
حسب جوامع الكلم – المجلد الثامن
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد بعث الي السيد الجليل سيدنا السيد اسمعيل بخط التمس مني الجواب لمسائل كتبها وقد وردت علي في حال اشتغالي بشرح الزيارة الجامعة وكنت التزمت اني لا اشتغل عنه بشيء فلما وفقني الله عز وجل لاتمامه وذكرت كلامه اعلى الله مقامه كتبت ما حضر وجعلت كلامه سلمه الله متنا ليتبين معنى كل مسئلة في محلها وبالله سبحانه استعين
قال سلمه الله : فاليك اشكو ضعف نفسي عن المسارعة فيما وعد الله اوليائه والمجانبة عما حذر الله اعداءه
اقول اعلم ان النفس خلقت على ما هي عليه من قابليتها ومقتضى قابليتها الضعف عن ذلك وانما افاض عليها الوجود لتقوى على طاعته وكانت الافاضة في مقامين الاول به تكونت في صورتها الظاهرة والثاني به تتكون في نوريتها وقوتها على القرب من خالقها فاما الاول فمعلوم واما الثاني فهو مادة الوجود التشريعي وهو الارادات الالهية من المكلف والاوامر الشرعية وكما ان الوجود التكويني الاول لا يتحقق الا بقابلية العبد له حين الايجاد كذلك الايجاد التشريعي لا يتحقق الا بقابلية المكلف وهي (ظ) امتثال الاوامر واجتناب النواهي كما قرر الشارع عليه السلام وطبيعة النفس تقتضي مخالفة ذلك وبالمخالفة تهلك فامر الشارع عليه السلام بالمعالجة لها وتعليمها على الطاعات بالتدريج قال الصادق عليه السلام بالعقل يستخرج غور الحكمة وبالحكمة يستخرج غور العقل ه والمراد انك تحمل النفس على بعض الاعمال الصالحة فاذا عملت قوى العقل فاذا قوي العقل بعثها على العمل وهكذا فانت تعود نفسك على فعل الخير فان فعلت فحسن وان خالفت فلا تهتم بما مضى واجتهد فيما يأتي فربما لو اهتممت بما مضى كان شاغلا لك عما يأتي ولا يرجع لك ما مضي وتستدرك ما مضى بالندم والاستغفار ولا يكون الندم شاغلا لك عما يأتي واكثر من ذكر الموت واحوال الاخرة من الجنة والنار واعتبر بمن كانوا معك وسافروا قبلك الى الاخرة واقتد بمن استعد لذلك السفر الطويل بالزاد الجزيل منهم وحذر نفسك ان تكون كمن سافر بغير زاد واجعل لك وقتا في اليوم والليلة ولو قدر ساعة او اقل تنظر فيه الى ما خلق الله من السموات والارض وتعتبر بايات الله كما قال تعالى ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ماخلقت هذا باطلا واجتهد في اخلاص العمل وان كان قليلا لان الله تعالى يقول لنبلوهم ايهم احسن عملا ولم يقل ايهم اكثر عملا فافهم
قال سلمه الله تعالى : ووسوسة نفسي وقلة صبري وكثرة همومي
اقول اعلم ان الشيطان يأتي المؤمن اذا وقع منه تقصير ويفتح عليه باب الخوف ليشغله عن التلافي والاتيان بما سياتي وليدخله في باب القنوط ومن المؤمنين من يجري على خاطره تصور حال قبيح في الله تعالى او في انبيائه واوليائه والتصور في الحقيقة ليس منه وانما هو من القاء الشيطان وهذا هو النجوى الذي ذكرها الله تعالى في كتابه فقال انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله وهذا كما قال تعالى وليس بضارهم شيئا الا باذن الله لان كيد الشيطان ضعيف فاذا عرض لك هذا ومثله فلا تخف منه ولا تهتم به فانه يذهب عنك لانه كما قال الله فمثله كمثل