
حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد وقع بحث طويل بين الشيخ الارشد الشيخ احمد بن المقدس الممجد الشيخ محمد آل ماجد الاوالي وبين السيد السند السيد عبد الصمد بن السيد العلي السيد عليّ بن السيد احمد الزنجي الاوالي امدهما الله سبحانه بمدد هدايته ورعاهما بعين عنايته في قوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع العليم بان الكاف في كمثله زائدة او ليست بزائدة وهل يلزم من ذلك اثبات المثل ونفي الواجب على تقدير اصلية الكاف اذ ليس مثل المثل يلزم ان يكون سبحانه مثلا لمثله مع ما فيه من قبح ثبوت المثل والكل باطل فسلك الشيخ احمد في بحثه طريقة التأويل وسلك السيد عبد الصمد طريقة الظاهر فاختلفا لاختلاف الطريقين وتباعد المسلكين الى ان بلغ الحال بينهما ان قال السيد المذكور للشيخ احمد حرر ما عندك وذلك بعد كلام طويل ولعمري ان هذا نزاع مستغنى عنه سيما مع اختلاف الارادتين مع ان كلا منهما مصيب في مسلكه كل بحسبه فكتب الشيخ احمد له بعض الالفاظ مشيرا الى بعض ما قال على سبيل الاشارة واختصار العبارة فوقع ذلك في يدي فاحببت بيان مرامه فيما ذكر صريحا وذكره بعض تمامه مما لوح فيه ولم يصرح به جهرا واجعل كلامه متنا وبياني كالشرح
قال سدد الله موصول احواله وبلغه حصول آماله في مبدئه ومآله : امرت سيدنا بان احرر لجنابك ما فهمته بحسب جهدي الذي تفضل الله به في معنى الآية ليس كمثله شيء
اقول المراد بمعنى الآية هنا ما يتحصل من معنى الكاف على تقدير صلتها او اصليتها
قال ايده الله تعالى : الله تعالى شأنه اجل وارفع من ان يكون له شريك ومثل وذلك لانه محيط بالاشياء والعقول دخلت في الشيئية والفرض والاعتبار بالعقل
اقول اخذ سلمه الله يقرر وحدة الحق سبحانه بان الشريك لا يمكن الاشارة اليه في الذهن ولا في الخارج بأي ( بأي جهة خل ) من جهات الذكر الوجودية او الاعتبارية اذ ليس شيء من ذلك يخلو من الحق سبحانه سواء كان خارجا او ذهنا او فرضا اعتبارا او غيره فلا محل للشريك والمثل ولا قرار له نعم لما كان مقام الكثرة له التعدد ( مقام الكثرة والتعدد خ ) ظهر فيه من جهة الدواعي العرضية الوهمية مع القطع عن الوحدة حال سلوك تلك الدواعي تجويز الشريك او توهمه او ظنه العرضي فانزل الله سبحانه لذلك وازالته من الاوهام لا اله الا الله ولا شريك له فليس النفي فرعا على الثبوت كما توهم بل لان الاوهام لما اغبرت في مقام الكثرة والتعدد فاتى بالنفي مكنسة لغبار الاوهام ولهذا قال عليّ عليه السلام لكميل محو الموهوم وصحو المعلوم ومعنى كلام العلماء في كثير من عباراتهم حيث يقولون اثبات الصانع ان يمحو ( يمحي خل ) ما في اوهام الجهال من الغبار المذكور لتخلص فيها الوحدة لله سبحانه كما خلصت له في نفس الامر وقوله سلمه الله لانه محيط بالاشياء يشير الى ما قلنا من انه سبحانه لا يخلو منه مكان ولا نحو من الانحاء فاينما تولوا فثم وجه الله لا في الخارج ولا في الاذهان ولا في الاعتبار والفرض كما لا يجوز ( لا يحويه خل ) شيء من ذلك كذلك وقوله سلمه الله والعقول دخلت في الشيئية الخ يريد به انه جل وعلا خالق كل شيء وكل شيء انما كان شيئا بالله كما قال عليّ عليه السلام في خطبته يوم الغدير اذ كان الشيء من مشيته فان فرض للشريك بكل فرض شيئيته ( شيئية خل ) فانما هي بالله فيكون كان المفروض من الخلق فلا يكون شريكا بل عبد داخر ذليل قال تعالى ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فلم يبق نحو ولا مكان يفرض فيه للشريك ذكر ولا حال من الاحوال الا بالنفي على نحو ما ذكرنا سابقا كأن تقول لا شريك له ولا اله الا الله
