رسالة ابي الحسن الجيلاني - ۱ (العقل، النفس، والروح)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - رسالة ابي الحسن الجيلاني - ۱ (العقل، النفس، والروح)

رسالة أبي الحسن الجيلاني - 1

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين :

أما بعد : فيقول العبد المسكين أحمد بن زين ‌الدين الاحسائي أن سيدنا الأجل الأكرم قد أرسل إلي بسؤال طلب مني بيانه وأنا في تفرق الأحوال وتشتت البال فكتبت له ما سنح بالخاطر على سبيل الاستعجال وإلى الله المصير

السؤال : قال سلمه الله تعالى : والاستدعاء من جناب الأمجد والفاضل الأوحد أن يشرح لي حقيقة العقل والنفس والروح ومسمياتها الثلاثة هل هي متعددة كأسمائها أم لا وإن كانت عديدة فما الفرق بينها وحقيقة كل واحد منها؟
الجواب : اعلم أن العقل جوهر نوري دراك بذاته للأشياء قبل وجوداتها المتشخصة له مادة وصورة مادته الوجود الذي هو هيئة المشية وصورته الرضا والتصديق والتسليم والطاعة التي هي صبغة الله وهيئته هيئة الألف القائم لبساطته تألف من معاني نفسه المجردة عن المادة الملكية والملكوتية وعن المدة الزمانية وعن الصورة المثالية والنفسية فهو النور المشرق من صبح الأزل والماء الذي به حيوة كل شي‌ء الذي نزل على أرض الجرز وهو ملك له رؤس بعدد الخلايق من خلق ومن لم‌ يخلق وهو اسم الله الذي أشرقت به السموات والأرضون وهو المذكور في سورة النور وهو القلم الذي جرى في اللوح بما كان وما هو كائن إلى يوم القيمة وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وهو ركن العرش الأبيض هذه الكلمات إشارة إلى العقل الكلي في الجملة

وأما العقل الجزئي فهو رأس من العقل الكلي وذلك لأن الشخص له مرءاة عن يمين قلبه مركبها الدماغ لأن وجهها إلى جهة العلو فإذا اعتدلت أمزجتها صفت فانطبع فيها نور وجه ذلك الرأس المختص بذلك الشخص على هيئة العقل الكلي في مراياه المتسلسلة إلى الدماغ لأنه ينطبع ذلك النور في مرءاة الروح وتلك المرءاة والمنطبع فيها تنطبع في مرءاة النفس والجميع ينطبع في مرءاة الطبيعة والجميع في مرءاة الهبا والجميع في مرءاة المثال والجميع في مرءاة الدماغ من القلب فتعلقه بدماغ الإنسان على هذا النحو وهذا معنى انه ليس له ارتباط بالأجسام وانه مفارق وانه متعلق بها تعلق التدبير فحقيقته فيك انه نور من العقل الكلي أي ظهوره لك كظهور الشمس بنورها لك ونور الشي‌ء هيئته وهو ذلك الانطباع المشار إليه وهيئة العقل الكلي هي مادة العقل الجزئي وانطباع تلك الهيئة في تلك المرايا على حسب كبرها وصغرها وصفائها وكدورتها واستقامتها واعوجاجها وجهتها ورتبتها ولونها بحيث تحصل من ذلك الانطباع للمنطبع من تلك المرءاة هيئة تشبه الهيئة المنطبعة أو تقاربها في الشبه أو تخالفها في الجهة أو الوضع هي صورة العقل الجزئي وبهذه الهيئة الحاصلة من المرءاة تختلف العقول الجزئية كما ترى ما ينعكس عن المرايا المختلفة كما وكيفا وجهة من نور الشمس إذا أشرق عليها مختلفا مع أن نور الشمس لا اختلاف فيه وإشراقه على المرايا أيضا غير مختلف فما شابه الكلي منها أو قاربه في الشبه فهو عقل شرعي أي ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان وما خالف فهو النكراء والشيطنة فذلك النور المشرق من الكلي المنطبع في المرايا الجزئية هو جوهر نوري بسيط دراك بذاته للأشياء التي يسعها قبل وجوداتها المتشخصة وهو الألف القائم فيك والقلم الجاري وهو المعاني المجردة عن المادة والمدة والصورة وهذا العقل أوله مطبوع ويختلف في القوة والضعف بسبب كثرة التراب الذي يضعه الملك ويموثه في النطفة الامشاج التي تكون منها فإن كان كثيرا قوي المطبوع وإلا قل وبالمطبوع المكتسب ويختلف المكتسب باختلاف جهة استخراج غوره فيقوى ويصلح إذا كان مستخرجا غوره بالحكمة ثم بهما يكون المستفاد وبالفعل على الخلاف في أيهما أول وعندي إن المستفاد أول وبالفعل هو النهاية والله سبحانه الموفق والمعطي

