
حسب جوامع الكلم – المجلد الثامن
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد ارسل الى الاكرم الاجل والزاهد البدل الشيخ الاواه الشيخ عبد الله ( عبدالله بن محمد بن احمد خل ) بن غدير بمسائل يريد بيانها وفيها ما لا يحسن بيانها ( بيانه خل ) لقولهم عليهم السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كلما يقال حان ( آن خل ) وقته ولا كلما حان ( آن خل ) وقته حضر اهله ه لكن لما كان من اهل ذلك وجب عليّ الاشارة الى ما اراد لئلا اكون ظالما له ان منعته على انه ( انه سلمه الله خل ) طلب مني بيان اعتقادي في ذلك فجعلت كلامه وعبارته في كتابه الى متنا وجوابي شرحا ليكون الجواب طبق السؤال ويعرف الحال من المقال فاقول وبالله المستعان وعليه التكلان
قال سلمه الله: مسئلة مهمة الى ان قال وهي الكشف عن نسبة المعاصي للمعصومين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين فان الروايات والآيات تدل على ذلك كما لا يخفى واحوالهم في مناجاتهم وادعيتهم تشهد بذلك فالمأمول ان تفصح عن اعتقادك في ذلك وتبين الدليل والجواب عن هذه الشبهة وامثالها فاني في ذلك من الواقفين الساكتين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا
اقول ان هذه المسئلة وان جرى على السنة العلماء والعارفين لكن الكلام فيها والبحث عنها لا يكون جوابها على حقيقة الامر الواقع كما هو مطلوبه الدال عليه بقوله ان تفصح الخ بالعبارة الظاهرة لانها تزيدها غموضا فان الجواب عنها من مكنون العلم الذي كتموه عالموه عن انفسهم بل عن عقولهم وانما هو في اسرارهم وما احسن الاستشهاد هنا بقول الشاعر :
واياك ذكر العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
نعم التلويح اوضح لمثل السائل من التصريح وانا اشير ما يتحقق ( اشير الى ما يحقق خل ) الشبهة بالدليل المناسب للمقام ثم اذكر الجواب والدليل الكاشف لما تحقق منها ولا حققها ( لما حققها خل لما حققها منها خ ) ومن اخذ من كلماتي هذه الآتية في بيان ذلك نصيب ( بنصيب خل ) فقد فاز بالمعلي والرقيب اعلم ان حقيقة المعصية عدم لانها من ماهية المكون من حيث نفسه لا من جهة خالقه لان ماهيته العليا التي هي من جهة خالقه ( خالقه نور خل ) لا ظلمة فيها فهي نور الخالق لا ماهية المخلوق فكل مخلوق خرج من عند الله فله ماهيتان ومعصيته من الماهية السفلى العرضية الوهمية وهذه الماهية يتكمل وجودها من عرضيات الوجود ( ومعصيته من الماهية السفلى العرضية الوهمية بتكمل وجودها من عرضيات الوجود خ ) وتشبهها به وادعائها له فهي ظلمات بعضها فوق بعض لانها في الحقيقة ما شمت رائحة الوجود ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان فاذا استولت عليها انوار الوجود بالعمل التشريعي الاختياري رقت انيتها وتلاشت مائيتها وانقادت لامر ربها فتركت دعويها وتشبهها بمولاها وعافت الاعراض ورذائلها وصحبت الوجود للموجد المعبود وذلك اذا قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال لها صاحبها انه صرح ممرد من قوارير قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين فقيل لها يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي فهي في هذا المقام حجاب زبرجد يتلألأ بخفق يعني باضطراب كما اشار اليه جعفر بن محمد عليهما السلام كما رواه في الكافي فهي مطيعة بصحبتها للوجود وعاصية بكونها ( لكونها خل ) حجاب زبرجد وان كان مضطربا ما لم تفن بالكلية وبيانه ان الامكان عصيان اذ كل متحقق بغيره اذا وجد له تحققا بذاته كان عاصيا بنسبة دعواه الوجدان والا كان مستغنيا عمن تخلق ( تحقق خل ) به فيما استقبل ( استقل خل ) به فلم يكن محتاجا مطلقا بل في شيء دون شيء هذا خلف وذلك لان المخلوق قائم بخالقه قيام صدور فهذا ( فهو خل ) ابدا محتاج الى المدد والافاضة والفيض وعليه ( والفيض عليه خ ) دائم المدد بل ليس شيئا غير ( شياعه خل ) ذلك المدد الامتدادي ( الامدادي خل ) وفي الدعاء الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك والاكدار تلازم الاغيار فمهما تحققت المغايرة تحققت الكدورة ولا تعجب من هذا وقد قالوا عليهم السلام حسنات الابرار سيئات المقربين فان المقربين اذا اكلوا من الحلال ما يمسك رمقهم ليقووا به على الطاعة او نكحوا للسنة وكسر النفس وطلب النسمة التي تثقل الارض بشهادة الا اله الا الله على انهم امروا بذلك فكم من مأمور منهى ومنهى مأمور وعصي آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فاذا فعلوا ذلك الذي هو كمال حسنات الابرار كانوا عاصين اذ ليس لهم حالة لا كدورة فيها الا حالة نفي الاغيار قال الصادق