
حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين هذه كلمات ذات تبيين وسداد في بيان القدر في افعال العباد وضعتها على تقرير السيد شريف وفيما ( فيها خل ) لكلامه تزييف متمما لكل قول من الثلاثة ما نقص من احتجاجه غير مبين لاستقامته واعوجاجه ثم ارفع للحق اعلام منهاجه واورد على مذهب من خالف الحق بعض النقص ( النقض خل ) لانه لنصرة الحق على فرض كتبتها اذا ( اذ خل ) امرني بذلك شيخي الحكيم ( الحليم خل ) الاواه حسن السمت والديدن الشيخ عبد الله بن دندن انار الله ايامنا ببقائه وجعل همه في الاستعداد للقائه انه على كل شيء قدير
قال السيد شريف : اعلم ان مسئلة القدر في الافعال الاختيارية للعباد من الغوامض التي تحير فيها الاوهام واضطربت فيها اراء الانام
اقول اعلم ان الله سبحانه لم يظهر شيئا مما في خزائنه ( خزانته خل ) الا مبينا مشروحا على اكمل املاء تحتمل ( تحتمله خل ) العبارة واجمل ايماء تعتمله الاشارة ويكون شرحه وبيانه في كل بحسبه ما ظهر ظهر بيانه وما بطن خفي برهانه وذلك بحسب احتمال الاشياء عنه سبحانه واليه الاشارة بقوله تعالى فسالت اودية بقدرها وتنبيه ( تبيينه خل ) سبحانه لذلك في القران وفي العالم وفي انفس الخلق وهو معنى اسرار الله في خلقه ثم لما كان المخاطب والمكلف والمعرف انما هو الانسان لانه اكمل اصناف الخلق لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم فيلزم كماله ان يكون جامعا وان يكون مملكا قال تعالى خلق لكم ما في الارض فيكون مختارا والا لم يكن جامعا مملكا ولكن على وجه نبينه ان شاء الله تعالى وكونه مختارا لانه صنع المختار قال الله تعالى فجعلناه سميعا بصيرا فوجب لكونه مملكا ان يكون له من نفسه داعيان متضادان وهما العقل والنفس فالعقل عن يمينه يدعوه الى الله ابدا ويدعوه الله منه قال تعالى وناديناه من جانب الطور الايمن والنفس عن شماله تدعوه الى خلاف العقل بما يقتضيه طبعها ان النفس لامارة بالسوء ومعناهما ان المخلوق له اعتباران اعتبار من ربه وهو العقل واعتبار من نفسه وهو النفس وكل منهما يصلح ان يسكنه الانسان وهما جناحاه فقد ينظر الانسان في اية من اية ( آيات خل ) الله اما في الكتاب التكويني وهو العالم او التدويني وهو القران او في عالم ( العالم خل ) الصغير الذي هو الانموذج منهما والمثل لهما وهو الانسان نفسه فيشبه ( فيشتبه خل ) عليه الداعيان لشدة تشابه كل منهما بالاخر وتشابه ( لتشابه خل ) مقتضي كل منهما بالاخر وبيان هذا البيان كثير في القران كقوله تعالى فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فجعل الحق زبدا رابيا ( ثابتا خ ) والباطل زبدا مجتثا وكذلك قوله تعالى كشجرة ( طيبة وكشجرة خل ) خبيثة فاذا نظر في اية من احدى الكتب الثلاثة قد يلتبس عليه الداعيان البادران منه داعي العقل وداعي النفس فلا يهتدي الى الحق فاكمل الله عليه الحجية ( الحجة خل ) بالانبياء والحفظة الذين لا يلتبس عليهم الداعيان لما اتاهم من مدده بحسب استعدادهم وتأملهم به لذلك قال الله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته فمن حصل له اللبس وعمل بما امر الله به من الرد الى الله والى الرسول (ص) والى اولي الامر صلوات الله عليهم نجا لان قولهم محفوظ عن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه ولا من باطنه ولا من ظاهره لان من عرف باطنه عرف ظاهره وفاز من الحظ الاوفر والنصيب بالمعلي ( في المعلي خل ) والرقيب ومن لم يعرف باطنه وسلم لظاهره نجا لموافقته للبديهة والفطرة والعقل الطبعاني الاولى الذي لا يخلو منه مكلف وكان من قولهم عليهم السلم في هذا الشأن لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين ويأتي الكلام في هذا المقام ان شاء الله تعالى ومن لم يسلك هذا الطريق المظلم بمصباح يهتدي به سلك التيه وهلك فيه وصدق الشريف في قوله تحير فيها الاوهام واضطربت فيها اراء الانام وان كان من اولئك المضطربين ويأتي بيان اضطرابه والسبب في الاضطراب في النشأتين ما ذكرناه مرتين ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور قال فذهب جماعة يريد بهم المعتزلة اصحاب واصل بن عطاء وهو اول من قال بالمنزلة بين المنزلتين وكان من اكابر تلامذة ابيالحسين البصري فلما اخذ واصل يقرر في المنزلة بين المنزلتين واعتزل بالحسين البصري واصحابه قال ابوالحسين اعتزل واصل فسموا بالمعتزلة هو واصحابه الا ( الى خل ) ان الله اوجد العباد واقدرهم على تلك الافعال بان خلقهم ( خلق لهم خل ) الالة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل وبتهيئة الاسباب التامة وهذا مذهب اهل العدل الامامية والمعتزلية ( المعتزلة خل ) الى هذا الحرف وفوض اليهم الاختيار فيها فهم مستقلون بايجادها على وفق مشيتهم وطبق قدرتهم وهذا خاص بالمعتزلة وقولهم فهم مستقلون تفريع على قولهم ( قولهم وفوض اليهم خل ) الاختيار يعني ان الله سبحانه بعد خلق الالة والصحة وتهيئة الاسباب ليس له في افعالهم الا امره ونهيه القوليان اللذان لا مدخل لهما في الفعل والترك بوجه وما سبق من الالة والصحة هو معنى اقداره اياهم على الفعل وفعلهم الطاعة والمعصية بمشيتهم وزعموا انه تعالى اراد منهم الايمان والطاعة ارادة محبة ( محبة بامر خل ) قولي فحسب وكره الكفر والمعصية كراهة ضد المحبة بنهي ( بنهي قولي خل ) قوله قالوا وعلى هذا يظهر ( تظهر خل ) امور اي فوائد امور يصح بها الاعتقاد : الاول فائدة التكليف بالاوامر والنواهي وفائدة الوعد والوعيد يعني ان العبد اذا لم يستقل بالفعل لم يصح امره ونهيه ( ولا نهيه خل ) لانه اما ان يستقل بفعل ( بفعله خل ) او يستقل به غيره او يشاركه ( يشارك خل ) فيه والاخيران باطلان ضرورة ان المستقل بالفعل هو المأمور به والمنهى عنه فاذا كان غير الانسان توجه الامر اليه فيرتفع التكليف عن العبد ويقع التكليف في الامر المأمور ( بالمامور خل ) وعلى التشريك يكون الامر والنهي كذلك والواقع خلافهما فثبت الاستقلال بالفعل في الامر والنهي وفائدة الوعد بالثواب لا يكون لعبد على فعل غيره ولا يستقل بالثواب مع التشريك في موجبه والوعيد بالعقاب لا يكون على عبد بوزر غيره وكذا في التشريك ولا تزر وازرة وزر اخرى هذا في دار التكليف الثاني استحقاق الثواب والعقاب في دار الجزاء اذ لا يستحق ثواب ما لا يعمله ولا عقاب ما لا يفعله لقوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وغير ذلك من الايات والعقل شاهد بحسن هذا وقبح ما سواه الثالث تنزيه الله تعالى عن ايجاد القبائح التي هي انواع الكفر والمعاصي ( وخل ) عن ارادتها يعني انا لو قلنا كما تقوله الاشاعرة انه لا مؤثر في الوجود الا الله لزمنا ان نقول انه اوجد الكفر في الكافر وجميع ما نهي عنه فلو كان كذلك لكان يقبح منه ان يعذب الكافر على ما لم يكن منه وهذا عند كل عاقل قبيح ان يأمر السيد عبده بالمضي او يلقيه من سطح ثم يعاتبه لم مضيت ولم وقعت ويعاقبه على ذلك وهذا قبيح لا يجوز من الغني المطلق العالم بقبح القبيح وحسن الحسن ومثل الفعل ارادته في القبح والحسن وعلى اصلنا من ان العبد فاعل