الكلب ان يحتمل يلهث او تتركه يلهث والشيطان مثل الكلب تمر عليه فينبح عليك فان تركته رجع عنك وان اعتنيت بطرده اشغلك فكلما طردته ذهب واذا رجعت رجع اليك واما اذا تركته تركك فاعتبر بهذا المثال وعلى ان هذا الذي جرى في تصورك ليس منك بل هو من الشيطان ولهذا يجري على خاطرك بغير محبتك ورضاك ولو كان منك لرضيت به فاذا عرفت انه ليس منك فلا يضرك ولا تخف منه واعلم ان الخبيث يأتيك به هو ويقول لك قد كفرت او نافقت او ارتددت فلا تطعه فانه كاذب لو كان منك لماكرهته واذا لم يكن منك كيف تكون كافرا بفعل غيرك او مرتدا ومع هذا فانت تكثر من قول يا مقلب القلوب والابصار صل على محمد وال محمد وثبت قلبي على دينك ودين نبيك صلى الله عليه واله ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب ليلا ونهارا فاذا خطر على خاطرك ما تكره فقل : اشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله (ص) واشهد ان عليا ولي الله (ع) واما قلة الصبر فانظر في نفسك هل تدرك مطلوبك بالصبر ام بقلة الصبر فان قلت بقلة الصبر فلم تكرهها وان قلت بالصبر فاصبر حتى تدرك مطلوبك واما كثرة الهموم فانت جربتها هل حصلت بها شيئا مما اهمك ام لا فان قلت حصلت بها فينبغي ان تفعلها وتلازم عليها وان قلت ماحصلت منها الا الاذى فاتركها ولا تطلب لنفسك الاذى بما لا ينفعك ومن الادعية المجربة اذا اصابك غم فقل ثلاثين مرة : لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فقد جربته مرارا وعليه اعتمد وهو مروي عن النبي صلى الله عليه واله
قال سلمه الله : واليك اشكو قلبا قاسيا مع الوسواس متقلبا
اقول ليس قلبك قاسيا ولا متقلبا مع الوسواس لان القلب القاسي هو الذي لا يشعر بهذه الامور بل يطمئن اليها ولو تقلب مع الوسواس لرأى ذلك حقا وفرح به فلما تألم قلبك من ذلك دل على انه ليس منك ولا منه وانما هو من نجوى الشيطان واذا كان من غيرك لا يضرك بل جزع قلبك من هذا ومثله كما قال صلى الله عليه واله ذلك محض الايمان ه ومعناه انما خاف قلبك من هذه الامور لانه مطمئن بالايمان فاذا ذكره الشيطان ذلك ليحزنه تألم من ذلك لانه منكر لها وهو معنى كونه ماحضا للايمان
قال سلمه الله : وبالرين والطبع متلبسا
اقول علاجه ان تجلوه وتصقله بما ذكرنا من الاستغفار والاكثار من ذكر الله ومن ذكر الموت والجنة والنار وباخلاص العمل وبملاحظة الرجاء في الله تعالى وحسن الظن به
ثم قال وتعلموني ذكرا ووردا لتصفية الباطن وتنوير القلب بنور المحبة والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله
اقول الذكر قسمان احدهما هو ما ذكرنا لك من التفكر في خلق الله وصنعه وآثار قدرته وذكر نعمه وجميل احسانه الذي لا تحصى وحسن الظن به والرجاء فيه والخوف من مقامه وان تذكره عند الطاعة فتفعلها وعند المعصية فتتركها وامثال هذا وثانيهما ما تتلفظ به من الذكر وافضله الصلوة على محمد واله صلى الله عليه واله فانها تكفر الذنوب من دون توبة ولعن اعدائهم فانها موجبة للشفاعة في الدنيا باصلاح الاحوال وقضاء الحوائج ورفع الموانع وفي الاخرة بالسلامة من النار والفوز بالجنة والذكر الخاص لكل مطلوب توكلت على الله الف وثلاثة