عليه السلام لنا مع الله وقت هو فيه نحن ونحن هو ونحن نحن وهو هو ه فالحرفان الاولان ليس فيهما كدورة ولا ظلمة وذلك اعلى درجاتهم وهو مقام او ادنى والحرفان الاخيران فيهما كدورة وظلمة للعقل ( للفصل خل ) والفرق فافهم ( فافهم فاذا اكل المقرب من الرزق الحلال لما امر كما امر كان عصيانا في حقه للفصل والفرق خل ) كما مرت الاشارة اليه وليس لاحد من الابرار ان يراها معصية وهي نهاية طاعته والمراتب من الحرفين الاولين في الحديث المذكور الى الثرى لا تحصى وبعد الحرفين المذكورين كل من ازال الاغيار وبها بطل الاكدار ( الحرفين المذكورين كلها منازل الاغيار ومهابط الاكدار خل ) وان كانت متفاوتة وكل اهل مرتبة عصيانهم في نزولهم الى من دونهم بمرتبة يكون ( تكون خ ) تلك المرتبة حسنة الادنين وسيئة الاعلين لا ينفك الاعلون من الدنيا في بعض الاحوال وان قلت وكثرت على حسب منازلهم وهكذا فيكون الاعلون يستقيلون من حسنة من دونهم والا كانوا مثلهم ومن نزل مرتبتين كان فاسقا والعياذ بالله فاذا نزل الاعلى جرى عليه حكم الادنى فلهذا ( ولهذا خل ) كانوا (ع) يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق وينكحون النساء ويقتلون ويموتون ويقبرون ولهم حالة لا كدورة فيها كما قلنا اشار اليها في كتابه العزيز بقوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وعن الصادق عليه السلام في خطبة امير المؤمنين عليه السلام الى ان قال عليه السلام الذي كنا بكينونته قبل خلق الخلق والتمكين وقبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين منه بدؤنا واليه نعود الخطبة قال المفضل للصادق (ع) يا ابن رسول الله ان هذا الكلام تحار فيه العقول فعرفني ما معنى قول امير المؤمنين عليه السلام الذي كنا بكينونته قبل خلق الخلق قال الصادق (ع) بكينونته في القدم وهو المكون ونحن المكان وهو المشيء ونحن الشيء وهو الخالق ونحن المخلوقون وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن اسماؤه وهو المحتجب ونحن حجبه كائنين غير مكونين نسبحه ونمجده و نقدسه في ستة اكوان الحديث فلذلك ( فكذلك خل ) كانوا ( كانوا يستقيلون وخل ) يستغفرون ولهذا ( لذا خل ) قالوا نحن معانيه فالشيء من حيث هو لا يعصي نفسه من تلك الحيثية لعدم المغائرة قال الله تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله وسماهم باسمائه وهو العلي العظيم وهو العزيز الحكيم بالمؤمنين رؤف رحيم الى غير ذلك انظر الى معنى قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فاين المعصية في هذا المقام وهذا ( هو خل ) مقام كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث وقولهم عليهم السلام نحن محال ( محل خل ) مشية الله وقوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون مع ان هذا دون ذلك المقام الاول وما سوى ما ذكر يجري عليهم ما ذكر وليس ذلك في ذواتهم بل هو فيما لهم وكذلك ( كذلك ما ورد خل ) مما يوهم ان للشيطان لمما بهم فان الله سبحانه يقول ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فلا سلطان له عليهم وانما اللمم لما لهم وهذا المعنى احد الوجوه في الجواب عن هذه المسئلة كما روي عنهم عليهم السلام ان الله حملهم ذنوب شيعتهم فهم لما عليهم من ذنوب محبيهم يتضرعون ويبكون ويستغفرون وقولي لما لهم اشير به الى شيعتهم فان الله خلقهم لهم وهذا الوجه في الحقيقة راجع الى الاول في المعنى وكذلك ما قيل انهم عدوا ترك الاولى معصية فان هذا الوجه ايضا راجع الى الاول كما لا يخفى ثم اعلم ان ما يلقي الشيطان فليس اليهم ولا الى شيعتهم في الحقيقة بل هو الى الغير وما جرى على بعض المحبين بالعرض فانما ذلك لركونهم الى الغير فيمسهم وهج النار في هذه الدنيا فتقع بذلك منهم المعصية فيكون الركون والمعصية واصابة وهج النار كلها بالعرض ومن كان بالذات فلا ولاية بينهم وبينه وليس من اتباعهم بل هو من غيرهم فلا يتحملون من ذنوبه شيئا وتأمل ما سبق من الكلام ( الكلام من خل ) ان الامكان حرف معجم موسوم بنقطة الفقر وذلك منشأ الظلمة وعلى قدر تلاشيها ( تلاشها خل ) في انوار الوجود الحق وقطعها الاعتبار من نفسهم ( نفسها خل ) تكون الطاعة وبقدر بقائها وانيتها تكون المعصية وقد كررنا هذا المعني مرارا وادلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة لا تحتاج ( لا يحتاج خل ) الى ايرادها فظهر انهم معصومون في كل مراتب من دونهم بمعنى ان لهم فيها مقام الوجه فكساهم فيه ( فيها خل ) حللا من صفة الصمدانية ولهم مع ربهم تلك الحالتان السابقتان فافهم ما القي اليك ( عليك خ ) وما عنينا واعرف قول الشاعر :
