رسالة في جواب الآخوند الملا حسين الواعظ الكرماني

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - رسالة في جواب الآخوند الملا حسين الواعظ الكرماني

رسالة في جواب الآخوند الملا حسين الواعظ الكرماني

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثامن
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي انه قد ارسل الي المخلص الصافي عن الرين العاري عن الشين الاخوند الملا حسين الكرماني المعروف بالواعظ بعض المسائل المتصعبة على الافهام لان (ظ) في بعضها ما لم تذكر في كلام ولم تجر على لسان احد من الاعلام فيما وصل الى على حال تشتت من البال لا يكاد يحضره المقال فاجبت امره مع كثرة الاشتغال بما يحضرني على سبيل الاستعجال فاقول :

قال سلمه الله وايده برضاه واصلح له اخرته ودنياه : بينوا لنا هذه الفقرات الشريفة المذكورة في السورة المباركة المسماة بهل اتى على طريقتكم مرة يقول عز من قائل يشربون بصيغة المعروف ومرة يقول ويسقون ومرة يقول سبحانه وسقاهم ربهم
اقول على سبيل الاشارة والاختصار اعتمادا على فهمه سلمه الله وجودة قابليته : اعلم ان اهل الجنة لهم احوال مختلفة لانهم دائما يترقون وينتقلون من درجة الى اعلى منها بلا نهاية الا انهم اول ما يدخلون يمكثون في ادنى مراتب الجنة كما قيل ثم ينتقلون منه الى اعلى منها وهكذا فاول مراتبهم ما يسمى عند بعض العارفين بالرفرف الاخضر وذلك عند ما دخلوا الجنة واكلوا من كبد الثور ثم من كبد الحوت ثم شربوا من الكوثر وبعد ذلك لهم فيها ما يشاؤن الا ان مشيئتهم لما يشتهون تنبعث من نفوسهم على حسب استعدادها وقابليتها وهم انما دخلوا الجنة بعد ما طهروا لو كان عليهم ذنوب فتبقى اجسادهم واجسامهم وطبائعهم ونفوسهم وارواحهم وعقولهم وافئدتهم صافية من الاكدار متهيئة لقبول الانوار والانوار التي بها يترقون في المراتب العاليات تجري فيهم بعد ما تشرق في اكمامها على قابلياتهم وانما تجري فيهم فيما يتنعمون به من انواع النعيم مما تشتهيه انفسهم وتلذ اعينهم من المأكل والمشارب والنكاح وما يتفكهون فيه من مسائلة الاصحاب ومنادمة الاحباب ومناجاة رب الارباب سبحانه وتعالى وذكره واستماع كلامه وغير ذلك من انواع النعيم التي يترقون بها في الدرجات الرفيعات التي لا غاية لها ولا نهاية وذلك بما استقر فيها من الانوار وكمن فيها من الاسرار لان انواع النعيم جميعها اكمام تلك الانوار والاسرار ومراكبها الحاملة لها الى ان توصلها الى قوابلها المشاكلة لها من اهل الجنة فاذا اكلوا من كبد الثور وكبد الحوت وشربوا من الكوثر دخلوا الجنة في مقام الرفرف الاخضر وجميع اجسامهم وارواحهم يعني اجسادهم واجسامهم وطبائعهم ونفوسهم وارواحهم وقلوبهم وافئدتهم جميعا صافية خالية من الانوار والاسرار الا القليل وكلما تنعموا بما يشتهون استنارت قوابلهم وقويت على تناول المقامات العالية التي لم ترها عين ولم تسمعها اذن ولم تخطر على قلب بشر فهم يشربون بانفسهم وعلى ايدي الحور والولدان وذلك لقلة نوريتهم في اول دخولهم الجنة بالنسبة الى ما يستقبل من احوالهم وما يتجدد لهم من انواع النعيم فعلى ما قيل يكون هذا حالهم في الرفرف الاخضر الا ان اخره اشرف واكمل من اوله لانهم دائما يترقون فقال تعالى في حالهم هذا الذي هو اول دخولهم ان الابرار يشربون من كأس فاذا انتقلوا منه الى الكثيب الاحمر وارض الزعفران قويت قوابلهم واستنارت بواطنهم فيتجلى لهم المتفضل بالفضل فهناك يسقون فيها كاسا ففي مقام الرفرف الاخضر يشهدون انفسهم انهم يباشرون النعيم فعبر عن ذلك بنسبته اليهم وفي مقام الكثيب الاحمر وارض الزعفران وهو مقام التجلي لهم بما لم