
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد ارسل الي السيد الجليل والسند النبيل الاوحد الممجد السيد محمد بمسائل طلب مني جوابها على غير ما يذكر المفسرون ظاهرا وشدد في الطلب واطال واسهب وكان القلب متشتتا والعزم متهافتا ليس لي وجدان من اختلاف احوال الاخوان والزمان ولكن لا يمكنني غير اجابته واسعاف طلبته فكتبت ما يتيسر وتركت ما طال او تعسر اذ لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور
قال سلمه الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا يرد سائله ولا يخيب آمله بابه مفتوح لسائليه وحجابه مرفوع لامليه وصلى الله على مفتاح كنوز اسراره محمد وآله الطاهرين سادة اهل ارضه وسمائه وبعد فيا مفتاح كنوز اسرار اهل العصمة مولانا وقبلتنا وقرة عيننا واستاذنا ومحيي نفوسنا من حيرة الشكوك والشبهات وشمس سماء الحسن والكشف والفضل والمجد والفيوضات اشرف علماء الاولين والاخرين وزبدة قاطبة العرفاء السابقين واللاحقين ومعدن حقايق الالهية وبحار معارف الربانية وصاحب النفس القدسية اللاهوتية الرؤف الرحيم البر الحليم الذي قصرت السن الاقلام عن بلوغ حقيقة جلاله وحسن حاله كما يليق به مفقود القدر فخر خواص اهل العصمة شيخنا الجليل ومولانا الجميل مستجمع الحقايق والمعارف مشكوة اهل العلم والمعرفة وباب مدينة اسرار اهل العصمة الشيخ احمد بن زينالدين سلمه الله من الافات والبليات وحشره الله مع ساداته في بحبوحات الجنات انا عبدكم السائل بباب فيوضاتكم الامل بجنابكم ان لا ترد حقيقة سؤالي وان تكشف الغطاء لحقيقة مسئلتي بحق الله العليم الكريم الذي لا يرد سائلا عليك وبحق ساداتك الاطهار
قال : بين لي حقيقة سورة التوحيد من اولها الى آخرها
اقول حقيقة سورة التوحيد لبيانها وجوه كثيرة لا يدخل حصرها تحت علمنا وانما نتكلم عليها بما يحضرنا حال الخط مما نعرف مما اذن ببيانه فنقول قد قام الاجماع ودلت النصوص بان بسم الله الرحمن الرحيم آية منها فتدخل في المسئول عنها وحيث علم بالنص ان هذه السورة تسمي نسبة الرب كما رواه في التوحيد عن الصادق (ع) قال ان اليهود سئلوا رسول الله (ص) فقالوا انسب لنا ربك فلبث ثلاثا لا يجيبهم ثم نزلت قل هو الله احد الخ دل ذلك على ان البسملة مشتملة على النسبة الا انها على جهة الباطن والتأويل والاشارة الى ذلك على سبيل الاقتصار هو انه روي عن الصادق (ع) الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله وفي رواية ملك الله فنسب نفسه بانه ذو البهاء وهو الضياء والمراد به ما ابتدعه من الوجود بمشيته وهو اشارة الى العقل الكلي المشار اليه بقوله تعالى مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الاية وما له من الرؤس والوجوه العقلية وهي عقول جميع الموجودات وهي اشعة ذاته وانه ذو السناء وهو نور الضياء والمراد به ما سواه من العين بارادته وهو اشارة الى النفس الكلية وهي المشار اليها بقوله ولا اعلم ما في نفسك وهي اللوح المحفوظ مع ما لها من الرؤس والوجوه النفسية وهي نفوس جميع الموجودات وهي اشعة ذاتها وانه ذو المجد وهو الكرم هنا والملك على الرواية الاخرى يراد به ما يراد بالمجد والمراد به ما حدده من المفعولات بقدره وهو اشارة الى عالم الملك من الاجسام والاعراض والنسب والاوضاع وغير ذلك فكانت العوالم الثلاثة نسبة له لانها اثر فعله والمراد بالنسبة الصفة اي وصف نفسه لهم بصفة فعله واثره وذلك لان الفعل صفة الفاعل والاثر صفة المؤثر فالباء اشارة الى المفعولات العقلية والسين اشارة الى المفعولات النفسية والميم اشارة الى المفعولات الجسمانية وهذه المراتب الثلاث ظواهر النسبة ومراكب بواطنها والاسماء الثلاثة التي هي مسميات بسم وهي الله الرحمن الرحيم مقوماتها وبواطنها وذلك لان اسم الله هو المراد من الباء والمشار بها اليه واسم الرحمن هو المراد من السين والمشار بها اليه واسم الرحيم هو المراد من الميم والمشار بها اليه وبيانه ان نقول الله سبحانه هو المنسوب والالوهية نسبته والباء محلها وصورتها والرحمن تعالى هو المنسوب والرحمانية نسبته وهي الرحمة التي وسعت كل شيء والسين محلها وصورتها والرحيم عز وجل هو المنسوب والرحيمية نسبته وهي الرحمة المكتوبة والميم محلها وصورتها فالباء صورة للالوهية التي هي صفة الله سبحانه وهي الجامعة لصفات القدس كالسبحان والقدوس والعزيز والعلي وما اشبه ذلك ولصفات الاضافة كالعليم والسميع والبصير والقادر والمدرك وما اشبه ذلك ولصفات الخلق كالخالق والرازق والمعطي وما اشبه ذلك والسين صورة الرحمانية التي هي صفة الرحمن تعالى وهي الجامعة لصفات الاضافة وصفات الخلق والميم صورة الرحيمية التي هي صفة الرحيم عز وجل وهي الجامعة لصفات الخلق وهو سبحانه وصف نفسه لعباده وتعرف لهم بنسبته في صفته كما اشرنا اليه فقال بسم الله الرحمن الرحيم فالالوهية جبروت في الدهر العلوي والباء صورة لرتبتها ومحلها والالف القائم في الله صورة معناها والرحمانية ملكوت في الدهر السفلي والسين صورة لرتبتها ومحلها والالف المبسوط في الرحمن صورة معناها والرحيمية ملك في الزمان والميم صورة لرتبتها ومحلها والالف الراكد في الرحيم صورة معناها والظاهر بهذه الصفات الثلاث في السرمد اظهرها في مراتبها فتعرف بصفاته لجميع مخلوقاته فقد تضمنت البسملة نسبته سبحانه لعباده بالتلويح كما اشرنا اليه وبالتصريح كما هو ظاهر الاسماء الثلاثة وهي الله الرحمن الرحيم وفيها اشارة الى ما تضمنته السورة لان سرها في البسملة وذلك انه قال بسم الله الرحمن الرحيم فوصف نفسه بالشيئيه ونفاها عن غيره الا به الا ترى كيف جعل العوالم الثلاثة المسماة بالجبروت والملكوت والملك المشار اليها بحروف بسم اسما لصفاته الثلاث والصفات الثلاث اسما له في ظهوره بها فكان هو الله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد
ثم اعلم ان البسملة اسم الله الاعظم وفي الدعاء اسئلك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وانما قال الرضا (ع) ان بسم الله الرحمن الرحيم اقرب الى الاسم الاعظم من سواد العين الى بياضها لان لفظ البسملة الاسم اللفظي الذي هو سواد العين اقرب الى الاسم المعنوي الذي هو بياض العين والتمثيل مأخوذ من ظاهر الظاهر فان البياض عبارة عن البساطة والسواد عن التركيب ولو اخذ من الباطن لعكس لان النور في السواد لا في البياض ولما كان كلامه (ع) في اللفظ ناسب ان يقول اقرب الى الاسم الاعظم اذ الاسم هو المعنوي الذي هو الصفة المشتملة على التجريد والتفريد والتوحيد والتمجيد والتحميد ونحن لما كان كلامنا في اللفظ والمعني بل في المعنى ناسب ان نقول هو الاسم الاعظم لان الاسم الاعظم له اربعة اركان الاول التوحيد الحق والثاني القائم به والثالث الحافظ له والرابع التابع فيه فالاول الله والثاني الرحمن والثالث الرحيم والرابع بسم هذا باعتبار الصفات وباعتبار الذات ما روي عن الكاظم (ع) فالاول لا اله الا الله والثاني محمد رسول الله (ص) والثالث نحن والرابع شيعتنا ولا اله الا الله هو التوحيد الحق وهو توحيد الله في ذاته وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد وتوحيده في صفاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وتوحيده في افعاله الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وتوحيده في عبادته فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا والبسملة مشتملة على الاربعة الاركان في الظاهر والظهور والمظهر الاول الظاهر بالالوهية والثاني الظاهر بالرحمانية والثالث الظاهر بالرحيمية والرابع الظاهر ببسم واما الظهور فظهور الظاهر في ظهوره فيما لكل ركن فيه واما المظهر فظهور الظاهر في المظهر له فهي الاسم الاعظم لان سر الكتب في القرءان وسر القرءان في الفاتحة وسر الفاتحة في البسملة ولا ينافي هذا ان سر البسملة في الباء وسر الباء في النقطة لدخول ذلك ولما كان اشرف الأكوان كون الاسم الاعظم والوجود مبنيا عليه وجب ان يكون اول الموجودات لعليته والكتاب التدويني طبق الكتاب التكويني كان الاسم الاعظم اول التدويني لعليته وهو بسم الله الرحمن الرحيم وذلك مقتضي المطابقة ولما تجلى بجوده ونسب نفسه للمكلفين وخصوص السائلين بما يخفى من الاشارة نسب نفسه لهم بما يظهر من العبارة وذلك لهم بهم فامر نبيه ان قل يا محمد هو اي الرب المسئول عن نسبته الظاهر لهم بهم ليتنبهوا ويثبتوا الثابت المحتجب عن درك الابصار والحواس او قل يا محمد هو اي الذي امرك او هو الله احد اي الذي ادعوكم الى عبادته الله احد اي التام في واحديته الكامل في احديته احد يعني الله واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في افعاله واحد في عبادته فالواحد صفة الاحد فكان الواحد بعدد بسم الله الرحمن الرحيم ولا يتم الا بالاحد فهو معنى بسم الله الرحمن الرحيم واليه الاشارة بقوله تعالى واذا ذكرت ربك في القرءان وحده ولوا على ادبارهم نفورا وانما قال احد ولم يقل واحد لان الواحد لا يستوعب مراتب التوحيد الاربع الا بتكرره اذ لا يقال للواحد في اكثر من مرتبة من مراتب الاحد لان الواحد صفة الاحد كما تقول زيد قاعد زيد قائم زيد راكب فواحدية الذات غير واحدية الصفات وهي غير واحدية الافعال وهي غير واحدية العبادة فالاحد لا يتغير في صفاته والصفة تتغير في مراتبها كزيد فانه لا يتغير في صفاته وكالقائم والقاعد والراكب فانها تتغير في مراتبها بخلاف الاحد ولان الواحد يدخل في العدد ولو بضم آخر اليه ولهذا قال اميرالمؤمنين (ع) واحد لا بتأويل عدد لان الواحد قد يدخل في العدد في بعض الاحوال فاذا اريد استعماله في حقه تعالى احتيج الى قيد او تتمة كما فعل عليه السلام بخلاف الاحد ولان الواحد لا يستوعب الكثرة في وحدته تقول ما في الدار واحد ويجوز ان يكون فيها اثنان لانه وجه من وجوه الاحد كما هو شأن الصفة بخلاف الاحد فانه يثبت بثبوته القليل والكثير اذا قلت في الدار احد وينتفى بانتفائه القليل والكثير اذا قلت ما في الدار احد تنبيه واشارة الى القيومية في كل شيء ولهذا قيل ان الواحد تسعةعشر وتمامه الاحد يعني ان الاحد يراد منه معناه لا عدده فيكون عشرين وهي كاف الكون المستديرة على نفسها التي هي علة الموجودات وقولنا يثبت بثبوته القليل والكثير لانريد ان ثبوت الكثرة به انما هو لانبساط معناه على الافراد المتعددة على سبيل الشمول او البدلية ليصدق عليه انه كل او كلي وانما نريد انه فرد بكمال البساطة وانما يتناول الكثير بوجوه له ومظاهر مع وحدته تحدث عنه عند الكثرة وتعدم عند الوحدة ولهذا اختص بسورة التوحيد ولذلك سميت هذه السورة سورة التوحيد بخلاف واحد فان حصول البساطة المطلقة انما هي بتخصيص ارادة لها غير اصل الوضع لاستعماله في الانواع والاجناس والمركبات
واما قول بعضهم اذا كان لفظ الله علما وجزئيا لزم ان يكون لفظة احد في قل هو الله احد لغوا فينبغي ان يحمل الاحد على الواحد وحينئذ يشكل تسميتها بسورة التوحيد الا ان يقال تسميتها باعتبار آخرها على طريقة عموم الاشتراك لانه يراد بلفظ احد احد معنييه اولا والاخر ثانيا انتهى ففيه ان جزئيا ان اريد به المعنى الاصطلاحي لم يصح لاستلزامه لكلي يدخل هو مع مشاركه من الافراد الموجودة ولو بالفرض تحته اي تحت الكلي وان اريد به معنى التشخص لم يصح لاستلزامه معنى التحديد وان اريد به معنى البساطة والتفرد الحقيقي لم يكن حمل احد عليه لغوا فلا حاجة الى التكلفات ولما امتنع في حقه تعالى ان يكون كليا او جزئيا او كلا او جزءا او عاما او خاصا او مطلقا او مقيدا او مبهما او متعينا احتيج في اطلاق واحد عليه الى تخصيص ارادة ليكون موافقا لمعني احد فان معنى احد البساطة والوحدة المنزهة عن الكلي والجزئي والكل والجزء والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد والابهام والتعين وغير ذلك في اصل الوضع وتناوله لشيء من ذلك انما هو بتخصيص ارادة ما استعمل فيه من عموم وخصوص وحكاية وغير ذلك ولهذا لا تقول في فصيح الكلام زيد احد الا على معنى الحكاية او ارادة اخري وتقول في فصيح الكلام زيد واحد وتقول الله احد في فصيح الكلام باصل الوضع ولا تقول الله واحد الا بتخصيص ارادة التفريد البحت فافهم ولما كانت الوحدة المستفادة من الواحد لا تنافي مطلق الاشارة من دلالة اللفظ ولهذا قلنا ان الاحد هو الواحد في ذاته الواحد في صفاته الواحد في افعاله الواحد في عبادته فلا يعم المراتب كما يعمها الاحد لم يحسن جعله في سورة التوحيد لما يراد بها من نفي مطلق الاشارة ردا عليهم حين قالوا هذه الهتنا نشير اليها فاشر انت الى الهك فانزل الله سورة التوحيد بالاحد الذي لا يجامع مطلق الاشارة ولو عقلية ولو في بعض المظاهر اذ لا يفقد في شيء قال تعالى اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني في غيبتك وفي حضرتك وقال تعالى وما كنا عن الخلق غافلين وذلك بعد ان اتى بقوله قل هو الله لانه نبه بالهاء الى ثابت وانه ليس في جهة والا لكان مقصدا للاشارة بالواو التي يشار بها الى نفي الجهات الست والله علم بالتغليب في الاستعمال على الذات الموصوف بجميع الكمالات المنزه عن كل ما يستلزم النقصان