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
فمنه الينا ما تلونا عليكم ومنا اليكم ما وهبناكم منا
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال سلمه الله: وايضا ذكر الامام العلامة اعلى الله مقامه في اجوبة السيد مهنا (ره) انه لا يجوز القول بالاحباط لما يلزم ان من احسن يكون بمنزلة من لم يحسن اذا زادت سيئاته على حسناته ومن اساء يكون بمنزلة من لم يسئ اذا زادت حسناته على سيئاته وظاهر اخبار اهل البيت عليهم السلام والآيات القرآنية تأبى قول العلامة مثل ان الحسنات يذهبن السيئات وان الصلوة تنهي عن الفحشاء والمنكر ومثل خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فانه ورد انهم اناس تعادلت حسناتهم وسيئاتهم والاخبار التي تضمنت ان بعض الاعمال الصالحة تحبط الذنوب وتكفر السيئات اكثر من ان تحصى فاوضح لنا ذلك هداك الله احسن المسالك
اقول الكلام في هذا الكلام على معنيين احدهما القول بالاحباط او بعدمه وثانيهما فيما يلزم القائل بالاحباط اما الاول فالحق في المسئلة القول بعدم الاحباط على المعنى المراد من اصطلاح العلماء لمنطوق محكمات القرآن كقوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقوله تعالى يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وغير ذلك من الآيات الكثيرة المحكمات وكذلك من الروايات ولان اصل الحسنة ثابت واصل السيئة مجتث والشيء لا يعادل بلا شيء ولان مقام الحسنة فوق ومقام السيئة تحت وبينهما مسافة بعيدة ولو قيل بعدم الانتهاء لم يكن بعيدا فاين المعادلة واعلم ان هاتين العلتين هما من مخزون العلم من عرف المراد منهما لم يحتاج ( لم يحتج خل ) الى دليل بعدهما وسنشير الى البيان فترصده من ( في خ ) مظانه لا يقال ان دعويكم ان كان من ( دعويكم احكام خل ) هذه الآيات من دون اضدادها مثل قوله تعالى فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت وقوله تعالى فاصابه وابل فتركه صلدا وقوله تعالى كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وغير ذلك دعوى من غير دليل بل لقائل ان يقول ان هذه هي الحكمة ( المحكمة خل ) لا تلك والاخبار في هذا المعنى كثيرة وكون السيئة مجتثة الاصل لا يضر بعد تحققها وفوقية المقام لا ينافي الاحباط بعد رفع الاسفل ووضع الاعلي حتى يوضعا في كفتي الميزان ( الميزان والا خل ) فلا فائدة في الوزن الذي نطق به القرآن في قوله تعالى والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه الآية لانا نقول ان ذلك انما كان بالدليل القاطع لحجة الواعي السامع وهو ان الحكم باحكام الآيات الاول الدالة على بطلان القول بالاحباط جار على طريقة العقل ( العدل خل ) ومستقيم على النهج الاوسط من مسالك العدلية لانه اذا جعلت محكمة يرد ( ترد خل ) اليها غيرها تطابق القرآن ومعنى السنة النبوية ووضع الحق لاهله والمتشابه لاهله ولو عكس الامر كان وضع الحق للمبطلين والمتشابه للمحقين والله سبحانه يقول وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته يعني بان يهدي المؤمنين الى طريق رد ذلك الى المحكم ثم قال تعالى والله عزيز حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم يعني ان القاء الشيطان سيئة في متشابه من القول لاولي الزيغ لا لاصحاب الحسنات فلو صح معادلة حسنة بسيئة لكان القاء الشيطان لا يخص اولي الزيغ بل يشمل المؤمنين من حيث هم مؤمنون ومحسنون لحسناتهم التي احبطها القاء الشيطان فافهم ثم قال تعالى وان الظالمين لفي شقاق بعيد لبعدهم عن طريق اهل العدل وتيههم في كل واد سحيق من الاحتمالات الردية التي لا اصل لها وغرقوا من هوى انفسهم في بحر عميق من الماء الاجاج وتقحم الاعوجاج في امواج لجج الخواطر الشيطانية التي لا ساحل لها ثم قال سبحانه وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم بما كشفت ( كشف خل ) لهم من مراده تعالى في خطاباته وبما عرفوا من مراد الشارع عليه السلام في اخباره وتأسيساته لانه انما يتكلم بلغتهم واليه الاشارة بقوله تعالى متاعا لكم ولانعامكم يعني به العلم وروى الديلمي في كتابه اعلام الدين عن الباقر (ع) قال ( انه قال خل ) الناس كلهم بهائم الا قليلا من المؤمنين والمؤمن قليل والمؤمن قليل ه ثم قال تعالى وان الله لهادي الذين آمنوا الى صراط مستقيم والمراد بهم ذلك القليل الذين خاطبهم الله في كتابه بتبعية خطاب ائمتهم وهم الذين يعرفون سنة نبيهم صلى الله عليه وآله لا سواهم ( سواهم وهم الذين خل ) يهديهم الله الى طريق من التأويل مستقيم بل من كان صادقا منهم بعدم اعراضه عما لهم ( الهم خل ) لا يكاد يخطي ابدا لانه معصوم بفاضل