وأما النفس إذا اطلقت فلها أربع حقائق :
۱) الأولى النباتية وهي نفس نامية تكونت من العناصر الأربعة حيث امتزجت معتدلة ومعنى امتزاجها أن الجزء الناري استحال هواء وركد هو والجزء الهوائي فكانا ماء مع بقاء كيفهما وجمدا هما مع الجزء المائي وهو جزءان في الجزء الترابي وذاب الجزء الترابي معها فكرت عليها عبيطات العناصر حتى كانت الأربعة شيئا واحدا في دورين وهو معنى اعتدالها فكانت غذاء معتدلا فجرى فيه أثر أشعة الشعور والاحساس والاختيار فتحرك ونما بفاضل تلك الصفات الحيوانية وهذه مقرها الهاضمة من الكبد وتستمد من لطائف الأغذية التي كانت كيموسا إن كانت في الحيوان وانبعاثها من الكبد لأن ذلك الكيموس هو الحافظ لها وإن كانت في النبات فمن اللطائف التي كانت كيلوسا إذ لا كبد لها وإنما القوة الهوائية بمعونة عبيطات العناصر تهيئ كيلوسا يكون غذاء لتلك النفس النامية النباتية فافهم

وأما النفس النامية البرزخية التي هي واسطة بين النباتية وبين رتبة المعادن كالتي في المرجان فإن فيها قوى معدنية تجذب أجزاء مشاكلة بفاضل صفات النباتية تنمو بها ولا كيلوس لها وإنما تنمو من جهة جانبها الأعلى الذي هو جهة النباتية وإنما حكم بتوسطة هذه القوة من حكمهم بنفي الفاصلة بين أجزاء الوجود لمنعهم الطفرة في الوجود ولهذا قالوا ان المرجان واسطة بين المعٰادن والنبات ولا ريب أن فيها من الشعور والاحساس والاختيار بنسبة ما فيها من الوجود وقد نبهنا على ذلك في الفوائد فمن أراد الاطلاع عليه طلبه هناك

۲) الحقيقة الثانية النفس الحيوانية وهي نفس حسية تكونت من قوى الأفلاك وذلك لأن العلقة الدم التي في تجاويف القلب الصنوبري التي هي بمنزلة الفتيلة للسراج فيها دم أصفر قد استجنت فيه الطبائع الأربع الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة فيتألف عنها من الدم الأصفر الذي هو بمنزلة الدهن للسراج أبخرة في تلك الطبائع من كل طبيعة جزء ومن البرودة جزءان فتنضج بما فيها من تلك الطبائع بمعونة القوى الفلكية نضجا معتدلا حتى يحصل منها شي‌ء واحد معتدل نضجه بما وقع عليه من الأفلاك من قواها وأشعة كواكبها متهيئ لقبول تأثيرات تلك النفوس الفلكية وذلك في ثلاثة أدوار فهو بمنزلة الدخان الذي قد استحال بالنار من الدهن حيث تهيأ لتعلق النار به وانفعاله بالاستضاءة عن النار والحافظ له الأجزاء الدهنية المقاربة للدخانية بمجاورة النار كذلك ذلك البخار المعتدل نضجه بمنزلة الدخان المنفعل بالاستضاءة والحافظ له ما يتهيأ له من الأبخرة المصاحبة لتلك الطبائع التي تعلقت بالعلقة في القلب فانبعاثها من القلب وهو مقرها لاستمدادها من الحافظ لها مما يتهيأ له من تلك الأبخرة فينفعل هذا البخار عن النفوس الفلكية لارتباطها به وتعلقها كارتباط النار بالدخان بالحركة والشعور والاحساس والاختيار التي هي آثار تلك النفوس فتتعلق بهذا البخار لما بينهما من المشاكلة والمقاربة ومعنى تهيأ ذلك البخار لقبول تلك القوى من تلك النفوس أن اعتدال نضجه يقتضي تهيأه بهيئات تلك النفوس المستلزمة لتعلق آثارها به بواسطة ذلك التهيئ وتلك الآثار هي قواها الفعلية التي هي صفات ذواتها من الحركة والشعور والاحساس والاختيار واقتضى ذلك النضج المعتدل لذلك التهيئ لقربه منها ومشاكلته لها لكمال النضج والاعتدال كذلك الدخان في السراج لكمال نضجه قارب النار وشاكلها أي تهيأ بهيئتها حتى ظهرت آثارها أي قواها عليه فاشتعل بتلك الآثار واستضاء بتلك القوى ومعنى الحافظ له عن التهافت أنه يستمد من تلك الأجزاء المقاربة للدخانية كما أن النفس الحيوانية تستمد من لطائف الأغذية التي تصل إلى الدم الأصفر فتجول عليه الطبائع الأربع وتكر عليه الأفلاك بقواها وكواكبها بأشعتها حتى يعتدل نضجها فتتهيأ بمجاورة النفوس الفلكية كما مر فهذه هي النفس الحيوانية والتي قبلها هي النباتية وهما إذا فارقتا بسبب تحلل الاتهما عادتا إلى ما منه بدئتا عود ممازجة لا عود مجاورة لأن النباتية تعود إلى الطبائع الأربع وما فيها من آثار الشعور والاحساس والاختيار تعود إلى النفوس الحيوانية وتلحق بها لأنها آثارها كما يلحق نور الشمس المنبسط على الأرض بالشمس إذا غربت والحيوانية تعود إلى نفوس الأفلاك لأنها آثارها كذلك

۳) الحقيقة الثالثة النفس الناطقة القدسية وهي الشي‌ء أي الإنسان حقيقة وأصله مركب تركيبين في الخلق الأول من وجود وماهية وفي الخلق الثاني من مادة وصورة أي من وجود ثان وهو الخلق الأول كالخشب فإنه مركب من مادة وصورة نوعية وأما الصورة فهي الماهية الثانية كالسرير المركب من الخشب والهيئة الشخصية فالإنسان كالسرير وهو النفس الناطقة وهو المعبر عنه بأنا والمعني بأنت وذلك هو الذي من عرفه فقد عرف ربه إلا أن وجه هذه المعرفة مختلف فقد يراد به أن يعرفها بالنسبة إلى ظاهرها على اختلاف أنظارهم

  • فمنهم من يقول معناه ان ما سواها لها فكما تقول جسدي وجسمي ووجودي وعقلي ونفسي وتنسب كل ما سواها إليها فهي لها كذلك يقول الله عرشي وسمائي وارضي وبيتي وعبدي فينسب كل شي‌ء إلى ملكه فاذا عرفها بهذه النسبة عرف الله

  • ومنهم من يقول معناه انها ليست في مكان من الجسد ولا يخلو منها مكان منه وانها تدبره بلا تعلق ولا حلول ولا اتحاد ولا مباينة ذات وانفصال كذلك الله تعالى بالنسبة إلى خلقه

  • ومنهم من قال معناه انه يعرف نفسه بالفناء ويعرف ربه بالبقاء واذا عرف نفسه بالحدوث عرف ربه بالقدم واذا عرف نفسه بالحاجة عرف ربه بالغنى واذا عرف نفسه بالجهل والعجز عرف ربه بالعلم والقدرة وهكذا

  • ومنهم من يقول انه من باب التعليق على المحال فإن المخلوق لا يعرف نفسه ولو عرف نفسه عرف ربه لكنه لا يعرف ربه بالكنه فلا يعرف كنه نفسه وهو كما ترى وقد يراد به أن يعرفها على ما هي عليه وإليه الإشارة بقول أمير المؤمنين (ع‌) لكميل : محو الموهوم وصحو المعلوم