يمهدوا في دار الدنيا صوره واسبابه فتفضل عليهم بما شاء تعالى من حيث لم يشعروا به اي باسبابه في الدنيا بل ما حصل في ظنهم ذلك قال تعالى واقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا انا كنا قبل في اهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم وفي هذا المقام حيث لم يستأهلوا لشرابهم لعدم اتيانهم بصورته وسببه في الدنيا لم يشعروا بساقيهم فعبر عن ذلك بنسبته الى المجهول ولو علموا باتيانهم بالسبب يعني ان اتيانهم بالسبب هو علمهم بالساقي يعني يكشف لهم عن الساقي ما هو وهو عملهم وامره تعالى وقدره في عملهم وصنعه لذلك لعبر عنه بالمعلوم ثم ينتقلون منه الى الاعراف وهو مقام يتعارفون بينهم فما يصلون الى هذا المقام الا وقد قويت قواهم من شهادتهم وغيبهم فتدرك اجسادهم واجسامهم ما تدركه النفوس والارواح والعقول بدونها من المعاني والصور والاشباح وتدرك عقولهم وارواحهم ونفوسهم ما تدركه الاجسام والاجساد بدونها من الالوان و الاصوات والمقادير وتدرك في هيئة الاجتماع كهيئة الافتراق وبالعكس ولهم في اول انتقالهم غيبة عن نفوسهم حتى لا يكادوا يشعرون بها وبعد ذلك الى ان يصلوا الى مقام الرضوان الذي لا يظعن قاطنه ولا يرحل ساكنه فيغيبون عن جميع وجوداتهم ومشاعرهم ولا يشهدون في كل شيء الا ربهم فهو سبحانه يطعمهم ويسقيهم كما قال تعالى في اهل المقام وسقاهم ربهم شرابا طهورا وليس لهذا المقام غاية ولا نهاية ولا يخرجون منه ابدا وربهم سبحانه في هذا المقام يسقيهم شرابا من رضاه طهورا من وحدانيته يعني لا يجدون في ذلك الشراب ولا شيء مما يترتب عليه شيئا من كل ما سواه ولا انفسهم الا وجهه وآيته وهذا اعلى ما يمكن للممكن من النعيم من عطاء الجواد الكريم

قال سلمه الله : وفي الفقرة الاولى يقول من كاس وفي الثانية كاسا وفي الثالثة سقاهم ربهم بدون التحديد
اقول : قد تقدم انهم في اول دخولهم الجنة وان كانوا صافين من الكدورات الا انهم ليس فيهم من الانوار والاسرار الا ما كان لاصل عملهم او لازما لاصل التصفية واما ثمرات الاعمال المتجددة على تجدد الانات والاحوال فلم تصل اليهم لانها امور تدريجية وان كانت انواع نعيم الجنة فعلية الكون في ارض الكمون الا انها تدريجية الظهور والوصول الى اربابها سواء قلنا ان التأخير من مقتضى قوابل الكائنات ام بتأخير اربابها لمقتضى الاستقامة في التقدير الصواب ووصول الثمرات المتجددة الغير المقطوعة على حسب قوة قابلها فكلما قبلت كثيرا قويت على اكثر من الاول لتزايد القوة بتزايد الواصل اليها ففي اول الدخول يقول يسقون من كاس فاتى بصورة التبعيض اشعارا بضعفهم عن الكل دفعة بل بالتدريج ولما قويت قواهم على استعمال الكل دفعة قال كأسا لانهم يشربونه فلا يبقى منه شيء ولا من شهوتهم شيء بعده فهو بقدر ما يشتهون لا يزيد ولا ينقص وهو قوله تعالى قوارير من فضة قدروها تقديرا اي انها مقدرة بقدر شهواتهم لا تزيد ولا تنقص ولما كان استعدادهم قويا لكثرة ما استمدوا في اثناء المقامين المذكورين لم يحتاجوا في شرابهم الى الالة بل في الحقيقة نفس شرابهم آلة شرابهم فهو آلة نفسه فلم يثبت له آلة لعدم حاجة الشراب وٱلشارب والساقي اليها فلذا لم يذكرها

قال سلمه الله تعالى : وايضا في الاولى الكافور وفي الثانية الزنجبيل وفي الثالثة لفظ شرابا طهورا فان كان المراد بالكافور لبرودته هو اليقين والزنجبيل لحرارته هو الخوف يرى في الظاهر ان العكس انسب
اقول : المراد بالكافور في الاولى ماء في الجنة اسمه الكافور لبرده وحلاوته وطيب رائحته يعني انهم يشربون من كأس مزاج ما فيه من ماء او خمر او عسل او لبن من ماء تلك العين المسماة بالكافور ولهذا قال تعالى بعده عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا او ان المراد ان الكأس المملوءة من ماء كان الماء برودته برودة الكافور ورائحته كذلك وانما قدم الكافور لاجل ما فيه من البرودة لانهم لما كانوا في ارض المحشر في شدة عظيمة وحرارة شديدة لو جاز الموت في يوم القيمة لمات اهل الجمع من شدة الحرارة فلما كان الامر كذلك ولحق اهل الجنة ما لحق غيرهم من الحرارة والعطش غالبا وان كان حالهم احسن بالنسبة الى غيرهم ناسب لهم في اول دخولهم الجنة الماء البارد الذي يمحو تلك الحرارة بالكلية ولان البرودة بعد الحرارة مما ينعش الروح يقوي الحرارة الغريزية وتمسك ٱلقوي عن الاختلال والتهافت ليكون ذلك سببا للخلود ابد الابدين وهذه العين المسماة بالكافور في المقام الاول من الجنة وفي المقام الثاني عين الزنجبيل ويسمى تلك العين بالسلسبيل واهل الجنة اذا وصلوا الى ذلك المقام اعني مقام الكثيب الاحمر وارض الزعفران كان مزاج كاس شرابهم زنجبيلا وهي العين السلسبيل لاجل طيب رائحته وتقويته للقوي وتحليله وهضمه للطعام لانهم في هذا المقام اكثر اكلا وشرابا لقوة قواهم ونوريتهم ونورية طعامهم وشرابهم ولطافته وكثرة كيموسه والزنجبيل معين على الهضم ليعظم نعيمهم بكل ما يشتهون ولحرارته فان الحرارة من علة الكون ولا ينافي البقاء والثبات لان اجسادهم واجسامهم قد صفيت عن جميع الاكدار والاعراض والغرائب وقد اكلوا قبل هذا كبد الثور لقوة الثبات لان التراب البارد اليابس طبعه الامساك والثبات واشد التراب في هاتين الصفتين اسفل التخوم من الارض السابعة وهو نقطة مركز العالم ونسبته في هاتين الصفتين الى كبد الثور نسبة الجزء الواحد الى ثلاث مائة‌ الف وسبعة واربعين‌الفا وتسعمائة جزء وبعد ان بلغوا بذلك في رتبة الاستمساك والثبات مبلغ البقاء والدوام اكلوا كبد الحوت الذي هو معين على بقاء الحيوة فببرودته الشديدة اعان ذلك الاستمساك والثبات وبرطوبته اعان على الحيوة مع البرودة ثم شربوا من الكاس التي كان مزاجها كافورا المعين على ٱلبقاء والثبات فاذا شربوا من طبع الزنجبيل لم يضر بحرارته في الاستمساك لشدة الاستمساك مع ما لحقه من مقوياته التي اشرنا اليها وكان بقوة هضمه معينا للبقاء وناعشا للقوة الغريزية بحرارته وبرائحته وكانت رائحته مع ما فيها من الفوائد من التحليل والتفتيح والهضم واصلاح الهواء وغير ذلك مستحسنة في الاطعمة والاشربة ومشهية لهما وتسمي تلك العين التي هي الزنجبيل سلسبيلا والسلسبيل من اسماء الخمر وسميت تلك العين باسم الخمر لان فيها منافع الخمر من القوة وتحسين اللون والتشجيع والتفريح واذهاب الوحشة واذهاب الغم بالتسلية والهم بتقريب حصول المطلوب في النفس وغير ذلك ولو قدم الزنجبيل على الكافور لماحصلت من كل منهما فوائده لان الزنجبيل بطبعه مناقض لكبد الثور والحوت واذا توسط الكافور المناسب للكبدين كان وقاية لهما عن المناقض وكاسرا لسورته فلهذا تقدم بحكم قضية الترتيب الطبيعي فافهم وهذان المذكوران المسميان باسمي عقارين من العقاقير التي منفعتهما في الطب البدني انما سميا بذلك لمعالجة الابدان للخلود ولا مدخل لليقين في الكافور وان اول به واما الزنجبيل فلا مناسبة بينه وبين الخوف وانما يناسبه الكافور لان برودة الخوف اشد من برودة اليقين

قال سلمه الله : وهل المراد بالشراب الطهور هو الطهور من الصور التي كانت في العلم والمعنى الذي في العقل ام شيء اخر
