
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد كتب إليّ بعض السادة الاجلاء والقادة النبلاء الطالبين لحقايق الدين وحق اليقين في الاشارة الى ما يوصل الى غاية ما يريد الله سبحانه من العبد الى جهة الاختصار فقال ما الذي يمكن الانسان ان يعلمه وما الذي يمتنع وما الذي يجب له بحيث لا ينفك عنه ثم العلم الممكن باي وجه يكتسب والسبيل اليه ما هو وان كان هناك طرق متشتتة فاي منها اقوم واسهل وارجى والمرجو من شيخنا الجواب وهو ملهم الصواب
فكتبت له على سبيل الاستعجال :
بسم الله الرحمن الرحيم
الامكان والامتناع والوجوب كل واحد منهما على معنيين عقلي وغير عقلي والثاني على قسمين طبيعي وعادي فالاقسام تسعة تسقط منها الثلثة العقلية الاول والممكن الطبيعي اكثر افراده ميسرة وبعض افراده متعسرة كالاحاطة بعلوم اهل عصرك الذين هم هم (كذا) من نوعك والممتنع الطبيعي ممكن في نفسه ولكنه يتوقف على قلب الطبيعة وتغييرها وصوغها على صورة الممكن والواجب الطبيعي ما جرى عليه المكلف بمقتضى طبيعة وذلك في الحقيقة ليس من الوجوب في شيء التخلف مقتضى الطبيعة والتكلف وتغيير الطبيعة والتوفيق والخذلان واما الواجب العقلي الذي هو آخر الثلثة الاول الساقطة فانما قلنا بسقوطه لعدم البحث عنه لان الواجب للانسان اما الفعلي الوجودي ولا كون له بدونه او الانفعال الوجودي ولا تكون له بدونه او القيام الوجودي ولا بقاء له بدونه لانه مقتضى فقر (ظ) العبودية الى الربوبية او التكليفي وهو تشريعي ووجودي والوجودي هو الاقسام السابقة والتشريعي هو حيوة الوجودي لانه هو سبيل الله الى عبده وعبده اليه ومعنى وجوب هذه عقلا ان الانسان انما يكون هو هو بهذه لانها اذا فقدت لم يكن بشيء واما الممكن العقلي الذي هو اول التسعة فبعض افراده لاحق بالوجود لا بخصوص الموجود وبعض افراده جار في الاقسام الثمانية التي هي ما سوى الممتنع عقلا فيستغنى عنه ببيانها او الممكن العادي طريقه الجد والاجتهاد والممتنع في الغالب يقابل الواجب الطبيعي كما تقدم فلاحظه والواجب العادي يحوم حول الطبيعي والله ولي التوفيق
ثم اعلم ان الذي يمكن للانسان من الكمالات على الوجوه الثلثة العقلي والطبيعي والعادي ما لا يكون مراتب العصمة والولاية المطلقة لا بالاثبات ولا بالنفي مطلقا اي مبدء ومتعلقا وما عدا ذلك فهو يمكن له بالوجوه الثلثة بالجد والاجتهاد وافضلها واصحها واقربها مسافة اتصدوه ( الصدق ظ ) في كل المواطن فابذل جهدك في الصدق مع الله سبحانه ومعنى الصدق معه سبحانه انك لا تفتري عليه الكذب ولا تستهزئ به ولا باحكام علمه وقدرته وامره ونهيه ومعنى انك لا تفتري عليه الكذب ان تعتقد انه رب قيوم ومعنى ذلك انه متفرد بزينه (كذا) الاشياء وملكها وقيومتها فان اعتمدت على ما سواه او رأيت لغيره فيها صنعا قبل او قل او الفت (كذا) نفسك عن الجهل والتقصير والغفلة والنقص حتى لو تكلمت مع شخص في مسئلة وتبين كك ( لك ظ ) غلطك واصررت على تصحيح كلامك وغير ذلك من عيوب النفس فقد افتريت على الله الكذب لان الامر يرجع الى انك تقول ان لي ربوبية وقيومية في شيء وقد قال الله تعالى الم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا فجعل تزكيتهم انفسهم افتراء عليه ومن افترى على الله لم يصدق معه ومن لم يصدق معه لميحبه ومن لم يحبه حجب عنه خيره ولا ينال شيء من خير الدنيا والآخرة الا من الله قال تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ومعنى انك لا تستهزئ به ولا