عصمته عليه السلام ( عصمة ساداته عليهم السلام خل ) والى ذلك الاشارة بقول الصادق عليه السلام كما رواه الديلمي في كتابه ( كتابه المعلوم خل ) ما من عبد احبنا ( حبنا خل ) وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا نفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة ه فافهم وملخص الجواب عن ( في خ ) شقوق الاعتراض كلها وعن اصل المسئلة في بيان العلتين اللتين اشرنا اليهما ونحن نشير الى بعض البيان لانه يكفي من يفهم ومن لا يفهم فان البيان حجاب له فنقول اعلم ان قولنا ان الحسنة اصلها ثابت لان مصدرها من العقل الذي هو باب الوجود الذي هو نور الله كما دلت عليه النصوص بمنطوقها ولذا قال الله تعالى في الاشارة الى ذلك ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت والسيئة اصلها مجتث قال تعالى كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت وكذا في الزبدين الزبد الجفاء وهو الباطل والزبد الماكث في الارض وهو الحق والمراد من هذا كله ان العمل الصالح اذا صدر من ( عن خل ) داعي الحق على الطريقة الشرعية كان تأسيس الله القوي لا يهدم منه شيئا ( شيئا منه خل ) كيد الشيطان ضعيف ( الضعيف خل ) ولو طرى عليه كما روي في الكافي عن معوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام قال قيل له وانا حاضر الرجل يكون في صلوته خاليا فيدخله العجب فقال عليه السلام اذا كان اول صلوته بنيته ( بنية خل ) يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلوته وليخسأ الشيطان وفيه في صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال اذا ادى الرجل صلوة واحدة تامة قبلت جميع صلوته وان كن غير تامات الحديث والمراد من قوله عليه السلام غير تامات ما هو اعم من الاجزاء بدليل قوله بعد وان افسدها لم يقبل منه شيء منها ولم يحسب ( لم تحسب خ ) له نافلة ولا فريضة وانما يقبل ( تقبل خل ) النافلة بعد قبول الفريضة واذا لم يؤد الرجل الفريضة لم تقبل منه النافلة الحديث فظهر من هذا ان الاداء تامة مراد ( يراد خ ) به كونها موافقة ( مواقعة خل ) للشرع وان غير تامة مراد به كونها غير موافقة لغرض الشارع (ع) وهو معنى الافساد المذكور فبين عليه السلام انه لا يتطرق عليها احباط وهي واحدة من كثير من امثالها ولا سيئة اعظم من افساد ( فساد خل ) الصلوة لان التامة اصلها ثابت كما نبه عليه ( عليه الصادق (ع) خل ) في الحديث السابق وانما يتطرف ( يتطرق خل ) الاحباط الى الاعمال التي لم يثبت لها اصل وهي في الحقيقة ليست باعمال لقوله تعالى حتى اذا جاءه لم يجده شيئا وقال تعالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله الا قليلا مع ان المرائي اكثر الناس ذكرا ولكنه ليس بذكر حقيقة وانما سمى عملا وحسنة ويجري عليه الاحباط لما يظهر لهم وللبهائم من الناس انها اعمال حتى انهم ليحلفن بالله ان اردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون ولاجل الصورة الظاهرة ايضا فانها صورة الحسنة ولكنها ميتة لعدم الروح وهي النية الصادقة فاذا قوبلت بالسيئة ووزنت بها عادلتها واسقطتها بل تكون هي السيئة لان السيئة هي العمل لغير ( الغير خل ) الموصول بنور الله بل اصلها من النفس التي هي باب الماهية التي ما شمت رائحة الوجود ولهذا اشار تعالى اليها في امثال كتابه بذلك قال الله تعالى كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا وقال تعالى كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف الآية ( الآية الى غير ذلك خل ) وقوله تعالى ولا تبطلوا اعمالكم وامثاله من الكتاب والسنة يراد به ان احوالكم ومقتضيات ذواتكم مما هيئتم ( هيئتم لها خ ) او ندبتم اليها التي هي اعمالكم صححوها واثبتوها بمادتكم ( بما دلكم خل ) الدليل عليه السلام عليه لئلاتكون هباء منثورا فتفهم في واسع هذا المجال من مبسوط كلامي الحال ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال كما قال ( قاله خل ) عليّ عليه السلام والعلة الثانية وهي ان مقام الحسنة فوق ومقام السيئة تحت فبيانها هو ان المراد من ذلك اما ان الحسنة ( وهي ان الحسنة فوق مقام السيئة فبيانها هو ان المراد من ذلك ان الحسنة خ ) من العقل وهو نور الوجود والوجود نور الله كما قال عليّ عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال ابن عباس كيف ينظر بنور الله قال عليه السلام لانا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من شعاع نورنا الحديث وقال الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته واخذ ميثاقهم لنا بالولاية ولعليّ امير المؤمنين عليه السلام فالمؤمن اخو المؤمن لامه وابيه ابوه النور وامه الرحمة وان المؤمن لينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه ه واليه الاشارة بقوله تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يعني يرفعه اليه ( يرفعه يعني اليه خل يرفعه يعني الله خ ) والسيئة من النفس الامارة وهي الظلمة ( ظلمة خل ) من فقر الماهية والماهية انما جعلت بجعل الوجود فتعلقها بالحق كتعلق ظل الجدار بالشمس ووزن الشيء وضعه في موضعه اللائق به من كم وكيف ورتبة ووقت الى غير ذلك والمعادلة انما تكون بين شيئين ( سببين خ ) بينهما جهة جامعة فتعادلت ( فتعادل خ ) البعرة ببعرة للمجانسة او بمثلها من الحطب لفائدة الاحراق او بمثلها من الحجر للقيمة ولا تعادل بعرة بدرة لعدم الجهة الجامعة الموجبة للمقابلة والاسقاط فافهم وتصرف في معاني ما القي اليك ( عليك خ ) ولا تعد عيناك عنه واعلم ان الفائدة في الوزن بيان كفة صاحب العمل ليسكن في كفة اليمين او كفة الشمال لا بيان العمل نفسه و( نفسه نعم خل ) بيان العمل ليعلم مرتبة صاحبه في اي درجة من درجات النعيم ( النعم خل ) او في اي درك من دركات الجحيم وهما الكفتان كلا ان كتاب الابرار لفي نعيم كلا ان كتاب الفجار لفي جحيم فاليمين باطنه فيه الرحمة والشمال ظاهره من قبله العذاب فافهم فقد كشفت لك السر و بينت لك الامر ليس فيه نقص عما تريد لانك تطلب الحقيقة كما دل عليه كلامك في المسئلة الاولى وهو ان تفصح عن اعتقادك ولولا ذلك وانك اهل لذلك لكان الجواب غير هذا واما الكلام على المعنى الثاني وهو ما يلزم القائل بالاحباط فاعلم ان الزام العلامة (ره) على الطريقة التي تريد مدخول لان قوله لما يلزم ان من احسن بمنزلة من لم يحسن اذا زادت سيئاته ومن اساء بمنزلة من لم يسئ اذا زادت حسناته يلزم منه عند ملاحظة عموم المنزلة الذي ( التي خل ) اشار اليه تساوي الحالتين كما هو ظاهر كلامه وليس كذلك بل من احسن عشر حسنات مثلا واساء خمس عشر ( خمس عشرة خ ) سيئة وقيل باسقاط الحسنات بعشر من السيئات مع التعادل كما هو المفروض لا تبقى خمس سيئات لان الاسقاط عدل على هذا القول وهو يذل ( بذل خل ) النفس ويقبضها عكس الفضل فيحصل لها ( بها خل ) انكسار غير كسر السيئة بل لفقد الحسنة التي عملتها ( عملها خ ) وذلك عبودية عند من يفهم ولها اجر لا يحصل بالحسنة ابدا واليه الاشارة في الحديث ما معناه لو لم تذنبوا لذهب بكم وجاء باناس يذنبون ويستغفرون ويغفر ( فيغفر خ ) لهم وقوله عليه السلام ما معناه ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الا الهم وكذلك الحديث المشهور في مشاجرة جبرئيل وميكائيل فقال جبرئيل من اذنب وتاب افضل ممن لم يذنب وقال ميكائيل من لم يذنب افضل فانتظرا الوحي فجاء بتأييد جبرئيل عليه السلام معللا بزيادة الانكسار وانه عمل صالح و ( او خ ) ان التعليل من جبرئيل لا يحضرني صورة الحديث والاصل في ذلك ما ذكرت لك من قبض العدل وان القبض وان لم يكن بسبب النفس له اجرة ( اجر خ ) يثاب المرء على رغم انفه ومن ذلك البلايا سواء كانت بفعل النفس ام لا وما قيل ان هذه حسنات هو اسقطها فكيف يثاب عليها بل يعاقب فليس بالتخفيف بل التخفيف ( بالتحقيق بل التحقيق خل ) ان يقال انه ان كان يعاقب زيادة على مقابلتها من السيئات لم يكن عدلا وما ورد مما يوهم ذلك فليس معناه ما اراد هذا القائل ولكن الاستقصاء في حمل ( في توجيهه خل في توجيه خ ) كل ما يوهم يطول به الكلام فاذا عرفت الاصل عرفت الفرع فاذا لم يكن عقاب بل الامر دائر بين الثواب وعدم العقاب وقد علم من كشف الله له غطاء بصيرته ان عدم العقاب استعداد الثواب ( للثواب خل ) من جهة الفضل لان الممكن لا يمكن ان يكون جامدا بل ( بل هو خل ) يمر مر السحاب اما صاعدا واما نازلا فافهم فاذا عدم الموجب للثواب من جهة العمل وجد الموجب من جهة الفضل لعدم المانع واما الشق الثاني وهو من اساء بمنزلة من لم يسئ اذا زادت حسناته فهو في ( من خ ) ذلك بالطريق الاولى لثلثة وجوه : الاول اسقاط السيئة ( اسقاطه للسيئة خل ) عمل غير المقابلة الثاني انكسار نفسه بنقص حسناته بالاحباط الثالث توجه الفضل فالتساوي بين الحالتين المفهوم من عموم المنزلة غير متجه على ما اردتم والا فانه في الظاهر متجه وعلى ما ذكرنا من عدم اللزوم لعدم التساوي فيلزم القائلين بالاحباط ما اشرنا اليه سابقا فانه لا مناص لمن عرف والآيات والروايات شاهدة بعدم الاحباط وما دل على ذلك فوجهه ما قلنا آنفا فراجع واما قوله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات فلما قلنا من اجتثاثها وثبات الحسنات ولهذا لم يرد ما يدل على ان السيئة تحبط