اقول : المراد بالطهور هو العصمة من كل نقص ووصمة فاما في المرتبة الاولى فان اهل الجنة تنفجر عليهم ولهم ينابيع العلوم فهم علماء طاهرون من الجهل والموجب لطهارتهم من الجهل هو الشراب الطهور الذي في المرتبة الثالثة لانهم وان كانوا في الاولى يعلمون ولكنهم تجري عليهم بعض الغفلات وكذا في الثانية وان كانت اقل ولذلك قال بعضهم ولااعلم هل هو من حديث خاص ام مستنبط من الاخبار اما الخاص فلم‌ اقف عليه واما الاستنباط فحق قال : الناس في هذه الدنيا نيام فاذا ماتوا انتبهوا والاموات نيام فاذا بعثوا انتبهوا واهل الحشر نيام فاذا دخلوا الجنة انتبهوا يعني اذا وصلوا الى مقام الرفرف الاخضر انتبهوا وهم نيام فاذا وصلوا الكثيب الاحمر وارض الزعفران انتبهوا واهل الكثيب الاحمر وارض الزعفران نيام فاذا وصلوا الاعراف انتبهوا واهل الاعراف تعرض لهم السنة لا النوم فاذا وصلوا الرضوان انتبهوا ولا يزالون في يقظة ابدا وان تفاوتت في الشدة والضعف واما في الثانية فان اهل الجنة يشرق عليهم الانوار اليقينية وتنكشف لهم الخبايا العقلية مع ما لهم من حكم الاولى من العلوم فهم في هذه الرتبة طاهرون من كدورات الشك والريب وطهارتهم هنا من كدورات الاحتمالات لاجل الشراب الطهور الذي في الثالثة وما يجري عليهم هنا من الاحتمالات فانما هو بالنسبة الى المرتبة الثالثة وكذلك ما كان في الاولى لان المؤمن في هاتين المرتبتين لا جهل معه ولا ريب فيه ولكن بالنسبة الى المرتبة الثالثة يتبين له نقص ما تقدم عليها اذا وصل اليها وقد قال علي عليه السلم في حق اهل الجنة في وصف طعامهم قال عليه السلم اسفله طعام واعلاه علم فلا يكون معه في مطلق منازل الجنة جهل ولا ريب الا على نحو ما قال صلى الله عليه واله اللهم زدني فيك تحيرا فانه صلى الله عليه واله قد بلغ في معرفة الله سبحانه ما لا يحوم حوله احد من الخلق ووجد من التحير في الله سبحانه ما لا يحتمله سواه ثم طلب الزيادة من التحير في الله تعالى بسبب شدة التجلي في مراتب ما يظهر به من العظمة والعزة فاذا زاده الله تعالى تحيرا في عظمته سبحانه لم يزده ما وصل اليه وانما يزيده ما لم يصل اليه فاذا زاده تحيرا لم يجده قبل هذه الزيادة كان ما قبل الزيادة من التحير ليس تحيرا بالنسبة الى ما بعد الزيادة بل يكون بالنسبة الى الثاني انبعاثا وانبساطا فكذلك حال المؤمن في المرتبة الاولى وفي المرتبة الثانية انما ننسب اليه في الاولى النوم والجهل والغفلة بالنسبة الى ما بعدها وان ما ينسب ( ننسب ) اليه الشك والريب والنوم والغفلة على جهة الاحتمال انما هو بالنسبة الى الثالثة فان قلت انت نسبت الطهارة في المرتبتين الى الشراب الطهور الذي لا يكون الا في الثالثة فكيف يعقل هذا قلت ان هذه المراتب الثلاث للمؤمن في الجنة كالمراتب الثلاث له في الدنيا والبرزخ وفي الاخرة فكما انه لا يميل الى الطاعة في الدنيا ولا يحسن جواب منكر ونكير ولا يتأهل للروح والريحان في قبره الا بما فيه من الطينة الطيبة التي نزل بها من الجنة الى الدنيا وهي التي خلقها الله سبحانه من اجابته في عالم الذر وانما تجري في الدنيا المعاصي وما يعرض في القبر من المكاره مع انها معه لانها قد تلوثت ببعض اللطخ الذي اصابها فباللطخ فعل ما فعل وجري عليه ما جرى الى ان يرد اللطخ الذي اصابه الى صاحبه ويؤمر الى الجنة فكذلك الشراب الطهور الذي سقاهم ربهم اياه قد سقاهم اياه عبيطا في نوره الذي خلقهم منه وبه يتطهرون في كل رتبة من مراتب وجودهم في عقولهم وارواحهم وفي نفوسهم وطبائعهم وفي الدنيا والبرزخ وفي الاخرة في هذين المقامين ولما وصلوا الى المقام الثالث وهو مقام الاعراف عرفوا حين سقاهم الشراب الطهور انه هو الذي سقاهم اياه عند خلقه اياهم والمراد بالشراب الطهور هو الماء الطاهر المطهر لان الطهور من صيغ المبالغة بمعنى المطهر بكسر الهاء فيكون طاهرا في نفسه وهو في الحقيقة نور الله المذكور في كلام امير المؤمنين عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهو اول نازل من سحاب المشية وهو النور الذي خلق المؤمن منه وهو بلسان العلماء والحكماء الوجود فانه الماء الذي خلق الله سبحانه منه ما شاء ان يخلق فافهم