باحكام صفاته انك اذا عرفت شيئا من جميع الاحوال والافعال والاقوال ورأيته عند الله راجحا وتركته مثلا فان تركه مرجوح فانت قد اعرضت مما يحبه الله ومن اعرض عما يحبه الله فقد اعرض عن آياته لانك ما عرفت لان ذلك راجح عند الله الا رأيته (ظ) منه اظهرها لك اما في عقلك او في نفسك او في العالم الكبير او في الكتاب والسنة فاذ اعرضت عنه فقد اعرضت عن آيته فقد كذب بالحق الذي جاء من الله سبحانه ومن كذب بالحق فقد استهزئ بالله وبآياته واحكامه قال تعالى ومايأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزؤن واذا تحقق صدقك مع الله تعالى لزمه الصدق مع النفس ومع الناس ومن كان لك فهو الصادق حقا فاذا كنت كك وجبت لك الولاية ولما كانت ولاية العصمة التي هي المتبوعية على الامور الثلثة مما لا يمكن لك كما تقدم ثبتت لك الولاية التابعية وكنت محسنا والله ابدا معك والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله مع المحسنين ومن كان محسنا علمه الله العلم والحكمة قال تعالى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين لان المحسن حبيب الله قال (ص) ليس العلم بكثرة التعلم وانما نور يقذفه الله في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء فقيل وهل لذلك من علامة يا رسول الله (ص) فقال التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله فاذا كان الله محبا للعبد كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث وهذه الطريقة التي اشرنا الى تفصيل بعض شقوقها هي الصدق مع الله في كل المواطن التي هي ملاك امر الدنيا والآخرة ولا رياضة اصح من هذه ولا عمل اخلص (ظ) منها ولا معرفة اجمع منها فخذها مجملة واعمل بها راشدا متوفوه ( موفقا ظ ) واستعن بالصبر والصلوة والصبر هو الصوم والصوم هو الامساك والامساك حقيقة ما كان امساكا عما سوى الله وعما سوى الله تعالي والصلوة هي الصلة والصلة هي الوصلة بين العبد والرب وهي معراج العبد الى الله وهي سبيل الله الى عبده لان المصلي بين يدي ربه يناجيه ربه بالقراءة ويناجي ربه بالدعاء ويخدمه بالركوع والسجود ويعاهده ويؤدي اليه بالتسليم واستعمل ايضا الورد النافع والاكسير الاكبر قولا وعملا وهو توكلت على الله اثنين واربعين مرة لجميع مطالب الدنيا والآخرة تكرر في هذا القول واما في العمل فان تعمد على الله وحده في جميع مطالبك وتفوض الامر اليه فترضى بما يجري عليك من بسط وقبض وان تذكر الجميع ( لجميع ظ ) مخاوف الدنيا والآخرة اعتصمت بالله ثلاثا واربعين مرة قولا وعملا ومعنى العمل ان تلجأ الى الله من كل محذور لا الى سواه ففي القول اذا قلت للمطالب توكلت على الله تلاحظ (ظ) التفويض اليه عند كل لفظيه ( لفظة ظ ) من الاثنين والاربعين واذا قلت للمخاوف اعتصمت بالله تلاحظ الالتجاء اليه عند كل لفظة من الثلاث والاربعين وتتخلق (ظ) بهذين الذكرين لتكون عند الله صادقا في قولك توكلت على الله واعتصمت بالله
ثم اعلم ان الله سبحانه جعل له بابا لا يؤتيى الا منه فمن اتى من غيره حجب عنه وجعل له وجها يتوجه اليه من توجه الى الوجه فقد توجه الى الله ومن اراد ان يتوجه الى الله بدون الوجه فقد توجه الى الشيطان ولم يتوجه الى الله وباب الله ووجهه هو محمد واهل بيته (ص) فاجعلهم واسطة بين الله وبينك ووسيلة كك ( لك ظ ) في جميع اقوالك واذكارك واحوالك واعمالك في جميع ما فصلنا لك والله حافظ عليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته