
حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
أما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين انه قد سأل سيدنا الاكرم عن مسئلة عويصة في العلم وجوابها وكشف سرها من مخزون العلم الذي كتمه اهل العصمة عن غيرهم لانه من غامض العلم الذي لا يزيد البيان الا غموضا وهو السر المعمي المنمنم لتوقف معرفته على تعقل الدهر وافراده من الزمان وافراد السرمد منهما ثم انه اجاب نفسه وكتب لي جوابه وكان فيه شيء غير مطابق وكله تحت الجواب بمراحل طويلة لان هذا الجواب الذي كتب لا يكشف سر السؤال لاختلاف المراتب فاحببت ان اكتبه واجعله بمنزلة المتن ويكون عن مسئلته الاصلية كالشرح ولكن يجب ان اقدم امام ذلك وصية وهي اوصيك ايها الناظر الا تقف على الالفاظ والعبارات فان كنت تعرف الفرق بين القلب والفؤاد والفرق بين نظرهما واستعملت في كلامي نظر الفؤاد فزت ببلوغ المراد والا فاقطع الخطاب ولا تطلب الري من السراب فان كنت عطشانا لهذا المورد فقد ضرب دونه الف حجاب والله سبحانه الموفق للصواب
اصل السؤال معناه : اذا كان كل شيء فقد كتب في اللوح قبل خلق الخلق ومنه ايمان المؤمن وكفر الكافر فكيف يجوز ان يأمر النبي (ص) بالايمان من يعلم انه لا يؤمن وانه قد كتب انه كافر في اللوح المحفوظ الذي ليس فيه محوولا اثبات ولا تغيير ولا تبديل ثم كتب سلمه الله تعالى لعل سبب تكليف النبي (ص) الكفار بالايمان مع انه يعلم انه لا يؤمن ان للشخص وجودين تكويني وتشريعي ولا بد ان يظهر كلاهما في الزمان وفي عالم الملك والشهادة كما في قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها وظهور وجود التكويني لا يحتاج الى النبي (ص) اي تكليفه والا لما خلق
اقول ان قوله ولا بد ان يظهر كلاهما في الزمان اراد بان الوجودين لا بد ان يكونا في الزمان وهذا حق ولكن التشريعي الظاهري واما التشريعي الاول والتكويني الاول يجب ان لا يوجدا في الزمان لما بينهما من التنافي ونشير اليه ان شاء الله فيما يأتي وقوله وظهور الوجود التكويني لا يحتاج الى النبي (ص) اي تكليفه يعني به ان الوجود التكويني وان احتاج الى النبي (ص) في الظهور من جهة العلية لكن من جهة التكليف لا يحتاج اليه وهو في الظاهر تام لكن في الحقيقة غير تام لان الايجاد التكويني تكليف باطن وايجاد ظاهر والتشريعي ايجاد باطن وتكليف ظاهر فان اريد ان التكويني لا يحتاج الى النبي (ص) وتكليفه بالايجاد والانوجاد على ما تعرفه العوام فحسن وان اريد الحقيقة فاي حاجة اشد منه الى تكليفه له والله سبحانه يقول : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وقوله ايده الله والا لما خلق فيه ما سبق من وجهين الاول ما ذكرنا من ان الايجاد تشريع والتشريع ايجاد والثاني ان الله يقول في حق المضلين والجاحدين ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم تعريضا بان الهادين الشاهدين اشهدهم خلق السموات والارض واشهدهم خلق انفسهم فالنبي (ص) امامهم وقد اشهده الله خلق نفسه بكلا المعنيين ولا يلزم الدور لان الاحكام التضايفية لا يلزم فيها الدور مع ان كل واحد متوقف على وجود الاخر كالابوة والبنوة لان الممنوع من الدور ما تقدم احدهما على الاخر واما ما ساوق احدهما الاخر فلا شك في الصحة