وحقيقة النفس الناطقة إنها مثال فعل الله سبحانه أي المشية فهي الصورة في نفسها وإليه الإشارة بقول علي (ع‌) : وألقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله وليس المثال غير الهوية كما يتوهم من العبارة بل هو نفس الهوية وهو معنى قولنا فهي الصورة في نفسها فهي للمشية كالنور للمنير وكالصورة في المرءاة للشاخص وكالكلام للمتكلم وإنما مثلت بالثلاثة لتعرف أن الثلاثة واحد في المثال فما خفي عليك من شي‌ء في أحدها طلبته في الآخر وإلى ما ذكرنا من أن المثال نفس هويته الإشارة بقول علي (ع‌) : تجلى لها بها وبها امتنع منها وهذه النفس جوهرة أصلها الألف المبسوط والكتاب المسطور أبرزتها مشية الله من كتابه المكنون فظهرت باسمه البديع من اسمه الباعث مشرقة على قدر مددها من الألف القائم في مراتب تعيناتها ومشخصاتها كما تبرز النار حركة القادح بحك الزناد على الحجر فتظهر النار مشرقة على حسب يبوسة الزناد وصلابة الحجر وتلزز أجزائه واعتدال الحك وقوته وضعفه وهذه النفس قد سكنت أرض الحيوة وهي المشار إليها بقول أمير المؤمنين (ع‌) : مقرها العلوم الحقيقية وقوله (ع‌) : وليس لها انبعاث أي ليس لها انبعاث من الانسان كالنباتية انبعاثها من الكبد وكالحيوانية انبعاثها من القلب لا أنه لا انبعاث لها اصلا لكن لما كان انبعاثها من الفؤاد وهو لا يعرفه الناس الا انه القلب الذي هو اللحم الصنوبري قال (ع‌) : ليس لها انبعاث مع أنه قال (ع‌) : مقرها العلوم الحقيقية كما قال في النباتية : مقرها الكبد وقال (ع‌) : وانبعاثها من الكبد وقال في الحيوانية : مقرها القلب وقال : وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية كذلك انبعاثها من مقرها ولكن لهذه العلة قال : ليس لها انبعاث مما يعرفون إذ لو قال وانبعاثها من العلوم الحقيقية لكان يقال عليه أنها في الإنسان وليست العلوم الحقيقية في الإنسان فكتم الحكمة عن غير أهلها والبيان واحد وهذه لها حافظ يستمد منه وهي التأييدات العقلية وهي ما يرد من الألف القائم على الألف المبسوط لخصوصها والعلوم الحقيقية هي ذرات الوجود الذاتية كل في رتبته علم بتلك الرتبة وهذه إذا فارقت عادت إلى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة لأنها خلقت للبقاء فما فقدت نفسها ولا تفقد نفسها أبدا والحاصل إن هذه النفس القدسية ذكر بعض أحوالها ومباديها وأفعالها يحتاج إلى ذكر مقدمات وبسط كلام لا يحتمله المقام

٤) الحقيقة الرابعة النفس اللاهوتية الملكوتية وهي قوة لاهوتية نورية وجوهرة بسيطة أصلها الربوبية وهي حية بالذات أي ذاتها حيوة وهي نور أخضر منه اخضرت الخضرة وهي مبدء الموجودات كما أن خيالك مبدء لما تحدث من الصور التي اخترعتها بخيالك لأنها هي النفس التي ذكرها عيسى المسيح (ع‌) في قوله : ولا اعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى وهي النفس المطمئنة الراضية المرضية وهي الألف المبسوط في اسم الرحمن الذي استوى به على العرش فأعطى كل ذي حق حقه وساق إلى كل مخلوق رزقه وإلى تلك أشار أمير المؤمنين (ع‌) بقوله : وأنا النقطة تحت الباء لأنها هي الباء وهي الكتاب المكنون وحجاب الزبرجد وأصلها العقل الذي يشار إليه بالألف القائم لأنه انبسط بها ومعنى قوله (ع‌) أنه سبحانه أمر القلم فكتب في اللوح ما كان وما يكون إلى يوم القيمة

وأما الروح فقد يطلق على العقل قال (ص‌) : أول ما خلق الله روحي أي عقلي وقد يطلق على النفس ولهذا يقال قبض روحه يطلق على العقل لعدم الصورة ويطلق على النفس لوجود الرقيقة فهو الواسطة بين العالمين والبرزخ بين المختلفين لانه الذر الاول وهو نور اصفر منه اصفرت الصفرة وقال (ص‌) : الورد الأصفر من عرق البراق فالروح هو اللام والعقل هو الألف والنفس هو الباء فصورة العقل هكذا [ا] وصورة الروح هكذا [لــــ] وصورة النفس هكذا [ــــــــ] فهذه الثلاثة متعددة مختلفة فحقيقة العقل معان فهو للموجود كالنطفة وحقيقة الروح رقائق فهو للموجود كالمضغة وحقيقة النفس صور فهو للموجود كالعظام بعد أن تكسى لحما

