
حسب جوامع الكلم – المجلد الثامن
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان السيد السند حسين ( السيد حسين خل ) بن السيد عبد القاهر ايده الله بمدده قد كتب الى مسئلتين طلب جوابهما على الحقيقة وهما مسئلتان ينبغي التوجه لهما لصعوبة الجواب منهما ( عنهما خل ) لابتنائه على لسان اولي الالباب فمن عرف لغة العلماء العارفين وفهم بذكاء المؤمنين الممتحنين وصل بهذا الجواب الى اليقين فكتبت سؤاله وتكلمت على حسب ما يحضرني على كل كلام بمآله والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل
المسئلة الاولى - قال سلمه الله تعالى : ما يقول شيخنا في قضية موسى على نبينا وآله وعليه السلم مع الخضر عليه السلم كيف يصح ان يكون الخضر اعلم من موسى (ع) وهو حجة الله عليه وليس طريق العلم بالمغيبات من امثال ما ذكر الا بصفاء العقل وقبوله للفيض الرباني وليس الجهل بامثالها الا لعدم الاستعداد ضرورة فكيف يصح مع ذلك ان يكون موسى عليه السلم افضل من الخضر (ع) وحجة عليه فان قيل موسى عليه السلم اعلم بالامور التكليفية قلنا الاطلاع على مراد الله من التكليف اعسر من الاطلاع على غيره من المعارف ودقائق العلوم كما نص عليه العلماء فكيف يجوز استعداد العقل لمعرفة ما يحتاج الى زيادة مجاهدة وكشف ولايستعد لمعرفة ( لمعرفة ما هو خل ) دون ذلك فيما ذكر ما هذا الا شيء ينفر الطبع السليم عن قبوله وتحكم الفطرة برده
الجواب : اعلم ان العلم قسمان قسم يتعلق بتكاليف المكلفين من الاعمال والاعتقادات والاداب الشرعية التي اسس الشارع بنيانه كعلم التوحيد وما يتبعه من المعتقدات وما يترتب على ذلك من الادلة والايات وكعلم الاخلاق وتوابعه كذلك وكعلم الشريعة وما يتعلق ( يتوقف خل ) على ذلك من العلوم ( العلم خل ) وقسم يتعلق باحوال البدا والعلل والكيفوفة وما يتعلق بالقدر والقضاء وارتباطهما بالمقدرات والمقتضيات ( المقضيات خل ) ومظاهر العدل وتعلقاته واسباب الخلق وامثال ذلك مما لا يكون من المعتقدات ولا الاخلاق ولا التكاليف ولا ما يرتبط بذلك ويتوقف عليه فالاول هو الذي ارسل الله به الرسل وانزل به الكتب واقام له الدلالات ونصب لاجل ابلاغه الحجج لعدم استغناء المكلفين عن ( من خل ) ذلك والثاني ليس كذلك فيكون العالم بالاول حجة ( الحجة خل ) على كل مكلف حتى على العالم بالثاني اذا لم يكن عالما بالاول لعدم حاجة المكلفين الى الثاني وعدم استغنائهم عن الاول اذ به قوام دينهم ودنياهم ومعتقداتهم فموسى على نبينا وآله وعليه السلم هو العالم بالاول وهو الحجة على جميع اهل زمانه ومنهم الخضر عليه السلم وهو يأخذ احكام دينه منه والخضر عليه السلم قد علم بعضا من العلم الثاني لمصالح يجريها في العالم بفتح اللام حسبما امر لكونه احد الاركان ( الاركان الاربعة خل ) للقطب الذي هو محل نظر الله وهو الغوث في اصطلاح اهل التصوف وان كان في احد الاصطلاحين الحاد في كثير من المواضع وهو ما يذهبون اليه من ان الغوث الذي هو محل نظر الله من العالم قد يكون جزئيا وهو الالحاد الذي اشرنا اليه لان الحق ان الغوث لا يكون الا معصوما بل في الحقيقة لا يكون الا كليا فافهم الاشارة فالخضر عليه السلم قد اودع بعض ( بعضا خل ) من الثاني لمصالح لا تتعلق بالمكلفين من حيث هم مكلفون وانما كان الخضر عليه السلم حجة على موسى في تلك المسائل المذكورة لتكليفه