للحسنة والسيئة باختياره مستقل بالفعل والاكتساب صح الامر والنهي والمدح والذم والثواب والعقاب ويكون سبحانه منزها عن ايجاد القبايح وعن ارادتها ولهم شواهد من ظاهر الكتاب والسنة كثيرة جدا لا يحتاج الى ايراده لكنهم غفلوا عما يلزمهم فيما ذهبوا اليه وهو اثبات الشركاء لله في الايجاد حقيقة حيث الا مؤثر في الوجود عند الاشعري الا الله فاذا ثبت ان العبد فاعل كان شركا ( شريكا خل ) لان الفعل تأثير يكون منه تأثر المفعول به والتأثير وجود ولا يفيض الوجود الا من الحق سبحانه قال المعتزلي لا يثبت موجد ( لانثبت موجدا خل ) الا ما اثبته الله العالم بما خلق حيث يقول وتخلقون افكا وهو خير الرازقين واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه الا ان اغناهم الله من فضله واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني وغير ذلك قال الاشعري اسناد الفعل الى الفاعل مجاز وهذه الايات من المتشابه ( وخل ) ترد الى المحكم وهو قوله تعالى خلقكم وما تعملون والموصول حرفي اذ الاصل عدم تقدير الضمير وهو شاهد بخلق الاعمال قال المعتزلي ما تقولونه في ادلتنا نقوله في ادلتكم والموصول اسمي وحذف عائده قياسي وبالجملة بهذه ( بالجملة بمثل هذه خل ) المناقشة التي لا طائل فيها سودوا الدفاتر وانفدوا المحابر ولو ردوه الى اهله لكفاهم من القيل القليل ولا شبهة في انه اي اثبات الشركاء ( الشركاء لله خل ) في الايجاد حقيقة اشنع من جعل الاصنام شفعاء عند الله حيث انه سبحانه توعد من قال بذلك ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار فحكم عليه بالكذب والكفر ولم يجعلوهم اربابا على الحقيقة بل جعلوهم غير مستقلين في الفعل وانما هم شفعاء فما ظنك بمن جعل العبد فاعلا مستقلا فانها مقالة اشنع من تلك وايضا يلزمهم ان ما اراده ملك الملوك لا يوجد في ملكه وان ما كرهه يكون معه موجودا فيه وذلك نقصان شنيع في السلطنة والملكوت وذلك ان ملك الملوك سبحانه اذا اراد من زيد الصلوة ولم يصل وكره ( وكره منه خل ) الزني وزني كان في ملكه ما لا يريد ولم يكن فيه ما اراد واين ما يشاء ( شاء خل ) الله كان وما لم يشأ لم يكن واذا كان تعالى كذلك لم تكن سلطنته تامة وما كان كذلك لم يكن عظيم السلطان ويكون ملكوته ناقصا لان ملكوته تابع لارادته ويجب ان يكون الملكوت مطابقا للملك والملكوت في الملك كالروح في الجسد والملكوت فعلوت من الملك للمبالغة كالرحموت من الرحمة والرهبوت من الرهبة فاذا اراد الصلوة من زيد كانت صورتهما ( صورتها خل ) في الملكوت فاذا لم يصل زيد اضمحلت الصورة لان الصلوة لا تقوم بدون المادة فكان نقصا في الملكوت واعلم ان كل مفتون ملقن حجته وقد نصب الله لكم مرايا ومعلمين فمن اراد ان ينظر وجهه فلينظر في المرءاة الصافية وهي القران والسنة فمن لم يدرك صفة وجهه لضعف بصره فليرد الى قوى البصر يريه ( ليريه خل ) صفة وجهه وهم المعلمون حيث الله يقول وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وهم الذين قال الله تعالى فيهم لمن كان له قلب والمتعلمون هم من القى السمع وهو شهيد بذوقه لما القى اليه من المعلم والباقي اوجب الله عليهم الرد الى المتعلمين الذين عقلوا عن المعلمين فانهم الوسائط بين الرعية وبين الراعين ولا يجوز لاحد من الرعية ان يسلك طريقا بدون الوسائط من قوله تعالى وجعلنا بينهم اي بين الرعية وبين القرى التي باركنا فيها وهم الراعون قرى ظاهرة وهم الوسائط وقدرنا فيها السير اي لا بد لكل سائر من النزول في القرى الظاهرة والسير فيها اي في خلالها وفيما بينهما ( بينها خل ) ليتزود مما يحتاج اليه منها في مسيره ليالي مما افتوكم به عن المعلمين مما لم تعرفوا مأخذه ولا تعقلوه واياما مما عرفتهم ( عرفتم خل ) دليله من المتعلمين عن المعلمين وعقلتموه او بالعكس على احد التأويلين امنين من العثرة والضلالة خارجين بذلك عن الغفلة والجهالة وفي رواية ان المراد بالقرى الظاهرة هم المعلمون ظاهرا وان المأمورين بالسير هم المتعلمون وان القرى التي بارك الله فيها اي ( هي خل ) علاماته سبحانه ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان ولذلك قال الصادق عليه السلم لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم او ( وخل ) اراد عليه السلم بلا قدر لا تفويض فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا اي لا نحتاج الى الوسائط وظلموا انفسهم اي وضعوها في غير مواضعها فجعلناهم احاديث اي مثلات ومواعظ والسعيد من وعظ بغيره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال : وذهب طائفة والمراد بهم اصحاب ابيالحسن الاشعري الى انه لا يؤثر في الوجود الا الله المتعالي عن الشريك في الخلق والايجاد كما انه متعال ( متعالي خل ) عن الشريك في الخلق والايجاد كذلك يتعالي عن القبيح والاتحاد ( الايجاد خل ) ( الالحاد ظ ) وقد مضى بيان وجه الشركة عندهم في قول المعتزلة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
هذان الحرفان محكمان وليس في الحقيقة فيهما للاشعري حجة لا انه ( لانه خل ) سبحانه اجرى بحكمته مشيته على وجهين ويأتي بيان المشيتين ان شاء الله تعالى لا علة لفعله ولا راد لقضائه لان العلة لو كانت لزم الدور و( او خل ) التسلسل اذا ( ان خل ) انحصرت في مفعولاته وان انتهت اليها ( اليه خل ) لزم الحاجة والكل محال اما الاول فلو خلق الاشياء كلها لعلة فاما ( فتلك اما خل ) ان تكون ذاته و ( او خل ) انتهت اليها او لا فان كانت ذاته و( او خل ) انتهت اليها لها ( اليها لزم خل ) الاحتياج وان كانت غير ذاته فهي مخلوقة اذ لا واسطة معقولة ( ومعلولة خل ) والا لم تكن لفعله علة فان انتهت الى احدها جاء الدور وان ترامت جاء التسلسل فلم يكن الا انه يفعل لا لعلة ولا راد لقضائه معلوم بالعقل والنقل ويلزم منه ان الاشياء كلها بقضائه خيرها وشرها وحلوها ومرها والا كان في ملكه ما لم يقضه واذا كانت كلها بقضائه لا فعل للعبد مع فعل الرب لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون لان افعاله لا تجرى على العلل سوى ذاته وهو يحكم ما يريد ولا يحكم عليه وهم يسئلون لانه يحكم عليهم ويسألهم عما اجراه على ايديهم كما اجراه على ايديهم بلا سبب سوي ذاته ولذلك ( وكذلك خل ) لا مجال للعقل في تحسين الافعال وتقبيحها بالنسبة بل يحسن صدورها كلها عنه تعالى لعدم العلة في فعله ولقدسه ولعموم قدرته فكل ما يفعل المحبوب محبوب والاسباب التي ارتبط بها وجود الاشياء بحسب الظاهر بحيث تقرب عليه ( تترتب عليها خل ) المسببات ظاهرا في بادي الرأي ليست اسبابا حقيقة لان الاسباب سواء كانت تامة او ناقصة لا بد وان يكون ( يكون لها خل ) اما اثر استقلت به في المسببات تاما كان او ناقصا وقد تقدم انه وجود ولا يكون من غير الواجب تعالى واذا اثبت ( ثبت خل ) ذلك ظهر انه لا مدخل لها في وجودها لان الارتباط الظاهري لا عبرة به لكنه تعالى اجرى عادته بانه يوجد تلك الاسباب اولا ثم يوجد تلك المسببات عقيبها والوجدان شاهد بعدم وجود العادة وعدم الوجوب يدل على عدم السببية حقيقة والا اجتمع النقيضان فكل من الاسباب والمسببات صادرة عنه ابتداء لعدم فقرها الى غيره وقالوا في ذلك تعظيم لقدرة الله وهو ان كل شيء منه وبه وله واليه وتقديس لها عن شوائب النقصان بالحاجة الباء للسببية في التأثر الى امر اخر وحرف الى متعلق بالحاجة اي الاحتياج فانه ( فان خل ) من احتاج في تأثره في معموله الى سواه يكون ناقصا وتمامه بذلك السواء واذا قيل بعدم التأثير من سواه مطلقا كان تنزيها للقدرة عن شوب النقصان