وعشرون ولكل مخوف اعتصمت بالله الف وتسعة وستون واما تصفية الباطن ففرغ قلبك لذكر الله سبحانه ولذكر اسمائه عليهم السلام فان اجتمع قلبك على هذا خاصة صفى باطنك واستنار قلبك بنور المحبة وذلك مع المداومة على المستحبات الشرعية والتوجه في الواجبات واما الزهد في الدنيا فكما قال الصادق عليه السلام الا تكون بما عندك اوثق منك بما عند الله ه واما الرغبة فيما عند الله فبذكر انقطاع الدنيا ولذاتها وفنائها وذكر دوام الجنة ولذاتها وبقائها واكثار التفكر في تقلب الدنيا وغدرها بمن ركن اليها واشباه ذلك وذكر الموت وما بعد الموت والحساب والوقوف بين يدي الله وزيارة القبور والاعتبار بها وبالدنيا وبما فعلت باهلها وهذا وامثاله مذكور في احاديث اهل البيت عليهم السلم وفي كتب العلماء الموضوعة في علم اليقين والتقوى
قال سلمه الله : وتمدوني وترشدوني الى طريقة تصلح لي ديني وما فسد مني وتصلح معاشي ومعادي
اقول عماد هذا وقوامه المصلح للمعاش والمعاد هو التوكل على الله وتفويض الامر الى الله والرجاء في الله وحسن الظن بالله
قال سلمه الله : والمدعو من فضلكم ان تبينوا لي معنى الامر بين الامرين من الجبر والتفويض
اقول اختلف الناس في حكم افعال العباد الصادرة عن دواعيهم وبواعثهم القلبية فقال الاشاعرة الله سبحانه اجراها عليهم ولا يفعلون من انفسهم شيئا والاسباب التي تنسب اليها الافعال ليست في الحقيقة باسباب بل الفاعل في الحقيقة هو الله فيحدث في ابي لهب الكفر ويعذبه عليه ولا يقبح من جهته تعالى شيء بل كلما يفعل المحبوب محبوب لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ومذهبهم في ذلك مشهور وهم اتباع علي بن اسمعيل بن ابي بشر الاشعري وقالت المعتزلة ان الله خلقهم وركب فيهم الالات التي هي اسباب لفعل وامرهم ونهاهم فهم الفاعلون لافعالهم على الاستقلال وليس لله في افعال عباده الا الامر والنهي القوليان ولولا ذلك لبطل الثواب والعقاب ولهم من ظواهر الايات والاخبار ادلة كثيرة فالاشاعرة اصحاب الجبر فانهم يقولون بذلك ويلزم من كلامهم ذلك ان الله اجبر عباده على افعالهم وليس لهم اختيار في الحقيقة بل جميع افعالهم منه تعالى والمعتزلة اصحاب التفويض لانهم يزعمون ان العباد فاعلون بالاستقلال واحاديث ائمتنا عليهم السلم مصرحة بان القائلين بالجبر والقائلين بالتفويض مشركون وبينوا عليهم السلام لشيعتهم مذهب الحق الذي يدينون الله به وهو القول بالامر بين الامرين يعني لا جبر ولا تفويض ولكن بينهما منزلة فيه الحق وهي اوسع مما بين الارض والسماء الا انها ادق من الشعر واحد من السيف لا يعلمها الا العالم عليه السلام او من علمه اياها العالم والمعنى ان هذه المنزلة التي ليست جبرا ولا تفويضا لا يعرفها الا الامام عليه السلام او من علمه الامام عليه السلم بتعليم خاص ولقد زلت في معرفتها اقدام العلماء والحكماء حتى كان وجود المصيب فيها اعز من الكبريت الاحمر والغراب الاعصم وبيانها صعب مستصعب يحتاج الى تمهيد مقدمات وتطويل كثير وانا الأن قلبي غير مجتمع وعلي اشغال كثيرة وبي امراض متوالية ولكن لا بد من اشارة الى ذلك على جهة الاجمال