قال ايده الله تعالى : واما ظهور وجود التشريعي فيحتاج الى تكليف النبي (ص) بل هو من اسباب وجوده كما سئل الامام (ع) هل يرد الدواء من القدر شيئا قال (ع) : ذلك من القدر
اقول هذا لا اشكال فيه بقي فيه بيان ان الدواء من القدر فاعلم ان القدر يجري في الافعال كالحكم الوضعي عند اهل الاصول لانه سبحانه اذا كان يفعل بالاسباب وجب في الحكمة انه اذا وجد مقتض او مانع ان يخلق ما يقتضيانه عندهما والا كان قاسرا وتعالى في عز جلاله عن ذلك لو اراد خلاف ذلك سبب لما اراد سببا يوجده ارجح من ذلك او من ذاته المقدسة لانه سبب من لا سبب له وسبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب فاذا وجد سبب او مانع اقوى من الاول عمل بمقتضى الاقوى تحقيقا للاختيار ونفيا للاضطرار لئلا تكون للناس على الله حجة وايجاده عند السبب الاول قدر منه وايجاد خلاف ذلك عند وجوب سبب اقوى قدر منه فمن هنا قال (ع) : ذلك من القدر
قال سلمه الله تعالى : وكذلك التكليف سبب ظهور ايمان المؤمن وكفر الكافر فان النبي (ص) اذا دعاهم الى الايمان فان اجاب صار مؤمنا وان لم يجب يصير كافرا فبالطاعة يصير المؤمن مؤمنا وبعدمها يصير الكافر كافرا والا قبل التكليف والطاعة لم يحكم بايمانه ولا بكفره فالمؤمن مؤمن حين التكليف والكافر كافر حين التكليف
اعلم ان التكليف سبب ظهور ايمان المؤمن من جهة الوجود وسببه الاخر قبول الدعوة فكل مكون لا يكون في اقل من علتين امر الله فاجاب ودعا فاجاب فكان الشيء بالدعوتين والاجابتين والدعوة الاول دعا الله سبحانه فاجاب المخلوق فدعاء الله افاضته الوجود على من سأله الافاضة وتفصيل هذه الجملة ان الافاضة دعاء الله لمن اجاب اي اجابة الله لمن سأل والسؤال اجابة العبد لمن دعا اي قبوله لما افاض فمن اجاب خلقه الله من طينة عليين وهي هياكل التوحيد وهي طينة الطاعة وهي فطرة الله وهي الصورة الانسانية ومن عصى خلقه الله من طينة سجين وهي هياكل الثرى وهي طينة المعصية وهي تبديل خلق الله وتغييره وهي الصورة الحيوانية وصورة المسخ وطينة خيال ويصدق على هذا قوله فان اجاب صار مؤمنا وان لم يجب يصير كافرا ويصدق قوله فبالطاعة اه اي بقبوله الخطاب والايمان حتى خلق من طينة الطاعة التي هي شعاع الرحمة المكتوبة صار الشخص المخاطب حين اجاب مؤمنا باجابته وبالعكس بالعكس هذا محصل كلامه
واما ما وعدنا به من الاشارة الى جواب ما سئل عنه فاعلم ان الجواب يحتاج الى تمثيل واشارة وقد قدمت اليك بالاتقف على ما ذكر فان العبارة تقصر عن هذا المطلب اما التمثيل فاقول لو اراد الله ان يجعل هذه الصخرة انسانا كان قادرا على ذلك فاذا فعل ذلك يوم الجمعة مثلا الحادي عشر من جميدي الثانية سنة الثالثة والعشرين بعد المأتين والالف من هجرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله الطاهرين خلق له روح انسان ولم تكن له روح انسان قبل ذلك اليوم فاذا اراد ان يجعله في ذلك اليوم انسانا خلق له روح انسان فاذا خلقها كان قد خلقها قبل