بخصوصه بتلك المسائل لما كانت في حال من الاحوال بالنسبة اليه من علم الاخلاق رفعا لشأن موسى عليه السلم وتزكية له وذلك انه خطب بني اسرائيل وذكر ما انعم الله به عليه وفضله اقرارا بنعمة الله وطلبا للمزيد فاحب سبحانه لموسي (ع) مقاما اعلى من ذلك المقام الذي هو الشكر ( مقام الشكر خل ) وهو مقام العبودية والفقر جزاء لشكره لانه سبحانه يجزي الشاكرين كما يحب ويختار لهم لا كما يحبون ويختارون فامره ان يصحب الخضر والهم الخضر (ع) ما لا يعلمه موسى عليه السلم ليصدق فقر موسى وعبوديته لانه سبحانه يختار لمن انعم عليه واراد رفع درجته الانكسار على مقام الشكر وان كان الشكر يستوجب المزيد لان مقام الانكسار والانحطاط اعلى واشرف لاولي الفضائل والنعم واوفر في طلب المزيد من مقام الشكر فكان الخضر عليه السلم حجة على موسى عليه السلم في هذه المسائل لتحصل ( لتحصيل خل ) الغاية اذا كلف بقبولها وموسى كما تقدم حجة على الخضر عليه السلم فيما يريد الله من العباد واعلم من الخضر ونظيره في التمثيل ان المجتهد العالم ( العام خل ) القائم بجميع ( لجميع خل ) الاحكام للمقلدين فانه حجة عليهم وفيهم العالم بعلم الطب ( الطب الذي خل ) يكون حجة على ذلك العالم العام فيما يضطر اليه من معالجة المرض الذي فيه وان كان العالم ( ذلك العالم خل ) اعلم من الحكيم وحجة عليه من ( في خل ) سائر الاحكام وقوله سلمه الله وليس طريق العلم بالمغيبات من امثال ما ذكر الا بصفاء العقل الخ جوابه ان شرف العلم بشرف المعلوم وصفاء العقل بصفاء المعقول وكان معلوم موسى عليه السلم ومعقوله وهو الله وصفاته وافعاله واحكامه ومراداته اشرف واعلى واصفى من معلوم الخضر ومعقوله من هذه المسائل وامثالها ومعرفته بالله اعلى من معرفة الخضر بالله وهذا ظاهر واما وجه صعوبتها وعدم اطلاع الخلق عليها فلعدم حاجتهم اليها فحجب عنهم علم ما لا يحتاجون اليه ولما جعل الخضر عليه السلم موكلا بذلك توجه الى الاستعداد بقبوله ولو توجه موسى (ع) الى ذلك لناله باسهل من استعداد الخضر ولكنه ليس مما يعنيه ولا مما يراد منه كما اريد من الخضر (ع) والاصل في ذلك ان اعلى مراتب الامكان مرتبة الانسان وكل مرتبة في الامكان فهي تحت مرتبته فصح له انه يمكن فيه كل ما خرج عن صقع الربوبية فافهم وراجع ففي ما امليناه جميع ما تحتاج اليه في بيان هذه المسئلة وما يتعلق بها ( يتعلق بها المسئلة الثانية وقوله فان قيل موسى عليه السلم اعلم بالامور التكليفية قلنا الاطلاع على مراد الله من التكليف اعسر من الاطلاع على غيره من المعارف ودقائق العلوم الخ مؤيد لما قررناه لان الاطلاع على مراد الله من التكليف هو مقام موسى عليه السلم لا الخضر لان الخضر (ع) انما يطلع على مراد الله فيما يخصه ويعنيه بتبعية موسى عليه السلم خل )
المسئلة الثانية - قال سلمه الله تعالى : ما يقول شيخنا في الرجعة المعلوم ثبوتها ضرورة من السنة ومن مذهب الائمة عليهم السلم ما حقيقتها فان الظاهر منها رجعة الاجساد بعد التلاشي وذلك معاد جسماني فهل تكون تلك الاجسام المعادة بمنزلة هذه الاجسام التي بين ايدينا في الكثافة ام تكون كاجسام اهل الجنة في اللطافة التي قد قيل فيها لو برزت لنا في هذه النشأة لم تدركها ابصارنا فان كان الثاني لم يحصل ( لم يحصل لهم خل ) الانس مع اهل الارض من اخوانهم الذين لم يموتوا بعد ولم ينتظموا في سلكهم فكيف تتم بهم النصرة وتأتلف بهم الكلمة مع اهل هذه النشأة وان كان الاول فكيف يمكن تعقل العود كذلك من جهة العقل وقصارى العقل ان يدرك العود الجسمي بالمعنى الاول اذا بلغ الغاية في التلطف وعرف الصناعة الاكسيرية