السؤال : قال سلمه الله تعالى : وان التمايز في عالم الأرواح بأي شي‌ء وان النفس النباتية والحيوانية والناطقة والإلهية هل هي نفس واحدة تترقى من الجمادية إلى النباتية ومن النباتية إلى الحيوانية ومن الحيوانية إلى الناطقة ومن الناطقة إلى الإلهية أم متعددة
الجواب : اقول اعلم إن التمايز بينها بما أشرنا إليه :
• إن العقل هو المعاني المجردة عن المدة الزمانية والمادة العنصرية والصورة الجسمية والمثالية والنفسية وهذا المعنى هو المعبر عنه بالنور الأبيض وبالألف القائم وذلك لشدة تجرده وبساطته بالنسبة إلى من دونه

• وإن الروح هو الرقائق المجردة عن المدة الزمانية والمادة العنصرية والصور الجسمية والمثالية والنفسية لأن الرقائق ليست صورا وإنما هي مبادي الصور إلا انها أنزل رتبة من المعاني ولهذا كان يعبر عن معانيها بالنور الأصفر وباللام وذلك لأن تجرده وبساطته إضافية

• وإن النفس هو الصور المجردة عن المدة الزمانية والمادة العنصرية وهو المعبر عنه بالنور الأخضر وبالالف المبسوط وذلك لأن تجرده وبساطته أسفل مراتب الثلاثة فالتمايز بينها بمعانيها وبألوانها وبمراتبها

وأما أن النفس متعددة أم لا؟ فهذا تقدمت الإشارة إليه بأنها متعددة وإنها ليست بواحدة تترقى من أسفل إلى أعلى بل كل واحدة في مرتبتها غير الأخرى نعم إذا كملت السفلى ظهرت لها العليا وتعلقت بها على ما أشرنا إليه على ترتيب ذكرها لا غير لترتب ذرات الوجود على المقتضى الطبيعي

السؤال : قال سلمه الله تعالى : وان كل واحدة من النفوس المذكورة قبل ايجاد البدن موجودة وشاعرة بنفسها أم حادثة بحدوث الأبدان مثل السكر في قصبه ونور الشجر في شجره أو نفرق بين الناطقة وغيرها وبعد بين الكمل وغيرهم
الجواب : اقول اعلم ان النفوس إذا نسبتها إلى الأبدان في التقدم والتأخر كان لها الحكمان :
• لأنك إن أردت تقدمها زمانا فالأبدان متقدمة زمانا على النفوس وذلك لأن النطف التي تنزل من شجرة المزن من عليين والتي تصعد من شجرة الزقوم من سجين إنما تكون ماء غليظا قد انحل فيه قدر ربعه من لطيف التراب والنفوس المشعرة الحساسة في تلك النطف في غيبها كالشجرة في غيب النواة فإذا نزلت النطفة واختلطت بنبات الأرض حتى استحالت نطفة من مني تمنى وتنقلت من الأرحام علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم تكسي لحما كانت النفس قوة فيها مربية لها بتدبير الاسم المربي الذي هو قدر وهو ذكر للملك الحامل لركن العرش الأيسر الأعلى فإذا انتقلت النطفة من رتبة إلى أعلى منها قربت النفس بجهة تعلقها من الجسم حتى تتم خلقته فتظهر فيه باحساسها وشعورها وذلك كالحلاوة في قصب السكر والدهن في لب اللوز فإنهما يظهران بالتدريج حتى يتم ايناعه فيكون معنى تقدم الجسم عليها في الزمان وجوده قبل ظهورها باحساسها وشعورها

• وإن اردت تقدمها الذاتي في الدهر فالنفوس قبل الأبدان لأنها حيث وجدت فهي قبل الأجسام بأربعة آلاف عام لأن رتبة المجرد حيثما وجد قبل رتبة الأجسام لأنه من علله البعيدة والقريبة والعلة سابقة على المعلول كما أن سببه الذي هو الدهر سابق على سببها الذي هو الزمان لأنه روح الزمان ألا ترى انك إذا سمعت مني كلاما يوم الجمعة أول النهار آخر شهر عاشوراء سنة الرابعة والعشرين بعد المأتين والألف وهو وقت نسخ هذه الكلمات وفهمت معناه فإنك أدركت لفظه بسمعك في هذا الوقت وأدركت معناه بعقلك قبل خلق السموات والأرض وسائر الأجسام بأربعة آلٰاف عام أو خمسة آلاف عام على الخلاف وذلك لأن عقلك من عالم الجبروت وذلك المعنى من عالم الجبروت وهو قبل عالم الملكوت بثلاثة آلاف عام أو أربعة وعالم الملكوت قبل عالم الملك بألف عام فقد تبين مما أشرنا إليه ومثلنا به أن النفوس قبل الأجسام في الدهر فحدوثها الزماني وشعورها وإحساسها بعد وجود الأبدان ووجودها الدهري وشعورها وإحساسها قبل الأبدان

