الرسالة الرشيدية (الحقيقة المحمدية)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - الرسالة الرشيدية (الحقيقة المحمدية)

الحقيقة المحمدية

الرسالة الرشيدية في جواب الملا رشيد

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الاول – الصفحة 145
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين:

أما بعد: فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين الإحسائي؛ أنّ ذا الرأي السديد الملا رشيد قد عرض عليّ مسائل طاب منّي الجواب عنها والقلب غير مجتمع ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور وإلى الله ترجع الأمور

السؤال الأول: قال سلّمه الله: بعد الحمد والصلاة الاستدعاء من العالم الرباني – إلى أن قال – أن يمنّ على العبد الفقير بتحقيق جواب سؤاله وتوضيح ما خفي على باله وهو أنّ محمدا وآله (صلوات الله عليهم) هل هم من الوجود المقيد أم المطلق أم هم (ع) في مرتبة أخرى غيرهما فإن كانوا من الوجود المقيد فكيف التوفيق بينه وبين قولهم (ع): روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وهو أول الوجود المقيد؟!

أقول: اعلم أنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم) وآله لهم مراتب أعلاها المعاني وأوسطها الأبواب وأسفلها الإمام والحجة والقطب لكل قائم منهم (عليهم السلام)

فأما المرتبة العليا فهم محل المشيئة ومثالهم هنا كالسراج المركب من النار والدهن فالنار مشيئة والدهن حقائقهم (عليهم السلام) وكمثل الحديدة المحمّاة في النار ولا ريب أنهم هنا من الوجود المطلق لأنّ حقائقهم (عليهم السلام) في هذه الحالة بمنزلة الصورة والمشيئة بمنزلة المادة فالجبروت التي انزجر لها العمق الأكبر والكلمة التامة كذلك هو ذلك الإنسان الأكمل الذي قدّره الله تعالى من تلك الصورة ومن تلك المادة وهو المراد من الوجود المطلق وعالم فأحببت أن أعرف

وأما المرتبة الوسطى: التي تسمى الأبواب فهي من الوجود المقيد وفي تلك مراتب أعلاها الماء الأول الصادر عن سحاب المشيئة والمساق إلى الأرض الميتة وأرض الجرز وهذه هيولي الهيوليات ومادة المواد واستقص الاستقصات وحياة كل ذي حياة وجميع القيود تحته وإنما دخل في مطلق الوجود المقيد اعروض القيود وله مراتب مظاهره مع بقائه في ذاته على كمال وحدته وحقيقته وبساطته وبعدها العقل الأول الكلي والروح الكلية ونفس الكل وطبيعة الكل وأسفلها المادة الجسمانية والصور الجنسية والنوعية والصنفية والشخصية وهي باب الأشياء وأحكامها فعقلهم باب للعقول ونفوسهم باب للنفوس وأجسامهم باب للأجسام وأجسادهم باب للأجساد

ومعنى كونهم بابا أنهم في رتبة من مراتب الوجود المقيّد (وهم عليهم السلام) باب الله في ظهوره بتلك الرتبة وباب تلك الرتبة في قبولها من وجودها وإلى هذا المعنى الإشارة بقول الحجة (عليه السلام) في دعاء شهر رجب (أعضاد) من مفهوم قوله تعالى: ﴿ وما كنت متّخذ المضلّين عضدا ﴾ يعني أنه اتخذ الهادين أعضادا لخلقه فالتوفيق بينه وبين قول الحسن العسكري (عليه وعلى آبائه وابنه السلام): روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة إنّ هذا هو حياة روح القدس لأنه هو الماء الذي جهل الله منه ﴿ كلّ شيء حيّ ﴾ فلمّا ساق سبحانه سحاب المشيئة إلى الأرض الميتة وأنزل بها هذا الماء فاجتمع مع ما يشاكله من يبوسة الأرض الميتة فنبت في تلك الجنان – أعني جنان الصاقورة – شجرة الخلد فكان روح القدس أول عصن نبت فيها فروح القدس أول خلق من العالمين الذين هم أركان العرش الذي هو الصاقورة فهو في الوجود الأول الروحانيين لأول رتبة من الوجود المقيد ولهذا قال الصادق (عليه السلام): إنّ أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وهذا الماء الذي هو أول مراتب الوجود المقيد ثاني رتبة لهم وإلى هذا أشار سبحانه بقوله: ﴿ وكان عرشه على الماء ﴾ وفي الحديث عنهم (عليهم السلام) - ما معناه: إنّ الله حمل دينه وعلمه الماء قبل خلق السموات والأرض الخ في تفسير الآية: وأمّا أول رتبة لهم فهي التعين الأول وهو محل المشيئة كما تقدّم فافهم