ثم قال السيد : وذهب اخرون وهم الحكماء الالهيون الى ان الاشياء في قبول الوجود من الواجب الوجود اذا نسبت ( نسبت الاشياء اليه في القرب والبعد والشدة والضعف متفاوتة لا العكس لان نسبته خل ) سبحانه الى جميع الاشياء نسبة واحدة لا تفاوت فيها قال تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت اي في فعله لان المتفاوت متهافت فبعض منها لا يقبل الوجود الا بعد وجود اخر لان ما نقصت قابليته عن قبل ( قبول خل ) وجوده لو كان موجودا قبل تمامها لكانت ( فكانت خل ) الاشياء كلها على حال واحد والواقع بخلافه والايات الشهودية بخلافه فيكون وجود ذلك الاخر تمام قابليته لوجوده كالعرض الذي لا يمكن ان يوجد الا بعد وجود الجوهر لنقص قابليته عن قبول وجوده وتمامها وجود الجوهر الذي يحل فيه ونقص قابليته ليس من نقص في القدرة ولكن لضعف وجوده بالنسبة الى الجوهر الذي لا يتوقف على وجود غيره مثلا فلو تعلقت القدرة بوجوده بدون الجوهر ( الجوهر من حيث هو عرض انمحق فيها لعجزه عن تعلق القدرة به بدون الجوهر خل ) لان وجود المتحيز شرط في وجوده وتمام قابليته فالعجز والنقص منه لانه سبحانه اغني واقنى واعطى بالنسبة اليه سبحانه دفعة واحدة وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر فسالت اودية بقدرها فقدرته تعالى في غاية الكمال تفيض الوجود على الممكنات بحسب قابلياتها المتفاوتة ولكل درجات مما عملوا فبعضها صادرة عنه بلا سبب كالعقل الكلي مثلا وبعضها بسبب كالنفس الكلية بواسطة العقل او اسباب كسائر الموجودات وتلك الاسباب لها مدخل في وجود ذلك البعض والا لم تكن الاسباب اسبابا لانها تمام لقابلية مسبباتها للوجود والقابلية بسبب الوجود ( سبب للوجود لانها خل ) انفعال الممكن في الحقيقة عند فعل الحق سبحانه وذلك لتتميم القابلية عن المحق لا لنقصان في القدرة بل لنقصان في القابلية للعجز عن الاستقلال وللطف الفاعل ورحمته وكيف يتوهم النقصان والاحتياج في القدرة مع ان السبب المتوسط صادر عنها ايضا وهو الجوهر في المثل المتقدم متوسط بين فعل الرب سبحانه وبين العرض فالله سبحانه غير محتاج في ايجاده ( ايجاد الاشياء خل ) الى ما ليس بصادر عنه
اقول ولا نرى ( ترى خل ) في هذا الكلام ان مفهوم الصفة حصر النفي الحاجة في المنفي بل ارادوا نفي الحاجة عنه الى كل شيء في القدرة وكذلك ارادوا انه ليس في مخلوقاته ما يتوقف وجوده على ما ليس بصادر عن الله ولا بالله وقالوا لا ريبة ( ريبة في خل ) وجود موجود على اكمل وجه داخل في حيز الامكان العام ولا ريبة في ان صدور الممكنات عنه على ابلغ النظام منه سبحانه واحسن الانتظام فيها ( فيها به خل ) تعالى فالصادر عنه وهو الموجود لان الوجود عند المتكلمين ومن حذا حذوهم عرض حال بالماهية فهو قائم بها وعند الاشراقيين ان الوجود هو الموجود والماهية قائمة ( قائم خل ) به ثابتة عنه واختلف المتكلمون والحكماء من الرواقين والمشائين هل الماهية مجعولة ام لا وليس هذا محل الكلام فيها والحق انها مجعولة بالوجود اي بجعل الوجود اي ( يعني خل ) جعلا ثانيا وبالعرض وحيث كان كان هذا القول الثالث في القدر للاشراقيين الذين يذهبون الى ان الوجود هو الموجود قالوا فالصادر عنه وارادوا به المفعولات و من المعلوم ان الصادر عن الموجود سبحانه انما هو الوجود وهو الموجود اما خير محض كالملائكة ( كالملائكة واما شر محض كالشياطين خل ) وذلك ان المحدث من حيث هو يلزمه الاعتباران اللذان ذكرناهما انفا وهو الغني من خالقه والفقر من نفسه فالغني والخير في المخلوق هبة من الوهاب الواجب وتلك الهبة نفسها فقيرة الى واهبها قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين فالكلمة العليا هي الخير المحض بحكم التنزيل وهو الملك والكلمة السفلي هي الشر المحض وهو الشيطان فاسمع ثم ع ثم احفظ ويأتي تمام هذا الكلام واما بكسر الهمزة ما يكون الخير منه غالبا على الشر كالانسان وساير الحيوان واما ما قابل الملك فلان وراء الخير وخلفه موجود وان كان شرا محضا في نفسه ولكن ايجاده الذي هو من الخير غالب على عدميته التي هي الشر لان ايجاده من تمام ايجاد ضده ولازم قيامه ومن نهاية قوامه فالخير غالب على الشر ورحمتي وسعت كل شيء فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا فتكون الخيرات داخلة في قدرة الله بالاصالة لانها وجود والوجود خير كله ولانها صفة القدرة ومنه واليه يصعد الكلم الطيب والشرور اللازمة للخيرات داخلة فيه بالتبعية لكون وجود الشر بتبعية وجود الخيرات ولانها صفة نفس الصفة وبه لا منه ولا اليه فمن ثمة قيل ان الله يريد الكفر والمعاصي الصادرة عن العباد وارادة تابعة لارادة الخيرات لا ارادة ابتدائية ولكن لا يرضى بها لان الرضى اول والسخط اخير وفي الحديث القدسي سبقت رحمتي غضبي فالغضب والسخط يترتبان في وجودهما على الرحمة والرضا كل على مقابله والارادة الابتدائية يساوقها السخط فارادة الكفر والمعاصي تابعة لارادة الايمان والطاعة على قياس من لسع الحية وهي التي تقتل كالحية المسماة ببنت طبق وغيرها من الحيات اللاتي لا علاج لها الا بالقطع لاصبعه وكانت سلامته موقوفة على قطع اصبعه فانه يختار قطعها اي قطع اصبعه بارادته وهي ارادة تابعة لارادة السلامة ولهذا قالوا لكن بتبعية ارادة السلامة لان القطع شرط السلامة فلزم ارادة السلامة ارادة القطع ولولاها اي ارادة السلامة لم يرد القطع اصلا فيقال هو يريد السلامة ويرضي بها ويريد القطع لاجل السلامة لا لذاته ولا يرضى به لانه مكروه وانما طلب لدفع ما هو اكره منه وهو السلف ( التلف خل ) اشارة الى الفرق الدقيق هذا كلام الشريف واراد بذلك ان الحكماء انما قالوا ذلك اشارة الى الفرق الدقيق بين فعل الرب وفعل العبد في المعصية وانت تعلم ان اسلم العقايد من ( عن خل ) الافات وهي العيوب التي لا يستقيم معها الاعتقاد واصحها عند ذوي البصائر يعني بهم اشاعرته و( وعين خل ) الرضى عن كل عيب كليلة النافذة في حقائق المعارف لا ريب ان نفوذ بصائرهم في الحقايق على نحو قوله تعالى فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فبالله عليك ايها الناظر الا ما نظرت بعين الانصاف وتركت التعصب والاعتساف في هذه الثلاثة ثم اذا عرفتها وعرضتها على الفطرة بالكتاب والسنة وصفا الحق وزهق الباطل فاختر لنفسك ما يحلو
قال : ما ذكرناه ثانيا متوسطا بين الاول والثالث وانما وسطه في الذكر ليرتب عليه قوله فخير الامور اوسطها فلو كتب المعتزلي هذا المذهب ( هذه المذاهب خل ) وجعل مذهبه ثانيا كان الحق معه وخير الامور اوسطها وكذلك الحكيم اذا جعل مذهبه متوسطا بالكتابة كان الحق معه وهذا اخر افات التوهيم ( هذه خرافات التمويه خل ) وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء ربك مافعلوه ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون وليس يرضى به الا اهل الغباوة ومن ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة والله الملهم للصواب
هذا الحرف محكم ومسلم وهو مما نحن فيه ولكنه تعالى ليس ملهما للخطاء تعالى ربي تعالى ربي واليه المرجع والماب ليبين لهم ( لهم الذي خل ) يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين واعلم انك اذا اردت المذهب المتوسط بحيث يستدل عليه بخير الامور اوسطها هو مذهب الحكيم وهو الاخير في الذكر لان المعتزلي ذهب الى ان الافعال من العبد خيرها وشرها مستقل بذلك ( بذلك وذهب الاشعري الى انها من الله تعالى خيرها وشرها مستقل بذلك خل ) ليس لاحد من عباده فيها حال من الاحوال والحكيم مذهبه التوسط بان جعل الخيرات من الله وبالله والشرور بالله لا منه لكون الشرور وجدت بوجودات ( بوجود خل ) الخيرات فتكون صفة نفوس الخيرات فهو اوسط الثلاثة وخيرها وهو الحق المبين والصراط المستقيم وهو ميزان الاعتدال الذي ضرب الله فيه الامثال وبيانه بلسان اهل الشرع وينبوع الاصل والفرع يحتاج الى تقديم مقدمات واشارة ( اشارات خل ) الى بعض الايات وشرح الحال بنصب المثال :
فاعلم انه لما فاض الوجود من كتم الغيب ظهرت به الماهية لانها ضده وكل شيء له ضد الا الواحد الفردي ( الفرد خل ) عز وجل فالوجود من الله واليه يعود والماهية من الوجود واليه تعود فللوجود صفات وللماهية صفات وكل صفة من صفات الماهية مقابلة لضدها العام من صفات الوجود والوجود وكل صفة من صفاته بارادة له من الله لذاته ورضي به كذلك والماهية وصفاتها تمام امكان الوجود وصفاته فارادته ( فارادتها خل ) تابعة لارادته فتكون الارادة لها للوجود لا بذاتها فارادتها لذاتها ثانيا وبالعرض وكذلك صفاتها في مقابلة صفات الوجود على نحو واحد فالوجود من الله واليه يعود وارادته له ارادة محبة ورضى اولا وبالذات والماهية من الوجود واليه وبالله و( ولا خل ) منه ولا اليه وارادته تعالى لهما ( لها خل ) ارادة عزم وقضاء لا محبة ورضى والامثلة المضروبة لذلك كثيرة جدا في العوالم ومنها الشمس واشعتها الواقعة على وجه الجدار مثلا والظل الممدود خلف الجدار فالوجود شعاع الشمس الظاهر عن يمين الجدار هو من الشمس واليها يعود وارادتها له في الظهور لو كانت مختارة مثلا في مقام الدور الرابع ارادة محبة ورضي لذاته ولولا الجدار وكثافته لم تظهر الاشعة للبصر فالشمس بالشعاع الظاهر اولى من الجدار ولولاه لم يحس وان كان موجودا عندها لا فيها ومثال الماهية الظل الظاهر عن شمال الجدار هو من الجدار واليه يعود لا من الشمس ولا يعود اليها ولكنه بها ظهر ولولاها لم يظهر وان كان موجودا في الجدار بمعنى انه لا يوجد الا بها وارادتها للظل في الظهور لو كان مختاره ( كانت مختارة خل ) كذلك ( كذلك مثلا خل ) ارادة عزم وقضاء لا محبة ورضى اذ لو احبته ورضيت به ( رضيته خل ) لعاد اليها ولو عاد اليها لم يكن ظلا ولو لم يكن ظل لم يكن شعاع لان الجدار في المثل هو نفس الشعاع من حيث نفسه لا من حيث الشمس وانما تسامحنا في العبارة للبيان فالجدار اولى بالظل من الشمس ولولاها لم يكن وصفات الوجود وصفات الماهية بهذا النحو فاذا لاحظت هذا المعنى وهذا المثال ولاحظت الداعيين المتقدم ذكرهما العقل والنفس ولاحظت جهة الصلوح التي يأتي ذكره عرفت الطاعة والمعصية وارادتها ( ارادتيهما خل ) من الله ومن العبد والى ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالى ومثل كلمة طيبة الخ فمثل الطاعة بالشجرة الثابتة الاصل لان الطاعة اصلها الوجود الثابت الباقي ببقاء ربه وقال تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض فمثل المعصية بالشجرة المجتثة لان المعصية من الماهية واصلها مجتث لانتهائه الى الامكان الممتنع من البقاء لذاته ومثله قوله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا فاسند الخبث الى الخبيث وكذا خروج نباته الى نفسه ومثله قوله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر فالقصد عليه والجور منها وقوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله فاسند المشية الى العباد وجعل وجودها موقوفا على مشيته وقوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فنفاه عنه اولا واخرا واسنده اليه ظاهرا والى هذه الاولوية التي ذكرناها في المثال وابانت لها الايات المذكورة للاستدلال الاشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي انا اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني وبيانه في العبد انه سبحانه خلق في عبده الالة الصالحة للطاعة والمعصية خلقها للطاعة لا للمعصية ولا يستتم خلقها للطاعة الا اذا كانت صالحة للمعصية ليتم ( ليجيء خل ) الاختيار وينتفي الاضطرار ويترك المعصية مع القدرة عليها وخلق فيه الصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ويكون ( تكون خل ) صالحة للضدين اذ شرط التكليف باحدهما التمكن من الاخر وصحة الاقتدار ليتم الاختيار فصلوح الالة والصحة للطاعة والمعصية لازم لصلوحهما للداعيين العقل والنفس فاذا صلح العقل والنفس لاستعمال الالة والصحة بمقتضى كل منهما وصلح العبد لاستعمال العقل والنفس بشهوته لمقتضيات ( لمقتضى خل ) كل منهما صلح لان العبد مظهر لامر كن فمن الكاف جاء العقل ومن النون جائت النفس صح الاقتدار على الطاعة والمعصية ( المعصية والاختيار فيهما ولولا هذا الصلوح في هذه الامور لزم الجبر في الطاعة والمعصية خل ) لان الصلوح شرط الاختيار واذا لم يكن العبد مختارا كان مجبورا ولولا كون مشية العبد للطاعة من مشية الله لها بالذات وللمعصية من مشية ( مشية الله خل ) لها بالعرض كما مر مكررا لزم ان يكون في ملكه ما لا يريد وما يريد لا يكون والى هذه الشقوق الثلاثة الاشارة بقول الرضا عليه السلم ان الله لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه الحديث فلاجل هذا الصلوح الذي هو مدار الاختيار لم تكن الطاعة لله باكراه ولان المكره غيره ( غير خل ) مطيع ولاجل كون مشية العبد لمعصية الله من مشية الله لها بالعرض لكون مشية الله لها بالعرض من تمام مشية الله للطاعة بالذات كما مر فلاحظ فلاجل ذلك لم يعص بغلبة ولاحظ الصلوح المذكور انفا هنا والى هذه المشية اشار بقوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله ولاجل خلق الالة والصحة التي يستعملها ( يستعملهما خل ) العبد بالمشيتين الاختياريتين جاء التكليف ولم يهمل العباد في ملكه واشار الى الامر بين الامرين بقوله هو المالك لما ملكهم قوله ( فقوله خل ) هو المالك نفي للتفويض كما قاله المعتزلي وقوله لما ملكهم نفي للجبر كما قاله الاشعري وهو قول الصادق عليه السلم لا جبر ولا تفويض بل امر بين الامرين ( لكن امر بين امرين والامر بين الامرين خل ) الذي ( الذي هو خل ) اوسع مما بين السماء والارض هو ان الطاعة التي هي من الله واليه وبامره ورضاه ومحبته