كما قال عليه السلم انا الذي خالفت بينكم وقول الصادق عليه السلم لعبيد بن زرارة في مثل هذا في ما قال في ابيه زرارة وراعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه فان شاء فرق بينها لتسلم او يجمع بينها لتسلم وامثال ذلك كثير من طلبه وجده ومع هذا كله فانهم عليهم السلم لم‌ يدعوا شيئا مبهما لم ‌يفسروه ولا مجملا لم‌ يبينوه بل وضعوا ضوابط وايماءات واشارات وعلامات واصولا لا تخفى على من وقف عليها معرفة المقبول من هذه الاخبار المختلفة والمردود وبيان المراد منها والمقصود ومع ذلك فهم من وراء شيعتهم بالتأييد والالهام لهم والتسديد فاذا وجد المخالف لمذاهب اهل الخلاف فيما نعرف رجعنا الى تلك الضوابط والعلامات والاصول والتلويحات فان تناولته ولو بوجه ما قبلناه وان انكرته انكرناه وقلنا انه جار مجرى التقية لاحد تلك الامور التي اشرنا اليها وامثالها على انا قد اشرنا ان التقية قد تكون من بعض المتوالين والشيعة كما تكون من المخالفين اما لما بينهم من الذنوب او الجهل لو يعلم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد اخي بينهما رسول الله صلى الله عليه وآله او كراهة الافشاء للسر بينهم او بين اهل الخلاف الى غير ذلك من الاحتمالات المجوزة في الحكمة للايجاد ( لايجاد خ‌ل ) الاخبار المختلفة سواء وافقت لما عندهم ام خالفت ولا ريب ان من اعظم اسباب التهم التي يبالغون عليهم السلم في احتراز شيعتهم عنها كما ذكر رحمه الله في استدلاله ومعارضته اجتماع شيعتهم واتفاق كلمتهم لانهم يعرفون بذلك وقد نصوا عليهم السلم على هذا المعنى كثيرا ولم ‌يحترزوا عنه بشيء غير ايقاع الخلاف بوضع الاحاديث المخالفة والمختلفة وقوله (ره) وكانوا كلما يرون مخالفا لمذهبهم يعتقدون انه مذهب الشيعة جوابه حاصل مما مر على ان قوله انما يتم ويصلح للمعارضة لو لم‌ يرد عن اهل العصمة الا الموافق لاحد اقوال المخالفين او ما هو الحق بحيث اذا تجد ( نجد خ‌ل ) به قائلا منهم فهو مذهبنا مع انه قد ورد المخالف لنا ولهم والموافق لنا ولهم والمخالف لنا دونهم والموافق لنا دونهم فليس كل ما خالفهم فيه الرشد والصواب فاذا وجد ولم ‌يوافق لنا ولو بوجه ما لم يكن له محمل الا التقية على اي فرض كان وكذلك ليس كل ما وافقهم خطأ وذلك ظاهر فليس فيما ذكره رحمه الله على ما ادعاه دليل ولا الى دعوى استقامته سبيل وليس كلما قال به الاخباري خطاء ولا العكس بل الصواب صواب والخطاء خطاء

قال (ره) : الثالث - ان الحق عندنا واحد والباقي باطل وما بعد الحق الا الضلال وفي المثل الكفر ملة واحدة فاي داع الى مخالفة التقية وارتكاب الخطر الذي هو اعظم لاجل تحقق التقية التي هي اخف واسهل فتأمل