قال سلمه الله : ولما كانت هذه السورة مخصوصة باهل العصمة صلوات الله عليهم ولم يكن الغير داخلا فيهم ولم يذكر اسم الحوريات ولا اسم المؤمنات هل يجوز لنا في التأويل ان نقول ان المراد بلفظ الفضة في قوله تعالى بانية من فضة وقوارير من فضة واساور من فضة اي خادمتهم رضي الله عنها ام لا
اقول : اعلم ان التأويل في القرءان لا يجوز الا ما اخذ عن اهله المخاطبين به محمد واله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين لان القرءان على خلاف ما تعرفه الناس فان له ظاهرا وظاهر ظاهر وهكذا وباطنا وباطن باطن كذلك وليس لاحد ان يقول في القرءان الا بدليل عنهم عليهم السلم وهو قسمان : احدهما ما وصل اليه من النص من كتاب او سنة او ما علم من اللغة ويقتصر فيما وصل اليه على ما علم تناوله من معاني الكتاب غير حاصر لمعاني القرءان فيما علم فانه اذا دل دليل عنده على معنى من معاني القرءان وقال هذا المعنى يدل عليه كذا وهو عنده انه دليل ذلك غير متكلف له لغرض له في ذلك ولا غير عالم بانه دليل ذلك المعنى فقد جاز له ذلك بشرط الا يحصره فيما علم فيقول ليس للاية معنى غير هذا واما اذا حصر فهو ممن يفسر القرءان برأيه وقد روي عن امير المؤمنين عليه السلم انه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله جل جلاله ما امن بي من فسر برأيه كلامي وما عرفني من شبهني بخلقي وما على ديني من استعمل القياس في ديني وروي عنه صلى الله عليه واله انه قال من فسر القرءان برأيه فاصاب الحق فقد اخطأ وعنه صلى الله عليه واله من فسر القرءان برأيه فليتبوء مقعده من النار وامثال هذه كثير وثانيهما ان يكون الرجل المأول للقرءان ان يعرف نوع الاعتقاد في توحيد الله تعالى وصفاته وما يصح ويمتنع عليه ونوع ما يصح به الاعتقاد في افعاله وفي اوامره ونواهيه وفي مراداته من عباده ونوع الحكمة والصنع والتكاليف ونوع حكمة الايجاد والقدر والبداء والمنزلة بين المنزلتين وما اشبه ذلك ويعرف النبوة لمحمد والامامة لاهل بيته صلى الله عليه واله ونبوة الانبياء ووصاية الاوصياء عليهم السلم واحوال التكاليف والموت والبرزخ واحوال الاخرة ولو بالاطلاع على نوع علم المسئلة فاذا وصل الشخص الى هذه الرتبة بالعلم العياني القطعي الضروري جاز له ذلك ايضا لانه اذا لم يعلم نوع علم هذه المسئلة التي اول الكتاب عليها بالعلم القطعي العياني لا البرهاني جاز ان يقول بما لا يريده الله سبحانه وان علم علم نوع هذه المسئلة بالعلم البرهاني القطعي لانه يجوز ان تكون هذه المسئلة خارجة بمخصص من مانع او مقتض اقوي بخلاف العلم العياني فان صاحبه يشاهد كل فرد من افراد هذا النوع في محله على ما هو عليه او انه لم يره فان رءاه رءاه كما هو مثال ذلك فيما نحن فيه في كون المراد من فضة في الاية الشريفة هل هو المعدن ام فضة امة فاطمة عليها السلم فعلى الوجه الاول وهو ان المأول اذا كان عنده دليل عنهم عليهم السلم او من الكتاب او من اللغة وسلمنا وجوده هنا فان قلت ان المراد به المعدن فهو حق لوجود الادلة بذلك وان قلت ان المراد به امة فاطمة عليها السلم فان كان عندك دليل خاص في ذلك جاز في اصل المسئلة ولكن قلنا بشرط عدم الحصر فاذا قلت ان المراد به امة فاطمة عليها السلم حصرت مراد الله فيها وهو خطأ فان الله سبحانه اراد المعدن الخاص ولو قلت على فرض دليل خاص على ما اولت