رسالة في جواب الشيخ رمضان بن ابراهيم (عبارات الفوائد)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - رسالة في جواب الشيخ رمضان بن ابراهيم (عبارات الفوائد)

رسالة في جواب الشيخ رمضان بن ابراهيم

عن مسائل استشكلها من بعض عبارات الفوائد وغيرها

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الاول
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين انه قد بعث اليّ الاكرم المستقيم الوفي الحليم الكريم بن الكريم الشيخ رمضان بن ابراهيم ايده اللّه بمدده مسائل قد استشكلت من بعض عباراتي في الفوائد وغيرها يريد بيانها وانا على حال لا يرجى مني مثل ذلك ولكن لا بد من الجواب لانه سلمه اللّه نبّه على اشكالات تعرض لاكثر الطلبة والجواب عنها نافع للجميع ورافع لاعتراض الشريف والوضيع وانا انقل كلامه واجيب عن كل مسئلة بما يخصّها

قال سلمه اللّه : قال اعلى اللّه مقامه في الفائدة الثانية ‌عشر : قلنا هو سبحانه يعلم ما يكون وما يشاء ان يغيّر الى ما شاء فكل طور يمكن ان يكون الممكن عليه فهو يعلمه الى آخر كلامه وحاصله ان العلم لا يتغير بتغيّر المعلوم لا ادري ان مراده هل هو العلم الذاتي الذي هو ذاته تعالى ام العلم الحادث الذي هو نفس المعلومات فسياق كلامه ظاهر من اوله الى آخره يدلّ على ارادة الثاني فعلى هذا كيف يتصوّر التغيير في المعلوم وعدمه في العلم الذي هو نفسه وليس هذا الّا اجتماع المتنافيين وان اراد الاول فيأباه آخر كلامه حيث شبّه هذا العلم بعلم المخاطب فقلت : اذا علمت زيدا في مكان في وقت وعلمت انه ينتقل الى آخر لا يتغير علمك اذا انتقل الى آخر كلامه وذلك لانه ظاهر في ان المراد بالعلم هو الحادث لا الذاتي
اقول اذا كان الحق عندنا ان العلم عين المعلوم كان مرادنا بالذاتي هو سبحانه وكيف يكون الله تعالى عين المعلومات وانما نريد به الحادث وهو قسمان حادث امكاني وحادث كوني وكلاهما علم اشراقي ينسب الى اللّه تعالى بجهة احداثه له وتقوّمه بامره تقوم صدور وتقوم تحقّق كما ينسب اليك قائم وتصف نفسك به وهو صادر بفعلك وليس هو اياك ولا من ذاتك ولكنه متقوم بامرك الفعلي تقوم صدور وبامرك المفعولي اي القيام تقوّم تحقّق فاذا سمعت انه تعالى عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها فالمراد به الاول الامكاني يعني ان امكانها وامكان ما ينسب اليها وما هي عليه حاضر لديه في ملكه قبل كونها ومع كونها وبعد كونها واذا اردت الكوني فهو هي فمعنى انها تتغيّر وانه لا يتغيّر وهي هو ان تغيرها لا يخرج شيئا منها عن ملكه فعلمه بالمتغير قبل التغير هو هو قبل التغير وعلمه به بعد التغير هو هو بعد التغير فلم‌ يختلف عليه ذواتها ولا احوالها اذ كلا الحالين حاضر لديه في ملكه واذا حضر لديه في ملكه تغيّرها لم‌ يغب عن ملكه حاله الاول وهو عدم التغير قبل التغير وبالعكس فلم‌تتبدل عليه الاحوال فلا يقال ان علمه تغير لان معنى كون علمه قد تغير انه تجدّد له حال لم‌ يكن حاضرا في ملكه وفقد الحال الاول من ملكه وهو تعالى لا يغيب عنه الماضي لانه تحوّل من حضوره لديه الى حضوره لديه ولا يغيب عنه المستقبل لانه تعالى لا ينتظر ولا يفقد فليس عنده في ملكه بالنسبة الى تسلّطه وتملكه بصنعه ماض ولا استقبال بل تحوّلها وتغيّرها في انفسها عند انفسها واما هو عز وجل فليس عنده في ملكه منها تغيّر ولا تبدل ولا تحوّل وهي لا تتحوّل ولا تتبدّل وانما هو تعالى يحوّلها ويبدّلها ويغيّرها من ملكه الى ملكه فكما لا تستطيع لنفسها ايجادا كذلك لا تستطيع لنفسها بقاء ولا تحوّلا ولا تبدلا ولا ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا فاذا فهمت هذا صحا لك النهار بلا غبار وامّا الذاتي فلا نعرفه ولا نتكلم في حقه الّا بالتنزيه ونفي التشبيه لانه هو اللّه لا اله الّا هو