ومشيته لا تظهر الا بالعبد المختار على نحو ما مضى فلاحظه تجد ثلج الايمان وان المعصية التي هي من العبد واليه لا تكون الا بالله لا منه ولا اليه ولا بمحبته ولا رضاه ولكن بارادته التي هي ارادة الحتم الثانوي التي عبرنا عنها سابقا بالقدر والقضاء ولاحقا بانها ارادة بالعرض وتارة بالترك والخذلان وبخلقه الالة والصحة فلذا كان سبحانه اولى بالحسنات من العبد ما اصابك من حسنة فمن الله واستحقاق العبد الثواب عليها من جهة انها لا تظهر الا به على نحو ما ذكره الحكيم من نقص قابليتها وتمامها بما من العبد فلذلك كان اولى بالسيئات من الله واستحقاقه العقاب مع ظاهر المشاركة المفهومة من الاولوية من حيث انها منه وان المشاركة الظاهرة بانها لا تظهر الا بالله لا منه وليس كونها بالله من تمام قابليتها كما في الطاعة لان ما في العبد ( بالعبد خل ) في الطاعة من الله ايضا كما في الدعاء وجعل ما امتن به على عباده كفاء لتأدية حقه وليس ما بالله في المعصية من العبد والا لزم التفويض والاستقلال فان قلت لم كان ما بالعبد في الطاعة من الله وذلك يلزم منه الجبر في الطاعة قلت كلامنا كله ووضع هذه الكلمات انما هو لبيان هذه المنزلة بين المنزلتين في القدر وما وراء ذلك وما وراء ذلك ليس ان نتكلم به قبل الاذن لانه من المكتوم والمراد حاصل على انه اذا ظهر لك الامر بين الامرين بلا لبس في المعصية فلا تطلب ما ورائه وان ابيت الا التمحل فافهم قوله من الله ولا يؤذن في الزيادة ومعنى كون المعصية بالله خلقه الالة والصحة والمشية والاختيار وان لم يكن خلقن لها فتمامها العبد وقوامها بذلك منه وما اصابك من سيئة فمن نفسك ولذلك كانت مجتثة على نحو ما مر ولو تحققت المشاركة لم تكن مجتثة وانما اختلف ظهور مشية الله حتّى تعددت بمشية القابل وقابليته لها مع ان كلتا يديه يمين لاختلاف مركبها وتعدده فتنوعت في ظهورها بالاثار بتنوع محلها الذي تتعلق به ونظيره اشعة الشمس الواقعة على الزجاجات المختلفة الالوان فتنعكس عنها مختلفة وان كانت الاشعة متفقة في نفسها فالاختلاف بما من العبد ونظيره ايضا ( ايضا كما خل ) قال الشاعر :
ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
والى ذلك الاشارة بقول الصاحب عليه السلم في دعاء رجب ( رجب المشهور خل ) باسمك الاعظم الاعظم الاعظم الاجل الاكرم الذي وضعته على النهار فاضاء وعلى الليل فاظلم ومثل ذلك في فعل الفاعل على ما رواه ( ما رواه الشيخ حسن بن سليمن الحلي من تلامذة الشهيد الاول وهو شريك خل ) الشيخ احمد بن فهد الحلي (ره) جميعا روي في كتابه بسنده المتصل الى الصدوق (ره) انه قال رجل لعليّ بن الحسين عليه السلم جعلني الله فداك ابقدر ( بقدر خل ) يصيب الناس ما اصابهم ام بعمل قال عليه السلم ان القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد فالروح بغير جسد لا تحس والجسد بغير روح صورة لا حراك لها ( بها خل ) فاذا اجتمعتا قويتا وصلحتا كذلك العمل والقدر فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان القدر شيئا لا يحس ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم ولكنهما باجتماعهما قويا ولله فيه العون لعباده الصالحين الحديث فافهم وهذا هو الامر بين الامرين وقد كشفت القناع لذوي الاشفاع ( الانتفاع خل ) وكثرت الترديد في العبارة بما هو مفيد والحكيم وان كان الحق فيما قال من بين الثلاثة وهو الاوسط ( الاوسط من بين الثلاثة خل ) لكنه لا يقطع حجة من يعرض ( يعترض خل ) الا اذا كان من اهل العرفان واستفاد من اهل ( اهل المعاني خل ) البيان وكلامنا هذا لمن عرفه قاطع لكل عذر لانه في هذا الشان ثمرة الحجج الثلاث حجة الحكمة وحجة الموعظة الحسنة وحجة المجادلة بالتي هي احسن ممن سكن بيوتنا واكل وشرب من طعامنا وشرابنا فليسلك هذا الطريق المظلم بمصباحنا حتّى يصل الى الفضاء الواسع والضياء اللامع والا فليحذر ولينظر الى قول امير المؤمنين عليه السلم للاغيار الذي لا يفرقون بين الليل والنهار قال لمن سأله عن ذلك فقال بحر عميق فلا تلجه وسئل ثانية فقال طريق مظلم فلا تسلكه وسئل ثالثة فقال سر الله فلا تتكلفه الحديث فاذا نظرت الى كلماتي هذه فان عرفت مرادي والا فلا تتكلف سر الله ورده الى الله والى رسوله والى الحفظة والى من علموه ذلك وتمام بيان الحجة الثلاثة بايراد كلام في الجملة في الرد على المعتزلي والاشعري وهو ان قول المعتزلي فوض اليهم الاختيار فيها ثم فرع على هذا انهم مستقلون بايجادها الخ لا يمكن تعقله مع القدم وانما يكون مع الحدوث لان القديم لا يكون في ملكه ما لا يريد وهذا لا يجتمع مع الاستقلال بدونه تعالى ربي ( ربي تعالى ربي خل ) وقد قال الصادق عليه السلم ومن زعم ان الخير والشر بغير مشية الله فقد اخرج الله من سلطانه ومن زعم ان المعاصي بغير قوة ( قوة الله خل ) فقد كذب على الله ومن كذب على الله ادخله ( ادخله الله خل ) النار قال امير المؤمنين (ع) في حديث الشامي ولم يملك مفوضا وقال الصادق (ع) ولو فوض ( فوض اليهم خل ) لم يحصرهم بالامر والنهي وفي رواية حريز وابنمسكان عن ابي عبد الله (ع) انه لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن وكتاب واجل فمن زعم انه لم يقدر ( يقدر خل ) على نقص واحدة فقد كفر وعن ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلم قال لا يكون شيء في السموات ولا في الارض الا بسبع بقضاء وقدر وارادة ومشية وكتاب واجل واذن ومن زعم غير هذا فقد كذب على الله او رد على الله ه وهذا الترديد من الراوي وبيان هذا قد مضت الاشارة اليه فلاحظ كيلا يلتبس عليك الامر من هذين الحديثين اللذين ظاهرهما الجبر فان هذه السبعة على نحو ما قلنا لك في المشية و( وقد خل ) قال ابوالحسن الرضا عليه السلم ان لله ارادتين ومشيتين ارادة عزم وارادة حتم ( حتم وارادة عزم خل ) ينهي وهو يشاء ويأمر و( يامر وهو خل ) لا يشاء او ما رأيت انه نهى ادم وزوجته ان يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ ان يأكلا لماغلبت مشيتهما مشية الله وامر ابرهيم عليه السلم ان يذبح اسحق عليه السلم ولم يشأ ان يذبحه ولو شاء لما غلبت مشية ابرهيم مشية الله فقد ظهر لك مما مر ( مضى خل ) بيان المشيتين والارادتين والفرق بين المشية والارادة مذكور في رواية يونس الاتية وان كنا وعدناك الزيادة واختصرنا خوف الاطالة هنا الا انه لا بأس ببعض الاشارة وهو انه تعالى شاء الامر بالشيء وشاءه مشية محبة ورضا وقضاء لما علم مشية اقتدار لما له واختيار لهم وهو واقع وشاء نفس الامر بالشئ مشية محبة ورضى كذلك وشاء الا يقع ذلك الشيء مشية قضاء لا رضي كذلك وهذه المشية عن شمال المشية الاولى وتلك يمين وانقل الكلام في النهي وفصل بهذا المعنى في الخصال السبع التي يتوقف عليها الشيء من طاعة ومعصية وليس للاشعري بمثل اخبار الخصال السبع حجة مع ما يلزمه في مذهبه ويأتي بعض ما يلزمه فقد ظهر بطلان كلام المعتزلي في قوله بالتفويض ولا ينافي هذا وهو نسبة التفويض اليه قولنا قبل انه اول من قال بالمنزلة بين المنزلتين لان مراده ليس في هذا وانما هو يقول ان