الحسنة وانما تحبط الاعمال وهي اعم من الحسنة ومخصصة بغيرها و قد بينا ذلك الا ترى قوله تعالى وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فلو احسنوا لمااضاع ( مااضاع خل ) عملهم وفي الحديث في الكافي عن الصادق عليه السلام هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا ( وظنوا انهم خل ) آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون وقوله تعالى ان الصلوة تنهي عن الفحشاء والمنكر كما قلنا ولا عكس لقوله تعالى واذا قاموا الى الصلوة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله الا قليلا فتأمل المعنى كما اصلت لك سابقا وهو قوله تعالى وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلوة الا وهم كسالى ولا ينفقون الا وهم كارهون فتدبر ترى اعمالا مجتثة سميت باسماء الثابتة ( تر اعمالا مجتثة سميته بالاسماء الثابتة خ ) على ظنهم ولذا قال ولا يذكرون الله الا قليلا واما قوله تعالى خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وان المراد بهم اناس تعادلت حسناتهم وسيئاتهم والمراد ( فالمراد خل ) بالخلط الذي اقتضى التعادل هو ما ذكرت لك من عدم تأصل الحسنة لجهلهم واستضعافهم وتمكن السيئة لعدم القصد الذوقي الذي عند ماحض الايمان وماحض الكفر فكان في الجملة في السيئة نوع عذر فانحطت حسناتهم وصعدت سيئاتهم فاجتمعا ( فاجتمعتا خل ) في مقام المعادلة ولهذا لا يسألون في قبورهم ولا يبعثون في الحشر الاول واذا كان يوم القيمة جدد لهم التكليف واججت لهم النار التي يقال لها الفلق لانهم يومئذ بلغوا ( بلغوا المقام خل ) الذوقي اذ المانع في الدنيا ذهبت باغراضه الدنيا وباغراضه الارض ( ذهبت باغراضه وباعراضه الارض خ ) فافهم واشرب صافيا لا تظمأ بعده ابدا فانه من ذلك الكوثر الذي اشار اليه عليّ (ع) لابن الطفيل ( لابي الطفيل خل ) حين سأله ومثل ذلك ايضا ان الاعمال الصالحة تحبط الذنوب فانها من قوله تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون فافهم الشرط وهو مؤمن فان المراد بالمكفرة الصغائر واللمم من سعة مغفرة الرب تعالى لا الكبائر لان المؤمن لا يفعل الكبيرة لا يزني الزاني وهو مؤمن وان قلت ( قلت ان خل ) استثناء ذكر الكبيرة يشعر بالاحباط قلت ليس كذلك وانما هو في مقام دون مقام واذا لحظت لحظنا بالايمان ( بالايمان الايمان خ ) الاكبر الذي اشار اليه الصادق عليه السلام في هذا الشأن وهو قوله عليه السلام وان زني وان سرق واعلم اني قد اترك التصريح عمدا لفائدة تعلمها انت واتكالا على فهمك فهمك الله تعالى الخير
قال ايده الله: وايضا مكروه العبادة مثل التنفل في الاوقات المكروهة والاماكن التي تكره الصلوة فيها وغير ذلك هل المراد انها اقل ثوابا بالنسبة الى غيرها او انها مرجوحة فلا يكون في فعلها رجحان لان المرجوح لا يكون راجحا الخ
اقول ان في هذه المسئلة ثلثة اقوال عند اهل الاصول : الاول ان مكروه العبادة من المندوب ان كانت مندوبة ومن الواجب ان كانت واجبة لان العبادة راجحة والراجح لا يكون مرجوحا الثاني انه من المكروه والكراهة راجعة الى وصف خارج عن ماهيتها وان كانت في نفسها راجحة لكنها من المكروه لما لحقها من كراهة بعض ما يتعلق بها الثالث انها قسم سادس يعني ان الاحكام واجب وحرام ومندوب ومكروه ومكروه العبادة ومباح فاما القول الاخير فبطلانه ظاهر واما الثاني فله ظاهر اللفظ من حكم الشارع عليه السلام حيث يقول تكره الصلوة في كذا فاسند الكراهة اليها ولكن المعنى ( المعنى من خل ) مراده عليه السلام يأباه فان الصلوة خير موضوع وانما الكراهة راجعة الى المكان او الى الوقت او اللباس او غير ذلك ولهذا حث عليها مطلقا ولو كانت ترجع الى الصلوة نفسها لما كانت الواجبة حيث تكره واجبة بل يكون فعلها مرجوحا فلا يذم على تركها واما القول الاول وهو انها من المندوب فهو الحق ولكن التوجيه بانها اقل ثوابا ليس على سبيل الحقيقة بل مجاز لان الصلوة في الحقيقة ثوابها لا ينقص ولا يزيد الا من جهة نفسها وقد قلنا ان الكراهة راجعة الى غير ذاتها نعم لما كانت الصلوة وهي الافعال المخصوصة المعلومة لدى الشارع لها باعتبار فاعلها وكان ( مكان خل ) الفعل والجهة وغير ذلك توابع تتوقف عليها من باب المقدمة ومن باب الشرط والسبب وتلك التوابع كالوقت والمكان والجهة لبعضها مزايا وخواص تناسب الصلوة وتزيدها كمالا لانها ( لا انها خل ) تكملها وبعضها ليست له تلك المزايا والخواص بل لها عكس تلك المزايا والخواص لم تكن ( لم يكن خل ) لها تلك المزية التي تزيد كمالا وان لم تقتض المنع كان ثواب الصلوة وحدها اقل من ثواب الصلوة مع ثواب تلك المزايا والخواص بل اقل من ثوابها مع تلك التوابع والمقدمات اذا لم تقتض ضد المزية فانها بمجرد المناسبة يكون ( يكون فيها خل ) ثواب عظيم واذا اقتضت ضد المزية نقص من ثواب المناسبة بقدر ذلك الضد فيكون نقص الثواب في الحقيقة وتمامه وزيادته راجعا الى تلك التوابع والمقدمات واما الصلوة نفسها فلا نقص في ثوابها ولا زيادة الا من جهة نفسها وانما قيل تكره كما قيل ينقص ثوابها فافهم فمكروه العبادة من المندوب لعدم موجب يغيره لذاته عن ذاته
