
حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين انه قد كتب إلي ذو المودة والصفاء الاخوند الملا مصطفى وفقه الله لما يحب ويرضى مسائل يريد بيانها على حال لا يسع احد فيه البيان من ملازمة الامراض وتشويش البال باختلاف الاحوال وكثرة الاعراض ولم يسعني رده لانه اهل للجواب واقتصرت على اقل البيان اعتمادا على فهمه وتسهيلا على نفسي لما اجد من الموانع ولاجل لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور وجعلت عبارته متنا والجواب شرحا كما هو عادتي ليسهل ادراك معنى الجواب ومن الله توفيق الهداية والصواب واليه المرجع والمأب
قال سلمه الله : الالتماس من جنابكم ان توضحوا بمشكوة فكركم الشريف وبمصباح عقلكم المنور المقدس اللطيف لهذا الحقير في الشعلة المرئية السراجية النار الغيبية وفعلها واثر فعلها ومفعولها
اقول : اعلم ان الشعلة المرئية مركبة من وجود وماهية وهي بمنزلة عقل الكل وهو مركب ايضا من وجود وماهية يعني من مادة وصورة فمادته اثر فعل الله وهو الوجود الذي هو اول فائض من فعل الله ومشيته وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي وصورته انفعاله وقبوله للايجاد والشعلة المرئية وجودها الذي هو مادتها اثر فعل النار الصادر من تأثير فعل النار الذي هو الحرارة واليبوسة العرضيتان واثر فعل النار هو استضاءة الدخان واستنارته عن فعل النار وماهيتها التي هي صورتها انفعال ذلك الدخان بالاستضاءة لان دهن السراج لما قربت منه النار حرقته وكلسته حتى كان دخانا فلما وصل الى رتبة الدخانية بمس النار انفعل بالاستضاءة عنها فالنار التي هي الحرارة واليبوسة الجوهريتان آية الخالق جل وعلا وهي غائبة عن الادراك والحرارة المدركة من الشعلة تأثير فعلها والاستضاءة المرئية اثر ذلك التأثير الفعلي ومحل الاستضاءة هو الدخان والامكان الذي يستمد منه الدخان هو الدهن ففعل النار اية المشية وتأثيره اية ايجادها لمفعولها والدخان آية انفعال الوجود وقابليته والدهن الذي يستمد منه الدخان الحامل للاستضاءة المرئية اية الامكان الذي يستمد منه تأثر الكائن وقابليته والسراج اية عقل الكل وتفصيل ذلك كله في قوله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الى اخر الاية
قال سلمه الله تعالى : وبينوا ان الدهن اهو محل لفعل النار او بمنزلة القابلية وان الدخان وتكليس الدخان اهو اثر النار او اي شيء وان الاستضاءة اهي مفعول للنار او مفعول لفعل النار والشعلة المرئية اهي عبارة عن ظهور النار او عبارة عن ظهور فعل النار
اقول : قد اشرنا قبل ان الدهن بمنزلة الامكان وان انفعال ما منه حتى صار دخانا بمنزلة القابلية لتأثير فعل النار وهذا الانفعال هو تمكين الفاعل هوية المفعول من قبول اثر الفعل وهذا التمكين مساوق للتكوين في الظهور الكوني متأخر عنه بالذات لترتبه عليه وان الدخان المستمد من الدهن هو محل الاستضاءة لانه هو المستضيء عن تأثير فعل النار وتكليسه له والدخان ليس اثرا للنار ولا لفعلها بل هو من الدهن فلما كلسه فعل النار حتى صار دخانا انفعل بالضياء عن تأثير ذلك الفعل فيه وتكليسه له واما الاستضاءة فهي مفعول النار ولكن النار لا تفعل بنفسها وانما تفعل بفعلها فان قلت انها مفعول للنار فصحيح باعتبار مفعوله بفعلها وان قلت انها مفعول لفعل النار فصحيح باعتبار مفعوله بفاعلها واما الشعلة المرئية فهي عبارة عن ظهور النار بها يعني ان النار لا تظهر بذاتها وانما ظهورها عبارة عن اظهار الشعلة الدالة على وجودها ولو قلت ان الشعلة عبارة عن ظهور فعل النار يعني انها اثره الدال عليه لم يكن به بأس
قال سلمه الله تعالى : وبعبارة اخرى بينوا ووضحوا في الشعلة المرئية النار الغيبي الجوهري والحرارة واليبوسة العرضيتين وفعل النار الجوهري واثر فعلها ومفعول النار الغيبي الجوهري ومفعول النار العرضي
اقول : اعلم ان النار الغيبي الجوهري التي هي عبارة عن حرارة ويبوسة جوهريين ليست في الشعلة على جهة الحلول ولا خارجة على نحو العزلة بل يقال هي داخلة فيها لا كشيء داخل وخارجة منها لا كشيء خارج لان النار المشار اليها آية الله في خلقه آية استدلال عليه لا آية تكشف له فهي في الشعلة ظاهرة بفعلها وتدبيرها واما الحرارة واليبوسة العرضيتان فهما متعلقان بالشعلة تعلق المؤثر باثره الصدوري لان الشعلة قائمة بهما قيام صدور كقيام الكلام بتكلم المتكلم واما فعل النار الجوهري فهو التكليس والاحراق والاضاءة بقابلها وهو الدخان واثر الفعل هو الاضاءة وهو المس المذكور في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار والمراد باضاءة الفعل احداث الاضاءة في الدخان بقابليته للاستضاءة واما قولكم ومفعول النار الغيبي الجوهري الخ فلا يستقيم كونه غيبا الا بالنسبة الى من دونه من آثاره ولا يستقيم كونه جوهريا الا بالنسبة الى اثاره ومعلولاته واما بالنسبة الى الفعل فهو عرض وظاهر وهذا ظاهر مما تقدم
قال سلمه الله تعالى : وبينوا كيفية ظهور الشعلة المرئية من النار وطريق حدوثها وبعد طبقوا مراتب ظهور المشية وحدوثها من الله سبحانه وتعالى او فعل الله تعالى واثر المشية ومفعول المشية واثر المشية ومحل المشية وظهوره تعالى وتبارك بفعله
اقول : اما كيفية ظهور الشعلة من النار الخ فلان النار لما كلست الدهن حتى كان دخانا بحرارتها اشتعلت فيه فاستنار الدخان باشتعالها فيه كما استنارت الارض والجدار بانبساط الشمس عليها فكما ان كثافة الجدار والارض هي قابلية الاستنارة بانبساط شعاع الشمس عليها كذلك كثافة الدخانية هي قابلية الاستنارة باشتعال النار فيها والاشتعال الذي هو مس النار هو ظهور تأثير فعلها في الدخان الذي به القابلية بالاثر الظاهر اي ظهور التاثير بالاثر فالاثر هو النور الظاهر القائم بالدخان ظهر التأثير به في الاشتعال فيه وهو بمنزلة الوجود الذي هو المادة والتاثير صورة الفعل وهو بمنزلة الايجاد والتكوين وكثافة الدخان بمنزلة الماهية والصورة وفعل النار بمنزلة المشية والنار التي هي الحرارة واليبوسة الجوهريتان آية الفاعل الظاهر بمصنوعاته عز وجل وله المثل الاعلى واثر المشية ومفعولها شيء واحد وهو الوجود ويسمى بالماء وهو محل المشية ايضا واما ظهوره تعالى فبفعله وظهور فعله بمفعوله اذ لا ينفك الفعل عن المفعول
قال سلمه الله تعالى : وبينوا ان العقل الاول ووجود محمد صلى الله عليه واله ما هما اول اهما اثر المشية او مفعول المشية
اقول : اعلم ان وجود محمد صلى الله عليه هو اول فائض عن فعل الله تعالى وهو اثرها وهو متعلق المشية الذي لا تظهر الا به فهو كالانكسار والمشية هو كالكسر وهو الانفعال الراجح المشار اليه بالزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار كناية عن راجحيته في الوجود والظهور وهو المقام الجامع لمعانيه سبحانه اي معاني افعاله فلما بعثه فعل الله وكلمته الى ارض الجرز يعني القابلية ظهر بهما العقل فان هذا الوجود بمنزلة الماء والقابلية بمنزلة ارض الجرز والارض الميتة فنزل عليها اي نزل الوجود المحمدي (ص) الذي هو الماء الى ارض الجرز الذي هو الماهية والقابلية ظهر منهما العقل الكلي الذي هو البلد الطيب فوجوده صلى الله عليه واله اثر المشية ومفعولها وبه وبالقابلية ظهر العقل اي عقل الكل فالعقل وجه ذلك الوجود ووزيره
قال ايده الله تعالى : وبينوا ان الامكان والوجود ووجود محمد صلى الله عليه واله بمنزلة الدهن او بمنزلة الدخان او بمنزلة الاستضاءة
اقول : الامكان في السراج له مراتب منها بمنزلة شجرة الزيتون التي يؤخذ منها الدهن وبمنزلة الزيت الذي يوضع في السراج وتكلس الاجزاء الى ان تقرب من الدخان بمنزلة التمكن من الامكان ايضا الا انه اخر مراتب انفراده عن الكون في الجملة ليس بعده الا التهيؤ للقبول فانه البرزخ بين العاري عن الكون والمصاحب للكون هذا في طرف الجهة السفلى من ناحية نسبة الممكنات واما الامكان في طرف الجهة العليا فالحرارة واليبوسة العرضيتان بمنزلة المشية الامكانية وتكليس الاجزاء الى ان تقرب من الدخان بمنزلة التمكين للقبول (ظ) من المشية والتهيئة للقبول برزخ للكون ليس بعده الا ظهور الكون والاستضاءة ظهور القابل بالمقبول بربط احدهما بالاخر والمراد بالقابل هوية المكون حين التكوين والمراد بالمقبول ظهور المكون بكسر الواو بالمكون بفتح الواو حين التكون والمقبول هو النور الذي استنار به الدخان من مس النار وهو المسمى بالوجود والدخان هو الماهية الاولى المسماة بالانوجاد والماهية الثانية هي عين المكون المعتبر فيها القابل والمقبول معا بمنزلة السراج والقابل هو الدخان لانه هو هوية المكون حين التكوين وقولنا حين التكوين لبيان انه قبل التكوين ليس شيئا وقولنا اولا والمراد بالمقبول ظهور المكون بكسر الواو يعني الفاعل بالمكون بفتح الواو يعني المفعول بالذات وهو الوجود الذي هو بمنزلة نور السراج ونعني بقولنا حين التكون ان النور قبل القبول لايظهر وانما يتحقق ظهوره بالقابلية التي هي المفعول بالعرض ومعنى ظهور الفاعل به كظهور النار بالنور الذي استنار به الدخان ان الفاعل في نفسه لا يظهر كما ان النار في نفسها لا تظهر بل هي ابدا غيب وانما يظهر الفاعل بنوره اي باظهار نوره وهو الوجود كما ان النار انما تظهر بنورها اي باظهار نورها في الدخان لان المحدث اثر لا يتقوم ولا يظهر الا في محل وهو الماهية والقابلية كذلك النور الذي في السراج لا يتقوم ولا يظهر الا في محل وهو الدخان
بقي شيء وهو ان المحدث لا بقاء له الا بالمدد وهو ان يمد بما هو كبدئه من وجود وماهية مما هو مذكور به في العلم الامكاني فكل فيض من الوجود يمد به لا يظهر الا بقابليته كاصل المحدث بل هو هو لانه قائم من الفعل قيام صدور كما في تأويل قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد لان القابل هو انفعال المقبول كما تقول خلقه فانخلق فلا يتحقق خلق الذي به الكون الا بانخلق الذي به التكون فكذلك مثاله ودليله وهو السراج لا بقاء له الا بالمدد حرفا بحرف فما دامت النار موجودة في رتبة غيبها الذي هو ازلها ففعلها موجود في رتبة امكانه