صاحب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر لا في ( في هذا خل ) الشان والا لكان محققا ( محقا خل ) والتنزيه الذي حداه على الضلالة والكفر وكذلك الثواب والعقاب والوعد والوعيد يحصل بدون القول بالتفويض وغير ذلك واعلم ان هذا القول هو التفويض لانهم يسمون لهذا تارة مفوضة وتارة قدرية وهم قدرية هذه الامة ومن كتاب الشيخ حسن بن سليمان الحلي عن امير المؤمنين عليه السلم قال ان ارواح القدرية تعرض على النار غدوا وعشيا حتّى تقوم الساعة فاذا قامت الساعة عذبوا مع اهل النار بانواع العذاب فيقول ربنا ( يا ربنا خل ) عذبتنا خاصة وتعذبنا عامة فيرد عليهم ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر وساذكر لك بعض الروايات مسرودة شرحها فيما ذكرنا فاعطها التأمل الحق ليعظك ( تعطك خل ) المذهب الحق وتصدق ما ذكرت ذلك واما قول الاشعري انه لا يؤثر في الوجود الا الله فان اراد بالوجود من حيث هو هو خالفت ارادته عبارته وان اراد به الوجود ( الموجود خل ) من العباد وافعالهم فقد تقول على الله حيث الله يقول قل ءانتم اعلم ام الله والله الذي يعلم ما خلق يقول حكاية عما ينسبون ما عملوه اليه فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون وقال تعالى قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك وكقوله تعالى ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون وقال فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة واسند ( فاسند خل ) الهداية اليه واسند الضلالة الى نفسها اشعارا بالفرق لا يقال انه تعالى اسند الضلال ( الاضلال اليه خل ) ايضا لانا نقول ان الاضلال المسند اليه انما هو استنطاق طبايعهم واختيارها وقد بينه سبحانه في كتابه بحيث لا يكاد يحتاج مع التدبر الى تفسير وذلك انه قد علم ما الخلق اليه صائرون بعلمه الذي هو ذاته الاول الاخر الظاهر الباطن فافهم ثم فافهم وفي الخلق السعيد الذي يستحق السعادة ( السعادة وما يترتب عليها من الثواب والشقي الذي يستحق الشقاوة خل ) وما يترتب عليها من العقاب وقد اجرى حكمته كما مر انه لا يمضي مفعوله الا مشروحا مبينا وانه يبلى الاعذار قل فلله الحجة البالغة فلو عذب الشقي قبل ان يعمل مقتضى العذاب ( مقتضاه خل ) واسعد السعيد كذلك لكان للشقي ان يقول لم تعذبني قبل المعصية وتشهد له الخلق فاراد ان يخبرهم ( يختبرهم خل ) ويستنطق حقائقهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ولا يستنطقهم الا بما لا يعلمون ولا يكون الا بعد تعرفه لهم بانه لا يقول الا الحق وهو العليم الخبير وانما يفعل للمصلحة ويأتي بيان هذا الحرف فبعد ان عرفهم نفسه وصفاته وافعاله في العالم وفي كتابه وفي انفسهم وعلى السن الهادين كلفهم بما فيه نجاتهم واراد ان يستنطقهم بالحق الذي لا يعلمونه ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ومما استخبرهم به ما قال في لظي عليها تسعةعشر فقال الكافرون عجز عن اتمام العشرين وقال المؤمنون هو اعلم بما خلق وفي ذلك فوائد ذكرها في كتابه وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وماجعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا والمراد به الاختبار واستنطاق الطبيعة بدليل ما اخبر به عن مال فتنة ( فتنته خل ) لهم الى ما برز ( برز عنهم خل ) في عاقبتهم ومما اسنده اليهم ولم يسند ( لم يسنده خل ) اليه ولا الى فتنة ( فتنته خل ) لهم لكونه منهم وان كان بفتنته ( بفتنة خل ) كما مر ليستيقن الذين اوتوا الكتاب بموافقته لما في توراتهم وانجيلهم وزبورهم ان الزبانية تسعةعشر وليزداد ( يزداد خل ) الذين امنوا بانه لا يقول الا الحق وانه اعلم بما خلق ايمانا بذلك وهو موافق ( موافقته خل ) للكتب المنزلة ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا واللام في وليقولوا للعاقبة في الظاهر وفي الباطن مما امرنا بكتمانه ويأتي في رواية صالح بن الحكم النيلي نظيره وهو من المكتوم فلما رأوا ( ما روا خل ) في عدد الزبانية بعد ما تعرف سبحانه اليهم بانه لا يفعل الا بعلم وهو يعلم ما خلق بقولهم ماذا اراد الله بهذا مثلا لم لا يتمم ( لا يتمها خل ) عشرين وبعض منهم يقول عليها ( على خل ) سبعة عشر افتعجزون التتميم ( انتم خل ) عن اثنين فيسخرون من الحق ويستهزؤن لانهم من الذي خبث لا يخرج الا نكدا فاستنضج ما فيهم فنضجوا بما فيهم وهو سبحانه سيجزيهم وصفهم فكان منهم ما في علمه بابتلائه واستنطاقه لهم بعد هداية النجدين وابلاء الاعذار والتقدم بالوعد ( بالوعيد خل ) والتلطف في الترغيب فبلغت حجته وعلت كلمته وما ربك بظلام للعبيد وقال تعالى وما كنا معذبين حتّى نبعث رسولا اي عقلا او عاقلا فهذا اضلاله سبحانه لهم ولذلك قال بعد قولهم ماذا اراد الله بهذا مثلا وبعد قوله للمؤمنين ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون قال يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ومثل ذلك قوله تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم انه لا يمثل بالبعوضة فما فوقها وهو جناحها او ( وخل ) الذبابة الا ما هو كذلك بحيث لا يحسن ان يمثل به النسر والفيل لانه يقول الحق ولا يستحي واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يعني ان البعوضة والذبابة مستهجنة في المثل ولا يعلمون ان تمثيل حبة الخردل بالجبل احسن ( اهجن خل ) واقبح فاستنطقهم عما بين جوانحهم من الانكار في الاظلة وقبل ذلك وبعد ذلك مرة بعد اخرى وما كانوا مؤمنين ( ليؤمنوا خل ) بما كذبوا به من قبل فقال تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا اي يضل بالمثل المستجرية به كثيرا ممن مارى فيه ويهدي به كثيرا ممن علم انه الحق من ربهم وكما وعد سبحانه على لسان نبيه موسى عليه السلم بني اسرائيل لتنزيل التورية اربعين يوما وامره بكتمان عشرة ايام عنهم لما علم منهم فوعد موسى عليه السلم بذي القعدة وذلك بعد ان عرفهم عن الله سبحانه انه يمحو ما يشاء ويثبت ولا يمحو ولا يثبت الا لحكمة وقال لهم عنه انه لا يسئل عما يفعل وميعادي ثلاثون يوما ذو القعدة وربي يمحو ما يشاء ويثبت وهذا اخي خليفتي عليكم فان نسيتم او جهلتم وهو الذي نصبه الله لكم يذكركم ويعلمكم فلا تزيغوا عنه فتهلكوا فلما مضي الطور وصام واستاك اخر ذي القعدة وكرهت الملائكة ذلك منه وهو صائم امره باتمام عشر لذلك وليبتلي ما في صدور قومه فعبد الظالمون منهم العجل بفتنة ( بفتنته لما خل ) ابتلاهم واستنطق حقائقهم باخفاء عشرة ايام فكذب لذلك الجاحدون ولانهم قبل ذلك لم يجدوا ملجأ من ( عن خل ) الاقرار فلما وجدوا اظهروا ما كتموا وازداد بذلك المؤمنون ايمانا لثباتهم على ايمانهم مع ما يخالف افهامهم ولايمانهم بالبداء الذي مابعث ( ما بعث الله خل ) نبيا الا به فقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلم في ذلك ان هي الا فتنتك اي اختبارك وابتلاؤك تضل بها من تشاء اي بكتم العشرة اي بمحو اظهارها واثباته وتهدي بذلك من تشاء وامثال ذلك كثير وعلى ما ذكرنا لك ينكشف ( ينكشف لك خل ) الحال من الهداية والاضلال وايضا على ما