وقال الخليل بن احمد انه مرتجل لقوله تعالى هل تعلم له سميا ولانه لو حكمنا باشتقاق كل اسم لزم الدور او التسلسل فلا بد ان تؤل الاسماء الى جامد ولان يكون هو الاسم الكريم اولي والحق انه مشتق واختلف فيما اشتق منه فقيل انه مشتق من لاه الشيء اذا خفي وقيل من لاه بمعنى تحير لتحير العقول في عظمته وقيل من لاه بمعنى غاب لانه لا تدركه الابصار وقيل من لاه بمعنى بعد لبعد كنهه عن الادراك وقيل من اله بالمقام اذا اقام به لعدم تغيره وتنقله وقيل من لاه يلوه بمعنى ارتفع لارتفاع عز جلاله عن تمييز الوصف وقيل من وله الفصيل بامه اذا ولع بها لان العباد موهلون (كذا) اي مولعون بالتضرع اليه تعالى وقيل من اله بمعنى فزع لان الخلق يفزعون اليه وقيل من اله بمعنى سكن لان الخلق يسكنون الى ذكره وقيل من الالهية وهي القدرة على الاختراع وقيل من اله بمعنى عبد والاله هو المستحق للعبادة او المألوه اي المعبود والاخير هو المروي عن اهل العصمة (ع) وكل جهات الاشتقاقات المذكورة باعتبار عزته لا بعد فيها فلما وقع محمولا على هو او بدلا منه او حقيقة ما عني بالشأن منه وهو اي هو نبه على ثابت بكناية هويته بالهاء غائب عن ادراك العقول والحواس لا يطلب في جهة من الجهات الست الظاهرة والباطنة لخفاء ظهوره بالواو ومحمولا عليه احد الذي يدل باصل وضعه على البساطة المعراة عن الجزئية والكلية والجزء والكل والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد وغير ذلك وعن مقصد الاشارة مطلقا يعني لا في الوقت ولا في المكان وفي الرتبة ولا في الجهة ولا في الكم ولا في الكيف ولا في غير ذلك كان اي الله مرادا منه مفاد المحمولية والموضوعية الذي هو مقتضي صحة التوسط ومفيدا لهما بالاطلاق التغليبي الاستعمالي بالذات وبالصفة الاتصاف بصفات القدس وصفات الاضافة وبصفات الخلق ولاجل ذلك ناسب ان تكون هذه السورة سورة التوحيد وحسن توجيه من وجه قوله (ع) ان الله علم انه سيكون اقوام متعمقون فانزل سورة التوحيد والايات من سورة الحديد ان المراد انه سبحانه اراد اعجازهم بهما بحيث لا يبلغون المراد منهما لا ان المراد ليقتصروا عليهما وقال الباقر عليه السلام الله معناه المعبود الذي اله الخلق عن درك مائيته والاحاطة بكيفيته وقال عليه السلام الاحد الفرد المتفرد والاحد والواحد بمعنى واحد قوله (ع) بمعنى واحد فيما يجتمعان فيه بالوصف لا فيما يفترقان فيه وقد مرت الاشارة الى ذلك وعنه (ع) عن ابيه عن ابيه الحسين بن علي عليهم السلام انه قال الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سودده والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال فالاول هو الذي لا مدخل فيه لغيره من مباين او مماثل او مشابه او مشارك من ذات او صفة او فعل او اثر من جميع المداخل والادراكات ولو بالفرض والاعتبار او التوهم والتجويز والثاني هو الذي يستغني عمن سواه ويحتاج اليه من سواه ولا تمكن فيه المساواة بينه وبين من سواه لان احتياج كل من سواه اليه صفة كمال والمساواة تستلزم فواتها وعدمها نقص لا يجري على الوجوب والغني المطلق والثالث هو الذي لا يحتاج الى مدد من غيره من طعام وشراب ظاهرين او باطنين كالتعلم فان العلم طعام وشراب قال تعالى فلينظر الانسان الى طعامه اي الى علمه من اين ياخذه انا صببنا الماء صبا اي العلم وكعبادة الغير ومنه قوله (ع) في حق الملائكة طعامهم التسبيح والتقديس وكالوجود او الايجاد قال العسكري عليه السلام وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وكالاستعانة والاستجارة وامثال ذلك ويجمعها الحاجة الممتنعة من الازل والرابع هو الذي لا تجري عليه الغفلات ولا البدوات كالرضا والغضب والغفلة والتوجه والنوم واليقظة والذكر والنسيان وما اشبه ذلك من صفات الافعال والخامس هو الذي لا تتغير ذاته ولا تتبدل صفاته ولا تختلف حالاته وقال الباقر (ع) كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره يعني الذي اعتماد وجوده وصفاته وقوامه بذاته وقال الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناهي يعني الذي يدخل كل من سواه تحت قهاريته ولا يدخل تحت قهارية احد وسئل علي بن الحسين زين العابدين (ع) عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء يعني الصمد هو الذي تفرد بالصفة والفعل والملك والعبادة وبه قوام كل شيء ولا يغفل عن شيء وعن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام الصمد هو الذي اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون والصمد الذي ابدع الاشياء فخلقها اضدادا واشكالا وازواجا وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند يعني هو العام القدرة فليس عنده ايجاد شيء اسهل من ايجاد اخر وهو الذي يخترع اصناف البدائع على ما يطابق الحكمة البالغة من غير ان يحذو فيها حذو غيره وهو الفرد الاحد المعنى فلا ضد له يخالف ذاته ولا شكل له غير علمه الذي هو ذاته ولا مثل له الا ما عرف من صفاته واظهر من آياته ولا ند له مشارك في صفاته الذاتية وعن الصادق (ع) جعفر بن محمد عن ابيه الباقر عن ابيه عليهم السلام ان اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علي