اقول اعلم ان الرجعة ( الرجعة المذكورة خل ) وخروج الاموات عند خروج الحجة وخروج الحسين عليهما السلم هي رجعة الاجساد بعد التلاشي وهو معاد جسماني فهي في الرؤية بمنزلة هذه الاجسام بمعنى انهم يكونون مع من لم يمت ويتزاوجون معهم ويستأنسون والاصل في هذا العود وانه في الصورة بحكم هذه النشأة ان الاجسام الاصلية التي هي الطينة تمتزج بمواد الاغذية ولطائف المطاعم وذلك كله من هذا التراب الكثيف فاذا امتزجت تلك الاجزاء اللطيفة بالاجزاء الكثيفة كانت منها هذه الاجسام الكثيفة لكثافة الخلط فما دامت الارض كثيفة لا يخرج منها الا الكثيف بخلاف بعث الاخرة لانهم اذا ( انما خل ) يبعثون من الارض بعد تصفيتها بنفخة الصور الثانية فيكونون في غاية الصفاء نعم يكون العالم كله عند قيام القائم عليه السلم من الارض والناس والانعام والنبات اصفى من هذه الحالة التي نحن فيها مثل صفاء اجساد الاولياء والانبياء في هذا الزمان بمعنى انهم خفوا من اثقال الذنوب بحيث لو سار انطوت له الارض لغلبة النور عليه وان كان كثيفا في الظاهر ولاجل ذلك يرون الملائكة والجان ويدركون اشياء نعجز عنها ويحصل للمؤمن قوة اربعين رجلا الى غير ذلك بل روي ان اخر الرجعات تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله وكذلك النخل والشجر يحمل كل سنة مرتين الى غير ذلك مما لا يصح مع هذه الكثافة التي نحن الان فيها وقوله ايده الله تعالى فكيف يمكن تعقل العود ( العود كذلك من جهة العقل جوابه ان العقل انما يتعقل العود خل ) على هذا الوجه الذي هو الاول المشار اليه في السؤال وهذا ظاهر وقوله ايده الله وقصارى العقل ان يدرك العود الجسمي بالمعنى الاول اذا بلغ الغاية في التلطف وعرف الصناعة الاكسيرية جوابه ان العقل يدرك الاول ببداهة كما بينا وانما يحتاج العقل الى التلطف ومعرفة الصناعة الاكسيرية في ادراك المعنى الثاني لان الصناعة الاكسيرية انما تمت لما دبرت على هيئة العود الاخروي في التطهير لتلك الاجسام عن الغرائب والكثائف بحيث تكون ارض الاكسير ارضا مقدسة صافية كجرادة الفضة في البياض وكجرم البلور في الشفيف بكثرة الغسل بفتح الغين المعجمة بالانثى الغربية بعد بلوغها وبحيث تكون تلك الارواح بالغة بالحرف والتفصيل والتزويج بالزوجات الاربع والتوليد للبنات الست وتقويتها باكليل الغلبة الى ان تكون الارواح صابرة على الجحيم والنعيم بكثرة التربية فيهما وتكون الارض مشاكلة للارواح بكثرة التمشية وتعلمها معها الصعود الى القوابل بكثرة الحل والعقد وادراك العقل لذلك الذي هو مرءاة العود بالمعنى الثاني يحتاج فيه الى التلطف بعد التوقيف لا المعنى الاول وشرح الحال في هذا المحال ( المجال خل ) يحتاج الى بسط كثير وتوقيف من بصير
قال سلمه الله تعالى : ثم نقول بعد ذلك كله هل يستقيم لمن منع المعاد الجسماني في الاخرة واول ما ورد فيه من الايات والاخبار ان يعمل مثل ذلك فيما ورد في امر الرجعة ام لا وهل نقل عن احد من علمائنا ام لا افيدونا مما افاضه عليكم الحبيب وزكوا عرفانكم لتنمو وتطيب ولا تقولوا عليكم ان تسألوا وليس علينا ان نجيب فان اليتيم لم يجد له من يأويه والاسير لم يجد له من يفديه والسلام الى هنا انتهى كلامه اعلى الله مقامه آمين رب العالمين