مضي في قول الاشعري انه تعالى المتعال ( المتعالي خل ) عن التشريك ( الشريك خل ) في الخلق والايجاد لانه ينافي الوجوب فكذلك يتعالى عن القبيح والكفر والالحاد وتقدس عن ظلم العباد لانه ينافي الغني المطلق وقد رد سبحانه على من رد بذلك حيث يقول واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها ابائنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء اتقولون على الله ما لا تعلمون قل امر ربي بالقسط الاية وقال فذرهم وما يفترون وقال وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون وقال سيقول الذين اشركوا لو شاء الله مااشركنا نحن ولا اباؤنا ولاحرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون فلينظر العاقل في هذه الايات المحكمات كيف صرفها الاشعري الى المتشابه وهل هذا الا ابتغاء التأويل وانت اذا تدبرت القران كفاك في هذا الشان بان الله فعل الطاعة بالعبد والعبد فعل المعصية بالله على نحو ما مر اي ان العبد يفعل الطاعة بامر الله ومشيته ورضاه ومحبته وتوفيقه ( توفيقه ونعمته خل ) ويفعل المعصية بقوة الله ونعمة الله وقضائه وخذلانه وقول الاشعري لا علة لفعله خطأ ظاهر فان الله سبحانه العالم بفعله نص على العلة فقال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون افحسبتم انما خلقناكم عبثا وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين وحيث انه لم يعرف العلة انكرها وعليه بعد ما سمعها من ربه في كتابه ان يسلم والله يقول بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين واعلم ان اصحابنا من اهل الظاهر اثبتوا العلة وسلموا و لم يدعوا معرفتها وردوا ذلك الى الله والى الرسول صلى الله عليه وآله والى الحفظة وانا اشير الى العلة وذلك مما كشفنا لك من السر المجرد وابرزناه في اللفظ المردد وهو ان الله واحد لا شيء معه ازله ابده وسرمده وليس ثم شيء غيره فيكون معروفا بالتميز معلوما بالحدوث والتحيز تعالى ربي وهو الان على ما كان فخلق كل شيء من خلقه في ازمنة وجوده وامكنة حدوده فلذلك تفاوتت مفعولاته ليعلم الا تتفاوت ذاته والا زمان له ولا مكان فجعل بعضها علة لبعض وصفة بعض علة لذات اخر وبالعكس ليعلم الا علة له وجعل بعضها محتاجا الى بعض ليعلم الا حاجة به الى شيء ولا دور لاختلاف حيثياتها وتعاكس حركات افلاكه ( افلاكها خل ) ولا تسلسل لاحاطته بما لا يتناهى من الممكنات واحصى كل شيء عددا فهو وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى كذلك الله ربي قال الله تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض فجعل الدفع علة لنظام الارض واهلها وما فيها كما جعل التوحيد علة لنظام السموات ( السموات والارض خل ) قال تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ففساد الارض بعدم الدفع وفساد السموات والارض بعدم التوحيد ومجرى العلة واحد وان كان في كل بحسبه وقال تعالى وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك ليميز الخبيث من الطيب واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثرهم لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين فخلقهم لينقل بهم حوائجهم من بعض الى بعض فاصحاب اليمين وصفاتهم من باطن الرحمة ( خلقهم للرحمة خل ) لانهم ( لانهم هم خل ) وصفاتهم نهايات كمالاتها وهي اليمين ومنها خلقوا واليها يعودون واصحاب الشمال وصفاتهم ( صفاتهم خلقهم خل ) من خلف الرحمة وهو الغضب لانهم هم وصفاتهم نهايات كمالاتها ( كمالاته خل ) وهو الشمال ومنها خلقوا واليها يعودون قال تعالى الا من رحم ربك ولذلك خلقهم قال الصادق عليه السلم لابي بصير وللرحمة فتدبر هذه الاية تكفيك ( تكفك خل ) وذرهم في خوضهم يلعبون وقال تعالى الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات وقال تعالى ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها اذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بامره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون فانظر الى هذه العلل الظاهرة وبالجملة فالقران مشحون بان فعله لغاية والعجب كل العجب من الاشعري يسمع الله يقول في كتابه فعلت ( وخل ) كذا لكذا وهو يقول انما فعلت لا لكذا ولكن هذه من احدى الكبر من اقواله واعتقاداته وقول الاشعري لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ليس فيه له حجية ( حجة خل ) هو لا يسئل عما يفعل لا يحكم عليه ولانه لا يفعل الا بعلم وحكمة قال تعالى تبارك الله احسن الخالقين وهم يسئلون لجهلهم ولانه الحاكم عليهم وقوله لا مجال للعقل في تحسين الافعال وتقبيحها بالنسبة اليه ممنوع لانه لو لم يكن للعقل مجال بطلت الثواب ( لبطلت النبوات خل ) وافحمت الدعاة وارتفع التكليف لانه تعالى يقول افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فكيف يأمرهم بالتدبر ويلومهم على عدم الفهم وقد تبين ( بين خل ) انهم يعرفون الاختلاف والا لا فرق بين ما من عنده و( وبين خل ) ما من عند غيره الا الاختلاف وهو يعلم ان كل شيء يحسن بالنسبة اليه من اختلاف وايتلاف ويعلم الا مجال لعقولهم الا يعلم من خلق ولانه لو كان للعقل مجال بالنسبة اليهم لا بالنسبة اليه لارتفع حكم قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم وفي انفسكم افلا تبصرون وايضا من اين الفرق فان كان منكم ( معكم خل ) فقد جعلتم القران عضين اذ فيه فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه وفيه ضرب لكم مثلا من انفسكم الاية وان قلتم منه فهو تقول عليه لانه قبيح ( قبح خل ) ذلك منه كما قبحه منهم حيث قال الله تعالى ان الله لا يأمر بالفحشاء ومن ذلك قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وهذا مجال العقل بالاحوال ( في الاحوال خل ) الثلاثة الذي تتوقف ( يتوقف خل ) عليه الدعوة الى سبيل الرب وقوله بل يحسن صدورها عنه مصادرة اذ لو كان يحسن صدورها عنه لماقبحها منه ومن عباده تعالى ربي وتوعد معتقد ذلك حيث يقول الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا وقوله والاسباب التي ارتبط بها وجود الاشياء بحسب الظاهر ليست اسبابا حقيقة ولا مدخل لها في وجودها متناقض لان قوله بحسب الظاهر يناقض قوله ولا مدخل لها لان الارتباط في الظاهر له مدخل في وجودها الا ان تكون تقع بدون هذه الاسباب ولم تقع قط الا في معجز وهو اعظم الاسباب لدي اولي الالباب وهذا المدخل في مقام الخلق وهذه الاسباب اسباب حقيقة في كل بحسبه ولهذا اسند الفعل اليه ( اليها خل ) وهو اعلم بما قال وبما خلق وقوله اجرى عادته الخ حق الا انه على سبيل الوجوب واللزوم في رتبة الامكان الا تسمع انه تعالى قال فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا وقوله فكل من الاسباب والمسببات صادر ( صادرة خل ) عنه ابتداء مدخول لانه يلزم منه من ان اعتقاد المشركين والكفار بان الصنم آلهة وانه المعبود في الارض وان تسميتهم له بذلك كلها مخلوقة لله والاشعري لا ينكر ان كل مخلوق له معلوم له وهو يقول تعالى ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض والاشعري يقول بل خلقه ويعلمه ما هذا الا شيء تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا وقال في هذا ان دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا والاشعري يقول انما دعوا للرحمن ولدا بفعله وخلقه ومشيته ولا مؤثر في الوجود الا الله فكيف يستعظم ما هو منه وعن امره وينكره تعالى ربي وقد قال تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين وقوله في ذلك تعظيم لله تعالى الخ فيه ان تنزيه الله وقدرته وفعله عن قبائح افعالهم اشد تعظيما للقدرة وهو على كل شيء قدير وقوله وتقديس لها عن شوائب النقصان بالحاجة في التأثر الى امر اخر قد اجاب عن هذا الحرف الحكيم بما لا مزيد عليه بان قدرة الله في غاية الكمال وانما الحاجة راجعة الى المقدور في قبوله للتأثير ( للتاثر خل ) الى امر اخر يتوقف عليه لنقص في قابليته وتمام ذلك ( ذلك ذلك خل ) الاخر ولقد اطلت في هذه الابحاث ولم اهذب العبارة لئلا تخفى الاشارة فتأمل واما مذهب الحكيم كما مر فهو على نهج الحق في المسئلة وان كان على طريقة البحث ولم يستقص فيه على شقوق المسئلة وكلامنا ليس على طريقة البحث بل بالكشف على نحو البيان ولهذا لا ابين وجه الاستدلال من الدليل غالبا فدع الالفاظ وخذ المعاني تجدها جواهر نقية تشير ( نفيسة تسير خل ) بك في انحاء الافاق وتهجم بك على صافي المنهل وتسقيك شربة لا تظمأ بعدها ابدا وستذكرون ما اقول لكم وافوض امري الى الله ان الله بصير بالعباد وها انا مورد لك ( موردك خل ) ما سنح من الاخبار مما وعدناك به مما هو كما في الفقيه في الاستبصار ففي الكافي في صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السلم قال الله يا ابن ادم بمشيتي كنت انت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبقوتي اديت فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك وذلك اني اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني وذلك اني لااسئل عما افعل وهم يسئلون وعن ابي بصير قال كنت بين يدي ابي عبد الله عليه السلم جالسا وقد سأله سائل فقال جعلت فداك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله من اين لحق الشقاء اهل المعصية حتّى حكم لهم بالعذاب على عملهم فقال ابو عبد الله عليه السلم ايها السائل حكم الله عز وجل لا يقوم احد من خلقه بحقه فلما حكم بذلك وهب لاهل محبته القوة على معرفته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله ووهب لاهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه ومنعهم اطاقة القبول منه فوافقوا ( فواقعوا خل ) ما سبق في علمه ولم يقدروا ان يأتوا حالا ينجيهم من عذابه لان علمه اولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء وهو ما شاء ( ما شاء وهو خل ) سره ه وقال عليّ عليه السلم في مسيره الى الشام في الحديث المشهور لشيخ سأله وتظن انه كان قضاء حتما وقدرا لازما انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ولكان المذنب اولى بالاحسان من المحسن ولكان المحسن اولى بالعقوبة من المذنب تلك مقالة اخوان عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها ان الله تبارك وتعالى كلف تخييرا ونهى تحذيرا واعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يفوض مملكا ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلا ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار وفي رواية يونس قال قال لي ابو الحسن عليه السلم الى ان قال قال يونس ولكني اقول لا يكون الا بما شاء الله واراد وقدر وقضى فقال (ع) ليونس ( يا يونس خل ) ليس هكذا لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى يا يونس تعلم ما المشية قلت لا قال هي الذكر الاول قال تعلم ( فتعلم خل ) ما الارادة قال ( قلت خل ) لا قال ( قال هي العزيمة على ما يشاء فتعلم ما القدر قلت لا قال خل ) هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء قال ثم قال والقضاء هو الابرام واقامة العين قال فاستاذنته ان يأذن لي ان اقبل رأسه وقلت فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة ه وموثقة ابرهيم بن عمر اليماني عن ابي عبد الله عليه السلم قال ان الله خلق الخلق فعلم ما هو ( هم خل ) صائرون اليه وامرهم ونهاهم فما امرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى تركه ولا يكونون اخذين ولا تاركين الا باذن الله ه وعن ابي عبد الله عليه السلم قال قلت اجبر الله العباد على المعاصي قال لا قلت فوض ( ففوض خل ) اليهم الامر قال لا قلت فماذا قال لطف من ربك بين ذلك ه وعن ابي عبد الله عليه السلم لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين ( امرين قيل وما امر بين امرين خل ) قال مثل ذلك رجل رأيته على معصيته فنهيته فلم ينبه ( فلم ينته خل ) فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت انت الذي امرته بالمعصية ه وعن صالح النيلي قال سألت ابا عبد الله (ع) هل للعباد من الاستطاعة شيء قال فقال لي اذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم قال قلت وما هي قال الالة مثل الزنا اذا زنى كان مستطيعا للزنا حين زنى ولو انه ترك الزنا ولم يزن كان مستطيعا لتركه اذا ترك قال ثم قال ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا قلت فعلى ما يعذبه قال بالحجة البالغة والالة التي ركب فيهم ان الله لم يجبر احدا على معصية ولا اراد ارادة حتم الكفر من احد ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر وهم في ارادة الله وعلمه الا يصيروا الى شيء من الخير قلت اراد منهم ان يكفروا قال ليس هكذا اقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فاراد الكفر بعلمه ( لعلمه خل ) فيهم وليست ارادة حتم وانما هي ارادة اختيار ه اقول وجميع ما اشرت اليه بالكتمان فقد اشير اليه في هذا الحديث الشريف بالبيان فمن اراد السر المكتوم عن الاغيار وقنع لاخفائه بمستسر الاسرار فعليه بتفهمه على وجهه فمن وفق فاز و( ومن خل ) ذلك قول الرضا عليه السلم الذي مضى بعضه قال عليه السلم ان الله لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه فان استمر ( ائتمر خل ) العباد بطاعته لم يكن عنها صادا ولا منها مانعا وان استمروا ( ائتمروا خل ) بمعصيته فشاء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل وان لم يحل وفعلوه فليس هو الذي ادخلهم فيه ثم قال عليه السلم من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه ه وامثال ذلك كثير وبيان هذه الاخبار يعرف بما مضى والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
( وكتب مؤلفه في العشرين من جمادي الاولى سنة ١٢٠٤ من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلوة والسلام والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وفرغ من نسخها هنا مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين الدين في التاسع عشر من ذي الحجة ١٢١٢ والحمد لله على كل حال وصلى الله على محمد وآله الطاهرين خل )