هذا من مراد الله تعالى صح التأويل لان ظاهر القرءان حجة لمن لا يحصر الفهم فيه فقد روى العياشي باسناده عن جابر قال سألت ابا جعفر عليه السلم عن شيء من تفسير القرءان فاجابني ثم سألته ثانية فاجابني بجواب اخر فقلت جعلت فداك كنت اجبت في هذه المسئلة بجواب غير هذا قبل اليوم فقال لي يا جابر ان للقرءان بطنا وللبطن بطن وظهرا وللظهر ظهر يا جابر وليس شيء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرءان ان الاية ليكون اولها في شيء واخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف على وجوه وغير ذلك مما هو صريح في عدم جواز حصر القرءان في شيء واحد حتى ان المفهوم من اخبارهم عليهم السلم ان الامام عليه السلم قد يحصر الاية في معنى واحد وليس بمحصور فيه ولكن من حصر له الامام عليه السلم وجب عليه القول بالحصر لانه انما حصر له لان المقام اقتضى من السائل او من السامع او ممن علم الامام عليه السلم وصول ذلك اليه بمعنى ان من حصر الامام عليه السلم لاجله في شيء مخصوص يزعم بانه غير مراد فبين عليه السلم ان المراد هذا لا غيره يعني بالنسبة اليك من جهة الحكم او الاعتقاد او غير ذلك مثال هذا ما روي في تفسير قوله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم روى فيها انهم يسئلون عن خمس عن شبع البطون وبارد الشراب ولذة النوم وظلال المساكن واعتدال الخلق وفي المجمع عنهما عليهما السلم هو الامن والصحة وفي العيون عن امير المؤمنين عليه السلم الرطب والماء البارد وفي امالي الطبرسي عنه صلى الله عليه واله كذلك وفي الفقيه عنه صلى الله عليه واله كل نعيم مسئول عنه صاحبه الا ما كان في غزو او حج وفي (كذا) عن الصادق عليه السلم من ذكر اسم الله على الطعام لم يسئل عن نعيم ذلك الطعام وروي في العيون عن الرضا عليه السلم قال ليس في الدنيا نعيم حقيقي فقال له بعض الفقهاء ممن حضره فيقول الله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم اما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد فقال له الرضا عليه السلم وعلا صوته كذا فسرتموه انتم وجعلتموه على ضروب فقالت طائفة هو الماء البارد وقال غيرهم هو الطعام الطيب وقال آخرون هو طيب النوم ولقد حدثني ابي عن ابي‌ عبد الله عليه السلم ان اقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عز وجل ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فغضب وقال ان الله عز وجل لا يسئل عباده عما تفضل عليهم به ولا يمن بذلك عليهم والامتنان بالانعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف الى الخالق عز وجل ما لا يرضى المخلوقون ولكن النعيم حبنا اهل البيت وموالاتنا يسئل الله عنه بعد التوحيد والنبوة لان العبد اذا وفي بذلك اداه الى نعيم الجنة الذي لا يزول وفي الكافي عن الصادق عليه السلم في هذه الاية قال ان الله عز وجل اكرم واجل ان يطعمكم طعاما فسوغكموه ثم يسئلكم عنه ولكن يسألكم عما انعم عليكم بمحمد وال ‌محمد صلى الله عليه واله ه‍ فانظر كيف حصر الصادق عليه السلم النعيم في الاية فيهم وفي موالاتهم مع ورود غير ذلك عنهم وعنه عليهم السلم كما سمعت بعضه وذلك لما قلنا فان هؤلاء ينكرون تناول النعيم لهم وفي الواقع هم المرادون بالاية في الحقيقة وغيرهم مما سمعت مراد بها ايضا بالتبعية والفرعية فحصر لاجل تأصلهم في النعيم وفرعية ما سواهم في مقابلة دعوى الاعداء عدم كونهم عليهم السلم مرادين من الاية وكون ما سواهم مما سمعت متأصلا في الاية ولان ما يدعونه من السؤال عن النعيم ليس بصحيح كما قاله عليه السلم واما الصحيح المسئول عنه هو شكر هذه النعم ومن اين اكتسبت