اقول هذا الكلام لنا لا علينا لانه رحمه الله قرر ان ما سوى الحق الذي هو واحد باطل ونحن نقول هذا الكلام حق فيكون كل ما سوى مذهب الفرقة المحقة باطل سواء وافق مذهب احد من اهل الخلاف ام خالف لهم لان كله ضلال وكل ذلك ملة للكفر وكل ما وافق مذهب الحق فهو حق سواء وافق مذهب الاغيار ام خالف وقوله (ره) فاي داع الى مخالفة التقية مقبول ولكن اين مخالفة التقية واين ارتكاب الخطر هل هو في رد خبر لم‌ يوافقهم اذا لم ‌يوافقنا ام في الاخذ به بل الاخذ به فيه خطران عظيمان احدهما العمل بما لم ‌يوافقهم باطلا كان ام حقا وثانيهما العمل بما لم‌ يوافقنا وادخالنا في الدين ما ليس فيه بالعمل بخبر لم يكن في اصولنا ما يدل عليه ولا يشابهه بمجرد عدم وجود قائل به منهم استنادا الى ان الرشد في خلافهم وهذا مخالف لهم لان ما لم‌ نقل به قائل فهو مخالف لهم واين هذا من ذاك لان رد خبر لم ‌يعملوا به اخف عليهم من رد خبر عملوا به وهذا الشيخ قدس ( قدس الله خ‌ل ) روحه قائل برد ما وافقهم والعمل بما خالفهم ولا ريب ان طلب السلامة اذا دار بين رد ما عملوا به ورد ما خالفهم كان في رد ما خالفهم اولى واحرى فافهم

قال (ره) : الرابع - ان التقية انما اعتبرت لاجل ترجيح الخبر الذي هو الحق على الذي ليس بحق ورشد على ما يظهر من الاخبار وما عليه الفقهاء في الاعصار والامصار وهذا الفاضل المتوهم ايضا اعتبر ما ادعاه من التقية الذي توهمها لاجل الترجيح وبنى عليه المسئلة الفقهية فاذا لم يكن موافقا لمذهب احد من العامة فاي نحو يعرف انه هو التقية حتى يعبر في مقام الترجيح ويقال ان معارضه حق ومذهب الشيعة

اقول الاصح ان العرض على التقية من المرجحات للروايات مع اختلافها وقال بعض اصحابنا بانه ليس من المرجحات لانه طرح لاحد الدليلين لا جمع ولانه اثبات لاصل بخبر احاد والاصول لا تثبت بالاحاد من القطع بثبوته ليصح ابتناء الاحكام عليه والاصح الاول وليس طرحا لاحد الدليل بل اثبات للدليل وليس المطرح في الحقيقة ( الحقيقة دليلا خ‌ل ) وايضا فانه اثبات لاصل بمتواتر معنى او بما هو بحكمه وقوله (ره) ان التقية انما اعتبرت لاحد ( لاجل خ‌ل ) ترجيح الخبر الخ مع ان التقية انما اعتبرت السلامة يريد به في الترجيح مع اختلاف الاخبار وقوله (ره) فاذا لم يكن موافقا لمذهب احد من العامة فاي نحو يعرف انه هو التقية حتى يعتبر في مقام الترجيح الخ على نحو ما تقدم من الوجوه فان مجرد المخالفة في الخبر لهم لا يعين كونه مذهبا لاهل الحق بل يجوز في بعض الاحوال حمل بعض الاخبار المخالفة على التقية منهم فقد يكون ذلك المخالف موافقا لبعض مذاهبهم التي كانت قبل اجتماعها في الاربعة فانها قبل ذلك كانت بعدد فقهائهم حتى لا تكاد تنضبط وانما اجتمعت في الاربعة المذاهب بعد انقراض دولة بني ‌العباس في سنة خمس وستين وستمائة على ما نقله العلماء وقد يكون موافقا لما يتجدد من اقوالهم لان المذاهب وان انحصرت الان في الاربعة ظاهرا لكن احكام قضاتهم تتبع مرادات امرائهم تحصيلا لمآربهم منهم محتجين بانهم اولوا الامر الذين اوجب الله طاعتهم حتى ان بعض المشايخ الذين عاصرناهم منهم وهو ممن يرجعون اليه في الاحكام والمعتقدات يقول في حق حاكم زمانه ما ندري ما نفعل ان اطعنا فلانا وهو في غاية الظلم والتعدي خالفنا نهي الله حيث يقول ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وان عصيناه خالفنا امر الله حيث يقول اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم وهذا من اولي الامر الذين تجب طاعتهم فما ندري ما نفعل فاذا كان هذا كلامهم ومعتقدهم مع ما نرى منهم من تغيير حكم الفقيه منهم في مسئلة واحدة وقضية واحدة اذا بذل المتدعيان الرشاء وتزايد تتبدل فيها احكامه الى ان ينقطع بذل الباذلين طال ام قصر فكيف يمكن حصر اقوالهم فيما نقف عليه مع انا نعلم انها دائرة مدار الاراء والاستحسانات والقياسات والاغراض ومطالب الملوك بل يدلنا ما رأينا وسمعنا منها على ما لم ‌نر ولم ‌نسمع وقد يكون المخالف لما نعرف ( تعرف خ‌ل ) منهم موافقا لبعض اقوال بعض فرق الاسلام او غيرهم من الملل بل قد تكون التقية من بعض المحبين وبالجملة فضابطه ما يوافقنا من المختلفين فنقبله ونحمل غيره على التقية لانها هي سبب الاختلاف او يخالفنا فنرده ونحمله على التقية ولو بالمعنى الاعم وننظر في الاخر الذي لم ‌تظهر منه لنا الموافقة ولا المخالفة والظاهر انه على هذه الحالة اعم من الصواب والرشد لكنا نقول انه شيء وكل شيء فيه كتاب وسنة فلا بد ان يكون فيه كتاب وسنة ولا يعسر وجه حاله على المتفطن المتتبع ولا نقول بعموم الارجاء او التخيير او التفصيل نعم على فرض وقوع التعمية وعدم الاطلاع فالتفصيل اقوى واحوط وانما قلنا ذلك لان الدين انما وضع تاما والاصل في ذلك ان ائمة الهدى (ع) قد اتوا بدين كامل واصلوا له اصولا لها فروع وجعلوا على كل فرع دليلا مبينا مثبتا او نافيا فان ورد عنهم خبر مجمع عليه او متواتر معنى او محفوف بالقرائن المعينة للعمل به او يكون له معارض لا تقاومه سندا او دلالة او يكون راجحا على معارضه بنحو من الترجيحات وامثال ذلك تعين العمل به وكل ذلك نص منهم عليهم السلم على ذلك الخبر الراجح بتأصيل ما ترجح به وان ورد له معارض وترجح احدهما بالكتاب او السنة كما مر مما هو معلوم فكذلك وان لم يكن مرجح الا العرض على امر اهل الخلاف الحمل على التقية حيث يتعين اما لعدم غيره او عدم مرجح يقدم عليه وجب ترك ما وافقهم والاخذ بمعارضه لان الرشد فيه كما دلت عليه الاخبار الكثيرة بل لم يقل احد ممن يقول بالترجيح بمخالفة العامة بالاخذ بما وافقهم وترك ما خالفهم وهذا مما نقول به لانه اذا تعارض الخبران وجب الاخذ بالمخالف لهم اذا كان الاخر موافقا لهم الا ان يكون الموافق لهم موافقا لنا والمخالف ليس بمعارض للموافق او كان مخالفا لنا فانه يجب الاخذ بالموافق حينئذ وليس قولهم عليهم السلم فما هم من الحنفية على شيء ومتى افتوا بشيء فالحق في خلافه واذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه وامثال ذلك على عمومه للقطع ببطلانه وانما هو مخصوص بما لم يكن له في الاصول التي اصلوها عليهم السلم لا نقلا ولا عملا ما يدل على ذلك بنفي ولا اثبات لانهم عليهم السلم جعلوا الترجيح بالمخالفة هنا خاصة وهو من الاصول التي قرروها عليهم السلم وانما كلامنا فيما اذا تعارض الخبران ولم ‌نعلم بقائل منهم باحد الخبرين فنأخذ بخلافه ونحن نقول لو كان الامر انه اذا كان كذلك ليس في اصولنا وكلام ائمتنا عليهم السلم ما يدل على