السؤال : قال سلمه الله تعالى : وما ورد في حديث كميل : أن العقل وسط الكل ما معناه؟ وقال أيضا في ذلك الحديث : أن ليس للنفس الناطقة انبعاث وفي حديث آخر : أن مقرها العلوم الحقيقية الدينية ما معناه؟ والمشهور : أن مقرها الدماغ فكيف الجمع؟
الجواب : أقول إن معنى
• أن العقل وسط الكل أن النفوس الأربعة كل أدنى منها يدور على ما فوقه وهو قطب له فالنباتية تدور على الحيوانية والحيوانية قطب لها والحيوانية تدور على الناطقة والناطقة قطب لها والناطقة تدور على الإلهية والإلهية قطب لها والإلهية تدور على العقل وهو قطب لها وقطب للكل فهو وسط الجميع وسط عليي والأربع معلولاته منها بلا واسطة كالإلهية والباقي بواسطة وهذه الأربع تدور عليه على التوالي لا إلى جهة بل إلى جهة حركة فعل علته وهذه الجهة حيثما توجه المعلوم فثم تلك الجهة فافهم

• وأما معنى أن النفس الناطقة ليس لها انبعاث فالمراد أن ليس لها انبعاث محسوس على ما تعرفه العوام لأن انبعاثها من العلوم الحقيقية الدينية لأن تلك العلوم هي مقر المدد العقلي المتنزل من المشية الذي هو مادة النفس الناطقة فحسن أن يقال ليس لها انبعاث كالنباتية والحيوانية كما مر

• وما قيل أن مقرها الدماغ فهو غلط بل يقال أن العقل في الدماغ وبعض من الناس عرف العقل بأنه النفس الناطقة وهو غلط أيضا بل يقال أن القلب في الصدر وهو لب الإنسان وهو بمنزلة الملك في المدينة ووزيره العقل وهو في الدماغ وهو أيضا كلام قشري بل يقال أن الحق ان مظهر النفس الناطقة وكرسيها هو القلب وهو نور مظهره الجسم الصنوبري المعروف وذلك هو مقر اليقين وخزانة المعاني النورانية الجبروتية المجردة عن المادة العنصرية والصورة النفسية والمثالية والرقيقية وعن المدة الزمانية والملكوتية التي هي أسفل الدهر بل مدته أعلى الدهر نسبته إلى مدة الملكوت من الدهر كنسبة وقت محدد الجهات من الزمان إلى وقت الأجسام السفلية من الزمان وأما الدماغ فهو مركب وكرسي لنور ذلك القلب ووجهه المسمى بالعقل والقلب والعقل ليسا حالين في الجسم الصنوبري والدماغ وإنما ظهرا في نزولهما إلى الرقائق وظهرا بالرقائق في الصور وظهرا بالجميع في النفس الحيوانية وظهرا بالجميع في المثال المرتبط بالنفس النباتية في الجسم الصنوبري والدماغ فافهم

وبالجملة فكل واحد من هذه المذكورات غير الاخر فالعقل وحده لم ‌يتكون من شي‌ء منها والروح لم‌ تتكون من النفس والنفس الإلهية لم ‌تتكون من الناطقة القدسية وإنما هي مركبها والناطقة لم ‌تتكون من الحيوانية وإنما هي مركبها والحيوانية لم ‌تتكون من النباتية وإنما هي مركبها ونفوس الخلق مختلفة مع أنها كلها من جنس واحد إذا كانت في مرتبة إلا أن فيها القوى وهو القريب من علته وفيها الضعيف وهو البعيد من علته وإن كانت في مرتبتين كما لو كانت نفس شخص في مرتبة العلة كنفس النبي (ص‌) والأوصياء (ع‌) ونفس شخص في مرتبة المعلولية كنفوسنا لم ‌يكونا من جنس بل نفوس العلل من جنس وحده ونفوس المعلولات من جنس آخر ومراتب كلا الجنسين مختلفة وشرح ذلك مما يطول ولكن قد أشرنا إليه فتفهم والله يحفظ لك وعليك والحمد لله رب العالمين


وفرغ من نسخه العبد المسكين احمد بن زين‌الدين اول صفر سنة ١٢٢٤ وصلى الله على محمد وآله الطاهرين تمت

المصادر
المحتوى