ولم فعلت وفي اي شيء صرفت لا انه تعالى يسئلهم عن نفس هذه الاشياء وكونها طيبة كما توهمه الاعداء فاذا حصر الامام عليه السلم الاية في معنى واحد فهو من هذا النوع فشرط من يؤل اذا وجد له دليلا على خصوص معنى ما يأوله عليه الا يحصر الاية في ذلك المعنى لانه ما من آية الا ولها ظاهر وباطن وقد روى الحسن بن سليمن الحلي (ره) في كتابه المختصر لبصائر سعد الاشعري عن الصادق عليه السلم انه قال ان قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم يك ينفعهم ايمانهم ذلك شيئا ولا ايمان ظاهر الا بباطن ولا باطن الا بظاهر ه‍ فكيف يجوز الحصر وعلى الوجه الثاني وهو ان المأول يكون عالما بعلم نوع المسئلة علم عيان لا علم برهان فانا نقول مثلا هذا العالم عرف بان جميع العوالم كشيء واحد يشبه بعضها بعضا وان كل ما في هذا العالم فانه نازل من العالم العلوي من قليل وكثير ودقيق وجليل وذات وصفة وحال وطبع وان كل ما هناك فهنا دليله كما قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وكذا قوله (ع) الدنيا مزرعة الاخرة و قول الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الا بما ههنا وغير ذلك مع انه تعالى اخبر في كتابه الحق وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ودل دليل الحكمة المستند الى القرءان الصريح والنقل الصحيح على ان فضة امة فاطمة عليها السلم وانها تخدمهم وتسقيهم وامثال ذلك شيء كان في خزائن الله نزل منها ظاهره وصورته الى هذه الدنيا فاذا عادوا الى الاخرة ومروا على تلك الخزائن التي نزل منها هذا الشيء بصورته في حال صعودهم في عودهم ورجوعهم الى معبودهم وجدوه بحقيقته وجرى لهم بكنه طريقته حتى يجد قوله تعالى الخاص ينطق له باللسان العام كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها وكذلك قوله كما بدأكم تعودون انه كما تعودون بدأكم ويقول الصادق عليه السلم ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه‍ فاذا وجد العالم بنوع علم المسئلة بالعلم العياني لا البرهاني علم هذا ومثله وكتمه واذا وجد اهله ادى الامانة التي امره الله تعالى بادائها الى اهلها فافهم ولا يجوز تأويل القرءان الا بالدليل القطعي ومن قال بغير ذلك فقد ضل سواء السبيل فان القرءان امره عظيم وخطره جسيم روى محمد بن ابراهيم بن جعفر النعماني في تفسيره باسناده عن اسمعيل بن جابر قال سمعت ابا عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلم يقول ان الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه واله فختم به الانبياء (ع) فلا نبي بعده وانزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده احل فيه حلالا وحرم حراما فحلاله حلال الى يوم القيمة وحرامه حرام الى يوم القيمة فيه شرعكم وخبر من قبلكم وبعدكم وجعله النبي صلى الله عليه واله علما باقيا في اوصيائه فتركهم الناس وهم الشهداء على كل زمان وعدلوا عنهم ثم قتلوهم واتبعوا غيرهم واخلصوا لهم الطاعة حتى عاندوا من اظهر ولاية ولاة الامر وطلب علومهم قال الله تعالى فنسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم وذلك انهم ضربوا بعض القرءان ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون انه الناسخ واحتجوا بالمتشابه وهم يرون انه المحكم واحتجوا بالخاص وهم يقدرون انه العام واحتجوا باول الاية وتركوا السبب في تأويلها ولم ينظروا الى ما يفتح الكلام والى ما يختمه ولم يعرفوا موارده ومصادره اذ لم يأخذوه عن اهله فضلوا واضلوا واعلموا رحمكم الله انه من لم يعرف من كتاب الله عز وجل الناسخ من المنسوخ والخاص من العام والمحكم من المتشابه والرخص