احدهما باشارة ولا بمشابهة لا ظاهرا ولا باطنا لا صريحا ولا تلويحا قلنا بالتخيير او بالوقف او بالتفصيل بالفرق بين العبادات وغيرها او الضرورة وغيرها لان الخبرين حينئذ لا يحكم عليهما معا لا بمخالفة ولا موافقة لا لنا ولا لغيرنا لكن الاصح ان القول بالتخيير حينئذ او الوقف او التفصيل عجز وتكاسل عن تحصيل ما يراد من المستوضح المستفرغ وسعه وان الامر الواقعي انه لا بد من حصول ما يدل على احد الخبرين المتنافيين باثبات ينتفي به الاخر ( الآخر او نفي يثبت به الآخر خ‌ل ) فمن تفقد ذلك في الكتاب وفي احاديث ائمتنا عليهم السلم وجده صريحا او تلويحا ولو بكون الحق منهما مشابها لمذهب اهل الحق واصولهم او بمخالفة الاخر كذلك ولقد اشير الى ذلك في ما رواه الحسن بن الجهم عن الرضا (ع) ( (ع) قال خ‌ل ) ما جاءك عنا اعرضه على كتاب الله تعالى واحاديثنا فان كان ذلك يشبهها فهو منا وان لم يكن يشبهها فليس منا وفيما رواه الكشي عن يونس الى ان قال حدثني هشام بن الحكم انه سمع ابا عبد الله عليه السلم يقول لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القران او السنة او تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة الى ان قال ان مع كل قول منا حقيقة وعليه نور فما لا حقيقة له ولا نور فذلك قول الشيطان ه‍ وروي عنهم عليهم السلم ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة ه‍ الى غير ذلك فاعتبروا المشابهة في الترجيح وهي تتحقق بمشابهة اللفظ في الفصاحة والبلاغة ونظم الكلام وامثال ذلك ولهذا كان كثير من العلماء تركوا العمل بالفقه الرضوي وقالوا ان كلامه لا يشابه كلام اهل العصمة عليهم السلم وقالوا لا يبعد ان يكون تأليفا لعليّ بن الحسين بن بابويه او هو رسالته الى ابنه المشهورة او اخرى استدلالا ( استهلالا خ‌ل ) بأن الرواية المنقولة منه فيمن احدث في اثناء الغسل بأن عليه الاعادة من رأس نقل الصدوق لفظها في الفقيه وقال ابي في رسالته الى واورد ذلك اللفظ بعينه وما يقال من ان عليّ بن الحسين نقلها بلفظها في رسالته من الفقه ‌الرضوي ومن لم ‌يعنونها بالرواية كما هي عادة المتقدمين في كتبهم الفقهية خلاف الاصل وتتحقق المشابهة ايضا بالمعنى بجريها في الدلالة على معانيها بما تعرفه الناس لقولهم عليهم السلام انا لا نخاطب الناس الا بما يعرفون والا ما ينافي تشتمل على في شيء اصولا ( والا تشتمل على ما ينافي مذهب الحق في شيء اصولا خ‌ل ) وفروعا او اعتقادا لان ذلك هو من معنى قولهم عليهم السلم ان مع كل قول منا حقيقة وعليه نور فلا بد لكل ناظر في هذين المتنافيين اذا كان بصيرا غير متساهل ان يحصل الترجيح بينهما ولهذا لم ‌نجد خبرين كذلك مع كثرة الاختلاف والتنافي حتى لا تكاد يوجد خبر لم يكن في مقابلته اخر الا وقد حصل الترجيح بينهما ولم ‌يخيروا بين العمل باحد خبرين قط الا بدليل خاص على التخيير غير الخبرين جامع بينهما كما في القصر والاتمام في المواضع الاربعة مثلا او ما كان في بعض السنن تساهلا في ادلتها بل الذي يشير اليه رواية عيون‌الاخبار عن الرضا