عليهما السلام يسئلونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فلا تخوضوا في القرءان ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فاني سمعت جدي رسول الله (ص) يقول من قال في القرءان بغير علم فليتبوأ مقعده من النار وان الله سبحانه قد فسر الصمد فقال الله احد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي يخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا يتشعب منه البداوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع تعالى ان يخرج منه شيء وان يتولد منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الارض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما تخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب وكالنار من الحجر لا بل هو الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفؤا احد وعن جابر بن يزيد قال سألت ابا جعفر (ع) عن شيء من التوحيد فقال ان الله تبارك وتعالى اسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه واحد توحد في التوحيد في علو توحيده ثم اجراه علي خلقه فهو واحد صمد قدوس يعبده كل شيء ويصمد اليه كل شيء ووسع كل شيء علما فاشار الى ان الصمد هو الذي يعبده من سواه وهو الذي يصمد اليه في الحوائج وهو الذي احاط بكل شيء علما عن داود بن القسم الجعفري قال قلت لابي جعفر (ع) جعلت فداك ما الصمد قال السيد المصمود اليه في القليل والكثير يعني الذي يحتاج اليه في كل شيء من خلق ورزق وحيوة وممات وما يتشعب عنها ويترتب عليها واشار بقوله لم يلد ولم يولد الى وصف المعبود المشار اليه بهو المبين بقوله الله الموصوف باحد الذي هو الصمد الذي لم يلد يعني لم يخرج منه شيء ذات او صفة او فعل ذاتي او عرضي وذلك ما اشار اليه الحسين (ع) مفصلا فيما كتب لاهل البصرة اذ من كان كذلك كان مختلفا متغيرا متهافتا ولم يولد يعني لم يخرج من شيء كما مر من ذات او صفة او فعل ذاتي او عرضي على نحو ما ذكر في الحديث المذكور اذ لا زيادة على ما اشار عليه السلام اليه الا مما هو متفرع عليه فلانعيده ولم يكن له كفؤا احد يعني لم يكافيه اي يشاكله ويماثله ويعادله ويساويه او يخالفه او يضاده او يناده في ذاته او في صفاته او في فعله او في عبادته او في غناه وفاقة ما سواه اليه او في قيوميته او في قيامه على كل نفس بما كسبت او في احاطته بما سواه او في تدبيره وتقديره او في ملكه او في تصرفه او في امره او في هويته او في الهيته او في احديته او في صمديته او في استقلاله وتفرده او في ثباته على حاله او في معرفته او في آياته او في امثاله او في كلامه او في شيء ما او ليس له صاحبة ولا ولد ولو فرضا او توهما او احتمالا او اعتبارا في كل جهة من جهات الفروض المحتملة والتوهمات الجائزة في حال من الاحوال لا اله الا هو الكبير المتعال وقال بعض ارباب البيان وجدنا انواع الشرك ثمانية النقص والتقلب والكثرة والعدد وكونه علة او معلولا والاشكال والاضداد فنفي الله سبحانه عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله هو الله احد ونفي التقلب والنقص بقوله الله الصمد ونفي العلة والمعلول بقوله لم يلد ولم يولد ونفي الاشكال والاضداد بقوله ولم يكن له كفؤا احد فحصلت الوحدانية البحت انتهى
ثم اعلم ان احد في اول السورة كما اشرنا لك يدل على محض البساطة والوحدة العارية عن الكلية والجزئية والعموم والخصوص والتشكيك والتواطئ والترادف وغير ذلك فلا يصح معرفته باثبات غيره ولا بنفيه كما مر وانما تصح معرفته به عند نفي غيره فاحديته احدية حقية بخلاف احد في آخر السورة فان احديته احدية حقيقية لغوية اي على ما يعرفه اهل اللغة فصدقه على القليل والكثير اثباتا ونفيا انما هو بتناول لفظه المطلق لغة بخلاف احد في اول السورة كما مر وروي ان النبي (ص) بعث سرية واستعمل عليها عليا (ع) فلما رجعوا سألهم فقالوا كل خير غير انه قرأ بنا في كل الصلوة بقل هو الله احد فقال يا علي لم فعلت هذا قال لحبي لقل هو الله احد فقال النبي (ص) مااحببتها حتى احبك الله عز وجل وقال رسول الله (ص) من قرأ قل هو الله احد حين يأخذ مضجعه غفر الله له عز وجل ذنوب خمسين سنة وعن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام ان النبي (ص) صلى على سعد بن معاذ فقال لقد وافي من الملائكة للصلوة عليه سبعون الف ملك وفيهم جبرئل (ع) يصلون عليه فقلت يا جبرئل بم استحق صلاتكم عليه قال يقرأ قل هو الله احد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) قال من قرأ قل هو الله احد مرة واحدة فكأنما قرأ ثلث القرءان وثلث التورية وثلث الانجيل وثلث الزبور وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال سلمه الله تعالى : وآية النور من اولها الى آخرها
اقول يريد تفسير آية النور وهي قوله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الى قوله لعلهم يتفكرون بغير ما ذكره المفسرون ولقد شافهني بذلك مرارا وكان هذا من اصعب الامور على النفس التفاتا الى قول الصادق (ع) ما كل ما يعلم يقال وما كل ما يقال حان وقته وما كل ما حان وقته حضر اهله ولنهيه (ع) حيث يقول لا تحدث بما تسارع العقول الى انكاره ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور
فاقول قال سبحانه الله نور السموات والارض اي هادي من في السموات والارض ومنورهم اي موجدهم بالنور من النور ومزينهم بالهادين من الانبياء والاوصياء والعلماء والمؤمنين ومعطيهم ما ينفعهم والمحسن اليهم والمنعم عليهم وراحمهم ودليلهم الى مصالحهم ودالهم على ما فيه نجاتهم ومعني انه سبحانه نور السموات والارض بما ذكر ونحوه انه اوجدهم بمشيته واقامهم بامره وعرفهم نفسه بنفسه وانفسهم بانفسهم وفتح لهم ابواب رحمته بطاعته وخص السموات والارض بالذكر مع ارادة دخول فلك المحدد والكرسي وسائر الافلاك الكلية والجزئية لانهما هما المعروفان عند عامة الناس وخص المذكورات بالذكر دون الملائكة والانس والجن والشياطين وسائر الحيوانات لانها مطارح الانوار وخزائن الاسباب وعلل الاشياء ويجوز ان يكون المعنى انه سبحانه ينور بالسموات والارض من فيهن من الخلائق بما جعل فيها من اسباب ارزاقهم وما يوعدون وان يكون المعنى انه سبحانه نور السموات والارض بالصالحين من خليقته اما بما يدعون اليه او بما يدعونه له او بما يدعون به او بما يدعون فيه فان البيوت التي يعبد فيها تزهر لاهل السماء كما تزهر النجوم لاهل الارض او المراد سموات العقول بما فيها من انوار معرفته وارضي النفوس بما فيها من انوار طاعته او تحقيق انوار تلك بهذه او اظهار انوار هذه بتلك او لتلك بانفسها فالله عز وجل نور السموات والارض بكل معنى والنور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره اما انه سبحانه المظهر لغيره فكما اشرنا اليه فهو نور واما انه الظاهر في نفسه فلان كل ظاهر سواه فانما ظهر بفضل ظهوره وغيب ما سواه ظهوره فهو اظهر من كل ما سواه قال الحسين عليه السلام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متي غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتي بعدت حتى تكون الاشارة هي التي توصل اليك وذلك لان الظاهر بظهور يكون اظهر من ظهوره وليس شيء من خلقه الا وهو ظهوره ويجوز ان يكون معنى الظاهر في نفسه انه ظاهر بمعناه اي بما يقصد باسمائه وصفاته ومعرفته
مثل نوره اي مثل هداه لما سواه او ايجاده او ما اشير اليه سابقا او انه لا يراد بهذا النور ما يراد من الاول والمراد بالمثل بفتح الثاء الوصف او الذكر او الاثر او نفس المضاف اليه اي مثل هو نوره او الدليل على نوره او هيكل نوره والمراد من النور الايجاد او الوجود او الموجود او هداه او ظهوره او نور الايمان به في قلوب اهل السموات والارض او هو القرءان او نوره في صدور الذين اوتوا العلم او سبحات جلاله الدالة على توحيده في ذاته وصفاته وافعاله وعبادته وعلي عدله او امره الذي قامت به السموات والارض او وحيه او وجهه الباقي بعد فناء كل شيء او نوره الادلة الدالة على توحيده او مثل نور من آمن به كما في قراءة ابي او نوره قيومية صمديته لمن صمد اليه او هو محمد صلى الله عليه وآله كما دلت الاخبار المتكثرة عليه او رسالته (ص) قال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه او هو الامامة قال تعالى ويهديهم الى صراط مستقيم او العقل الاول وهو الاسم الذي اشرقت به السموات والارضون او انوار العرش الاربعة او العلم مطلقا او في اللوح المحفوظ او هو الولي عليه السلام قال الله تعالى واشرقت الارض بنور ربها وغير ذلك
كمشكوة فيها مصباح المشكوة الكوة في الحائط غير النافذة يوضع عليها الزجاجة ثم يكون المصباح خلف الزجاجة فينبعث نور المصباح من الزجاجة ويقع على حائط الكوة وينعكس منه الى الزجاجة فيكون نور المصباح ونور الزجاجة ونور الحائط ينعكس بعضها على بعض والمصباح السراج وقيل المشكوة القنديل والسراج الفتيلة والاولى ان يقال المصباح هو السراج المنير قال تعالى وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا والسراج هو مجموع النار والدهن وذلك ان النار بقوة حرارتها تلطف الاجزاء الدهنية المقاربة لها حتى تكون بحرارتها ويبوستها تحيلها دخانا فينفعل ذلك الدخان عن النار بالنور والحافظ للدخان اجزاء دهنية مقاربة للدخانية تنش لقربها من النار تمد الدخان المنفعل بالضوء عن النار بالتدريج لئلا يتلاشى الدخان ويضمحل فتنطفى النار والفتيلة ركن للدهن في السراج لان الدخان مستحيل من الدهن ومن الفتيلة ولا يلزم تساوي الاجزاء ولا ان يكون من الفتيلة وقال عبدالرزاق الكاشي صفة وجوده وظهوره في العالمين بظهورهما به كمثل مشكوة فيها مصباح وهي الاشارة الى الجسد الظلمانية في نفسه وتنوره بنور الروح الذي اشير اليه بالمصباح وتشبكه بشباك الحواس وتلالئ النور من خلالها كحال المشكوة مع المصباح
المصباح في زجاجة اي السراج في زجاجة والزجاجة القلب المستنير بنور الروح او العقل والفتيلة علقة الدم والدهن الدم الاصفر القائم بالعلقة الذي يحمل الطبائع الاربع والدخان ما اعتدل نضجه من ابخرة الدم الاصفر وقد يكون بمشاركة العلقة واستنارة الكوة من الزجاجة باشراق المصباح عليها كاستنارة الجسد بنور الحيوة وما يلزمها من القوى من القلب باشراق الروح او العقل عليه وهو مثل لذلك وذلك مثل لاستنارة العالم من المحدد بما يفيض على الافلاك وما فيها من الاوراح ( الارواح ظ ) والقوى والاشعة المنبسطة منها على ما تتعلق به من العالم السفلي لانتظام الاقوات باشراق العقل الاول عليه وظهوره بما اودع فيه من الخزائن المشار اليها بقوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وقوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون فهو بما اودع من الخزائن واعين من التسخير للافلاك يقدر لها ما اودع فيها من التقدير الذي به النظام
الزجاجة كأنها كوكب دري اي كوكب يشبه الدر في صفائه بضم الدال وتشديد الياء وقد تكسر الدال وقرئ بتخفيف الياء والهمزة بعدها من درأ لانه لشدة نوره يدرأ الظلام اي يدفع اي ذلك القلب كأنه كوكب يشرق بجوهرية صفائه ونوريته وبما يشرق عليه من نور الروح فان قلت فاي اشراق في المحدد المشبه بالزجاجة المشرقة قلت ان اشراقه على الافلاك وما فيها من الكواكب اعظم من اشراق الكوكب الدري لانه صاحب التسخير لها فهو يمدها بقوته ويمد الشمس بعقله فتمد زحل والقمر ويمدها بنفسه فتمد الشمس المشتري وعطارد ويمدها بطبيعته فتمد المريخ والزهرة فهو بحركته يقدر مكث اشعتها على مطارحها من العالم السفلي فلا اشراق اعظم من هذا