قال سلمه الله تعالى : ففرض الشريك واعتبار المثل لا معنى لذلك لانه لا يتحقق المثل الا بالاحاطة بالممثل وذلك محال وكذلك الشريك لا يمكن فرضه اذ الباري جل وعلا مبدء لكل شيء
اقول قوله ففرض الشريك الخ استدلال آخر على بطلان الشريك وبطلان فرضه بنحو آخر غير الاول وتقريره ان الشريك انما يكون بتحقق المشاركة التامة المساوية للمشارك فيما شاركه ولو في جهة واحدة من الجهات وكذلك المثل كقولك زيد كالاسد لو لم يشابهه في الشجاعة ولو بجهة من جهاتها لم تقل هو كالاسد والمشاركة والمشابهة في اربع مراتب : الاول ( الاولى خل ) في الذات بان يكون كل منهما قائما بذاته صمدا ( قائم بذاته صمد خل ) لا مدخل فيه ويكون مبدء لكل ما سواه وكل ما سواه مستند اليه وقائم به الثانية في الصفات بان يكون كل منهما في حياته وعلمه وقدرته وسمعه وبصره لا نهاية له ولا غاية ولا مغايرة بين تلك الصفة وتلك الذات الا بالفرض والاعتبار لاجل التعبير والتفهيم ولاجل المسئلة وباعتبار تعلقها بمتعلقاتها عند وجودها الثالثة في الافعال بان يخلق كل منهما الاشياء المختلفة والمتباينة والمتضادة بفيض واحد بسيط بجهة واحدة به تتجنس الاجناس وتتنوع الانواع وتتشخص الاشخاص مع اختلاف الكل بالكلمة المتحدة فيكون بها كل شيء من صنعه على حسب قابليته واستعداده بلا تكلف ولا لغوب كما قال سبحانه وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة الرابعة في عبادته بان يكون كل منهما يستحق العبادة كما ينبغي اعني لا تنبغي العبادة الا له فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه واليه يأله كل شيء بما دل على نفسه وعلم من عبادته وتعرف للدلالة عليه ولا ريب ان المشارك في احد هذه المراتب مثلا محيط بالمشارك الآخر وكذلك المماثل اذ من شرط تحقق كل مرتبة للمتصف بها الوحدة الذاتية كما هو صريح كلامنا في المراتب الاربع والى ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالى اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض
قال سلمه الله تعالى : فاذا تحقق هذا فالكاف للتشبيه وليس للنفي المحض والشبه كما علمت لا يلزم منه مطابقة المشبه به
اقول اراد بقوله الكاف للتشبيه ان الكاف ليست صلة يعني زائدة فان بعضهم انما حكم بكونها زائدة لئلا يلزم من ذلك ثبوت المثل والمراد من الآية نفي المثل ولئلا يلزم نفي الباري سبحانه والمراد من الآية ثبوته بنفي ما سواه فنقول على قول ذلك القائل ان الكاف للتشبيه ليست زائدة ولا يلزم منه محذور اما اولا فلأن ثبوت المثل على المعنى الصحيح عند اهل العرفان هو حقيقة التوحيد والمراد بذلك المثل الصفة فان صفة الشيء مثله بل لا يعرف الشيء الا بصفته التي هي مثله كما وردت الاشارة الى ذلك في الادعية والاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام اسألك باسمائك الحسنى وامثالك العليا لا يقال ان المراد بالامثال جمع مثل بفتح الميم والثاء المثلثة وهذا غير المدعى لانا نقول ان المراد بالمثل بكسر الميم وسكون المثلثة عندنا هو المراد بالتحريك اذ الاول معناه الثاني والثاني معناه الاول وشرح هذا البيان حتى يتحقق عند