قال سلمه اللّه تعالى : ولما قلتم في هذا الكلام ان العلم انطبق ووقع على المعلوم حين انتقل علمنا ان مراده عليه السلام في اصول الكافي حيث قال لم يزل اللّه ربنا والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ان يكون هو العلم الحادث وهذا كيف يجتمع مع قوله عليه السلام في ابتداء الحديث العلم ذاته ولا معلوم فان الذات لم ‌تقع على المعلوم بديهة بمعنى المطابقة اذ هي من صفات الخلق تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا
اقول ان مراد الامام عليه السلام ومرادنا تبعا لمراده (ع) ان قوله لم ‌يزل اللّه ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم ان هذا العلم هو اللّه سبحانه وان اللّه والعلم والقدرة والسمع والبصر والحيوة الفاظ مترادفة تدل على معنى واحد متنزّه في عز جلاله عنها وعن دلالتها ولكن كما قال امير المؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ه‍ وامّا قوله عليه السلام وقع العلم منه على المعلوم فالمراد بهذا الوقوع هو الاشراق الحادث بنفس حدوث المعلوم وهو معنى فعلى ايجادي واضرب لك مثلا وللّه المثل الاعلي انك انت سميع لذاتك والسمع ذاتك لانك تقول انا السميع انا البصير فانت لذلك سميع قبل ان يتكلم زيد فلما تكلم سمعت كلامه وانت قبله سميع لا اصم ولكن ادراكك للكلام حدث بوجود الكلام وهو اشراق من سمعك وفعل حدث منك كاشراق الشمس الذي لم يتحقق قبل وجود الكثيف ويذهب بذهابه اذ هو عبارة عنه فالتعلق هو نفس حضور المتعلق اي وجوده وهو الحضور الخاص لانه حضر بنفس وجوده وكونه الذي هو به هو لا الحضور العام الذي هو ضد الغيبة وهذا هو سرّ قوله عليه السلام وقع العلم منه ولم ‌يقل وقع ذاته ولا علمه فافهم

قال ايده اللّه : وايضا قد قسّمتم العلم على الحادث والقديم وقلتم الثاني ذاته تعالى ولم‌اعلم من اين هذا التقسيم وبعد ما قسّمتم لم ‌تذكروا هذه القسمة في القدرة والحيوة بل خصّصتموها بالعلم مع جريانها فيها بل في غيرهما ايضا
اقول هذا التقسيم من كلام الناطقين عنه تعالى عليهم السلام حيث جعلوا العلم ذاته وهذا هو القديم وجعلوا علما آخر له وهو اللوح المحفوظ كما قال في كتابه العزيز قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى فجعل ذلك العند هو الكتاب الذي فيه علمه وقال تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وامثال ذلك في القرءان كثير وبيّنوا ذلك عليهم السلام ومنه قول عليّ بن الحسين عليهما السلام العرش والكرسي بابان من العلم وبيّن عليه السلام ان العرش هو العلم الباطن وفيه علل الاشياء والكيفوفة ومظهر البدع والكرسي هو العلم الظاهر وهذا انشاء اللّه تعالى ظاهر وامّا باقي صفات الذات كالحيوة والقدرة والسمع والبصر فانها كالعلم هي عين ذاته وله باسمائها صفات فعلية كالعلم حرفا بحرف فالتي هي ذاته لم يسمّ نفسه بها بعد ولكنه وصف نفسه بالفعلية لانها هي مبادي البدع والتكاليف والتعريف وهي المحمولة على ذاته فقولك اللّه عالم وقادر وحيّ وسميع وبصير مثل قولك زيد قائم وقاعد وآكل وشارب وهذه الصفات في جانب الحق تعالى وصفات زيد في حقه لم‌ تكن محمولة عليه بالحمل الاولى المفيد للاتّحاد وانما هي محمولة عليه بالحمل المتعارف المفيد للاتحاد في المفهوم والمفهوم من ذات الحق تعالى هو المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي العنوان وهي المثال وهي الوجه الذي يتوجه اليه الاولياء وكذلك المحمول عليه في زيد ليس هو ذات زيد والّا لم ‌تزل ذات زيد قائمة او تكون القضيّة كاذبة بل المحمول عليه هو جهة فاعلية زيد للقيام في زيد قائم وللقعود في زيد قاعد فلما انجرّ الكلام بالناس الى ان سألوا هل كان تعالى لذاته عالما وقادرا اجابوا عليهم السلام نعم وصفاته عين ذاته ولوّحوا لشيعتهم بالبيان وقد ذكرنا ذلك في كثير من كتبنا كشرح المشاعر وشرح العرشية وغيرهما ولكنه مفرّق وليس كل المسائل مجموعة في كتاب فافهم معنى ما لوّحوا به لك

قال سلمه اللّه : وبيّن لنا ما قد قيل بمغايرة العلم لذاته حيث استدلّ عليها بدلائل اربع على طريقة قياس الخلف فقيل ان العلم غيره تعالى لانه لو كان عينه لما افاد حمله عليه ولماامتازت الصفات ولما افتقر الى الاثبات ولجاز اتّصافه بما اقتضت به الذات والتوالي باطلة بالبديهة فالمقدّمات مثلها
اقول هذا الكلام كله صحيح وانما بطلانه من جهة ظنّهم ان هذه الصفات المحمولة هي الّتي قالوا انّها عين الذات ومن ظن ذلك فقد اخطأ لان المحمولة هي المغايرة للذات في معانيها وفي مفاهيمها بل وفي وجوداتها وهي المتغايرة في انفسها في مفاهيمها وفي معانيها والتي يقال فيها بالعينية غير المحمولة وليس بينهما اشتراك معنوي ولا لفظي وانّما اشتركا في خصوص الالفاظ بل عند اهل العصمة عليهم السلام ان المحمولة مجاز والحقيقة هي المقول فيها بالعينية