عليه السلم بخصوص دلالتها من ان ما كان في السنة نهي اعافة او كراهة ثم كان الخبر الاخر خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى الله عليه وآله وكرهه ولم‌ يحرمه من باب التسليم والاتباع والرد الى رسول الله صلى الله عليه وآله الخ الى ان التخيير المذكور يراد به بين ترك المكروه وبين فعله للرخصة وحمل اخبار التخيير على هذا اولى لانها عافة وهذا خاص مع معارضتها بما هو اكثر واشهر واصح منها ومثلها روايتا صلوة ركعتي الفجر في السفر في المحمل او على الارض فوقع موسع عليك بايهما عملت على ان من عمل الاحاديث الدالة على التخيير جمعا بينهما ( بينها خ‌ل ) عند الاختلاف فانما هو جرى على ظاهرها في باب التراجيح من المسائل المفروضة في العلم اقتصارا على ظاهر ما دل على التخيير بدون ملاحظة الجمع بين كلامهم عليهم السلم وهم عليهم السلم يجيبون السائل على طبق سؤاله فاذا قال وجدت الخبرين متساويين من جميع الوجوه لا يمكن لاحدهما جهة ( حجة خ‌ل ) ترجيح ما قال له بطبق سؤاله وهو التخيير لان ذلك واجب في الحكمة اذا كلف الله العبد بامر خاطبه فيه بخطابين متنافيين وسد عنه باب الترجيح ومعرفة المراد منهما كانت ارادة احدهما منه خاصة على سبيل التعيين مع تعذر جهة التعيين تكليفا بما لا يطاق والحكيم يتعالى ( الحكم تعالى خ‌ل ) عن ذلك ولو انه عليه السلم بين الحال وفصل جهات الترجيح في التصريح والتلويح لطال المقال واتسع المجال وكان منافيا للحكمة لان الذي تقتضيه الحكمة ما فعلوه من جميع ما يحصل به الترجيح بين السقيم والصحيح في مطاوي كلماتهم واحكامهم واحاديثهم وافعالهم عرفه من عرفه وجهله من جهله فقوله (ره) اي شيء يعرف به بعيد عن التحقيق لانه اذا استشهد بأن الكفر ملة واحدة وحصل الخبران المختلفان وعرف الراجح باي جهة من جهات الترجيح فرضت صح لك حمل الاخر على التقية لانا لا نحصر الحمل على التقية فيما اذا وجد القائل منهم بطبق المخالف وان كان هذا احد افراده بل نقول اذا وجد جاز الحمل على التقية حصل المميز في اصولنا ام لا وان لم ‌يوجد القائل فلا بد من وجود المميز في اصولنا كما اشرنا اليه فتعرف ما هو لنا وتحمل ( نحمل خ‌ل ) الاخر على التقية لانهم عليهم السلم لولا الخوف لمااختلف كلامهم ظاهرا ولا خالف حرف حرفا وهو رحمه الله لا يقول بأن اختلاف كلامهم بدون سبب اذ لو كان بدون سبب لكان اما عن جهل او لايقاع المكلفين في التيه والحيرة والضلالة او تلاعب واستهزاء فاذا انتفت هذه عنهم عليهم السلم للعلم الكامل والاستقامة على امر الله تعالى والعصمة والهداية والحكمة ثبت انهم انما خالفوا بينها للدفاع والامر كذلك صلوات الله عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم ورحمة الله وبركاته

قال (ره) : فان قلت اذا رأينا المعارض مشتهرا بين الاصحاب يحصل الظن بانه مذهب الشيعة قلت على تقدير التسليم يكفي مجرد الشهرة فلا حاجة الى اعتبار التقية لان الغرض ظهور مذهب الشيعة والشهرة مرجح على حدة فعلى هذا لو لم‌ يوجد الخبر الذي توهم ما توهم لا يضر تأمل