اهل الغباوة ( العبارة خ ) يحتاج الى تطويل كلام وخروج عن مقتضى المقام واما بيان ذلك عند اولي الافئدة فظاهر لديهم واما من اتبع هديهم فدليل ذلك قوله تعالى ولما ضرب ابن مريم مثلا وقوله تعالى وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم والمراد بهذا ( بهذا المثل خل ) بالتحريك كما هو ظاهر جهة التمثيل والتشبيه الذي هو معنى المثل بكسر الميم وسكون المثلثة وعلى كل تقدير فالمراد به الصفة اذ لا شك ان الصفة فيما يراد منها من جهة الموصوف مثل الموصوف فيما يراد منه من جهة الصفة والا لم تكن الصفة صفة والموصوف موصوفا فصح بهذا المعنى ثبوت المثل وصح نفي مثل ذلك المثل فلاتكون الكاف زائدة ولا يلزم من نفي مثل المثل نفي الذات فانها مثل مثلها كما توهمه القاصرون لان الموصوف لا يصح ان يكون صفة لصفته وانما قلنا ان الصفة فيما يراد منها من جهة الموصوف مثل الموصوف فيما يراد منه من جهة الصفة لان ما يماثل من الموصوف علة لما يماثل من الصفة ولا يصح العكس فلا يكون ( ولا يكون خل ) شيء من الموصوف في الحقيقة والرتبة مساويا لشيء من الصفة فقولك زيد القائم ضاحك فان القائم هو مثل زيد وهو صفته ( صفة خل ) وليس زيد مثل القائم ولا صفته فافهم فثبت ثبوت المثل وامتنع بسبب ذلك الثبوت نفي الذات ولا ينحصر المثل في ذات تماثل المماثل بفتح المثلثة بحيث تماثل الصفة الصفة والموصوف الموصوف بل المثل اكثر ما يرد ( يراد خل ) فيما ذكرنا آنفا لا سيما في القرآن فثبت بما اشرنا ان المثل جار في الصفة وعلى ذلك لا بأس باصالة الكاف ولا يلزم من نفي مثلها نفي الذات لان الذات ليس مثلها بل هي مثل الذات كما ذكرناه مكررا وقوله ايده الله وليس للنفي المحض يريد به ان النفي ليس واردا على ما ثبت كما قيل ان النفي فرع الثبوت بل النفي ( النفي اللفظي خل ) وارد على النفي المعنوي وصورة النفي اللفظي في كونه صورة نفي وارد لنفي ثابت انما جاءت هكذا لان المنفى عدم محض توهم ثبوته فجاء اللفظي ( اللفظ خ ) مطابقا له والا فهو في الحقيقة ليس مطلق ونفي محض ولذا قال سلمه الله ليس للنفي المحض وقوله ايده الله تعالى والشبه كما علمت لا يلزم منه مطابقة المشبه به يعني انه لا ينحصر المثل في ذات تماثل ذاتا في الصفات بل تحصل المماثلة بين الصفة والموصوف كما اشرنا اليه فراجع
قال سلمه الله تعالى : ولما كان الله تعالى امرا شخصيا قائما بذاته واجب الوجود حقيقيا لا اعتباريا فالحقيقة ذات بسيطة لا اعتبار فيها ولا كيف ولا لم ولا متى والاعتبارات كلها في الصفات
اقول انه يأتي جواب لما في البحث الذي يأتي وقوله امرا شخصيا يريد به احدى المعنى لا كثرة فيه ولا تعدد على اي اعتبار في كل حال لا انه امر شخصي ذو تشخص فتلزمه الحواية ويكون محصورا محدودا مخصصا في الذهن او في الخارج او في الاعتبار كما انه ليس بكلي فتشاركه جزئياته في مقام الجمع والظهور فيها في الحواية والتحديد وما هذا حاله لاتقع عليه الصفات لذاته لانه سبحانه كما قال سلمه الله ذات بسيطة لا اعتبار فيها الى آخر لان الاعتبار والكيف واللم والمتى هي جهات الصفات ومناط جميع الاعتبارات وهو معنى قوله سلمه الله تعالى والاعتبارات كلها في الصفات