يوقد من شجرة مباركة زيتونة الشجرة شجرة الزيتون ودهنها اصفى من سائر الادهان واضوء لا سيما في السراج وقيل انها اول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان ومنبتها منزل الانبياء (ع) وسميت مباركة لانه قد بارك فيها سبعون نبيا منهم ابراهيم (ع) والشجرة هي النفس وتطوراتها وتشعب تعلقات افعالها كل منها بما يليق له من الجسد والجسم اغصان لها وما يترتب على ذلك من الاحكام الوجودية والتشريعية ثمرات لها قال تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال اي الاجساد والاجسام او انه جمع جبلة وهي الطبيعة وذلك على تفسير ظاهر الظاهر بيوتا وهي مطارح ارتباطاتها وافعالها من الاجساد والاجسام والطبائع ومن الشجر اي النفوس كما مر ومما يعرشون من تعلقات افعال النفس بالاجساد والاجسام والطبائع ثم كلي من كل الثمرات وهي مقتضيات تلك النسب الحاصلة من تلك التعلقات المقتضية للاحكام الشرعية المستلزمة بامتثالها والقيام بها لاستنارة القلب والطبيعة والجسم والجسد بنور العقل والروح لاستمدادها بتلك الاعمال بواسطة العقل والروح من المبدء الفياض والشجرة هي الشجرة الكلية والحقيقة المحمدية ومقام او ادنى والمشية والارادة والابداع والاختراع سميت بذلك لتشعب وجوه تعلقاتها بذرات الوجود التي لا تتناهى في مراتب الامكان شعوبا وقبائل فمنها شعب ومنها غصون كلية ومنها غصون جزئية ومنها ورق ومما ذكر اكوان واعيان ومقدرات ومقضيات وممضيات وامكانات وجواهر واعراض واضافات ونسب واوضاع وكتب وآجال واوقات وغير ذلك وهي مباركة لبركة آثارها قال تعالى ان بورك من في النار ومن حولها او هي شجرة الاخلاص لله وحده لا شريك له في مراتب التوحيد الاربع فانها شجرة خضراء ناعمة طيبة مباركة تؤتي اكلها كل حين باذن ربها
لا شرقية ولا غربية لا يفيء عليها ظل شرق ولا غرب بل هي على سواء الجبل تطلع الشمس عليها وتغرب او ليست بشرقية لا تصيبها الشمس اذا غربت او الا اذا غربت ولا غربية لا تصيبها الشمس اذا طلعت او الا اذا طلعت او ليست من شجر الشرق فتغلب عليها حرارة الجهة فيضعف زيتها ولا من شجر الغرب فتستولي عليها البرودة كذلك لكنها من شجر الشام الذي جهته اقرب الى اعتدال الشجر او ان الشجرة شجرة النبوة وهي ابراهيم (ع) لان اكثر الانبياء (ع) منه وذلك اثار البركة قال تعالى وباركنا عليه وعلى اسحق او لان النبي (ص) وآله عليهم السلام من صلبه الذين هم اصل البركة وفرعها ومصدرها وموردها وتلك الشجرة لا شرقية اي نصرانية تصلي الى الشرق ولا غربية اي يهودية تصلي الى الغرب قال تعالى ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكنه على سواء الصراط كان حنيفا مسلما او لا شرقية مدعية لحال الطلوع من شرق الصدور من النور كالروح المجردة عن الارتباط وتعلق الانحطاط ولا غربية منكرة لمبدئها لغلبة طبيعتها وغلظ مادتها كالاجساد بل هي على سواء الصراط جامعة بين انكسار الانحطاط وقوة الانبساط او مطمئنة لا امارة بالسوء ولا لوامة على الخير والشر بل مطمئنة او لا شرقية غالية ولا غربية قالية او لا شرقية مسرفة ولا غربية مقترة او لا شرقية متعززة على المؤمنين بل هي ذليلة عليهم ولا غربية متذللة للكافرين بل عزيزة عليهم او لا شرقية ناصبة للدين ولا غربية تابعة للجاحدين بل شاكرة لنعمة رب العالمين او لا شرقية تثبت الالوهية والمعبودية لشيء من المخلوقين ولا غربية تجحد ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام او لا مدعية ما لا ليس لها ولا منكرة لما لها او لا قانطة من رحمة الله ولا آمنة لمكر الله
يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار اي يكاد قابليتها تظهر في الكون والتحقق لشدة تأهلها للوجود وقربها من فوارة النور بما لها من رجحان زيتها قبل الايجاد او يكاد زيتها لصفائه في نفسه وانعكاس نور الزجاجة عليه بمعونة انعكاس ما في المشكوة يظهر في نفسه ويظهر غيره ولو لم تمسسه نار ينفعل عنها وذلك لقوة نضجه واعتدال هوائه وحسن منبته او تكاد النفس الامارة واللوامة التي كانت فيه صلى الله عليه وآله لحفظ وجوده ان تفني ظلمتها لقربها من المبدء ولقلة ظلمتها لانها هي رأس مخروط الظلمة الضدية للعقل فتكون بذاتها مطمئنة وان لم يستول عليها نور العقل او تكاد الارض الميتة وارض الجرز التي هي مغرس اغصان الحكمة ومنشأ هياكل التوحيد وارض الامكان التي هي ذوات محمد واهل بيته (ص) ان تنبت بتلك الاشجار المباركات والاغصان الباسقات ولو لم يقع عليها ماء الوجود من سحاب المشية المتراكم او تكاد الماهية ان تنوجد لقرب رتبتها من المبدء لان رأس مخروطها مساوق لقاعدة الوجود بالنسبة الى الايجاد والاختراع قبل ان توجد بتبعية الوجود
نور على نور يعني ان المشكوة المستنيرة بنور الزجاجة المنيرة بذاتها المستنيرة بالمصباح المنير نور على نور او ان صدر محمد صلى الله عليه وآله او صدر علي عليه السلام او الائمة عليهم السلام او المؤمن المستنير بنور القلب المنير بذاته المستنير بنور العقل او الروح او العلم نور على نور او ان الامثال والادلة المؤيدة بنور الحكمة او العقل او العلم المستندة الى القرءان المستنيرة بمحكم ظاهره وظاهر ظاهره وباطنه وباطن باطنه وتأويله وباطن تأويله نور على نور او ان مشكوة ابراهيم وزجاجة اسمعيل ومصباح محمد (ص) نور على نور او ان مشكوة عبدالمطلب وزجاجة عبدالله ومصباح محمد (ص) نور على نور او هو المؤمن المستغرق في الله ان اعطي شكر وان ابتلي صبر وان حكم عدل وان قال صدق وان وعد وفي وان ظلم عفا وان نظر اعتبر وان صمت فكر وان تكلم ذكر فهو حي بين الاموات كلامه نور وصمته نور وعلمه نور ونظره نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره الى نور فهو نور على نور او حسه نور وفكره نور وخياله نور وعلمه نور وقلبه نور وفؤاده نور فهو نور على نور
يهدي الله لنوره من يشاء يعني يهدي الله لمعرفته ومعرفة معانيه وابوابه ورسله واوليائه ومحبيهم من يشاء او يهدي الله لدينه وايمانه من يشاء والدين والايمان والمعرفة قد يجتمع بعضها مع بعض وقد يفترق فبين كل وكل عموم وخصوص من وجه او يهدي الله لاجابته من يشاء او للنبوة والولاية او للاسلام او لمعرفة نفسه المستلزمة لمعرفة ربه او لهداه قال تعالى اولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده او لمعرفة القرءان او الاهتداء بهداه او للبصيرة في الدين او لمعرفة الاشياء كما هي او لمعرفة الوجود المستلزم لمعرفة المعبود او لمعرفة التقوي واليقين او لمعرفة التفقه او الاحكام الشرعية او للعلم والعمل او للتقرب بالنوافل المستلزم للمحبة الموجبة للعلم بالله والقيام بامر الله