قال ايده الله تعالى: وايضا من قصد السفر الى اربعة فراسخ فان المشهور فصلوا بين من اراد الرجوع ليوم فيقصر ومن اراد الرجوع ليومه ينقص ومن لا يرد يتم والاخبار خالية من هذا القيد صريحا بل ظاهرة في عدمه كما تدل عليه روايات اهل مكة في خروجهم الى عرفات فان الظاهر انهم لم يريدوا الرجوع ليومهم واخبار هذا الباب منها ما يدل على ان المسافة ثمانية فراسخ ومنها ما يدل على انها اربعة فما الوجه الجامع بين الاخبار رزقك الله زيارة الائمة الاطهار
اقول ( اقول ان خ ) المسافة التي يجب فيها قصر الصوم والصلوة ثمانية فراسخ والاخبار بها قاطعة ( ناطقة خل ) وان عبر عنها ( عنها فيها خل ) بمسير يوم مرة وببياض يوم الى غير ذلك فالمراد منها الثمانية وهي اربعة وعشرون ميلا ومما حصر القصر فيه رواية عيص بن القسم عن ابي عبد الله عليه السلام قال في التقصير حده اربعة وعشرون ميلا فجعل ذلك حدا له ولو قصد اربعة فراسخ كما هو المسئول عنه فقال المفيد ان قصد اربعة او ازيد فان ( او ازيد وخ ) لم يرد الرجوع ليومه يتخير في قصر الصلوة والصوم واتمامها ( او تمامهما خل ) وهذا منه جمع بين الاخبار وليس بشيء لحصر القصر في الثمانية او ما يقوم مقامها بمنطوق الاخبار ونفي القصر فيما نقص عن ذلك كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى وقال الشيخ يتخير في قصر الصلوة واتمامها ( تمامها خل ) ولا يجوز له التقصير في الصوم وهو كشيخه في ارادة ( ارادة الجمع خل ) والرد عليه كالرد عليه وزيادة وقال ابن عقيل ( ابن ابي عقيل خ ) كل سفر مبلغه بريدان او بريد ذاهبا و جائيا في يوم واحد او ما دون عشرة ايام فعلي من سافره عند آل الرسول صلى الله عليه وآله ان يصلي صلوة السفر ركعتين وكأنه نظر الى روايات اهل مكة فانهم يريدون الرجوع ولكنه ليس ليومهم الا انهم لا يقيمون عشرة ولهذا قال و( او خل ) ما دون العشرة ويأتي جوابه والملا في المفاتيح جعل هذا المذهب مما جعل من قسطه امنه ( طمعا منه خل ) عليّ ابن ابي عقيل وقال سلار ان اراد الرجوع ليومه قصر واجبا وان كان من غده فهو مخير في القصر والتمام وبه قال ابن بابويه ولا نعلم وجه هذا التخيير كما مضى لما يأتي وقال المشهور وهو الحق انه ان قصد الرجوع ليوم ( ليومه قصر خل ) مطلقا لانه قاصد ثمانية فراسخ وشغل يومه قصر والا اتم مطلقا لان التمام ثابت قبل الخروج الى ما دون الثمانية او ما يقوم مقامها فكذا بعده عملا بالاستحباب ( بالاستصحاب خل ) ولانه احوط كذا قال ( قاله خل ) في المختلف ولصحيحة معوية بن وهب قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ادنى ما تقصر فيه الصلوة فقال بريد ذاهبا وبريد جائيا فلما سأله عن ادنى مسافة لا يكفي ما نقص عنها اجابه بالبريد ولما كان مسير البريد لا يشغل اليوم وحد التقصير انما هو مسير يوم او بياض يوم او ثمانية فراسخ وهذا نصف ذلك ذكر الذهاب والمجيء ليكون بحكم مسير يوم لا يقال من اين قيدتموه بالرجوع ليومه وليس فيه ما يدل على ذلك ولا في غيره كما هو اصل المسئلة فلعل الرجوع يراد به الاعم ولو من الغد كحكم اهل عرفة فانهم يخرجون يوم الوتر ويرجعون يوم النحر كموثقة معوية ( معوية بن خل ) عمار رواه ( ورواية خل ) اسحق بن عمار وغيرها ( غيرهما خل ) لانا نقول ان قوله عليه السلام بريد ذاهبا وبريد جائيا جوابا عن ادنى ما تقصر فيه الصلوة ظاهر في المدعي لان المتبادر اليه انه في يومه كما لا يخفى عن ( على خل ) من له ادنى معرفة باساليب الكلام والتبادر امارة الحقيقة وغير هذا احتمال وتجويز والاحتمال اذا لم يكن مساويا لا يضر الاستدلال لان الظاهر والراجح ( الراجح حجة خل ) وهذا مضاف الى روايات الثمانية الفراسخ ومسير يوم وغير ذلك وهي حاصرة للقصر في هذا المقدار من السير المقصود واما احاديث اهل مكة فقد قال بعض علمائنا انها محمولة على التقية وهو حمل يتجه ( متجه خل ) وان لم نجد به قائلا لان مذهب ( مذاهب خل ) العامة لا تنحصر لانها دائرة مدار الآراء والمخالفة لاهل الحق وهذا احد المواضع وهي ( اهل خل ) السبل المتشعبة المتشتتة حول سبيل الله ولو لم يكن الا اتباع الاختلاف بين