فاذا جاور فعلها موجب ظهور اثره بتأثيره كالدهن مثلا كلست بفعلها ما جاوره من الدهن حتى صار دخانا فاذا صار دخانا ظهر فيه اثر فعلها فان ذهب الدهن بطل السراج ولم يكن له بقاء لانه لا بقاء له الا بالمدد وقد ذهب مدده من جهة القابلية وما دام الدهن باقيا فالسراج باق لدوام المدد من طرف القابل والمقبول فاما ما كان من القابل فان النار بفعلها دائما تكلس منه دخانا وكلما صار شيء منه دخانا استنار بمسها واشتعالها فيه لان النار لا تشتعل الا في الدخان وما كان من نحوه كالفحم الا ترى انك اذا وضعت فيها الخشب لا تشتعل بالخشب بل يصفر بحرارتها ويبوستها ويسود فاذا لم يبق فيه من الرطوبة الذاتية الا ما يمسكه اشتعلت فيه لما بينهما من المناسبة باليبوستين وهكذا على سبيل الاتصال بالمدد كلما كلست شيئا منه حتى صار دخانا اشتعلت به واستنار بالاشتعال وتكلس ما يليه بحيث لا يكون بين تمام الاشتعال بجزء وبين كون جزء اخر متصل به يكون دخانا فصل فلو حصل فصل ولو قليلا انطفى السراج ولو حصل فصل ولو قليلا بين المحدث والمدد المتجدد بطل وفني المحدث ولم يكن شيئا وآية هذا اذا اردت ذلك تجدها في صورتك اذا قابلت المرءاة فان الصورة لا يمكن ان تبقى ولو لحظة بغير مدد المقابلة فاستبصر امرك بما ضرب الله لك من الامثال كالصورة في المرءاة وكالسراج وكالكلام من المتكلم وامثال ذلك والله يحفظ لك وعليك
قال سلمه الله تعالى : وبينوا في الشرح مطابقة الممثل للممثل له ببيان واضح وتبيين كاف بحيث لا يكون بعد الشرح خفاء وحجاب لهذا الحقير المحجوب وتصير المسئلة والمطلب واضحا لعبدكم وبينوا ببيان لا يمكن ان يكون بيان اتم وابلغ منه فان هذه المسئلة من امهات المسائل ويتفرع عليها اكثر مطالبكم الخ
اقول : قد اشرت الى ما يمكنني تبيينه من جهة ما تطلبون يحصل لمن عرف ما ذكرته جل مطالبنا في كيفية بدء الخلق بما لا تجده ولا ما يدانيه في كتاب الا فيما يستفاد من كلام اهل البيت صلى الله عليهم اجمعين لان ذلك الذي ذكرته هو ما استفدته من كلماتهم عليهم السلام بما افادوا وتفضلوا وليس كل من طلب من كلماتهم وجد لان مدارك هذه الامور توقيفية والله سبحانه ولي التوفيق واما قولكم ايدكم الله لا يكون بيان اتم وابلغ منه فهو على عمومه لا يمكن الجواب عنه لان من هو اعلى مني يقدر على اتم وابلغ من قولي وانا ايضا الذي اتمكن منه واقدر عليه على اربعة اقسام : الاول لا يجوز لي بيانه الثاني لا اقدر على العبارة عنه الثالث يحتاج الى تطويل ربما يفوت منه المطلوب لكثرة المقدمات وارتباط الاشياء بعضها ببعض ولضيق وقتي وتشويش افكاري لكثرة الاشغال واختلاف الاحوال ولضعف بدني بكثرة الامراض ودواعي الاعراض الرابع ما ذكرته لجنابكم وعندي انه كاف فيما اردت واف بما طلبت شاف بما فيه من فتح ابواب الاطلاع على اسرار الكون والله سبحانه ولي التوفيق والعون والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين
وقع الفراغ من تسويدها بيد مبديها العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحسائي في ليلة الخميس العاشرة من ذيالحجة الحرام سنة احدي وثلاثين بعد المائة والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها واله افضل الصلوة والسلام في البلد المحروسة عن حوادث الزمان كرمانشاهان حامدا مصليا مسلما مستغفرا والحمد لله وحده