فاقول ان كل ما سوى الله سبحانه حادث محتاج في بقائه الى المدد من اثر فعل الله سبحانه فليس للمكلف ولا لشيء من احواله وافعاله وجود ولا بقاء الا بالمدد من اثر فعله تعالى على جهة الدوام والاتصال بل كل شيء قائم بامره تعالى قيام صدور يعني كوجود الكلام من المتكلم والشعاع من المنير والصورة في المرءاة من مقابلة الشاخص فمثالنا لم نرد به ان الاشياء صادرة عن ذاته كالنور من المنير تعالى الله عن ذلك بل الاشياء صادرة عن فعله كصدور الكلام من المتكلم والنور من السراج والصورة في المرءاة من مقابلة الشاخص فهي آثار مخترعة بفعله لا انها جزء فعله فقولنا قائمة بفعله قيام صدور نريد ان المتكلم ما دام متكلما فالكلام موجود مع التكلم لا قبله ولا بعده كذلك الاشعة من السراج والصورة في المرءاة من الشاخص فما دام مقابلا لها فهي موجودة بمدد المقابلة والا فليست شيئا فلو اعرض بوجهه لم يكن في المرءاة صورة اصلا فما دام مقابلا لها فهي موجودة وتنسب اليها احوالها وصفاتها لا الى المقابل فتقول هذه الصورة صغيرة او سوداء او عوجاء او كبيرة او بيضاء او مستقيمة وكل هذه صفات الصورة لا صفات وجه المقابل لان وجه المقابل هو واحد وتختلف صورته باختلاف المرءاة التي هي القابلية فتنسب الاحوال والصفات المختلفة اليها يعني وان كانت ليست شيئا الا بالمقابل كذلك الاشياء كلها قائمة بفعله قيام صدور وتتغير وتتكثر باختلاف قوابلها ولولا تجلى فعل الله سبحانه بها لا من شيء كونها لم تكن شيئا فجميع افعالها واعمالها منسوبة اليها لانها صفاتها لا انها منسوبة الى فعل الله تعالى لان فعل الله كصورة وجهك والاشياء كصورة وجهك في المرءاة وصورة وجهك في المرءاة ليست هي صورتك التي في وجهك بل التي في المرءاة شعاع صورة وجهك وظلها فالصورة التي في المرءاة قائمة بالمدد من صورة وجهك والمدد هو تجلي وجهك بشعاع صورته للصورة التي في المرءاة وهذا التجلي هو مددها التي قامت به وهو ظل صورة وجهك فصورة وجهك لا تفارق وجهك ولا تتغير ولا تختلف والصورة في المرءاة تكبر وتصغر وتبيض وتسود وتستقيم وتعوج على حسب قابليتها التي هي هيئة الزجاج وصقالته وبياضه واستقامته وكبره واضدادها فصورة وجهك مثال لفعل الله ومقابلتك بها للمرءاة مثال للمدد الذي به قوام الاشياء وبقاؤها والصورة في المرءاة هي مثال الاشياء وزجاجة المرءاة هي مثال قوابل الاشياء فكما انك تنسب هيئات الصورة التي في المرءاة اليها من الاعوجاج والاستقامة والبياض والسواد وغير ذلك ولا تنسب شيئا من هذه الاحوال والهيئات الى صورة وجهك لان صورة وجهك ليس فيها شيء من ذلك لان هذا من صفات التي في المرءاة بسبب قابلياتها التي هي هيئات زجاجة المرءاة مع انه لولا مقابلة وجهك لم توجد صورة في المرءاة ولم يوجد شيء من هيئاتها كذلك الاشياء فانها قائمة باثر فعل الله تعالى ولم تكن شيئا بغير ذلك المدد وجميع احوالها وافعالها منسوبة اليها صادرة عنها ولم ينسب الى فعل الله تعالى شيء من احوالها كما لا تنسب شيئا من احوال صورة المرءاة من بياض وسواد واستقامة واعوجاج الى صورة وجهك وان كانت لا تقوم الا بها فالصورة في المرءاة مستقلة بنسبة افعالها اليها وصدورها عنها ولا تكون ولا توجد