من العزائم والمكي والمدني واسباب التنزيل والمبهم من القرءان في الفاظه المنقطعة والمؤلفة وما فيه من علم القضاء والقدر والتقدم والتأخر والمبين والعميق والظاهر والباطن والابتداء من الانتهاء والسؤال والجواب والقطع والوصل والمستثنى منه والجار فيه وٱلصفة لما قبل مما يدل على ما بعد والمؤكد منه والمفصل وعزائمه ورخصه ومواضع فرائضه واحكامه ومعنى حلاله وحرامه الذي هلك فيه الملحدون والموصول من الالفاظ والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده فليس بعالم في القرءان ولا هو من اهله ومتى ادعى معرفة هذه الاقسام مدع بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على الله الكذب ورسوله ومأويه جهنم وبئس المصير انتهى فتأمل رحمك الله ما في هذا الحديث لتعرف ان القول فيه عظيم لان هذه الامور التي ذكرها اكثرها ما تعرف الا بمعرفة مدلولها او بتعريف من المريد من المخاطبين به ما اراد

قال سلمه الله : وهل يجوز لنا ان نقول ان النبي صلى الله عليه واله في مرتبة قوسي النزول والصعود تكون من العقل الاول ام لا وهل يجوز لنا ان نقول ان من ذات العقل الاول تكون هو واهل بيته صلوات الله عليهم ومن صفته وشعاعه الانبياء والمرسلون عليهم السلم ومن شعاع الشعاع المؤمنون ومن ذلك الشعاع الملائكة
اقول : اعلم ان محمدا صلى الله عليه واله خلقه الله قبل كل شيء من سائر المخلوقات لان الحقيقة المحمدية هي محل المشية ومتعلقها الذي لا يتحقق المشية الا بها فهي كالانكسار الذي لا يتحقق ظهور الكسر الا به وذلك هو الوجود وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو الماء المنزل من السحاب الثقال المساق الى البلد الميت يعني ارض القابليات وارض الجرز فلما ساق الله سبحانه تلك السحاب الثقال التي هي مشيته يعني وجهها نحو الارض الميتة اي القابليات وهي جنان الصاقورة التي غرسوها عليهم السلم بايدي الجود كان اول من اكل من ثمرة تلك الشجرة اي شجرة الخلد العقل الكلي المسمى عند قوم بالعقل الاول وهم اصحاب القول بالعقول العشرة وعند قوم باول الملائكة العالين الذين لم يسجدوا لادم لانهم افضل منه وعند قوم بالركن الاعلى الايمن عن يمين العرش وفي رواية هو العقل وهو ملك له رؤس بعدد الخلائق من ولد ومن لم يولد الى يوم القيمة وفي اخرى هو الروح اي الروح من امر الله وهو الذي يكون مع الانبياء والرسل يسددهم وهو عقل محمد واله صلى الله عليه واله ولم ينزل قبل محمد صلى الله عليه واله وانما ينزل على الانبياء المتقدمين عليهم السلم بوجه من وجوهه فلما ظهر صلى الله عليه واله في هذه النشأة نزل له ولم يصعد منذ نزل وهو الأن مع القائم عليه السلم وهو اي هذا العقل الاعظم والملك المكرم الذي قال الله تعالى له ادبر فادبر يعني اصنع ما شاء تعالى من خلقه ثم قال له اقبل فاقبل فقال له وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الى منك بك اثيب وبك اعاقب ولا اكملتك الا فيمن احب هو من الحقيقة المحمدية كالوجه من الذات وكالجنب من الكل فمحمد واهل بيته صلى الله عليه واله هم تلك الحقيقة المحمدية وهذا العقل الاعظم هو عقلهم وهو وجه تلك الحقيقة وهو منها كالوزير من السلطان انما يفعل في الرعية بامر السلطان في خدمته وهو الذي اشار اليه ابو محمد العسكري عليه السلم في تاريخه يقول والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة يعني انه اول من ذاق من حدائقنا اول ثمرة الوجود فلا يقال ان محمدا صلى الله عليه واله تكون من العقل الاول بل يقال الحق الواقع ان العقل الاول تكون من حقيقة محمد وال‌ محمد يعني من نورهم صلى الله عليه واله

المصادر
المحتوى