قال سلمه اللّه تعالى : وبيّن لنا انه هل يجوز ان يقال في الحديث السابق انه بتقدير المضاف اي سبب العلم والباعث الى ايجاده بنفسه هو ذاته فعلى هذا يكون المراد بالعلم في هذا الحديث العلم الحادث فيكون حينئذ للوقوع على المعلوم بمعنى المطابقة معنى محصّل وهل يجوز ان يقال ان التسمية بالعلم الذاتي كانت باعتبار ان بعض الصفات كالعلم والقدرة منسوبة الى الذات فسمّيت بها وبعضها منسوبة الى الفعل كالمشية فسمّيت به على قياس تسمية الاعراض الذاتية بالنسبة الى الانسان وهل يجوز ان يقال في معنى العينية ان الصفات باسرها منفيّة عن الذات كما قال بعض الحكماء وامّا حديث العينية فيرجع الى نفي الصفات وجعل الذات نائبا منابها في ترتب الاثار فعلى هذا كان ذاته البسيط تعالى شانه قد ذوّت الذوات من ذات المشية ووصّف الصفات من صفاتها
اقول لا حاجة الى تقدير المضاف بل المراد ما ذكرنا ووقوع العلم هو مطابقته للمعلوم فاذا قلنا ان العلم نفس المعلوم لم‌تكن المطابقة اصدق من مطابقة الشيء لنفسه وهو معنى مستعمل في اللغة العربيّة واحاديثهم وادعيتهم عليهم السلام مشحونة به وليس الفرق بين الصفات العينية والصفات الفعلية امرا اعتباريا ليقال ان ما نسب منها الى الذات يسمي عينيّا وما نسب الى الفعل يسمى فعليا بل الصفات العينية ذاته القدسية لها اسماء متعدّدة مترادفة تدل على معنى واحد بجهة واحدة غير متعدد لا في المعنى ولا في المفهوم كما توهمه من لا يعرف فانها اذا كانت هي ذاته من حيث الوجود والمصداق وغيره من حيث المفهوم كان ذو الحيثيّتين عين البسيط البحت فيكون حينئذ البسيط مختلف الحيثية ومختلف الحيثية حادث وليس معنى عينيّة الصفات نفيها اصلا بل المراد ثبوتها وذلك الثابت هو الواحد الحق سبحانه ومن نفاها وجعل الذات نائبة منابها فانما دعاه الى ذلك مغايرة مفاهيمها للذات فيكون المعلومية مثلا اثرا للعلم لا للسمع واثبات العلم يوجب تعدد القدماء فينفيه ويجعل الذات نائبة مناب العلم لان المعلومية لا تصلح ان تكون اثرا للذات وانّما هي اثر للعلم وانت خبير بان الذات اذا كانت فاعلة بنفسها لا معنى للنيابة عما ليس بشيء

قال ايده اللّه تعالى : وهل يصح ان يقال في دعاء العديلة كان عالما قبل ايجاد العلم والعلّة ان المراد بالعلمين الحادثان فالاوّل هو المطلق بقرينة التنكير والثاني المقيّد بقرينة تعريفه الدال على تقييده وانما يحمل العلمان على الحادثين بقرينة ذكر القبل فانه يدلّ على التفاوت الموجود في الحوادث لانه صفة الخلق اذ الحق بريء منه لاستوائه بالنسبة الى المخلوقات طرا على ما ذكرتم في مواضع عديدة
اقول قوله عليه السلام في دعاء العديلة كان عالما قبل ايجاد العلم والعلة دليل ظاهر صريح على ان العلم الاوّل هو الذاتي لانّه هو الّذي قبل ايجاد العلم المطلق والمقيد الحادثين وقبل ايجاد مطلق العلّة والعلم الذي وقع بالايجاد هو الحادث فليس المراد بالعلمين الحادثين بل الاول هو القديم والثاني هو الحادث وقرينة التنكير اعم من الاطلاق وذكر القبل لا يدل على الحدوث الا اذا اريد بالقبل الابتدائي ولكن استعمال القبل بمعنى اللابتداء واللانتهاء مشهور خصوصا في مثل هذا المقام واستواؤه بالنسبة الى جميع الاشياء لا ينافي تفرّده بالقبلية الازلية لانها هي عين البعديّة بجهة واحدة وفي الدعاء يا من هو قبل كل شيء يا من هو بعد كل شيء