الا عند مقابلة صورة وجهك كذلك الخلق افعالهم واعمالهم منسوبة اليهم صادرة عنهم مع انهم هم وما نسب اليهم وما صدر عنهم لا يوجد الا مع توجه المدد من الله تعالى الذي به بقاؤه وحفظ وجوده كما قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال عليه السلام في ادعية الايام من مصباح المتهجد للشيخ (ره) وكل شيء سواك قام بامرك فتدبر هذا المثال وتفهمه فانك تجد حقا واضحا ونورا لائحا ليس بعده الا الضلال والله سبحانه العالم بالاحوال وقد قال تعالى وقد ضربنا لكم الامثال وهذا مثال من تلك الامثال التي قال في كتابه
قال سلمه الله : وما معنى ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
اقول اعلم ان الله سبحانه كان ولا شيء معه غيره ثم خلق المشية بنفسها لا من شيء غير نفسها حين خلقها فاحدث بها الامكان حين احدثها لانه محل خلقها في السرمد يعني ان المشية خلقها بنفسها في مكانها ووقتها فمكانها الامكان ووقتها السرمد فهذه الثلاثة هي الوجود الراجح الوجود ومعنى احدث بها الامكان انه تعالى امكن بها الامكان اذ لم يكن قبل المشية الا الوجوب البحت سبحانه وهو الوجود الحق والمشية في الامكان الراجح وهو الوجود المطلق والمشاءات في الامكان المساوي وهو الوجود المقيد واوله العقل الكلي واخره ما تحت الثرى فلما امكن الممكنات كانت حصصها الجزئية بالنسبة الى الامكان الكلي حصصا كلية غير متناهية مثلا احدث في الامكان الراجح الذي هو العمق الاكبر المشار اليه في دعاء السمات للحجة عليه السلام امكان زيد على وجه كلي غير متناه وانما قلنا انه جزئي بالنسبة الى العمق الاكبر ومعنى كون امكان زيد على وجه كلي ان حصته من الامكان الراجح قبل التكوين يجوز ان تكون زيدا او عمرا او جبلا او جملا او طيرا او ارضا او سماء او نبيا او كافرا او ملكا او شيطانا او معدنا او نباتا وهكذا الى غير النهاية فزيد في العلم الحادث الامكاني الراجح الوجود يجوز ان تقول هو ليس شيئا يعني مكونا قال تعالى اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا يعني لم يكن شيئا مكونا ولكنه شيء معلوم ممكن ويجوز ان تقول هو شيء يعني هو ممكن وليس مكونا قال تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا يعني انه مامر عليه وقت من الدهر الا وهو مذكور ولكن مذكور في العلم والامكان لا انه مذكور بالتكوين فلله سبحانه في كل شيء مشيتان مشية امكان ومشية تكوين فالامكان هو الخزانة الكبرى التي لا تتناهى والله الكريم سبحانه يمد منه كل مكون بما شاء ولا نهاية لهذا الامكان الا في الملك الذي تفرد به تعالى فاذا قلت ما شاء الله كان تريد ما شاء الله تكوينه من الممكنات التي شاء امكانها كان بمشيته التكوينية (ظ) من مشيته الامكانية وما لم يشأ تكوينه من الممكنات التي شاء امكانها بالمشية الامكانية لم يكن لان الممكن لا يكون مكونا الا بالمشية التكوينية مثلا الجبل له حصة امكانية من الامكان الراجح فكون هذا الجبل من تلك الحصة الامكانية التي قلنا انها حصة امكانية جزئية على وجه كلي غير متناه فان هذا الجبل يمكن ان يكون ذهبا وانسانا وحيوانا وملكا وشيطانا وبرا وبحرا ونبيا وكافرا وغير ذلك