السؤال الثاني: قال سلّمه الله: وكيف يقال إنّ الحقيقة المحمدية هي المشيئة؟ وكيف هي مقامات الله التي تقع عليها أسماء الوجود الحق كالذات البحت ومجهول النعت وعين الكافور وذات ساذج بلا اعتبار وغيرها كما في الفوائد؟ وإن كانوا من الوجود المطلق ولا يظهر لنا له معنى فما التوفيق بينه وبين خلق الله الأشياء كلها بالمشيئة وهم من الأشياء على ما نعرف وإن كانوا في مرتبة غيرها فبيّنوها وأوضحوا لنا ؟!

أقول: إنما يقال الحقيقة المحمدية هي المشيئة بأحد وجهين:

الأول: إنّ الحقيقة المحمدية عبارة عن عالم الأمر وآدم الأول والمحبة الحقيقية ولا يعني بالمشيئة إلا ذاك لأن ذلك المقام يسمى بأسماء هذان منها

الثاني: إنّ نسبة الحقيقة المحمدية إلى المشيئة كنسبة الانكسار إلى الكسر لأنها انفعال حين فعله الفاعل بنفسه

نعم يكون الإطلاق على سبيل الحقيقة إنّ المشيئة المخلوقة بنفسها هي الحقيقة المحمدية وتلك النفس هي المشيئة فيكون قوله (عليه السلام): ثم خلق الخلق بالمشيئة معناه: إنّ الله خلق بشعاع الحقيقة المحمدية أو بنفسها باعتبار أنها محل المشيئة التي قلنا إنها نفس الحقيقة كما قال سبحانه: ﴿ لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾ أو بالعكس بأن تكون الحقيقة نفس المشيئة فتكون المشيئة مخلوقة بها بمعنى أنها القابل والقابل هو فاعل فعل الفعل له كما قال تعالى: ﴿ كن فيكون ﴾

وأما كونهم مقامات الله إلى آخره فكذلك ومعناه: إنّ الله سبحانه كان كنزا مخفيّا فلما أحب أن يعرف ظهر لهم بهم فظهر لكل شيء بنفس ذلك الشيء فهم من حيث هم المظاهر العليا يقال لهم: الوجود المطلق كما مرّ

وأما وقوع الأسماء المذكورة عليهم فلأن تلك الأسماء تطلق على معنى هو عنوان الحق سبحانه فحقائقهم ذلك العنوان والأسماء اللفظية أسماء هذا العنوان وهذا العنوان اسم للذات الغيب البحت وهذا الاسم هو المشار إليه في الدعاء: أسألك باسمك الذي استقرّ في ظلك فلا يخرج منك إلى غيرك ومعنى أنه استقرّ في ظلّه أنّه استقرّ فس ظل الله سبحانه وذلك الظل هو الاسم بمعنى أنّه أقامه بنفسه

ومعنى آخر: إنّ الاسم هو المشيئة والظل هو الحقيقة المحمدية أو بالعكس على ما أشرنا إليه سابقا

وأما كونهم من الأشياء فلا يلزم أن لا يكونوا علة لأن الأشياء تجمعهم صفة وتفرقهم صفة فالصفة الجامعة للأشياء هي المشيئة وتصدق على شيء بالحقيقة وعلى آخر بالحقيقة بعد الحقيقة يعني الحقيقة الإضافية والصفة المفرقة هي أنّ المشيئة قسمان: الأول: علّة والثاني: معلول وهم (عليهم السلام) لهم مراتي من الوجود المطلق إلى ما تحت الثّرى الذي هم في كل مرتبة علّة لغيرهم ممن هو دونهم