قال سلمه اللّه تعالى : وايضا قلتم ان المشية بالنسبة اليه تعالى لا وصل به ولا فصل عنه ولم ‌نفهم مرادكم فبيّن لنا هذا وجدنا هذا الكلام منكم في بعض تعليقاتكم في جواب السائلين المتضرعين ببابكم وقد عرضنا الاسئلة على السيد السند سيد محمد بكّاء سلمه اللّه مرارا ولم‌ نفهم المراد
اقول نعم ذكر ذلك في معرض جواب اورده الحكماء على المتكلمين ما ملخّصه قال الحكماء للمتكلمين قولكم انه تعالى قبل كل شيء وهذا لا يصح اذ لا يخلو ان يكون سبق الاشياء بمدّة او بدون مدة فعلى الثاني يلزم اما حدوث الواجب او قدم العالم واللازمان باطلان فالملزومان مثلهما وعلى الاول اما ان تكون المدة متناهية او غير متناهية فعلى الاوّل يلزم ما لزم في الشق الثاني من حدوث الواجب او قدم العالم لانه يكون متصلا بالعالم وعلى الثاني يلزم ان العالم الى الان لم ‌يوجد قال فخرالدين الرازي وهذه الشبهة بقيت متصعّبة على الاذهان الى الأن فاشرت الى جواب تلك الشبهة بانها سهلة لا صعوبة فيها بان هذه النسبة التي يلزم منها ما ذكره الحكماء لا تصح بين شيئين الّا اذا كانا في صقع واحد وليس بين الازل والامكان نسبة من النسب الاربع وليس شيء يوصف بالثبوت الّا اللّه سبحانه واسمه وصفته والخلق اسماؤه وصفاته وليس بينه وبينهم وصل ليصحّ ما فرضه الحكماء ولان الوصل يلزمه الاقتران الموجب للحدوث ولا فصل والّا لما وجد عنه شيء وآية ذلك التي جعلها سبحانه دليلا في الافاق السراج فان اشعته لم‌ تكن متّصلة به لان طرفي المتّصلين متماثلان واقرب جزء من الشعاع الى السراج لا يصح ان يكون متّصلا بالسّراج لانه لا يكون منيرا ابدا وانما هو نور والجزء الذي يليه من السراج لا يكون نورا ابدا وانما هو منير فلا مماثلة فلا وصل ولا فصل والا لما وجد الشعاع ولان الوصل والفصل من صفات الحوادث لا يقع شيء منهما الّا بين حادثين لانهما من الاكوان الاربعة فالفصل يلزم منه الاقتران والوصل يلزم منه الاجتماع ولا يكونان الّا بين حادثين والمشيّة والارادة اذا نسبا الى الازل لم ‌تكن بينه وبينهما نسبة من النسب الاربع لتباين الظرفين وتفارق العالمين واذا لحظت انهما قائمان به اي بذاتهما اي اقامهما بذاتهما قيام صدور وقيام تحقّق فلا وصل ولا فصل لانّه تعالى وحده لا يقرب منه قريب يحصل منه الوصل ولا يبعد منه بعيد يحصل منه الفصل لانّ هذين الحالين من احكام الوضع فافهم

قال ايده اللّه تعالى : وبيّن لنا ان الاول هل واسطة بين المقدس والمشية فان قلتم به فما معنى كلامكم لا فصلا منه اذ الاقدس حينئذ واسطة وبين لنا ما معنى الاقدس والمقدس هل هذا مثل التقدير والمقدّر الدالّين على التعدد حيث ورد في بعض الاحاديث ان اللّه خلق خلقين اثنين تقديرا ومقدرا الى اخره او غير ذلك بان يكونا شيئا واحدا معنى لا لفظا وبيّن لنا الحقيقة في ذلك على التفصيل واخرجنا من الظلمات الى النور والى الصواب من الزور والغرور
اقول انتهى كلامه الاول اعلى اللّه مقامه واعلم ان المقدس والاقدس ليس هذا من كلامي ولا استعمله لما فيه على مرادهم منه من الفساد ولكني ابيّن ذلك لجنابك على ما يظهر لي اعلم انهم يريدون بالمقدس الذات الحق تعالى واللّه سبحانه اعلم ويريدون بالاقدس الروح القادسة اعني روح القدس فعندنا روح القدس يطلق على جبرءيل عليه السلام قال تعالى قل نزّله روح القدس من ربّك بالحق ويطلق على الروح من امر اللّه وهو عقل الكل وعلى روح القدس وهو روح الكل وهما ركنان من العرش الاول النور الابيض والثاني النور الاصفر وعندهم ان روح القدس لا يدخل تحت كن لانه هو كن وليس هو ممّا سوى اللّه تعالى صرح الملا صدر الدين الشيرازي في اخر المشاعر وفي اوله قال ان العقل وما فوقه كل الاشياء من قولهم بسيط الحقيقة كل الاشياء وقد اشرنا الى بطلان كل ذلك في شرح المشاعر فعلى ما يظهر من كلامهم اذا كانوا يجعلون روح القدس ليست مما سوى اللّه تعالى ولا تدخل تحت كن وانّها كل الاشياء لانها بسيط الحقيقة ان الاقدس هو نفس المشية وهي واسطة بين المقدس وبين المشية هذا ما يظهر لي من هذا الكلام لاني ما سمعته الّا من خطكم الأن وليس لي انس باصطلاح الصوفية واللّه سبحانه اعلم وامّا ما في حديث الرضا عليه السلام من ان اللّه تعالى خلق التقدير والمقدّر فالمراد بالتقدير الابداع والمقدّر المبدع وهو عندنا النور المحمدي صلى اللّه عليه وآله والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين

قال سلمه اللّه تعالى : وفي اصول الكافي في جواب السائل بهذا الكلام هل الاسماء والصفات التي ذكرت في القرءان هي هو فقال مولي الانام في جوابه هي عنده في علمه وهو مستحقها بيّن لنا ان المراد بهذا العلم ما ذا فاذا قلتم انه غير المشية فبيّن لنا ان سبب ابتداء الحديث بالمشية ثم الارادة ثم القدر ثم القضاء ثم الامضاء ما ذا لم لم‌ يبتدء بالعلم ثم بالترتيب المذكور وحينئذ ما معنى العلم واذا قلتم انه هو المشية ما السبب في اختيارها عليه في الذكر على هذا التقدير وفي بعض الاحاديث هكذا علم وشاء الى اخر الحديث لم ‌نعلم ما السبب في ترك العلم في حديث وذكره في اخر بيّن لنا هذا وقلتم ان المشية هي الذكر الاول فما معنى العلم المقدم عليه في الحديث فتشابه علينا الامر فاخرجنا منه من احيى نفسا فكانما احيى الناس جميعا وبين لنا ان عقد القلب على المجهول في ضمن الاسماء والصفات التي وصف اللّه بها نفسه هل يضرّ بالنية ام لا اذ لا نقدر على غير ذلك ولا نعلمه بوجه من الوجوه اذا اشتغلنا بالصلوة وسائر العبادات هل هذا القدر كاف لنا ام نحتاج الى شيء اخر فبيّن
اقول هذا اخر كلامه اعلى اللّه مقامه قوله عليه السلام هي عنده يعني في ملكه وقوله في علمه اي في ملكه الذي هو ذواتها اي حضورها بذواتها لديه في امكنة حدودها واوقات وجودها كلّ في مقامه وهو مستحقها اي مالكها وهذا العلم هو ذات المعلوم كلّ في رتبته واذا ذكر مع المشية كما في هذا الحديث حديث الكاظم عليه السلام في قوله علم وشاء واراد وقدّر وقضي وامضي فالعلم هو العلم الامكاني والمشية هنا المشية الكونية حدث بها الكون اي الوجود يعني حصّة المادة النوعيّة كحصّة الانسان من الحيوان والارادة الكونية حدث بها العين اعني الماهية الاولى يعني الصورة النوعيّة وهذا هو الخلق الاول والخلق الثاني اوّله التقدير اي ايجاد الحدود الحسّية والمعنوية من البقاء والفناء والرزق وما اشبهها وفي هذا الشقاوة والسعادة والقضاء اتمام ما قدّر والامضاء اظهاره مشروحا مبيّن العلل والاسباب فاذا اريد بالعلم غير المشية فهو الامكاني واذا ابتدئ بها فهي المشيّة الكونية واذا اريد بالعلم المشية وذكرت دونه فالمراد ان الكلام في الايجاد والعلم لا يعرف ذلك منه بخلاف المشيّة واذا فسّرت المشية بالذكر الاول فالمراد بذكره بالكون اي بتكوينه والعلم المقدم عليها الامكاني ومعنى توجه القلب وعقد يقينه على معبود مجهول مطلق ان العابد يتوجّه الى معبود يعرفه والشيء لا يعرف الا بما هو عليه فاذا عرف معبوده بما هو عليه فقد عرفه كمال معرفته وهو تعالى لا يدرك كنهه ولا يعرف الّا من حيث وصف نفسه وهو تعالى وصف نفسه بانه لا يعرف وامر بان يدعى باسمائه فاذا عقد قلبك على الجهل به مطلقا فقد عرفته بما هو عليه واذ دعوته باسمائه فقد امتثلت امره ولا يقبل هو معرفته من عبده الا هكذا ولو توهمه المكلف او تصوّره وعبد ذلك المتوهّم او المتصوّر فقد عبد الشيطان وعصى الرحمن ولا تصح النية ولا تقبل العبادة الّا بعقد القلب على المجهول الذي لا يدعى الّا بما وصف به نفسه