ويضرب الله الامثال بخلقهم انفسهم وبخلق الاشياء كانزال المطر مثلا للدنيا وللبعث وكالايات الدالة على الابواب الدالة على المعاني الدالة على التوحيد وآيات الانفس والافاق وضرب الامثال للخلق من انفسهم وباياته الدالة على توحيده ونبوة محمد (ص) وولاية الائمة عليهم السلام وبها لاوليائه (ع) قال تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال سنريهم آياتنا في الافاق كما ضرب هنا لنوره نور محمد واهل بيته (ع) بالمشكوة والزجاجة والزيت والسراج وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وغير ذلك والامثال جمع مثل محركا كسبب واسباب او جمع مثل بكسر ميم وسكون الثاء كحمل واحمال فالاول تشبيه لصفة المؤثر بايجاد الاثر والثاني تمثيل لصفة المؤثر بصفة الاثر ويضرب الله الامثال للحق لان الحق بالمثال والباطل بالجدال
والله بكل شيء عليم بما يوافق الطباع المتباينة والاذواق المختلفة في تعريفهم ودعائهم لما يحييهم بالمثال والامثال والحكمة والجدال والاشواق والاحوال وبالافعال والاقوال وبالعلوم والاعمال وذلك لطف بالمكلفين ليدعوهم بالتي هي احسن اقامة للحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وعن الباقر (ع) ان قوله كمشكوة فيها مصباح وهو نور العلم في صدر النبي (ص) والزجاجة صدر علي (ع) علمه النبي (ص) فصار صدره يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار يكاد العالم من آلمحمد (ص) يتكلم بالعلم قبل ان يسئل نور على نور امام مؤيد بنور العلم والحكمة في اثر امام من آلمحمد (ص) وذلك من لدن آدم الى وقت قيام الساعة هم خلفاء الله في ارضه وحججه على خلقه لا تخلو الارض في كل عصر من واحد منهم وعن احدهم (ع) ما معناه مثل نوره هو محمد (ص) كمشكوة هو صدر علي (ع) فيها مصباح نور العلم من محمد (ص) في صدر علي (ع) المصباح في زجاجة هو الحسن بن علي (ع) الزجاجة هو الحسين (ع) كأنها كوكب دري فاطمة (ع) تزهر لاهل السماء كما تزهر النجوم لاهل الارض يوقد من شجرة علي بن الحسين (ع) مباركة محمد بن علي الباقر (ع) زيتونة جعفر بن محمد (ع) لا شرقية موسى بن جعفر (ع) ولا غربية علي بن موسى (ع) يكاد زيتها يضيء محمد بن علي الجواد (ع) ولو لم تمسسه نار علي بن محمد الهادي (ع) نور على نور الحسن بن علي العسكري يهدي الله لنوره من يشاء القائم المهدي (ع) وروي احاديث كثيرة بتفسير هذه الاية الشريفة بالائمة عليهم السلام بغير هذه الرواية وبغير ترتيبها وهذا الاختلاف مع اتفاق معانيها فيهم عليهم السلام وهذا الذي اشرنا اليه فيه كفاية لاولي الالباب في بيان هذه الاية الشريفة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
قال سلمه الله تعالى : وحقيقة الفرق بين النبوة والولاية
اقول النبي في ظاهر اللغة هو الانسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر سواء كان له شريعة كالرسول (ص) وسائر الرسل (ع) ام لا كيحيى (ع) وسائر الانبياء (ع) وهو مشتق من انبأ اي اخبر عن الله سبحانه او من نبا ينبو بمعنى ارتفع لانه ارتفع وشرف على غيره وربما فرق بين النبي والرسول ان النبي من ليس له شريعة والرسول له شريعة وبان النبي (ص) يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك الذي يوحي اليه في الايحاء والرسول يرى في المنام ويسمع ويعاين والرسول قد يكون من غير البشر بخلاف النبي وروي ان الانبياء مائة الف نبي وعشرون الف نبي او اربعة وعشرون الف نبي على اختلاف الروايتين المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا كعدة اصحاب بدر وكعدة اصحاب القائم (ع)
واما الولاية بفتح الواو فهي الربوبية قال الله تعالى هنالك الولاية لله الحق وقد تكسر الواو وبالكسر بمعنى ولاية السلطان والملك وقد تفتح الواو فالولي هو المتولي للامور وتدبيرها والمربي لها فالنبوة هي اخبار ورسالة عن اوامر الملك ونهيه والولاية هي تولي سلطنة الملك ومملكته وتدبيرها والنظر فيها والنبي لما كان حاملا لامر الملك ونهيه الى الرعية لزم ان تكون له ولاية ليتصرف في تبليغ الرسالة وتقويم الرعية على حسب مراد الملك فكانت الولاية لازمة للنبوة ولا عكس فكل نبي ولي ولا عكس والاصل في ذلك ان الظاهر اذا ثبت دل على وجود الباطن والباطن لا يدل على وجود الظاهر فالولاية روح النبوة ونفسها قال صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام انت مني بمنزلة الروح من الجسد وقال (ص) انت نفسي التي بين جنبي
قال سلمه الله تعالى : وما حقيقة الولاية باطن النبوة وما حقيقة معناها
اقول قد تقدم في المسئلة التي قبل هذه جواب هذه المسئلة فراجعه فان النبوة الرفعة والشرف او الاخبار عن مطلب الغير ولا يكون ذلك حتى يتسلط ويطلع على وضع الاشياء من التكاليف مواضعها ولا يكون ذلك حتى يتولي من قبل الامر على المكلفين ليتصرف كما امر وهو الولاية فكانت الولاية باطن النبوة فافهم
قال ايده الله تعالى : وما معنى الحديث داخل في الاشياء لا كدخول شيء في شيء وخارج عن الاشياء لا كخروج شيء من شيء
اعلم ان الازلي داخل في الاشياء وخارج منها بحال واحد فهو ليس داخلا فيها ولا خارجا منها دفعة وهذا لا شك فيه اما انه داخل فلانه لو لم يكن داخلا لخلت منه ومن خلا من شيء كان محصورا والمحصور حادث لاحتياجه الى المكان والجهة فانه يقال هو في كل شيء الا هذا الشيء ولو لم يكن خارجا لاشتملت عليه ولزمه الحواية والمحوي حادث لاحتياجه الى ما حواه والا لم يحوه فعلي هذا كان داخلا خارجا دفعة وهو معنى ليس بخارج ولا داخل دفعة ويلزم من ذلك ان خروجه ليس بمزايلة والا لكان دخوله بملاصقة وبالعكس والمزايل محصور في غير ما زايله والملاصق مشابه لما لاصقه وقوله داخل لا كدخول شيء في شيء فيه لحاظان احدهما ان دخوله لو كان كدخول شيء لزمه الحواية والملاصقة ويلزم ذلك الاجتماع والاقتران ومن كان كذلك كان مشابها وحادثا كما قلنا وثانيهما انه شيء فاذا قلنا داخل فيها لو كان الشيئان متساويين لزم ما ذكر من المحذورات فيجب ان يكون المراد من شيئيته غير ما يراد من معنى الشيئية المفهومة لان الشيئية التي هي بحقيقة الشيئية لا يدرك معناها من شيئيته بغيره لان هذه مشتقة من شاء فالشيء شيء لانه مشاء وصادر عن المشية والشيئية بحقيقة الشيئية بخلاف ذلك وخلاف خلاف فلا مثل له ولا ضد ولا ند واما الشيء في الشيء دخولا او خروجا فمن مرحلة واحدة فالشيء في الشيء يلزمه الملاصقة والاقتران ولو معنى وخروج شيء من شيء تلزمه المفارقة والجهة والحصر فلما كانت شيئيته ليست كشيئية الاشياء كان دخوله فيها لا كدخول شيء في شيء بل دخوله عين خروجه فخروجه بلا مفارقة عزلة بل بمفارقة صفة ودخوله بلا ملاصقة حلول ومشابهة بل بملاصقة قيومية واحاطة فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى يا نعيمي وجنتي في المناجات للسجاد (ع)