خلق السموات والارض وقبل اليوم الذي جعله فيه انسانا لانه بعد السموات والارض باربعة الاف عام وقبل ان يريد الله ان يجعل الصخرة انسانا ما خلق له روح انسان واما الاشارة فالكافر قبل الانكار للاسلام ليس بكافر في الزمان ولا في الدهر بالنسبة الى الزمان فاذا انكر كان كافرا في الزمان وفي الدهر اما الايمان والكفر في الزمان فيكون ما كان منهما مع ما اقتضاه لا قبله ولا بعده مثلا لما انكر ابو لهب الاسلام كان كافرا مع انكاره لا قبله ولا بعده وكان في اللوح المحفوظ انه كافر قبل خلق الخلق ولا يتغير ما في اللوح المحفوظ ولو انه حين دعاه النبي (ص) اجاب كان مؤمنا مع الاجابة لا قبلها ولا بعدها وكان في اللوح المحفوظ انه مؤمن قبل خلق الخلق وذلك لان الدهر ماضيه عين مستقبله في الشيء الواحد فقولك تكون الروح بعد فناء الزمان باربعة آلاف سنة هو نفس قولك كانت الروح قبل وجود الزمان باربعة آلاف سنة وقولك كان عمل زيد قبل جسمه بالف سنة نفس قولك يكون عمله بعد جسمه بالف سنة وكان روح زيد قبل عمله بثلاثة الاف سنة نفس قولك تكون روحه بعد عمله بثلاثة الاف سنة فالروح قبل العمل مثلا في الماضي الذي هو نفس المستقبل بثلاثة الاف سنة وهي بعد العمل في المستقبل الذي هو نفس الماضي بثلاثة الاف سنة فاذا عرفت ان سبق الدهر انما هو بالطول اي بكثرة العدد كالاربعة بالنسبة الى الثلاثة وان سابقه عين لاحقه بلا مغايرة لا في الواقع ولا في الفرض اذا كانا في رتبة واحدة كالاربعة والاربعة وكالخمسة والخمسة وكالاثنين والاثنين فاذا عرفت ذلك عرفت ان كفر ابي لهب انما كتب في اللوح المحفوظ حين كفر ونظيره اذا قلت لك اذا قبلت كلامي عرفت فانك حال الخطاب ادرك سمعك لفظي وفهمه قلبك حين انا تكلمت به قبل خلق الخلق باربعة الاف عام وهذا معنى قول جعفر بن محمد عليه وعلى ابائه وابنائه افضل الصلوة والسلام : ولكن حين كفر كان في إرادة الله أن يكفر فيصير ملخص جميع ما ذكرت وكررت لك ان ابا لهب لم يكتب في اللوح انه كافر الا بعد ان كفر فلما كفر كان في اللوح المحفوظ كافرا قبل خلق السموات والارض باربعة الاف سنة فكان دعاء النبي (ص) له بالاسلام قبل ان يكفر وقبل ان يكتب عليه الكفر في العلم الزماني وغيره فلما كفر كان مع كفره العلم الزماني بكفره لا قبله ولا بعده والعلم الدهري قبله وبعده قبل خلق الخلق باربعة الاف سنة والسنة دور الافلاك بالثلث مائة وستين اسما ثلثمائة وستين دورة حركة اسم منها فلجبرئيل تسعون اسما لها تسعون حركة في السنة ولميكائيل تسعون اسما لها تسعون حركة في السنة ولاسرافيل تسعون اسما لها تسعون حركة في السنة ولعزرائيل تسعون اسما لها تسعون حركة في السنة فلجبرئيل في الكون الجوهري ثلاثون اسما وفي الكون المائي ثلاثون اسما وفي الكون الزماني ثلاثون اسما ولميكائيل واخويه كذلك في الاكوان الثلاثة فاذا اطلق الف سنة يراد به ما ذكر والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وكتب العبد المسكين احمد بن زين الدين في الثامن من جميدي الثانية سنة الثالثة والعشرين من بعد المأتين والالف في يزد سنة ١٢٢٣ حامدا ومصليا ومستغفرا