قال سلمه اللّه : ثم بيّن لنا ان الخلق لو اعتقدوا ان اللّه تبارك وتعالى ذات بسيط خال من جميع الصفات واضدادها حتى العلم والجهل والقدرة والعجز وغير ذلك فلما خلق العلم في الاشياء صار عالما وسمّي به بمعنى انّه لو لم ‌يخترع ولم‌ يحدث شيئا لم ‌يكن عالما ولا جاهلا اذ هما لا يتصوّران الّا بعد الشّيء الموجود وامّا قبل الوجود فايّ معنى لعلمه بالشيء وفي الحديث علمه بالاشياء قبل الاشياء كعلمه بها بعدها اذ لا حصول صورة ولا حضور شيء حينئذ اذ لو كان لثبت القول بالاعيان الثابتة وهو مذهب القائلين بوحدة الوجود وقد ابطلتم هذا المذهب بطرق عديدة وقلتم في حقّ مميت ‌الدين انه ضل واضلّ كثيرا من اهل اليقين فالحاصل لو اعتقدوا كذلك هل كان له وجه صحة ام ينبغي ان يعتقد انّه سبحانه متّصف باشرف طرفي النّقيض ولم‌ يجز خلوّه عنه فان قلتم بالاخير فما معنى حديث انه لا اسم له ولا رسم ولا وصف وكذا حديث حقيقة التوحيد نفي الصفات عنه وهو المذكور في نهج البلاغة لسيد الوصيين عليه السلام فاكشف الغطاء وبيّن المراد وثبّتنا على ما هو الحق في دار الغرور ولا ترض لنا بالجهل في هذه الأمور فانا وجدناكم انّكم على السائلين شفيق جدير
اقول من اعتقد ان معبوده ذات بسيطة خال من جميع الصفات الى اخر ما قال من الاعتقاد الاول هذا كله حق واعتقاده صحيح ولكن يحتاج الى بيان على نمط الشرح المزجي ذات بسيط حق هو ذات بسيط لا تركيب فيها لا في الخارج ولا في نفس الامر ولا في الذهن ولا في الفرض والاعتبار خال من جميع الصفات واضدادها لان الصفات التي لها اضداد ولو في الفرض هو منزّه عنها بخلاف صفاته التي هي ذاته فانه غير خال منها لانها ذاته والشيء لا يخلو من ذاته حتى العلم والجهل والقدرة والعجز وغير ذلك هذه منزّه عنها لان لها اضدادا فهي غيره وهي خلقه فلما خلق العلم في الاشياء صار عالما وسمّي به هذا هو العلم الاشراقي الحادث وهذا الكلام حق لان هذا العلم الاشراقي يحدث بحدوث المعلوم ويرتفع بارتفاعه لانه نفس المعلوم بمعنى انه لو لم ‌يخترع ولم‌ يحدث شيئا لم‌ يكن عالما لان هذا نفس المعلوم ولا جاهلا لانه عالم لذاته تعالى ولم ‌يزدد علما بوجود الاشراقي ولا يلحقه نقص بفقدانه لانّه لا يفقده في ملكه اذ هما لا يتصوران الّا بعد الشيء الموجود واما قبل الوجود فاي معنى لعلمه بالشيء ولا شيء لان دعوي ذلك جهل وقد قال تعالى قل اتنبئونه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض وقال ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض فاخبر تعالى بانه لا يعلم ان له شريكا لا في السموات ولا في الارض فنفى العلم لعدم المعلوم وفي الحديث علمه بالاشياء قبل الاشياء كعلمه بها بعدها هذا هو العلم الاشراقي الامكاني لان الامكان قبل الممكن ومعه وبعده وهذا العلم كغيره نفس المعلوم وهو ايضا موجود عنده في ملكه لم ‌يفقده من ملكه ابدا اذ لا حصول صورة ولا حضور شيء حينئذ هذا العلم المتعلق بالمعلوم لا فرق فيه بين حصول الصورة وعدمها لانه العلم الحادث الموجود في ملكه لا في ذاته فلا محذور في الصورة وغيرها لان قوله علمه بالاشياء دليل على العلم الحادث لان القديم هو اللّه تعالى وهو تعالى لا يقترن بشيء ولا يرتبط به شيء اذ لو كان حصول صورة او حضور شيء لثبت القول بالاعيان الثابتة وهو قول القائلين بوحدة الوجود اذا اريد بالعلم العلم الذاتي الذي هو اللّه تعالى واما اذا اريد به الامكاني الاشراقي الحادث فلا محذور وقد ابطلتم هذا المذهب بطرق عديدة وقد ابطله اللّه واولياؤه عليهم السلام وقلتم في حق مميت ‌الدين انه ضل واضل كثيرا من اهل اليقين بل اقول ان حاله اسوء من ان يوصف ولقد هلك واهلك وان يهلكون الّا انفسهم فالحاصل لو اعتقدوا كذلك هل كان له وجه صحة نعم هذا دين الله ودين انبيائه ورسله واوليائه ولكن بالحدود التي وصفت لك في هذا البيان واللّه سبحانه هو المستعان ام ينبغي ان يعتقد انه سبحانه متّصف باشرف طرفي النقيض ولم ‌يجز خلوه عنه هذا المعنى لا يصح على القديم تعالى لانه لا يوصف بما له جهة تعدد او مقابلة او حيثية او غير ذلك فاشرف طرفي النقيض ولو كان النقيض لفظا او اعتباريا يكون نقصا في شأن ذاته تعالى لان الاتصاف هنا ذاتي فيجب فيه اعتبار ما في الصفة في الذات فلو جاز وصفه باشرف طرفي النقيض كان هو في ذاته اشرف طرفي النقيض فيكون ذلك اثباتا للضد تعالى عن ذلك ولم ‌يجز خلوّه عنه لانه عينه فتكون ذاته اشرف طرفي النقيض وهو باطل فان قلتم بالاخير فما معنى حديث انه لا اسم له ولا رسم ولا وصف نحن لانقول بالاخير لاستلزامه ما سمعت وكذا حديث نفي الصفات عنه وهو المذكور في نهج البلاغة لسيد الوصيين عليه السلام فاكشف الغطاء عن المراد وثبّتنا على ما هو الحق في دار الغرور ولا ترض لنا الجهل في هذه الامور الخ اعلم ان قول عليّ عليه السلام وقول الرضا عليه السلام وهو كمال توحيده نفي الصفات عنه ليس المراد منه عدم الاتصاف اصلا بل المراد ان هذه الصفات كالحيوة والعلم والسمع والبصر والقدرة هي ذاته بغير مغايرة ولا تعدّد لا في الخارج ولا في نفس الامر ولا في الذهن ولا في الوجود ولا في المفهوم ولا في الفرض والاعتبار وانما هي الفاظ مترادفة تدل على معنى بسيط وذات بحت فاللّه والعلم والقدرة وباقي الصفات معناها واحد ومفهومها واحد ومصداقها واحد ووجودها واحد فهي كأسد وسبع وسيد وعفرني اسماء مترادفة مسمّاها الحيوان المفترس المعروف وليست هذه هي المحمولة عليه في قولك اللّه عالم لان المحمولة اسماء افعال صيغت من الفعل واثره اسماء للفاعل كما صيغ من حركة فعل القيام واثره الذي هو القيام اسم لفاعل القيام وهو مثال زيد الظاهر بالقيام وليست معنى العينيّة على مذهب الائمة عليهم السلام ما ذهب اليه بعض العلماء من انها عينه في الوجود وغيره في المفهوم فافهم واشرب صافيا والحمد للّه ربّ العالمين