اقول معنى كون الله نعيمه ان حبه ولذة مناجاته ومشاهدة انوار جلاله عند العارف نعيم مقيم لم يخلق الله سبحانه في الوجود نعيما ولا لذة اعظم منها واليه الاشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي في حق الخصيصين من المؤمنين قال تعالى واذا تلذذ اهل الجنة بماكلهم ومشاربهم تلذذوا بمناجاتي وبكلامي وباقي السؤال مع ملاحظة هذا الكلام ظاهر
قال سلمه الله تعالى : وبين لي في آخر الاجوبة طريقة الرياضة وكيفية تحصيل السعادة والمعرفة وقل لي اي شيء افعل في الخلوة وبين لي كل شيء تري فيه صلاح احوالي ولا تتأمل في قضاء حاجتي وانا والله العظيم معترف بلساني وقلبي وجوارحي بان حقيقة الحق عندك وبه وبركتكم وحسن التفاتكم كشف الله عن قلبي غطاء الظلمة والريب وابسط كل البسط في الاحقية واكشف غطاء الاجمال واكتب حقيقة الكشف ولا تقتصر بالاستدلال حتى تكون اجوبتكم ذخيرتي في دنياي وآخرتي وانسي في وحشتي وخلوتي ان لم تكشف الغطاء والله يوم القيمة عند جدي آخذ ذيلك واشكو اليه واعلم يقينا ان ليس في عصرنا احد يعرف قدركم وانت مجهول القدر كساداتك الطاهرين طول الله عمركم وجعلني الله من العارفين بحقكم ونور قلبي بانوار قلبي بانوار مشكوة معارفكم وفيوضاتكم ولا تنساني من صالح دعائكم وحسن رأفتكم في الدنيا والاخرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقول ان طريق الحق ونهج الصدق في الرياضة هو ما سنه ائمة الهدي عليهم السلام وهو ان تسلك الطريقة المستقيمة في الاحوال والافعال والاقوال اما في الاكل والشراب فلا تأكل حتى تجوع فاذا اكلت فلا تشبع بل تبقي من شهوتك ولا تشرب حتى تعطش واذا شربت فلا ترو واما في العبادة فتحسن وضوءك وتقرأ عنده الادعية المأثورة وسورة القدر في اثنائه وبعد الفراغ تقرأها ثلاثا وتحسن صلاتك وتقبل عليها بقلبك وفرغ قلبك في صلاتك لعبادة ربك وتصلي صلوة مودع واما في احوالك فاجعل قلبك منبرا للملائكة ولا تجعله مربطا لحيوانات الشهوات ولتكن ذاكرا لله كثيرا بان لا تغفل عن الله فتذكره عند الطاعة فتفعلها وعند المعصية فتتركها ولا تحتقر شيئا من طاعة الله فعسى ان يكون فيه رضا الله ولا شيئا من معاصي الله فعسى ان يكون فيه سخطه وان تكون دائم النظر في خلق الله نظر اعتبار وتدبر وتتذكر الاخرة والموت وتنظر الى الدنيا وتقلباتها وعدم دوام لذاتها واما افعالك فان قدرت ان لا يتحرك ولا تسكن الا بما يوافق محبة الله فافعل فاجعل سعيك الى المساجد ومواضع الذكر وبطشك في ما امر الله تعالى ونظرك وسمعك وجميع جوارحك واما اقوالك فلا تنطق الا فيما يعنيك في الدنيا والاخرة وعليك بقراءة القرءان بتدبر فانه مفاتيح خزائن الغيب
ثم اعلم ان الله يقول ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين فذكر الايمان ثلاث مرات والتقوي ثلاث مرات فالاول الايمان بالله والتقوى تقوى الله فيما بينك وبينه فلا تنظر غير الله الا بالعرض كان تراه سببا لفعل الله او مظهرا لقدرته ولا تعتمد على غير الله في شيء قل او جل فان ما سوى الله ليس شيئا الا بالله ولا تثق بغير الله في كل حال بل اتق الله ان تنظر لغير الله شيئية في كل لحاظ الا به والتقوى الثانية ان تتقي نفسك فلا تلين لها ولا تتركها وشهوتها فتوردك المهالك بل تجعل همك في جهادها وحملها على الانقياد لامر الله والايمان الثاني ان تؤمن بذلك فانك اذا فعلت بها كذلك غير مؤمن به انهدم ما اسست لها والتقوى الثالثة ان تتقي الناس بان تجتنب ما حملوك من العادات المخالفة للشرع والاراء ومجالسة اهل الغفلة منهم والمعاصي وان تجتنب كلما لا يحبون منك مما لا يراد منك شرعا بل تعاملهم بما تحب ان يعاملوك به وتكون مؤمنا بذلك كما ذكرنا وتعمل وتحسن العمل فانه تمام الامر ولا تستصعب ما وصفت لك بل تعمل ما تقدر عليه ولا تترك ما تقدر عليه لاجل ما يصعب عليك فانك اذا فعلت ما تقدر عليه قويت على ما صعب عليك قال الصادق (ع) بالحكمة يستخرج غور العقل وبالعقل يستخرج غور الحكمة واذا داومت على الاعمال الصالحة والنوافل انفتحت لك الابواب وتسببت لك الاسباب ورفع عنك الحجاب ورزقك الله من رحمته وعلمه ومعرفته ومعرفة احكامه بغير حساب قال تعالى ما زال العبد يتقرب اليّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته الحديث فاذا تقرب العبد الى الله بالنوافل احبه فاذا احبه قال (ص) ليس العلم بكثرة التعلم وانما هو نور يقذفه الله في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل وهل لذلك من علامة قال (ص) التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله فهذه حقيقة الطريقة وطريقة الحقيقة وهي اقرب الطرق الى الله واقومها واما ما ذكره اهل التصوف واصحاب التقشف من الرياضات والاذكار التي لم ترد عن الائمة الاطهار فذلك زخرف القول يفعلونه غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه ولكنه تركهم وخلاهم من يد رحمته فذرهم وما يفترون وليصغى اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة من اخوانهم اهل الغواية والضلالة والملاهي الذين يطلبون ما يباهون به العلماء ويمارون به السفهاء فيصورون الباطل في صورة الحق ليستحسنه اهل الالحاد في اسماء الله وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون وهو طريق كثير الحيات والعقارب مظلم كالليل الدامس مسبع وهو سبيل الفجار وطريق النار فاجتنبوه لعلكم تهتدون والسلام على من اتبع الهدى وخشى عواقب الردى ورحمة الله وبركاته