اقول ليس الدليل الذي يحصل به جهة الحمل على التقية والترجيح منحصرا في الشهرة بل من اعظم ذلك ما اشرنا اليه انفا من ان الوسايط الذين جعلهم الله حجة على عباده لم ‌يتركوا دينهم بين اتباعهم ناقصا مطلقا بل حاطوه عن كل وصمة بضوابط واصول واشارات وتلويحات وتصريحات وامدادات وتأييدات ومنها انه اذا وجد الخبران المتعارضان فلا بد ان يثبتوا في اثرهم دليل الترجيح او الجمع وان يهدوا خليفتهم على ذلك لانهم هم الذين خالفوا بينها فاذا لم‌ يدلوا اوقعوا الرعية في ضلالة وهم هداة العباد الى الله فاذا انحصر الترجيح في التقية فان عرف المراد بنحو من التعريف كان الاخر محمولا على التقية بمعنى ان اثبات ظاهره المخالف في دين الحق لو لم يكن للتقية كان عبثا وحاشاهم ان يهملوا هذا الحرف الا اذا وجد للخبر الغير المراد موافق في اقوال مخالفهم فانهم قد يتركوا مثل هذا التنبيه اعتمادا على التنبيه الاخر الذي دلوا عليه وهو ان ( فان خ‌ل ) الرشد في خلافهم وقد نبهنا على هذا مرارا وقد بينا ان معنى كون الرشد في خلافهم الذي هو وفاقنا لا مطلقا فقد يوجد حكم يوافقنا ويوافقهم ولا يكون الرشد في خلافهم لانه في هذا يلزم منه ان يكون الرشد في خلافنا والاصل في هذا انهم في الحقيقة وافقونا وتبعونا في هذا الحق لانه ليس لهم ولا منهم ولا اليهم فلا يكون لهم خلاف محقق وكذلك لو وجد حكم يخالفنا ويخالفهم فانه لا يكون هنا الرشد في خلافهم فانه يكون الرشد في خلافنا وانما معنى ذلك ان الرشد في خلاف ما خالفونا به اما بأن علموا عين حكمنا فخالفونا فيه فانهم كانوا يسألون عما يحكم به عليّ عليه السلم ويأخذون بخلافه واما اذا اتبعوا شهوات انفسهم وارائهم ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل فانهم علموا اصل حكمنا بعدم القول بالرأي والقياس واتباع الاهواء فاخذوا بذلك خلافا لنا او اقتداء بالاخذ به فارتفع اللطف من بين اظهرهم وهم لا يعلمون على انه لو كان كما قال رحمه الله ان التميز ( التمييز خ‌ل ) حصل بالشهرة لاحد المتعارضين ولم ‌يمكن الجمع بينهما بل اقتضت الحال برد المخالف قلنا ان الترجيح وان حصل بالشهرة لكن الخبر المخالف نقول فيه انما قالوا به مع علمهم بعدم صلاح ظاهره للتقية وان حصل الترجيح بالشهرة وقوله رحمه الله فعلى هذا لم ‌يوجد الخبر الذي توهم منه ما توهم لا يضر لا فائدة فيه لانا بينا جوابه لانا نقول سلمنا ان الشهرة مرجح على حدة لكن لم وجد الخبر الموهم بفعل الحكيم الهادي وما الفائدة فيه اجب سؤالنا يا ذا الفصاحة والعقل على ان الشهرة ربما تحصل لاحد الخبرين ولا تكون مرجحة وذلك عند من لا يقول بالحمل على التقية الا مع موافقة قول من الجمهور او يغفل عن ذلك كما اذا نظر الى الخبر الغير مشهور ( المشهور خ‌ل ) ورأى قوة سنده او ظهور دلالته في نفسه او رأى من اصحابنا عاملا به وامثال ذلك فقويت عنده جهة التعارض لغفلته عن الحمل على التقية فرجع الى ترجيح احدهما بالجمع بينهما بالاستحباب والوجوب او بالتخيير وامثال ذلك ولو تفطن وجد ما يرجح التقية بحيث يلزم منه طرح المعارض