قال سلمه اللّه تعالى : وبيّن لنا ما السبب في اختلاف الاشياء حيث كان بعضها شقيا وبعضها سعيدا وانا قد وجدنا اكثر رسائلكم ونظرنا الى تلك الرسائل ولم‌ نفهم المراد منها واللّه لو منعتم منا حق نفس الامر ولم‌ تبيّنوا لنا ما هو المكنون المخزون عندكم على ما هي عليه في الواقع ونفس الامر لكنتم قد امتّونا وفي القيمة نقول ان الاعتقاد الذي وصل الينا هو الذي وصل منكم فبيّن ان الحق الحقيق في صيرورة هذه الاشياء على ما كانت عليه ما السبب في ذلك فان لم ‌توصل الينا ما هو الحق لكنتم من البخلاء تعالى شأنكم عن ذلك فنجّنا من النار والّا لهلكنا واللّه انا طالبون للحق ليس قصدنا سواه فبين لنا حق البيان الذي ليس شيء سواه لكم بل بيّن ما هو الحق عندكم بحق العزيز الحكيم قال اللّه تعالى لا تيئسوا من رحمته فانه قريب من المحسنين فاحسن الينا حق الاحسان ببيان مرادكم الواقعي في هذه الاشياء كمال البيان انشاء اللّه
اقول هذا اخر كلامه نقلته حرفا بحرف واريد منه كما يريد منّي والحكم غدا امامنا فاعلم انك وان لم ‌تشدّد هذا التشديد لا تسمع مني حرفا الّا ما اعتقده ولكن كيف انت واحتماله وقبوله مع ما تسمع ما الناس فيه من الخبط والحاصل ان اللّه سبحانه خلق مادة نوعية يسمونها الناس بالوجود وهي هيولي لجميع اوليائه محمد واهل بيته عليه وعليهم السلام وجعلها اربع ‌عشرة حصّة والبس كل حصّة هيكل توحيده على حسب اجابته فبقوا يعبدون اللّه تعالى ليس في الكون غيرهم الف دهر كل دهر مائة الف سنة ثم خلق من شعاع ذلك النور مائة واربعة وعشرين الف لمعة نور والبس كل لمعة صورة من صور احوال الاوّلين عليهم السلام وهؤلاء هم الانبياء والمرسلون وبعث اليهم محمدا صلى اللّه عليه وآله مع اهل بيته شهداء على التبليغ فاجابوا وبقوا يعبدون اللّه تعالى الف دهر كل دهر مائة الف سنة ثم خلق من شعاع انوار الانبياء عليهم السلام انوار المؤمنين ثم خلق من اظلّة هذه الانوار ذوات الكافرين والمنافقين واتباع الفريقين من اصحاب اليمين واصحاب الشمال عند الكعبة فقام داعي اللّه صلى اللّه عليه وآله في عالم الذر قبل خلق السموات والارض باربعة الاف سنة مسندا ظهره الى الحجر الاسود من الركن العراقي فجعلهم حصصا كل حصّة غير الاخرى بامر اللّه تعالى فجعل اللّه سبحانه بداعيه في كل حصّة منها التمييز والاختيار وبيّن لكل حصّة منها طريق الخير والشر وهذه مثالها لو كان عندك خشب فاخذت شيئا منه تريد ان تعمل منه اذا شئت بابا وحصّة اخري للسرير قبل ان تعمل ذلك ولكن الحصّة صالحة لعمل ما تريد ولغيره فكذلك اعطى كل حصّة منها التمييز والفهم للخير والشر وللحسن والقبيح وجعل فيها الاختيار ثم انّ داعي اللّه صلى اللّه عليه وآله كشف للحصص بامر اللّه عن عليين كتاب الابرار وقال لهم عن اللّه هذه الصور صور طاعات اللّه واجابته فمن اطاعني فيما امره به من طاعة اللّه واجاب دعوتي الى اللّه البسه اللّه صورة اجابته من هذه الصور التي هي صور طاعات اللّه واجاباته ثم كشف عن سجّين كتاب الفجار بامر اللّه وقال لهم عن اللّه هذه الصور صور معاصي اللّه وعدم اجابته فمن عصاني فيما آمره به عن اللّه تعالى وانكر دعوتي الى اللّه البسه اللّه سبحانه صورة معصيته وانكاره ثم امره ان يدعوهم فنطق عن اللّه تعالى وقال لهم معاشر الناس يقول اللّه ربكم الست بربكم قالوا بلى فقال لهم ومحمد نبيكم فاجاب المؤمنون بالسنتهم وقلوبهم فخلقهم اللّه من النور وصبغهم في الرحمة والمنافقون سكتوا عند قوله ومحمد نبيّكم بمعني انهم قالوا بلى متوقفين منتظرين لما سيكون فعلم تعالى ما في قلوبهم فاوحى الى نبيه صلى اللّه عليه واله ان اعرض عنهم وانتظر