قال سلمه الله تعالى : والصفات منها ما هو ذاتي ومنها ما هو فعلى فالانسان مثلا كذلك وقد خلق الله تعالى آدم مثالا لذلك وذلك انك تقول ان الله سميع وكذلك ابن آدم ( ابن ادم والله بصير وكذلك ابن آدم خل ) وكذلك في سائر الصفات ولكن سبحانه سميع ولكن الله سبحانه ليس ( ولكن الله سبحانه سميع وليس خل ) بشيء زائد عليه وبصير وليس بامر زائد عليه وابن آدم يسمع بآلة ويبصر بآلة ولو كان بدون آلة لكان مثلا وحيث انه يصدق عليه انه سميع بصير وغير ذلك ولكنه بآلة كان كالمثل فليس نفي لمماثلة ذلك الشيء الذي هو كالمثل هذا ما عندي والله ورسوله اعلم انتهى كلامه اعلى الله مقامه
اقول اعلم ( واعلم خل ) ان هذا الكلام يستدعي تحقيقه تطويلا وتقديم مقدمات ولا حاجة داعية الى ذلك فلنشير ( فلنشر خل ) الى بعض مقصوده كما فعلنا سابقا فقوله والصفات منها ما هو ذاتي الخ يريد ( يريد به خل ) من صفاته تعالى او اعم من ذلك والصفة الذاتية هي التي لا توصف الذات بضدها لذاتها كالعلم فلا توصف الذات لذاتها بالعلم وضده وهو الجهل واما الصفات الفعلية فهي التي توصف الذات بها لذاتها وبضدها كذلك كالارادة والكراهة والرضي والسخط وقوله فالانسان مثلا كذلك يريد به ان له صفات ذاتية وصفات فعلية ولكنه هو وصفاته مستندة ( مستند خل ) الى الحق ( سبحانه خ ) وصفاته وقوله سلمه الله تعالى وقد خلق الله تعالى آدم مثالا لذلك الخ يريد به ان ذاته في الحقيقة هندسة تلك الهيئات وهيمنة ( تلك الهيئة وهيمنته خل ) تلك الصفات قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وفيما ينسب الى عليّ عليه السلام :
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
ونقل عن امير المؤمنين عليه السلام الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم الى كل خير وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار انتهى فذاته آية ذات الله وصفاته الذاتية آية صفاته الذاتية وصفاته الافعالية آية صفاته الافعالية فما هنا مثل لما هنالك وقوله ايده الله تعالى وذلك انك تقول ان الله سميع وكذلك ابن آدم ( ابن آدم الخ خل ) تمثيل وتنظير لما قلنا لك ان ما هنا مثل لما هناك فمثل بشيء من ذلك ليستدل بما ذكر على ما لم يذكر وهذا ظاهر وقوله ولكن الله سبحانه سميع وليس بشيء زائد عليه الخ تبيين للوحدة الحقة المطلقة وقوله ( وقوله ايده الله وابن آدم يبصر بآلة الخ يشير الى الوحدة المجازية المقيدة وقوله خ ) سلمه الله وحيث يصدق عليه انه سميع بصير وغير ذلك ولكنه بآلة كان كالمثل يعني انه ليس مثلا بمعنى ذات ذات صفات مماثلة لذات ذات صفات ذات كذات وصفات كصفات بل هو مثل مثل يعني صفة كما قدمنا القول فيه وقوله سلمه الله فليس نفي لمماثلة ذلك الشيء الذي هو كالمثل معناه ان كلمة ليس في الآية الشريفة نفي فليس مبتدء ونفي خبره اي نفي لمماثلة صفات الصفة لصفات الموصوف بل نفس الصفة مماثل للموصوف فيما له ( لها خل ) منه اي في مباديها منه كما اشرنا اليه سابقا فلا يكون لنفس صفته شيء مماثل اذ ليس مثلها شيء غيرها لانه ليس غيرها شيء الا صفة الصفة وهي وان ماثلتها فيما لها منها لا تماثلها على نحو ما قلنا في الصفة والموصوف بلا فرق فمعنى الكلام ليس لصفته مثل ولا نظير ولا مشابه وان قلنا بان الكاف زائدة كان معنى التشبيه منها مؤكدا لمعنى المثل ويكون المعنى ظاهرا ولسنا بصدد غير ما ذكرنا من الاقوال والاعتراضات والسلام على من اتبع الهدى والحمد لله رب العالمين وفرغ من تسويدها مؤلفها في الليلة الخامسة عشرة من شهر رجب سنة ١٢١٢ حامدا مصليا مسلما مستغفرا