ويصدق عليهم أنهم معلولون بالنسبة إلى ما فوق تلك المرتبة منهم وإلى ذلك المعنى الإشارة في الأحاديث والأدعية أن الله سبحانه أشهدهم خلق أنفسهم وأشهدهم خلق جميع خلقه

السؤال الثالث: قال سلّمه الله تعالى: ومنّوا علينا أيضا بإيضاح أنهم (عليهم السلام) مقامات الله ومظاهره وأنها هي الذات الظاهرة بالصفات فإنها غير ظاهر إلا مجازا والرجاء ألّا تخيّبوا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أقول: قد ذكرنا في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا وهنا قد تقدم أنهم مقات الله ومظاهره وأن معنى المقامات والمظاهر في الجملة شيء واحد نعم قد يفرّق بينهما فيقال إنما المقامات بملاحظة عدم تغير ذلك وتبدّله وهو المعبّر عنه بالسرمدية وفي الدعاء: سبحان من لا يتبدّل معالمه

وأما المظاهر: فبملاحظة ظهوره سبحانه بهم لهم ولغيرهم وأما ظهوره بهم فظاهر وأما ظهوره بهم لغيرهم فخفيّ والإشارة إليه: إنّ الله ظهر لغيرهم بذلك الغير في ظهوره بهم لهم فافهم

وأما قولكم: إنها هي الذات الظاهرة بالصفات فاعلم أنّا لا نريد بالذات الظاهرة بالصفات أنها هي الذات البحت مع صفة فإنك إذا قلت زيد قائم وقاعد وذاهب وجائي كان قائم غير قاعد وكذا الباقي وإنما الذات ظهرت بالقيام هي فاعل القيام وفاعل القيام موجده فينتهي الإيجاد إلى نفس الحركة الإيجادية ولا تكون ذات زيد أبدا حركة؛ لأن الذات من حيث هي ليست حركة وإذا أوجدت فعلا أوجد بنفسه والحركة الصادرة عنها التي هي صفة الذات خارجة عن حقيقة الذات وهي عين الفعل لكن لما ظهرت الذات بها ظهرت هي بصفة الذات فإذا قلت قائم كان المستند إليه القيام عين تلك الصفة لا نفس الذات؛ كما قلنا في الحقيقة مستند ومنه إلى الحركة والذات كما قلنا ليست حركة وإنما توجد الحركة بنفسها كما ذكرنا مكررا إلا أنّ النحاة يقولون في: جاء زيد القائم إنّ القائم مرفوع بالتبعية وفي جاء زيد أخوك إن زيدا مرفوع على البدلية فلو كان القائم هو الذات أو هم الذات مع الصفة لكان القائم مرفوعا على البدلية لاستناد جاء إليه حقيقة كما في جاء أخوك زيد لا يقال إن زيدا ليس معه صفة وإلا لكان مثل قائم لأنّا نقول: إنّ الاسم المميز من بين أخوته صفة له وإنما الفرق بينهما ما قلنا من كون استناد القيام في قائم إلى نفسه لا إلى الذات بخلاف الاسم في البدل فإنه مستند إلى الذات لا إلى حركتها ولا إلى نفسه فافهم

وهذه الطريقة المشار إليها هي المعرفة وأثرها محبة الله وأثر محبة الله ألّا يؤثر ما سوى الله عليه وفي الحديث القدسي - ما معناه - قال الله تعالى: يا موسى: كذب من زعم أنّه يحبّني وإذا جاء الليل نام عنّي يا موسى أرأيت محبّا ينام عن حبيبه اللهم أعنّا على طاعتك واعفر لنا ما مضى من ذنوبنا واعصمنا فيما بقي من أعمارنا برحمتك يا أرحم الراحمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين


وكتب العبد المسكين أحمد بن زين الدين عصر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان سنة خمس وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام حامدا مصلّيا مستغفرا

المصادر
المحتوى