بالكلية وانما يرغب عن الترجيح بالحمل على التقية اذا وجد مرجح مقدم على ذلك ولو بضم المرجحات بعضها الى بعض ولذلك امثلة كثيرة منها ما ورد من الاخبار الدالة على القصر بقطع اربعة فراسخ غير مريد الرجوع ليومه او ليلته مع شهرة المعارض لها وصحته وكثرة العاملين به ومعروفية حكمه بين الطائفة المحقة فقيل بالتخيير جمعا ( جمعا بينهما خ‌ل ) او بحمل احاديث الاربعة على تعين قصر الصلوة دون الصوم او مساواتها للثمانية او مع قصد الرجوع له لدون العشرة او مطلقا واشد ما صرفهم عن المشهور المنصور احاديث اهل مكة ولنا ان نقول فيها انها محمولة على التقية مع انه ليس ظاهرا في مذهب اهل الخلاف قول يوافق شيئا منها ( منهما خ‌ل ) لان الموجود من اقوالهم ثلثة ايام او يوم وليلة وان توجد احاديث اهل مكة على ان المراد بهم المسافرون الذين قدموا مكة فنووا الاقامة يومين او ثلاثة ليصلوا تماما تشبيها بالمقيمين عشرا فقد وجه الشيخ في الاستبصار رواية عليّ بن حديد على ذلك حيث يقول وهو ان من حصل بالحرمين ينبغي له ان يعزم على مقام عشرة ايام ويتم الصلوة فيهما وان كان يعلم انه لا يقيم الا يوما او يومين واستشهد على ذلك برواية ابن‌ مهزيار عن محمد بن ابراهيم الحضيني عن ابي ‌جعفر عليه السلم حيث قال له اذا قدمت مكة قبل التروية بيوم او يومين او ثلاثة قال فانو مقام عشرة ايام واتم الصلوة واصل ذلك ان الاتمام فيهما يستحب للمسافر والقوم منكرون ذلك فامرهم عليه السلم بنية الاقامة عشرا ( عشرة خ‌ل ) وان لم ‌يعزم الا على اقامة يومين تشبيها باهلها ليتموا ولا يفارقوا جماعة الناس بقصر صلوتهم فهؤلاء يصدق عليهم انهم من اهل مكة لنية الاقامة وصلوتهم تماما في الجملة فاذا خرجوا الى عرفات قصروا لانهم في الحقيقة مسافرون وفرضهم في غير مكة والمدينة وجامع الكوفة والحائر الشريف القصر وانما امرهم بصورة نية الاقامة عشرا وان لم يكن مقصورة ( مقصودة خ‌ل ) لتأكد عليهم الاتمام في انفسهم فلا يفرغوا من صلاتهم قبل الناس كما قال الصادق عليه السلم في صحيحة معوية بن وهب ان اصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلوة فامرتهم بالتمام اقول فاذا لوحظ هذا المعنى وما ذكرناه سابقا اتجه الحمل على التقية مع ان جميع اخبار الاربعة قابلة للتأويل بكونهم مسافرين كما ذكرنا وبمريد الرجوع ليومه او ليلته كما احتمل بعضهم في اهل عرفة انهم مريدوا الرجوع ليومه او ليلته ولهذا وجب عليهم القصر واكتفي في ذلك بقصد الرجوع عن المقصد ليومه او ليلته وان لم ‌يقصد الوصول الى اهله ليومه او ليلته لصدق ارادة الرجوع ليومه او ليلته بذلك وكذلك بكون الاربعة مما يمكن فيها القصر لمريد الرجوع ليومه بخلاف الثلاثة والاثنين قصد التكرر فيها يوما كاملا فانها مما لا يمكن فيها القصر وامثال ذلك من التأويلات وكل ذلك الداعي لموجبه التقية فالحمل ( فالحمل عليها خ‌ل ) متجه وان لم ‌يوافقها قول منهم فافهم

( في هنا تم ظاهرا والى هنا كتب في نسخة الاصل وصلى الله على محمد وآله الطاهرين نسخة جوامع الكلم )

المصادر
المحتوى