الشيعة لانه ابقى لهم لكفي في التقية فافهم واما قولكم ( قولكم ادام الله علاكم خل ) ان الاخبار خالية من هذا القيد صريحا بل ظاهرة في عدمه فجوابه ان هذا القيد وهو ارادة الرجوع ليومه قد ( فقد خ ) نطقت الاخبار به ( به الاخبار خل ) صريحا وظاهرا اما الظاهر فكما في هذه الصحيحة كما شرحناه منها واما الصريح فيما ( ففي ما خل ) رواه محمد بن مسلم في الموثق من ( عن خل ) ابي جعفر عليه السلام قال سألته من ( عن خ ) التقصير قال في بريد قلت في بريد قال اذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يوما ( يومه خل ) فتأمل في صراحة هذا الخبر في المدعي قال في المعتبر بعد ما اورد في هذا ( ما اورد هذا خ ) الخبر وعليه تحمل الاخبار الواردة بالقصر في اربعة فراسخ انتهى ( انتهى فدلنا خل ) هذا الخبر على انهم اذا قالوا عليهم السلام لمن سألهم عن ادنى مسافة التقصير في بريد يريدون به لمريد الرجوع ليومه ليشغل يومه بالسفر فهو في الحقيقة قاصد ثمانية فراسخ ولهذا لما سأل ( سأله خل ) محمد بن مسلم فقال في بريد فانكر ذلك من قوله واستغربه وكرره محمد بن مسلم ليؤكد ما استغربه لانه ( لان خل ) المعلوم عنده مما شاع وذاع انها بريدان وقوله عليه السلام بريد خلاف ما علم ولو انما ما سمعه ( ولو ان ما سمعه خ ) ليس بشائع لقبل عنه ( منه خ ) بدون تأكيد وانما سأل لتثبيت هذا المعلوم عند الامام عليه السلام اجابه بأن المراد من قولي ( قولي في بريد خل ) لمريد الرجوع ليومه لانه في الحقيقة قاصد لبريدين فعبر عنه عليه السلام عن هذا ( فعبر (ع) عن هذا خ ) المعنى بقوله اذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه وهو صريح لا غبار عليه ( لا غبار عليه ومثلها صحيحة زرارة المروية في الفقيه قال سألت ابا جعفر (ع) فقال بريد ذاهبا وبريد جائيا وكان رسول الله (ص) اذا اتى ذبابا قصر وذباب على بريد وانما فعل ذلك لأنه اذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ خ ) والدليل على هذا القيد زيادة على ما ( ما لا خل ) يحتاج الى الزيادة رواية صفوان كما في الاستبصار قال سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من البغداد ( بغداد خل ) يريد ان يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان وهي اربعة فراسخ من بغداد يفطر ( ايفطر خ ) اذا اراد الرجوع ويقصر قال لا يقصر ولا يفطر لانه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ انما خرج ( خرج يريد ان يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادي به السير الى الموضع الذي بلغه ولو انه خرج خل ) من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه بان ( ان خل ) ينوي من الليل سفرا للافطار وان هو اصبح ولم ينو السفر فبدا له من بغداد واصبح ( فبدا له من بعد ان اصبح خ ) في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك ه فانظر فيه وتدبره فانه لما كان مقصده لم يبلغ بريدا لم يعتبر ذهابه ولما لم يعتبر الذهاب لم يجعل للرجوع حكما في التقصير وان كان بريدا بل قال لا يقصر ولا يفطر مع انه بريد ثم قال ولو انه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا الخ وهو ارادة الرجوع ليومه كما هو ظاهر فرتب عليه حكم التقصير ولهذا قال فان هو اصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد ان اصبح في السفر قصر ليدخل الذهاب في ( وخل ) القصد ليكون في الحقيقة قاصدا لثمانية فراسخ واما اشتراط تبييت النية في قصر الصوم فأنت خبير بما فيها من الخلاف ولا يضر ما نحن فيه بل صراحة المراد ومثله في الاستبصار ايضا موثقة عمار الساباطي قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل يخرج في حاجة له وهو لا يريد السفر فيمضي في ذلك فيتمادى به للمضي ( المضي خل ) حتى تمضي به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته قال يقصر ولا يتم الصلوة حتى يرجع الى منزله فجعله عليه السلام هذا ( هنا خل ) موجبا للقصر وفي الخبر الاول موجب للاتمام ( للتمام خل ) مع ان كلا منهما متماد به السفر بغير قصد ولكن لما بلغ الثاني الثمانية صار ما بعده موجبا للقصر لانه اذا رجع ( رجع الى خل ) منزله صارفا ( صار خل ) قاصدا مسافة القصر ولا كذلك الاول وبما ذكرنا ظهر الجواب عما ذهبوا اليه اولئك الاصحاب والله اعلم بالصواب ( اعلم بالصواب وكتبت هذا الجواب على تراكم اشتغال وتشتت بال والله هو الله العالم بالحال وكتب مؤلفه العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي في واسط جميدي الثانية من السنة العاشرة بعد المأتين والالف حامدا ذاكرا مستغفرا مصليا مسلما خ )