اقول اعلم ان معاد الجسماني قد اجمع علماء المسلمين على القول به واعتقاده وانما اختلفوا في الدليل المثبت له هل هو الشرع لا غير ولا طريق للعقل الى اثباته بحكمهم بعدم احساسه لذاته بعذاب ولا نعيم ولا شعور له حتى يصح توجه التكليف اليه المستلزم للجزاء المستلزم للاعادة ام يكون اثباته كما يصح من جهة الشرع يصح من جهة العقل لانه شرع باطن كما ان الشرع عقل ظاهر وعلى الاول اكثر العلماء من المتكلمين واهل العرفان حتى ان ملا صدرا في كتابه شواهد الربوبية ذكر ان اثبات المعاد الجسماني لا طريق الى اثباته من جهة العقل وانما الطريق الى اثباته هو الشرع وبالثاني قال قليل من العلماء والحكماء لصعوبة المسلك وسعة المأخذ ودقته وهو الحق لان العلة الموجبة لاعادة الارواح هي العلة الموجبة لاعادة الاجساد بعينها لا لمباشرة الاجسام للاعمال وان الارواح لا يمكن مجازاتها الا بكونها في الاجساد بل لان الارواح والاجساد من هيولي واحدة بسيطة ففيها من الادراك والشعور والاحساس والفهم وغير ذلك من الامور الموجبة للتكليف الموجب للجزاء الموجب للاعادة كما في الارواح بل هو من شيء واحد الا ان ما في الارواح اقوى مما في الاجساد بنسبة ما فيها من اللطافة والكثافة على حسب قوة الوجود وضعفه فهو فيهما مشكك وبالجملة فالعقل يشهد بالمعاد الجسماني وان دق مأخذه وبيان ذلك لمن اراده مذكور في علم الصناعة فمن اراده طلبه هناك من عند اهله واما من منع المعاد الجسماني فانما منعه من جهة العقل لا من جهة الشرع فلا يأول احد من علماء المسلمين فيما اعلم ما ورد في الاخبار والايات من المعاد الجسماني يوم القيمة الكبرى نعم كان الجمهور ينكرون المعاد الجسماني في الرجعة وتابعهم قليل من هذه الفرقة وقولي قليل استضعاف لقوله وقد قال الله تعالى في كتابه واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون وهذه الاية في التأويل في الجمهور الذين انكروا البعث الاول والقران مشحون به والاخبار ناطقة به واولوا ما ورد منهما على البعث الاخير فقال تعالى ردا عليهم بلى وعدا عليه حقا والوعد الحق هو الحجة عليه السلم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه والذي يختلفون فيه هو الصاحب عليه السلم ورجعة السفّاح عليه السلم بعده الى اخر الرجعات وليعلم الذين كفروا وهم الذين كفروا ببعض الكتاب وان امنوا ببعض فهؤلاء يأولون ما ورد من القران والاخبار ويحملون ذلك على البعث الاخير ولهذا رد الصادق عليه السلم على ما ( من خل ) قال بذلك واول قوله تعالى ويوم نحشر من كل امة فوجا ببعث القيمة الكبرى حيث قال عليه السلم يحشر من كل امة فوجا ويدع الباقين وبالجملة فالرجعة في الدنيا بعد الموت سر الله اوعزه الى نبيه وآله صلى الله عليه وآله فبشروا به اولياءهم فامنوا بالغيب وفيهم افراد شاهدوا اياتها بعقولهم الطاهرة فشهدوا بالحق وهم يعلمون والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العليّ العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
تمت بقلم منشئها في الثاني عشر من شهر ربيع الثاني سنة ١٢١٤ اربع عشر بعد المأتين والالف من الهجرة صلى الله على مهاجرها وآله الطاهرين حامدا مستغفرا مصليا مسلما