انّهم منتظرون ثمّ تمادي بهم الامهال والاعراض حتى وصلوا في عالم الذرّ الى غدير خمّ فامر داعيه صلى اللّه عليه وآله ان يقوم فيكمل لهم الدين ويجدّد عليهم العهد المأخوذ عليهم فنطق عن اللّه تعالى كما امره فقال يقول اللّه لكم يا معاشر الناس الست بربكم ومحمد نبيّكم وعليّ امامكم ووليكم والائمة من ولده ائمتكم وحجج اللّه عليكم فقال المؤمنون بلى بقلوبهم والسنتهم فكتب في قلوبهم الايمان وايّدهم بروح منه وقال المنافقون والكافرون لا بمعنى انهم قالوا بلى بالسنتهم واما بقلوبهم فقالوا لا بمعنى انهم اضمروا الّا نطيع هذا المنادي فانه انما اراد بذلك ان يستولي علينا هو واهل بيته فحصر الولاية والخلافة فيهم فنطق القرءان بما اضمروا حكاية عما في سرائرهم اجعل الالهة الها واحدا ان هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ ان امشوا واصبروا على الهتكم ان هذا لشيء يراد وانما شقي من شقي وضلّ من ضلّ بعد البيان وابيّن هذا لك حتى يرتفع الغبار عن وجه النهار اعلم ان اللّه سبحانه قال سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبيّة فما فقد في العبوديّة وجد في الربوبيّة وما خفي في الربوبيّة اصيب في العبوديّة الحديث والربوبية هنا كناية عن المؤثر والمنير والعبودية كناية عن الاثر والنور وقال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يعلم الّا بما هيهنا ه‍ وانت اذا نظرت الى الظالم يظهر لك انه مختار لو شاء لم‌ يظلم والتقي مختار لو شاء فسق فالخلق مختارون فان قلت كيف يتبين للعاقل القبيح ويرتكبه قلت انظر الى اهل الدنيا تجد الذكي العاقل يعلم قبح الفعل ويرتكبه والاسباب المرجّحة للقبيح عند بعض الناس في الدنيا مثل حب الجاه وحبّ المال والحسد والعناد وهذه بعينها في عالم الذر فانّ هناك جميع ما وجد في الدنيا من خير وشرّ حتى انك ربما تريد تمضي الى المسجد او الى السوق من طريق قريب فترى امامك من تكره رؤيته او اطّلاعه عليك او كلامه لك او غير ذلك فترجع عن الطريق الاقرب وتسلك الابعد وربّما رجعت الى بيتك وتركت عزمك كل ذلك كراهة صحبة من تكرهه فكذلك في عالم الذر يكون بعض الناس اذا رأى شخصا ضدّا له سبقه الى الاجابة فيترك اجابة الداعي كراهة ان يكون تابعا له او يكون سابقا عليه او يقال بان فلانا تابع لفلان فمن اجاب هناك عن معرفة وبصيرة او انكر عن معرفة وبصيرة فانه في هذه الدنيا لا يتغيّر عن حاله في عالم الذر الّا ان يشاء اللّه فانه على كل شيء قدير وهو قوله تعالى فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل اي في عالم الذرّ وقال الصادق عليه السلام لا يكون هؤلاء من هؤلاء ولا هؤلاء من هؤلاء ومن اجاب او انكر من غير بصيرة ولا علم فامره موقوف على البيان الى يوم القيمة الصغرى او الكبرى ثم يجدّد له التكليف فامّا ان يجيب عن علم وامّا ان ينكر عن علم واعلم وفّقك اللّه ان شقوق هذه المسائل وما يرد عليها وما يجاب به كثيرة لا يمكن جمعها في كتاب والتسليم والقبول لما يرد عن الرسول وال الرسول صلى اللّه عليه وعليهم مفتاح ينفتح به كل مقفل ويحلّ به كل مشكل ويعالج به كلّ معضل فمن روي بماء هذا المنهل والّا فلا علاج له الّا بالمشافهة لان المشافهة تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير واللّه سبحانه ولي التدبير واليه المصير

وفرغ من تسويدها مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي في الليلة السابعة والعشرين من جميدي الاولى سنة ١٢٣٥ خمس وثلاثين بعد المائتين والالف من الهجرة النبويّة على مهاجرها واله افضل الصلوة والسلام حامدا مستغفرا مصليا مسلما

المصادر
المحتوى