مما لا نهاية له ولا غاية ابد الابدين فحاصل المعنى ما شاء الله تكوينه من الممكنات كان وما لم يشأ تكوينه منها لم يكن واذا كونه ليس له فيه البداء الا يكونه لانه كونه وكونه لا يكونه محال ولكن له ان يغير تكوينه الى اي صورة شاء بلا غاية ولا نهاية كما قال تعالى في اي صورة ما شاء ركبك واما قول الصوفية واتباعهم بانه ليس للحق في الشيء الا وجه واحد لانه علمه كذلك وعلمه تعالى لا يتغير وساوس وجهل بمقام الحق تعالى حتى انهم يقولون لا تتعلق قدرته تعالى بهداية الخلق كلهم لانهم ما اعطوه العلم من انفسهم بذلك وهو غلط فاحش فان الله تعالى العالم بذاته وبخلقه يقول ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين فكيف يقول تعالى لشيء كن ولا يكون او انه اتى بهذا الفرض على جهة الفرض والتمثيل كما احتمله بعضهم وكتبه هو زعما منه ان هذا مما لا يحتمله الا اهله حتى ان الملا محسن في الوافي في باب الشقاوة والسعادة عنون بيان هذا فقال وان كان الظاهريون لبمعزل عنه
قال سلمه الله : وما معنى لا حول ولا قوة الا بالله
اقول روي معناه عن امير المؤمنين عليه السلام لا حول لنا عن المعاصي ولا قوه لنا على الطاعة الا بالله ومعنى هذا الكلام ان الحول اي التحول عن المعاصي انما يكون منا بالله لانا لنا حقيقتان حقيقة من الله وهي الوجود وهو يقتضي الطاعات بميل طبعه ويقتضي التحول عن المعاصي كذلك لكنه محدث محتاج في بقائه الى المدد وكذا في حصول الميل له وبقائه له وهو اي المدد انما يجري على المحدث من فعله تعالى بارادته فاذا لم يرد لم يصل اليه مدد واذا لم يصل اليه مدد لم يكن له اقتضاء ولا ميل هذا اذا وصل الى الذات نفسها ولم يصل الى نفس الاقتضاء والميل مدد والا لم يكن شيئا اصلا وحقيقة من نفسه وهي الماهية وهي تقتضي المعاصي بميل طبعها وتقتضي ترك الطاعات كذلك وهي محدثة من الوجود المحدث ومحتاجة في بقائها وفي قتضائها وميلها كذلك وميل الوجود من نوعه ومددها من نوعها وكل بارادة الله تعالى فاذا اراد العبد الطاعة باقتضاء حقيقته وميلها وهي الوجود لا يقوى عليها الا بمعونة من الله وهذا معنى ولا قوة لنا على الطاعة الا بمعونة من الله تعالى وان مال اليها وجودنا واحبها قلبنا واذا اراد ترك المعصية بعد ميل ماهيتنا ومحبة نفسنا الامارة بالسوء لها لمنقدر على تركها والتحول عنها الا بمعونة من الله تعالى وهذا معنى لا حول لنا عن المعاصي الا بالله لانه لو امد الماهية حين مالت الى المعصية عصي العبد قطعا ومدده تعالى لها التخلية والخذلان فلا يطيع العبد الا بالله فاذا مال الى الطاعة وائتمر بها امده بالمعونة ولا يمنعه ما يحب منه ان يفعل ولا يعصي لعبد الا بالله لانه اذا مال الى المعصية وائتمر بها فان شاء ان يحول بينه وبينها فعل بان يمد مقتضى الترك لها وهو الوجود وان لم يشأ ذلك خلاه وكان تخليته مددا لمقتضى فعلها وهو الماهية ولا يجب في الحكمة عليه تعالى اكثر من هداية النجدين ولمعونة اذا شاء وله الحمد على كل حال والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وكتب العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي حامدا مصليا مسلما مستغفرا